المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تابع الطبقة السادسة عشر: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌2520 - ثعلب (1) : العلامة، - سير أعلام النبلاء - ط الحديث - جـ ١١

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

تابع الطبقة السادسة عشر:

بسم الله الرحمن الرحيم

‌2520 - ثعلب

(1)

:

العلامة، المحدث، إمام النحو، أبو العباس أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني مولاهم، البغدادي، صاحب "الفصيح والتصانيف".

ولد سنة مائتين، وكان يقول: ابتدأت بالنظر وأنا ابن ثماني عشرة سنةً، ولما بلغت خمسًا وعشرين سنةً، ما بقي علي مسألة للفراء، وسمعت من القواريري مائة ألف حديث.

قلت: وسمع من إبراهيم بن المنذر، ومحمد بن سلام الجمحي، وابن الأعرابي، وعلي ابن المغيرة، وسلمة بن عاصم، والزبير بن بكار.

وعنه: نفطويه، ومحمد بن العباس اليزيدي، والأخفش الصغير، وابن الأنباري، وأبو عمر الزاهد، وأحمد بن كامل، وابن مقسم الذي روى عنه "أماليه".

قال الخطيب: ثقة حجة، دين صالح، مشهور بالحفظ.

وقيل: كان لا يتفاصح في خطابه.

قال المبرد: أعلم الكوفيين ثعلب. فذكر له الفراء، فقال: لا يَعْشُره.

وكان يزري على نفسه، ولا يعد نفسه.

قال ابن مجاهد: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، في المنام فقال لي: أقرئ أبا العباس السلام، وقل له: إنك صاحب العلم المستطيل.

قال القفطي: كان يكرر علىَّ كتب الكسائي، والفراء، ولا يدري مذهب البصريين، ولا كان مستخرطًا للقياس.

وقال الدينوري: كان المبرد أعلم بكتاب سيبويه من ثعلب.

وقيل: كان ثعلب يبخل، وخلف ستة آلاف دينار.

وكان صحب محمد بن عبد الله بن طاهر، وعلم ولده طاهرًا فرتب له ألفًا في الشهر.

وله كتاب "اختلاف النحويين"، وكتاب "القراءات"، وكتاب "معاني القرآن"، وأشياء.

وعُمِّر، وأصم، صدمته دابة، فوقع في حفرة، ومات منها في جمادى الأولى، سنة إحدى وتسعين ومائتين.

(1)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "2/ 496"، وتاريخ بغداد "5/ 204"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 44 - 45"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "5/ 102 - 146"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 43" وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 686"، والعبر "2/ 88"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 133"، وبغية الوعاة للسيوطي "1/ 396"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 207".

ص: 5

‌2521 - أبو خليفة

(1)

:

الإمام، العلامة، المحدث، الأديب الأخباري، شيخ الوقت، أبو خليفة الفضل بن الحباب. واسم الحباب: عمرو بن محمد بن شعيب الجمحي، البصري، الأعمى.

ولد في سنة ست ومائتين، وعني بهذا الشأن وهو مراهق، فسمع في سنة عشرين ومائتين ولقي الأعلام، وكتب علمًا جمًا.

سمع: القعنبي، ومسلم بن إبراهيم، وسليمان بن حرب، ومحمد بن كثير، وعمرو بن مرزوق، وأبا الوليد الطيالسي، وشاذ ابن فياض، والوليد ابن هشام القحذمي، وحفص بن عمر الحوضي، ومسدد بن مسرهد، وعثمان بن الهيثم المؤذن، وأبا معمر المقعد، وعلي بن المديني، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، ومحمد بن سلام الجمحي، وأخاه؛ عبد الرحمن ابن سلام، وعبد الرحمن بن المبارك العيشي، وخلقًا كثيرًا. وتفرد بالرواية عن أكثر هؤلاء.

ولقد كتب حتى روى عن أبي القاسم الطبراني تلميذه.

وكان ثقة، صادقًا، مأمونًا، أديبًا، فصيحًا، مفوها، رحل إليه من الآفاق، وعاش مائة عام سوى أشهر.

حدث عنه: أبو عوانة في "صحيحه"، وأبو بكر الصولي، وأبو حاتم بن حبان، وأبو علي النيسابوري، وأبو القاسم الطبراني، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو بكر الجعابي، وأحمد بن الحسين العكبري، وأبو الشيخ، وأبو أحمد الغطريفي، وعبد الله بن مظاهر، وأبو محمد بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي، وأبو اسحاق بن حمزة

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 690"، والعبر "2/ 130"، وميزان الاعتدال "3/ 350"، ولسان الميزان "2/ 438"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 245"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 193"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 246".

ص: 6

الأصبهاني، وعمر بن جعفر البصري، وأبو بكر أحمد بن محمد بن السني، وإبراهيم بن أحمد الميمذي، وعلي بن عبد الملك بن دهثم الطرسوسي، ومحمد بن سعيد الاصطخري، وإبراهيم بن محمد الأبيوردي -نزيل مكة، شيخ لحقه أبو عمر الطلمنكي- وسهل بن أحمد الديباجي، وأحمد بن محمد بن العباس البصري، وغيرهم.

قال أبو الحسين بن المحاملي: أخبرنا علي بن أحمد بن أبي خليفة: سمعت أبي يقول: حضرنا يومًا عند خليل أمير البصرة، فجرى بينه وبين أبي خليفة كلام. فقال له: من أنت أيها المتكلم? فقال: أيها الأمير! ما مثلك من جهل مثلي! أنا أبو خليفة الفضل بن الحباب، أفهل يخفى القمر?! فاعتذر إليه، وقضى حاجته، ولما خرج، سألوه، فقال: ما كان إلَّا خيرا، أحضرني مأدبته، فأبط، وأدج، وأفرخ، وفولج لوذج، ثم أتاني بالشراب، فقلت: معاذ الله، فعاهدني أن آتي مأدبته كل يوم. فكل إنسان يأتي كل يوم، فيحمله إلى الأمير.

قال الصولي: كنت أقرأ على أبي خليفة كتاب "طبقات الشعراء" وغير ذلك، قال: فواعدنا يومًا، وقال: لا تخلفوني فإني أتخذ لكم خبيصة، فتأخرت لشغل عرض لي، ثم جئت والهاشميون عنده، فلم يعرفني الغلام، وحجبني فكتبت إليه:

أبا خليفة تجفو من له أدب

وتؤثر الغر من أولاد عباس

وأنت رأس الورى في كل مكرمة

وفي العلوم، وما الأذناب كالراس

ما كان قدر خبيص لو أذنت لنا

فيه فيختلط الأشراف بالناس

فلما قرأها صاح على الغلام، ثم دخلت، فقال: أسأت إلينا بتغيبك، فظلمتنا في تعتبك، وإنما عقد المجلس بك، ونحن فيما فاتنا بتأخرك كما أنشدني التوزي لمن طلق امرأته، ثم ندم، فتزوجت رجلًا، فمات حين دخل بها، فتزوجها الأول، فقال:

فعادت لنا كالشمس بعد ظلامها

على خير أحوال كأن لم تطلق

ثم صاح: يا غلام! أعد لنا مثل طعامنا. فأقمنا عنده يومنا.

قال أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني -ابن أخت أبي عوانة: سمعت أبي يقول لأبي علي النيسابوري الحافظ: دخلت أنا وأبو عوانة البصرة، فقيل: إن أبا خليفة قد هجر، ويدعى عليه أنه قال: القرآن مخلوق. فقال لي أبو عوانة: يا بني! لا بد أن ندخل عليه. قال: فقال له أبو عوانة: ما تقول في القرآن? فاحمر وجهه وسكت، ثم قال: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق، فهو كافر، وأنا تائب إلى الله من كل ذنب إلَّا الكذب فإني لم

ص: 7

أكذب قط، أستغفر الله. قال: فقام أبو علي إلى أبي فقبل رأسه. ثم قال أبي: قام أبو عوانة إلى أبي خليفة، فقبل كتفه.

توفي أبو خليفة: في شهر ربيع الآخر، أو في الذي يليه، سنة خمس وثلاث مائة، بالبصرة.

أخبرنا الإمام شمس الدين بن قدامة، وغيره إجازة، قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا أبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الشافعي، حدثنا أبو أحمد محمد ابن أحمد بن الغطريف سنة إحدى وسبعين وثلاث مائة، حدثنا أبو خليفة، حدثنا مسلم بن إبراهيم، عن همام وشعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالعائد في قيئه"

(1)

.

وبه: حدثنا أبو خليفة، حدثنا عثمان بن الهيثم، حدثنا عوف، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان العلم معلقًا بالثريا، لتناوله قوم من أبناء فارس"

(2)

.

(1)

صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "1/ 280 و 342"، والطيالسي "2649" والبخاري "2621" ومسلم "1622""7"، وأبو داود "3538"، والنسائي "6/ 266"، وابن ماجه "2385"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار""4/ 77"، والبيهقي "6/ 180"، والبغوي "2200" من طريق شعبة، به، ووقع عند البخاري، والبيهقي:"عن شعبة وهشام الدستوائي"، وعند بعضهم "عن شعبة وهمام".

(2)

ضعيف بهذا اللفظ: أخرجه أحمد "2/ 297 و 420 و 422" من طريق عوف، عن شهر بن حوشب، به.

قلت: إسناده ضعيف؛ آفته شهر بن حوشب، فإنه ضعيف أجمعوا على ضعفه. لكن قد صح عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:"لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس -أو قال- من أبناء فارس حتى يتناوله" أخرجه البخاري "4897"، ومسلم "2546" واللفظ له.

ص: 8

‌2522 - عبدوس

(1)

:

هو الحافظ الكبير، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن مالك النيسابوري، نزيل سمرقند، لا أكاد أعرفه، لكن ذكره أبو عبد الله غنجار في "تاريخه"، وأنه سمع من: يحيى بن يحيى، وقتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وعمرو بن زرارة، وأبي حفص الفلاس، وطبقتهم.

روى عنه: محمد بن محمد بن نصر المروزي، وعمر بن محمد بن بجير، وسهل بن شاذويه، وغيرهم.

قال أبو عمرو محمد بن إسحاق بن جبلة السمرقندي: مات عبدوس الحافظ بسمرقند، في سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وقال غيره: مات في شعبان، سنة ثلاث وثمانين ومائتين، رحمه الله.

وفيها -وقيل: في التي تليها- مات: شاعر عصره أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي البحتري المنبجي، صاحب "الديوان" المشهور.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 695"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 185".

ص: 8

‌2523 - صباح

(1)

:

ابن عبد الرحمن بن الفضل، الفقيه، المحدث، المعمر، مسند زمانه بالأندلس، أبو الغصن العتقي، الأندلسي، المرسي.

حدث عن: يحيى بن يحيى، ويحيى بن بكير، وأصبغ بن الفرج، وأبي مصعب الزهري، وسحنون، وطائفة. وعمر دهرًا طويلًا.

روى عنه: حفص بن محمد بن حفص، وغيره.

قال ابن الفرضي: لقي بمصر أصبغ بن الفرج، فسمع منه، وأقام عنده زمانًا، ثم انصرف، وكان يرحل إليه للسماع والتفقه. قال: وبلغني أنه توفي ابن مائة وثمانية عشر عامًا، ومات في عاشر المحرم، سنة أربع وتسعين ومائتين.

وقال أبو سعيد بن يونس، ومحمد بن حارث: عاش مائة وخمس سنين.

‌2524 - عبدان بن محمد

(2)

:

ابن عيسى، الإمام الكبير، فقيه مرو، أبو محمد المروزي، الزاهد.

سمع: قتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، وأبا كريب، وعبد الله بن منير، وإسماعيل بن مسعود الجحدري، وعبد الجبار بن العلاء، ومحمد بن بشار، وطبقتهم، وتفقه بأصحاب الشافعي، الربيع وغيره، وبرع في المذهب، وبعد صيته.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 97 - 98"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 185".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 135"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 58"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 708"، والعبر "2/ 95"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 215".

ص: 9

روى عنه: أبو حامد بن الشرقي، والدغولي، وعلي بن حمشاذ، ويحيى بن محمد العنبري، وأبو أحمد العسال، وأبو القاسم الطبراني، وجماعة.

وصنف كتاب "الموطأ" وغير ذلك.

قال أبو نعيم الغفاري: سمعته يقول: ولدت سنة عشرين ومائتين، ليلة عرفة.

قلت: لقيه الطبراني في الحج.

قال أبو سعد السمعاني في "الأنساب": عبدان الفقيه الجنوجردي، وجنوجرد: من قرى مرو. اسمه: عبد الله، وهو أحد من أظهر مذهب الشافعي بخراسان، وكان المرجوع إليه في الفتاوى والمعضلات بعد الإمام أحمد بن سيار. وكان أحمد قد حمل كتب الشافعي إلى مرو، وأعجب بها الناس، فأراد عبدان أن ينسخها، فلم يعره أحمد، فباع ضيعة له بجنوجرد، وسار إلى مصر، وحصل الكتب على الوجه وأكثر، فدخل أحمد بن سيار عليه مسلمًا ومهنئًا واعتذر، فقال: لا تعتذر، فإن لك علي منة في ذلك، فلو دفعت إلي الكتب لما رحلت إلى مصر.

قال أبو نعيم عبد الرحمن بن محمد الغفاري: توفي عبدان ليلة عرفة أيضًا -يعني: كما ولد فيها- سنة ثلاث وتسعين ومائتين.

وقال أبو بكر الخطيب: كان ثقة، حافظًا، صالحًا، زاهدًا.

أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الحداد، أخبرنا محمد بن إسماعيل، وأخبرنا عبد الله بن أبي العيش، أخبرنا إبراهيم بن خليل، قالا: أخبرنا يحيى بن محمود، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزجانية مرتين، وأبو عدنان محمد بن أحمد حضورًا، قالا: أخبرنا محمد بن عبد الله، أخبرنا أبو القاسم الطبراني، حدثنا عبدان بن محمد المروزي بمكة سنة سبع وثمانين ومائتين، أخبرنا قتيبة، أخبرنا سحبل بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، عن أبيه، عن أبي حدرد الأسلمي، قال: كان ليهودي علي أربعة دراهم، فلزمني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الخروج إلى خيبر فاستنظرته إلى أن أقدم، فقلنا: لعلنا أن نغنم شيئًا، فجاء بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أعطه حقه" مرتين. وكان إذا قال الشيء ثلاث مرار لم يراجع. وعليَّ إزار، وعلى رأسي عصابة، فلما خرجت قلت: اشتر مني هذا الإزار، فاشتراه بالدراهم التي له علي. الحديث تفرد به قتيبة.

ص: 10

‌2525 - جعفر بن أحمد:

ابن أبي عبد الرحمن الشاماتي، الإمام، المحدث، الرحال، المصنف، أبو محمد النيسابوري، الفقيه، الشافعي.

تفقه بأبي إبراهيم المزني، وسمع: إسحاق بن راهويه، وإسماعيل بن موسى الفزاري، وأبا كريب، ومحمد بن رافع، وأحمد بن عبدة الضبي، ومحمد بن بشار، وأبا موسى الزمن، وعبد الله بن عمر العابدي، وإسحاق الكوسج، ويونس بن عبد الأعلى، وطبقتهم بالحجاز، ومصر، والعراق، وخراسان.

روى عنه: أبو عبد الله بن يعقوب الشيباني، وأبو الفضل بن إبراهيم، وأبو بكر بن جعفر، وأبو الوليد جمعان بن محمد، وطائفة.

قال أبو عبد الله الحاكم: حدثني أبو بكر بن جعفر، قال: حدثنا جعفر بن أحمد الشاماتي، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا الهيثم بن عدي، قال: سمعت أبي يقول: سعى رجل برجل إلى الحجاج وقال: أعز الله الأمير، هذا رجل خارجي يشتم علي بن أبي سفيان، ويقع في معاوية بن أبي طالب. فقال الحجاج: لا أدري بأيهما أنت أعلم، بالأنساب أو بالأديان؟!

قال: وحدثني أبو محمد بن أبي عبد الله، عن أبيه: أن الشاماتي مات في ذي القعدة، سنة اثنتين وتسعين ومائتين.

وفيها مات: محمد بن إبراهيم بن شبيب، وعلي بن محمد الجكاني بهراة، وأبو سعد يحيى بن منصور بهراة، وأبو مسلم الكجي، وأبو خازم عبد الحميد القاضي، ويحيى بن عبد الباقي الأذني، وأبو بكر أحمد بن عمرو البزار، وإدريس بن عبد الكريم الحداد، وطاهر بن عيسى بن قيرس، وأبو الآذان عمر بن إبراهيم، وأحمد بن الحسن المصري، وأحمد بن محمد ابن الحجاج بن رشدين.

‌2526 - علي بن الحسين بن الجنيد

(1)

:

الإمام، الحافظ، الحجة، أبو الحسن النخعي، الرازي، المعروف في بلده: بالمالكي؛ لكونه جمع حديث مالك الإمام، وكان من أئمة هذا الشأن.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "6/ ترجمة 981"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 691"، والعبر "2/ 89"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 208".

ص: 11

سمع: أبا جعفر النفيلي، والمعافى بن سليمان، وصفوان بن صالح، وهشام بن عمار، وأبا مصعب الزهري، ومحمد بن عبد الله بن نمير، والقاسم بن عثمان الجوعي، والوليد بن عتبة، وأحمد بن صالح المصري، وخلائق.

حدث عنه: ابن أبي حاتم، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو بكر بن إسحاق الصبغي، وأحمد بن الحسن بن ماجة، ودعلج السجزي، وأبو أحمد العسال، وأبو جعفر العقيلي، وإسماعيل بن نجيد، وآخرون.

وثقه: ابن أبي حاتم، وسماه حافظ حديث الزهري، ومالك.

قال أبو الشيخ: توفي سنة إحدى وتسعين ومائتين بالري.

وأما الخليلي، فأرخ موته في سنة ثمان وثمانين ومائتين، وقال: هو حافظ علم مالك، صاحب ديانة.

قلت: الأصح وفاته في آخر سنة إحدى وتسعين ومائتين.

وفيها مات عدة من العلماء، منهم: مقرئ مكة أبو عمر محمد بن عبد الرحمن بن جرجة قنبل المكي، في عشر المائة.

ومقرئ دمشق هارون بن موسى بن شريك الدمشقي الأخفش، تلميذ ابن ذكوان.

ص: 12

‌2527 - هارون بن خمارويه

(1)

:

ابن أحمد بن طولون التركي، الملك، صاحب مصر، أبو موسى.

تملك إذ خلع أخوه جيش، فحشد عمه ربيعة بن أحمد، وأقبل من الإسكندرية، فالتقوا، فقتل جماعة، وجرح فرس ربيعة، فسقط، فأسروه، فسجن، ثم ضرب ومات سنة أربع وثمانين.

وناب لهارون على الشام بدر الحمامي، ثم إن المكتفي الخليفة بعث محمد بن سليمان الكاتب، فانضم إليه بدر وغيره، فتهيأ هارون للحرب، وخرج عن الطاعة، والتقوا، فقتل خلق من الفريقين، ودامت الفتنة، وضعف أمر هارون فقتله عماه: شيبان وعدي بأخيهما، في صفر سنة اثنتين وتسعين ومائتين.

وكانت دولته ثمانية أعوام وأشهرًا، وقتل شابًا. وتملك عمه شيبان أبو المقانب، ثم تلاشى أمره بعد أيام، وزالت دولة آل طولون، وطرد من بقي منهم بمصر، نحو من عشرين نفرًا.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 91"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 93"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 209".

ص: 12

‌2528 - القاسم بن عبيد الله

(1)

:

ابن سليمان بن وهب بن سعيد الحارثي، الوزير.

ولي الوزارة للمعتضد بعد موت والده الوزير الكبير عبيد الله، في سنة ثمان وثمانين، وظهرت شهامته، وزاد تمكنه، فلما مات المعتضد في سنة تسع وثمانين ومائتين، قام القاسم بأعباء الخلافة، وعقد البيعة للمكتفي، وكان ظلوما عاتيا، يدخله من أملاكه في العام سبع مائة ألف دينار، وإنما تقدم بخدمته للمكتفي، وكان سفاكًا للدماء، أباد جماعة، ولما مات شمت الناس بموته.

وقال النوفلي: كنت أبغضه لكفره، ولمكروه نالني منه.

قال ابن النجار: أخذ البيعة للمكتفي، وكان غائبا بالرقة، وضبط له الخزائن، فلقبه ولي الدولة، وزوج ولده بابنة القاسم على مائة ألف دينار. ثم قال ابن النجار: كان جوادًا ممدحًا، إلَّا أنه كان زنديقًا، وكان مؤدبه أبو إسحاق الزجاج، فنال في دولته مالا جزيلا من الرشوة، فحصل أربعين ألف دينار.

هلك القاسم عن ثلاث وثلاثين سنة، لا رحمه الله.

قال الصولي: حدثنا شادي المغني، قال: كنت عند القاسم وهو يشرب، فقرأ عليه ابن فراس من عهد أردشير، فأعجبه، فقال له ابن فراس: هذا والله -وأومأ إلي- أحسن من بقرة هؤلاء وآل عمرانهم. وجعلا يتضاحكان.

قال الصولي: وأخبرنا ابن عبدون: حدثني الوزير عباس بن الحسن، قال: كنت عند القاسم بن عبيد الله فقرأ قارئ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ} [آل عمران: 100]، فقال ابن فراس: بنقصان ياء، فوثبت فزعًا، فردني القاسم وغمزه، فسكت.

الصولي: أخبرنا علي بن العباس النوبختي، قال: انصرف ابن الرومي الشاعر من عند

(1)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي: "2/ 494"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 46"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 361"، والعبر "2/ 89"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 133".

ص: 13

القاسم بن عبيد الله، فقال لي: ما رأيت مثل حجة أوردها اليوم الوزير في قدم العالم، وذكر أبياتًا.

قلت: هذه أمور مؤذنة بشقاوة هذا المعثر، نسأل الله خاتمة خير.

مات هذا في ذي القعدة، سنة إحدى وتسعين ومائتين، ووزر بعده العباس بن الحسن، الذي قتل مع ابن المعتز.

وقال شاعر:

شربنا عشية مات الوزير

سرورًا ونشرب في ثالثه

فلا رحم الله تلك العظام

ولا بارك الله في وارثه

ص: 14

‌2529 - قاتل قتيبة:

الإمام، الرحال، أبو بكر، عبد الصمد بن هارون القيسي، النيسابوري، المشهور: بقاتل قتيبة.

سمع: قتيبة، وأبا مصعب، وأحمد بن حنبل، وابن راهويه، وهشام بن عمار، والعدني.

وعنه: أبو حامد بن الشرقي، ومؤمل بن الحسين، ومحمد بن صالح بن هانئ، وأحمد ابن إسحاق الصيدلاني، وآخرون.

قال الحاكم: مات في شوال، سنة أربع وثمانين ومائتين.

‌2530 - محمد بن عثمان بن أبي شيبة

(1)

:

الإمام الحافظ المسند، أبو جعفر العبسي، الكوفي.

سمع: أباه، وعميه: أبا بكر، والقاسم، وأحمد بن يونس اليربوعي، وعلي بن المديني، ويحيى الحماني، وسعيد بن عمرو الأشعثي، ومنجاب بن الحارث، والعلاء بن عمرو الحنفي، وأبا كريب، وهنادًا، وخلقًا سواهم.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 42"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 95"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 681"، والعبر "2/ 108"، وميزان الاعتدال "3/ 642"، ولسان الميزان "5/ 280"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 171"، وشذارت الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 226".

ص: 14

وعنه: ابن صاعد، وابن السماك، والنجاد، وجعفر الخلدي، وابن أبي دارم، وإسماعيل الخطبي، وأبو بكر الشافعي، وسعد ابن محمد الناقد، وأبو علي بن الصواف، وأبو القاسم الطبراني، والحسين بن عبيد الدقاق، والإسماعيلي، وخلق.

وجمع وصنف، وله "تاريخ" كبير، ولم يرزق حظًا، بل نالوا منه. وكان من أوعية العلم.

وقال صالح جزرة: ثقة.

وقال ابن عدي: لم أر له حديثًا منكرًا فأذكره.

وأما عبد الله بن أحمد بن حنبل، فقال: كذاب.

وقال عبد الرحمن بن خراش: كان يضع الحديث.

وقال مطين: هو عصا موسى، يتلقف ما يأفكون.

وقال أبو الحسن الدارقطني: إنه أخذ كتاب غير محدِّث.

وقال أبو بكر البرقاني: لم أزل أسمع الشيوخ يذكرون أنه مقدوح فيه.

وعن عبدان، قال: لا بأس به.

قال أبو الحسين بن المنادي: كنا نسمع الشيوخ يقولون: مات حديث الكوفة لموت محمد ابن أبي شيبة، ومطين، وموسى بن إسحاق، وعبيد بن غنام.

قلت: اتفق موت الأربعة في عام.

مات ابن أبي شيبة في جمادى الأولى، سنة سبع وتسعين ومائتين، وقد قارب التسعين.

أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا مسعود الجمال، وأحمد بن محمد التيمي، ونبأني عنهما ابن سلامة، أن أبا علي الحداد أخبرهم، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا سعد بن محمد، حدثنا محمد بن عثمان، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، عن عبد خير، عن علي رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسمت أن لا أضع ردائي عن ظهري، حتى أجمع ما بين اللوحين، فما وضعته عن ظهري حتى جمعت القرآن

(1)

.

(1)

ضعيف: إسناده ضعيف جدا؛ آفته الحكم بن ظهير، قال البخاري: منكر الحديث.

وقال -مرة: تركوه. وقال ابن معين: ليس بثقة.

وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف""ص 1" من طريق ابن فضيل، عن أشعث، عن محمد بن سيرين قال:"لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم أقسم على أن لا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف، ففعل، فأرسل إليه أبو بكر بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ قال: لا والله إني أقسمت أن لا أرتدي برداء إلا لجمعة، فبايعه ثم رجع". وإسناده ضعيف، آفته أشعث، وهو ابن سوار الكوفي الكندي، قال أبو زرعة: لين. وقال ابن معين، والنسائي: ضعيف.

ص: 15

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه المقدسي في كتابه: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق، حدثنا أبو جعفر محمد بن عثمان، سنة ست وتسعين ومائتين، حدثنا حمزة بن مالك، حدثني عمي سفيان بن حمزة، عن كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الناس دثار والأنصار شعار، ولولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار

"، الحديث

(1)

.

ومات مع ابن أبي شيبة: مطين، وعبيد بن غنام، وعبد الرحمن بن القاسم الرواس بدمشق، وإبراهيم بن هاشم البغوي، وإسماعيل بن محمد بن قيراط الدمشقي، والفقيه محمد بن داود الظاهري، ويوسف بن يعقوب القاضي، وموسى بن إسحاق الأنصاري، وأحمد بن أبي عوف البزوري، ومحمد بن أحمد بن أبي خيثمة، ومحمد بن داود بن عثمان الصدفي.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 419" من طريق يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:"الأنصار شعاري، والناس دثاري".

وله شاهد من حديث عبد الله بن زيد: عند البخاري "4330"، ومسلم "1061" من طريق عباد بن تميم، عنه، به في حديث طويل.

ص: 16

‌2531 - صالح بن محمد

(1)

:

ابن عمرو بن حبيب بن حسان بن المنذر بن أبي الأشرس، واسم أبي الأشرس: عمار، مولى لبني أسد بن خزيمة. الإمام الحافظ الكبير الحجة، محدث المشرق، أبو علي الأسدي البغدادي، الملقب جزرة -بجيم وزاي- نزيل بخارى.

مولده سنة خمس ومائتين ببغداد.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 322"، والمنتظم لابن الجوزي "2/ 62"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 664" والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 161"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 216".

ص: 16

وسمع: سعيد بن سليمان سعدويه، وخالد بن خداش، وعلي بن الجعد، وعبيد الله بن محمد العيشي، وعبد الله بن محمد بن أسماء، وأبا نصر التمار، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وهدبة بن خالد، ومنجاب بن الحارث، وأبا خيثمة، والأزرق بن علي، وخلف بن هشام البزار، وهشام بن عمار، وطبقتهم بالحرمين، والشام، والعراق، ومصر، وبخراسان، وما وراء النهر.

وجمع وصنف، وبرع في هذا الشأن.

حدث عنه: مسلم بن الحجاج خارج "الصحيح" وهو أكبر منه بقليل، وأحمد بن علي بن الجارود الأصبهاني، وأبو النضر محمد بن محمد الفقيه، وخلف بن محمد الخيام، وأبو أحمد علي بن محمد الحبيبي، وبكر بن محمد بن حمدان الصيرفي، والهيثم بن كليب الشاشي، وأحمد بن سهل، ومحمد بن محمد بن صابر، وخلق سواهم.

واستوطن بخارى من سنة ست وستين ومائتين، وملكه أمير بخارى بالإحسان والاحترام.

قال الدارقطني: هو من ولد حبيب بن أبي الأشرس، أقام ببخارى، وحديثه عندهم. قال: وكان ثقة حافظًا غازيًا.

وقال الحافظ أبو سعد الإدريسي: صالح بن محمد، ما أعلم في عصره بالعراق وخراسان في الحفظ مثله، دخل ما وراء النهر، فحدث مدة من حفظه، وما أعلم أخذ عليه مما حدث خطأ، ورأيت أبا أحمد بن عدي يفخم أمره ويعظمه.

وقال محمد بن عبد الله الكتاني: سمعته يقول: أنا صالح بن محمد

فساق نسبه كما قدمنا. وكذلك ساقه الخطيب، وقال: حدث من حفظه دهرًا طويلًا، ولم يكن استصحب معه كتابًا، وكان صدوقًا ثبتًا، ذا مزاح ودعابة، مشهورًا بذلك.

وقال أبو حامد بن الشرقي: كان صالح بن محمد يقرأ على محمد بن يحيى في "الزهريات" فلما بلغ حديث عائشة أنها كانت تسترقى من الخرزة. فقال: من الجزرة، فلقب به. رواها الحاكم، عن أبي زكريا العنبري، عنه، ثم قال أبو بكر الخطيب: هذا غلط، لأنه لقب بجزرة في حداثته يعني: قبل ارتحاله إلى محمد بن يحيى بزمان.

قال: فأخبرنا الماليني، حدثنا ابن عدي، سمعت محمد بن أحمد بن سعدان، سمعت صالح بن محمد يقول: قدم علينا بعض الشيوخ من الشام، وكان عنده عن حريز بن عثمان،

ص: 17

فقرأت عليه: حدثكم حريز بن عثمان قال: كان لأبي أمامة خرزة يرقى بها المريض. فقلت: جزرة، فَلُقِّبت جزرة.

وقال أحمد بن سهل البخاري الفقيه: سمعت أبا علي وسئل: لم لقبت جزرة? فقال: قدم عمر بن زرارة الحدثي بغداد، فاجتمع عليه خلق، فلما كان عند فراغ المجلس سئلت: من أين سمعت? فقلت: من حديث الجزرة، فبقيت علي.

وقال خلف بن محمد الخيام: حدثنا سهل بن شاذويه: أنه سمع الأمير خالد بن أحمد يسأل أبا علي: لم لقبت جزرة؟ قال: قدم علينا عمر بن زرارة فحدثهم بحديث عن عبد الله ابن بسر: أنه كان له خرزة للمريض، فجئت وقد تقدم هذا الحديث، فرأيت في كتاب بعضهم وصِحْتُ بالشيخ: يا أبا حفص! يا أبا حفص! كيف حديث عبد الله بن بسر: أنه كانت له جزرة يداوي بها المرضى، فصاح المحدثون المجان، فبقي علي حتى الساعة.

قلت: قد كان صالح صاحب دعابة، ولا يغضب إذا واجهه أحد بهذا اللقب.

قال أبو بكر البرقاني: أخبرنا أبو حاتم بن أبي الفضل الهروي، قال: كان صالح ربما يطنز

(1)

، كان ببخارى رجل حافظ يلقب بجمل، فكان يمشي مع صالح بن محمد، فاستقبلهما بعير عليه جزر، فقال: ما هذا يا أبا علي؟ قال: أنا عليك. هذه حكاية منقطعة.

وروى الحاكم: أخبرنا بكر بن محمد الصيرفي، سمعت صالح بن محمد، قال: كنت أساير الجمل الشاعر بمصر، فاستقبلنا جمل عليه جزر، فقال: ما هذا يا أبا علي? قلت: أنا عليك.

قال خلف الخيام: سمعت صالحًا يقول: اختلفت إلى علي بن الجعد أربع سنين وكان لا يقرأ إلَّا ثلاثة أحاديث كل يوم، أو كما قال. وفي رواية: كان يحدث لكل إنسان بثلاثة أحاديث، عن شعبة.

وعن جعفر الطستي: أنه سمع أبا مسلم الكجي يقول -وذكر عنده صالح جزرة- فقال: ما أهونه عليكم، ألا تقولون: سيد المسلمين!

وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول لأبي زرعة: حفظ الله أخانا صالح بن محمد، لا يزال يضحكنا شاهدًا وغائبًا، كتب إلي يذكر أنه مات محمد بن يحيى الذهلي، وجلس

(1)

يطنز: أي يستهزأ.

ص: 18

للتحديث شيخ يعرف بمحمد بن يزيد محمش، فحدث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا عمير، ما فعل البعير"

(1)

.

وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس"

(2)

فأحسن الله عزاءكم في الماضي، وأعظم أجركم في الباقي.

وروى البرقاني عن أبي حاتم بن أبي الفضل الهروي، قال: بلغني أن صالحًا سمع بعض الشيوخ يقول: إن السين والصاد يتعاقبان، فسأل "بعض تلامذته" عن كنيته فقال "له": أبو صالح. قال: فقلت للشيخ: يا أبا سالح، أسلحك الله، هل يجوز أن تقرأ:"نحن نقس عليك أحسن القسس"؟ فقال لي بعض تلامذته: تواجه الشيخ بهذا? فقلت: فلا يكذب، إنما تتعاقب السين والصاد في مواضع.

وروي عن صالح بن محمد، قال: الأحول في البيت المبارك، يرى الشيء شيئين.

قال بكر بن محمد الصيرفي: سمعت صالحًا يقول: كان عبد الله بن عمر بن أبان يمتحن أصحاب الحديث، وكان غاليًا في التشيع، فقال لي: من حفر بئر زمزم? قلت: معاوية. قال: فمن نقل ترابها? قلت: عمرو بن العاص. فصاح في وقام.

قال أبو النضر الفقيه: كنا نسمع من صالح بن محمد وهو عليل، فبدت عورته، فأشار إليه بعضنا بأن يتغطى، فقال: رأيته؟ لا ترمد أبدًا.

قال أبو أحمد علي بن محمد: سمعت صالح بن محمد يقول: كان هشام بن عمار يأخذ

(1)

هذا تصحيف في الحديث، والصواب:"يا أبا عمير ما فعل النغير؟. وقد أخرجه البخاري "6203"، ومسلم "2150"، والترمذي "333" و"1989"، وابن ماجه "3720" من طريق أبي التياح، عن أنس بن مالك، به مرفوعا، وأخرجه أبو داود "4969" من طريق حماد، عن ثابت، عن أنس، به.

والنغير: تصغير النغر، وهو طائر صغير، جمعه نغران.

(2)

صحيح لغيره: هذا الحديث محرف والصواب: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس".

وقد أخرجه أحمد "6/ 327"، وأبو داود "2554" عن أم حبيبة، وإسناده ضعيف، آفته أبو الجراح، مولى أم حبيبة أم المؤمنين، قيل اسمه الزبير، وقيل فيه: الجراح، وهو وهم. وهو مجهول كما قال الحافظ في "التقريب".

وللحديث شاهد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "لا تصحب الملائكة رفقه فيها كلب أو جرس" أخرجه أحمد "2/ 311 و 327"، ومسلم "2113"، والدارمي "2/ 288" من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.

ص: 19

على الحديث، ولا يحدث ما لم يأخذ، فدخلت عليه يومًا، فقال: يا أبا علي! حدثني.

فقلت: حدثنا علي بن الجعد، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: علم مجانًا كما علمت مجانًا. فقال: تعرض بي? فقلت: لا، بل قصدتك.

قال الحاكم: سمعت أبا النضر الطوسي يقول: مرض صالح جزرة، فكان الأطباء يختلفون إليه، فلما أعياه الأمر، أخذ العسل والشونيز

(1)

، فزادت حماه، فدخلوا عليه وهو يرتعد ويقول: بأبي أنت يا رسول الله، ما كان أقل بصرك بالطب!

قلت: هذا مزاح لا يجوز مع سيد الخلق، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالطب النبوي، الذي ثبت أنه قاله على الوجه الذي قصده، فإنه قاله بوحي:"فإن الله لم ينزل داء، إلَّا وأنزل له دواء"

(2)

، فعلم رسوله ما أخبر الأمة به، ولعل صالحًا قال هذه الكلمة من الهجر

(3)

في حال غلبة الرعدة، فما وعى ما يقول، أو لعله تاب منها، والله يعفو عنه.

قال علي بن محمد المروزي: حدثنا صالح بن محمد: سمعت عباد بن يعقوب يقول: الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنة. قلت: ويلك! ولم? قال: لأنهما قاتلًا عليًا بعد أن بايعاه.

قال ابن عدي: بلغني أن صالح بن محمد وقف خلف الشيخ أبي الحسين عبد الله بن محمد السمناني، وهو يحدث عن بركة الحلبي بتلك الأحاديث، فقال: يا أبا الحسين! ليس ذا بركة، ذا نقمة.

قلت: كان بركة يتهم بالكذب.

قال الحاكم: أخبرنا أحمد بن سهل الفقيه: سمعت أبا علي يقول: كان بالبصرة أبو موسى الزمن، في عقله شيء، فكان يقول: حدثنا عبد الوهاب -أعني: ابن عبد الحميد- حدثنا أيوب -يعني: السختياني- فدخل عليه أبو زرعة، فسأله عن حديث، فقال: حدثنا

(1)

الشونيز: هي الحبة السوداء في لغة أهل فارس، وتسميها العامة في مصر [حبة البركة].

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "5678"، وابن ماجه "3439" من حديث أبي هريرة، به.

وأخرجه ابن ماجه "3438" من حديث عبد الله بن مسعود، به.

وورد من حديث أسامة بن شريك: عند أحمد "4/ 278"، وأبي داود "3855"، والترمذي "2038" وابن ماجه "3436".

(3)

الهجر: هو التخليط في الكلام والهذيان.

ص: 20

حجاج. فقلت: يعني ابن منهال. فقال أبو زرعة: أي شيء تعذب المسكين? وقال: كنا في مجلس أبي علي، فلما قام قال له رجل من المجلس: يا شيخ! ما اسمك? قال: واثلة بن الأسقع. فكتب الرجل: حدثنا واثلة بن الأسقع.

قال أبو الفضل بن إسحاق: كنت عند صالح بن محمد، ودخل عليه رجل من الرستاق

(1)

، فأخذ يسأله عن أحوال الشيوخ، ويكتب جوابه، فقال: ما تقول في سفيان الثوري? فقال: ليس بثقة. فكتب الرجل ذلك، فلمته. فقال لي: ما أعجبك! من يسأل عن مثل سفيان لا تبالِ حكى عنك أو لم يحكِ.

قال أحمد بن سهل: كنت مع صالح بن محمد جالسًا على باب داره إذ أقبل ابنه، عن يمينه رجل أقصر منه، وعن يساره صبي، فقال لي صالح: يا أبا نصر! تبت?.

ويقال: كان ولد صالح مغفلًا، فقال صالح: سألت الله أن يرزقني ولدًا فرزقني جملًا.

قال أبو عبد الله الحاكم في "تاريخه": صالح بن محمد، أبو علي، أحد أركان الحفظ، سمع سعيد بن سليمان الواسطي. قلت: هذا سعدويه، وهو أقدم شيخ له، ثم سمى له الحاكم علي بن الجعد وجماعة، وقال: فهؤلاء من أتباع التابعين، ورحلته الدنيا بأسرها، كتب من مصر إلى سمرقند.

ورد نيسابور سنة ثلاث وخمسين ومائتين، فاستوطنها مدة، فلما توفي الذهلي كان في نفسه من أحاديث يسمعها من محمد بن عبد الله بن قهزاذ، فرحل إليه، ذكروا له بمرو أحاديث عن عمر بن محمد البخاري أفراد، فخرج إليه. قال: فثبطه الأمير إسماعيل بن أحمد ببخارى، وأقبل عليه، فتأهل وولد له. ومات: بها في آخر سنة ثلاث وتسعين ومائتين.

وسمعت محمد بن العباس الضبي، سمعت بكر بن محمد الصيرفي، سمعت أبا علي صالح بن محمد، قال: دخلت مصر فإذا حلقة ضخمة، فقلت: من هذا? قالوا: صاحب نحو. فقربت منه، فسمعته يقول: ما كان بصاد، جاز بالسين. فدخلت بين الناس وقلت: صلام عليكم يا أبا سالح، سليتم بعد? فقال لي: يا رقيع! أي كلام هذا? قلت: هذا من قولك الآن قال: أظنك من عيارى بغداد. قلت: هو ما ترى.

قال ابن عدي: سمعت عصمة بن بجماك، سمعت صالح بن محمد جزرة يقول:

(1)

الرستاق: قال ابن منظور، فارس معرب، والجمع الرساتيق، وهي السواد.

ص: 21

حضرت مجلس أحمد بن صالح، فقال: حرج على كل مبتدعٍ وماجن أن يحضر مجلسي.

فقلت: أما الماجن فأنا هو -وكان يقال له: صالح الماجن -قد حضر مجلسك.

ثم إن الحاكم مد النفس في ترجمة صالح بالغرائب والسؤالات، وحدث عن جماعة كثيرة سمعوا من صالح بن محمد، آخرهم وفاة أبو عمرو محمد بن محمد بن صابر، بقي إلى سنة نيف وسبعين وثلاث مائة ببخارى، وكانت وفاة صالح في ذي الحجة، لثمان بقين منه، سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وله تسع وثمانون سنة.

وفيها مات: عمر بن حفص السدوسي، ومحمد بن عبدوس بن كامل، وعبدان بن محمد الفقيه بمرو، وأبو بكر محمد بن جعفر بن أعين بمصر، وسليمان بن المعافى بن سليمان، توفي بالثغر، وداود بن الحسين.

قرأت على أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران، الفقيه سحنون بالثغر، أخبرنا عبد الرحمن بن عبد المجيد الصفراوي، سنة إحدى وثلاثين وست مائة، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي، أخبرنا القاضي أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني، سنة إحدى وخمس مائة، أخبرنا عبد الصمد بن أبي نصر العاصمي ببخارى، أخبرنا أبو عمرو محمد بن محمد إملاء، حدثنا أبو علي صالح بن محمد البغدادي، حدثنا سريج بن يونس أبو الحارث، حدثنا سلم بن قتيبة، أخبرنا عبد الله بن المثنى، عن عمه ثمامة ابن أنس، عن أنس بن مالك، قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاث مرات، لتفهم عنه". أخرجه البخاري

(1)

.

أخبرنا عيسى بن أبي محمد، أخبرنا جعفر، أخبرنا السلفي، أخبرنا المبارك بن الطيوري، سمعت الصوري، سمعت أبا بكر ابن نوح، سمعت أبا أحمد العسال، سمعت صالحًا جزرة يقول: يحتاج المحدث أن يكتب مائة ألف ومائة ألف -فلم يزل يقول: ومائة ألف ويرفع رأسه إلى فوق، حتى كادت قلنسوته أن تسقط- حديث بعلو، ومائة ألف ومائة ألف -وجعل يخفض رأسه حتى عادت القلنسوة- حديث بنزول، حتى يقال: إنه صاحب حديث.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "94"، والترمذي "2723"، والحاكم "4/ 273".

ص: 22

‌2532 - محمد بن نصر

(1)

:

ابن الحجاج المروزي الإمام، شيخ الإسلام، أبو عبد الله الحافظ.

مولده ببغداد، في سنة اثنتين ومائتين، ومنشؤه بنيسابور، ومسكنه سمرقند. كان أبوه مروزيا، ولم يرفع لنا في نسبه.

ذكره الحاكم، فقال: إمام عصره بلا مدافعة في الحديث.

سمع بخراسان من: يحيى بن يحيى التميمي، وأبي خالد يزيد بن صالح، وعمر بن زرارة، وصدقة بن الفضل المروزي، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن حجر. وبالري: محمد ابن مهران الحمال، ومحمد بن مقاتل ومحمد بن حميد، وطائفة. وببغداد: محمد بن بكار ابن الريان، وعبيد الله بن عمر القواريري، والطبقة. وبالبصرة: شيبان بن فروخ، وهدبة بن خالد، وعبد الواحد بن غياث، وعدة. وبالكوفة: محمد بن عبد الله بن نمير، وهناد، وابن أبي شيبة، وطائفة. وبالمدينة: أبا مصعب، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وطائفة. وبالشام: هشام بن عمار، ودحيمًا.

قلت: وبمصر من: يونس الصدفي، والربيع المرادي، وأبي إسماعيل المزني، وأخذ عنه كتب الشافعي ضبطًا وتفقهًا. وكتب الكثير، وبرع في علوم الإسلام، وكان إمامًا مجتهدًا علامة، من أعلم أهل زمانه باختلاف الصحابة والتابعين، قل أن ترى العيون مثله.

قال أبو بكر الخطيب: حدث عن: عبدان بن عثمان. ثم سمى جماعة، وقال: كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام.

قلت: يقال: إنه كان أعلم الأئمة باختلاف العلماء على الإطلاق.

حدث عنه: أبو العباس السراج، ومحمد بن المنذر شَكَّر، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم، وأبو النضر محمد بن محمد الفقيه، وولده إسماعيل ابن محمد بن نصر، ومحمد بن إسحاق السمرقندي، وخلق سواهم.

قال أبو بكر الصيرفي من الشافعية: لو لم يصنف ابن نصر إلَّا كتاب: "القسامة" لكان من أفقه الناس.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 315"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 63"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 674" والعبر "2/ 99"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "5/ 111"، وتهذيب التهذيب "9/ 489"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 161"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 216".

ص: 23

وقال أبو بكر بن إسحاق الصبغي، وقيل له: ألا تنظر إلى تمكن أبي علي الثقفي في عقله؟ فقال: ذاك عقل الصحابة والتابعين من أهل المدينة. قيل: وكيف ذاك؟ قال: إن مالكًا كان من أعقل أهل زمانه، وكان يقال: صار إليه عقل الذين جالسهم من التابعين، فجالسه يحيى بن يحيى النيسابوري، فأخذ من عقله وسمته، ثم جالس يحيى بن يحيى محمد ابن نصر سنين، حتى أخذ من سمته وعقله، فلم ير بعد يحيى من فقهاء خراسان أعقل من ابن نصر، ثم إن أبا علي الثقفي جالسه أربع سنين، فلم يكن بعده أعقل من أبي علي.

قال عبد الله بن محمد الإسفراييني: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: كان محمد بن نصر بمصر إمامًا، فكيف بخراسان?

وقال القاضي محمد بن محمد: كان الصدر الأول من مشايخنا يقولون: رجال خراسان أربعة: ابن المبارك، وابن راهويه، ويحيى بن يحيى، ومحمد بن نصر.

ومن كلام محمد بن نصر، قال: لما كانت المعاصي بعضها كفرًا وبعضها ليس بكفر، فرق تعالى بينها، فجعلها ثلاثة أنواع: فنوع منها كفر، ونوع منها فسوق، ونوع منها عصيان، ليس بكفر ولا فسوق، وأخبر أنه كرهها كلها إلى المؤمنين. ولما كانت الطاعات كلها داخلة في الإيمان، وليس فيها شيء خارج عنه، لم يفرق بينها، فما، قال: حبب إليكم الإيمان والفرائض وسائر الطاعات، بل أجمل ذلك، فقال:{حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَان} [الحجرات: 7] فدخل فيه جميع الطاعات، لأنه قد حبب إليهم الصلاة والزكاة، وسائر الطاعات حب تدين، ويكرهون المعاصي كراهية تدين، ومنه قوله عليه السلام:"من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن"

(1)

.

وقال أبو عبد الله بن الأخرم: انصرف محمد بن نصر من الرحلة الثانية سنة ستين ومائيتن، فاستوطن نيسابور، فلم تزل تجارته بنيسابور، أقام مع شريك له مضارب، وهو

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 18" والترمذي "2165"، والحاكم "1/ 114" من طرق عن محمد بن سوقة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن أبيه، به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وأخرجه الحاكم "1/ 114 - 115" من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن عمر، به، وأخرجه الحميدي "32" من طريق سليمان بن يسار، عن أبيه، عن عمر، به.

وأخرجه الطيالسي "ص 7"، وأحمد "1/ 26" من طريق جرير بن حازم، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، به.

ص: 24

يشتغل بالعلم والعبادة، ثم خرج سنة خمس وسبعين إلى سمرقند، فأقام بها وشريكه بنيسابور، وكان وقت مقامه بنيسابور هو المقدم والمفتي بعد وفاة محمد بن يحيى، فإن حيكان -يعني: يحيى ولد محمد بن يحيى- ومن بعده أقروا له بالفضل، والتقدم.

قال ابن الأخرم الحافظ: أخبرنا إسماعيل بن قتيبة، سمعت محمد بن يحيى غير مرة، إذا سئل عن مسألة يقول: سلوا أبا عبد الله المروزي.

وقال أبو بكر الصبغي: أدركت إمامين لم أرزق السماع منهما: أبو حاتم الرازي، ومحمد بن نصر المروزي، فأما ابن نصر، فما رأيت أحسن صلاة منه، لقد بلغني أن زنبورًا قعد على جبهته، فسال الدم على وجهه ولم يتحرك.

وقال محمد بن يعقوب بن الأخرم: ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر كان الذباب يقع على أذنه، فيسيل الدم، ولا يذبه عن نفسه، ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيئته للصلاة، كان يضع ذقنه على صدره، فينتصب كأنه خشبة منصوبة. قال: وكان من أحسن الناس خلقًا، كأنما فقئ في وجهه حب الرمان وعلى خديه كالورد، ولحيته بيضاء.

قال أحمد بن إسحاق الصبغي: سمعت محمد بن عبد الوهاب الثقفي يقول: كان إسماعيل بن أحمد: والي خراسان -يصل محمد بن نصر في العام بأربعة آلاف درهم، ويصله أخوه إسحاق بمثلها، ويصله أهل سمرقند بمثلها، فكان ينفقها من السنة إلى السنة، من غير أن يكون له عيال، فقيل له: لو ادخرت لنائبة? فقال: سبحان الله! أنا بقيت بمصر كذا وكذا سنة، قوتي وثيابي وكاغدي وحبري وجميع ما أنفقه على نفسي في السنة عشرون درهما، فترى إن ذهب ذا لا يبقى ذاك!

قال الحافظ السليماني: محمد بن نصر إمام الأئمة الموفق من السماء، سكن سمرقند، سمع: يحيى بن يحيى، وعبدان، وعبد الله المسندي، وإسحاق، وله كتاب:"تعظيم قدر الصلاة"، وكتاب:"رفع اليدين"، وغيرهما من الكتب المعجزة. كذا قال السليماني، ولا معجز إلَّا القرآن. ثم قال: مات هو وصالح جزرة في سنة أربع وتسعين.

أنبأني أبو الغنائم القيسي وجماعة سمعوا أبا اليمن الكندي: أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، حدثنا عثمان بن جعفر اللبان، حدثني محمد بن نصر، قال: خرجت من مصر، ومعي جارية فركبت البحر أريد مكة، فغرقت، فذهب مني ألفا جزء وصرت إلى جزيرة أنا وجاريتي، فما رأينا فيها أحدًا، وأخذني

ص: 25

العطش فلم أقدر على الماء، فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلمًا للموت، فإذا رجل قد جاءني ومعه كوز، فقال لي: هاه. فشربت وسقيتها، ثم مضى، فما أدري من أين جاء؟ ولا من أين راح؟

وفي "الطبقات" لأبي إسحاق: ولد محمد بن نصر ببغداد، ونشأ بنيسابور، واستوطن سمرقند.

روي عنه أنه، قال: لم يكن لي حسن رأي في الشافعي، فبينا أنا قاعد في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أغفيت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم "في المنام، فقلت: يا رسول الله! أكتب رأي الشافعي؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان وقال: "تقول رأي؟ ليس هو بالرأي، هو رد على من خالف سنتي". فخرجت في أثر هذه الرؤيا إلى مصر، فكتبت كتب الشافعي.

قال أبو إسحاق: وصنف ابن نصر كتبًا، ضمنها الآثار والفقه، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام، وصنف كتابًا فيما خالف أبو حنيفة عليًا وابن مسعود. قال أبو بكر الصيرفي: لو لم يصنف إلَّا كتاب: "القسامة" لكان من أفقه الناس، كيف وقد صنف سواه?!

قال الوزير أبو الفضل محمد بن عبيد الله البلعمي: سمعت الأمير إسماعيل بن أحمد يقول: كنت بسمرقند، فجلست يومًا للمظالم، وجلس أخي إسحاق إلى جنبي، إذ دخل أبو عبد الله محمد بن نصر، فقمت له إجلالًا للعلم، فلما خرج عاتبني أخي وقال: أنت والي خراسان تقوم لرجل من الرعية؟ هذا ذهاب السياسة. قال: فبت تلك الليلة وأنا متقسم القلب، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأني واقف مع أخي إسحاق إذ أقبل النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بعضدي، فقال لي: ثبت ملكك وملك بنيك بإجلالك محمد بن نصر. ثم التفت إلى إسحاق، فقال: ذهب ملك إسحاق، وملك بنيه باستخفافه بمحمد بن نصر.

قلت: كان محمد بن نصر زوج أخت يحيى بن أكثم القاضي، واسمها خنة بمعجمة ثم نون، مات بعد أيام قلائل من موت صالح بن محمد بن جزرة، وذلك في المحرم، سنة أربع وتسعين ومائتين.

قال الحافظ أبو عبد الله بن مندة في مسألة الإيمان: صرح محمد بن نصر في كتاب "الإيمان" بأن الإيمان مخلوق، وأن الإقرار، والشهادة، وقراءة القرآن بلفظه مخلوق. ثم قال: وهجره على ذلك علماء وقته، وخالفه أئمة خراسان والعراق.

ص: 26

قلت: الخوض في ذلك لا يجوز، وكذلك لا يجوز أن يقال: الإيمان، والإقرار، والقراءة، والتلفظ بالقرآن غير مخلوق، فإن الله خلق العباد وأعمالهم، والإيمان: فقول وعمل، والقراءة والتلفظ: من كسب القارئ، والمقروء الملفوظ: هو كلام الله ووحيه وتنزيله، وهو غير مخلوق، وكذلك كلمة الإيمان، وهي قول "لا إله إلَّا الله، محمد رسول الله" داخلة في القرآن، وما كان من القرآن فليس بمخلوق، والتكلم بها من فعلنا، وأفعالنا مخلوقة، ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورًا له، قمنا عليه، وبدعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن مندة، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة.

قال أبو محمد بن حزم في بعض تواليفه: أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن، وأضبطهم لها، وأذكرهم لمعانيها، وأدراهم بصحتها، وبما أجمع الناس عليه مما اختلفوا فيه.

قال: وما نعلم هذه الصفة -بعد الصحابة- أتم منها في محمد بن نصر المروزي، فلو قال قائل: ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ولا لأصحابه إلَّا وهو عند محمد بن نصر لما أبعد عن الصدق.

قلت: هذه السعة والإحاطة ما ادعاها ابن حزم لابن نصر إلَّا بعد إمعان النظر في جماعة تصانيف لابن نصر، ويمكن ادعاء ذلك لمثل أحمد بن حنبل ونظرائه، والله أعلم.

ص: 27

‌2533 - النَّاشِي

(1)

:

الكبير، العلامة، أبو العباس، عبد الله بن محمد بن شرشير الأنباري، الملقب: بالناشي.

من كبار المتكلمين، وأعيان الشعراء، ورؤوس المنطق.

له التصانيف.

وكان قوي العربية والعروض، أدخل على قواعد الخليل شبها، ومثلها بغير أمثلة الخليل، وصنف في المنطق، وله قصيدة في عدة فنون، نحو أربعة آلاف بيت. وكان من أذكياء العالم.

سكن مصر، وبها مات في سنة ثلاث وتسعين ومائتين.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد: "10/ 92 - 93"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 57 - 58"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 345"، والعبر "2/ 95"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 158"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 214".

ص: 27

‌2534 - مطين

(1)

:

الشيخ، الحافظ، الصادق، محدث الكوفة، أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، الملقب: بمطين.

رأى: أبا نعيم الملائي، وسمع: أحمد بن يونس، ويحيى بن بشر الحريري، وسعيد بن عمرو الأشعثي، ويحيى الحماني، وبني أبي شيبة، وعلي بن حكيم، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو بكر النجاد، وابن عقدة، والطبراني، وأبو بكر الإسماعيلي، وعلي بن عبد الرحمن البكائي، وعلي بن حسان الجديلي، وأبو بكر بن أبي دارم.

وقال ابن أبي دارم: كتبت بأصبعي عن مطين مائة ألف حديث.

وسئل عنه الدارقطني فقال: ثقة جبل.

قلت: صنف "المسند" و"التاريخ" وكان متقنًا. وقد تكلم فيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وتكلم هو في ابن عثمان، فلا يعتد غالبًا بكلام الأقران، لا سيما إذا كان بينهما منافسة، فقد عدد ابن عثمان لمطين نحوا من ثلاثة أوهام، فكان ماذا؟ ومطين أوثق الرجلين، ويكفيه تزكية مثل الدارقطني له.

عاش خمسًا وتسعين سنة.

وقال الخليلي: ثقة حافظ. سمعت جماعة سمعوا جعفرا الخلدي: قلت لمطين: لم لقبت بهذا? قال: كنت صبيًا ألعب مع الصبيان، وكنت أطولهم، فنسبح ونخوض، فيطينون ظهري، فبصر بي يومًا أبو نعيم فقال لي: يا مطين! لم لا تحضر مجلس العلم? فلما طلبت الحديث مات أبو نعيم، وكتبت عن أكثر من خمس مائة شيخ.

توفي في ربيع الآخر، سنة سبع وتسعين ومائتين.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 682"، والعبر "2/ 108"، وميزان الاعتدال "3/ 607"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "3/ 345"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 171" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 226".

ص: 28

‌2535 - عبد الله بن المعتز بالله

(1)

:

محمد ابن المتوكل، جعفر، ابن المعتصم محمد ابن الرشيد هارون ابن المهدي، الأمير أبو العباس الهاشمي، العباسي، البغدادي، الأديب، صاحب النظم الرائق.

تأدب بالمبرد وثعلب، وروى عن مؤدبه، أحمد بن سعيد الدمشقي.

روى عنه: مؤدبه، ومحمد بن يحيى الصولي وغيرهما.

مولده في سنة تسع وأربعين ومائتين. وفي سنة ست وتسعين، أنفت الكبار من خلافة المقتدر، وهو حدث، فهاجوا وتوثبوا على المقتدر، وقتلوا وزيره، ونصبوا ابن المعتز في الخلافة، فقال: على شرط أن لا يقتل بسببي رجل مسلم. وكان حول المقتدر خواصه، فلبسوا السلاح، وحملوا على أولئك، فتفرق عن ابن المعتز جمعه، وخاف، فاختفى، ثم قبض عليه، وقتل سرًا في ربيع الآخر سنة ست، سلموه إلى مؤنس الخادم، فخنقه، ولفه في بساط، وبعث به إلى أهله.

وكان شديد السمرة، مسنون الوجه، يخضب بالسواد.

ورثاه علي بن بسام:

لله درك من ملك بمضيعة

ناهيك في العقل والآداب والحسب

ما فيه لولا ولا ليت فتنقصه

وإنما أدركته حرفة الأدب

وله نثر بديع منه:

من تجاوز الكفاف لم يغنه الإكثار.

كلما عظم قدر المنافس، عظمت الفجيعة به.

ربما أورد الطمع ولم يصدر.

من ارتحله الحرص، أنضاه الطلب.

الحظ يأتي من لا يأتيه.

أشقى الناس أقربهم من السلطان، كما أن أقرب الأشياء من النار أسرعها احتراقًا.

من شارك السلطان في عز الدنيا، شاركه في ذل الآخرة.

(1)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "2/ 501"، والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني "10/ 286"، وتاريخ بغداد "10/ 95"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 84"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 341" والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 165"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 221".

ص: 29

‌2536 - إدريس بن عبد الكريم

(1)

:

الحداد، مقرئ العراق، أبو الحسن البغدادي.

قرأ على خلف البزار وغيره.

وحدث عن: عاصم بن علي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، ومصعب الزبيري، وطبقتهم. وتصدر للإقراء، ورحل إليه.

تلا عليه: أبو الحسين أحمد بن بويان، وأحمد بن حمدان، والحسن بن سعيد المطوعي، وغيرهم.

وروى عنه: النجاد، وأبو القاسم الطبراني، وأبو بكر بن مجاهد، وأبو بكر القطيعي، وآخرون.

سئل عنه الدارقطني، فقال: ثقة وفوق الثقة بدرجة.

وقال أحمد بن المنادي: كتب الناس عنه لثقته وصلاحه.

توفي يوم عيد الأضحى، سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وله ثلاث وتسعون سنة.

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه في كتابه، أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن، أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا قيس بن الربيع، عن عاصم بن سليمان، عن عكرمة: عن ابن عباس، قال:"إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، واصطفى محمدا -صلى الله عليه وعليهما- بالرؤية".

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 14"، والعبر "2/ 93"، وشذرات الذهب "2/ 210".

ص: 30

‌2537 - يحيى بن عبد الباقي

(1)

:

ابن يحيى، المحدث المتقن، أبو القاسم الأذَنِي.

حدث عن: أبيه، ولوين، والمسيب بن واضح، ومؤمل بن إهاب، ومحمد بن وزير، وأبي عمير بن النحاس، وطبقتهم.

وعنه: ابن أخيه عدي بن أحمد، وابن صاعد، وابن المنادي، وابن قانع، وإسماعيل الخطبي، وأحمد بن جعفر بن سلم، وأبو بكر الشافعي، وابن السماك، وآخرون. وحدث ببغداد.

وثقه الخطيب.

وقال ابن المنادي: جاء نبأ وفاته من أذنة، أنها كانت في ذي القعدة، سنة اثنتين وتسعين ومائتين.

كتب الناس عنه فأكثروا، لثقته وضبطه.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 227".

ص: 31

‌2538 - النوشري:

نائب المكتفي على مصر، الأمير، أبو موسى عيسى بن محمد.

وليها خمس سنين، وحارب محمد بن الخليج، وتمكن، وضبط الإقليم إلى أن توفي في شعبان سنة سبع وتسعين ومائتين، وكانت دولته خمس سنين.

‌2539 - جعفر بن محمد بن الحسين:

ابن عبيد الله بن محمد بن طغان، الإمام، الثبت، المجود، أبو الفضل النيسابوري، المشهور: بالترك.

قال الحاكم: شيخ عشيرته في عصره، من الثقات الأثبات، ومن كبار أصحاب: يحيى ابن يحيى، وإسحاق بن راهويه، وعمرو بن زرارة، ومحمد بن رافع، وأبي عمار المروزي، ومحمد بن أبان المستملي، وأقرانهم.

روى عنه: أبو عمرو الحيري، والمؤمل بن الحسن، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو الفضل ابن إبراهيم، وعبد الله بن سعد، وأبو الوليد الفقيه.

وسمعه أبو الوليد يقول: كان إسحاق الحنظلي يرفعني على جماعة من الشيوخ في مجلسه، ويقول: جدهم أول من أظهر السنة بخراسان.

قال الحاكم: وسمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب غير مرة يقول: إذا وجدت الحديث عندي عن جعفر بن محمد ليحيى بن يحيى، لم أبال أن لا أخرجه عن غيره، فإن يحيى بن يحيى كان يزور كل جمعة عند انصرافه من الصلاة بيت الحسين بن عبيد الله، فيقدمون إليه أولادهم، فيدعوا لهم.

ص: 31

قال الحاكم: وسمعت أبا الفضل محمد بن إبراهيم يقول: توفي جعفر الترك يوم السبت، ودفن يوم الأحد، ثامن عشر شعبان، سنة خمس وتسعين ومائتين.

أخبرنا أحمد بن علي بن الزبير، ومحمد بن يوسف، وأحمد بن محمد، قالوا: أخبرنا عثمان بن عبد الرحمن الحافظ، أخبرنا منصور بن عبد المنعم، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا يحيى بن منصور إملاءً، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين، حدثنا يحيى بن يحيى: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسلُ من إناءٍ واحدٍ -وهو الفرق- من الجنابة".

أخرجه: مسلم، عن يحيى بن يحيى النيسابوري.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، وغيره، قالا: أخبرنا الحسن بن صباح، أخبرنا ابن غدير الفرضي، أخبرنا أبو الحسن الخلعي، أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا أبو الحسن محمد ابن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة، حدثنا جعفر بن محمد الترك، حدثنا يحيى بن يحيى: قرأت على مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه سلم- قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث

"

(1)

، الحديث.

(1)

صحيح على شرط الشيخين: أخرجه مالك "2/ 907 - 908"، ومن طريقه أخرجه أحمد "2/ 465 و 517"، والبخاري "6066"، ومسلم "2563""28"، وأبو داود "4917"، والبيهقي "6/ 85" و"8/ 333" و"10/ 231"، والبغوي "3533" عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به.

ص: 32

‌2540 - المروزي

(1)

:

الشيخ، المحدث، أبو بكر، محمد بن يحيى بن سليمان المروزي، ثم البغدادي.

سمع: عاصم بن علي، وأبا عبيد القاسم بن سلام، وعلي بن الجعد، وخلف بن هشام، وبشر بن الوليد، وهو مكثر عن عاصم.

حدث عنه: النجاد، وأبو بكر الشافعي، ومخلد الباقرحي، والطبراني، وابن عبيد العسكري، وأبو بكر الإسماعيلي، وآخرون.

قال الدارقطني: صدوق.

قلت: مات في شوال، سنة ثمان وتسعين ومائتين.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 422"، والعبر "2/ 112"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 231".

ص: 32

‌2541 - ابن أبي سويد

(1)

:

الشيخ المحدث المعمر، أبو عثمان محمد بن عثمان بن عثمان بن أبي سويد البصري، الذراع.

حدث عن: عثمان بن الهيثم، والقعنبي، وسعيد بن سلام العطار، ومسلم بن إبراهيم، وبكار السيريني، وطبقتهم.

وعنه: الطبراني، وأبو أحمد بن عدي، والقاضي أبو الطاهر الذهلي، وآخرون.

ضعفه ابن عدي، وقال: أصيب بكتبه، فكان يشبه عليه، وأرجو أنه لا يتعمد الكذب.

وكان لا ينكر له لقي هؤلاء الشيوخ، إلَّا أنه حدث عن الثقات بما لا يتابع عليه. وكان يقرأ عليه من نسخة له ما ليس من حديثه عن قوم رآهم ولم يرهم، وتقلب الأسانيد عليه، فيقر به. ثم قال ابن عدي: سمعت أبا خليفة يثني عليه، ويذكر أنه كان سمع معه.

وسأل حمزة بن يوسف عنه الدارقطني، فقال: ضعيف.

قلت: توفي قبل ثلاث مائة، عن بضع وتسعين سنة.

أخبرنا عبد الله بن أبي التائب، وبنت عبد السلام، قالا: أخبرنا إبراهيم بن خليل، أخبرنا يحيى بن محمود، أخبرتنا فاطمة الجوزدانية مرتين، وأبو عدنان محمد بن أحمد حضورًا، قالا: أخبرنا محمد بن عبد الله، أخبرنا سليمان بن أحمد اللخمي، حدثنا محمد ابن عثمان بن أبي سويد البصري، حدثنا عثمان بن الهيثم، حدثنا ابن عون، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علمه التشهد: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"

(2)

. لم يرفعه عن ابن عون إلَّا عثمان.

‌2542 - حامد بن سهل:

المحدث، الحافظ، أبو محمد البخاري.

ارتحل وسمع: هشام بن عمار، وعيسى بن حماد، وحرملة، وقتيبة بن سعيد، وأبا مصعب، وأحمد بن منيع، وطبقتهم.

وعنه: سهل بن السري، ومحمد بن أحمد بن أبي حامد، وخلف بن محمد الخيام البخاريون.

أرخ الخيام وفاته في سنة سبع وتسعين ومائتين. وكان من أبناء الثمانين.

(1)

ترجمته في الكامل لابن عدي "6/ ترجمة 1793"، وميزان الاعتدال "3/ 641"، ولسان الميزان "5/ 279".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "831"، ومسلم "402"، وأبو داود "968".

ص: 33

‌2543 - يوسف بن موسى

(1)

:

المرو الروذي.

حدث عن: إسحاق بن راهويه، وعلي بن حجر، ويحيى بن درست، وأبي مصعب، وطبقتهم. وجمع، فأوعى.

روى عنه: ابن أبي العقب، وابن البختري، وأبو بكر الشافعي، وأبو علي النيسابوري، وأبو بكر بن خلاد، وآخرون. وثقه الخطيب.

وقال الحاكم: مات بمرو الروذ، بعد منصرفه من الحج، في سنة ست وتسعين ومائتين.

‌2544 - العباس:

الوزير الكبير، أبو أحمد، العباس بن الحسن بن أيوب بن سليمان الجرجرائي -وقيل: المادرائي.

اختص بالوزير القاسم بن عبيد الله، وغلب عليه بحسن حركاته وآدابه وبلاغته وخطه. فلما احتضر، أوصى به المكتفي، فاستكتبه، وقربه، وأقطعه مغل خمسين ألف دينار، وأجرى عليه في كل شهر خمسة آلاف دينار.

قال الصولي: مولده ليلة قتل المتوكل، فعمل له أبو معشر مولدا، وقال: ما أعجب هذا الولد! لو كان هاشميًا، لحكمت له بالخلافة، لكن أحكم له بالوزارة. قال: ولم يزل في ارتقاء.

ومرض المكتفي، فأوصى إليه في ولده وأهله.

وكان ذا كرم وتحر للحق، كان يصل إليه رقاع الأصحاب الأخبار في أصحابه، فيرميها إلى أولئك، ويضحك.

وعن القاسم الوزير: أنه كان يعجب من سرعة قلم العباس، ويقول: تسبق يده لفظي.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 308"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 89".

ص: 34

قال الصولي: وأنا ما رأيت أسرع من يده!

وقيل: أسر سرًا إلى حماد بن إسحاق، فلما ولي، قال: أوك وعاءك، وعم طريقك.

فقال: نسيت سقائي فكيف أوكيه؟ وضللت طريقه فكيف أعميه؟

ومن شعره:

يا قاتلي بالصدود منه ولو

يشاء بالوصل كان يحييني

ومن يرى مهجتي تسيل على

تقبيل فيه ولا يواتيني

واحربى للخلاف منه ومن

خلائق فيك ذات تلوين

طيفك في هجعتي يصافيني

وأنت مستيقظًا تعاديني

قال الصولي: اشتد كبر العباس وجبريته، ثم مات المكتفي، فأمر العباس أمر بيعة المقتدر، وملك الأمور، وعلم الناس أنه يفعل ما يريد، فتفرغوا له، وألحقوا به اللوم، وقد أشاروا عليه بأن يختار للخلافة رجلًا مهيبًا، وإن أقمت من لم يخفه، لم يخفك، ويطلب كل إنسان منك زيادة رزق، فإن منعته عاداك. فكان الأمر كذلك، وفسد الناس، وهو مع هذا ثقيل: على قلب المقتدر وأمه وحاشيتها؛ لمنعه لهم من أشياء.

وكان الحسين بن حمدان الأمير يزعم أن العباس دس من يفسد جاريته المغنية ويمنيها، وكان ابن حمدان شغفًا بها، وكان محمد بن داود بن الجراح متولي ديوان الجيش، وكان الأمراء يطيعونه، فشغبهم على العباس، وواطأ من يثق به أنه يريد أن يبايع ابن المعتز، وأن المقتدر صبي. وكان لأحمد بن إسماعيل مملوك قد عتب عليه، فقدم كتابًا إلى العباس، يعلمه أنه راغب في الطاعة، فبعث يعده بإمرة الأمراء -أعني: المملوك- فسار يريد الحضرة في ألفي فارس، وعلم العباس باضطراب الأمر، فقال له المرزباني على رؤوس الملأ: أعز الله الوزير، استفسدت مثل أحمد بن إسماعيل لأجل مملوكه بارس، ولأحمد ألف غلام مثل بارس?! قال: أصطنعه، وأؤمره، فيعظم؛ أما كان النبي صلى الله عليه وسلم أجيرًا لخديجة، ثم كان منه ما رأيت. قال الصولي: لولا أن أحمد بن طومار سمع هذا منه، ما صدقت. فخرج الحسين بن حمدان يقول: أوجدتني حجة؟ والله لأقتلنك. فلما قرب بارس، خاف أعداء العباس، فعزموا على قتله في الماء، فركب معه أمير في طيار

(1)

، وركب عدة في طيارات، ليقوموا له، فيفتكون به، فبدر طياره، فسبق، وخفي عليه عزمهم.

(1)

الطيار: نوع من الزوارق.

ص: 35

وكان علي بن عيسى الوزير يخوفه القتل، وخاطبه ابن الفرات الوزير ببعض ذلك، فكان يستهين قولهم، ولا يقبل نصحا، ويدل بهيبته.

وحذروه من ابن حمدان، فقال: ما أؤمل دفع ما أخاف إلَّا به بعد الله.

وحدث فيه كبر لم يكن، كان يركب إلى باب عمار، والقواد والوجوه مشاة، فلا يأمرهم بركوب! وذلك مسافة بعيدة.

وحصن داره، وزخرفها، وسماها دار السرور، فلما كان في جمادى الأولى سنة ست وتسعين ومائتين، ركب المقتدر، ورجع الوزير إلى داره، فسار بعض العازمين على الفتك به قدامه وخلفه، فجذب ابن حمدان سيفه، وضرب الوزير، فصاح فاتك المعتضدي: ما هذا يا كلاب؟! فضربه وصيفُ بن صوارتكين قتله، وضرب ابن كيغلغ ابنه أحمد في وجهه، فبادر الوزير، فرمى نفسه في بستان، وثنى عليه عبد الغفار، فتلف، فبادر حاجبه منصور سوقًا، فلحق المقتدر، فأخبره، فأجازه صافي إلى داخل الحلبة، وسار الجيش حول سورها، واجتمع الذين وثبوا بالعباس، فدخلوا بغداد، وصاروا كلهم إلى دار محمد بن داود بن الجراح، فركب معهم، فأجلسوه في دست الوزارة، وجاء ابن المعتز، فتلقاه الكل، وسلموا عليه بالخلافة، ومضوا به إلى دار سليمان بن وهب عند المغرب، ونهبت الجند دار العباس، وأحرقوها، وأخذ ابن الجراح البيعة، وأنشئت الكتب إلى النواب طول الليل، فصلى بهم ابن المعتز الصبح، وأتاه القضاة والكبار، ونفذوا إلى المقتدر: أن المرتضي بالله -أمير المؤمنين- قد أمنك، وأمرك بلزوم دار ابن طاهر مع أمك وجواريك. فأقبل رسولٌ خادمٌ من المقتدر، فقال: سلام عليكم. فصاح ابن الجراح والقواد: سلم على أمير المؤمنين. فقال: أنا رسول، فإن سمعتم، وإلا انصرفت! قال ابن المعتز: هات. قال: إن أمير المؤمنين المقتدر يقول: ارجع إلى منزلك، وأبق على نفسك ودمك، فإني أؤمنك، وأسسي إقطاعك، فلا تلهب نار الفتنة.

فقال للخادم: قل لمولاك يا بني: هذا كتابي إليك، فاقرأه، وامتثل ما أمرتك فيه. فانصرف الخادم بالكتاب، وأمر ابن المعتز ابن حمدان وابن عمرويه أن يصيرا إلى دار المقتدر، فبرز المماليك المقتدرية، عليهم مؤنس الخادم، وغريب الخال، ومؤنس الخازن، وبذلوا الأموال، فالتقوا هم وحزب ابن المعتز، وأقبل ابن حمدان إلى باب الحلبة، فرمته الأتراك، فتحرج، وانهزم، ورمت العامة أصحاب ابن المعتز من الأسطحة، فضج أصحاب المقتدر، وارتفع التكبير، وقصدوا ابن المعتز، فهرب من دار ابن وهب، ومعه جماعة يريدون سامراء.

قال عبيد الله بن أبي طاهر: ضرب ابن حمدان العباس، فطير قحف رأسه، ثم ثناه،

فسقط، ثم قطعوه. وقيل: شد مملوكه على ابن حمدان، فأشار ابن حمدان إلى خاتم في يده، وقال: هذا خاتم أمير المؤمنين، أمرني بقتل العباس. فكف المملوك عنه.

وكانت وزارة العباس أربع سنين ونصفًا، وعاش نيفًا وأربعين سنة.

قلت: ثم استقام أمر المقتدر، وأمسك جماعة، وأهلكوا، وعفا عن الحسين بن حمدان، واستوزر ابن الفرات، وقتل ابن المعتز.

ص: 36

‌2545 - الغزي:

الحسن بن الفرج الغزي المحدث.

سمع: عمرو بن خالد الحراني، ويحيى بن بكير -كتب عنه "الموطأ"- ويوسف بن عدي، وهشام بن عمار.

حدث عنه: محمد بن العباس بن الوصيف، والحسن بن مروان القيسراني، ومحمد بن علي النقاش الحافظ، وأبو عمر بن فضالة، وعلي بن أحمد المقدسي، والحافظ أبو علي النيسابوري، وآخرون. وعاش إلى سنة إحدى وثلاث مائة.

قال الحاكم: سألت أبا علي الحافظ عن الحسن بن الفرج، فقال: ما رأينا إلَّا الخير، قرأنا عليه "الموطأ" من أصل كتابه.

قلت: ذكره ابن عساكر، ولم يطول.

‌2546 - محمد بن يزيد

(1)

:

ابن محمد بن عبد الصمد، الإمام، أبو الحسن الهاشمي مولاهم، الدمشقي.

سمع: أباه، وسليمان بن بنت شرحبيل، وصفوان بن صالح، وموسى بن أيوب النصيبي، وأبا نعيم الحلبي، وعدة.

وعنه: سبطه؛ عدي بن يعقوب، وجعفر بن محمد العدبسي، وأبو عمر بن فضالة، ومظفر بن حاجب الفرغاني، وأبو أحمد بن الناصح، والطبراني. وعندي جزء لطيف له.

مات سنة تسع وتسعين ومائتين.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 113"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "5/ 220"، وشذرات الذهب "2/ 232"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 179".

ص: 37

‌2547 - الحسين بن إسحاق:

ابن إبراهيم التستري الدقيق.

سمع: هشام بن عمار، وسعيد بن منصور، ويحيى الحماني، وشيبان بن فروخ، وعبد الله بن ذكوان، ودحيما، وعلي بن بحر القطان، وطبقتهم.

حدث عنه: ابنه؛ علي، وسهل بن عبد الله التستري الصغير، وأبو جعفر العقيلي، وأبو محمد بن زبر، وسليمان الطبراني، وآخرون.

وكان من الحفاظ الرحالة.

أرخ أبو الشيخ وفاته في سنة تسعين ومائتين.

أكثر عنه أبو القاسم الطبراني.

‌2548 - عمرو بن عثمان

(1)

:

ابن كرب بن غصص، الإمام، الرباني، شيخ الصوفية، أبو عبد الله المكي، الزاهد.

لقي النباجي -فيما قيل- وصحب أبا سعيد الخراز، وله تصانيف في الطريق. وسمع من: يونس بن عبد الأعلى، والربيع المرادي، وسليمان بن سيف الحراني.

روى عنه: محمد بن أحمد الأصبهاني، وأبو الشيخ، وجعفر الخلدي.

قال أبو نعيم: توفي بعد الثلاث مائة.

ومن كلامه: العلم قائد، والخوف سائق، والنفس بينهما حرون خداعة.

وقيل: كان من أئمة الفقه، ولما ولي قضاء جدة، هجره الجنيد.

وكان ينكر على الحلاج، ويذمه.

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 573"، وتاريخ أصبهان "2/ 33"، وتاريخ بغداد "12/ 223". والمنتظم لابن الجوزي "6/ 93"، والعبر "2/ 107"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 225".

ص: 38

‌2549 - الشيعي

(1)

:

الداعي الخبيث، أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا الصنعاني، من دهاة الرجال الخبيرين بالجدل، والحيل، وإغواء بني آدم.

قام بالدعوة العبيدية، وحج، وصحب قوما من كتامة، وربطهم وتأله، وتزهد، وشوق إلى إمام الوقت، فاستجاب له خلق من البربر، وعسكر، وحارب أمير المغرب ابن الأغلب، وهزمه غير مرة، وإلى أن جاء عبيد الله المهدي، فتسلم الملك، ولم يجعل لهذا الداعي ولا لأخيه أبي العباس كبير ولاية، فغضبا، وأفسدا عليه القلوب، وحارباه، وجرت أمور، إلى أن ظفر بهما المهدى، فقتلهما في ساعة، سنة ثمان وتسعين ومائتين.

‌2550 - الريوندي

(2)

:

الملحد، عدو الدين، أبو الحسن أحمد بن يحيى بن إسحاق الريوندي، صاحب التصانيف في الحط على الملة، وكان يلازم الرافضة والملاحدة، فإذا عوتب، قال: إنما أريد أن أعرف أقوالهم.

ثم إنه كاشف، وناظر، وأبرز الشبه والشكوك.

قال ابن الجوزي: كنت أسمع عنه بالعظائم، حتى رأيت له ما لم يخطر على قلب، ورأيت له كتاب "نعت الحكمة"، وكتاب "قضيب الذهب"، وكتاب "الزمردة"، وكتاب "الدامغ"؛ الذي نقضه عليه الجبائي. ونقض عبد الرحمن بن محمد الخياط عليه كتابه "الزمردة".

قال ابن عقيل: عجبي كيف لم يقتل! وقد صنف "الدامغ" يدمغ به القرآن، و"الزمردة" يزري فيه على النبوات.

قال ابن الجوزي: فيه هذيان بارد لا يتعلق بشبهة! يقول فيه: إن كلام أكثم بن صيفي فيه ما هو أحسن من سورة الكوثر! وإن الأنبياء وقعوا بطلاسم. وألف لليهود والنصارى يحتج لهم في إبطال نبوة سيد البشر.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 199"، والعبر "2/ 110"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 227".

(2)

ترجمته في مقالات الإسلاميين للأشعري "2/ 240"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 99"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 35"، والعبر "2/ 116"، ولسان الميزان "1/ 323"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 175 - 177"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 235".

ص: 39

قال أبو علي الجبائي: طلب السلطان أبا عيسى الوراق وابن الريوندي، فأما الوراق فسجن حتى مات، واسمه محمد بن هارون، من رؤوس المتكلمين، وله تصانيف في الرد على النصارى وغيرهم. واختفى ابن الريوندي عند ابن لاوي اليهودي، فوضع له كتاب "الدامغ"، ثم لم يلبث أن مرض، ومات إلى اللعنة، وعاش نيفًا وثمانين سنة. وقد سرد ابن الجوزي من بلاياه نحوا من ثلاثة أوراق.

قال ابن النجار: أبو الحسين ابن الراوندي المتكلم من أهل مرو الروذ، سكن بغداد، وكان معتزليًا، ثم تزندق. وقيل: كان أبوه يهوديًا، فأسلم هو، فكان بعض اليهود يقول للمسلمين: لا يفسد هذا عليكم كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة.

قال أبو العباس بن القاص الفقيه: كان ابن الراوندي لا يستقر على مذهب ولا نحلة، حتى صنف لليهود كتاب "النصرة على المسلمين" لدراهم أعطيها من يهود. فلما أخذ المال، رام نقضها، فأعطوه مائتي درهم حتى سكت.

قال البلخي: لم يكن في نظراء ابن الراوندي مثله في المعقول، وكان أول أمره حسن السيرة، كثير الحياء، ثم انسلخ من ذلك لأسباب، وكان علمه فوق عقله. قال: وقد حكي عن جماعة أنه تاب عند موته.

قال في بعض المعجزات: يقول المنجم كهذا.

وقال: في القرآن لحن.

وألف في قدم العالم، ونفى الصانع.

وقال: يقولون: لا يأتي أحد بمثل القرآن، فهذا إقليدس لا يأتي أحد بمثله، وكذلك بطليموس.

وقيل: إنه اختلف إلى المبرد، فبعد أيام قال المبرد: لو اختلف إلي سنة، لاحتجت أن أقوم وأجلسه مكاني.

قال ابن النجار: مات سنة ثمان وتسعين ومائتين.

وقيل: ما طال عمره، بل عاش ستا وثلاثين سنة.

لعن الله الذكاء بلا إيمان، ورضي الله عن البلادة مع التقوى.

ص: 40

‌2551 - ابن طاهر

(1)

:

الأمير، أبو أحمد، عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي، من بيت إمارة وتقدم. ولي شرطة بغداد نيابة عن أخيه الأمير محمد بن عبد الله، ثم استقل بها بعد موت أخيه.

وكان رئيسًا جليلًا، وشاعرًا محسنًا، ومترسلًا بليغًا.

وله تصانيف منها: كتاب "الإشارة" في أخبار الشعراء، و"رئاسة السياسة"، وكتاب:"البراعة في الفصاحة"، وغير ذلك. مات: في شوال، سنة ثلاث مائة، وله سبع وسبعون سنة.

‌2552 - أبو عثمان الحيري

(2)

:

الشيخ الإمام المحدث الواعظ القدوة، شيخ الإسلام، الأستاذ، أبو عثمان سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور النيسابوري، الحيري، الصوفي.

مولده سنة ثلاثين ومائتين بالري، فسمع بها من: محمد بن مقاتل الرازي، وموسى بن نصر. وبالعراق من: حميد بن الربيع، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وعدة، ولم يزل يطلب الحديث ويكتبه إلى آخر شيء.

حدث عنه: الرئيس أبو عمرو أحمد بن نصر، وابناه؛ أبو بكر وأبو الحسن، وأبو عمرو ابن مطر، وإسماعيل بن نجيد، وعدة.

قال الحاكم: قدم نيسابور لصحبة الأستاذ أبي حفص النيسابوري، ولم يختلف مشايخنا أن أبا عثمان كان مجاب الدعوة، وكان مجمع العباد والزهاد. ولم يزل يسمع ويجل العلماء ويعظمهم.

سمع من: أبي جعفر بن حمدان "صحيحه" المخرج على مسلم بلفظه، وكان إذا بلغ سنة لم يستعملها، وقف عندها حتى يستعملها.

(1)

ترجمته في الأغاني للأصبهاني "9/ 39"، وتاريخ بغداد "10/ 340"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 117"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 358"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 180".

(2)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 568"، وتاريخ بغداد "9/ 99"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 106"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 260"، والعبر "2/ 111"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 177"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 230".

ص: 41

قلت: هو للخراسانيين نظير الجنيد للعراقيين.

ومن كلامه: سرورك بالدنيا أذهب سرورك بالله عن قلبك.

قال ابن نجيد: سمعته يقول: لا تثقن بمودة من لا يحبك إلَّا معصومًا.

قال أبو عمرو بن حمدان: سمعته يقول: من أمر السنة على نفسه قولًا وفعلًا، نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه، نطق بالبدعة، قال تعالى:{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

قلت: وقال تعالى: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} [ص: 26].

وعن أبي عثمان الحيري، قال: لا يكمل الرجل حتى يستوي قلبه في المنع والعطاء، وفي العز والذل.

وعن أبي عثمان أنه قال لأبي جعفر بن حمدان: ألستم تروون أن عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة؟ قال: بلى. قال: فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الصالحين.

قال الحاكم: أخبرني سعيد بن عثمان السمرقندي العابد، سمع أبا عثمان يقول -يعني: عن الله: من طلب جواري ولم يوطن نفسه على ثلاث، أولها: إلقاء العز وحمل الذل، الثاني: سكون قلبه على جوع ثلاثة أيام، الثالث: لا يغتم ولا يهتم إلَّا لدينه أو طلب إصلاح دينه.

الحاكم: سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: لما قتل يحيى بن الذهلي، منع الناس من حضور مجالس الحديث من جهة أحمد الخجستاني، فلم يجسر أحد يحمل محبرة، إلى أن ورد السري بن خزيمة، فقام الزاهد أبو عثمان الحيري، وجمع المحدثين في مسجده، وعلق بيده محبرة، وتقدمهم، إلى أن جاء إلى خان محمش، فأخرج السري، وأجلس المستملي، فحزرنا مجلسه زيادة على ألف محبرة، فلما فرغ، قاموا، وقبلوا رأس أبي عثمان، ونثر الناس عليهم الدراهم والسكر سنة ثلاث وسبعين ومائتين.

قلت: ذكر الحاكم أخبار أبي عثمان أبي عثمان في خمس وعشرين ورقة، وفي غضون ذلك من كلامه في التوكل واليقين والرضى، قال الحاكم: وسمعت أبي يقول: لما قتل أحمد بن عبد الله الخجستاني -الذي استولى على البلاد- الإمام حيكان بن الذهلي، أخذ في الظلم والعسف، وأمر بحربة ركزت على رأس المربعة، وجمع الأعيان، وحلف: إن لم يصبوا الدراهم حتى يغيب رأس الحربة، فقد أحلوا دماءهم. فكانوا يقتسمون الغرامة بينهم، فخص

ص: 42

تاجر بثلاثين ألف درهم، فلم يكن يقدر إلَّا على ثلاثة آلاف درهم، فحملها إلى أبي عثمان، وقال: أيها الشيخ! قد حلف هذا كما بلغك، ووالله لا أهتدي إلَّا إلى هذه. قال: تأذن لي أن أفعل فيها ما ينفعك؟ قال: نعم. ففرقها أبو عثمان، وقال للتاجر: امكث عندي. وما زال أبو عثمان يتردد بين السكة والمسجد ليلته حتى أصبح، وأذن المؤذن، ثم قال لخادمه: اذهب إلى السوق، وانظر ماذا تسمع. فذهب، ورجع، فقال: لم أر شيئًا. قال: اذهب مرة أخرى، وهو في مناجاته يقول: وحقك لا أقمت ما لم تفرج عن المكروبين. قال: فأتى خادمه الفرغاني يقول: وكفى الله المؤمنين القتال، شق بطن أحمد بن عبد الله. فأخذ أبو عثمان في الإقامة.

قلت: بمثل هذا يعظم مشايخ الوقت.

قال أبو الحسين أحمد بن أبي عثمان: توفي أبي لعشر بقين من ربيع الآخر، سنة ثمان وتسعين ومائتين، وصلى عليه الأمير أبو صالح.

وفيها في شوالها مات الأستاذ العارف أبو القاسم.

ص: 43

‌2553 - الجنيد

(1)

:

ابن محمد بن الجنيد النهاوندي ثم البغدادي القواريري، والده الخزاز.

هو شيخ الصوفية. ولد سنة نيف وعشرين ومائتين، وتفقه على أبي ثور. وسمع من: السري السقطي، وصحبه، ومن الحسن بن عرفة. وصحب أيضًا: الحارث المحاسبي، وأبا حمزة البغدادي. وأتقن العلم، ثم أقبل على شأنه، وتأله، وتعبد، ونطق بالحكمة، وقل ما روى.

حدث عنه: جعفر الخلدي، وأبو محمد الجريري، وأبو بكر الشبلي، ومحمد بن علي بن حبيش، وعبد الواحد بن علوان، وعدة.

قال ابن المنادي: سمع الكثير، وشاهد الصالحين وأهل المعرفة، ورزق الذكاء وصواب الجواب. لم ير في زمانه مثله في عفة وعزوف عن الدنيا.

قيل لي: إنه قال مرة: كنت أفتي في حلقة أبي ثور الكلبي ولي عشرون سنة.

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 571"، وتاريخ بغداد "7/ 241"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 105"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 144"، والعبر "2/ 110"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 168"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 228".

ص: 43

وقال أحمد بن عطاء: كان الجنيد يفتي في حلقة أبي ثور.

عن الجنيد، قال: ما أخرج الله إلى الأرض علمًا وجعل للخلق إليه سبيلًا، إلَّا وقد جعل لي فيه حظًا.

وقيل: إنه كان في سوقه وورده كل يوم ثلاث مائة ركعة، وكذا كذا ألف تسبيحة.

أبو نعيم: حدثنا علي بن هارون، وآخر، قالا: سمعنا الجنيد غير مرة يقول: علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه، لا يقتدى به.

قال عبد الواحد بن علوان: سمعت الجنيد يقول: علمنا -يعني: التصوف- مشبك بحديث رسول الله.

وعن أبي العباس بن سريج: أنه تكلم يومًا، فعجبوا! فقال: ببركة مجالستي لأبي القاسم الجنيد.

وعن أبي القاسم الكعبي، أنه قال مرة: رأيت لكم شيخًا ببغداد، يقال له: الجنيد، ما رأت عيناي مثله! كان الكتبة -يعني: البلغاء- يحضرونه لألفاظه، والفلاسفة يحضرونه لدقة معانيه، والمتكلمون يحضرونه لزمام علمه، وكلامه بائن عن فهمهم وعلمهم.

قال الخلدي: لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير الجنيد. كانت له حال خطيرة، وعلم غزير، إذا رأيت حاله، رجحته على علمه، وإذا تكلم، رجحت علمه على حاله.

أبو سهل الصعلوكي: سمعت أبا محمد المرتعش يقول: قال الجنيد: كنت بين يدي السري ألعب وأنا ابن سبع سنين، فتكلموا في الشكر؟ فقال: يا غلام! ما الشكر؟ قلت: أن لا يعصى الله بنعمه. فقال: أخشى أن يكون حظك من الله لسانك. قال الجنيد: فلا أزال أبكي على قوله.

السلمي: حدثنا جدي؛ ابن نجيد، قال: كان الجنيد يفتح حانوته ويدخل، فيسبل الستر، ويصلي أربع مائة ركعة.

وعنه، قال: أعلى الكبر أن ترى نفسك، وأدناه أن تخطر ببالك -يعني: نفسك.

أبو جعفر الفرغاني: سمعت الجنيد يقول: أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب جل جلاله من القلب، والقلب إذا عري من الهيبة، عري من الإيمان.

قيل: كان نقش خاتم الجنيد: إن كنت تأمله، فلا تأمنه.

ص: 44

وعنه: من خالفت إشارته معاملته، فهو مدع كذاب.

وعنه: سألت الله أن لا يعذبني بكلامي؟ وربما وقع في نفسي: أن زعيم القوم أرذلهم.

وعنه: أعطي أهل بغداد الشطح والعبارة، وأهل خراسان القلب والسخاء، وأهل البصرة الزهد والقناعة، وأهل الشام الحلم والسلامة، وأهل الحجاز الصبر والإنابة.

وقيل لبعض المتكلمين -ويقال: هو ابن كلاب، ولم يصح: قد ذكرت الطوائف، وعارضتهم، ولم تذكر الصوفية. فقال: لم أعرف لهم علمًا ولا قولًا، ولا ما راموه. قيل: بل هم السادة. وذكروا له الجنيد، ثم أتوا الجنيد، فسألوه عن التصوف، فقال: هو إفراد القديم عن الحدث، والخروج عن الوطن، وقطع المحاب، وترك ما علم أو جهل، وأن يكون المرء زاهدًا فيما عند الله، راغبًا فيما لله عنده، فإذا كان كذلك، حظاه إلى كشف العلوم، والعبارة عن الوجوه، وعلم السرائر، وفقه الأرواح. فقال المتكلم: هذا -والله- علم حسن، فلو أعدته حتى نكتبه. قال: كلا، مر إلى المكان الذي منه بدأ النسيان

، وذكر فصلًا طويلًا. فقال المتكلم: إن كان رجل يهدم ما يثبت بالعقل بكلمة من كلامه، فهذا، فإن كلامه لا يحتمل المعارضة.

قال أبو محمد الجريري: سمعت الجنيد يقول: ما أخذنا التصوف عن القال والقيل، بل عن الجوع، وترك الدنيا، وقطع المألوفات.

قلت: هذا حسن، ومراده: قطع أكثر المألوفات، وترك فضول الدنيا، وجوع بلا إفراط.

أما من بالغ في الجوع -كما يفعله الرهبان- ورفض سائر الدنيا ومألوفات النفس من الغذاء والنوم والأهل، فقد عرض نفسه لبلاء عريض، وربما خولط في عقله، وفاته بذلك كثير من الحنيفية السمحة، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا. والسعادة في متابعة السنن، فزن الأمور بالعدل، وصم وأفطر، ونم وقم، والزم الورع في القوت، وارض بما قسم الله لك، واصمت إلَّا من خير، فرحمة الله على الجنيد، وأين مثل الجنيد في علمه وحاله؟

قال ابن نجيد: ثلاثة لا رابع لهم: الجنيد ببغداد، وأبو عثمان بنيسابور، وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام.

وقد كان الجنيد يأنس بصديقه الأستاذ أبي الحسين.

ص: 45

‌2554 - النوري

(1)

:

وهو: أحمد بن محمد الخراساني، البغوي، الزاهد، شيخ الطائفة بالعراق، وأحذقهم بلطائف الحقائق، وله عبارات دقيقة يتعلق بها من انحرف من الصوفية، نسأل الله العفو.

صحب السري السقطي، وغيره، وكان الجنيد يعظمه، لكنه في الآخر رق له وعذره، لما فسد دماغه.

وقد ساح النوري إلى الشام، وأخذ عن أحمد بن أبي الحواري، وقد جرت له محنة، وفر عن بغداد في قيام غلام خليل على الصوفية، فأقام بالرقة مدة متخليًا منعزلًا. حكى ذلك أبو سعيد بن الأعرابي، قال: ثم عاد إلى بغداد وقد فقد جلاسه وأناسه وأشكاله، فانقبض لضعف قوته، وضعف بصره.

وقال أبو نعيم: سمعت عمر البناء البغدادي بمكة يحكي محنة غلام خليل، قال: نسبوا الصوفية إلى الزندقة، فأمر الخليفة المعتمد في سنة أربع وستين ومائتين بالقبض عليهم، فأخذ في جملتهم النوري، فأدخلوا على الخليفة، فأمر بضرب أعناقهم، فبادر النوري إلى السياف، فقيل له في ذلك، فقال: آثرت حياتهم على نفسي ساعة. فتوقف السياف عن قتله، ورفع أمره إلى الخليفة، فرد الخليفة أمرهم إلى قاضي القضاة إسماعيل بن إسحاق، فسأل أبا الحسين النوري عن مسائل في العبادات، فأجاب، ثم قال: وبعد هذا، فلله عباد ينطقون بالله، ويأكلون بالله، ويسمعون بالله. فبكى إسماعيل القاضي، وقال: إن كان هؤلاء القوم زنادقة، فليس في الأرض موحد. فأطلقوهم.

أبو نعيم: سمعت أبا الفرج الورثاني: سمعت علي بن عبد الرحيم يقول: دخلت على النوري، فرأيت رجليه منتفختين، فسألته عن أمره، فقال: طالبتني نفسي بأكل تمر، فدافعتها، فأبت علي، فاشتريته، فلما أكلت، قلت: قومي فصلي. فأبت فقلت: لله علي إن قعدت على الأرض أربعين يومًا، فما قعدت، يعني: إلَّا في صلاة.

وعن النوري، قال: من رأيته يدعي مع الله حالة تخرج عن الشرع، فلا تقربن منه.

قال أبو العباس بن عطاء: سمعت أبا الحسين النوري يقول: كان في نفسي من هذه الكرامات، فأخذت من الصبيان قصبة، ثم قمت بين زورقين، وقلت: وعزتك، لئن لم

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 570"، وتاريخ بغداد "5/ 130"، والمنتظم "6/ 77"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 163".

ص: 46

تخرج لي سمكة فيها ثلاثة أرطال، لأغرقن نفسي. قال: فخرجت لي سمكة ثلاثة أرطال. قال: فبلغ ذلك الجنيد، فقال: كان حكمه أن تخرج له أفعى فتلدغه.

وعن النوري، قال: سبيل الفانين الفناء في محبوبهم، وسبيل الباقين البقاء ببقائه، ومن ارتفع عن الفناء والبقاء، فحينئذ لا فناء ولا بقاء.

عن القناد، قال: كتبت إلى النوري وأنا حدث:

إذا كان كل المرء في الكل فانيًا

أبن لي عن أي الوجودين يخبر

فأجاب لوقته:

إذا كنت فيما ليس بالوصف فانيًا

فوقتك في الأوصاف عندي تحير

قلت: هذا يحتاج إلى شرح طويل، وتحرز عن الفناء الكلي، ومرادهم بالفناء، فناء الأوصاف النفسانية ونحوها، ونسيانها بالاشتغال بالله -تعالى- وبعبادته، فإن ذات العارف وجسده لا ينعدم ما عاش، والكون وما حوى فمخلوق، والله خالق كل شيء ومبدعه، أعاذنا الله وإياكم من قول الاتحاد فإنه زندقة.

قال فارس الحمال: رأيت النوري خرج من البادية، ولم يبق منه إلَّا خاطره، فقال له رجل: هل يلحق الأسرار ما يلحق الصفات؟ -يريد الضنا الذي رأى به- فقال: إن الله أقبل على الأسرار فحملها، وأعرض عن الصفات فمحقها، ثم أنشأ يقول:

أهكذا صيرني

أزعجني عن وطني!

حتى إذا غبت به

وإذ بدا غيبني

واصلني .. حتى إذا

واصلته قاطعني

يقول لا تشهد ما

تشهد أو تشهدني

قال ولما مات النوري، قال الجنيد: ذهب نصف العلم بموته.

وقيل: قال النوري للجنيد: غششتهم فصدروك، ونصحت لهم فرموني بالحجارة.

قيل: كان النوري يلهج بفناء صفات العارف، فكان ذلك أبو جاد فناء ذات العارف كما زعمت الاتحادية، فقالوا بتعميم فناء السوى، وقالوا: ما في الكون سوى الله، وصرحوا بأنه تعالى اتحد لخلقه، وأنت أنا، وأنا أنت، وأنشدوا:

ص: 47

وألتذ إن مرت على جسدي يدي

لأني في التحقيق لست سواكم

فنعوذ ب الله من الضلال.

قال ابن الأعرابي: مضيت يومًا أنا ورويم وأبو بكر العطار نمشي على شاطئ نهر، فإذا نحن برجل في مسجد بلا سقف. فقال رويم: ما أشبه هذا بأبي الحسين النوري! فملنا إليه فإذا هو هو، فسلمنا وعرفنا، وذكر أنه ضجر من الرقة فانحدر، وأنه الآن قدم ولا يدري أين يتوجه، وكان قد غاب عن بغداد أربع عشرة سنة، فعرضنا عليه مسجدنا، فقال: لا أريد موضعًا فيه الصوفية، قد ضجرت منهم. فلم نزل نطلب إليه حتى طابت نفسه. وكانت السوداء قد غلبت عليه، وحديث النفس، ثم ضعف بصره، وانكسر قلبه، وفقد إخوانه، فاستوحش من كل أحد.

ثم إنه تأنس وسألنا عن نصر بن رجاء وعثمان -وكانا صديقين له، إلَّا أن نصرًا تنكر له- فقال: ما أخاف بغداد إلَّا من نصر. فعرفناه أنه بخلاف ما فارقه، فجاء معنا إلى نصر، فلما دخل مسجده، قام نصر، وما أبقى في إكرامه غاية، وبتنا عنده، ولما كان يوم الجمعة، ركبنا مع نصر زورقًا من زوارقه إلى مكان، وصعدنا إلى الجنيد، فقام القوم وفرحوا، وأقبل عليه الجنيد، يذاكره ويمازحه، فسأله ابن مسروق مسألة، فقال: عليكم بأبي القاسم. فقال الجنيد: أجب يا أبا الحسين، فإن القوم أحبوا أن يسمعوا جوابك. قال: أنا قادم، وأنا أحب أن أسمع. فتكلم الجنيد والجماعة، والنوري ساكت، فعرضوا له ليتكلم، فقال: قد لقبتم ألقابًا لا أعرفها، وكلامًا غير ما كنت أعهد، فدعوني حتى أسمع، وأقف على مقصودكم. فسألوه عن الفرق الذي بعد الجمع: ما علامته؟ وما الفرق بينه وبين الفرق الأول؟ -لا أدري سألوه بهذا اللفظ أو بمعناه.

وكنت قد لقيته بالرقة سنة سبعين ومائتين، فسألني عن الجنيد، فقلت: إنهم يشيرون إلى شيء يسمونه الفرق الثاني والصحو. فقال: اذكر لي شيئًا منه. فذكرته، فضحك، وقال: ما يقول ابن الخلنجي؟ قلت: ما يجالسهم. قال: فأبو أحمد القلانسي؟ قلت: مرة يخالفهم، ومرة يوافقهم. قال: فما تقول أنت؟ قلت: ما عسى أن أقول أنا؟ ثم قلت: أحسب أن هذا الذي يسمونه فرقًا ثانيًا هو عين من عيون الجمع، يتوهمون به أنهم قد خرجوا عن الجمع فقال: هو كذاك، أنت إنما سمعت هذا من القلانسي. فقلت: لا.

فلما قدمت بغداد، حدثت أبا أحمد القلانسي بذلك، فأعجبه قول النوري. وأما أبو أحمد فكان ربما يقول: هو صحو وخروج عن الجمع، وربما قال: بل هو شيء من الجمع. ثم

ص: 48

إن النوري شاهدهم، فقال: ليس هو عين من عيون الجمع، ولا هو صحو من الجمع، ولكنهم رجعوا إلى ما يعرفون. ثم بعد ذلك ذكر رويم وابن عطاء: أن النوري يقول الشيء وضده، ولا نعرف هذا إلَّا قول سوفسطًا ومن قال بقوله. وكان بينهم وحشة، وكان يكثر منهم التعجب، وقالوا للجنيد، فأنكر عليهم، وقال: لا تقولوا مثل هذا لأبي الحسين، ولكنه رجل لعله قد تغير دماغه.

ثم إن أبا الحسين انقبض عن جميعهم، وجفاهم، وغلبت عليه العلة، وعمي، ولزم الصحارى والمقابر، وكانت له في ذلك أحوال يطول شرحها. وسمعت جماعة يقولون: من رأى النوري بعد قدومه من الرقة ولم يكن رآه قبلها، فكأنه لم يره لتغيره، رحمه الله.

قال ابن جهضم: حدثني أبو بكر الجلاء، قال: كان النوري إذا رأى منكرًا، غيره، ولو كان فيه تلفه، نزل يومًا، فرأى زورقًا فيه ثلاثون دنًا، فقال للملاح: ما هذا؟ قال: ما يلزمك؟ فألح عليه، فقال: أنت -والله- صوفي كثير الفضول، هذا خمر للمعتضد. قال: أعطني ذلك المدري، فاغتاظ، وقال لأجيره: ناوله حتى أبصر ما يصنع. فأخذه، ونزل، فكسرها كلها غير دن، فأخذ، وأدخل إلى المعتضد، فقال: من أنت ويلك؟! قال: محتسب. قال ومن ولاك الحسبة؟ قال: الذي ولاك الإمامة يا أمير المؤمنين! فأطرق، وقال: ما حملك على فعلك؟ قال: شفقة مني عليك! قال: كيف سلم هذا الدن؟ فذكر أنه كان يكسر الدنان ونفسه مخلصة خاشعة، فلما وصل إلى هذا الدن، أعجبته نفسه، فارتاب فيها، فتركه.

عن أبي أحمد المغازلي، قال: ما رأيت أحدا قط أعبد من النوري! قيل: ولا الجنيد؟ قال: ولا الجنيد.

وقيل: إن الجنيد مرض مرة، فعاده النوري، فوضع يده عليه، فعوفي لوقته.

توفي النوري: قبل الجنيد، وذلك في سنة خمس وتسعين ومائتين، وقد شاخ، رحمه الله. وقد مر موت الجنيد في سنة ثمان وتسعين.

قال أبو بكر العطوي: كنت عند الجنيد لما احتضر، فختم القرآن، ثم ابتدأ سورة البقرة، فتلا سبعين آية ومات.

قال الخلدي: رأيته في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: طاحت تلك الإشارات، وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم، ونفدت تلك الرسوم، وما نفعنا إلَّا ركعات كنا نركعها في الأسحار.

قال أبو الحسين بن المنادي: ذكر لي أنهم حزروا الجمع يوم جنازة الجنيد الذين صلوا عليه نحو ستين ألفا، وما زالوا ينتابون قبره في كل يوم نحو الشهر، ودفن عند السري السقطي.

قلت: غلط من ورخه في سنة سبع وتسعين، والله أعلم.

ص: 49

‌2555 - البرذعي

(1)

:

الإمام الحافظ، أبو عثمان سعيد بن عمرو بن عمار الأزدي، البرذعي. رحال، جوال، مصنف.

سمع أبا كريب، وعبدة الصفار، وعمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن المثنى، وبندارًا، وأبا سعيد الأشج، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب، وأبا إسحاق الجوزجاني، وأحمد بن الفرات، وأبا زرعة، ولازمه وفقه به وبمسلم بن الحجاج، وابن وارة.

حدث عنه: حفص بن عمر الأردبيلي، وأحمد بن طاهر الميانجي، والحسن بن علي بن عياش، وإبراهيم بن أحمد الميمذي، وآخرون.

قال ابن عقدة: توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين.

أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر بن منير، أخبرنا السلفي، أخبرنا إسماعيل بن عبد الجبار، أخبرنا أبو يعلى الخليلي الحافظ، أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ، سمعت أحمد بن طاهر الحافظ، سمعت سعيد بن عمرو الحافظ يقول: لما رجعت من مصر، أقمت ثانيًا عند أبي زرعة، فعرضت عليه كتاب المزني، فكلما قرأت عليه مما يخالف الشافعي، بقي يتبسم، ويقول: لم يعمل صاحبك شيئًا في اختياره، لا يمكنه الانفصال فيما ادعى. قلت: هل سمعت منه شيئًا؟ قال: لا، وما جالسته إلَّا يومين.

‌2556 - الوليد بن حماد:

ابن جابر الحافظ، أبو العباس الرملي، مؤلف كتاب "فضائل بيت المقدس".

حدث عن: سليمان بن بنت شرحبيل، وهشام بن عمار، ويزيد بن موهب الرملي، وعبد الرحمن الحلبي، وإبراهيم بن محمد الفريابي، ويحيى بن يعقوب، وعدة.

روى عنه: أبو بشر الدولابي، والفضل بن مهاجر، وأبو القاسم الطبراني، وأبو أحمد بن عدي، وعبد الله بن أحمد بن وكيع قاضي طبرية، وآخرون. وكان ربانيًا.

ذكره ابن عساكر مختصرًا، ولا أعلم فيه مغمزًا، وله أسوة غيره في رواية الواهيات.

بقي إلى قريب الثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 742"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "13/ 147".

ص: 50

‌2557 - إبراهيم بن محمود:

ابن حمزة، شيخ المالكية بنيسابور، أبو إسحاق النيسابوري، تلميذ ابن عبد الحكم.

حدث عن: يونس بن عبد الأعلى، والربيع، وعبد الجبار بن العلاء، وأحمد بن منيع، ومحمد بن رافع، وطبقتهم.

حدث عنه: ابن أخيه؛ محمود بن محمد، وأبو الطيب محمد بن أحمد بن حمدون، وحسان بن محمد الفقيه، وأبو بكر بن زياد النقاش.

قال الحاكم: سمعت محمود بن محمد، سمعت عمي؛ إبراهيم يقول: قال لي محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: ما قدم علينا خراساني أعرف بطريقة مالك منك، فإذا رجعت إلى خراسان، فادع الناس إلى رأي مالك.

قال: وكان عمي يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يدع الجهاد في كل ثلاث سنين. ثم قال الحاكم: كان يعرف بالقطان، ولم يكن بعده بنيسابور للمالكية مدرس. وسمعت أبا الطيب الكرابيسي يقول: توفي الفقيه إبراهيم بن محمود في شعبان، سنة تسع وتسعين ومائتين.

‌2558 - الأصبهاني

(1)

:

إمام القراء، أبو بكر، محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن شبيب الأصبهاني.

اعتنى بقراءة ورش، وحذق فيها، فتلًا على: عامر الحرسي، وسليمان الرشديني، وعبد الرحمن بن داود "بن" أبي طيبة. وسمع الحروف من: يونس بن عبد الأعلى.

وروى الحديث عن داود بن رشيد، وعبد الله بن عمر مشكدانة، وعثمان بن أبي شيبة، وطبقتهم.

قرأ عليه: هبة الله بن جعفر، وعبد الله بن أحمد المطرز، ومحمد بن يونس، وإبراهيم بن جعفر.

وحدث عنه: ابن مجاهد، وأبو أحمد العسال، وأبو الشيخ، ومحمد بن أحمد بن عبد الوهاب الأصبهاني، وآخرون.

وكان يقول: ارتحلت إلى مصر ومعي ثمانون ألف درهم، فأنفقتها على ثمانين ختمة.

ولقد بالغ في تعظيمه أبو عمرو الداني، وقال: هو إمام عصره في قراءة ورش.

قلت: مات ببغداد في سنة ست وتسعين ومائتين، رحمه الله.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 226"، وتاريخ بغداد "2/ 364".

ص: 51

‌2559 - المري:

الإمام أبو بكر، أحمد بن محمد بن الوليد بن سعد المري، الدمشقي، المقرئ.

روى عن أبي مسهر الغساني، وأبي اليمان، وآدم بن أبي إياس، وهشام بن عمار، وعدة.

وعنه: أبو علي بن آدم، وابن أبي العقب، وأبو أحمد بن الناصح، والطبراني، وأبو عمر بن فضالة، وآخرون.

مات سنة سبع وتسعين ومائتين. أرخه: ابن زبر.

‌2560 - أبو الآذان

(1)

:

الحافظ العالم المتقن القدوة، أبو الآذان عمر بن إبراهيم البغدادي.

حدث عن: محمد بن المثنى العنزي، وعبد الله بن محمد بن المسور، وإسماعيل بن مسعود الجحدري، ويحيى بن حكيم المقوم، ومحمد بن علي بن خلف العطار، وطبقتهم من أصحاب ابن عيينة ووكيع.

حدث عنه: النسائي في "سننه" -وهو أكبر سنا منه- وابن قانع، والطبراني، ومظفر بن يحيى، وطائفة. أثنى عليه أبو بكر الإسماعيلي.

قال البرقاني: حدثنا أبو بكر الإسماعيلي، قال: حكي أن أبا الآذان طالت خصومة بينه وبين يهودي أو غيره، فقال له: أدخل يدك ويدي في النار، فمن كان محقًا لم تحترق يده. فذكر أن يده لم تحترق، وأن يد اليهودي احترقت.

توفي أبو الآذان في سنة تسعين ومائتين، وله ثلاث وستون سنة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 215"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 744"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 205".

ص: 52

‌2561 - قرطمة

(1)

:

الحافظ المجود، أبو عبد الله، محمد بن علي البغدادي، قرطمة.

سمع: محمد بن حميد، وأبا سعيد الأشج، والزعفراني، ومحمد بن يحيى. وله رحلة واسعة، وحفظ باهر، وقل ما روى.

قال أبو أحمد الحاكم: سمعت ابن عقدة يقول: سمعت ابن يمان يقول: الناس يقولون: أبو زرعة وأبو حاتم في الحفظ! والله ما رأيت أحفظ من قرطمة!

قال الخطيب: توفي في سنة تسعين ومائتين.

‌2562 - ابن صدقة

(2)

:

الإمام الحافظ المتقن الفقيه، أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة البغدادي.

حدث عن: أحمد بن حنبل بمسائل. وعن: إسماعيل بن مسعود الجحدري، ومحمد بن مسكين اليمامي، ومحمد بن حرب النشاستجي، وصالح بن محمد بن يحيى القطان، وعدة.

حدث عنه: عبد الباقي بن قانع، وأبو بكر الشافعي، وسليمان الطبراني، والفقيه أبو بكر الخلال، وأبو بكر بن مجاهد.

وكان نقالًا لكتب من القراءات ومسائله عن الإمام أحمد مدونة، وكان موصوفًا بالإتقان والتثبت.

توفي سنة ثلاث وتسعين ومائتين.

أنبأنا ابن قدامة، أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن علان، أخبرنا محمد بن عبد الله، حدثني أحمد بن محمد بن صدقة الحافظ، حدثنا صالح بن محمد بن يحيى، حدثنا أبي، عن عثمان بن مرة، عن القاسم: عن عائشة، قال:"إن أصحاب هذه الصور يعذبون عذابًا لا يعذبه أحد من العالمين، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم"

(3)

.

قال ابن المنادي: كان ابن صدقة من الضبط والحذق على نهاية.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 65"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 745"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "4/ 107"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 205".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 40"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 746"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 215".

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "2105"، ومسلم "2106""96"، والنسائي "8/ 215"، وابن ماجه "2151"، وأحمد "6/ 70 و 80 و 223".

ص: 53

‌2563 - قنبل

(1)

:

إمام في القراء مشهور، وهو أبو عمر محمد بن عبد الرحمن المخزومي مولاهم، المكي. عاش: ستًا وتسعين سنة.

تلا على: أبي الحسن القواس، وغيره.

أخذ عنه: ابن شنبوذ، وابن مجاهد، وابن عبد الرزاق، وابن شوذب الواسطي.

يقال: هرم وتغير.

وقد طولته في "طبقات القراء".

مات سنة إحدى وتسعين ومائتين.

‌2564 - يوسف القاضي

(2)

:

صاحب التصانيف في السنن، الإمام، الحافظ، الفقيه الكبير، الثقة، القاضي، أبو محمد يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم، البصري الأصل، البغدادي.

حرص عليه أهله، فإنهم بيت علم.

وسمع وهو حدث من: مسلم بن إبراهيم، وسليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، ومحمد بن كثير العبدي، ومسدد بن مسرهد، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وهدبة بن خالد، وشيبان بن فروخ، وعلي بن المديني، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو عمرو بن السماك، وأبو سهل القطان، وعبد الباقي بن قانع، ودعلج بن أحمد، وأبو بكر الشافعي، وأبو القاسم الإسماعيلي، وأبو أحمد بن عدي، وعلي بن محمد ابن كيسان، وخلق كثير. وكان أسند أهل زمانه ببغداد.

(1)

ترجمته في معجم الأدباء لياقوت الحموي "17/ 17"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 42"، والعبر "2/ 89"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 208".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 310"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 96"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 680"، والعبر "2/ 109"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 171"، وشذرات الذهب "2/ 227".

ص: 54

قال الخطيب: كان ثقة، صالحًا، عفيفًا، مهيبًا، سديد الأحكام، ولي القضاء بالبصرة وواسط في سنة ست وسبعين ومائتين، وضم إليه قضاء الجانب الشرقي من بغداد.

وفي "تاريخ الخطيب": أن أبا بكر بن أبي الدنيا دخل على يوسف القاضي، فسأله عن قوته، فقال القاضي: أجدني كما قال سيبويه:

لا ينفع الهليون والأطريفل

انخرق الأعلى وخار الأسفل

ونحن في جد وأنت تهزل

فقال ابن أبي الدنيا:

أراني في انتقاص كل يوم

ولا يبقى مع النقصان شي

طوى العصران ما نشراه مني

فأخلق جدتي نشر وطي

مات يوسف القاضي رحمه الله: في رمضان، سنة سبع وتسعين ومائتين.

ومن تآليفه: كتاب "العلم" سمعناه، و"الزكاة"، و"الصيام".

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد وغيره إجازةً قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا محمد ابن عبد الباقي، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا علي بن محمد بن كيسان، حدثنا يوسف القاضي، حدثنا مسدد، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا حريز بن عثمان، حدثني أبو خداش، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون شركاء في ثلاثة: في النار، والكلأ، والماء".

أخرجه أبو داود، عن مسدد.

وأبو خداش هذا: هو حبان بن زيد الشرعبي الحمصي، ما علمت روى عنه سوى حريز، وشيوخه قد وثقوا مطلقًا.

وكان والده يعقوب قاضي المدينة.

سمع ابن عيينة، وجماعة.

حدث عنه: ابن ناجية، وقاسم المطرز، وطائفة. ولقن لحفيده أبي عمر محمد بن يوسف القاضي حديثًا حفظه عنه.

ومات بفارس، على قضائها، سنة ست وأربعين ومائتين. وهو ثقة.

ص: 55

‌2565 - علي بن أبي طاهر:

الإمام الحافظ الأوحد الثقة، أبو الحسن علي بن أبي طاهر أحمد بن الصباح القزويني.

سمع: إسماعيل بن توبة، وهشام بن عمار، ودحيمًا، وبندارًا، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو الحسن القطان، ومحمد بن الحسن القاضي، وغيرهما. وروى عنه بالإجازة عبد الرحمن بن أبي حاتم.

وكان أحد الأثبات.

وثقه الخليلي، وقال: سمعت الحسن بن أحمد بن صالح يحكي عن سليمان بن يزيد: أن علي بن أبي طاهر لما رحل إلى الشام، وكتب الحديث جعل كتبه في صندوق، وقيَّره، وركب البحر، فاضطربت السفينة وماجت، فألقى الصندوق في البحر، ثم سكنت السفينة، فلما خرج منها، أقام على الساحل ثلاثًا يدعو الله، ثم سجد في الليلة الثالثة، وقال: إن كان طلبي ذلك لوجهك وحب رسولك، فأغثني برد ذلك. فرفع رأسه فإذا بالصندوق ملقى عنده، فقدم، وأقام برهةً، ثم قصدوه لسماع الحديث، فامتنع منه. قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي، ومعه علي رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي، من عامل الله بما عاملك به على شط البحر؟! لا تمتنع من رواية أحاديثي. قال: فقلت: قد تبت إلى الله. فدعا لي، وحثني على الرواية.

ذكره الخليلي في مشايخ القطان، وقال: مات سنة نيف وتسعين ومائتين، رحمه الله.

‌2566 - الخَفَّاف:

الحافظ العالم الثقة، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري، الخفاف، نزيل مصر.

حدث عن: أحمد بن سعيد الرباطي، ومحمد بن رافع، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وطبقتهم. ولازم البخاري.

حدث عنه: أبو عبد الرحمن النسائي -وهو أسند منه- ومحمد بن أبيض، وأبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي، وأبو محمد عبد الله بن الورد، وآخرون.

ورواية النسائي عنه في كتاب "الكنى".

وهو ممن فات الحاكم ذكره في "تاريخ نيسابور".

توفي بمصر، في شهر ربيع الآخر، سنة أربع وتسعين ومائتين. وكان من البصراء بهذا الشأن.

ص: 56

‌2567 - ابن الصَّفَّار:

مفتي الأندلس مع ابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى.

ارتحل، وأخذ عن: أحمد بن صالح المصري، ويونس، وابن أخي بن وهب، والعتبي، وابن وضاح.

مات سنة خمس وتسعين ومائتين. وهو: أبو عبد الله محمد بن غالب القرطبي، ابن الصفار.

ومات ابنه العلامة المفتي أبو الوليد أحمد بن محمد: سنة إحدى وثلاث مائة، كهلًا.

‌2568 - عُبَيْدٌ العِجْل

(1)

:

الحافظ الإمام المجود، أبو علي الحسين بن محمد بن حاتم البغدادي؛ تلميذ يحيى بن معين.

حدث عن: داود بن رشيد، ويعقوب بن حميد بن كاسب، ويحيى بن معين، ومحمد بن عبد الله بن عمار، وأبي همام الوليد بن شجاع، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وعدة.

حدث عنه: عبد الصمد الطستي، وعثمان بن سنقة، وأبو بكر الشافعي، والطبراني، وآخرون.

قال الخطيب: كان ثقة، متقنًا، حافظًا.

وقال أحمد بن المنادي: كان من المتقدمين في حفظ "المسند" خاصةً.

قال أبو أحمد بن عدي: حدثنا ابن عقدة، قال: كنا نحضر مع عبيد، فينتخب لنا، فإذا أخذ الكتاب بيده، طار ما في رأسه، فنكلمه، فلا يرد، فإذا فرغ، قلنا: كلمناك فلم تجبنا؟! قال: إذا أخذت الكتاب بيدي، يطير عني ما في رأسي، يمر بي حديث الصحابي، وأنا أحتاج أن أفكر في مسند ذلك الصحابي، من أوله إلى آخره، هل الحديث فيه أم لا؟ أخاف أن أزل في الانتخاب، وأنتم شياطين قد قعدتم حولي.

قيل: إن يحيى بن معين هو الذي لقبه عبيدًا العجل.

قال ابن قانع: مات في صفر، سنة أربع وتسعين ومائتين.

قلت: كان من أبناء الثمانين.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 93"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 61"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 692"، والعبر "2/ 98"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 161"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 216".

ص: 57

‌2569 - البربري

(1)

:

الإمام الحافظ الباهر الأخباري، أبو أحمد محمد بن موسى بن حماد البربري، البغدادي.

مولده في سنة ثلاث عشرة ومائتين.

سمع: علي بن الجعد، وعبيد الله بن عمر القواريري، وعبد الرحمن بن صالح، وطبقتهم.

حدث عنه: أحمد بن كامل القاضي، وإسماعيل الخطبي، وابن قانع، والطبراني، وعدة.

قال الخطيب: كان أخباريا، فهما، ذا معرفة بأيام الناس، وكان يخضب بالحمرة.

وقال الدارقطني: ليس بالقوي.

قلت: غيره أتقن منه، ولكنه من أوعية العلم، يذكر مع المعمري والحفاظ، وقد أكثر عنه الطبراني.

قال الخطيب: توفي سنة أربع وتسعين ومائتين.

‌2570 - البراثي

(2)

:

الإمام المقرئ، المحدث المجود، أبو العباس أحمد بن محمد بن خالد البغدادي، البراثي.

تلا على: خلف بن هشام، فكان خاتمة أصحابه. وسمع من: علي بن الجعد، وكامل بن طلحة، وسريج بن يونس، وطبقتهم.

أخذ عنه الحروف عبد الواحد بن أبي هاشم، فهو أعلى من لقي.

وروى عنه: مخلد الباقرحي، والجعابي، والطبراني، وأحمد بن جعفر الخُتُّلي، وأبو حفص بن الزيات، وعدة.

قال الدارقطني: ثقة، مأمون.

قلت: توفي سنة ثلاث مائة.

وفيها مات: أحوص بن المفضل الغلابي، وعلي بن سعيد العسكري، ومحمد بن الحسن ابن سماعة، وأبو عمر محمد بن جعفر القتات، والحسين بن أبي الأحوص الثقفي، وأحمد ابن عبد الرحمن بن عقال الحراني.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 243"، وميزان الاعتدال "4/ 51"، ولسان الميزان "5/ 400".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 3 - 4"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 181".

ص: 58

‌2571 - محمد بن حبان

(1)

:

ابن الأزهر، المسند المعمر، المحدث، أبو بكر العبدي، البصري، القطان.

حدث عن: أبي عاصم النبيل، وعمرو بن مرزوق، وغيرهما.

حدث عنه: أبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الجعابي، والقاضي أبو الطاهر الذهلي، وأبو بكر الإسماعيلي، وعمر بن محمد بن سبنك، وجماعة سوى هؤلاء ممن أخذوا عنه ببغداد.

ضعفه محمد بن علي الصوري الحافظ، وكان قد نزل بغداد.

قال ابن سبنك: أول ما كتبت سنة ثلاث مائة عن ابن حبان، ومات سنة إحدى وثلاث مائة.

قلت: جاوز مائة عام فيما أرى.

‌2572 - ومحمد بن حبان

(2)

:

ابن بكر بن عمرو الباهلي البصري، نزيل المخرم؛ من بغداد.

حدث عن: أمية بن بسطام، وكثير بن يحيى، وكامل بن طلحة، ومحمد بن المنهال، وطائفة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 231"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 126"، والعبر "2/ 119" وميزان الاعتدال "3/ 508"، ولسان الميزان "5/ 115"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 237".

(2)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "2/ 307 - 308".

ص: 59

روى عنه: أبو علي النيسابوري، وأبو القاسم الطبراني، وغيرهما.

كأنه الأول إن شاء الله، بناء على أن الأزهر لقب لبكر بن عمرو، أو هو جد أعلى له، أو وقع وهم في نسبه. وقد وهم الحافظ عبد الغني بن سعيد، فقال: محمد بن حبان -بالفتح- حدثنا عنه أبو الطاهر الذهلي. قال: وبضم الحاء: محمد بن حبان، حدث عنه أبو قتيبة سلم ابن الفضل.

قال الصوري: هما واحد، وهو بالضم.

قلت: ليس عند الطبراني عنه سوى حديث واحد عن كامل بن طلحة، أورده له في "معجمه الأوسط"، و"معجمه الأصغر".

قال أبو عبد الله بن مندة: ليس بذاك.

قال أبو نصر بن ماكولا: محمد بن حبان بن الأزهر الباهلي -بالفتح- روى عن أبي عاصم، وعنه: أحمد بن عبيد الله النهرديري، ومحمد بن حبان أبو بكر، عن أبي عاصم. ذكره عبد الغني، وهو متقن لا يخفى عليه أمر شيخ شيخه، وكان القاضي الذهلي من المتثبتين، لا يخفى عليه أمر شيوخه.

وقال الصوري: إنما هما واحد.

ثم قال ابن ماكولا: لا، بل هما اثنان، والنسبة تفرق بينهما، وكذلك الجد، فإن كان شيخنا الصوري قد أتقنه بالضم، فقد غلط في تصوره: أنهما هما واحد، وهما اثنان، كل منهما محمد بن حبان، وإن لم يكن أتقنه فالأول بالفتح، وهذا بالضم.

قلت: ما قال الصوري: هما اثنان، إلَّا باعتبار المسميين المذكورين، أما باعتبار الرجل الآخر الذي ذكره الدارقطني، فيصيرون ثلاثة. قال الدارقطني: محمد بن حبان بن بكر بن عمرو البصري، نزل بغداد في المخرم، وحدث عن: أمية بن بسطام، ومحمد بن منهال، وغيرهما.

قلت: الظاهر -كما قلنا- إنهما واحد، والذي لا أرتاب فيه أن محمد بن حبان، عن أبي عاصم، رجل واحد معمر، وهو بالضم، وقد يجوز أن يكون أبوه حبان بالضم وبالفتح، فالله أعلم.

ص: 60

‌الطبقة السابعة عشر:

‌2573 - الفريابي

(1)

:

جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض. الإمام، الحافظ، الثبت، شيخ الوقت، أبو بكر الفريابي، القاضي.

ولد سنة سبع ومائتين. وقال: أول ما كتبت الحديث سنة أربع وعشرين ومائتين.

أرخ مولده القاضي أبو الطاهر الذهلي.

قلت: ارتحل من فيرياب -وهي مدينة من بلاد الترك- إلى بلاد ما وراء النهر، وخراسان، والعراق، والحجاز، والشام، ومصر، والجزيرة، ولقي الأعلام، وتميز في العلم، وولي قضاء الدينور.

حدث عن: شيبان بن فروخ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وهدبة بن خالد، وقتيبة بن سعيد، وأبي مصعب الزهري، وإسحاق بن راهويه، وأبي جعفر النفيلي، وسليمان ابن بنت شرحبيل، ومحمد بن عائذ، وهشام بن عمار، وصفوان بن صالح، وأبي بكر بن أبي شيبة، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وعلي بن المديني، وعبد الأعلى بن حماد، وعثمان بن أبي شيبة، وأبي قدامة السرخسي، ويزيد بن موهب الرملي، وهدية بن عبد الوهاب المروزي، وإسحاق بن موسى الخطمي، ومحمد بن عثمان بن خالد العثماني، وعمرو بن علي الفلاس، وعبد الله بن جعفر البرمكي، والهيثم بن أيوب الطالقاني، وأبي كامل الجحدري، وأحمد بن عيسى التستري، ومحمد بن عبيد بن حساب، وعبيد الله بن معاذ، وأبي كريب محمد بن العلاء، وتميم بن المنتصر، وأبي الأصبغ عبد العزيز بن يحيى، ومنجاب بن الحارث، ومحمد ابن مصفى، وخلق كثير.

وصنف التصانيف النافعة.

حدث عنه: أبو بكر النجاد، وأبو بكر الشافعي، وأبو علي بن الصواف، وأبو القاسم الطبراني، وأبو الطاهر الذهلي، وأبو بكر القطيعي، وأبو أحمد بن عدى، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو بكر الجعابي، وأبو القاسم علي بن أبي العقب، وأبو علي بن هارون، وأبو حفص عمر بن الزيات، وأبو بكر الآجري، وعبد الباقي بن قانع، وأبو الحسين محمد بن عبد

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 199"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 124"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 714"، والعبر "2/ 119"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 235".

ص: 61

الله -والد تمام الرازي- والحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي، وأبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، وهو خاتمة أصحابه، وقع لنا من طريقه "صفة المنافق" عاليًا.

قال الخطيب: جعفر الفريابي قاضي الدينور كان ثقة، حجة، من أوعية العلم، ومن أهل المعرفة والفهم، طوف شرقًا وغربًا، ولقي الأعلام.

وعن أبي حفص الزيات، قال: لما ورد الفريابي إلى بغداد، استقبل بالطيارات، والزبازب، ووعد له الناس إلى شارع المنار ليسمعوا منه. قال: فحضر من حُزِرُوا، فقيل: كانوا نحو ثلاثين ألفًا، وكان المستملون ثلاث مائة وستة عشر نفسًا.

وقال أبو علي بن الصواف: سمعت الفريابي يقول: كل من لقيته لم أسمع منه إلَّا من لفظه، إلَّا ما كان من شيخين: أبي مصعب فإنه ثقل لسانه، والمعلى بن مهدي بالموصل، وكتبت من سنة أربع وعشرين ومائتين.

قال أبو الفضل الزهري: لما سمعت من الفريابي، كان في مجلسه من أصحاب المحابر من يكتب حدود عشرة آلاف إنسان، ما بقي منهم غيري، هذا سوى من لا يكتب. ثم جعل يبكي.

قلت: سماعه منه كان في سنة ثمان وتسعين ومائتين.

قال أبو أحمد بن عدي: كنا نشهد مجلس جعفر الفريابي، وفيه عشرة آلاف، أو أكثر.

قال أبو بكر الخطيب: الفريابي قاضي الدينور من أوعية العلم.

وقال الدارقطني: قطع الفريابي الحديث في شوال، سنة ثلاث مائة.

وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: دخلت بغداد والفريابي حي، وقد أمسك عن التحديث، ودخلنا عليه غير مرة، ونكتب بين يديه، كنا نراه حسرة.

قلت: نعم ما صنع، فإنه أنس من نفسه تغيرا، فتورع، وترك الرواية.

وقد حدث عنه من شيوخه: محمد بن يحيى الأزدي البصري.

فأنبأنا مسلم بن محمد، وطائفة، عن القاسم بن علي: أخبرنا أبي، أخبرنا أبو الحسن بن قبيس، وأبو منصور بن خيرون، قالا: أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، حدثنا محمد بن عبد الله الشافعي، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، حدثنا محمد ابن يحيى الأزدي، حدثنا جعفر بن محمد الخراساني، حدثنا عمرو بن زرارة، حدثنا أبو

ص: 62

جنادة، عن الأعمش، عن خيثمة، عن عدي بن حاتم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى يوم القيامة بناس من الناس إلى الجنة، حتى إذا دنوا منها، واستنشقوا ريحها

"، وذكر الحديث.

ثم قال الشافعي: حدثناه جعفر الفريابي، حدثنا عمرو مثله.

قال القاضي أبو الطاهر السدوسي: سمعت الفريابي يقول: كل من لقيته بخراسان والعراق والأمصار لم أسمع منه إلَّا من لفظه، إلَّا أبا مصعب -وسمى آخر، يعني: معلى بن مهدي- فإنهما كانا قد كبرا وضعفا.

قال الحافظ عبد الله بن عدي: رأيت مجلس الفريابي يحزر فيه خمسة عشر ألف محبرة، وكان الواحد يحتاج أن يبيت في المجلس، ليجد مع الغد موضعًا.

قال أحمد بن كامل: كان الفريابي مأمونًا، موثوقًا به.

وقال القاضي أبو الوليد الباجي: جعفر الفريابي ثقة، متقن.

قال الدراقطني: مات الفريابي في المحرم، سنة إحدى وثلاث مائة.

وقال أبو حفص بن شاهين: توفي ليلة الأربعاء، في محرم، وهو ابن أربع وتسعين سنة. قال: وكان قد حفر لنفسه قبرًا في مقابر أبي أيوب قبل موته بخمس سنين، ولم يقض أن يدفن فيه.

قال إسماعيل الخطبي: مات لخمس خلون من المحرم.

وأما عيسى الرخجي، فقال: مات لأربع بقين من المحرم. ثم قال أبو بكر الخطيب: قول عيسى هو الصحيح. كذلك ذكر غير واحد.

وفيها مات أحمد بن الجعد الوشاء البغدادي.

والحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي.

والحافظ إبراهيم بن يوسف الهسنجاني.

والحافظ بكر بن أحمد بن مقبل البصري.

ومقرئ بغداد الحسن بن الحباب.

والمحدث أبو معشر الحسن بن سليمان الدارمي.

ص: 63

والحافظ أبو علي الحسين بن إدريس الهروي.

والحافظ عبد الله بن محمد بن ناجية البربري ببغداد.

وشيخ الحرم عمرو بن عثمان المكي الزاهد.

وزاهد دمشق أبو بكر محمد بن أحمد بن سيد حمدويه.

ومسند العراق أبو بكر محمد بن حبان -بضم الحاء- الباهلي.

مشيخة على "المعجم" للفريابي، التقطهم شيخنا المزي:

إبراهيم بن الحجاج السامي، إبراهيم بن سعيد الجوهري، إبراهيم بن عبد الله الهروي، إبراهيم بن عبد الله المروزي الخلال، إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة، إبراهيم بن عبد الرحيم ابن دنوقا، إبراهيم بن العلاء الزبيدي، إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي، إبراهيم بن المنذر الحزامي، إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني. أحمد بن إبراهيم الدورقي، أحمد بن أبي بكر أبو مصعب، أحمد بن أبي الحواري الزاهد، أحمد بن خالد الخلال -بغدادي- أحمد ابن عبدة الضبي، أحمد بن أبي العتكي السمرقندي، أحمد بن عيسى المصري، أحمد بن محمد بن أبي بكر المقدمي، أحمد بن الفرات الرازي، أحمد بن منصور الرمادي، أحمد بن منيع البغوي، أحمد بن الهيثم. إسحاق بن إبراهيم بن حبيب، إسحاق بن بهلول الأنباري، إسحاق بن راهويه الحافظ، إسحاق بن الحسن الحربي، إسحاق بن سيار النصيبي، إسحاق بن منصور الكوسج، إسحاق بن موسى الخطمي. إسماعيل بن سيف الرياحي، إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، أمية بن بسطام العيشي.

بشر بن هلال، بكر بن خلف أبو بشر.

تميم بن المنتصر.

حبان بن موسى المروزي، حجاج بن الشاعر، الحسن بن سهل الخياط، الحسن بن الصباح البزار، الحسن بن علي الحلواني، الحسين بن عبد الرحمن أبو علي، الحسين بن عيسى القومسي، الحكم بن موسى البغدادي، حكيم بن سيف، حميد بن مسعدة السامي، حنبل بن إسحاق.

خلف بن محمد الواسطي.

داود بن مخراق الفريابي.

ص: 64

رجاء بن محمد السقطي، روح بن الفرج أبو الزنباع، رياح بن الفرج الدمشقي.

زكريا بن يحيى البلخي، زيد بن أخزم، أبو خيثمة زهير بن حرب، زياد بن يحيى الحساني.

سريج بن يونس العابد، سعيد بن يعقوب الطالقاني، سلام بن محمد المقدسي، سلمة بن شبيب، سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب، سويد بن سعيد الحدثاني، سليمان بن معبد السنجي.

شيبان بن فروخ الأبلي.

صفوان بن صالح المؤذن.

طاهر بن خالد بن نزار الأيلي.

عاصم بن النضر الأحول، العباس بن عبد العظيم العنبري، العباس بن محمد الدوري، العباس بن الوليد بن مزيد، العباس بن الوليد النرسي. عبد الله بن جعفر البرمكي، عبد الله ابن أبي زياد القطواني، عبد الله بن عبد الجبار الحمصي، عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي، عبد الله بن عمرو بن أبي سعيد الوراق، عبد الله بن أبي شيبة أبو بكر، عبد الله بن محمد النفيلي، أبو جعفر عبد الله بن محمد بن خلاد، عبد الله بن محمد بن وهب. عبد الأعلى بن حماد النرسي، عبد الحميد بن بيان، عبد الحميد بن حبيب الفريابي، عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، عبد الرحمن بن صالح الأزدي، عبد السلام بن عبد الحميد بحران، عبد العزيز بن أبي يحيى الحراني، عبد الملك بن حبيب المصيصي، عبد الواحد ابن غياث. عبيد الله بن سعيد أبو قدامة، عبيد الله بن عمر القواريري، عبيد الله بن معاذ، عبيد بن هشام أبو نعيم، عثمان بن أبي شيبة، عصام بن الحسين الجوزجاني، عقبة بن مكرم العمي، عقبة بن مكرم الضبي. علي بن حكيم الأودي، علي بن حكيم السمرقندي، علي بن سهل بن المغيرة، علي بن عبد الله بن المديني، علي بن ميمون الرقي، علي بن نصر الجهضمي. عمر بن شبة، عمرو بن زرارة النيسابوري، عمرو بن عبدوس الاسكندراني، عمرو بن عثمان الحمصي، عمرو بن علي الفلاس، عمرو بن محمد الناقد، عمرو بن هشام الحراني، عنبسة بن سعيد الشاشي أبو المنذر، عيسى بن محمد أبو عمير الرملي.

الفضل بن سهل، الفضل بن مقاتل البلخي، فضيل أبو كامل الجحدري.

القاسم بن محمد بن أبي شيبة، قتيبة بن سعيد.

ص: 65

محمد بن آدم المصيصي، محمد بن أحمد بن الجنيد، محمد بن إدريس أبو حاتم، محمد ابن إسحاق أبو بكر الصغاني، محمد بن إسحاق الرافعي، محمد بن إسماعيل الترمذي، محمد بن بشار بندار، محمد بن بكار العيشي، محمد بن أبي بكر المقدمي، محمد بن حاتم بطرسوس، محمد بن حرب النشائي، محمد بن الحسن البلخي، محمد بن حميد الرازي، محمد بن خلاد الباهلي، محمد بن أبي السري العسقلاني، محمد بن سلام الجمحي، محمد ابن سماعة الرملي، محمد بن صالح كعب الذارع، محمد بن الصباح الجرجرائي، محمد بن عباد المكي، محمد بن عبادة الواسطي، محمد بن عبد الله بن بكار البسري، محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، محمد بن عائذ الدمشقي، محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، محمد ابن عبد الملك بن زنجويه، محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب.

محمد بن عبيد بن حساب، محمد بن أبي عتاب الأعين، محمد بن عثمان العثماني، محمد بن عزيز الأيلي، محمد بن العلاء أبو كريب، محمد بن عوف الطائي، محمد بن فرقد الجزري، محمد بن ماهان المصيصي، محمد بن المثنى الزمن، محمد بن مجاهد، محمد بن مصفى الحمصي، محمد بن مهدي الأيلي، محمد بن وزير الواسطي، محمد بن يحيى العدني، محمود بن غيلان، مزاحم بن سعيد المروزي، المسيب بن واضح، مطلب بن شعبة المصري، معلى بن مهدي الموصلي، المغيرة بن معمر، منجاب بن الحارث التميمي، موسى بن عبد الرحمن القلاء، موسى بن السندي، موسى ابن حيان، ميمون بن أصبغ.

نافع بن خالد الطاحي، نصر بن عاصم، نصر بن علي الجهضمي.

هارون بن إسحاق، هارون بن عبد الله الحمال، هدبة بن خالد القيسي، هدية بن عبد الوهاب، هريم بن مسعر الترمذي، هشام بن خالد الأزرق، هشام بن عبد الملك أبو تقي، هشام بن عمار، هناد بن السري، الهيثم بن أيوب الطالقاني.

الوليد بن شجاع أبو همام، الوليد بن عتبة الدمشقي، الوليد بن عبد الملك بن مسرح، وهب بن بقية.

أبو سلمة يحيى بن خلف، يحيى بن أيوب المقابري، يحيى بن عمار المصيصي، يزيد بن خالد بن موهب، يعقوب بن إبراهيم الدورقي، يعقوب بن حميد بن كاسب، يوسف بن الفرح الكشي، يونس بن حبيب الأصبهاني، أبو بكر بن أبي النضر الفريابي: هو عبد الله بن محمد بن يوسف.

قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق الهمذاني، أخبركم الفتح بن عبد الله بن محمد

ص: 66

الكاتب ببغداد، أخبرنا القاضي محمد بن عمر الأرموي، وأبو غالب محمد بن علي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، قالوا: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري سنة ثمانين وثلاث مائة، حدثنا جعفر بن محمد سنة ثمان وتسعين ومائتين، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس، عن أبي موسى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة". أخرجه: البخاري، ومسلم، عن هدبة بتمامه.

فصل:

وفي العلماء جماعة، اسمهم: جعفر بن محمد، وقد مر جماعة منهم، وأجلهم:

جعفر الصادق: كان كبير الشأن.

وجعفر بن محمد بن عمران الثعلبي: كوفي، صدوق، خرج له الترمذي من طبقة أبي كريب.

وجعفر بن محمد بن فضيل الرسعني: شيخ، ثقة، من مشيخة الترمذي.

وجعفر بن محمد بن الهذيل الكوفي القناد: من شيوخ النسائي.

وجعفر بن محمد الباهلي: نزيل حران، يروي عن أبي نعيم، وطبقته.

وجعفر بن محمد الواسطي الوراق: يروي عن يعلى بن عبيد، وعدة، ثقة، مجود، أخذ عنه: إسماعيل الصفار، والمحاملي.

وجعفر بن محمد بن رَبَال: يروي عن سعيد بن عامر الضبعي، ثقة.

وجعفر بن محمد القومسي: يروي عن عبيد الله بن موسى، وعدة.

وجعفر بن محمد بن نوح: يروي عن محمد بن عيسى بن الطباع، ثقة كبير، نزل مرابطًا بأذنة، حدث عنه: البرديجي، والأصم.

وجعفر بن محمد السامري البزاز: حدث عن: أبي نعيم، وقبيصة، حدث عنه: ابن أبي حاتم، وإسماعيل الصفار، صدوق.

وجعفر بن محمد بن عروة النيسابوري: سمع: حفص بن عبد الرحمن، والجارود بن يزيد، قديم الموت، محله الصدق.

ص: 67

وجعفر بن محمد بن القعقاع: ببغداد، عن سعيد بن منصور وطبقته.

وجعفر بن محمد بن عبيد الله بن المنادي: عن عاصم بن علي وأقرانه، روى عنه: ولده؛ أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي، وغيره.

وجعفر بن محمد بن شاكر البغدادي الصائغ: العبد الصالح، سمع: أبا نعيم، وعفان، ثقة، متقن، شهير، عواليه في "الغيلانيات".

وجعفر بن محمد بن الحسن، أبو يحيى الزعفراني الرازي: حدث عن: إبراهيم بن موسى الفراء، وطبقته، ثقة، مفسر، توفي سنة تسع وسبعين ومائتين.

وجعفر بن محمد بن الحجاج الرقي القطان: عن عبد الله بن جعفر، وثق.

وجعفر بن محمد بن حماد، أبو الفضل الرملي القلانسي: عن عفان وآدم، لقيه الطبراني وخيثمة، صدوق، عابد، كبير القدر.

وجعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي البغدادي: حافظ، نبيل، يكنى: أبا الفضل، عن: عفان، وعارم، وطبقتهما، روى عنه: أبو بكر الشافعي.

وجعفر بن محمد الخندقي الخباز: يروي عن: خالد بن خداش، وطبقته.

وجعفر بن محمد بن حرب العباداني: عن سليمان بن حرب، وطبقته، حدث عنه: جعفر الخلدي، والطبراني.

وجعفر بن محمد بن كزال السمسار: عن: عفان، وسعدويه، روى عنه: أبو بكر الشافعي، والطستي، ليس بمتقن، يكتب حديثه.

وجعفر بن محمد بن بكر البالسي: سمع: النفيلي، والحكم بن موسى.

وجعفر بن محمد بن هاشم المؤدب: عن عفان، لحقه الطستي.

وجعفر بن محمد البلخي المؤدب الوراق: عن: سهل بن عثمان، وابن حميد.

وجعفر بن محمد المصري ابن الحمار: يروي عن: يحيى بن بكير، وغيره.

وجعفر بن محمد بن عرفة المعدل: بغدادي، من مشيخة عبد الصمد الطستي.

وجعفر بن محمد بن شريك: أصبهاني، عن لوين، وعنه: أبو الشيخ، والعسال.

وجعفر بن محمد بن عمران بن بريق المخرمي: عن خلف البزار، وعنه: الطبراني، وغيره.

ص: 68

وجعفر بن محمد بن يمان المؤدب: عن أبي الوليد الطيالسي، وعنه: الشافعي.

وجعفر بن محمد الخياط صاحب أبي ثور: روى عنه: عثمان بن السماك.

وجعفر بن محمد بن ماجد: بغدادي، من شيوخ الطبراني، لا أعرفه.

وجعفر بن محمد بن الفرات الكاتب: أخو الوزير الشهير.

وجعفر بن محمد بن الأزهر: بغدادي، عن وهب بن بقية، وعنه الإسماعيلي.

وجعفر بن محمد بن يزدين، أبو الفضل السوسي: عن: علي بن بحر القطان، وسهل بن عثمان، وعنه: الحسن بن رشيق، والمصريون، صدوق.

وجعفر بن محمد بن الليث الزيادي: بصري، عن مسلم بن إبراهيم، وطبقته، تأخر حتى لقيه ابن عدي وأقرانه.

وجعفر بن محمد بن عيسى القبوري: بغدادي، ثقة، سمع سويد بن سعيد، وعنه: الشافعي، وأبو علي بن الصواف.

وجعفر بن محمد بن علي، أبو الفضل الحميري الزاهد: قاضي نسف، روى عن: إسحاق بن راهويه، وطائفة، ليس بمشهور.

وجعفر بن محمد بن عتيب، أبو القاسم البغدادي السكري: حدث عن: محمد بن معمر القيسي، وطبقته، روى عنه: ابن المظفر.

وجعفر بن محمد بن يعقوب الأصبهاني التاجر الأعور: عن: ابن عرفة، والزعفراني.

وجعفر بن محمد بن سعيد البغدادي: سمع محمود بن خداش، صدوق.

وجعفر بن محمد بن العباس الكرخي: عن: جبارة بن المغلس، وطائفة، حدث عنه: ابن عدي، وعلي بن عمر الحربي، وابن شاهين.

وجعفر بن محمد بن أبي هريرة: مصري، سمع: حرملة، وغيره.

وجعفر بن محمد بن بشار بن أبي العجوز: عن محمود بن خداش، حدث عنه: أبو الفضل الزهري، وابن شاهين.

وجعفر بن محمد بن يعقوب الصندلي الزاهد: عن الزعفراني، وعلي بن حرب.

وجعفر بن محمد بن المغلس البغدادي عن: حوثرة المنقري.

ص: 69

وخلق سوى هؤلاء من المتأخرين بهذا الاسم. ولكن جعفر بن محمد الخراساني -الذي هو الفريابي- يشتبه بهؤلاء الثلاثة:

جعفر بن محمد بن حسين بن طغان، أبو الفضل النيسابوري المعروف بالترك: ثقة، حافظ، ثبت، سمع من: يحيى بن يحيى، وابن راهويه، والناس، وعنه: ابن الشرقي، وأبو الفضل محمد بن إبراهيم، مات سنة خمس وتسعين ومائتين.

وجعفر بن محمد بن سوار النيسابوري، الحافظ: رحل، وكتب عن: قتيبة، وعمرو بن زرارة، وأقرانهما، كبير القدر. فيجوز أن كل واحد من هذين الرجلين يكون هو الذي روى عنه محمد بن يحيى الأزدي المذكور، فإنهما وجعفر بن محمد الفريابي طبقة واحدة.

ولنا: جعفر بن محمد بن موسى الحافظ، أبو محمد النيسابوري الأعرج، ويقال له: جعفرك المفيد، هو أصغر من الثلاثة، يروي عن: الحسن بن عرفة، ومحمد بن يحيى الذهلي، مات بحلب، روى عنه أبو بكر بن المقرئ.

ص: 70

‌2574 - ابن سيد حمدويه:

الإمام العارف، شيخ العباد، أبو بكر محمد بن أحمد بن سيد حمدويه الهاشمي مولاهم -وقيل: مولى بني تميم- الصوفي، الدمشقي، صاحب الأحوال والكشف.

صحب قاسمًا الجوعي، وحدث عنه، وعن شعيب بن عمرو، ومؤمل بن يهاب.

وعنه: أبو بكر بن أبي دجانة، وأبو زرعة أخوه، وأبو أحمد بن الناصح، وأبو هاشم المؤدب، وآخرون. والزاهد أبو صالح البابشرقي، وكان يلقب بالمعلم.

قال ابن الناصح: أقام خمسين سنة ما استند، ولا مد رجله هيبة لله تعالى.

ويقال: إنه بسط رداءه على الماء عند الحد عشرية وصلى عليه، ولم يبتل الرداء، رواها عبد الرحمن بن أبي نصر، عن عمر بن البري، فالله أعلم.

وقيل: كانت تطوى له الأرض.

استوفى ابن عساكر أخباره.

توفي سنة إحدى وثلاث مائة -رحمة الله عليه- وكان من أبناء الثمانين.

ص: 70

‌2575 - ابن بسام

(1)

:

العلامة الأديب البليغ الأخباري، صاحب الكتب، أبو الحسن علي بن محمد بن نصر بن منصور بن بسام البغدادي الشاعر.

يروي في تصانيفه عن الزبير بن بكار، وعمر بن شبة وطبقتهما.

وعنه: الصولي، وأبو سهل القطان، وزنجي الكاتب.

وله هجاء خبيث في أبيه، وفي الخلفاء والوزراء. وهو القائل في المعتضد:

ترك الناس بحيرة

وتخلى في البحيره

قاعدا يضرب بالطبل

على حر دريره

توفي سنة اثنتين وثلاث مائة.

‌2576 - الحسين بن إدريس

(2)

:

ابن مبارك بن الهيثم، الإمام المحدث الثقة الرحال، أبو علي الأنصاري الهروي، كان صاحب حديث وفهم.

حدث عن: سعيد بن منصور، وخالد بن هياج، وداود بن رشيد، وهشام بن عمار، وسويد بن سعيد، ومحمد بن عبد الله ابن عمار، وعثمان بن أبي شيبة، وطبقتهم.

حدث عنه: بشر بن محمد المزني، ومنصور بن العباس، وأبو حاتم بن حبان، وأبو بكر النقاش المفسر، ومحمد بن عبد الله ابن خميرويه، والهرويون.

وله تاريخ كبير وتصانيف.

وثقه الدارقطني.

وقال أبو الوليد الباجي: لا بأس به.

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: يعرف بابن خرم، كتب إلي بجزء من حديثه، عن خالد ابن هياج بن بسطام، فيه بواطيل، فلا أدري: البلاء منه، أو من خالد؟

قلت: بل من خالد، فإنه ذو مناكير، عن أبيه، وأما الحسين فثقة حافظ.

أرخ موته أبو النضر الفامي، في سنة إحدى وثلاث مائة، ولعله جاوز التسعين.

(1)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "2/ 504"، وتاريخ بغداد "12/ 63"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "14/ 139"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 464"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 189".

(2)

ترجمته في الجرح والتعديل "3/ ترجمة 206"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 716"، والعبر "2/ 119"، وميزان الاعتدال "1/ 530"، ولسان الميزان "2/ 272"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 184"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 235".

ص: 71

‌2577 - السامي

(1)

:

الإمام المحدث الثقة الحافظ، أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الهروي.

سمع: أحمد بن يونس اليربوعي وطبقته بالكوفة، وإسماعيل بن أبي أويس وغيره بالمدينة، وأحمد بن حنبل، وطبقته ببغداد، وإبراهيم بن محمد الشافعي بمكة، ومحمد بن معاوية النيسابوري، ومحمد بن مقاتل المروزي، وجمع وصنف.

حدث عنه: أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" والعباس بن الفضل النضروي، وبشر بن محمد المزني، وسائر علماء هراة.

مات في ذي القعدة، سنة إحدى وثلاث مائة على الأصح. وقيل: توفي في صفر سنة اثنتين وثلاث مائة وقد قارب المائة.

وفيها توفي إبراهيم بن شريك الأسدي.

وإبراهيم بن محمد بن متويه.

وأبو قصي إسماعيل بن محمد العذري.

وحمزة بن محمد بن عيسى الكاتب.

وعبد الله بن الصقر السكري.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 718"، والعبر "2/ 120"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "3/ 226"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 235".

ص: 72

‌2578 - الهسنجاني

(1)

:

إبراهيم بن يوسف بن خالد بن سويد، الإمام، الحافظ، المجود، أبو إسحاق الرازي، الهسنجاني.

سمع: طالوت بن عباد، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، وهشام بن عمار، وعبد الواحد ابن غياث، ومحمد بن عبيد بن حساب، وأحمد بن أبي الحواري، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي، وأبو عمرو بن مطر، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو الحسين محمد بن عبد الله والد تمام الرازي، وعبد الله بن عدي، وأبو علي الحسين بن علي، الحفاظ، وأحمد بن علي الديلمي، والعباس بن الحسين الصفار خاتمة أصحابه، وآخرون.

قال أبو علي الحافظ: حدثنا إبراهيم بن يوسف الثقة المأمون.

وقال أبو يعلى الخليلي في "إرشاده": للهسنجاني "مسند" يزيد على مائة جزء، رواه عنه ميسرة بن علي القزويني.

وقال أبو الشيخ: مات في سنة إحدى وثلاث مائة.

قرأت على عيسى بن عبد المنعم المؤدب: أخبرنا عبد العزيز بن أحمد سنة ثلاث وعشرين وست مائة، أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار، أخبرنا أبي، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإمام، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا إبراهيم بن يوسف، وأبو يعلى، قالوا: حدثنا محمد بن عبيد بن حساب، حدثنا أبو عوانة، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". رواه مسلم

(2)

عن محمد بن عبيد، فوافقناه.

وقد روى الهسنجاني عن أحمد بن أبي الحواري كتاب "الزهد"، وروى عن أبي مصعب، وأبي بكر بن أبي شيبة، وجمع فأوعى.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 713"، والعبر "2/ 118"، والوافي بالوفيات "6/ 172"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 235".

(2)

صحيح متواتر: أخرجه مسلم "3".

ص: 73

‌2579 - الإسماعيلي

(1)

:

الإمام الحافظ الرحال الثقة، أبو بكر محمد بن إسماعيل بن مهران النيسابوري، المعروف بالإسماعيلي. وهذا أقدم من شيخ الشافعية بجرجان أبي بكر الإسماعيلي.

سمع هذا الكبير من: إسحاق بن راهويه، وهشام بن عمار، وحرملة بن يحيى، وعيسى ابن زغبة، ومحمد بن بكار، وأبي حمة محمد بن يوسف الزبيدي، ومحمد بن رمح، وأبي نعيم الحلبي، ودحيم، وأبي كريب، وطبقتهم، وجمع وصنف.

حدث عنه: رفيقه إبراهيم بن أبي طالب، وأبو العباس السراج، وابن الشرقي، وأحمد ابن علي الرازي، ومحمد بن الأخرم، ودعلج السجزي، وإسماعيل بن نجيد، وعلي بن حمشاذ، وولده أحمد بن محمد.

قال الحاكم: هو أحد أركان الحديث بنيسابور: كثرة، ورحلة، واشتهارًا. وهو مجود عن المصريين، والشاميين، ثقة مأمون.

قال إبراهيم بن أبي طالب: لم يجود لنا حديث مالك كالإسماعيلي.

وقال الحاكم: سمعت ابنه أبا الحسن أحمد بن محمد يقول: مرض أبي في صفر، سنة تسع وثمانين ومائتين، فبقي في مرضه إلى أن توفي في ذي الحجة، سنة خمس وتسعين ومائتين.

وقيل: كان به اللقوة، بقي فيها حتى مات، رحمه الله.

قلت: من الرواة عنه: أبو العباس بن حمدان، نزيل خوارزم.

وقد جمع حديث الزهري، وجوده، وحديث مالك، وجماعة.

وقد سقت في "التذكرة" عنه حديثًا عاليا من جزء ابن نجيد.

‌2580 - إبراهيم بن أسباط

(2)

:

ابن السكن، الكوفي البزاز، شيخ معمر، محله الستر.

سمع من: عاصم بن علي، وبشر بن الوليد، وجماعة.

روى عنه: ابن قانع، وأبو بكر الجعابي، وأبو حفص الزيات، وآخرون.

توفي سنة اثنتين وثلاث مائة.

وقيل: توفي سنة إحدى.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 703"، والعبر "2/ 103"، وميزان الاعتدال "3/ 485"، ولسان الميزان "5/ 81"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 221".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "6/ 44".

ص: 74

‌2581 - حماد بن مدرك

(1)

:

المحدث الكبير، أبو الفضل الفارسي الفسنجاني، عمر دهرًا، وحدث بشيراز عن عمرو بن مرزوق، وأبي عمر الحوضي، وطائفة.

روى عنه: محمد بن بدر الأمير، والزاهد محمد بن خفيف.

توفي في جمادى الآخرة، سنة إحدى وثلاث مائة.

‌2582 - مسدد بن قطن

(2)

:

ابن إبراهيم، الإمام المحدث المأمون، القدوة، العابد، أبو الحسن النيسابوري، المزكي.

سمع من: يحيى بن يحيى النيسابوري، ولم يرو عنه لكونه سمع وهو حدث، فتورع عن الرواية عنه، وسمع من: جده لأمه بشر بن الحكم، وإسحاق بن راهويه، وداود بن رشيد، والصلت بن مسعود الجحدري، وأبي مصعب الزهري، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو حامد بن الشرقي، ومحمد بن صالح بن هانئ، وعبد الله بن سعد، ودعلج السجزي، وعلي بن عيسى، وأبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، وآخرون. وحدث عنه من أقرانه أبو العباس السراج.

قال الحاكم: كان مزكي عصره المقدم في الزهد والورع، والتمكن في العقل، تورع من الرواية عن يحيى بن يحيى لصغر سنه، توفي سنة إحدى وثلاث مائة.

قلت: نيف على التسعين. وكان أبوه صاحب حديث.

(1)

ترجمته في اللباب لابن الأثير "2/ 432".

(2)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 181"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 236".

ص: 75

‌2583 - إبراهيم بن شريك

(1)

:

ابن الفضل، الإمام المحدث، أبو إسحاق الأسدي، الكوفي، نزيل بغداد.

حدث عن: أحمد بن يونس اليربوعي، ومنجاب بن الحارث، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعقبة بن مكرم، وعثمان بن أبي شيبة، وعدة.

حدث عنه: مخلد بن جعفر الباقرحي، وأبو هاشم الحسين بن محمد الحداد، وأبو حفص بن الزيات، وأبو الحسن بن لؤلؤ الوراق، وعبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، وآخرون.

قال ابن الزيات: سمعت أبا العباس بن عقدة يقول: ما دخل عليكم أحد أوثق من إبراهيم بن شريك.

وقال الدارقطني: ثقة.

قلت: مات ببغداد سنة إحدى وثلاث مائة، وحمل إلى الكوفة.

وقيل: مات في سنة اثنتين وثلاث مائة، وكان في عشر المائة.

‌2584 - النخعي

(2)

:

المحدث العالم، أبو علي، الحسين بن علي بن محمد بن مصعب النخعي، البغدادي.

سمع: سليمان ابن بنت شرحبيل، وداود بن رشيد، وعبد الله بن خبيق، وسويد بن سعيد، وطائفة.

وعنه: الطستي، وأبو بكر بن خلاد، والطبراني، وأبو الشيخ، وأبو بكر الإسماعيلي، وقال: كان شيخًا كبيرًا، قد غلب عليه البلغم. ثم روى عنه حديثًا، تابعه عليه أبو الجهم المشغرائي، عن العباس بن الوليد الخلال: حدثنا مروان بن محمد، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس مرفوعًا:"فضلت على الناس، بأربع: بالسخاء، والشجاعة، وكثرة الجماع، وشدة البطش"

(3)

.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "6/ 102"، والعبر "2/ 122"، وشذرات الذهب "2/ 238".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 69"، وميزان الاعتدال "1/ 543"، ولسان الميزان "2/ 303".

(3)

منكر: فيه علتان: الأولى: سعيد بن بشير، قال الذهبي في ترجمته في "الميزان": منكر الحديث وضعفه ابن معين والنسائي. وقال أبو مُسهر وهو أحد تلامذته: ضعيف منكر الحديث. والعلة الثانية: مروان ابن محمد الدمشقي، ضعفه ابن حزم. وأورد الذهبي الحديث في ترجمته وقال: هذا خبر منكر.

ص: 76

‌2585 - البرديجي

(1)

:

الإمام الحافظ الحجة، أبو بكر، أحمد بن هارون بن روح البرديجي، البرذعي، نزيل بغداد.

ولد بعد الثلاثين ومائتين أو قبلها.

حدث عن: أبي سعيد الأشج، ونصر بن علي الجهضمي، والفضل الرخامي، وعلي بن إشكاب، وهارون بن إسحاق، وبحر ابن نصر الخولاني، والربيع بن سليمان، وسليمان بن سيف الحراني، والعباس بن الوليد البيروتي، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، ومحمد بن عوف الطائي، ويزيد بن عبد الصمد، وطبقتهم بالشام، والحرمين، والعجم، ومصر، والعراق، والجزيرة، وجمع وصنف، وبرع في علم الأثر.

حدث عنه: أبو علي بن الصواف، وأبو بكر الشافعي، وأبو أحمد العسال، وأبو أحمد ابن عدي، وأبو القاسم الطبراني، وعلي بن لؤلؤ الوراق، وآخرون.

ذكره الحاكم في "تاريخه" فقال: قدم على محمد بن يحيى الذهلي، فاستفاد وأفاد، وكتب عنه مشايخنا في ذلك الوقت، وقد قرأت بخط أبي عمرو المستملي سماعه من أحمد بن هارون البرديجي في مسجد الذهلي، سنة خمس وخمسين ومائتين، وقد سمع منه شيخنا أبو علي الحافظ بمكة، وأظنه جاور بها حتى مات

إلى أن قال: لا أعرف إمامًا من أئمة عصره في الآفاق إلَّا وله عليه انتخاب يستفاد.

قال حمزة السهمي: سألت الدارقطني عن أبي بكر البرديجي، فقال: ثقة، مأمون، جبل.

وقال الخطيب: كان ثقة فاضلًا فهمًا، حافظًا.

قال أبو الشيخ الأصبهاني: مات سنة إحدى وثلاث مائة ببغداد.

وقال أحمد بن كامل: مات في شهر رمضان، سنة إحدى.

كتب إلينا عبد الرحمن بن محمد الفقيه، ومسلم بن محمد الكاتب، قالا: أخبرنا عمر ابن محمد المعلم، أخبرنا هبة الله بن الحصين، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي، حدثنا أحمد بن هارون البرديجي، حدثنا يزيد بن جهور، حدثنا أحمد بن

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "1/ 113"، وتاريخ بغداد "5/ 194"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 747"، والوافي بالوفيات "8/ 223"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 184"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 234".

ص: 77

حنبل، حدثنا الشافعي، أخبرنا مسلم بن خالد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قضى أن الخراج بالضمان"

(1)

. هذا حديث حسن غريب.

قرأت على الحسن بن علي: أخبركم جعفر بن علي، أخبرنا السلفي، أخبرنا أبو الفتح عمر بن محمد بن علكويه، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن إملاء، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن هارون البرديجي، حدثنا أبو زرعة الرازي، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة، أخبرني أبو قتادة البدري، حدثني ابن أخي الزهري، عن عمه، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، عن علي بن أبي طالب: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أحب الناس إلى الله؟ قال: "أنفع الناس للناس"

(2)

.

(1)

حسن لغيره: أخرجه الشافعي "2/ 74""بدائع المنن"، وأحمد "6/ 80 و 116"، وأبو داود "3510"، والترمذي بإثر حديث "1285" وابن ماجه "2243" والدارقطني "3/ 53"، والطحاوي "4/ 21 - 22 و 22"، والحاكم "2/ 14 - 15 و 15"، والبغوي "2118" من طرق عن مسلم بن خالد الزنجي، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته مسلم بن خالد، فإنه سيء الحفظ، وأخرجه أبو داود "3508"، و"3509"، والترمذي "1285"، والنسائي "7/ 254 - 255" وأحمد "6/ 94 و 161 و 208"، من طرق عن ابن أبي ذئب، عن مخلد بن خفاف، عن عروة، عن عائشة، به.

قلت: إسناده ضعيف، مخلد بن خفاف، مجهول، لذا قال الحفاظ في "التقريب":"مقبول"، ووثقه ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل. لكن الحديث يرتقى لمرتبة الحسن بمجموع طريقيه والله أعلم.

(2)

حسن لغيره: أخرجه الطبراني في "الكبير""12/ 13646"، وابن عساكر في "تاريخه""18/ 1/ 2" من طريق عبد الرحمن بن قيس الضبي حدثنا سكين بن سراج، حدثنا عمرو بن دينار، عن ابن عمر أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله -تعالى- أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -تعالى- سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام".

قلت: إسناده ضعيف جدا، فيه سكين بن سراج، قال البخاري: منكر الحديث. وقد اتهمه ابن حبان.

والعلة الثانية: عبد الرحمن بن قيس بن الضبي، متروك كذبه أبو زرعة وغيره كما قال الحافظ في "التقريب".

لكن جاء الحديث بإسناد آخر: أخرجه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج""ص 80 رقم 36"، وابن عساكر "11/ 444/ 1" من طرق عن بكر بن خنيس، عن عبد الله بن دينار، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال ابن أبي الدنيا. أما ابن عساكر فقال: عن عبد الله بن عمر قال: قيل يا رسول الله من أحب الناس إلى الله

" الحديث.

قلت: إسناده حسن، بكر بن خنيس، صدوق له أغلاط كما قال الحافظ في "التقريب". وعبد الله بن دينار ثقة من رجال الشيخين.

ص: 78

‌2586 - النسائي

(1)

:

الإمام الحافظ الثبت، شيخ الإسلام، ناقد الحديث، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني، النسائي، صاحب "السنن".

ولد بنسا في سنة خمس عشرة ومائتين، وطلب العلم في صغره، فارتحل إلى قتيبة في سنة ثلاثين ومائتين، فأقام عنده ببغلان سنة، فأكثر عنه.

وسمع من: إسحاق بن راهويه، وهشام بن عمار، ومحمد بن النضر بن مساور، وسويد ابن نصر، وعيسى بن حماد زغبة، وأحمد بن عبدة الضبي، وأبي الطاهر بن السرح، وأحمد ابن منيع، وإسحاق بن شاهين، وبشر بن معاذ العقدي، وبشر بن هلال الصواف، وتميم بن المنتصر، والحارث بن مسكين، والحسن بن الصباح البزار، وحميد بن مسعدة، وزياد بن أيوب، وزياد بن يحيى الحساني، وسوار بن عبد الله العنبري، والعباس بن عبد العظيم العنبري، وأبي حصين عبد الله بن أحمد اليربوعي، وعبد الأعلى بن واصل، وعبد الجبار بن العلاء العطار، وعبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي، ابن أخي الإمام، وعبد الملك بن شعيب بن الليث، وعبدة بن عبد الله الصفار، وأبي قدامة عبيد الله بن سعيد، وعتبة بن عبد الله المروزي، وعلي بن حجر، وعلي بن سعيد بن مسروق الكندي، وعمار بن خالد الواسطي، وعمران بن موسى القزاز، وعمرو بن زرارة الكلابي، وعمرو بن عثمان الحمصي، وعمرو بن علي الفلاس، وعيسى بن محمد الرملي، وعيسى بن يونس الرملي، وكثير بن عبيد، ومحمد ابن أبان البلخي، ومحمد بن آدم المصيصي، ومحمد بن إسماعيل ابن علية قاضي دمشق، ومحمد بن بشار، ومحمد بن زنبور المكي، ومحمد بن سليمان لوين، ومحمد بن عبد الله بن عمار، ومحمد بن عبد الله المخرمي، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ومحمد بن عبيد المحاربي، ومحمد بن العلاء الهمداني، ومحمد بن قدامة المصيصي الجوهري، ومحمد بن مثنى، ومحمد بن مصفى، ومحمد بن معمر القيسي، ومحمد بن موسى الحرشي، ومحمد بن هاشم البعلبكي، وأبي المعافى محمد بن وهب، ومجاهد بن موسى، ومحمود بن غيلان، ومخلد بن حسن الحراني، ونصر بن علي الجهضمي، وهارون بن عبد الله الحمال، وهناد بن السري، والهيثم بن أيوب الطالقاني، وواصل بن عبد الأعلى، ووهب بن بيان، ويحيى بن درست البصري، ويحيى بن موسى

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 131"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 29"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 719"، والعبر "2/ 123"، وتهذيب التهذيب "1/ 36"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 188"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 239".

ص: 79

خت، ويعقوب الدورقي، ويعقوب بن ماهان البناء، ويوسف بن حماد المَعْنِي، ويوسف بن عيسى الزهري، ويوسف بن واضح المؤدب، وخلق كثير، وإلى أن يروي عن رفقائه.

وكان من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، والبصر، ونقد الرجال، وحسن التأليف.

جال في طلب العلم في خراسان، والحجاز، ومصر، والعراق، والجزيرة، والشام، والثغور، ثم استوطن مصر، ورحل الحفاظ إليه، ولم يبق له نظير في هذا الشأن.

حدث عنه: أبو بشر الدولابي، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو علي النيسابوري، وحمزة ابن محمد الكناني، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس النحوي، وأبو بكر محمد بن أحمد بن الحداد الشافعي، وعبد الكريم بن أبي عبد الرحمن النسائي، والحسن بن الخضر الأسيوطي، وأبو بكر أحمد بن محمد بن السني، وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ومحمد بن معاوية بن الأحمر الأندلسي، والحسن بن رشيق، ومحمد بن عبد الله ابن حيويه النيسابوري، ومحمد بن موسى المأموني، وأبيض بن محمد بن أبيض، وخلق كثير.

وكان شيخًا مهيبًا مليح الوجه ظاهر الدم حسن الشيبة.

قال: قاضي مصر أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أبي العوام السعدي: حدثنا أحمد بن شعيب النسائي، أخبرنا إسحاق بن راهويه، حدثنا محمد بن أعين قال: قلت لابن المبارك: إن فلانًا يقول: من زعم أن قوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] مخلوق فهو كافر. فقال ابن المبارك: صدق، قال النسائي: بهذا أقول.

وعن النسائي، قال: أقمت عند قتيبة بن سعيد سنة وشهرين.

وكان النسائي يسكن بزقاق القناديل بمصر.

وكان نضر الوجه مع كبر السن، يؤثر لباس البرود النوبية والخضر، ويكثر الاستمتاع، له أربع زوجات، فكان يقسم لهن، ولا يخلو مع ذلك من سُرِّية، وكان يكثر أكل الديوك تشترى له وتسمن وتخصى.

قال مرة بعض الطلبة: ما أظن أبا عبد الرحمن إلَّا أنه يشرب النبيذ للنضرة التي في وجهه.

وقال آخر: ليت شعري ما يرى في إتيان النساء في أدبارهن؟ قال: فسئل عن ذلك، فقال: النبيذ حرام، ولا يصح في الدبر شيء. لكن حدث محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس، قال:"اسق حرثك حيث شئت". فلا ينبغي أن يتجاوز قوله.

ص: 80

قلت: قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أدبار النساء، وجزمنا بتحريمه، ولي في ذلك مصنف كبير.

وقال الوزير ابن حنزابة: سمعت محمد بن موسى المأموني -صاحب النسائي قال: سمعت قومًا ينكرون على أبي عبد الرحمن النسائي كتاب "الخصائص" لعلي رضي الله عنه وتركه تصنيف فضائل الشيخين، فذكرت له ذلك، فقال: دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير، فصنفت كتاب "الخصائص" رجوت أن يهديهم الله تعالى. ثم إنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة، فقيل له: وأنا أسمع ألا تخرج فضائل معاوية رضي الله عنه؟ فقال: أي شيء أخرج؟ حديث: "اللهم لا تشبع بطنه" فسكت السائل.

قلت: لعل أن يقال هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة".

قال مأمون المصري، المحدث: خرجنا إلى طرسوس مع النسائي سنة الفداء، فاجتمع جماعة من الأئمة: عبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن إبراهيم مربع، وأبو الآذان، وكيلجة، فتشاوروا: من ينتقي لهم على الشيوخ؟ فأجمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي، وكتبوا كلهم بانتخابه.

قال الحاكم: كلام النسائي على فقه الحديث كثير، ومن نظر في "سننه" تحير في حسن كلامه.

قال ابن الأثير في أول "جامع الأصول": كان شافعيًا له مناسك على مذهب الشافعي وكان ورعًا متحريًا قيل: إنه أتى الحارث بن مسكين في زي أنكره، عليه قلنسوة وقباء، وكان الحارث خائفًا من أمور تتعلق بالسلطان، فخاف أن يكون عينًا عليه، فمنعه، فكان يجيء فيقعد خلف الباب ويسمع، ولذلك ما قال: حدثنا الحارث وإنما يقول: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.

قال ابن الأثير: وسأل أمير أبا عبد الرحمن عن "سننه": أصحيح كله؟ قال: لا. قال: فاكتب لنا منه الصحيح. فجرد المجتنى.

قلت: هذا لم يصح، بل المجتنى اختيار ابن السني.

قال الحافظ أبو علي النيسابوري: أخبرنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي.

ص: 81

وقال أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ: من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟! عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة -يعني: عن قتيبة، عن ابن لهيعة- قال: فما حدث بها.

قال أبو الحسن الدارقطني: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.

قال الحافظ ابن طاهر: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل، فوثقه. فقلت: قد ضعفه النسائي. فقال: يا بني! إن لأبي عبد الرحمن شرطًا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم.

قلت: صدق فإنه لين جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم.

قال محمد بن المظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار، وأنه خرج إلى الفداء مع أمير مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين، واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه، والانبساط في المأكل، وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج.

قال الدارقطني: كان أبو بكر بن الحداد الشافعي كثير الحديث ولم يحدث عن غير النسائي، وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله تعالى.

قال الطبراني في "معجمه": حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي القاضي بمصر. فذكر حديثًا.

وقال أبو عوانة في "صحيحه": حدثنا أحمد بن شعيب النسائي قاضي حمص: حدثنا محمد بن قدامة. فذكر حديثًا.

روى أبو عبد الله بن مندة، عن حمزة العقبي المصري وغيره، أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق فسئل بها عن معاوية، وما جاء في فضائله. فقال: لا يرضى رأسًا برأس حتى يفضل؟ قال: فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة فتوفي بها. كذا قال، وصوابه: إلى الرملة.

قال الدارقطني: خرج حاجًا فامتحن بدمشق، وأدرك الشهادة فقال: احملوني إلى مكة. فحمل وتوفي بها، وهو مدفون بين الصفا والمروة، وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاث مائة. قال: وكان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعلمهم بالحديث والرجال.

ص: 82

قال أبو سعيد بن يونس في "تاريخه": كان أبو عبد الرحمن النسائي إمامًا حافظًا ثبتًا، خرج من مصر في شهر ذي القعدة من سنة اثنتين وثلاث مائة، وتوفي بفلسطين في يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر، سنة ثلاث.

قلت: هذا أصح، فإن ابن يونس حافظ يقظ وقد أخذ عن النسائي، وهو به عارف. ولم يكن أحد في رأس الثلاث مائة أحفظ من النسائي، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم، ومن أبي داود، ومن أبي عيسى، وهو جار في مضمار البخاري، وأبي زرعة إلَّا أن فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي، كمعاوية وعمرو، والله يسامحه.

وقد صنف "مسند علي" وكتابًا حافلًا في الكنى، وأما كتاب:"خصائص علي" فهو داخل في "سننه الكبير" وكذلك كتاب "عمل يوم وليلة" وهو مجلد، هو من جملة "السنن الكبير" في بعض النسخ، وله كتاب "التفسير" في مجلد، وكتاب "الضعفاء" وأشياء، والذي وقع لنا من "سننه" هو الكتاب "المجتنى" منه، انتخاب أبي بكر بن السني، سمعته ملفقًا من جماعة سمعوه من ابن باقا بروايته عن أبي زرعة المقدسي، سماعا لمعظمه، وإجازة لفوت له محدد في الأصل. قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمد الدوني، قال: أخبرنا القاضي أحمد بن الحسين الكسار، حدثنا ابن السني عنه.

ومما يروى اليوم في عام أربعة وثلاثين وسبع مائة من السنن عاليا جزآن الثاني من الطهارة والجمعة، تفرد البوصيري بعلوهما في وقته، وقد أنبأني أحمد بن أبي الخير بهما، عن البوصيري فبيني وبين النسائي فيهما خمسة رجال.

وعندي جزء من حديث الطبراني، عن النسائي، وقع لنا بعلو أيضًا.

ووقع لنا جزء كبير انتخبه السلفي من "السنن"، سمعناه من الشيخ أبي المعالي بن المنجا التنوخي: أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا الدوني، وبدر بن دلف الفركي بسماعهما من الكسار، قال: أخبرنا أبو بكر بن السني، أخبرنا أحمد بن شعيب، أخبرنا قتيبة، أخبرنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن البول في الماء الراكد".

أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا عبيدة بن حميد، عن يوسف بن صهيب، عن حبيب بن يسار، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يأخذ شاربه فليس منا".

ص: 83

قال أبو علي الحافظ سألت النسائي ما تقول في بقية؟ فقال: إن قال: حدثنا، وأخبرنا، فهو ثقة.

وقال جعفر بن محمد المراغي: سمعت النسائي يقول: محمد بن حميد الرازي كذاب.

قرأت على علي بن محمد، وشهدة العامرية، أخبرنا جعفر، أخبرنا السلفي، أخبرنا محمد بن طاهر بهمذان، أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق قال: قال لي أبو عبد الله ابن مندة: الذين أخرجوا الصحيح وميزوا الثابت من المعلول، والخطأ من الصواب أربعة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو عبد الرحمن النسائي.

وممن مات معه: المحدث، أبو الحسن أحمد بن الحسين بن إسحاق الصوفي الصغير ببغداد.

والمفسر، أبو جعفر أحمد بن فرح البغدادي الضرير، المقرئ.

والمفسر، أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق النيسابوري الأنماطي، الحافظ.

والمسند، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الجوزي.

والمحدث إسحاق بن إبراهيم بن نصر النيسابوري البشتي.

والحافظ جعفر بن أحمد ابن نصر الحصيري.

والحسن بن سفيان الحافظ.

والمحدث، أبو الحسين عبد الله بن محمد بن يونس السمناني.

والمحدث، عمر بن أيوب السقطي ببغداد.

ورأس المعتزلة أبو علي الجبائي.

والحافظ، محمد بن المنذر الهروي شكر.

ص: 84

‌2587 - ابن مُجَاشع

(1)

:

الإمام المحدث الحجة الحافظ، أبو إسحاق عمران بن موسى بن مجاشع الجرجاني، السختياني.

ولد سنة بضع عشرة ومائتين.

وسمع من: هدبة بن خالد، وشيبان بن فروخ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وابني أبي شيبة، وسويد بن سعيد، وأبي الربيع الزهراني، وطبقتهم.

حدث عنه: رفيقه إبراهيم بن يوسف الهسنجاني، وأبو عبد الله بن الأخرم، والحافظ أبو علي النيسابوري، وأبو عمرو بن نجيد، وأبو عمرو بن حمدان، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو حامد الغطريفي، وخلق كثير. وحدث بنيسابور قديما، فأخذ عنه أبو حامد بن الشرقي، والكبار.

قال الحاكم: هو محدث ثبت مقبول، كثير التصنيف والرحلة، روى عنه: أحمد بن خالد الدامغاني، والهسنجاني، وهما من أقرانه. سمعت يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعت عمران بن موسى الجرجاني يقول: سمعت سويد بن سعيد يقول: سمعت مالكا، وشريكا، وحماد بن زيد، وابن عيينة، والفضيل بن عياض، ومسلم بن خالد، وابن إدريس، وجميع من حملت عنه العلم يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

والقرآن كلام الله من صفة ذاته، غير مخلوق، من قال: إنه مخلوق، فهو كافر.

قال عمران: بهذا أدين وما رأيت محدثا إلَّا وهو يقوله.

قلت: مات بجرجان في رجب، سنة خمس وثلاث مائة وهو في عشر المائة.

أخبرنا ابن عساكر، أنبأنا أبو روح، أخبرنا ابن طاهر، أخبرنا أبو سعد، أخبرنا أبو عمرو الحيري، حدثني عمران بن موسى، أخبرنا إبراهيم بن المنذر، أخبرنا معن، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا".

قال حمزة السهمي: كان قد صنف المسند، وحدثنا عنه جماعة، وحدثني الإسماعيلي، قال: أبو إسحاق عمران بن موسى جرجاني صدوق، محدث البلد في زمانه.

(1)

ترجمته في تاريخ جرجان للسهمي "322 - 323"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 763"، والعبر "2/ 129".

ص: 85

‌2588 - محمد بن علي بن مخلد

(1)

:

ابن فرقد، الشيخ المعمر الصدوق، أبو جعفر الأصبهاني، الداركي. خاتمة أصحاب إسماعيل بن عمرو البجلي، وسمع أيضًا من: سليمان الشاذكوني، وما علمت به بأسًا.

حدث عنه: الطبراني، وأبو الشيخ بن حيان، وأبو بكر بن المقرئ، وجماعة.

مات في سنة سبع وثلاث مائة.

ومات قبله بعامين.

‌2589 - محمد بن نصير:

ابن أبان، أبو عبد الله المديني.

يروي أيضًا عن: إسماعيل بن عمرو، والشاذكوني.

حدث عنه: أبو الشيخ، والطبراني، وابن المقرئ أيضًا.

وثقه أبو نعيم الحافظ.

‌2590 - الوكيعي:

الإمام المعمر الثقة، أبو العلاء محمد بن أحمد بن جعفر بن أبي جميلة الذهلي، الوكيعي، الكوفي، نزيل مصر.

ولد سنة: أربع ومائتين، وسمع: عاصم بن علي، ومحمد بن الصباح الدولابي، وأحمد ابن حنبل، وعلي بن الجعد، وعلي ابن المديني، وأحمد بن صالح، وعدة. وكان من أئمة الحديث.

روى عنه: ابن عدي، وحمزة الكناني، والطبراني، والحسن الأسيوطي، وابن حيوية النيسابوري، وابن يونس، والحسن بن رشيق، وأبو إسحاق بن شعبان المالكي، وعدة.

قال ابن يونس: كان ثقة، ثبتًا، توفي: في جمادى الآخرة، سنة ثلاث مائة.

‌2591 - البسامي:

أبو الحسن، علي بن أحمد بن منصور بن نصر بن بسام الشاعر.

من كبار الشعراء، بارع في الثناء والهجاء، عاش نيفا وسبعين سنة، ومات في صفر سنة اثنتين وثلاث مائة.

وله تصانيف أدبية، أورد له ابن خلكان مقطعات.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 241"، والعبر "2/ 135"، وشذرات الذهب "2/ 251".

ص: 86

‌2592 - البشتي:

الإمام الحافظ المجود الرحال، أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن نصر البشتي، النيسابوري، من رستاق بشت.

سمع من: إسحاق بن راهويه، وقتيبة بن سعيد، وإبراهيم بن يوسف، وأبي كريب، وعبد الله بن عمران العابدي، وهشام بن عمار، ومحمد بن مصفى، وحميد بن مسعدة، وابن أبي عمر العدني، وخلق كثير.

وصنف المسند وغير ذلك.

روى عنه: محمد بن صالح بن هانئ، وأبو الفضل محمد بن إبراهيم الهاشمي، ومحمد ابن أحمد بن يحيى، وآخرون.

وحدث في سنة ثلاث وثلاث مائة. لم أقع بوفاته.

سميه: المحدث:

‌2593 - إسحاق بن إبراهيم البستي:

بمهملة.

سمع: محمد بن الصباح البزار وطبقته، وهو منسوب إلى مدينة بست من إقليم سجستان وراء ناحية هراة.

حدث عنه: أبو حاتم بن حبان البستي وغيره.

عاش إلى نحو الثلاث مائة.

‌2594 - المنجنيقي:

الإمام المحدث الثقة المعمر، أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي، الوراق، نزيل مصر، وعرف بالمنجنيقي لكونه كان يجلس بقرب منجنيق كان بجامع مصر.

مولده بعد سنة عشر ومائتين.

ص: 87

حدث عن: محمد بن بكار بن الريان، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، وداود بن رشيد، وأبي إبراهيم الترجماني، وسويد بن سعيد، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وكثير ابن عبيد، وعمرو بن عثمان، وأحمد بن منيع، وعبد الله بن مطيع، وابن أبي عمر العدني، وخلق كثير.

حدث عنه: النسائي، وجعفر الخلدي، وأبو سعيد بن يونس، ومحمد بن علي التنيسي النقاش، وابن عدي، والطبراني، والحسن بن رشيق، والحسن بن خضر السيوطي، وأحمد بن محمد الخياش، وآخرون.

قال ابن عدي: أخبرني بعض أصحابنا: أن النسائي انتقى على أبي يعقوب المنجنيقي مسنده، فكان يمنع النسائي أن يجيء إليه، وكان يذهب إلى منزل النسائي حتى سمع منه النسائي ما انتقاه حسبة في ذلك. وكان شيخًا صالحًا، قال له النسائي يومًا: يا أبا يعقوب! لا تحدث عن: سفيان بن وكيع. فقال: اختر لنفسك يا أبا عبد الرحمن ما شئت، وأنا فكل من كتبت عنه فإني أحدث عنه.

قال النسائي: هو صدوق.

وقال ابن عدي: ثقة، كان في جامع مصر منجنيق يوقد فيه القوام ثريا، وكان هذا يجلس قريبا منه فنسب إليه.

وقال الدارقطني: ثقة.

وقال ابن يونس: صدوق، رجل صالح.

مات سنة أربع وثلاث مائة في جمادى الآخرة.

ص: 88

‌2595 - ابن متويه

(1)

:

الإمام المأمون القدوة، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن الحسن بن متويه الأصبهاني، إمام جامع أصبهان، كان من العباد والسادة، يسرد الصوم، وكان حافظًا، حجة، من معادن الصدق، ويعرف أيضًا بأبه، وبابن فيرة الطيان.

سمع بالشام، والعراق، والحرم، ومصر، سمع: محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وبشر بن معاذ، وأحمد بن منيع، ومحمد بن هاشم البعلبكي، وعبد الجبار بن العلاء العطار، وهشام بن خالد الأزرق ومحمد بن إسماعيل ابن علية، وهناد بن السري، وأبا همام الوليد بن شجاع، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان، وطبقتهم، فأكثر وجود.

حدث عنه: أبو الشيخ بن حيان، وأبو القاسم الطبراني، وأبو علي بن هارون، وأبو أحمد العسال، وأحمد بن بندار الشعار، وأبو بكر بن المقرئ وقال: هو أول شيخ كتبت عنه الحديث.

وقال أبو الشيخ: كان من معادن الصدق.

وقال أبو نعيم: كان من العباد الفضلاء، مات في جمادى الآخرة، سنة اثنتين وثلاث مائة.

قلت: نيف على الثمانين، رحمه الله.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 739"، والعبر "2/ 122"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "6/ 125"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 238".

ص: 89

‌2596 - ابن زنجويه

(1)

:

الإمام المحدث، أبو بكر، محمد بن زنجويه بن الهيثم القشيري، النيسابوري.

سمع: أبا مصعب الزهري، وعبد العزيز بن يحيى، وابن راهويه، وعمرو بن زرارة، وأبا مروان العثماني، وأبا كريب، ويحيى بن أكثم، وطبقتهم.

روى عنه: علي بن حمشاذ، وأبو الفضل محمد بن إبراهيم، وعبد الله بن سعد، وأبو عمرو بن حمدان، والشيوخ. وما علمت به بأسًا.

قال الحاكم: توفي سنة اثنتين وثلاث مائة.

‌2597 - الرسعني:

الإمام المحدث، الحجة المجود، الرحال، أبو صالح القاسم بن الليث بن مسرور العتابي، الرسعني، نزيل مدينة تنيس.

سمع: المعافى بن سليمان، وهشام بن عمار، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وابن أبي الشوارب، وعمرو بن علي الصيرفي، وبشر بن هلال، وطبقتهم.

حدث عنه: النسائي في كتاب "الكنى"، وأبو علي بن شعيب، وعلي بن محمد المصري، ويوسف بن يعقوب الموصلي، ومحمد بن علي النقاش الحافظ، وابن عدي،

والطبراني، ومحمد بن الحارث بن أبيض، ومحمد بن عبد الله بن حيوية النيسابوري، وعدة.

قال حمزة السهمي: سألت الدارقطني عنه، فقال: ثقة مأمون.

وقال ابن يونس: توفي بتنيس، في سنة أربع وثلاث مائة، ثقة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 123"، وشذرات الذهب "2/ 239".

ص: 89

‌2598 - ابن الأخرم:

الإمام الكبير، الحافظ الأثري، أبو جعفر محمد بن العباس بن أيوب بن الأخرم الأصبهاني، الفقيه.

ارتحل، وأخذ عن أبي كريب، والمفضل بن غسان الغلابي، وزياد بن يحيى الحساني، وعلي بن حرب، وعمار بن خالد، وعدة.

وعنه: أبو أحمد العسال، وأبو الشيخ، وأحمد بن إبراهيم بن أفرجة، وعبد الله بن محمد بن عمر، وآخرون.

وله وصية أكثرها على قواعد السلف، يقول فيها: من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق فهو كافر. فكأنه عنى باللفظ: الملفوظ لا التلفظ.

توفي سنة إحدى وثلاث مائة.

‌2599 - علي بن سعيد:

ابن بشير بن مهران، الحافظ البارع، أبو الحسن الرازي، عليك، نزيل مصر.

حدث عن: عبد الأعلى بن حماد النرسي، وجبارة بن المغلس، وبشر بن معاذ العقدي، ونوح بن عمرو السكسكي، ومحمد بن هاشم البعلي، وعبد الرحمن بن خالد بن نجيح، ونصر بن علي الجهضمي، والهيثم بن مروان، وعدة.

حدث عنه: أحمد بن الحسن بن عتبة الرازي، وعبد الله بن جعفر بن الورد، ومحمد بن أحمد بن خروف، وأبو القاسم الطبراني، والحسن بن رشيق، وأبو منصور محمد بن سعيد الأبيوردي، وآخرون.

قال حمزة السهمي: سألت الدارقطني عنه، فقال: لم يكن بذاك في حديثه، سمعت بمصر أنه كان والي قرية، وكان يطالبهم بالخراج، فما كانوا يعطونه. قال: فجمع الخنازير في المسجد، قلت: فكيف هو في الحديث؟ قال: حدث بأحاديث لم يتابع عليها، وتكلم فيها أصحابنا بمصر.

وقال ابن يونس: كان يفهم ويحفظ، مات بمصر في ذي القعدة، سنة تسع وتسعين ومائتين.

قلت: الكاف في عليك هي علامة التصغير في علي بالفارسية.

أما علي بن سعيد العسكري -مؤلف كتاب "السرائر" فآخر، مات سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة.

ص: 90

‌2600 - الفرهياني

(1)

:

الإمام الحافظ الناقد، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن سيار الفرهاذاني، ويقال: فيه الفرهياني.

سمع: هشام بن عمار، وقتيبة بن سعيد، وأبا كريب، ودحيمًا، ومحمد بن وزير، وحرملة بن يحيى، وعبد الملك بن شعيب، وطبقتهم. وكان ذا رحلة واسعة، وعلوم نافعة.

حدث عنه: أبو بكر محمد بن الحسن النقاش المفسر، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، وبشر بن أحمد الإسفراييني، وأبو عمرو بن حمدان، وجماعة.

قال ابن عدي: كان رفيق النسائي، وكان ذا بصر بالرجال، وكان من الأثبات؛ سألته أن يملي علي عن حرملة، فقال: يا بني! وما تصنع بحرملة؟! إنه ضعيف. ثم أملى علي عنه ثلاثة أحاديث لم يزدني.

قرأت على أحمد بن هبة الله، وزينب بنت عمر، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر ابن طاهر، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا عبد الله بن محمد بن سيار الفرهاذاني، أخبرنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رضى الله في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد".

لم أظفر لهذا الحافظ بوفاة، توفي سنة نيف وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في اللباب لابن الأثير "2/ 427"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 729"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 235".

ص: 91

‌2601 - الوشاء

(1)

:

الشيخ الثقة العالم، أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الجعد الوشاء، البغدادي.

سمع من: سويد بن سعيد "موطأ مالك"، ومن: محمد بن بكار بن الريان، وعبد الأعلى ابن حماد، وأبي معمر الهذلي، وجماعة.

حدث عنه: أبو بكر الشافعي، وأبو علي بن الصواف، وأبو بكر محمد بن غريب البزاز، وآخرون.

سمعنا "الموطأ" من طريقه.

وقد قال الدارقطني: لا بأس به.

قلت: توفي في سنة إحدى وثلاث مائة، وهو في عشر التسعين.

‌2602 - أبو معشر الدارمي

(2)

:

المحدث الثقة، أبو معشر، الحسن بن سليمان بن نافع الدارمي، شيخ بصري معمر. سكن بغداد، وحدث عن: أبي الربيع الزهراني، وهدبة بن خالد، وطبقتهما.

حدث عنه: ابن قانع، وعبد الصمد الطستي، ومخلد بن جعفر الباقرحي، وعلي بن لؤلؤ الوراق.

وثقه الدارقطني.

توفي في جمادى الآخرة، سنة إحدى وثلاث مائة.

‌2603 - المطرز

(3)

:

الإمام العلامة المقرئ، المحدث الثقة، أبو بكر القاسم بن زكريا بن يحيى البغدادي، المعروف: بالمطرز.

مولده في حدود العشرين والمائتين، أو قبل ذلك.

تلا على أبي حمدون الطيب، وعلى أبي عمر الدوري. وحدث عن: سويد بن سعيد، ومحمد بن الصباح الجرجرائي، وإسحاق بن موسى الأنصاري، وأبي همام الوليد بن شجاع، وأبي كريب، وعباد بن يعقوب الرواجني، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو بكر الجعابي، وعبد العزيز بن جعفر الخرقي، ومحمد بن المظفر، وأبو حفص الزيات، وعدد كثير.

وصنف المسند والأبواب، وتصدر للإقراء.

وكان ثقة مأمونًا، أثنى عليه الدارقطني وغيره، وذكر علي بن الحسين الغضائري -شيخ لأبي علي الأهوازي- أنه تلا عليه: ختمة بالإدغام الكبير والإبدال في سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة، فافتضح في دعواه لأن المطرز رحمه الله توفي في صفر سنة خمس وثلاث مائة، وهو في عشر التسعين.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 65"، والعبر "2/ 118"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "8/ 55"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 184"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 237".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 327"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 125".

(3)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 441"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 146"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 730"، والعبر "2/ 130"، وتهذيب التهذيب "8/ 314"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 246".

ص: 92

‌2604 - طريف

(1)

:

الشيخ أبو الوليد، طريف بن عبيد الله الموصلي، مولى بني هاشم.

رحل وروى عن: علي بن الجعد، ويحيى بن بشر الحريري، ويحيى الحماني.

وعنه: أبو بكر الجعابي، وأبو الفتح بن بريدة الأزدي، وأبو أحمد بن عدي، وآخرون.

ضعفه الدارقطني.

توفي سنة أربع وثلاث مائة.

‌2605 - حمزة بن محمد

(2)

:

ابن عيسى، الشيخ المعمر، أبو علي الجرجاني، ثم البغدادي، الكاتب، لم يكن محدثًا، وإنما حبس في شأن التصرف فصادف في الحبس الحافظ نعيم بن حماد، فأملى عليه جزءًا واحدًا وهو جزء عال طبرزدي، يعرف بنسخة نعيم بن حماد.

حدث عنه: محمد بن عمر الجعابي، وأبو حفص بن الزيات، وأبو الحسن بن لؤلؤ وغيرهم.

وثقه الخطيب.

توفي في شهر رجب، سنة اثنتين وثلاث مائة، وقد نيف على التسعين.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 364"، وميزان الاعتدال "2/ 336"، ولسان الميزان "3/ 208".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 180"، والعبر "2/ 122"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 238".

ص: 93

‌2606 - عباد بن علي

(1)

:

ابن مرزوق، المعمر الكبير، أبو يحيى السيريني مولاهم، البصري، نزيل بغداد. فيه ضعف.

ولد سنة أربع ومائتين، وحدث عن: بكار بن محمد السيريني، ومحمد بن جعفر المدائني.

روى عنه: أبو جعفر بن البختري، وأبو بكر الشافعي، وأبو حفص بن الزيات، وعلي ابن عمر السكري، وأبو الفتح الأزدي، وضعفه، وأبو بكر بن المقرئ، وآخرون.

مات في سنة تسع وثلاث مائة، وله مائة وخمس سنين، ولولا تأخر وفاته لذكر مع أبي بكر بن أبي عاصم ونظرائه.

‌2607 - الصوفي

(2)

:

الشيخ المحدث الثقة المعمر، أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار بن راشد البغدادي، الصوفي الكبير، احترازًا من أحمد بن الحسين الصوفي الصغير.

ولد في حدود سنة عشر ومائتين. وسمع: في سنة سبع وعشرين ومائتين من علي بن الجعد، ويحيى بن معين، والهيثم بن خارجة، وأبي نصر التمار، وأحمد بن جناب، وسويد ابن سعيد، وعدة.

حدث عنه: أبو الشيخ بن حيان، وأبو حاتم بن حبان، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو أحمد ابن عدي، وعبد الله بن إبراهيم الزبيبي، وأبو حفص بن الزيات، ومحمد بن المظفر، وعلي ابن عمر الحربي السكري.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 109"، وميزان الاعتدال "2/ 370"، ولسان الميزان "3/ 233".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 82"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 149"، والعبر "2/ 131" وميزان الاعتدال "1/ 91"، ولسان الميزان "1/ 151"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 247".

ص: 94

مات في عشر المائة، في شهر رجب، سنة ست وثلاث مائة ببغداد.

وثقه أبو بكر الخطيب وغيره، وكان صاحب حديث وإتقان.

روى عن: يحيى بن معين نسخة وقعت لنا بعلو باهر.

قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق القرافي: أخبرنا أحمد بن أبي الفتح، والفتح بن عبد السلام ببغداد، قالا: أخبرنا محمد بن عمر القاضي، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، أخبرنا علي بن عمر الحربي سنة خمس وثمانين ثلاث مائة في ذي القعدة، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، قال: حدثني أبو زكريا يحيى بن معين في شعبان سنة سبع وعشرين ومائتين، حدثنا عبد الصمد، حدثنا عبد الله بن المثنى بن أنس، حدثنا ثمامة: عن أنس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بالكلمة رددها ثلاثًا، وإذا أتى قومًا فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثًا"

(1)

.

هذا من غرائب "صحيح البخاري" رواه عن ثقة، عن عبد الصمد بن عبد الوارث.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "94".

ص: 95

‌2608 - الصوفي الصغير

(1)

:

الشيخ العالم المحدث، أبو الحسن، أحمد بن الحسين بن إسحاق البغدادي، الصوفي الصغير.

سمع: بشر بن الوليد، والربيع بن ثعلب العابد، وأبا بكر بن أبي شيبة، وابن أبي الشوارب، وإسماعيل بن موسى الفزاري، وأبا إبراهيم الترجماني، وسويد بن سعيد، ومحمد بن حميد، وأبا كريب وموسى بن إسحاق الخطمي، وداود بن رشيد، وعبد الأعلى ابن حماد، وعدة. وله رحلة ومعرفة.

حدث عنه: أبو بكر الشافعي، وأبو حفص عمر بن محمد الزيات، وأبو أحمد بن عدي، وطائفة سواهم.

وثقه أبو عبد الله الحاكم وغيره، وبعضهم لينه.

توفي في آخر سنة اثنتين وثلاث مائة.

روى ابن بوش جزءًا من حديثه.

وقيل: توفي سنة ثلاث.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 98"، والعبر "2/ 125"، وميزان الاعتدال "1/ 92"، ولسان الميزان "1/ 155"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 241".

ص: 95

‌2609 - صاحب خراسان

(1)

:

الأمير أبو إبراهيم، إسماعيل بن الملك أحمد بن أسد بن سامان بن نوح.

كان ملكًا فاضلًا، عالمًا، فارسًا، شجاعًا، ميمون النقيبة، معظمًا للعلماء، يلقب بالأمير الماضي.

سمع من: أبيه، ومن محمد بن نصر المروزي عامة تصانيفه.

أخذ عنه ابن خزيمة وغيره.

قال ابن قانع: سمعت عيسى بن محمد الطهماني: سمعت الأمير إسماعيل يقول: جاءنا أبونا بمؤدب، فعلمنا الرفض، فنمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. فقال لي: لم تسب صاحبي؟ فوقفت، فقال لي بيده، فنفضها في وجهي، فانتبهت فزعًا أرتعد من الحمى، فكنت على الفراش سبعة أشهر، وسقط شعري، فدخل أخي فقال: أيش قصتك؟ فأخبرته، فقال: اعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاعتذرت وتبت، فما مر لي إلَّا جمعة حتى نبت شعري.

قلت: كان هو وآباؤه ملوك بخارى وسمرقند، وله غزوات في الترك، وهو الذي ظفر بعمرو بن الليث وأسره، فجاءه من المعتضد التقليد بولاية خراسان وما يليها، وكانت سلطنته مدة سبع سنين.

توفي ببخارى في صفر، سنة خمس وتسعين ومائتين، فتملك بعده ابنه أحمد.

ومات ابنه السلطان أبو نصر أحمد في جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاث مائة، قتله مماليكه، ثم ملكوا ولده نصرًا، فدام ثلاثين عامًا، فأحسن السيرة، وعظمت هيبته.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 77"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 161"، والعبر "2/ 102"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 163"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 219".

ص: 96

‌2610 - صاحب الأندلس

(1)

:

وابن ملوكها، الأمير أبو محمد، عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام ابن الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن الخليفة هشام بن عبد الملك المرواني الأندلسي.

تملك بعد أخيه المنذر سنة خمس وسبعين، وامتدت دولته، وكان من أمراء العدل، مثابرًا على الجهاد، ملازمًا للصلوات في الجامع، له مواقف مشهودة، منها: ملحمة بلي: كان ابن حفصون قد حاصر حصن "بلي" ومعه ثلاثون ألفًا، فسار عبد الله في أربعة عشر ألفًا، فالتقوا، فانهزم ابن حفصون، واستحر بجمعه القتل، فقل من نجا، وكانوا على رأي الخوارج.

وكان عبد الله ذا فقه وأدب.

ونقل ابن حزم أن الأمير عبد الله استفتى بقي بن مخلد في الزنديق، فأفتى أنه لا يقتل حتى يستاب، وذكر حديثًا في ذلك.

مات في أول ربيع الآخر، سنة ثلاث مائة، ثم قام بعده ابن ابنه الناصر لدين الله، فدام خمسين سنة، وتلقب بإمرة المؤمنين، وهذا وآباؤه ذكرتهم مجتمعين في المائة الثانية في عصر هشيم.

‌2611 - الحسن بن سفيان

(2)

:

ابن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء، الإمام، الحافظ، الثبت، أبو العباس الشيباني، الخراساني، النسوي، صاحب "المسند".

ولد سنة بضع وثمانين ومائتين، وهو أسن من بلديه الإمام أبي عبد الرحمن النسائي، وماتا معًا في عام.

ارتحل إلى الآفاق، وروى عن: أحمد بن حنبل، وإبراهيم بن يوسف البلخي، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن معين، وشيبان ابن فروخ، وهدبة بن خالد، وعبد الله بن محمد بن أسماء،

(1)

ترجمته في العبر "2/ 114"، والنجوم الزاهرة "3/ 181"، وشذرات الذهب "2/ 233".

(2)

ترجمته في الجرح والتعديل "3/ ترجمة 60"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 132"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 724"، والعبر "2/ 124"، وميزان الاعتدال "1/ 492"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "12/ 32"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 189"، وشذرات الذهب "2/ 241".

ص: 97

وعبد الأعلى بن حماد، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وعبد الرحمن بن سلام الجمحي، وسهل بن عثمان، وإسحاق بن راهويه، وسعد بن يزيد الفراء، وحبان بن موسى، وهشام بن عمار، وصفوان بن صالح، وإبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، وعيسى بن حماد، ومحمد ابن رمح، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وعبد الواحد بن غياث، وأبي كامل الجحدري، وسويد بن سعيد، وعبيد الله بن معاذ، ومحمد بن عبد الله بن عمار، وخلق كثير.

وهو من أقران أبي يعلى، ولكن أبو يعلى أعلى إسنادا منه وأقدم لقاء، فإنه سمع من علي ابن الجعد. وقد سمع الحسن تصانيف الإمام أبي بكر بن أبي شيبة منه، وسمع:"السنن" من أبي ثور الفقيه، وتفقه به، ولازمه، وبرع، وكان يفتي بمذهبه.

حدث عنه: إمام الأئمة ابن خزيمة، ويحيى بن منصور القاضي، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم، وأبو علي الحافظ، ومحمد بن الحسن النقاش المقرئ، وأبو عمرو بن حمدان، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو حاتم بن حبان، وحفيده إسحاق بن سعد النسوي، ومحمد بن إبراهيم الهاشمي، وعبد الله بن محمد النسوي، وخلق سواهم، رحلوا إليه وتكاثروا عليه.

قال محمد بن جعفر البستي: سمعت الحسن بن سفيان يقول: لولا اشتغالي بحبان بن موسى لجئتكم بأبي الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب. يعني: أنه تعوق بإكبابه على تصانيف ابن المبارك عند حبان.

قال أبو علي الحافظ: سمعت الحسن بن سفيان يقول: إنما فاتني يحيى بن يحيى بالوالدة: لم تدعني أخرج إليه. قال: فعوضني الله بأبي خالد الفراء، وكان أسند من يحيى بن يحيى.

قال الحاكم: كان الحسن بن سفيان -محدث خراسان في عصره- مقدمًا في الثبت، والكثرة، والفهم، والفقه، والأدب.

وقال أبو حاتم بن حبان: كان الحسن ممن رحل، وصنف، وحدث، على تيقظ مع صحة الديانة، والصلابة في السنة.

وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الرازي: ليس للحسن في الدنيا نظير.

قال الحاكم: سمعت محمد بن داود بن سليمان يقول: كنا عند الحسن بن سفيان، فدخل ابن خزيمة، وأبو عمرو الحيري، وأحمد بن علي الرازي، وهم متوجهون إلى فراوة. فقال الرازي: كتبت هذا الطبق من حديثك. قال: هات. فقرأ عليه، ثم أدخل إسنادا في إسناد، فرده الحسن، ثم بعد قليل فعل ذلك، فرده الحسن، فلما كان في الثالثة قال له الحسن: ما

ص: 98

هذا؟! قد احتملتك مرتين وأنا ابن تسعين سنة، فاتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة. فقال له ابن خزيمة: مه! لا تؤذ الشيخ. قال: إنما أردت أن تعلم أن أبا العباس يعرف حديثه.

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: الحسن بن سفيان سمع حبان بن موسى، وقتيبة، وابن أبي شيبة، كتب إلي وهو صدوق.

قال أبو الوليد حسان بن محمد: كان الحسن بن سفيان أديبًا فقيهًا، أخذ الأدب عن أصحاب النضر بن شميل، والفقه عن أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه.

وقال غيره: سمع الحسن من ابن راهويه أكثر "مسنده" وسمع من: محمد بن أبي بكر المقدمي "تفسيره".

قال ابن حبان: حضرت دفنه في شهر رمضان سنة ثلاث وثلاث مائة، مات بقريته بالوز، وهي على ثلاثة فراسخ من مدينة نسا، رحمه الله تعالى.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء بأربعين الحسن سماعا، عن المؤيد بن محمد الطوسي، وزينب بنت عبد الرحمن بن حسن الشعري، قال: أخبرتنا أم الخير فاطمة بنت علي بن زعبل سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة، أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي سنة إحدى وأربعين وأربع مائة، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان في صفر سنة أربع وسبعين وثلاث مائة، حدثنا أبو العباس الحسن بن سفيان الحافظ، حدثنا قتيبة ابن سعيد، حدثنا الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة"

(1)

. أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن قتيبة فوافقناهم يعلو.

وبه: إلى الحسن بن سفيان، حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري، حدثنا هشيم، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلَّا من عذر"

(2)

. أخرجه: ابن ماجة، عن عبد الحميد، فوافقناه بعلو.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "6951"، ومسلم "2580"، وأبو داود "4893"، والترمذي "1426".

(2)

صحيح: أخرجه ابن ماجه "793"، حدثنا عبد الحميد بن بيان الواسطي، به.

ص: 99

روى بشرويه بن محمد المغفلي، أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد الإسفراييني، قال: حدثنا أبو الحسن الصفار الفقيه، قال: كنا عند الحسن بن سفيان، وقد اجتمع إليه طائفة من أهل الفضل، ارتحلوا إليه، فخرج يومًا، فقال: اسمعوا ما أقول لكم قبل الإملاء: قد علمنا أنكم من أبناء النعم، هجرتم الوطن، فلا يخطرن ببالكم أنكم رضيتم بهذا التجشم للعلم حقًا، فإني أحدثكم ببعض ما تحملته في طلب العلم:

ارتحلت من وطني، فاتفق حصولي بمصر في تسعة من أصحابي طلبة العلم، وكنا نختلف إلى شيخ أرفع أهل عصره في العلم منزلة، فكان يملي علينا كل يوم قليلًا، حتى خفت النفقة، وبعنا أثاثنا، فطوينا ثلاثًا، وأصبحنا لا حراك بنا، فأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة وبذل الوجه، فلم تسمح أنفسنا فوقع الاختيار على قرعة، فوقعت علي، فتحيرت وعدلت، فصليت ركعتين، ودعوت، فلم أفرغ حتى دخل المسجد شاب معه خادم، فقال: من منكم الحسن بن سفيان؟ قلت: أنا. قال: إن الأمير طولون يقرئكم السلام ويعتذر من الغفلة عن تفقد أحوالكم، وقد بعث بهذا وهو زائركم غدًا. ووضع بين يدي كل واحد مائة دينار، فتعجبنا وقلنا: ما القصة؟ قال: دخلت عليه بكرة، فقال: أحب أن أخلو اليوم فانصرفنا، فبعد ساعة طلبني، فأتيته، فإذا به يده على خاصرته لوجع ممض اعتراه، فقال لي: تعرف الحسن بن سفيان وأصحابه؟ قلت: لا. قال: اقصد المسجد الفلاني، واحمل هذه الصرر إليهم، فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع، ومهد عذري لديهم. فسألته، فقال: انفردت فنمت، فرأيت فارسًا في الهواء، في يده رمح فنزل إلى باب هذا البيت، ووضع سافلة رمحه على خاصرتي وقال: قم فأدرك الحسن بن سفيان وأصحابه، قم فأدركهم، فإنهم منذ ثلاث جياع في المسجد الفلاني. فقلت له: من أنت؟ قال: أنا رضوان صاحب الجنة. فمنذ أصاب رمحه خاصرتي أصابني وجع شديد فعجل إيصال هذا المال إليهم ليزول هذا الوجع عني.

قال الحسن: فعجبنا وشكرنا الله، وخرجنا تلك الليلة من مصر لئلا نشتهر، وأصبح كل واحد منا واحد عصره، وقريع دهره في العلم والفضل.

قال: فلما أصبح الأمير طولون فأحس بخروجنا، أمر بابتياع تلك المحلة، ووقفها على المسجد وعلى من ينزل به من الغرباء وأهل الفضل، نفقة لهم، لئلا تختل أمورهم، وذلك كله من قوة الدين وصفاء العقيدة.

رواها الحافظ عبد الغني في الرابع من الحكايات، عن أبي زرعة إذنًا، عن الحسن بن أحمد السمرقندي، عن بشرويه، فالله أعلم بصحتها. ولم يل طولون مصر، وأما ابنه أحمد ابن طولون فيصغر عن الحكاية، ولا أعرف ناقلها، وذلك ممكن.

ص: 100

‌2612 - ابن رسته

(1)

:

الحافظ المحدث الصدوق، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن رسته بن الحسن بن عمر بن زيد الضبي، المديني، من كبراء أصبهان.

حدث عن: شيبان بن فروخ، وهدبة بن خالد القيسي، وأبي معمر الهذلي، وسليمان الشاذكوني -وفي دارهم نزل الشاذكوني لما قدم، ومحمد بن حميد، وطائفة.

وعنه: أبو إسحاق بن حمزة، والطبراني، وأبو الشيخ، ومحمد بن عبيد الله بن المرزبان، وآخرون.

مات في سنة إحدى وثلاث مائة، أرخه أبو القاسم ابن مندة.

‌2613 - ابن فرح

(2)

:

العلامة الإمام، المقرئ، المفسر، أبو جعفر أحمد بن فرح بن جبريل العسكري، ثم البغدادي، الضرير.

تلا على: البزي، والدوري.

وحدث عن: علي بن المديني، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعدة.

وعنه: ابن سمعان، وأحمد بن جعفر الختلي.

وتلا عليه خلق منهم: زيد بن أبي بلال، وعمر بن بيان، وأبو بكر النقاش، وابن أبي هاشم.

وكان ثقة، ثبتا، ذا فنون.

مات سنة ثلاث وثلاث مائة.

‌2614 - ابن ناجية

(3)

:

الإمام الحافظ الصادق، أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية بن نجبة البربري، ثم البغدادي.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 225".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 345"، والعبر "2/ 125"، وشذرات الذهب "2/ 241".

(3)

ترجمته في تاريخ بغداد "10/ 104"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 125"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة رقم 717"، والعبر "2/ 119"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 235".

ص: 101

سمع: سويد بن سعيد، وأبا معمر الهذلي، وعبد الواحد بن غياث، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، وأبا بكر بن أبي شيبة، وبندارا، وطبقتهم. وصنف وجمع.

حدث عنه: أبو بكر الشافعي، وأبو بكر الجعابي، والطبراني، وأبو القاسم ابن النخاس المقرئ، وإسحاق النعالي، ومحمد بن المظفر الحافظ، وأبو حفص بن الزيات، وخلق كثير.

وكان إمامًا، حجة، بصيرا بهذا الشأن، له "مسند" كبير.

قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: ناولني خلف بن القاسم "مسند ابن ناجية"، وهو في مائة جزء واثنين وثلاثين جزءًا، بروايته عن سلم بن الفضل عنه.

قال الخطيب: كان ثقة، ثبتًا. توفي في شهر رمضان، سنة إحدى وثلاث مائة.

قرأت على أبي الفضل أحمد بن هبة الله، أخبرنا زين الأمناء حسن بن محمد، أخبرنا المبارك بن علي، أخبرنا أبو الحسن بن العلاف، أخبرنا أبو القاسم بن بشران، أخبرنا أبو بكر الآجري، أخبرنا عبد الله بن محمد بن ناجية، حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا خالد الواسطي، عن مطرف بن طريف، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع الرجل صوته بالقرآن قبل العشاء وبعدها، يغلط أصحابه في الصلاة، والقوم يصلون".

هذا حديث صالح الإسناد، فيه النهي عن قراءة الأسباع التي في المساجد وقت صلوات الناس فيها، ففي ذلك تشويش بين على المصلين، هذا إذا قرؤوا قراءة جائزة مرتلة، فإن كانت قراءتهم دمجًا وهذرمة وبلعًا للكلمات، فهذا حرام مكرر، فقد -والله- عم الفساد، وظهرت البدع، وخفيت السنن، وقل القوال بالحق، بل لو نطق العالم بصدق وإخلاص لعارضه عدة من علماء الوقت، ولمقتوه وجهلوه -فلا حول ولا قوة إلَّا بالله.

ص: 102

‌2615 - ابن شيرويه:

الإمام الحافظ الفقيه، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه أسد القرشي، المطلبي، النيسابوري، صاحب التصانيف. ولد: سنة بضع عشرة ومائتين.

وسمع: إسحاق بن راهويه، وعمرو بن زرارة، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وأحمد ابن منيع، وأبا كريب، وهناد بن السري، وابن أبي عمر العدني، وخالد بن يوسف السمتي، وأبا سعيد الأشج، وطبقتهم. وسمع "المسند" كله من إسحاق.

حدث عنه: إمام الأئمة ابن خزيمة، وأبو عبد الله بن الأخرم، وأبو علي الحافظ، وأبو بكر بن علي، وعبد الله بن سعد، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو عمرو بن حمدان، وآخرون.

قال الحاكم: ابن شيرويه الفقيه أحد كبراء نيسابور، له مصنفات كثيرة تدل على عدالته واستقامته، روى عنه حفاظ بلدنا، ثم سمى جماعة، وقال: واحتجوا به. سمعت محمد بن حامد: سمعت أبا عبد الله العبدوي، سمعت عبد الله بن شيرويه يقول: قال لي بندار: يا ابن شيرويه، اعرض علي ما كتبته عني، فقد أكثرت عني. قال: فجمعت ما كتبته عنه في أسفاط، وحملتها إليه على ظهر حمال، فنظر فيها، وقال: أفلستني وأفلسك الوراقون.

قال أحمد بن الخضر الشافعي: سمعت ابن خزيمة يقول: كنت أرى عبد الله بن شيرويه يناظر وأنا صبي، فكنت أقول: ترى! أتعلم مثل ما تعلم ابن شيرويه قط.

قال الحاكم: سمع ابن شيرويه بالحجاز كتاب سفيان بن عيينة من العدني.

وقال إبراهيم بن أبي طالب: كان إسحاق لايعيد لأحد، وأنا أتعجب كيف لم يفته -يعني: ابن شيرويه- شيء من "المسند"؟! ثم قال: لقد رأيت له منزلة عند إسحاق لمكان أبيه.

قلت: جدهم شيرويه هو: ابن أسد بن أعين بن يزيد بن ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب المطلبي. وركانة: صحابي مشهور، مفرط القوى، صارعه فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد: أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا عبد الله بن شيرويه، حدثنا أبو كريب، حدثنا ابن إدريس، عن ابن إسحاق ومالك، عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، وإذنها صماتها"

(1)

.

أخبرنا إسحاق الصفار: أخبرنا ابن خليل، أخبرنا أبو المكارم التيمي، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد، أخبرنا عبد الله بن شيرويه، حدثنا إسحاق، أخبرنا محمد بن سلمة، والمحاربي، قالا: حدثنا ابن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقفه على كل آية أسأله: فيم نزلت، وكيف كانت؟

مات ابن شيرويه سنة خمس وثلاث مائة.

(1)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 62"، ومسلم "1421"، وأبو داود "2098"، والترمذي "1108"، والنسائي "6/ 84".

ص: 103

‌2616 - عبدان

(1)

:

عبد الله بن أحمد بن موسى بن زياد، الحافظ، الحجة، العلامة، أبو محمد الأهوازي، الجواليقي، عبدان صاحب المصنفات.

سمع: محمد بن بكار بن الريان، وشيبان بن فروخ، وطالوت بن عبدان، وهشام بن عمار السلمي، وسهل بن عثمان، وأبا بكر بن أبي شيبة، وأبا كامل الجحدري، وخليفة بن خياط، وعثمان بن أبي شيبة، وزيد بن الحريش، ومسروق بن المرزبان، ويعقوب الدورقي، وعبيد بن يعيش، وأحمد بن عبد الرحمن بحشل، وحميد بن مسعدة، ومحمد بن عبيد بن حساب، وأبا الطاهر بن السرح، ومحمد بن مصفى، وابن أبي عمر العدني، وعيسى بن زغبة، وأبا كريب، ووهب بن بيان، وبندارًا، وخلقًا سواهم بالحجاز، والشام، ومصر، والعراق، وكان من أئمة هذا الشأن.

حدث عنه: ابن قانع، والطبراني، وحمزة الكناني، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو عمرو بن حمدان، وإسماعيل بن عبد الله بن ميكال، وآخرون.

وارتحل إليه الحفاظ إلى عسكر مكرم، وهي قريبة من البصرة.

قال الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: رأيت من أئمة الحديث أربعة: إبراهيم بن أبي طالب -يعني: رفيق مسلم- وابن خزيمة بنيسابور، والنسائي بمصر، وعبدان بالأهواز. قال: فأما عبدان فكان يحفظ مائة ألف حديث، ما رأيت في المشايخ أحفظ منه!

وقال حمزة بن محمد الكناني: سمعت عبدان يقول: دخلت البصرة ثمان عشرة مرة من أجل حديث أيوب السختياني، وجمعت ما يجمعه أصحاب الحديث -يعني: من حديث الكبار- قال: إلَّا حديث مالك، فإنه لم يكن عندي "الموطأ" بعلو وإلا حديث أبي حصين. قال حمزة: وسمعته يقول: جمعت لبشر بن المفضل ست مائة حديث، من شاء يزيد علي.

قال أبو عبد الله الحاكم: كان أبو علي النيسابوري لا يسامح في المذاكرة بل يواجه بالرد في الملأ فوقع بينه وبين عبدان لذلك، فسمعت أبا علي يقول: أتيت أبا بكر بن عبدان، فقلت

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 378"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 150"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 709"، والعبر "2/ 133"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 195"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 249".

ص: 104

له: الله الله! تحتال لي في حديث سهل بن عثمان العسكري، عن جنادة، عن عبيد الله بن عمر. فقال: قد حلف الشيخ أن لا يحدث بهذا الحديث وأنت بالأهواز. قال: فأصلحت شأني للسفر، وودعت الشيخ، وشيعني أصحابنا، ثم اختفيت إلى يوم المجلس، ثم حضرت متنكرًا لا يعرفني أحد، فأملى عبدان الحديث، وأملى غير ذلك مما كان قد امتنع علي منها. ثم بلغه بعد أني كنت في المجلس فتعجب.

قال أبو حاتم البستي: أخبرنا عبدان بعسكر مكرم، وكان عسرًا نكدًا.

وقال أبو محمد الرامهرمزي: كنا عند عبدان، فقال: من دعي فلم يجب فقد عصى الله -بفتح الياء- فقال له ابن سريج: إن رأيت أن تقول: يجب. فأبى، وعجب من صواب ابن سريج، كما عجب ابن سريج من خطئه.

قال أبو أحمد بن عدي: عبدان كبير الاسم، قال لي: جاءني أبو بكر بن أبي غالب، فذهب إلى شاذان الفارسي فلم يلحقه، فعطف إلى ابن أبي عاصم بأصبهان، ثم جاءني فقال: فاتني شاذان، وذهبت إلى ابن أبي عاصم فلم أره مليئًا بحديث البصرة، وجئتك لأكتب حديثهم عنك لأنك مليء بهم. فأخرجت إليه حديثهم، وقاطعته كل يوم على مائة حديث.

ابن عدي: حدثنا عبدان، حدثنا محمد بن عمرو بن سلمة، حدثنا ابن وهب

، فذكر حديثًا. كذا قال، وإنما هو عمرو بن سواد، كان عبدان يخطئ فيه فيقول: مرة كما ذكرنا، ومرة يقول: محمد بن عمرو. وإنما هو عمرو بن سواد، وكانت هيبة عبدان تمنعنا أن نقول له. وحدثنا بحديث فيه أشرس، فقال: رشرس. فتوقفت في الرد عليه.

قال الحاكم: سمعت أبا علي يقول: ورد العسكر أبو العباس بن سريج وأنا بها، فقصدته، فقال لي: سل إذا حضرت عبدان. قال: فدخل فسألت أبا محمد عن حديث، فقال: حدثنا به القطعي: أخبرنا محمد بن بكر البرساني، حدثنا ابن عون، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: في رفع اليدين في الصلاة إذا ركع ورفع.

قال الحاكم: فقلت لأبي علي: ما علة هذا؟ قال: لا أدري. قلت: لعله ابن جريج بدل ابن عون. قال: ليس ذا عند البرساني، عن ابن جريج. ثم قال: وعبدان ثبت، وحدثنا به من أصل كتابه. قيل: وسرقه الحسن بن عثمان التستري، فرواه عن القطعي.

قلت: عبدان حافظ صدوق، ومن الذي يسلم من الوهم؟! عاش تسعين عامًا وأشهرًا، وكانت وفاته في آخر سنة ست وثلاث مائة.

وقع إلي ثلاثة أجزاء من حديثه بعلو.

ص: 105

ومات معه في العام: فقيه العصر أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج ببغداد، ومسند العراق أبو عبد الله أحمد بن الحسن ابن عبد الجبار الصوفي، والمسند علي بن إسحاق بن زاطيا، والقاضي محمد بن خلف وكيع، ومحمد بن مسعود الأسدي -محدث قزوين، وشيخ الطريق أبو عبد الله أحمد بن الجلاء.

أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتي، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى، حدثنا طالوت -هو ابن عباد- حدثنا حرب بن سريج، حدثنا أبو المهزم، عن أبي هريرة قال:"أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بثلاث: الغسل في كل يوم جمعة، والوتر قبل النوم، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر"

(1)

.

متنه محفوظ، وأبو المهزم يزيد بن سفيان، متفق على ضعفه، والعجب أن شعبة يروي عنه، ما أظنه تبين له حاله، والله أعلم.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "760"، ومسلم "721"، وأبو داود "1432"، والترمذي "760".

ص: 106

‌2617 - ابن الصقر

(1)

:

الإمام الثقة المحدث، أبو سعيد، أحمد بن الصقر بن ثوبان الطرسوسي، ثم البصري، المستملي.

حدث عن: أبي كامل الجحدري، ومحمد بن موسى الحرشي، ومحمد بن بشار، وكان مستملي ابن بشار.

حدث عنه: أبو بكر الشافعي، وأبو الفتح الأزدي، وعلي بن لؤلؤ، وغيرهم.

وثقه الخطيب.

توفي سنة إحدى وثلاث مائة.

‌2618 - ابن الصقر

(2)

:

هو الإمام الثقة، أبو العباس، عبد الله بن الصقر بن نصر البغدادي، السكري.

سمع! إبراهيم بن محمد الشافعي، وعبد الأعلى النرسي، وإبراهيم بن المنذر.

وعنه: الخلدي، وأبو بكر القطيعي، وأبو حفص بن الزيات، وجماعة.

وثقه الخطيب، وقال: توفي في جمادى الأولى، سنة اثنتين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 206".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 482".

ص: 106

‌2619 - أبو يعلى

(1)

:

الإمام الحافظ، شيخ الإسلام، أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي، الموصلي، محدث الموصل، وصاحب "المسند" و"المعجم".

ولد في ثالث شوال، سنة عشر ومائتين، فهو أكبر من النسائي بخمس سنين، وأعلى إسنادًا منه.

لقي الكبار، وأرتحل في حداثته إلى الأمصار بإعتناء أبيه وخاله محمد بن أحمد بن أبي المثنى، ثم بهمته العالية.

وسمع من: أحمد بن حاتم الطويل، وأحمد بن جميل، وأحمد بن عيسى التستري، وأحمد بن إبراهيم الموصلي، وأحمد بن منيع، وأحمد بن محمد بن أيوب، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وإبراهيم بن الحجاج النيلي صاحب سلام بن أبي مطيع، وإبراهيم بن محمد ابن عرعرة، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وإبراهيم بن زياد سبلان، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإسحاق بن موسى الخطمي، وإسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وأبي معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي، وأبي إبراهيم إسماعيل الترجماني، وإسماعيل بن عبد الله بن خالد القرشي، وأيوب بن يونس البصري: عن وهيب، والأزرق بن علي أبي الجهم، وأمية ابن بسطام.

وبشر بن الوليد الكندي، وبشر بن هلال، وبسام بن يزيد النقال.

وجعفر بن مهران السباك، وجبارة بن المغلس، وجعفر بن حميد الكوفي.

وحوثرة بن أشرس العدوي، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، والحكم بن موسى، والحارث بن مسكين، والحارث بن سريج، وحفص بن عبد الله الحلواني، وحجاج بن الشاعر.

وخلف بن هشام البزار، وخالد بن مرداس، وخليفة بن خياط.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 726"، والعبر "2/ 134"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "7/ 241"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 197".

ص: 107

وداود بن عمرو الضبي، وداود بن رشيد.

وروح بن عبد المؤمن المقرئ، والربيع بن ثعلب.

وأبي خيثمة زهير بن حرب، وزكريا بن يحيى زحمويه، وزكريا بن يحيى الرقاشي، وزكريا بن يحيى الكسائي الكوفي، وأبي الربيع الزهراني.

وأبي الربيع سليمان بن داود الختلي، وأبي أيوب سليمان بن داود الشاذكوني، وسليمان ابن محمد المباركي، وسعيد ابن عبد الجبار، وسعيد بن أبي الربيع السمان، وسعيد بن مطرف الباهلي، وسريج بن يونس، وسهل بن زنجلة الرازي.

وشيبان بن فروخ.

والصلت بن مسعود الجحدري، وصالح بن مالك الخوارزمي.

وعبد الله بن محمد بن أسماء، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وعبد الله بن سلمة البصري، عن أشعث بن براز الهجيمي، وعبد الله بن عون الخراز، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن بكار البصري، وعبد الله بن عمر مشكدانة، وعبيد الله بن عمر القواريري، وعبيد الله بن معاذ، وعبد الرحمن بن سلام الجمحي، وعبد الرحمن بن صالح الأزدي، وأبي نصر عبد الملك بن عبد العزيز التمار، وعبد الواحد بن غياث، وعبد الغفار بن عبد الله ابن الزبير، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، وعلي بن الجعد، وعلي بن حمزة المعولي، وعلي ابن المديني، وعمرو الناقد، وعمرو بن الحصين، وعمرو بن أبي عاصم النبيل، وعيسى بن سالم، وعثمان بن أبي شيبة.

وغسان بن الربيع.

والفضل بن الصباح.

وقطن بن نسير.

وكامل بن طلحة.

ومصعب بن عبد الله، ومنصور بن أبي مزاحم، ومعلى بن مهدي، ومسروق بن المرزبان، والمنتجع بن مصعب -بصري- وموسى بن محمد بن حيان، ومحمد بن منهال الضرير، ومحمد بن منهال الأنماطي، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، ومحمد بن يحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن جامع العطار -وضعفه- ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمد بن بكار مولى بني هاشم، ومحمد بن بكار البصري، ومحمد بن عباد المكي، ومحمد بن إسحاق

ص: 108

المسيبي، وأبي كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن خالد الطحان، ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي.

ونعيم بن الهيصم.

وهدبة بن خالد، وهارون بن معروف، وهاشم بن الحارث، والهذيل بن إبراهيم الجماني.

ووهب بن بقية.

ويحيى بن معين، ويحيى بن أيوب المقابري، ويحيى الحماني، وخلق كثير سواهم، مذكورين في "معجمه".

قال أبو موسى المديني: أخبرنا هبة الله الأبرقوهي عمن ذكره: أن والد أبي عبد الله بن مندة رحل إلى أبي يعلى، وقال: له إنما رحلت إليك لإجماع أهل العصر على ثقتك وإتقانك.

وقال السلمي: سألت الدارقطني عن أبي يعلى، فقال: ثقة، مأمون.

حدث عنه: الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في "الكنى"، فقال: حدثنا أحمد بن المثني، نسبة إلى جده، والحافظ أبو زكريا يزيد بن محمد الأزدي، وأبو حاتم حبان، وأبو الفتح الأزدي، وأبو علي الحسين بن محمد النيسابوري، وحمزة بن محمد الكناني، والطبراني، وأبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، وأبو أحمد عبد الله بن عدي، وابن السني، وأبو عمرو بن حمدان الحيري، وأبوه، وأبو بكر محمد بن إبراهيم المقرئ، والقاضي يوسف القاسم الميانجي، ومحمد بن النضر النخاس -بمعجمة- ونصر بن أحمد بن الخليل المرجي، وأبو الشيخ، وخلق كثير.

قال يزيد بن محمد الأزدي في "تاريخ الموصل": ومنهم أبو يعلى التميمي. فذكر نسبه وكبار شيوخه، وقال: كان من أهل الصدق والأمانة، والدين والحلم، روى عن: غسان بن الربيع، ومعلى بن مهدي، وغيرهما من المواصلة. إلى أن قال: وهو كثير الحديث، صنف "المسند" وكتبًا في الزهد والرقائق، وخرج الفوائد، وكان عاقلًا، حليمًا صبورًا، حسن الأدب، سمعته يقول: سمعت ابن قدامة: سمعت سفيان يقول: ما تمتع متمتع بمثل ذكر الله، قال داود عليه السلام: ما أحلى ذكر الله في أفواه المتعبدين.

وحدثنا أبو يعلى: حدثنا ابن زنجويه: سمعت عبد الرزاق يقول: الرافضي عندي كافر.

وقد بلغنا عن أبي عمرو بن حمدان: أنه كان يفضل أبا يعلى الموصلي على الحسن بن

ص: 109

سفيان، فقيل له: كيف تفضله و"مسند الحسن" أكبر، وشيوخه أعلى؟ قال: لأن أبا يعلى كان يحدث احتسابًا، والحسن ابن سفيان كان يحدث اكتسابًا.

وقد وثق أبا يعلى أبو حاتم البستي، وغيره. قال ابن حبان: هو من المتقنين المواظبين على رعاية الدين وأسباب الطاعة.

وقال ابن عدي: ما سمعت مسندًا على الوجه "إلَّا مسند أبي يعلى"؛ لأنه كان يحدث لله عز وجل.

قال ابن المقرئ: سمعت أبا إسحاق بن حمزة يثني على "مسند أبي يعلى"، ويقول: من كتبه قل ما يفوته من الحديث.

قال ابن المقرئ: سمعت أبا يعلى يقول: عامة سماعي بالبصرة مع أبي زرعة.

وقال الحافظ عبد الغني الأزدي: أبو يعلى أحد الثقات الأثبات، كان على رأي أبي حنيفة.

قلت: نعم، لأنه أخذ الفقه عن أصحاب أبي يوسف.

قال ابن مندة: أحمد بن علي بن المثنى بن عيسى بن هلال بن دينار التميمي أبو يعلى أحد الثقات، مات سنة سبع وثلاث مائة.

وقال أبو أحمد بن عدي في "كامله" في ذكر محمد الطفاوي: سمعت أبا يعلى يقول: عندي عن أبي خيثمة "المسند" و"التفسير"، والموقوفات، حديثه كله.

وقد وصف أبو حاتم البستي أبا يعلى بالإتقان والدين، ثم قال: وبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنفس.

وقال أبو عبد الله الحاكم: كنت أرى أبا علي الحافظ معجبًا بأبي يعلى الموصلي، وحفظه وإتقانه، وحفظه لحديثه، حتى كان لا يخفى عليه منه إلَّا اليسير. ثم قال الحاكم: هو ثقة، مأمون.

وقال أبو علي الحافظ: لو لم يشتغل أبو يعلى بكتب أبي يوسف على بشر بن الوليد الكندي لأدرك بالبصرة سليمان بن حرب، وأبا الوليد الطيالسي.

قلت: قنع برفيقهما الحافظ علي بن الجعد.

قال أبو سعد السمعاني: سمعت إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الحافظ يقول:

ص: 110

قرأت المسانيد كـ"مسند العدني"، و"مسند أحمد بن منيع"، وهي كالأنهار، و"مسند أبي يعلى" كالبحر يكون مجتمع الأنهار.

قلت: صدق، ولا سيما "مسنده" الذي عند أهل أصبهان من طريق ابن المقرئ عنه، فإنه كبير جدًا، بخلاف "المسند" الذي رويناه من طريق أبي عمرو بن حمدان عنه، فإنه مختصر.

ويقع حديثه عاليًا بالاتصال للشيخ فخر الدين بن البخاري في "أمالي الجوهري"، ويقع حديثه بالإجازة العالية لأولادنا في أثناء "جزء مأمون"، وقد قرأت سماعه في سنة خمس وعشرين ومائتين ببغداد من أحمد بن حاتم الطويل -صاحب مالك- وأبو الوليد الطيالسي حي بالبصرة إلى سنة سبع وعشرين، وعاش أبو يعلى إلى أثناء سنة سبع وثلاث مائة، فقيده أبو الحسين بن المنادي في رابع عشر جمادى الأولى.

قلت: وانتهى إليه علو الإسناد، وازدحم عليه أصحاب الحديث، وعاش سبعًا وتسعين سنة.

ومات معه في سنة سبع، عدة من الكبار: كالحافظ زكريا الساجي، وأبي عمران موسى ابن سهل الجوني، شيخي الحديث بالبصرة، والحافظ محمد بن هارون الروياني، وشيخا بلد واسط: جعفر بن أحمد بن سنان، ومحمود بن محمد، ومحدث دمشق جعفر بن أبي عاصم، ومسند بغداد الحسن بن الطيب الشجاعي البلخي، ومسند أصبهان المعمر أبو جعفر محمد بن علي بن مخلد بن فرقد الأصبهاني، وشيخ القراء أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني، والحافظ أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري بمكة، والمحدث أبو زكريا يحيى بن زكريا النيسابوري -صاحب قتيبة بمصر- والحافظ جعفر بن محمد بن موسى النيسابوري الأعرج بحلب، ويقال له: جعفرك، ومقرئ مصر أبو بكر بن مالك بن سيف التجيبي، وشيخ بغداد أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري.

ورفيقه محمد بن صالح بن ذريح العكبري، رحمهم الله تعالى.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد قراءة عليه، عن عبد المعز بن محمد البزاز: أخبرنا أبو القاسم تميم بن أبي سعيد الجرجاني سنة ثمان وعشرين وخمس مائة، أخبرنا محمد ابن عبد الرحمن الكنجروذي سنة تسع وأربعين وأربع مائة، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد ابن حمدان، أخبرنا أبو يعلى الموصلي بها سنة ست وثلاث مائة، حدثنا عبد الله ابن بكار، حدثنا عكرمة بن عمار، عن الهرماس بن زياد، قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد الأضحى يخطب على بعير". هذا حديث حسن، عال جدًا، تساعي لنا.

ص: 111

أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي، أخبرنا تميم بن أبي سعيد، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو عمرو الحيري، أخبرنا أبو يعلى، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن أبي عون: سمعت جابر بن سمرة قال: قال عمر لسعد: قد شكوك في كل شيء حتى في الصلاة. قال: أما أنا فإني أمد في الأوليين، وأحذف في الأخريين، وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله. قال: ذاك الظن بك، أو كذاك ظني بك.

قال يزيد بن محمد: أخبرنا أبو يعلى الموصلي: أنشدنا عمر بن شبة، عن أبي غزية:

لا يزهدنك في أخ

لك أن تراه زل زله

والمرء يطرحه الذ

ين يلونه في شر إله

ويخونه من كان من

أهل البطانة والدخله

والموت أعظم حادث

مما يمر على الجبلة

ص: 112

‌2620 - أحمد بن إبراهيم:

ابن عبد الله، الإمام المحدث، الصدر الأنبل، أبو محمد النيسابوري، أحد الكبراء والزعماء ببلده.

سمع من: جده لأمه؛ القاضي نصر بن زياد، وإسحاق بن راهويه -وقرأ عليه "مسنده"- وعمرو بن زرارة، ومحمد بن مقاتل، ومحمود بن غيلان، ومحمد بن حميد، وإبراهيم بن محمد الشافعي المكي، وسلمة بن شبيب، وطائفة.

وعنه: مؤمل بن الحسن، والحافظ أبو علي، وأحمد بن أبي عثمان الحيري، وأحمد بن الحسن، وأبو عمرو بن حمدان، وآخرون.

قال الحاكم: سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد يقول: توفي جدي لأمي أحمد بن إبراهيم سنة خمس وثلاث مائة.

قال الحاكم: كان من وجوه نيسابور وزعمائها، ومن المقبولين في الحديث والرواية.

ص: 112

‌2621 - الجبائي

(1)

:

شيخ المعتزلة، وصاحب التصانيف، أبو علي محمد بن عبد الوهاب البصري. مات بالبصرة، سنة ثلاث وثلاث مائة.

أخذ عن: أبي يعقوب الشحام. وعاش: ثمانيًا وستين سنة. ومات، فخلفه ابنه؛ العلامة أبو هاشم الجبائي. وأخذ عنه فن الكلام أيضًا: أبو الحسن الأشعري، ثم خالفه، ونابذه، وتسنن.

وكان أبو علي -على بدعته- متوسعًا في العلم، سيال الذهن، وهو الذي ذلل الكلام، وسهله، ويسر ما صعب منه.

وكان يقف في أبي بكر وعلي: أيهما أفضل؟

وله كتاب: "الأصول"، وكتاب:"النهي عن المنكر"، وكتاب:"التعديل والتجويز"، وكتاب "الاجتهاد"، وكتاب "الأسماء والصفات"، وكتاب "التفسير الكبير"، وكتاب "النقض على ابن الراوندي"، كتاب "الرد على ابن كلاب"، كتاب "الرد على المنجمين"، وكتاب "من يكفر ومن لا يكفر"، وكتاب "شرح الحديث"، وأشياء كثيرة.

قيل: سأل الأشعري أبا علي: ثلاثة أخوة، أحدهم تقي، والثاني كافر، والثالث مات صبيا؟ فقال: أما الأول ففي الجنة، والثاني ففي النار، والصبي فمن أهل السلامة. قال: فإن أراد أن يصعد إلى أخيه؟ قال: لا؛ لأنه يقال "له": إن أخاك إنما وصل إلى هناك بعمله. قال: فإن قال الصغير: ما التقصير مني، فإنك ما أبقيتني، ولا أقدرتني على الطاعة. قال: يقول الله له: كنت أعلم أنك لو بقيت لعصيت، ولاستحقيت العذاب، فراعيت مصلحتك. قال: فلو قال الأخ الأكبر: يا رب كما علمت حاله، فقد علمت حالي، فلم راعيت مصلحته دوني؟ فانقطع الجبائي.

(1)

ترجمته في مقالات الإسلاميين للأشعري "1/ 236"، والفرق بين الفرق للبغدادي "167 - 169" ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 607"، والعبر "2/ 125"، ولسان الميزان "5/ 271"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 189"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 241".

ص: 113

‌2622 - أبو قصي:

المحدث العالم، أبو قصي، إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن إسماعيل بن مسروق العذري.

حدث عن: أبيه، وعمه، عبد الله. وعن: سليمان بن بنت شرحبيل، وزهير بن عباد.

حدث عنه: أبو سعيد بن الأعرابي، والحافظ أبو علي النيسابوري، والطبراني، وابن عدي، وأبو عمر بن فضالة، وآخرون.

قيل: كان أصم.

مات سنة اثنتين وثلاث مائة، بدمشق.

ص: 114

‌2623 - ابن قيراط:

الشيخ العالم المحدث، أبو علي، إسماعيل بن محمد بن عبيد الله بن قيراط العذري، الدمشقي.

حدث عن: سليمان بن بنت شرحبيل، وحرملة بن يحيى، وصفوان بن صالح، وإبراهيم بن المنذر، وهشام بن عمار، وطبقتهم. وكان صاحب رحلة ومعرفة.

حدث عنه: ابن جوصاء، وأبو عوانة، وخيثمة بن سليمان، وعلي بن أبي العقب، وابن هارون، وأبو عمر بن فضالة، والطبراني، وخاتمتهم: أبو أحمد بن الناصح.

مات سنة سبع وتسعين ومائتين.

‌2624 - ابن أبي غيلان:

الشيخ المحدث المتقن، أبو حفص، عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان الثقفي، البغدادي.

سمع: علي بن الجعد، وداود بن عمرو الضبي، وأبا إبراهيم الترجماني، وطائفة.

حدث عنه: إسحاق النعالي، وابن عدي، وأبو حفص بن الزيات، وأبو بكر بن المقرئ، ومحمد بن إسماعيل الوراق، وخلق سواهم.

وثقه الخطيب، وقال: توفي سنة تسع وثلاث مائة.

قلت: مات في عشر المائة.

يقع حديثه عاليًا لنا بإجازة، ولشيخنا أبي الحجاج اللغوي بالسماع المتصل.

ص: 114

‌2625 - الصفار:

الشيخ المسند العالم، أبو محمد، خالد بن محمد بن خالد بن كولخش الختلي، الصفار.

سمع: بشر بن الوليد، ويحيى بن معين، وأبا إبراهيم الترجماني، وطائفة.

حدث عنه: محمد بن أحمد المفيد، وعلي بن لؤلؤ الوراق، وعلي بن عمر الحربي، وغيرهم. قال الدارقطني: صالح.

وقد ذكر المفيد -وهو تالف- أنه سمع من هذا الشيخ تفسير حديث سمعه من أبي عبيد القاسم بن سلام.

مات سنة عشر وثلاث مائة، عاش بضعًا وتسعين سنة.

‌2626 - ابن مندة

(1)

:

الإمام الكبير الحافظ المجود، أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مندة، واسم مندة: إبراهيم بن الوليد بن سندة بن بطة بن أستندار بن جهار بخت العبدي مولاهم الأصبهاني، جد صاحب التصانيف الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد.

ولد في حدود العشرين ومائتين في حياة جدهم مندة.

سمع: إسماعيل بن موسى السدي، وعبد الله بن معاوية الجمحي، ومحمد بن سليمان لوين، وأبا كريب محمد بن العلاء، وهناد بن السري، ومحمد بن بشار، وأبا سعيد الأشج، وأحمد بن الفرات، وطبقتهم بالكوفة والبصرة وأصبهان، وجمع وصنف.

حدث عنه: القاضي أبو أحمد العسال، وأبو القاسم الطبراني، وأبو الشيخ، وأبو إسحاق بن حمزة، ومحمد بن أحمد بن عبد الوهاب وولده إسحاق بن محمد، وخلق سواهم من شيوخ أبي نعيم الحافظ، الذين لقيهم بأصبهان.

وكان ينازع الحافظ أحمد بن الفرات، ويذاكره، ويرادده وهو شاب.

قال أبو الشيخ في "تاريخه": هو أستاذ شيوخنا وإمامهم، أدرك سهل بن عثمان.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 222"، والإكمال لابن ماكولا "1/ 331"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 620"، والعبر "2/ 120"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 184"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 234".

ص: 115

قلت: سهل من شيوخ مسلم، مات سنة نيف وثلاثين ومائتين.

قال أبو الشيخ: ومات ابن مندة في رجب سنة إحدى وثلاث مائة.

أخبرنا محمد بن يوسف المقرئ: أخبرنا عبد الوهاب بن ظافر، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن الحافظ محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة، أخبرنا أبي وعماي قالوا: أخبرنا أبونا أبو عبد الله، أخبرنا أبي، حدثني أبي، حدثنا سعيد بن عنبسة، حدثنا بقية، عن بحير، عن خالد بن معدان، عن أبي زياد قال: سألت عائشة عن أكل البصل، فقالت: آخر طعام أكله النبي صلى الله عليه وسلم فيه بصل.

هذا حديث غريب، صالح الإسناد، رواه الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده" عن حيوة ابن شريح، عن بقية.

أخبرنا إسحاق بن أبي بكر: أخبرنا ابن خليل، أخبرنا أبو المكارم التيمي، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن يحيى بن مندة، حدثنا أبو بكر بن أبي النضر، حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو عقيل الثقفي، حدثنا مجالد، حدثنا عون بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه، قال:"ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب"

(1)

.

قلت: لم يرد أنه صلى الله عليه وسلم كتب شيئًا، إلَّا ما في "صحيح البخاري" من أنه يوم صلح الحديبية كتب اسمه "محمد بن عبد الله"

(2)

. واحتج بذلك القاضي أبو الوليد الباجي، وقام عليه طائفة من فقهاء الأندلس بالإنكار، وبَدَّعوه حتى كَفَّره بعضهم. والخطب يسير، فما خرج عن كونه أميًا بكتابة اسمه الكريم، فجماعة من الملوك ما علموا من الكتابة سوى مجرد العلامة، وما عدهم الناس بذلك كاتبين، بل هم أميون، فلا عبرة بالنادر، وإنما الحكم للغالب، والله تعالى فمن حكمته لم يلهم نبيه تعلم الكتابة، ولا قراءة الكتب حسمًا لمادة المبطلين، كما قال تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُون} [العنكبوت: 48]، ومع هذا فقد افتروا وقالوا:{أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْه} [الفرقان: 5]، فانظر إلى قحة المعاند، فمن الذي كان بمكة وقت المبعث يدري أخبار الرسل والأمم الخالية؟ ما كان بمكة أحد بهذه الصفة أصلًا. ثم ما المانع من تعلم النبي صلى الله عليه وسلم كتابة اسمه واسم أبيه مع فرط ذكائه، وقوة فهمه، ودوام مجالسته لمن يكتب بين يديه الوحي والكتب إلى

(1)

ضعيف: في إسناده مجالد، وهو ابن سعيد، أجمعوا على ضعفه.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "2698"، ومسلم "1783" من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

ص: 116

ملوك الطوائف، ثم هذا خاتمه في يده، ونقشه: محمد رسول الله

(1)

، فلا يظن عاقل أنه عليه السلام ما تعقل ذلك، فهذا كله يقتضي أنه عرف كتابة اسمه واسم أبيه، وقد أخبر الله بأنه -صلوات الله عليه- ما كان يدري ما الكتاب؟ ثم علمه الله تعالى ما لم يكن يعلم. ثم الكتابة صفة مدح، قال تعالى:{الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: (4)، 5] فلما بلغ الرسالة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، شاء الله لنبيه أن يتعلم الكتابة النادرة التي لا يخرج بمثلها عن أن يكون أميًا، ثم هو القائل:"إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"

(2)

. فصدق إخباره بذلك، إذ الحكم للغالب، فنفى عنه وعن أمته الكتابة والحساب لندور ذلك فيهم وقلته، وإلا فقد كان فيهم كتاب الوحي وغير ذلك، وكان فيهم من يحسب، وقال تعالى:{وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [الإسراء: 12].

ومن علمهم الفرائض، وهي تحتاج إلى حساب وعول، وهو عليه السلام فنفى عن الأمة الحساب، فعلمنا أن المنفي كمال علم ذلك ودقائقه التي يقوم بها القبط والأوائل، فإن ذلك ما لم يحتج إليه دين الإسلام ولله الحمد، فإن القبط عمقوا في الحساب والجبر، وأشياء تضيع الزمان. وأرباب الهيئة تكلموا في سير النجوم والشمس والقمر، والكسوف والقران بأمور طويلة لم يأت الشرع بها، فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الشهور ومعرفتها، بين أن معرفتها ليست بالطرق التي يفعلها المنجم وأصحاب التقويم، وأن ذلك لا نعبأ به في ديننا، ولا نحسب الشهر بذلك أبدًا. ثم بين أن الشهر بالرؤية فقط، فيكون تسعًا وعشرين، أو بتكملة ثلاثين، فلا نحتاج مع الثلاثين إلى تكلف رؤية.

وأما الشعر فنزهه الله تعالى عن الشعر، قال تعالى:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69]، فما قال الشعر مع كثرته وجودته في قريش، وجريان قرائحهم به، وقد يقع شيء نادر في كلامه عليه السلام موزونًا، فما صار بذلك شاعرًا قط، كقوله:

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "5875"، ومسلم "2092""56" من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم قيل له: إنهم لن يقرءوا كتابك إذا لم يكن مختوما، فاتخذ خاتما من فضة ونقشه: محمد رسول الله، فكأني أنظر إلى بياضه في يده".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "1913"، ومسلم "1080""15" من طريق شعبة، عن الأسود بن قيس قال: سمعت سعيد بن عمرو بن سعيد أنه سمع ابن عمر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا. وعقد الإبهام في الثالثة: "والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين".

ص: 117

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

(1)

وقوله:

هل أنت إلَّا إصبع دميت

وفي سبيل الله ما لقيت

(2)

ومثل هذا يقع في كتب الفقه والطب وغير ذلك مما يقع اتفاقًا، ولا يقصده المؤلف ولا يشعر به، أفيقول مسلم قط: إن قوله تعالى: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَات} [سبأ: 13]، هو بيت؟! معاذ الله! وإنما صادف وزنًا في الجملة، والله أعلم.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "4315" و"4316" و"4317"، ومسلم "1776" من حديث البراء بن عازب.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "2802"، ومسلم "1796" من حديث جندب بن سفيان، به.

ص: 118

‌2627 - الأنماطي

(1)

:

الإمام الحافظ المحقق، أبو إسحاق، إبراهيم بن إسحاق بن يوسف النيسابوري، الأنماطي، صاحب "التفسير" الكبير.

سمع إسحاق بن راهويه، وعبد الله بن عمر الرماح، ومحمد بن رافع، وعدة ببلده، ومحمد بن حميد، وطائفة بالري، وعمرو بن علي، وحميد بن مسعدة، وجماعة بالبصرة، وعثمان بن أبي شيبة، وأبا كريب بالكوفة، ومحمد بن يحيى العدني، وعبد الله ابن عمران العابدي بمكة، ومحمد بن سليمان لوينا، وإبراهيم بن سعيد الجوهري ببغداد.

حدث عنه: أبو حامد بن الشرقي، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم، ويحيى بن محمد العنبري، وآخرون.

وعاش نيفًا وثمانين سنة. مات: في سنة ثلاث وثلاث مائة، وكان من علماء الأثر رحمه الله.

ما عرفت أنه وقع لي حديثه عاليًا بعد.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 125"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 242".

ص: 118

‌2628 - المهلبي

(1)

:

شيخ الشافعية بجرجان، العلامة الفقيه القدوة، أبو عمران إبراهيم بن هانئ بن خالد المهلبي، الجرجاني.

سمع من: أبي محمد الدارمي، وأحمد بن منصور الرمادي، وطائفة.

وعنه: أبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، وإبراهيم بن موسى السهمي، وآخرون. وتفقه به الإسماعيلي وأهل البلد.

مات سنة إحدى وثلاث مائة.

‌2629 - السمناني

(2)

:

الإمام الحافظ الكبير الصادق، أبو الحسين عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يونس السمناني.

سمع: إسحاق بن راهويه، وهشام بن عمار، وعيسى بن زغبة، ومحمد بن حميد الرازي، وأبا كريب، وبركة الحلبي، وعمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن هاشم البعلبكي، وطبقتهم.

وكان واسع الرحلة، غزير الفضيلة، حسن التصنيف.

روى عنه: علي بن حمشاذ، وأبو عمرو بن مطر، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، ومحمد بن صالح بن هانئ، وأبو عمرو بن حمدان، وآخرون.

قال ابن عدي: بلغني عن صالح بن محمد جزرة: أنه وقف على حلقة أبي الحسين السمناني وهو يروي عن بركة بن محمد الحلبي -يعني: مناكير- فقال صالح: يا أبا الحسين! ليس ذا بركة، ذا نقمة.

قال أبو النضر محمد بن محمد: أنشدنا أبو الحسين عبد الله بن محمد السمناني لنفسه:

ترى المرء يهوى أن تطول حياته

وطول البقا ما ليس يشفي له صدرًا

ولو كان في طول البقاء صلاحنا

إذا لم يكن إبليس أطولنا عمرًا

(1)

ترجمته في تاريخ جرجان للسهمي "91 - 92"، واللباب لابن الأثير "3/ 276".

(2)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 731"، والعبر "2/ 126"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 242".

ص: 119

مات أبو الحسين الحنظلي السمناني: في سنة ثلاث وثلاث مائة.

أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، عن عبد المعز بن محمد: أخبرنا تميم بن أبي سعيد، أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، حدثنا عبد الله ابن محمد السمناني، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا بقية، حدثني يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك من صلاة الجمعة أو غيرها -يعني: ركعة- فقد أدرك الصلاة"

(1)

. صحيح غريب.

(1)

صحيح: أخرجه ابن ماجه "1123" حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، حدثنا بقية بن الوليد، حدثنا يونس بن يزيد الأيلي، به

ص: 120

‌2630 - ابن الجرجرائي

(1)

:

المحدث الحجة، أبو الفضل، جعفر بن أحمد بن محمد بن الصباح الجرجرائي.

حدث ببغداد عن: جده محمد بن الصباح، وعن: بشر بن معاذ العقدي، وأبي مصعب الزهري، وطائفة.

حدث عنه: محمد بن المظفر، وأبو حفص بن الزيات، ومحمد بن الشخير، وآخرون.

وثقه الدارقطني.

توفي سنة تسع وثلاث مائة، وقد قارب التسعين.

‌2631 - المخرمي

(2)

:

المحدث المعمر، أبو إسحاق، إبراهيم ابن المحدث عبد الله بن محمد بن أيوب المخرمي، البغدادي.

حدث عن: عبيد الله بن عمر القواريري، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وطبقتهما.

روى عنه: الإسماعيلي، وأبو حفص الزيات، وعبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، وآخرون.

قال أبو بكر الإسماعيلي: صدوق.

وأما الدارقطني فقال: ليس بثقة، حدث عن: ثقات بأحاديث باطلة.

قلت: توفي سنة أربع وثلاث مائة، في شهر رمضان منها.

وفيها مات إسحاق بن إبراهيم المنجنيقي.

وصاحب المغرب زيادة الله بن الأغلب بالرملة فارًا من المهدي.

وطريف بن عبيد الله الموصلي.

والقاسم بن الليث الرسعني.

ويموت بن المزرع الأخباري.

ويوسف بن الحسين الرازي الزاهد.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 205"، والمنتظم "6/ 160".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "6/ 124"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 139"، والعبر "2/ 127"، وميزان الاعتدال "1/ 41"، ولسان الميزان "1/ 72"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 243".

ص: 120

‌2632 - الساجي

(1)

:

الإمام الثبت الحافظ، محدث البصرة وشيخها ومفتيها، أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن بن بحر بن عدي بن عبد الرحمن بن أبيض بن الديلم بن باسل بن ضبة الضبي، البصري، الشافعي.

سمع: طالوت بن عباد، وأبا الربيع الزهراني، وعبيد الله بن معاذ العنبري، وعبد الواحد ابن غياث، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، ومحمد بن أبي الشوارب، وأبا كامل الجحدري، وموسى بن عمر الجاري، وسليمان بن داود المهري، وهدبة بن خالد القيسي، ومحمد بن موسى الحرشي، ومحمد بن بشار، ووالده يحيى الساجي، وخلقًا بالبصرة. ولم يرحل فيما أحسب.

حدث عنه: أبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، وعبد الله بن محمد بن السقاء الواسطي، وأبو الحسن علي بن إسماعيل المتكلم، ويوسف ابن يعقوب البختري، وأبو القاسم الطبراني، وأبو عمرو بن حمدان، والقاضي يوسف الميانجي وعلي بن لؤلؤ الوراق، وأبو الشيخ بن حيان، وخلق سواهم.

وكان من أئمة الحديث.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "3/ ترجمة 2717"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 727"، والعبر "2/ 134"، وميزان الاعتدال "2/ 79"، ولسان الميزان "2/ 488"، وتهذيب التهذيب "3/ 334"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 250".

ص: 121

أخذ عنه أبو الحسن الأشعري مقالة السلف في الصفات، واعتمد عليها أبو الحسن في عدة تآليف.

وقال الشيخ أبو إسحاق في "طبقات الشافعية": ومنهم زكريا بن يحيى الساجي، أخذ عن الربيع والمزني، وله كتاب "اختلاف العلماء"، وكتاب "علل الحديث".

قلت: وللساجي مصنف جليل في علل الحديث يدل على تبحره وحفظه، ولم تبلغنا أخباره كما في النفس، وقد هم بمن أدخل عليه، فقال الخليلي: سمعت عبد الرحمن بن أحمد الشيرازي الحافظ يقول: سألت ابن عدي عن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن مندة، فقال: كنا بالبصرة عند زكريا الساجي، فقرأ عليه إبراهيم حديثين عن أحمد بن عبد الرحمن ابن وهب، عن عمه، عن مالك، فقلت: هما عن يونس، فأخذ الساجي كتابه، فتأمل وقال لي: هو كما قلت. وقال لإبراهيم: ممن أخذت هذا؟ فأحال على بعض أهل البصرة. قال: علي بصاحب الشرطة حتى أسود وجه هذا. فكلموه حتى عفا عنه، ومزق الكتاب.

مات بالبصرة، سنة سبع وثلاث مائة، وهو في عشر التسعين، رحمه الله.

قرأت على أبي الفضل بن عساكر، عن عبد المعز بن محمد الصوفي، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو عمرو بن أبي جعفر، قال: أخبرنا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي -وما كتبت عنه إلَّا هذا الحديث الواحد- حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا سليم بن حيان، عن حميد بن هلال، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليدفعه، فإن معه شيطانًا"

(1)

. صحيح غريب، تفرد به حميد بن هلال. أخرجه الشيخان من طريق يونس بن عبيد، وسليمان بن المغيرة، عن حميد به.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن: أخبرنا ابن قدامة، وأخبرنا أبو جعفر السلمي، أخبرنا البهاء عبد الرحمن قالا: أخبرنا أبو الفتح بن شاتيل، أخبرنا علي بن أحمد الرزاز، أخبرنا محمد بن علي بن يعقوب القاضي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن السقاء، حدثنا زكريا الساجي، حدثنا محمد بن موسى الحرشي، حدثنا عامر بن يساف اليمامي، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن الحسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة! ألَّا أخبرك بأمر هو حق، من تكلم به بعد الموت فقد نجا"؟ فذكر حديثًا منكرًا، وعامر ضعيف الحديث.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "509"، ومسلم "505".

ص: 122

‌2633 - ابن سريج

(1)

:

الإمام، شيخ الإسلام، فقيه العراقين، أبو العباس، أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، القاضي الشافعي، صاحب المصنفات.

ولد سنة بضع وأربعين ومائتين، وسمع في الحداثة، ولحق أصحاب سفيان بن عيينة، ووكيع. فسمع من: الحسن بن محمد الزعفراني -تلميذ الشافعي- ومن: علي بن إشكاب، وأحمد بن منصور الرمادي، وعباس بن محمد الدوري، وأبي يحيى محمد بن سعيد بن غالب العطار، وعباس بن عبد الله الترقفي، وأبي داود السجستاني، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، والحسن بن مكرم، وحمدان بن علي الوراق، ومحمد بن عمران الصائغ، وأبي عوف البزوري، وعبيد بن شريك البزار، وطبقتهم.

وتفقه بأبي القاسم عثمان بن بشار الأنماطي الشافعي، صاحب المزني، وبه انتشر مذهب الشافعي، ببغداد، وتخرج به الأصحاب.

وحدث عنه: أبو القاسم الطبراني، وأبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، وأبو أحمد بن الغطريف الجرجاني، وغيرهم.

يقع لي من عالي روايته في جزء الغطريفي.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم: أنبأنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا علي بن عبد السلام، أخبرنا الإمام أبو إسحاق في "طبقات الفقهاء" قال: كان يقال لابن سريج: الباز الأشهب. ولي القضاء بشيراز، وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي، حتى على المزني. وإن فهرست كتبه كان يشتمل على أربع مائة مصنف، وكان الشيخ أبو حامد الإسفراييني يقول: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون دقائقه. تفقه على أبي القاسم الأنماطي، وأخذ عنه خلق، ومنه انتشر المذهب.

وقال أبو علي بن خيران: سمعت أبا العباس بن سريج يقول: رأيت كأنما مطرنا كبريتًا أحمر، فملأت أكمامي وحجري، فعبر لي: أن أرزق علمًا عزيزًا كعزة الكبريت الأحمر.

وقال أبو الوليد الفقيه: سمعت ابن سريج يقول: قل ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح، يفوته الفقه ولا يصل إلى معرفة الكلام.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 287"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 149"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 21"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 798"، والعبر "2/ 132"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 194"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 247".

ص: 123

وقال الحاكم: سمعت حسان بن محمد يقول: كنا في مجلس ابن سريج سنة ثلاث وثلاث مائة، فقام إليه شيخ من أهل العلم فقال: أبشر أيها القاضي، فإن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد -يعني: للأمة- أمر دينها، وإن الله تعالى بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وبعث على رأس المائتين محمد بن إدريس الشافعي، وبعثك على رأس الثلاث مائة، ثم أنشأ يقول:

اثنان قد ذهبا فبورك فيهما

عمر الخليفة ثم حلف السؤدد

الشافعي الألمعي محمد

إرث النبوة وابن عم محمد

أبشر أبا العباس إنك ثالث

من بعدهم سقيًا لتربة أحمد

قال: فصاح أبو العباس، وبكى، وقال: لقد نعى إلي نفسي. قال حسان الفقيه: فمات القاضي أبو العباس تلك السنة.

قلت: وقد كان على رأس الأربع مائة الشيخ أبو حامد الإسفراييني، وعلى رأس الخمس مائة أبو حامد الغزالي، وعلى رأس الست مائة الحافظ عبد الغني، وعلى رأس السبع مائة شيخنا أبو الفتح ابن دقيق العيد.

وإن جعلت "من يجدد" لفظًا يصدق على جماعة -وهو أقوى- فيكون على رأس المائة: عمر بن عبد العزيز خليفة الوقت، والقاسم بن محمد، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وأبو قلابة، وطائفة. وعلى رأس المائتين مع الشافعي: يزيد ابن هارون، وأبو داود الطيالسي، وأشهب الفقيه، وعدة. وعلى رأس الثلاث مائة مع ابن سريج: أبو عبد الرحمن النسائي، والحسن بن سفيان، وطائفة.

وممن مات في سنة ست مسند بغداد أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وشيخ الصوفية أبو عبد الله ابن الجلاء أحمد بن يحيى بالشام، والمحدث حاجب بن أركين الفرغاني، والحافظ عبدان بن أحمد بن موسى الأهوازي، والمحدث علي ابن إسحاق بن زاطيا المخرمي، والقاضي محمد بن خلف وكيع الأخباري، ومحدث قزوين أبو عبد الله محمد بن مسعود بن الحارث الأسدي، ومفتي الشافعية بمصر أبو الحسن منصور بن إسماعيل الضرير.

أخبرنا أبو محمد بن أبي عمر إذنًا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا أحمد بن محمد، ومحمد بن عبد الباقي قالا: أخبرنا طاهر ابن عبد الله، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد،

ص: 124

حدثنا أبو العباس بن سريج، حدثنا علي بن إشكاب، حدثنا أبو بدر، حدثنا عمر بن ذر، حدثنا أبو الرصافة الباهلي من أهل الشام: أن أبا أمامة حدث عن رسول الله، قال:"ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة فيتوضأ عندها، فيحسن الوضوء، ثم يصلي فيحسن الصلاة إلَّا غفر الله له بها ما كان بينها وبين الصلاة التي كانت قبلها من ذنوبه"

(1)

.

وبه: حدثنا ابن سريج: حدثنا الزعفراني، حدثنا وكيع، حدثنا الثوري، عن ربيعة الرأي، عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة؟ فقال: "عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فاستنفقها"

(2)

.

(1)

صحيح لغيره: أخرجه أحمد "5/ 260" حدثنا روح، حدثنا عمر بن ذر، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو الرصافة الباهلي، فإنه مجهول، لكن للحديث شاهد عن عثمان قال: والله لأحدثكم حديثا والله لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها".

أخرجه البخاري "160"، ومسلم "227" "6" من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب: ولكن عروة يحدث عن حمران أنه قال: فلما توضأ عثمان قال: فذكره.

وقال عروة: الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} [البقرة: 159]، واللفظ لمسلم.

(2)

صحيح على شرط الشيخين: أخرجه مالك "2/ 757"، ومن طريق مالك أخرجه الشافعي "2/ 137"، والبخاري "2372" و"2429"، ومسلم "1722"، وأبو داود "1705"، والطحاوي "4/ 134" وابن الجارود "666"، والطبراني في "الكبير""5250"، والبيهقي "6/ 185 و 186 و 192"، والبغوي "2207" عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة؟ فقال: اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها، وإلا فشأنك بها" قال: فضالة الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب. قال: فضالة الإبل؟ قال: مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها" واللفظ لمسلم.

وأخرجه عبد الرزاق "18602"، والحميدي "816"، وابن أبي شيبة "6/ 456"، وأحمد "4/ 117"، والبخاري "91" و"2427"، "2428"، و"2436" و"2438" و"6112"، ومسلم "1722"، وأبو داود "1704"، والترمذي "1372"، والطحاوي "4/ 134"، وابن الجارود "667"، والطبراني "5249" و"5252" و"5253" و"5257"، والدارقطني "4/ 235 و 236"، والبيهقي "6/ 185 و 189 و 192 و 197"، والبغوي "2208" من طرق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، به.

وقوله: اعرف عفاصها: العفاص: هو الوعاء الذي يكون فيه النفقة، إن كان من جلد أو من خرقة أو غير ذلك.

والوكاء: يعني الخيط الذي تشد به.

ص: 125

‌2634 - ابن مقبل

(1)

:

الحافظ الإمام، أبو محمد، بكر بن أحمد بن مقبل الهاشمي مولاهم البصري.

يروي عن: عبد الله بن معاوية الجمحي، وأبي حفص الفلاس، وبندار، وعبد الملك بن هوذة بن خليفة، وطبقتهم.

وعنه: أبو القاسم الطبراني، وجماعة.

توفي سنة إحدى وثلاث مائة في رمضان.

‌2635 - ابن الحداد

(2)

:

الإمام، شيخ المالكية، أبو عثمان، سعيد بن محمد بن صبيح بن الحداد المغربي، صاحب سحنون، وهو أحد المجتهدين، وكان بحرًا في الفروع، ورأسًا في لسان العرب، بصيرًا بالسنن.

وكان يذم التقليد ويقول: هو من نقص العقول، أو دناءة الهمم.

ويقول: ما للعالم وملاءمة المضاجع.

وكان يقول: دليل الضبط الإقلال، ودليل التقصير الإكثار.

وكان من رؤوس السنة.

قال ابن حارث: له مقامات كريمة، ومواقف محمودة في الدفع عن الإسلام، والذب عن السنة، ناظر فيها أبا العباس المعجوقي أخا أبي عبد الله الشيعي الداعي إلى دولة عبيد الله، فتكلم ابن الحداد ولم يخف سطوة سلطانهم، حتى قال له: ولده أبو محمد: يا أبة! اتق الله في نفسك ولا تبالغ. قال: حسبي من له غضبت، وعن دينه ذببت.

وله مع شيخ المعتزلة الفراء مناظرات بالقيروان، رجع بها عدد من المبتدعة.

وقيل: إنه صنف في الرد على "المدونة" وألف أشياء.

قال أبو بكر بن اللباد: بينا سعيد بن الحداد جالس أتاه رسول عبيد الله -يعني: المهدي - قال: فأتيته وأبو جعفر البغدادي واقف، فتكلمت بما حضرني، فقال: اجلس. فجلست،

(1)

ترجمته في العبر "2/ 118"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 234".

(2)

ترجمته في العبر "2/ 122"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "15/ 179 و 256"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 238".

ص: 126

فإذا بكتاب لطيف، فقال لأبي جعفر: اعرض الكتاب على الشيخ. فإذا حديث غدير خم

(1)

. قلت: وهو صحيح، وقد رويناه.

فقال عبيد الله: فما للناس لا يكونون عبيدنا؟ قلت: أعز الله السيد، لم يرد ولاية الرق، بل ولاية الدين. قال: هل من شاهد؟ قلت قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّه} [آل عمران: 79]، فما لم يكن لنبي الله لم يكن لغيره. قال: انصرف لا ينالك الحر. فتبعني البغدادي، فقال: اكتم هذا المجلس.

وقال موسى بن عبد الرحمن القطان: لو سمعتم سعيد بن الحداد في تلك المحافل -يعني: مناظرته للشيعي- وقد اجتمع له جهارة الصوت، وفخامة المنطق، وفصاحة اللسان، وصواب المعاني، لتمنيتم أن لا يسكت.

وقيل: إن ابن الحداد تحول شافعيًا من غير تقليد، ولا يعتقد مسألة إلَّا بحجة. وكان حسن البزة، لكنه كان يتقوت باليسير، ولم يحج، وكان كثير الرد على الكوفيين.

وقيل: إنه سار لتلقي أبي عبد الله الشيعي، فقال له: يا شيخ! بم كنت تقضي؟ فقال إبراهيم بن يونس: بالكتاب والسنة. قال: فما السنة؟ قال: السنة السنة. قال ابن الحداد: فقلت للشيعي: المجلس مشترك أم خاص؟ قال: مشترك. فقلت: أصل السنة في كلام العرب المثال، قال الشاعر:

تريك سنة وجه غير مقرفة

ملساء ليس بها خال ولا ندب

أي صورة وجه ومثاله. والسنة محصورة في ثلاث: الائتمار بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه، والائتساء بما فعل. فقال الشيعي: فإن اختلف عليك النقل، وجاءت السنة من طرق؟ قلت: أنظر إلى أصح الخبرين، كشهود عدول اختلفوا في شهادة. قال: فلو استووا في الثبات؟ قلت: يكون أحدهما ناسخًا للآخر. قال: فمن أين قلتم بالقياس؟ قلت من كتاب الله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم} [المائدة: 95]، فالصيد معلومة عينه، فالجزاء أمرنا أن نمثله بشيء من النعم، ومثله في تثبيت القياس:{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَه} [النساء: 83]، والاستنباط غير منصوص. ثم عطف على موسى القطان فقال: أين وجدتم

(1)

وهو حديث: "من كنت مولاه فعلى مولاه"، وهو حديث صحيح أخرجه أحمد "2/ 372" بإسناده عن زيد بن أرقم، به. وقد سبق تخريجنا له في ترجمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ص: 127

حد الخمر في كتاب الله، تقول: اضربوه بالأردية وبالأيدي ثم بالجريد؟

(1)

فقلت أنا: إنما حد قياسًا على حد القاذف، لأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فأوجب عليه ما يؤول إليه أمره. قال: أولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأقضاكم علي .. " فساق له موسى تمامه وهو: "وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ، وأرأفكم أبو بكر، وأشدكم في دين الله عمر"

(2)

. قال: كيف يكون أشدهم وقد هرب بالراية يوم خيبر؟ قال: موسى: ما سمعنا بهذا. فقلت: إنما تحيز إلى فئة فليس بفار.

وقال في: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]، إنما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن حزنه لأنه كان مسخوطًا. قلت: لم يكن قوله إلَّا تبشيرًا بأنه آمن على رسول الله وعلى نفسه، فقال أين نظير ما قلت؟ قلت: قوله لموسى وهارون: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]، فلم يكن خوفهما من فرعون خوفًا بسخط الله.

ثم قال: يا أهل البلدة: إنكم تبغضون عليًا؟ قلت: على مبغضه لعنة الله. فقال: صلى الله عليه. قلت: نعم، ورفعت صوتي: صلى الله عليه وسلم، لأن الصلاة في خطاب العرب الرحمة والدعاء، قال: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى"؟ قلت: نعم، إلَّا أنه، قال:"إلَّا أنه لا نبي بعدي"

(3)

. وهارون كان حجة في

(1)

ورد ذلك من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين" أخرجه البخاري "6773"، ومسلم "1706" "36" من طريق هشام، عن قتادة عن أنس، به واللفظ للبخاري.

(2)

ورد عن أنس مرفوعا: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبي، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح". أخرجه ابن أبي شيبة "12/ 8"، وابن سعد "3/ 499 و 586" و"7/ 388"، وأحمد "3/ 184"، والترمذي "3791"، والنسائي في "الكبرى""8287" وابن ماجه "154، 155"، وابن حبان "2218" و"2219"، والحاكم "3/ 422"، والطحاوي في "مشكل الآثار""1/ 351"، وأبو نعيم "3/ 122"، وابن أبي عاصم، "1281" و"1282"، والبيهقي "6/ 210"، والبغوي "3930"، والضياء في "المختارة""2241" من طريق خالد الحذاء، عن أبي قلابة عن أنس، به.

وأخرجه الترمذي "3790"، وابن أبي عاصم "1252" و"1283" من طريق قتادة، عن أنس، به.

وهو حديث صحيح على شرط الشيخين.

(3)

صحيح: أخرجه من طرق عن سعد بن أبي وقاص: أحمد "1/ 173 و 175 و 184 و 185" والبخاري "3706"، ومسلم "2404"، والترمذي "3724"، وابن ماجه "115" و"121"، وابن أبي عاصم في "السنة""1335" و"1336" و"1338" و"1342" و"1343"، والحاكم "3/ 108 - 109".

ص: 128

حياة موسى، وعلي لم يكن حجة في حياة النبي، وهارون فكان شريكًا، أفكان علي شريكًا للنبي صلى الله عليه وسلم في النبوة؟! وإنما أراد التقريب والوزارة والولاية. قال: أوليس هو أفضل؟ قلت: أليس الحق متفقًا عليه؟ قال: نعم. قلت: قد ملكت مدائن قبل مدينتنا، وهي أعظم مدينة، واستفاض عنك أنك لم تكره أحدًا على مذهبك، فاسلك بنا مسلك غيرنا ونهضنا.

قال ابن الحداد: ودخلت يومًا على أبي العباس، فأجلسني معه في مكانه وهو يقول لرجل: أليس المتعلم محتاجًا إلى المعلم أبدًا؟ فعرفت أنه يريد الطعن على الصديق في سؤاله عن فرض الجدة، فبدرت وقلت: المتعلم قد يكون أعلم من المعلم وأفقه وأفضل لقوله عليه السلام: "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه

"

(1)

. ثم معلم الصغار القرآن يكبر أحدهم ثم يصير أعلم من المعلم. قال: فاذكر من عام القرآن وخاصه شيئًا؟ قلت: قال: تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَات} [البقرة: 221]، فاحتمل المراد بها العام، فقال تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُم} [المائدة: 5]، فعلمنا أن مراده بالآية الأولى خاص، أراد: ولا تنكحوا المشركات غير الكتابيات من قبلكم حتى يؤمن. قال: ومن هن المحصنات؟ قلت: العفائف. قال: بل المتزوجات. قلت: الإحصان في اللغة: الإحراز، فمن أحرز شيئًا فقد أحصنه، والعتق يحصن المملوك لأنه يحرزه عن أن يجري عليه ما على المماليك، والتزويج يحصن الفرج لأنه أحرزه عن أن يكون مباحًا، والعفاف إحصان للفرج. قال: ما عندي الإحصان إلَّا التزويج. قلت له: منزل القرآن يأبى ذلك، قال:{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم: 12]، أي: أعفته، وقال {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَات} [النساء: 25]، عفائف. قال: فقد قال في الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25]، وهن عندك قد يكن عفائف. قلت: سماهن بمتقدم إحصانهن قبل زناهن، قال تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُم} [النساء: 12]، وقد انقطعت العصمة بالموت، يريد اللاتي كن

(1)

صحيح: أخرجه الشافعي "1/ 14"، والترمذي "2658"، من حديث ابن مسعود مرفوعا "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".

وهو حديث متواتر. وورد عن زيد بن ثابت: عند أحمد "5/ 183"، وأبي داود "3660"، والترمذي "2656"، وابن ماجه "230"، والدارمي "1/ 75".

وورد عن جبير بن مطعم: عند أحمد "4/ 80"، وابن ماجه "231"، والدارمي "1/ 74 و 75".

وورد عن أبي الدرداء: عند الدارمي "1/ 75 - 76".

وورد عن أنس بن مالك: عند أحمد "3/ 225"، وابن ماجه "236".

ص: 129

أزواجكم. قال: يا شيخ! أنت تلوذ. قلت: لست ألوذ، أنا المجيب لك، وأنت الذي تلوذ بمسألة أخرى، وصحت ألا أحد يكتب ما أقول وتقول. قال: فوقى الله شره. وقال: كأنك تقول: أنا أعلم الناس. قلت: أما بديني فنعم. قال: فما تحتاج إلى زيادة فيه؟ قلت: لا. قال: فأنت إذًا أعلم من موسى إذ يقول: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} [الكهف: 66]، قال: هذا طعن على نبوة موسى، موسى ما كان محتاجًا إليه في دينه، كلا، إنما كان العلم الذي عند الخضر دنياويًا: سفينة خرقها، وغلامًا قتله، وجدارًا أقامه، وذلك كله لا يزيد في دين موسى. قال: فأنا أسألك. قلت: أورد وعلي الإصدار بالحق بلا مثنوية. قال: ما تفسير الله؟ قلت: ذو الإلهية. قال: وما هي؟ قلت: الربوبية. قال: وما الربوبية؟ قلت: المالك الأشياء كلها. قال: فقريش في جاهليتها كانت تعرف الله؟ قلت: لا. قال: فقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه} [الزمر: 3]، قلت: لما أشركوا معه غيره قالوا: وإنما يعرف الله من قال: إنه لا شريك له. وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 1 - 2]، فلو كانوا يعبدونه ما قال:{لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} . إلى أن قال: فقلت: المشركون عبدة الأصنام الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم عليًا ليقرأ عليهم سورة براءة. قال: وما الأصنام؟ قلت: الحجارة. قال: والحجارة أتعبد؟ قلت: نعم، والعزى كانت تعبد وهي شجرة، والشعري كانت تعبد وهي نجم، قال: فالله يقول: {أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} [يونس: 35]، فكيف تقول: إنها الحجارة؟ والحجارة لا تهتدي إذا هديت، لأنها ليست من ذوات العقول. قلت: أخبرنا الله أن الجلود تنطق وليست بذوات عقول، قال: نسب إليها النطق مجازًا. قلت: منزل القرآن يأبى ذلك، فقال:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِم} [يس: 65]، إلى أن قال:{قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21]، وما الفرق بين جسمنا والحجارة؟ ولو لم يعقلنا لم نعقل، وكذا الحجارة إذا شاء أن تعقل عقلت.

وقيل: لم ير أغزر دمعة من سعيد بن الحداد، وكان قد صحب النساك، وكان مقلا حتى مات أخ له بصقلية، فورث منه أربع مائة دينار، فبنى منها داره بمائتي دينار، واكتسى بخمسين دينارًا. وكان كريمًا حليمًا.

روى عنه ولده، أبو محمد، عبد الله شيخ ابن أبي زيد.

وكان يقول: القرب من السلطان في غير هذا الوقت حتف من الحتوف، فكيف اليوم؟

ص: 130

وقال: من طالت صحبته للدنيا وللناس فقد ثقل ظهره. خاب السالون عن الله، المتنعمون بالدنيا. من تحبب إلى العباد بالمعاصي بغضه الله إليهم.

وقال: لا تعدلن بالوحدة شيئًا، فقد صار الناس ذئابًا.

وقال: ما صد عن الله مثل طلب المحامد، وطلب الرفعة.

وله:

بعد سبعين حجة وثمان

قد توفيتها من الأزمان

يا خليلي قد دنا الموت مني

فابكياني -هديتما- وانعياني

قال القاضي عياض: مات أبو عثمان سنة اثنتين وثلاث مائة، وله ثلاث وثمانون سنة، رحمه الله.

ص: 131

‌2636 - حماس:

العلامة المفتي القاضي، أبو القاسم، حماس بن مروان بن سماك الهمداني المغربي.

اختلف في صغره إلى سحنون، وكان عادلًا في حكمه، بصيرًا بالفقه، علامة، وكان الإمام يحيى بن عمر يثني على حماس ويطريه.

وقال ابن حارث: كان معدودًا في العباد، صاحب تهجد وصيام، ولبس صوف، مع الفقه البارع.

وقال أبو العرب: سمع من سحنون، وابن عبدوس وغيرهما.

قيل: إنه قام من الليل، فوجد ولديه والعجوز والخادم يتهجدون، فسر بذلك.

ويؤثر عنه حكايات في زهده وقنوعه.

توفي سنة اثنتين وثلاث مائة أيضًا، بإفريقية.

‌2637 - ابن البردون:

الإمام الشهيد المفتي، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن البردون الضبي مولاهم، الإفريقي، المالكي، تلميذ أبي عثمان بن الحداد.

قال القاضي عياض: كان يقول إني أتكلم في تسعة أعشار قياس العلم.

ص: 131

وكان مناقضًا للعراقيين، فدارت عليه دوائر في أيام عبيد الله، وضرب بالسياط، ثم سعوا به عند دخول الشيعي إلى القيروان، وكانت الشيعة تميل إلى العراقيين لموافقتهم لهم في مسألة التفضيل ورخصة مذهبهم، فرفعوا إلى أبي عبد الله الشيعي: أن ابن البردون وأبا بكر ابن هذيل يطعنان في دولتهم، ولا يفضلان عليًا. فحبسهما، ثم أمر متولي القيروان أن يضرب ابن هذيل خمس مائة سوط، ويضرب عنق ابن البردون، فغلط المتولي فقتل ابن هذيل، وضرب ابن البردون، ثم قتله من الغد.

وقيل لابن البردون لما جرد للقتل: أترجع عن مذهبك؟ قال: أعن الإسلام أرجع؟ ثم صلبا في سنة تسع وتسعين ومائتين. وأمر الشيعي الخبيث أن لا يفتى بمذهب مالك، ولا يفتى إلَّا بمذهب أهل البيت، ويرون إسقاط طلاق البتة، فبقي من يتفقه لمالك إنما يتفقه خفية.

قال الحسين بن سعيد الخراط: كان ابن البردون بارعًا في العلم، يذهب مذهب النظر، لم يكن في شباب عصره أقوى على الجدل وإقامة الحجة منه. سمع من عيسى بن مسكين، ويحيى بن عمر، وجماعة. ولما أتي به إلى ابن أبي خنزير، وقف، فقال له: يا خنزير. فقال ابن البردون: الخنازير معروفة بأنيابها. فغضب وضرب عنقه.

وقال محمد بن خراسان: لما وصل عبيد الله إلى رقادة، طلب من القيروان ابن البردون، وابن هذيل، فأتياه وهو على السرير، وعن يمينه أبو عبد الله الشيعي، وأخوه أبو العباس عن يساره، فقال: أتشهدان أن هذا رسول الله؟ فقالا بلفظ واحد: والله لو جاءنا هذا والشمس عن يمينه والقمر عن يساره يقولان: إنه رسول الله، ما قلنا ذلك. فأمر بذبحهما.

ص: 132

‌2638 - ابن خيرون:

الإمام أبو جعفر، محمد بن خيرون المعافري مولاهم القرطبي.

قال بعضهم: كنت جالسًا عند ابن أبي خنزير فدخل شيخ ذو هيئة وخشوع، فبكى ابن أبي خنزير وقال: السلطان -يعني: عبيد الله- وجه إلي يأمرني بدوس هذا حتى يموت. ثم بطحه، وقفز عليه السودان حتى مات، لجهاده وبغضه لعبيد الله وجنده.

وكان سعى به المروذي اللعين، ولما رأى ابن أبي خنزير كثرة أذاه للعلماء، تحيل وسعى به، حتى قتله عبيد الله سنة ثلاث مائة، أو بعدها، فيا ما لقي الإسلام وأهله من عبيد الله المهدي الزنديق!

ص: 132

‌2639 - الحصيري

(1)

:

الحافظ، الحجة القدوة، أبو محمد، جعفر بن أحمد بن نصر النيسابوري المعروف بالحصيري، أحد الأعلام.

سمع من: إسحاق بن راهويه، وأبي مصعب الزهري، وإسماعيل بن موسى السدي، وأبي مروان العثماني، وأبي كريب، وابن أبي عمر العدني، ومحمد بن رافع، والذهلي، وخلائق.

روى عنه الحفاظ: أبو علي، وعبد الله بن سعد، ومحمد بن إبراهيم، وأبو حامد بن الشرقي، وأحمد بن الخضر، وإسماعيل ابن نجيد، وآخرون خاتمتهم أبو عمرو بن حمدان.

قرأت على محمد بن عبد السلام التميمي، عن عبد المعز بن محمد: أخبرنا أبو القاسم المستملي، وتميم بن أبي سعيد، قالا: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الأديب، أخبرنا محمد ابن أحمد بن حمدان، أخبرنا جعفر بن أحمد الحافظ، حدثنا محمد بن رافع، حدثنا شبابة، حدثني ورقاء، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون، قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله"

(2)

.

قال الحاكم في "تاريخه": الحصيري ركن من أركان الحديث في الحفظ، والإتقان، والورع، سمع منه أخي محمد الكثير، وهو جده.

وسمعت أحمد بن الخضر الشافعي يقول: لما ورد أبو علي عبد الله بن محمد البلخي، عجز الناس عن مذاكرته لحفظه، فذاكر جعفر بن أحمد بأحاديث التمتع والحج، والإفراد، والقران، فكان يسرد، فقال له جعفر: تحفظ عن سليمان التيمي، عن أنس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى بحجة وعمرة معًا"

(3)

؟ قال: فبقي "واقفًا" وجعل يقول: التيمي عن أنس

فقال جعفر: حدثناه يحيى بن حبيب بن عربي: حدثنا معتمر، عن أبيه.

قال الحاكم: قال لي محمد بن أحمد السكري -سبط جعفر: كان جدي قد جزأ الليل

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 723"، والعبر "2/ 126"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 188"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 242".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "3609"، ومسلم "157""74"، وأبو داود "4333"، والترمذي "2218".

(3)

صحيح: أخرجه مسلم "1251"، وأبو داود "1795".

ص: 133

ثلاثة أجزاء: ثلثًا يصلي، وثلثًا يصنف، وثلثًا ينام، وكان مرضه ثلاثة أيام، لا يفتر عن قراءة القرآن.

وسمعت أبا الحسن الشافعي يقول: كان أبو عمرو الخفاف حفظه أكثر من فهمه، وكان لا يقبل ممن يرد عليه غير جعفر الحافظ، فإنه كان يرجع إلى قوله.

وسمعت أحمد بن الخضر: سمعت جعفر بن أحمد يقول: كنا في مجلس محمد بن رافع تحت شجرة يقرأ علينا، وكان إذا رفع أحد صوته، أو تبسم قام ولا يراجع، فوقع ذرق طير على يدي وكتابي، فضحك خادم لأولاد طاهر بن عبد الله الأمير، فنظر إليه ابن رافع، فوضع الكتاب، فانتهى الخبر إلى السلطان، فجاءني الخادم ومعه حمال على ظهره نبت سامان، فقال: والله ما أملك إلَّا هذا، وهو هدية لك، فإن سئلت عني فقل: لا أدري من تبسم. فقلت: أفعل. فلما كان الغد حملت إلى باب السلطان. فبرأت الخادم، ثم بعت السامان بثلاثين دينارًا، واستعنت بذلك على الخروج إلى العراق، فلقبت بالحصري، وما بعت حصرًا ولا آبائي.

قال الحاكم: توفي الحصيري سنة ثلاث وثلاث مائة.

ص: 134

‌2640 - الخياط

(1)

:

شيخ المعتزلة البغداديين، له الذكاء المفرط، والتصانيف المهذبة، وكان قد طلب الحديث، وكتب عن يوسف بن موسى القطان وطبقته.

وهو أبو الحسين، عبد الرحيم بن محمد بن عثمان.

وكان من بحور العلم، له جلالة عجيبة عند المعتزلة، وهو من نظراء الجبائي.

صنف كتاب "الاستدلال" ونقض كتاب ابن الراوندي في فضائح المعتزلة، وكتاب "نقض نعت الحكمة" وكتاب "الرد على من قال بالأسباب" وغير ذلك.

لا أعرف وفاته.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 87"، ولسان الميزان "4/ 8 - 9".

ص: 134

‌2641 - محمد بن محمد بن عقبة

(1)

:

ابن الوليد، الإمام الأوحد، أبو جعفر الشيباني الكوفي.

سمع: أبا كريب، والحسن بن علي الحلواني، وطبقتهما.

وعنه: الطبراني، وأبو عمرو بن حمدان، وابن المقرئ، والميانجي، وآخرون.

وكان كبير الشأن، ثقة، نافذ الكلمة، كثير النفع، انتاب الناس قبره نحو السنة، وعاش تسعًا وثمانين سنة.

توفي سنة تسع وثلاث مائة.

‌2642 - شكر

(2)

:

الإمام العالم، الحافظ المتقن، أبو عبد الرحمن، وأبو جعفر محمد بن المنذر بن سعيد بن عثمان بن رجاء بن عبد الله بن الصحابي العباس بن مرداس السلمي الهروي، شكر الحافظ.

سمع: محمد بن رافع القشيري، وعلي بن خشرم، وعمر بن شبة، وعلي بن حرب، وأحمد بن منصور الرمادي، وأحمد بن عيسى المصري، وخلقًا كثيرًا.

وكان واسع الرواية، جيد التصنيف.

حدث عنه: أبو الوليد حسان بن محمد، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو بكر أحمد بن علي، وأبو عمر محمد بن جعفر بن مطر، ويحيى بن منصور، وآخرون.

قال الحاكم: حدث شكر بمرو، وطوس، وسرخس، ومرو الروذ، وبخارى ونيسابور حدث بها في سنة سبع وتسعين ومائتين.

ومات شكر في أحد الربيعين سنة ثلاث وثلاث مائة، وقيل: بل مات: في سنة اثنتين وثلاث مائة.

وأظنه يسافر في التجارة أيضًا.

(1)

ترجمته في الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "1/ 99".

(2)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 749"، والعبر "2/ 2/ 126"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "5/ 67"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 242".

ص: 135

‌2643 - السراج

(1)

:

الإمام الثقة المسند، أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن أبان بن ميمون البغدادي السراج.

سمع: يحيى الحماني، والحكم بن موسى، وعبيد الله القواريري، وعدة.

وعنه: علي بن لؤلؤ، وأبو حفص الزيات، ومحمد بن زيد الأنصاري، وآخرون.

توفي سنة ست وثلاث مائة. وقيل: سنة خمس.

‌2644 - المهلبي

(2)

:

الإمام الحافظ المفيد الثبت، أبو محمد عبد الرحمن بن عبد المؤمن بن خالد المهلبي الأزدي الجرجاني، عالم جرجان.

سمع: محمد بن زنبور المكي، ومحمد بن حميد الرازي، وإبراهيم بن موسى الوزدولي، وإسماعيل بن إبراهيم الجرزي، وخلقًا كثيرًا في الرحلة.

حدث عنه: أحمد بن أبي عمران، وأبو الحسن القصري، وعبد الله بن عدي، وأبو أحمد الغطريفي، وأبو بكر الإسماعيلي، والجرجانيون.

وكان خالد -جده- من كبار الأمراء والأعيان، وهو خالد بن يزيد بن عبد الله بن المهلب ابن عيينة بن الأمير المهلب بن أبي صفرة.

أثنى على أبي محمد أبو بكر الإسماعيلي وغيره، وكان مقدمًا في العلم والعمل.

وقال ابن ماكولا: كان ثقة، يعرف الحديث. ثم قال: توفي في سلخ المحرم سنة تسع وثلاث مائة.

قلت: لعله توفي في عشر التسعين.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "1/ 401"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 146"، والعبر "2/ 130"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 246".

(2)

ترجمته في تاريخ جرجان للسهمي "213 - 214"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 758"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 258".

ص: 136

‌2645 - تكين

(1)

:

الأمير، أبو منصور التركي الخزري -بخاء ثم زاي معجمتين.

ولي إمرة ديار مصر للمقتدر بعد عيسى النوشري، وكان ملكًا سائسًا مهيبًا، كبير الشأن، قدم على مصر في شوال سنة سبع وتسعين ومائتين، وتهيأ لأمر المغرب وظهور دعاة الشيعة هناك، واهتم لذلك، وعقد لأبي النمر على برقة في جيش كثيف، ثم عزله بالأمير خير، فالتقوا فانهزم المصريون، ثم كتب تكين إلى عامل إفريقية يدعوه إلى الطاعة سنة ثلاث مائة.

ثم أقبل حباسة في مائة ألف، فأخذ الإسكندرية سنة اثنتين وثلاث مائة، وأقبل من العراق القاسم بن سيماء مددا لتكين، وقدم أحمد بن كيغلغ وأمراء، ثم التقى الجمعان، واستحر القتل بالمغاربة، وانهزم حباسة، وكان المصاف بالجيزة، ثم خرج كمين لحباسة، ومالوا على المصريين، فقتل نحو عشرة آلاف، ثم أصبحوا على المصاف والسيف يعمل، وقاتلت العوام قتال الحريم وكانت وقعة مشهودة.

ثم أقبل مؤنس الخادم في جيوشه من بغداد إلى مصر، فعزل تكين في ذي القعدة، سنة اثنتين وثلاث مائة.

ثم في صفر سنة ثلاث ولي إمرة مصر ذه الرومي الأعور، ورجعت المغاربة إلى إفريقية.

ثم عاد تكين إلى ولاية مصر سنة سبع، ثم عزل سنة تسع ثم أعيد مرات، وقل أن سمع بمثل هذا.

ثم بقي تكين على إمرة مصر أعوامًا إلى أن مات في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة.

‌2646 - القزويني:

الإمام المحدث المتقن، عالم قزوين، أبو عبد الله محمد بن مسعود ابن الحارث الأسدي القزويني.

سمع: عمرو بن رافع، ويوسف بن حمدان، وإسماعيل بن توبة، وسهل بن زنجلة، وابن حميد، والحسن بن علي الحلواني، وعبد الله بن عمران العابدي، وهارون بن هزاري، وعبد السلام بن عاصم، وعدة.

وله رحلة ومعرفة، لقي بالكوفة إسماعيل سبط السدي، وبالمدينة أبا مصعب الزهري، وجمع فأوعى.

كتب عنه: علي بن مهرويه، وابن سلمة القطان، وعلي بن عمر الصيدناني، وعبد العزيز ابن ماك، وعلي بن أحمد بن صالح. وكان عند أبي عبد الله بن إسحاق عنه ستة أحاديث.

وثقه الخليلي وأثنى عليه، ثم قال: توفي سنة ست وثلاث مائة.

قلت: لعلة من أبناء التسعين.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 62"، والعبر "2/ 186"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 171".

ص: 137

‌2647 - ابن حبيب:

شيخ المالكية بإفريقية، العلامة قاضي أطرابلس الغرب، أبو الأسود، موسى بن عبد الرحمن بن حبيب الإفريقي القطان المالكي.

أخذ عن: محمد بن سحنون، وشجرة بن عيسى، وغيرهما.

روى عنه: تميم بن أبي العرب، وأبو محمد بن مسرور، وجماعة.

توفي في ذي القعدة سنة ست وثلاث مائة وكان من أوعية العلم والفقه.

‌2648 - الأشناني

(1)

:

الإمام، شيخ القراء ببغداد، أبو العباس أحمد بن سهل بن الفيرزان الأشناني، صاحب عبيد بن الصباح.

تلا على: عبيد، ثم من بعده على جماعة من تلامذة عمرو بن الصباح، وبرع في علم الأداء، وعمر دهرًا. وحدث عن: بشر ابن الوليد الكندي، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، وطائفة.

تلا عليه خلق، منهم: أبو بكر بن مقسم، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وعلي بن محمد ابن صالح الهاشمي، وابن زياد النقاش، والحسن بن سعيد المطوعي، وإبراهيم بن أحمد الخرقي.

وممن زعم أنه تلا على الأشناني: أبو أحمد السامري، وعلي بن الحسين الغضائري، وعبد القدوس بن محمد، وأحمد بن محمد بن سويد المعلم، وثلاثتهم انفرد بذكرهم أبو علي الأهوازي، فالله أعلم.

وقد حدث عنه: عبد العزيز الخرقي، ومحمد بن علي بن سويد.

وثقه الدارقطني.

قال ابن أبي هاشم: قرأت القرآن كله على الأشناني، وكان خيرًا، فاضلًا، ضابطًا، وقال لي: قرأت على عبيد بن الصباح.

قال أبو علي الأهوازي: قطع الأشناني الإقراء قبل موته بعشر سنين. هكذا قال الأهوازي: فإن صح ذلك فأين قول أبي أحمد والغضائري: إنهم قرأوا عليه؟! فقبح الله الكذب وذويه.

مات الأشناني في المحرم، سنة سبع وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 185"، والعبر "2/ 133"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "6/ 407"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 250".

ص: 138

‌2649 - ابن أبي الدميك

(1)

:

الشيخ العالم الصادق، أبو العباس محمد بن طاهر بن خالد بن أبي الدميك البغدادي.

سمع: علي بن المديني، وعبيد الله العيشي، وإبراهيم بن زياد سبلان.

حدث عنه: جعفر الخلدي، ومخلد بن جعفر الباقرحي، ومحمد بن المظفر.

وثقه الخطيب وقال: مات في جمادى الآخرة سنة خمس وثلاث مائة.

فيها مات أبو محمد أحمد بن إبراهيم بن عبد الله النيسابوري، سبط القاضي نصر بن زياد، قرأ "المسند" على ابن راهويه.

وشيخ النحو أبو موسى سليمان بن محمد الحامض.

والمحدث عبد الله بن صالح البخاري البغدادي.

والحافظ علي بن سعيد العسكري.

ومقرئ بغداد عمر بن محمد بن نصر الكاغدي.

ومحدث جرجان أبو إسحاق عمران بن موسى بن مجاشع السختياني.

ومسند العصر أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي.

والمقرئ الحافظ أبو بكر القاسم بن زكريا المطرز.

والعلامة أبو محمد القاسم بن محمد بن بشار والد أبي بكر بن الأنباري.

والمحدث، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبان البغدادي بن السراج.

والمحدث، محمد بن إبراهيم بن شبيب الأصبهاني.

ومسند أصبهان محمد بن نصير بن أبان المديني.

وعالم الحنفية أبو الحسن علي بن موسى القمي، لحق محمد بن حميد الرازي.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 377"، واللباب لابن الأثير "1/ 509".

ص: 139

‌2650 - العمري

(1)

:

المحدث الحجة، أبو إسحاق، إبراهيم بن علي بن إبراهيم العمري الموصلي.

سمع: معلى بن مهدي، ومحمد بن عبد الله بن عمار، وهذه الطبقة. وأكثر عن أصحاب ابن عيينة.

حدث عنه: أبو طاهر بن أبي هاشم المقرئ، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو بكر النجاد، وأبو بكر بن المقرئ، وآخرون.

وثقه الدارقطني، والخطيب.

قدم بغداد، وحدث بها.

توفي سنة ست وثلاث مائة.

‌2651 - الفزاري:

الحافظ المجود الناقد، أبو الفضل العباس بن محمد الفزاري مولاهم المصري.

حدث عن: محمد بن رمح، وزكريا كاتب العمري، وأحمد بن صالح، وطبقتهم.

روى عنه: أبو سعيد بن يونس الطبراني، ولحقه، الحافظ أبو علي النيسابوري، وابن عدي.

قال ابن يونس: أكثرت عنه، وكان يعرف بالبصري، ما رأيت أحدًا قط أثبت منه. توفي في شعبان سنة ست وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "6/ 132"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 150".

ص: 140

‌2652 - ابن عبد الصمد:

القاضي الإمام، أبو محمد، عبد الصمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الصمد القرشي الدمشقي، ابن أخي المحدث يزيد ابن محمد.

سمع: هشام بن عمار، وإسحاق بن موسى الخطمي، ونوح بن حبيب، وعبد الرحمن دحيمًا، وطبقتهم.

روى عنه: ابن عدي، وأبو عمر بن فضالة، وجمح بن القاسم، ومحمد بن سليمان الربعي، والفضل بن جعفر.

توفي سنة ست وثلاث مائة.

‌2653 - ابن فياض:

المحدث الزاهد العابد، أبو سعيد محمد بن أحمد بن عبيد بن فياض العثماني الدمشقي.

عن صفوان بن صالح، وعيسى بن حماد، وهشام بن عمار، وخلق.

وعنه: ابن عدي، وابن السني، وحمزة الكناني، وابن المقرئ.

قال الدارقطني: ليس به بأس.

قلت: مات في ربيع الآخر، سنة عشر وثلاث مائة.

‌2654 - أبو زرعة القاضي

(1)

:

الإمام الكبير القاضي، أبو زرعة، محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة الثقفي مولاهم الدمشقي، وكانت داره بناحية باب البريد، وكان جده يهوديًا فأسلم.

قل ما روى، أخذ عنه أبو علي الحصائري وغيره.

ذكره ابن عساكر.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 123"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "4/ 82"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 183"، وحسن المحاضرة للسيوطي "1/ 399" و"2/ 145"، وشذرات الذهب لابن تغري بردي "2/ 239".

ص: 141

وكان حسن المذهب، عفيفًا، متثبتًا.

ولي قضاء الديار المصرية سنة أربع وثمانين ومائتين، وكان شافعيًا، وولي قضاء دمشق. وقد كان قام مع الملك أحمد بن طولون، وخلع من العهد أبا أحمد الموفق لكونه نافس المعتمد أخاه، فقام أبو زرعة عند المنبر بدمشق قبل الجمعة، وقال: أيها الناس! أشهدكم أني قد خلعت أبا أحمق كما يخلع الخاتم من الأصبع، فالعنوه.

ثم تمت ملحمة بالرملة، بين الملك خمارويه بن أحمد بن طولون، وبين ابن الموفق، فانتصر فيها أحمد بن الموفق الذي ولي الخلافة، ولقب بالمعتضد، فلما انتصر دخل دمشق، وأخذ هذا، ويزيد بن عبد الصمد، وأبا زرعة النصري الحافظ في القيود، ثم استحضرهم في الطريق وقال: أيكم القائل: قد نزعت أبا أحمق؟ قال: فربت ألسنتنا، وأيسنا من الحياة. قال الحافظ: فأبلست، وأما يزيد فخرس وكان تمتامًا. وكان ابن عثمان أصغرنا، فقال: أصلح الله الأمير. فقال كاتبه: قف حتى يتكلم أكبر منك. فقلت: أصلحك الله وهو يتكلم عنا. قال: قل. فقال: والله ما فينا هاشمي صريح، ولا قرشي صحيح، ولا عربي فصيح، ولكنا قوم ملكنا -أي قهرنا. وروى أحاديث في "السمع و" الطاعة، وأحاديث في العفو والإحسان. وهو كان المتكلم بتيك اللفظة. وقال: وإني أشهد الأمير أن نسائي طوالق، وعبيدي أحرار، ومالي حرام إن كان في هؤلاء القوم أحد قال هذه الكلمة، فوراءنا حرم وعيال، وقد تسامع الخلق بهلاكنا، وقد قدرت، وإنما العفو بعد المقدرة. فقال لكاتبه: أطلقهم، لا كثر الله منهم. قال: فاشتغلت أنا ويزيد في نزه أنطاكية عند عثمان بن خرزاذ، وسبق هو إلى حمص.

قال ابن زولاق في "تاريخ قضاة مصر": ولي أبو زرعة، وكان يوالي على مذهب الشافعي ويصانع عليه، وكان عفيفًا، شديد التوقف في إنفاذ الأحكام، وله مال كثير، وضياع كبار بالشام، واختلف في أمره، فقيل: إنه كان في عهد الملك هارون بن خمارويه -متولي مصر: إن القضاء إلى أبي زرعة، فولاه القضاء. وقيل: إن المعتضد نفذ له عهدًا.

قال: وكان أبو زرعة يرقي من وجع الضرس، ويعطي الموجوع حشيشة توضع عليه فيسكن.

وكان يوفي عن الغرماء الضعفى.

وسمعت الفقيه محمد بن أحمد بن الحداد يقول سمعت منصورًا الفقيه يقول: كنت عند القاضي أبي زرعة، فذكر الخلفاء، فقلت: أيجوز أن يكون السفيه وكيلًا؟ قال: لا. قلت: فوليًا لامرأة؟ قال: لا. قلت: فخليفة؟ قال: يا أبا الحسن! هذه من مسائل الخوارج.

وكان أبو زرعة شرط لمن حفظ "مختصر المزني" مائة دينار. وهو الذي أدخل مذهب الشافعي دمشق، وكان الغالب عليه قول الأوزاعي.

وكان من الأكلة، يأكل سل مشمش وسل تين.

بقي على قضاء مصر ثمان سنين. فصرف، ورد إلى القضاء محمد بن عبدة.

قلت مات بدمشق، سنة اثنتين وثلاث مائة.

ص: 142

‌2655 - أبو الخيار:

ومات بالأندلس العلامة أبو الخيار، هارون بن نصر الأندلسي الفقيه الشافعي، تلميذ الإمام بقي بن مخلد، صحبه زمانًا، وأكثر عنه، ثم مال إلى تصانيف الشافعي فحفظها، وكان إمامًا مناظرًا.

توفي أبو الخيار الشافعي في عام اثنتين وثلاث مائة، رحمه الله.

‌2656 - الجوزي

(1)

الإمام الحجة المحدث، أبو إسحاق، إبراهيم بن موسى التوزي الجوزي، نزيل بغداد.

سمع: بشر بن الوليد، وعبد الأعلى بن حماد، ومحمد بن عبد الله بن عمار، وعبد الرحيم الديبلي وطائفة.

روى عنه: أبو علي بن الصواف، وأبو حفص بن الزيات، وعلي بن لؤلؤ الوراق، وآخرون.

وانتخب عليه أبو بكر الباغندي.

توفي سنة ثلاث وثلاث مائة. وهو من الثقات.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "6/ 187"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 140"، واللباب لابن الأثير "1/ 309".

ص: 143

‌2657 - رويم

(1)

:

الإمام الفقيه المقرئ، الزاهد العابد، أبو الحسن رويم بن أحمد، وقيل: رويم بن محمد ابن يزيد بن رويم بن يزيد البغدادي، شيخ الصوفية، ومن الفقهاء الظاهرية، تفقه بداود. وهو رويم الصغير، وجده هو رويم الكبير، كان في أيام المأمون.

وقد امتحن صاحب الترجمة في نوبة غلام خليل، وقال عنه: أنا سمعته يقول: ليس بيني وبين الله حجاب. ففر إلى الشام واختفى زمانًا.

وأما الحجاب: فقول يسوغ باعتبار أن الله لا يحجبه شيء قط عن رؤية خلقه، وأما نحن فمحجوبون عنه في الدنيا، وأما الكفار فمحجوبون عنه في الدارين.

أما إطلاق الحجب، فقد صح:"أن حجابه النور"

(2)

فنؤمن بذلك، ولا نجادل، بل نقف.

ومن جيد قوله: السكون إلى الأحوال اغترار.

وقال: الصبر ترك الشكوى، والرضى استلذاذ البلوى.

مات رويم ببغداد سنة ثلاث وثلاث مائة.

قال ابن خفيف: ما رأيت في المعارف كرويم.

‌2658 - القمي

(3)

:

الإمام العلامة، شيخ الحنفية بخراسان، أبو الحسن علي بن موسى بن يزيد القمي النيسابوري، كان عالم أهل الرأي في عصره بلا مدافعة، وصاحب التصانيف، منها: كتاب "أحكام القرآن" كتاب نفيس.

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 574"، وتاريخ بغداد "8/ 430"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 136" النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 189".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "179"، وابن ماجه "195" و"196"، وأحمد "4/ 401 و 405" من طرق عن أبي عبيدة، عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل الليل حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" وهذا لفظ مسلم. ووقع في رواية أبي بكر بن أبي شيبة:"حجابة النار".

(3)

ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 56".

ص: 144

تصدر بنيسابور للإفادة، وتخرج به الكبار، وبعد صيته، وطال عمره، وأملى الحديث، وكان صاحب رحلة ومعرفة. سمع من: محمد بن حميد الرازي، ومحمد بن معاوية بن مالج، وتفقه بمحمد بن شجاع الثلجي.

حدث عنه: أبو بكر أحمد بن سعد بن نصر، وأحمد بن أحيد الكاغدي، وآخرون.

ذكره الحاكم، فعظمه وفخمه، وقال: توفي سنة خمس وثلاث مائة.

فهذا، وأبو سعيد المذكور كانا عالمي خراسان في مذهب أبي حنيفة، تخرج بهما جماعة من الكبار، وكان معهما في البلد من أئمة الأثر مثل ابن خزيمة، وأبي العباس السراج، وعدة، فكان المحدثون إذ ذاك أئمة عالمين بالفقه أيضًا، وكان أهل الرأي بصراء بالحديث، قد رحلوا في طلبه، وتقدموا في معرفته. وأما اليوم، فالمحدث قد قنع بالسكة والخطبة، فلا يفقه ولا يحفظ، كما أن الفقيه قد تشبث بفقه لا يجيد معرفته، ولا يدري ما هو الحديث، بل الموضوع والثابت عنده سواء، بل قد يعارض ما في الصحيح بأحاديث ساقطة، ويكابر بأنها أصح وأقوى، نسأل الله العافية.

ص: 145

‌2659 - وكيع

(1)

:

الإمام المحدث الأخباري القاضي، أبو بكر محمد بن خلف بن حيان بن صدقة الضبي البغدادي، الملقب بوكيع، صاحب التآليف المفيدة.

حدث عن: أبي حذافة السهمي، والزبير بن بكار، والحسن بن عرفة، وطبقتهم، فأكثر.

حدث عنه: أبو علي بن الصواف، ومحمد بن عمر الجعابي، ومحمد بن المظفر، وأبو الفرج صاحب "الأغاني"، وأبو جعفر بن المتيم، وآخرون.

قال أبو الحسين بن المنادي: أقلوا عنه للين شهر به.

وقال الدراقطني: كان نبيلًا، فصيحًا، فاضلًا، من أهل القرآن والفقه والنحو، له تصانيف كثيرة.

قلت: ولي قضاء كور الأهواز كلها، وتوفي في ربيع الأول سنة ست وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 236"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 152"، والعبر "2/ 133"، وميزان الاعتدال "5/ 538"، ولسان الميزان "5/ 156"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 195" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 249".

ص: 145

‌2660 - منصور بن إسماعيل

(1)

:

العلامة، فقيه مصر، أبو الحسن التميمي الشافعي الضرير الشاعر.

قال ابن خلكان: له مصنفات في المذهب، وشعر سائر، وهذا له:

لي حيلة فيمن ينم

وليس في الكذاب حيلة

من كان يخلق ما يقو

ل فحيلتي فيه طويلة

قال القضاعي: أصله من رأس عين، وكان متصرفًا في كل علم، شاعرًا مجودًا، لم يكن في زمانه مثله، توفي سنة ست وثلاث مائة.

وقال ابن يونس: كان فهمًا، حاذقًا، صنف مختصرات في الفقه، وكان شاعرًا خبيث الهجو، يتشيع، وكان جنديًا، ثم عمي.

وقال أبو إسحاق: له مصنفات في المذهب، أخذ عن أصحاب الشافعي، وأصحاب أصحابه ثم قال: مات قبل العشرين وثلاث مائة.

قلت: بل سنة ست وثلاث مائة كما قدمنا.

‌2661 - الجارودي

(2)

:

الحافظ المتقن، صاحب التصانيف، أبو جعفر أحمد بن علي بن محمد بن الجارود الأصبهاني. له رحلة وهمة، ومعرفة تامة. حدث عن: أبي سعيد الأشج، وعمر بن شبة، وهارون بن إسحاق، وأحمد بن الفرات، وطبقتهم.

وعنه: أبو إسحاق حمزة، والطبراني، وأبو الشيخ، وعبد الرحمن بن محمد بن سياه، وأهل أصبهان.

توفي سنة تسع وتسعين ومائتين. وقيل: قبلها بعام.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 152"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "19/ 185"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 741"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 249"، وحسن المحاضرة للسيوطي "2/ 249".

(2)

ترجمته في تاريخ أصبهان "1/ 117"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 753"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "7/ 215".

ص: 146

‌2662 - ابن الجارود

(1)

:

صاحب كتاب: "المنتقى في السنن" مجلد واحد في الأحكام، لا ينزل فيه عن رتبة الحسن أبدًا، إلَّا في النادر في أحاديث يختلف فيها اجتهاد النقاد.

ولد في حدود الثلاثين ومائتين.

واسمه: الإمام أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري، الحافظ المجاور بمكة.

كان من أئمة الأثر.

سمع من: أبي سعيد الأشج، والحسن بن محمد الزعفراني، وعلي بن خشرم، ومحمود ابن آدم، وإسحاق الكوسج، وزياد بن أيوب، ويعقوب الدورقي، وعبد الله بن هاشم الطوسي، وأحمد بن الأزهر، وأحمد بن يوسف، ومحمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ، ومحمد بن يحيى الذهلي، وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر الخولاني، ومحمد بن عثمان بن كرامة، وخلق كثير، إلى أن ينزل إلى إمام الأئمة ابن خزيمة.

فأما قول أبي عبد الله الحاكم فيه: سمع من إسحاق بن راهويه، وعلي بن حجر، وأحمد ابن منيع: فلم أجد له شيئًا عنهم، ولا أراه لحقهم.

حدث عنه: أبو حامد بن الشرقي، ومحمد بن نافع الخزاعي، المكي، ودعلج بن أحمد السجزي، وأبو القاسم الطبراني، ومحمد بن جبريل العجيفي، وآخرون، ويحيى بن منصور القاضي. أثنى عليه الحاكم والناس. مات سنة سبع وثلاث مائة.

وقع لي من حديثه: أخبرنا علي بن أحمد بن عبد الدائم، أخبرنا علي بن هبة الله الخطيب، أخبرتنا شهدة الكاتبة، أخبرنا الحسن بن أحمد الدقاق، أخبرنا أبو علي بن شاذان، أخبرنا دعلج بن أحمد، أخبرنا عبد الله بن علي بن الجارود، حدثنا الربيع، حدثنا الشافعي، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبيع حاضر لباد"

(2)

متفق عليه، فوقع لنا عاليًا.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 786"، وإيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون لإسماعيل باشا البغدادي "2/ 570".

(2)

صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "6/ 239"، وأحمد "2/ 153"، والبخاري "2159" من حديث ابن عمر، به.

ص: 147

أنبأنا إبراهيم بن إسماعيل، وأحمد بن سلامة، عن محمد بن أحمد الصيدلاني: أخبرتنا فاطمة الجوزدانية، أخبرنا محمد ابن عبد الله، أخبرنا أبو القاسم الطبراني، حدثنا عبد الله بن علي الجارودي، حدثنا أحمد بن حفص، حدثني أبي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن سماك، عن عبد الله بن عميرة، عن الأحنف بن قيس، عن العباس قال: مرت سحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هل تدرون ما هذا؟ " قلنا: السحاب. قال: "والمزن"، قالوا: والمزن. قال: "أو العنان". قلنا: أو العنان. فقال: "هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض؟ " قلنا: لا. قال: "إحدى وسبعين، أو ثنتين، أو ثلاث وسبعين سنة

" الحديث

(1)

.

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 206"، وابن طهمان في "مشيخته""18"، وأبو داود "4724" و"4725"، والترمذي "3320"، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في "العرش""10"، وأبو يعلى "6713"، والحاكم "2/ 501"، وابن أبي عاصم في "السنة""577"، وابن خزيمة في "التوحيد""ص 101 - 102"، واللالكائي في "شرح أصول الأعتقاد""3/ 389 - 390"، والآجري في "الشريعة""ص 292 - 293"، والبيهقي في "الأسماء والصفات""ص 399"، والجوزقاني في "الأباطيل المناكير""1/ 77 - 78" من طريق سماك بن حرب؛ عن عبد الله بن عميرة، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب به، وتمامه:"قال هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: بينهما مسيرة خمس مائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمس مائة سنة، وكثف كل سماء خمس مائة سنة، وفوق السماء السابعة بحر، بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال، بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك العرش، بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله تبارك وتعالى فوق ذلك، وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء".

قلت: إسناده ضعيف؛ فيه عبد الله بن عميرة، فيه جهالة. وقال البخاري: لا يعرف له سماع من الأحنف بن قيس. وتتمة متنه حيث ذكر الأوعال، فيه نكارة حيث شبه الملائكة بالتيوس كما أنه عند أكثر من أخرجه ذكر الأظلاف والركبة مؤنثة، وهذا منكر في حق الملائكة. وقد خرجت هذا الحديث في كتابنا "بغية المستفيد في تحقيق وتخريج تيسير العزيز الحميد" ط. عالم الكتب البيروتية "ص 636"، وهو مطبوع بهامش "تيسير العزيز الحميد" تقبله الله بأسمائه وصفاته وسائر أعمالنا وأكثر بها النفع إلى يوم الدين إنه سميع مجيب.

ص: 148

‌2663 - محمود بن محمد بن منويه

(1)

:

الحافظ المفيد العالم، أبو عبد الله الواسطي.

سمع: محمد بن أبان الواسطي، ووهب بن بقية، والعباس بن عبد العظيم، وعدة.

حدث عنه: الطبراني، ومحمد بن زنجويه القزويني، وابن عدي، وأبو الشيخ وآخرون.

وقد أسكت قبل موته بعامين.

وروى أيضًا عنه: أبو بكر الإسماعيلي، ومحمد بن عمر بن الجعابي. وحدث ببغداد.

وقد انقلب اسمه على عبد الغني بن سعيد الحافظ، فقال: محمد بن محمود بن منويه، نسبه لنا أبو الطاهر الذهلي.

وقال ابن ماكولا: هو محمد بن محمد بن منويه أبو عبد الله، يروي عن: محمد بن أبان الواسطي، ومحمد بن الصباح الجرجرائي، وقد نبه ابن نقطة على وهمهما في اسمه، لكن اعتذر عن عبد الغني وقال: كان لمحمود ابنان: أحمد ومحمد، كلاهما قد حدث.

قال الدارقطني: كتبت عن أبي الحسين محمد بن محمود الواسطي.

قلت: توفي الحافظ محمود بن محمد في شهر رمضان، سنة سبع وثلاث مائة، وكان من بقايا الحفاظ ببلده، من أبناء الثمانين، بل أزيد.

ومنويه: بنون.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "13/ 94 - 95"، والإكمال لابن ماكولا "7/ 207".

ص: 149

‌2664 - عبد الله بن صالح

(1)

:

ابن عبد الله بن الضحاك، الإمام الصدوق، أبو محمد البغدادي، ويلقب بالبخاري.

سمع: لوينًا، وعثمان بن أبي شيبة، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وطبقتهم.

وعنه: عبد الله الزبيبي، ومحمد بن المظفر، وابن الزيات، وأبو علي النيسابوري، وقال: هو ثقة.

قلت: توفي في رجب، سنة خمس وثلاث مائة.

‌2665 - الأعرج

(2)

:

يحيى بن زكريا بن يحيى، الإمام الكبير، الحافظ، الثقة، أبو زكريا النيسابوري الأعرج.

سمع: قتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن حجر، وأقرانهم. وسمع من: يحيى بن موسى خت، وارتحل في الشيخوخة ناشرًا لعلمه.

حدث عنه: ابن أخيه أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوية النيسابوري نزيل مصر، ومكي بن عبدان، وأبو العباس بن عقدة، وأبو حامد بن الشرقي، وآخرون.

وكان يطلب الحديث بمصر على كبر السن.

مات سنة سبع وثلاث مائة، ويشبهه من وجه نزيل حلب جعفرك النيسابوري الأعرج، الذي عاش إلى بعد سنة عشر وثلاث مائة، وسوف يأتي.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 481".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 156"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 743"، والعبر "2/ 135" وتهذيب التهذيب "11/ 210"، وتقريب التهذيب "2/ 347"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 251".

ص: 149

‌2666 - أبو شيبة

(1)

:

الشيخ المحدث العالم الصدوق، أبو شيبة داود بن إبراهيم بن داود بن يزيد بن روزبة البغدادي، نزيل مصر.

سمع: محمد بن بكار بن الريان، وعبد الأعلى بن حماد، وعثمان بن أبي شيبة، ومحمد ابن حميد الرازي.

حدث عنه: ابن عدي، وأبو بكر بن المقرئ، وجعفر بن الفضل المؤذن، وأحمد بن محمد بن المهندس، وآخرون.

قال الدراقطني: صالح.

قلت: مات بمصر سنة عشر وثلاث مائة. يقع حديثه مع نسخة أبي مسهر، وغير ذلك.

‌2667 - السقطي

(2)

:

الإمام المتقن، أبو حفص، عمر بن أيوب بن إسماعيل البغدادي السقطي، الرجل الصالح.

سمع: بشر بن الوليد، ومحمد بن بكار بن الريان، وسريج بن يونس، وعدة.

روى عنه: أبو علي بن الصواف، وعبد العزيز بن الخرقي، وعلي بن لؤلؤ، ومحمد بن خلف بن جيان -بجيم- وآخرون.

وثقه الدارقطني.

مات سنة ثلاث وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 378"، والعبر "2/ 145"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 206"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 259".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 129"، والعبر "2/ 126"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 242".

ص: 150

‌2668 - ابن الدرفس

(1)

:

الإمام الصالح الصادق، أبو عبد الرحمن، محمد بن العباس بن الوليد بن محمد بن عمر بن الدرفس الغساني، الدمشقي.

حدث عن: هشام بن عمار، ودحيم، وهشام بن خالد الأزرق، ويونس بن عبد الأعلى، وخلق.

وعنه: أبو زرعة بن أبي دجانة، وأخوه أبو بكر، وجمح بن القاسم، والفضل بن جعفر، وأبو عمر بن فضالة، وأبو القاسم الطبراني، وأبو أحمد بن عدي، وآخرون.

والدرفس -بمهملة- من أسماء الأسد.

‌2669 - ابن زنجويه

(2)

:

المحدث المتقن، أبو العباس، أحمد بن زنجويه بن موسى، وقيل: أحمد بن عمر بن زنجويه ابن موسى المخرمي القطان. وفرق الخطيب بينهما، وهما واحد.

سمع: محمد بن بكار، وبشر بن الوليد، ولوينًا، وداود بن رشيد، وهشام بن عمار، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وطبقتهم.

وعنه: علي بن لؤلؤ، وابن المظفر، وعبد الله بن إبراهيم الزبيبي، والطبراني، والآجري، وأبو أحمد بن عدي، وعدة.

وكان موثقًا معروفًا.

توفي سنة أربع وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 126"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 242".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 164".

ص: 151

‌2670 - العامري

(1)

:

المحدث الرحال، أبو الحسن، أحمد بن محمد بن حسن بن السكن القرشي العامري، أحد الحفاظ على لين فيه.

يروي عن: إبراهيم بن عبد الله الهروي، وإسحاق بن موسى الخطمي، ومحمد بن عبد الرحمن بن سهم، وطبقتهم.

وعنه: أبو بكر بن أبي دجانة، وعلي بن أبي العقب، وأبو أحمد العسال، وأبو الشيخ، وأحمد بن عبدان الشيرازي، وقال: قدم علينا في سنة أربع وثلاث مائة، ولا أحدث عنه، كان لينًا.

‌2671 - يموت بن المزرع

(2)

:

ابن يموت بن عيسى، العلامة، الأخباري، أبو بكر العبدي البصري، الأديب، واسمه محمد.

سكن طبرية مدة.

وحدث عن: خاله الجاحظ، وأبي حفص الفلاس، ومحمد بن حميد اليشكري، وأبي حاتم السجستاني، ونصر بن علي الجهضمي، والعباس الرياشي، وعدة.

وعنه: أبو بكر الخرائطي، وسهل بن أحمد الديباجي، والحسن بن رشيق، وأبو بكر بن مجاهد، وآخرون.

وكان يروي القراءة عن محمد بن عمر القصبي -صاحب عبد الوارث- وعن السجستاني.

وكان لا يعود مريضًا كيلا يقع في التطير باسمه.

وله تآليف. وما أعلم به بأسًا.

مات سنة أربع وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 425"، وميزان الاعتدال "1/ 138"، ولسان الميزان "1/ 266".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 358"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 143"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "20/ 57"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "7/ ترجمة 834"، والعبر "2/ 182"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 191"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 243".

ص: 152

‌2672 - يوسف بن الحسين

(1)

:

الرازي، الإمام العارف، شيخ الصوفية، أبو يعقوب.

أكثر الترحال، وأخذ عن ذي النون المصري، وقاسم الجوعي، وأحمد بن حنبل، وأحمد ابن أبي الحواري، ودحيم، وأبي تراب عسكر النخشبي.

وعنه: أبو أحمد العسال، وأبو بكر النقاش، ومحمد بن أحمد بن شاذان، وآخرون.

قال السلمي: كان إمام وقته، لم يكن في المشايخ أحد على طريقته في تذليل النفس وإسقاط الجاه.

قال أبو القاسم القشيري: كان نسيج وحده في إسقاط التصنع. يقال: كتب إلى الجنيد: لا أذاقك الله طعم نفسك، فإن ذقتها لا تفلح.

وقال: إذا رأيت المريد يشتغل بالرخص فاعلم أنه لا يجيء منه شيء.

وقيل: كان يسمع الأبيات ويبكي.

مات سنة أربع وثلاث مائة. وقد سمع قوالًا ينشد:

رأيتك تبني دائمًا في قطيعتي

ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني

كأني بكم والليت أفضل قولكم

ألا ليتنا كنا إذا الليت لا تغني

فبكى كثيرًا وقال للمنشد: يا أخي! لا تلم أهل الري أن يسموني زنديقًا، أنا من بكرة أقرأ في المصحف ما خرجت من عيني دمعة، ووقع مني إذ غنيت ما رأيت.

قال السلمي: كان -مع علمه وتمام حاله- هجره أهل الري، وتكلموا فيه بالقبائح، خصوصًا الزهاد، وأفشوا أمورًا، حتى بلغني أن شيخًا رأى في النوم كأن براءة نزلت من السماء، فيها مكتوب: هذه براءة ليوسف بن الحسين مما قيل فيه. فسكتوا.

قال الخطيب: سمع منه أبو بكر النجاد.

قلت: هو صاحب حكاية الفأرة مع ذي النون لما سأله الاسم الأعظم.

وقد عمر دهرًا.

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 567"، وتاريخ بغداد "14/ 314"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 141" والعبر "2/ 128"، والنجوم لابن تغري بردي "3/ 191"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 245".

ص: 153

وعنه قال: بالأدب تتفهم العلم، وبالعلم يصح لك العمل، وبالعمل تنال الحكمة، وبالحكمة تفهم الزهد، وبالزهد تترك الدنيا، وترغب في الآخرة، وبذلك تنال رضا الله تعالى.

قال السلمي: مات سنة أربع وثلاث مائة رحمه الله.

طول ابن عساكر ترجمته.

قال الخلدي: كتب الجنيد إلى يوسف بن الحسين: أوصيك بترك الالتفات إلى كل حال مضت، فإن الالتفات إلى ما مضى شغل عن الأولى، وأوصيك بترك ملاحظة الحال الكائنة، اعمل على تخليص همك من همك لهمك، واعمل على محق شاهدك من شاهدك حتى يكون الشاهد عليك شاهدًا لك وبك ومنك

في كلام طويل.

وليوسف رسالة إلى الجنيد منها:

كيف السبيل إلى مرضاة من غضبا

من غير جرم ولم أعرف له سببا

قال والد تمام: سمعت يوسف بن الحسين يقول: قيل لي: ذو النون يعرف الاسم الأعظم. فسرت إليه، فبصر بي وأنا طويل اللحية، ومعي ركوة طويلة، فاستشنع منظري.

قال والد تمام: يقال: كان يوسف أعلم أهل زمانه بالكلام وبعلم الصوفية. قال: فجاء متكلم، فناظر ذا النون، فلم يقم له بحجة. قال: فاجتذبته إلي، وناظرته فقطعته، فعرف ذو النون مكاني، وعانقني، وجلس بين يدي، وقال: اعذرني. قال: فخدمته سنة.

ص: 154

‌2673 - ابن الجلاء

(1)

:

القدوة العارف، شيخ الشام، أبو عبد الله بن الجلاء، أحمد بن يحيى، وقيل: محمد ابن يحيى.

يقال: أصله بغدادي، صحب والده، وأبا تراب النخشبي، وذا النون المصري وحكى عنه.

أخذ عنه: أبو بكر الدقي، ومحمد بن سليمان اللباد، ومحمد بن الحسن اليقطيني.

أقام بالرملة وبدمشق. وكان يقال: الجنيد ببغداد، وابن الجلاء بالشام، وأبو عثمان الحيري بنيسابور، يعني: لا نظير لهم.

قال الدقي: ما رأيت شيخًا أهيب من ابن الجلاء مع أني لقيت ثلاث مائة شيخ، فسمعته يقول: ما جلا أبي شيئًا قط، ولكنه كان يعظ، فيقع كلامه في القلوب، فسمي جلاء القلوب.

قال محمد بن علي بن الجلندي: سئل ابن الجلاء عن المحبة، فسمعته يقول: ما لي وللمحبة؟ أنا أريد أن أتعلم التوبة.

قال أبو عمر الدمشقي: سمعت ابن الجلاء يقول: قلت لأبوي: أحب أن تهباني لله. قالا: قد فعلنا. فغبت عنهم مدة، ثم جئت فدققت الباب، فقال أبي: من ذا؟ قلت: ولدك. قال: قد كان لي ولد وهبناه لله. وما فتح لي.

وعن ابن الجلاء، قال: آلة الفقير صيانة فقره، وحفظ سره، وأداء فرضه.

توفي في سنة ست وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 585"، وتاريخ بغداد "5/ 213"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 148" والعبر "2/ 132"، والوافي بالوفيات "8/ 239"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 170".

ص: 155

‌2674 - ابن مطر

(1)

:

الإمام، أبو الحسن، علي بن إبراهيم بن مطر البغدادي السكري.

سمع: داود بن رشيد، وهشام بن عمار، وعبد الله بن معاوية، وطبقتهم.

حدث عنه: عبد الله بن إبراهيم الزبيبي، وعبد العزيز بن جعفر الخرقي، ويوسف الميانجي، وأبو بكر بن المقرئ، وآخرون. وثقه الدارقطني.

توفي في المحرم سنة ست وثلاث مائة.

‌2675 - ابن زاطيا

(2)

:

المحدث، أبو الحسن، علي بن إسحاق بن عيسى بن زاطيا المخرمي البغدادي.

سمع: محمد بن بكار بن الريان، وداود بن رشيد، وعثمان بن أبي شيبة، وجماعة.

وعنه: أبو بكر الشافعي، وأبو حفص بن الزيات، وابن بخيت الدقاق، وعلي بن عمر الحربي، وأبو بكر بن السني وقال: لا بأس به.

قلت: كف بصره بأخرة.

توفي في جمادى الأولى، سنة ست وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 137".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 349"، وميزان الاعتدال "3/ 114"، ولسان الميزان "4/ 205".

ص: 155

‌2676 - ابن حمدويه

(1)

:

الإمام المحدث، أبو رجاء، محمد بن حمدويه بن موسى بن طريف السنجي المروزي الهورقاني.

سمع: سويد بن نصر، وعتبة بن عبد الله، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، وعلي ابن حجر، ومحمد بن حميد.

روى عنه: عبد الله بن أحمد الصديق، وأبو عصمة محمد بن أحمد بن عباد، وأهل مرو.

توفي سنة ست وثلاث مائة. ذكره ابن ماكولا.

‌2677 - أبو حفص

(2)

:

القاضي المحدث، أبو حفص، عمر بن الحسن بن نصر بن طرخان الحلبي، قاضي دمشق.

حدث عن: محمد بن أبي سمينة، وزهير بن حرب، ولوين، وعقبة بن مكرم، ومحمد ابن قدامة المصيصي، وعدة.

وعنه: أبو علي بن هارون، وأبو علي بن آدم، وأبو عبد الله بن مروان، وأبو بكر الآجري، وأبو أحمد بن عدي، والإسماعيلي، ومحمد بن إسماعيل الوراق، وأبو حفص بن الزيات، وعلي بن عمر الحربي.

قال الدراقطني: ثقة صدوق.

قلت: سماع الوراق منه في سنة سبع.

‌2678 - الدويري:

المحدث، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن يوسف بن خرشيد النيسابوري الدويري، ودوير: على فرسخ من نيسابور.

سمع: قتيبة، وإسحاق، ويحيى خت.

وعنه: ابن الشرقي، وأبو الوليد حسان بن محمد، ويحيى بن زكريا الدويري، وأبو عمرو بن حمدان، وآخرون.

توفي سنة سبع وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 395".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 221".

ص: 156

‌2679 - ابن عطاء

(1)

:

الزاهد العابد المتأله، أبو العباس، أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدمي البغدادي.

حدث عن: يوسف بن موسى القطان.

وعنه: محمد بن علي بن حبيش، وقال: كان له في كل يوم ختمة، وفي رمضان تسعون ختمة، وبقي في ختمة مفردة بضع عشرة سنة يتفهم ويتدبر.

وقال حسين بن خاقان: كان ينام في اليوم واللية ساعتين، مات في سنة تسع: وثلاث مائة، في ذي القعدة.

قلت: لكنه راج عليه حال الحلاج، وصححه، فقال السلمي: امتحن بسبب الحلاج، وطلبه حامد الوزير وقال: ما الذي تقول في الحلاج؟ فقال: مالك ولذاك؟ عليك بما ندبت له من أخذ الأموال، وسفك الدماء. فأمر به ففكت أسنانه، فصاح: قطع الله يديك ورجليك.

ومات بعد أربعة عشر يومًا، ولكن أجيب دعاؤه، فقطعت أربعة حامد. قال السلمي: سمعت أبا عمرو بن حمدان يذكر هذا.

قال: وكان ابن عطاء ينتمي إلى المارستاني إبراهيم.

وقيل: إن ابن عطاء فقد عقله ثمانية عشر عامًا، ثم ثاب إليه عقله.

ثبت الله علينا عقولنا وإيماننا، فمن تسبب في زوال عقله بجوع، ورياضة صعبة، وخلوة، فقد عصى وأثم، وضاهى من أزال عقله بعض يوم بسكر. فما أحسن التقيد بمتابعة السنن والعلم.

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 575"، وتاريخ بغداد "5/ 26"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 160"، والعبر "2/ 144"، والوافي بالوفيات "8/ 24"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 257".

ص: 157

‌2680 - الوشاء

(1)

:

الشيخ الراوي، أبو علي، الحسن بن محمد بن عنبر بن شاكر البغدادي الوشاء.

سمع: علي بن الجعد، ومنصور بن أبي مزاحم، وعلي بن المديني، وعبد الله بن عون الخراز، وعدة.

حدث عنه: أبو القاسم بن النخاس، وابن الشخير، وعلي بن عمر السكري، وآخرون.

ضعفه عبد الباقي بن قانع.

وقال الدارقطني: تكلموا فيه من جهة سماعه.

وأما أبو بكر البرقاني فوثقه.

مات في سنة ثمان وثلاث مائة ببغداد.

وفيها توفي: أبو خبيب بن البرتي، وإبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، والمفضل بن محمد الجندي، وشعيب بن محمد الذارع، ومحمد ابن الحسن بن بدينا، وعبد الكريم بن إبراهيم بن حبان المصري.

‌2681 - ابن البرتي

(2)

:

الإمام المحدث، أبو خبيب، العباس ابن القاضي العلامة أحمد بن محمد بن عيسى البرتي.

سمع: عبد الأعلى بن حماد النرسي، وأبا بكر بن أبي شيبة، وسوار بن عبد الله العنبري، وطائفة.

حدث عنه: أبو بكر الشافعي، وعبد العزيز بن أبي صابر، وأبو حفص ابن شاهين، وأبو بكر بن المقرئ.

أثنى عليه بعض الحفاظ. ومات في شوال سنة ثمان وثلاث مائة. عن بضع وثمانين سنة أو أكثر.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 414"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 157"، وميزان الاعتدال "1/ 520" ولسان الميزان "2/ 250".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 152"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 158".

ص: 158

‌2682 - الجندي

(1)

:

المقرئ المحدث الإمام، أبو سعيد المفضل بن محمد بن إبراهيم بن مفضل بن سعيد ابن الإمام عامر بن شراحيل الشعبي الكوفي، ثم الجندي.

حدث عن: الصامت بن معاذ الجندي، ومحمد بن أبي عمر العدني، وإبراهيم بن محمد الشافعي، وأبي حُمَة محمد بن يوسف، وسلمة بن شبيب. وقد روى القراءات عن طائفة كالبزي وغيره.

أخذ عنه: أبو بكر بن مجاهد، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وحدث عنه أيضًا أبو القاسم الطبراني، وأبو حاتم البستي، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو جعفر العقيلي، وآخرون.

قال العقيلي: قدمت مكة ولأبي سعيد الجندي حلقة بالمسجد الحرام.

وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: هو ثقة.

قال أبو القاسم بن مندة: توفي سنة ثمان وثلاث مائة.

‌2683 - الفرغاني

(2)

:

المحدث الثقة، أبو العباس، حاجب بن مالك بن أركين الضرير الفرغاني التركي، نزيل دمشق.

حدث عن: الفلاس، ومحمد بن المثنى، وأبي سعيد الأشج، وأبي عمر الدوري، وعلي ابن حرب، وابن عبد الحكم، وطبقتهم.

وعنه: أبو علي بن هارون، وأبو عمر بن فضالة، ومحمد بن سليمان الربعي، والميانجي، والطبراني، وأبو الشيخ، وخلق، ومحمد بن المظفر.

وثقه الخطيب.

وقال الدراقطني: ليس به بأس.

مات سنة ست وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 137"، ولسان الميزان "6/ 81"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 253".

(2)

ترجمته في تاريخ أصبهان "1/ 302"، وتاريخ بغداد "8/ 271"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 150"، والعبر "2/ 132"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 249".

ص: 159

‌2684 - ابن ذريح

(1)

:

الإمام المتقن الثقة، أبو جعفر، محمد بن صالح بن ذريح البغدادي العكبري.

سمع: جبارة بن المغلس، وعثمان بن أبي شيبة، وأبا مصعب الزهري، وأبا ثور الكلبي، وطبقتهم، وكان صاحب حديث ورحلة.

حدث عنه: إسحاق النعالي، وأبو بكر الإسماعيلي، ومحمد بن المظفر، وأبو حفص بن الزيات، وابن بخيت الدقاق، وأبو بكر ابن المقرئ، وآخرون.

مات سنة سبع وثلاث مائة. وقيل: توفي سنة ثمان، وقيل: سنة ست، فالله أعلم.

وثقوه، واحتجوا به.

‌2685 - الحسن بن الطيب

(2)

:

ابن حمزة، المحدث الرحال، أبو علي الشجاعي، البلخي، نزيل بغداد، ابن أخي الحافظ الحسن بن شجاع.

حدث ببغداد عن: قتيبة بن سعيد، وهدبة بن خالد، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبي كامل الجحدري، وخلق كثير.

حدث عنه: إسماعيل الخطبي، وأبو بكر القطيعي، ومحمد بن المظفر، ومحمد بن إسماعيل الوراق، وطائفة.

قال الدارقطني: لا يساوي شيئًا، لأنه حدث بما لم يسمع.

وكذا تكلم فيه ابن عقدة.

وقال البرقاني: ذاهب الحديث.

وأما الإسماعيلي فكان حسن الرأي فيه.

وقال مطين: كذاب. مات: في سنة سبع وثلاث مائة.

قلت: كان من أبناء التسعين.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 361"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 152"، والعبر "2/ 134"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 151".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 333"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 154"، وميزان الاعتدال "1/ 501"، ولسان الميزان "2/ 215".

ص: 160

‌2686 - الجوني

(1)

:

الإمام المحدث الثقة الرحال، أبو عمران موسى بن سهل بن عبد الحميد الجوني، البصري، نزيل بغداد.

سمع: طالوت بن عباد، وعبد الواحد بن غياث، وهشام بن عمار، وعيسى بن حماد زغبة، ومحمد بن رمح، وأبا همام السكوني، ومحمد بن مصفى، وطبقتهم بالشام، ومصر، والعراق.

وعُمِّر دهرًا، وكان من الحفاظ.

حدث عنه: دعلج السجزي، وعبد الله بن إبراهيم الزبيبي، ومحمد بن المظفر، وأبو بكر ابن المقرئ، وعلي بن عمر السكري، وآخرون.

وثقه الدارقطني.

مات في رجب سنة سبع وثلاث مائة.

وبقي إلى هذا العام بمصر من يروي عن يحيى بن بكير وهو الحسين بن سعيد بن كامل، كتب عنه ابن يونس.

‌2687 - الهيثم بن خلف

(2)

:

ابن محمد بن عبد الرحمن بن مجاهد، المتقن الثقة، أبو محمد الدوري، البغدادي.

سمع: عبد الأعلى بن حماد النرسي، وعبيد الله القواريري، وعثمان بن أبي شيبة، وإسحاق بن موسى الخطمي، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو بكر الشافعي، وعبد العزيز بن جعفر الخرقي، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو بكر بن المقرئ، وابن لؤلؤ الوراق، وآخرون.

وكان من أوعية العلم، ومن أهل التحري والضبط.

مات في أوائل سنة سبع وثلاث مائة.

وفيها مات أبو يعلى الموصلي، ومحمود بن محمد الواسطي، وجعفر بن أحمد بن سنان، ومحمد بن صالح بن ذريح، وأبو عمران الجوني، والحسن بن الطيب الشجاعي، ومحمد بن علي الفرقدي، وعبد الله بن علي بن الجارود، وأسامة بن أحمد التجيبي.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "13/ 56"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 764"، والعبر "2/ 135"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 251".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 63"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 156"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 766"، والعبر "2/ 135"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 251".

ص: 161

‌2688 - الشطوي

(1)

:

الإمام الفاضل، أبو أحمد، هارون بن يوسف الشطوي، ويعرف قديمًا: بابن مقراض.

سمع: ابن أبي عمر العدني، وأبا مروان محمد بن عثمان العثماني، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، وطائفة.

وعنه: أبو بكر الجعابي، وأبو عبد الله بن العسكري، وعلي بن لؤلؤ، وعمر بن الزيات، والإسماعيلي ووثقه.

توفي في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاث مائة.

‌2689 - محمد بن شادل

(2)

:

ابن علي، الإمام المحدث المقرئ المعمر، أبو العباس الهاشمي مولاهم النيسابوري.

سمع: أبا مصعب الزهري، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن سليمان لوينًا، وعمرو بن زرارة، وهناد بن السري، والحسين ابن الضحاك، وأحمد بن حرب، وأبا مروان العثماني، وحرملة بن يحيى -لعله لقيه بمكة، فإنه لم يرحل إلى مصر.

قال الحاكم: أخبرنا أبو محمد بن زياد: سألنا ابن شادل عن نسبه، فقال: محمد بن شادل بن علي بن برد بن سوار بن جعفر بن يزيد بن عبد الله الهاشمي.

حدث عنه: علي بن عيسى، وأحمد بن الخضر الشافعي، وعبد الله بن سعد الحافظ، وأحمد بن سهل الأنصاري، والقاضي يوسف الميانجي، وأبو أحمد الحاكم، وآخرون.

قال الحاكم: سمعت طاهر بن أحمد الوراق يقول: توفي أبو العباس بن شادل، وكان يختم القرآن كل يوم، وذهب بصره قبل موته بعشرين سنة. توفي في يوم الأحد الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشرة وثلاث مائة.

قال الحاكم: وسمعت أبا سعيد المؤذن يقول: توفي في صفر سنة تسع.

وقال أبو أحمد الحاكم: كان صحيح الأصول، سمع ابن راهويه، ومحمد بن عثمان العثماني. سألنا أبا العباس الماسرجسي عنه، فثبت سماعه من إسحاق.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 29".

(2)

ترجمته في العبر "2/ 150"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 263".

ص: 162

‌2690 - ابن المرزبان

(1)

:

الإمام، العلامة، الأخباري، أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان بن بسام المحولي البغدادي الآجري، صاحب التصانيف.

حدث عن: الزبير بن بكار، وأحمد بن منصور الرمادي، ومحمد بن أبي السري الأزدي لا العسقلاني، وأبي بكر بن أبي الدنيا، وعدة.

حدث عنه: أبو بكر بن الأنباري، وأبو الفضل بن المتوكل، وأبو عمر ابن حيويه، وآخرون.

وقع لي قطعة من تآليفه، وله كتاب:"الحاوي في علوم القرآن"، وكتاب في "الحماسة"، وكتاب "المتيمين" وكتاب "أخبار الشعراء" وغير ذلك، وكان صدوقًا.

مات في سنة تسع وثلاث مائة، في عشر الثمانين، أو جاوزها.

وفيها توفي: حامد بن محمد بن شعيب، ومحمد بن الحسين بن مكرم، وإسماعيل بن موسى الحاسب، والحلاج -قتل- وعمر بن إسماعيل بن أبي غيلان، ومحمد بن أحمد بن راشد بن معدان، وأبو العباس بن عطاء الصوفي، وجعفر بن أحمد ابن محمد بن الصباح الجرجرائي، وعباد بن علي ثقاب اللؤلؤ، وعبد الرحمن بن عبد المؤمن المهلبي -محدث جرجان- ومحمد بن محمد بن عقبة أبو جعفر الشبلي.

‌2691 - جعفرك

(2)

:

الإمام الحافظ الرحال، أبو محمد جعفر بن محمد بن موسى النيسابوري الأعرج، نزيل حلب، ويقال له: جعفرك.

حدث عن: الحسن بن عرفة، وعبد الله بن هاشم، ومحمد بن يحيى الذهلي، وعلي بن حرب الطائي، وإسحاق بن عبد الله الخشك، وعدة.

وعنه: أبو إسحاق بن حمزة، وأبو علي النيسابوري الحافظان، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو بكر بن المقرئ، وآخرون.

وثقه غير واحد، ونعتوه بالحفظ والمعرفة، ولقيه ابن المقرئ بالموصل.

توفي سنة نيف عشرة وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 237"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 165"، والعبر "2/ 144"، وميزان الاعتدال "3/ 538"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "3/ 44"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 203" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 285".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 203"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 154"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 752".

ص: 163

‌2692 - ابن جميل

(1)

:

الشيخ الثقة المعمر، أبو يعقوب، إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن جميل الأصبهاني.

روى عن: أحمد بن منيع "مسنده".

حدث عنه: أبو القاسم الطبراني، وأبو بكر بن المقرئ، وحفيده عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق.

قال ابن مردويه: سمعت عبيد الله يقول: عاش جدي مائة وسبع عشرة سنة، ومات سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة.

قلت: إن صح هذا في مولده، فما سمع الحديث إلَّا في الكهولة.

وقال أبو نعيم الحافظ: مات سنة عشر وثلاث مائة.

‌2693 - العثماني

(2)

:

المحدث الصدوق المعمر، أبو عمر، عبيد الله بن عثمان الأموي العثماني البغدادي، منعوت بالصدق.

سمع: علي بن المديني، وعبد الأعلى بن حماد.

وعنه: محمد بن المظفر، وأبو عمر بن حيويه، وأبو حفص بن شاهين، وجماعة.

وكان من بقايا المسندين ببغداد، بقي إلى سنة عشر وثلاث مائة، ولا أعلم فيه جرحًا.

وفيها مات محمد بن جرير، وأبو شيبة داود بن إبراهيم، وأبو بشر الدولابي، وأحمد بن يحيى بن زهير التستري، والوليد بن أبان، وعلي بن العباس المقانعي، وفقيه بغداد أبو إسحاق إبراهيم بن جابر، وإسحاق بن إبراهيم بن جميل، وخالد بن محمد بن كولخش الصفار، ومحمد بن خلف بن المرزبان، والحسن بن الحسين الصواف، والعباس بن الفضل الرازي.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "1/ 218"، والعبر "2/ 145"، وشذرات الذهب "2/ 259".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "10/ 347"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 197".

ص: 164

‌2694 - محمد بن جرير

(1)

:

ابن يزيد بن كثير، الإمام العلم المجتهد، عالم العصر، أبو جعفر الطبري، صاحب التصانيف البديعة، من أهل آمل طبرستان.

مولده سنة أربع وعشرين ومائتين، وطلب العلم بعد الأربعين ومائتين وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علمًا، وذكاء، وكثرة تصانيف، قل أن ترى العيون مثله.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن أبي روح الهروي، أخبرنا زاهر المستملي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، حدثنا محمد بن جرير الفقيه، ومحمد بن إسحاق الثقفي، قالا: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي قال لضباعة: "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني"

(2)

، حديث حسن غريب من أعلى ما عندي عن ابن جرير.

سمع: محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وإسماعيل بن موسى السدي، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن أبي معشر -حدثه بالمغازي عن أبيه- ومحمد بن حميد الرازي، وأحمد بن منيع، وأبا كريب محمد بن العلاء، وهناد بن السري، وأبا همام السكوني، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وبندارًا، ومحمد بن المثنى، وسفيان بن وكيع، والفضل بن الصباح، وعبدة بن عبد الله الصفار، وسلم بن جنادة، ويونس بن عبد الأعلى، ويعقوب الدورقي، وأحمد بن المقدام العجلي، وبشر بن معاذ العقدي، وسوار بن عبد الله العنبري، وعمرو بن علي الفلاس، ومجاهد بن موسى، وتميم بن المنتصر، والحسن بن عرفة، ومهنى

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "2/ 162 - 169"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 170"، ووفيات الأعيان "4/ 570"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 728"، والعبر "2/ 146"، وميزان الاعتدال "3/ 498"، ولسان الميزان "5/ 100"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 205"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 260".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1208"، وأبو داود "1776"، والترمذي "941"، والنسائي "5/ 167".

ص: 165

ابن يحيى، وعلي بن سهل الرملي، وهارون بن إسحاق الهمداني، والعباس بن الوليد العذري، وسعيد بن عمرو السكوني، وأحمد ابن أخي ابن وهب، ومحمد بن معمر القيسي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، ونصر بن علي الجهضمي، ومحمد بن عبد الله بن بزيع، وصالح بن مسمار المروزي، وسعيد بن يحيى الأموي، ونصر بن عبد الرحمن الأودي، وعبد الحميد بن بيان السكري، وأحمد بن أبي سريج الرازي، والحسن بن الصباح البزار، وأبا عمار الحسين بن حريث، وأمما سواهم.

واستقر في أواخر أمره ببغداد، وكان من كبار أئمة الاجتهاد.

حدث عنه: أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني -وهو أكبر منه- وأبو القاسم الطبراني، وأحمد بن كامل القاضي، وأبو بكر الشافعي، وأبو أحمد بن عدي، ومخلد بن جعفر الباقرحي، والقاضي أبو محمد بن زبر، وأحمد بن القاسم الخشاب، وأبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان، وأبو جعفر أحمد بن علي الكاتب، وعبد الغفار بن عبيد الله الحضيني، وأبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني، والمعلى بن سعيد وخلق كثير.

قال أبو أبو سعيد بن يونس: محمد بن جرير من أهل آمل، كتب بمصر، ورجع إلى بغداد، وصنف تصانيف حسنة تدل على سعة علمه.

وقال الخطيب: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب: كان أحد أئمة العلماء يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظًا لكتاب الله، عارفًا بالقراءات، بصيرًا بالمعاني، فقيهًا في أحكام القرآن، عالمًا بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين، عارفًا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في "أخبار الأمم وتاريخهم" وله كتاب "التفسير" لم يصنف مثله، وكتاب سماه "تهذيب الآثار" لم أر سواه في معناه، لكن لم يتمه، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه.

قلت: كان ثقة، صادقًا، حافظًا، رأسًا في التفسير، إمامًا في الفقه، والإجماع والاختلاف، علامة في التاريخ وأيام الناس، عارفًا بالقراءات وباللغة، وغير ذلك.

قرأ القرآن ببيروت على العباس بن الوليد.

ذكر أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني: أن مولده بآمل.

ص: 166

وقيل: إن المكتفي أراد أن يحبس وقفًا تجتمع عليه أقاويل العلماء، فأحضر له ابن جرير، فأملى عليهم كتابًا لذلك، فأخرجت له جائزة، فامتنع من قبولها، فقيل له: لا بد من قضاء حاجة، قال: أسأل أمير المؤمنين أن يمنع السؤال يوم الجمعة، ففعل ذلك.

وكذا التمس منه الوزير أن يعمل له كتابًا في الفقه، فألف له كتاب "الخفيف" فوجه إليه بألف دينار، فردها.

الخطيب: حدثني أبو الفرج محمد بن عبيد الله الشيرازي الخرجوشي: سمعت أحمد بن منصور الشيرازي، سمعت محمد ابن أحمد الصحاف السجستاني، سمعت أبا العباس البكري يقول: جمعت الرحلة بين ابن جرير، وابن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني بمصر، فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضر بهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه، فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على ابن خزيمة، فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أصلي صلاة الخيرة، قال: فاندفع في الصلاة، فإذا هم بالشموع وخصي من قبل والي مصر يدق الباب، ففتحوا، فقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل: هو ذا، فأخرج صرة فيها خمسون دينارًا، فدفعها إليه، ثم قال: وأيكم محمد بن جرير؟ فأعطاه خمسين دينارًا، وكذلك للروياني، وابن خزيمة، ثم قال: إن الأمير كان قائلًا بالأمس، فرأى في المنام أن المحامد جياع قد طووا كشحهم، فأنفذ إليكم هذه الصرر، وأقسم عليكم: إذا نفذت، فابعثوا إلي أحدكم.

وقال أبو محمد الفرغاني في "ذيل تاريخه" على "تاريخ الطبري"، قال: حدثني أبو علي هارون بن عبد العزيز، أن أبا جعفر لما دخل بغداد، وكانت معه بضاعة يتقوت منها، فسرقت فأفضى به الحال إلى بيع ثيابه وكمي قميصه، فقال له بعض أصدقائه: تنشط لتأديب بعض ولد الوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان؟ قال: نعم، فمضى الرجل، فأحكم له أمره، وعاد فأوصله إلى الوزير بعد أن أعاره ما يلبسه، فقربه الوزير ورفع مجلسه، وأجرى عليه عشرة دنانير في الشهر، فاشترط عليه أوقات طلبه للعلم والصلوات والراحة، وسأل إسلافه رزق شهر، ففعل، وأدخل في حجرة التأديب، وخرج إليه الصبي -وهو أبو يحيى- فلما كتبه أخذ الخادم اللوح، ودخلوا مستبشرين، فلم تبق جارية إلَّا أهدت إليه صينية فيها دراهم ودنانير، فرد الجميع وقال: قد شورطت على شيء، فلا آخذ سواه، فدرى الوزير ذلك، فأدخلته إليه وسأله، فقال: هؤلاء عبيد وهم لا يملكون فعظم ذلك في نفسه.

وكان ربما أهدى إليه بعض أصدقائه الشيء فيقبله، ويكافئه أضعافًا لعظم مروءته.

ص: 167

قال الفرغاني: وكتب إلي المراغي يذكر أن المكتفي قال للوزير: أريد أن أقف وقفًا، فذكر القصة وزاد: فرد الألف على الوزير ولم يقبلها، فقيل له: تصدق بها، فلم يفعل، وقال: أنتم أولى بأموالكم وأعرف بمن تصدقون عليه.

قال الخطيب: سمعت علي بن عبيد الله اللغوي يحكي: أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة.

قال الخطيب: وبلغني عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفراييني الفقيه أنه، قال: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيرًا.

قال الحاكم: سمعت حسينك بن علي يقول: أول ما سألني ابن خزيمة فقال لي: كتبت عن محمد بن جرير الطبري؟ قلت: لا، قال: ولم؟ قلت: لأنه كان لا يظهر، وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه، قال: بئس ما فعلت، ليتك لم تكتب عن كل من كتبت عنهم وسمعت من أبي جعفر.

قال الحاكم: وسمعت أبا بكر بن بالويه يقول: قال لي: أبو بكر بن خزيمة: بلغني أنك كتبت التفسير عن محمد بن جرير؟ قلت: بلى، كتبته عنه إملاء، قال: كله؟ قلت: نعم، قال: في أي سنة؟ قلت: من سنة ثلاث وثمانين إلى سنة تسعين ومائتين، قال: فاستعاره مني أبو بكر، ثم رده بعد سنين، ثم قال: لقد نظرت فيه من أوله إلى آخره، وما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة.

قال أبو محمد الفرغاني: تم من كتب محمد بن جرير كتاب "التفسير" الذي لو ادعى عالم أن يصنف منه عشرة كتب، كل كتاب منها يحتوي على علم مفرد مستقصى لفعل. وتم من كتبه كتاب "التاريخ" إلى عصره، وتم أيضًا كتاب "تاريخ الرجال" من الصحابة والتابعين، وإلى شيوخه الذين لقيهم، وتم له كتاب "لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام" وهو مذهبه الذي اختاره، وجوده، واحتج له، وهو ثلاثة وثمانون كتابًا، وتم له كتاب "القراءات والتنزيل والعدد"، وتم له كتاب "اختلاف علماء الأمصار"، وتم له كتاب "الخفيف في أحكام شرائع الإسلام" وهو مختصر لطيف، وتم له كتاب "التبصير" وهو رسالة إلى أهل طبرستان، يشرح فيها ما تقلده من أصول الدين، وابتدأ بتصنيف كتاب "تهذيب الآثار" وهو من عجائب كتبه، ابتداء بما أسنده الصديق مما صح عنده سنده، وتكلم على كل حديث منه بعلله وطرقه، ثم فقهه، واختلاف العلماء وحججهم، وما فيه من المعاني والغريب، والرد على الملحدين، فتم منه مسند العشرة وأهل البيت والموالي، وبعض "مسند ابن عباس"، فمات قبل تمامه.

ص: 168

قلت: هذا لو تم لكان يجيء في مائة مجلد.

قال: وابتدأ بكتابه "البسيط" فخرج منه كتاب "الطهارة" فجاء في نحو من ألف وخمس مائة ورقة، لأنه ذكر في كل باب منه اختلاف الصحابة والتابعين، وحجة كل قول، وخرج منه أيضًا أكثر كتاب الصلاة، وخرج منه آداب الحكام، وكتاب "المحاضر والسجلات"، وكتاب "ترتيب العلماء" وهو من كتبه النفيسة، ابتدأه بآداب النفوس وأقوال الصوفية، ولم يتمه، وكتاب "المناسك"، وكتاب "شرح السنة" وهو لطيف، بين فيه مذهبه واعتقاده، وكتابه "المسند" المخرج، يأتي فيه على جميع ما رواه الصحابي من صحيح وسقيم، ولم يتمه، ولما بلغه أن أبا بكر بن أبي داود تكلم في حديث غدير خم

(1)

، عمل كتاب "الفضائل" فبدأ بفضل أبي بكر، ثم عمر، وتكلم على تصحيح حديث غدير خم، واحتج لتصحيحه، ولم يتم الكتاب.

وكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات، من جاهل، وحاسد، وملحد، فأما أهل الدين والعلم، فغير منكرين علمه، وزهده في الدنيا، ورفضه لها، وقناعته رحمه الله بما كان يرد عليه من حصة من ضيعة خلفها له أبوه بطبرستان يسيرة.

وحدثني هارون بن عبد العزيز، قال: قال أبو جعفر: استخرت الله وسألته العون على ما نويته من تصنيف التفسير قبل أن أعمله ثلاث سنين، فأعانني.

القاضي أبو عبد الله القضاعي: حدثنا علي بن نصر بن الصباح، حدثنا أبو عمر عبيد الله بن أحمد السمسار، وأبو القاسم ابن عقيل الوراق: أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه! فقال: إنا لله! ماتت الهمم، فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة، ولما أن أراد أن يملي التفسير قال لهم نحوًا من ذلك، ثم أملاه على نحو من قدر "التاريخ".

قال أحمد بن كامل القاضي: أربعة كنت أحب بقاءهم: أبو جعفر بن جرير، والبربري، وأبو عبد الله بن أبي خيثمة، والمعمري، فما رأيت أفهم منهم ولا أحفظ.

(1)

وهو حديث: "من كنت مولاه فعلى مولاه"، وهو حديث صحيح أخرجه أحمد "2/ 372"، بإسناده عن زيد بن أرقم: وسبق تخريجنا له في هذا الجزء بتعليق رقم "123"، وسبق تخريجنا له بإسهاب في ترجمة علي بن أبي طالب.

ص: 169

قال الفرغاني: وحدثني هارون بن عبد العزيز: قال لي أبو جعفر الطبري: أظهرت مذهب الشافعي، واقتديت به ببغداد عشر سنين، وتلقاه مني ابن بشار الأحول أستاذ بن سريج. قال هارون: فلما اتسع علمه أداه اجتهاده وبحثه إلى ما اختاره في كتبه.

قال الفرغاني: وكتب إلي المراغي، قال: لما تقلد الخاقاني الوزارة وجه إلى أبي جعفر الطبري بمال كثير، فامتنع من قبوله، فعرض عليه القضاء فامتنع، فعرض عليه المظالم فأبى، فعاتبه أصحابه وقالوا: لك في هذا ثواب، وتحيي سنة قد درست. وطمعوا في قبوله المظالم، فباكروه ليركب معهم لقبول ذلك، فانتهرهم وقال: قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه. قال: فانصرفنا خجلين.

أبو الفتح بن أبي الفوارس: أخبرنا محمد بن علي بن سهل ابن الإمام -صاحب محمد بن جرير: سمعت محمد بن جرير وهو يكلم ابن صالح الأعلم، وجرى ذكر علي رضي الله عنه ثم قال: محمد بن جرير: من قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى، أيش هو؟ قال: مبتدع. فقال ابن جرير إنكارًا عليه: مبتدع مبتدع! هذا يقتل.

وقال مخلد الباقرحي: أنشدنا محمد بن جرير لنفسه:

إذا أعسرت لم يعلم رفيقي

أستغني فيستغني صديقي

حيائي حافظ لي ماء وجهي

ورفقي في مطالبتي رفيقي

ولو أني سمحت بماء وجهي

لكنت إلى العلا سهل الطريق

وله:

خلقان لا أرضى فعالهما

بطر الغنى ومذلة الفقر

فإذا غنيت فلا تكن بطرًا

وإذا افتقرت فته على الدهر

قال أبو محمد الفرغاني: حدثني أبو بكر الدينوري، قال: لما كان وقت صلاة الظهر من يوم الاثنين الذي توفي فيه -في آخره- ابن جرير طلب ماء ليجدد وضوءه، فقيل له: تؤخر الظهر تجمع بينها وبين العصر. فأبى وصلى الظهر مفردة، والعصر في وقتها أتم صلاة وأحسنها.

وحضر وقت موته جماعة منهم: أبو بكر بن كامل فقيل له قبل خروج روحه: يا أبا جعفر! أنت الحجة فيما بيننا وبين الله فيما ندين به، فهل من شيء توصينا به من أمر ديننا، وبينة لنا نرجو بها السلامة في معادنا؟ فقال: الذي أدين الله به وأوصيكم هو ما ثبت في

ص: 170

كتبي، فاعملوا به وعليه. وكلامًا هذا معناه، وأكثر من التشهد وذكر الله عز وجل ومسح يده على وجهه، وغمض بصره بيده، وبسطها وقد فارقت روحه الدنيا.

وكان مولده سنة أربع وعشرين ومائتين، ورحل من آمل لما ترعرع وحفظ القرآن، وسمح له أبوه في أسفاره، وكان طول حياته يمده بالشيء بعد الشيء إلى البلدان، فيقتات به، ويقول فيما سمعته: أبطأت عني نفقة والدي، واضطررت إلى أن فتقت كمي قميصي فبعتهما.

قلت: جمع طرق حديث: غدير خم، في أربعة أجزاء، رأيت شطره، فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك.

قيل لابن جرير: إن أبا بكر بن أبي داود يملي في مناقب علي. فقال: تكبيرة من حارس. وقد وقع بين ابن جرير وبين ابن أبي داود. وكان كل منهما لا ينصف الآخر. وكانت الحنابلة حزب أبي بكر بن أبي داود. فكثروا وشغبوا على ابن جرير. وناله أذى، ولزم بيته، نعوذ بالله من الهوى.

وكان ابن جرير من رجال الكمال، وشنع عليه بيسير تشيع، وما رأينا إلَّا الخير، وبعضهم ينقل عنه أنه كان يجيز مسح الرجلين في الوضوء، ولم نر ذلك في كتبه.

ولأبي جعفر في تآليفه عبارة وبلاغة، فمما قاله في كتاب "الآداب النفيسة والأخلاق الحميدة": القول في البيان عن الحال الذي يجب على العبد مراعاة حاله فيما يصدر من عمله لله عن نفسه، قال: إنه لا حالة من أحوال المؤمن يغفل عدوه الموكل به عن دعائه إلى سبيله، والقعود له رصدًا بطرق ربه المستقيمة، صادًا له عنها، كما قال لربه -عز ذكره- إذ جعله من المنظرين:{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِم} [الأعراف: 16 - 17] طمعًا منه في تصديق ظنه عليه إذ قال: لربه: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 62]، فحق على كل ذي حجى أن يجهد نفسه في تكذيب ظنه، وتخييبه منه أمله وسعيه فيما أرغمه، ولا شيء من فعل العبد أبلغ في مكروهه من طاعته ربه، وعصيانه أمره، ولا شيء أسر إليه من عصيانه ربه، واتباعه أمره.

فكلام أبي جعفر من هذا النمط، وهو كثير مفيد.

وقد حكى أبو علي التنوخي في "النشوار" له، عن عثمان بن محمد السلمي، قال: حدثني ابن منجو القائد قال: حدثني غلام لابن المزوق، قال: اشترى مولاي جارية، فزوجنيها فأحببتها وأبغضتني حتى ضجرت، فقلت لها: أنت طالق ثلاثًا، لا تخاطبيني بشيء إلَّا قلت لك مثله، فكم أحتملك؟ فقالت في الحال: أنت طالق ثلاثًا فأبلست، فدللت

ص: 171

على محمد بن جرير، فقال لي: أقم معها بعد أن تقول لها: أنت طالق ثلاثًا إن طلقتك. فاستحسن هذا الجواب. وذكر شيخ الحنابلة ابن عقيل، وقال: وله جواب آخر: أن يقولها كقولها سواء: أنت طالق ثلاثًا -بفتح التاء- فلا يحنث. وقال أبو الفرج بن الجوزي: وما كان يلزمه أن يقول لها ذاك على الفور، فله التمادي إلى قبل الموت.

قلت: ولو قال: أنت طالق ثلاثًا، وقصد الاستفهام أو عنى أنها طالق من وثاق، أو عنى الطلق لم يقع طلاق في باطن الأمر.

وله جواب آخر على قاعدة مراعاة سبب اليمين ونية الحالف، فما كان عليه أن يقول لها ما قالته، إذ من المعلوم بقرينة الحال استثناء ذلك قطعًا، لأنه ما قصد إلَّا أنها إذا قالت له ما يؤذيه أن يؤذيها بمثله، ولو جاوبها بالطلاق لسرت هي، ولتأذى هو، كما استثنى من عموم قوله تعالى:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْء} [النمل: 23]، بقرينة الحال أنها لم تؤت لحية ولا إحليلًا. ومن المعلوم استثناؤه بالضرورة التي لم يقصدها الحالف قط لو حلف: لا تقولي لي شيئًا إلَّا قلت لك مثله، أنها لو كفرت وسبت الأنبياء فلم يجاوبها بمثل ذلك لأحسن.

ثم يقول طائفة من الفقهاء: إنه لم يحنث إلَّا أن يكون -والعياذ بالله- قصد دخول ذلك في يمينه.

وأما على مذهب داود بن علي، وابن حزم، والشيعة، وغيرهم، فلا شيء عليه، ورأوا الحلف والأيمان بالطلاق من أيمان اللغو، وأن اليمين لا تنعقد إلَّا بالله.

وذهب إمام في زماننا إلى أن من حلف على حض أو منع بالطلاق، أو العتاق، أو الحج ونحو ذلك فكفارته كفارة يمين، ولا طلاق عليه.

قال ابن جرير في كتاب "التبصير في معالم الدين": القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرًا، وذلك نحو إخباره تعالى أنه سميع بصير، وأن له يدين بقوله:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة: 64]، وأن له وجهًا بقوله:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّك} [الرحمن: 27]، وأنه يضحك بقوله في الحديث:"لقي الله وهو يضحك إليه"، و"أنه ينزل إلى سماء الدنيا" لخبر رسوله بذلك، وقال عليه السلام:"ما من قلب إلَّا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن"

(1)

إلى أن قال: فإن هذه المعاني التي وصفت ونظائرها مما وصف الله نفسه ورسوله ما لا يثبت حقيقة علمه بالفكر والروية، لا نكفر بالجهل بها أحدًا إلَّا بعد انتهائها إليه.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "2654" من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، به.

وأخرجه أحمد "4/ 182"، وابن ماجه "199" من حديث النواس بن سمعان، به.

ص: 172

أخبرنا أحمد بن هبة الله: أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد، أخبرنا أبو القاسم الأسدي، أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي، أخبرنا أبو سعيد الدينوري مستملي ابن جرير، أخبرنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بعقيدته، فمن ذلك: وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر. وهذا "تفسير" هذا الإمام مشحون في آيات الصفات بأقوال السلف على الإثبات لها، لا على النفي والتأويل، وأنها لا تشبه صفات المخلوقين أبدًا.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله، أخبرنا المسلم بن أحمد المازني، أخبرنا علي بن الحسن الحافظ ببعلبك سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، أخبرنا علي بن إبراهيم الحسيني، أخبرنا أبو بكر الحافظ، قال: قرأت على أبي الحسن هبة الله بن الحسن الأديب لابن دريد. قلت: يرثي ابن جرير:

لن تستطيع لأمر الله تعقيبا

فاستنجد الصبر أو فاستشعر الحوبا

وافزع إلى كنف التسليم وارض بما

قضى المهيمن مكروها ومحبوبا

إن الرزية لا وفر تزعزعه

أيدي الحوادث تشتيتًا وتشذيبا

ولا تفرق ألاف يفوت بهم

بين يغادر حبل الوصل مقضوبا

لكن فقدان من أضحى بمصرعه

نور الهدى وبهاء العلم مسلوبًا

إن المنية لم تتلف به رجلًا

بل أتلفت علمًا للدين منصوبا

أهدى الردى للثرى إذ نال مهجته

نجمًا على من يعادي الحق مصبوبا

كان الزمان به تصفو مشاربه

فالآن أصبح بالتكدير مقطوبا

كلا وأيامه الغر التي جعلت

للعلم نورًا وللتقوى محاريبا

لا ينسري الدهر عن شبه له أبدًا

ما استوقف الحج بالأنصاب أركوبا

إذا انتضى الرأي في إيضاح مشكلة

أعاد منهجها المطموس ملحوبا

لا يولج اللغو والعوراء مسمعه

ولا يقارف ما يغشيه تأنيبا

تجلو مواعظه رين القلوب كما

يجلو ضياء سنا الصبح الغياهيبا

لا يأمن العجز والتقصير مادحه

ولا يخاف على الإطناب تكذيبا

ص: 173

ودت بقاع بلاد الله لو جعلت

قبرًا له لحباها جسمه طيبا

كانت حياتك للدنيا وساكنها

نورًا فأصبح عنها النور محجوبا

لو تعلم الأرض من وارت لقد خشعت

أقطارها لك إجلالًا وترحيبا

إن يندبوك فقد ثلت عروشهم

وأصبح العلم مرثيًا ومندوبا

ومن أعاجيب ما جاء الزمان به

وقد يبين لنا الدهر الأعاجيبا

أن قد طوتك غموض الأرض في لحف

وكنت تملأ منها السهل واللوبا

قال أحمد بن كامل: توفي ابن جرير عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاث مائة، ودفن في داره برحبة يعقوب -يعني: ببغداد. قال: ولم يغير شيبه، وكان السواد فيه كثيرًا، وكان أسمر إلى الأدمة، أعين، نحيف الجسم، طويلًا، فصيحًا، وشيعه من لا يحصيهم إلَّا الله تعالى، وصلَّى على قبره عدة شهور ليلًا ونهارًا إلى أن قال: ورثاه خلق من الأدباء وأهل الدين، ومن ذلك قول أبي سعيد بن الأعرابي:

حدث مفظع وخطب جليل

دق عن مثله اصطبار الصبور

قام ناعي العلوم أجمع لما

قام ناعي محمد بن جرير

ص: 174

‌2695 - محمد بن جرير بن رستم

(1)

:

أبو جعفر الطبري.

قال عبد العزيز الكتاني: هو من الروافض، صنف كتبًا كثيرة في ضلالتهم، له كتاب:"الرواة عن أهل البيت"، وكتاب:"المسترشد في الإمامة".

نقلته من خط الصائن.

‌2696 - علي بن سراج

(2)

:

الإمام الحافظ البارع، أبو الحسن بن أبي الأزهر الحرشي مولاهم المصري، صاحب التصانيف، جال وكتب العالي والنازل.

وأخذ عن أبي عمير عيسى بن النحاس، وسعيد بن أبي زيدون القيسراني، ويوسف بن بحر، وسعيد بن عمرو السكوني، ومحمد بن عبد الرحمن بن الأشعث، وفهد بن سليمان، وأبي زرعة الدمشقي، وخلق كثير. ونزل بغداد، وجمع وصنف.

حدث عنه: أبو بكر الشافعي، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو أحمد العسال، وأبو بكر الجعابي، وأبو عمرو بن حمدان، وعلي ابن عمر السكري، وآخرون.

قال الدراقطني: كان يحفظ الحديث.

وقال الخطيب: كان عارفًا بأيام الناس وأحوالهم، حافظًا.

وقيل: مات سنة ثمان وثلاث مائة في ربيع الأول.

إلا أن الدارقطني قال: كان يشرب ويسكر.

كتب إلينا علي بن أحمد: أخبرنا أبو حفص المعلم، أخبرنا أبو بكر القاضي، أخبرنا محمد بن علي العباسي، أخبرنا علي ابن عمر، حدثنا علي بن سراج الحافظ، حدثنا أبو عمير الرملي، حدثنا رواد بن الجراح، حدثنا سعيد بن بشير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: قال رجل: يا رسول الله! رآني رجل وأنا أصلي في السر، فسرني ذلك. قال:"لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية".

(1)

ترجمته في ميزان الاعتدال "3/ 499"، ولسان الميزان "5/ 103".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 431"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 757"، وميزان الاعتدال "3/ 131" ولسان الميزان "4/ 230"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 252".

ص: 175

‌2697 - عبد الرحمن بن الحسين:

ابن خالد، القاضي العلامة، شيخ أهل الرأي بخراسان، أبو سعيد النيسابوري، الحنفي.

سمع: الحسن بن عيسى بن ماسرجس، ومحمد بن رافع، وعلي بن سلمة اللبقي، وسعدان بن نصر، وأقرانه ببغداد، وأبا زرعة، وأبا حاتم بالري.

حدث عنه: ابنه القاضي عبد الحميد، وأحمد بن هارون الفقيه، وطائفة.

قال أبو عبد الله الحاكم: كان إمام أهل الرأي في عصره بلا مدافعة.

قلت: مات في سنة تسع وثلاث مائة بنيسابور عن نيف وثمانين سنة، وكان بينه وبين ابن خزيمة واقع، بحيث إن أبا بكر صنع تلك المأدبة -التي ما سمع لشيخ بمثلها، وشهدها ألوف من التجار والفقهاء- إثر وفاة هذا القاضي. رحم الله الجميع.

ص: 175

‌2698 - ابن جابر

(1)

:

الإمام المجتهد، صاحب التصانيف، أبو إسحاق، إبراهيم بن جابر البغدادي الفقيه، الثبت.

يروي في "الخلافيات" عن الحسين بن أبي الربيع، والرمادي.

وعنه: الطبراني، وأبو الفضل الزهري.

توفي سنة عشر وثلاث مائة.

‌2699 - ابن مكرم

(2)

:

الإمام الحافظ البارع الحجة، أبو بكر محمد بن الحسين بن مكرم البغدادي، نزيل البصرة.

سمع: بشر بن الوليد الكندي، ومحمد بن بكار بن الريان، وعبيد الله القواريري، ومنصور بن أبي مزاحم، وطبقتهم.

حدث عنه: محمد بن مخلد العطار، وابن عدي، والطبراني، والحسن بن علي القطان، وأهل البصرة.

قال الدراقطني: ثقة.

وقال إبراهيم بن فهد: ما قدم علينا من بغداد أحد أعلم بالحديث من ابن مكرم.

قلت: توفي سنة تسع وثلاث مائة، وله بضع وتسعون سنة.

أكثر عنه الطبراني.

‌2700 - القطان:

الحافظ المسند الثقة، أبو علي، الحسين بن عبد الله بن يزيد بن الأزرق الرقي المالكي القطان الجصاص، رحال مصنف.

سمع: هشام بن عمار، وإبراهيم بن هشام الغساني، والوليد بن عتبة، وإسحاق بن موسى الخطمي، ومخلد بن مالك، وطبقتهم.

حدث عنه: جعفر الخلدي، والحافظ أبو علي النيسابوري، وأبو بكر بن السني، وأبو حاتم البستي، وأبو أحمد بن عدي، وأبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي، وأبو بكر بن المقرئ وخلق.

وثقه الدارقطني.

توفي في حدود سنة عشر وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "6/ 53".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "2/ 233"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 165"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 736"، والعبر "2/ 144"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 258".

ص: 176

‌2701 - الطوسي

(1)

:

الإمام الحافظ المجود، أبو علي، الحسن بن علي بن نصر بن منصور الطوسي.

سمع: محمد بن يحيى، وأحمد بن حفص بن عبد الله، وأحمد بن الأزهر، والفضل بن عبد الله بن خرم الهروي، وبندارًا، وابن مثنى، وإسحاق بن شاهين، وابن عرفة، والزعفراني، ومحمد بن عمرو بن أبي مذعور، وأبا سعيد الأشج، وابن المقرئ، وطبقتهم.

وحدث بقزوين كرتين.

روى عنه: إسحاق بن محمد الكيساني، وابن سلمة القطان، ومحمد بن سليمان بن يزيد الفامي، وعدة. وكتب عنه شيخه أبو حاتم.

قال الخليلي: ثقة، عالم بهذا الشأن.

سئل عنه ابن أبي حاتم، فقال: ثقة معتمد عليه.

قال الخليلي: أدركت من أصحابه نحو عشرة. وله تصانيف حسان.

وقال الحاكم: يعرف بكردوش.

وقال أبو النضر الفامي: يعرف بمكردش.

قلت: روى عنه: أبو سهل الصعلوكي، وأحمد بن محمد بن عبدوس.

توفي على ما قاله الحاكم: بطوس، سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة.

وقال الخليلي: مات في طريق الغزو سنة ثمان وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ جرجان للسهمي "143 - 144"، وتاريخ أصبهان "1/ 262"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 780"، وميزان الاعتدال "1/ 509"، ولسان الميزان "2/ 232"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 264".

ص: 177

‌2702 - الوليد بن أبان

(1)

:

ابن بونة، الحافظ المجود العلامة، أبو العباس الأصبهاني، صاحب "المسند الكبير" و"التفسير".

حدث عن: أحمد بن عبد الجبار العطاردي، وأحمد بن الفرات، وعباس الدوري، وأسيد بن عاصم، ويحيى بن عبدك القزويني، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو الشيخ، والطبراني، ومحمد بن عبد الرحمن بن مخلد، وأحمد بن عبيد الله بن محمود، والأصبهانيون.

مات سنة عشر وثلاث مائة، عن بضع وسبعين سنة.

وقد روى عنه أبو الشيخ كثيرًا في تآليفه، وكان بصيرًا بهذا الشأن، لا يقع لنا حديثه إلَّا بنزول.

‌2703 - الخزاعي

(2)

:

الإمام المقرئ، المحدث، أبو محمد، إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع الخزاعي المكي، شيخ الحرم، جود القرآن على البزي، وعبد الوهاب بن فليح.

وحدث عن: ابن أبي عمر العدني بـ"مسنده"، وعن محمد بن زنبور، وأبي الوليد الأزرقي.

وكان متقنًا، ثقة، ذكر أنه تلا على ابن فليح مائة وعشرين ختمة. وله مصنفات في القراءات.

قرأ عليه: ابن شنبوذ، والمطوعي، ومحمد بن موسى الزينبي، وعدة.

وحدث عنه: ابن المقرئ، وإبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي، وآخرون.

مات بمكة في ثامن رمضان، سنة ثمان وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 334"، والإكمال لابن ماكولا "1/ 371"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة رقم 776"، والعبر "2/ 147"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 206"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 261".

(2)

ترجمته في العبر "2/ 136"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "8/ 403"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 252".

ص: 178

‌2704 - المنبجي

(1)

:

الإمام المحدث، القدوة العابد، أبو بكر، عمر بن سعيد بن أحمد بن سعد بن سنان الطائي المنبجي.

سمع: أبا مصعب الزهري، وهشام بن عمار، ودحيمًا، وأحمد بن أبي شعيب الحراني، ومحمد بن قدامة، وطبقتهم.

حدث عنه: الطبراني، وأبو حاتم بن حبان، وعبدان بن حميد المنبجي، وأبو أحمد بن عدي، وعبد الله بن عبد الملك المنبجي، وأبو الأسد محمد بن إلياس البالسي، وآخرون.

قال ابن حبان: كان قد صام النهار وقام الليل ثمانين سنةً، غازيًا مرابطًا -رحمة الله عليه- لم أظفر له بوفاة.

أخبرنا محمد بن علي الصالحي، أخبرنا الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن الأسدي، أخبرنا جدي، أخبرنا علي بن أبي العلاء الفقيه، أخبرنا عمر بن أحمد بن الوليد بمنبج، حدثنا أبو الأسد محمد بن إلياس، حدثنا عمر بن سعيد المنبجي في سنة ست وثلاث مائة، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، حدثنا الوليد، حدثنا عثمان بن المنذر، سمع القاسم بن محمد يحدث عن: معاوية: أنه أراهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ مسح الرأس وضع كفيه على مقدم رأسه، ثم مر بهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما حتى بلغ المكان الذي منه بدأ. غريب، والقاسم هذا: ثقفي من أهل دمشق. روى عنه أيضًا: قيس بن الأحنف.

‌2705 - البلخي

(2)

:

الإمام المحدث الثبت، أبو العباس، حامد بن محمد بن شعيب بن زهير البلخي ثم البغدادي، المؤدب.

حدث عن: محمد بن بكار بن الريان، وعبيد الله القواريري، وسريج بن يونس، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو بكر محمد بن عمر الجعابي، وعلي بن لؤلؤ الوراق، ومحمد بن إسماعيل الوراق، وعلي بن عمر السكري، وآخرون.

وثقه الدارقطني وغيره.

مولده في سنة ست عشرة ومائتين، ومات سنة تسع وثلاث مائة، عن ثلاث وتسعين سنة، وكان من بقايا المسندين.

(1)

ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 259".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 169"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 164"، والعبر "2/ 144".

ص: 179

‌2706 - ابن ميسر

(1)

:

شيخ المالكية، أبو بكر، أحمد بن محمد بن خالد بن ميسر، الفقيه الإسكندراني، صاحب ابن المواز، وراوي كتابه.

صنف التصانيف، وانتهت إليه رئاسة المذهب بمصر.

توفي في رمضان سنة تسع وثلاث مائة.

وقيل: إنه حدث عن يزيد بن سعيد الإسكندراني.

‌2707 - الحاسب

(2)

:

الثقة المتقن، أبو أحمد، إسماعيل بن موسى البغدادي الحاسب.

سمع: بشر بن الوليد، وجبارة بن المغلس، والقواريري.

وعنه: ابن المظفر، وأبو بكر الوراق.

توفي سنة تسع وثلاث مائة.

‌2708 - ابن قتيبة

(3)

:

الإمام الثقة، المحدث الكبير، أبو العباس، محمد بن الحسن بن قتيبة بن زيادة اللخمي العسقلاني.

سمع: صفوان بن صالح، وهشام بن عمار، وإبراهيم بن هشام الغساني، ويزيد بن عبد الله بن موهب الرملي، ومحمد ابن رمح، وعيسى بن حماد، وحرملة بن يحيى، ومحمد بن يحيى الزماني، وعدة.

(1)

ترجمته في حسن المحاضرة للسيوطي "1/ 449".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "6/ 296"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 160".

(3)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 765"، والعبر "2/ 147"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 260".

ص: 180

حدث عنه: أبو أحمد بن عدي، وأبو علي النيسابوري، وأبو هاشم المؤدب، والقاضي يوسف بن القاسم الميانجي، وأبو بكر ابن المقرئ، وآخرون.

أكثر عنه ابن المقرئ، وكان مسند أهل فلسطين، ذا معرفة وصدق.

فارقه ابن المقرئ في سنة تسع وثلاث مائة، فلعله توفي سنة عشر، أو نحوها.

أخبرنا أحمد بن أبي الحسين، وسليمان بن أبي عمر، وغيرهما قالوا: أخبرنا محمد بن عبد الواحد كتابة، أخبرنا إسماعيل بن علي، أخبرنا محمد بن علي النحوي سنة ثمان وخمسين وأربع مائة، أخبرنا أبو بكر بن المقرئ، سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة، أخبرنا ابن قتيبة، وأبو عروبة، وابن جوصاء قالوا: حدثنا كثير بن عبيد، أخبرنا الحسن، عن سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:"دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب بالبنات"

(1)

.

قال حمزة السهمي: سألت الدارقطني عن ابن قتيبة اللخمي فقال: ثقة.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "6130"، ومسلم "2440"، وأبو داود "4931"، وابن ماجه "1982".

ص: 181

‌2709 - عبد الله بن عروة

(1)

:

الحافظ الإمام البارع، أبو محمد الهروي، مصنف كتاب:"الأقضية".

سمع: أبا سعيد الأشج، والزعفراني، ومحمد بن الوليد البسري، والحسن بن عرفة، وطبقتهم.

حدث عنه: محمد بن أحمد بن الأزهري اللغوي، ومحمد بن عبد الله السياري، وأبو منصور محمد بن عبد الله البزار، وأهل هراة.

توفي سنة إحدى عشرة وثلاث مائة.

أخبرنا الحسن بن علي بن الخلال، أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو الوقت السجزي، حدثنا عبد الله بن محمد الأنصاري، حدثنا علي بن أحمد بن خميرويه، أخبرنا محمد بن أحمد بن الأزهر إملاء، أخبرنا عبد الله ابن عروة، حدثنا محمد بن الوليد، عن غندر، عن شعبة، عن الحكم، عن علي بن الحسين، عن مروان بن الحكم، قال:"شهدت عثمان وعليا بمكة والمدينة، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما رأى علي ذلك أهل بهما فقال: لبيك بحجة وعمرة. فقال عثمان: تراني أنهى الناس وأنت تفعله! قال: لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس"

(2)

.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 779"، والعبر "2/ 148"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 262".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "1563".

ص: 181

‌2710 - ابن النَّفَّاح

(1)

:

الإمام المحدث الثبت، المجود الزاهد القدوة، أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الله بن النفاح بن بدر الباهلي البغدادي، نزيل مصر ومحدثها.

سمع: إسحاق بن أبي إسرائيل، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وحفص بن عمر الدوري المقرئ، وأخذ عنه الحروف، وجماعة.

حدث عنه: أبو سعيد بن يونس، وعبيد الله بن محمد بن خلف البزاز، وأبو الطيب العباس بن أحمد الهاشمي، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو بكر أحمد بن محمد المهندس، وآخرون.

قال ابن يونس: توفي في ربيع الآخر سنة أربع عشرة وثلاث مائة. قال: وكان ثقةً، ثبتًا، صاحب حديث، متقللًا من الدنيا.

وقال الحافظ حمزة الكناني: سمعت محمد بن محمد الباهلي يقول: بضاعتي قليلة، والله يجعل فيها البركة.

قلت: وقد سمع بدمشق من محمود بن خالد، وجود القرآن على أبي عمر الدوري، وعاش بضعًا وثمانين سنة.

‌2711 - السجزي:

الإمام الحافظ، أبو العباس، أحمد بن محمد بن الأزهر بن حريث السجزي.

عن: سعيد بن يعقوب الطالقاني، وعلي بن حجر، وأبي حفص الفلاس، ومحمد بن رافع، والكوسج.

وعنه: أبو بكر بن علي الحافظ، وعبد العزيز بن محمد بن مسلم، وطائفة.

لكنه واه، ذكرته في "الميزان".

توفي سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة.

روى عنه ابن حبان، وتعجب من حفظه ومذاكرته، واتهمه.

فأما الثقة أبو الحسن أحمد بن محمد بن الفضل السجستاني نزيل دمشق، فيروي عن: محمد بن المقرئ، وعلي بن خشرم، وأبي محمد الدرامي، وطبقتهم.

وعنه: جمح، والربعي، وابن حبان، وأبو أحمد الحاكم، والقاضي الأبهري.

مات سنة أربع عشرة وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 214"، والمنتظم "6/ 204"، والعبر "2/ 159"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "1/ 99"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 216"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 269".

ص: 182

‌2712 - الخلال

(1)

:

الإمام العلامة الحافظ الفقيه، شيخ الحنابلة وعالمهم، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي الخلال.

ولد في سنة أربع وثلاثين ومائتين، أو في التي تليها، فيجوز أن يكون رأى الإمام أحمد، ولكنه أخذ الفقه عن خلق كثير من أصحابه، وتلمذ لأبي بكر المروذي.

وسمع من: الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر، ويحيى بن أبي طالب، وحرب بن إسماعيل الكرماني، ويعقوب بن سفيان الفسوي -لقيه بفارس- وأحمد بن ملاعب، والعباس بن محمد الدوري، وأبي داود السجستاني، وعلي بن سهل بن المغيرة البزاز، وأحمد بن منصور الرمادي، وأبي يحيى زكريا بن يحيى الناقد، وأبي جعفر محمد بن عبيد الله بن المنادي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، والحسن بن ثواب المخرمي، وأبي الحسن الميموني، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، ومحمد بن عوف الطائي، وإسحاق بن سيار النصيبي، وأبي بكر الصاغاني، وخلق كثير.

ورحل إلى فارس، وإلى الشام، والجزيرة يتطلب فقه الإمام أحمد وفتاويه وأجوبته، وكتب عن الكبار والصغار، حتى كتب عن تلامذته، وجمع فأوعى، ثم إنه صنف كتاب

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 112"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 174"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 778"، والعبر "2/ 148"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "8/ 99"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 209"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 261".

ص: 183

"الجامع في الفقه" من كلام الإمام، بأخبرنا و حدثنا، يكون عشرين مجلدًا، وصنف كتاب "العلل" عن أحمد في ثلاث مجلدات، وألف كتاب "السنة، وألفاظ أحمد، والدليل على ذلك من الأحاديث" في ثلاث مجلدات، تدل على إمامته وسعة علمه، ولم يكن قبله للإمام مذهب مستقل، حتى تتبع هو نصوص أحمد، ودونها، وبرهنها بعد الثلاث مائة، فرحمه الله تعالى.

قال أبو بكر بن شهريار: كلنا تبع لأبي بكر الخلال، لم يسبقه إلى جمع علم الإمام أحمد أحد.

قلت: الرواية عزيزة عنه.

حدث عنه: الإمام أبو بكر عبد العزيز بن جعفر -غلام الخلال- وأبو الحسين محمد بن المظفر، وطائفة.

قال الخطيب في "تاريخه": جمع الخلال علوم أحمد وتطلبها، وسافر لأجلها، وكتبها، وصنفها كتبًا، لم يكن -فيمن ينتحل مذهب أحمد- أحد أجمع لذلك منه. قال: لي أبو يعلى بن الفراء: دفن أبو بكر الخلال إلى جنب أبي بكر المروذي.

قلت: توفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وثلاث مائة، وله سبع وسبعون سنة، ويقال: بل نيف على الثمانين.

أخبرنا الحسن بن يونس، وعيسى بن عبد الرحمن، قالا: أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا المبارك ابن عبد الجبار، أخبرنا عبد العزيز بن علي، أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، أخبرنا أحمد بن محمد بن هارون، حدثنا المروذي، حدثنا أحمد بن حنبل: سمعت سفيان بن عيينة يقول: فكرك في رزق غد يكتب عليك خطيئة.

ص: 184

‌2713 - أبو جعفر بن حمدان

(1)

:

الإمام الحافظ الزاهد القدوة، المجاب الدعوة، شيخ الإسلام، أبو جعفر أحمد بن حمدان بن علي بن سنان الحيري النيسابوري، والد الشيخين: أبي العباس محمد، وأبي عمرو محمد.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 115"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 176"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 762"، والعبر "2/ 147"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "6/ 360"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 261".

ص: 184

مولده في حدود الأربعين ومائتين، أو قبل ذلك.

وسمع: أحمد بن الأزهر، وعبد الله بن هاشم الطوسي، وعبد الرحمن بن بشر، ومحمد بن يحيى الذهلي، فمن بعدهم ببلده، وارتحل وحج. وأخذ عن: أبي يحيى بن أبي ميسرة، وأبي عمرو بن أبي غرزة الغفاري، وإسماعيل القاضي، وعثمان بن سعيد الدارمي، والحسن بن علي بن زياد، ومعاذ بن نجدة، وأمثالهم.

وارتحل بولده أبي العباس إلى محمد بن أيوب البجلي وغيره، ثم ارتحل بابنه أبي عمرو إلى الحسن بن سفيان وأقرانه، وصنف "الصحيح" المستخرج على "صحيح مسلم" وكان من أوعية العلم.

حدث عنه: أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري الزاهد، وأبو علي الحسين بن علي الحافظ، وعبد الله بن سعد، وأبو الوليد حسان بن محمد، وأبو العباس بن عقدة، وابناه، وطائفة.

قال الحاكم: سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول: لما بلغ أبي من كتاب مسلم إلى حديث محمد بن عباد، عن سفيان:"يسرا ولا تعسرا"

(1)

لم يجده عند أحد عن ابن عباد، فقيل له: هو عند أبي يعلى الموصلي، عن ابن عباد: فرحل إليه قاصدًا من نيسابور لسماع هذا الحديث.

قلت: ورحل لأجل ولديه، قال: وخرج أبي -على كبر السن- إلى جرجان ليسمع من عمران بن موسى بن مجاشع حديث سويد بن سعيد، عن حفص بن ميسرة، "عن موسى بن عقبة"، عن نافع، عن ابن عمر قال:"بينما الناس في صلاة الصبح إذ أتاهم آت .... " وذكر الحديث

(2)

، وسمعته من أبي.

قال الحاكم: سمعت أبا عمرو، سمعت أبي يقول: كل ما قال البخاري: قال لي فلان، فهو مناولة وعرض.

وسمعت أبا عمرو يقول: كان أبي يحيي الليل.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "1733""7".

(2)

صحيح: أخرجه مالك "1/ 195"، والبخاري "403"، ومسلم "526"، من طريق عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة".

ص: 185

الحاكم: سمعت أبا سعيد الشعيبي، سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول: عرضت هذا الحديث -يعني: الحديث الذي أسنده بعد- على ابن عقدة، فقال: حدثناه شيخ طوال يقال له: ابن سنان، فقلت: ذاك أبي.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله في سنة أربع وتسعين، عن عبد المعز بن محمد الهروي: أخبرنا زاهر بن طاهر في سنة سبع وعشرين وخمس مائة، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو عمرو الحيري، حدثني أبي أبو جعفر، حدثنا أحمد بن الأزهر بن منيع، حدثنا أبو النضر، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن ابن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض، فسأل عن ذلك عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"مره فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض حيضة أخرى ثم تطهر، ثم يطلقها قبل أن يمسها إن شاء أو يمسكها، فإن تلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء"

(1)

. رواه الحاكم، عن أبي عمرو الحيري، فوافقناه بعلو.

وبه: قال: أخبرني أبي أبو جعفر: حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا يحيى بن سعيد القطان.

وبه: قال: وأخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا عباس النرسي، حدثنا القطان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصية، وقال:"أنت جميلة".

وبه: قال: أخبرنا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي، حدثنا أبو قدامة، حدثنا يحيى القطان بهذا. خرجه مسلم عن أبي قدامة السرخسي.

قال أبو عبد الرحمن السلمي: صحب الشيخ أبو جعفر أبا حفص النيسابوري، والشاه بن شجاع، وكان الجنيد يكاتبه، وكان أبو عثمان الحيري يقول: من أحب أن ينظر إلى سبل الخائفين فلينظر إلى أبي جعفر.

قال الحاكم: سمعت أبا عمرو يقول: توفي أبي في سنة إحدى عشرة وثلاث مائة، قبل ابن خزيمة بأيام، وكان أبي يختلف مع أبي عثمان إلى أبي حفص النيسابوري مدة.

قلت: مات ابن خزيمة في ثاني ذي القعدة من سنة إحدى عشرة وثلاث مائة، وقد كان الإمام أبو جعفر ذكره يملأ الفم. خلف ولدين مشهورين: أبا العباس بن حمدان -شيخ خوارزم- ومسند نيسابور أبا عمرو بن حمدان.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "5251"، ومسلم "1471"، وأبو داود "2179 - 2185"، والترمذي "1175"، والنسائي "6/ 137 - 141"، وأحمد "2/ 26 و 43 و 51 و 54 و 58".

ص: 186

‌2714 - ابن الأشقر

(1)

:

الشيخ العالم الصدوق، أبو القاسم، عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الخليل بن الأشقر، راوي "التاريخ الصغير" للبخاري عن مؤلفه، كان محدثًا، معمرًا، إمامًا، مفتيًا.

سمع من: محمد بن سليمان لوين، والحسن بن عرفة، ويوسف بن موسى القطان، والحسين بن مهدي، ورجاء بن مرجى، وطائفة.

حدث عنه: محمد بن المظفر، وجبريل بن محمد الهمذاني، وأبو عمر بن حيويه، وأبو حفص بن شاهين، ومحمد بن جعفر ابن يوسف، وأبو العباس أحمد بن زنبيل، وجماعة.

وولي قضاء كرخ بغداد. وقد حدث بهمذان وبأصبهان، ورواياته في أهل تلك النواحي.

توفي سنة بضع عشرة وثلاث مائة.

‌2715 - أبو قريش

(2)

:

الإمام العلامة الحافظ الكبير، أبو قريش، محمد بن جمعة بن خلف القهستاني الأصم، صاحب التصانيف.

ولد سنة نيف وعشرين ومائتين.

سمع: أبا مسلم القهستاني، ومحمد بن حميد الرازي، وأحمد بن منيع، وأبا كريب محمد بن العلاء، ويحيى بن سليمان ابن نضلة، ومحمد بن زنبور، وعبد الجبار بن العلاء العطار، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، ويحيى بن حكيم، وأحمد بن المقدام العجلي، ومحمد بن المثنى، وسلم بن جنادة، ومحمد بن سهل بن عسكر، وسلمة بن شبيب، وطبقتهم بالري، والكوفة، والبصرة، والحجاز.

حدث عنه: أبو حامد بن الشرقي، وأبو عبد الله بن يعقوب الأخرم، وأبو بكر بن علي

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 27"، وتاريخ بغداد "10/ 117".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "2/ 169"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 767"، والعبر "2/ 158"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "2/ 309"، والنجوم الزاهرة "3/ 215"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 268".

ص: 187

الرازي، وأبو الحسين بن يعقوب الحجاجي، وأبو بكر الشافعي، وأبو سهل الصعلوكي، وأبو علي النيسابوري، وأحمد بن محمد بن بالويه، وأبو حامد أحمد بن سهل الأنصاري، وأبو عمرو بن حمدان، وخلق سواهم.

قال الحاكم: كان أبو قريش من الحفاظ المتقنين، كثير السماع والرحلة، جمع المسندين على الرجال وعلى الأبواب، وصنف حديث الشيوخ الأئمة: مالك، والثوري، وشعبة، ويحيى بن سعيد، وغيرهم، وكان يذاكر بحديثهم، ويغلب كثيرًا من الحفاظ. إلى أن قال: وسمع بواسط محمد بن حسان الأزرق، وإسحاق بن حاتم.

وقال أبو بكر الخطيب: كان ضابطًا، حافظًا، متقنًا، كثير السماع والرحلة، يذاكر الحفاظ فيغلبهم.

وقال الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: حدثنا أبو قريش الحافظ، الثقة الأمين.

وقال الحاكم: توفي أبو قريش بقهستان سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة.

قلت: فيها مات: أبو العباس السراج -صاحب المسند.

ومحدث الكوفة عبد الله بن زيدان البجلي.

ومحدث سرخس أبو لبيد محمد بن إدريس السامي.

ومحدث حلب أبو الحسن علي بن عبد الحميد الغضائري.

ومحدث نسا أبو جعفر محمد بن أحمد بن أبي عون النسوي.

ومحدث دمشق جماهر بن محمد الأزدي الزملكاني.

والمسند محدث نيسابور أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي.

والمسند أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أخبرنا عبد المعز بن محمد في كتابه، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد البالويي، حدثنا أبو قريش محمد بن جمعة، حدثنا عبدة بن عبد الله الصفار، حدثنا عبد الله بن حمران، حدثنا شعبة، حدثنا بيان بن بشر: سمعت حمران يحدث عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من علم أن لا إله إلَّا الله دخل الجنة"

(1)

. غريب تفرد به ابن حمران.

ولا يعلم العبد أنه لا إله إلَّا الله حتى يبرأ من كل دين غير الإسلام، وحتى يتلفظ بلا إله إلَّا الله موقنًا بها، فلو علم وأبى أن يتلفظ مع القدرة يعد كافرًا

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "26"، وأحمد "1/ 65".

ص: 188

‌2716 - المقدسي

(1)

:

الإمام المحدث العابد الثقة، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن سلم بن حبيب الفريابي الأصل المقدسي.

سمع: محمد بن رمح، وحرملة بن يحيى، وجماعة بمصر، وهشام بن عمار، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيمًا، وعبد الله بن ذكوان بدمشق.

حدث عنه: أبو حاتم بن حبان ووثقه، والحسن بن رشيق، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر بن المقرئ، وآخرون.

وصفه ابن المقرئ بالصلاح والدين.

مات سنة نيف عشرة وثلاث مائة.

‌2717 - ابن أخي الإمام:

الشيخ المحدث، أبو محمد، عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل الهاشمي الحلبي، ويعرف بابن أخي الإمام.

سمع من: عبد الرحمن بن عبيد الله الأسدي الحلبي ابن أخي الإمام -وهو سميه- ومحمد بن قدامة المصيصي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وبركة بن محمد الحلبي، وجماعة.

حدث عنه: أبو أحمد بن عدي، ومحمد بن سليمان الربعي، وأبو بكر بن المقرئ، والقاضي علي بن محمد بن إسحاق الحلبي، وآخرون.

وقيل: يكنى أبا القاسم أيضًا.

مات سنة بضع عشرة وثلاث مائة.

فأما سميه المحدث: أبو محمد.

(1)

ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 246".

ص: 189

‌2718 - عبد الرحمن بن عبيد الله:

ابن أحمد الأسدي الحلبي المعدل.

حدث عن: إبراهيم بن سعيد الجوهري، ومحمد بن قدامة المصيصي، وأحمد بن حرب الطائي.

حدث عنه: عبد الله بن عدي، ومحمد بن المظفر، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو أحمد الحاكم، وأبو طاهر محمد بن سليمان بن أحمد بن ذكوان، وآخرون.

ويعرف هذا أيضًا -فيما قيل- بابن أخي الإمام، فصاروا ثلاثة، فهذان المتعاصران يشتبهان، بخلاف الكبير الذي هو شيخ أبي داود والنسائي.

‌2719 - جعفر بن أحمد بن سنان:

ابن أسد الواسطي القطان الحافظ، أبو محمد.

سمع: أباه الحافظ أبا جعفر القطان، وتميم بن المنتصر، وأبا كريب، وهناد بن السري، وسليمان بن عبيد الله، ومحمد بن بشار بندارًا، وطبقتهم.

حدث عنه: ابن عدي، والقاضي يوسف الميانجي، وأبو عمرو بن حمدان، وأبو بكر بن المقرئ، وخلق كثير.

توفي سنة سبع وثلاث مائة.

أخبرنا أبو الفضل بن تاج الأمناء، عن عبد المعز بن محمد؛ أخبرنا أبو القاسم المستملي، أخبرنا أبو سعد الطيب، أخبرنا محمد بن أحمد الحيري، أخبرنا جعفر بن أحمد الحافظ بواسط، أخبرنا تميم بن المنتصر، حدثنا إسحاق، عن سفيان، وشريك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبضه بقبض العلماء

" الحديث

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "100"، ومسلم "2673"، والترمذي "2654" من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وتمامه:"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما، اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".

ص: 190

‌2720 - الدولابي

(1)

:

الإمام الحافظ البارع، أبو بشر، محمد بن أحمد بن حماد بن سعيد بن مسلم الأنصاري، الدولابي، الرازي، الوراق.

سمعه الحسن بن رشيق يقول: ولدت في سنة أربع وعشرين ومائتين.

سمع: محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، وأحمد بن أبي سريج الرازي، وزياد بن أيوب، ومحمد بن منصور الجواز، وهارون ابن سعيد الأيلي، وموسى بن عامر المري، وأبا غسان زنيج، ومحمد بن إسماعيل بن علية، وأبا إسحاق الجوزجاني، وأبا بكر محمد بن عبد الرحمن الجعفي، ويزيد بن عبد الصمد، ومحمد بن عوف الحمصي، وطبقتهم.

حدث عنه: عبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو أحمد بن عدي، وأبو القاسم الطبراني، وأبو الحسن بن حيويه، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو بكر أحمد بن محمد المهندس، وأبو حاتم بن حبان، وهشام بن محمد بن قرة الرعيني، وآخرون.

قال الدراقطني: يتكلمون فيه، وما يتبين من أمره إلَّا خير.

وقال ابن عدي: هو متهم فيما يقوله في نعيم بن حماد لصلابته في أهل الرأي.

وقال ابن يونس: كان أبو بشر من أهل الصنعة، وكان يضعف، قال: ومات بالعرج -بين مكة والمدينة- في ذي القعدة، سنة عشر وثلاث مائة.

أخبرنا علي بن محمد، وإسماعيل بن عميرة قالا: أخبرنا الحسن بن صباح، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا علي بن الحسن القاضي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر، أخبرنا أحمد بن بهزاد الفارسي، حدثنا أبو بشر الدولابي، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم: "أبدأ بما بدأ الله به: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه} [البقرة: 158] "

(2)

.

أخبرنا ابن طارق، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا المؤيد بن الأخوة، أخبرنا سعيد بن أبي الرجاء، أخبرنا أحمد بن محمود، ومنصور ابن الحسين قالا: حدثنا أبو بكر محمد بن

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 169"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 646"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 760"، والعبر "2/ 145"، وميزان الاعتدال "3/ 459"، وشذرات الذهب "2/ 260".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1218"، وأبو داود "1905".

ص: 191

إبراهيم، حدثنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد، حدثنا محمد بن عمرو أبو غسان، حدثنا حكام بن سلم، حدثنا عثمان بن زائدة، عن الزبير بن عدي، عن أنس قال:"قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين". أخرجه مسلم

(1)

، عن أبي غسان.

قال السمعاني: فتح دال الدولابي أصح، ودولاب: من قرى الري.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "2348".

ص: 192

‌2721 - المروزي:

الحافظ المجود، أبو عبد الله، محمد بن علي بن إبراهيم المروزي.

رحل وحمل عن بندار، وعلي بن خشرم، وخلق.

وعنه: ابن عقدة، والطبراني، وأبو بكر بن أبي دارم، وآخرون.

مات سنة ست وثلاث مائة.

‌2722 - ابن سفيان

(1)

:

الإمام القدوة الفقيه، العلامة المحدث الثقة، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري، من تلامذة أيوب بن الحسن الزاهد الحنفي، وكان من أئمة الحديث.

سمع" الصحيح" من مسلم بفوت، رواه وجادة وهو في الحج، وفي الوصايا، وفي الإمارة، وذلك محرر مقيد في النسخ، يكون مجموعه سبعًا وثلاثين قائمة. وسمع من: سفيان بن وكيع، وعمرو بن عبد الله الأودي، وعدة بالعراق، ومن محمد بن مقاتل الرازي، وموسى بن نصر بالري، ومن محمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ، وأقرانه بمكة، ومن محمد بن رافع، ومحمد بن أسلم الطوسي ببلده، ولازم مسلمًا مدة، وبرع في علم الأثر.

حدث عنه: أحمد بن هارون الفقيه، والقاضي عبد الحميد بن عبد الرحمن، ومحمد بن أحمد بن شعيب، وأبو الفضل محمد بن إبراهيم، ومحمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي، وآخرون.

قال ابن شعيب: ما كان في مشايخنا أزهد ولا أعبد من ابن سفيان.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 136"، وشذرات الذهب "2/ 252".

ص: 192

وقال محمد بن يزيد العدل: كان ابن سفيان مجاب الدعوة.

وقال الحاكم: كان من العباد المجتهدين الملازمين لمسلم، قال: وسمعت محمد بن أحمد بن شعيب يقول: توفي ابن سفيان عشية الاثنين، ودفن يومئذ في رجب سنة ثمان وثلاث مائة، رحمه الله.

أخبرنا أبو الفضل بن عساكر، أنبأنا أبو روح، أخبرنا زاهر، أخبرنا أبو سعد الأديب، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الفقيه، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، حدثنا أبي، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر حكمة"

(1)

. غريب فرد دار على الأشج، وقد حدث به عنه أبو زرعة الرازي.

(1)

صحيح: أخرجه الترمذي "2844"، من طريق أبي سعيد الأشج، به.

وأخرجه البخاري "6415"، وأبو داود "5010"، من حديث أبي بن كعب، به.

ص: 193

‌2723 - الكعبي

(1)

:

العلامة، شيخ المعتزلة، أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي، المعروف: بالكعبي، من نظراء أبي علي الجبائي، وكان يكتب الإنشاء لبعض الأمراء وهو أحمد بن سهل متولي نيسابور، فثار أحمد، ورام الملك، فلم يتم له، وأخذ الكعبي، وسجن مدة، ثم خلصه وزير بغداد علي ابن عيسى، فقدم بغداد، وناظر بها.

وله من التصانيف كتاب "المقالات"، وكتاب "الغرر"، وكتاب "الاستدلال بالشاهد على الغائب"، وكتاب "الجدل"، وكتاب "السنة والجماعة"، وكتاب "التفسير الكبير"، وكتاب في الرد على متنبئ بخراسان، وكتاب في النقض على الرازي في الفلسفة الإلهية، وأشياء سوى ذلك.

قال محمد بن إسحاق النديم: توفي في أول شعبان سنة تسع وثلاث مائة. كذا قال: وصوابه: سنة تسع وعشرين، وسيعاد.

(1)

ترجمته في الفصل في الملل والنحل "4/ 203"، وتاريخ بغداد "4/ 389"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 238"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 330"، والعبر "2/ 176"، ولسان الميزان "3/ 255"، وشذرات الذهب "2/ 281".

ص: 193

‌2724 - الحلاج

(1)

:

هو الحسين بن منصور بن محمي، أبو عبد الله، ويقال: أبو مغيث -الفارسي، البيضاوي، الصوفي.

والبيضاء: مدينة ببلاد فارس. كان جده محمي مجوسيًا.

نشأ الحسين بتستر، فصحب سهل بن عبد الله التستري، وصحب ببغداد الجنيد، وأبا الحسين النوري، وصحب عمرو بن عثمان المكي، وأكثر الترحال والأسفار والمجاهدة.

وكان يصحح حاله أبو العباس بن عطاء، ومحمد بن خفيف، وإبراهيم أبو القاسم النصر آباذي.

وتبرأ منه سائر الصوفية والمشايخ والعلماء لما سترى من سوء سيرته ومروقه، ومنهم من نسبه إلى الحلول، ومنهم من نسبه إلى الزندقة، وإلى الشعبذة والزوكرة، وقد تستر به طائفة من ذوي الضلال والانحلال، وانتحلوه وروجوا به على الجهال. نسأل الله العصمة في الدين.

أنبأني ابن علان وغيره: أن أبا اليمن الكندي أخبرهم قال: أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثني مسعود بن ناصر السجزي، حدثنا ابن باكويه، أخبرني حمد بن الحلاج قال: مولد أبي بطور البيضاء، ومنشؤه تستر، وتلمذ لسهل سنتين، ثم صعد إلى بغداد.

كان يلبس المسوح، ووقتًا يلبس الدراعة والعمامة والقباء، ووقتًا يمشي بخرقتين، فأول ما سافر من تستر إلى البصرة كان له ثمان عشرة سنة، ثم خرج إلى عمرو المكي، فأقام معه ثمانية عشر شهرًا، ثم إلى الجنيد، ثم وقع بينه وبين الجنيد لأجل مسألة، ونسبه الجنيد إلى أنه مُدَّعٍ، فاستوحش وأخذ والدتي، ورجع إلى تستر، فأقام سنة، ووقع له القبول التام، ولم يزل عمرو بن عثمان يكتب الكتب فيه بالعظائم حتى حرد أبي ورمى بثياب الصوفية، ولبس قباء، وأخذ في صحبة أبناء الدنيا.

ثم إنه خرج وغاب عنا خمس سنين، بلغ إلى ما وراء النهر، ثم رجع إلى فارس، وأخذ

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 112"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 160"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 189"، والعبر "2/ 138"، وميزان الاعتدال "1/ 548"، ولسان الميزان "2/ 314"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 182 و 202"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 253".

ص: 194

يتكلم على الناس، ويعمل المجلس ويدعو إلى الله تعالى، وصنف لهم تصانيف، وكان يتكلم على ما في قلوب الناس، فسمي بذلك حلاج الأسرار، ولقب به.

ثم قدم الأهواز وطلبني، فحملت إليه، ثم خرج إلى البصرة، ثم خرج إلى مكة ولبس المرقعة، وخرج معه خلق، وحسده أبو يعقوب النهرجوري، وتكلم فيه، ثم جاء إلى الأهواز، وحمل أمي وجماعة من كبار أهل الأهواز إلى بغداد، فأقام بها سنة، ثم قصد إلى الهند وما وراء النهر ثانيًا، ودعا إلى الله، وألف لهم كتبًا، ثم رجع، فكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث، ومن بلاد ماصين وتركستان بالمقيت، ومن خراسان بأبي عبد الله الزاهد، ومن خوزستان بالشيخ حلاج الأسرار.

وكان ببغداد قوم يسمونه المصطلم، وبالبصرة المحير، ثم كثرت الأقاويل عليه بعد رجوعه من هذه السفرة، فقام وحج ثالثًا، وجاور سنتين، ثم رجع وتغير عما كان عليه في الأول، واقتنى العقار ببغداد، وبنى دارًا، ودعا الناس إلى معنى لم أقف عليه، إلَّا على شطر منه، ثم وقع بينه وبين الشبلي وغيره من مشايخ الصوفية، فقيل: هو ساحر. وقيل: هو مجنون، وقيل: هو ذو كرامات، حتى أخذه السلطان، انتهى كلام ولده.

وقال السلمي: إنما قيل له: الحلاج لأنه دخل واسطًا إلى حلاج، وبعثه في شغل، فقال: أنا مشغول بصنعتي، فقال: اذهب أنت حتى أعينك، فلما رجع وجد كل قطن عنده محلوجًا.

قال إبراهيم بن عمر بن حنظلة الواسطي السماك، عن أبيه، قال: دخل الحسين بن منصور واسطًا، فاستقبله قطان، فكلفه الحسين إصلاح شغله والرجل يتثاقل فيه، فقال: اذهب فإني أعينك، فذهب، فلما رجع، رأى كل قطن عنده محلوجًا مندوفًا، وكان أربعة وعشرين ألف رطل.

وقيل: بل لتكلمه على الأسرار.

وقيل: كان أبوه حلاجًا.

وقال أبو نصر السراج: صحب الحلاج عمرو بن عثمان، وسرق منه كتبًا فيها شيء من علم التصوف، فدعا عليه عمرو: اللهم اقطع يديه ورجليه.

قال ابن الوليد: كان المشايخ يستثقلون كلامه، وينالون منه لأنه كان يأخذ نفسه بأشياء تخالف الشريعة، وطريقة الزهاد، وكان يدعي المحبة لله، ويظهر منه ما يخالف دعواه.

قلت: ولا ريب أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم عَلَمٌ لمحبة الله لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم} [آل عمران: 31].

ص: 195

أبو عبد الرحمن السلمي: أخبرنا محمد بن الحضرمي، عن أبيه، قال: كنت جالسًا عند الجنيد، إذ ورد شاب عليه خرقتان، فسلم وجلس ساعة، فأقبل عليه الجنيد، فقال له: سل ما تريد أن تسأل، فقال له: ما الذي باين الخليفة عن رسوم الطبع؟ فقال الجنيد له: أرى في كلامك فضولًا، لم لا تسأل عن ما في ضميرك من الخروج والتقدم على أبناء جنسك؟ فأقبل الجنيد يتكلم، وأخذ هو يعارضه إلى أن قال له الجنيد: أي خشبة تفسدها؟ يريد أنه يصلب.

قال السلمي: وسمعت أبا علي الهمذاني يقول: سألت إبراهيم بن شيبان عن الحلاج، فقال: من أحب أن ينظر إلى ثمرات الدعاوي الفاسدة فلينظر إلى الحلاج وما صار إليه.

أبو عبد الله بن باكويه: حدثنا أبو الفوارس الجوزقاني: حدثنا إبراهيم بن شيبان قال: سلم أستاذي أبو عبد الله المغربي على عمرو بن عثمان، فجاراه في مسألة، فجرى في عرض الكلام أن قال: هاهنا شاب على جبل أبي قبيس، فلما خرجنا من عند عمرو صعدنا إليه، وكان وقت الهاجرة، فدخلنا عليه، فإذا هو جالس في صحن الدار على صخرة في الشمس، والعرق يسيل منه على الصخرة، فلما نظر إليه المغربي رجع وأشار بيده: ارجع، فنزلنا المسجد، فقال لي أبو عبد الله: إن عشت تر ما يلقى هذا، قد قعد بحمقه يتصبر مع الله، فسألنا عنه فإذا هو الحلاج.

قال السلمي: حدثنا محمد بن عبد الله بن شاذان: سمعت محمد بن علي الكتاني يقول: دخل الحلاج مكة، فجهدنا حتى أخذنا مرقعته، فأخذنا منها قملة، فوزناها فإذا فيها نصف دانق من شدة مجاهدته.

قلت: ابن شاذان متهم، وقد سمعنا بكثرة القمل، أما كبر القمل، فما وقع، ولو كان يقع، لتداوله الناس.

قال علي بن المحسن التنوخي: أخبرنا أبي: حدثني محمد بن عمر القاضي، قال: حملني خالي معه إلى الحلاج، فقال لخالي: قد عملت على الخروج من البصرة، قال: ولم؟ قال: قد صيرني أهلها حديثًا، حتى إن رجلًا حمل إلي دراهم وقال: اصرفها إلى الفقراء، فلم يكن بحضرتي أحد، فجعلتها تحت بارية

(1)

، فلما كان من غد احتف بي قوم من الفقراء، فشلت البارية وأعطيتهم تلك الدراهم، فشنعوا وقالوا: إني أضرب بيدي إلى التراب فيصير دراهم، وأخذ يعدد مثل هذا، فقام خالي وقال: هذا متنمس.

(1)

بارية: الحصير المنسوج.

ص: 196

قال النديم: قرأت بخط عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر: كان الحلاج مشعبذًا محتالًا، يتعاطى التصرف، ويدعي كل علم، وكان صفرًا من ذلك، وكان يعرف في الكيمياء، وكان مقدامًا جسورًا على السلاطين، مرتكبًا للعظائم، يروم إقلاب الدول، ويدعي عند أصحابه الإلهية، ويقول بالحلول، ويظهر التشيع للملوك، ومذاهب الصوفية للعامة، وفي تضاعيف ذلك يدعي أن الإلهية حلت فيه، تعالى الله وتقدس عما يقول.

وقال ابن باكويه: سمعت أبا الحسن بن أبي توبة يقول: سمعت علي بن أحمد الحاسب يقول: سمعت والدي يقول: وجهني المعتضد إلى الهند لأمور أتعرفها له، فكان معي في السفينة رجل يعرف بالحسين بن منصور، وكان حسن العشرة، فلما خرجنا من المركب قلت: لم جئت؟ قال: لأتعلم السحر وأدعو الخلق إلى الله. وكان على سطح كوخ فيه شيخ، فقال له: هل عندكم من يعرف شيئًا من السحر؟ قال: فأخرج الشيخ كبة من غزل، وناول طرفها الحسين، ثم رمى الكبة في الهواء، فصارت طاقة واحدة، ثم صعد عليها ونزل، وقال للحسين: مثل هذا تريد؟.

وقال أبو القاسم التنوخي: سمعت أحمد بن يوسف الأزرق: حدثني غير واحد من الثقات: أن الحلاج كان قد أنفذ أحد أصحابه إلى بلاد الجبل، ووافقه على حيلة يعملها، فسافر، وأقام عندهم سنين يظهر النسك والعبادة، وإقراء القرآن والصوم، حتى إذا علم أنه قد تمكن أظهر أنه قد عمي، فكان يقاد إلى مسجد، ويتعامى شهورًا، ثم أظهر أنه قد زمن، فكان يحمل إلى المسجد، حتى مضت سنة على ذلك، وتقرر في النفوس زمانته وعماه، فقال لهم بعد ذلك: رأيت في النوم كأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لي: إنه يطرق هذا البلد عبد مجاب الدعوة، تعافى على يده، فاطلبوا لي كل من يجتاز من الفقراء، فلعل الله أن أعافى. فتعلقت النفوس بذلك العبد، ومضى الأجل الذي بينه وبين الحلاج، فقدم البلد، ولبس الصوف، وعكف في الجامع، فتنبهوا له، وأخبروا الأعمى، فقال: احملوني إليه، فلما حصل عنده وعلم أنه الحلاج قال: يا عبد الله: إني رأيت منامًا، وقصه عليه، فقال: من أنا وما محلي؟ ثم أخذ يدعو له، ومسح يده عليه، فقام المتزامن صحيحًا بصيرًا، فانقلب البلد، وازدحموا على الحلاج، فتركهم وسافر، وأقام المعافى شهورًا، ثم قال لهم: إن من حق الله عندي، ورده جوارحي "علي" أن أنفرد بالعبادة، وأن أقيم في الثغر، وأنا أستودعكم الله، فأعطاه هذا ألف درهم وقال: اغز بها عني، وأعطاه هذا مائة دينار وقال: اخرج بها في غزوة، وأعطاه هذا مالًا، وهذا مالًا، حتى اجتمع له ألوف دنانير ودراهم، فلحق بالحلاج، وقاسمه عليها.

ص: 197

قال التنوخي: أخبرنا أبي، قال: من مخاريق الحلاج أنه كان إذا أراد سفرًا ومعه من يتنمس عليه ويهوسه، قدم قبل ذلك من أصحابه الذين يكشف لهم الأمر، ثم يمضي إلى الصحراء، فيدفن فيها كعكًا، وسكرًا، وسويقًا، وفاكهة يابسة، ويعلم على مواضعها بحجر، فإذا خرج القوم وتعبوا قال أصحابه: نريد الساعة كذا وكذا، فينفرد ويري أنه يدعو، ثم يجيء إلى الموضع فيخرج الدفين المطلوب منه، أخبرني بذلك الجم الغفير، وأخبروني قالوا: ربما خرج إلى بساتين البلد، فيقدم من يدفن الفالوذج الحار في الرقاق، والسمك السخن في الرقاق، فإذا خرج طلب منه الرجل -في الحال- الذي دفنه، فيخرجه هو.

ابن باكويه: سمعت محمد بن خفيف: سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول: دخل الحلاج مكة ومعه أربع مائة رجل، فأخذ كل شيخ من شيوخ الصوفية جماعة، فلما كان وقت المغرب جئت إليه، قلت: قم نفطر، فقال: نأكل على رأس أبي قبيس، فصعدنا فلما أكلنا قال الحسين: لم نأكل شيئًا حلوًا! قلت: أليس قد أكلنا التمر؟ فقال: أريد شيئًا مسته النار، فهام وأخذ ركوة، وغاب ساعة، ثم رجع ومعه جام حلواء، فوضعه بين أيدينا وقال: بسم الله، فأخذ القوم يأكلون وأنا أقول: قد أخذ في الصنعة التي نسبها إليه عمرو بن عثمان، فأخذت قطعة، ونزلت الوادي، ودرت على الحلاويين أريهم تلك الحلواء، وأسألهم، حتى قالت لي طباخة: لا يعمل هذا إلَّا بزبيد، إلَّا أنه لا يمكن حمله، فلا أدري كيف حمل؟ فرجع رجل من زبيد إلى زبيد، فتعرف الخبز بزبيد: هل ضاع لأحد من الحلاويين جام علامته كذا وكذا، وإذا به قد حمل من دكان إنسان حلاوي، فصح عندي أن الرجل مخدوم.

قال أبو علي ابن البناء -فيما رواه عنه ابن ناصر بالإجازة: حرك الحلاج يده يومًا، فنثر على من عنده دراهم، فقال بعضهم: هذه دراهم معروفة، ولكن أؤمن بك إذا أعطيتني درهمًا عليه اسمك واسم أبيك، فقال: وكيف وهذا لم يصنع؟ قال: من أحضر من ليس بحاضر صنع ما لم يصنع، فهذه حكاية منقطعة.

وقال التنوخي: أخبرنا أبي: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن زنجي الكاتب، عن أبيه، قال: حضرت مجلس حامد الوزير وقد أحضر السمري -صاحب الحلاج- وسأله عن أشياء من أمر الحلاج، وقال له: حدثني بما شاهدت منه، فقال: إن رأى الوزير أن يعفيني، فعل، فألح عليه، فقال: أعلم أني إن حدثتك كذبتني، ولم آمن عقوبة، فأمنه، فقال: كنت معه بفارس فخرجنا إلى إصطخر في الشتاء، فاشتهيت عليه خيارًا، فقال لي: في مثل هذا المكان والزمان؟ قلت: هو شيء عرض لي، فلما كان بعد ساعة قال: أنت على شهوتك؟ قلت: نعم، فسرنا إلى جبل ثلج، فأدخل يده فيه، وأخرج إلي خيارة خضراء، فأكلتها، فقال

ص: 198

حامد: كذبت يا ابن مائة ألف زانية، أوجعوا فكه، فأسرع إليه الغلمان، وهو يصيح: أليس من هذا خفنا؟ وأخرج فأقبل حامد الوزير يتحدث عن: قوم من أصحاب النيرنجات أنهم كانوا يغدون بإخراج التين وما يجري مجراه من الفواكه، فإذا حصل في يد الإنسان وأراد أن يأكله صار بعرًا.

قلت: صدق حامد، هذا هو شغل أرباب السحر والسيمياء، ولكن قد يقوى فعلهم بحيث يأكل الرجل البعر ولا يشعر بطعمه.

قال ابن باكويه: حدثنا أبو عبد الله بن مفلح، حدثنا طاهر بن عبد الله التستري، قال: تعجبت من أمر الحلاج، فلم أزل أتتبع وأطلب الحيل، وأتعلم النارنجيات لأقف على ما هو عليه، فدخلت عليه يومًا من الأيام، وسلمت وجلست ساعة، فقال لي: يا طاهر! لا تتعن، فإن الذي تراه وتسمعه من فعل الأشخاص لا من فعلي، لا تظن أن كرامة أو شعوذة، فعل الأشخاص: يعني به الجن.

وقال التنوخي: أخبرنا أبي، سمعت أحمد بن يوسف الأزرق: أن الحلاج لما قدم بغداد استغوى خلقًا من الناس والرؤساء، وكان طمعه في الرافضة أقوى لدخوله في طريقهم، فراسل أبا سهل بن نوبخت يستغويه، وكان أبو سهل فطنًا، فقال لرسوله: هذه المعجزات التي يظهرها يمكن فيها الحيل، ولكني رجل غزل، ولا لذة لي أكبر من النساء، وأنا مبتلى بالصلع، فإن جعل لي شعرًا ورد لحيتي سوداء، آمنت بما يدعوني إليه وقلت: إنه باب الإمام، وإن شاء قلت: إنه الإمام، وإن شاء قلت: إنه النبي، وإن شاء قلت: إنه الله، فأيس الحلاج منه وكف.

قال الأزرق: وكان يدعو كل قوم إلى شيء "من هذه الأشياء" حسب ما يستبله طائفة، طائفة، أخبرني جماعة من أصحابه: أنه لما افتتن به الناس بالأهواز وكورها بما يخرج لهم من الأطعمة والأشربة في غير حينها، والدراهم التي سماها دراهم القدرة، فحدث أبو علي الجبائي بذلك، فقال: هذه الأشياء يمكن الحيل فيها في منازل، لكن أدخلوه بيتًا من بيوتكم وكلفوه أن يخرج منه جرزتين شوكًا، فبلغ الحلاج قوله، وأن قومًا عملوا على ذلك، فسافر.

وفي "النشوار" للتنوخي: أخبرنا أبو بكر محمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثني منجم ماهر قال: بلغني خبر الحلاج، فجئته كالمسترشد، فخاطبني وخاطبته ثم قال: تشه الساعة ما شئت حتى أجيئك به. وكنا في بعض بلدان الجبل التي لا يكون فيها الأنهار، فقلت: أريد سمكًا طريًا حيًا، فقام، فدخل البيت، وأغلق بابه، وأبطأ ساعة، ثم جاءني وقد

ص: 199

خاض وحلًا إلى ركبته، ومعه سمكة تضطرب، وقال: دعوت الله، فأمرني أن أقصد البطائح، فجئت بهذه، قال: فعلمت أن هذا حيلة، فقلت له: فدعني أدخل البيت، فإن لم تنكشف لي حيلة آمنت بك؟ قال: شأنك، فدخلت البيت وغلقت على نفسي، فلم أجد طريقًا ولا حيلة، ثم قلعت من التأزير، ودخلت إلى دار كبيرة فيها بستان عظيم، فيه صنوف الأشجار، والثمار، والريحان، التي هو وقتها، وما ليس وقتها "مما" قد غطي وعتق واحتيل في بقائه، وإذا الخزائن مفتحة، فيها أنواع الأطعمة وغير ذلك، وإذا بركة كبيرة، فخضتها، فإذا رجلي قد صارت بالوحل كرجليه، فقلت: الآن إن خرجت ومعي سمكة قتلني، فصدت سمكة، فلما صرت إلى باب البيت أقبلت أقول: آمنت وصدقت، ما ثم حيلة، وليس إلَّا التصديق بك، قال: فخرج، وخرجت وعدوت، فرأى السمكة معي، فعدا خلفي، فلحقني، فضربت بالسمكة في وجهه وقلت له: أتعبتني حتى مضيت إلى البحر فاستخرجت هذه، فاشتغل بما لحقه من السمكة، فلما صرت في الطريق رميت بنفسي "لما لحقني من الجزع والفزع"، فجاء إلي، وضاحكني وقال: ادخل، فقلت: هيهات، فقال: اسمع، والله لئن شئت قتلتك على فراشك، ولكن إن سمعت بهذه الحكاية لأقتلنك، فما حكيتها حتى قتل.

قلت: هذا المنجم مجهول، أنا أستبعد صدقه.

ابن باكويه: سمعت علي بن الحسين الفارسي بالموصل، سمعت أبا بكر بن سعدان يقول: قال: لي الحلاج: تؤمن بي حتى أبعث إليك بعصفور أطرح من ذرقها وزن حبة على كذا منا نحاسًا فيصير ذهبًا؟ فقلت له: بل أنت تؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء، فإذا أردت أن تخفيه أخفتيه في إحدى عينيك، قال: فبهت وسكت.

ويروى أن رجلًا قال: للحلاج: أريد تفاحة، ولم يكن وقته، فأومأ بيده إلى الهواء، فأعطاهم تفاحة وقال: هذه من الجنة، فقيل له: فاكهة الجنة غير متغيرة، وهذه فيها دودة، فقال: لأنها خرجت من دار البقاء إلى دار الفناء، فحل بها جزء من البلاء.

فانظر إلى ترامي هذا لمسكين على الكرامات والخوارق، فنعوذ بالله من الخذلان، فعن عمر رضي الله عنه أنه كان يتعوذ من خشوع النفاق.

قال ابن باكويه: حدثنا حمد بن الحلاج قال: ثم قدم أبي بغداد، وبنى دارًا، ودعا الناس إلى معنى لم أقف إلَّا على شطر منه، حتى خرج عليه محمد ابن داود، وجماعة من العلماء، وقبحوا صورته، ووقع بينه وبين الشبلي.

ص: 200

قال ابن باكويه: سمعت عيسى بن بزول القزويني يقول: إنه سأل ابن خفيف عن معنى هذه الأبيات:

سبحان من أظهر ناسوته

سر سنا لاهوته الثاقب

ثم بدا في خلقه ظاهرًا

في صورة الآكل والشارب

حتى لقد عاينه خلقه

كلحظة الحاجب بالحاجب

فقال ابن خفيف: على قائل ذا لعنة الله، قال: هذا شعر الحسين الحلاج، قال: إن كان هذا اعتقاده فهو كافر فربما يكون مقولًا عليه.

السلمي: أخبرنا عبد الواحد بن بكر، سمعت أحمد بن فارس، سمعت الحلاج يقول: حجبهم الاسم فعاشوا، ولو أبرز لهم علوم القدرة لطاشوا.

وقال: أسماء الله من حيث الإدراك رسم، ومن حيث الحق حقيقة.

وقال: إذا تخلص العبد إلى مقام المعرفة، أوحي إليه بخاطرة.

و"قال": من التمس الحق بنور الإيمان، كان كمن طلب الشمس بنور الكواكب.

وقال: ما انفصلت البشرية عنه، ولا اتصلت به.

ومما روي للحلاج:

أنت بين الشغاف والقلب تجري

مثل جري الدموع من أجفاني

وتحل الضمير جوف فؤادي

كحلول الأرواح في الأبدان

يا هلالًا بدا لأربع عشر

لثمان وأربع واثنتان

وله:

مزجت روحي في روحك كما

تمزج الخمرة بالماء الزلال

فإذا مسك شيء مسني

فإذا أنت أنا في كل حال

وعن القناد قال: لقيت يومًا الحلاج في حالة رثة، فقلت له: كيف حالك؟ فأنشأ يقول:

لئن أمسيت في ثوبي عديم

لقد بليا على حر كريم

فلا يحزنك أن أبصرت حالًا

مغيرة عن الحال القديم

فلي نفس ستذهب أو سترقى

لعمرك بي إلى أمر جسيم

ص: 201

وفي سنة إحدى وثلاث مائة أدخل الحلاج بغداد مشهورًا على جمل، قبض عليه بالسوس، وحمل إلى الرائشي، فبعث به إلى بغداد، فصلب حيا، ونودي عليه: هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه.

وقال الفقيه أبو علي بن البناء: كان الحلاج قد ادعى أنه إله، وأنه يقول بحلول اللاهوت في الناسوت، فأحضره الوزير علي بن عيسى فلم يجده -إذ سأله- يحسن القرآن والفقه ولا الحديث، فقال: تعلمك الفرض والطهور أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها، كم تكتب -ويلك- إلى الناس: تبارك ذو النور الشعشعاني؟! ما أحوجك إلى أدب! وأمر به فصلب في الجانب الشرقي، ثم في الغربي، ووجد في كتبه: إني مغرق قوم نوح، ومهلك عاد وثمود.

وكان يقول للواحد من أصحابه: أنت نوح، ولآخر: أنت موسى، ولآخر: أنت محمد.

وقال: من رست قدمه في مكان المناجاة، وكوشف بالمباشرة، ولوطف بالمجاورة، وتلذذ بالقرب، وتزين بالأنس، وترشح بمرأى الملكوت، وتوشح بمحاسن الجبروت، وترقى بعد أن توقى، وتحقق بعد أن تمزق، وتمزق بعد أن تزندق، وتصرف بعد أن تعرف، وخاطب وما راقب، وتدلل بعد أن تذلل، ودخل وما استأذن، وقرب لما خرب، وكلم لما كرم، ما قتلوه وما صلبوه.

ابن باكويه: سمعت الحسين بن محمد المذاري يقول: سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول: دخل الحسين بن منصور مكة، فجلس في صحن المسجد لا يبرح من موضعه إلَّا للطهارة أو الطواف، لا يبالي بالشمس ولا بالمطر، فكان يحمل إليه كل عشية كوز وقرص، فيعض من جوانبه أربع عضات ويشرب.

أخبرنا المسلم بن محمد القيسي كتابة، أخبرنا الكندي، أخبرنا ابن زريق، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثني محمد بن أبي الحسن الساحلي، عن أحمد بن محمد النسوي، سمعت محمد بن الحسين الحافظ، سمعت إبراهيم بن محمد الواعظ يقول: قال أبو القاسم الرازي: قال أبو بكر بن ممشاذ: حضر عندنا بالدينور رجل معه مخلاة، ففتشوها، فوجدوا فيها كتابًا للحلاج عنوانه: من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان، فوجه إلى بغداد فأحضر وعرض عليه، فقال: هذا خطي وأنا كتبته، فقالوا: كنت تدعي النبوة، صرت تدعي الربوبية؟! قال:

ص: 202

لا، ولكن هذا عين الجمع عندنا، هل الكاتب إلَّا الله وأنا؟ فاليد فيه آلة، فقيل: هل معك أحد؟ قال: نعم، ابن عطاء، وأبو محمد الجريري، والشبلي، فأحضر الجريري، وسئل، فقال: هذا كافر، يقتل من يقول هذا، وسئل الشبلي فقال: من يقول هذا يمنع، وسئل ابن عطاء، فوافق الحلاج، فكان سبب قتله.

قلت: أما أبو العباس بن عطاء فلم يقتل، وكلم الوزير بكلام غليظ لما سأله، وقال: ما أنت وهذا، اشتغلت بظلم الناس، فعزره، وقال السلمي: حدثنا محمد بن عبد الله بن شاذان قال: كان الوزير حين أحضر الحلاج للقتل حامد بن العباس، فأمره أن يكتب اعتقاده، فكتب اعتقاده، فعرضه الوزير على الفقهاء ببغداد، فأنكروه، فقيل لحامد: إن ابن عطاء يصوب قوله، فأمر به، فعرض على ابن عطاء، فقال: هذا اعتقاد صحيح، ومن لم يعتقد هذا فهو بلا اعتقاد، فأحضر إلى الوزير، فجاء، وتصدر في المجلس، فغاظ الوزير ذلك، ثم أخرج ذلك الخط فقال: أتصوب هذا؟ قال: نعم، مالك ولهذا؟ عليك بما نصبت له من المصادرة والظلم، مالك وللكلام في هؤلاء السادة؟ فقال الوزير: فكيه. فضرب فكاه، فقال أبو العباس: اللهم إنك سلطت هذا علي عقوبة لدخولي عليه، فقال الوزير: خفه يا غلام، فنزع خفه، فقال: دماغه، فما زال يضرب دماغه حتى سال الدم من منخريه، ثم قال: الحبس، فقيل: أيها الوزير؟ يتشوش العامة، فحمل إلى منزله.

وروى أبو إسحاق البرمكي، عن أبيه، عن جده قال: حضرت بين يدي أبي الحسن بن بشار، وعنده أبو العباس الأصبهاني، فذاكره بقصة الحلاج، وأنه لما قتل كتب ابن عطاء إلى ابن الحلاج كتابًا يعزيه عن أبيه، وقال: رحم الله أباك، ونسخ روحه في أطيب الأجساد، فدل هذا على أنه يقول بالتناسخ، فوقع الكتاب في يد حامد، فأحضر أبا العباس بن عطاء وقال: هذا خطك؟ قال: نعم، قال: فإقرارك أعظم، قال: فشيخ يكذب؟! فأمر به، فصفع، فقال أبو الحسن بن بشار: إني لأرجو أن يدخل الله حامد بن العباس الجنة بذلك الصفع.

قال السلمي: أكثر المشايخ ردوا الحلاج ونفوه، وأبوا أن يكون له قدم في التصوف، وقبله ابن عطاء، وابن خفيف، والنصر آباذي.

قلت: قد مر أن ابن خفيف عرض عليه شيء من كلام الحلاج، فتبرأ منه.

وقال محمد بن يحيى الرازي: سمعت عمرو بن عثمان يلعن الحلاج ويقول: لو قدرت عليه لقتلته بيدي، فقلت: أيش وجد الشيخ عليه؟ قال: قرأت آية من كتاب الله فقال: يمكنني أن أؤلف مثله.

ص: 203

وقال أبو يعقوب الأقطع: زوجت ابنتي من الحسين بن منصور لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر، محتال كافر.

وقال أبو يعقوب النعماني: سمعت أبا بكر محمد بن داود الفقيه يقول إن كان ما أنزل الله على نبيه حقًا، فما يقول الحلاج باطل، وكان شديدًا عليه.

السلمي: سمعت علي بن سعيد الواسطي بالكوفة يقول: ما تجرد أحد على الحلاج وحمل السلطان على قتله كما تجرد له ابن داود، وبلغني أنه لما أخرج إلى القتل تغير وجه حامد بن العباس، فقال له بعض الفقهاء: لا تَشُكَّنَّ أيها الوزير، إن كان ما جاء به محمد حقًا، فما يقول هذا باطل.

السلمي: سمعت الحسين بن يحيى، سمعت جعفرًا الخلدي وسئل عن الحلاج فقال: أعرفه وهو حدث، كان هو والفوطي يصحبان عمرًا المكي، وهو يحلج.

السلمي: سمعت جعفر بن أحمد يقول: سمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول: الحلاج مموه ممخرق.

قال السلمي: وبلغني أنه وقف على الجنيد، فقال: أنا الحق، قال: بل أنت بالحق، أي خشبة تفسد.

السلمي: سمعت أبا بكر بن غالب يقول: سمعت بعض أصحابنا يقول: لما أرادوا قتل الحلاج، أحضر لذلك الفقهاء، فسألوه: ما البرهان؟ قال: شواهد يلبسها الحق لأهل الإخلاص، يجذب في النفوس إليها جاذب القبول، فقالوا بأجمعهم: هذا كلام أهل الزندقة.

فنقول: بل من وزن نفسه وزمها بالكتاب والسنة، فهو صاحب برهان وحجة، فما أخيب سهم من فاته ذلك!

قال: ابن الجوزي فيما أنبأوني عنه: إن شيخه أبا بكر الأنصاري أنبأه قال: شهدت أنا، وجماعة على أبي الوفاء بن عقيل قال: كنت قد اعتقدت في الحلاج ونصرته في جزء، وأنا تائب إلى الله منه، وقد قتل بإجماع فقهاء عصره، فأصابوا وأخطأ هو وحده.

السلمي: سمعت منصور بن عبد الله: سمعت الشبلي يقول: كنت أنا والحلاج شيئًا واحدًا، إلَّا أنه أظهر وكتمت، وسمعت منصورًا يقول: وقف الشبلي عليه وهو مصلوب، فنظر إليه وقال: ألم ننهك عن العالمين؟!

ص: 204

أبو القاسم التنوخي: أخبرنا أبي: حدثني حسين بن عباس عمن حضر مجلس حامد وجاؤوه بدفاتر الحلاج، فيها: إن الإنسان إذا أراد الحج فإنه يستغني عنه بأن يعمد إلى بيت في داره، فيعمل فيها محرابًا، ويغتسل ويحرم، ويقول: كذا وكذا، ويصلي كذا وكذا، ويطوف بذلك البيت، فإذا فرغ فقد سقط عنه الحج إلى الكعبة، فأقر به الحلاج وقال: هذا شيء رويته كما سمعته، فتعلق بذلك عليه الوزير، واستفتى القاضيين: أبا جعفر أحمد بن البهلول، وأبا عمر محمد بن يوسف، فقال أبو عمر: هذه زندقة يجب بها القتل، وقال أبو جعفر: لا يجب بهذا قتل إلَّا أن يقر أنه يعتقده، لأن الناس قد يروون الكفر ولا يعتقدونه، وإن أخبر أنه يعتقده استتيب منه، فإن تاب فلا شيء عليه، وإلا قتل، فعمل الوزير على فتوى أبي عمر على ما شاع وذاع من أمره، وظهر من إلحاده وكفره، فاستؤذن المقتدر في قتله، وكان قد استغوى نصرًا القشوري من طريق الصلاح والدين، لا بما كان يدعو إليه، فخوف نصر السيدة أم المقتدر من قتله، وقال: لا آمن أن يلحق ابنك عقوبة هذا الصالح، فمنعت المقتدر من قتله، فلم يقبل، وأمر حامدًا بقتله، فحم المقتدر يومه ذلك، فازداد نصر وأم المقتدر افتتانًا، وتشكك المقتدر، فأنفذ إلى حامد يمنعه من قتله، فأخر ذلك أيامًا إلى أن عوفي المقتدر، فألح عليه حامد وقال: يا أمير المؤمنين! هذا إن بقي قلب الشريعة، وارتد خلق على يديه، وأدى ذلك إلى زوال سلطانك، فدعني أقتله، وإن أصابك شيء فاقتلني، فأذن له في قتله، فقتله من يومه، فلما قتل قال أصحابه: ما قتل وإنما قتل برذون كان لفلان الكاتب، نفق يومئذ وهو يعود إلينا بعد مدة، فصارت هذه الجهالة مقالة طائفة، قال: وكان أكثر مخاريق الحلاج أنه يظهرها كالمعجزات، يستغوي بها ضعفة الناس.

قال أبو علي التنوخي: أخبرني أبو الحسن أحمد بن يوسف التنوخي، قال: أخبرني جماعة أن أهل مقالة الحلاج يعتقدون أن اللاهوت الذي كان فيه حال في ابن له بتستر، وأن رجلًا فيها هاشم يقال له: أبو عمارة محمد بن عبد الله قد حلت فيه روح محمد صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب فيهم بسيدنا.

قال التنوخي الأزرق: فأخبرني بعض من استدعاه من الحلاجية إلى أبي عمارة هذا إلى مجلس، فتكلم فيه على مذهب الحلاج ويدعو إليه، قال: فدخلت وظنوا أني مسترشد، فتكلم بحضرتي والرجل أحول، فكان يقلب عينيه إلي فيجيش خاطره بالهوس، فلما خرجنا قال: لي الرجل: آمنت؟ فقلت: أشد ما كنت تكذيبًا لقولكم الآن، هذا عندكم بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم!؟ لم لا يجعل نفسه غير أحول؟ فقال: يا أبله! وكأنه أحول، إنما يقلب عينيه في الملكوت.

ص: 205

قال أبو علي التنوخي: أخبرني أبو العباس المتطبب أحد مسلمي الطب الذين شاهدتهم: إن حي نور بن الحلاج بتستر، وإنه يلتقط دراهم من الهواء ويجمعها ويسميها دراهم القدرة، فأحضروا منها إلى مجمع كان لهم، فوضعوها واتخذوا أولئك يشهدون له أنه التقطها من الجو، يغرون بها قومًا غرباء، يستدعونهم بذلك، ويرون أن قدر حي نور أجل من أن يمتحن كل وقت، فلما وضعت الدراهم في منديل قلبتها فإذا فيها درهم زائف، فقلت: أهذه دراهم القدرة كلها؟ قالوا: نعم، فأريتهم الدرهم الزيف، فتفرقت الجماعة وقمنا، وكان حي نور قد استغوى قائدًا ديلميًا على تستر، ثم زاد عليه في المخرقة الباردة، فانهتك له، فقتله، فمن بارد مخاريقه: أنه أحضر جرابًا وقال له: إذا حزبك أمر أخرجت لك من هذا الجراب ألف تركي بسلاحهم ونفقتهم، فسقط من عينه واطرحه، فجاء إليه بعد مدة وقال: أنا أرد يد الملك أحمد بن بويه المقطوعة صحيحة، فأدخلني إليه، فصاح عليه وقال: أريد أن أقطع يدك؛ فإن رددتها حملتك إليه، فاضطرب من ذلك، فرماه بشيء كانت فيه منيته، فبعثه سرًا فغرقه.

قال علي بن محمود الزوزني: سمعت محمد بن محمد بن ثوابة يقول: حكى لي زيد القصري، قال: كنت بالقدس، إذ دخل الحلاج، وكان يومئذ يشعل فيه قنديل بدهن البلسان، فقام الفقراء إليه يطلبون منه شيئًا، فدخل بهم إلى القمامة، فجلس بين الشمامسة، وكان عليه السواد، فظنوه منهم، فقال لهم: متى يشعل القنديل؟ قالوا: إلى أربع ساعات فقال: كثير. فأومأ بأصبعه، فقال: الله. فخرجت نار من يده، فأشعلت القنديل، واشتعلت ألف قنديل حواليه، ثم ردت النار إلى أصبعه، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا حنيفي، أقل الحنيفيين، تحبون أن أقيم أو أخرج؟ فقالوا: ما شئت، فقال: أعطوا هؤلاء شيئًا، فأخرجوا بدرة فيها عشرة آلاف درهم للفقراء.

فهذه الحكاية وأمثالها ما صح منها فحكمه أنه مخدوم من الجن.

قال التنوخي: وحدثني أحمد بن يوسف الأزرق قال: بلغني أن الحلاج كان لا يأكل شيئًا شهرًا، فهالني هذا، وكان بين أبي الفرج وبين روحان الصوفي مودة، وكان محدثًا صالحًا وكان القصري -غلام الحلاج- زوج أخته، فسألته عن ذلك، فقال: أما ما كان الحلاج يفعله فلا أعلم كيف كان يتم له، ولكن صهري القصري قد أخذ نفسه، ودرجها، حتى صار يصبر عن الأكل خمسة عشر يومًا، أقل أو أكثر، وكان يتم له ذلك بحيلة تخفى علي، فلما حبس في جملة الحلاجية، كشفها لي، وقال لي: إن الرصد إذا وقع بالإنسان، وطال فلم تنكشف معه حيلة، ضعف عنه الرصد، ثم لا يزال يضعف كلما لم تنكشف حيلته، حتى يبطل أصلًا،

ص: 206

فيتمكن حينئذ من فعل ما يريد، وقد رصدني هؤلاء منذ خمسة عشر يومًا، فما رأوني آكل شيئًا بتة، وهذا نهاية صبري، فخذ رطلًا من الزبيب ورطلًا من اللوز، فدقهما، واجعلهما مثل الكسب، وابسطه كالورقة، واجعلها بين ورقتين كدفتر، وخذ الدفتر في يدك مكشوفًا مطويا ليخفى، وأحضره لي خفية لآكل منه وأشرب الماء في المضمضة، فيكفيني ذلك خمسة عشر يومًا أخرى، فكنت أعمل ذلك له طول حبسه.

قال إسماعيل الخطبي في "تاريخه": وظهر رجل يعرف بالحلاج، وكان في حبس السلطان بسعاية وقعت به في وزارة علي بن عيسى، وذكر عنه ضروب من الزندقة، ووضع الحيل على تضليل الناس من جهات تشبه الشعوذة والسحر وادعاء النبوة، فكشفه الوزير، وأنهى خبره إلى المقتدر، فلم يقر بما رمي به، وعاقبه، وصلبه حيا أيامًا، ونودي عليه، ثم حبس سنين، ينقل من حبس إلى حبس، حتى حبس بآخرة في دار السلطان، فاستغوى جماعة من الغلمان، وموه عليهم، واستمالهم بحيله، حتى صاروا يحمونه، ويدفعون عنه، ثم راسل جماعة من الكبار، فاستجابوا له، وترامى به الأمر حتى ذكر عنه أنه ادعى الربوبية، فسعي بجماعة من أصحابه فقبض عليهم، ووجد عند بعضهم كتب له تدل على ما قيل عنه، وانتشر خبره، وتكلم الناس في قتله، فسلمه الخليفة إلى الوزير حامد، وأمر أن يكشفه بحضرة القضاة، ويجمع بينه وبين أصحابه، فجرت في ذلك خطوب، ثم تيقن السلطان أمره، فأمر بقتله وإحراقه لسبع بقين من ذي القعدة، سنة تسع وثلاث مائة، فضرب بالسياط نحوًا من ألف، وقطعت يداه ورجلاه، وضربت عنقه، وأحرق بدنه، ونصب رأسه للناس، وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه.

قال أبو علي التنوخي: أخبرني أبو الحسين بن عياش القاضي، عمن أخبره: أنه كان بحضرة حامد بن العباس لما قبض على الحلاج، وقد جيء بكتب وجدت في داره من دعاته في الأطراف يقولون فيها: وقد بذرنا لك في كل أرض ما يزكو فيها، وأجاب قوم إلى أنك الباب -يعني: الإمام- وآخرون يعنون أنك صاحب الزمان -يعنون: الإمام الذي تنتظره الإمامية- وقوم إلى أنك صاحب الناموس الأكبر -يعنون: النبي صلى الله عليه وسلم وقوم يعنون أنك هو هو -يعني الله عز وجل قال: فسئل الحلاج عن تفسير هذه الكتب، فأخذ يدفعه ويقول: هذه الكتب لا أعرفها، هذه مدسوسة علي، ولا أعلم ما فيها، ولا معنى هذا الكلام، وجاؤوا بدفاتر للحلاج فيها: أن الإنسان إذا أراد الحج، فإنه يكفيه أن يعمد إلى بيت

وذكر القصة.

ص: 207

قال أبو علي بن البناء الحنبلي: كان عندنا بسوق السلاح رجل يقول: القرآن حجاب، والرسول حجاب، وليس إلَّا عبد ورب، فافتتن به جماعة، وتركوا العبادات، ثم اختفى مخافة القتل.

وقال الخطيب في "تاريخه": ثم انتهى إلى حامد أن الحلاج قد موَّه على الحشم والحُجَّاب بالدار بأنه يحيي الموتى، وأن الجن يخدمونه، وأظهر أنه قد أحيى عدة من الطير، وقيل: إن القُنَّائي الكاتب يعبد الحلاج ويدعو إليه، فكبس بيته، وأحضروا من داره دفاتر ورقاعا بخط الحلاج، فنهض حامد، فدفعه المقتدر إلى حامد، فاحتفظ به، وكان يخرجه كل يوم إلى مجلسه ليظفر له بسقطه، فكان لا يزيد على إظهار الشهادتين والتوحيد والشرائع، وقبض حامد على جماعة يعتقدون إلهية الحلاج، فاعترفوا أنهم دعاة الحلاج، وذكروا لحامد أنه قد صح عندهم أنه إله، وأنه يحيي الموتى، وكاشفوا بذلك الحلاج، فجحد، وكذبهم، وقال: أعوذ بالله أن أدعي النبوة والربوبية، إنما أنا رجل أعبد الله، وأكثر الصلاة والصوم وفعل الخير، ولا أعرف غير ذلك.

قال إسماعيل بن محمد بن زنجي: أخبرنا أبي قال: كان أول ما انكشف من أمر الحلاج لحامد أن شيخًا يعرف بالدباس كان ممن استجاب له، ثم تبين مخرقته، ففارقه، واجتمع معه على هذه الحال أبو علي الأوارجي الكاتب، وكان قد عمل كتابًا ذكر فيه مخاريق الحلاج والحيل فيها، والحلاج حينئذ مقيم عند نصر القشوري في بعض حجره، موسع عليه، مأذون لمن يدخل إليه، وكان قد استغوى القشوري، فكان يعظمه، ويحدث أن علة عرضت للمقتدر في جوفه، فأدخل إليه الحلاج، فوضع يده عليها، فعوفي، فقام بذلك للحلاج سوق في الدار وعند أم المقتدر، ولما انتشر كلام الدباس والأوارجي في الحلاج، أحضر إلى الوزير، ابن عيسى، فأغلظ له، فحكي في ذلك الوقت أنه تقدم إلى الوزير، وقال له سرًا: قف حيث انتهيت ولا تزد، وإلا قلبت الأرض عليك، فتهيبه الوزير، فنقل حينئذ إلى حامد بن العباس.

وكانت بنت السمري -صاحب الحلاج- قد أدخلت إليه، وأقامت عنده في دار الخلافة، وبعث بها إلى حامد ليسألها عما رأت، فدخلت إلى حامد، وكانت عذبة العبارة، فسألها، فحكت أنها حملها أبوها إلى الحلاج، وأنها لما دخلت عليه، وهب لها أشياء مثمنة، منها ريطة خضراء، وقال لها: زوجتك ابني سليمان، وهو أعز ولدي علي، وهو مقيم بنيسابور، ليس يخلو أن يقع بين المرأة وزوجها خلاف، أو تنكر منه حالًا، وقد أوصيته بك، فمتى جرى عليك شيء، فصومي يومك، واصعدي إلى السطح، وقومي على الرماد، واجعلي فطرك عليه مع ملح، واستقبلي ناحيتي، واذكري ما أنكرتيه، فإني أسمع وأرى.

ص: 208

قالت: وكنت ليلة نائمة، فما أحسست به إلَّا وقد غشيني، فانتبهت مذعورة منكرة لذلك، فقال: إنما جئت لأوقظك للصلاة، ولما أصبحنا ومعي بنته، نزل فقالت بنته: اسجدي له، فقلت: أو يسجد لغير الله؟! فسمع كلامي، فقال: نعم، إله في السماء، وإله في الأرض.

قالت: ودعاني إليه، وأدخل يده في كمه، وأخرجها مملوءة مسكًا، فدفعه إلي، وقال: هذا تراب، اجعليه في طيبك.

وقال مرة: ارفعي الحصير، وخذي ما تريدين، فرفعتها فوجدت الدنانير تحتها مفروشة ملء البيت، فبهرني ما رأيت.

ولما حصل الحلاج في يد حامد، جد في تتبع أصحابه، فأخذ منهم: حيدرة، والسمري، ومحمد بن علي القنائي، وأبا المغيث الهاشمي، وابن حماد، وكبس بيته، وأخذت منه دفاتر كثيرة، وبعضها مكتوب بالذهب، مبطنة بالحرير، فقال له حامد: أما قبضت عليك بواسط، فذكرت لي دفعة أنك المهدي، وذكرت مرة أنك تدعو إلى عبادة الله، فكيف ادعيت بعدي الإلهية؟.

وكان في الكتب عجائب من مكاتباته إلى أصحابه النافذين إلى النواحي، يوصيهم بما يدعون الناس إليه، و"ما" يأمرهم به من نقلهم من حال إلى حال، ورتبة إلى رتبة، وأن يخاطبوا كل قوم على حسب عقولهم، وقدر استجابتهم وانقيادهم، وأجاب بألفاظ مرموزة، لا يعرفها غير من كتبها وكتبت إليه، وفي بعضها صورة فيها اسم الله على تعويج، وفي داخل ذلك التعويج مكتوب: علي عليه السلام، إلى أن قال: وحضرت مجلس حامد وقد أحضر سفط من دار القنائي، فإذا فيه قدر جافة، وقوارير فيها شيء كالزئبق، وكسر جافة، فعجب الوزير من تلك القدر، وجعلها في سفط مختوم، فسئل السمري، فدافع، فألحوا عليه، فذكر أنها رجيع الحلاج، وأنه يشفي، وأن الذي في القوارير بوله، فقال السمري لي: فكل من هذه الكسر، ثم انظر كيف يكون قلبك للحلاج، ثم أحضر حامد الحلاج، وقال: أيش في هذا السفط؟ قال: ما أدري، وجاء غلام حامد الذي كان يخدم الحلاج، فأخبر أنه دخل بطبق. قال: فوجده ملء البيت من سقفه إلى أرضه، فهاله ما رأى، ورمى بالطبق من يده وحم.

قال ابن زنجي: وحملت دفاتر من دور أصحاب الحلاج، فأمرني حامد أن أقرأها والقاضي أبو عمر حاضر، والقاضي أبو حسين بن الأشناني، فمن ذلك: أن الإنسان إذا أراد الحج، أفرد في داره بيتًا، وطاف به أيام الموسم، ثم جمع ثلاثين يتيمًا، وكساهم قميصًا

ص: 209

قميصًا، وعمل لهم طعامًا طيبًا، فأطعمهم، وخدمهم، وكساهم، وأعطى لكل واحد سبعة دراهم، أو ثلاثة، فإذا فعل ذلك، قام له ذلك مقام الحج. فلما قرأ ذلك الفصل، التفت القاضي أبو عمر إلى الحلاج، وقال له: من أين لك هذا؟ قال: من كتاب "الإخلاص" للحسن البصري. قال: كذبت يا حلال الدم! قد سمعنا كتاب "الإخلاص"، وما فيه هذا. فلما قال "أبو عمر": كذبت يا حلال الدم، قال له حامد: اكتب بهذا. فتشاغل أبو عمر بخطاب الحلاج، فألح عليه حامد، وقدم له الدواة، فكتب بإحلال دمه، وكتب بعده من حضر المجلس. فقال الحلاج: ظهري حمى، ودمي حرام، وما يحل لكم أن تتأولوا علي، واعتقادي الإسلام، ومذهبي السنة، فالله الله في دمي.

ولم يزل يردد هذا القول وهم يكتبون خطوطهم، ثم نهضوا، ورد الحلاج إلى الحبس، وكتب إلى المقتدر بخبر المجلس، فأبطأ الجواب يومين، فغلظ ذلك على حامد، وندم وتخوف، فكتب رقعة إلى المقتدر في ذلك، ويقول: إن ما جرى في المجلس قد شاع، ومتى لم تتبعه قتل هذا، افتتن به الناس، ولم يختلف عليه اثنان. فعاد الجواب من الغد من جهة مفلح: إذا كان القضاة قد أباحوا دمه، فليحضر محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة، ويتقدم بتسليمه وضربه ألف سوط، فإن هلك، وإلا ضربت عنقه.

فسر حامد، وأحضر صاحب الشرطة، وأقرأه ذلك، وتقدم إليه بتسليم الحلاج، فامتنع وذكر أنه يتخوف أن ينتزع منه. فبعث معه غلمانه حتى يصيروه إلى مجلسه، ووقع الاتفاق على أن يحضر بعد عشاء الآخرة، ومعه جماعة من أصحابه، وقوم على بغال موكفة مع سياس، فيحمل على واحد منها، ويدخل في غمار القوم. وقال حامد له: إن "قال لك: " أجري لك الفرات ذهبًا، فلا ترفع عنه الضرب.

فلما كان بعد العشاء، أتى محمد بن عبد الصمد إلى حامد، ومعه الرجال والبغال، فتقدم إلى غلمانه بالركوب معه إلى داره، وأخرج له الحلاج، فحكى الغلام: أنه لما فتح الباب عنه وأمره بالخروج، قال: من عند الوزير؟ قال: محمد بن عبد الصمد. قال: ذهبنا والله. وأخرج، فأركب بغلًا، واختلط بحملة الساسة، وركب غلمان حامد حوله حتى أوصلوه، فبات عند ابن عبد الصمد، ورجاله حول المجلس. فلما أصبح، أخرج الحلاج إلى رحبة المجلس، وأمر الجلاد بضربه، واجتمع خلائق، فضرب تمام ألف سوط، وما تأوه، بلى لما بلغ ست مائة سوط، قال: لابن عبد الصمد: ادع بي إليك، فإن عندي نصيحة تعدل فتح قسطنطينية. فقال له محمد: قد قيل لي: إنك ستقول ما هو أكبر من هذا، وليس إلى رفع الضرب سبيل.

ص: 210

ثم قطعت يده، ثم رجله، ثم حز رأسه، وأحرقت جثته. وحضرت في هذا الوقت راكبًا والجثة تقلب على الجمر، ونصب الرأس يومين ببغداد، ثم حمل إلى خراسان، وطيف به. وأقبل أصحابه يعدون أنفسهم برجوعه بعد أربعين يومًا.

واتفق زيادة دجلة تلك السنة زيادة فيها فضل، فادعى أصحابه أن ذلك بسببه، لأن رماده خالط الماء.

وزعم بعضهم: أن المقتول عدو للحلاج ألقي عليه شبهه.

وادعى بعضهم أنه -في ذلك اليوم بعد قتله- رآه راكبًا حمارًا في طريق النهروان، وقال: لعلكم مثل هؤلاء البقر الذين ظنوا أني أنا المضروب المقتول.

وزعم بعضهم أن دابة حولت في صورته. وأحضر جماعة من الوراقين، فأحلفوا أن لا يبيعوا من كتب الحلاج شيئًا ولا يشتروها.

عن فارس البغدادي، قال: قطعت أعضاء الحلاج وما تغير لونه.

وعن أبي بكر العطوفي، قال: قطعت يدا الحلاج ورجلاه، وما نطق.

السلمي: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان: سمعت محمد بن علي الكتاني يقول: سئل الحلاج عن الصبر، فقال: أن تقطع يدا الرجل ورجلاه، ويسمر ويصلب على هذا الجسر. قال: ففعل به كل ذلك.

وعن أبي العباس بن عبد العزيز -رجل مجهول- قال: كنت أقرب الناس من الحلاج حين ضرب، فكان يقول مع كل سوط: أحد أحد.

السلمي: سمعت عبد الله بن علي سمعت عيسى القصار يقول: آخر كلمة تكلم بها الحسين بن منصور عند قتله: حسب الواحد إفراد الواحد له. فما سمع بهذه الكلمة فقير إلَّا رق له، واستحسنها منه.

قال السلمي: وحكي عنه أنه رؤي واقفًا في الموقف، والناس في الدعاء، وهو يقول: أنزهك عما قرفك به عبادك، وأبرأ إليك مما وحدك به الموحدون.

قلت: هذا عين الزندقة، فإنه تبرأ مما وحد الله به الموحدون الذين هم الصحابة والتابعون وسائر الأمة، فهل وحدوه تعالى إلَّا بكلمة الإخلاص التي قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قالها من قلبه، فقد حرم ماله ودمه". وهي: شهادة أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله. فإذا برئ الصوفي منها، فهو ملعون زنديق، وهو صوفي الزي والظاهر، متستر بالنسب إلى

ص: 211

العارفين، وفي الباطن فهو من صوفية الفلاسفة أعداء الرسل، كما كان جماعة في أيام النبي صلى الله عليه وسلم منتسبون إلى صحبته وإلى ملته، وهم في الباطن من مردة المنافقين، قد لا يعرفهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ولا يعلم بهم. قال: الله -تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْن} [التوبة: 101]، فإذا جاز على سيد البشر أن لا يعلم ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات، فبالأولى أن يخفى حال جماعة من المنافقين الفارغين عن دين الإسلام بعده عليه السلام على العلماء من أمته، فما ينبغي لك يا فقيه أن تبادر إلى تكفير المسلم إلَّا ببرهان قطعي، كما لا يسوغ لك أن تعتقد العرفان والولاية فيمن قد تبرهن زغله، وانهتك باطنه وزندقته، فلا هذا ولا هذا، بل العدل أن من رآه المسلمون صالحًا محسنًا، فهو كذلك، لأنهم شهداء الله في أرضه، إذ الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأن من رآه المسلمون فاجرًا أو منافقًا أو مبطلًا، فهو كذلك، وأن من كان طائفة من الأمة تضلله، وطائفة من الأمة تثني عليه وتبجله، وطائفة ثالثة تقف فيه وتتورع من الحط عليه، فهو ممن ينبغي أن يعرض عنه، وأن يفوض أمره إلى الله، وأن يستغفر له في الجملة؛ لأن إسلامه أصلي بيقين، وضلاله مشكوك فيه، فبهذا تستريح، ويصفو قلبك من الغل للمؤمنين.

ثم اعلم أن أهل القبلة كلهم، مؤمنهم وفاسقهم، وسنيهم ومبتدعهم -سوى الصحابة- لم يجمعوا على مسلم بأنه سعيد ناج، ولم يجمعوا على مسلم بأنه شقي هالك، فهذا الصديق فرد الأمة، قد علمت تفرقهم فيه، وكذلك عمر، وكذلك عثمان، وكذلك علي، وكذلك ابن الزبير، وكذلك الحجاج، وكذلك المأمون، وكذلك بشر المريسي، وكذلك أحمد بن حنبل، والشافعي، والبخاري، والنسائي، وهلم جرًا من الأعيان في الخير والشر إلى يومك هذا، فما من إمام كامل في الخير، إلَّا وثم أناس من جهلة المسلمين ومبتدعيهم يذمونه، ويحطون عليه، وما من رأس في البدعة والتجهم والرفض إلَّا وله أناس ينتصرون له، ويذبون عنه، ويدينون بقوله بهوى وجهل، وإنما العبرة بقول جمهور الأمة الخالين من الهوى والجهل، المتصفين بالورع والعلم، فتدبر -يا عبد الله- نحلة الحلاج الذي هو من رؤوس القرامطة، ودعاة الزندقة، وأنصف، وتورع، واتق ذلك، وحاسب نفسك، فإن تبرهن لك أن شمائل هذا المرء شمائل عدو للإسلام، محب للرئاسة، حريص على الظهور بباطل وبحق، فتبرأ من نحلته، وإن تبرهن لك -والعياذ بالله- أنه كان -والحالة هذه- محقًا هاديًا مهديًا، فجدد إسلامك، واستغث بربك أن يوفقك للحق، وأن يثبت قلبك على دينه، فإنما الهدى نور يقذفه الله في قلب عبده المسلم، ولا قوة إلَّا بالله، وإن شككت ولم تعرف حقيقته، وتبرأت مما رمي به، أرحت نفسك، ولم يسألك الله عنه أصلًا.

ص: 212

السلمي: سمعت محمد بن أحمد بن الحسن الوراق: سمعت إبراهيم بن عبد الله القلانسي الرازي يقول: لما صلب الحلاج -يعني: في النوبة الأولى- وقفت عليه، فقال: إلهي! أصبحت في دار الرغائب أنظر إلى العجائب، إلهي! إنك تتودد إلى من يؤذيك، فكيف لا تتودد إلى من يؤذى فيك.

السلمي: سمعت أبا العباس الرازي يقول: كان أخي خادمًا للحلاج، فلما كانت الليلة التي يقتل فيها من الغد، قلت: أوصني يا سيدي. فقال: عليك نفسك، إن لم تشغلها شغلتك. فلما أخرج، كان يتبختر في قيده، ويقول:

نديمي غير منسوب

إلى شيء من الخيف

سقاني مثل ما يشر

ب فعل الضيف بالضيف

فلما دارت الكأس

دعا بالنطع والسيف

كذا من يشرب الكأس

مع التنين في الصيف

ثم قال: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَق} [الشورى: 18]، ثم ما نطق بعد.

وله أيضًا:

يا نسيم الريح قولي للرشا

لم يزدني الورد إلَّا عطشا

روحه روحي وروحي فله

إن يشأ شئت وإن شئت يشا

وقال أبو عمر بن حيوية: لما أخرج الحلاج ليقتل، مضيت وزاحمت حتى رأيته، فقال لأصحابه: لا يهولنكم، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يومًا. فهذه حكاية صحيحة توضح لك أن الحلاج ممخرق كذاب، حتى عند قتله.

وقيل: إنه لما أخرج للقتل، أنشد:

طلبت المستقر بكل أرض

فلم أر لي بأرض مستقرا

أطعت مطامعي فاستعبدتني

ولو أني قنعت لكنت حرًا

قال أبو الفرج بن الجوزي: جمعت كتابًا سميته: "القاطع بمحال المحاج بحال الحلاج". وبلغ من أمره أنهم قالوا: إنه إله، وإنه يحيي الموتى.

ص: 213

قال الصولي: أول من أوقع بالحلاج الأمير أبو الحسين علي بن أحمد الراسبي، وأدخله بغداد وغلامًا له على جملين قد شهرهما في سنة إحدى وثلاث مائة، وكتب معهما كتابًا: إن البينة قامت عندي أن الحلاج يدعي الربوبية ويقول بالحلول، فحبس مدة.

قال الصولي: قيل: إنه كان في أول أمره يدعو إلى الرضى من آل محمد، وكان يري الجاهل أشياء من شعبذته، فإذا وثق منه، دعاه إلى أنه إله.

وقيل: إن الوزير حامدًا وجد في كتبه: إذا صام الإنسان وواصل ثلاثة أيام وأفطر في رابع يوم على ورقات هندبا، أغناه عن صوم رمضان، وإذا صلى لي ليلة ركعتين من أول الليل إلى الغداة، أغنته عن الصلاة بعد ذلك، وإذا تصدق بكذا وكذا، أغناه عن الزكاة.

ذكر ابن حوقل، قال: ظهر من فارس الحلاج ينتحل النسك والتصوف، فما زال يترقى طبقًا عن طبق حتى آل به الحال إلى أن زعم: أنه من هذب في الطاعة جسمه، وشغل بالأعمال قلبه، وصبر عن اللذات، وامتنع من الشهوات، يترق في درج المصافاة، حتى يصفو عن البشرية طبعه، فإذا صفا، حل فيه روح الله الذي كان منه إلى عيسى، فيصير مطاعًا، يقول للشيء: كن، فيكون. فكان الحلاج يتعاطى ذلك، ويدعو إلى نفسه، حتى استمال جماعة من الأمراء والوزراء وملوك الجزيرة والجبال والعامة، ويقال: إن يده لما قطعت، كتب الدم على الأرض: الله الله.

قلت: ما صح هذا، ويمكن أن يكون هذا من فعله بحركة زنده.

قال محمد بن علي الصوري، الحافظ: سمعت إبراهيم بن محمد بن جعفر البزاز يقول: سمعت أبا محمد الياقوتي يقول: رأيت الحلاج عند الجسر على بقرة، ووجهه إلى ذنبها، فسمعته يقول: ما أنا الحلاج، ألقى الحلاج شبهه علي وغاب. فلما أدني من الخشبة التي يصلب عليها، سمعته يقول:

يا معين الضنا علي أعني على الضنا

قال أبو الحسين بن سالم: جاء رجل إلى سهل بن عبد الله، وبيده محبرة وكتاب، فقال لسهل: أحببت أن أكتب شيئًا ينفعني الله به. فقال: اكتب: إن استطعت أن تلقى الله وبيدك المحبرة، فافعل. فقال: يا أبا محمد! فائدة. فقال: الدنيا كلها جهل، إلَّا ما كان علمًا، والعلم كله حجة، إلَّا ما كان عملًا، والعمل موقوف، إلَّا ما كان على السنة، وتقوم السنة على التقوى.

ص: 214

وعن أبي محمد المرتعش، قال: من رأيته يدعي حالًا مع الله باطنة، لا يدل عليها، أو يشهد لها حفظ ظاهر، فاتهمه على دينه.

قيل: إن الحلاج كتب مرة إلى أبي العباس بن عطاء:

كتبت ولم أكتب إليك وإنما

كتبت إلى روحي بغير كتاب

وذاك لأن الروح لا فرق بينها

وبين محبيها بفصل خطاب

فكل كتاب صادر منك وارد

إليك بلا رد الجواب جوابي

وقد ذكر الحلاج أبو سعيد النقاش في "طبقات الصوفية" له، فقال: منهم من نسبه إلى الزندقة، ومنهم من نسبه إلى السحر والشعوذة.

وقفت على تأليف أبي عبد الله بن باكويه الشيرازي في حال الحلاج فقال: حدثني حمد بن الحلاج: أن نصرًا القشوري لما اعتقل أبي، استأذن المقتدر أن يبني له بيتًا في الحبس، فبنى له دارًا صغيرة بجنب الحبس، وسدوا باب الدار، وعملوا حواليه سورًا، وفتحوا بابه إلى الحبس، وكان الناس يدخلون عليه سنة، ثم منعوا، فبقي خمسة أشهر لا يدخل عليه أحد إلَّا مرة رأيت أبا العباس بن عطاء دخل عليه بالحيلة، ورأيت مرة أبا عبد الله بن خفيف وأنا برا عند والدي، ثم حبسوني معه شهرين، ولي يومئذ ثمانية عشر عامًا، فلما كانت الليلة التي أخرج من صبيحتها، قام، فصلى ركعات، ثم لم يزل يقول: مكر مكر، إلى أن مضى أكثر الليل. ثم سكت طويلًا، ثم قال: حق حق، ثم قام قائمًا وتغطى بإزار، واتزر بمئزر، ومد يديه نحو القبلة، وأخذ في المناجاة يقول: نحن شواهدك نلوذ بسنا عزتك، لتبدي ما شئت من مشيئتك، أنت الذي في السماء إله وفي الأرض إله، يا مدهر الدهور، ومصور الصور، يا من ذلت له الجواهر، وسجدت له الأعراض، وانعقدت بأمره الأجسام، وتصورت عنده الأحكام، يا من تجلى لما شاء، كما شاء، كيف شاء، مثل التجلي في المشيئة لأحسن الصورة. وفي نسخة: مثل تجليك في مشيئتك كأحسن الصورة. والصورة هي الروح الناطقة التي أفردته بالعلم والبيان والقدرة. ثم أوعزت إلي شاهدك لأني في ذاتك الهوي لما أردت بدايتي، وأبديت حقائق علومي ومعجزاتي، صاعدًا في معارجي إلى عروش أوليائي عند القول من برياتي. إني أحتضر وأقتل وأصلب وأحرق، وأحمل على السافيات الذاريات، وإن الذرة من ينجوج مظان هيكل متجلياتي لأعظم من الراسيات. ثم أنشأ يقول:

أنعى إليك نفوسًا طاح شاهدها

فيما ورا الغيب أو في شاهد القدم

ص: 215

أنعى إليك علومًا طالما هطلت

سحائب الوحي فيها أبحر الحكم

أنعى إليك لسان الحق مذ زمن

أودى وتذكاره كالوهم في العدم

أنعى إليك بيانًا تستسر له

أقوال كل فصيح مقول فهم

أنعى إليك إشارات العقول معا

لم يبق منهن إلَّا دارس العلم

أنعى وحقك أحلامًا لطائفة

كانت مطاياهم من مكمد الكظم

مضى الجميع فلا عين ولا أثر

مضي عاد وفقدان الأولى إرم

وخلفوا معشرًا يجدون لبستهم

أعمى من البهم بل أعمى من النعم

ثم سكت، فقال له خادمه أحمد بن فاتك: أوصني. قال: هي نفسك إن لم تشغلها، شغلتك. ثم أخرج، وقطعت يداه ورجلاه بعد أن ضرب خمس مائة سوط، ثم صلب، فسمعته وهو على الجذع يناجي، ويقول: أصبحت في دار الرغائب أنظر إلى العجائب. فهكذا هذا السياق أنه صلب قبل قطع رأسه. فلعل ذلك فعل بعض نهار. قال: ثم رأيت الشبلي وقد تقدم تحت الجذع، صاح بأعلى صوته يقول: أو لم ننهك عن العالمين. ثم قال له: ما التصوف؟ قال: أهون مرقاة فيه ما ترى. قال: فما أعلاه؟ قال: ليس لك إليه سبيل، ولكن سترى غدًا ما يجري، فإن في الغيب ما شهدته وغاب عنك. فلما كان العشي جاء الإذن من الخليفة أن تضرب رقبته، فقالوا: قد أمسينا ويؤخر إلى الغداة. فلما أصبحنا أنزل، وقدم لتضرب عنقه، فسمعته يصيح بأعلى صوته: حسب الواحد إفراد الواحد له. ثم تلا: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا} [الشورى: 18]، فهذا آخر كلامه. ثم ضربت رقبته، ولف في بارية، وصب عليه النفط، وأحرق، وحمل رماده إلى رأس منارة لتسفيه الرياح. فسمعت أحمد بن فاتك -تلميذ والدي- يقول بعد ثلاث، قال: رأيت كأني واقف بين يدي رب العزة، فقلت: يا رب ما فعل الحسين بن منصور؟ فقال: كاشفته بمعنى، فدعا الخلق إلى نفسه، فأنزلت به ما رأيت.

قال ابن باكويه: سمعت ابن خفيف يسأل: ما تعتقد في الحلاج؟ قال: أعتقد أنه رجل من المسلمين فقط. فقيل له: قد كفره المشايخ وأكثر المسلمين. فقال: إن كان الذي رأيته منه في الحبس لم يكن توحيدًا، فليس في الدنيا توحيد.

قلت: هذا غلط من ابن خفيف، فإن الحلاج عند قتله ما زال يوحد الله ويصيح: الله الله في دمي، فأنا على الإسلام. وتبرأ مما سوى الإسلام، والزنديق فيوحد الله علانية، ولكن

ص: 216

الزندقة في سره. والمنافقون فقد كانوا يوحدون، ويصومون، ويصلون علانية، والنفاق في قلوبهم، والحلاج فما كان حمارًا حتى يظهر الزندقة بإزاء ابن خفيف وأمثاله، بل كان يبوح بذلك لمن استوثق من رباطه، ويمكن أن يكون تزندق في وقت، ومرق، وادعى الإلهية، وعمل السحر والمخاريق الباطلة مدة، ثم لما نزل به البلاء ورأى الموت الأحمر، أسلم، ورجع إلى الحق، والله أعلم بسره، ولكن مقالته نبرأ إلى الله منها، فإنها محض كفر -نسأل الله العفو والعافية- فإنه يعتقد حلول البارئ عز وجل في بعض الأشراف، تعالى الله عن ذلك.

كان مقتل الحلاج: في سنة تسع وثلاث مائة، لست بقين من ذي القعدة.

قرأت بخط العلامة تاج الدين الفزاري، قال: رأيت في سنة سبع وستين وست مائة كتابًا فيه قصة الحلاج، منه عن إبراهيم الحلواني، قال: دخلت على الحسين بن منصور بين المغرب والعتمة، فوجدته يصلي، فجلست كأنه لم يحس بي، فسمعته يقرأ سورة البقرة، فلما ختمها ركع، وقام في الركوع طويلًا، ثم قام إلى الثانية، قرأ الفاتحة وآل عمران، فلما سلم، تكلم بأشياء لم أسمعها، ثم أخذ في الدعاء، ورفع صوته كأنه مأخوذ من نفسه، وقال: يا إله الآلهة! ورب الأرباب! ويا من لا تأخذه سنة! رد إلي نفسي، لئلا يفتتن بي عبادك، يا من هو أنا وأنا هو! ولا فرق بين إنيتي وهويتك إلَّا الحدث والقدم. ثم رفع رأسه، ونظر إلي، وضحك في وجهي ضحكات، ثم قال: لي: يا أبا إسحاق! أما ترى إلى ربي ضرب قدمه في حدثي حتى استهلك حدثي في قدمه، فلم تبق لي صفة إلَّا صفة القدم، ونطقي من تلك الصفة، فالخلق كلهم أحداث، ينطقون عن حدث، ثم إذا نطقت عن القدم، ينكرون علي، ويشهدون بكفري، وسيسعون إلى قتلي، وهم في ذلك معذورون، وبكل ما يفعلون مأجورون.

وعن عثمان بن معاوية -قيم جامع الدينور- قال: بات الحسين بن منصور في هذا الجامع ومعه جماعة، فسأله واحد منهم، فقال: يا شيخ! ما تقول فيما قال فرعون؟ قال: كلمة حق. قال: فما تقول فيما قال موسى عليه السلام؟ قال: كلمة حق؛ لأنهما كلمتان جرتا في الأبد كما أجريتا في الأزل.

وعن الحسين، قال: الكفر والإيمان يفترقان من حيث الاسم، فأما من حيث الحقيقة، فلا فرق بينهما.

عن جندب بن زاذان -تلميذ الحسين- قال: كتب الحسين إلي: بسم الله المتجلي عن كل شيء لمن يشاء، والسلام عليك يا ولدي، ستر الله عنك ظاهر الشريعة، وكشف لك حقيقة

ص: 217

الكفر، فإن ظاهر الشريعة كفر، وحقيقة الكفر معرفة جلية، وإني أوصيك أن لا تغتر بالله، ولا تأيس منه، ولا ترغب في محبته، ولا ترضى أن تكون غير محب، ولا تقل بإثباته، ولا تمل إلى نفيه، وإياك والتوحيد، والسلام.

وعنه، قال: من فرق بين الإيمان والكفر، فقد كفر، ومن لم يفرق بين المؤمن والكافر، فقد كفر.

وعنه قال: ما وحد الله غير الله. آخر ما نقلته من خط الشيخ تاج الدين.

ذكر محمد بن إسحاق النديم الحسين الحلاج، وحط عليه، ثم سرد أسماء كتبه: كتاب "طاسين الأول"، كتاب "الأحرف المحدثة والأزلية"، كتاب "ظل ممدود"، كتاب "حمل النور والحياة والأرواح"، كتاب "الصهور"، كتاب "تفسير قل هو الله أحد"، كتاب "الأبد والمأبود"، كتاب "خلق الإنسان والبيان"، كتاب "كيد الشيطان"، كتاب "سر العالم والمبعوث"، كتاب "العدل والتوحيد"، كتاب "السياسة"، كتاب "علم الفناء والبقاء"، كتاب "شخص الظلمات"، كتاب "نور النور"، كتاب "الهياكل والعالم"، كتاب "المثل الأعلى"، كتاب "النقطة وبدو الخلق"، كتاب "القيامات"، كتاب "الكبر والعظمة"، كتاب "خزائن الخيرات"، كتاب "موائد العارفين"، كتاب "خلق خلائق القرآن"، كتاب "الصدق والإخلاص"، كتاب "التوحيد"، كتاب "النجم إذا هوى"، كتاب:"الذاريات ذروًا"، كتاب "هو هو"، كتاب "كيف كان وكيف يكون"، كتاب:"الوجود الأول"، كتاب "لا كيف"، كتاب "الكبريت الأحمر"، كتاب "الوجود الثاني"، كتاب "الكيفية والحقيقة"، وأشياء غير ذلك.

ص: 218

‌2725 - محمد بن زكريا

(1)

:

الأستاذ الفيلسوف، أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي الطبيب، صاحب التصانيف، من أذكياء أهل زمانه، وكان كثير الأسفار، وافر الحرمة، صاحب مروءة وإيثار ورأفة بالمرضى، وكان واسع المعرفة، مكبًا على الاشتغال، مليح التأليف، وكان في بصره رطوبة؛ لكثرة أكله الباقلى، ثم عمي.

أخذ عن: البلخي الفيلسوف، وكان إليه تدبير بيمارستان الري، ثم كان على بيمارستان بغداد في دولة المكتفي، بلغ الغاية في علوم الأوائل، نسأل الله العافية.

وله كتاب: "الحاوي" ثلاثون مجلدًا في الطب، وكتاب "الجامع"، وكتاب "الأعصاب"، وكتاب "المنصوري"، صنفه للملك منصور بن نوح الساماني.

وقيل: إن أول اشتغاله كان بعد مضي أربعين سنة من عمره، ثم اشتغل على الطبيب أبي الحسن علي بن ربن الطبري الذي كان مسيحيًا، فأسلم، وصنف.

وكان لابن زكريا عدة تلامذة، ومن تآليفه كتاب:"الطب الروحاني"، وكتاب "إن للعبد خالقًا"، وكتاب "المدخل إلى المنطق"، وكتاب "هيئة العالم"، ومقالة في اللذة، وكتاب "طبقات الأبصار"، وكتاب "الكيمياء وأنها إلى الصحة أقرب"، وأشياء كثيرة.

وقد كان في صباه مغنيًا، يجيد ضرب العود.

توفي ببغداد، سنة إحدى عشرة وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 707"، والعبر "2/ 150"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 209"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 263".

ص: 219

‌2726 - ابن المغلوب:

القاضي المعمر، أبو عمر، ميمون بن عمر بن المغلوب المغربي، الإفريقي، خاتمة تلامذة سحنون، وقد حج، وسمع "الموطأ" من أبي مصعب الزهري.

ذكره القاضي عياض في المالكية.

قال ابن حارث: أدركته شيخًا كبيرًا مقعدًا، ولي قضاء القيروان، وقضاء صقلية.

وقال عبد الله بن محمد المالكي في "تاريخه": كان صالحًا، دينًا، فاضلًا، معدودًا في أصحاب سحنون.

ولي مظالم القيروان، ثم قضاء صقلية، فأتاها بفروة وجبة وخرج فيه كتبه، وسوداء تخدمه، فكانت تغزل وتنفق عليه من ذلك، ثم خرج من صقلية كما دخل إليها.

توفي سنة عشر وثلاث مائة، وكان أسند شيخ بالمغرب.

‌2727 - حامد بن العباس

(1)

:

الوزير الكبير، أبو الفضل الخراساني ثم العراقي، كان من رجال العالم، ذا شجاعة وإقدام، ونقض وإبرام.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 180"، والعبر "2/ 151"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 208"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 263".

ص: 219

قال الصولي: تقلد أعمالًا جليلة من طساسيج السواد، ثم ضمن خراج البصرة وكور دجلة، مع إشراف كسكر مدة في دولة ابن الفرات، فكان يعمر ويحسن إلى الأكارين، ويرفع المؤن حتى صار لهم كالأب، وكثرت صدقاته، ثم وزر وقد شاخ.

قلت: وكان قبل على نظر فارس، وكان كثير الأموال والحشم، بحيث صار له أربع مائة مملوك في السلاح، تأمر منهم جماعة، فعزل المقتدر بن الفرات بحامد في سنة ست وثلاث مائة، فقدم في أبهة عظيمة، ودبر الأمور، فظهر منه نقص في قوانين الوزارة وحدة، فضموا إليه علي بن عيسى الوزير، فمشى الحال. ولحامد أثر صالح في إهلاك حسين الحلاج يدل على إسلام وخير.

يقال: مولده في سنة ثلاث وعشرين، وسمع من عثمان بن أبي شيبة، وما حدث.

وفي سنة ثمان ضمن حامد سائر السواد، وعسف، وغلت الأسعار، فثارت الغوغاء، وهموا به، فشد عليهم مماليكه، فثبتوا لهم، وعظم الخطب، وقتل جماعة، فاستضرت الغوغاء، وأحرقوا الجسر، ورجموا حامدًا في الطيار.

وكان مع جبروته جوادًا معطاءًا.

قال هاشمي: كان من أوسع من رأيناه نفسًا، وأحسنهم مروءة، وأكثرهم نعمة، ينصب في داره عدة موائد، ويطعم حتى العامة والخدم، يكون نحو أربعين مائدة. رأى في دهليزه قشر باقلى، فقال لوكيله: ما هذا؟ قال: فعل البوابين. فسئلوا، فقالوا: لنا جراية ولحم نؤديه إلى بيوتنا؟ فرتب لهم، ثم رأى بعد قشورًا، فشاط، وكان يسفه، ثم رتب لهم مائدة، وقال: لئن رأيت بعدها قشرًا، لأضربنك بالمقارع.

وقيل: وجد في مرحاض له أكياس فيها أربع مائة ألف دينار. كان يدخل للحاجة في كمه كيس فيلقيه، فأخذوا في نكبته. ولما عزل حامد وابن عيسى وأعيد ابن الفرات، عذب حامدًا.

قال المسعودي: كان في حامد طيش، كلمه إنسان، فقلب حامد ثيابه على كتفه، وصاح: ويلكم! علي به. قال: ودخلت عليه أم موسى القهرمانة، وكانت عظيمة المحل، فخاطبته في طلب المال، فقال:

اضرطي والتقطي، واحسبي لا تغلطي.

فخجلها، وسمع المقتدر، فضحك، وأمر قيانه، فغنين بذلك.

ولقد تجلد حامد على العذاب، ثم نفذ إلى واسط، فسم في بيض، فتلف بالإسهال.

ص: 220

وقيل: تكلم الملأ بما فيه من الحدة وقلة الخبرة، فعاتب المقتدر أبا القاسم الحواري، وكان أشار به.

وقيل: أقبل حامد على مصادرة ابن الفرات، ووقع بينه وبين شريكه ابن عيسى مشاجرات في الأموال حتى قيل:

أعجب من ما تراه

أن وزيرين في بلاد

هذا سواد بلا وزير

وذا وزير بلا سواد

ثم عذب حامد المحسن -ولد ابن الفرات، وأخذ منه ألف ألف دينار، ثم صار أعباء الوزارة إلى ابن عيسى، وبقي حامد كالبطال إلَّا من الاسم وركوب الموكب، وبان للمقتدر ذلك، فأفرد ابن عيس بالأمر، واستأذن حامد في ضمان أصبهان وغيرها، فأذن له، وقيل:

صار الوزير عاملًا لكاتبه

يأمل أن يرفق في مطالبه

ليستدر النفع من مكاسبه

قال التنوخي: حدثني أبو عبد الله الصيرفي، حدثني أبو علي التاجر، قال: ركب حامد بواسط إلى بستانه، فرأى شيخًا يولول وحوله عائلة، قد احترق بيته، فرق له، وقال لوكيله: أريد منك أن لا أرجع العشية إلَّا وداره جديدة بآلاتها، وقماشها، فبادر، وطلب الصناع، وصب الدراهم، ففرغت العصر، فرد العتمة، فوجدها مفروغة، وضجوا له بالدعاء، وزاد رأس مال صاحبها خمسة آلاف درهم.

وقيل: إن تاجرًا أخذ خبزًا بدرهم ليتصدق به بواسط، فما رأى فقيرًا يعطيه، فقال له الخباز: لا تجد أحدًا؛ لأن جميع الضعفاء في جراية حامد.

قال الصولي: وكان كثير المزاح، سخيًا، وكان لا يرغب في استماع الشعر، وكان إذا خولف في أمر، يصيح، ويحرد، فمن داراه، انتفع به.

قال نفطويه: سمعته يقول: قيل لبعض المجانين: في كم يتجنن الرجل؟ فقال: ذاك إلى صبيان المحلة.

وكان ثالث يوم من وزارته قد ناظر ابن الفرات، وجبهه، وأفحش له، وجذب بلحيته، وعذب أصحابه، فلما انعكس الدست، وعزل بابن الفرات، تنمر له ابن الفرات، ووبخه على فعاله، فقال: إن كان ما استعملته فيكم أثمر لي خيرًا، فزيدوا منه، وإن كان قبيحًا وصيرني إلى التحكم في، فالسعيد من وعظ بغيره.

قال الصولي: فسلم حامد إلى المحسن، فعذبه بألوان العذاب، وكان إذا شرب، أخرجه، وألبسه جلد قرد، ويرقص، فيصفع، وفعل به ما يستحيى من ذكره، ثم أحدر إلى واسط، فسقي، وصلى الناس على قبره أيامًا.

قال أحمد بن كامل: توفي بواسط، ثم بعد أيام ابن الفرات نقل، فدفن ببغداد. وسمعته يقول: ولدت سنة ثلاث وعشرين، وأبي من الشهاردة.

قلت: موته كان في رمضان، سنة إحدى عشرة وثلاث مائة.

ص: 221

‌2728 - الزجاج

(1)

:

الإمام، نحوي زمانه، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن السري الزجاج، البغدادي، مصنف كتاب "معاني القرآن"، وله تآليف جمة.

لزم المبرد، فكان يعطيه من عمل الزجاج كل يوم درهمًا، فنصحه وعلمه، ثم أدب القاسم بن عبيد الله الوزير، فكان سبب غناه، ثم كان من ندماء المعتضد.

مات سنة إحدى عشرة وثلاث مائة.

وقيل: مات في تاسع عشر جمادى الآخرة، سنة عشرة.

وله كتاب: "الإنسان وأعضائه"، وكتاب "الفرس"، وكتاب "العروض"، وكتاب "الاشتقاق"، وكتاب "النوادر"، وكتاب "فعلت وأفعلت".

وكان عزيزًا على المعتضد، له رزق في الفقهاء، ورزق في العلماء، ورزق في الندماء، نحو ثلاث مائة دينار.

ويقال: توفي سنة ست عشرة.

أخذ عنه العربية أبو علي الفارسي، وجماعة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "6/ 89"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 176"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "1/ 130"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 13"، والعبر "2/ 148"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 208"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 259".

ص: 222

‌2729 - ابن اليزيدي

(1)

:

العلامة، شيخ العربية، أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي البغدادي. كان رأسًا في نقل النوادر وكلام العرب، إمامًا في النحو.

له كتاب "الخيل"، وكتاب "مناقب بني العباس"، وكتاب "أخبار اليزيديين"، ومصنف في النحو. أدب أولاد المقتدر.

توفي في جمادى الآخرة، سنة عشر وثلاث مائة، عن ثنتين وثمانين سنة وثلاثة أشهر.

‌2730 - الضبي

(2)

:

العلامة، أبو الطيب، محمد بن المفضل بن سلمة بن عاصم الضبي البغدادي، الشافعي، أكبر تلامذة ابن سريج، له ذهن وقاد، ومات شابًا.

صنف الكتب، وله وجوه في المذهب، منها: أنه كفر تارك الصلاة، ومنها: أن الولي إذا أذن للسفيه في أن يتزوج، لم يجز كالصبي.

وكان ابن سريج يعتني بإقرائه. توفي: في المحرم، سنة ثمان وثلاث مائة.

وكان أبوه:

‌2731 - أبو طالب المفضل بن سلمة

(3)

:

لغويًا، أديبًا، علامة، له تصانيف في معاني القرآن والآداب.

أخذ عن ابن الأعرابي، وغيره من مشاهير العلماء.

أخذ عنه الصولي، وغيره. ومات بعد التسعين ومائتين.

وأبوه -سلمة بن عاصم النحوي- هو راوية الفراء.

وفي القدماء: المفضل بن محمد الضبي، المقرئ -صاحب عاصم.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 113"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 640".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 308"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 579"، والعبر "2/ 137".

(3)

ترجمته في تاريخ بغداد "13/ 124"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "19/ 163"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 205".

ص: 223

‌2732 - التستري

(1)

:

الإمام الحجة المحدث البارع، علم الحفاظ، شيخ الإسلام، أبو جعفر أحمد بن يحيى بن زهير التستري، الزاهد.

سمع: أبا كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن حرب النشائي، والحسين بن أبي زيد الدباغ، ومحمد بن عمار الرازي، وعمرو بن عيسى الضبعي، ومحمد بن بشار، ومحمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل، وخلقًا كثيرًا من أصحاب سفيان بن عيينة، وأبي معاوية الضرير.

وكانت رحلته قبل الخمسين ومائتين.

جمع، وصنف، وعلل، وصار يضرب به المثل في الحفظ.

حدث عنه: أبو حاتم بن حبان، وأبو إسحاق بن حمزة، وسليمان بن أحمد الطبراني، وأبو عمرو بن حمدان، وأبو بكر بن المقرئ، وآخرون.

قال أبو عبد الله الحاكم: سمعت جعفر بن أحمد المراغي يقول: أنكر عبدان الأهوازي حديثًا مما عرض عليه لأبي جعفر بن زهير، فدخل عليه، وقال: هذا أصلي، ولكن من أين لك أنت: ابن عون، عن الزهري، عن سالم؟ فذكر حديثًا. فما زال عبدان يعتذر إليه، ويقول: يا أبا جعفر، إنما استغربت الحديث.

قال الحافظ أبو عبد الله بن مندة: ما رأيت في الدنيا أحفظ من أبي إسحاق بن حمزة!، وسمعته يقول: ما رأيت في الدنيا أحفظ من أبي جعفر بن زهير التستري!. وقال أبو جعفر: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة الرازي!

وقال أبو بكر بن المقرئ: حدثنا تاج المحدثين أحمد بن يحيى بن زهير، فذكر حديثًا.

توفي أبو جعفر: في سنة عشر وثلاث مائة، وكان من أبناء الثمانين.

قرأت على محمد بن عبد السلام التميمي: عن عبد المعز بن محمد البزاز، أخبرنا تميم بن أبي سعيد، ورجل آخر، قالا: أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، أخبرني أحمد بن يحيى بن زهير التستري، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل، حدثنا أبو عاصم، حدثنا سفيان، عن نعيم بن أبي هند، عن

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 759"، والعبر "2/ 145"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 205"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 258".

ص: 224

أبي المسهر، عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام يومًا قبل موته يريد وجه الله، دخل الجنة". هذا حديث غريب، ولا أعرف هذا التابعي، ولا ذكره أبو أحمد في "الكنى".

ومات معه في العام: محمد بن جرير.

ومقرئ بغداد؛ أبو علي الحسن بن الحسين الصواف -صاحب أبي حمدون.

وأبو محمد خالد بن محمد بن خالد الصفار -صاحب يحيى بن معين.

ومسند مصر؛ أبو شيبة داود بن إبراهيم البغدادي.

والعباس بن الفضل بن شاذان -مقرئ الري.

وعلي بن أحمد بن بسطام الزعفراني.

وعلي بن العباس البجلي المقانعي.

والحافظ أبو بشر الدولابي.

ومحمد بن أحمد بن عبيد بن فياض الدمشقي.

والمحدث أبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني.

ومقرئ الرقة؛ أبو مران موسى بن جرير النحوي.

والحافظ أبو العباس الوليد بن أبان الأصبهاني.

ص: 225

‌2733 - ابن خزيمة

(1)

:

محمد بن إسحاق بن خزيمة بن صالح بن بكر. الحافظ، الحجة، الفقيه، شيخ الإسلام، إمام الأئمة، أبو بكر السلمي النيسابوري، الشافعي، صاحب التصانيف.

ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين. وعني في حداثته بالحديث والفقه، حتى صار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان.

سمع من: إسحاق بن راهويه، ومحمد بن حميد، ولم يحدث عنهما؛ لكونه كتب عنهما

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "7/ ترجمة 1103"، وتاريخ جرجان للسهمي "413"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 184"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 734"، والعبر "2/ 149"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 209"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 262".

ص: 225

في صغره، وقبل فهمه، وتبصره. وسمع من: محمود بن غيلان، وعتبة بن عبد الله المروزي، وعلي بن حجر، وأحمد بن منيع، وبشر بن معاذ، وأبي كريب، وعبد الجبار بن العلاء، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وأخيه؛ يعقوب، وإسحاق بن شاهين، وعمرو بن علي، وزياد بن أيوب، ومحمد بن مهران الجمال، وأبي سعيد الأشج، ويوسف بن واضح الهاشمي، ومحمد بن بشار، ومحمد بن مثنى، والحسين بن حريث، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، ومحمد بن يحيى، وأحمد بن عبدة الضبي، ونصر بن علي، ومحمد بن علي، ومحمد بن عبد الله المخرمي، ويونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي، ويوسف بن موسى، ومحمد بن رافع، ومحمد بن يحيى القطعي، وسلم بن جنادة، ويحيى بن حكيم، وإسماعيل بن بشر بن منصور السليمي، والحسن بن محمد الزعفراني، وهارون بن إسحاق الهمداني، وأمم سواهم. ومنهم: إسحاق بن موسى الخطمي، ومحمد بن أبان البلخي.

حدث عنه: البخاري، ومسلم في غير "الصحيحين"، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم -أحد شيوخه- وأحمد بن المبارك المستملي، وإبراهيم بن أبي طالب، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو العباس الدغولي، وأبو علي الحسين بن محمد النيسابوري، وأبو حاتم البستي، وأبو أحمد بن عدي، وأبو عمرو بن حمدان، وإسحاق بن سعد النسوي، وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه، وأبو بكر أحمد بن مهران المقرئ، وحفيده؛ محمد بن الفضل بن محمد بن خزيمة، ومحمد بن أحمد بن علي بن نصير المعدل، وأبو بكر بن إسحاق الصبغي، وأبو سهل الصعلوكي، والحسين بن علي التميمي حسينك، وبشر بن محمد بن محمد بن ياسين، وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني، وأبو الحسين أحمد بن محمد البحيري، والخليل بن أحمد السجزي القاضي، وأبو سعيد محمد بن بشر الكرابيسي، وأبو أحمد محمد بن محمد الكرابيسي الحاكم، وأبو نصر أحمد بن الحسين المرواني، وأبو العباس أحمد بن محمد الصندوقي، وأبو الحسن محمد بن الحسين الآبري، وأبو الوفاء أحمد بن محمد بن حمويه المزكي، وخلق كثير.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله -فيما قرأت عليه سنة ست وتسعين وست مائة- عن عبد المعز بن محمد الهروي، أخبرنا تميم بن أبي سعيد القصار، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن سنة تسع وأربعين وأربع مائة، أخبرنا محمد بن محمد النيسابوري، الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن إسحاق، حدثنا علي بن حجر، حدثنا عبد العزيز بن حصين، عن أبي أمية: أن حبيبًا أخبره، عن زر بن حبيش: أنه أتى صفوان بن عسال -وكان من الصحابة- فقال له: ما جاء بكم؟ قالوا: خرجنا من بيوتنا لابتغاء العلم. قال: إنه من خرج من بيته لابتغاء العلم،

ص: 226

فإن الملائكة تضع أجنحتها لمبتغي العلم. فسأله عن المسح على الخفين، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة، لا أقول من جنابة، ولكن من غائط، أو بول، أو نوم. قال: محمد بن محمد الحافظ: غريب من حديث حبيب بن أبي ثابت. لا أعلم حدث به غير أبي أمية عبد الكريم بن أبي المخارق. واسم أبيه: قيس.

أخبرنا أحمد بن هبة الله بن أحمد عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، حدثنا بشر ابن محمد الحاكم، أخبرنا ابن خزيمة، أخبرنا أحمد بن نصر المقرئ، أخبرنا محمد بن الحسن البصري محبوب، حدثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة، قال: كانت الركبان تأتينا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتلقى منهم الآية والآيتين، فكانوا يخبرونا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليؤمكم أكثركم قرآنًا"، وكنت أؤم قومي وأنا صغير السن

(1)

.

وبه إلى ابن خزيمة: حدثنا أبو حصين بن أحمد بن يونس، حدثنا عبثر بن القاسم، حدثنا حصين، عن الشعبي، عن محمد ابن صيفي، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء: "أمنكم أحد أكل اليوم"؟. قالوا: منا من صام، ومنا من لم يصم. قال:"فأتموا بقية يومكم، وابعثوا إلى أهل العروض، فليتموا بقية يومهم". هذا حديث صحيح، غريب. أخرجه: النسائي

(2)

، عن أبي حصين، فوافقناه.

قال الحاكم في "تاريخه": أخبرني محمد بن أحمد بن واصل الجعفي ببيكند، حدثني أبي، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني محمد، حدثنا أحمد بن سنان، حدثني مهدي -والد عبد الرحمن بن مهدي- قال: كان عبد الرحمن يكون عند سفيان عشرة أيام أو أكثر، لا يجيء إلى البيت، فإذا جاءنا ساعة، جاء رسول سفيان، فيذهب ويتركنا.

وقال الحاكم: محمد: هو ابن إسحاق بن خزيمة بلا شك، فقد حدثنا أبو أحمد الدارمي، حدثنا ابن خزيمة بالحكاية.

قال الحاكم: قرأت بخط مسلم: حدثني محمد بن إسحاق -صاحبنا، حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا إسماعيل بن ربيعة بحديث في الاستسقاء.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 9 - 10"، وابن خزيمة "1512"، وأبو داود "585" من طريق أيوب، عن عمرو بن سلمة، به.

وأخرجه البخاري "4302"، وأبو داود "586"، والنسائي "2/ 80 - 81".

(2)

صحيح: أخرجه النسائي "4/ 193"، وابن خزيمة "2091".

ص: 227

قال الحاكم: كتب إلي أحمد بن عبد الرحمن بن القاسم من مصر، أن محمد بن الربيع الجيزي حدثهم، حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثني محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا موسى بن خاقان، حدثنا إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: لما أخرجوا نبيهم، قال: أبو بكر رضي الله عنه: علمت أنه سيكون قتال.

قال أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري: حدثنا ابن خزيمة، قال: كنت إذا أردت أن أصنف الشيء، أدخل في الصلاة مستخيرًا حتى يفتح لي، ثم أبتدئ التصنيف. ثم قال أبو عثمان: إن الله ليدفع البلاء عن أهل هذه المدينة لمكان أبي بكر محمد بن إسحاق.

الحاكم: أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر، سمعت ابن خزيمة وسئل: من أين أوتيت العلم؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماء زمزم لما شرب له"

(1)

، وإني لما شربت، سألت الله علمًا نافعًا.

الحاكم: سمعت أبا بكر بن بالويه، سمعت أبا بكر بن إسحاق وقيل له: لو حلقت شعرك في الحمام؟ فقال لم يثبت عندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حمامًا قط، ولا حلق شعره، إنما تأخذ شعري جارية لي بالمقراض.

قال الحاكم: وسألت محمد بن الفضل بن محمد عن جده؟ فذكر أنه لا يدخر شيئًا جهده، بل ينفقه على أهل العلم، وكان لا يعرف سنجة الوزن، ولا يميز بين العشرة والعشرين، ربما أخذنا منه العشرة، فيتوهم أنها خمسة.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "3/ 357 و 372"، وابن ماجه "3062"، والعقيلي في "الضعفاء""2/ 303"، والبيهقي "5/ 148"، والخطيب في "تاريخ بغداد""3/ 179"، والأزرقي في "أخبار مكة""291"، من طرق عن عبد الله بن المؤمل، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته عبد الله بن المؤمل، فإنه ضعيف بالاتفاق.

وأخرجه البيهقي "5/ 202" من طريق أبي محمد أحمد بن إسحاق بن شيبان البغدادي بهراة، أنا معاذ بن نجدة حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا إبراهيم بن طهمان، حدثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، به.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجاله رجال الصحيح خلا معاذ بن نجدة، فإنه صالح الحال، وقد تكلم فيه كما قال الذهبي، وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد""10/ 116" من طريق سويد بن سعيد، عن عبد الله بن المبارك، عن ابن أبي الموال، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه سويد بن سعيد، قال الحافظ في "التقريب": صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه المعين القول"، وابن أبي الموال، ثقة.

ص: 228

الحاكم: سمعت أبا بكر القفال يقول: كتب ابن صاعد إلى ابن خزيمة يستجيزه كتاب الجهاد، فأجازه له.

قال محمد بن سهل الطوسي: سمعت الربيع بن سليمان، وقال لنا: هل تعرفون ابن خزيمة؟ قلنا: نعم. قال: استفدنا منه أكثر ما استفاد منا.

محمد بن إسماعيل السكري: سمعت ابن خزيمة يقول: حضرت مجلس المزني، فسئل عن شبه العمد، فقال له السائل: إن الله وصف في كتابه القتل صنفين: عمدًا وخطأ، فلم قلتم: إنه على ثلاثة أقسام، وتحتج بعلي بن زيد بن جدعان؟ فسكت المزني، فقلت لمناظره: قد روى الحديث أيضًا أيوب وخالد الحذاء. فقال لي: فمن عقبة بن أوس؟ قلت: شيخ بصري، قد روى عنه ابن سيرين مع جلالته. فقال للمزني: أنت تناظر أو هذا؟ قال: إذا جاء الحديث، فهو يناظر؛ لأنه أعلم به مني، ثم أتكلم أنا.

قال محمد بن الفضل بن محمد: سمعت جدي يقول: استأذنت أبي في الخروج إلى قتيبة، فقال: اقرأ القرآن أولًا حتى آذن لك. فاستظهرت القرآن، فقال لي: امكث حتى تصلي بالختمة، ففعلت، فلما عيدنا، أذن لي، فخرجت إلى مرو، وسمعت بمروالروذ من محمد بن هشام -صاحب هشيم- فنعي إلينا قتيبة.

قال الحافظ أبو علي النيسابوري: لم أر أحدًا مثل ابن خزيمة.

قلت: يقول مثل هذا وقد رأى النسائي.

قال أبو أحمد حسينك: سمعت إمام الأئمة أبا بكر يحكي عن علي بن خشرم، عن ابن راهويه، أنه قال: أحفظ سبعين ألف حديث. فقلت لابن خزيمة: كم يحفظ الشيخ؟ فضربني على رأسي، وقال: ما أكثر فضولك! ثم قال: يا بني! ما كتبت سوداء في بياض إلَّا وأنا أعرفه.

قال أبو علي الحافظ: كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة.

أخبرنا أبو علي الحسن بن علي، أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن صالح، حدثنا أبي، حدثنا أبو حاتم بن حبان التميمي، قال: ما رأيت على وجه الأرض من يحفظ صناعة السنن، ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها حتى كأن السنن كلها بين عينيه، إلَّا محمد بن إسحاق ابن خزيمة فقط.

ص: 229

قال أبو الحسن الدارقطني: كان ابن خزيمة إمامًا، ثبتًا، معدوم النظير.

حكى أبو بشر القطان، قال: رأى جار لابن خزيمة -من أهل العلم- كأن لوحًا عليه صورة نبينا صلى الله عليه وسلم وابن خزيمة يصقله. فقال المعبر: هذا رجل يحيى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الإمام أبو العباس بن سريج -وذكر له ابن خزيمة- فقال: يستخرج النكت من حديث رسول الله بالمنقاش.

وقد كان هذا الإمام جهبذًا، بصيرًا بالرجال، فقال -فيما رواه عنه أبو بكر محمد بن جعفر- شيخ الحاكم: لست أحتج بشهر ابن حوشب، ولا بحريز بن عثمان لمذهبه، ولا بعبد الله بن عمر، ولا ببقية، ولا بمقاتل بن حيان، ولا بأشعث بن سوار، ولا بعلي بن جدعان لسوء حفظه، ولا بعاصم بن عبيد الله، ولا بابن عقيل، ولا بيزيد بن أبي زياد، ولا بمجالد، ولا بحجاج بن أرطاة إذا قال: عن، ولا بأبي حذيفة النهدي، ولا بجعفر بن برقان، ولا بأبي معشر نجيح، ولا بعمر بن أبي سلمة، ولا بقابوس بن أبي ظبيان

ثم سمى خلقًا دون هؤلاء في العدالة، فإن المذكورين احتج بهم غير واحد.

وقال أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري: سمعت ابن خزيمة يقول: ليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول إذا صح الخبر.

قال الحاكم: سمعت محمد بن صالح بن هانئ، سمعت ابن خزيمة يقول: من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته، فهو كافر حلال الدم، وكان ماله فيئًا.

قلت: من أقر بذلك تصديقًا لكتاب الله، ولأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به مفوضًا معناه إلى الله ورسوله، ولم يخض في التأويل ولا عمق، فهو المسلم المتبع، ومن أنكر ذلك، فلم يدر بثبوت ذلك في الكتاب والسنة، فهو مقصر والله يعفو عنه، إذ لم يوجب الله على كل مسلم حفظ ما ورد في ذلك، ومن أنكر ذلك بعد العلم، وقفا غير سبيل السلف الصالح، وتمعقل على النص، فأمره إلى الله، نعوذ بالله من الضلال والهوى.

وكلام ابن خزيمة هذا -وإن كان حقًا- فهو فج، لا تحتمله نفوس كثير من متأخري العلماء.

قال أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه: سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله -تعالى- ومن قال: إنه مخلوق، فهو كافر، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، ولا يدفن في مقابر المسلمين.

ص: 230

ولابن خزيمة عظمة في النفوس، وجلالة في القلوب؛ لعلمه ودينه واتباعه السنة.

وكتابه في "التوحيد" مجلد كبير، وقد تأول في ذلك حديث الصورة

(1)

. فليعذر من تأول بعض الصفات، وأما السلف، فما خاضوا في التأويل، بل آمنوا وكفوا، وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده -مع صحة إيمانه، وتوخيه لاتباع الحق- أهدرناه، وبدعناه، لقل من يسلم من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمنه وكرمه.

قال الحاكم: فضائل إمام الأئمة ابن خزيمة عندي مجموعة في أوراق كثيرة، ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابًا سوى المسائل، والمسائل المصنفة أكثر من مائة جزء. قال: وله فقه حديث بريرة

(2)

في ثلاثة أجزاء.

قال حمد بن عبد الله المعدل: سمعت عبد الله بن خالد الأصبهاني يقول: سئل عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبي بكر بن خزيمة، فقال: ويحكم! هو يسأل عنا، ولا نسأل عنه! هو إمام يقتدى به.

قال الإمام أبو بكر محمد بن علي الشاشي: حضرت ابن خزيمة، فقال له أبو بكر النقاش، المقرئ: بلغني أنه لما وقع بين المزني وابن عبد الحكم، قيل للمزني: إنه يرد على الشافعي. فقال المزني: لا يمكنه إلَّا بمحمد بن إسحاق النيسابوري. فقال أبو بكر: كذا كان.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "6227"، ومسلم "2841" من طريق عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال: فذهب فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. قال: فزادوه: ورحمه الله. قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم. وطوله ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن" واللفظ لمسلم.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "2168" من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية، فأعينيني. فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم، يكون ولاؤك لي فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم، فأبو ذلك عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم، فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم. فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق. ففعلت عائشة ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق" وأخرجه مسلم "1504"، وأبو داود "3929"، "3930"، والترمذي "1256"، والنسائي "7/ 300"، وابن ماجه "2521".

ص: 231

وعن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن المضارب، قال: رأيت ابن خزيمة في النوم، فقلت: جزاك الله عن الإسلام خيرًا. فقال: كذا قال لي جبريل في السماء.

قال الحاكم: حدثني أبو بكر محمد بن حمدون، وجماعة من مشايخنا -إلَّا أن ابن حمدون كان من أعرفهم بهذه الواقعة- قال: لما بلغ أبو بكر بن خزيمة من السن والرئاسة والتفرد بهما ما بلغ، كان له أصحاب صاروا في حياته أنجم الدنيا، مثل أبي علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي، وهو أول من حمل علوم الشافعي، ودقائق ابن سريج إلى خراسان، ومثل أبي بكر أحمد بن إسحاق -يعني: الضبعي- خليفة ابن خزيمة في الفتوى، وأحسن الجماعة تصنيفًا، وأحسنهم سياسة في مجالس السلاطين، وأبي بكر بن أبي عثمان، وهو آدبهم، وأكثرهم جمعًا للعلوم، وأكثرهم رحلة، وشيخ المطوعة والمجاهدين، وأبي محمد يحيى بن منصور، وكان من أكابر البيوتات، وأعرفهم بمذهب ابن خزيمة وأصلحهم للقضاء. قال: فلما ورد منصور بن يحيى الطوسي نيسابور، وكان يكثر الاختلاف إلى ابن خزيمة للسماع منه -وهو معتزلي- وعاين ما عاين من الأربعة الذين سميناهم، حسدهم، واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ القدري بباب معمر في أمورهم غير مرة، فقالا: هذا إمام لا يسرع في الكلام، وينهى أصحابه عن التنازع في الكلام وتعليمه، وقد نبغ له أصحاب يخالفونه وهو لا يدري، فإنهم على مذهب الكلابية، فاستحكم طمعهما في إيقاع الوحشة بين هؤلاء الأئمة.

قال الحاكم: سمعت الإمام أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: كان من قضاء الله -تعالى- أن الحاكم أبا سعيد لما توفي، أظهر ابن خزيمة الشماتة بوفاته، هو وجماعة من أصحابه -جهلًا منهم- فسألوه أن يتخذ ضيافة، وكان لابن خزيمة بساتين نزهة. قال: فأكرهت أنا من بين الجماعة على الخروج في الجملة إليها.

وحدثني أبو أحمد الحسين بن علي التميمي: أن الضيافة كانت في جمادى الأولى، سنة تسع وثلاث مائة، وكانت لم يعهد مثلها، عملها ابن خزيمة، فأحضر جملة من الأغنام والحملان، وأعدال السكر، والفرش، والآلات، والطباخين، ثم إنه تقدم إلى جماعة المحدثين من الشيوخ والشباب، فاجتمعوا بجنزروذ

(1)

وركبوا منها، وتقدمهم أبو بكر يخترق الأسواق سوقًا سوقًا، يسألهم أن يجيبوه، ويقول لهم: سألت من يرجع إلى الفتوة والمحبة لي أن يلزم جماعتنا اليوم. فكانوا يجيئون فوجًا فوجًا حتى لم يبق كبير أحد في البلد -يعني: نيسابور- والطباخون يطبخون، وجماعة من الخبازين يخبزون، حتى حمل أيضًا

(1)

هي: قرية من قرى نيسابور.

ص: 232

جميع ما وجدوا في البلد من الخبز والشواء على الجمال والبغال والحمير، والإمام رحمه الله قائم يجري أمور الضيافة على أحسن ما يكون، حتى شهد من حضر أنه لم يشهد مثلها.

فحدثني أبو بكر أحمد بن يحيى المتكلم، قال: لما انصرفنا من الضيافة، اجتمعنا عند بعض أهل العلم، وجرى ذكر كلام الله: أقديم هو لم يزل، أو نثبت عند إخباره تعالى أنه متكلم به؟ فوقع بيننا في ذلك خوض، قال جماعة منا: كلام البارئ قديم لم يزل. وقال جماعة: كلامه قديم غير أنه لا يثبت إلَّا بإخباره وبكلامه. فبكرت إلى أبي علي الثقفي، وأخبرته بما جرى، فقال: من أنكر أنه لم يزل، فقد اعتقد أنه محدث. وانتشرت هذه المسألة في البلد، وذهب منصور الطوسي في جماعة إلى ابن خزيمة، وأخبروه بذلك، حتى قال منصور: ألم أقل للشيخ: إن هؤلاء يعتقدون مذهب الكلابية؟ وهذا مذهبهم. قال: فجمع ابن خزيمة أصحابه، وقال: ألم أنهكم غير مرة عن الخوض في الكلام؟ ولم يزدهم على هذا ذلك اليوم.

قال الحاكم: وحدثني عبد الله بن إسحاق الأنماطي المتكلم، قال: لم يزل الطوسي بأبي بكر بن خزيمة حتى جرأه على أصحابه، وكان أبو بكر بن إسحاق، وأبو بكر بن أبي عثمان يردان على أبي بكر ما يمليه، ويحضران مجلس أبي علي الثقفي، فيقرؤون ذلك على الملأ، حتى استحكمت الوحشة. سمعت أبا سعيد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ، سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله، ووحيه، وتنزيله، غير مخلوق، ومن قال: شيء منه مخلوق، أو يقول: إن القرآن محدث، فهو جهمي، ومن نظر في كتبي، بان له أن الكلابية -لعنهم الله- كذبة فيما يحكون عني بما هو خلاف أصلي وديانتي، قد عرف أهل الشرق والغرب أنه لم يصنف أحد في التوحيد والقدر وأصول العلم مثل تصنيفي، وقد صح عندي أن هؤلاء -الثقفي، والصبغي، ويحيى بن منصور- كذبة، قد كذبوا علي في حياتي، فمحرم على كل مقتبس علم أن يقبل منهم شيئًا يحكونه عني، وابن أبي عثمان أكذبهم عندي، وأقولهم علي ما لم أقله.

قلت: ما هؤلاء بكذبة، بل أئمة أثبات، وإنما الشيخ تكلم على حسب ما نقل له عنهم. فقبح الله من ينقل البهتان، ومن يمشي بالنميمة.

قال الحاكم: وسمعت محمد بن أحمد بن بالويه، سمعت ابن خزيمة يقول: من زعم بعض هؤلاء الجهلة: أن الله لا يكرر الكلام، فلا هم يفهمون كتاب الله، إن الله قد أخبر في مواضع أنه خلق آدم، وكرر ذكر موسى، وحمد نفسه في مواضع، وكرر:{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان} [الرحمن: 13]، ولم أتوهم أن مسلمًا يتوهم أن الله لا يتكلم بشيء مرتين،

ص: 233

وهذا قول من زعم أن كلام الله مخلوق، ويتوهم أنه لا يجوز أن يقول: خلق الله شيئًا واحدًا مرتين.

قال الحاكم: سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: لما وقع من أمرنا ما وقع، وجد أبو عبد الرحمن ومنصور الطوسي الفرصة في تقرير مذهبهم، واغتنم أبو القاسم وأبو بكر بن علي والبردعي السعي في فساد الحال، انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط فيما بين الجماعة، وقرر لأبي بكر بن خزيمة اعترافنا له بالتقدم، وبين له غرض المخالفين في فساد الحال، إلى أن وافقه على أن نجتمع عنده، فدخلت أنا، وأبو علي، وأبو بكر بن أبي عثمان، فقال له أبو علي الثقفي: ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟ قال: ميلكم إلى مذهب الكلابية، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب، وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره

، حتى طال الخطاب بينه وبين أبي علي في هذا الباب. فقلت: قد جمعت أنا أصول مذاهبنا في طبق، فأخرجت إليه الطبق، فأخذه، وما زال يتأمله وينظر فيه، ثم قال: لست أرى هاهنا شيئًا لا أقول به. فسألته أن يكتب عليه خطه أن ذلك مذهبه، فكتب آخر تلك الأحرف. فقلت لأبي عمرو الحيري: احتفظ أنت بهذا الخط حتى ينقطع الكلام، ولا يتهم واحد منا بالزيادة فيه. ثم تفرقنا، فما كان بأسرع من أن قصده أبو فلان وفلان، وقالا: إن الأستاذ لم يتأمل ما كتب في ذلك الخط، وقد غدروا بك، وغيروا صورة الحال. فقبل منهم، فبعث إلى أبي عمرو الحيري لاسترجاع خطه منه، فامتنع عليه أبو عمرو، ولم يرده حتى مات ابن خزيمة، وقد أوصيت أن يدفن معي، فأحاجه بين يدي الله -تعالى- فيه، وهو القرآن؛ كلام الله -تعالى- وصفة من صفات ذاته، ليس شيء من كلامه مخلوق، ولا مفعول، ولا محدث، فمن زعم أن شيئًا منه مخلوق أو محدث، أو زعم أن الكلام من صفة الفعل، فهو جهمي ضال مبتدع، وأقول: لم يزل الله متكلمًا، والكلام له صفة ذات، ومن زعم أن الله لم يتكلم إلَّا مرة، ولم يتكلم إلَّا ما يتكلم به، ثم انقضى كلامه، كفر بالله، وأنه ينزل تعالى إلى سماء الدنيا، فيقول:"هل من داع فأجيبه". فمن زعم أن علمه تنزل أوامره، ضل، ويكلم عباده بلا كيف {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، لا كما قالت الجهمية: إنه على الملك احتوى، ولا استولى. وإن الله يخاطب عباده عودًا وبدءًا، ويعيد عليهم قصصه وأمره ونهيه، ومن زعم غير ذلك، فهو ضال مبتدع. وساق سائر الاعتقاد.

قلت: كان أبو بكر الصبغي هذا عالم وقته، وكبير الشافعية بنيسابور، حمل عنه الحاكم علمًا كثيرًا.

ص: 234

ولابن خزيمة ترجمة طويلة في "تاريخ نيسابور"، تكون بضعًا وعشرين ورقة، من ذلك وصيته، وقصيدتان رثي بهما. وضبط وفاته: في ثاني ذي القعدة، سنة إحدى عشرة وثلاث مائة، عاش تسعًا وثمانين سنة. وقد سمعنا "مختصر المختصر"، له عاليًا بفوت لي.

وفيها مات: أبو جعفر بن حمدان الحيري -صاحب "الصحيح"- وأبو جعفر أحمد بن عمرو الإلبيري -حافظ أهل الأندلس- وشيخ الحنابلة أبو بكر الخلال، وشيخ الصوفية بالعراق أبو محمد أحمد بن محمد الجريري -وقيل: اسمه حسن- وشيخ العربية أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج البغدادي، وصدر الوزراء حامد بن العباس، وحماد بن شاكر النسفي -صاحب البخاري- ومسند بغداد أبو محمد عبد الله بن إسحاق المدائني الأنماطي، وحافظ هراة أبو محمد عبد الله بن عروة، وحافظ مرو عبد الله بن محمود، ومحدث أنطاكية أبو طاهر بن فيل الهمداني، وشيخ الطب محمد بن زكريا الرازي الفيلسوف، ومسند نيسابور أبو العباس محمد بن شادل بن علي -مولى بني هاشم.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر المستملي، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم المقرئ، أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد بن خزيمة، أخبرنا جدي، حدثنا أبو موسى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة، أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها"

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "597"، ومسلم "684"، وأبو داود "442"، وابن خزيمة "993".

ص: 235

‌2734 - الباغندي

(1)

:

محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث، الإمام، الحافظ الكبير، محدث العراق أبو بكر ابن المحدث أبي بكر الأزدي، الواسطي، الباغندي، أحد أئمة هذا الشأن ببغداد.

ولد سنة بضع عشرة ومائتين، وكان أول سماعه بواسط في سنة سبع وعشرين ومائتين.

سمع: علي بن المديني، وشيبان بن فروخ، وأبا بكر بن أبي شيبة، وهشام بن عمار، وسويد بن سعيد، ومحمد بن الصباح الجرجرائي، والصلت بن مسعود الجحدري، وأبا نعيم عبيد بن هشام الحلبي، وعبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي، ومحمد بن سليمان لوين،

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 209"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 193"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 737"، والعبر "2/ 153"، وميزان الاعتدال "4/ 26"، ولسان الميزان "5/ 360"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 212"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 265".

ص: 235

ودحيمًا، وأحمد بن أبي الحواري، وعثمان بن أبي شيبة، وعبد الملك بن شعيب بن الليث، والحارث بن مسكين، ومحمد ابن زنبور المكي، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمود بن خالد الدمشقي، وخلقًا كثيرًا.

وجمع، وصنف، وعمر، وتفرد.

حدث عنه: ابن عقدة، والقاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد، ودعلج السجزي، وأبو بكر الشافعي، والطبراني، وأبو علي ابن الصواف، وأبو عمر بن حيويه، وأبو حفص بن شاهين، وعلي بن عمر السكري، ومحمد بن المظفر، وأبو أحمد الحاكم، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو بكر أحمد بن عبدان، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو الحسين أحمد بن محمد البحيري النيسابوري، وخلق سواهم.

قال أبو بكر الخطيب: رحل في الحديث إلى الأمصار البعيدة، وعني به العناية العظيمة، وأخذ عن الحفاظ والأئمة، وكان حافظًا فهمًا عارفًا، فسمعت أحمد بن علي البادا مذاكرة يقول: سمعت أبا بكر الأبهري يقول: سمعت أبا بكر الباغندي يقول: أنا أجيب في ثلاث مائة ألف مسألة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبرت ابن المظفر بقول الأبهري، فقال: صدق، سمعته منه.

قال الخطيب: وسمعت هبة الله اللالكائي يقول: إن الباغندي كان يسرد الحديث من حفظه، ويهذه مثل تلاوة القرآن السريع القراءة، وكان يقول: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، وحدثنا فلان. وهو يحرك رأسه حتى تسقط عمامته.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا عبد الصمد بن محمد القاضي حضورًا، أخبرنا أبو الحسن السلمي، أخبرنا ابن طلاب، أخبرنا ابن جميع، حدثنا أحمد بن محمد بن شجاع بالأهواز، قال: كنا عند إبراهيم بن موسى الجوزي ببغداد، وكان عنده أبو بكر الباغندي ينتقي عليه، فقال له إبراهيم: هوذا تضجرني، أنت أكثر حديثًا مني، وأحفظ، وأعرف. فقال له: لقد حبب إلي هذا الحديث، حسبك أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فلم أقل له: ادع لي، وقلت يا رسول الله! أيما أثبت في الحديث: منصور أو الأعمش؟ فقال: منصور، منصور.

وقال العتيقي: سمعت عمر بن شاهين يقول: قام أبو بكر الباغندي ليصلي، فكبر، ثم قال: أخبرنا محمد بن سليمان لوين، فسبحنا به، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.

ص: 236

قال حمزة السهمي: سألنا الوزير جعفر بن الفضل بمصر عن الباغندي، فقال: لم أسمع منه، ولحقته، وكان للوزير الماضي حجرتان، إحداهما للباغندي، يجيئه، ويقرأ له، "والأخرى لليزيدي"، ثم قال: جعفر: فسمعت أبي يقول: كنت يومًا مع الباغندي في الحجرة يقرأ لي كتب أبي بكر بن أبي شيبة، فقام إلى الطهارة، فأخذ جزءًا "من حديث أبي بكر بن أبي شيبة، فإذا" على ظهره مكتوب: مربع، والباقي محكوك، فرجع، فرأى في يدي الجزء، فتغير وجهه، فقلت: أيش هذا مربع؟ فغير ذلك، ولم أفطن "له؛ لأني أول ما كنت دخلت في كتب الحديث"، ثم سألت عنه، فإذا الكتاب لمحمد بن إبراهيم مربع، فحكه، وترك مربع، فبرد عندي، ولم أخرج عنه شيئًا.

قال عمر بن حسن الأشناني: سمعت محمد بن أحمد بن أبي خيثمة -وذكر عنده أبو بكر الباغندي- فقال: ثقة، كثير الحديث، لو كان بالموصل، لخرجتم إليه، ولكنه يتطرح عليكم، ولا تريدونه.

قال الدراقطني في كتاب "المصحفين": حدثني أبي، أنه سمع أبا بكر الباغندي أملى عليهم في الجامع في حديث ذكره:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ} "هويًا" بالياء وضم الهاء.

وقال الدارقطني في "الضعفاء": الباغندي مدلس مخلط، يسمع من بعض رفاقه، ثم يسقط من بينه وبين شيخه، وربما كانوا اثنين وثلاثة، وهو كثير الخطأ.

قال البرقاني: سألت أبا بكر الإسماعيلي عن ابن الباغندي، فقال: لا أتهمه في قصد الكذب، ولكنه خبيث التدليس، ومصحف أيضًا، كأنه تعلم من سويد التدليس.

وقال حمزة السهمي: سألت أبا بكر بن عبدان عن محمد بن محمد الباغندي: "هل يدخل في الصحيح"؟، فقال: لو خرجت "الصحيح"، لم أدخله فيه، كان يخلط ويدلس، وليس ممن كتبت عنه آثر عندي ولا أكثر حديثًا منه، إلَّا أنه شره، وهو أحفظ من أبي بكر بن أبي داود. وسألت أبا الحسن الدارقطني عنه، فقال: كثير التدليس، يحدث بما لم يسمع، وربما سرق.

قال الخطيب: لم يثبت من أمر الباغندي ما يعاب به سوى التدليس، ورأيت كافة شيوخنا يحتجون به، ويخرجونه في الصحيح.

قلت: يقع حديثه عاليًا للفخر بن البخاري، وطبقته.

ص: 237

قال ابن شاهين: مات في يوم الجمعة، في عشرين شهر ذي الحجة، سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر، أنبأنا أبو روح الهروي، أخبرنا أبو القاسم المستملي، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو الحسين البحيري، أخبرنا محمد بن محمد بن سليمان، حدثنا شيبان، حدثنا حماد، حدثنا ثابت، وسليمان التيمي، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتيت -ليلة أسري بي- على موسى عليه السلام عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره" أخرجه مسلم

(1)

عن شيبان.

أخبرنا علي بن أحمد في كتابه، أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا محمد بن المظفر، حدثنا أبو بكر الباغندي، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا البراء بن عبد الله الغنوي، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلَّا أنبئكم بشرار هذه الأمة؟ هم الثرثارون المتفيهقون، إلَّا أنبئكم بخياركم؟ أحسنكم خلقًا". تفرد به: البراء. أخرجه البخاري، في كتاب "الأدب"

(2)

له.

وفيها مات الحافظ أحمد بن عمرو الإلبيري الأندلسي، وأحمد بن محمد بن الأزهر، والحسن بن علي بن نصر الطوسي، والوزير أبو الحسن بن الفرات، وعبدوس بن أحمد بن عباد الهمذاني، وعلي بن الحسن بن قديد بمصر، ومحمد بن سليمان بن فارس الدلال، وأبو بكر محمد بن هارون بن المجدر، وشيخ الطريق أبو محمد الجريري.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "2375".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري في "الأدب المفرد""1308"، وأحمد "2/ 369"، وآفته البراء بن عبد الله الغنوي، فإنه ضعيف. وله شاهد من حديث جابر: أخرجه الترمذي "2018". وشاهد آخر: عند أحمد "4/ 193 - 194" من حديث أبي ثعلبة الخشني. وقوله: المتفيهق: أي المتكبر.

ص: 238

‌2735 - السراج

(1)

:

محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران، الإمام، الحافظ، الثقة، شيخ الإسلام، محدث خراسان، أبو العباس الثقفي مولاهم، الخراساني، النيسابوري، صاحب "المسند الكبير" على الأبواب والتاريخ وغير ذلك، وأخو إبراهيم المحدث وإسماعيل.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "7/ ترجمة 1105"، وتاريخ بغداد "1/ 248"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 199"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 735"، والعبر "2/ 157"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "2/ 187"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 214"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 157".

ص: 238

مولده في سنة ست عشرة ومائتين.

رأى يحيى بن يحيى التميمي، ولم يسمعه، وسمع من: إسحاق، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن بكار بن الريان، وبشر بن الوليد الكندي، وأبي معمر القطيعي، وداود بن رشيد، ومحمد بن حميد الرازي، ومحمد بن الصباح الجرجرائي، وعمرو بن زرارة، وأبي همام السكوني، وهناد بن السري، وأبي كريب، ومحمد بن أبان البلخي، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، ومحمد بن عمرو زنيج، وأحمد بن المقدام، ومحمد بن رافع، ومجاهد بن موسى، وأحمد بن منيع، وزياد بن أيوب، ويعقوب الدورقي، وسوار بن عبد الله، وهارون الحمال، وعقبة بن مكرم العمي، وابن كرامة، وعبد الجبار بن العلاء، وعبد الله بن عمر بن أبان، وأبي سعيد الأشج، وعبد الله بن الجراح، وأحمد بن سعيد الدارمي، وعباد بن الوليد، وخلق سواهم، وينزل إلى: أحمد بن محمد البرتي، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، والحسن بن سلام.

وسكن بغداد مدة طويلة، وحدث بها، ثم رد إلى وطنه.

حدث عنه: البخاري ومسلم بشيء يسير خارج الصحيحين، وأبو حاتم الرازي -أحد شيوخه- وأبو بكر بن أبي الدنيا، وعثمان بن السماك، والحافظ أبو علي النيسابوري، وأبو حاتم البستي، وأبو أحمد بن عدي، وأبو إسحاق المزكي، وإبراهيم بن عبد الله الأصبهاني، وأبو أحمد الحاكم، وعبيد الله بن محمد الفامي، وحسينك بن علي التميمي، وأبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي، وأبو بكر محمد بن محمد بن هانئ البزاز، والخليل بن أحمد السجزي القاضي، والقاضي يوسف بن القاسم الميانجي، وعبد الله بن أحمد الصيرفي، وسهل بن شاذويه البخاري -ومات قبله- وأبو العباس بن عقدة، وأبو سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان، ويحيى بن محمد العنبري، وأبو بكر بن مهران المقرئ، وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه، وأبو الحسين أحمد بن محمد البحيري، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن محفوظ العابد، وبشر بن محمد بن محمد بن ياسين الباهلي، والحسن بن أحمد بن محمد -والد أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري- والحافظ أبو علي الحسين بن محمد الماسرجسي، وعبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني، وأبو عمرو بن حمدان الحيري، وأبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن خزيمة، وأبو الحسين محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي، ومحمد بن محمد بن سمعان الواعظ، ويحيى بن إسماعيل المزكي -عرف بالحربي- وخلق، آخرهم موتًا: الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف القنطري -راوي بعض مسنده عنه.

ص: 239

قال الخطيب: كان من الثقات الأثبات، عني بالحديث، وصنف كتبًا كثيرة، وهي معروفة.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد بن عساكر قراءة عليه، أنبأنا المفتي أبو بكر القاسم بن عبد الله بن عمر النيسابوري ابن الصفار، أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر الشحامي سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وأحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي، قالوا: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا عبد الأعلى، حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي، قال: سألت علقمة: هل كان عبد الله بن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: لا، وكنا معه ليلة، ففقدناه، فبتنا بشر ليلة، فلما أصبحنا، إذا هو جاء من حراء، فقال:"إنه أتاني داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن". فانطلق بنا حتى أرانا آثارهم ونيرانهم، فسألوه عن الزاد، فقال:"لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، يقع في يد أحدكم أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة علف لدوابكم". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم من الجن"

(1)

.

هذا حديث صحيح، عال. أخرجه: مسلم، وأبو داود، وأبو عيسى، والنسائي، من حديث عبد الله بن إدريس، وابن علية، وجماعة سمعوه من داود بن أبي هند. وفي روايتنا اختصار، وصوابه: فقال ابن مسعود: كنا معه.

ويقع حديث السراج عاليًا بالاتصال لابن البخاري.

أنبأنا المسلم بن علان، والمؤمل بن محمد، أخبرنا الكندي، أخبرنا الشيباني، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا أحمد بن أبي عمران، أخبرنا علي بن الحسن بن خالد المروزي، أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري، أخبرنا محمد بن إسحاق السراج، حدثنا أخي إبراهيم، حدثنا محمد بن أبان، حدثنا جرير بن حازم، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى الجمعة، فليغتسل"

(2)

.

قال أبو بكر بن جعفر المزكي: سمعت السراج يقول: نظر محمد بن إسماعيل البخاري في "التاريخ" لي، وكتب منه بخطه أطباقًا، وقرأتها عليه.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "450"، والترمذي "3258"، وأبو داود "85".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "877"، ومسلم "844"، وأبو داود "342"، والترمذي "492".

ص: 240

وروي عن أبي العباس السراج: أنه أشار إلى كتب له، فقال: هذه سبعون ألف مسألة لمالك، ما نفضت عنها الغبار مذ كتبتها.

قال أبو الوليد حسان بن محمد: دخل أبو العباس السراج على أبي عمرو الخفاف، فقال له: يا أبا العباس! من أين جمعت هذا المال؟ قال: بغيبة دهر أنا وأخواي إبراهيم وإسماعيل، غاب أخي إبراهيم أربعين سنة، وغاب أخي إسماعيل أربعين سنة، وغبت أنا مقيمًا ببغداد أربعين سنة، أكلنا الجشب

(1)

، ولبسنا الخشن، فاجتمع هذا المال، لكن أنت يا أبا عمرو! من أين جمعت هذا المال؟ -وكان لأبي عمرو مال عظيم- ثم قال: متمثلًا:

أتذكر إذ لحافك جلد شاة

وإذ نعلاك من جلد البعير

فسبحان الذي أعطاك ملكًا

وعلمك الجلوس على السرير

قال أبو العباس بن حمدان شيخ خوارزم: سمعت السراج يقول: رأيت في المنام كأني أرقى في سلم طويل، فصعدت تسعًا وتسعين درجة، فكل من أقصها عليه يقول: تعيش تسعًا وتسعين سنة. قال: ابن حمدان: فكان كذلك.

قلت: بل بلغ سبعًا، أو خمسًا وتسعين سنة، فقد قال: أبو إسحاق المزكي عنه: ولدت سنة ثماني عشرة ومائتين، وختمت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألف ختمة، وضحيت عنه اثني عشر ألف أضحية.

قلت: دليله حديث شريك، عن أبي الحسناء، عن الحكم، عن حنش، قال: رأيت عليًا رضي الله عنه يضحي بكبشين، فقلت له: ما هذا؟ قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضحي عنه. زاد الترمذي: واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم وواحد عن نفسه.

أخبرنا المسلم بن علان، والمؤمل بن محمد كتابة، قالا: أخبرنا الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا رضوان بن محمد بالدينور، أخبرنا حمد بن عبد الله الأصبهاني، حدثنا أبو العباس بن أحمد الأردستاني، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي: سمعت أحمد بن سعيد الدارمي يقول: عادني محمد بن كثير الصنعاني، فقال: أقالك الله عثرتك، ورفع جنتك، وفرغك لعبادة ربك.

بلغنا أنه قيل لأبي العباس السراج، وهو يكتب في كهولته عن يحيى بن أبي طالب: إلى كم هذا؟ فقال: أما علمت أن صاحب الحديث لا يصبر؟!

(1)

الجشب: هو الغليظ الخشن، وقيل غير المأدوم. وكل بشع الطعم جشب.

ص: 241

قال: عبد الرحمن بن أبي حاتم: أبو العباس السراج صدوق، ثقة.

وقال أبو إسحاق المزكي: كان السراج مجاب الدعوة.

قال محمد بن أحمد الدقاق: رأيت السراج يضحي كل أسبوع أو أسبوعين أضحية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصيح بأصحاب الحديث، فيأكلون.

وكان أبو سهل الصعلوكي يقول: حدثنا أبو العباس السراج الأوحد في فنه، الأكمل في وزنه.

قال الحافظ أبو علي بن الأخرم الشيباني: استعان بي السراج في التخريج على "صحيح مسلم"، فكنت أتحير من كثرة الحديث الذي عنده، وحسن أصوله، وكان إذا وجد حديثًا عاليًا، يقول: لا بد أن تكتبه. فأقول: ليس من شرط صاحبنا. فيقول: فشفعني في هذا الحديث الواحد.

قال إسماعيل بن نجيد: رأيت أبا العباس السراج يركب حماره، وعباس المستملي بين يديه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يقول: يا عباس! غير كذا، اكسر كذا.

قال: أبو عبد الله الحاكم: سمعت أبي يقول: لما ورد الزعفراني، وأظهر خلق القرآن، سمعت السراج يقول: العنوا الزعفراني. فيضج الناس بلعنته، فنزح إلى بخارى.

قال الصعلوكي: كنا نقول: السراج كالسراج.

قال الحاكم: أخبرنا أبو أحمد بن أبي الحسن: أرسلني ابن خزيمة إلى السراج، فقال: قل له: أمسك عن ذكر أبي خليفة وأصحابه، فإن أهل البلد قد شوشوا. فأديت الرسالة، فزبرني.

قال الحاكم: وسمعت أبا سعيد بن أبي بكر يقول: لما وقع من أمر الكلابية ما وقع بنيسابور، كان أبو العباس السراج يمتحن أولاد الناس، فلا يحدث أولاد الكلابية، فأقامني في المجلس مرة، فقال: قل: أنا أبرأ إلى الله -تعالى- من الكلابية. فقلت: إن قلت هذا، لا يطعمني أبي الخبز. فضحك، وقال: دعوا هذا.

أبو زكريا العنبري: سمعت أبا عمرو الخفاف يقول لأبي العباس السراج: لو دخلت على الأمير، ونصحته. قال: فجاء وعنده أبو عمرو، فقال أبو عمرو: هذا شيخنا وأكبرنا، وقد حضر ينتفع الأمير بكلامه. فقال السراج: أيها الأمير! إن الإقامة كانت فرادى، وهي كذلك بالحرمين، وهي في جامعنا مثنى مثنى، وإن الدين خرج من الحرمين. قال: فخجل الأمير

ص: 242

وأبو عمرو والجماعة، إذ كانوا قصدوا في أمر البلد، فلما خرج، عاتبوه، فقال: استحييت من الله أن أسأل أمر الدنيا وأدع أمر الدين.

قال أبو الوليد حسان بن محمد: سمعت أبا العباس السراج يقول: واأسفي على بغداد! فقيل له: ما حملك على فراقها؟ قال: أقام بها أخي إسماعيل خمسين سنة، فلما توفي ورفعت جنازته، سمعت رجلًا على باب الدرب يقول لآخر: من هذا الميت؟ قال: غريب كان هاهنا. فقلت: إنا لله، بعد طول مقام أخي بها، واشتهاره بالعلم والتجارة، يقال له: غريب كان هنا. فحملتني هذه الكلمة على الانصراف إلى الوطن.

قلت: كان أخوه إسماعيل السراج ثقة، عالمًا، مختصًا بأحمد بن حنبل، يروي عن: يحيى بن يحيى، وجماعة. روى عنه: إسماعيل الخطبي، وابن قانع، وطائفة.

أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه، أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك، أخبرنا أبو روح بهراة، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف، حدثنا أبو العباس السراج إملاء، قال: من لم يقر بأن الله -تعالى- يعجب، ويضحك، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيقول:"من يسألني، فأعطيه"، فهو زنديق كافر يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.

قلت: لا يكفر إلا إن علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، فإن جحد بعد ذلك، فهذا معاند -نسأل الله الهدى- وإن اعترف إن هذا حق، ولكن لا أخوض في معانيه، فقد أحسن، وإن آمن، وأول ذلك كله، أو تأول بعضه، فهو طريقة معروفة.

وقد كان السراج ذا ثروة وتجارة، وبر ومعروف، وله تعبد وتهجد، إلَّا أنه كان منافرًا للفقهاء أصحاب الرأي، والله يغفر له.

قال الحاكم: سمعت أبا سعيد المقرئ، سمعت السراج يقول عند حركاته إذا قام أو قعد: يا بغداد! واأسفى عليك، متى يقضى لي الرجوع إليك.

نقل الحاكم، وغيره: أن أبا العباس السراج مات في شهر ربيع الآخر، سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة، بنيسابور.

أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، وأحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء قراءة، عن عبد المعز بن محمد البزاز، أخبرنا محمد بن إسماعيل الفضيلي، أخبرنا سعيد بن أبي سعيد

ص: 243

العيار، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد، أخبرنا أبو العباس السراج، أخبرنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا الليث، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، أنه قال:"قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتًا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبينها وزوجها، وأن العقل على عصبتها"

(1)

. أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن قتيبة.

وقال أبو يعلى الخليلي في "إرشاده": محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران بن عبد الله بن العباس الثقفي: ثقة، متفق عليه من شرط "الصحيح"، سمع حتى كتب عن الأقران ومن هو أصغر منه سنًا، لعلمه وتبحره، سمعت أنه كتب عن ألف وخمس مائة، وزيادة.

سمع منه: البخاري، وأبو حاتم، والحسن بن سفيان، وابن خزيمة.

ومات مع السراج: الثقة أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق، ومسند نيسابور أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي، والعلامة أبو القاسم ثابت بن حزم بن مطرف السرقسطي اللغوي، ومحدث الكوفة أبو محمد عبد الله بن زيدان بن بريد البجلي العابد، وأبو عمر عبد الله بن عثمان العثماني -صاحب ابن المديني- والفقيه أبو الحسن علي ابن محمد بن بشار البغدادي الزاهد، والمحدث أبو جعفر محمد بن أحمد بن أبي عون النسوي، وأبو عبد الله محمد ابن إبراهيم بن زياد الطيالسي، وأبو لبيد محمد بن إدريس بن إياس السامي السرخسي، والحافظ أبو قريش محمد بن جمعة القهستاني، والقاضي أبو عبيد الله محمد بن عبدة بن حرب -وليس بثقة- وإمام جامع واسط يوسف بن يعقوب الواسطي.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "6904"، ومسلم "1681".

ص: 244

‌2736 - السعدي:

الشيخ العالم الحافظ، محدث مرو، أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمود بن عبد الله السعدي، المروزي.

سمع: حبان بن موسى، وعلي بن حجر، وعتبة بن عبد الله، ومحمود بن غيلان، وعمر بن شبة، وعدة.

حدث عنه: أبو منصور الأزهري، والفقيه أحمد بن سعيد المعداني، وأبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي، وآخرون. وقد سمع منه إمام الأئمة؛ ابن خزيمة، وماتا في عام، سنة إحدى عشرة.

قال أبو عبد الله الحاكم: ثقة، مأمون.

وقال الخليلي: حافظ، عالم بهذا الشأن، كان أبوه قد سمع من سفيان بن عيينة.

قرأت على أبي الفضل بن عساكر، عن أبي روح الهروي، أخبرنا محمد بن محمد بن الحسين، وأبو النضر الفامي، قالا: أخبرنا الحسين بن محمد الكتبي، أخبرنا أبو نصر محمد بن بكر الخلال المروزي، أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي، أخبرنا عبد الله بن محمود، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا الفضل بن موسى، أخبرنا عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"

(1)

.

وقع هذا لنا في الصحيح عاليًا، من رواية مكي بن إبراهيم.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "6412"، وأحمد "1/ 258".

ص: 244

‌2737 - ابن وهب

(1)

:

العالم الحافظ البارع الرحال، أبو محمد عبد الله بن محمد بن وهب الدينوري.

سمع: أبا عمير بن النحاس الرملي، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأبا سعيد الأشج، ومحمد بن الوليد البسري، وأحمد ابن أخي ابن وهب، ويونس بن عبد الأعلى، وطبقتهم بمصر، والشام، والعراق، والحجاز. وصنف، وخرج.

حدث عنه: جعفر الفريابي -وهو أكبر منه- والحافظ أبو علي النيسابوري، والقاضي يوسف الميانجي، والقاضي أبو بكر الأبهري، وعمر بن سهل الدينوري، وعبد الله بن سعيد البروجردي -وهو آخر من حدث عنه.

قال الحافظ أبو علي: بلغني أن أبا زرعة الرازي كان يعجز عن مذاكرة ابن وهب الدينوري.

وقال أبو أحمد بن عدي: كان ابن وهب يحفظ، وسمعت عمر بن سهل يرميه بالكذب، وسمعت أبا العباس بن عقدة يقول: كتب إلي ابن وهب الدينوري جزأين من غرائبه عن سفيان الثوري، فلم أعرف منهما إلَّا حديثين، وكنت أتهمه.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 756"، والعبر "2/ 137"، وميزان الاعتدال "2/ 494" ولسان الميزان "3/ 344"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 252".

ص: 245

وقال الدارقطني: متروك الحديث.

قال أبو علي الحافظ: سمعت ابن وهب الدينوري يقول حضرت أبا زرعة وخراساني يلقي عليه الموضوعات، وهو يقول: باطل، والرجل يضحك، ويقول: كل مالا تحفظه تقول: باطل. فقلت: يا هذا! ما مذهبك؟ قال: حنفي. قلت: ما أسند أبو حنيفة عن حماد؟ فوقف فقلت: يا أبا زرعة! ما تحفظ لأبي حنيفة عن حماد؟ فسرد له أحاديث، فقلت للعلج: ألا تستحي، تقصد إمام المسلمين بالموضوعات، وأنت لا تحفظ حديثًا لإمامك؟! قال: فأعجب ذلك أبا زرعة، وقبلني.

قال الحافظ ابن عدي: وقد قبل قوم ابن وهب الدينوري، وصدقوه.

وقال الحاكم: سألت أبا علي الحفاظ عن ابن وهب الدينوري، فقال: كان حافظًا.

وقال السلمي: سألت الدارقطني عنه، فقال: كان يضع الحديث.

وقال ابن أبي الفوارس، والبرقاني، عن الدارقطني: متروك.

قلت: هو عبد الله بن حمدان بن وهب، وما عرفت له متنا يتهم به، فأذكره، أما في تركيب الإسناد، فلعله مات سنة ثمان وثلاث مائة.

حدثنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا عمر بن كرم، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا عبد الوهاب بن أحمد، حدثنا محمد بن الحسين السلمي، حدثنا الحسين بن علي بن يزيد الحافظ، حدثنا عبد الله بن حمدان بن وهب، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد الأصم، حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن زياد بن سعد: أن ابن شهاب أخبره، عن عروة، عن عائشة:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل فيما بين صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بركعة واحدة"

(1)

. غريب.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "736".

ص: 246

‌2738 - ابن بجير

(1)

:

الإمام الحافظ الثبت الجوال، مصنف "المسند"، أبو حفص عمر بن محمد بن بجير الهمداني، السمرقندي، محدث ما وراء النهر، ومصنف "التفسير" أيضًا، و"الصحيح"، وغير ذلك.

كان من أوعية العلم. ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وكان أبوه صاحب حديث، ومن أصحاب عارم وطبقته، فرحل بابنه عمر إلى الأقاليم.

حدث عن: عيسى بن حماد زغبة، وبشر بن معاذ العقدي، وعمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن معاوية، خال الدارمي، وأحمد بن عبدة الضبي، وأبي الأشعث أحمد بن المقدام، وبندار، وطبقتهم.

حدث عنه: محمد بن محمد بن صابر، ومحمد بن بكر الدهقان، ومحمد بن أحمد بن عمران الشاشي، ومحمد بن علي المؤدب، ومعمر بن جبريل الكرميني، وأعين بن جعفر السمرقندي، وعيسى بن موسى الكسائي، وآخرون.

ولما أن وصل إلى مصر، صادفته جنازة الحافظ أحمد بن صالح، فشيعها، وتألم لفواته.

قال أبو سعد الإدريسي: كان فاضلًا، خيرًا، ثبتًا في الحديث، له الغاية في طلب الآثار والرحلة.

قلت: لم يقع لي حديثه عاليًا، وهو تفرد -مع صدقه- بحديث غريب صالح الإسناد، فقال: أخبرنا العباس بن الوليد الخلال، حدثنا مروان بن محمد، حدثنا معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي نضرة: عن أبي سعيد مرفوعًا، قال:"إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير من حمر النعم، ألا وهي الركعتان قبل صلاة الفجر".

توفي ابن بجير في سنة إحدى عشرة وثلاث مائة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد الرحيم بن أبي سعيد، أخبرنا عثمان بن علي، أخبرنا علي بن محمد بن خذام الواعظ، حدثنا جدي؛ القاضي أبو علي النسفي أحمد بن محمد بن عمر بن محمد بن بجير، أخبرنا جدي؛ أبو حفص، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا فليح، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي تدخل الجنة إلَّا من أبى". قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"

(2)

.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 733"، والعبر "2/ 149"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 209"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 262".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "7280".

ص: 247

‌2739 - ابن معدان

(1)

:

الإمام الحافظ المصنف، أبو بكر، محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الثقفي مولاهم، الأصبهاني.

سمع: سلم بن جنادة، وموسى بن عامر الدمشقي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، والربيع المرادي، وأحمد بن الفرات، وعدة.

وعنه: أبو الشيخ، والطبراني، وأبو بكر بن المقرئ، وأهل بلده.

قال أبو الشيخ: هو محدث ابن محدث، كثير التصانيف، توفي بكرمان، سنة تسع وثلاث مائة.

‌2740 - الماسرجسي

(2)

:

الإمام المحدث، العالم الثقة، أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين بن عيسى الماسرجسي، سبط الحسن بن عيسى بن ماسرجس النيسابوري.

سمع: جده، وإسحاق بن راهويه، وشيبان بن فروخ، والربيع بن ثعلب، ووهب بن بقية، وعمرو بن زرارة، وطبقتهم.

حدث عنه: الحافظ أبو علي النيسابوري، وأبو إسحاق المزكي، وأبو سهل الصعلوكي، وأبو أحمد الحاكم، وآخرون.

مات في صفر، سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة، وهو في عشر المائة، وكان من وجوه أهل بلده وعلمائهم، رحمه الله.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء بقراءتي، أخبرنا عبد المعز بن محمد في كتابه، أخبرنا تميم بن أبي سعيد، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي سنة تسع وأربعين وأربع مائة، أخبرنا محمد بن محمد الحافظ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي، حدثنا إسحاق الحنظلي، أخبرنا عبد العزيز بن محمد، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أشرك بالله، فليس بمحصن".

قال أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ: لا أعلم حدث به غير إسحاق، عن الدراوردي.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 243"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 800"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "3/ 68"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 203"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 258".

(2)

ترجمته في العبر "2/ 155"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 215"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 266".

ص: 248

‌2741 - جماهر بن محمد:

ابن أحمد بن حمزة، الشيخ، الثقة، المحدث، أبو الأزهر الغساني، الزملكاني، الدمشقي.

حدث عن: هشام بن عمار، وأحمد بن أبي الحواري، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، ومحمود بن خالد، وطائفة.

حدث عنه: أبو زرعة وأبو بكر؛ ابنا أبي دجانة، وأبو بكر بن السني، وحمزة الكناني، وأبو سليمان بن زبر، وجمح بن القاسم، وأبو بكر بن المقرئ، ومحمد بن سليمان الربعي، وآخرون.

وثقه حمزة الكناني.

مات في المحرم، سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة.

‌2742 - الغازي

(1)

:

الإمام الثقة الحافظ، أبو الحسين، محمد بن إبراهيم بن شعيب الجرجاني، الغازي.

سمع: محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وعمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن حميد الرازي، ومحمد بن عبد الملك ابن زنجويه، ومحمد بن يحيى الذهلي، والبخاري، وأبا زرعة الرازي.

وعنه: أبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو أحمد الحاكم، وجماعة.

لم أقع بتاريخ وفاته، وهي سنة نيف عشرة.

قرأنا على ابن تاج الأمناء، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا تميم المؤدب، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا محمد بن محمد الحافظ، أخبرنا محمد بن إبراهيم الغازي، حدثنا محمد -هو ابن حميد- حدثنا الحكم بن بشير، عن عمرو بن قيس الملائي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان رمضان، تفتح أبواب الجنة جميعًا، وتغلق أبواب النار كلها، وتغل مردة الشياطين"

(2)

.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 761"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 262".

(2)

صحيح: وهذا إسناد ضعيف؛ آفته محمد بن حميد الرازي، وهو ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب". وأخرجه أحمد "2/ 357"، والبخاري "1898"، ومسلم "1079"، والنسائي "4/ 126 و 126 - 127"، والدارمي "2/ 62"، وابن خزيمة "1882"، والبيهقي "4/ 202"، والبغوي "1703" من طريق نافع بن أبي أنس أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين" واللفظ لمسلم.

ص: 249

‌2743 - ابن عبدة

(1)

:

قاضي القضاة، أبو عبيد الله، محمد بن عبدة بن حرب العباداني، البصري.

حدث عن: علي بن المديني، وهدبة بن خالد، وعبد الأعلى بن حماد، وكامل بن طلحة، وعدة.

حدث عنه: عبد العزيز بن جعفر الخرقي، وعلي بن لؤلؤ الوراق، وأبو حفص بن الزيات، وعلي بن عمر الحربي، وآخرون، وهو واه.

قال الحسن بن زولاق: أقامت مصر بعد بكار بن قتيبة بغير قاض ثلاثة أعوام، ثم ولي خمارويه -يعني: صاحب مصر- أبا عبيد الله محمد بن عبدة المظالم بمصر، فنظر بين الناس إلى آخر سنة سبع وسبعين ومائتين، ثم ولاه القضاء، فأخبرنا محمد بن الربيع، قال: ثم ولي محمد بن عبدة، فأظهر كتابه من قبل المعتمد، وكان جبارًا متملكًا، جوادًا مفضلًا. وذكر أنه كان له مائة مملوك ما بين خصي وفحل، وكان يذهب إلى قول أبي حنيفة، وكان عارفًا بالحديث، استكتب أبا جعفر الطحاوي واستخلفه، وأغناه، وكان الشهود يرهبون أبا عبيد الله ويخافونه، وأنشأ دارًا، قيل: أنفق عليها مائة ألف دينار، سوى ثمن مكانها، وكان يقول: السعيد من قضى لي حاجة.

وكان خمارويه يعظمه ويجله، ويجري عليه في الشهر ثلاثة آلاف دينار.

وكان ينظر في القضاء، والمظالم، والمواريث، والحسبة، والأوقاف.

وكان له مجلس في الفقه، ومجلس للحديث.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "2/ 379"، وميزان الاعتدال "3/ 643"، ولسان الميزان "5/ 272".

ص: 250

وحدثني إبراهيم بن أحمد المعدل: أن أبا عبيد الله وهب رجلًا اختلت حاله -لا يعرفه- في ساعة واحدة ما مبلغه ألف دينار.

وكان يطعم الناس في داره في العيد، فقل من يتأخر عنه من الكبار. وتأخر شاهد عن مجلسه، فأمر بحبسه.

وكان أبو جعفر الطحاوي يكتب له، ويقول بحضرته للخصوم: من مذهب القاضي -أيده الله- كذا وكذا، ومن مذهبه كذا وكذا، حاملًا عنه المؤنة، إلى أن قال: وأحس أبو عبيد الله تيهًا من الطحاوي، فقال: ما هذا الذي أنت فيه؟!

وقد حدث بمصر وببغداد، وكانت له ببغداد لوثة مع أصحاب الحديث.

وكان قوي القلب واللسان، رأى من خمارويه انكسارًا، فقال: ما الخبر؟ قال: ضيق مال، واستئثار القواد بالضياع. فخرج إليهم القاضي، وكلمهم في مكان من الدار -لبدر وفائق وصافي وجماعة- وقال: ما هذا الذي يلقاه الأمير!؟ والله أشد السيف والمنطقة، وأحمل عنه. ثم وافقهم على أمور رضيها خمارويه، وشكره عليها.

ولم يزل أمر أبي عبيد الله يقوى إلى أن زالت أيامه، وانحرف أهل البلد عن أصحابه، وشنؤوهم بالطهماني. ولم يزل على حاله حتى قتل خمارويه بدمشق، ووصل تابوته، فصلى عليه أبو عبيد الله. ثم جرت أمور، واختفى القاضي في داره مدة سنتين، فكانت مدة ولايته سبع سنين سوى أشهر. ثم ظهر، وتغيرت الدولة، وولي قضاء مصر ثانيًا في سنة اثنتين وتسعين، فحكم شهرين، ثم ذهب إلى بغداد.

قلت رماه ابن عدي بالكذب.

وقال أبو بكر البرقاني: هو من المتروكين.

وحدث أيضًا بالموصل، وعمر، وبقي إلى سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة. وعاش: نيفًا وتسعين سنة، وبقي بطالًا عشرين سنة.

قال إبراهيم بن المعدل: قال: ابن عبدة للطحاوي: ما هذا؟ والله لئن أرسلت بقصبة، فنصبت في حارتك، لترين الناس يقولون: قصبة القاضي -يعني: يعظمونها- قلت: إلى صرامته المنتهى، وهو في باب الرواية تالف، متهم.

ص: 251

‌2744 - ابن عبيدة

(1)

:

الإمام الحافظ الرحال الثقة، أبو بكر، أحمد بن محمد بن عبيدة بن زياد النيسابوري الشعراني، المستملي.

سمع: علي بن خشرم، ومحمد بن رافع، وعمر بن شبة، ويونس بن عبد الأعلى، وطبقتهم.

روى عنه: محمد بن الأخرم، ويحيى العنبري، وأبو بكر الصبغي، ومحمد بن صالح بن هانئ، والجعابي، وعبد الله بن إبراهيم الزبيبي، وعدة من البغداديين والنيسابوريين.

وثقه الخطيب، وما ذكر له وفاة.

‌2745 - ابن سلم

(2)

:

الحافظ العالم الثبت، أبو الحسن علي بن الحسن بن سلم الأصبهاني.

سمع: محمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن الأزهر، ومحمد بن الوليد البسري، ويحيى بن حكيم المقوم، وأحمد بن الفرات، ومحمد بن عاصم، وإسماعيل بن يزيد بن القطان، وطبقتهم.

حدث عنه: القاضي أبو أحمد العسال، وأبو الشيخ، والحافظ أبو علي النيسابوري، وأبو بكر بن المقرئ، وجماعة.

قال الحاكم: توفي بالري، سنة تسع وثلاث مائة.

قرأت على فاطمة بنت سليمان، أخبرنا المسلم بن أحمد سنة ثمان وعشرين وست مائة، أخبرنا علي بن الحسن الحافظ سنة ثمان وأربعين وخمس مائة، أخبرنا أبو القاسم النسيب، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن التميمي، أخبرنا يوسف القاضي، أخبرنا علي بن الحسن بن سلم الأصبهاني بالري، حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن أبي كريب، عن جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويل للعراقيب من النار"

(3)

.

قال: الحافظ أبو علي النيسابوري: خرجت إلى الري، وبها علي بن الحسن بن سلم، وكان من أحفظ مشايخنا، فأفادني عن إبراهيم بن يوسف الهسنجاني، وغيره.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 55".

(2)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 9"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 789".

(3)

صحيح: أخرجه ابن ماجه "454"، وأحمد "3/ 316 و 369" من حديث جابر بن عبد الله، به.

وأخرجه البخاري "165"، ومسلم "242"، والترمذي "41"، من حديث أبي هريرة، به.

وأخرجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: البخاري "60"، ومسلم "241"، وأبو داود "97"، والنسائي "1/ 78"، وابن ماجه "450"، وأحمد "2/ 193 و 201 و 205".

وأخرجه من حديث عائشة رضي الله عنها: أحمد "6/ 40 و 81 و 84"، وابن أبي شيبة "1/ 26"، والحميدي "1/ 87"، ومسلم "240" والطحاوي في "شرح معاني الآثار""1/ 38"، والطبري "11508" و"11509".

ص: 252

‌2746 - ابن حَيُّون

(1)

:

الإمام البارع المتقن، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن حيون الأندلسي، الحجاري -بالراء- نسبة إلى مدينة وادي الحجارة.

كان من الحفاظ النقاد.

سمع: محمد بن وضاح، ومحمد بن عبد السلام الخشني، وإسحاق بن إبراهيم الدبري اليمني، وعلي بن عبد العزيز البغوي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وطبقتهم.

فأكثر وجود. وفيه تشيع بلا غلو.

حدث عنه: قاسم بن أصبغ، ووهب بن مسرة، وأبو عمر أحمد بن سعيد بن حزم الصدفي، وخالد بن سعد، وآخرون.

قال خالد بن سعد: لو كان الصدق إنسانًا، لكان ابن حيون.

وقال ابن الفرضي في "تاريخه": لم يكن بالأندلس قبله أبصر بالحديث منه.

قلت: قد كان قبله مثل بقي بن مخلد، وابن وضاح، وما قال: ابن الفرضي هذا القول، إلَّا وابن حيون رأس في الحفظ.

مات في آخر الكهولة، في سنة خمس وثلاث مائة، وهو من أقران الطبراني، وإنما قدمه إلى هنا كونه مات قبل أوان الرواية، ولقد كان من فرسان الحديث، رحمه الله.

وأما الطبراني، فقد عاش إلى سنة ستين وثلاث مائة، وصار شيخ الإسلام.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 774"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 246".

ص: 253

‌2747 - السنجي

(1)

:

الإمام الحافظ الكبير أبو علي، الحسين بن محمد بن مصعب بن رزيق المروزي، السنجي.

حدث عن: علي بن خشرم، ويحيى بن حكيم المقوم، وأبي سعيد الأشج، ومحمد بن الوليد البسري، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع، ومحمد بن عبد الله بن قهزاذ، وطبقتهم، فأكثر حتى قيل: ما كان بخراسان أحد أكثر حديثًا منه. قاله: ابن ماكولا.

وكف بصره بأخرة.

وكان لا يكاد يحدث أهل الرأي؛ لأنهم يسمعون الحديث ويعدلون عنه إلى القياس.

حدث عنه: أبو حاتم البستي في كتبه، وزاهر بن أحمد السرخسي، وأبو حامد أحمد بن عبد الله النعيمي، وطائفة.

مات سنة خمس عشرة وثلاث مائة.

أخبرنا أبو بكر بن أحمد، أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أخبرنا عبد المعز بن محمد "ح". وأخبرنا ابن هبة الله، أخبرنا عبد المعز في كتابه، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا سعيد بن محمد البحيري، أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه، أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن مصعب بسنج، حدثنا علي بن خشرم، أخبرنا عيسى بن يونس، عن شعبة، عن قتادة، عن زرارة ابن أوفى، عن سعد بن هشام الأنصاري، عن عائشة، قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا، أثبته، وكان إذا نام من الليل أو مرض، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، وما رأيت رسول الله قام ليلة حتى الصباح، ولا صام شهرًا متتابعًا إلَّا رمضان" مسلم

(2)

عن علي بن خشرم.

وقيل: مات ابن مصعب في رجب، سنة ست عشرة وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "4/ 53"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 791".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "746"، وأبو داود "342".

ص: 254

‌2748 - محمد بن عقيل

(1)

:

ابن الأزهر بن عقيل، الحافظ الإمام، الثقة الأوحد، أبو عبد الله البلخي، محدث بلخ، وصاحب "المسند الكبير"، و"التاريخ"، و"الأبواب".

سمع: علي بن خشرم، وحم بن نوح، وعباد بن الوليد الغبري، وعلي بن إشكاب، ومحمد بن الفضل، وطبقتهم بخراسان، والعراق.

حدث عنه: محمد بن عبد الله الهندواني، وعبد الرحمن بن أبي شريح، وجماعة من أهل تلك الديار.

وكان من أوعية الحديث. لم تتصل بنا أخباره كما ينبغي.

توفي في شوال، سنة ست عشرة وثلاث مائة، من أبناء الثمانين، رحمه الله.

ومن حديثه: أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، وأحمد بن محمد، ومحمد بن إبراهيم النحوي، وجماعة، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، وأخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا زكريا بن علي العلبي، قالا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرتنا بيبى بنت عبد الصمد، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد، حدثنا محمد بن عقيل، حدثنا علي بن إشكاب، حدثنا إسحاق الأزرق عن سفيان عن زبيد عن أبي وائل عن مسروق عن عبد الله قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قتال المسلم كفر، وسبابه فسوق"

(2)

.

‌2749 - ابن أسيد

(3)

:

الإمام المجود الحافظ الرحال، صاحب "المسند الكبير"، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أسيد الأصبهاني.

سمع: نصر بن علي الجهضمي، وسلم بن جنادة، وعبد الرحمن بن عمر رسته، وابن الفرات.

وعنه: الطستي، وعثمان بن السماك، وأحمد بن بندار، وأبو الشيخ، وأبو بكر الطلحي، وآخرون.

توفي سنة عشر وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 783"، والعبر "2/ 165"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 222"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 274".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "6044"، ومسلم "64"، والترمذي "2636" من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا بلفظ:"سبابُ المسلم فسوق وقتاله كفر".

(3)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 65"، وتاريخ بغداد "9/ 380".

ص: 255

‌2750 - أبو عوانة

(1)

:

الإمام الحافظ الكبير الجوال، أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد النيسابوري الأصل، الإسفراييني، صاحب "المسند الصحيح"؛ الذي خرجه على "صحيح مسلم"، وزاد أحاديث قليلة في أواخر الأبواب.

مولده بعد الثلاثين ومائتين، وسمع بالحرمين، والشام، ومصر، واليمن، والثغور، والعراق، والجزيرة، وخراسان، وفارس، وأصبهان. وأكثر الترحال، وبرع في هذا الشأن، وبذ الأقران.

سمع: يونس بن عبد الأعلى، وعلي بن حرب الطائي، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب، وشعيب بن حرب الضبعي، وزكريا بن يحيى بن أسد المروزي، وسعد بن مسعود المروزي، وسعدان بن نصر، وعمر بن شبة، وعيسى بن أحمد البلخي، وعلي بن إشكاب، وعبد السلام بن أبي فروة النصيبي -صاحبًا لابن عيينة- وعطية بن بقية بن الوليد، وأبا ثور عمرو بن سعد بن عمرو الشعباني -صاحبًا لابن وهب- ومحمد بن سليمان بن بنت مطر، وأبا زرعة الرازي، وأبا جعفر بن المنادي، ومحمد بن عقيل النيسابوري، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، ومحمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني، وموسى بن نصر الرازي، وأبا سلمة المسلم بن محمد بن المسلم بن عفان الصنعاني الفقيه، حدثه عن عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري، وموهب بن يزيد بن موهب الرملي: حدثني ابن وهب، وأحمد بن محمد ابن أبي رجاء المصيصي، وأحمد بن يوسف السلمي، وأحمد بن سعيد الدارمي، وأحمد بن شيبان الرملي، وأحمد بن محمد بن عثمان الثقفي، عن الوليد بن مسلم. وأخطل بن الحكم: عن بقية، وإسماعيل بن عباد الأرسوفي، عن ضمرة، وأحمد بن ملاعب، وأحمد بن الجبار العطاردي، وأحمد بن حسن بن عبد القاسم رسول نفسه -من

(1)

ترجمته في تاريخ جرجان للسهمي "448"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 826"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 772"، والعبر "2/ 165"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 222"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 274".

ص: 256

أصحاب ابن عيينة- وبحر بن نصر الخولاني، والربيع المرادي، وبشر بن مطر، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وخلقًا كثيرًا. وينزل إلى أن يروي عن: عبد الله بن أحمد، وعبد الرحمن بن خراش، وعبدان.

حدث عنه: أحمد بن علي الرازي الحافظ، وأبو علي النيسابوري الحافظ، ويحيى بن منصور، وسليمان بن أحمد الطبراني، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، وحسينك بن علي التميمي، وولده؛ أبو مصعب محمد بن أبي عوانة، وأبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي، وجماعة، خاتمتهم: ابن ابن أخته أبو نعيم عبد الملك بن الحسن.

وقد دخل دمشق مرات.

قال أبو عبد الله الحاكم: أبو عوانة من علماء الحديث وأثباتهم، سمعت ابنه محمدًا يقول: إنه توفي سنة ست عشرة وثلاث مائة.

وقال ابن أخت أبي عوانة؛ المحدث الحسن بن محمد الإسفراييني: توفي أبو عوانة في سلخ ذي الحجة، سنة ست عشرة.

وقال غيره: بني على قبر أبي عوانة مشهد بإسفرايين يزار، وهو في داخل المدينة، وكان رحمه الله أول من أدخل إسفرايين مذهب الشافعي وكتبه، حملها على الربيع المرادي، والمزني.

ومن عبارة الحاكم في "تاريخه": أبو عوانة سمع: محمد بن يحيى، ومسلم بن الحجاج، وأحمد بن سعيد الدارمي، وأبا زرعة، وأبا حاتم، وابن وارة، ويعقوب بن سفيان، وسعدان، وابن عبد الحكم، والمزني، وصالح بن أحمد بن حنبل، وعمرو بن عبد الله الأودي، ومحمد بن المقرئ، وأحمد بن سنان، وأسيد بن عاصم، وهارون بن سليمان. وسمى جماعة ثم أثنى عليه.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد قراءة عليه، عن القاسم بن أبي سعيد الصفار، أخبرنا هبة الرحمن بن عبد الواحد، أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري، وأخبرنا أحمد، عن أبي المظفر بن السمعاني، أخبرنا عبد الله بن محمد الصاعدي، أخبرنا عثمان بن محمد المحمي، قالا: أخبرنا عبد الملك بن الحسن، أخبرنا أبو عوانة الحافظ، حدثنا بشر بن مطر، حدثنا سفيان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان ملك مائة سهم من خيبر اشتراها حتى استجمعها، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: قد أصبت مالًا

ص: 257

لم أصب مثله قط، وقد أردت أن أتقرب إلى الله؟ قال:"فاحبس الأصل، وسبل الثمر"

(1)

.

وبه أخبرنا أبو عوانة: حدثنا عبد الرحمن بن بشر، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرنا يحيى بن سعيد وسهيل، سمعا النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدري: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام يومًا في سبيل الله، باعده الله عن النار سبعين خريفًا". أخرجه مسلم

(2)

عن عبد الرحمن.

وبه: أخبرنا أبو عوانة، أخبرنا الزعفراني، أخبرنا عبيدة بن حميد، حدثني منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عائشة:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم. وأظنه قال: وكان يقبل وهو صائم، وكان أملككم لإربه"

(3)

. أخرجه النسائي، عن الزعفراني.

ومات معه: أبو بكر بن أبي داود السجستاني، وقد مر مع والده.

وزاهد مصر؛ أبو الحسن بنان بن محمد بن حمدان الحمال.

وصالح بن أبي مقاتل أحمد القيراطي ببغداد.

ومحدث دمشق؛ أبو بكر محمد بن خريم بن محمد بن عبد الملك العقيلي.

وشيخ العربية؛ أبو بكر محمد بن السري البغدادي السراج.

وحافظ بلخ؛ أبو عبد الله محمد بن عقيل بن الأزهر البلخي.

ومسند هراة؛ أبو جعفر محمد بن معاذ الماليني.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "2772"، ومسلم "1632"، وأبو داود "2878"، والترمذي "1375"، والنسائي "6/ 230 - 231".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "2840"، ومسلم "1153"، والترمذي "1622"، والنسائي "4/ 173".

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "1927"، ومسلم "1106"، وأبو داود "2382" و"2384".

ص: 258

‌2751 - الأرغياني

(1)

:

محمد بن المسيب بن إسحاق بن عبد الله بن إسماعيل بن إدريس، الحافظ، الإمام، شيخ الإسلام، أبو عبد الله النيسابوري، ثم الأرغياني، الإسفنجي، العابد.

قال ولده المسيب: سمعت أبي يقول: ولدت سنة ثلاث وعشرين ومائتين.

سمع: إسحاق بن شاهين، وعبد الجبار بن العلاء، ومحمد بن هاشم البعلبكي، والهيثم بن مروان العنسي، وأبا سعيد الأشج، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، ومحمد بن بشار، وزيد بن أخزم، وسهل بن صالح الأنطاكي، ومحمد بن المثنى الزمن، ومحمد بن رافع، وإسحاق الكوسج، وعبد الله بن محمد الزهري، ويونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي، وسعيد بن رحمة المصيصي، والحسين بن سيار الحراني -صاحب إبراهيم بن سعد- وأممًا سواهم بخراسان، والعراق، والحجاز، والشام، ومصر، والجزيرة.

وصنف التصانيف الكبار، وكان ممن برز في العلم والعمل.

حدث عنه: إمام الأئمة؛ أبو بكر بن خزيمة -مع سنه وفضله- وأبو حامد بن الشرقي، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم، والحافظ أبو علي النيسابوري، وأبو إسحاق المزكي، وأبو أحمد الحاكم، وأبو عمرو بن حمدان، وحسينك بن علي التميمي، وزاهر بن أحمد السرخسي، وأبو الحسين الحجاجي، وأحمد بن محمد البالوبي، وخلق سواهم.

قال أبو عبد الله الحاكم: كان من الجوالين في طلب الحديث على الصدق والورع، وكان من العباد المجتهدين. سمعت أبا الحسين بن يعقوب الحافظ يقول: كان محمد بن المسيب يقرأ علينا، فإذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى نرحمه. قال: وسمعت محمد بن علي الكلابي يقول: بكى محمد بن المسيب الأرغياني حتى عمي. وسمعت أبا إسحاق المزكي، سمعت محمد بن المسيب، سمعت الحسن بن عرفة يقول: رأيت يزيد بن هارون بواسط، وهو من أحسن الناس عينين، ثم رأيته بعين، واحدة ثم رأيته وقد عمي، فقلت له: يا أبا خالد! ما فعلت العينان الجميلتان؟ قال: ذهب بهما بكاء الأسحار.

سمعت أبا علي الحافظ: سمعت محمد بن المسيب الأرغياني، سمعت أبا علي الضرير يقول: قلت: لأحمد بن حنبل: كم يكفي الرجل من الحديث للفتوى؟ مائة ألف؟ قال: لا. قلت: مائتا ألف؟ قال: لا قلت: ثلاث مائة ألف؟ قال: لا. قلت: أربع مائة ألف؟ قال: لا. قلت: خمس مائة ألف؟ قال: أرجو.

وسمعت أبا أحمد الحافظ بطوس، وحدثني به عنه علي بن حمشاد في سنة سبع وثلاثين وثلاث مائة، ثم حدثني أبو أحمد، قال: حدثنا محمد بن المسيب، حدثنا إسحاق بن الجراح الأذني، حدثنا الحسن بن زياد، قال: أخذ الفضيل بن عياض بيدي، فقال: يا حسن، ينزل الله إلى السماء الدنيا، فيقول: كذب من ادعى محبتي، فإذا جنه الليل، نام عني.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 782"، والعبر "2/ 162"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "5/ 30"، والنجوم الزاهرة "3/ 219"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 271".

ص: 259

سمعت المزكي: سمعت محمد بن المسيب، سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: كتب الخليفة إلى ابن وهب في قضاء مصر يليه، فجنن نفسه، ولزم البيت، فاطلع عليه رشدين بن سعد من السطح، فقال: يا أبا محمد! إلَّا تخرج إلى الناس فتحكم بينهم كما أمر الله ورسوله؟ قد جننت نفسك ولزمت البيت! قال: إلى هاهنا انتهى عقلك؟ ألم تعلم أن القضاة يحشرون يوم القيامة مع السلاطين، ويحشر العلماء مع الأنبياء؟!

قال: الحاكم: سمعت غير واحد من مشايخنا يذكرون عن الأرغياني أنه قال: ما أعلم منبرًا من منابر الإسلام بقي علي لم أدخله لسماع الحديث.

أقول: هذا يقوله الرجل على وجه المبالغة، وإلا فهو لم يدخل الأندلس ولا المغرب، ولا أظن أنه عنى إلَّا المنابر التي بحضرتها رواية الحديث.

قال: وسمعت أبا إسحاق المزكي، سمعت محمد بن المسيب يقول: كنت أمشي بمصر، وفي كمي مائة جزء، في كل جزء ألف حديث.

قلت: هذا يدل على دقة خطه، وإلا فألف حديث بخط مفسر تكون في مجلد، والكم إذا حمل فيه أربع مجلدات فبالجهد.

قال الحاكم: وسمعت أبا علي الحافظ يقول: كان محمد بن المسيب يمشي بمصر وفي كمه مائة ألف حديث، كانت أجزاؤه صغارًا بخط دقيق، في الجزء ألف حديث معدودة، وصار هذا كالمشهور من شأنه. وسمعت أبا عمر المسيب بن محمد يقول: توفي أبي يوم السبت، النصف من جمادى الأولى، سنة خمس عشرة وثلاث مائة، وهو ابن اثنتين وتسعين سنة.

قلت: مات معه في العام: محدث دمشق؛ أبو الحسن محمد بن الفيض الغساني عن ست وتسعين سنة.

ومحدث الكوفة؛ أبو جعفر محمد بن الحسين الخثعمي الأشناني.

والأخفش الصغير؛ علي بن سليمان النحوي البغدادي.

والمحدث القاضي أبو القاسم عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني.

والحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين الرازي ثم النيسابوري.

والحسين بن محمد بن عفير.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا أبو القاسم

ص: 260

المستملي، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد البالويي، حدثنا محمد بن المسيب، حدثنا إبراهيم ابن سعيد الجوهري، حدثنا أبو أسامة، حدثنا بريد بن عبد الله، حدثنا أبو بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله إذا أراد رحمة أمة من عباده، قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطًا وسلفًا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة، عذبها ونبيها حي، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره"

(1)

.

وبالإسناد، قال: ابن المسيب: كتب عني هذا الحديث ابن خزيمة، ويقال: إن إبراهيم الجوهري تفرد به.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "2288".

ص: 261

‌2752 - السجستاني

(1)

:

المحدث الإمام، أبو الحسن، أحمد بن محمد بن الفضل السجستاني، نزيل دمشق.

حدث عن نصر بن علي، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن المقرئ، وعبد الله الدارمي، والبخاري، وخلق.

وعنه: جمح المؤذن، وأبو بكر الربعي، وأبو بكر بن المقرئ، وابن حبان، وأبو أحمد الحاكم، وآخرون.

توفي في جمادى الأولى، سنة أربع عشرة وثلاث مائة.

‌2753 - محمد بن الفيض

(2)

:

ابن محمد بن الفياض، المحدث، المعمر، المسند، أبو الحسن الغساني، الدمشقي.

ولد سنة تسع عشرة ومائتين.

وحدث عن: صفوان بن صالح المؤذن، وهشام بن عمار، وإبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، ودحيم، ومحمد ابن يحيى بن حمزة، والوليد بن عتبة، وأحمد بن أبي الحواري، وجده؛ محمد بن فياض، وأحمد بن عاصم الأنطاكي، وعدة.

حدث عنه: موسى بن سهل الرملي -مع تقدمه- وأبو عمر بن فضالة، وجمح بن

(1)

ترجمته في ميزان الاعتدال "1/ 149"، ولسان الميزان "1/ 289".

(2)

ترجمته في العبر "2/ 162"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 219"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 271".

ص: 261

القاسم، وأبو سليمان بن زبر، ومحمد بن سليمان الربعي، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو أحمد الحاكم، وآخرون. وهو صدوق -إن شاء الله- ما علمت فيه جرحًا.

مات في شهر رمضان، سنة خمس عشرة وثلاث مائة. وكان صاحب حديث ومعرفة، وجده ليس بمشهور، يحدث عن أبي مسهر فقط.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد الحاكم، أخبرنا محمد بن الفيض الغساني، حدثنا هشام -يعني: ابن خالد، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز: أن هشام بن عبد الملك قضى عن الزهري سبعة آلاف دينار، وقال: لا تعد لمثلها تدان. قال: يا أمير المؤمنين! حدثني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يلسع المؤمن من جحر مرتين"

(1)

غريب، تفرد به: الوليد.

(1)

صحيح على شرط الشيخين: أخرجه البخاري في "الأدب المفرد""1278" عن عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث، قال حدثني يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".

وأخرجه مسلم "2998"، من طريق ليث، عن عقيل، عن الزهري، به مرفوعا ولفظه:"لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين" وأخرجه مسلم "2998" من طريق يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، عن ابن المسيب، به.

وأخرجه ابن حبان "663"، وأبو الشيخ في "الأمثال""9"، وأبو نعيم في "الحلية""6/ 127"، من طرق عن هشام بن خالد الأزرق، عن الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، به.

ورواه أحمد "2/ 379"، والبخاري "6133"، ومسلم "2998"، وأبو داود "4862"، والبيهقي في "السنن""10/ 129"، وفي "الأداب""447"، والبغوي في "شرح السنة""3507"، من طريق قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب، به.

ص: 262

‌2754 - محمد بن خريم

(1)

:

ابن محمد بن عبد الملك بن مروان، الإمام، المحدث، الصدوق، مسند دمشق، أبو بكر العقيلي، الدمشقي.

حدث عن: هشام بن عمار، وعبد الرحمن دحيم، وأحمد بن أبي الحواري، ومحمد بن يحيى الزماني، وهشام بن خالد الأزرق، ومحمود بن خالد، ومؤمل بن يهاب، وعدة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 165"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 222"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 273".

ص: 262

حدث عنه: حميد بن الحسن الوراق، وأحمد بن عتبة، وأبو أحمد بن عدي، وابن حبان، وأبو سليمان بن زبر، وأبو علي النيسابوري، ومحمد بن موسى السمسار، والقاضي محمد بن عبد الله الأبهري، والفضل بن جعفر المؤذن، وعلي بن الحسين الأنطاكي، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو أحمد الحاكم، وعبد الوهاب الكلابي، وخلق كثير. وقد كان أبو أحمد الحاكم يغلط في نسبه، وينسبه إلى جد جده.

مات لست بقين من جمادى الآخرة، سنة ست عشرة وثلاث مائة، وهو من أبناء التسعين.

قرأت على أبي الفضل أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد: أخبرنا تميم بن أبي سعيد المقرئ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن سنة تسع وأربعين وأربع مائة، أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد، أخبرنا أبو بكر محمد بن مروان البزاز بدمشق، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا علي بن سليمان، حدثني هشام بن حسان، عن ثابت، عن أنس، قال:"خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فلم يقل لشيء فعلته: مالك فعلت كذا وكذا، أو لشيء لم أفعله: لم لم تفعل كذا وكذا"

(1)

. غريب، لم يروه عن هشام غير أبي نوفل علي بن سليمان الكيساني.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "6038"، ومسلم "2309"، وأبو داود "4774"، والترمذي "2015".

ص: 263

‌2755 - المقانعي

(1)

:

الشيخ المحدث الصدوق، أبو الحسن علي بن العباس بن الوليد البجلي، المقانعي، الكوفي.

سمع: إسماعيل بن موسى السدي، وعباد بن يعقوب الرواجني، ويحيى بن حسان بن سهيل -من أصحاب ابن عيينة- وأبا كريب، وهشام بن يونس، وعمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن بشار، وأبا سعيد الأشج، ومحمد بن معمر القيسي، وأبا موسى الزمن، وعدة.

حدث عنه: أبو بكر النقاش المفسر، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو الطيب محمد بن الحسين التيملي، وأبو بكر محمد بن إبراهيم ابن المقرئ، ومحمد بن أحمد بن حماد الحافظ، وآخرون. توفي سنة عشر وثلاث مائة.

أنبأني علي بن عثمان البربري، وحدثني عنه محمد بن إبراهيم الخلاطي، أخبرنا محمد ابن إبراهيم الإربلي، أخبرنا عبد الحق اليوسفي، أخبرنا أبو الغنائم النرسي، أخبرنا محمد بن علي العلوي، ومحمد ومحمد؛ ابنا محمد بن عيسى الحذاء، قالوا: أخبرنا أبو الطيب التيملي، حدثنا علي بن العباس البجلي، حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا سفيان بن عيينة، عن قعنب عن رجل، قال: بارز الزبير رجلًا وهما على جبل، فاعتنقا، فتهدهدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيهما يعلو صاحبه، فهو الذي

". فعلا الزبير، فقتله، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فداك عمي وخالي"

(2)

. غريب.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 145"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 206"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 259".

(2)

ضعيف: لجهالة الرجل شيخ قعنب.

ص: 263

‌2756 - ابن صاحب

(1)

:

الإمام الحافظ الجوال، أبو علي الحسن بن صاحب بن حميد الشاشي.

سمع: علي بن خشرم، وأبا زرعة الرازي، وابن وارة، ومحمد بن عوف الطائي، وإسحاق الدبري، ويونس بن إبراهيم العدني، وطبقتهم بخراسان، والعراق، والشام، والحرمين، واليمن، ومصر.

حدث عنه: أبو علي النيسابوري، ومحمد بن علي القفال الشاشي، وأبو بكر الجعابي، وأبو الحسين بن المظفر، وآخرون، وأبو بكر الشافعي.

وثقه الخطيب وقال: توفي سنة أربع عشرة وثلاث مائة، وهو في عشر الثمانين.

أخبرنا الحسن بن علي، حدثنا جعفر الهمداني، أخبرنا السلفي، أخبرنا إسماعيل بن عبد الجبار، أخبرنا أبو يعلى الخليلي، حدثني أبو حاتم محمد بن عبد الواحد الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن علي القفال، حدثنا الحسن بن صاحب الشاشي، أخبرنا يونس بن إبراهيم بعدن، حدثنا عبد الحميد بن صالح، حدثنا صالح بن عبد الجبار الحضرمي، حدثني محمد بن عبد الرحمن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا الشعر، فإن فيه حكمًا وأمثالًا"

(2)

. هذا حديث واهي الإسناد.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 333"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 203"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 773".

(2)

موضوع: في إسناده ثلاث علل: الأولى: صالح بن عبد الجبار الحضرمي، يروي مناكير عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني. الثانية: محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، قال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث وقال الدارقطني وغيره: ضعيف. وقال ابن حبان: حدث عن أبيه بنسخة شبيها بمائتي حديث كلها موضوعة. العلة الثالثة: عبد الرحمن البيلماني، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب".

ص: 264

‌2757 - الغضائري

(1)

:

الإمام الثقة العابد، أبو الحسن، علي بن عبد الحميد بن عبد الله بن سليمان الغضائري، محدث حلب، ومسند الشام.

حدث عن: عبد الأعلى بن حماد النرسي، وبشر بن الوليد، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وأبي إبراهيم الترجماني، وعبيد الله بن عمر القواريري، وبندار، وعدة.

حدث عنه: عبد الله بن عدي، وأبو بكر بن المقرئ، والقاضي علي بن محمد بن إسحاق الحلبي، وخلق سواهم.

وثقه الخطيب.

وقد ورد عنه أنه قال: حججت على رجلي ذاهبا من حلب وراجعا أربعين حجة.

توفي في شوال، سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة.

وقع لي من عواليه.

‌2758 - الأستراباذي

(2)

:

المحدث المعمر، أبو بكر، محمد بن يوسف بن حماد الأستراباذي.

حدث عن: عبد الأعلى بن حماد، وأبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن حميد، وطبقتهم. وعني بالحديث.

روى عنه: أبو نعيم بن عدي، ومحمد بن الحسن بن حمويه، وغيرهما.

قال حمزة السهمي: مات بجرجان، في رمضان، سنة ثماني عشرة وثلاث مائة. قال: وكان عنده كتب أبي بكر بن أبي شيبة عنه.

قلت: وفيها أرخه أيضًا أبو القاسم بن مندة، وأظنه بلغ المائة، أو جاوزها.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 29"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 198"، والعبر "2/ 156"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 213"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 266".

(2)

ترجمته في تاريخ جرجان للسهمي "351 - 366"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "5/ 244".

ص: 265

‌2759 - الرَّيَّاني

(1)

:

الحافظ المحدث الثقة، أبو جعفر محمد بن أحمد بن أبي عون النسوي، الرياني -بالتخفيف- وقيده الأمير أبو نصر بالتثقيل. وقيل: الرذاني -وهو أصح. ورذان -بذال معجمة: قرية من أعمال نسا.

سمع: علي بن حجر، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وحميد بن زنجويه، وطبقتهم.

وقيل: إنه سمع: من أبي مصعب. وحدث عن: ابن زنجويه بكتاب "الترغيب والترهيب".

حدث عنه: يحيى بن منصور القاضي، وعبد الباقي بن قانع، وعبد الله بن سعد، وأبو الفضل محمد بن إبراهيم، وسليمان الطبراني، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو أحمد الغطريف، ومحمد بن محمد بن سمعان، وآخرون. وثقه الخطيب.

وقال الحاكم: سألت ابن ابنه -ونحن بالرذان- عن وفاة جده، فقال: في سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة.

وقولنا: إن الطبراني روى عنه، ذكره الخطيب، وأنا فلم أجده.

وقال الحاكم: حدث غير مرة بنيسابور بكتاب "الترغيب".

قرأت على أحمد بن هبة الله، أخبرنا المسلم بن أحمد، أخبرنا علي بن الحسن الحافظ في سنة (551) ببعلبك، أخبرنا محمد بن الفضل، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمر الهروي، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي قبيل: عن عبد الله بن عمرو، أنه قال:"الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما يوم القيامة .. "

(2)

وذكر الحديث.

قيل: إن أبا جعفر هذا، هو صاحب الترجمة، وإن جده هو أبو عون عبد الجبار. وقيل: بل هو آخر. فإن صح موت صاحب الترجمة -كما ذكرنا- فما أظنه إلَّا آخر؛ لأن سماعات ابن أبي شريح بعد ذلك، والله أعلم.

(1)

ترجمته في تاريخ جرجان للسهمي "372"، وتاريخ بغداد "1/ 311"، والعبر "1/ 157".

(2)

ضعيف: أخرجه أحمد "2/ 174"، حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا وتمامه:"الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، قال: فيشفعان".

قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: عبد الله بن لهيعة، ضعيف لسوء حفظه.

والعلة الثانية: حيي بن عبد الله، وهو ابن شريح المعافري، قال أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير.

وقال البخاري: فيه نظر. وقال النسائي: ليس بالقوى.

وأخرجه الحاكم "1/ 554"، والبيهقي في "شعب الإيمان""1994" من طريق عبد الله بن وهب أخبرني حيي بن عبد الله، به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

قلت: إني له الصحة، وفي الإسناد حيي بن عبد الله، وقد علمت كلام العلماء فيه، وأخرجه أبو نعيم في "الحلية""8/ 161" من طريق رشدين، عن حيي، به.

ص: 266

‌2760 - ابنُ قُدَيْد

(1)

:

الإمام المحدث الثقة المسند، أبو القاسم علي بن الحسن بن خلف بن قديد المصري.

سمع: محمد بن رمح، وحرملة بن يحيى، وطبقتهما.

حدث عنه: أبو سعيد بن يونس، وأبو بكر بن المقرئ، وابن عدي، وخلق كثير.

مات في سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة، وله ثلاث وثمانون سنة.

‌2761 - ابن المجدر

(2)

:

الشيخ المحدث، أبو بكر، محمد بن هارون بن حميد البغدادي، ابن المجدر.

سمع: بشر بن الوليد، وعبد الأعلى بن حماد، وأبا الربيع الزهراني، وداود بن رشيد، ومحمد بن أبي عمر العدني، وعدة.

حدث عنه: محمد بن المظفر، وأبو عمر بن حيويه، وأبو الفضل عبيد الله الزهري، وأبو بكر بن المقرئ، وآخرون. وثقه الخطيب.

وقيل: كان فيه انحراف بين عن الإمام علي، ينقم أمورًا.

مات في ربيع الآخر، سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 153"، وحسن المحاضرة للسيوطي "1/ 367"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 265".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 357"، والعبر "2/ 154"، وميزان الاعتدال "4/ 57"، ولسان الميزان "5/ 410"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 213"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 265".

ص: 267

‌2762 - عبد الله بن زيدان

(1)

:

ابن بريد بن رزين بن ربيع بن قطن، الإمام، الثقة، القدوة، العابد، أبو محمد البجلي، الكوفي.

سمع: أبا كريب، وهناد بن السري، ومحمد بن طريف، ومحمد بن عبيد المحاربي، وإبراهيم بن يوسف الصيرفي، وجماعة.

حدث عنه: أبو القاسم الطبراني، ويوسف الميانجي، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو أحمد الحاكم، وخلق كثير.

قال الحافظ محمد بن أحمد بن حماد: توفي ابن زيدان في يوم الجمعة، وقت الزوال، لثلاث عشرة خلت من شهر ربيع الأول، سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة، وله إحدى وتسعون سنة، حضرته وحضره من الناس أمر عظيم، وكان ثقة، حجة، كثير الصمت، وكان أكثر كلامه منذ يقعد إلى أن يقوم: يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على طاعتك. لم تر عيني مثله. وولد: سنة اثنتين وعشرين ومائتين. قال: وأخبرت أنه مكث ستين سنة -أو نحوها- لم يضع جنبه على مضربة

(2)

، صاحب صلاة بالليل، وكان حسن المذهب، صاحب جماعة، رحمه الله.

‌2763 - المدائني

(3)

:

الشيخ المحدث الثقة، أبو محمد، عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم المدائني، الأنماطي، نزيل بغداد.

سمع: محمد بن بكار بن الريان، والصلت بن مسعود، وعثمان بن أبي شيبة، وأبا كامل الجحدري، وطبقتهم.

وثقه الدارقطني.

حدث عنه: أبو بكر الجعابي، ومحمد بن المظفر، ومحمد بن الشخير، وأبو عمر بن حيويه، ومحمد بن إسماعيل الوراق، وآخرون. مات سنة إحدى عشرة وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 156"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 215"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 266".

(2)

هو البساط إذا كان مخيطا قاله ابن منظور في "لسان العرب".

(3)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 413"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 184"، والعبر "2/ 148"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 209"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 262".

ص: 268

‌2764 - عبدوس

(1)

:

ابن أحمد بن عباد، الإمام الحافظ الأوحد، أبو محمد الثقفي، الهمذاني. واسمه: عبد الرحمن، محدث همذان.

حدث عن: محمد بن عبيد الأسدي، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأبي سعيد الأشج، وزياد بن أيوب، وحميد ابن الربيع، وعبد الرحمن بن عمر رسته، ومحمود بن خداش والعباس بن يزيد البحراني، وطبقتهم.

حدث عنه: أحمد بن عبيد الأسدي، وأحمد بن محمد بن صالح، ومحمد بن حيويه الكرجي، والقاسم بن حسن الفلكي، وعلي بن الحسن بن الربيع، وجبريل العدل، وأبو أحمد بن الغطريف، وأبو أحمد الحاكم، وآخرون.

قال شيرويه الديلمي في "تاريخه": روى عنه عامة أهل الحديث ببلدنا، وكان ثقة، متقنًا، يحسن هذا الشأن.

وقال صالح بن أحمد الحافظ: سمعت أبي يقول: كان عبدوس ميزان بلدنا في الحديث، ثقة، يحسن هذا الشأن. مات عبدوس: في صفر، سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة، وداره في مدينة: الساجي.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا أبو روح، أخبرنا تميم بن أبي سعيد، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا محمد بن محمد الحافظ، حدثنا عبدوس بن أحمد الحافظ، حدثنا محمد بن عبيد الهمذاني، حدثنا الربيع بن زياد، حدثنا محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص، عن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"

(2)

. الحديث، حديث غريب جدًا. تفرد به: محمد بن عبيد، وهو صدوق.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 769"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 265".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "1"، ومسلم "1907"، وأبو داود "2201"، والترمذي "1647" والنسائي "1/ 58"، وابن ماجه "4427"، من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب، به مرفوعا.

ص: 269

‌2765 - ابن سيف

(1)

:

الإمام المقرئ الكبير، أبو بكر، عبد الله بن مالك بن عبد الله بن سيف التجيبي، صاحب أبي يعقوب الأزرق، وكان خاتمة من تلا عليه. وحدث أيضا عن: محمد بن رمح، وغيره.

قرأ عليه: إبراهيم بن محمد بن مروان، ومحمد بن عبد الرحمن الظهراوي، وأبو عدي عبد العزيز بن علي بن الإمام، وشيخ للأهوازي اسمه: محمد بن عبد الله بن القاسم الخرقي، وآخرون.

وسماه طاهر بن غلبون: محمدًا.

توفي بمصر، في جمادى الآخرة، سنة سبع وثلاث مائة.

وقعت لنا روايته بحرف ورش، بإسناد عال.

‌2766 - البغوي

(2)

:

عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابور بن شاهنشاه، الحافظ، الإمام، الحجة، المعمر، مسند العصر، أبو القاسم البغوي الأصل، البغدادي الدار والمولد.

منسوب إلى مدينة بغشور من مدائن إقليم خراسان، وهي على مسيرة يوم من هراة. كان أبوه وعمه الحافظ علي بن عبد العزيز البغوي منها.

وهو أبو القاسم بن منيع نسبة إلى جده لأمه الحافظ أبي جعفر أحمد بن منيع البغوي الأصم، صاحب "المسند"، ونزيل بغداد، ومن حدث عنه: مسلم، وأبو داود، وغيرهما.

ولد أبو القاسم: يوم الاثنين، أول يوم من شهر رمضان، سنة أربع عشرة ومائتين. هكذا أملاه أبو القاسم على عبيد الله بن محمد بن حبابة البزاز، وأخبره أنه رآه بخط جده -يعني: أحمد بن منيع.

حرص عليه جده، وأسمعه في الصغر، بحيث إنه كتب بخطه إملاء، في ربيع الأول،

(1)

ترجمته في العبر "2/ 134"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 251".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "10/ 111 - 117"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 227 - 230"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 738"، والعبر "2/ 170"، وميزان الاعتدال "2/ 492"، ولسان الميزان "3/ 338"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 226"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 275".

ص: 270

سنة خمس وعشرين ومائتين، فكان سنه يومائذ عشر سنين ونصفًا، ولا نعلم أحدًا في ذلك العصر طلب الحديث وكتبه أصغر من أبي القاسم، فأدرك الأسانيد العالية، وحدثه جماعة عن صغار التابعين.

سمع من: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وعلي بن الجعد، وأبي نصر التمار، وخلف بن هشام البزار، وهدبة بن خالد، وشيبان بن فروخ، ومحمد بن عبد الواهب الحارثي، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، وبشر ابن الوليد الكندي، وعبيد الله بن محمد العيشي، وحاجب بن الوليد، وأبي الأحوص محمد بن حيان البغوي، ومحرز بن عون، وسويد بن سعيد، وداود بن عمرو الضبي، وداود بن رشيد، وأبي بكر بن شيبة، ومحمد بن حسان السمتي، وأبي الربيع الزهراني، وعبيد الله بن عمر القواريري، ومحمد بن جعفر الوركاني، وهارون بن معروف، وسريج بن يونس، وأبي خيثمة، وعبد الجبار بن عاصم، ومحمد بن أبي سمينة، وجده، أحمد بن منيع، ومصعب بن عبد الله الزبيري، ومحمد بن بكار بن الريان، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وعمرو بن محمد الناقد، والعلاء بن موسى الباهلي، وطالوت بن عباد الصيرفي، ونعيم بن الهيصم، وقطن بن نُسَير الغبري، وكامل بن طلحة، وعبد الأعلى بن حماد، وعبيد الله بن معاذ، وإسحاق بن أبي إسرائيل المروزي، وعمار بن نصر، وخلق كثير. حتى إنه كتب عن أقرانه، وصنف كتاب معجم الصحابة، وجوده، وكتاب "الجعديات" وأتقنه. وكان علي بن الجعد أكبر شيخ له، وهو ثبت فيه، مكثر عنه.

حدث عنه: يحيى بن صاعد، وابن قانع، وأبو علي النيسابوري، وأبو حاتم بن حبان، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الشافعي، ودعلج السجزي، والطبراني، وأبو بكر الجعابي، وأبو علي بن السكن، وأبو بكر بن السني، وأبو أحمد حسينك النيسابوري، وأبو أحمد الحاكم، ومحمد بن المظفر، وأبو حفص بن الزيات، وأبو عمر بن حيويه، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو بكر بن شاذان، وأبو حفص بن شاهين، وأبو القاسم بن حبابة، وأبو بكر بن المهندس المصري -لقيه بمكة سنة عشر وثلاث مائة- وأبو الفتح القواس، وأبو عبد الله بن بطة، وزاهر بن أحمد السرخسي، وأبو بكر محمد بن محمد الطرازي، وأبو القاسم عيسى بن علي الوزير، وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح الهروي، وأبو حفص الكتاني، وأبو طاهر المخلص، وأبو بكر بن المقرئ الأصبهاني، وأبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق، وأبو سليمان بن زبر، وأبو بكر أحمد بن عبدان الشيرازي -محدث الأهواز- والمعافى بن زكريا الجريري، وأبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب بمصر -خاتمة أصحابه-

ص: 271

وخلق كثير إلى الغاية. وبقي حديثه عاليًا بالاتصال إلى سنة خمس وثلاثين وست مائة عند أبي المنجا بن اللتي، وبعد ذلك بالإجازة العالية عند أبي الحسن بن المقير، ثم كان في الدور الآخر المعمر شهاب الدين أحمد بن أبي طالب الحجار، فكان خاتمة من روى حديثه عاليا بالسماع، بل وبالإجازة، كان بينه وبينه أربعة أنفس، نعم وبعده يمكن اليوم أن يسمع حديثه بعلو بثلاث إجازات متواليات، لا بل بإجازتين، فإن عجيبة الباقدارية لها إجازة هبة الله بن الشبلي والله أعلم.

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بمصر، أخبرنا الفتح بن عبد الله الكاتب، أخبرنا هبة الله بن أبي شريك، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور، قال: حدثنا عيسى بن علي الوزير إملاء، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا زهير -هو ابن معاوية- عن سماك، وزياد بن علاقة، وحصين، كلهم عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون بعدي اثنا عشر أميرًا". ثم تكلم بشيء لم أفهمه، فسألت أبي -وقال بعضهم في حديثه: فسألت القوم، فقالوا: قال: "كلهم من قريش"

(1)

. هذا حديث صحيح، من العوالي لنا ولصاحب الترجمة.

أخبرنا أبو محمد عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد بقراءتي، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد بن الحسن، أخبرنا علي بن أحمد بن البسري، أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص، حدثنا أبو القاسم البغوي عبد الله بن محمد، أخبرنا أحمد بن محمد بن حنبل، وعبيد الله بن عمر القواريري، قالا: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! إني شيخ كبير، شق علي القيام، فمرني بليلة، لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر. فقال:"عليك بالسابعة"

(2)

. قال البغوي: لفظ أحمد بن حنبل، ولا أعلمه روى هذا الحديث بهذا الإسناد غير معاذ.

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد المحسن العلوي بالثغر، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر المؤرخ، أخبرنا أبو بكر محمد ابن عبيد الله بن الزاغوني "ح". وأخبرنا أبو المعالي أحمد بن أبي محمد الزاهد، أخبرنا شيخنا أبو حفص عمر بن محمد السهروردي،

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "7222"، ومسلم "1821"، وأبو داود "4279"، والترمذي "2224"، وأحمد "5/ 87 و 90 و 92 و 95 و 97".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 240".

ص: 272

أخبرنا أبو المظفر هبة الله بن أحمد القصار، قالا: أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن الذهبي. وقال الشيخ رشيد الدين أحمد بن مسلمة: أنبأنا أبو الفتح بن البطي، عن أبي نصر الزينبي، أخبرنا الذهبي، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، أخبرني أبو جمرة: سمعت ابن عباس يقول: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالإيمان بالله، وقال:"تدرون ما الإيمان بالله"؟. قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "شهادة أن لا إله إلَّا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخُمس من المغنم"

(1)

. متفق على ثبوته. أخرجه أبو داود، عن الإمام أحمد.

أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد اليونيني، وأبو العباس أحمد بن محمد الحلبي، ومحمد بن إبراهيم النحوي، وسليمان بن قدامة الحاكم، وأخوه؛ داود، وعبد المنعم بن عبد اللطيف، وعبد الرحمن بن عمر، وعيسى بن أبي محمد، وعبد الحميد بن أحمد، وإبراهيم بن صدقة، وعيسى بن حمد، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر "ح". وأخبرنا أحمد بن إسحاق الأبرقوهي، أخبرنا زكريا بن حسان، قالا: أخبرنا أبو الوقت السجزي، أخبرتنا أم الفضل بيبى بنت عبد الصمد، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الأنصاري، أخبرنا عبد الله محمد البغوي، حدثنا مصعب بن عبد الله، حدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الولاء لمن أعتق"

(2)

.

أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن الحسيني، وأحمد بن محمد الحافظ، قالا: أخبرنا أبو المنجا عبد الله ابن عمر الحريمي، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد البوشنجي، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الهروي، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، قال: سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش خمس مائة حديث -أو ذكر أكثر- فأخبرني حمزة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فعرضتها عليه، فما عرف منها إلَّا اليسير، خمسة أو ستة أحاديث، فتركت الحديث عنه

(3)

. أخرجها مسلم في مقدمة "صحيحه"، عن سويد، فوافقناه بعلو.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "53"، ومسلم "17"، وأبو داود "3692"، والترمذي "4677"، والنسائي "8/ 323"، وأحمد "1/ 328".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "2169"، ومسلم "1504""5"، وأبو داود "3929" و"3930".

(3)

صحيح: أخرجه مسلم "1/ 25" في المقدمة.

ص: 273

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن بقاء، وجماعة، قالوا: أخبرنا الحسين بن المبارك، وعبد الله بن عمر، وأخبرنا علي بن عثمان، وجماعة، قالوا: أخبرنا الحسين بن المبارك، وأخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا موسى بن عبد القادر، وأخبرنا أحمد بن بيان الديرمقري، وخلق، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، وأخبرنا أحمد بن المؤيد، أخبرنا عبد اللطيف بن عسكر، ونفيس بن كرم، وحسن بن أبي بكر اليمني، قالوا جميعًا: أخبرنا أبو الوقت السجزي، أخبرنا محمد بن أبي مسعود، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا العلاء بن موسى الباهلي، حدثنا الليث، عن نافع، عن عبد الله: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"

(1)

.

هذا حديث صحيح، متفق عليه، وإسناده كالشمس وضوحًا.

قال الحافظ أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي: سمعت أحمد بن يعقوب الأموي يقول: سمعت ابن منيع يقول: رأيت أبا عبيد القاسم بن سلام، إلَّا أني لم أسمع منه شيئًا، وشهدت جنازته في سنة أربع وعشرين ومائتين. قلت: الأموي كذبه أبو بكر البيهقي. وقال أبو بكر بن شاذان: سمعت البغوي يقول: ولدت سنة ثلاث عشرة ومائتين. قال الخطيب: وقال ابن شاهين: سمعته يقول: ولدت سنة أربع عشرة. قال الخطيب: وابن شاهين أتقن.

قال ابن شاهين: وسمعته يقول: أول ما كتبت الحديث سنة خمس وعشرين، عن إسحاق بن إسماعيل الطالقاني.

قال أبو محمد الرامهرمزي: لا يعرف في الإسلام محدث وازى البغوي في قدم السماع.

قلت: أما إلى وقته فنعم، وأما بعده، فاتفق ذلك لطائفة منهم: عبد الواحد الزبيري -مسند ما وراء النهر- ولأبي علي الحداد، وبالأمس لأبي العباس بن الشحنة.

قال أبو أحمد الحاكم: قال لي البغوي: ما خبر شيخكم ذاك؟ قلت: عن أي الشيخين تسأل؟ قال: الذي يحدث عن قتيبة -يعني: أبا العباس السراج- قلت: خلفته حيًا. قال: كم عنده عن قتيبة؟ قلت: جملة. قال: كم عنده عن إسحاق بن راهويه؟ قلت: كثير. قال: عمن كتب من مشايخنا؟ ففكرت، قلت: إن ذكرت له شيخًا، كتب عنه يزري به. قلت: كتب عن محمد بن إسحاق المسيبي، ومحفوظ بن أبي توبة، وعيسى بن مساور الجوهري.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "2849"، ومسلم "1871"، والنسائي "6/ 221 - 222".

ص: 274

قال: أي سنة دخل بغداد؟ قلت: سنة أربع وثلاثين ومائتين -أظن. فاهتز لذاك، وقال: أمرت أن يثبت لي أسماء مشايخي الذين لا يحدث عنهم غيري اليوم، فبلغوا سبعة وثمانين شيخًا. قال الحاكم: وكان إذ ذاك ببغداد الباغندي، وأبو الليث الفرائضي، والحسين بن محمد بن عفير، وعلي بن المبارك المسروري، وغيرهم.

قلت: عاش البغوي بعد قوله ستة أعوام، وتفرد عن خلق سوى من ذكر.

وقيل: إنه لم يرو عن يحيى بن معين غير قوله: لما خرج من عند يحيى بن عبد الحميد، فقلنا: ما تقول في الرجل؟ فقال: الثقة وابن الثقة.

قال أحمد بن عبدان الحافظ: سمعت أبا القاسم البغوي يقول: كنت يومًا ضيق الصدر، فخرجت إلى الشط، وقعدت وفي يدي جزء عن يحيى بن معين أنظر فيه، فإذا بموسى بن هارون، فقال لي: أيش معك؟ قلت: جزء عن ابن معين. فأخذه من يدي، فرماه في دجلة، وقال: تريد أن تجمع بين أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني.

قلت: بئس ما صنع موسى! عفا الله عنه.

وروينا عن البغوي، قال: حضرت مع عمي مجلس عاصم بن علي.

أخبرنا أبو الغنائم القيسي، ومؤمل بن محمد، ويوسف الشيباني إجازة، قالوا: أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الحافظ، قال: حدثنا علي بن أبي علي المعدل، حدثنا علي بن الحسن بن جعفر البزاز، حدثني البغوي، قال: كنت أورق، فسألت جدي أحمد بن منيع أن يمضي معي إلى سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، يسأله أن يعطيني الجزء الأول من المغازي، عن أبيه، حتى أورقه عليه، فجاء معي، وسأله، فأعطاني، فأخذته، وطفت به، فأول ما بدأت بأبي عبد الله بن مغلس، أريته الكتاب، وأعلمته أني أريد أن أقرأ المغازي على الأموي، فدفع إلي عشرين دينارًا، وقال: اكتب لي منه نسخة. ثم طفت بعده بقية يومي، فلم أزل آخذ من عشرين دينارًا وإلى عشرة دنانير وأكثر وأقل، إلى أن حصل معي في ذلك اليوم مائتا دينار، فكتبت نسخًا لأصحابها بشيء يسير، وقرأتها لهم، واستفضلت الباقي.

وبه: إلى الحافظ أبي بكر: حدثني أبو الوليد الدربندي: سمعت عبدان بن أحمد الخطيب -سبط أحمد بن عبدان الشيرازي- سمعت جدي يقول: اجتاز أبو القاسم البغوي بنهر طابق على باب مسجد، فسمع صوت مستمل، فقال: من هذا؟ فقالوا: ابن صاعد. قال: ذاك الصبي؟ قالوا: نعم. قال: والله لا أبرح حتى أملي هاهنا. فصعد دكة، وجلس،

ص: 275

ورآه أصحاب الحديث، فقاموا، وتركوا ابن صاعد. ثم قال: حدثنا أحمد بن حنبل قبل أن يولد المحدثون، وحدثنا طالوت قبل أن يولد المحدثون، وحدثنا أبو نصر التمار. فأملى ستة عشر حديثًا عن ستة عشر شيخا، ما بقي من يروي عنهم سواه.

وبه: أخبرنا أحمد بن أحمد بن محمد القصري، سمعت أبا زيد الحسين بن الحسين بن عامر الكوفي يقول: قدم البغوي إلى الكوفة، فاجتمعنا مع ابن عقدة إليه لنسمع منه، فسألنا عنه، فقالت الجارية: قد أكل سمكًا، وشرب فقاعًا، ونام، فعجب ابن عقدة من ذلك لكبر سنه، ثم أذن لنا، فدخلنا. فقال: يا أبا العباس! حدثتني أختي أنها كانت نازلة في بني حمان، وكان في الموضع طحان، فكان يقول لغلامه: اصمد أبا بكر. فيصمد البغل إلى أن يذهب بعض الليل، ثم يقول: اصمد عمر. فيصمد الآخر. فقال له ابن عقدة: يا أبا القاسم، لا تحملك عصبيتك لأحمد بن حنبل أن تقول في أهل الكوفة ما ليس فيهم، ما روى:"خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر وعمر"

(1)

عن علي إلَّا أهل الكوفة، ولكن أهل المدينة رووا: أن عليًا لم يبايع أبا بكر إلَّا بعد ستة أشهر. فقال له أبو القاسم: يا أبا العباس! لا تحملك عصبيتك لأهل الكوفة على أن تتقول على أهل المدينة. ثم بعد ذلك أخرج الكتب، وانبسط، وحدثنا.

وبه: حدثني علي بن محمد: سمعت حمزة بن يوسف، سمعت أبا الحسين يعقوب الأردبيلي يقول: سألت أحمد بن طاهر، قلت: أيش كان موسى بن هارون يقول في ابن بنت منيع؟ فقال: أيش كان يقول ابن بنت منيع في موسى بن هارون؟ قلت: كيف هذا؟ قال: لأنه كان يرضى منه رأسًا برأس.

قال الخطيب: المحفوظ عن موسى توثيق البغوي، وثناؤه عليه، ومدحه له. قال: عمر بن الحسن الأشناني: سألت موسى بن هارون عن البغوي، فقال: ثقة، صدوق، لو جاز لإنسان أن يقال له: فوق الثقة، لقيل له. قلت: يا أبا عمران! إن هؤلاء يتكلمون فيه؟ فقال: يحسدونه، سمع من ابن عائشة ولم نسمع، ابن منيع لا يقول إلَّا الحق.

وبه: إلى أبي بكر: حدثني العلاء بن أبي المغيرة الأندلسي، أخبرنا علي بن بقاء، أخبرنا عبد الغني بن سعيد، قال: سألت أبا بكر محمد بن علي النقاش: تحفظ شيئًا مما أخذ على ابن بنت منيع؟ فقال: غلط في حديث عن محمد بن عبد الواهب، عن أبي شهاب، عن أبي إسحاق الشيباني، عن نافع، عن ابن عمر. حدث به عن ابن عبد الواهب، وإنما سمعه من إبراهيم بن هانئ، عنه، فأخذه عبد الحميد الوراق بلسانه، ودار على أصحاب الحديث، فبلغ

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "3671"، وأبو داود "4629".

ص: 276

ذلك أبا القاسم، فخرج إلينا يومًا، فعرفنا أنه غلط فيه، وأنه أراد أن يكتب: حدثنا إبراهيم بن هانئ، فمرت يده.

قلت: هذه الحكاية تدل على تثبت أبي القاسم وورعه، وإلا فلو كاشر -ورواه عن محمد بن عبد الواهب- شيخه على سبيل التدليس من كان يمنعه؟!

ثم قال النقاش: ورأيت فيه الانكسار والغم، وكان ثقة.

قلت: متن الحديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتناجى اثنان دون الثالث إذا كانوا جميعًا"

(1)

.

ورواه أبو العباس السراج، أخبرنا إبراهيم بن هانئ. فذكره.

وقال الأردبيلي: سئل ابن أبي حاتم عن أبي القاسم البغوي: أيدخل في الصحيح؟ قال: نعم.

وقال حمزة السهمي: سألت أبا بكر بن عبدان عن البغوي، فقال: لا شك أنه يدخل في الصحيح.

وبه، قال أبو بكر: حدثنا حمزة بن محمد الدقاق: سمعت الدارقطني يقول: كان أبو القاسم بن منيع قل ما يتكلم على الحديث، فإذا تكلم، كان كلامه كالمسمار في الساج.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن البغوي، فقال: ثقة، جبل، إمام، من الأئمة، ثبت، أقل المشايخ خطأ، وكلامه في الحديث أحسن من كلام ابن صاعد.

ابن الطيوري: سمعت ابن المذهب، سمعت ابن شاهين، سمعت البغوي، وقال له مستمليه: أرجو أن أستملي عليك سنة عشرين وثلاث مائة قال: قد ضيقت علي عمري أنا رأيت رجلًا في الحرم له مائة وست وثلاثون سنة يقول: رأيت الحسن وابن سيرين، أو كما قال.

قلت: كان يسر البغوي أو لو قال له مستمليه: أرجو أن أستملي عليك سنة خمسين وثلاث مائة.

قال أبو أحمد بن عدي في "الكامل" له: كان أبو القاسم صاحب حديث، وكان وراقًا من ابتداء أمره، يورق على جده وعمه وغيرهما، وكان يبيع أصل نفسه كل وقت. ووافيت

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "6288"، ومسلم "2183"، وأبو داود "4852".

ص: 277

العراق سنة سبع وتسعين ومائتين، وأهل العلم والمشايخ منهم مجتمعون على ضعفه، وكانوا زاهدين في حضور مجلسه، وما رأيت في مجلسه قط -في ذلك الوقت- إلَّا دون العشرة غرباء، بعد أن يسأل بنوه الغرباء مرة بعد مرة حضور مجلس أبيهم، فيقرأ عليهم لفظًا. قال: وكان مجانهم يقولون: في دار ابن منيع سحرة تحمل داود بن عمر الضبي من كثرة ما يروي عنه، وما علمت أحدًا حدث عن علي بن الجعد أكثر مما حدث هو. قال: وسمعه قاسم المطرز يقول: حدثنا عبيد الله العيشي، فقال: في حر أم من يكذب. وتكلم فيه قوم، ونسبوه إلى الكذب عند عبد الحميد الوراق، فقال: هو أنعش من أن يكذب -يعني: ما يحسن- قال: وكان بذيء اللسان، يتكلم في الثقات، سمعته يقول يوم مات محمد بن يحيى المروزي: أنا قد ذهب بي عمي إلى أبي عبيد، وعاصم بن علي، وسمعت منهما. قال: ولما مات أصحابه، احتمله الناس، واجتمعوا عليه، ونفق عندهم، ومع نفاقه وإسناده كان مجلس ابن صاعد أضعاف مجلسه.

قلت: قد أسرف ابن عدي، وبالغ، ولم يقدر أن يخرج حديثًا غلط فيه، سوى حديثين، وهذا مما يقضي له بالحفظ والإتقان؛ لأنه روى أزيد من مائة ألف حديث لم يهم في شيء منها، ثم عطف وأنصف، وقال: وأبو القاسم كان معه طرف من معرفة الحديث، ومن معرفة التصانيف، وطال عمره، واحتاجوا إليه، وقبله الناس، ولولا أني شرطت أن كل من تكلم فيه متكلم ذكرته -يعني: في "الكامل"- وإلا كنت لا أذكره.

قال أبو يعلى الخليلي: أبو القاسم البغوي من العلماء المعمرين، سمع داود بن رشيد، والحكم بن موسى، وطالوت بن عباد، وابني أبي شيبة. إلى أن قال: وعنده مائة شيخ لم يشاركه أحد فيهم، في آخر عمره لم ينزل إلى الشيوخ. قال: وهو حافظ، عارف، صنف مسند عمه؛ علي بن عبد العزيز، وقد حسدوه في آخر عمره، فتكلموا فيه بشيء لا يقدح فيه، وقد سمعت عبد الرحمن بن محمد يقول: سمعت أبا أحمد الحاكم، سمعت البغوي يقول: ورقت لألف شيخ.

قال أحمد بن علي السليماني، الحافظ: البغوي يتهم بسرقه الحديث.

قلت: هذا القول مردود، وما يتهم أبو القاسم أحد يدري ما يقول، بل هو ثقة مطلقًا.

قال إسماعيل بن علي الخطبي: مات أبو القاسم البغوي الوراق ليلة الفطر، من سنة سبع عشرة وثلاث مائة، ودفن يوم الفطر، وقد استكمل مائة سنة وثلاث سنين وشهرًا واحدًا.

قال الخطيب: ودفن في مقبرة باب التبن، رحمه الله.

ص: 278

قلت: قد سمعوا عليه يوم وفاته، فذكر محمد بن أبي شريح -في غالب ظني- قال: كنا نسمع: على البغوي، ورأسه بين ركبتيه، فرفع رأسه، وقال: كأني بهم يقولون: مات أبو القاسم البغوي، ولا يقولون: مات مسند الدنيا. ثم مات عقيب ذلك، أو يومئذ، رحمه الله.

قلت: وهو من الذين جاوزوا المائة -بيقين- كالطبراني، والسلفي، وقد أفردتهم في جزء ختمته بالشيخ شهاب الدين الحجار.

ومات مع البغوي في سنة سبع عشرة: أبو حامد أحمد بن جعفر الأشعري الأصبهاني، وشيخ الحنفية؛ أبو سعيد أحمد بن الحسين البرذعي ببغداد، وأبو عمرو أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص الحيري النيسابوري، وحرمي بن أبي العلاء المكي ببغداد، والقاضي أبو القاسم بدر الدين بن الهيثم بن خلف الكوفي، ومسند أصبهان أبو علي الحسن بن محمد بن دكة الفرضي، وشيخ الشافعية؛ والزبير بن أحمد بن سليمان البصري الزبيري، ومحدث مصر؛ أبو الحسن علي بن أحمد بن سليمان بن الصيقل علان، والثقة أبو العباس الفضل بن أحمد بن منصور الزبيدي -صاحب أحمد بن حنبل- والحافظ أبو الحسن محمد بن أحمد بن زهير الطوسي، والحافظ الشهيد أبو الفضل محمد بن أبي الحسين أحمد بن محمد بن عمار الهروي بمكة، ومسند مصر؛ أبو بكر محمد بن زبان بن حبيب الحضرمي، والزاهد الواعظ أبو عبد الله محمد بن الفضل البلخي -خاتمة أصحاب قتيبة بن سعيد.

ص: 279

‌2767 - أبو صخرة

(1)

:

المحدث الصدوق، أبو صخرة، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن هلال، أبو محمد السامي، القرشي. ولقبه: أبو صخرة الكاتب، من المعمرين ببغداد.

سمع من: علي بن المديني، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، ومحمد بن سليمان لوين، ويحيى بن أكثم.

روى عنه: ابن المظفر، وأبو بكر الوراق، وعلي بن عمر الحربي. وقد كتب عنه من القدماء: يحيى بن صاعد.

وثقه الخطيب.

توفي في شوال، سنة عشر وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "10/ 285"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 169".

ص: 279

‌2768 - عيسى

(1)

:

المحدث عيسى بن سليمان بن عبد الملك القرشي، وراق داود بن رشيد.

يروي عنه، وعن أحمد بن إبراهيم الموصلي، وأحمد بن منيع.

وعنه: أبو القاسم بن النخاس، ومحمد بن المظفر، وعلي بن عمر الحربي، ومحمد بن الشخير.

وكان ثقة.

مات في شعبان، سنة عشر وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 174"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 169".

ص: 280

‌2769 - الطيالسي

(1)

:

المحدث المعمر، أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي، الطيالسي، نزيل قرميسين.

حدث عن: يحيى بن معين، وإبراهيم بن موسى الفراء، وأبي مصعب، والقواريري، وعلي بن حكيم الأودي، ومحمد بن حميد، وأحمد بن حنبل، وهارون الحمال، وعدة.

وعنه: أبو بكر الجعابي، وأحمد بن محمد الهمذاني المقرئ، وجعفر الخلدي، وأحمد بن إسحاق الحلبي -والد علي- وأبو أحمد الحاكم، وقال: هو ضعيف لو اقتصر على سماعه.

وقال الدارقطني: متروك الحديث.

وقال صالح بن أحمد: سمعت أحمد بن عبيد يقول: تكلموا فيه، وكان فهمًا مسنًا.

قلت: عاش إلى سنة ثلاث عشرة.

أنبأنا ابن البخاري: أخبرنا ابن الحرستاني، أخبرنا عبد الكريم بن حمزة، أخبرنا الكتاني، حدثنا تمام، حدثنا أبو جعفر أحمد بن إسحاق، أخبرنا محمد بن إبراهيم بن زياد بحلب، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرحمن بن غزوان، حدثنا الليث، حدثنا مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي مملوكين يخونوني

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "1/ 404"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 203"، والعبر "2/ 157"، وميزان الاعتدال "3/ 448"، ولسان الميزان "5/ 22"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 268".

ص: 280

ويضربونني ويكذبونني، فأسبهم وأضربهم، فأين أنا منهم؟ قال:"ينظر في عقابك وذنوبهم، فإن كان عقابك دون ذنوبهم، كان لك الفضل عليهم، وإلا اقتص منك". فبكى، فقال: "أما تقرأ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الأنبياء: 47].

هذا منكر جدًا.

أخبرنا محمد بن عبد السلام: أنبأتنا زينب الشعرية، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعد، أخبرنا أبو أحمد الحافظ، أخبرنا محمد بن إبراهيم بن زياد، حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا الدراوردي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى وهو بالعقيق فقيل: "إنك بواد مبارك"

(1)

.

(1)

صحيح: وهذا إسناد ضعيف، لضعف محمد بن إبراهيم بن زياد، فقد ضعفه أبو أحمد الحاكم. ونقله الذهبي في "الميزان". وأخرجه البخاري "1535"، ومسلم "1346"، وأحمد "2/ 90".

ص: 281

‌الطبقة الثامنة عشر:

‌2770 - الذهبي

(1)

:

الحافظ العالم الجوال، أبو بكر، أحمد بن محمد بن حسن بن أبي حمزة البلخي، ثم النيسابوري.

حدث عن: أبي حفص الفلاس، ومحمد بن بشار، وحجاج بن الشاعر، وسلم بن جنادة، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن سعيد الدارمي، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو علي الحافظ، ومحمد بن جعفر البستي، وأبو بكر الإسماعيلي، ومحمد بن عبد الله القزاز، وأبو أحمد بن الغطريف، وأبو محمد المخلدي، وآخرون.

لكنه مطعون فيه. قال: الإسماعيلي: كان مستهترًا بالشرب.

وقال الحاكم: وقع إلي من كتبه وفيها عجائب.

وكان أبو علي سيئ الرأي فيه.

قال الحاكم: توفي سنة أربع عشرة وثلاث مائة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن المؤيد بن محمد الطوسي، أخبرنا أحمد بن سهل المساجدي "ح". وأخبرنا أحمد، عن القاسم بن عبد الله، أخبرنا وجيه بن طاهر، وأخبرنا عن زينب الشعرية: أن محمد بن منصور الحرضي أخبرها ووجيهًا أيضًا، قالوا: أخبرنا يعقوب بن أحمد، أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي، أخبرنا أحمد ابن محمد بن أبي حمزة البلخي، حدثنا موسى بن الحكم الشطوي، حدثنا حفص بن غياث، عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة صبي من الأنصار، فقالت عائشة: طوبى له، عصفور من عصافير الجنة. قال:"وما يدريك يا عائشة! إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلًا، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلًا، وهم في أصلاب آبائهم"

(2)

. رواه جماعة، عن طلحة، وهو مما ينكر من حديثه، لكن أخرجه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة.

(1)

ترجمته في تاريخ جرجان للسهمي "36"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 790"، وميزان الاعتدال "1/ 134"، ولسان الميزان "1/ 260".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "2662""31"، وأبو داود "4713"، والنسائي "4/ 57"، وابن ماجه "82".

ص: 282

‌2771 - ابن سابور

(1)

:

الشيخ الإمام الثقة المحدث، أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابور البغدادي، الدقاق.

سمع: أبا بكر بن أبي شيبة، وأبا نعيم عبيد الله بن هشام الحلبي، ونصر بن علي الجهضمي، وعدة.

حدث عنه: أبو عمر بن حيويه، والقاضي أبو بكر الأبهري، وأبو بكر بن المقرئ، وآخرون.

نقل الخطيب توثيقه، وأنه توفي في سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة.

قلت: عاش نيفًا وتسعين سنة.

‌2772 - العسكري

(2)

:

الإمام المحدث الرحال، أبو الحسن، علي بن سعيد بن عبد الله العسكري، نزيل الري.

حدث عن: عمرو بن علي الصيرفي، ومحمد بن المثنى، ويعقوب الدورقي، والزبير بن بكار، وطبقتهم.

روى عنه: أبو الشيخ، وأبو بكر القباب، وأبو عمرو بن حمدان، وأبو عمرو بن مطر، وآخرون.

ومن تآليفه كتاب "السرائر"، وغير ذلك.

توفي سنة خمس وثلاث مائة. وقيل: توفي سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة، بالري.

وآخر من حدث عنه وفاةً: مأمون الرازي.

قال ابن مردويه في "تاريخه": كان العسكري من الثقات، يحفظ ويصنف.

وقال الشيرازي في "الألقاب": كان العسكري يقال له: شقير الحافظ.

وقال الحاكم أبو عبد الله: كان أحد الجوالين، كثير التصنيف، أقام بنيسابور على تجارة له مدة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا محمد بن أحمد الزاهد، أخبرنا علي بن سعيد العسكري، حدثنا الحسين بن الحسن بن حماد، حدثتني جدتي بانة بنت بهز بن حكيم، عن أبيها، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سبح عند غروب الشمس سبعين تسبيحة، غفر الله له سائر عمله". حديث منكر. وبانة: مجهولة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 225"، والعبر "2/ 155"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 266".

(2)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 750"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 246".

ص: 283

‌2773 - أبو لبيد

(1)

:

الإمام المحدث الرحال الصادق، أبو لبيد محمد بن إدريس بن إياس السامي، السرخسي.

سمع: سويد بن سعيد، وأبا مصعب الزهري، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وهناد بن السري، ومحمود بن غيلان، وأبا كريب، وطبقتهم. وعمر دهراُ، ورحل الناس إليه.

حدث عنه: إمام الأئمة؛ ابن خزيمة، وأحمد بن سلمة الحافظ، وإبراهيم بن محمد الهروي الوراق، وزاهر بن أحمد السرخسي، وأبو سعيد محمد بن بشر الكرابيسي البصري، وآخرون.

مات سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة، وله نيف وتسعون سنة، رحمه الله.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا أبو روح، أخبرنا زاهر، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا محمد بن بشر التميمي، أخبرنا أبو لبيد السامي، حدثنا سويد بن سعيد، أخبرنا علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس الثقفي، قال: دخلت على عنبسة بن أبي سفيان وهو في الموت، فحدثني، قال: حدثتني أم حبيبة: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة تطوعًا، بني له بهن بيت في الجنة". قالت: فوالله ما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عنبسة: وأنا -والله- ما تركتهن. وقال عمرو مثل ذلك. وقال النعمان مثل ذلك

(2)

. أخرجه مسلم عن ابن نمير، عن أبي خالد الأحمر، عن داود بن أبي هند.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 157"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "2/ 181"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 215".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "728"، وأبو داود "1250"، والترمذي "415"، والنسائي "3/ 261"، وابن ماجه "1141".

ص: 284

‌2774 - الفرائضي

(1)

:

الإمام العلامة المحدث المقرئ، أبو الليث نصر بن القاسم بن نصر البغدادي، الفقيه، الفرائضي.

سمع: عبد الأعلى بن حماد النرسي، وسريج بن يونس، وعبيد الله القواريري، وأبا بكر بن أبي شيبة، وعدة.

وكان بصيرًا بحرف أبي عمرو بن العلاء، إمامًا في الفقه، كبير الشأن.

حدث عنه: أبو الحسين بن البواب، وأبو الفضل عبيد الله الزهري، وأبو حفص بن شاهين، وجماعة. وقد وثق.

مات سنة أربع عشرة وثلاث مائة.

أخوه: المحدث الثقة: أبو بكر:

‌2775 - أحمد بن القاسم

(2)

:

أخو أبي الليث.

سمع: محمد بن سليمان لوينا، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأبا همام، والحسن بن حماد سجادة.

حدث عنه: أبو حفص بن شاهين، وأبو حفص الكتاني.

وثقه الخطيب.

وعاش ثمانيًا وتسعين سنة. مات سنة عشرين وثلاث مائة، في ذي الحجة.

ومات مع أبي الليث: الحسن بن دكة الأصبهاني، والقاضي أبو ذر محمد بن محمد بن يوسف البخاري، وإسحاق بن إبراهيم بن الخليل الجلاب، ومحمود بن عنبر النسفي، ومحمد بن محمد بن الأشعث الكوفي بمصر، ومحمد بن عمر بن لبابة الأندلسي، وأحمد بن محمد البلخي الذهبي.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "13/ 295"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 204"، والعبر "2/ 160"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 216"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 269".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 352"، والعبر "2/ 181"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 285".

ص: 285

‌2776 - الجريري

(1)

:

شيخ الصوفية، أبو محمد الجريري الزاهد. قيل: اسمه أحمد بن محمد بن حسين وقيل: عبد الله بن يحيى.

وقيل: حسن بن محمد.

لقي السري السقطي والكبار، ورافق الجنيد، وكان الجنيد يتأدب معه، وإذا تكلم في شيء من الحقائق، قال: هذا من بابة أبي محمد. فلما توفي الجنيد، أجلسوه مكانه، وأخذوا عنه آداب القوم.

حج في سنة إحدى عشرة، فقتل في رجوعه يوم وقعة الهبير، وطئته الجمال النافرة، فمات شهيدًا، وذلك في أوائل المحرم، سنة اثنتي عشرة، وهو في عشر التسعين.

‌2777 - البهراني

(2)

:

محمد بن تمام بن صالح، المحدث، العالم، أبو بكر البهراني، الحمصي.

سمع من: محمد بن مصفى، والمسيب بن واضح، ومحمد بن قدامة المصيصي، وعبد الله بن خبيق الأنطاكي، وطبقتهم، ومحمد بن آدم.

روى عنه: أبو أحمد بن عدي، والحسن بن منير، والفضل بن جعفر التميمي، وأبو بكر الربعي، وأبو بكر بن المقرئ، وآخرون.

قال أبو عبد الله بن مندة: حدث عن: محمد بن آدم المصيصي بمناكير.

قلت: لا أظن به بأسًا.

مات سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة.

ويكشف هل خرج له ابن حبان في "صحيحه"؟

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 617"، وتاريخ بغداد "4/ 430"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 174".

(2)

ترجمته في ميزان الاعتدال "3/ 494"، ولسان الميزان "5/ 97".

ص: 286

‌2778 - الشعراني:

الإمام أبو عبد الله، محمد بن حفص بن محمد بن يزيد النيسابوري، الشعراني، الجويني الأصل، أحد الأثبات.

سمع: إسحاق بن راهويه، وأبا كريب، وعبد الجبار بن العلاء، ومحمد بن رافع، وأمثالهم.

روى عنه: أبو علي الحافظ، وعبد الله بن أبي عثمان الزاهد، وزاهر السرخسي، وعدة.

قال أبو عبد الله الحاكم: هو شيخ، ثقة، توفي سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة.

قال أبو سعد في "الأنساب": هو محمد بن حفص الآزاذواري. وآزاذوار: قرية من قرى جوين.

قلت: هو مشهور بالشعراني.

‌2779 - ابن الجصاص

(1)

:

الصدر الرئيس، ذو الأموال، أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن الجصاص البغدادي، الجوهري، التاجر، الصفار.

قال ابن طولون: لا يباع لنا شيء إلَّا على يد ابن الجصاص.

وعنه قال: كنت يومًا في الدهليز، فخرجت قهرمانة معها مائة حبة جوهر، تساوي الحبة ألف دينار، فقالت: نريد أن نخرط هذا الحب حتى يصغر، فأخذته منها مسرعًا، وجمعت سائر نهاري من الحب بمائة ألف درهم، الواحدة بألف، وأتيت به القهرمانة، وقلت: قد خرطنا هذا. يعني: فربح فيه -في يوم- بضعة وتسعين ألف دينار. ولما تزوج المعتضد بالله بقطر الندى بنت خمارويه صاحب مصر، نفذها أبوها مع ابن الجصاص في جهاز عظيم وتحف وجواهر تتجاوز الوصف، فنصحها ابن الجصاص، وقال: هذا شيء كثير، والأوقات تتغير، فلو أودعت من هذا؟ فقالت: نعم يا عم. وأودعته نفائس ثمينة، فاتفق أنها أدخلت على المعتضد، وكرمت عليه، وحملت منه، ثم ماتت في النفاس بغتة، وزادت أموال ابن

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 211"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 77"، والعبر "2/ 121"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 185"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 238".

ص: 287

الجصاص إلى الغاية، ونظرت إليه الأعين، فلما كان في سنة اثنتين وثلاث مائة، قبض عليه المقتدر، وكبست داره، وأخذوا له من الذهب والجوهر ما قوم بأربعة آلاف ألف دينار.

وقال أبو الفرج في "المنتظم": أخذوا منه ما مقداره ستة عشر ألف ألف دينار عينًا، وورقًا، وخيلًا، وقماشًا، فقيل: كان جل ماله من بنت خمارويه.

وحكى بعضهم، قال: دخلت دار ابن الجصاص والقباني بين يديه يقبن سبائك الذهب.

قال التنوخي: حدثني أبو الحسين بن عياش، أنه سمع جماعة من ثقات الكتاب يقولون: إنهم حضروا مصادرة ابن الجصاص، فكانت ستة آلاف ألف دينار، هذا سوى ما أخذ من داره وبعدما بقي له.

قال التنوخي: لما صودر، كان في داره سبع مائة مزملة خيزران.

ويحكى عنه بله وتغفيل، مر به صديق، فقال له: كيف أنت؟ فقال ابن الجصاص: الدنيا كلها محمومة. وكان قد حم.

ونظر مرة في المرآة، فقال لصاحبه: ترى لحيتي طالت؟ فقال: المرآة في يدك. قال: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.

ودخل يومًا على الوزير ابن الفرات، فقال: عندنا كلاب يحرموننا ننام. فقال الوزير: لعلهم جراء؟ قال: بل كل واحد في قدي وقدك.

ودعا، فقال: حسبي الله وأنبياؤه وملائكته، اللهم أعد من بركة دعائنا على أهل القصور في قصورهم، وعلى أهل الكنائس في كنائسهم.

وفرغ من الأكل، فقال: الحمد لله الذي لا يحلف بأعظم منه.

وكان مع الخاقاني في مركب وبيده كرة كافور، فبصق في وجه الوزير، وألقى الكافورة في دجلة، ثم أفاق واعتذر، وقال: إنما أردت أن أبصق في وجهك وألقيها في الماء، فغلطت فقال: كان كذلك يا جاهل.

قال التنوخي: حدثنا جعفر بن ورقاء الأمير، قال: اجتزت بابن الجصاص وكان مصاهري، فرأيته على حوش داره حافيًا حاسرًا، يعدو كالمجنون، فلما رآني، استحيى، فقلت: مالك؟ قال: يحق لي، أخذوا مني أمرًا عظيمًا. فسلمته، وقلت: ما بقي يكفي، وإنما يقلق هذا القلق من يخاف الحاجة، فاصبر حتى أبين لك غناك. قال: هات. قلت: أليس دارك هذه بآلتها وفرشها لك؟ وعقارك بالكرخ وضياعك؟ قال: بلى. فما زلت أحاسبه حتى

ص: 288

بلغ قيمة سبع مائة ألف دينار، ثم قلت: واصدقني عما سلم لك. فحسبناه، فإذا هو بثلاث مائة ألف دينار، قلت: فمن له ألف ألف دينار ببغداد؟! هذا وجاهك قائم، فلم تغتم؟ فسجد لله، وحمده، وبكى، وقال: أنقذني الله بك، ما عزاني أحد بأنفع من تعزيتك، ما أكلت شيئًا منذ ثلاث، فأقم عندي لنأكل ونتحدث. فأقمت عنده يومين.

قال التنوخي: اجتمعت بأبي علي -ولد ابن الجصاص- فسألته عما يحكى عن أبيه من أن الإمام قرأ: {وَلا ضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، فقال: إي لعمري، "بدلًا من آمين".

وأنه أراد أن يقبل رأس الوزير، فقال: إن فيه دهنًا. فقال: أقبله ولو كان فيه خرا.

وأنه وصف مصحفًا عتيقًا، فقال: كسروي؟ فقال: غالبه كذب، وما كانت فيه سلامة تخرجه إلى هذا، كان من أدهى الناس، ولكن كان يفعل بحضرة الوزير، وكان يحب أن يصور نفسه ببله ليأمنه الوزراء لكثرة خلوته بالخلفاء. فأنا أحدثك بحديث: حدثني أبي أن ابن الفرات لما وزر، قصدني قصدًا قبيحًا كان في نفسه علي، وبالغ، وكان عندي ذلك الوقت سبعة آلاف ألف دينار، عينا وجوهرا، ففكرت، فوقع لي الرأي في السحر، فمضيت إلى داره، فدققت، فقال البوابون: ما ذا وقت وصول إليه؟ فقلت: عرفوا الحجاب أني جئت لمهم. فعرفوهم، فخرج إلي حاجب، فقال: إلى ساعة. فقلت: الأمر أهم من ذلك فنبه الوزير، ودخلت وحول سريره خمسون نفسًا حفظة وهو مرتاع، فرفعني، وقال: ما الأمر؟ قلت: خير، هو أمر يخصني. فسكن، وصرف من حوله، فقلت: إنك قصدتني، وشرعت يا هذا تؤذيني، وتتفرغ لي، وتعمل في هلاكي، ولعمري لقد أسأت في خدمتك، ولقد جهدت في استصلاحك، فلم يغن، وليس شيء أضعف من الهر، وإذا عاث في دكان الفامي، فظفر به، ولزه، وثب وخمش، فإن صلحت لي وإلا -والله- لأقصدن الخليفة، وأحمل إليه ألفي ألف دينار، وأقول: سلم ابن الفرات إلى فلان وأعطه الوزارة، فيفعل، ويعذبك، ويأخذ منك في قدرها، ويعظم قدري بعزلي وزيرًا وإقامتي وزيرًا. فقال: يا عدو الله! وتستحل هذا؟ قلت: أنت أحوجتني، وإلا فاحلف لي الساعة على إنصافي. فقال: وتحلف أنت كذلك: وعلي حسن الطاعة والمؤازرة؟ قلت: نعم. فقال: لعنك الله يا إبليس، لقد سحرتني. وأخذ دواة، وعملنا نسخة اليمين، وحلفته أولًا، ثم قال: يا أبا عبد الله! لقد عظمت في نفسي، ما كان المقتدر عنده فرق بين كفاءتي وبين أصغر كتابي مع الذهب، فاكتم ما جرى. فقلت: سبحان الله! ثم قال: تعال غدا، فسترى ما أعاملك به. فعدت إلى داري، وما طلع الفجر. فقال: ابنه أفهذا فعل من يحكى عنه تلك الحكايات؟ قلت: لا.

قلت: لعل بهذه الحركة أضمر له الوزير الشر، فنسأل الله السلامة.

توفي ابن الجصاص في شوال، سنة خمس عشرة وثلاث مائة، وقد أسن.

ص: 289

‌2780 - ابن خاقان

(1)

:

الوزير الكبير، أبو القاسم عبد الله، ابن الوزير أبي علي محمد ابن الوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان الخاقاني. من بيت وزارة.

وكان ذا لسن، وبلاغة، وآداب، وحسن كتابة، وجود وإفضال، وثروة وأموال.

ولي الوزارة للمقتدر في ربيع الأول، سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة، بإشارة مؤنس الخادم، وكان سائسًا ممارسًا، خبيرًا بالأمور، ثم قبض عليه بعد ثمانية عشر شهرًا، ورسم عليه، ثم تعلل، ومات في شهر رجب، سنة أربع عشرة وثلاث مائة.

‌2781 - ابن الفرات

(2)

:

الوزير الكبير، أبو الحسن، علي بن أبي جعفر محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات العاقولي، الكاتب.

قال الصولي: ابتاع جدهم ضياعًا بالعاقول، وانتقل إليها، فنسبوا إلى العاقول.

كان ابن الفرات يتولى أمر الدواوين زمن المكتفي، فلما ولي المقتدر، ووزر له العباس بن الحسن، بقي ابن الفرات على ولايته، فجرت فتنة ابن المعتز، وقتل العباس الوزير، فوزر ابن الفرات سنة ست وتسعين، وتمكن، فأحسن وعدل، وكان سمحًا مفضالًا محتشمًا، رأسًا في حساب الديوان، له ثلاثة بنين؛ المحسن والفضل والحسين، ثم عزل في ذي الحجة، سنة تسع وتسعين، ثم وزر في سنة أربع وثلاث مائة إثر عزل علي بن عيسى، ثم عزل بعد سبعة عشر شهرًا بحامد بن العباس، ثم وليها سنة " (311) "، وولى ولده المحسن الدواوين، فعسف وصادر وعذب، وظلم أبوه أيضًا، واستأصل جماعة، فعزل بعد سنة إلَّا أيامًا. وقيل: إنه وصل المحدثين بعشرين ألف درهم.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 195"، والعبر "2/ 151"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 264".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 190"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 487"، والعبر "2/ 152"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 213".

ص: 290

وذكر جماعة: أن صاحب خبر ابن الفرات رفع إليه أن رجلًا من أرباب الحوائج اشترى خبزًا وجبنًا، فأكله في الدهليز، فأقلقه هذا، وأمر بنصب مطبخ لمن يحضر من أرباب الحوائج، فلم يزل ذلك طول أيامه.

قال ابن فارس اللغوي: حدثنا أبو الحسن البصري: قال لي رجل: كنت أخدم الوزير ابن الفرات، فحبس وله عندي خمس مائة دينار، فتلطفت بالسجان حتى أدخلت، فلما رآني، تعجب، وقال: ألك حاجة؟ فأخرجت الذهب، وقلت: تنتفع بهذا. فأخذه مني، ثم رده، وقال: يكون عندك وديعة. فرجعت، ثم أفرج عنه بعد مدة، وعاد إلى دسته، فأتيته، فطأطأ رأسه، ولم يملأ عينيه مني، وطال إعراضه، حتى أنفقت الذهب، وساءت حالي إلى يوم، فقال لي: وردت سفن من الهند، ففسرها واقبض حق بيت المال، وخذ رسمنا. فعدت إلى بيتي، فأعطتني المرأة خمارًا وقرطتين، فبعت ذلك، وتجهزت به، وانحدرت، وفسرت السفن، وقبضت الحق ورسم الوزير، وأتيت بغداد، فقال الوزير: سلم حق بيت المال، واقبض الرسم إلى بيتك. قلت: هو خمسة وعشرون ألف دينار. قال: فحفظتها، وطالت المدة، ورأى في وجهي ضرًا، فقال: ادن مني، ما لي أراك متغير اللون، سيء الحال. فحدثته بقصتي، قال: ويحك! وأنت ممن ينفق في مدة يسيرة خمسة وعشرين ألفًا؟! قلت: ومن أين لي ذلك؟ قال: يا جاهل! ما قلت لك احملها إلى منزلك، أتراني لم أجد من أودعه غيرك؟ ويحك! أما رأيت إعراضي عنك؟ إنما كان حياء منك، وتذكرت جميل صنعك وأنا محبوس، فصر إلى منزلك، واتسع في النفقة، وأنا أفكر لك في غير ذلك.

ذكر ابن مقلة أنه حضر مجلس ابن الفرات في أول وزارته، فأدخل إليه عبيد الله بن عبد الله بن طاهر في محفة، فدفع الوزير إليه عشرة آلاف درهم سرًا، فأنشد:

أياديك عندي معظمات جلائل

طوال المدى شكري لهن قصير

فإن كنت عن شكري غنيًا فإنني

إلى شكر ما أوليتني لفقير

قيل: كان ابن الفرات يلتذ بقضاء حوائج الرعية، وما رد أحدا قط عن حاجة رد آيس، بل يقول: تعاودني أو يقول: أعوضك من هذا.

سمع: الصولي عبيد الله بن عبد الله بن طاهر يقول: حين وزر ابن الفرات، ما افتقرت الوزارة إلى أحد قط افتقارها إليه.

قال الصولي: لما قبض على ابن الفرات، نظرنا، فإذا هو يجري على خمسة آلاف نفس،

ص: 291

أقل جاري أحدهم في الشهر خمسة دراهم ونصف قفيز دقيق، وأعلاهم مائة دينار وعشرة أقفزة.

الصولي: حدثني أحمد بن العباس النوفلي: أنهم كانوا يجالسون ابن الفرات قبل الوزارة، وجلس معهم ليلة لما وزر، فلم يجئ الفراشون بالتكأ، فغضب عليهم، وقال: إنما رفعني الله لأضع من جلسائي؟! والله! لا جالسوني إلَّا بتكاءين. فكنا كذلك ليالي حتى استعفينا، فقال: والله ما أريد الدنيا إلَّا لخير أقدمه، أو صديق أنفعه، ولولا أن النزول عن الصدر سخف لا يصلح لمثل حالي، لساويتكم في المجلس.

قال الصولي: لم أسمعه قط دعا أحدًا من كتابه بغير كنيته، ومرض مرة، فقال: ما غمي بعلتي بأشد من غمي بتأخر حوائج الناس وفيهم المضطر.

وكان يمنع الناس من المشي بين يديه.

ومن شعره -ويقال: ما عمل غيرهما:

معذبتي هل لي إلى الوصل حيلة

وهل إلى استعطاف قلبك من وجه

فلا خير في الدنيا وأنت بخيلة

ولا خير في وصل يجيء على كره

وبلغنا أن ابن الفرات كان يستغل من أملاكه إلى أن أعيد إلى الوزراة سبعة آلاف ألف دينار، لأنه -فيما قيل: كان يحصل من ضياعه في العام ألفي ألف دينار.

وقيل عنه: إنه كاتب العرب أن يكبسوا بغداد. فالله أعلم.

ولما وزر في سنة أربع، خلع عليه سبع خلع، وسقي يومئذ في داره أربعون ألف رطل ثلج.

قال الصولي: مدحته، فوصلني بست مائة دينار.

قال علي بن هشام الكاتب: دخلت على ابن الفرات في وزارته الثالثة وقد غلب ابنه المحسن عليه في أكثر أموره، فقيل له: هو ذا يسرف أبو أحمد المحسن في مكاره الناس بلا فائدة، ويضرب من يؤذي بغير ضرب. فقال: لو لم يفعل هذا بأعدائه ومن أساء إليه، لما كان من أولاد الأحرار، ولكان ميتا، وقد أحسنت إلى الناس دفعتين، فما شكروني، والله لأسيئن. فما مضت إلَّا أيام يسيرة حتى قبض عليه.

قال الصولي: لما وزر ابن الفرات ثالثا، خرج متغيظا على الناس لما كان فعله حامد الوزير

ص: 292

بابنه المحسن، فأطلق يد ابنه على الناس، فقتل حامدًا بالعذاب، وأبار العالم، وكان مشؤومًا على أهله، ماحيًا لمناقبهم.

قال المعتضد لعبد الله وزيره: أريد أعرف ارتفاع الدنيا. فطلب الوزير ذلك من جماعة، فاستمهلوه شهرًا، وكان ابن الفرات وأخوه أبو العباس محبوسين، فأعلما بذلك، فعملاه في يومين، وأنفذاه، فأخرجا، وعفي عنهما.

وكان أخوه أبو العباس أحمد أكتب أهل زمانه، وأوفرهم أدبا، امتدحه البحتري، ومات سنة إحدى وتسعين ومائتين.

وأخوهما جعفر عرضت عليه الوزارة، فأباها.

قال الصولي: قبض المقتدر على ابن الفرات، وهرب ابنه، فاشتد السلطان وجميع الأولياء في طلبه، إلى أن وجد، وقد حلق لحيته، وتشبه بامرأة في خف وإزار، ثم طولب هو وأبوه بالأموال، وسلما إلى الوزير عبيد الله بن محمد، فعلما أنهما لا يفلتان، فما أذعنا بشيء، ثم قتلهما نازوك، وبعث برأسيهما إلى المقتدر في سفط، وغرق جسديهما.

وقال القاضي أحمد بن إسحاق بن البهلول بعد أن عزل ابن الفرات من وزارته الثالثة:

قل لهذا الوزير قول محق

بثه النصح أيما إبثاث

قد تقلدتها ثلاثًا

وطلاق البتات عند الثلاث

ضربت عنق المحسن بعد أنواع العذاب في ثالث عشر ربيع الآخر، سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة، وألقي رأسه بين يدي أبيه، فارتاع، ثم قتل، ثم ألقي الرأسان في الفرات، وكان للوزير إحدى وسبعون سنة وشهور، وللمحسن ثلاث وثلاثون سنة.

ابن أخيه: الوزير الأكمل:

ص: 293

‌2782 - أبو الفتح الفضل بن جعفر

(1)

:

ابن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات، ويعرف: بابن حنزابة؛ وهي أمه أم ولد، رومية.

كان كاتبًا بارعًا، دينًا، خيرًا، استوزره المقتدر في ربيع الأول، سنة عشرين، إلى أن قتل المقتدر، واستخلف القاهر، فولاه الدواوين، فلما ولي الراضي، ولاه الشام، ثم إن الراضي قلده الوزارة سنة " (325) "، وهو مقيم بحلب، فوصل إلى بغداد، ووزر مديدة، ثم رأى اضطراب الأمور، واستيلاء ابن رائق، فأطمع ابن رائق في أن يحمل إليه الأموال من مصر والشام، واستخلف بالحضرة أبا بكر النفري، وسار فأدركه أجله بالرملة، في جمادى الأولى، سنة سبع وعشرين وثلاث مائة، وله سبع وأربعون سنة. وهو والد المحدث وزير مصر: أبي الفضل جعفر بن حنزابة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 208"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 424"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 309".

ص: 294

‌2783 - الصيمري:

شيخ المعتزلة، العلامة، صاحب المصنفات، أبو عبد الله محمد بن عمر الصيمري. عداده في معتزلة البصريين.

أخذ عن: أبي علي الجبائي، وانتهت إليه رئاسة الكلام بعد الجبائي، وكان شيخًا مسنًا ذكيًا. له: كتاب كبير في الرد على ابن الريوندي، وكتاب "المسائل"، وغير ذلك.

قال محمد بن إسحاق النديم: توفي سنة خمس عشرة وثلاث مائة.

‌2784 - الأخفش

(1)

:

العلامة النحوي، أبو الحسن، علي بن سليمان بن الفضل البغدادي. والأخفش: هو الضعيف البصر، مع صغر العين.

لازم ثعلبًا والمبرد، وبرع في العربية، روما أظنه صنف شيئًا، وهذا هو الأخفش الصغير.

روى عنه: المعافى الجريري، والمرزباني، وغيرهما. وكان موثقًا.

وكان بينه وبين ابن الرومي وحشة، فلابن الرومي فيه هجو في مواضع من ديوانه، وكان هو يعبث بابن الرومي، ويمر ببابه، فيقول كلامًا يتطير منه ابن الرومي، ولا يخرج يومئذ.

وقد سار الأخفش إلى مصر سنة سبع وثمانين ومائتين، فأقام إلى سنة ست وثلاث مائة، وقدم إلى حلب، وغيره أوسع في الآداب منه.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 214"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "13/ 246"، ووفيات الأعيان "3/ ترجمة 437"، والعبر "2/ 162"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 219"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 270".

ص: 294

قال ثابت بن سنان: كان يواصل المقام عند ابن مقلة قبل الوزارة، فشفع له عند ابن عيسى الوزير في تقرير رزق، فانتهره الوزير انتهارًا شديدًا، فتألم ابن مقلة، ثم آل الحال بالأخفش إلى أن أكل السلجم نيئا. مات: فجأة، في شعبان، سنة خمس عشرة وثلاث مائة. وقيل: سنة ست عشرة.

وكان بدمشق -قبل الثلاث مائة- الأخفش، المقرئ؛ صاحب ابن ذكوان.

وكان في أيام المأمون الأخفش الأوسط؛ شيخ العربية، وهو أبو الحسن سعيد بن مسعدة؛ صاحب سيبويه.

وكان الأخفش الكبير في دولة الرشيد، أخذ عنه: سيبويه، وأبو عبيدة، وهو: أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد الهجري اللغوي.

ص: 295

‌2785 - ابن وَقْدان

(1)

:

المحدث الصدوق المعمر، أبو محمد، سليمان بن داود بن كثير بن وقدان الطوسي، نزيل بغداد.

روى عن: إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، والوليد بن شجاع، ولوين، وسوار بن عبد الله، وطبقتهم.

وعنه: أبو الفضل الزهري، ومحمد بن إسماعيل الوراق، وأبو حفص بن شاهين، وآخرون.

توفي سنة أربع عشرة وثلاث مائة.

‌2786 - ابن بهلول

(2)

:

العلامة البارع، أبو سعد، داود بن الهيثم بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي، الأنباري.

ولد سنة تسع وعشرين ومائتين.

وسمع من: جده؛ إسحاق بن بهلول، وعمر بن شبة، وزياد بن يحيى الحساني، وطائفة.

روى عنه: طلحة بن محمد، وابن المظفر، وأحمد بن إسحاق الأزرق.

وأخذ الأدب: عن ثعلب. وسمع المتوكل بقراءته من جده كتاب "فضائل العباس"، وكان نحويًا، لغويًا، مفوهًا.

له تصانيف، وبلاغة، وبصر باستخراج المعمى.

توفي سنة ست عشرة وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 62"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 214".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 379"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 217"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "11/ 98"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 221".

ص: 295

‌2787 - ابن السراج

(1)

:

إمام النحو، أبو بكر، محمد بن السري البغدادي، النحوي، ابن السراج، صاحب المبرد، انتهى إليه علم اللسان.

أخذ عنه: أبو القاسم الزجاجي، وأبو سعيد السيرافي، وعلي بن عيسى الرماني، وطائفة.

وثقه الخطيب.

وله كتاب: "أصول العربية" وما أحسنه! وكتاب "شرح سيبويه"، وكتاب "احتجاج القراء"، وكتاب "الهواء والنار"، وكتاب "الجمل"، وكتاب "الموجز"، وكتاب "الاشتقاق"، وكتاب "الشعر والشعراء".

وكان يقول الراء غينًا.

وكان له شعر رائق، وكان مكبًا على الغناء واللذة، هوي ابن يأنس المطرب، وله أخبار، سامحه الله.

مات في الكهولة، في شهر ذي الحجة، سنة ست عشرة وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 319"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 220"، ومعجم الأدباء لياقوت "18/ 197"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 641"، والعبر "2/ 165"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 222"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 273".

ص: 296

‌2788 - الماليني:

الشيخ المعمر، أبو جعفر، محمد بن معاذ بن فره -وقيل: فرح- الهروي، الماليني.

حدث عن: الحسين بن الحسن المروزي، والفقيه محمد بن مقاتل، وأحمد بن حكيم، ومحمد بن حفص بن ميسرة، وأبي داود السنجي.

وعنه: أحمد بن بشر المزني، وعبد الله بن يحيى الطلحي، وأبو بكر المفيد، وزاهر السرخسي، والخليل بن أحمد القاضي، ومحمد بن محمد بن داود التاجر.

مات في رجب، سنة ست عشرة وثلاث مائة، وله نيف وتسعون سنة.

‌2789 - حرميُّ بن أبي العلاء

(1)

:

المكي، هو المحدث، أبو عبد الله، أحمد بن محمد بن إسحاق بن أبي خميصة، نزيل بغداد.

حدث عن: سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، ومحمد بن منصور الجواز، ويحيى بن الربيع، والزبير بن بكار، وطائفة، ومحمد بن عزيز الأيلي. وحدث بكتاب "النسب" عن الزبير.

حدث عنه: أبو عمر بن حيويه، وأبو حفص بن شاهين، وعبيد الله بن حبابة، وجماعة.

وكان كاتب الحكم للقاضي أبي عمر محمد بن يوسف. وثقه أبو بكر الخطيب، وغيره.

مات في جمادى الآخرة، سنة سبع عشرة وثلاث مائة.

وقع لنا بالإجازة جزء له. وجده أبو خميصة من الكنى المفردة -يتصحف بخميضة- وحرمي: لقب له.

‌2790 - الداركي

(2)

:

الشيخ المسند الثقة المتقن، أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن بن زياد الأصبهاني، الداركي.

سمع: محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، ومحمد بن حميد الرازي، وأبا عمار الحسين بن حريث، وصالح بن مسمار، ومحمد بن إسماعيل البخاري.

حدث عنه: القاضي أبو أحمد العسال، وأبو الشيخ، وأبو بكر محمد بن جشنس، وآخرون.

مات في جمادى الآخرة، سنة سبع عشرة وثلاث مائة.

وهو جد الداركي؛ شيخ الشافعية. لعله عاش نيفًا وتسعين سنة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 390"، والعبر "2/ 169"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 275".

(2)

ترجمته في تاريخ أصبهان "1/ 368"، والعبر "2/ 170"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 275".

ص: 297

‌2791 - إبراهيم بن خزيم

(1)

:

ابن قمير بن خاقان، المحدث الصدوق، أبو إسحاق الشاشي، المروزي الأصل.

سمع من: عبد بن حميد "تفسيره"، و"مسنده" في سنة تسع وأربعين ومائتين، وحدث بهما، وطال عمره.

حدث عنه: أبو حاتم بن حبان، وعبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، وغيرهما. وسماع ابن حمويه منه بالشاش -مدينة من مدائن الترك- وكان ذلك في سنة ثماني عشرة وثلاث مائة، في شعبان، ولم تبلغنا وفاة ابن خزيم، ولا شيء من سيرته. وهو في عداد الثقات، ومن أبناء التسعين، رحمه الله.

‌2792 - عيسى بن عمر:

ابن العباس بن حمزة بن عمرو بن أعين، المحدث، الصدوق، أبو عمران السمرقندي، صاحب أبي محمد الدارمي، وراوي "مسنده" عنه، شيخ مقبول، لا نعلم شيئًا من أمره.

حدث عنه: أبو الحسن محمد بن عبد الله الكاغدي، وعبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، ولا أعلم متى توفي، إلَّا أنه كان حيًا في قرب سنة عشرين وثلاث مائة، بسمرقند، فهو والشاشي إنما عرفا وشهرا بالكتابين اللذين سمعناهما، وكانا متعاصرين بما وراء النهر، فهما من طبقة الفربري، ووفياتهم متقاربة، والله أعلم.

(1)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "1/ 134".

ص: 298

‌2793 - بُنَانُ الحَمَّال

(1)

:

الإمام المحدث الزاهد، شيخ الإسلام، أبو الحسن بنان بن محمد بن حمدان بن سعيد الواسطي، نزيل مصر، ومن يضرب بعبادته المثل.

حدث عن: الحسن بن محمد الزعفراني، والحسن بن عرفة، وحميد بن الربيع، وطائفة.

حدث عنه: ابن يونس، والحسن بن رشيق، والزبير بن عبد الواحد الأسداباذي، وأبو بكر المقرئ، وجماعة.

وثقه أبو سعيد بن يونس.

صحب الجنيد، وغيره.

وقيل: إنه هو أستاذ الحسين أبي النوري، وهو رفيقه، ومن أقرانه.

وكان كبير القدر، لا يقبل من الدولة شيئًا، وله جلالة عجيبة عند الخاص والعام.

وقد امتحن في ذات الله، فصبر، وارتفع شأنه، فنقل أبو عبد الرحمن السلمي في "محن الصوفية": أن بنانًا الحمال قام إلى وزير خمارويه -صاحب مصر- وكان نصرانيًا، فأنزله عن مركوبه، وقال: تركب الخيل وعير، كما هو مأخوذ عليكم في الذمة. فأمر خمارويه بأن يؤخذ، ويوضع بين يدي سبع، فطرح، فبقي ليلة، ثم جاؤوا والسبع يلحسه، وهو مستقبل القبلة، فأطلقه خمارويه، واعتذر إليه.

قال الحسين بن أحمد الرازي: سمعت أبا علي الروذباري يقول: كان سبب دخولي مصر حكاية بنان الحمال، وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف، فأمر به أن يلقى بين يدي سبع، فجعل السبع يشمه ولا يضره، فلما أخرج من بين يدي السبع، قيل له: ما الذي كان في قلبك حيث شمك؟ قال: كنت أتفكر في سؤر السباع ولعابها. قال: ثم ضرب سبع درر، فقال له -يعني: للملك- حبسك الله بكل درة سنة. فحبس ابن طولون سبع سنين -كذا قال. وما علمت خمارويه ولا أباه حبسًا. وذكر إبراهيم بن عبد الرحمن: أن القاضي أبا عبيد الله احتال على بنان حتى ضربه سبع درر، فقال: حبسك الله بكل درة سنة. فحبسه ابن طولون سبع سنين.

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 594"، وتاريخ بغداد "7/ 100"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 217"، والعبر "2/ 163"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 220"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 271".

ص: 299

قال الزبير بن عبد الواحد: سمعت بنانًا يقول: الحر عبد ما طمع، والعبد حر ما قنع.

ومن كلام بنان: متى يفلح من يسره ما يضره؟!

وقال: رؤية الأسباب على الدوام قاطعة عن مشاهدة المسبب، والإعراض عن الأسباب جملة يؤدي بصاحبه إلى ركوب الباطل.

يروى أنه كان لرجل على آخر دين مائة دينار، فطلب الرجل الوثيقة، فلم يجدها، فجاء إلى بنان ليدعو له، فقال: أنا رجل قد كبرت، وأحب الحلواء، اذهب اشتر لي من عند دار فرج رطل حلواء حتى أدعو لك. ففعل الرجل، وجاء، فقال بنان: افتح ورقة الحلواء. ففتح، فإذا هي الوثيقة، فقال: هي وثيقتي. قال: خذها، وأطعم الحلواء صبيانك.

قال ابن يونس: توفي بنان في رمضان، سنة ست عشرة وثلاث مائة، وخرج في جنازته أكثر أهل مصر، وكان شيئًا عجبًا من ازدحام الخلائق.

ص: 300

‌2794 - ابن المنذر

(1)

:

الإمام الحافظ العلامة، شيخ الإسلام، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري الفقيه، نزيل مكة، وصاحب التصانيف كـ"الإشراف في اختلاف العلماء"، وكتاب "الإجماع"، وكتاب "المبسوط"، وغير ذلك.

ولد في حدود موت أحمد بن حنبل.

وروى عن: الربيع بن سليمان، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، ومحمد بن ميمون، وعلي بن عبد العزيز، وخلق كثير مذكورين في كتبه.

حدث عنه: أبو بكر بن المقرئ، ومحمد بن يحيى بن عمار الدمياطي، والحسين والحسن؛ ابنا علي بن شعبان.

ولم يذكره الحاكم في "تاريخه" نسيه، ولا هو في "تاريخ بغداد"، ولا "تاريخ دمشق"، فإنه ما دخلها. وعداده في الفقهاء الشافعية.

قال الشيخ محيي الدين النواوي: له من التحقيق في كتبه ما لا يقاربه فيه أحد، وهو في

(1)

ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات للنووي "2/ 196"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 580"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 775"، وميزان الاعتدال "3/ 450"، ولسان الميزان "5/ 27"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 280".

ص: 300

نهاية من التمكن من معرفة الحديث، وله اختيار فلا يتقيد في الاختيار بمذهب بعينه، بل يدور مع ظهور الدليل.

قلت: ما يتقيد بمذهب واحد إلَّا من هو قاصر في التمكن من العلم، كأكثر علماء زماننا، أو من هو متعصب، وهذا الإمام فهو من حملة الحجة، جار في مضمار ابن جرير، وابن سريج، وتلك الحلبة، رحمهم الله.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا أبو اليمن الكندي سنة ثمان وست مائة كتابة، أخبرنا علي بن هبة الله بن عبد السلام، حدثنا الإمام أبو إسحاق في كتاب "الطبقات"، قال: ومنهم أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، مات بمكة، سنة تسع -أو عشر- وثلاث مائة، وصنف في اختلاف العلماء كتبًا لم يصنف أحد مثلها، واحتاج إلى كتبه الموافق والمخالف، ولا أعلم عمن أخذ الفقه.

قلت: قد أخذ عن أصحاب الإمام الشافعي، وما ذكره الشيخ أبو إسحاق من وفاته، فهو على التوهم، وإلا فقد سمع منه ابن عمار في سنة ست عشرة وثلاث مائة، وأرخ الإمام أبو الحسن بن قطان الفاسي وفاته في سنة ثماني عشرة.

أخبرنا جماعة إذنًا، عن عائشة بنت معمر "ح". وقال أحمد بن محمد العلاني، أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا المؤيد بن الأخوة، قالا: أخبرنا سعيد بن أبي الرجاء، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود، ومنصور بن الحسين، قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن إبراهيم بن المنذر -فقيه مكة- حدثنا محمد بن ميمون، حدثنا عبد الله بن يحيى البرلسي، عن حيوة بن شريح، عن ابن عجلان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من جر لنفسه شيئًا ليقتلها، فإنما يجعلها في النار، ومن طعن نفسه بشيء، فإنما يطعنها في النار، ومن اقتحم، فإنما يقتحم في النار"

(1)

. غريب.

ولابن المنذر "تفسير" كبير في بضعة عشر مجلدا، يقضي له بالإمامة في علم التأويل أيضًا.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "5778"، ومسلم "109"، وأبو داود "3872"، والترمذي "2043"، والنسائي "4/ 66 - 67" من طرق عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم مخلدا فيها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردي من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا" واللفظ لمسلم.

ص: 301

‌2795 - أبو عمرو الحيري

(1)

:

الإمام المحدث العدل الرئيس، أبو عمرو أحمد بن محمد بن أحمد بن منصور بن مسلم بن يزيد النيسابوري، الحيري، سبط الإمام أحمد ابن عمرو الحرشي.

سمع: محمد بن رافع، وإسحاق بن منصور، وعبد الله بن هاشم، وعيسى بن أحمد العسقلاني، وبحر بن نصر الخولاني -لقيه بمكة- وأحمد بن منصور الرمادي، وأبا زرعة الرازي، وابن وارة، وخلقًا سواهم.

سمع منه: شيخه؛ أحمد بن المبارك المستملي، ودعلج السجزي، وأبو علي النيسابوري، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف، ومحمد بن أحمد بن عبدوس، وآخرون.

وكان صدرًا معظمًا، وعالمًا محتشمًا.

توفي في ذي القعدة، سنة سبع عشرة وثلاث مائة، وهو في عشر التسعين. فالقاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري -شيخ البيهقي- هو حفيده.

‌2796 - الطوسي

(2)

:

الإمام الحافظ المحدث المصنف، أبو الحسن محمد بن أحمد بن زهير بن طهمان القيسي، الطوسي.

سمع: عبد الله بن هاشم الطوسي، وإسحاق بن منصور الكوسج، وعبد الرحمن بن بشر، ومحمد بن يحيى الذهلي، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، والحافظ أبو علي النيسابوري، وأحمد بن منصور الحافظ، وأبو إسحاق المزكي، وزاهر بن أحمد السرخسي، وآخرون.

مات بنوقان، في سنة سبع عشرة وثلاث مائة، وقد نيف على الثمانين.

أخبرنا أحمد بن هبة الله: أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا سعيد بن محمد البحيري، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا محمد بن أحمد بن زهير بطوس، حدثنا عبد الرحمن بن بشر، حدثنا بهز بن أسد، حدثنا شعبة، فذكر حديث: أرب ما له؟.

(1)

ترجمته في تاريخ جرجان للسهمي "83"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 225".

(2)

ترجمته في العبر "2/ 171"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 276".

ص: 302

‌2797 - ابن لبابة

(1)

:

شيخ المالكية، أبو عبد الله، محمد بن يحيى بن عمر بن لبابة القرطبي، مولى آل عبيد الله بن عثمان.

روى عن: عبد الأعلى بن وهب، وأبان بن عيسى، وأصبغ بن خليل، والعتبي، وابن صباح. وسمع "الموطأ" من يحيى بن مزين -صاحب مطرف بن عبد الله.

انتهت إليه الإمامة في المذهب.

قال ابن الفرضي: وكان حافظًا لأخبار الأندلس، له حظ من النحو والشعر، ولي الصلاة بقرطبة.

وروى عنه خلق كثير، ولم يكن له علم بالحديث، بل ينقل بالمعنى.

مات في شعبان سنة أربع عشرة وثلاث مائة، وله تسعون سنة.

روى عنه: عبد الله بن محمد الباجي.

‌2798 - علان

(2)

:

الإمام المحدث العدل، أبو الحسن، علي بن أحمد بن سليمان بن ربيعة بن الصيقل علان المصري.

ولد سنة سبع وعشرين ومائتين.

وكتب وهو مراهق في سنة أربعين ومائتين.

حدث عن: محمد بن رمح، وعمرو بن سواد، وسلمة بن شبيب، ومحمد بن هشام بن أبي خيرة، وخلق من أقرانهم.

وكان ثقة، كثير الحديث. قاله: ابن يونس. قال: وكان أحد كبراء العدول، وفي خلقه زعارة

(3)

.

مات في شوال، سنة سبع عشرة وثلاث مائة.

قلت: حدث عنه: ابن يونس، وأبو بكر بن المقرئ، وعبيد الله بن محمد بن أبي غالب البزار، ومحمد بن أحمد الإخميمي، وآخرون.

عاش: تسعين سنة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 269".

(2)

ترجمته في العبر "2/ 170"، وشذرات الذهب "2/ 276".

(3)

زعارة: شراسة وسوء خلق.

ص: 303

‌2799 - وصيف بن عبد الله:

الحافظ الإمام الثقة، أبو علي الرومي، الأنطاكي، الأشروسني، رحال، جوال.

حدث عن: أحمد بن حرب الطائي، وحاجب بن سليمان المنبجي، وعلي بن سراج، وسليمان بن سيف الحراني، وطبقتهم.

روى عنه: أبو زرعة وأبو بكر؛ ابنا أبي دجانة، وأبو أحمد بن عدي، وحمزة الكناني، وأبو القاسم الطبراني، وأبو جعفر محمد بن الحسن اليقطيني.

حدث في سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة.

‌2800 - ابن البهلول

(1)

:

الإمام العلامة المتفنن القاضي الكبير، أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي، الأنباري، الفقيه، الحنفي.

ولد سنة إحدى وثلاثين ومائتين.

وسمع: أبا كريب، ومحمد بن زنبور المكي، ويعقوب الدورقي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، ومحمد بن المثنى، وأبا سعيد الأشج، وأباه إسحاق بن بهلول الحافظ، وعدة.

حدث عنه: محمد بن إسماعيل الوراق، وأبو حفص بن شاهين، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو طاهر المخلص، وآخرون.

وكان من رجال الكمال، إمامًا، ثقة، عظيم الخطر، واسع الأدب، تام المروءة، بارعًا في العربية. ولي قضاء مدينة المنصور عشرين سنة، وعزل قبل موته بعام. وكان له مصنف في نحو الكوفيين، وكان أديبًا، بليغًا، مفوهًا شاعرًا.

قال ابن الأنباري: ما رأيت صاحب طيلسان أنحى منه.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 30"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 231"، ومعجم الأدباء لياقوت "2/ 138"، والعبر "2/ 171"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 276".

ص: 304

مات في سنة ثمان عشرة وثلاث مائة.

وكان أبوه من كبار الحفاظ، لقي ابن عيينة وطبقته، وهم من بيت العلم والجلالة.

وكان أخوه؛ بهلول بن إسحاق ثقة، مسندا، يروي عن سعيد بن منصور، وطبقته.

قال أبو بكر الخطيب: كان عند أبي جعفر حديث واحد عن أبي كريب، وكان ثقة.

وقال طلحة بن محمد: كان عظيم القدر، واسع الأدب، تام المروءة، حسن الفصاحة والمعرفة بمذهب أهل العراق، ولكنه غلب عليه الأدب، وكان لأبيه "مسند" كبير. إلى أن قال: وكان داود بن الهيثم بن إسحاق أسن من عمه أحمد، دام أحمد على قضاء المدينة من سنة ست وتسعين ومائتين، وكان ثقة، ثبتًا، جيد الضبط، متفننًا في علوم شتى، منها الفقه لأبي حنيفة، وربما خالفه، وكان تام اللغة، حسن القيام بنحو الكوفيين، صنف فيه، وكان واسع الحفظ للأخبار والسير والتفسير والشعر، وكان خطيبا مفوها، شاعرًا لسنًا، ذا حظ من الترسل والبلاغة، ورعًا متخشنًا في الحكم، وقد ولي قضاء هيت والأنبار في سنة ست وسبعين، ثم قضاء بعض الجبل.

قال القاضي أبو نصر يوسف بن عمر: كنت أحضر دار المقتدر مع أبي وهو ينوب عن والده أبي عمر القاضي، فكنت أرى أبا جعفر القاضي يأتيه أبي فيجلس عنده، فيتذاكران حتى يجتمع عليهما عدد من الخدم، فسمعت أبا جعفر يقول: أحفظ لنفسي من شعري خمسة عشر ألف بيت، وأحفظ للناس أضعاف ذلك.

وقال القاضي أبو طالب محمد بن القاضي أبي جعفر: كنت مع أبي في جنازة، وإلى جانبه أبو جعفر الطبري، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة ويسليه، فداخله الطبري في ذلك، وذنب معه، ثم اتسع الأمر بينهما، وخرجا إلى فنون أعجبت من حضر، وتعالى النهار، فلما قمنا، قال لي: يا بني! من هذا الشيخ؟ قلت: هذا محمد بن جرير الطبري. فقال: إنا لله! ما أحسنت عشرتي، إلَّا قلت لي. فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة؟ هذا رجل مشهور بالحفظ والاتساع. فمضت مدة ثم حضرنا في حق رجل آخر، وجلسنا، وجاء الطبري، فجلس إلى جانب أبي، وتجاريا فكلما جاء إلى قصيدة، ذكر الطبري بعضها، وينشدها أبي، وكلما ذكر شيئًا من السير، فكذلك، فربما تلعثم وأبي يمر في جميعه، فما سكت إلى الظهر.

أرخ موته: ابن قانع، ويوسف القواس، كما مر.

وقيل: مات سنة سبع عشرة، وهو وهم.

ص: 305

‌2801 - الطَّرميسي:

المحدث المعمر، أبو سعيد، الحسن بن يوسف بن يعقوب الهاشمي مولاهم، الطرميسي، ولاؤه للحسين بن علي.

حدث عن: هشام بن عمار، وغيره.

وعنه: عبد الله بن محمد بن عبد الغفار بن ذكوان، ومحمد بن مسلم بن السمط، وعبد الوهاب الكلابي.

قال أبو الحسين الرازي: مات في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة.

قلت: له خبر منكر، رواه ابن ذكوان المذكور، عنه: حدثنا هشام، حدثنا بقية، حدثنا بحير، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معدي كرب: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "من بات كالًا من عمله، بات مغفورًا له".

‌2802 - ابن صاعد

(1)

:

يحيى بن محمد بن صاعد بن كاتب، الإمام، الحافظ، المجود، محدث العراق، أبو محمد الهاشمي، البغدادي، مولى الخليفة أبي جعفر المنصور، رحال، جوال، عالم بالعلل والرجال.

قال: ولدت في سنة ثمان وعشرين ومائتين، وكتبت الحديث عن ابن ماسرجس سنة تسع وثلاثين.

قلت: سمع: يحيى بن سليمان بن نضلة، وعبد الله بن عمران العابدي، ومحمد بن سليمان لوينا، وأحمد بن منيع، وسوار بن عبد الله القاضي، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، ويعقوب الدورقي، ومحمد بن بشار، وعبد الجبار بن العلاء العطار، وعمرو بن علي الصيرفي، وجميل بن الحسن الجهضمي، والحسن بن عرفة، ومؤمل بن هشام اليشكري، ومحمد بن عبد الله بن حفص الأنصاري، وأبا هشام الرفاعي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، ومحمد بن هشام المروزي، وسفيان بن وكيع، والقاسم بن محمد المروزي، وعمر بن شبة، ومحمد ابن يحيى بن أبي حزم القطعي، وأزهر بن جميل، وأبا عبيد الله سعيد بن

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 331"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 235"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 771"، والعبر "2/ 173"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 228"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 280".

ص: 306

عبد الرحمن المخزومي المكي، وعلي بن الحسين الدرهمي، ومحمد بن عمرو بن سليمان، وأبا همام الوليد ابن شجاع، وسعيد بن يحيى الأموي، وإسحاق بن شاهين، وعبيد الله بن يوسف الجبيري، والربيع بن سليمان المرادي، وبحر بن نصر الجولاني، وبكار بن قتيبة، وأبا مسلم الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، وعبد الله بن شبيب الربعي، ويحيى بن المغيرة المخزومي، ومحمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ، وأبا سعيد الأشج، وأحمد بن المقدام العجلي، وحميد بن الربيع، وزيد بن أخزم، وعباد بن الوليد الغبري، وعبد الوهاب بن فليح المقرئ، ومحمد بن ميمون الخياط المكي، ومحمد بن عبد الله المخرمي، ومحمد بن منصور الجواز، والحسين بن الحسن المروزي، والزبير بن بكار، وسلمة بن شبيب، ومحمد بن زنبور المكي، ومحمد ابن إسماعيل البخاري، ومحمد بن هشام بن ملاس الدمشقي، وسعيد بن محمد البيروتي، وخلقا كثيرًا، وجمع، وصنف، وأملى.

حدث عنه: أبو القاسم البغوي -وهو أكبر منه- والجعابي، والشافعي، والطبراني، وابن عدي، والإسماعيلي، وأبو سليمان بن زبر، وأبو عمر بن حيويه، وأبو طاهر المخلص، وعيسى بن الوزير، وأبو مسلم الكاتب، وخلق كثير، وعبد الرحمن بن أبي شريح.

قال أبو يعلى الخليلي: كان يقال: أئمة ثلاثة في زمان واحد: ابن أبي داود، وابن خزيمة، وعبد الرحمن بن أبي حاتم.

قال الخليلي: ورابعهم: أبو محمد بن صاعد، ثقة، إمام، يفوق في الحفظ أهل زمانه، ارتحل إلى مصر والشام والحجاز والعراق، منهم من يقدمه في الحفظ على أقرانه، منهم: أبو الحسن الدارقطني، مات في سنة ثمان عشرة.

قلت: ويقع لنا -بل لأولادنا ولمن سمع منا- جملة من عوالي حديثه.

كتب إلينا المسلم بن علان، عن القاسم بن عساكر، أخبرنا أبي، أخبرنا علي بن أحمد بن البقشلان، أخبرنا أبو الحسن بن الأبنوسي، أخبرنا عيسى بن علي، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا يحيى بن محمد ابن صاعد -ثقة من أصحابنا- حدثنا الحسن بن مدرك الطحان، حدثنا يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن داود ابن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن، قال: دخلنا على أسير -رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يأتيك من الحياء إلَّا خير".

قال الدارقطني: لابن صاعد أخوان: يوسف بن محمد يروي عن خلاد بن يحيى وغيره، وأحمد الأوسط حدث عن: أبي بكر بن أبي شيبة، ولهم عم اسمه: عبد الله بن صاعد.

ص: 307

قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن يحيى بن محمد بن صاعد، فقال: ثقة، ثبت، حافظ، وعمهم يحدث عن: سفيان بن عيينة في التصوف والزهد.

وقال حمزة بن يوسف السهمي: سألت أبا بكر أحمد بن عبدان، فقلت: ابن صاعد أكثر حديثًا أو الباغندي؟ فقال: ابن صاعد أكثر حديثًا، ولا يتقدمه أحد في الدراية، والباغندي أعلى إسنادًا منه.

قال الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: لم يكن بالعراق في أقران أبي محمد بن صاعد أحد في فهمه، والفهم عندنا أجل من الحفظ.

قال الحاكم: وسمعت أبا أحمد الحافظ يقول: كان أبو عروبة لحقه وصدقه، فقال لي: بلغني أن أبا محمد بن صاعد حدث عن محمد بن يحيى القطعي، عن عاصم بن هلال، عن أيوب، عن نافع: عن ابن عمر، مرفوعًا:"لا طلاق قبل نكاح". فقلت: حدثنا به من أصله، فقال: هذه مسألة مختلف فيها من لدن التابعين، لو كان ثم أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، لكان علم النظار في الشهرة، ولما كانوا يحتجون ضرورة لحسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

وقال محمد بن المظفر الحافظ: حدثنا ابن صاعد من أصله بحديث محمد بن يحيى القطعي في: "لا طلاق قبل نكاح". قال: فارتجت بغداد، وتكلم الناس بما تكلموا به، فبينما نحن ذات يوم عند علي بن الحسين الصفار نكتب من أصوله، إذ وقع بيدي جزء من حديث محمد بن يحيى القطعي، فنظرت، فوجدت الحديث في الجزء، فلم أخبر أصحابي، وعدوت إلى باب ابن صاعد، فسلمت عليه، وقلت: البشارة. فأخذ الجزء، ورمى به، ثم أسمعني، فقال: يا فاعل! حديث أحدث به أنا، أحتاج أن يتابعني عليه علي بن الحسين الصفار.

قال البرقاني: قال لي الفقيه أبو بكر الأبهري: كنت عند ابن صاعد، فجاءته امرأة، فقالت له: أيها الشيخ! ما تقول في بئر سقطت فيه دجاجة فماتت، هذا الماء طاهر أو نجس؟ فقال يحيى: ويحك! كيف سقطت الدجاجة، ألا غطيتيه؟ قال: الأبهري: فقلت لها: إن لم يكن الماء تغير، فهو طاهر، ولم يكن عند يحيى من الفقه ما يجيب المرأة.

قال الخطيب: قد كان ابن صاعد ذا محل من العلم عظيم، وله تصانيف في السنن وترتيبها على الأحكام، ولعله لم يجب المرأة ورعا، فإن المسألة فيها خلاف.

قال ابن شاهين وغيره: توفي ابن صاعد بالكوفة، في ذي القعدة، سنة ثمان عشرة وثلاث مائة، عن تسعين سنة وأشهر.

ص: 308

وقد ذكرنا مخاصمة بينه وبين ابن أبي داود، وحط كل واحد منهما على الآخر في ترجمة ابن أبي داود، ونحن لا نقبل كلام الأقران بعضهم في بعض، وهما -بحمد الله- ثقتان.

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد العلوي بالثغر، أخبرنا محمد بن أحمد القطيعي، أخبرنا محمد بن عبيد الله، أخبرنا محمد بن محمد الزينبي، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا إسحاق بن شاهين، حدثنا خالد بن عبد الله، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أسامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الربا في النساء"

(1)

.

وبه: عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن أبي هريرة، قال:"ما احتذى النعال ولا ركب المطايا، ولا ركب الكور رجل أفضل من جعفر"

(2)

.

هذا ثابت عن أبي هريرة ولا ينبغي أن يزعم زاعم أن مذهبه: أن جعفر أفضل من أبي بكر وعمر. فإن هذا الإطلاق ليس هو على عمومه، بل يخرج منه الأنبياء والمرسلون، فالظاهر أن أبا هريرة لم يقصد أن يدخل أبا بكر ولا عمر، رضي الله عنهم.

ومات مع ابن صاعد أبو عروبة الحراني الحافظ، والقاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول التنوخي، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن المغلس البغدادي -صاحب لوين- وإسماعيل بن داود بن وردان المصري -صاحب ابن رمح- والحسن بن علي بن أحمد بن بشار البغدادي العلاف المقرئ، والمسند أبو عثمان سعيد بن عبد العزيز الحلبي، والحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن مسلم الإسفراييني، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي، وشيخ الفقهاء أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر بمكة.

وأبو بكر محمد بن يوسف بن حماد الأستراباذي -روى عن أبي بكر بن أبي شيبة الكتب- وزنجويه بن محمد النيسابوري اللباد، وأبو يعلى محمد بن زهير الأبلي.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "2178" و"2179"، ومسلم "1596"، والنسائي "7/ 281"، وابن ماجه "2257".

(2)

صحيح: أخرجه الترمذي "3768".

ص: 309

‌2803 - الروياني

(1)

:

الإمام الحافظ الثقة، أبو بكر محمد بن هارون الروياني، صاحب "المسند" المشهور.

قرأت على محمد بن يوسف الذهبي، أخبرنا إبراهيم بن بركات، أخبرنا علي بن الحسن الحافظ، أخبرنا محمد ابن إبراهيم بن سعدويه، أخبرنا أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد، أخبرنا جعفر بن عبد الله، أخبرنا محمد بن هارون الروياني، حدثنا مبشر بن حسن البصري، أخبرنا أبو داود، حدثنا حميد بن مهران، عن سعد بن أوس، عن زياد بن كسيب العدوي، قال: خرج عبد الله بن عامر إلى الجمعة وعليه ثياب رقاق، وأبو بلال تحت المنبر، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميركم يلبس لباس الفساق. فقال أبو بكرة وهو تحت المنبر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أهان سلطان الله في الأرض، أهانه الله"

(2)

.

أبو بلال هذا هو مرداس بن أدية خارجي، ومن جهله عد ثياب الرجال الرقاق لباس الفساق. أخرجه: الروياني في "مسنده".

وقد حدث عن أبي الربيع الزهراني، وإسحاق بن شاهين، وأبي كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن حميد الرازي، وعمرو بن علي الفلاس، ويحيى بن حكيم المقوم، وأبي زرعة الرازي، وابن وارة، وخلق سواهم. وله الرحلة الواسعة، والمعرفة التامة.

حدث عنه: أبو بكر الإسماعيلي، وإبراهيم بن أحمد القرميسيني، وجعفر بن عبد الله بن فناكي، وآخرون.

وثقه أبو يعلى الخليلي، وذكر أن له تصانيف في الفقه، وأنه مات سنة سبع وثلاث مائة.

وحكى الحافظ أحمد بن منصور الشيرازي أنه سمع: محمد بن أحمد الصحاف، قال: سمعت أبا العباس البكري يقول: جمعت الرحلة بمصر بين محمد بن جرير، وابن خزيمة، ومحمد بن نصر، ومحمد بن هارون الروياني، فأرملوا، ولم يبق عندهم قوت، وجاعوا، فاجتمعوا في بيت، واقترعوا على أن من خرجت عليه القرعة يسأل لهم، قال: فخرجت على ابن خزيمة. فقال: أمهلوني حتى أصلي. وقام، فإذا هم بشمعة وخصي من قبل أمير مصر، ففتحوا له، فقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل: هذا. فأخرج صرة فيها خمسون دينارًا،

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 755"، والعبر "2/ 135"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 251".

(2)

صحيح: أخرجه الروياني في "مسنده""3/ 294"، وأحمد "5/ 42 و 49"، والترمذي "2224".

ص: 310

فدفعها إليه، ثم قال: أيكم محمد بن جرير؟ قالوا: هذا. فأعطاه مثلها، ثم أعطى كذلك لابن خزيمة والروياني، ثم حدثهم أن الأمير كان قائلًا بالأمس، فرأى في نومه أن المحامد جياع قد طووا، فأنفذ إليكم هذه الصرر، وأقسم عليكم: إذا نفدت أن تعرفوني.

أخبرنا قاضي القضاة تقي الدين سليمان بن حمزة غير مرة، أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أخبرنا أبو زرعة عبيد الله بن محمد، أخبرنا الحسين بن عبد الملك، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الرازي، أخبرنا جعفر بن عبد الله، حدثنا محمد بن هارون الروياني، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا فليح، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد: أن وليدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حملت من الزنى، فسئلت: من أحبلك؟ قالت: أحبلني المقعد. فسئل، فاعترف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه لضعيف عن الجلد". فأمر بمائة عثكول، فضرب بها ضربة واحدة.

هذا حديث غريب، صالح الإسناد. أخرجه: النسائي، من طريق أبي حازم، ويحتج به من يسوغ الحيل.

ص: 311

‌2804 - أبو عروبة

(1)

:

الإمام الحافظ المعمر الصادق، أبو عروبة، الحسين بن محمد بن أبي معشر مودود السلمي الجزري الحراني، صاحب التصانيف.

ولد بعد العشرين ومائتين، وأول سماعه في سنة ست وثلاثين ومائتين.

سمع: مخلد بن مالك السلمسيني، ومحمد بن الحارث الرافقي، ومحمد بن وهب بن أبي كريمة، وإسماعيل بن موسى الفزاري، وعبد الجبار بن العلاء، والمسيب بن واضح، وأحمد بن بكار بن أبي ميمونة، ومحمد بن سعيد بن حماد الأنصاري، وأبا يوسف محمد بن أحمد الصيدلاني، ومحمد بن زنبور المكي، وأيوب بن محمد الوزان، وعمرو ابن عثمان الحمصي، وكثير بن عبيد، وأبا نعيم عبيد بن هشام الحلبي، ومعلل بن نفيل النهدي -صاحب زهير بن معاوية، ومحمد بن بشار، وعبد الوهاب بن الضحاك، ومحمد بن مصفى الحمصي، وخلقًا سواهم بالجزيرة؛ والشام. والحجاز، والعراق.

حدث عنه: أبو حاتم بن حبان، وأبو أحمد بن عدي، وأبو الحسين محمد بن المظفر، والقاضي أبو بكر الأبهري، وعمر بن علي القطان، وأبو أحمد الحاكم، وأبو مسلم عبد

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 770"، والعبر "2/ 172"، وشذرات الذهب "2/ 279".

ص: 311

الرحمن بن محمد بن مهران، وأحمد بن محمد بن الجراح المصري -ابن النحاس، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو الحسن علي بن الحسن بن علان الحراني، وأبو علي سعيد بن عثمان بن السكن، وأبو بكر أحمد بن محمد ابن السني، وأبو الشيخ بن حيان، وأبو الحسن محمد بن الحسين الآبري، ومحمد بن جعفر البغدادي -غندر الوراق، وأبو الفتح محمد بن الحسين بن بريدة الأزدي، وخلق سواهم.

وله كتاب: "الطبقات"، وكتاب:"تاريخ الجزيرة"، سمعناه.

قال ابن عدي: كان عارفًا بالرجال وبالحديث، وكان مع ذلك مفتي أهل حران، شفاني حين سألته عن قوم من المحدثين.

وقال أبو أحمد الحاكم في "الكنى": أبو عروبة الحسين بن محمد بن مودود بن حماد السلمي، سمع: عبد الرحمن بن عمرو البجلي، وأبا وهب بن مسرح، وكان من أثبت من أدركناه، وأحسنهم حفظا، يرجع إلى حسن المعرفة بالحديث، والفقه، والكلام.

وقد ذكره أبو القاسم بن عساكر في ترجمة معاوية، فقال: كان أبو عروبة غاليا في التشيع، شديد الميل على بني أمية.

قلت: كل من أحب الشيخين فليس بغال، بل من تعرض لهما بشيء من تنقص، فإنه رافضي غال، فإن سب، فهو من شرار الرافضة، فإن كفر، فقد باء بالكفر، واستحق الخزي، وأبو عروبة فمن أين يجيئه الغلو وهو صاحب حديث وحراني؟ بلى لعله ينال من المروانية فيعذر.

قال القراب: مات سنة ثماني عشرة وثلاث مائة.

قرأت على أحمد بن هبة الله، عن أبي روح الهروي: أخبرنا زاهر، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو أحمد الحافظ، حدثنا أبو عروبة، حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا خالد بن حيان، حدثنا سالم أبو المهاجر، عن ميمون ابن مهران، عن أبي هريرة وعائشة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا".

ص: 312

‌2805 - ابن طلاب

(1)

:

الشيخ العالم، الخطيب الصدوق، أبو الجهم أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب الدمشقي، ثم المشغراني، خطيب مشغرا. أصله من قرية بيت لهيا، وكان يؤدب بها، ثم تحول إلى مشغرا. وكان يقدم دمشق ويحدث عن: هشام بن عمار، وأحمد بن أبي الحواري، وهشام بن خالد الأزرق، وعلي بن سهل الرملي، وعدة.

حدث عنه: أبو الحسين الرازي -والد تمام- وأبو بكر بن المقرئ، وأبو أحمد الحاكم، وأبو سليمان بن زبر، وعبد الوهاب الكلابي، وآخرون.

قال أبو الحسين الرازي: أصله من بيت لهيا، كان يعلم بها، ثم انتقل إلى مشغرا؛ قرية على سفح جبل لبنان، فصار خطيبها، وكان كثيرًا ما يأتي إلى دمشق، فمات بها في سنة تسع عشرة وثلاث مائة.

وذكر ابن زبر أن ابن طلاب سقط من دابته، فمات لوقته.

قلت: وجدهم هو طلاب بن كثير.

وفيها توفي سفيان بن محمد بن يحيى بن مندة، والفضل بن الخصيب بن نصر، ووالد أبي الشيخ، والمؤمل بن الحسن الماسرجسي، وأحمد بن محمد بن إسحاق العنزي -صاحب علي بن حجر، وعلي بن الحسين بن معدان الفسوي، وأبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو المنكدري، وأبو عبيد بن حربويه القاضي، وأسلم بن عبد العزيز الأندلسي.

‌2806 - سعيد بن عبد العزيز

(2)

:

ابن مروان، المحدث الصادق الزاهد القدوة، أبو عثمان الحلبي، نزيل دمشق.

سمع: أحمد بن أبي الحواري، وأبا نعيم عبيد الله بن هشام، وعبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي، والقاسم بن عثمان الجوعي، ومحمد بن مصفى، والسري السقطي، وبركة بن محمد الحلبي، وعدة. وصحب سريًا السقطي، وهو من جلة مشايخ الشام وعلمائهم. قاله: السلمي.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 175"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 232"، وشذرات الذهب "2/ 281".

(2)

ترجمته في العبر "2/ 173"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 227"، وشذرات الذهب "2/ 279".

ص: 313

حدث عنه: أبو الحسين محمد بن عبد الله الرازي، وأبو بكر الربعي، وأبو سليمان بن زبر، والقاضي علي بن الحسين الأذني، والحسن بن عبد الله بن سعيد الكندي، وأبو أحمد الحاكم، وأبو بكر بن المقرئ، والقاضي أبو بكر الأبهري، وأبو بكر بن السني، وخلق خاتمتهم عبد الوهاب الكلابي، أخو تبوك.

قال الحاكم في "الكنى": كان من عباد الله الصالحين.

وقال أبو نعيم الحافظ: تخرج به جماعة من الأعلام كإبراهيم بن المولد، وكان ملازمًا للشرع متبعًا له.

قلت: يعني أنه كان سليمًا من تخبيطات الصوفية وبدعهم.

قال ابن زبر: مات سنة ثمان عشرة وثلاث مائة.

وقال أبو الحسين الرازي: مات سنة سبع عشرة.

قلت: عاش نيفا وتسعين سنة.

ص: 314

‌2807 - العلاف

(1)

:

الإمام المقرئ الأديب، أبو بكر، الحسن بن علي بن أحمد بن بشار النهرواني، ثم البغدادي، الضرير، نديم المعتضد.

تلا على أبي عمر الدوري. وأقرأ، فتلا عليه: أبو بكر الشذائي، وأبو الفرج الشنبوذي، وطائفة.

وحدث عن: الدوري، ونصر بن علي، وحميد بن مسعدة، ومحمد بن إسماعيل الحساني.

فروى عنه: ابن حيويه، وعمر بن شاهين، وعبد الله بن النخاس، وأبو الحسن الجراحي، وآخرون. وعمر دهرًا، وأضر.

وكان له قط يحبه ويأنس به، فدخل برج حمام غير مرة، وأكل الفراخ، فاصطادوه وذبحوه، فرثاه بقصيدة طنانة. ويقال: بل رثى بها ابن المعتز، وورى بالهر، وكان ودودًا له.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 379"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 237"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 172"، والعبر "2/ 172"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 230"، وشذرات الذهب "2/ 277".

ص: 314

وعن ابنه؛ أبي الحسن بن العلاف، قال: إنما كنى أبي بالهر عن ابن الفرات المحسن ولد الوزير.

وعن آخر قال: هويت جارية للوزير علي بن عيسى غلامًا لابن العلاف الضرير، فعلم بهما الوزير، فقتلهما، وسلخهما وحشاهما تبنا، فرثاه أستاذه ابن العلاف، وكنى عنه بالهر -فالله أعلم- فقال:

يا هر فارقتنا ولم تعد

وكنت عندي بمنزل الولد

وكيف ننفك عن هواك وقد

كنت لنا عدة من العدد

وتخرج الفأر من مكامنها

ما بين مفتوحها إلى السدد

يلقاك في البيت منهم مدد

وأنت تلقاهم بلا مدد

حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا

ولم تكن للأذى بمعتقد

وحمت حول الردى بظلمهم

ومن يحم حول حوضه يرد

وكان قلبي عليك مرتعدًا

وأنت تنساب غير مرتعد

تدخل برج الحمام متئدًا

وتبلع الفرخ غير متئد

وتطرح الريش في الطريق لهم

وتبلع اللحم بلع مزدرد

أطعمك الغي لحمها فرأى

فتلك أصحابها من الرشد

كادوك دهرًا فما وقعت وكم

أفلت من كيدهم ولم تكد

فحين أخفرت وانهمكت وكا

شفت وأشرفت غير مقتصد

صادوك غيظًا عليك وانتقموا

منك وزادوا ومن يصد يصد

ثم شفوا بالحديد أنفسهم منك

ولم يرعووا على أحد

ولم تزل للحمام مرتصدًا

حتى سقيت الحمام بالرصد

لم يرحموا صوتك الضعيف كما

لم ترث يومًا لصوتها الغرد

أذاقك الموت ربهن كما

أذقت أفراخه يدًا بيد

ص: 315

كأن حبلًا حوى بجودته

جيدك للخنق كان من مسد

كأن عيني تراك مضطربًا

فيه وفي فيك رغوة الزبد

وقد طلبت الخلاص منه فلم

تقدر على حيلة ولم تجد

فجدت بالنفس والبخيل بها

كنت ومن لم يجد بها يجد

فما سمعنا بمثل موتك إذ

مت ولا مثل حالك النكد

عشت حريصًا يقوده طمع

ومت ذا قاتل بلا قود

يا من لذيذ الفراخ أوقعه

ويحك! هلا قنعت بالغدد

ألم تخف وثبة الزمان وقد

وثبت في البرج وثبة الأسد

عاقبة البغي لا تنام وإن

تأخرت مدة من المدد

أردت أن تأكل الفراخ ولا

يأكلك الدهر أكل مضطهد

هذا بعيد من القياس وما

أعزه في الدنو والبعد

لا بارك الله في الطعام إذا

كان هلاك النفوس في المعد

كم دخلت لقمة حشا شره

فأخرجت روحه من الجسد

ما كان أغناك عن تسلقك الـ

ـبرج ولو كان جنة الخلد

قد كنت في نعمة وفي دعةٍ

من العزيز المهيمن الصمد

تأكل من فأر دارنا رغدًا

أكل جزاف نام بلا عدد

وكنت بددت شملهم زمنًا

فاجتمعوا بعد ذلك البدد

ولم يبقوا لنا على سبدٍ

في جوف أبياتنا ولا لبد

وفرغوا قعرها وما تركوا

ما علقته يد على وتد

وفتتوا الخبز في السلال فكم

تفتت للعيال من كبد

ومزقوا من ثيابنا جددًا

فكلنا في مصائب جدد

وهي خمسة وستون بيتًا.

توفي سنة ثمان عشرة وثلاث مائة، وله مائة عام.

والنهروان: بالفتح، ووهم السمعاني فضم راءه.

ص: 316

‌2808 - البتاني

(1)

:

صاحب الزيج المشهور، أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان الحراني، البتاني، الحاسب، المنجم، له أعمال وأرصاد وبراعة في فنه، وكان صابئا، ضالا، فكأنه أسلم وتسمى بمحمد، وله تصانيف في علم الهيئة.

وبتان -بمثناة مثقلة: قرية من نواحي حران، مات راجعًا من بغداد بقصر الحضر؛ وهي بليدة بقرب تكريت، وفي ذلك يقول عدي بن زيد:

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجـ

ـلة تجبى إليه والخابور

وهو الملك ضيزن، ويلقب بالساطرون، لفظة سريانية، معناه الملك، وكان هذا من ملوك الطوائف، أقام أزدشير يحاصره أربع سنين ولا يقدر عليه. وكان لضيزن بنت فائقة الجمال، فلمحت من الحصن أزدشير، فأعجبها وهويته، فأرسلت إليه يتزوجها، وتفتح له الحصن، فقيل: كان عليه طلسم، فلا يفتح حتى تؤخذ حمامة، تخضب رجلاها بحيض بكر زرقاء، ثم تسيب الحمامة، فتحط على السور، فيقع الطلسم. ففعل ذلك، وأخذ الحصن، ثم لما رآها أزدشير قد أسلمت أباها مع فرط كرامتها عليه، قال: أنت أسرع إلي بالغدر. فربط ضفائرها بذنب فرس، وركضه فهلكت.

توفي البتاني سنة سبع عشرة وثلاث مائة.

‌2809 - محمد بن زبان

(2)

:

ابن حبيب، الإمام القدوة الحجة، أبو بكر الحضرمي، محدث مصر.

سمع: أباه، ومحمد بن رمح، وأبا الطاهر بن السرح، وزكريا بن يحيى كاتب العمري، والحارث بن مسكين، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو سعيد بن يونس، وطاهر بن أحمد الخلال، وأبو بكر بن المقرئ، وإبراهيم بن أحمد رئيس المؤذنين، وأبو عدي عبد العزيز بن الإمام، ومحمد بن محمد بن عمار الدمياطي، ومحمد بن أحمد بن العباس الإخميمي، وخلق سواهم.

قال ابن يونس: قال لي: ولدت في سنة خمس وعشرين ومائتين. وكان رجلًا صالحًا، متقللًا، فقيرًا، لا يقبل من أحد شيئًا، وكان ثقة، ثبتًا.

توفي في جمادى الأولى، سنة سبع عشرة وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 709"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 276".

(2)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "4/ 115"، والعبر "2/ 171"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 230"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 276".

ص: 317

‌2810 - ابن معدان:

الشيخ أبو الحسن، علي بن الحسين بن معدان الفارسي، الفسوي.

حدث عن: إسحاق بن راهويه، وأبي عمار الحسين بن حريث.

وعنه: شيخ النحو؛ أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي، وأبو بكر محمد بن أحمد الأصبهاني السمسار، ومحمد بن القاسم بن بشر الفارسي، شيخ لابن باكويه.

أرخ موته أبو القاسم بن مندة في سنة تسع عشرة وثلاث مائة، في شهر ربيع الأول.

ما علمت فيه ضعفًا بعد.

‌2811 - ابن المغلس

(1)

:

الإمام المحدث الثقة، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن المغلس البغدادي، البزاز، أخو جعفر.

سمع: من محمد بن سليمان لوين، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأبي همام الوليد بن شجاع، وطائفة.

حدث عنه: أبو الفتح يوسف القواس، وأبو بكر بن شاذان، وأبو حفص بن شاهين، وآخرون. وكان من المكثرين عن لوين.

مات في عشر المائة، في جمادى الأولى، سنة ثمان عشرة وثلاث مائة.

أخوه:

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 104"، والعبر "2/ 172"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 276".

ص: 318

‌2812 - جعفر بن محمد بن المغلس

(1)

:

وثقه الدارقطني.

سمع: حوثرة بن محمد المنقري، وأبا سعيد الأشج، وأحمد بن سنان القطان.

روى عنه: ابن شاهين، وأبو حفص الكتاني.

مات سنة تسع عشرة، وكان أصغر من أخيه.

وابنه عبد الله بن أحمد -فقيه الظاهرية- سيأتي.

‌2813 - ابن وردان

(2)

:

الشيخ العالم المسند، أبو العباس، إسماعيل بن داود بن وردان المصري، البزاز.

سمع: عيسى بن حماد، ومحمد بن رمح، وزكريا كاتب العمري، وغيرهم.

حدث عنه: أبو سعيد بن يونس، وأبو بكر بن المقرئ، ومحمد بن أحمد الإخميمي، وآخرون.

توفي في ربيع الآخر، سنة ثمان عشرة وثلاث مائة.

‌2814 - زنجويه:

الشيخ القدوة، الزاهد العابد، الثقة، أبو محمد زنجويه بن محمد بن الحسن النيسابوري، اللباد.

سمع: محمد بن رافع، ومحمد بن أسلم الطوسي، وحسين بن عيسى البسطامي، وحميد بن الربيع، وأحمد ابن منصور الرمادي، وكان صاحب رحلة ومعرفة.

حدث عنه: أبو علي الحافظ، وأبو الفضل بن إبراهيم، والحسن بن أحمد المخلدي، وآخرون.

توفي سنة ثمان عشرة وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 211"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 237".

(2)

ترجمته في العبر "2/ 172"، وشذرات الذهب "2/ 277".

ص: 319

‌2815 - عبد الحكم:

ابن أحمد بن محمد بن سلام، الشيخ، الصدوق، أبو عثمان الصدفي مولاهم المصري.

حدث عن: عيسى بن حماد زغبة، وأبي الطاهر بن السرح، وذي النون المصري، وطائفة.

روى عنه: ابن يونس، وأبو بكر بن المقرئ، وجماعة.

قال ابن يونس: كان صدوقًا، إلَّا أنه انقطع من أوائل أصوله شيء، ولم يكن ممن يميز، فروى ما لم يسمع، فثبتناه، فرجع. وكان كثير الحديث، قال: لي إنه ولد سنة تسع وعشرين وثلاث مائة.

توفي سنة ثمان عشرة وثلاث مائة.

‌2816 - الباشاني

(1)

:

المحدث الثقة، أبو علي، أحمد بن محمد بن علي بن رزين الباشاني، الهروي.

سمع: علي بن خشرم، وسفيان بن وكيع، وأحمد بن عبد الله الفرياناني، وغيرهم.

وعنه: أبو عبد الله بن أبي ذهل، وأبو بكر بن أبي إسحاق القراب، وزاهر السرخسي، ومحمد بن محمد بن جعفر الماليني، وآخرون.

وقد وثق.

توفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة.

‌2817 - واعظ بلخ

(2)

:

الإمام الكبير، الزاهد العلامة، شيخ الإسلام، أبو عبد الله محمد بن الفضل بن العباس البلخي، الواعظ، نزيل سمرقند وتلك الديار.

صحب أحمد بن خضرويه البلخي، وكان آخر من حدث في الدنيا عن قتيبة بن سعيد.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 186"، وشذرات الذهب "2/ 288".

(2)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 563"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 239"، والعبر "2/ 176"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 231"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 282".

ص: 320

قال السلمي: حدثنا علي بن القاسم الخطابي الواعظ بمرو، حدثنا محمد بن الفضل البلخي الصوفي بسمرقند، حدثنا قتيبة بن سعيد. فذكر حديثًا.

قال السلمي: سمعت محمد بن علي الحيري يقول: سمعت أبا عثمان الحيري يقول: لو وجدت من نفسي قوة، لرحلت إلى أخي محمد بن الفضل، فأستروح برؤيته.

وقد روى عن هذا الشيخ البلخي: أبو بكر محمد بن عبد الله الرازي. وروى عنه: أبو بكر بن المقرئ في "معجمه" بالإجازة.

ومن مشايخه: أبو بشر محمد بن مهدي -صاحب ابن السماك الواعظ. وقد حدث عنه أيضًا: إسماعيل بن نجيد، وإبراهيم بن محمد بن عمرويه، ومحمد بن مكي النيسابوري، وعبيد الله بن محمد الصيدلاني البلخي، شيخ لقيه أبو ذر الهروي.

قال أبو نعيم الحافظ: سمع الكثير من قتيبة بن سعيد. وسمعت محمد بن عبد الله الرازي بنسا أنه سمعه يقول: ذهاب الإسلام من أربعة لا يعملون بما يعلمون، ويعملون بما لا يعلمون، ولا يتعلمون مالا يعلمون، ويمنعون الناس من العلم.

قلت: هذه نعوت رؤوس العرب والترك وخلق من جهلة العامة، فلو عملوا بيسير ما عرفوا، لأفلحوا، ولو وقفوا عن العمل بالبدع، لوفقوا، ولو فتشوا عن دينهم وسألوا أهل الذكر -لا أهل الحيل والمكر- لسعدوا، بل يعرضون عن التعلم تيهًا وكسلًا، فواحدة من هذه الخلال مردية، فكيف بها إذا اجتمعت؟! فما ظنك إذا انضم إليها كبر، وفجور، وإجرام، وتجهرم على الله؟! نسأل الله العافية.

قال السلمي في "محن الصوفية": لما تكلم محمد بن الفضل ببلخ في فهم القرآن وأحوال الأئمة، أنكر عليه فقهاء بلخ، وقالوا: مبتدع. وإنما ذاك بسبب اعتقاده مذهب أهل الحديث، فقال: لا أخرج حتى تخرجوني، وتطوفوا بي في الأسواق. ففعلوا به ذلك، فقال: نزع الله من قلوبكم محبته ومعرفته. فقيل: لم يخرج منها صوفي من أهلها. فأتى سمرقند، فبالغوا في إكرامه، وقيل: إنه وعظ يومًا، فمات في المجلس أربعة أنفس.

مات سنة سبع عشرة وثلاث مائة. أرخه السلمي، وعبد الرحمن بن مندة، ووهم من قال: سنة تسع عشرة.

ص: 321

‌2818 - ابن فيل:

الشيخ الإمام المحدث الرحال، أبو طاهر الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فيل البالسي، الإمام بمدينة أنطاكية. ارتحل بعد الأربعين ومائتين.

وسمع: أبا كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن سليمان لوينًا، ومالك بن سليمان الحمصي، وسفيان بن وكيع، وعبد الجبار بن العلاء المكي، وعقبة بن مكرم، ومحمد بن مصفى، وكثير بن عبيد، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، ومؤمل بن إهاب، وأحمد بن عبد الله البزي، والحسين بن الحسن المروزي، وإسحاق بن موسى الخطمي، ومحمد بن قدامة المصيصي، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو القاسم الطبراني، وشاكر بن عبد الله المصيصي، وأبو بكر بن المقرئ، وقاضي أذنة؛ علي بن الحسين بن بندار، وآخرون.

وما علمت فيه جرحًا، وله جزء مشهور، فيه غرائب.

مات سنة بضع عشرة وثلاث مائة، وقد قارب التسعين.

وكان أبوه صاحب حديث أيضًا.

يروي عن: أبي جعفر النفيلي، وأحمد بن يونس اليربوعي، وأبي توبة الحلبي، والمعافى بن سليمان الرسعني، وسليمان ابن بنت شرحبيل، وخلق.

حدث عنه: النسائي، وأبو عوانة الإسفراييني، وأبو سعيد بن الأعرابي، وأبو القاسم الطبراني، وعدة.

مات أحمد في سنة أربع وثمانين ومائتين.

ثم وجدت في فوائد عمر بن علي العتكي الأنطاكي، قال: حدثنا أبو الطاهر بن فيل في سنة ثلاث مائة -وكان إمام جامعنا، وتوفي سنة إحدى عشرة وثلاث مائة- ثم روى العتكي، فقال: حدثني أبو بكر محمد بن الحسن بن أحمد بن فيل، حدثنا جدي، ومحمد بن إبراهيم بن كثير الصوري، ومحمد بن أحمد بن برد، وأحمد بن هاشم، وإسحاق بن خلدون بن مرثد البالسي. وقد روى العتكي أيضًا، عن عم ابن فيل، فقال: أخبرنا الحسين ابن إبراهيم بأنطاكية سنة تسع وتسعين ومائتين. فروى عن جماعة.

ص: 322

‌2819 - أحمد بن خطيب دمشق:

وعالمها أبي الوليد هشام بن عمار بن نصير، الإمام، المقرئ، المحدث، المعمر، أبو عبد الله السلمي، الدمشقي.

كان آخر من قرأ القرآن على والده وفاة، وحدث عنه أيضًا.

روى عنه: الطبراني، وأبو هاشم عبد الجبار المؤدب، وأبو بكر بن المقرئ، وحميد بن الحسن الوراق، وغيرهم.

توفي هو وأبو بكر -محمد بن خزيم المحدث- في يوم واحد، يوم الخميس، من جمادى الآخرة، سنة ست عشرة وثلاث مائة، وهو في عشر التسعين.

وما علمت أبا أحمد الحاكم روى عنه شيئًا.

‌2820 - ابن ذيال

(1)

:

هو المحدث الثقة، بقية المشايخ، أبو العباس الفضل بن أحمد بن منصور بن ذيال الزبيدي، البغدادي.

سمع: أحمد بن حنبل، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، وغيرهما.

روى عنه: أبو الفتح القواس، وابن معروف القاضي، ومحمد بن جعفر النجار، وأبو الحسن الدارقطني. وقال: هو ثقة، مأمون.

قلت: العجب أنهم ما أرخوا وفاته.

قال يوسف بن عمر القواس: حدثنا الفضل بن أحمد إملاء سنة سبع عشرة وثلاث مائة، حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا حماد بن سلمة بحديث أبي العشراء الدارمي

، فذكره.

‌2821 - الخثعمي

(2)

:

الإمام الحجة المحدث، أبو جعفر، محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي، الكوفي، الأشناني.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 377"، واللباب لابن الأثير "1/ 537".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "2/ 234"، والعبر "2/ 162"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 219".

ص: 323

قدم بغداد وحدث عن: أبي كريب، وعباد بن يعقوب الرواجني، ومحمد بن عبيد المحاربي، وعدة.

حدث عنه: أبو بكر الجعابي، وأبو الحسين بن البواب، ومحمد بن المظفر، وأبو بكر بن المقرئ، ومحمد بن جعفر ابن النجار الكوفي؛ الذي عاش إلى سنة اثنتين وأربع مائة.

قال الدارقطني: أبو جعفر: ثقة، مأمون.

قلت: ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين، ومات سنة خمس عشرة وثلاث مائة.

وفيها مات الحسين بن محمد بن محمد بن عفير، ومحمد بن المسيب الأرغياني.

ص: 324

‌2822 - ابن عليل:

الإمام المعمر، إمام جامع دمشق، أبو هاشم محمد بن عبد الأعلى بن محمد الأنصاري مولاهم، الدمشقي. عرف: بابن عليل.

حدث عن: هشام بن عمار، وقاسم بن عثمان الجوعي، وطائفة.

روى عنه: ولده؛ إبراهيم، وأبو محمد بن ذكوان، وأبو هاشم عبد الجبار المؤدب، وأبو سليمان بن زبر، وعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، وعبد الوهاب الكلابي، وغيرهم.

قيل: كان يخضب بالحمرة.

وقع لنا من حديثه.

توفي في ربيع الآخر، سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة. قاله: أبو سليمان بن زبر.

‌2823 - بدر بن الهيثم

(1)

:

ابن خلف، القاضي الفقيه الصدوق المعمر، أبو القاسم اللخمي، الكوفي، نزيل بغداد.

ولد بالكوفة، سنة مائتين أو بعدها بعام، ولو سمع: كما ينبغي، لأخذ عن عبيد الله بن موسى، وأبي نعيم، والكبار، ولكنه سمع في الكهولة من: أبي كريب، وأبي سعيد الأشج، وهارون بن إسحاق، وهشام بن يونس، وعمرو بن عبد الله الأودي، وغير واحد.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 107"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 226"، والعبر "2/ 169".

ص: 324

حدث عنه: أبو عمرو بن حيويه، وعمر بن شاهين، وأبو بكر بن المقرئ، وعيسى بن الوزير، وجماعة.

قال الدارقطني: بلغ مائة وسبع عشرة سنة. قال: وكان ثقة، نبيلًا، أدرك أبا نعيم. قال: ودخل على الوزير علي بن عيسى، فقال له: كم سن القاضي؟ قال: ما أدري، لكن ظهر بالكوفة أعجوبة، فركبت مع أبي سنة خمس عشرة ومائتين. رواها بعضهم، فزاد: وركبت مع أبي إلى عامل المأمون، وركبت الآن إلى حضرة الوزير، وبين الركبتين مائة سنة.

وقال أبو حفص بن شاهين: بلغ مائة وست عشرة سنة.

قلت: توفي في شوال، سنة سبع عشرة وثلاث مائة.

أخبرنا أحمد بن إسحاق: أخبرنا الفتح بن عبد الله، أخبرنا هبة الله بن أبي شريك، أخبرنا أحمد بن محمد، حدثنا عيسى بن الوزير، أخبرنا بدر بن الهيثم، حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، حدثنا المغيرة بن جميل الكندي، حدثني سليمان بن علي بن عبد الله، حدثني أبي، عن جدي؛ ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولاء ليس بمتحول ولا بمنتقل".

قال العقيلي: المغيرة: منكر الحديث. ثم ساق له هذا عن شيخ، عن الأشج.

ص: 325

‌2824 - المِيْرمَاهَاني:

الإمام المحدث، الثقة، العالم.

سمع من: إسحاق بن راهويه "تفسيره"، ومن محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، وعلي بن حجر، ومحمد بن حميد الرازي، ومحمد بن رافع، ومحمود بن غيلان، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو بكر أحمد بن علي الرازي، ومحمد بن صالح بن هانئ، وعبد الله بن عدي، ومحمد بن الحسين الحدادي، المروزي، وجماعة.

وحدث بنيسابور وبمرو.

وتوفي في المحرم، سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة.

واسمه: أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد بن يزيد بن متى الخالدي، المروزي، الميرماهاني.

قيل: إنه عاش ستًا وثمانين سنة.

يقع حديثه في تآليف محيي السنة البغوي.

سميه: محمد بن يحيى بن خالد بن مهران النيسابوري، هو: ابن أخت سلمة بن شبيب.

يروي عن: إسحاق بن راهويه، ومحمد بن رافع أيضًا.

حدث في حدود سنة تسعين ومائتين.

ص: 325

‌2825 - المنكدري

(1)

:

الإمام الحافظ البارع، أبو بكر، أحمد بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عمر ابن الإمام القدوة محمد بن المنكدر القرشي، التيمي، المدني، المنكدري، نزيل خراسان.

سمع: عبد الجبار بن العلاء -وهو أقدم شيخ عنده- ويونس بن عبد الأعلى، وهارون بن إسحاق الهمداني، وعلي بن حرب، وأبا زرعة الرازي، وخلقًا كثيرًا من طبقتهم من أصحاب سفيان بن عيينة، ووكيع، ويزيد بن هارون.

حدث عنه: محمد بن صالح بن هانئ، ومحمد بن خالد المطوعي البخاري، ومحمد بن مأمون المروزي، الحافظ، وخلق كثير، وابنه عبد الواحد، ومحمد بن علي بن شاه.

وله رحلة واسعة وجولان في شبابه وشيخوخته.

قال الحاكم: له أفراد وعجائب.

قلت: وهو في "تاريخ دمشق"؛ لأنه سمع في بيروت من العباس بن الوليد، وقد سمع في شيراز من: إسحاق ابن شاذان.

وسكن البصرة مدة، ثم أصبهان، ثم الري، ثم نيسابور.

ومات بمرو، في سنة أربع عشرة وثلاث مائة، عن نيف وثمانين سنة.

‌2826 - الكتاني

(2)

:

القدوة العارف، شيخ الصوفية، أبو بكر محمد بن علي بن جعفر البغدادي، الكتاني.

حكى عن: أبي سعيد الخراز، وإبراهيم الخواص.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "1/ 115"، وتذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 785"، والعبر "2/ 159"، وميزان الاعتدال "1/ 147"، ولسان الميزان "1/ 287"، والنجوم الزاهرة "3/ 216"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 268".

(2)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 631"، وتاريخ بغداد "3/ 74"، والعبر "2/ 194"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 248"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 269".

ص: 326

حكى عنه: جعفر الخلدي، ومحمد بن علي التكريتي، وأبو القاسم البصري، وآخرون.

ومات مجاورًا بمكة.

ومن كلامه، قال: من يدخل في هذه المفازة يحتاج إلى أربعٍ: حالٍ تحميه، وعلمٍ يسوسه، وورعٍ يحجزه، وذكرٍ يؤنسه.

وقال: التصوف خلق، فمن زاد عليك في الخلق، زاد عليك في التصوف.

وعنه، قال: من حكم المريد أن يكون نومه غلبة، وأكله فاقة، وكلامه ضرورة.

قلت: نعم للصادق أن يقل من الكلام والأكل والنوم والمخالطة، وأن يكثر من الأوراد والتواضع، وذكر الموت، وقول لا حول ولا قوة إلَّا بالله.

يقال: ختم الكتاني في الطواف اثني عشر ألف ختمة، وكان من الأولياء.

توفي سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة. ويقال: توفي سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.

ص: 327

‌2827 - أبو علي الروذباري

(1)

:

شيخ الصوفية.

قيل: اسمه: أحمد بن محمد بن القاسم بن منصور. وقيل: اسمه حسن بن هارون.

سكن مصر، صحب: الجنيد، وأبا الحسين النوري، وأبا حمزة البغدادي، وابن الجلاء.

وحدث عن: مسعود الرملي، وغيره. وقال: أستاذي في الفقه: ابن سريج، وفي الأدب: ثعلب، وفي الحديث: إبراهيم الحربي.

وعن الجعابي قال: رحلت إلى عبدان، فأتيت مسجده، فوجدت شيخا، فكلمته، فذاكرني بأكثر من مائتي حديث في الأبواب، وكنت قد سلبت في الطريق، فأعطاني ما عليه، فلما دخل عبدان المسجد، اعتنقه، وبش به، فقلت لهم: من هذا؟ قالوا: هذا أبو علي الروذباري.

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 630"، وتاريخ بغداد "1/ 329"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 272"، والعبر "2/ 195"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 247"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 296".

ص: 327

قيل: سئل أبو علي عمن يسمع الملاهي ويقول: هي حلال لي؛ لأني قد وصلت إلى رتبة لا يؤثر فيه اختلاف الأحوال؟ فقال: نعم، قد وصل، ولكن إلى سقر.

وقال: أنفع اليقين ما عظم الحق في عينك، وصغر ما دونه عندك، وثبت الرجاء والخوف في قلبك.

قال أبو علي الكاتب: ما رأيت أحدا أجمع لعلم الشريعة والحقيقة من أبي علي.

قال أحمد بن عطاء الروذباري: كان خالي أبو علي يفتي بالحديث.

قلت: توفي سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة.

أخذ عنه: ابن أخته، ومحمد بن عبد الله الرازي، وأحمد بن علي الوجيهي، ومعروف الزنجاني، وآخرون.

ص: 328

‌2828 - ابن حربويه

(1)

:

القاضي العلامة، المحدث، الثبت، قاضي القضاة، أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب بن عيسى البغدادي.

سمع: أحمد بن المقدام، والحسن بن عرفة، وزيد بن أخزم، ويوسف بن موسى القطان، والحسن بن محمد الزعفراني، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو حفص بن شاهين، وعدة.

قال أبو بكر البرقاني: ذكرت ابن حربويه للدارقطني، فذكر من جلالته وفضله، وقال: حدث عنه النسائي في الصحيح، ثم قال: لم يحصل لي عنه حرف واحد، وقد مات بعد أن كتبت الحديث بخمس سنين.

قلت: ولي قضاء مصر، فقدمها سنة ثلاث وتسعين.

قال ابن زولاق: كان عالمًا بالاختلاف، والمعاني، والقياس، عارفًا بعلم القرآن والحديث، فصيحًا، عاقلًا، عفيفًا، قوالًا بالحق، سمحًا، متعصبًا، كان أمير مصر تكين يأتي مجلسه، ولا يدعه أن يقوم له، فإذا جاء هو إلى مجلس تكين، مشى له وتلقاه. ولم يكن في

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "1/ 395"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 238"، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي "2/ 258"، والعبر "2/ 176"، وتهذيب التهذيب "7/ 303"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 231"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 281".

ص: 328

زيه ولا منظره بذاك، وكان بوجهه جدري، ولكنه كان من فحول العلماء. قال: الإمام أبو بكر بن الحداد: سمعت أبا عبيد القاضي يقول: ما لي وللقضاء! لو اقتصرت على الوراقة، ما كان خطي بالرديء. وكان رزقه في الشهر مائة وعشرين دينارًا.

قال ابن زولاق: قال: أبو عبيد القاضي: ما يقلد إلَّا عصبي أو غبي. قال: فجمع أحكامه بمصر بما اختاره، وكان أولًا يذهب إلى قول أبي ثور. وكان يورث ذوي الأرحام، وولي قضاء واسط أولا

، إلى أن قال: وأبو عبيد آخر قاض، ركب إليه الأمراء بمصر، وقد تسرى بمصر بجارية، فتجنت عليه، وطلبت البيع، وكان به فتق. ثم ذكر ابن زولاق عدة حكايات تدل على وقار أبي عبيد، ورزانته، وورعه التام، وسعة علمه. قال: وحدث عنه في سنة ثلاث مائة النسائي.

قال الشيخ محيي الدين النواوي: كان من أصحاب الوجوه، تكرر ذكره في "المهذب"، و"الروضة".

وقال أبو سعيد بن يونس: هو قاضي مصر، أقام بها طويلًا، كان شيئًا عجبًا، ما رأينا مثله، لا قبله ولا بعده، وكان يتفقه لأبي ثور، وعزل عن القضاء سنة إحدى عشرة؛ لأنه كتب يستعفي من القضاء، ووجه رسولًا إلى بغداد يسأل في عزله، وأغلق بابه، وامتنع من الحكم، فأعفي، فحدث حين جاء عزله، وأملى مجالس، ورجع إلى بغداد. وكان ثقة، ثبتًا.

حدث عن: زيد بن أخزم، وأحمد بن المقدام، وطبقتهما.

قال الخطيب: توفي ابن حربويه في صفر، سنة تسع عشرة وثلاث مائة، وصلى عليه أبو سعيد الاصطخري.

ص: 329

‌2829 - الشهيد

(1)

:

الإمام الحافظ، الناقد المجود، أبو الفضل محمد بن أبي الحسين أحمد بن محمد بن عمار بن محمد بن حازم بن المعلى بن الجارود الجارودي، الهروي، الشهيد.

سمع: أحمد بن نجدة بن العريان، والحسين بن إدريس، ومعاذ بن المثنى، وأحمد بن إبراهيم بن ملحان، ومحمد ابن عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، وأقرانهم بخراسان وبالعراق.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 815"، والعبر "2/ 169"، وشذرات الذهب "2/ 275".

ص: 329

وهو من أقران الطبراني، وابن عدي، وإنما كتب هنا لقدم وفاته، فافهم ذلك، ولو أنني أخرته إلى عصر أقرانه، لساغ أيضًا.

وقد سمع بنيسابور من أبي العباس الثقفي.

حدث عنه: أبو علي الحافظ، وأبو الحسين الحجاجي، وعبد الله بن سعد -حفاظ نيسابور- ومحمد بن أحمد بن حماد الكوفي، وأبو الحسين بن المظفر، وغيرهم.

قال الحاكم: سمعت بكير بن أحمد الحداد بمكة يقول: كأني أنظر إلى الحافظ محمد بن أبي الحسين وقد أخذته السيوف، وهو متعلق بيديه جميعًا بحلقتي الباب، حتى سقط رأسه على عتبة الكعبة سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة. هكذا قال، فوهم، إنما كان ذلك سنة سبع عشرة وثلاث مائة، في ذي الحجة، عام اقتلع الحجر الأسود، وردم بئر زمزم بالقتلى على يد القرامطة.

وقتل معه أخوه؛ المحدث أبو نصر أحمد، وقد سمعا من جدهما للأم؛ أبي سعد يحيى بن منصور الزاهد الهروي.

وقد خرج الحافظ أبو الفضل "صحيحًا" على رسم "صحيح مسلم"، ورأيت له جزءًا مفيدًا، فيه بضعة وثلاثون حديثًا من الأحاديث التي بين عللها في "صحيح مسلم". وأقدم شيخ لقيه: عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ. ولعله لم يبلغ خمسين سنة رحمه الله ولهذا لم يشتهر حديثه.

أخبرنا إبراهيم بن علي الفقيه في "كتابه"، أخبرنا محمد بن عصية، وزكريا العلبي، وعبد الرحمن بن صيلاء، قالوا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ، أخبرنا الحسين بن إسحاق، أخبرنا محمد ابن عمر بن حفصويه، حدثنا أبو الفضل الشهيد، حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي، حدثنا علي بن عثمان اللاحقي، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ذروني ما تركتكم"

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "7288"، ومسلم "1337".

ص: 330

‌2830 - الجوهري

(1)

:

القاضي العلامة، أبو علي، عبد الرحمن بن إسحاق بن محمد بن معمر بن حبيب السامري، الجوهري.

"روى" عن: علي بن حرب، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، والربيع بن سليمان.

وثقه ابن يونس.

روى عنه: الطبراني، وابن المقرئ، وجماعة.

توفي سنة عشرين وثلاث مائة، من أبناء السبعين.

ناب في القضاء بمصر، بل استقل به، وكان الذي استنابه مقيما ببغداد، وهو هارون بن إبراهيم بن حماد.

قال ابن زولاق: كان فقيهًا، حاسبًا، خبيرًا، عاقلًا، له حلقة، وكان يتأدب مع الطحاوي، ويقول: هو أسن مني، والقضاء أقل من أن أفخر به. ثم عزل بعد سنة وشهرين.

حدث عن: علي بخمسين جزءا، وعن الربيع بأكثر كتب الشافعي.

مات في ربيع الآخر من العام.

‌2831 - أبو نعيم بن عدي

(2)

:

الإمام الحافظ الكبير الثقة، أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني، الأستراباذي، الفقيه، الشافعي.

قال حمزة بن يوسف: ولد سنة اثنتين وأربعين ومائتين. قال: وكان مقدمًا في الفقه والحديث، وكانت الرحلة إليه.

قلت: سمع: علي بن حرب الطائي، والحسن بن محمد الزعفراني، وعمر بن شبة النميري، والربيع المرادي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، والعباس بن الوليد البيروتي، وعلي بن عثمان النفيلي، ومحمد بن عيسى الدامغاني، وأبا عتبة أحمد بن الفرج الحجازي،

(1)

ترجمته في حسن المحاضرة للسيوطي "2/ 145".

(2)

ترجمته في تاريخ جرجان للسهمي "235 - 236"، وتاريخ بغداد "10/ 428"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 245"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 803"، والعبر "2/ 198"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 251"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 299".

ص: 331

وأحمد بن منصور الرمادي، وسليمان بن سيف، ويزيد بن عبد الصمد، ويوسف بن مسلم، وإسحاق بن إبراهيم الطلقي، وعمار بن رجاء، وخلقًا كثيرًا بخراسان، والعراق، والحجاز، والشام، والجزيرة.

ولقي بمكة: أبا يحيى بن أبي مسرة.

حدث عنه: أبو محمد بن صاعد، والحافظ أبو علي النيسابوري، وأبو القاسم الطبراني، وأبو إسحاق المزكي، وأبو بكر الجوزقي، وأبو محمد المخلدي، وأبو الحسين أحمد بن محمد البحيري، وأبو بكر بن مهران المقرئ، وعدة.

قال الحاكم: هو الفقيه الحافظ للمسانيد والفقهيات عن الصحابة والتابعين.

وقال الخطيب: كان أحد أئمة المسلمين، ومن الحفاظ لشرائع الدين، مع صدق وتورع، وضبط وتيقظ.

قال الحاكم: سمعت الأستاذ أبا الوليد يقول: لم يكن في عصرنا أحد من الفقهاء أحفظ للفقهيات وأقاويل الصحابة بخراسان من أبي نعيم الجرجاني، وبالعراق من أبي زياد النيسابوري.

الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: كان أبو نعيم الجرجاني أحد الأئمة، ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثله -أو قال: أفضل منه- كان يحفظ الموقوفات والمراسيل كما نحفظ نحن المسانيد.

وقال أبو نعيم الجرجاني: قد تواترت الأخبار في عدد التكبير على الجنائز أربعًا، وأشهرها وأصحها: حديث الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة

(1)

، إلَّا أنه في التكبير على الغائب.

وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الطلقي، حدثنا محمد بن خالد الرازي، حدثنا أبو يوسف القاضي، عن عطاء بن عجلان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على ابنه أربعًا"

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري "1333" ومسلم "921"، وأبو داود "3204"، وابن ماجه "1534"، وأحمد "2/ 241 و 280".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "1382"، من حديث البراء، به.

وأخرجه ابن ماجه "1511"، من حديث ابن عباس.

ص: 332

قال: وتواترت الأخبار على شدة حزنه عليه -يعني: ابنه- وأنه مشى خلف جنازته حافيًا، وأنه أخذ عن جبريل، عن الله -تعالى:"أن له في الجنة مرضعًا تتم رضاعه"

(1)

.

وحدثنا أبو معين الحسين بن الحسن الرازي، حدثنا ابن أبي مريم، قال: كنا عند مالك، فجعل الناس يذكرون أحاديث لا يأخذ بها أهل المدينة، فقال مالك: ماذا عند الناس من هذه الأحاديث؟ ثم قال مالك: وودت بأني أضرب بكل حديث حدثت به -مما لا يؤخذ به- سوطا، وأني لم أحدث به.

قال حمزة السهمي: توفي أبو نعيم بأستراباذ، في ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة، عن نيف وثمانين سنة.

قال الحاكم: سمعت علي بن محمد بن شعيب الأستراباذي يقول: توفي أبو نعيم بعد منصرفه من بخارى، سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة.

قال الحاكم: سمعت إسماعيل بن أحمد الجرجاني، سمعت أبا نعيم، سمعت عمار بن رجاء، سمعت يزيد بن هارون يقول -وسئل عن حديث- فقال: إنا واسطيون. يعني: تغافل كأنك واسطي.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، عن أبي اليمن الكندي، أخبرنا علي بن عبد السلام، حدثنا الشيخ أبو إسحاق، قال: ومنهم: أبو نعيم الأستراباذي صاحب الربيع.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر المستملي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الأديب، أخبرنا الأستاذ أبو بكر بن مهران المقرئ، حدثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد الفقيه، حدثنا محمد بن سعيد بن غالب العطار، حدثنا أبو قطن، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لو يعلمون ما في الصف المقدم، كانت قرعة".

غريب، تفرد به أبو قطن عمرو بن الهيثم، أخرجه مسلم

(2)

عن ابن حرب النشائي، عنه. واسم أبي رافع: نفيع الصائغ.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز، أخبرنا زاهر، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي،

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "1382"، وأحمد "4/ 284 و 288 و 297 و 300" من حديث البراء مرفوعا بلفظ:"إن له مرضعا في الجنة".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "439".

ص: 333

أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد البحيري، حدثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد، حدثنا محمد بن عوف، حدثنا عثمان بن سعيد الحمصي، أخبرنا عيسى بن إبراهيم القرشي، عن زهير بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقولن أحدكم للمسجد: مسيجد، فإنه بيت الله، يذكر الله فيه، ولا يقولن أحدكم: مصيحف، فإن كتاب الله أعظم من أن يصغر، ولا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي، كلكم عباد وإماء، ولا يقولن للرجل: رويجل، ولا للمرأة مرية".

هذا حديث منكر، شبه موضوع، لا يحتمله زهير التميمي، وإن كان كثير المناكير، بل آفته عيسى، فإنه غير ثقة.

وفي سنة ثلاث: مات الحافظ المتهم؛ أبو بشر أحمد بن محمد بن عمرو الكندي، المصعبي، المروزي.

وحافظ بغداد؛ أبو طالب أحمد بن نصر بن طالب.

وشيخ النحو؛ إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكي نفطويه.

والمحدث؛ أبو علي إسماعيل بن العباس الوراق ببغداد.

والفقيه؛ أبو الحسن علي بن محمد بن هارون الحميري، الكوفي، صاحب أبي كريب.

وأبو عبيد القاسم بن إسماعيل المحاملي.

وأبو الحسن محمد بن أحمد بن عمارة الدمشقي.

والمحدث؛ أبو عمران موسى بن العباس الجويني.

وعبيد الله بن عبد الرحمن السكري، البغدادي.

ص: 334

‌2832 - الإسفراييني

(1)

:

الإمام الحافظ الناقد المتقن الأوحد، أبو بكر عبد الله بن محمد بن مسلم الإسفراييني، أحد الرحالين. ويقال له: الجوربذي؛ من قرية جوربذ.

سمع: يونس بن عبد الأعلى، والحسن بن محمد الزعفراني، ومحمد بن يحيى، وأبا زرعة، والعباس بن الوليد البيروتي، وأبا بكر الصغاني، وطبقتهم.

(1)

ترجمته في اللباب لابن الأثير "1/ 306"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 784"، والعبر "2/ 173"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 228"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 279".

ص: 334

حدث عنه: أبو عبد الله بن الأخرم، وأبو علي النيسابوري، وأبو أحمد الحاكم، وأبو طاهر محمد بن الفضل بن خزيمة، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر بن مهران المقرئ، وآخرون. ولقي بمنبج حاجب بن سليمان.

وجمع وصنف.

ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين. ومات في سنة ثمان عشرة وثلاث مائة. أرخه الحاكم أبو عبد الله، وقال: هو ختن بديل الإسفراييني، من الأثبات المجودين في أقطار الأرض.

أخبرنا أبو الفضل بن تاج الأمناء، أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعد الأديب، أخبرنا أبو بكر بن مهران، حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم، حدثنا يوسف بن مسلم، حدثنا خلف بن تميم، حدثنا أبو رجاء عبد الله بن واقد الهروي، عن الضحاك، عن ابن عباس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم إلَّا ولله فيه عتقاء يعتقهم من النار، إلَّا يوم الجمعة، فإنه ما فيه ساعة إلَّا ولله عتقاء يعتقهم من النار".

تفرد به: أبو رجاء، وهو لين الحديث.

ص: 335

‌2833 - أسلم

(1)

:

ابن عبد العزيز بن هاشم بن خالد، العلامة، الحافظ، قاضي القضاة بالأندلس، أبو الجعد الأموي مولاهم، الأندلسي، القرطبي، الفقيه، المالكي، أحد الأعلام، من ذرية أبان مولى عثمان، رضي الله عنه.

ارتحل سنة ستين ومائتين. وأخذ عن: يونس بن عبد الأعلى، وأبي إبراهيم المزني، والربيع المرادي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ورجع بإسناد عال، وعلم جم، ولازم بقي بن مخلد مدة طويلة.

وكان إمامًا فقيهًا، محدثًا، رئيسًا، نبيلًا، معظمًا، بعيد الصيت.

ولي قضاء الجماعة للناصر لدين الله، وكان حميد السيرة، شديدًا على الشهود المريبين، وهو أخو هاشم بن عبد العزيز.

حدث عنه جماعة.

قال أبو سعيد بن يونس: مات في رجب، سنة تسع عشرة وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 237"، والعبر "2/ 175"، وشذرات الذهب "2/ 281".

ص: 335

‌2834 - ابن عمروس:

الإمام، محدث همذان، أبو إسحاق إبراهيم بن عمروس بن محمد الفسطاطي، الفقيه.

روى عن: أبي عمار المروزي، وعبد الرحمن بن بشر، والعباس بن يزيد البحراني، وعبد الحميد بن عصام، وأحمد بن بديل، وحميد بن زنجويه، والبخاري، وخلق.

قال صالح بن أحمد التميمي: سمعت منه مع أبي، وقرأت عليه بعض فوائده، وهو صدوق.

توفي في سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة.

‌2835 - المروزي:

الشيخ الإمام، المسند الصدوق، أبو الحسن محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم المروزي، خاتمة أصحاب علي بن حجر.

حدث عن: علي بن حجر، وعلي بن خشرم، والحسن بن أبي الربيع، وسلمة بن شبيب -لقيه بمكة- والربيع ابن سليمان المرادي، ويونس بن عبد الأعلى، وعبيد الله بن جرير، ابن جبلة، وعباس الدوري، وطائفة في رحلته.

وقدم نيسابور سنة نيف وعشرين وثلاث مائة، فأملى بها، ولم أر الحاكم ذكره في "تاريخه".

روى عنه: أبو أحمد محمد بن محمد بن مكي الجرجاني، وطاهر بن محمد بن سهلويه، وأبو محمد بن الحسن ابن أحمد المخلدي، ومحمد بن الحسين العلوي -شيخ البيهقي. والعلوي خاتمة من روى عنه، فحديثه أعلى شيء وقع للحافظ البيهقي. ولم أظفر له بوفاة.

كتب إلي أبو حامد محمد بن عبد الكريم الخطيب، وجماعة: أنبأهم القاسم بن أبي سعيد الشافعي، أخبرنا وجيه بن طاهر، أخبرنا أبو حامد الأزهري، أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي، حدثنا محمد بن إسماعيل بن إسحاق المروزي إملاء بنيسابور، حدثنا علي بن حجر، حدثنا محمد بن عمار الأنصاري، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله شيئًا، ما أعطى كافرًا منها شيئًا"

(1)

.

(1)

صحيح لغيره: أخرجه الترمذي "2320" وابن ماجه "4110"، وأبو نعيم في "الحلية""3/ 253" من طريق عبد الحميد بن سليمان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، به مرفوعا.

قلت: إسناده ضعيف، آفته عبد الحميد هذا، فإنه ضعيف، قال ابن معين: ليس بشيء.

وله شاهد عن ابن عمر: عند الخطيب في "تاريخه""4/ 92"، والقضاعي في "مسند الشهاب""1439".

وله شاهد آخر عن أبي هريرة: عند القضاعي في "مسند الشهاب""1440".

وشاهد ثالث عن ابن عباس: عند أبي نعيم في الحلية "3/ 403" و"8/ 290".

ص: 336

‌2836 - الفضل بن الخَصيب

(1)

:

ابن العباس بن نصر، المحدث، الصدوق، الرحال، أبو العباس الأصبهاني، الزعفراني.

حدث عن: أبي يحيى بن المقرئ، وأحمد البزي، وسلمة بن شبيب، وحميد بن مسعدة، والحسن بن محمد الزعفراني، ومحمد بن عبد الله بن المستورد، وأحمد بن الفرات، ومحمد ابن وزير الواسطي، وأحمد بن الخليل، ومحمد بن عبد الله المخرمي، وهارون بن موسى الفروي، والنضر بن سلمة، وطبقتهم.

حدث عنه: عبد الله بن أحمد -والد أبي نعيم- والقاضي أبو أحمد العسال، والحسن بن عبد الله بن سعيد، وأبو بكر بن المقرئ، والحسن بن علي بن أحمد بن البغدادي، وآخرون.

وهو من مشاهير الأصبهانيين.

قال أبو نعيم: توفي في شهر رمضان، سنة تسع عشرة وثلاث مائة.

أنبأنا أحمد بن سلامة، عن أبي جعفر القرطبي، أخبرنا أبو القاسم الحافظ، أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن أحمد بن سليمان بن البغدادي، أخبرنا محمود بن جعفر الكوسج، أخبرنا الحسن بن علي بن البغدادي، حدثنا الفضل بن الخصيب، حدثنا محمد بن الوزير الواسطي، حدثنا معتمر، عن ليث، عن عدي بن عدي، قال: قال عمر بن الخطاب: "لقد هممت أن أنظر: فمن أتى له أربعون سنة فلم يحج ولم يكن له عهد، إلَّا ضربت عليه الجزية"

(2)

. غريب.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 154".

(2)

ضعيف: فيه ليث، وهو ابن أبي سليم، وهو ضعيف بالاتفاق. ثم هو منقطع بين عدي بن عدي وعمر بن الخطاب؛ فإنه لم يدركه.

ص: 337

‌2837 - الأعمشي

(1)

:

الإمام الحافظ الثبت المصنف أبو حامد أحمد بن حمدون بن أحمد بن عمارة بن رستم النيسابوري، الأعمشي، لقب ببغداد بالأعمشي لحفظه حديث الأعمش، واعتنائه به.

سمع: محمد بن رافع، وإسحاق بن منصور، وعلي بن خشرم، والزعفراني، ومحمد بن عثمان بن كرامة، وأبا سعيد الأشج، ويحيى بن حكيم، وزيادة بن يحيى الحساني، وأبا زرعة الرازي، ومحمد بن المهلب السرخسي، وطبقتهم.

وكان من كبار الحفاظ.

روى عنه: أبو الوليد الفقيه، وأبو علي الحافظ، وعبد الله بن سعد، وأبو إسحاق المزكي، وأبو سهل الصعلوكي، وأبو أحمد الحاكم، ويحيى بن إسماعيل الحراني، وآخرون.

قال الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: حدثنا أحمد بن حمدون -إن حلت الرواية عنه، قلت: وكان يلقب أبا تراب- قال: الحاكم فقلت لأبي علي: أهذا الذي تذكره من جهة المجون والسخف الذي كان، أو لشيء أنكرته منه في الحديث؟ قال: بل من جهة الحديث.

قلت: فما أنكرت عليه؟ قال: حديث عبيد الله بن عمر، عن عبد الله بن الفضل. قلت: قد حدث به غيره، فأخذ يذكر أحاديث حدث بها غيره. فقلت: أبو تراب مظلوم في كل ما ذكرته. ثم حدثت أبا الحسين الحجاجي بهذا، فرضي كلامي فيه، وقال: القول ما قلته. ثم تأملت أجزاء كثيرة بخطه، فلم أجد فيها حديثًا يكون الحمل فيه عليه، وأحاديثه كلها مستقيمة.

وسمعت أبا أحمد الحافظ يقول: حضرت ابن خزيمة يسأل أبا حامد الأعمشي: كم روى الأعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد؟ فأخذ أبو حامد يسرد الترجمة، حتى فرغ منها، وأبو بكر يتعجب منه.

وسمعت محمد بن حامد البزاز يقول: دخلنا على أبي حامد الأعمشي، وهو عليل، فقلت: كيف تجدك؟ قال: أنا بخير، لولا هذا الجار -يعني: أبا حامد الجلودي؛ راوية أحمد بن حفص- ثم قال: يدعي أنه عالم، ولا يحفظ إلَّا ثلاثة كتب: كتاب "عمى القلب"، وكتاب "النسيان"، وكتاب "الجهل". دخل علي أمس وقد اشتدت بي العلة، فقال: يا أبا

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 795"، والعبر "2/ 185"، وميزان الاعتدال "1/ 94"، ولسان الميزان "1/ 164"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 241"، وشذرات الذهب "2/ 288".

ص: 338

حامد! علمت أن زنجويه مات؟ فقلت: رحمه الله. فقال: دخلت اليوم على المؤمل بن الحسن وهو في النزع. ثم قال: يا أبا حامد! كم لك؟ قلت: أنا في السادس والثمانين. فقال: إذًا أنت أكبر من أبيك يوم مات. فقلت: أنا -بحمد الله- في عافية، جامعت البارحة مرتين، واليوم فعلت كذا. فخجل، وقام.

قلت: قيل: إن صاحب الترجمة هو ولد الزاهد حمدون القصار؛ أحد مشايخ الطريق.

مات أبو حامد في ربيع الأول، سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، وقد قارب التسعين.

أخبرنا علي بن بقاء، ومحمد بن حازم، قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن نجم، أخبرتنا الكاتبة شهدة، أخبرنا ظريف بن محمد، أخبرنا عمرو بن محمد بن أحمد البحيري، أخبرنا إبراهيم بن محمد المحفوظي، أخبرنا أحمد بن حمدون، أخبرنا محمد بن يحيى، ومحمد بن مسلم، وأبو زرعة، ويعقوب بن سليمان، وعباس بن محمد، والصغاني، قالوا: حدثنا عارم، حدثنا حماد بن زيد، عن أبان بن تغلب، عن الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير، كان له كأجر فاعله".

رواه مسلم

(1)

من وجه آخر، عن الأعمش.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "1893"، وأبو داود "5129"، والترمذي "2675".

ص: 339

‌2838 - أبو عمر القاضي

(1)

:

الإمام الكبير، قاضي القضاة، أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل ابن عالم البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم، البصري، ثم البغدادي، المالكي.

سمع: أباه الحافظ يوسف القاضي -صاحب السنن- ومحمد بن الوليد البسري، والحسن بن أبي الربيع الجرجاني، وزيد بن أخزم، وطبقتهم.

حدث عنه: الدارقطني، والقاضي أبو بكر الأبهري، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو القاسم بن حبابة، وعيسى بن الوزير، وعدة.

مولده بالبصرة في سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وولي قضاء مدينة المنصور في سنة أربع وثمانين، وكان عديم النظير عقلًا وحلمًا وذكاءً، بحيث إن الرجل كان إذا بالغ في وصف

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 401"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 246"، والعبر "2/ 183"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 235"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 286".

ص: 339

شخص، قال: كأنه أبو عمر القاضي. ثم قلده المقتدر بالله قضاء الجانب الشرقي، وعدة نواح، ثم قلده قضاء القضاة سنة سبع عشرة وثلاث مائة.

حمل الناس عنه علمًا واسعًا من الحديث والفقه، ولم ير أجل من مجلسه للحديث: البغوي عن يمينه، وابن صاعد عن شماله، وابن زياد النيسابوري، وغيره بين يديه.

وكان يذكر أن جده لقنه حديثًا، فحفظه وله أربع سنين، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن الحسن، قال: لا بأس بالكحل للصائم.

قال الخطيب: هو ممن لا نظير له في الأحكام عقلا، وذكاء، واستيفاء للمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة.

وقيل: كان الرجل إذا امتلأ غيظًا، يقول: لو أني أبو عمر القاضي ما صبرت.

استخلف ولده على قضاء الجانب الشرقي.

وقد كتب الفقه عن: إسماعيل القاضي، سوى قطعة من التفسير، وعمل "مسندًا" كبيرًا، قرأ أكثره على الناس.

ومات سنة عشرين وثلاث مائة، رحمه الله.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد الله، أخبرنا هبة الله بن الحسين، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى بن الوزير: قرئ على القاضي أبي عمر محمد بن يوسف -وأنا أسمع- قيل له: حدثكم الحسن ابن أبي الربيع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به خمسين صلاة، ثم نقصت حتى جعلت خمسًا، فقال الله عز وجل:"إن لك بالخمس خمسين، الحسنة بعشر أمثالها".

أصل الحديث في الصحاح لأنس بن مالك

(1)

وغيره، وهذا إسناد لين من جهة أبي هارون.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "3207" من حديث أنس بن مالك، به.

ص: 340

‌2839 - الدَّغُولي

(1)

:

الإمام العلامة، الحافظ المجود، شيخ خراسان، أبو العباس محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السرخسي، الدغولي.

قال الحاكم في كتاب "مزكي الأخبار": كان أبو العباس أحد أئمة عصره بخراسان في اللغة، والفقه، والرواية، أقام بنيسابور مستفيدًا على محمد بن يحيى الذهلي، وعبد الرحمن بن بشر وأقرانهما سنين، وكتب بالعراق والحجاز عن: محمد بن إسماعيل الأحمسي، وأقرانه.

قلت: روى عن الزعفراني، وسعدان بن نصر، وأحمد بن المقدام العجلي، وأحمد بن سيار، وأحمد بن زهير، ومسلم بن الحجاج، ومحمد بن عبد الله بن قهزاذ، ومحمد بن مشكان، وأحمد بن حفص بن عبد الله، ومحمد بن الكريم العبدي، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، ومحمد بن الجهم، وأبي قلابة، والحسن بن أبي ربيع، وعلي بن الحسين بن أبي عيسى، وأبي يحيى بن أبي مسرة، وأحمد بن أبي غرزة، ومحمد بن المهلب السرخسي، وعبد الله بن هاشم الطوسي، وأبي زرعة الرازي، وأحمد بن يوسف السلمي، وأحمد بن الأزهر، وطبقتهم.

وصنف، وجمع.

حدث عنه: أبو حاتم بن حبان، وأبو أحمد بن عدي، وأبو الوليد الفقيه، ومحمد بن أحمد الكرابيسي، ويحيى بن عمرو البستي، وأبو عبد الله بن أبي ذهل، وأبو بكر الجوزقي، وجعفر بن محمد بن الحارث، والحافظ أبو علي النيسابوري، وآخرون.

وله كتاب: "الآداب"، وكتاب:"فضائل الصحابة"، وأشياء.

الحاكم: سمعت الأستاذ أبا الوليد يقول: قيل لأبي العباس الدغولي: لم لا تقنت في صلاة الفجر؟ فقال: لراحة الجسد، وسنة أهل البلد، ومداراة الأهل والولد.

الحاكم: سمعت أبا سعيد محمد بن أحمد الكرابيسي بسرخس يقول: قدم علينا أبو أحمد عبد الله بن عدي سرخس متوجها إلى بخارى، فلما انصرف إلينا، قيل له: ما رأينا بهذه الديار مثل أبي العباس الدغولي، فقال: أيش هذا؟ ما رأيت أنا طول رحلتي مثل أبي العباس.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 807"، والعبر "2/ 205"، وشذرات الذهب "2/ 307".

ص: 341

وقال أبو بكر بن علي بن الحسين الحافظ: خرجنا مع الإمام أبي بكر بن خزيمة إلى سمرقند لتهنئة الأمير الشهيد، والتعزية عن الأمير أبي إبراهيم الماضي، فلما انصرفنا، قلت لأبي خزيمة: ما رأينا في سفرنا مثل أبي العباس الدغولي. فقال أبو بكر: ما رأيت أنا مثل أبي العباس.

قلت: ما أطلق ابن خزيمة هذا القول إلَّا عن أمر كبير من سعة علم أبي العباس، رحمه الله.

قال الحاكم: سمعت يحيى بن عمرو البستي يقول: سمعت أبا العباس الدغولي يقول لأبي حسين الحجاجي: أيش حال أبي علي الحافظ؟ وما الذي يصنفه الآن؟ قال: هو ذا يرد على مسلم بن الحجاج. فأنشأ يقول:

يقضى للحطيئة ألف بيتٍ

كذاك الحي يغلب كل ميت

كذلك دعبل يرجو سفاهًا

وحمقًا أن ينال مدى الكميت

إذا ما الحي ناقض حشو قبرٍ

فذلكم ابن زانية بزيت

قال ابن أبي ذهل: سمعت أبا العباس الدغولي يقول: أربع مجلدات لا تفارقني في السفر والحضر، وإذا خرجت من البلد: كتاب "المزني"، وكتاب "العين"، و"تاريخ البخاري"، وكتاب "كليلة ودمنة".

الحاكم: حدثني جعفر بن محمد بن الحارث، حدثنا أبو العباس الدغولي، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا يحيى الوحاظي، حدثتنا أم هاشم مولاة عبد الله بن بسر، قالت: بينما أنا أوضئ عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم إذ خر مغشيًا عليه -تعني: مات فجأة.

قال الحاكم: قال الدغولي: في العلماء جماعة فقدوا فجأة، فلم يوجدوا، منهم: عبد الرحمن بن أبي ليلى، فقد يوم الجماجم، ومنهم: معمر بن راشد ولم تعرف له تربة قط، وبدل بن المحبر افتقد ولا يدرى أين ذهب. ثم سمى جماعة ماتوا فجأة: كالشعبي، وحميد الطويل، والأوزاعي.

قال الحاكم: سألت محمد بن عبد الرحمن بن الدغولي عن وفاة جده، فقال: في سنة خمس وعشرين وثلاث مائة.

قرأت على شرف الدين أحمد بن أبي الحسين الدمشقي في سنة ثلاث وتسعين وست مائة، عن أبي روح الهروي، أخبرنا أبو القاسم الشحامي سنة سبع وعشرين وخمس مائة،

ص: 342

أخبرنا أبو يعلى إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني، أخبرنا أبو بكر الجوزقي، أخبرنا أبو العباس الدغولي، وأبو حامد بن الشرقي، ومكي بن عبدان، قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن بشر، حدثنا بهز، حدثنا شعبة، حدثني محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب، وأبوه أنهما سمعا موسى بن طلحة يخبر عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: أن رجلًا قال: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة. فقال القوم: ما له، ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرب ماله". وقال: "تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتصل الرحم، ذرها" كأنه كان على راحلته

(1)

. لفظ الشرقي.

أخرجه البخاري ومسلم جميعًا، عن عبد الرحمن، فوقع موافقة لهما بعلو.

أخبرتنا أم الفضل زينب بنت عمر بن كندي ببعلبك، عن أم المؤيد زينب بنت أبي القاسم، أخبرنا أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم، أخبرنا محمد بن علي الخشاب، أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الحافظ، أخبرنا أبو العباس الدغولي، ومكي بن عبدان، قالا: حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله -تعالى ذكره- ليعجب من الرجلين يقتل أحدهما الآخر، فيدخلان الجنة". زاد الدغولي في حديثه: "فقال سفيان: يكون هذا كافرًا، وهذا مسلمًا، فيقتل الكافر المسلم، ثم يرزق الله الكافر التوبة فيسلم، فيقتل، فيدخل الجنة"

(2)

. متفق عليه، وما اتصل علوه لي إلَّا من هذا الوجه.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "1396"، ومسلم "13".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "2826"، ومسلم "1890"، والنسائي "6/ 38 - 39".

ص: 343

‌2840 - ثابت بن حزم

(1)

:

ابن عبد الرحمن بن مطرف، العلامة الإمام الحافظ، أبو القاسم السرقسطي، الأندلسي، اللغوي، صاحب كتاب "الدلائل".

أخذ عن: محمد بن وضاح، محمد بن عبد السلام الخشني، وفي الرحلة عن النسائي، وأبي بكر البزار، ومحمد ابن علي الجوهري الصائغ، وعدة.

قال ابن الفرضي: كان عالمًا، مفتيًا، بصيرًا بالحديث، والنحو، واللغة، والغريب،

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 203"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 839"، والعبر "2/ 155"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 266".

ص: 343

والشعر. إلى أن قال: توفي في رمضان، سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة. وله مصنفات مفيدة. وقد ولي قضاء سرقسطة.

وكان ولده من الأذكياء المعدودين، مات بعد الثلاث مائة شابا، وهو: قاسم بن ثابت.

وقال أبو سعيد بن يونس: مات ثابت في سنة أربع عشرة وثلاث مائة.

قال أبو الربيع بن سالم: ومن تآليف بلادنا كتاب "الدلائل" في الغريب، مما لم يذكره أبو عبيد ولا ابن قتيبة لقاسم ابن ثابت السرقسطي، احتفل في تأليفه، ومات قبل إكماله، فأكمله أبوه. وكان سماعهما واحدًا، ورحلتهما واحدة، سمعته من ابن حبيش، قال: حدثنا به جعفر بن محمد بن مكي، حدثنا ابن سراج، عن يونس بن عبد الله القاضي، عن العباس بن عمر الصقلي، عن ثابت بن قاسم بن ثابت، عن جده قراءة، وعن ابنه إجازة، وهذا عكس المعهود.

ومات أبوه نحو سنة اثنتين وثلاث مائة، وذكروا أنه عرض قضاء بلده عليه، فأباه، فأراد أبوه الحمل عليه في ذلك، فسأله إنظاره ثلاثًا، فتوفي فيها، فكانوا يرون أنه دعا على نفسه بالموت، وكان معروفًا بإجابة الدعوة، وكتب أبو علي القالي هذا الكتاب، وكان يقول: لم يوضع بالأندلس مثله.

ص: 344

‌2841 - عبد الله بن مظاهر

(1)

:

الحافظ البارع، أحد الأذكياء الأفراد، أبو محمد الأصبهاني.

بلغنا أنه حفظ "المسند" جميعه، ثم شرع في حفظ أقوال الصحابة.

أخذ عن: يوسف القاضي، ومطين، وأبي خليفة، وأقرانهم، ومات شابًا.

حدث عنه: رفيقه؛ أبو الشيخ وهو من طبقته، وإنما تقدم موته، فإنه توفي سنة أربع وثلاث مائة.

‌2842 - القاضي الخياط:

الإمام المحدث الحافظ، القاضي، الورع، أبو عبد الله محمد بن علي المروزي، أحد السادات والأولياء.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 72"، وتاريخ بغداد "10/ 179"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 855"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 243".

ص: 344

عرف بالخياط؛ لأنه كان يخيط على الأيتام والمساكين حسبة.

ولد سنة بضع وثلاثين ومائتين.

وسمع: علي بن خشرم، ومحمود بن آدم، وأحمد بن سيار الحافظ، وخلقًا سواهم. ثم سئل الرواية، فما كان يحدث إلَّا باليسير في المذاكرة.

ولي قضاء القضاة بنيسابور، في سنة ثمان وثلاث مائة، إلى أن استعفى سنة إحدى عشرة، ورد خريطة الحكم إلى الرئيس أبي الفضل البلعمي، فما شرب لأحد ماء، ولا ظفر له بزلة. وكان لا يدعو سماع الحديث أيام قضائه، ويحضر مجلس أبي العباس السراج.

بالغ الحاكم في تعظيمه، وقال: سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: مررت أنا وأبو الحسن الصباغ على مسجد رجاء، والقاضي الخياط جالس، وكاتبه بحذائه، فقلنا: نحتسب ونتقدم إليه، ويدعي أحدنا على الآخر. فادعيت أني سمعت في كتاب هذا وليس يعيرني سماعي، فسكت ساعة، ثم قال: بإذنك السمع في كتابك؟ قال: نعم. قال: فأعره سماعه.

وقال الحاكم: سمعت أبي يقول: كان القاضي محمد بن علي المروزي طول أيامه يسكن دار ابن حمدون بحذاء دارنا، وكنت أعرفه يخيط بالليل -وإذا تفرغ بالنهار- للأيتام والضعفاء، ويعدها صدقة.

سمعت محمد بن عبدان خادم الجامع يقول: كان محمد بن علي الحاكم يجيء في كل أسبوع ليلة إلى الجامع، فيتعبد إلى الصباح من حيث لا يعرف غيري، فصادفته ليلة يتلو:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، الآيات، وكلما تلا آية منها، ضرب بيده على صدره ضربة أسمع صوتها من شدته، رحمه الله تعالى.

توفي: بعد العشرين وثلاث مائة، وله بضع وثمانون سنة.

ص: 345

‌2843 - ابن قتيبة

(1)

:

قاضي القضاة بمصر، أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة البغدادي، الكاتب.

حدث عن: أبيه بكتبه كلها حفظًا.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "1/ 133"، وتاريخ بغداد "4/ 229"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "3/ 103"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 43"، والعبر "2/ 193"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 170".

ص: 345

حدث عنه: عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، وابنه؛ عبد الواحد بن أحمد، وولي قضاء مصر، فمات بها.

قال يوسف بن يعقوب بن خرزاذ: إن أبا جعفر حدث بكتب أبيه كلها بمصر من حفظه، ولم يكن معه كتاب، ومات في شهر ربيع الأول، سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة، وبقي في القضاء شهرين ونصف "شهر"، وعزل، فوثبت به الرعية، وشتموه، وولي بعده أحمد بن إبراهيم بن حماد.

قال المسبحي: كان يحفظ كتب أبيه كلها بالنقط والشكل كما يحفظ القرآن، وهي أحد وعشرون مصنفا، فلما سمع بذلك أهل الأدب والعلم، جاؤوه، وجاءه أولاد الملوك، فأخذوا عنه.

وقال ابن زولاق: كان مالكيًا، شيخًا حادًا، أذكر أن أباه حفظه كتبه في اللوح.

وفيها مات صالح بن الحافظ أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي، وأبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي، وأبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي.

ص: 346

‌2844 - ابن أبي العزاقر

(1)

:

الزنديق المعثر، أبو جعفر، محمد بن علي الشلمغاني، الرافضي.

قال بالتناسخ، وبحلول الإلهية فيه، وأن الله يحل في كل شيء بقدر ما يحتمله، وأنه خلق الشيء وضده، فحل في آدم وفي إبليسه، وكل منهما ضد للآخر.

وقال: إن الضد أقرب إلى الشيء من شبهه، وإن الله يحل في جسد من يأتي بالكرامات ليدل على أنه هو، وإن الإلهية اجتمعت في نوح وإبليسه، وفي صالح وعاقر الناقة، وفي إبراهيم ونمروذ، وعلي وإبليسه.

وقال: من احتاج الناس إليه، فهو إله.

وسمى موسى ومحمدًا الخائنين؛ لأن هارون أرسل موسى، وعليًا أرسل محمدًا، فخاناهما. وإن عليًا أمهل محمدًا ثلاث مائة سنة، ثم تذهب شريعته.

ومن رأيه ترك الصلاة والصوم، وإباحة كل فرج، وأنه لا بد للفاضل أن ينيك المفضول

(1)

ترجمته في معجم الأدباء لياقوت الحموي "1/ 235"، ووفيات الأعيان لابن خلكان " 2/ 155" والعبر "2/ 190"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 293".

ص: 346

ليولج فيه النور، ومن امتنع، مسخ في الدور الثاني. فربط الجهلة، وتخرق، وأضل طائفة، فأظهر أمره أبو القاسم الحسين بن روح -رأس الشيعة، الملقب بالباب- إلى صاحب الزمان، فطلب ابن أبي العزاقر، فاختفى، وتسحب إلى الموصل، فأقام هناك سنين، ورجع، فظهر عنه ادعاء الربوبية، واتبعه الوزير حسين ابن الوزير القاسم بن عبيد الله بن وهب -وزير المقتدر فيما قيل- وابنا بسطام، وإبراهيم بن أبي عون، فطلبوا، فتغيبوا. فلما كان في شوال من سنة اثنتين وعشرين، ظفر الوزير ابن مقلة بهذا، فسجنه، وكبس داره، فوجد فيها رقاعًا وكتبًا مما يدعى عليه، وفيها خطابه بما لا يخاطب به بشر، فعرضت عليه، فأقرأنها خطوطهم، وتنصل مما يقال فيها، وتبرأ منهم، فمد ابن عبدوس يده، فصفعه. وأما ابن أبي عون، فمد يده إليه، فارتعدت يده، ثم قبل لحيته ورأسه، وقال: إلهي، ورازقي، وسيدي! فقال له الراضي بالله: قد زعمت أنك لا تدعي الإلهية فما هذا؟ قال: وما علي من قول هذا؟ والله يعلم أنني ما قلت له: إنني إله قط. فقال ابن عبدوس: إنه لم يدع إلهية، إنما ادعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر. ثم إنهم أحضروا مرات بمحضر الفقهاء والقضاة، ثم في آخر الأمر أفتى العلماء بإباحة دمه، فأحرق في ذي القعدة من السنة، وضرب ابن أبي عون بالسياط، ثم ضربت عنقه، وأحرق.

وله مصنفات أدبية، وكان من كبار الكتاب.

وذكرنا في الحوادث: أن في هذا العام ظهر الشلمغاني. وشلمغان: قرية من قرى واسط. فشاع عنه ادعاء الربوبية، وأنه يحيي الموتى، فأحضره ابن مقلة عند الراضي، فسمع كلامه، وأنكر ما قيل عنه. وقال: لتنزلن العقوبة على الذي باهلني بعد ثلاث، وأكثره تسعة أيام، وإلا فدمي حلال. فضرب ثمانين سوطًا، ثم قتل، وصلب.

وقتل بسببه وزير المقتدر؛ الحسين، اتهم بالزندقة. وقتل أبو إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن هلال بن أبي عون الأنباري الكاتب.

وقد كان أبو علي الحسين -ويقال: الجمال- وزر للمقتدر في سنة تسع عشرة وثلاث مائة، ولقبوه عميد الدولة، وعزل بعد سبعة أشهر، وسجن، وعقد له مجلس في كائنة الشلمغاني، ونوظر، فظهرت رقاعه يخاطب الشلمغاني فيها بالإلهية، وأنه يحييه ويميته، ويسأله أن يغفر له ذنوبه. فأخرجت تلك الرقاع، وشهد جماعة أنه خطه، فضربت عنقه، وطيف برأسه في ذي الحجة، سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة. وعاش: ثمانيا وسبعين سنة.

ص: 347

‌2845 - الإلبيري

(1)

:

الحافظ الإمام البارع، أبو جعفر أحمد بن عمرو بن منصور الأندلسي، الإلبيري.

ارتحل، وحج، وسمع من: يونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان المؤذن، ومحمد بن سنجر، وعلي بن عبد العزيز البغوي، وخلق كثير.

وجمع، مصنف، وكانت الرحلة إليه بالأندلس.

ويعرف أيضًا بابن عمريل، وكان إمامًا في علل الحديث.

ذكره أبو الوليد بن الفرضي وعظمه.

توفي سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة، وكان خطيبًا بمدينة إلبيرة.

مات في عشر الثمانين.

‌2846 - حماد بن شاكر

(2)

:

ابن سوية، الإمام المحدث الصدوق، أبو محمد النسفي.

حدث عن: عيسى بن أحمد العسقلاني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبى عيسى الترمذي، وطائفة. وهو أحد رواة "صحيح البخاري" عنه.

حدث عنه: غير واحد.

قال: الحافظ جعفر المستغفري: هو ثقة، مأمون، رحل إلى الشام، حدثني عنه بكر بن محمد بن جامع "بصحيح البخاري"، وحدثني عنه أبو أحمد قاضي بخارى.

وقال ابن ماكولا: توفي سنة إحدى عشر وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 799"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 264".

(2)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "4/ 394"، وتبصير المنتبه "2/ 701".

ص: 348

‌2847 - الطوسي

(1)

:

الإمام الحافظ الثقة الرحال، أبو علي الحسن بن علي بن نصر الطوسي، الملقب: بكردوش.

سمع: محمد بن رافع، ومحمد بن أسلم، وإسحاق الكوسج، وعبد الله بن هاشم، وأحمد بن منيع، وبندارًا، وزيد بن أخزم، والزبير بن بكار -سمع منه كتاب "النسب"، وعددًا كثيرًا سوى هؤلاء.

روى عنه: عبد الله بن محمد بن مسلم الإسفراييني، وأحمد بن علي الرازي، وأحمد بن محمد بن عبدوس، وأبو سهل الصعلوكي، ومحمد بن جعفر البستي، وخلق سواهم.

وقد روى عنه: شيخه أبو حاتم الرازي حكايات، وحدث بهراة، وبقزوين.

قال أبو يعلى الخليلي: سمعت على عشرة من أصحابه. قال: وله تصانيف تدل على علمه ومعرفته بهذا الشأن.

قلت: وحدث عنه أبو أحمد الحاكم، وقال: تكلموا في روايته لكتاب "النسب" للزبير.

قلت: توفي سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة، وقد قارب التسعين.

قال الحاكم: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبدوس العنزي، حدثنا الحسن بن نصر الطوسي -بهراة في مجلس عثمان بن سعيد- حدثنا حيدون ابن عبد الله الواسطي، حدثنا صلة بن سليمان، عن أشعث بن عبد الملك، عن الفرزدق الشاعر، قال: رأى أبو هريرة قدمي، فقال: يا فرزدق، إني أرى قدميك صغيرتين، فاطلب لهما موضعًا في الجنة. قلت: إن لي ذنوبًا كثيرة. قال: لا تأس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن بالمغرب بابًا مفتوحا للتوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها"

(2)

.

ولأبي علي مصنف في الأحكام.

قال صالح الهمذاني: سمع منه عامة أصحابنا كتابه الذي في الأحكام. وحدثني عنه أبي، وسألت أبا جعفر عنه، فقال: لم يكن بشيء. وبلغني أن ابن خزيمة كان يجمل القول فيه.

(1)

ترجمته في تاريخ جرجان "143"، وتاريخ أصبهان "1/ 262"، والإكمال لابن ماكولا "7/ 169"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 780"، وميزان الاعتدال "1/ 509"، ولسان الميزان "2/ 232"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 264".

(2)

حسن: وهذا إسناد ضعيف جدا، فيه علتان: الأولى: صلة بن سليمان العطار، أبو زيد الواسطي، قال يحيى: ليس بثقة. وقال النسائي: متروك. وقال الدارقطني: يترك حديثه عن ابن جريج وشعبة. وذكر الذهبي أحاديث من مناكيره في ترجمته في "الميزان". العلة الثانية: الفرزدق الشاعر، واسمه غالب بن همام، ضعفه ابن حبان، فقال: كان قذافا للمحصنات فيجب مجانبة روايته.

والحديث أخرجه بنحوه الترمذي "3535" و"3536" من طريق عاصم بن النجود، عن زر بن حُبيش عن صفوان بن عسال المرادي، به في حديث طويل.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: إسناده حسن، فيه عاصم بن أبي النجوم، وهو صدوق كما قال الحافظ في "التقريب".

ص: 349

‌2848 - ابن نيروز

(1)

:

الشيخ المسند الصدوق، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن نيروز البغدادي، الأنماطي.

سمع: عمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن المثنى العنزي، وخلاد بن أسلم، ومحمد بن عوف الطائي، وعدة.

حدث عنه: محمد بن المظفر، والدارقطني، ومحمد بن إبراهيم العاقولي، ويوسف القواس، وعيسى بن الجراح، وآخرون.

وثقه القواس.

مات في سنة ثمان عشرة وثلاث مائة عن بضع وثمانين سنة.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح الكاتب، أخبرنا هبة الله الحاسب، أخبرنا أحمد بن محمد، حدثنا عيسى ابن علي، قرئ على أبي بكر محمد بن إبراهيم بن نيروز -وأنا أسمع- قيل له: حدثكم خلاد بن أسلم، حدثنا ابن أبي رواد، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي"

(2)

.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "1/ 408"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 239"، والعبر "2/ 173"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 280".

(2)

حسن لغيره: أخرجه ابن عدي في "الكامل""5/ 345"، وأبو يعلى وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان""2/ 96"، من طريق عبد المجيد بن أبي رواد، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه ابن جريج، وأبو الزبير المكي، مدلسان، وقد عنعناه، وابن أبي رواد هو عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، صدوق يخطئ، وكان مرجئا، أفرط ابن حبان فقال: متروك، وكان أعلم الناس بحديث ابن جريج.

وللحديث شاهد عن أبي هريرة: رواه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان""2/ 81" عن مقدام بن داود المصري، حدثنا النضر بن عبد الجبار، حدثنا ابن لهيعة، عن عطاء، عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: إسناده ضعيف أيضا، فيه علتان: الأولى: ابن لهيعة، ضعيف لسوء حفظه.

والعلة الثانية: المقدام قال الذهبي في "الضعفاء": "صويلح قال ابن أبي حاتم: تكلموا فيه، قال ابن القطان: قال الدارقطني: ضعيف".

وله شاهد عند أبي داود، وابن ماجه، وابن حبان "1345"، والحاكم "2/ 103"، وأحمد "3/ 501" من طريق الوليد ابن مسلم قال: حدثني وحشي بن حرب بن وحشي، عن أبيه، عن جده مرفوعا بلفظ:"اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله تعالى عليه يبارك لكم فيه" فالحديث بمجموع ذلك حسن -إن شاء الله تعالى- والله أعلم.

ص: 350

‌2849 - الديبلي

(1)

:

المحدث الصدوق، أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن الفضل الديبلي، ثم المكي.

وديبل: بلدة من إقليم الهند.

سمع: محمد بن زنبور، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، والحسين ابن الحسن المروزي، وجماعة.

حدث عنه: أبو بكر بن المقرئ، وأبو أحمد الحاكم، ومحمد بن يحيى بن عمار الدمياطي، وأحمد بن إبراهيم بن فراس العبقسي، وآخرون.

وكان مسند الحرم في وقته.

توفي في جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة.

وقع لي من طريقه بعلو نسخة إسماعيل بن جعفر.

‌2850 - الفربري

(2)

:

المحدث الثقة العالم، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري، راوي "الجامع الصحيح" عن أبي عبد الله البخاري، سمعه منه بفربر مرتين.

وسمع أيضًا من: علي بن خشرم لما قدم فربر مرابطًا. وقد أخطأ من زعم أنه سمع من

(1)

ترجمته في الأنساب "5/ 393"، والعبر "2/ 194"، وشذرات الذهبي لابن العماد "2/ 295".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "9/ 260"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 621"، والعبر "2/ 183"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 286".

ص: 351

قتيبة بن سعيد، فما رآه. وقد ولد في سنة إحدى وثلاثين ومائتين ومات قتيبة في بلد، آخر سنة أربعين.

أرخ مولده أبو بكر السمعاني في "أماليه"، وقال: كان ثقة ورعًا.

قلت: قال: سمعت "الجامع" في سنة ثمان وأربعين ومائتين، ومرة أخرى سنة اثنتين وخمسين ومائتين.

حدث عنه: الفقيه أبو زيد المروزي، والحافظ أبو علي بن السكن، وأبو الهيثم الكشميهني، وأبو محمد بن حمويه السرخسي، ومحمد بن عمر بن شبويه، وأبو حامد أحمد بن عبد الله النعيمي، وأبو إسحاق إبراهيم ابن أحمد المستملي، وإسماعيل بن حاجب الكشاني، ومحمد بن محمد بن يوسف الجرجاني، وآخرون، والكشاني آخرهم موتًا.

وقد علّى في أوائل "الصحيح" حديث موسى والخضر، فقال: حدثناه علي بن خشرم، حدثنا سفيان بن عيينة، وهذا ثابت في رواية ابن حمويه دون غيره.

وكان رحلة المستملي إلي الفربري في سنة أربع عشرة وثلاث مائة وسماع ابن حمويه منه في سنة خمس عشرة. وقال أبو زيد المروزي: رحلت إلى الفربري سنة ثمان عشرة.

وقال الكشميهني: سمعت منه بفربر "الصحيح" في ربيع الأول سنة عشرين.

ويروى -ولم يصح- أن الفربري قال: سمع "الصحيح" من البخاري تسعون ألف رجل، ما بقي أحد يرويه غيري.

قلت: قد رواه بعد الفربري أبو طلحة منصور بن محمد البزدوي النسفي، وبقي إلى سنة تسع وعشرين وثلاث مائة.

وفربر: بكسر الفاء وبفتحها، وهي من قرى بخارى حكى الوجهين القاضي عياض، وابن قرقول، والحازمي. وقال: الفتح أشهر، وأما ابن ماكولا، فما ذكر غير الفتح.

مات الفربري لعشر بقين من شوال، سنة عشرين وثلاث مائة، وقد أشرف على التسعين.

أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، ومحمد بن قايماز، وخديجة بنت محمد، وطائفة، قال: أخبرنا الحسين بن المبارك، وأخبرنا سنقر القضائي، أخبرنا علي بن روزبه، قالا: أخبرنا أبو الوقت السجزي، أخبرنا الداوودي، أخبرنا ابن حمويه، أخبرنا الفربري، حدثنا

ص: 352

محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن محمد، عن سالم، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم عاشوراء إن شاء صام".

أخرجه مسلم

(1)

عن أحمد بن عثمان، عن أبي عاصم، فوقع لنا بدلا عاليًا.

ومات معه إبراهيم بن محمد بن يحيى بن مندة، وعمه عبد الرحمن بن يحيى، وعبد الله بن محمد الرازي ابن أخي أبي زرعة، وأبو أسيد أحمد بن محمد بن أسيد المديني، ومحمد بن حمدون بن خالد، وأبو الحسن بن جوصا.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "1126""121".

ص: 353

‌2851 - الحميري

(1)

:

الإمام الفقيه العلامة، قاضي الكوفة، أبو الحسن علي بن محمد بن هارون الحميري، الكوفي الحافظ.

حدث عن: أبي كريب محمد بن العلاء، وأبي سعيد الأشج، وهارون بن إسحاق.

وحدث عنه: أبو بكر الوراق -وأثنى عليه- ومحمد بن أحمد بن حماد الحافظ. وقال: كان يحفظ عامة حديثه، وكان ثقة، سمعته يقول: ولدت سنة إحدى وثلاثين ومائتين.

ومات في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة.

قلت: هو آخر من حدث عن: أبي كريب.

وحدث عنه أيضًا: محمد بن محمد الكندي الطحان، ومحمد بن عبد الله الجعفي الهرواني خاتمة أصحابه، وقع لي جزء من حديثه. عاش اثنتين وتسعين عامًا.

‌2852 - الترخمي

(2)

:

الإمام الحافظ محدث حمص، أبو بكر محمد بن سعيد بن محمد الترخمي، الحمصي.

وقيل: بل اسمه محمد بن جعفر بن سعيد، فنسب إلى جده.

وترخم: بطن من يحصب.

سمع: أباه، والحسن بن علي المعاني، وأبا أمية الطرسوسي، وسعيد بن عمرو السكوني، ومحمد بن عوف، وعدة.

روى عنه: محمد بن المظفر، والحافظ أبو الخير أحمد بن علي الحمصي، والوزير جعفر بن حنزابة، وأبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني وآخرون.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 68"، والأنساب للسمعاني "4/ 235"، والعبر "2/ 199"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 299".

(2)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "1/ 416"، والأنساب للسمعاني "3/ 40".

ص: 353

‌2853 - ابن جوصا

(1)

:

الإمام الحافظ الأوحد، محدث الشام، أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن موسى بن جوصا، مولى بني هاشم، ويقال: مولى محمد بن صالح الكلابي، الدمشقي.

ولد في حدود الثلاثين ومائتين.

وسمع: عمرو بن عثمان الحمصي، ومحمد بن هاشم البعلبكي، ومحمد بن وزير، وكثير بن عبيد، وأبا التقي هشام بن عبد الملك اليزني، وعمران بن بكار، ويونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني، ومعاوية بن عمرو الحمصي صاحب حريز بن عثمان، وموسى بن عامر المري، ومحمد بن عوف الطائي، وخلقًا سواهم بمصر والشام ولقي بدمشق شويخًا حدثه، عن معروف الخياط.

حدث عنه: حمزة الكناني، وأبو القاسم الطبراني، وأبو علي النيسابوري، وأبو بكر بن السني، وأبو أحمد بن عدي، والزبير بن عبد الواحد الأسداباذي، وأبو أحمد الحاكم، وخلق كثير، آخرهم موتًا عبد الوهاب الكلابي.

وقال الطبراني: ابن جوصا ثقة.

قال أبو علي الحافظ: سمعت ابن جوصا -وكان ركنًا من أركان الحديث- يقول: إسناد خمسين سنة من موت الشيخ، إسناد علو.

قال أبو ذر الهروي: سمعت أبا مسعود الدمشقي يقول: جاء رجل بغدادي يحفظ إلى ابن جوصا، فقال له: ابن جوصا كلما أغربت علي حديثًا من حديث الشاميين؛ أعطيتك درهمًا. فلم يزل الرجل يلقي عليه ما شاء الله، ولايغرب عليه، فاغتم. فقال للرجل: لا تجزع، وأعطاه لكل حديث ذاكره به درهمًا، وكان ابن جوصا ذا مال كثير.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 242"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 787"، والعبر "2/ 180" وميزان الاعتدال "1/ 125"، ولسان الميزان "1/ 239"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 234"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 285".

ص: 354

قلت: كان من أكابر الدمشقيين.

قال الحافظ عبد الغني بن سعيد: حدثنا محمد بن إبراهيم الكرجي، قال: ابن جوصا بالشام، كابن عقدة في الكوفة.

وقال الدارقطني: أجمع أهل الكوفة على أنه لم يُرَ من زمان ابن مسعود رضي الله عنه إلى أن وجد ابن عقدة أحفظ من ابن عقدة.

قال أبو عمرو النيسابوري الصغير: نزلنا خانًا بدمشق العصر، ونحن على أن نبكر إلى ابن جوصا، فإذا الخاني يصيح: أين أبو علي الحافظ؟ فقلت: هاهنا، قال: قد حضره الشيخ زائرًا. فإذا بأبي الحسن بن جوصا على بغلة، فنزل عنها، ثم صعد إلى غرفتنا، وسلم على أبي علي، ورحب به، وأخذ في المذاكرة معه إلى قرب العتمة، ثم قال: يا أبا علي، جمعت حديث عبد الله بن دينار؟ قال: نعم. قال: أخرجه إلي. فأخرجه، فأخذه الشيخ في كمه وقام. فلما أصبحنا جاءنا رسوله، وحملنا إلى منزله، فذاكره أبو علي، وانتخب عليه إلى المساء، ثم انصرفنا إلى رحلنا، وجماعة من الرحالة ينتظرون أبا علي، فسلموا عليه، ثم ذكروا شأن ابن جوصا، وما نقموا عليه من الأحاديث التي أنكروها، وأبو علي يسكتهم، ويقول: لا تفعلوا، هذا إمام من أئمة المسلمين، وقد جاز القنطرة.

قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن ابن جوصا، فقال: تفرد بأحاديث، ولم يكن بالقوي.

قلت: هو من الشيوخ النوازل عند حمزة بن محمد الكناني، ولهذا يقول: عندي عن ابن جوصا مائتا جزء ليتها كانت بياضًا، وترك حمزة الرواية عنه أصلًا. وابن جوصا إمام حافظ له غلط كغيره في الإسناد لا في المتن، وما يضعفه بمثل ذلك إلَّا متعنت.

قال جماعة: حدثنا ابن جوصا، حدثنا أبو التقي، حدثنا بقية، حدثنا ورقاء وابن ثوبان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء: عن أبي هريرة رفعه، قال:"إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلَّا المكتوبة"

(1)

.

أنكر على ابن جوصا ذكر ابن ثوبان في الإسناد، والخطب سهل، فلو كان وهمًا لما ضر، فلعله حفظه.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 331 و 455 و 517 و 531"، ومسلم "710"، وأبو داود "1266"، والترمذي "421"، والنسائي "2/ 116"، وابن ماجه "1151" و "1152"، والدارمي "1/ 337" من حديث أبي هريرة مرفوعا.

ص: 355

قال الطبراني: تفرد به ابن جوصا، وكان من ثقات المسلمين وأجلهم.

قلت: وقد رواه أبو بكر بن المقرئ، فقال: حدثنا الحسين بن التقي بن أبي التقي اليزني، حدثنا جدي، فذكره متابعًا لابن جوصا. ورواه ثقتان عن أحمد بن محمد بن عنبسة الحمصي، عن أبي التقي كذلك، فتخلص الحافظ أبو الحسن منه. وأبو التقي فثقة حجة، ثم إن أحمد بن محمد بن عنبسة. قال: كان هذا الحديث عند أبي التقي في مكانين، ففي موضع عن ورقاء، وفي موضع عن ابن ثوبان، فجمعهما.

قلت: رواه قبل جمعهما مرات عن ورقاء وجده.

قال حمزة الكناني: سمعت ابن جوصا، يقول: كنا ببغداد، فتذاكروا حديث أيوب وأشباهه، فقلت: أيش أسند جنادة عن عبادة؟ فسكتوا. ثم قلت: ما أسند عمرو بن عمرو الأحموسي؟ فلم يجيبوا.

قال الحافظ أبو علي النيسابوري: إنما حدثونا عن أبي التقي برواية ابن ثوبان، عن عطاء بن يسار، ليس فيه عمرو بن دينار.

قال الحاكم: سمعت الزبير الأسداباذي يقول: حكم الله بيننا وبين أبي علي الحافظ، أتيناه بدمشق وصورنا له حال ابن جوصا، وأقمنا فيه الحجج والبراهين فأخذ عطاءه. قلت: للزبير: لو كتبت إلى أبي علي بهذا. فكتب إليه معي، فقال لي أبو علي: لا تشتغل بذا، فإن الزبير طبلي.

قال أبو القاسم في "تاريخ دمشق": ابن جوصا شيخ الشام في وقته، رحل وصنف، وذاكر، وحدث عن: محمد ابن وزير، وموسى بن عامر، وشعيب بن شعيب بن إسحاق، وأحمد بن عبد الواحد، ومحمود بن سميع، ويزيد ابن عبد الصمد، وعمرو بن عثمان الحمصي، وأخيه يحيى، وابن عبد الحكم، ويونس، والربيع بن سليمان، والزبير بن بكار، وخلق كثير. ثم سمى الرواه عنه.

أخبرنا المسلم بن علان في كتابه، عن القاسم بن علي بن الحسن، أخبرنا أبي، أخبرنا هبة الله بن الأكفاني، حدثنا الكتاني، حدثنا العلاء بن حزم، حدثنا علي بن بقاء، حدثنا عبد الغني بن سعيد، سمعت أبا الفضل جعفر بن محمد، سمعت أبا الحسن -يعني الدارقطني- يقول: أجمع أهل الكوفة على أنه لم يُرَ من زمن ابن مسعود إلى زمان ابن عقدة أحفظ من ابن عقدة.

ص: 356

قال عبد الغني: وسمعت أبا همام محمد بن إبراهيم يقول: ابن جوصا بالشام كابن عقدة بالكوفة. ثم قال: عبد الغني وأبو سعيد بن يونس: كهؤلاء في مواضعهم.

قال الحاكم: سمعت الزبير بن عبد الواحد يقول: ما رأيت لأبي علي الحافظ زلة إلَّا روايته عن عبد الله بن وهب الدينوري، وأحمد بن جوصا.

قلت: ابن جوصا خير من الدينوري بكثير.

توفي ابن جوصا في جمادى الأولى، سنة عشرين وثلاث مائة.

وقد أخبرنا بحديثه المذكور في "إذا أقيمت الصلاة" أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء بقراءتي عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا تميم بن أبي سعيد، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الأديب، أخبرنا أبو أحمد الحافظ، حدثنا أحمد بن عمير بن جوصا، حدثنا اليزني فذكره.

وقال أبو أحمد بن عدي في "كامله": حدثنا ابن جوصا، حدثنا معاوية بن عبد الرحمن الرحبي، سمعت حريز بن عثمان يقول: سألت عبد الله بن بسر، عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان في عنفقته شعرات بيض

(1)

.

وأخبرنا محمد بن علي الدمشقي، ومحمد بن علي الواسطي، قالا: أخبرنا البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم، أخبرنا عبد الحق، أخبرنا يحيى بن مندة، أخبرنا أحمد بن محمود، أخبرنا أبو بكر بن المقرئ، حدثنا أحمد بن جوصا، حدثنا معاوية بن عمر، وحدثنا حريز بن عثمان قال: قلت لعبد الله بن بسر: هل كان في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيب؟ قال: "كان في رأس رسول الله شعرات بيض إذا دهن تغير".

هذا حديث غريب بهذا اللفظ. ومعاوية شيخ ابن جوصا لا يعرف، ولا وجدته في كتب الجرح.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 187 - 188 و 190"، والبخاري "3546"، والبيهقي في "دلائل النبوة""1/ 233 - 234".

ص: 357

‌2854 - المؤمل بن الحسن

(1)

:

ابن عيسى بن ماسرجس المولى، الرئيس، الإمام، المحدث المتقن، صدر خراسان، أبو الوفاء الماسرجسي، النيسابوري.

كان يضرب به المثل في ثروته وسخائه وشجاعته، وكان أبوه من أحشم النصارى، فأسلم على يد ابن المبارك، ولم يلحق المؤمل الأخذ عن والده.

فسمع من إسحاق الكوسج، ومحمد بن يحيى، والحسن بن محمد الزعفراني، وأحمد بن منصور الرمادي، وخلق من طبقتهم.

حدث عنه: ابناه أبو بكر محمد، وأبو القاسم علي، وأبو إسحاق المزكي، وأبو محمد المخلدي، وأبو الحسن محمد بن علي بن سهل الماسرجسي الفقيه، وآخرون.

قال أبو علي الحافظ: نظرت للمؤمل في ألف جزء من أصوله، وخرجت له أجزاء، فما رأيت أحسن أصولًا منه، فبعث إلي بأثواب ومائة دينار.

قال الحاكم: سمعت محمد بن المؤمل يقول: حج جدي، وقد شاخ فدعا الله أن يرزقه ولدًا، فلما رجع رزق أبي فسماه المؤمل لتحقيق ما أمله، وكناه أبا الوفا ليفي لله بالنذور، فوفى بها.

قيل: إن أمير خراسان ابن طاهر، اقترض من ابن ماسرجس ألف ألف درهم.

مات المؤمل رحمه الله في ربيع الآخر، سنة تسع عشرة وثلاث مائة.

وكان من أبناء الثمانين، يقع لي من عواليه في مجالس المخلدي.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 177"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 231"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 283".

ص: 358

‌2855 - أخو زبير الحافظ

(1)

:

الشيخ المحدث، أبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد البغدادي البيع، يعرف بأخي زبير الحافظ، شيخ صدوق.

يروي عن: إسحاق بن أبي إسرائيل، وعبد الرحمن بن يونس السراج، وعقبة بن مكرم، وعدة.

حدث عنه: أبو حفص بن شاهين، والدارقطني، ويوسف القواس، وأبو الفضل بن المأمون، وعبد الرحمن بن أبي شريح.

وثقه القواس.

توفي بعد العشرين وثلاث مائة، سنة إحدى.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 106"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 252".

ص: 358

أخبرنا محمد بن إبراهيم النحوي، وطائفة، قالوا: أخبرنا ابن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرتنا بيبى، أنبأنا ابن أبي شريح، حدثنا سعيد بن محمد، حدثنا محمد بن يزيد الأدمي، أخبرنا يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن أمية، وعبيد الله بن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "التسبيح للرجال ورخص في التصفيق للنساء"

(1)

.

(1)

صحيح لغيره: أخرجه ابن ماجه "1036" من طريق سويد بن سعيد، عن يحيى بن سليم، به.

وله شاهد من حديث أبي هريرة: عند البخاري "1203"، ومسلم "422"، وأبي داود "939"، والترمذي "369"، والنسائي "3/ 11"، وابن ماجه "1034"، وأحمد "2/ 241 و 261 و 317 و 376 و 432 و 440 و 479 و 492"، وله شاهد آخر من حديث سهل بن سعد: عند البخاري "1204"، ومسلم "421"، وأبي داود "940"، والنسائي "2/ 79"، وابن ماجه "1035"، وأحمد "5/ 330 و 332 و 336 و 338".

ص: 359

‌2856 - العسال

(1)

:

الإمام الثقة المحدث، أبو بكر أحمد بن عبد الوارث بن جرير الأسواني، المصري، العسال.

سمع: محمد بن رمح، وعيسى بن حماد زغبة، وجماعة، وهو خاتمة من روى عن: ابن رمح.

حدث عنه: أبو سعيد بن يونس، وأبو القاسم الطبراني، وأبو بكر بن المقرئ، وعلي بن محمد الحضرمي والد يحيى الطحان، وعبد الكريم بن أبي جدار، وميمون بن حمزة العلوي وآخرون.

وهو من موالي عثمان بن عفان، رضي الله عنه.

وثقة ابن يونس، وقال: جاوز التسعين.

توفي في جمادى الآخرة، سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "7/ 47"، والأنساب للسمعاني "1/ 260" و"8/ 446"، والعبر "2/ 185"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 288".

ص: 359

‌2857 - أبو حامد الحضرمي

(1)

:

المحدث الثقة المعمر الإمام، أبو حامد محمد بن هارون بن عبد الله بن حميد الحضرمي، البغدادي، من بقايا المسندين.

سمع: إسحاق بن أبي إسرائيل، وأبا همام السكوني، ونصر بن علي الجهضمي، وطبقتهم.

حدث عنه: محمد بن إسماعيل الوراق، والدارقطني ووثقه، ويوسف القواس، وعمر بن شاهين، وعيسى بن الوزير، والمخلص، وخلق كثير.

مات في المحرم، سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، وله نيف وتسعون سنة.

وقع لي من عواليه في جزء ابن الطلايه.

‌2858 - ابن مبشر

(2)

:

الإمام الثقة المحدث، أبو الحسن علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي.

سمع: عبد الحميد بن بيان، وأحمد بن سنان القطان، ومحمد بن المثني العنزي، وعمار بن خالد التمار، ومحمد بن حرب النشائي، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو بكر بن المقرئ، وأبو أحمد الحاكم، والدارقطني، وزاهر بن أحمد، وآخرون كثيرون.

أخبرنا أبو الفضل بن تاج الأمناء، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر المستملي، أخبرنا سعيد بن محمد العدل، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا علي بن عبد الله بن مبشر، حدثنا عبد الحميد بن بيان، حدثنا خالد بن عبد الله، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أذن المؤذن، أدبر الشيطان له حصاص"

(3)

.

أخرجه مسلم عن عبد الحميد، فوافقناه بعلو.

مات ابن مبشر في سنة أربع وعشرين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 358"، والعبر "2/ 188"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 291".

(2)

ترجمته في العبر "2/ 203"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 305".

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "608"، ومسلم "389""17"، وأبو داود "516"، والنسائي "2/ 21 - 22"، وأحمد "2/ 313 و 460 و 483 و 503".

ص: 360

‌2859 - الزبير بن محمد

(1)

:

ابن أحمد، الحافظ البارع، أبو عبد الله البغدادي.

سمع: عباسًا الدوري، وأبا ميسرة النهاوندي، وطبقتهما. وعنه: عبد الصمد الطستي، والطبراني، وابن شاهين، وعلي بن الحسن الجراحي.

توفي سنة ست عشرة وثلاث مائة في الكهولة.

وكان ثقة.

‌2860 - الطحاوي

(2)

:

الإمام العلامة الحافظ الكبير، محدث الديار المصرية وفقيههًا، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك الأزدي، الحجري، المصري، الطحاوي، الحنفي، صاحب التصانيف من أهل قرية طحا من أعمال مصر. مولده: في سنة تسع وثلاثين ومائتين.

وسمع: من عبد الغني بن رفاعة، وهارون بن سعيد الأيلي، ويونس بن عبد الأعلى، وبحر بن نصر الخولاني، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وعيسى بن مثرود، وإبراهيم بن منقذ، والربيع بن سليمان المرادي، وخاله أبي إبراهيم المزني، وبكار بن قتيبة، ومقدام بن داود الرعيني، وأحمد بن عبد الله بن البرقي، ومحمد بن عقيل الفريابي، ويزيد بن سنان البصري، وطبقتهم.

وبرز في علم الحديث وفي الفقه، وتفقه بالقاضي أحمد بن أبي عمران الحنفي، وجمع وصنف.

حدث عنه: يوسف بن القاسم الميانجي، وأبو القاسم الطبراني، ومحمد بن بكر بن مطروح، وأحمد بن القاسم الخشاب، وأبو بكر بن المقرئ، وأحمد بن عبد الوارث الزجاج، وعبد العزيز بن محمد الجوهري قاضي الصعيد، وأبو الحسن محمد بن أحمد الإخميمي، ومحمد بن الحسن بن عمر التنوخي، ومحمد بن المظفر الحافظ وخلق سواهم من الدماشقة والمصريين والرحالين في الحديث.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 472"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 218".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "8/ 218"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 250"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 25"، وتذكرة الحفاظ "3/ 797"، والعبر "2/ 186"، ولسان الميزان "1/ 274"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 239"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 288".

ص: 361

وارتحل إلى الشام في سنة ثمان وستين ومائتين. فلقي القاضي أبا خازم، وتفقه أيضًا عليه.

ذكره أبو سعيد بن يونس، فقال: عداده في حجر الأزد، وكان ثقة ثبتًا فقيهًا عاقلًا، لم يخلف مثله. ثم ذكر مولده وموته.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا أبو اليمن الكندي إجازة، أخبرنا علي بن عبد السلام، أخبرنا الشيخ أبو إسحاق في "طبقات الفقهاء" قال: وأبو جعفر الطحاوي انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة بمصر، أخذ العلم عن أبي جعفر بن أبي عمران، وأبي خازم وغيرهما، وكان شافعيًا يقرأ على أبي إبراهيم المزني، فقال له يومًا: والله لا جاء منك شيء، فغضب أبو جعفر من ذلك، وانتقل إلى ابن أبي عمران، فلما صنف مختصره، قال: رحم الله أبا إبراهيم لو كان حيًا لكفر عن يمينه. صنف "اختلاف العلماء"، و"الشروط"، و"أحكام القرآن" و"معاني الآثار". ثم قال: ولد سنة ثمان وثلاثين ومائتين. قال: ومات سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة.

قال أبو سليمان بن زبر: قال لي الطحاوي: أول من كتبت عنه الحديث: المزني، وأخذت بقول الشافعي، فلما كان بعد سنين، قدم أحمد بن أبي عمران قاضيًا على مصر، فصحبته، وأخذت بقوله.

قلت: من نظر في تواليف هذا الإمام علم محله من العلم، وسعة معارفه. وقد كان ناب في القضاء عن أبي عبيد الله محمد بن عبدة، قاضي مصر سنة بضع وسبعين ومائتين. وترقى حاله، فحكى أنه حضر رجل معتبر عند القاضي ابن عبدة فقال: أيش روى أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أمه، عن أبيه؟ فقلت أنا: حدثنا بكار بن قتيبة، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا سفيان، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن أبي عبيدة، عن أمه، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله ليغار للمؤمن فليغر"

(1)

.

وحدثنا به إبراهيم بن أبي داود، حدثنا سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن سفيان موقوفًا، فقال لي الرجل: تدري ما تقول وما تتكلم به؟ قلت: ما الخبر؟ قال: رأيتك العشية مع الفقهاء في ميدانهم، ورأيتك الآن في ميدان أهل الحديث، وقل من يجمع ذلك. فقلت: هذا من فضل الله وإنعامه.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "5220"، ومسلم "2760"، من طريق أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود مرفوعا بلفظ:"ليس أحد أحب إليه المدح من الله، من أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش".

ص: 362

قال ابن يونس: توفي في مستهل ذي القعدة، سنة إحدى وعشرين.

كتب إلينا عبد الرحمن بن محمد الفقيه، أخبرنا عمر بن طبرزد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي حدثا أبو محمد الجوهري إملاء، حدثنا محمد بن المظفر، حدثنا أبو جعفر الطحاوي، حدثنا المزني، حدثنا الشافعي، حدثنا مالك، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة أنها قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول، لا يصوم. وما رأيته استكمل صيام شهر قط إلَّا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان"

(1)

.

أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر بن منير، أخبرنا أبو محمد العثماني، أخبرنا علي بن المؤمل، أخبرنا محمد بن سلامة القضاعي، حدثنا محمد بن الحسن بن عمر التنوخي سنة (398)، سمعت أبا جعفر الطحاوي، حدثنا يزيد بن سنان، حدثنا يزيد بن بيان، عن أبي الرحال، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أكرم شاب شيخًا لسنه إلَّا قيض الله له عند سنه من يكرمه" إسناده واه.

أخبرنا أحمد بن المؤيد، وأحمد بن مؤمن، قالا: أخبرنا أبو المحاسن محمد بن السيد الأنصاري، أخبرنا نصر بن أحمد السوسي، أخبرنا سهل بن بشر الإسفراييني، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن محمد الإدريسي، حدثنا محمد بن الحسن بن عمر الناقد، أخبرنا أبو الطيب أحمد بن سليمان الحريري قال: قال أبو جعفر الطحاوي: حدثنا أبو أمية، حدثنا عبد الله بن بكر، وعبيد الله بن موسى، قالا: حدثنا مهدي بن ميمون، عن واصل الأحدب، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له فلما كان في بعض الليل تنحى فلبث طويلًا، ثم أتانا، فقال:"أتاني آت من ربي، فأخبرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله دخل الجنة". قال: قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق"

(2)

.

متفق عليه من حديث شعبة، عن واصل.

مات سنة إحدى وعشرين: الطحاوي، ومكحول البيروتي، وأبو حامد الأعمشي، وأحمد بن مقرئ دمشق ابن ذكوان، وأحمد بن عبد الوارث العسال، وأبو علي بن رزين الباشاني الهروي، وحاتم بن محبوب الهروي، وأبو علي الحسن بن محمد بن أبي هريرة الأصبهاني، وسعيد بن محمد أخو زبير الحافظ، وشيخ المعتزلة أبو هاشم الجبائي عبد السلام بن أبي علي، وإمام اللغة أبو بكر بن دريد، ومحمد بن نوح الجند يسابوري، وأبو حامد الحضرمي، ويوسف بن يعقوب النيسابوري الواهي. روى عن: أبي بكر بن أبي شيبة.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "1969"، ومسلم "1156""174"، وأبو داود "2434".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "1237"، ومسلم "94".

ص: 363

‌2861 - مكحول بن الفضل:

الحافظ الرحال الفقيه، أبو مطيع النسفي، صاحب كتاب "اللؤلئيات" في الزهد والآداب.

روى عن: داود الظاهري، وأبي عيسى الترمذي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن أيوب بن الضريس، ومطين، وخلق كثير.

روى عنه: أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل، شيخ لجعفر المستغفري.

ذكره المستغفري في "تاريخ نسف"، وذكر أن اسمه محمد بن الفضل، ومكحول لقبه، وأنه توفي في صفر سنة ثمان وثلاث مائة.

قلت: رأيت له مؤلفًا مخرومًا عند الشيخ عبد الله الضرير، وله نظم حسن.

‌2862 - مكحول

(1)

:

الحافظ الإمام المحدث الرحال، أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عبد السلام بن أبي أيوب البيروتي، ولقبه مكحول.

سمع: أبا عمير عيسى بن محمد النحاس، وأحمد بن سليمان الرهاوي، وأحمد بن حرب الطائي، ومحمد بن إسماعيل بن علية، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وسليمان بن سيف الحراني، ومحمد بن هاشم البعلبكي، وحاجب بن سليمان المنبجي، وعلي بن محمد بن أبي المضاء، وطبقتهم.

وعنه: أبو سليمان بن زبر، وأبو بكر الربعي، وأبو محمد بن ذكوان، وعبد الوهاب الكلابي، وعلي بن الحسين الأذني، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو أحمد الحاكم، وآخرون.

وكان ثقة من أئمة الحديث.

مات في أول جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "2/ 361"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 801"، والعبر "2/ 187"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 242"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 291".

ص: 364

‌2863 - محمد بن نوح

(1)

:

الإمام الحافظ الثبت، أبو الحسن الجنديسابوري الفارسي، نزيل بغداد.

سمع: الحسن بن عرفة، وشعيب بن أيوب الصريفيني وهارون بن إسحاق الهمداني، وطبقتهم.

حدث عنه: الدارقطني، وأبو بكر بن شاذان، وأبو حفص بن شاهين، وعيسى ابن الوزير، وآخرون.

قال أبو سعيد بن يونس: ثقة حافظ.

وقال الدارقطني: ثقة مأمون، ما رأيت كتبًا أصح من كتبه، ولا أحسن.

قلت: حدث بدمشق، ومصر، وبغداد.

ومات في ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة.

وقع لي أحاديث من عواليه.

‌2864 - إبراهيم بن حماد

(2)

:

ابن إسحاق بن إسماعيل الإمام، حافظ وقته حماد بن زيد، الأزدي مولاهم، البصري، الإمام، الثبت، شيخ الإسلام، أبو إسحاق العابد.

سمع: الحسن بن عرفة، وعلي بن مسلم الطوسي، وعلي بن حرب، والزعفراني، وعدة.

حدث عنه: الدراقطني، وابن شاهين، وأبو طاهر المخلص، وآخرون.

قال الدارقطني: ثقة جبل.

وقال أبو الحسن الجراحي: ما جئته إلَّا وجدته يقرأ، أو يصلي.

وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: ما رأيت رجلًا أعبد منه.

قلت: مات في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة، وله نيف وثمانون سنة.

وقد ولي ولده هارون قضاء الديار المصرية في حياة الوالد بعد أبي عبيد بن حربويه، واستناب على إقليم مصر أخاه أبا عثمان أحمد بن إبراهيم، ثم عزل هارون سنة ست عشرة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 324"، والأنساب للسمعاني "3/ 318"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 809".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "6/ 61"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 278"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 249".

ص: 365

‌2865 - الإمام أبو الحسن:

علي بن الحسن بن سعد، الهمذاني.

روى عن: هارون بن إسحاق، ومحمد بن وزير، ورستة، ومحمد بن عبيد الهمذاني، وأحمد بن بديل، وحميد بن زنجويه، وعدة.

وعنه: الحسن بن يزيد الدقاق.

وسمع منه: صالح بن أحمد الحافظ. وقال: وثقه أبي.

ومات في رمضان سنة سبع عشرة وثلاث مائة.

وروى عنه أيضًا أحمد بن محمد روزبة، وجبريل العدل، وآخرون.

‌2866 - ابن الشرقي

(1)

:

الإمام العلامة الثقة، حافظ خراسان، أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن النيسابوري، ابن الشرقي، صاحب "الصحيح"، وتلميذ مسلم.

ذكره أبو عبد الله الحاكم فقال: هو واحد عصره حفظًا وإتقانًا ومعرفةً.

سمع: محمد بن يحيى الذهلي، وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم، وأحمد بن الأزهر، وأحمد بن يوسف السلمي، وأحمد بن حفص بن عبد الله، وطبقتهم ببلده -قلت: ثم ارتحل فأخذ بالري، عن أبي حاتم الرازي، وطائفة، وبمكة أبا يحيى بن أبي مسرة، وببغداد محمد بن إسحاق الصغاني، وعبد الله بن محمد بن شاكر، وأحمد بن أبي خيثمة، وطبقتهم. وبالكوفة أبا حازم بن أبي غرزة الغفاري، وعدة.

وحج غير مرة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 246"، والأنساب للسمعاني "7/ 319"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 289"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 806"، والعبر "2/ 204"، وميزان الاعتدال "1/ 156"، ولسان الميزان "1/ 306"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 261"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 306".

ص: 366

حدث عنه الحفاظ: أبو العباس بن عقدة، والقاضي أبو أحمد العسال، وأبو علي النيسابوري، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر بن إسحاق الصبغي، وزاهر بن أحمد السرخسي، والحسن بن أحمد المخلدي، وأبو بكر محمد ابن عبد الله الجوزقي، والسيد أبو الحسن العلوي، ومحمد بن عبد الله بن حمدون الزاهد، والرئيس أبو عبد الله ابن أبي ذهل الهروي، وأبو الحسن محمد بن محمد العدل، وأبو أحمد الحاكم، وأبو الوفا محمد بن عبد الواحد البزاز، وأبو العباس محمد بن أحمد السليطي، وعدد كثير.

قال الحاكم: سمعت الحسين التميمي، سمعت ابن خزيمة يقول -ونظر إلى أبي حامد بن الشرقي- فقال: حياة أبي حامد تحجز بين الناس، وبين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: يعني: أنه يعرف الصحيح وغيره من الموضوع.

الحاكم: سمعت أبا زكريا العنبري، سمعت أبا عبد الله البوشنجي يسأل أبا حامد بن الشرقي عن شئ من الحديث.

الحاكم: حدثنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، حدثني أحمد بن محمد بن الشرقي، حدثنا محمد بن زكريا الأعرج الحافظ، حدثنا محمد بن مشكان السرخسي فذكر حديثًا.

أبو يعلى الخليلي: سمعت أحمد بن أبي مسلم الفارسي الحافظ، سمعت أبا أحمد بن عدي يقول: لم أرَ أحفظ ولا أحسن سردًا من أبي حامد بن الشرقي، كتب جمعه لحديث أيوب السختياني، فكنت أقرأ عليه من كتابه، ويقرأ معي حفظا من أوله إلى آخره.

السلمي: سألت الدارقطني عن أبي حامد بن الشرقي فقال: ثقة مأمون إمام. قلت: لم تكلم فيه ابن عقدة؟ فقال: سبحان الله ترى يؤثر فيه مثل كلامه، ولو كان بدل ابن عقدة يحيى بن معين. فقلت: وأبو علي؟ قال: ومن أبو علي حتى يسمع كلامه فيه.

وقال الخطيب: أبو حامد ثبت حافظ متقن.

وقال الخليلي: هو إمام وقته بلا مدافعة.

قال حمزة السهمي: سألت أبا بكر بن عبدان، عن ابن عقدة إذا نقل شيئًا في الجرح والتعديل: هل يقبل قوله؟ قال: لا يقبل.

قد كان للحافظ ابن حامد أخ أسن منه، وهو: المحدث المعمر:

ص: 367

‌2867 - أبو محمد عبد الله بن محمد بن الشرقي

(1)

:

سمع: الذهلي، وعبد الله بن هاشم، وعبد الرحمن بن بشر، وأحمد بن الأزهر، وأحمد بن منصور زاج المروزي، وعدة.

روى عنه: أبو بكر بن إسحاق الصبغي، وأبو علي الحافظ، ويحيى بن إسماعيل الحربي، ومحمد بن أحمد بن عبدوس، ومحمد بن الحسين العلوي، وآخرون.

ذكر الحاكم أنه رآه وهو شيخ طوال أسمر، وأصحاب المحابر بين يديه. قال: وكان أوحد وقته في علم الطب. قال: ولم يدع الشرب إلى أن مات. فنقموا عليه ذلك وكان أخوه لا يرى لهم السماع منه لذلك.

قال: وتوفي في سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.

ومات أبو حامد في شهر رمضان سنة خمس وعشرين وثلاث مائة. وأمهم في الصلاة عليه أخوه المذكور.

ومات معه في العام، مسند بغداد الشريف، أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي صاحب أبي مصعب الزهري، والثقة محدث نيسابور مكي بن عبدان التميمي، ومقرئ بغداد أبو مزاحم الخاقاني، والمعمر أبو بكر أحمد بن عبد الله وكيل أبي صخرة، وعدة.

أخبرتنا زينب بنت كندي ببعلبك، عن زينب بنت عبد الرحمن الشعري، أخبرنا عبد المنعم بن أبي القاسم القشيري، أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الخشاب، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن زكريا الحافظ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، حدثنا عبد الرحمن بن بشر، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن عمر، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحج المبرور ليس له جزاء إلَّا الجنة"

(2)

.

أخرجه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 319"، والعبر "2/ 212"، وميزان الاعتدال "2/ 494"، ولسان الميزان "3/ 341"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 313".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "1773"، ومسلم "1349" من طريق سمي، به.

ص: 368

‌2868 - ابن أبي الأزهر

(1)

:

المحدث أبو بكر، محمد بن مزيد بن محمود بن منصور الخزاعي، البغدادي، عرف: بابن أبي الأزهر، شيخ، معمر تالف.

حدث عن: لوين، وإسحاق بن أبي إسرائيل، والحسين الاحتياطي، وأبي كريب.

وعنه: الدارقطني، وأبو بكر بن شاذان، والمعافي الجريري.

قال الدارقطني: ضعيف، كتبنا عنه مناكير، وله شعر كثير.

وقال أبو الفتح عبيد الله بن أحمد النحوي: كذبوه في السماع من أبي كريب، وغيره.

وقال الخطيب: يضع الحديث على الثقات.

قلت: وضع في حديث: "لا نبي بعدي" -ولو كان لكنته يا علي.

توفي سنة خمس وعشرين وثلاث مائة.

وله جزء، عن الزبير بن بكار.

‌2869 - المقتدر

(2)

:

الخليفة المقتدر بالله، أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد طلحة بن المتوكل على الله الهاشمي، العباسي، البغدادي.

بويع بعد أخيه المكتفي في سنة خمس وتسعين ومائتين، وهو ابن ثلاث عشرة سنة. وما ولي أحد قبله أصغر منه، وانخرم نظام الإمامة في أيامه، وصغر منصب الخلافة، وقد خلع في أوائل دولته، وبايعوا ابن المعتر، ثم لم يتم ذلك. وقتل ابن المعتز، وجماعة، ثم إنه خلع ثانيًا في سنة سبع عشرة. وبذل خطه بعزل نفسه، وبايعوا أخاه القاهر، ثم بعد ثلاث، أعيد المقتدر، ثم في المرة الثالثة قتل.

وكان ربعة، مليح الوجه، أبيض بحمرة، نزل الشيب بعارضيه، وعاش ثمانيًا وثلاثين سنة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 288"، وميزان الاعتدال "4/ 35"، ولسان الميزان "5/ 377".

(2)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "2/ 501"، وتاريخ بغداد "7/ 213"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 243"، والعبر "2/ 181"، والنجوم الزاهرة "3/ 233"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 284".

ص: 369

قال أبو علي التنوخي: كان جيد العقل، صحيح الرأي، ولكنه كان مؤثرًا للشهوات، لقد سمعت علي بن عيسى الوزير يقول: ما هو إلَّا أن يترك هذا الرجل -يعني المقتدر- النبيذ خمسة أيام، فكان ربما يكون في أصالة الرأي كالمأمون والمعتضد.

قلت: كان منهومًا باللعب، والجواري، لا يلتفت إلى أعباء الأمور، فدخل عليه الداخل، ووهن دسته، وفارقه مؤنس الخادم مغاضبًا إلى الموصل، وتملكها، وهزم عسكرها في صفر سنة عشرين. ووصلت القرامطة إلى الكوفة، فهرب أهلها. ودخلت الديلم، فاستباحوا الدينور، ووصل أهلها، فرفعوا المصاحف على القصب، وضجوا يوم الأضحي من سنة تسع عشرة، وأقبلت جيوش الروم وبدعوا وأسروا. ثم تجهز نسيم الخادم في عشرة آلاف فارس، وعشرة آلاف راجل، حتى بلغوا عمورية، فقتلوا وسبوا، وتم ببغداد الوباء الكبير، والقحط حتى سود الشرفاء وجوههم، وصاحوا: الجوع الجوع. وقطع الجلب عنهم مؤنس والقرامطة. ولم يحج أحد، وتسلل الجيش إلى مؤنس، فتهيأ لقصد المقتدر، فبرز المقتدر، وتخاذل جنده. فركب، وبيده القضيب، وعليه البرد النبوي، والمصاحف حوله، والقراء. وخلفه الوزير الفضل بن الفرات، فالتحم القتال. وصار المقتدر في الوسط، فانكشف جمعه، فيرميه بربري بحربة من خلفه. فسقط وحز رأسه، ورفع على قناة، ثم سلب ثم طمر في موضعه، وعفي أثره كأن لم يكن، لثلاث بقين من شوال سنة عشرين وثلاث مائة.

وكان سمحًا متلافًا للأموال، محق ما لا يعد ولا يحصى. ومات صافي، وتفرد مؤنس بأعباء الأمور.

قال: محمد بن يوسف القاضي: لما تم أمر المقتدر استصباه الوزير العباس، وخاض الناس في صغره، فعمل الوزير على خلعه، وإقامة أخيه محمد. ثم إن محمدًا، وصاحب الشرطة، تنازعا في مجلس الوزير، فاشتط صاحب الشرطة فاغتاظ محمد كثيرًا، ففلج لوقته، ومات بعد أيام. ثم اتفق جماعة على تولية ابن المعتز، فأجابهم بشرط أن لا يسفك دم. وكان رأسهم محمد بن داود بن الجراح، وأبو المثنى أحمد بن يعقوب القاضي والحسين بن حمدان، واتفقوا على الفتك بالمقتدر، ووزيره، وفاتك. ففي العشرين من ربيع الأول سنة ست، ركب الملأ، فشد الحسين على الوزير فقتله. فأنكر فاتك، فعطف عليه الحسين فقتله، وساق إلى المقتدر، وهو يلعب بالصوالجة، فسمع الضجة فدخل الدار، فرد ابن حمدان إلى المخرم، فنزل بدار سليمان بن وهب، وأتى ابن المعتز، وحضر الأمراء والقضاة سوى حاشية المقتدر، وابن الفرات، وبايعوا عبد الله بن المعتز، ولقبوه الغالب بالله. فوزر ابن الجراح، ونفذت الكتب،

ص: 370

وبعثوا إلى المقتدر، ليتحول من دار الخلافة، فأجاب، ولم يبق معه سوى غريب خاله، ومؤنس الخازن، وباكر بن حمدان وطائفة، وأحاطوا بالدار ثم اقتتلوا. فذهب ابن حمدان إلى الموصل، واستظهر خواص المقتدر، وخارت قوى ابن المعتز، وأصحابه، وانهزموا نحو سامرا. ثم نزل ابن المعتز عن فرسه، وأغمد سيفه، واختفى وزيره، وقاضيه، ونهبت دورهما. وقتل المقتدر جماعة من الأعيان، ووزر له أبو الحسن علي بن الفرات، وأخذ ابن المعتز، فقتل سرًا، وصودر ابن الجصاص. فقيل: أخذ منه أزيد من ستة آلاف ألف دينار. وتضعضع حاله. وساس ابن الفرات الأمور. وتمكن، وانصلح أمر الرعية، والتقى الحسين بن حمدان وأخوه أبو الهيجاء عبد الله، فانكسر أبو الهيجاء، وقدم أخوهما إبراهيم فأصلح حال الحسين، وكتب له المقتدر أمانًا. وقدم فقلد قم وقاشان. وقدم صاحب أفريقية زيادة الله الأغلبي، وأخذها منه الشيعي وبويع المهدي بالمغرب، وظهر أمره وعدل، وتحبب إلى الرعية أولًا، ووقع بينه وبين داعييه الأخوين فوقع بينهما القتال، وعظم الخطب، وقتل خلق، حتى ظفر بهما وقتلهما، وتمكن، وبنى المهدية.

وقدم الحسين بن حمدان من قم فولي ديار بكر.

وفي سنة 299: أمسك الوزير ابن الفرات، وادعى عليه أنه كاتب الأعراب أن يكبسوا بغداد. ووزر أبو علي الخاقاني ووردت هدايا من مصر منها: خمس مائة ألف دينار، وضلع آدمي عرضه شبر، وطوله أربعة عشر شبرًا، وتيس له بز يدر اللبن، وقدمت هدايا صاحب ما وراء النهر، وهدايا ابن أبي الساج منها: بساط رومي، طوله سبعون ذراعًا في ستين. نسجه الصناع في عشر سنين.

وفي سنة ثلاث مائة: عظم الوباء بالعراق، ووزر علي بن عيسى بن الجراح، وولي القضاء أبو عمر القاضي، وفيها ضرب الحلاج، ونودي عليه: هذا أحد دعاة القرامطة، ثم سجن مدة، وظهر عنه أنه حلولي. وقلد جميع المغرب ولد المقتدر صغير، له أربع سنين، فاستناب مؤنسًا الخادم.

وفي سنة إحدى وثلاث مائة: أقبل ابن المهدي صاحب المغرب في أربعين ألفًا برًا وبحرًا ليملك مصر، ووقع القتال غير مرة، واستولى العبيدي على الإسكندرية، ثم رجع إلى برقة. ومات الراسبي أمير فارس، فخلف ألف فرس، وألف جمل، وألف ألف دينار.

وفي سنة اثنتين وثلاث مائة: أقبل العبيدي، فالتقاه جيش الخليفة فانكسر العبيدي وقتل مقدم جيشه حباسة، وغرم الخليفة على ختان أولاده الخمسة ست مائة ألف دينار. وقلد المقتدر الجزيرة أبا الهيجاء بن حمدان، وأخذت طيئ ركب العراق، وهلك الخلق جوعًا وعطشًا.

ص: 371

وفي سنة (303): راسل الوزير ابن الجراح القرامطة، وأطلق لهم، وتألفهم. وكان الجيش مشغولين مع مؤنس بحرب البربر، فنزع الطاعة الحسين بن حمدان، فسار لحربه رائق، فكسره ابن حمدان، ثم أقبل مؤنس فالتقى الحسين، فأسره، وأدخل بغداد على جمل، ثم غزا مؤنس بلاد الروم، وافتتح حصونًا، وعظم شأنه.

وفي سنة أربع: عزل ابن الجراح من الوزارة، وخرج بأذربيجان يوسف بن أبي الساج، فأسره مؤنس بعد حروب.

وفي سنة خمس: قدمت رسل طاغية الروم، يطلب الهدنة، فزينت دور الخلافة، وعرض المقتدر جيوشه ملبسين فكانوا مائة وستين ألفًا، وكان الخدام سبعة آلاف، والحجاب سبع مائة، والستور ثمانية وثلاثين ألف ستر، ومائة أسد مسلسلة، وفي الدهاليز عشرة آلاف جوشن مذهبة.

وفي سنة ست: فتح مارستان أم المقتدر، أنفق عليه سبع مائة ألف دينار. وذبح الحسين بن حمدان في الحبس، وأطلق أخوه أبو الهيجاء. وكان قد أعيد إلى الوزارة ابن الفرات، فقبض عليه، ووزر حامد بن العباس، فقدم من واسط وخلفه أربع مائة مملوك في السلاح. وولي نظر مصر والشام المادرائي، وقرر عليه خراجهما في السنة سوى رزق الجند ثلاثة آلاف ألف دينار، واستقل بالأمر والنهي السيدة أم المقتدر، وأمرت القهرمانة ثمل أن تجلس بدار العدل، وتنظر في القصص، فكانت تجلس، ويحضر القضاة والأعيان، وتوقع ثمل على المراسم.

وفي سنة سبع: ولى المقتدر نازوك إمرة دمشق، ودخلت القرامطة البصرة. فقتلوا وسبوا، وأخذ القائم العبيدي الإسكندرية ثانيًا. ومرض ووقع الوباء في جنده.

وتجمع في سنة ثمان: من الغوغاء ببغداد عشرة آلاف، وفتحوا السجون، وقاتلوا الوزير وولاة الأمور، ودام القتال أيامًا، وقتل عدة، ونهبت أموال الناس، واختلت أحوال الخلافة جدًا، ومحقت بيوت الأموال.

واشتد البلاء بالبربر، وكادوا أن يملكوا إقليم مصر، وضج الخلق بالبكاء، ثم هزمهم المسلمون، وسار ثمل

(1)

الخادم من طرسوس في البحر فأخذ الإسكندرية من البربر.

وفي سنة تسع: قتل الحلاج على الزندقة.

(1)

الثِمال: الغِياث، وثمل الخادم: أي غياثه وملجؤه ومطمه في الشدة.

ص: 372

وفي سنة 311: عزل حامد وأهلك، ووزر ابن الفرات الوزارة الثالثة.

وأخذت في سنة 312: القرامطة ركب العراق. وكان فيمن أسروا أبو الهيجاء بن حمدان، وعم السيدة والدة الخليفة. ثم إن المقتدر سلم ابن الفرات إلى مؤنس فصادره، وأهلكه، وكان جبارًا ظالمًا، وافتتح عسكر خراسان فرغانة.

وفي سنة 313: نهب القرمطي الكوفة، وعزل الخاقاني من الوزارة بأحمد بن الخصيب.

وفي سنة 314: استباحت الروم ملطية بالسيف، وقبض على أحمد بن الخصيب، ووزر علي بن عيسى، وأخذت الروم سميساط، وجرت وقعة كبيرة بين القرامطة والعسكر، وأسرت القرامطة قائد العسكر يوسف بن أبي الساج. ثم أقبل أبو طاهر القرمطي في ألف فارس وسبع مائة راجل، وقارب بغداد، وكاد أن يملك وضج الخلق بالدعاء، وقطعت الجسور مع أن عسكر بغداد كانوا أربعين ألفًا، وفيهم مؤنس، وأبو الهيجاء بن حمدان، وإخوته، وقرب القرمطي حتى بقي بينه وبين البلد فرسخان، ثم أقبل، وحاذى العسكر، ونزل عبد يجس المخائض، فبقي كالقنفد من النشاب، وأقامت القرامطة يومين، وترحلوا نحو الأنبار، فما جسر العسكر أن يتبعوهم، فانظر إلى هذا الخذلان.

قال ثابت بن سنان: انهزم معظم عسكر المقتدر إلى بغداد قبل المعاينة لشدة رعبهم، ونازل القرمطي هيت مدة فرد إلى البرية.

وفي سنة 316: دخل أبو طاهر القرمطي الرحبة بالسيف، ثم قصد الرقة، وبدع، عمل العظائم، واستعفي علي بن عيسى من الوزارة، فوزر أبو علي بن مقلة، وبنى القرمطي دارًا، سماها دار الهجرة، وكثر أتباعه، وكاتبه المهدي من المغرب، فدعا إليه، وتفاقم البلاء، وأقبل الدمستق في ثلاث مائة ألف من الروم، فقصد أرمينيه، فقتل وسبى، واستولى على خلاط.

وفى سنة 317: جرت خبطة ببغداد، واقتتل الجيش، وتم ما لا يوصف، وهموا بعزل المقتدر، واتفق على ذلك مؤنس، وأبو الهيجاء، ونازوك، وأتوا دار الخلافة، فهرب الحاجب، والوزير ابن مقلة، فأخرج المقتدر وأمه وخالته وحرمه إلى دار مؤنس، فأحضروا محمد بن المعتضد من الحريم، وكان محبوسًا، وبايعوه، ولقبوه بالقاهر. وأشهد المقتدر على نفسه بالخلع. وجلس القاهر في دست الخلافة. وكتب إلى الأمصار، ثم طلب الجيش رسم البيعة، ورزق سنة، وارتفعت الضجة، وهجموا فقتلوا نازوك والخادم عجيبًا، وصاحوا: المقتدر يا منصور. فهرب الوزير والحجاب. وصار الجند إلى دار مؤنس، وطلبوا المقتدر ليعيدوه. وأراد أبو الهيجاء الخروج فتعلق به القاهر، وقال: تسلمني؟ فأخذته الحمية، وقال:

ص: 373

لا والله، ودخلا الفردوس، وخرجا إلى الرحبة. وذهب أبو الهيجاء على فرسه، فوجد نازوك قتيلًا، وسدت المسالك عليه وعلى القاهر، وأقبلت خواص المقتدر في السلاح، فدخل أبو الهيجاء كالجمل، ثم صاح: يال يخلت أأقتل بين الحيطان؟ أين الكميت؟ أين الدهماء؟ فرموه بسهم في ثديه، وبآخر في ترقوته. فنزع منه الأسهم، وقتل واحدًا منهم، ثم قتلوه. وجيء برأسه إلى المقتدر، فتأسف عليه، وجيء إليه بالقاهر فقبله وقال: يا أخي أنت والله لا ذنب لك. وهو يبكي ويقول: الله في دمي يا أمير المؤمنين، وطيف برأس نازوك، وأبي الهيجاء. ثم أتى مؤنس والقواد والقضاة، وبايعوا المقتدر. وأنفق في الجند مالًا عظيمًا. وحج الناس فأقبل أبو طاهر القرمطي، ووضع السيف بالحرم في الوفد، واقتلع الحجر الأسود. وكان في سبع مائة راكب فقتلوا في المسجد أزيد من ألف. ولم يقف أحد بعرفة، وصاح قرمطي: يا حمير أنتم قلتم: "ومن دخله كان آمنًا" فأين الأمن؟.

وأما الروم فعاثوا في الثغور، وفعلوا العظائم، وبذل لهم المسلمون الإتاوة.

ووزر في سنة ثمان عشرة: للمقتدر سليمان بن الحسن، ثم قبض عليه في سنة تسع عشرة واستوزر عبيد الله بن محمد الكلوذاني. وظهر مرداويج في الديلم، وملكوا الجبل بأسره إلى حلوان، وهزموا العساكر. ثم عزل الكلوداني بالحسين بن القاسم بن عبيد الله. وقلت الأموال على المقتدر، وفسد ما بينه وبين مؤنس، فذهب مغاضبًا إلى الموصل. وقبض الوزير على أمواله، وهزم مؤنس بني حمدان، وتملك الموصل في سنة عشرين وثلاث مائة. والتقى والي طرسوس الروم، فهزمهم أولًا، ثم هزموه.

وفي سنة عشرين وثلاث مائة: عزل الوزير الحسين بأبي الفتح بن الفرات، ولاطف المقتدر الديلم، وبعث بولاية أذربيجان وأرمينية والعجم إلى مرداويج. وتسحب أمراء إلى مؤنس، وخاف المقتدر، وتهيأ للحرب، فأقبل مؤنس في جمع كبير. وقيل للمقتدر: إن جندك لا يقاتلون إلَّا بالمال، وطلب منه مائتا ألف دينار، فتهيأ للمضي إلى واسط، فقيل له: اتق الله، ولا تسلم بغداد بلا حرب، فتجلد وركب في الأمراء والخاصة والقراء، والمصاحف منشورة. فشق بغداد، وخرج إلى الشماسية، والخلق يدعون له. وأقبل مؤنس، والتحم الحرب، ووقف المقتدر على تل، فألحوا عليه بالتقدم لينصح جمعه في القتال فاستدرجوه حتى توسط، وهو في طائفة قليلة، فانكشف جمعه، فيرميه بربري فسقط فذبح، ورفع رأسه على رمح وسلبوه، فسترت عورته بحشيش، ثم طم وعفي أثره.

ونقل الصولي أن قاتله غلام لبليق، كان من الأبطال. تعجب الناس منه مما عمل يومئذ

ص: 374

من فنون الفروسية، ثم شد على المقتدر بحربته، أنفذها فيه، فصاح الناس عليه، فساق نحو دار الخلافة ليخرج القاهر فصادفه حمل شوك، فزحمته إلى قنار لحام فعلقه كلاب، وخرج من تحته فرسه في مشواره، فحطه الناس وأحرقوه بحمل الشوك.

وقيل: كان في دار المقتدر أحد عشر ألف غلام خصيان غير الصقالبة والروم. وكان مبذرًا للخزائن حتى احتاج، وأعطى ذلك لحظاياه، وأعطى واحدة الدرة اليتيمة التي كان زنتها ثلاثة مثاقيل. وأخذت قهرمانة سبحة جوهر ما سمع بمثلها. وفرق ستين حبًا من الصيني مملوءة غالية.

قال الصولي: كان المقتدر يفرق يوم عرفة من الضحايا تسعين ألف رأس. ويقال: إنه أتلف من المال ثمانين ألف دينار، عثر نفسه بيده.

وأولاده: محمد الراضي، وإبراهيم المتقي، وإسحاق، والمطيع فضل، وإسماعيل، وعيسى، وعباس، وطلحة.

وقال ثابت بن سنان طبيبه: أتلف المقتدر نيفًا وسبعين ألف ألف دينار. ولما قتل قدم رأسه إلى مؤنس فندم وبكى، وقال: والله لنقتلن كلنا، وهم بإقامة ولده، ثم اتفقوا على أخيه القاهر.

ص: 375

‌2870 - مؤنس

(1)

:

الخادم الأكبر الملقب بالمظفر المعتضدي، أحد الخدام الذين بلغوا رتبة الملوك، وكان خادمًا أبيض فارسًا شجاعًا سائسًا داهيةً.

ندب لحرب المغاربة العبيدية، وولي دمشق للمقتدر، ثم جرت له أمور وحارب المقتدر، فقتل يومئذ المقتدر فسقط في يد مؤنس، وقال: كلنا نقتل. وكان معظم جند مؤنس يومئذ البربر، فرمى واحد منهم بحربته الخليفة، فما أخطأه. ثم نصب مؤنس في الخلافة القاهر بالله. فلما تمكن القاهر، قتل مؤنسًا وغيره في سنة إحدى وعشرين. وبقي مؤنس ستين سنة أميرًا، وعاش تسعين سنة، وخلف أموالًا لا تحصى.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 188"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 239"، وشذرات الذهب "2/ 291".

ص: 375

‌2871 - الزبير بن أحمد

(1)

:

ابن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام، العلامة، شيخ الشافعية أبو عبد الله القرشي الأسدي الزبيري البصري الشافعي، الضرير.

حدث عن: محمد بن سنان القزاز، وأبي داود، وطائفة.

روى عنه: أبو بكر النقاش، وعمر بن بشران، وعلي بن لؤلؤ الوراق، وابن بخيت الدقاق. وكان من الثقات الأعلام.

وقد تلا على روح بن قرة، ورويس، ومحمد بن يحيى القطعي، ولم يختم على القطعي.

قرأ عليه أبو بكر النقاش، وغيره.

وتفقه به طائفة، وهو صاحب وجه في المذهب.

قال الشيخ أبو إسحاق: كان أعمى، وله مصنفات كثيرة مليحة. منها:"الكافي" وكتاب "النية"، وكتاب "ستر العورة"، وكتاب "الهدية"، وكتاب "الاستشارة والاستخارة"، وكتاب "رياضة المتعلم"، وكتاب "الإمارة".

قلت: مات سنة سبع عشر وثلاث مائة، وذكرته في موضع آخر، أنه مات بالبصرة في صفر سنة عشرين وثلاث مائة. وصلى عليه ولده أبو عاصم.

‌2872 - ابن خيران

(2)

:

الإمام شيخ الشافعية، أبو علي الحسين بن صالح بن خيران البغدادي الشافعي.

قال القاضي أبو الطيب: كان أبو علي بن خيران، يعاتب ابن سريج على القضاء ويقول: هذا الأمر لم يكن في أصحابنا، إنما كان في أصحاب أبي حنيفة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 471"، والأنساب للسمعاني "6/ 251"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 241".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 53"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 244"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 182"، والعبر "2/ 184"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 235"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 287".

ص: 376

قال الشيخ أبو إسحاق: عرض على ابن خيران القضاء، فلم يتقلده، وكان بعض وزراء المقتدر وأظن أنه أبو الحسن علي بن عيسى وكل بداره ليلي القضاء، فلم يتقلد. وخوطب الوزير في ذلك فقال: إنما قصدنا التوكيل بداره ليقال: كان في زماننا من وكل بداره ليتقلد القضاء فلم يفعل.

وقال ابن زولاق: شاهد أبو بكر بن الحداد الشافعي ببغداد سنة عشر وثلاث مائة باب أبي علي بن خيران مسمورًا لامتناعه من القضاء، وقد استتر. قال: فكان الناس يأتون بأولادهم الصغار، فيقولون لهم: انظروا حتى تحدثوا بهذا.

قلت: كان ابن الحداد قد سار إلى بغداد يسعى لأبي عبيد بن حربويه في أن يعفى من قضاء مصر.

ولم يبلغني على من اشتغل، ولا من روى عنه.

توفي لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة، سنة عشرين وثلاث مائة.

وقيل: ختم بابه بضعة عشر يومًا، ثم أعفي، رحمه الله.

ص: 377

‌2873 - تبوك

(1)

:

ابن أحمد بن تبوك بن خالد المعمر، أبو محمد السلمي، الدمشقي.

سمع: هشام بن عمار، ووالده.

وعنه: أبو الحسين الرازي، والحسن بن محمد بن درستويه.

قال الرازي: مات سنة ثلاثين وثلاث مائة.

‌2874 - محمد بن حمدون

(2)

:

ابن خالد، الحافظ الثبت المجوِّد، أبو بكر النيسابوري.

سمع: محمد بن يحيى الذهلي، وعيسى بن أحمد العسقلاني، والربيع بن سليمان، ومحمد بن مسلم بن وارة، وأبا حاتم، وأبا زرعة، وسليمان بن سيف الحراني، وعباسًا الدوري، وطبقتهم، فأكثر وأتقن، وجمع فأوعى.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 221"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 326".

(2)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 796"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 286".

ص: 377

حدث عنه: محمد بن صالح بن هانئ، وأبو علي الحافظ، وأبو محمد المخلدي، وأبو بكر بن مهران المقرئ، ومحمد بن الفضل بن خزيمة، وعدد كثير.

قال الحاكم: كان من الثقات الأثبات الجوالين في الأقطار. عاش سبعًا وثمانين سنة.

وقال أبو يعلى الخليلي: حافظ كبير، سمع أحمد بن حفص، وقطن بن عبد الله، وعدة.

وقال الحاكم توفي في ربيع الآخر سنة عشرين وثلاث مائة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا أبو روح البزار، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعيد الطبيب، أخبرنا شافع بن محمد الإسفراييني، حدثنا محمد بن حمدون الحافظ، حدثنا أبو حذافة المدني، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العلم ثلاثة آية محكمة، وسنة قائمة، ولا أدري"

(1)

.

فهذا مما نقم على أبي حذافة أحمد بن إسماعيل وصوابه موقوف من قول ابن عمر.

(1)

حسن لغيره: ذكره الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب""4197". وآفته أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي، قال الخطيب وغيره: لم يكن ممن يتعمد الكذب. قال الدارقطني: ضعيف.

وأخرجه أبو داود "2885"، وابن ماجه "54" من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، عن عبد الرحمن ابن رافع التنوخي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"العلم ثلاثة، وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة".

قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، ضعيف في حفظه كما قال الحافظ في "التقريب". الثانية: عبد الرحمن بن رافع التنوخي المصري، قاضي أفريقية، ضعيف أيضا، والحديث يرتقي لمرتبة الحسن لغيره بمجموع طريقيه، والله تعالى أعلم.

ص: 378

‌2875 - ابن مروان

(1)

:

الإمام الحافظ الثقة الرحال، أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك القرشي الأموي الدمشقي.

سمع: موسى بن عامر المري، وشعيب بن شعيب بن إسحاق، ويونس بن عبد الأعلى، والعباس بن الوليد البيروتي، والربيع بن سليمان المرادي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ومحمد بن سعيد بن أبي قفيز، وأحمد ابن إبراهيم بن ملاس، وعدة. فأكثر وجمع وألف.

حدث عنه: ولده المحدث أبو عبد الله، وأبو الحسين والد تمام، وأبو سليمان بن زبر، وأبو هاشم المؤدب، وحميد ابن الحسن الوراق، وأبو بكر بن المقرئ، وعبد الوهاب بن الحسن الكلابي، وآخرون.

مات في رجب، سنة تسع عشرة وثلاث مائة وقد قارب التسعين.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 794"، والعبر "2/ 175"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 281".

ص: 378

‌2876 - محمد بن إبراهيم

(1)

:

ابنه العدل الرئيس الأمين، أبو عبد الله القرشي الدمشقي الذي انتقى عليه الحافظ ابن مندة تلك الأجزاء.

سمع: أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وزكريا السجزي خياط السنة، وإسماعيل بن قيراط، وأبا علاثة المصري، وأنس بن السلم، وأحمد بن إبراهيم البسري، وطبقتهم.

حدث عنه: ابن مندة، وتمام الرازي، وعبد الوهاب الميداني، وعبد الرحمن بن أبي نصر، والخصيب بن عبد الله القاضي، وأبو الحسن بن السمسار، وآخرون. وأملى بجامع دمشق.

قال الكتاني: كان ثقة مأمونًا جوادًا، انتقى عليه ابن مندة ثلاثين جزءًا.

مات في شوال سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة. وكان من المعمرين.

‌2877 - أبو هاشم

(2)

:

عبد السلام ابن الأستاذ أبي علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي، المعتزلي، من كبار الأذكياء.

أخذ عن والده.

وله: كتاب "الجامع الكبير"، وكتاب "العرض"، وكتاب "المسائل العسكرية"، وأشياء.

توفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، وله عدة تلامذة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 311"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 27".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 55"، والأنساب للسمعاني "3/ 176"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 261"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 183"، والعبر "2/ 187"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 289".

ص: 379

‌2878 - ابن عتاب

(1)

:

المحدث المتقن الثقة، أبو العباس عبد الله بن عتاب بن أحمد بن كثير البصري الأصل، الدمشقي، ابن الزفتي.

سمع: هشام بن عمار، وعيسى بن حماد زغبة، وهارون بن سعيد الأيلي، ودحيمًا، وأحمد بن أبي الحواري، وطائفة.

حدث عنه: علي بن عمرو الحريري، وأبو سليمان بن زبر، وشافع بن محمد الإسفراييني، وأبو أحمد الحاكم، وعبد الوهاب الكلابي، وآخرون، وكان أسند من بقي بدمشق.

ولد سنة أربع وعشرين ومائتين.

قال أبو أحمد الحافظ: رأيناه ثبتًا.

قلت: له مزرعة قبلي المصلى.

ومات في رجب، سنة عشرين وثلاث مائة.

‌2879 - ابن زياد النيسابوري

(2)

:

الإمام الحافظ العلامة شيخ الإسلام، أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون النيسابوري، مولى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، الأموي، الحافظ، الشافعي، صاحب التصانيف.

تفقه: بالمزني، والربيع، وابن عبد الحكم، وسمع منهم، ومن: محمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن يوسف السلمي، ويونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب، وأبي زرعة الرازي، والعباس بن الوليد العذري، ومحمد بن عزيز الأيلي، وابن وارة، وابن حاتم، وأحمد بن محمد بن أبي الخناجر، وبكار بن قتيبة، وأبي بكر الصاغاني، وخلق كثير من طبقتهم. وبرع في العلمين: الحديث والفقه، وفاق الأقران.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "6/ 290"، والعبر "2/ 182"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 285".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "10/ 120"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 286"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 805"، والعبر "2/ 201"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 259"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 302".

ص: 380

أخذ عنه: موسى بن هارون الحافظ -وهو أكبر منه، بل من شيوخه، وروى عنه: ابن عقدة، وأبو إسحاق بن حمزة، وحمزة بن محمد الكناني، وابن المظفر، والدارقطني، وابن شاهين، وأبو حفص الكتاني، وعبيد الله بن أحمد الصيدلاني، وإبراهيم بن عبد الله بن خرشيذ قوله، وخلق سواهم.

قال أبو عبد الله الحاكم: كان إمام الشافعيين في عصره بالعراق، ومن أحفظ الناس للفقهيات واختلاف الصحابة. سمع بنيسابور، والعراق، ومصر، والشام، والحجاز.

قال البرقاني: سمعت الدارقطني يقول: ما رأيت أحدًا أحفظ من أبي بكر النيسابوري.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري فقال: لم نر مثله في مشايخنا، لم نر أحفظ منه للأسانيد والمتون، وكان أفقه المشايخ، وجالس المزني والربيع، وكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون. ولما قعد للتحديث، قالوا حدث، قال: بل سلوا، فسئل عن أحاديث فأجاب فيها، وأملاها ثم بعد ذلك ابتدأ فحدث.

قال أبو الفتح يوسف القواس: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: تعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل، ويتقوت كل يوم بخمس حبات، ويصلي صلاة الغداة على طهارة عشاء الآخرة؟ ثم قال: أنا هو، وهذا كله قبل أن أعرف أم عبد الرحمن، أيش أقول لمن زوجني؟ ثم قال: ما أراد إلَّا الخير.

قلت: قد كان أبو بكر من الحفاظ المجودين.

مات في شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وثلاث مائة عن بضع وثمانين سنة.

قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق المؤيد بمصر، أخبركم الفتح بن عبد السلام ببغداد، أخبرنا هبة الله ابن الحسين الحاسب، وأجاز لنا ابن أبي عمر، وأبو زكريا بن الصيرفي، قالا: أخبرنا أبو الفتوح محمد بن علي التاجر سنة ثمان وست مائة، أخبرنا هبة الله الحاسب، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور، حدثنا عيسى بن علي إملاء، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد، حدثنا محمد بن يحيى، ومحمد بن إشكاب، قالا: حدثنا وهب بن جرير، حدثنا شعبة، عن حبيب بن الشهيد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: قال عمر: "علي أقضانا، وأبي أقرؤنا".

قال أبو إسحاق: ولابن زياد كتاب "زيادات كتاب المزني".

قال الدارقطني: كنا نتذاكر فسألهم فقيه: من روى: "وجعلت تربتها لنا طهورًا"، فقام الجماعة إلى أبي بكر بن زياد فسألوه، فساق الحديث في الحال من حفظه.

ص: 381

‌2880 - أبو طالب

(1)

:

الحافظ المتقن الإمام محدث بغداد، أبو طالب أحمد بن نصر بن طالب البغدادي.

سمع: عباس بن محمد بن الدوري، وإسحاق الدبري، وإبراهيم بن برة الصنعاني، ويحيى بن عثمان بن صالح، وأحمد بن ملاعب وطبقتهم.

حدث عنه: أبو عمر بن حيويه، ومحمد بن المظفر، وأبو الحسن الدارقطني، وآخرون.

وكان الدارقطني يقول: أبو طالب الحافظ أستاذي.

حدث عنه: أبو طاهر المخلص.

مات في رمضان سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة. من أبناء السبعين.

قال الخطيب: كان ثقة ثبتًا.

روى عنه من الكبار: عبد الله بن زيدان البجلي.

وله تاريخ مفيد.

‌2881 - علي بن الفضل

(2)

:

البلخي، أحد الحفاظ الكبار الأثبات.

حدث عن: أبي حاتم الرازي، وأحمد بن سيار، ومحمد بن الفضل، وأبي قلابة الرقاشي، وطبقتهم.

روى عنه: ابن المظفر، والدارقطني، وعمر بن شاهين، وغيرهم.

توفي ببغداد في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.

وهو علي بن الفضل بن نصر، يكنى أبا الحسن، وممن حدث عنه: أبو الفتح القواس، وعبد الله بن عثمان الصفار.

قال الخطيب: كان ثقة حافظًا جوالًا في طلب الحديث، صاحب غرائب.

قلت: حديثه في أفراد الدارقطني.

قال الدارقطني: هو ثقة حافظ.

وقال أبو بكر بن شاذان: توفي سنة ثلاث وعشرين.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 182"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 813"، والعبر "2/ 198"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 298".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 47"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 280"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 842".

ص: 382

‌2882 - وكيل أبي صخرة

(1)

:

المحدث، الصدوق، أبو بكر أحمد بن عبد الله البغدادي، النحاس، وكيل أبي صخرة.

ولد سنة سبع وثلاثين ومائتين.

وسمع: أبا حفص الفلاس، وزيد بن أخزم، وأحمد بن بديل، وجماعة.

حدث عنه: الدارقطني، وابن شاهين، وعمر بن إبراهيم الكتاني، وآخرون.

وثق، ومات في سنة خمس وعشرين وثلاث مائة.

‌2883 - مكي بن عبدان

(2)

:

ابن محمد بن بكر بن مسلم، المحدث، الثقة، المتقن، أبو حاتم التميمي النيسابوري.

سمع: عبد الله بن هاشم، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن حفص، وأحمد بن يوسف السلمي، وعمار ابن رجاء، ومسلم صاحب "الصحيح"، وجماعة.

حدث عنه: أبو علي بن الصواف، وعلي بن عمر الحربي، وأبو أحمد الحاكم، وأبو بكر الجوزقي، ويحيى بن إسماعيل الحربي.

قال الحافظ أبو علي النيسابوري: ثقة مأمون مقدم على أقرانه من المشايخ.

قلت: وقد حدث عنه من القدماء: أبو العباس بن عقدة.

مات في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وثلاث مائة، وصلى عليه أبو حامد بن الشرقي، وعاش بضعا وثمانين سنة، رحمه الله.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 229"، والعبر "2/ 204"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 306".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "13/ 119"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 307".

ص: 383

‌2884 - الهاشمي

(1)

:

الأمير المسند الصدوق، أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، العباسي، البغدادي. كان أبوه أمير الحاج مدة.

فأسمع: هذا من أبي مصعب الزهري كتاب "الموطأ"، ومن: أبي سعيد الأشج، وعبيد بن أسباط، وجماعة بالكوفة، ومن: الحسين بن الحسن المروزي، صاحب ابن المبارك، ومن: محمد بن الوليد البسري، ومحمد بن عبد الله الأزرقي، وخلاد بن أسلم، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي.

حدث عنه: الدارقطني، وأبو حفص بن شاهين، وابن المقرئ، وزاهر بن أحمد الفقيه، وأحمد بن محمد بن الصلت المجبر، وآخرون.

قال الدارقطني: سمعت القاضي محمد بن أم شيبان يقول: رأيت على ظهر "الموطأ" المسموع من أبي مصعب سماعًا قديمًا صحيحًا: سمع الأمير عبد الصمد بن موسى الهاشمي، وابنه إبراهيم.

وقال حمزة السهمي: سمعت أبا الحسن بن لؤلؤ، يقول رحلت إلى سامراء إلى إبراهيم بن عبد الصمد، لأسمع "الموطأ"، فلم أر له أصلًا صحيحًا، فتركت، ولم أسمع منه.

توفي بسامراء في أول المحرم سنة خمس وعشرين وثلاث مائة عن بضع وتسعين سنة.

وقد أملى عدة مجالس في سنة أربع، سمعها ابن الصلت منه.

ومات معه أبو مزاحم الخاقاني المقرئ، ومكي بن عبدان، وأبو بكر وكيل أبي صخرة، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو الغمر عبيدون بن محمد الجهني الأندلسي -يروي عن: يونس بن عبد الأعلى- وأبو العباس الدغولي، وعمر بن علك المروزي.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "6/ 137"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 289"، والعبر "2/ 205"، وميزان الاعتدال "1/ 46"، ولسان الميزان "1/ 77"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 306".

ص: 384

‌2885 - المحاربي

(1)

:

الشيخ المحدث المعمر، أبو عبد الله محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، الكوفي، السوداني.

روى عن: أبي كريب محمد بن العلاء -وهو آخر أصحابه- وسفيان بن وكيع، وهشام بن يونس، وحسين بن نصر ابن مزاحم، وطائفة.

حدث عنه: الدارقطني، ومحمد بن عبد الله الجعفي، وجماعة.

قال ابن حماد الحافظ: توفي في صفر سنة ست وعشرين وثلاث مائة، قال: ما رؤي له أصل قط، وحضرت مجلسه، وكان ابن سعيد يقرأ عليه كتاب "النهي"، عن حسين بن نصر بن مزاحم، قال: وكان يؤمن بالرجعة.

ومات معه عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن حجاج الرشديني، وأبو ذر أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الباغندي.

‌2886 - الوراق

(2)

:

المحدث الإمام الحجة، أبو علي إسماعيل بن العباس بن عمر بن مهران البغدادي، الوراق.

سمع: الحسن بن عرفة، والزبير بن بكار، وعلي بن حرب، وطبقتهم.

حدث عنه: ولده أبو بكر محمد، والدارقطني، وعيسى ابن الوزير، وأبو طاهر المخلص، وآخرون. وثقه الدارقطني.

وتوفي راجعًا من الحج في الطريق في المحرم سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة، وقد نيف على الثمانين.

أخبرنا الأبرقوهي، أخبرنا الفتح، أخبرنا هبة الله، أخبرنا ابن النقور، حدثنا عيسى بن علي، أخبرنا إسماعيل الوراق، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني المحاربي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك"

(3)

. رواه الترمذي عن ابن عرفة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 207"، وميزان الاعتدال "4/ 14"، ولسان الميزان "5/ 347"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 308".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "6/ 300"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 278".

(3)

حسن: أخرجه الترمذي "3550"، وابن ماجه "4236"، والحاكم "2/ 427"، والبيهقي "3/ 370" والخطيب في "تاريخ بغداد""6/ 397" من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، به.

قلت: إسناده حسن، محمد بن عمرو، هو ابن علقمة الليثي، حسن الحديث. وقد تحرف عند الترمذي فقال عبد الرحمن بن محمد بن عمرو، وهو تصحيف. والصواب عبد الرحمن عن محمد بن عمرو.

ص: 385

‌2887 - نفطويه

(1)

:

الإمام الحافظ النحوي العلامة الأخباري، أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان العتكي، الأزدي، الواسطي، المشهور بنفطويه، صاحب التصانيف.

سكن بغداد، وحدث عن: إسحاق بن وهب العلاف، وشعيب بن أيوب الصريفيني، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي، وداود بن علي، وعدة. وأخذ العربية، عن محمد بن الجهم، وثعلب والمبرد، وتفقه على داود.

حدث عنه: المعافى بن زكريا، وأبو بكر بن شاذان، وأبو عمر بن حيويه، وأبو بكر بن المقرئ، وآخرون.

ولد سنة أربع وأربعين ومائتين.

وكان متضلعًا من العلوم، ينكر الاشتقاق ويحيله. ومن محفوظه نقائض جرير والفرزدق، وشعر ذي الرمة. خلط نحو الكوفيين بنحو البصريين، وصار رأسا في رأي أهل الظاهر.

وكان ذا سنة ودين وفتوة ومروءة، وحسن خلق، وكيس. وله نظم ونثر.

صنف "غريب القرآن"، وكتاب "المقنع" في النحو، وكتاب "البارع"، و"تاريخ الخلفاء" في مجلدين وأشياء.

مات في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة.

وكان محمد بن زيد الواسطي المتكلم يؤذيه، وهجاه فقال:

من سره أن لا يرى فاسقًا

فليجتنب من أن يرى نفطويه

أحرقه الله بنصف اسمه

وصير الباقي صراخًا عليه

وقال أيضًا: من أراد أن يتناهى في الجهل، فليعرف الكلام على مذهب الناشئ، والفقة على مذهب داود، والنحو على مذهب سيبويه. ثم يقول: وقد جمع هذه المذاهب نفطويه، فإليه المنتهى.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "6/ 159"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 277"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "1/ 254"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 12"، والعبر "2/ 198"، وميزان الاعتدال "1/ 64"، ولسان الميزان "1/ 109"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 249"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 298".

ص: 386

‌2888 - ابن المغلس

(1)

:

الإمام العلامة، فقيه العراق، أبو الحسن عبد الله ابن المحدث أحمد بن محمد المغلس البغدادي، الداوودي، الظاهري، صاحب التصانيف.

حدث عن: جده، وجعفر بن محمد بن شاكر، وأبي قلابة الرقاشي، وإسماعيل القاضي، وطبقتهم. وتفقه على: أبي بكر محمد بن داود، وبرع وتقدم.

أخذ عنه: أبو المفضل الشيباني ونحوه.

وعنه انتشر مذهب الظاهرية في البلاد، وكان من بحور العلم، حمل عنه تلميذه حيدرة بن عمر، والقاضي عبد الله بن محمد ابن أخت وليد قاضي مصر، والفقيه علي بن خالد البصري، وطائفة.

وله من التصانيف: كتاب "أحكام القرآن"، وكتاب "الموضح" في الفقه، وكتاب "المبهج"، وكتاب "الدامغ" في الرد على من خالفه وغير ذلك.

مات في سنة أربع وعشرين وثلاث مائة عن نيف وستين سنة.

‌2889 - ابن مرداس:

المحدث الثقة، أبو عبد الله الحسن بن علي بن الحسين بن مرداس التميمي، الهمذاني، ابن أبي الحتي.

حدث عن: محمد بن عبيد الهمداني، والمرار بن حمويه، وأحمد بن بديل، وأبي عبد الله بن عصام، وعدة.

قال صالح: سمعت منه مع أبي، وهو صدوق. مات في ربيع الأول سنة (322).

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 385"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 286"، والعبر "2/ 201"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 259"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 302".

ص: 387

‌2890 - القمودي:

الإمام زاهد المغرب، أبو جعفر القمودي السوسي.

كان سيدًا عابدًا منقطع القرين، عبد ربه حتى صار كالشن البالي، وكان يضرب به المثل، وكان من أحلم الناس، يدعو لمن يؤذيه. سكن سوسة وعمر، وعاش أربعًا وتسعين سنة، وخلف ولدين، لا بل ماتا قبله.

مات بسوسة، في ربيع الآخر، سنة أربع وعشرين وثلاث مائة، رحمه الله. وله ترجمة في ورقات في أحواله ومناقبه.

‌2891 - ابن فُطَيس

(1)

:

الإمام العلامة الحافظ الناقد، أبو عبد الله، محدث الأندلس، محمد بن فطيس بن واصل بن عبد الله الغافقي، الأندلسي، الإلبيري.

مولده سنة تسع وعشرين ومائتين.

وسمع: أبان بن عيسى، ومحمد بن أحمد العتبي الفقيه، وابن مزين من علماء الأندلس.

قال ابن الفرضي في "تاريخه": ارتحل سنة سبع وخمسين ومائتين. فسمع من: يونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأخذ بإفريقية عن أحمد بن عبد الله العجلي الحافظ، وشجرة بن عيسى، ويحيى بن عون، وأكثر عن أهل الحرم، ومصر، والقيروان، وتفقه بالمزني، وأدخل الأندلس علمًا غزيرًا.

وكان بصيرًا بفقه مالك. وكان يقول لقيت في رحلتي مائتي شيخ ما رأيت فيهم مثل ابن عبد الحكم.

قال ابن الفرضي وغيره: صارت إليه الرحلة من البلاد، وعمر دهرًا. وصنف: كتاب "الروع والأهوال"، وكتاب "الدعاء". وكان ضابطًا نبيلًا صدوقًا. حدثنا عنه غير واحد.

وتوفي: في شوال، سنة تسع عشرة وثلاث مائة.

قلت: عمر تسعين عامًا.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 792"، والعبر "2/ 177"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 283".

ص: 388

‌2892 - محمد بن حمدويه

(1)

:

ابن سهل، الإمام، الحافظ المتقن، أبو نصر المروزي الفازي -بالفاء من أهل قرية فاز، وبعضهم يقول: الغازي.

يروي عن: سليمان بن معبد السنجي، ومحمود بن آدم، وسعيد بن مسعود، وأبي الموجه محمد بن عمرو، وعبد الله بن عبد الوهاب، وطبقتهم.

حدث بمرو، وببغداد.

روى عنه: أبو عمرو بن حيويه، والدارقطني، ويوسف القواس، وأبو إسحاق المزكي، ومحمد بن أحمد السليطي، ومحمد بن الحسين العلوي، وأبو أحمد بن جامع الدهان، وآخرون.

قال البرقاني: حدثنا الدارقطني، قال: حدثنا محمد بن حمدويه المروزي، وعلي بن الفضل بن طاهر: ثقتان نبيلان حافظان.

قلت: يقال: مات أبو نصر الفازي الغازي المطوعي سنة سبع وعشرين، والأصح وفاته على ما نقله الحافظ غنجار، أنه سمع عثمان بن محمد بن حمدويه المروزي يقول: توفي أبي بمرو سنة تسع وعشرين وثلاث مائة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد الرحيم بن السمعاني، أخبرنا عمر بن أحمد الصفار، أخبرنا موسى بن عمران الصوفي، أخبرنا محمد بن الحسين العلوي، أخبرنا أبو نصر محمد ابن حمدويه الغازي، حدثنا محمود بن آدم المروزي، حدثنا سفيان، عن جامع بن أبي راشد، عن أبي وائل قال: قال حذيفة لعبد الله: عكوفًا بين دارك، ودار أبي موسى، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا اعتكاف إلَّا في المساجد الثلاثة". فقال عبد الله: لعلك نسيت وحفظوا، وأخطأت، وأصابوا

(2)

صحيح غريب عال.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 325"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 843"، والعبر "2/ 218"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 323".

(2)

صحيح: أخرجه الإسماعيلي في "معجمه""336" من طريق محمد بن الفرج -وهو صدوق- والطحاوي في "شرح مشكل الآثار""2771"، من طريق هشام بن عمار، والبيهقي "4/ 316" من طريق محمود بن آدم "ثلاثتهم" عن سفيان بن عيينة، عن جامع بن أبي راشد، عن أبي وائل، به.

قلت: إسناده صحيح. وقول ابن مسعود ليس نصا في تخطئته لحذيفة في روايته للفظ الحديث، بل لعله خطأه في استدلاله به على العكوف الذي أنكره حذيفة؛ لاحتمال أن يكون معنى الحديث عند ابن مسعود: لا اعتكاف كاملا كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له"، والله تعالى أعلم.

ص: 389

‌2893 - برداعس

(1)

:

الإمام الحافظ الناقد، أبو بكر محمد بن بركة بن الحكم بن إبراهيم اليحصبي، القنسريني، الحلبي، ولقبه برداعس.

حدث عن: أحمد بن شيبان -صاحب ابن عيينة، ومحمد بن عوف الحمصي، ويوسف بن سعيد بن مسلم، وهلال بن العلاء، وأمثالهم.

حدث عنه: عثمان بن خُرَّزاذ -أحد شيوخه، وأبو سليمان بن زبر، وأبو بكر الربعي، وأبو أحمد بن عدي، والميانجي، وابن المقرئ، وعلي بن محمد بن إسحاق الحلبي، وأبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد، وخلق سواهم.

قال ابن ماكولا: كان حافظًا.

وقال أبو أحمد الحاكم: رأيته حسن الحفظ.

وروى حمزة السهمي، عن الدارقطني قال: هو ضعيف.

توفي برداعس سنة سبع وعشرين وثلاث مائة.

أخبرنا جماعة إجازة عن المؤيد بن الأخوة، أخبرنا سعد بن أبي الرجاء، أخبرنا أبو طاهر الثقفي، ومنصور بن الحسين، قالا: أخبرنا أبو بكر بن المقرئ، حدثنا محمد بن بركة أبو بكر الحافظ، حدثنا أحمد بن هاشم الأنطاكي، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلَّا بولي"

(2)

.

وفيها مات أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي، والوزير أبو الفتح الفضل بن جعفر بن

حنزابة، والحافظ أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي، وأبو محمد بن أبي حاتم الإمام، وأبو نصر محمد بن حمدويه المروزي الفازي.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 810"، والعبر "2/ 208"، وميزان الاعتدال "3/ 489"، ولسان الميزان "5/ 91"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 309".

(2)

صحيح لغيره: أخرجه الطيالسي "523"، وأبو داود "2085"، والترمذي "1101"، وابن ماجه "1881"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار""3/ 9"، والحاكم "2/ 169 و 171"، وابن الجارود "701" و"704"، والبيهقي "7/ 107 و 108 و 109" من طرق عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي بردة، عن أبي موسى، به مرفوعا.

وورد من حديث ابن عباس: عند أحمد "1/ 250"، وابن ماجه "1880"، والدارقطني "3/ 221 - 222"، والطبراني في "الكبير""11/ 11298 و 11343 و 11944"، والبيهقي "7/ 109 - 110".

ص: 390

‌2894 - أحمد بن بقي

(1)

:

ابن مخلد، أبو عمر القرطبي.

كبير علماء الأندلس، وقاضي قرطبة.

قال القاضي عياض: سمع أباه خاصة.

وقال ابن عبد البر: كان وقورًا حليمًا كثير التلاوة ليلًا ونهارًا، قوي المعرفة باختلاف العلماء، ولي القضاء عشرة أعوام ما ضرب فيها -فيما قيل- سوى واحد مجمع على فسقه، وكان يتوقف ويتثبت، ويقول: التأني أخلص، إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشكل عليه أمر حديث حويصة ومحيصة، ودى القتيل من عنده.

وكان الناصر لدين الله يحترمه ويبجله.

توفي على القضاء: سنة أربع وعشرين وثلاث مائة.

قلت: وفي ذريته أئمة وفضلاء، آخرهم أبو القاسم أحمد بن بقي، بقي إلى سنة خمس وعشرين وست مائة.

‌2895 - أبو صالح

(2)

:

هو الزاهد العابد شيخ الفقراء بدمشق، أبو صالح مفلح، صاحب المسجد الذي بظاهر باب شرقي، وبه يعرف، وقد صار ديرًا للحنابلة.

صحب أبا بكر بن سيد حمدويه.

حكى عنه: موحد بن إسحاق، وعلي بن القجة، ومحمد بن داود الدقي.

وقد ساح بلبنان في طلب العباد. وحكى: أنه رأى في جبل اللكام فقيرًا عليه مرقعة،

فقال: ما تصنع هنا؟ قال: أنظر وأرعى. قلت: ما أرى بين يديك شيئًا؟ قال: فتغير، وقال أنظر خواطري، وأرعى أوامر ربي.

مات سنة ثلاثين وثلاث مائة. قاله ابن زبر في "الوفيات".

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 283"، والعبر "2/ 200"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 301".

(2)

ترجمته في العبر "2/ 224"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 275"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 328".

ص: 391

‌2896 - الأشعري

(1)

:

العلامة إمام المتكلمين، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى ابن أمير البصرة بلال بن أبي بردة ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي موسى عبد الله بن قيس بن حضار الأشعري، اليماني، البصري.

مولده سنة ستين ومائتين، وقيل: بل ولد سنة سبعين.

وأخذ عن: أبي خليفة الجمحي، وأبي علي الجبائي، وزكريا الساجي، وسهل بن نوح، وطبقتهم، يروي عنهم بالإسناد في تفسيره كثيرًا.

وكان عجبًا في الذكاء، وقوة الفهم. ولما برع في معرفة الاعتزال، كرهه وتبرأ منه، وصعد للناس، فتاب إلى الله تعالى منه، ثم أخذ يرد على المعتزلة، ويهتك عوارهم.

قال الفقيه أبو بكر الصيرفي: كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم، حتى نشأ الأشعري فحجرهم في أقماع السمسم.

وعن ابن الباقلاني قال: أفضل أحوالي أن أفهم كلام الأشعري.

قلت: رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات، وقال فيها: تمر كما جاءت. ثم قال: وبذلك أقول، وبه أدين، ولا تؤول.

قلت: مات ببغداد سنة أربع وعشرين وثلاث مائة، حط عليه جماعة من الحنابلة والعلماء.

وكل أحد فيؤخذ من قوله ويترك، إلَّا من عصم الله تعالى اللهم اهدنا، وارحمنا.

ولأبي الحسن ذكاء مفرط، وتبحر في العلم، وله أشياء حسنة، وتصانيف جمة تقضي له بسعة العلم.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 346"، والأنساب للسمعاني "1/ 273"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 332"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 429"، والعبر "2/ 202"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 259"، وشذرات الذهب "2/ 303".

ص: 392

أخذ عنه أئمة منهم: أبو الحسن الباهلي، وأبو الحسن الكرماني، وأبو زيد المروزي، وأبو عبد الله بن مجاهد البصري، وبندار بن الحسين الشيرازي، وأبو محمد العراقي، وزاهر بن أحمد السرخسي، وأبو سهل الصعلوكي، وأبو نصر الكواز الشيرازي.

قال أبو الحسن الأشعري في كتاب "العمد في الرؤية" له: صنفت "الفصول في الرد على الملحدين" وهو اثنا عشر كتابا، وكتاب "الموجز"، وكتاب "خلق الأعمال"، وكتاب "الصفات"، وهو كبير، تكلمنا فيه على أصناف المعتزلة والجهمية، وكتاب "الرؤية بالأبصار"، وكتاب "الخاص والعام"، وكتاب "الرد على المجسمة"، وكتاب "إيضاح البرهان"، وكتاب "اللمع في الرد على أهل البدع"، وكتاب "الشرح والتفصيل"، وكتاب "النقض على الجبائي"، وكتاب "النقض على البلخي"، وكتاب "جمل مقالات الملحدين"، وكتابا في الصفات هو أكبر كتبنا، نقضنا فيه ما كنا ألفناه قديمًا فيها على تصحيح مذهب المعتزلة، لم يؤلف لهم كتاب مثله، ثم أبان الله لنا الحق فرجعنا. وكتابا في "الرد على ابن الراوندي"، وكتاب "القامع في الرد على الخالدي"، وكتاب "أدب الجدل"، وكتاب "جواب الخراسانية"، وكتاب "جواب السيرافيين"، و"جواب الجرجانيين"، وكتاب "المسائل المنثورة البغدادية"، وكتاب "الفنون في الرد على الملحدين"، وكتاب "النوادر في دقائق الكلام" وكتاب "تفسير القرآن". وسمى كتبًا كثيرة سوى ذلك. ثم صنف بعد "العُمد" كتبًا عدة سماها ابن فورك هي في "تبيين كذب المفتري".

رأيت للأشعري كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقي، سمعت أبا حازم العبدوي، سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: اشهد علي أني لا أكفر أحدًا من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات.

قلت: وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحدًا من الأمة، ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحافظ عى الوضوء إلَّا مؤمن"

(1)

فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 276 و 277 و 282"، وابن ماجه "277"، والدارمي "1/ 168"، والحاكم "1/ 130"، من طريق سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان مرفوعا بلفظ:"استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن".

قلت: إسناده ضعيف، لانقطاعه بين سالم بن أبي الجعد وثوبان فإنه لم يدركه، كما نقل الحافظ العلائي في جامع التحصيل عن الترمذي في "العلل" عن البخاري.

وقال أحمد بن حنبل: لم يلق ثوبان بينهما معدان بن أبي طلحة. لكن أخرجه أحمد "5/ 282"، والدارمي "1/ 168"، وابن حبان "164"، من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا ابن ثوبان قال: حدثني حسان بن عطية أن أبا كبشة السلولي حدثه أنه سمع ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا وخير أعمالكم الصلاة ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"، وإسناده حسن. وله طريق آخر عند أحمد "5/ 208".

وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو: عند ابن ماجه "278".

وشاهد آخر من حديث أبي أمامة: عند ابن ماجه "279".

ص: 393

وقد ألف الأهوازي جزءًا في مثالب ابن أبي بشر، فيه أكاذيب. وجمع أبو القاسم في مناقبه فوائد بعضها أيضًا غير صحيح، وله المناظرة المشهورة مع الجبائي في قولهم: يجب على الله أن يفعل الأصلح، فقال الأشعري: بل يفعل ما يشاء، فما تقول في ثلاثة صغار: مات أحدهم وكبر اثنان، فآمن أحدهم، وكفر الآخر، فما العلة في اخترام الطفل؟ قال: لأنه تعالى علم أنه لو بلغ لكفر، فكان اخترامه أصلح له. قال الأشعري: فقد أحيا أحدهما فكفر. قال: إنما أحياه ليعرضه أعلى المراتب. قال الأشعري: فلم لا أحيا الطفل ليعرضه لأعلى المراتب؟ قال الجبائي: وسوست. قال: لا والله، ولكن وقف حمار الشيخ.

وبلغنا أن أبا الحسن تاب وصعد منبر البصرة، وقال: إني كنت أقول: بخلق القرآن، وأن الله لا يرى بالأبصار، وأن الشر فعلي ليس بقدر، وإني تائب معتقد الرد على المعتزلة.

وكان فيه دعابة ومزح كثير. قاله ابن خلكان.

وألف كتبًا كثيرة، وكان يقنع باليسير، وله بعض قرية من وقف جدهم الأمير بلال بن أبي بردة.

ويقال: بقي إلى سنة ثلاثين وثلاث مائة.

ص: 394

‌2897 - البربهاري

(1)

:

شيخ الحنابلة القدوة الإمام، أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري، الفقيه.

كان قوالًا بالحق، داعية إلى الأثر، لا يخاف في الله لومة لائم.

صحب المروذي، وصحب سهل بن عبد الله التستري.

فقيل: إن الأشعري لما قدم بغداد جاء إلى أبي محمد البربهاري، فجعل يقول: رددت على الجبائي، رددت على المجوس، وعلى النصارى. فقال أبو محمد: لا أدري ما تقول، ولا نعرف إلَّا ما قاله الإمام أحمد. فخرج وصنف "الإبانة" فلم يقبل منه.

ومن عبارة الشيخ البربهاري، قال: احذر صغار المحدثات من الأمور، فإن صغار البدع، تعود كبارًا، فالكلام في الرب عز وجل محدث وبدعة وضلالة، فلا نتكلم فيه إلَّا بما وصف به نفسه، ولا نقول في صفاته: لم؟ ولا كيف؟ والقرآن كلام الله، وتنزيله ونوره ليس مخلوقًا، والمراء فيه كفر.

قال ابن بطة: سمعت البربهاري يقول: المجالسة للمناصحة فتح باب الفائدة، والمجالسة للمناظرة غلق باب الفائدة.

وسمعته يقول لما أخذ الحجاج: يا قوم إن كان يحتاج إلى معونة مائة ألف دينار، ومائة ألف دينار، ومائة ألف دينار -خمس مرات- عاونته. ثم قال ابن بطة: لو أرادها لحصلها من الناس.

قال أبو الحسين بن الفراء: كان للبربهاري مجاهدات ومقامات في الدين، وكان المخالفون يغلظون قلب السلطان عليه. ففي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة أرادوا حبسه، فاختفى. وأخذ كبار أصحابه، وحملوا إلى البصرة. فعاقب الله الوزير ابن مقلة، وأعاد الله البربهاري إلى حشمته، وزادت، وكثر أصحابه. فبلغنا أنه اجتاز بالجانب الغربي، فعطس فشمته أصحابه، فارتفعت ضجتهم، حتى سمعها الخليفة، فأخبر بالحال، فاستهولها، ثم لم تزل المبتدعة توحش قلب الراضي، حتى نودي في بغداد: لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاري، فاختفى، وتوفي مستترًا في رجب سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة، فدفن بدار أخت توزون فقيل: إنه لما كفن، وعنده، الخادم، صلى عليه وحده، فنظرت هي من الروشن، فرأت البيت ملآن رجالًا في ثياب بيض، يصلون عليه، فخافت وطلبت الخادم، فحلف أن الباب لم يفتح.

وقيل: إنه ترك ميراث أبيه تورعًا، وكان سبعين ألفًا.

قال ابن النجار: روى عنه: أبو بكر محمد بن محمد بن عثمان، وابن بطة، وأبو الحسين بن سمعون فروي عن ابن سمعون، أنه سمع البربهاري يقول: رأيت بالشام راهبًا في صومعة حوله رهبان يتمسحون بالصومعة، فقلت لحدث منهم: بأي شيء أعطي هذا؟ قال: سبحان الله متى رأيت الله يعطي شيئًا على شيء؟ قلت: هذا يحتاج إلى إيضاح، فقد يعطي الله عبده بلا شيء، وقد يعطيه على شيء، لكن الشيء الذي يعطيه الله عبده، ثم يثيبه عليه هو منه أيضًا. قال -تعالى:{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43].

وفي "تاريخ محمد بن مهدي" أن في سنة ثلاث وعشرين أوقع بأصحاب البربهاري فاستتر، وتتبع أصحابه ونهبت منازلهم، وعاش سبعًا وسبعين سنة، وكان في آخر عمره قد تزوج بجارية.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 323"، والعبر "2/ 216"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 319".

ص: 395

‌2898 - عبد الله بن أحمد:

ابن يوسف بن محمد بن حيان، الإمام، الحافظ، البارع، أبو محمد الهاشمي، الجعفري مولاهم، الهمذاني، أحد الأعلام، إمام جامع همذان.

حدث عن: محمد بن عمران بن حبيب، وإبراهيم بن ديزيل، وأحمد بن عبيد الله النرسي، وعبيد بن شريك البزار، ومحمد بن إدريس بن الجنيد الحافظ، وعلي بن عبد العزيز البغوي، ويحيى بن عبد الله الكرابيسي، والحسين بن الحكم الكوفي، وطبقتهم.

روى عنه: القاسم بن أبي صالح، وأبو عمران موسى بن سعيد، والقدماء.

ذكره صالح بن أحمد فقال: روى عنه الكبار، وحضرت مجلسه، ولم أعتد بذلك، وكان ثقة صدوقًا حافظًا فاضلًا ورعًا، يحسن هذا الشأن.

سمعت القاسم بن أبي صالح يقول: سمعت زيد بن نشيط يقول: ما أشبه حفظ هذا الصبي إلَّا بحفظ المشايخ القدماء.

وقال أبو قطن: كان عبد الله الذهب المصفى، لم يكن ببلدنا في أيامه أحفظ منه.

قال صالح: مات سنة خمس عشرة وثلاث مائة. وصليت عليه، رحمه الله.

قلت: توفي قبل أوان الرواية، فلم ينشر له كبير شيء، رحمه الله.

ص: 396

‌2899 - الخاقاني

(1)

:

الإمام المقرئ المحدث، أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان الخاقاني، الحافظ البغدادي، ولد الوزير، وأخو الوزير.

سمع: عباسًا الدوري، وأبا قلابة الرقاشي، وأبا بكر المروذي، وطبقتهم.

وكان حاذقًا بحرف الكسائي، تلا به على الحسن بن عبد الوهاب تلميذ الدوري.

تلا عليه: أحمد بن نصر الشذائي، وأبو الفرج الشنبوذي، وغيرهما.

وروى عنه: أبو بكر الآجري، وابن أبي هاشم، وأبو عمر بن حيويه، وابن شاهين، والمعافى الجريري، وآخرون.

وجمع وصنف، وجمع في التجويد وغير ذلك.

قال الخطيب: كان ثقة من أهل السنة. مات: في ذي الحجة سنة خمس وعشرين وثلاث مائة.

وقد ذكرته في "طبقات القراء".

‌2900 - تكين

(2)

:

الملك أبو منصور تكين الخاصة التركي، الخزري، المعتضدي.

ولي مصر سنة سبع وتسعين ومائتين، فأقام بها خمس سنين في رفعة وارتقاء. ثم ولي دمشق خمس سنين أيضًا. ثم أعيد إلى ولاية ديار مصر، ثم عزل، ثم أعيد فوليها للقاهر بالله إلى أن مات بمصر في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة. وكان ذا هيبة وشجاعة.

روى عن: يوسف بن يعقوب القاضي.

حدث عنه: علي بن أحمد المادرائي الوزير، ونقل فدفن ببيت المقدس.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "13/ 59"، والأنساب للسمعاني "5/ 22"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 292"، والعبر "2/ 205"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 261"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 307".

(2)

ترجمته في العبر "2/ 186"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 171"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 289".

ص: 397

‌2901 - ابن دريد

(1)

:

العلامة شيخ الأدب أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية، الأزدي البصري صاحب التصانيف، تنقل في فارس وجزائر البحر يطلب الآداب ولسان العرب، ففاق أهل زمانه، ثم سكن بغداد. وكان أبوه رئيسًا متمولًا. ولأبي بكر شعر جيد.

حدث عن: أبي حاتم السجستاني، وأبي الفضل الرياشي، وابن أخي الأصمعي، وتصدر للإفادة زمانًا.

أخذ عنه: أبو سعيد السيرافي، وأبو بكر بن شاذان، وأبو الفرج الأصبهاني، وأبو عبيد الله المرزباني، وإسماعيل ابن ميكال، وعيسى ابن الوزير، وطائفة.

قال أحمد بن يوسف الأزرق: ما رأيت أحفظ من ابن دريد، ولا رأيته قرئ عليه ديوان قط إلَّا وهو يسابق إلى روايته، يحفظ ذلك.

قلت: كان آية من الآيات في قوة الحفظ.

قال ابن شاهين: كنا ندخل عليه فنستحيي مما نرى من العيدان والشراب، وقد شاخ.

وقال أبو منصور الأزهري: دخلت فرأيته سكران فلم أعد إليه.

وقال الدارقطني: تكلموا فيه: وقال أبو بكر الأسدي: كان يقال: ابن دريد أعلم الشعراء، وأشعر العلماء.

قلت: توفي في شعبان سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، وله ثمان وتسعون سنة، عفا الله عنه.

ورثاه جحظة فقال:

فقدت بابن دريد كل فائدة

لما غدا ثالث الأحجار والترب

وكنت أبكي لفقد الجود منفردًا

فصرت أبكي لفقد الجود والأدب

(1)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "2/ 518"، وتاريخ بغداد "2/ 195"، والأنساب "5/ 305"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "18/ 127"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 261"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 637"، والعبر "2/ 187"، وميزان الاعتدال "3/ 520"، ولسان الميزان "5/ 132"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 240"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 289".

ص: 398

‌2902 - القاهر بالله

(1)

:

الخليفة أبو منصور محمد ابن المعتضد بالله أحمد ابن الموفق طلحة بن المتوكل.

استخلف سنة عشرين وثلاث مائة وقت مصرع أخيه المقتدر.

وكان أسمر مربوعًا أصهب الشعر، طويل الأنف، فيه شر وجبروت وطيش.

وقد كان المقتدر خلع في سنة سبع عشرة وثلاث مائة، فبايعوا القاهر هذا، وحكم ثم تعصب أصحاب المقتدر له، وأعيد بعد قتل جماعة، منهم: أبو الهيجاء بن حمدان، وعفا المقتدر عن أخيه، وحضر بين يديه باكيًا. فقال: يا أخي، أنت لا ذنب لك، ثم بايعوه بعد المقتدر، فصادر حاشية أخيه وعذبهم، وضرب أم المقتدر بيده، وهي عليلة. ثم ماتت معلقة بحبل، وعذب أم موسى القهرمانة، وبالغ في الإساءة، فنفرت منه القلوب، وطلب ابن مقلة من الأهواز واستوزره، وكان قد نفي.

ولم يكن القاهر متمكنًا من الأمور، وحكم عليه علي بن بليق الرافضي الذي عزم على سب معاوية رضي الله عنه على المنابر. فارتجت العراق، وقبض على شيخ الحنابلة البربهاري، ثم قوي القاهر ونهب دور مخالفيه، وطين على ولد أخيه المكتفي بين حيطين، وضرب ابن بليق وسجنه، ثم أمر بذبحه، وبذبح أبيه، وذبح بعدهما مؤنسًا الكبير ويمنًا وابن زيرك. وبذل للجند العطاء، وعظم شأنه، ونادى بتحريم الغناء والخمر، وكسر الملاهي، وهو مع ذلك يشرب المطبوخ والسلاف، ويسكر ويسمع القينات. واستوزر غير واحد، وقتل أبا السرايا بن حمدان، وإسحاق النوبختي ألقاهما في بئر، وطمت لكونهما زايداه في جارية قبل الخلافة. وبقي ابن مقلة في اختفائه يراسل الجند ويشغبهم على القاهر، ويخرج متنكرًا في زي عجمي، وفي زي شحاذ، وأعطى منجمًا ذهبًا ليقول للقواد: عليكم قطع من القاهر، ويعطي دنانير لمعبري الأحلام، فإذا قص سيما منامًا خوفوه من القاهر جدًا. وكان رأس الساجية فأضمر الشر، فانتدب طائفة لاغتياله وبكروا، وكان نائمًا به سكر، وهرب وزيره وحاجبه، فهجموا عليه بالسيوف، فهرب إلى سطح، فاستتر، ثم ظفروا به وبيده سيف مسلول، فقالوا: انزل، فامتنع فقالوا: نحن عبيدك، ثم فوق واحد إليه سهمًا وقال: انزل وإلا قتلتك،

(1)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "2/ 513"، وتاريخ بغداد "1/ 339"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 241"، والعبر "2/ 250"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 303"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 349".

ص: 399

فنزل، مسكوه في سادس جمادى الآخرة. وبايعوا الراضي بالله محمد بن المقتدر، ثم خلع وأكحل بمسمار لسوء سيرته وسفكه الدماء. وكانت خلافته سنة ونصفًا وأسبوعًا.

قال الصولي: كان أهوج، سفاكًا للدماء، كثير التلون، قبيح السيرة، مدمن الخمر، ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل. وكان قد صنع حربة يحملها فلا يطرحها حتى يقتل إنسانًا.

قال محمد بن علي: أحضرني القاهر يومًا وبيده حربة، فقلت: الأمان، قال: على الصدق، قلت: نعم. قال: أسألك عن خلفاء بني العباس؟ فذكرت له من أحوالهم، وهو يسأل عنهم واحدًا واحدًا فقال: قد سمعت قولك، وكأني مشاهد القوم، وقام وبيده الحربة، فاستسلمت للقتل، فعطف إلى دور الحرم.

قال المسعودي: أخذ من مؤنس وأصحابه أموالًا كثيرة. فلما خلع طولب بها، فأنكر، فعذب بأنواع العذاب، فما أقر بشيء، فأخذه الراضي بالله، فقربه وأدناه، وقال: ترى مطالبة الجند لنا، والذي عندك ليس بنافعك، فاعترف به، قال: أما إذ فعلت هذا، فالمال دفنته في البستان. وكان قد أنشأ بستانًا فيه أصناف الثمر، والقصر الذي زخرفه. فقال: وفي أي مكان هو؟ قال: أنا مكفوف ولا أهتدي إلى البقعة، فاحفر البستان تجده فحفروا البستان وأساس القصر، وقلعوا الشجر فلم يوجد شيء. فقال: وأين المال؟ قال: وهل عندي مال؟! إنما كان حسرتي في جلوسك في البستان وتنعمك ففجعتك به. فأبعده وحبسه، فأقام إلى سنة ثلاث وثلاثين، ثم أخرج إلى دار ابن طاهر، فكان تارة يحبس، وتارة يهمل. فوقف يومًا بالجامع بين الصفوف، وعليه جبة بيضاء وقال: تصدقوا علي، فأنا من قد عرفتم. وأراد أن يشنع على الخليفة المستكفي، فقام إليه ابن أبي موسى الهاشمي، فأعطاه ألف درهم، فمنعوه من الخروج.

ثم مات في سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة، وله ثلاث وخمسون سنة.

وله من الأولاد: عبد الصمد، وأبو القاسم، وأبو الفضل، وعبد العزيز.

ووزر له: أبو علي بن مقلة، ثم محمد بن القاسم، ثم الخصيبي.

ونفذ على إمرة مصر أحمد بن كيغلغ، إذ توفي أميرها تكين الخاصة.

وماتت سنة إحدى وعشرين شغب أم المقتدر.

وقتل الخادم مؤنس الملقب بالمظفر، وكان شهمًا مهيبًا شجاعًا داهية، عمر تسعين سنة، وقاد الجيوش ستين سنة.

ص: 400

وفي سنة 322: دخلت الديلم أصبهان، وكان من قوادهم علي بن بويه، فانفرد عن مرداويج، ثم حارب محمد بن ياقوت، فهزم محمدًا، واستولى على فارس، وكان أبوه فقيرًا صيادًا.

قال محمود الأصبهاني: كان سبب خلعهم للقاهر سوء سيرته، وسفكه الدماء، فامتنع عليهم من الخلع، فسملوه حتى سالت عيناه.

وفي أيامه ظهر محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، وادعى الإلهية ببغداد، وأنه يحيي الموتى، وتعصب له ابن مقلة، وأنكر ما قيل عنه، ثم قتل، وقتل بسببه الحسين بن القاسم، وأبو إسحاق إبراهيم بن أبي عون الأنباري، مصنف "الأجوبة المسكتة"، كانا يعتقدان في الشلمغاني.

وللقاهر من الأولاد: أبو القاسم، وعبد الصمد، وأبو الفضل محمد، وفاطمة، وعاتكة، وأمامة.

فصل:

ولنذكر هنا جماعة من خلفاء الإسلام على التوالي -إن شاء الله- ليتأمل تراجمهم الفاضل متصلة مجموعة.

ص: 401

‌2903 - الراضي بالله

(1)

:

الخليفة أبو إسحاق محمد، وقيل: أحمد -ابن المقتدر بالله جعفر ابن المعتضد بالله أحمد ابن الموفق بن المتوكل الهاشمي، العباسي. ولد سنة سبع وتسعين ومائتين. وأمه رومية.

كان أسمر قصيرا نحيفا في وجهه طول استخلف بعد عمه القاهر عندما سملوا القاهر سنة اثنين وعشرين وثلاث مائة.

قال أبو بكر الخطيب: له فضائل منها: أنه آخر خليفة خطب يوم الجمعة، وآخر خليفة جالس الندماء، وآخر خليفة له شعر مدون، وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش. وكانت جوائزه وأموره على ترتيب المتقدمين منهم، وكان سمحا جوادا أديبًا فصيحا محبا للعلماء.

سمع: من البغوي.

(1)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "2/ 519"، وتاريخ بغداد "2/ 142"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 265"، والعبر "2/ 218"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 271"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 324".

ص: 401

قال الصولي: سئل الراضي أن يخطب يوم جمعة، فارتقى منبر سامراء، وحضرته، فشنف الأسماع وأبلغ، ثم صلى بنا.

قيل: إن الراضي سقي بطنه، وأصابه ذرب، وأتلفه كثرة الجماع.

فتوفي في نصف ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثلاث مائة، وله اثنتان وثلاثون سنة، سوى أشهر.

وله من الأولاد: عبد الله، رشح لولاية العهد، وأبو جعفر أحمد، وبنت، وهم أولاد إماء.

وبويع المتقي لله إبراهيم أخوه. وكانت الفتن والحروب متواترة بالعراق في هذه السنين، وضعف شأن الخلافة، فلله الأمر. وجرت فتنة ابن رائق، وفتنة ابن البريدي، ومرج أمر الناس، وعم البلاء، ومات أمير الأمراء محمد بن ياقوت مسجونا. وفي أيام الراضي عظم محمد بن رائق، ولم يبق للراضي معه حل ولا ربط، وله من الولد أبو الفضل عبد الله، وأحمد، والست هجعة.

ص: 402

‌2904 - المتقي لله

(1)

:

الخليفة أبو إسحاق، إبراهيم بن المقتدر بن المعتضد العباسي.

قال الصولي: مات الراضي، فبعث بجكم من واسط إلى كاتبه أحمد بن علي الكوفي أن يجمع القضاة والأعيان، ووزير الراضي سليمان بن الحسن، ويشتوروا في إمام، فبعث حسين بن الفضل بن المأمون إلى الكوفي بعشرة آلاف دينار ليشتريه، ونفذ إليه أيضًا بأربعين ألف دينار ليفرقها في الأمراء فلم ينفع ذلك، وبايعوا إبراهيم، وسنه أربع وثلاثون سنة، وأمه اسمها خلوب. وكان حسن الوجه، معتدل الخلق بحمرة، أشهل، كث اللحية، فصلى ركعتين، وصعد على السرير، ولم يغير شيئًا، ولا تسرى على جاريته. وكان ذا صوم وتعبد، ولم يشرب نبيذا، ويقول: لا أريد نديما غير المصحف. وأقر في الوزارة سليمان بن الحسن فكان مقهورًا مع كاتب بجكم، ثم بعد أيام سقطت القبة الخضراء، وكانت تاج بغداد ومأثرة بني العباس، بناها المنصور علو ثمانين ذراعا، تحتها إيوان طوله عشرون ذراعًا في عرضها. فسقط رأسها من مطر ورعد شديد، وكان القحط ببغداد، ثم عزل المتقي وزيره بأحمد بن

(1)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "2/ 530"، وتاريخ بغداد "6/ 51"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 316"، و"7/ 43"، والعبر "2/ 307"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 22".

ص: 402

محمد بن ميمون. وأقبل أبو عبد الله البريدي من البصرة، يطلب الوزارة فوليها ومشى إليه ابن ميمون. فكانت وزارة ابن ميمون شهرًا، لكن هرب البريدي بعد أربعة وعشرين يومًا لما شغب الجند بطلب أرزاقهم. فوزر القراريطي، ثم عزل بعد شهر وأيام، فوليها الكرخي، وعزل بعد أيام، وولى المتقي إمرة الأمراء كورتكين الديلمي. وقتل بجكم، وكان قد استوطن واسطًا، والتزم بأن يحمل إلى الراضي في السنة ثمان مائة ألف دينار. وعدل وكان إلى كثرة أمواله المنتهى فكان يخرجها في الصناديق، ويخرج رجالًا في صناديق على جمال إلى البر ثم يفتح عليهم فيحفرون، ويدفن المال، ويردهم إلى الصناديق فلا يعرفون الكنز، ويقول: إنما أفعل هذا خوفا أن يحال بيني وبين داري، فذهب ذلك بموته، ثم حاربه أبو عبد الله البريدي، وانتصر أبو عبد الله، وخرج بجكم يتصيد، وهناك أكراد، فطعنه أسود برمح فقتله في رجب سنة 329. وذهب أصحابه: كورتكين وتوزون وغيرهما إلى الشام إلى محمد بن رائق.

وطلبه المتقي فسار من دمشق، واستناب على الشام. وكان قد تغلب عليها، فاستناب أحمد بن مقاتل. وجاء فقدمه المتقي وطوقه وسوره. وخضع له محمد بن حمدان، ونفذ إليه بمائة ألف دينار، وخطب له بواسط وبالبصرة البريدي، وكتب اسمه على أعلامه، ثم اختلف ابن رائق وكورتكتين وتحاربا أيامًا، وقهره ابن رائق، ثم ضعف واختفى، وتمكن ابن رائق وأباد جماعة، وأسر كورتكين في سنة ثلاثين، وأبيع كر القمح بأزيد من مائتي دينار، وأكلوا الجيف، وخرجت الروم، فعاثوا بأعمال حلب. وفيها: استوزر المتقي أبا عبد الله البريدي برأي ابن رائق، ثم عزل بالقراريطي، فذهب مغاضبا، وجمع العساكر. وفي جمادى الأولى ركب المتقي لله وولده أبو منصور، وابن رائق، والوزير القراريطي، وبين أيديهم القراء والمصاحف لحرب البريدي، ثم انحدر من الشماسية في دجلة، وثقل كرسي الجسر، فانخسف بخلق. وأمر ابن رائق بلعنة البريدي على المنابر، ثم أقبل أبو الحسين علي بن محمد البريدي أخو أبي عبد الله، فهزم المتقي، وابن رائق، وكان معه خلق من الديلم والترك، والقرامطة. ووقع النهب ببغداد، وزحف ابن البريدي على الدار، وعظم الخطب. وقتل جماعة بدار الخلافة، وهرب المتقي وابنه، وابن رائق إلى الموصل، واختفى القراريطي الوزير. وبعث ابن البريدي بكورتكين مقيدا إلى أخيه فأتلفه، وحكم أبو الحسين ببغداد، وتعثرت الرعية، وهجوا، وبلغ الكر أزيد من ثلاث مائة دينار، وغرقت بغداد. ثم فارقه توزون وراح إلى الموصل، فقوي قلب ناصر الدولة ابن حمدان، وعزم أن ينحدر إلى بغداد بالمتقي. فتهيأ أبو الحسين بن البريدي، وترددت الرسل بين ابن رائق وبين ابن حمدان، فتحالفا، فجاء ابن حمدان واجتمع به، وحضر ابن المتقي فلما ركب ابن المتقي، قدم فرس ابن رائق ليركب،

ص: 403

فتعلق به ابن حمدان. وقال: تقيم عندنا اليوم نتحدث. فقال: كيف أتخلف عن ولد أمير المؤمنين؟ فألح عليه حتى ارتاب وجذب كمه من يده فتخرق، هذا ورجله في الركاب، فشب به الفرس فوقع. فصاح ابن حمدان بغلمانه: اقتلوه، فاعتورته السيوف فاضطرب أصحابه خارج المخيم. ودفن وعفي أثره، ونهبت أمواله. فذكر رجل أنه وجد كيسا فيه ألف دينار، وخاف من الجند. قال: فرميته في قدر سكباج

(1)

، وحملتها على رأسي فسلمت، وجاء ابن حمدان إلى المتقي وقال: إن ابن رائق هم بقتلي، فقلده مكان ابن رائق، ولقبه يومئذ ناصر الدولة ولقب أخاه سيف الدولة وعاد بهم. فهرب أبو الحسين بن البريدي من بغداد، وسار بدر الخرشني فولي دمشق. ثم بعد شهر أرجف بمجيء ابن البريدي، فانجفل الناس، وخرج المتقي ليكون مع ناصر الدولة، وتوجه سيف الدولة لمحاربة ابن البريدي، فكانت بينهما ملحمة بقرب المدائن. فاقتتلوا يومين، فانكسر سيف الدولة أولا، فرد ناصر الدولة الفل، ثم كانت الهزيمة على ابن البريدي ورد في ويل إلى واسط. وتبعه سيف الدولة فانهزم إلى البصرة، ومن ثم تزوج أبو منصور إسحاق بن المتقي ببنت ناصر الدولة على مائتي ألف دينار، وتمكن ناصر الدولة، وأخذ ضياع المتقي، وصادر الدواوين، وظلم. ثم بلغه هروب أخيه سيف الدولة من واسط، فخاف ناصر الدولة، ورد إلى الموصل ونهبت داره، واستوزر علي بن أبي علي بن مقلة، وأقبل توزون من واسط فخلع عليه المتقي، ولقبه أمير الأمراء، ولكن ما تم الود. فعاد توزون إلى واسط وصادر المتقي وزيره، وبعث بخلع إلى أحمد بن بويه، واستوزر غير واحد، ويعزلهم. وصغر أمر الوزارة، ووهنت الخلافة العباسية. وبلغ ذلك الناصر لدين الله المرواني، صاحب الأندلس فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين، فتلقب بذلك. وكان قبل ذلك، يقال له: الأمير، كآبائه.

وسار المتقي لله إلى تكريت، وتفلل أصحابه وقدم توزون فاستولى على بغداد، فأقبل ناصر الدولة في جمع كبير من الأعراب والأكراد، فالتقى توزون بعكبرا واقتتلوا أياما، ثم انهزم بنو حمدان، والمتقي إلى الموصل، ثم التقوا ثانيا على حربه فانهزم سيف الدوله والخليفة إلى نصيبين وتبعهم توزون. وأما أحمد بن بويه، فإنه أقبل ونزل بواسط يريد بغداد. ورغب توزون في الصلح.

وفي سنة (332): قتل أبو عبد الله بن البريدي أخاه أبا يوسف. ومات بعده بيسير. وكتب المتقي إلى صاحب مصر الإخشيد ليحضر إليه، فأقبل إليه فوجده بالرقة. وبان للمتقي من بني

(1)

السكباج: لحم يطبخ بخل.

ص: 404

حمدان الضجر، فراسل توزون، واستوثق منه، فعلم بذلك الإخشيد، فقال للمتقي: أنا عبدك، وقد عرفت غدر الأتراك، فالله الله في نفسك، سر معي إلى الشام ومصر، لتأمن فلم يطعه، فرد إلى بلاده.

وقتل ببغداد حمدي اللص الذي ضمن اللصوصية في الشهر بخمسة وعشرين ألف دينار. فكان ينزل على الدور والأسواق بالشمع والمشعل جهارا. ظفر به شحنة بغداد فوسطه. وكان توزون ببغداد وإليه الأمور فاعتراه صرع.

وهلك أبو عبد الله البريدي، وخلف ألف ألف دينار، وبضعة عشر ألف ألف درهم، ومن الآلات والقماش ما قيمته ألف ألف دينار. وتوجه المتقي من الرقة إلى بغداد، فأقام بهيت، وحلف له توزون، فلما التقاه، ترجل له وقبل الأرض، ومشى بين يديه إلى مخيم ضربه للمتقي، فلما نزل قبض توزون عليه وسمله، وأدخل بغداد أعمى، فلله الأمر، وأخذ منه البرد والقضيب والخاتم. وأحضر عبد الله المستكفي بالله بن المكتفي فبايعه بالخلافة.

خلع المتقي في العشرين من المحرم سنة ثلاث وثلاثين. وقيل: في صفر ولم يمهل توزون ولا حال عليه الحول.

توفي المتقي في السجن بعد كحله بدهر وذلك في شعبان سنة سبع وخمسين وثلاث مائة. وله من الأولاد: أبو منصور محمد فقط.

ص: 405

‌2905 - المستكفي

(1)

:

الخليفة المستكفي بالله، أبو القاسم عبد الله بن المكتفي علي بن المعتضد العباسي.

كان ربع القامة مليحًا، معتدل البدن، أبيض بحمرة، خفيف العارضين. وأمه أم ولد.

بويع وقت خلع المتقي لله. وله يومئذ إحدى وأربعون سنة. قام ببيعته توزون، فأقبل أحمد بن بويه، واستولى على الأهواز والبصرة وواسط، فبرز لمحاربته جيش بغداد مع توزون، فدام الحرب بينهما أشهرًا، وينهزم فيها توزون ولازمه الصرع، وضاق بأحمد الحال والقحط، فرد إلى الأهواز، وقطع توزون الجسر وراءه، وعاد إلى بغداد مشغولا بنفسه. ووزر أبو الفرج السامري، ثم عزله توزون بعد أربعين يومًا، وأغرمه ثلاث مائة ألف دينار.

(1)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "2/ 540"، وتاريخ بغداد "10/ 10"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 339"، والعبر "2/ 245"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 299"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 345".

ص: 405

ورد إلى الوزارة أبا جعفر بن شيرزاد، واشتد بالعراق القحط، ومات الناس جوعًا، وهلك ملك الأمراء توزون في أول سنة أربع، فطمع في منصبه ابن شيرزاد، وحلف العساكر، ونزل بظاهر بغداد، وبعث المستكفي إليه بالخلع والإقامات، فصادر التجار والكتاب، وسلط جنده على العوام. فهرب الناس، وانقطع الجلب، ووهن أمن بغداد. وأما أحمد بن بويه فقصد بغداد، ونزل باجسراي، وهرب الأتراك إلى الموصل، واستتر المستكفي، وابن شيرزاد، فنزل معز الدولة أحمد بن بويه بالشماسية، وبعث إليه الخليفة التحف والخلع، ثم حضر وبايع، فلقبه الخليفة بمعز الدولة، ولقب أخاه عليا عماد الدولة، وأخاه الآخر الحسن ركن الدولة، وضربت أسماؤهم على السكة، ثم ظهر ابن شيرزاد، وقرر مع معز الدولة أمورًا، منها: في الشهر للخليفة مائة وخمسون ألف درهم ليس إلَّا، وكانت علم القهرمانة معظمة عند المستكفي تأمر وتنهى فعملت دعوة للأمراء فاتهمها معز الدولة وكان أصفبذ قد شفع إلى الخليفة في شيعي مغبن فرده فحقد. وقال لمعز الدولة: الخليفة يراسلني فيك، فتخيل منه، ثم دخل على الخليفة اثنان من الديلم، فطلبا منه الرزق، فمد يده للتقبيل، فجبذاه من سرير الخلافة، وجراه بعمامته، ونهبت داره، وأمسكوا القهرمانة وجماعة، وساقوا المستكفي ماشيا إلى منزل معز الدولة، فخلع المستكفي وسمله. فكانت خلافته ستة عشر شهرا، وبايعوا في الحال الفضل بن المقتدر، ولقبوه المطيع لله. وبقي المستكفي مسجونًا إلى أن مات: في سنة ثمان وثلاثين مائة، وله ست وأربعون سنة، واستقل بملك العراق معز الدولة. وضعف دست الخلافة جدًا، وظهر الرفض والاعتزال ببني بويه، نسأل الله العفو. وكان إكحال المستكفي بعد أن خلع نفسه ذليلًا مقهورًا في جمادى الآخرة، سنة أربع وثلاثين، فعاش بعد العزل والكحل أربعة أعوام.

ص: 406

‌2906 - المطيع لله

(1)

:

الخليفة أبو القاسم الفضل ابن المقتدر جعفر ابن المعتضد أحمد بن الموفق العباسي.

ولد سنة إحدى وثلاث مائة.

وبويع بحكم خلع المستكفي نفسه سنة (334)، وأمه اسمها: مشغلة أم ولد.

حدث عن: أبي القاسم البغوي.

(1)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "2/ 552"، وتاريخ بغداد "12/ 379"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 343"، و"7/ 79"، والعبر "2/ 334"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 48".

ص: 406

روى عنه: أبو الفضل التميمي.

وكان كالمقهور مع نائب العراق ابن بويه، قرر له في اليوم مائة دينار فقط. واشتد الغلاء المفرط ببغداد، فذكر ابن الجوزي أنه اشتري لمعز الدولة كر دقيق بعشرين ألف درهم.

قلت: ذلك سبعة عشر قنطارًا بالدمشقي، لأن الكر أربعة وثلاثون كارة، والكارة خمسون رطلًا.

واقتتل صاحب الموصل ناصر الدولة، ومعز الدولة، فالتقوا بعكبرا، فانتصر ناصر الدولة، ونزل بالجانب الشرقي، ثم تلاشى أمره، وفر، فوضعت الديلم السيف والنهب في البلد، وسبيت النساء. ثم تمكن المطيع قليلًا ثم اصطلح ابن بويه، وصاحب الموصل، فعز ذلك على الأتراك الذين قوي بهم صاحب الموصل، وهموا بقتله، فحاربهم فمزقهم، وهرب إليه أبو جعفر بن شيرزاد، فسمله وسجنه.

وفيها، أعني سنة 336: خرج معز الدولة، والمطيع إلى البصرة لحرب أبي القاسم عبد الله بن أبي عبد الله البريدي، فاستأمن إليهم عسكر أبي القاسم، وهرب هو إلى القرامطة، وعظم معز الدولة، ثم جاء أبو القاسم مستأمنا إلى بغداد، فأقطع قرى، ثم اختلف صاحب الموصل، ومعز الدولة، وفر عن الموصل صاحبها، ثم صالح على أن يحمل في السنة ثمانية آلاف ألف درهم.

وفي سنة أربع وأربعين وثلاث مائة: مرض معز الدولة بعلة الإنعاظ، وأرجف بموته، فعقد إمرة الأمراء لابنه بختيار، واستوزر أبا محمد المهلبي، وعظم قدره.

وفي سنة سبع وأربعين: استولى معز الدولة على الموصل، وساق وراء ناصر الدولة إلى نصيبين فهرب إلى حلب فبالغ أخوه في خدمته، وتراسلا في أن يكون الموصل بيد سيف الدولة لأن ناصر الدولة غدر ونكث غير مرة بابن بويه، ومنع الحمل، ثم رد معز الدولة إلى بغداد.

وفي سنة خمسين: ضمن معز الدولة الشرطة والحسبة ببغداد، وظلم، وأنشأ دارًا لم يسمع: بمثلها، خرب لأجلها دور الناس، وغرم عليها إلى أن مات ست مائة ألف دينار.

واستضرت الروم على بلاد الشام، وأخذوا حلب بالسيف وغيرها من المدائن كسروج والرها، وأول تمكنهم أنهم هزموا سيف الدولة في سنة تسع وثلاثين. فنجا بالجهد في نفر يسير، وبلغهم وهن الخلافة، وعجز سيف الدولة عنهم بعد أن هزمهم غير مرة.

ص: 407

وفي سنة 353: قصد معز الدولة الموصل ففر عنها ناصر الدولة، ثم التقوا فانتصر ناصر الدولة، وأسر الترك، واستأمن إليه الديلم، وأخذ ثقل معز الدولة وخزائنه، ثم صالحه، وكان يقام مأتم عاشوراء ببغداد، ويقع فتن كبار لذلك. ثم مات الوزير المهلبي سنة 351، ومات معز الدولة، فقام ابنه عز الدولة بختيار سنة ست وخمسين، فجرت فتنة محمد بن الخليفة المستكفي فإنه لما كحل أبوه فر هو إلى مصر، وأقام عند كافور، ثم قويت نفسه، وقدم بغداد سرا، فعرف عز الدولة، وبايعه في الباطن كبراء، فظفر به عز الدولة فقطع أنفه وأذنيه، وسجنه ثم هرب هو وأخوه علي من الدار يوم عيد، وصار إلى ما وراء النهر، وخمل أمره.

وفي سنة ستين: فلج المطيع، وبطل نصفه، وتملك بنو عبيد مصر والشام، وأذنوا بدمشق "بحي على خير العمل"، وغلت البلاد بالرفض شرقًا وغربًا، وخفيت السنة قليلًا، واستباحت الروم نصيبين وغيرهما، فلا قوة إلَّا بالله، وقتل ببغداد راجل من أعوان الشحنة، فبعث رئيس بغداد من طرح النار في أسواق فاحترقت بغداد حريقًا مهولًا. واحترق النساء والأولاد، فعدة ما احترق ثلاث مائة وعشرون دارا، وثلاث مائة وسبعة عشر دكانا، وثلاثة وثلاثون مسجدا. وكثر الدعاء على الرئيس، وهو أبو الفضل الشيرازي، ثم سقي، وهلك، وأنشئت مدينة القاهرة للمعز العبيدي. ووزر ببغداد أبو طاهر بن بقية، فكان راتبه من الثلج في اليوم ألف رطل، ومن الشمع في الشهر ألف من، فوزر لعز الدولة أربع سنين، ثم صلبه عضد الدولة. ولما تحكم الفالج في المطيع دعاه سبكتكين الحاجب إلى عزل نفسه، وتسليم الخلافة إلى ابنه الطايع ففعل ذلك في ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وستين. وأثبتوا خلعه على أبي الحسن ابن أم شيبان القاضي. ثم كان بعد يدعى الشيخ الفاضل.

وفيها أقيمت الدعوة العبيدية بالحرمين للمعز. واستفحل البلاء باللصوص ببغداد، وركبوا الخيل، وأخذوا الخفارة، وتلقبوا بالقواد. ثم إن المطيع خرج وولده الخليفة الطايع لله إلى واسط فمات هناك في المحرم سنة أربع وستين وثلاث مائة بعد ثلاثة أشهر من عزله. وعمره ثلاث وستون سنة رحمه الله فكانت خلافته ثلاثين سنة سوى أشهر. وفي أيامه تلقب صاحب الأندلس الناصر المروني بأمير المؤمنين. وقال: أنا أحق بهذا اللقب من خليفة من تحت يد بني بويه. وصدق الناصر، فإنه كان بطلا شجاعًا سائسًا مهيبا، له غزوات مشهودة، وكان خليقا للخلافة، ولكن كان أعظم منه بكثير المعز العبيدي الإسماعيلي النحلة، وأوسع ممالك، حكم على الحرمين ومصر والشام والمغرب.

ص: 408

‌2907 - الطائع لله

(1)

:

الخليفة أبو بكر عبد الكريم ابن المطيع لله الفضل ابن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي. وأمه أم ولد.

نزل له أبوه لما فلج عن الخلافة في ذي القعدة سنة ثلاث وستين. وكان الحل والعقد للملك عز الدولة، وابن عمه عضد الدولة.

وكان أشقر مربوعًا كبير الأنف.

قال ابن الجوزي: لما استخلف ركب وعليه البردة وبين يديه سبكتكين الحاجب وخلع من الغد على سبكتكين خلع السلطنة، وعقد له اللواء، ولقبه نصر الدولة. ولما كان عيد الأضحى ركب الطائع إلى المصلى، وعليه قباء وعمامة، فخطب خطبة خفيفة بعد أن صلى بالناس فتعرض عز الدولة لإقطاع سبكتكين، فجمع سبكتكين الأتراك فالتقوا، فانتصر سبكتكين، وقامت معه العامة. وكتب عز الدولة يستنجد بعضد الدولة، فتوانى، وصار الناس حزبين، فكانت السنة والديلم ينادون بشعار سبكتكين، والشيعة ينادون بشعار عز الدولة، ووقع القتال، وسفكت الدماء، وأحرق الكرخ.

وكان الطائع قويًا في بدنه، زعر الأخلاق، وقد قطعت خطبته في العام الذي تولى خمسين يومًا من بغداد. فكانت الخطباء لا يدعون لإمام حتى أعيدت في رجب، وقدم عضد الدولة فأعجبه ملك العراق، واستمال الجند، فشغبوا على ابن عمه عز الدولة فأغلق عز الدولة بابه، وكتب عضد الدولة عن الطائع إلى الآفاق بتوليته، ثم اضطرب أمره، ولم يبق بيده غير بغداد فنفذ إلى أبيه ركن الدولة، يعلمه أنه قد خاطر بنفسه وجنده. وقد هذب مملكة العراق، ورد الطائع إلى داره، وأن عز الدولة عاص، فغضب أبوه، وقال لرسوله: قل له: خرجت في نصرة ابن أخي، أو في أخذ ملكه؟، فأفرج حينئذ عن عز الدولة، وذهب إلى فارس وتزوج الطائع ببنت عز الدولة الست شهناز على مائة ألف دينار، وعظم القحط، حتى أبيع الكر بمائة وسبعين دينارا. وفي هذا الوقت كانت الحرب متصلة بين جوهر المعزي، وبين هفتكين بالشام، حتى جرت بينهما اثنتا عشرة وقعة، وجرت وقعة بين عز الدولة، وعضد الدولة، أسر فيها مملوك أمرد لعز الدولة فجن عليه، وأخذ في البكاء، وترك الأكل، وتذلل في طلبه، فصار ضحكة وبذل جاريتين عوادتين في فدائه.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 79"، والمنتظم لابن الجوزي "7/ 66"، والعبر "3/ 55"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 143".

ص: 409

وفي سنة خمس وستين: حجت جميلة بنت صاحب الموصل، فكان معها أربع مائة جمل، وعدة محامل لا يدري في أيها هي، واعتقت خمس مائة نفس، وخلعت خمسين ألف ثوب، وقيل: كان معها أربع مائة محمل. ثم في الآخر، استولى عضد الدولة على أموالها وقلاعها، وافتقرت لكونه خطبها فأبت وآل بها الحال إلى أن هتكها وألزمها أن تختلف مع الخواطئ لتحصل ما تؤديه، فرمت بنفسها في دجلة.

وفي سنة سبع وستين: أقبل عضد الدولة في جيوشه، وأخذ بغداد، وتلقاه الطائع، وعملت قباب الزينة. ثم خرج فعمل المصاف مع عز الدولة فأسر عز الدولة، ثم قتله، ونفذ إلى الطائع ألف ألف درهم، وخمسين ألف دينار، وخيلًا وبغالًا، ومسكًا وعنبرًا.

وكان الغرق العظيم ببغداد وبلغ الماء أحدًا وعشرين ذراعًا، وغرق خلق.

وتمكن عضد الدولة، ولقب أيضًا تاج الملة، وضربت له النوبة في ثلاثة أوقات، وعلا سلطانه علوًا لا مزيد عليه، ومع ذلك الارتقاء فكان يخضع للطائع. وجاءه رسول العزيز صاحب مصر، فراسله بتودد، وطلب من الطائع أن يزيد في ألقابه، فجلس له الطائع وحوله مائة بالسيوف والزينة وبين يديه المصحف العثماني، وعلى كتفه البردة وبيده القضيب، وهو متقلد السيف، وأسبلت الستارة، ودخل الترك والديلم بلا سلاح. ثم أذن لعضد الدولة، ورفعت له الستارة، فقبل الأرض. قال: فارتاع زياد القائد، وقال بالفارسية: أهذا هو الله.

فقيل له: بل خليفة الله في أرضه. ومشى عضد الدولة، وقبل الأرض مرات سبعا. فقال الطائع لخادمه: استدنه. فصعد، وقبل الأرض مرتين، فقال: ادن إلي، فدنا حتى قبل رجله، فثنى الطائع يده عليه، وأمره، فجلس على كرسي بعد الامتناع، حتى قال: أقسمت لتجلسن، ثم قال: ما كان أشوقنا إليك، وأتوقنا إلى مفاوضتك فقال: عذري معلوم. قال: نيتك موثوق بها، فأومأ برأسه فقال: قد رأيت أن أفوض إليك ما وكله الله إلي من أمور الرعية في شرق الأرض وغربها سوى خاصتي وأسبابي، فتولى ذلك مستجيرًا بالله. قال: يعينني الله على طاعة مولانا أمير المؤمنين وخدمته، وأريد كبار القواد أن يسمعوا لفظك. قال الطائع: هاتوا الحسين بن موسى، وابن معروف، وابن أم شيبان، فقدموا، فأعاد الطائع قوله بالتفويض، ثم ألبس الخلع والتاج، فأومأ ليقبل الأرض فلم يطق. فقال الطائع: حسبك. وعقد له لواءين بيده. ثم قال: يقرأ كتابه فقرئ. فقال الطائع خار الله لنا ولك وللمسلمين، آمرك بما أمرك الله به، وأنهاك عما نهاك الله عنه، وأبرأ إلى الله مما سوى ذلك، انهض على اسم الله. ثم أعطاه بيده سيفا ثانيا غير سيف الخلعة، وخرج من باب الخاصة، وشق البلد.

ص: 410

وعمل أبو إسحاق الصابئ قصيدته فمنها:

يا عضد الدولة الذي علقت

يداه من فخره بأعرقه

يفتخر النعل تحت أخمصه

فكيف بالتاج فوق مفرقه؟!

وتزوج الطائع ببنت عضد الدولة، ورد العضد من همذان إلى بغداد، فتلقاه الخليفة، ولم تجر بذلك عادة، ولكن بعث يطلب ذلك. فما وسع الطائع التأخر، كان مفرط السطوة.

وبعث إليه العزيز كتابًا أوله: من عبد الله أمير المؤمنين إلى عضد الدولة أبي شجاع مولى أمير المؤمنين. سلام عليك، مضمون الرسالة الاستمالة مع ما يشافهه به الرسول، فبعث إليه رسولًا وكتابًا فيه مودة واعتذار مجمل.

وأدير المارستان العضدي في سنة اثنتين وسبعين وثلاث مائة، ثم مات هو في شوالها. وقام ولده صمصام الدولة، وكتم موته أربعة أشهر، وجاء الخليفة فعزى ولده، ولطم عليه في الأسواق أيامًا.

وفي سنة 376: اختلف عسكر العراق، ومالوا إلى شرف الدولة شيرويه أخي صمصام الدولة، فذل الصمصام وبادر إلى خدمة أخيه، فاعتقله ثم أمر بكحله فمات شرف الدولة والمكحول في شهر من سنة 379، وكان شرف الدولة فيه عدل، ووزر في أيامه أبو منصور محمد بن الحسن، ومما قدم معه عشرون ألف ألف درهم، وكان ذا رفق ودين. ومن عدل شرف الدولة رده على السيد أبي الحسن محمد بن عمر أملاكه. وكان مغلها في السنة أزيد من ألف ألف دينار.

وعظم الغلاء ببغداد، حتى بيعت كارة الدقيق الخشكار بمائتين وأربعين درهمًا.

وفي هذا الحدود جاء بالبصرة سموم حارة، فمات جماعة في الطرق. وجاء بفم الصلح ريح خرقت دجلة، حتى بانت أرضها -فيما قيل، وهدت في جامعها، واحتملت زورقًا فيه مواشي، فطرحته بأرض جوخى فرأوه بعد أيام، نسأل الله العافية.

ولما مات شرف الدولة، جاء الطائع يعزي أخاه بهاء الدولة أبا نصر. فقبل أبو نصر الأرض مرات، وسلطنه الطائع بالطوق والسوارين والخلع السبع، فأقر في وزارته أبا منصور المذكور، ويعرف بابن صالحان. وكان بهاء الدولة ذا هيبة ووقار وحزم، وحاربه ابن صمصام الدولة الذي كحل. وخربت البصرة والأهواز، وعظمت الفتن، وتواتر أخذ العملات ببغداد، وتحاربت الشيعة والسنة مدة، ثم وثبوا على الطائع لله في داره في تاسع عشر شعبان

ص: 411

سنة 381، وسببه أن شيخ الشيعة ابن المعلم كان من خواص بهاء الدولة فحبس، فجاء بهاء الدولة، وقد جلس الطائع في الرواق متقلد السيف، فقبل الأرض، وجلس على كرسي، فتقدم جماعة من أعوانه، فجذبوا الطائع بحمائل سيفه، ولفوه في كساء، وأصعد في سفينته إلى دار المملكة، وماج الناس وظن الجند أن القبض على بهاء الدولة، فوقع النهب، وقبض على الرئيس علي بن حاجب النعمي وجماعة، وصودروا واحتيط على الخزائن والخدم أيضًا.

فكان الطائع هم بالقبض على ابن عمه القادر بالله وهو أمير، فهرب إلى البطائح، وانضم إلى مهذب الدولة، وبقي معه عامين، فأظهر بهاء الدولة أمر القادر وأنه أمير المؤمنين. ونودي بذلك، وأشهد على الطائع بخلع نفسه، وأنه سلم الخلافة إلى القادر بالله، وشهد الكبراء بذلك، ثم طلب القادر، واستحثوه على القدوم، واستبيحت دار الخلافة حتى نقض خشبها.

وكتب القادر: من عبد الله أمير المؤمنين القادر بالله إلى بهاء الدولة، وضياء الملة أبي نصر بن عضد الدولة. سلام عليك. أما بعد: أطال الله بقاءك وأدام عزك، ورد كتابك بخلع العاصي المتلقب بالطائع لبوائقه وسوء نيته. فقد أصبحت سيف أمير المؤمنين المبير.

ثم في السنة الآتية سلم الطائع المخلوع إلى القادر فأنزله في حجرة موكلا به، وأحسن صيانته، وكان المخلوع يطلب منه أمورًا ضخمة، وقدمت بين يديه شمعة قد استعملت فأنكر ذلك، فأتوه بجديدة، وبقي مكرمًا إلى أن توفي. وما اتفق هذا الإكرام لخليفة مخلوع مثله.

وكانت دولته ثماني عشرة سنة. وبقي بعد عزله أعواما إلى أن مات ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة فصلى عليه القادر وكبر خمسًا، ورثاه الشريف الرضي بقصيدة. وعاش ثلاثا وسبعين سنة، رحمه الله.

ص: 412

‌2908 - القادر بالله

(1)

:

الخليفة أبو العباس أحمد ابن الأمير إسحاق بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي، البغدادي. وأمه اسمها: تمني.

مولده سنة ست وثلاثين وثلاث مائة.

وماتت أمه في دولته، وقد عجزت سنة تسع وتسعين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "374"، والمنتظم لابن الجوزي "7/ 160" و"8/ 60"، والعبر "3/ 148"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "4/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 221".

ص: 412

وكان أبيض كث اللحية يخضب دينًا عالمًا متعبدًا وقورًا من جلة الخلفاء وأمثلهم. عده ابن الصلاح في الشافعية. تفقه على أبي بشر أحمد بن محمد الهروي.

قال الخطيب: كان من الدين، وإدامة التهجد، وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت عنه. وصنف كتابًا في الأصول، ذكر فيه فضل الصحابة، وإكفار من قال: بخلق القرآن. وكان ذلك الكتاب يقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث، ويحضره الناس مدة خلافته، وهي إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر.

قلت: قام بخلافته بهاء الدولة كما تقدم في سنة إحدى وثمانين، واستقدموه من البطائح فجهزه أميرها مهذب الدولة علي بن نصر، وحمله من الآلات والرخت بما أمكن، وأعطاه طيارًا فلما قدم واسط، أتاه الأجناد، وطلبوا رسم البيعة، وهاشوا، فوعدهم بالجميل، فرضوا، فكان مقامه بالبطيحة أزيد من سنتين، فقدم، واستكتب أبا الفضل محمد بن أحمد عارض الديلم، وجعل أستاذ داره عبد الواحد الشيرازي وحلف هو وبهاء الدولة كل منهما لصاحبه ثم سلطنه.

وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني، أن القادر كان يلبس زي العامة، ويقصد الأماكن المباركة. وطلب من أبي الحسن بن القزويني أن ينفذ له من طعامه، فنفذ باذنجانًا مقلوًا بخل وباقلى ودبسا، فأكل منه وفرق، وبعث إليه بمائتي دينار فقبلها. ثم طلب منه بعد طعاما، فبعث إليه زبادي فراريج ودجاج وفالوذج، فتعجب الخليفة وسأله، فقال: لم أتكلف، ولما وسع علي وسعت على نفسي فأعجبه، وكان يتفقده.

وعملت الرافضة عيد الغدير، يعني: يوم المؤاخاة، فثارت السنة، وقووا، وخرقوا علم السلطان. وقتل جماعة، وصلب آخرون، فكفوا.

وفي هذا القرب طلب أمير مكة أبو الفتوح العلوي الخلافة، وتسمى بالراشد بالله، ولحق بآل جراح الطائي بالشام، ومعه أقاربه، ونحو من ألف عبد، وحكم بالرملة، فانزعج العزيز بمصر، وتلطف بالطائيين، وبذل لهم الأموال، وكتب بإمارة الحرمين لابن عم الراشد، فوهن أمر الراشد، فأجاره أبو حسان الطائي، وتلطف له حتى عاد إلى إمرة مكة.

وفيها استولى بزال على دمشق، وهزم متوليها منيرًا.

ونقص التشيع من بغداد، واستضرت الأمراء على بهاء الدولة، وقهروه حتى سلم إليهم أبا الحسن ابن المعلم الكوكبي، فخنق، وعظم القحط ببغداد.

ص: 413

وفي سنة 383: تزوج القادر بالله سكينة بنت الملك بهاء الدولة، واستفحل البلاء بالعيارين ببغداد، ولم يحج أحد من العراق.

ومات في سنة 87: فخر الدولة علي بن ركن الدولة بن بويه بالري، ووزر له ابن عباد. وكان شهما شجاعا، كان الطائع قد لقبه ملك الأمة عاش ستًا وأربعين سنة. وكانت دولته أربع عشرة سنة، وترك ألفي ألف دينار وثمان مائة ألف دينار، ومن الجواهر ما قيمته ثلاثة آلاف ألف، ومن آنية الذهب ما وزنه ألف ألف، ومن آنية الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف، ومن فاخر الثياب ثلاثة آلاف حمل. وكانت خزائنه على ثلاثة آلاف وخمس مائة جمل.

وفي سنة ثمان وثمانين: هلك تسعة ملوك: صاحب مصر العزيز، وصاحب خراسان، وفخر الدولة المذكور، وصاحب خوارزم مأمون بن محمد، وصاحب بست سبكتكين وغيرهم.

وفي سنة تسعين وثلاث مائة: ظهر بسجستان معدن الذهب.

وفي سنة إحدى وتسعين: عقد القادر بولاية العهد لابنه الغالب بالله، وهو في تسع سنين، وعجل بذلك، لأن الخطيب الواثق سار إلى خراسان، وافتعل كتابًا من القادر بأنه ولي عهده. واجتمع ببعض الملوك فاحترمه، وخطب له بعد القادر، ونفذ رسولًا إلى القادر بما فعل، فأثبت فسق الواثقي، ومات غريبًا.

وكان الرفض علانية بدمشق في سنة أربع مائة. ولقد أخذ نائبها تمصولت البربري رجلًا في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة فطيف به على حمار: هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر، ثم قتل.

وفي هذا الحين ظهر أبو ركوة الأموي، والتف عليه من المغاربة والعرب خلق، وحارب ولعن الحاكم، فجهز الحاكم لحربه ستة عشر ألفًا، فظفروا به وقتل.

وفي سنة أربع مائة: عمل ابن سهلان سورًا منيعا على مشهد علي.

وافتتح محمود بن سبكتكين فتحًا عظيمًا من الهند.

وفي هذا الوقت انبثت دعاة الحاكم في الأطراف، فأمر القادر بعمل محضر يتضمن القدح في نسب العبيدية، وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي، فشهدوا جميعًا أن الناجم بمصر منصور بن نزار الحاكم حكم الله عليه بالبوار، وأن جدهم لما صار إلى الغرب تسمى بالمهدي عبيد الله، وهو وسلفه أرجاس أنجاس خوارج أدعياء، وأنتم تعلمون أن أحدًا من

ص: 414

الطالبيين لم يتوقف عن إطلاق القول بأنهم أدعياء، وأن هذا الناجم وسلفه كفار زنادقة، ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون، عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية، وكتب في المحضر الشريف الرضي، والشريف المرتضى، ومحمد بن محمد بن عمر، وابن الأزرق العلويون، والقاضي أبو محمد بن الأكفاني، والقاسم أبو القاسم الجزري، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، وأبو محمد الكشفلي، وأبو الحسين القدوري، وأبو علي بن حمكان.

وورد على الخليفة كتاب محمود أنه غزا الكفار، وهم خلق معهم ست مائة فيل، وأنه نصر عليهم.

وفي سنة ثلاث وأربع مائة: استبيح وفد العراق، وقل من نجا، فيقال: هلك خمسة عشر ألفًا، وتسمى وقعة الفرعاء. فسار ابن مزيد، ولحقهم بالبرية، فقتل منهم مقتلة، وأسر أربعة عشر من كبارهم، فأهلكوا ببغداد.

وبعث ابن سبكتكين إلى القادر بأنه ورد إليه الداعي من الحاكم يدعوه إلى طاعته، فخرق كتابه، وبصق عليه.

ومات في حدودها أيلك خان صاحب ما وراء النهر الذي أخذ البلاد من آل سامان من بضع عشرة سنة، وكان ظالمًا مهيبًا، شديد الوطأة. وقد وقع بينه وبين طغان ملك الترك حروب، فورث أخوه طغان مملكته، ومالأه ابن سبكتكين، فتحركت جيوش الصين لحرب طغان في أزيد من مائة ألف خركاة، فالتقاهم طغان، ونصره الله.

ومات بهاء الدولة أحمد بن عضد الدولة، وتسلطن ابنه سلطان الدولة في ربيع الأول سنة أربع، وجلس القادر لذلك، وقبل الأرض فخر الملك الوزير، وقرأ ابن حاجب النعمان العهد، وعلم عليه القادر، وأحضرت الخلع والتاج والطوق والسواران واللواءان فعقدهما الخليفة بيده، وأعطى سيفا للخادم، فقال: قلده به فهو فخر له ولعقبه، وبعث بذلك إلى شيراز.

وفيها أبطل الحاكم المنجمين من ممالكه، وأعتق أكثر مماليكه، وجعل ولي عهده ابن عمه عبد الرحيم ين إلياس، وأمر بحبس النساء في البيوت، فاستمر ذلك خمسة أعوام، وصلحت سيرته، لا أصلحه الله.

ومنع ببغداد فخر الملك من عمل عاشوراء.

ص: 415

ووقعت القبة التي على صخرة بيت المقدس، وافتتح ابن سبكتكين خوارزم، ووقع ببغداد بين الشيعة والسنة فتن عظمى، واشتد البلاء، واستضرت عليهم السنة، وقتل جماعة.

واستتاب القادر فقهاء المعتزلة، فتبرؤا من الاعتزال والرفض، وأخذت خطوطهم بذلك.

وتزوج سلطان الدولة ببنت صاحب الموصل قرواش.

وقتل الدرزي الذي ادعى ربوبية الحاكم.

وامتثل ابن سبكتكين أمر القادر، فبث السنة بممالكه، وتهدد بقتل الرافضة والإسماعيلية والقرامطة، والمشبهة والجهمية والمعتزلة. ولعنوا على المنابر.

وفيها: أعني سنة تسع، قدم سلطان الدولة بغداد.

وافتتح ابن سبكتكين عدة مدائن بالهند. وورد كتابه ففيه: صدر العبد من غزنة في أول سنة عشر وأربع مائة، وانتدب لتنفيذ الأوامر، فرتب في غزنة خمسة عشر ألف فارس، وأنهض ابنه في عشرين ألفًا، وشحن بلخ وطخارستان باثني عشر ألف فارس، وعشرة آلاف راجل، وانتخب ثلاثين ألف فارس، وعشرة آلاف راجل لصحبة راية الإسلام. وانضم إليه المطوعة، فافتتح قلاعا وحصونا، وأسلم زهاء عشرين ألفًا، وأدوا نحو ألف ألف من الورق، وثلاثين فيلًا. وعدة الهلكى خمسون ألفًا. ووافى العبد مدينة لهم عاين فيها نحو ألف قصر، وألف بيت للأصنام. ومبلغ ما على الصنم ثمانية وتسعون ألف دينار، وقلع أزيد من ألف صنم. ولهم صنم معظم يؤرخون مدته بجهالتهم بثلاث مائة ألف سنة، وحصلنا من الغنائم عشرين ألف ألف درهم، وأفرد الخمس من الرقيق. فبلغ ثلاثة وخمسين ألفًا، واستعرضنا ثلاث مائة وستة وخمسين فيلًا.

ونفذت من القادر بالله خلع السلطنة لقوام الدولة بولاية كرمان.

وناب بدمشق عبد الرحيم ولي عهد الحاكم.

وقتل بمصر الحاكم وأراح الله منه سنة إحدى عشرة.

وفي سنة أربع عشرة: أقبل الملك مشرف الدولة مصعدا إلى بغداد من ناحية واسط، وطلب من القادر بالله أن يخرج لتلقيه، فتلقاه في الطيار وما فعل ذلك بملك قبله، وجاء مشرف الدولة، فصعد من زبزبه إلى الطيار، فقبل الأرض، وأجلس على كرسي، وكان موت مشرف الدولة بن بهاء الدولة في سنة ست عشرة، فنهبت خزائنه. وخطب لجلال الدولة، ثم إن الأمراء عدلوا إلى الملك أبي كاليجار، ونوهوا باسمه، وكان ولي عهد أبيه سلطان الدولة

ص: 416

فخطب لهذا ببغداد، وكثرت العملات ببغداد جدًا، واستباح جلال الدولة الأهواز فنهب منها ما قيمته خمسة آلاف ألف دينار، وأحرقت في أماكن، ودثرت.

ومرض القادر بالله في سنة إحدى وعشرين، ثم جلس للناس، وأظهر ولاية العهد لولده أبي جعفر.

وكان طاغية الروم قد قصد الشام في ثلاث مائة ألف، ومعه المال على سبعين جمازة، فأشرف على عسكره مائة فارس من الأعراب، وألف راجل فظنوا أنها كبسة، فلبس ملكهم خفًا أسود لكي يختفي، وهرب فنهب من حواصله أربع مائة بغل بأحمالها. وقتل من جيشه خلق، وأخذ البرجمي اللص وأعوانه العملات والمخازن الكبار، ونهبوا الأسواق، وعم البلاء، وخرج على جلال الدولة جنده لمنع الأرزاق.

وفي ذي الحجة من سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة، مات القادر بالله في أول أيام التشريق. وصلى عليه ابنه القائم بأمر الله، وكبر عليه أربعًا. ودفن في الدار، ثم بعد عشرة أشهر نقل تابوته إلى الرصافة، وعاش سبعًا وثمانين سنة سوى شهر وثمانية أيام وما علمت أحدًا من خلفاء هذه الأمة بلغ هذا السن، حتى ولا عثمان، رضي الله عنه.

ص: 417

‌2909 - القائم بأمر الله

(1)

:

الخليفة أبو جعفر عبد الله ابن القادر بالله أحمد بن إسحاق ابن المقتدر جعفر العباسي، البغدادي.

ولد سنة إحدى وتسعين وثلاث مائة في نصف ذي القعدة، وأمه بدر الدجى الأرمنية. وقيل: قطر الندى بقيت إلى أثناء خلافته.

وكان مليحًا وسيمًا أبيض بحمرة، قوي النفس، دينًا ورعًا متصدقًا. له يد في الكتابة والأدب، وفيه عدل وسماحة.

بويع يوم موت أبيه بعهد له منه في ذي الحجة، سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة. وأبوه هو الذي لقبه.

ولم يزل أمره مستقيمًا إلى أن قبض عليه في سنة خمسين وأربع مائة، لأن أرسلان

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 399"، والعبر "3/ 264"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 326".

ص: 417

التركي البساسيري، عظم شأنه لعدم نظير له. وتهيبته أمراء العرب والعجم، ودعي له على المنابر. وظلم وخرب القرى، وانقهر معه القائم، ثم تحدث بأنه يريد نهب دار الخلافة، وعزل القائم. فكاتب القائم طغرلبك ملك الغز يستنهضه، وكان بالري، ثم أحرقت دار البساسيري، وهرب، وقدم طغرلبك في سنة 447، وذهب البساسيري إلى الرحبة ومعه عسكر، فكاتب المستنصر فأمده من مصر بالأموال، ومضى طغرلبك سنة تسع إلى نصيبين ومعه أخوه ينال، فكاتب البساسيري ينال فأفسده، وطمع بمنصب أخيه. فسار بجيش ضخم إلى الري، فسار أخوه في أثره، وتفرقت الكلمة. والتقى الأخوان بهمذان. وظهر ينال، واضطرب أمر بغداد، ووقع النهب، وفرت زوجة طغرلبك في جيش نحو همذان. فوصل البساسيري في ذي القعدة إلى الأنبار. وبطلت الجمعة، ودخل شاليش عسكره، ثم دخل هو بغداد في الرايات المصرية، وضرب سرادقه على دجلة، ونصرته الشيعة. وكان قد جمع العيارين والفلاحين، وأطمعهم في النهب. وعظم القحط، واقتتلوا في السفن. ثم في الجمعة المقبلة دعي لصاحب مصر بجامع المنصور، وأذنوا: بحي على خير العمل. وخندق الخليفة حول داره، ثم نهض البساسيري في أهل الكرخ وغيرهم إلى حرب القائم، فاقتلوا يومين، وكثرت القتلى، وأحرقت الأسواق، ودخلوا الدار فانتهبوها، وتذمم القائم إلى الأمير قريش العقيلي. وكان ممن قام مع البساسيري -فأذمه، وقبل بين يديه. فخرج القائم راكبًا، بين يديه الراية، والأتراك بين يديه، وأنزل في خيمة، ثم قبض البساسيري على الوزير أبي القاسم علي بن المسلمة، والقاضي أبي عبد الله الدامغاني، وجماعة، فصلب الوزير فهلك.

وكان القائم فيه خير واهتمام بالرعية، وقضاء للحوائج. وقيل: إنه لما بقي معتقلًا عند العرب كتب قصة، وبعث بها إلى بيت الله مستعديا ممن ظلمه وهي: إلى الله العظيم من المسكين عبده: اللهم إنك العالم بالسرائر، المطلع على الضمائر. اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك علي عن إعلامي، هذا عبدك قد كفر نعمك وما شكرها، أطغاه حلمك حتى تعدى علينا بغيا. اللهم قل الناصر واعتز الظالم، وأنت المطلع الحاكم، بك نعتز عليه، وإليك نهرب من يديه، فقد حاكمناه إليك، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، ورفعنا ظلامتنا إلى حرمك، ووثقنا في كشفها بكرمك. فاحكم بيننا بالحق، وأنت خير الحاكمين.

وأما ما كان من طغرلبك، فإنه ظفر بأخيه وقتله. ثم كاتب متولي عانة في أن يرد القائم إلى مقر عزه.

وقيل: إن البساسيري عزم على ذلك لما بلغه السلطان طغرلبك، فحصل القائم في مقر دولته في الخامس والعشرين من ذي القعدة، سنة إحدى وخمسين.

ثم جهز طغرلبك عسكرا قاتلوا البساسيري فقتل وطيف برأسه. فكانت الخطبة للمستنصر ببغداد سنة كاملة.

توفي القائم في ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربع مائة.

ص: 418

‌2910 - المهدي وذريته

(1)

:

عبيد الله أبو محمد، أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية الذين قلبوا الإسلام، وأعلنوا بالرفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية، وبثوا الدعاة، يستغوون الجبلية والجهلة.

وادعى هذا المدبر، أنه فاطمي من ذرية جعفر الصادق فقال: أنا عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد.

وقيل: بل قال: أنا عبيد الله بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق.

وقيل: لم يكن اسمه عبيد الله، بل إنما هو سعيد بن أحمد.

وقيل: سعيد بن الحسين.

وقيل: كان أبوه يهوديًا.

وقيل: من أولاد ديصان الذي ألف في الزندقة.

وقيل: لما رأى اليسع صاحب سجلماسة الغلبة، دخل فذبح المهدي. فدخل أبو عبد الله الشيعي، فرآه قتيلًا، وعنده خادم له، فأبرز الخادم، وقال للناس: هذا إمامكم.

والمحققون على أنه دعي بحيث إن المعز منهم لما سأله السيد ابن طباطبا عن نسبه، قال: غدًا أخرجه لك، ثم أصبح وقد ألقى عرمة من الذهب، ثم جذب نصف سيفه من غمده. فقال: هذا نسبي، وأمرهم بنهب الذهب، وقال: هذا حسبي.

وقد صنف ابن الباقلاني وغيره من الأئمة في هتك مقالات العبيدية، وبطلان نسبهم.

فهذا نسبهم، وهذه نحلتهم. وقد سقت في حوادث تاريخنا من أحوال هؤلاء وأخبارهم في تفاريق السنين عجائب.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 357"، والعبر "2/ 193"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 294".

ص: 419

وكان هذا من أهل سلمية له غور، وفيه دهاء ومكر، وله همة علية، فسرى على أنموذج علي بن محمد الخبيث، صاحب الزنج الذي خرب البصرة وغيرها، وتملك بضع عشرة سنة. وأهلك البلاد والعباد. وكان بلاء على الأمة، فقتل سنة سبعين ومائتين.

فرأى عبيد الله أن ما يرومه من الملك، لا ينبغي أن يكون ظهوره بالعراق ولا بالشام، فبعث أولا له داعيين شيطانين داهيتين، وهما الأخوان أبو عبد الله الشيعي، وأخوه أبو العباس، فظهر أحدهما باليمن، والآخر بأفريقية، وأظهر كل منهما الزهد والتأله، وأدبا أولاد الناس، وشوقا إلى الإمام المهدي.

ولهم البلاغات السبعة: فالأول للعوام وهو الرفض، ثم البلاغ الثاني للخواص، ثم البلاغ الثالث لمن تمكن، ثم الرابع لمن استمر سنتين، ثم الخامس لمن ثبت في المذهب ثلاث سنين، ثم السادس لمن أقام أربعة أعوام، ثم الخطاب بالبلاغ السابع وهو الناموس الأعظم.

قال محمد بن إسحاق النديم: قرأته فرأيت فيه أمرًا عظيمًا من إباحة المحظورات، والوضع من الشرائع وأصحابها، وكان في أيام معز الدولة ظاهرا شائعا، والدعاة منبثون في النواحي، ثم تناقص.

قلت: ثم استحكم أمر أبي عبد الله بالمغرب، وتبعه خلق من البربر، ثم لحق به أخوه، وعظم جمعه، حتى حارب متولي المغرب وقهره، وجرت له أمور طويلة في أزيد من عشرة أعوام.

فلما سمع عبيد الله بظهور داعيه، سار بولده في زي تجار، والعيون عليهما إلى أن ظفر بهما متولي الإسكندرية فسر بهما، وكاشر لهما التشيع فيه فدخلا المغرب. فظفر بهما أمير المغرب فسجنهما، ولم يقرا له بشيء، ثم التقى هو وأبو عبد الله الشيعي، فانتصر أبو عبد الله، وتملك البلاد، وأخرج المهدي من السجن، وقبل يده وقال لقواده: هذا إمامنا، فبايعه الملأ.

ووقع بعد بينه وبين داعييه لكونه ما أنصفهما، ولا جعل لهما كبير منصب، فشككا فيه خواصهما، وتفرقت كلمة الجنود، ووقع بينهم مصاف. فانتصر عبيد الله، وذبح الأخوين. ودانت له الأمم. وأنشأ مدينة المهدية، ولم يتوجه لحربه جيش لبعد الشقة ولوهن شأن الخلافة بإمارة المقتدر. وجهز من المغرب ولده ليأخذ مصر، فلم يتم له ذلك.

قال أبو الحسن القابسي، صاحب "الملخص": إن الذين قتلهم عبيد الله، وبنوه أربعة

ص: 420

آلاف في دار النحر في العذاب من عالم وعابد ليردهم عن الترضي عن الصحابة، فاختاروا الموت. فقال: سهل الشاعر:

وأحل دار النحر في أغلاله

من كان ذا تقوى وذا صلوات

ودفن سائرهم في المنستير، وهو بلسان الفرنج: المعبد الكبير.

وكانت دولة هذا بضعًا وعشرين سنة.

حكى الوزير القفطي في سيرة بني عبيد، قال: كان أبو عبد الله الشيعي أحد الدواهي، وذلك أنه جمع مشايخ كتامة ليشككهم في الإمام. فقال: إن الإمام كان بسلمية قد نزل عند يهودي عطار يعرف بعبيد، فقام به وكتم أمره، ثم مات عبيد عن ولدين فأسلما هما وأمهما على يد الإمام، وتزوج بها، وبقي مختفيا. وبقي الأخوان في دكان العطر. فولدت للإمام ابنين، فعند اجتماعي به سألته أي الاثنين إمامي بعدك؟ فقال: من أتاك منهما فهو إمامك. فسيرت أخي لإحضارهما، فوجد أباهما قد مات هو وابنه الواحد. فأتى بهذا. وقد خفت أن يكون أحد ولدي عبيد. فقالوا: وما أنكرت منه؟ قال: إن الإمام يعلم الكائنات قبل وقوعها. وهذا قد دخل معه بولدين. ونص الأمر في الصغير بعده، ومات بعد عشرين يومًا -يعني: الولد. ولو كان إماما لعلم بموته. قالوا: ثم ماذا؟ قال: والإمام لا يلبس الحرير والذهب. وهذا قد لبسهما. وليس له أن يطأ إلَّا ما تحقق أمره. وهذا قد وطئ نساء زيادة الله، يعني: متولي المغرب. قال: فشككت كتامة في أمره. وقالوا: فما ترى؟ قال: قبضه ثم نسير من يكشف لنا عن أولاد الإمام على الحقيقة. فأجمعوا أمرهم. وخف كبير كتامة فواجه المهدي، وقال: قد شككنا فيك، فائت بآية. فأجابه بأجوبة، قبلها عقله. وقال: إنكم تيقنتم، واليقين لا يزول إلَّا بيقين لا بشك. وإن الطفل لم يمت، وإنه إمامك، وإنما الأئمة ينتقلون، وقد انتقل لإصلاح جهة أخرى. قال: آمنت، فما لبسك الحرير؟ قال: أنا نائب الشرع أحلل لنفسي ما أريد، وكل الأموال لي، وزيادة الله كان عاصيًا.

وأما عبد الله الشيعي وأخوه، فإنهما أخذا يخببان عليه فقتلهما. وخرج عليه خلق من كتامة، فظفر بحيلة وقتلهم.

وخرج عليه أهل طرابلس، فجهز ولده القائم، فافتتحها عنوة، وافتتح برقة، ثم افتتح صقلية، وجهز القائم مرتين لأخذ مصر، ويرجع مهزوما. وبنى المهدية في سنة ثمان وثلاث مائة.

ص: 421

وخلف ستة بنين، وسبع بنات. وآخرهم وفاة أحمد، عاش إلى سنة اثنتين وثمانين وثلاث مائة بمصر.

وفي أيام المهدي، عاثت القرامطة بالبحرين، وأخذوا الحجيج، وقتلوا وسبوا، واستباحوا حرم الله، وقلعوا الحجر الأسود. وكان عبيد الله يكاتبهم، ويحرضهم، قاتله الله.

وقد ذكرت في "تاريخ الإسلام" أن في سنة سبعين ومائتين ظهرت دعوة المهدي باليمن، وكان قد سير داعيين أبا القاسم بن حوشب الكوفي، وأبا الحسين، وزعم أنه ابن محمد بن إسماعيل بن الصادق جعفر بن محمد.

ونقل المؤيد الحموي في "تاريخه"، أن المهدي اسمه فيما وكان قيل: سعيد بن الحسين، وأن أباه الحسين قدم سلمية. فوصفت له امرأة يهودي حداد، قد مات عنها. فتزوجها الحسين بن محمد بن أحمد بن عبد الله القداح هذا وكان لها ولد من اليهودي، فأحبه الحسين وأدبه.

ولما احتضر عهد إليه بأمور، وعرفه أسرار الباطنية، وأعطاه أموالًا، فبث له الدعاة. وقد اختلف المؤرخون، وكثر كلامهم في قصة عبيد الله القداح بن ميمون بن ديصان. فقالوا: إن ديصان هذا هو صاحب كتاب "الميزان" في الزندقة. وكان يتولى أهل البيت. وقال: ونشأ لميمون بن ديصان ابنه عبد الله، فكان يقدح العين، وتعلم من أبيه حيلا ومكرًا.

سار عبد الله في نواحي أصبهان، وإلى البصرة. ثم إلى سلمية يدعو إلى أهل البيت، ثم مات، فقام ابنه أحمد بعده، فصحبه رستم بن حوشب النجار الكوفي، فبعثه أحمد إلى اليمن يدعو له، فأجابوه، فسار إليه أبو عبد الله الشيعي من صنعاء، وكان بعدن، فصحبه، وصار من كبراء أصحابه، وكان لأبي عبد الله هذا دهاء وعلوم وذكاء، وبعث ابن حوشب دعاة إلى المغرب، فأجابته كتامة، فنفذ ابن حوشب إليهم أبا عبد الله ومعه ذهب كثير في سنة ثمانين ومائتين. فصار من أمره ما صار.

فهذا قول، ونرجع إلى قول آخر هو أشهر. فسير -أعني: والد المهدي- أبا عبد الله الشيعي، فأقام باليمن أعوامًا، ثم حج، فصادف طائفة من كتامة حجاجا، فنفق عليهم، وأخذوه إلى المغرب، فأضلهم، وكان يقول: إن لظواهر الآيات والأحاديث بواطن، هي كاللب، والظاهر كالقشر، وقال: لكل آية ظهر وبطن. فمن وقف على علم الباطن، فقد ارتقى عن رتبة التكاليف.

ص: 422

وكان أبو عبد الله ذا مكر ودهاء وحيل وربط. وله يد في العلم. فاشتهر بالقيروان، وبايعته البربر، وتألهوه لزهده، فبعث إليه متولي إفريقية يخوفه ويهدده، فما ألوى عليه. فلما هم بقبضه، استنهض الذين تبعوه، وحارب فانتصر مرات، واستفحل أمره، فصنع صاحب إفريقية صنع محمد بن يعفر صاحب اليمن، فرفض الإمارة، وأظهر التوبة، ولبس الصوف، ورد المظالم، ومضى غازيا نحو الروم، فتملك بعده ابنه أبو العباس بن إبراهيم بن أحمد، ووصل الأب إلى صقلية، ومنها إلى طبرمين فافتتحها. ثم مات مبطونا في ذي القعدة سنة تسع وثمانين ومائتين. كانت دولته ثمانيا وعشرين سنة، ودفن بصقلية.

وشهر الشيعي بالمشرقي، وكثرت جيوشه، وزاد الطلب لعبيد الله، فسار بابنه وهو صبي ومعهما أبو العباس أخو الداعي الشيعي فتحيلوا حتى وصلوا إلى طرابلس المغرب، وتقدمهما أبو العباس إلى القيروان، وبالغ زيادة الله الأغلبي في تطلبهما، فوقع بأبي العباس فقرره، فأصر على الإنكار، فحبسه برقادة. وعرف بذلك المهدي فعدل إلى سجلماسة، وأقام بها يتجر، فعلم به زيادة الله، وقبض متولي البلد على المهدي وابنه. ثم التقى زيادة الله والشيعي غير مرة، وينتصر الشيعي، وانهزم من السجن أبو العباس، ثم أمسك.

وأما زيادة الله فأيس من المغرب، ولحق بمصر. وأقبل الشيعي وأخوه في جمع كثير. فقصدا سجلماسة، فبرز لهما متوليها اليسع، فانهزم جيشه في سنة ست وتسعين ومائتين، وأخرج الشيعي عبيد الله وابنه، واستولى على البلاد، وتمهدت له المغرب.

ثم سار في أربعين ألفًا برًا وبحرًا يقصد مصر، فنزل لبدة، وهي على أربعة مراحل من الإسكندرية. ففجر تكين الخاصة عليهم النيل فحال الماء بينهم وبين مصر.

قال: المسبحي فكانت وقعة برقة، فسلمها المنصور، وانهزم إلى مصر.

وفيها سار حباسة الكتامي في عسكر عظيم طليعة بين يدي ابن المهدي. فوصل إلى الجيزة، فتاه على المخاضة، وبرز إليه عسكر ومنعوه. وكان النيل زائدا، فرجع جيش المهدي وعاثوا وأفسدوا.

ثم قصدوا مصر في سنة ست وثلاث مائة مع القائم، فأخذ الإسكندرية، وكثيرا من الصعيد. ثم رجع، ثم أقبلوا في سنة ثمان وملكوا الجيزة.

وفي نسب المهدي أقوال: حاصلها أنه ليس بهاشمي ولا فاطمي.

ص: 423

وكان موته قي نصف ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة. وله اثنتان وستون سنة. وكانت دولته خمسًا وعشرين سنة وأشهرًا.

وقام بعده ابنه القائم.

نقل القاضي عياض في ترجمة أبي محمد الكستراتي، أنه سئل عمن أكرهه بنو عبيد على الدخول في دعوتهم أو يقتل؟ فقال: يختار القتل ولا يعذر، ويجب الفرار، لأن المقام في موضع يطلب من أهله تعطيل الشرائع، لا يجوز.

قال القاضي عياض: أجمع العلماء بالقيروان، أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة.

وقيل: إن عبيد الله تملك المغرب، فلم يكن يفصح بهذا المذهب إلَّا للخواص. فلما تمكن أكثر القتل جدًا، وسبى الحريم، وطمع قي أخذ مصر.

ص: 424

‌2911 - القائم

(1)

:

صاحب المغرب، أبو القاسم محمد بن المهدي عبيد الله.

مولده بسلمية، في سنة ثمان وسبعين ومائتين.

ودخل المغرب مع أبيه، فبويع هذا عند موت أبيه في سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة.

وكان مهيبًا شجاعًا، قليل الخير، فاسد العقيدة.

خرج عليه في سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة أبو يزيد مخلد بن كيداد البربري. وجرت بينهما ملاحم، وحصره مخلد بالمهدية، وضيق عليه، واستولى على بلاده. ثم وسوس القائم، واختلط وزال عقله، وكان شيطانًا مريدًا يتزندق.

ذكر القاضي عبد الجبار المتكلم، أن القائم أظهر سب الأنبياء. وكان مناديه يصيح: العنوا الغار وما حوى. وأباد عدة من العلماء. وكان يراسل قرامطة البحرين، ويأمرهم بإحراق المساجد والمصاحف. فتجمعت الإباضية والبربر على مخلد، وأقبل، وكان ناسكًا قصير الدلق، يركب حمارًا، لكنهم خوارج، وقام معه خلق من السنة والصلحاء، وكاد أن يتملك العالم، وركزت بنودهم عند جامع القيروان فيها: لا إله إلَّا الله، لا حكم إلَّا لله. وبندان

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 685"، والعبر "2/ 240"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 287"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 337".

ص: 424

أصفران فيهما: نصر من الله وفتح قريب. وبند لمخلد فيه اللهم انصر وليك على من سب نبيك وخطبهم أحمد ابن أبي الوليد فحض على الجهاد ثم ساروا ونازلوا المهدية ولما التقوا وأيقن مخلد بالنصر تحركت نفسه الخارجية. وقال لأصحابه: انكشفوا، عن أهل القيروان حتى ينال منهم عدوهم ففعلوا ذلك فاستشهد خمسة وثمانون نفسًا من العلماء والزهاد.

وخوارج المغرب إباضية منسوبون إلى عبد الله بن يحيى بن إباض الذي خرج في أيام مروان الحمار وانتشر أتباعه بالمغرب يقول: أفعالنا مخلوقة لنا ويكفر بالكبائر ويقول: ليس في القرآن خصوص ومن خالفه حل دمه.

نعم وكان القائم يسمى أيضًا نزارًا، ولما أخذ أكثر بلاد مصر في سنة سبع وثلاث مائة انتدب لحربه جيش المقتدر عليهم مؤنس فالتقى الجمعان فكانت وقعة مشهورة ثم تقهقر القائم إلى المغرب ووقع في جيشه الغلاء والوباء وفي خيلهم وتبعه أيامًا جيش المقتدر.

وكان موت القائم في شوال سنة أربع وثلاثين محصورًا بالمهدية لكن قام بعده ابنه المنصور.

وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد لما شهروه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه وقد رأيت في ذلك تواريخ عدة يصدق بعضها بعضًا.

وعوتب بعض العلماء في الخروج مع أبي يزيد الخارجي فقال: وكيف لا أخرج وقد، سمعت الكفر بأذني خضرت عقدا فيه جمع من سنة ومشارقة وفيهم أبو قضاعة الداعي فجاء رئيس فقال: كبير منهم إلى هنا يا سيدي ارتفع إلى جانب رسول الله يعني: أبا قضاعة فما نطق أحد.

ووجد بخط فقيه قال: في رجب، سنة 331 قام المكوكب يقذف الصحابة ويطعن على النبي صلى الله عليه وسلم وعلقت رؤوس حمير وكباش على الحوانيت كتب عليها أنها رؤوس صحابة.

وخرج أبو إسحاق الفقيه مع أبي يزيد، وقال: هم أهل القبلة وأولئك ليسوا أهل قبلة وهم بنو عدو الله فإن ظفرنا بهم لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد لأنه خارجي.

قال: أبو ميسرة الضرير: أدخلني الله في شفاعة أسود رمى هؤلاء القوم بحجر.

وقال السبائي: أي والله نجد في قتل المبدل للدين.

وتسارع الفقهاء والعباد في أهبة كاملة بالطبول والبنود. وخطبهم في الجمعة أحمد بن أبي الوليد وحرضهم وقال: جاهدوا من كفر بالله وزعم أنه رب من دون الله وغير أحكام الله

ص: 425

وسب نبيه وأصحاب نبيه فبكى الناس بكاء شديدًا وقال: اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله المدعي الربوبية جاحد لنعمتك كافر بربوبيتك طاعن على رسلك مكذب بمحمد نبيك سافك للدماء فالعنه لعنا وبيلا واخزه خزيا طويلا واغضب عليه بكرة وأصيلا ثم نزل فصلى بهم الجمعة.

وركب ربيع القطان فرسه ملبسًا، وفي عنقه المصحف وحوله جمع كبير وهو يتلو آيات جهاد الكفرة فاستشهد ربيع في خلق من الناس يوم المصاف في صفر سنة أربع وثلاثين وكان غرض هؤلاء المجوس بني عبيد أخذه حيًا ليعذبوه.

قال أبو الحسن القابسي: استشهد معه فضلاء وأئمة وعباد.

وقال بعض الشعراء في بني عبيد:

الماكر الغادر الغاوي لشيعته

شر الزنادق من صحب وتباع

العابدين إذًا عجلًا يخاطبهم

بسحر هاروت من كفر وإبداع

لو قيل للروم أنتم مثلهم لبكوا

أو لليهود لسدوا صمخ أسماع

ص: 426

‌2912 - المنصور

(1)

:

أبو الطاهر إسماعيل بن القائم بن المهدي، العبيدي، الباطني، صاحب المغرب.

ولي بعد أبيه، وحارب رأس الإباضية أبا يزيد مخلد بن كيداد الزاهد، والتقى الجمعان مرات وظهر مخلد على أكثر المغرب ولم يبق لبني عبيد سوى المهدية.

فنهض المنصور وأخفى موت أبيه، وصابر الإباضية حتى ترحلوا عنه ونازلوا مدينة سوسة فبرز المنصور من المهدية والتقوا فانكسر جيش مخلد على كثرتهم وأسر هو في سنة (336)، فمات بعد الأسر بأربعة أيام من الجراح فسلخ وحشي قطنا وصلب.

وبنوا مدينة المنصورية مكان الوقعة فنزلها المنصور.

وكان بطلًا شجاعًا رابط الجأش فصيحًا مفوهًا يرتجل الخطب وفيه إسلام في الجملة وعقل بخلاف أبيه الزنديق.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 257"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 308"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 359".

ص: 426

وقد جمع في قصره مرة من أولاد جنده ورعيته عشرة آلاف صبي وكساهم كسوة فاخرة وعمل لهم وليمة لم يسمع: قط بمثلها وختنهم جميعًا وكان يهب للواحد منهم المائة دينار والخمسين دينارا على أقدارهم.

ومن محاسنه: أنه ولى محمد بن أبي المنظور الأنصاري قضاء القيروان وكان من كبار أصحاب الحديث قد لقي إسماعيل القاضي، والحارث بن أبي أسامة فقال بشرط أن لا آخذ رزقًا ولا أركب دابة فولاه ليتألف الرعية فأحضر إليه يهودي قد سب فبطحه وضربه إلى أن مات تحت الضرب خاف أن يحكم بقتله فتحل عليه الدولة.

وأتى يومًا بيته فوجد سلاف داية السلطان تشفع في امرأة نائحة فاسقة ليطلقها من حبسه، فقال مالك، قالت قضيب محبوبة المنصور تطلب منك أن تطلقها، فقال: يا منتنة لولا شيء لضربتك لعنك الله ولعن من أرسلك فولولت وشقت ثيابها ثم ذكرت أمرها للمنصور. فقال: ما أصنع به ما أخذ منا صلة ولا نقدر على عزله نحن نحب إصلاح البلد.

خرج في رمضان سنة إحدى وأربعين وثلاث مائة إلى مكان يتنزه فأصابه برد وريح عظيمة فأثر ذلك فيه ومرض ومات عدد كثير ممن معه ثم مات هو في سلخ شوال من السنة وله تسع وثلاثون سنة.

وقد كان في سنة أربعين جهز جيشه في البحر إلى صقلية فهزموا النصارى وكانت ملحمة عظمى قتل فيها من العدو ثلاثون ألفًا وأسر منهم ألوف وغنم الجند ما لا يعبر عنه.

وقيل: أنه افتتح مدينة جنوه ونهب أعمال سردانيه.

وحكم على مملكة صقلية، وافتتح له نائبه عليها فتوحات وانتصر على العدو وفرح بذلك المسلمون وتوطد سلطانه.

وخلف خمسة بنين وست بنات.

وذكر المشايخ أنهم ما رأوا فتحا مثله قط.

وكان المنصور محببًا إلى الرعية مقتصرًا على إظهار التشيع وقام بعده المعز ولده.

ص: 427

‌2913 - المعز

(1)

:

هو المعز لدين الله، أبو تميم معد بن المنصور إسماعيل بن القائم العبيدي المهدوي المغربي الذي بنيت القاهرة المعزية له كان صاحب المغرب وكان ولي عهد أبيه.

ولي سنة إحدى وأربعين وثلاث مائة، وسار في نواحي إفريقية يمهد ملكه فذلل الخارجين عليه واستعمل مماليكه على المدن واستخدم الجند وأنفق الأموال وجهز مملوكه جوهر القائد في الجيوش. فسار فافتتح سجلماسة، وسار إلى أن وصل إلى البحر الأعظم، وصيد له من سمكه، وافتتح مدينة فاس وأسر صاحبها وصاحب سبتة وبعث بهما إلى أستاذه. وقيل: لم يقدر على سبتة وكانت لصاحب الأندلس المرواني.

قال القفطي: عزم المعز على بعث جيشه إلى مصر فسألته أمه أن يؤخر ذلك لتحج خفية فأجابها، وحجت فأحس بقدومها الأستاذ كافور -يعني صاحب مصر- فحضر إليها وخدمها وحمل إليها تحفًا وبعث في خدمتها أجنادًا فلما رجعت منعت ابنها من قصد مصر فلما مات كافور بعث المعز جيشه فأخذوا مصر.

قلت: قدم عليهم جوهرًا فجنى ما على البربر من الضرائب فكان ذلك خمس مائة ألف دينار، وعمد المعز إلى خزائن آبائه فبذل منها خمس مائة حمل من المال وساروا في أول سنة ثمان وخمسين في أهبة عظيمة.

وكانت مصر في القحط فأخذها جوهر وأخذ الشام والحجاز ونفذ يعرف مولاه بانتظام الأمر.

وضربت السكة على الدينار بمصر وهي لا إله إلَّا الله محمد رسول الله علي خير الوصيين، والوجه الآخر اسم المعز والتاريخ وأعلن الأذان بحي على خير العمل ونودي من مات، عن بنت وأخ أو أخت فالمال كله للبنت فهذا رأي هؤلاء.

ثم جهز جوهر هدية إلى المعز، وهي عشرون كجاوة منها واحدة مرصعة بالجواهر وخمسون فرسًا كاملة العدة وخمس وخمسون ناقة مزينة وثلاث مائة وخمسون جملًا بخاتي، وعدة أحمال من نفائس المتاع وطيور في أقفاص سار بها جعفر ولد جوهر ومعه عدة

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "7/ 82"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 727"، والعبر "2/ 339"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "4/ 69"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 52".

ص: 428

أمراء إخشيدية تحت الحوطة مكرمين واعتقل أبناء الملك علي بن الإخشيد في رفاهية وأحسن إلى الرعية وتصدق بمال عظيم.

وأخذت الرملة بالسيف وأسر صاحبها الحسن بن أخي الإخشيد وأمراؤه وبعثوا إلى المغرب.

وأمر الأعيان بأن يعولوا المساكين لشدة الغلاء.

فتهيأ المعز واستناب على المغرب بلكين الصنهاجي، وسار بخزائنه وتوابيت آبائه. وكان دخوله إلى الإسكندرية في شعبان سنة اثنتين وستين وثلاث مائة وتلقاه قاضي مصر الذهلي وأعيانها فأكرمهم وطال حديثه معهم وعرفهم أن قصده الحق والجهاد، وأن يختم عمره بالأعمال الصالحة، وأن يقيم أوامر جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعظ وذكر حتى أعجبهم وبكى بعضهم ثم خلع عليهم. وقال للقاضي أبي الطاهر الذهلي: من رأيت من الخلفاء؟ فقال: واحدًا. قال: من هو؟ قال مولانا، فأعجبه ذلك.

ثم إنه سار حتى خيم بالجيزة فأخذ عسكره في التعدية إلى الفسطاط ثم دخل القاهرة وقد بني له بها قصر الإمارة وزينت مصر، فاستوى على سرير ملكه وصلى ركعتين.

وكان عاقلًا لبيبًا حازمًا ذا أدب وعلم ومعرفة وجلالة وكرم يرجع في الجملة إلى عدل وإنصاف ولولا بدعته ورفضه لكان من خيار الملوك.

قيل: إن زوجة صاحب مصر الإخشيد لما زالت دولتهم أودعت عند يهودي بغلطاقا من جوهر ثم إنها طلبته منه فأنكره وصمم فبذلت له كمه فأصر فما زالت حتى قالت: خذه وهات كما منه فما فعل فأتت القصر فأذن المعز لها فحدثته بأمرها فأحضر اليهودي وقرره فلم يقر فنفذ إلى داره من أخرب حيطانها فوجدوا جرة فيها البغلطاق، فلما رآه المعز ابتهر من حسنه وقد نقصه اليهودي درتين باعهما بألف وست مائة دينار فسلمه إليها، فاجتهدت أن يأخذه هدية منها أو بثمن فأبى، فقالت: يا أمير المؤمنين! إنما كان يصلح لي إذ كنا أصحاب البلاد وأما اليوم فلا ثم أخذته ومضت.

قيل: إن المنجمين أخبروا المعز أن عليك قطعا فأشاروا أن يتخذ سربا يتوارى فيه سنة ففعل فلما طالت الغيبة ظن جنده المغاربة أنه رفع فكان الفارس منهم إذا رأى غمامة ترجل ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين! ثم إنه خرج بعد سنة فخرج فما عاش بعدها إلَّا يسيرًا.

وللشعراء فيه مدائح.

ص: 429

ومن شعره:

أطلع الحسن من جبينك شمسًا

فوق ورد من وجنتيك أطلا

فكأن الجمال خاف على الور

د ذبولًا فمد بالشعر ظلا

ومن شعره:

لله ما صنعت بنا

تلك المحاجر في المعاجر

أمضى وأقضى في النفو

س من الخناجر في الحناجر

ولقد تعبت ببينكم

تعب المهاجر في الهواجر

قيل: إنه أحضر إلى المعز بمصر كتاب فيه شهادة جدهم عبيد الله بسلمية وفيه وكتب عبيد الله بن محمد بن عبد الله الباهلي، فقال: نعم، هذه شهادة جدنا وأراد بقوله الباهلي أنه من أهل المباهلة لا أنه من باهلة.

قلت: ظهر هذا الوقت الرفض وأبدى صفحته وشمخ بأنفه في مصر والشام والحجاز والغرب بالدولة العبيدية وبالعراق والجزيرة والعجم بيني بويه، وكان الخليفة المطيع ضعيف الدست والرتبة مع بني بويه، ثم ضعف بدنه وأصابه فالج وخرس فعزلوه وأقاموا ابنه الطائع لله وله السكة والخطبة وقليل من الأمور فكانت مملكة هذا المعز أعظم وأمكن، وكذلك دولة صاحب الأندلس المستنصر بالله المرواني كانت موطدة مستقلة كوالده الناصر لدين الله الذي ولي خمسين عامًا.

وأعلن الأذان بالشام ومصر بحي على خير العمل فلله الأمر كله.

قيل: ما عرف، عن المعز غير التشيع، وكان يطيل الصلاة ومات قبله بسنة ابنه عبد الله ولي العهد، وصبر وغلقت مصر لعزائه ثلاثًا وشيعوه بلا عمائم بل بمناديل صوف فأمهم المعز بأتم الصلاة وأحسنها.

في سنة ستين وثلاث مائة: وجد بالسوق

قد نسج فيه "المعز عز وجل"- فأحضر النساج إلى الجوهر فأنكر ذلك وصلب النساج ثم أطلق.

وأخذ المحتسب من الطحانين سبع مائة دينار فأنكر عليه جوهر ورد الذهب إليهم.

وأبيع تليس الدقيق بتسعة عشر دينارًا ثم انحل السعر في سنة ستين وثلاث مائة وكان الغلاء أربع سنين.

ص: 430

وقبض جوهر على تسع مائة وأربعين جنديا والإخشيد في وقت واحد وقيدوا.

وثارت عليه القرامطة واستولوا على كثير من الشام وساروا حتى أتوا مصر فحاربهم جوهر وجرت أمور مهولة.

وعزل سنة 361 من الوزارة ابن حنزابة وأهين.

ووقع المصاف بين جوهر والقرامطة. وقتل خلق وذلك بظاهر القاهرة، واستمر ذلك ثلاثة أيام ثم ترحل الأعسم القرمطي منهزما، وذلوا واتهم الأعسم أمراءه بالمخامرة فقبض عليهم.

وصلى بالناس المعز يومي العيد صلاة طويلة بحيث إنه سبح في السجود نحو ثلاثين ثم خطبهم فأبلغ وأحبته الرعية.

وصنع شمسية لتعمل على الكعبة ثمانية أشبار في مثلها من حرير أحمر وفيها اثنا عشر هلالا من ذهب وفي الهلال ترنجة قد رصعت بجواهر وياقوت وزمرد لم يشاهد أحد مثلها.

وقدم له جوهر القائد تحفا بنحو من ألف ألف دينار فخلع عليه وأعطاه ما يليق به.

مات المعز في ربيع الآخر، سنة خمس وستين وثلاث مائة بالقاهرة المعزية وكان مولده بالمهدية التي بناها جدهم وعاش ستا وأربعين سنة. وكانت دولته أربعًا وعشرين سنة.

وقام بعده ابنه العزيز بالله.

وقد جرى على دمشق وغيرها من عساكر المغاربة كل قبيح من القتل والنهب وفعلوا ما لا يفعله الفرنج ولولا خوف الإطالة لسقت ما يبكي الأعين.

ص: 431

‌2914 - العزيز بالله

(1)

:

صاحب مصر أبو منصور نزار بن المعز معد بن إسماعيل العبيدي المهدوي المغربي.

ولد سنة أربع وأربعين وثلاث مائة.

قام بعد أبيه في ربيع الأول، سنة خمس وستين.

وكان كريمًا شجاعًا صفوحا، أسمر أصهب الشعر أعين أشهل بعيد ما بين المنكبين،

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "7/ 190"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 759"، والعبر "3/ 34"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "4/ 112"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 121".

ص: 431

حسن الأخلاق قريبًا من الرعية مغرى بالصيد ويكثر من صيد السباع ولا يؤثر سفك الدماء وله نظم ومعرفة.

توفي في العيد ولد له فقال:

نحن بنو المصطفى ذوو محن

أولنا مبتلى وخاتمنا

عجيية في الأنام محنتنا

يجرعها في الحياة كاظمنا

يفرح هذا الورى بعيدهم

طرا وأعيادنا مآتمنا

قال: أبو منصور الثعالبي في "اليتيمة"، سمعت الشيخ أبا الطيب يحكي أن الأموي صاحب الأندلس كتب إليه نزار صاحب مصر كتابًا سبه فيه وهجاه فكتب إليه الأموي أما بعد، فإنك عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك فاشتد هذا على العزيز وأفحمه، عن الجواب يشير أنك دعي لا نعرف قبيلتك.

قال أبو الفرج ابن الجوزي: كان العزيز قد ولى عيسى بن نسطورس النصراني أمر مصر، واستناب منشا اليهودي بالشام، فكتبت إليه امرأة بالذي أعز اليهود والنصارى بمنشا وابن نسطورس وأذل المسلمين بك إلَّا ما نظرت في أمري، فقبض على الاثنين، وأخذ من عيسى ثلاث مائة ألف دينار.

قال ابن خلكان وغيره: أكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدي عبيد الله جد خلفاء مصر، حتى إن العزيز في أول ولايته صعد المنبر يوم جمعة فوجد هناك رقعة فيها:

إذا سمعنا نسبًا منكرًا

نبكي على المنبر والجامع

إن كنت فيما تدعي صادقًا

فاذكر أبا بعد الأب الرابع

وإن ترد تحقيق ما قلته

فانسب لنا نفسك كالطائع

أولا دع الأنساب مستورة

وادخل بنا في النسب الواسع

فإن أنساب بني هاشم

يقصر عنها طمع الطامع

وصعد مرة أخرى، فرأى ورقة فيها:

بالظلم والجور قد رضينا

وليس بالكفر والحماقه

إن كنت أعطيت علم غيب

فقل لنا كاتب البطاقه

ص: 432

ثم قال ابن خلكان: وذلك لأنهم ادعوا علم المغيبات. ولهم في ذلك أخبار مشهورة.

وفتحت للعزيز حلب وحماه وحمص. وخطب أبو الذواد محمد بن المسيب بالموصل له، ورقم اسمه على الأعلام والسكة سنة 383، وخطب له أيضًا باليمن وبالشام ومدائن المغرب.

وكانت دولة هذا الرافضي أعظم بكثير من دولة أمير المؤمنين الطائع ابن المطيع العباسي.

قال المسبحي: وفي سنة ثمانين، أسس جامع القاهرة. وفي أيام العزيز بني قصر البحر الذي لم يكن مثله في شرق ولا غرب، وجامع القرافة وقصر الذهب.

وفي أيامه أظهر سب الصحابة جهارًا.

وفي سنة 366: حجت جميلة بنت ناصر الدولة، صاحب الموصل. فمما كان معها أربع مائة محمل، فكانت لا يدرى في أي محمل هي. وأعتقت خمس مائة نفس. ونثرت على الكعبة عشرة آلاف مثقال. وسقت جميع الوفد سويق السكر والثلج، كذا قال الثعالبي، وخلعت وكست خمسين ألفًا. ولقد خطبها السلطان عضد الدولة، فأبت فحنق لذلك، ثم تمكن منها، فأفقرها وعذبها، ثم ألزمها أن تقعد قي الحانة لتحصل من الفاحشة ما تؤدي، فمرت مع الأعوان، فقذفت نفسها في دجلة، فغرقت، عفا الله عنها.

وفي سنة 67: جرت وقعات بين المصريين، وهفتكين الأمير، وقتل خلق، وضرب المثل بشجاعة هفتكين. وهزم الجيوش، وفر منه جوهر القائد. فسار لحربه صاحب مصر العزيز بنفسه، فالتقوا بالرملة. وكان هفتكين على فرس أدهم يجول في الناس، فبعث إليه العزيز رسولا، يقول: أزعجتني وأحوجتني لمباشرة الحرب، وأنا طالب للصلح، وأهب لك الشام كله. قال: فنزل وباس الأرض، واعتذر ووقع الحرب. وقال: فات الأمر، ثم حمل على الميسرة، فهزمها، فحمل العزيز بنفسه عليه في الأبطال فانهزم هفتكين، ومن معه والقرامطة، واستحر بهم القتل. ونودي: من أسر هفتكين فله مائة ألف دينار. وذهب هفتكين جريحا في ثلاثة، فظفر به مفرج بن دغفل. ثم أتى به العزيز، فلم يؤذه بل بلغه أعلى الرتب مديدة ثم سقاه ابن كلس الوزير، فأنكر العزيز ذلك. فداراه ابن كلس بخمس مائة ألف دينار.

وفي سنة 368: توثب على دمشق قسام الجبيلي التراب، والتف عليه أحداث البلد وشطارها. ولم يبق لأميرها معه أمر.

وجاء رسول العزيز إلى أمير الوقت عضد الدولة ليخطب له، فأجابه بتلطف وود وإتحاف، ولم يتهيأ ذلك.

ص: 433

وفيها، أي سنة 69: سلطن الطائع عضد الدولة. وبلغه أقصى الرتب، وفوض إليه أمور الرعية شرقًا وغربًا، وعقد بيده له لواءين، وزاد في ألقابه "تاج الملة".

وتزوج الطائع ببنته على مائة ألف دينار.

وفي سنة سبعين: رجع عضد الدولة من همذان، فخرج الطائع لتلقيه، أكره على ذا، وما جرت عادة لخليفة بهذا.

وفي سنة إحدى، وقع حريق عظيم ببغداد. وذهبت الأموال.

وفي سنة اثنتين: مات السلطان عضد الدولة، والسيدة المحجبة سارة أخت المقتدر، وقد قاربت التسعين. ولطموا أياما في الأسواق على العضد، وتملك ابنه صمصام الدولة.

وفي سنة 377: تهيأ العزيز لغزو الروم، فأحرقت مراكبه فغضب، وقتل مائتي نفس اتهمهم. ثم وصلت رسل طاغية الروم بهدية، تطلب الهدنة، فأجاب بشرط أن لا يبقى في مملكتهم أسير، وبأن يخطبوا للعزيز بقسطنطينية في جامعها. وعقدت سبعة أعوام.

ومات متولي إفريقية يوسف بلكين، وقام ابنه المنصور، وبعث تقادم إلى العزيز قيمتها ألف ألف دينار.

واشتد القحط ببغداد. وابتيعت كارة الدقيق بمائتين وستين درهمًا.

وغلب شرف الدولة على بغداد، وقبض على أخيه الصمصام.

وفي سنة 381: عزل من الخلافة الطائع، وولي القادر.

وفي سنة ست وثمانين: في رمضان مات العزيز ببلبيس في حمام من القولنج، وعمره اثنتان وأربعون سنة وأشهر. وقام ابنه الحاكم الزنديق.

ص: 434

‌2915 - الحاكم

(1)

:

صاحب مصر الحاكم بأمر الله، أبو علي منصور بن العزيز نزار بن المعز معد بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد ابن المهدي، العبيدي المصري الرافضي، بل الإسماعيلي الزنديق المدعي الربوبية. مولده في سنة خمس وسبعين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "7/ 297"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 742"، والعبر "3/ 104"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "4/ 176"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 192".

ص: 434

وأقاموه في الملك بعد أبيه، وله إحدى عشرة سنة. فحكى هو، قال: ضمني أبي وقبلني وهو عريان وقال: امض فالعب، فأنا في عافية. قال: ثم توفي، فأتاني برجوان، وأنا على جميزة في الدار. فقال: انزل ويحك، الله الله فينا، فنزلت، فوضع العمامة بالجوهر على رأسي، وقبل الأرض ثم قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، وخرج بي إلى الناس، فقبلوا الأرض، وسلموا علي بالخلافة.

قلت: وكان شيطانًا مريدا جبارا عنيدا، كثير التلون، سفاكا للدماء، خبيث النحلة، عظيم المكر جوادا ممدحا، له شأن عجيب، ونبأ غريب، كان فرعون زمانه، يخترع كل وقت أحكاما يلزم الرعية بها، أمر بسب الصحابة رضي الله عنهم، وبكتابة ذلك على أبواب المساجد والشوارع. وأمر عماله بالسب، وبقتل الكلاب في سنة خمس وتسعين وثلاث مائة. وأبطل الفقاع والملوخيا، وحرم السمك الذي لا فلوس عليه، ووقع ببائع لشيء من ذلك فقتلهم.

وفي سنة اثنتين وأربع مائة، حرم بيع الرطب، وجمع منه شيئًا عظيمًا، فأحرقه، ومنع من بيع العنب، وأباد الكروم. وأمر النصارى بتعليق صليب في رقابهم زنته رطل وربع بالدمشقي. وألزم اليهود أن يعلقوا في أعناقهم قرمية في زنة الصليب إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه، وأن تكون عمائمهم سودا، وأن يدخلوا الحمام بالصليب وبالقرمية، ثم أفرد لهم حمامات. وأمر في العام بهدم كنيسة قمامة، وبهدم كنائس مصر. فأسلم عدة، ثم إنه نهى عن تقبيل الأرض، وعن الدعاء له في الخطب وفي الكتب، وجعل بدله السلام عليه.

وقيل: إن ابن باديس أمير المغرب بعث ينقم عليه أمورًا. فأراد أن يستميله، فأظهر التفقه، وحمل في كمه الدفاتر، وطلب إلى عنده فقيهين، وأمرهما بتدريس فقه مالك في الجامع، ثم تغير فقتلهما صبرا.

وأذن للنصارى الذين أكرههم في العود إلى الكفر.

وفي سنة 404: نفى المنجمين من بلاده.

ومنع النساء من الخروج من البيوت، فأحسن وأبطل عمل الخفاف لهن جملة، وما زلن ممنوعات من الخروج سبع سنين وسبعة أشهر.

ثم بعد مدة أمر بإنشاء ما هدم من الكنائس، وبتنصر من أسلم.

وأنشأ الجامع بالقاهرة، وكان العزيز ابتدأه.

ص: 435

وقد خرج عليه أبو ركوة الوليد بن هشام العثماني الأندلسي بأرض برقة، والتف عليه البربر، واستفحل أمره، فجهز الحاكم لحربه جيشًا، فانتصر أبو ركوة وتملك وجرت خطوب، ثم أسر وقتل من جنده نحو من سبعين ألفًا. وحمل إلى الحاكم في سنة 397، فذبحه صبرًا.

وقد حبب في الآخر إلى الحاكم العزلة، وبقي يركب وحده في الأسواق على حمار، ويقيم الحسبة بنفسه، وبين يديه عبد ضخم فاجر، فمن وجب عليه تأديب، أمر العبد أن يولج فيه، والمفعول به يصيح.

وقيل: إنه أراد ادعاء الإلهية، وشرع في ذلك، فكلمه الكبراء، وخوفوه من وثوب الناس، فتوقف.

وفي سنة إحدى وأربع مائة، أقام الدعوة قرواش بن مقلد بالموصل للحاكم، فأعطى الخطيب نسخة بما يقوله: الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغصب وانقهرت بقدرته أركان النصب، وأطلع بأمره شمس الحق من الغرب، ومحا بعدله جور الظلمة، فعاد الحق إلى نصابه الباين بذاته، المنفرد بصفاته، لم يشبه الصور فتحتويه الأمكنة، ولم تره العيون فتصفه.

ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم علي أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وعماد العلم، وعلى أغصانه البواسق. اللهم وصل على الإمام المهدي بك، والذي جاء بأمرك، وصل على القائم بأمرك، والمنصور بنصرك، وعلى المعز لدينك، المجاهد في سبيلك، وصل على العزيز بك، واجعل نوامي صلواتك على مولانا إمام الزمان، وحصن الإيمان، صاحب الدعوة العلوية عبدك ووليك أبي علي الحاكم بأمرك أمير المؤمنين.

وأقيمت الدعوة على يد قرواش بالكوفة وبالمدائن.

ثم استمال القادر بالله قرواشًا، ونفذ إليه تحفا بثلاثين ألف دينار، فأعاد له الخطبة.

واستحوذت العرب على الشام، وحاصروا القلاع.

وتم القحط الشديد بنيسابور ونواحيها، حتى هلك مائة ألف أو يزيدون. وأكلت الجيف ولحوم الآدميين.

وفي الأربع مائة وبعدها: كانت الأندلس تغلي بالحروب والقتال على الملك.

وأنشأ دارًا كبيرة ملأها قيودًا وأغلالًا وجعل لها سبعة أبواب، وسماها جهنم، فكان من سخط عليه، أسكنه فيها.

ص: 436

ولما أمر بحريق مصر، واستباحها، بعث خادمه ليشاهد الحال. فلما رجع قال: كيف رأيت؟ قال: لو استباحها طاغية الروم ما زاد على ما رأيت، فضرب عنقه.

وفي سنة اثنتين وأربع مائة كتب ببغداد محضر يتضمن القدح في أنساب أصحاب مصر وعقائدهم وأنهم أدعياء. وأن انتماءهم إلى الإمام علي باطل وزور، وأن الناجم بمصر اليوم وسلفه كفار وفساق زنادقة، وأنهم لمذهب الثنوية معتقدون، عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء، وادعو الربوبية، فكتب خلق في المحضر منهم الشريف الرضي، وأخوه المرتضى، والقاضي أبو محمد بن الأكفاني، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، وأبو محمد الكشفلي الفقيه، والقدوري، والصيمري، وعدة.

وهرب من مصر ناظر الديوان الوزير أبو القاسم بن المغربي إذ قتل الحاكم أباه وعمه وصار إلبًا عليه يسعى في زوال ملكه، وحسن لمفرج الطائي أمير العرب الخروج على الحاكم. ففعل وقتل قائد جيشه، وعزموا على مبايعة صاحب مكة العلوي، وكاد أن يتم ذلك ثم تلاشى.

وفي سنة ثلاث وأربع مائة: أخذ الوفد العراقي، وغورت المياه، وهلك بضعة عشر ألف مسلم. ثم أخذ من العرب ببعض الثأر، وقتل عدة.

وبعث الملك محمود بن سبكتكين كتابًا إلى الخليفة بأنه ورد إليه من الحاكم كتاب يدعوه فيه إلى بيعته، وقد خرق الكتاب، وبصق عليه.

وفي سنة أربع جعل الحاكم ولي عهده ابن عمه عبد الرحيم بن إلياس، وصلحت سيرته، وأعتق أكثر مماليكه.

وفي هذا القرب تمت ملحمة عظيمة بين ملك الترك طغان بالمسلمين، وبين عساكر الصين، فدامت الحرب أيامًا، وقتل من كفار الصين نحو من مائة ألف.

وفي سنة خمس ظفر الحاكم بنساء على فساد، فغرقهن، وكانت الغاسلة لا تخرج إلى امرأة إلَّا مع عدلين. ومر القاضي مالك بن سعيد الفارقي، فنادته صبية من روزنة: أقسمت عليك بالحاكم أن تقف، فوقف فبكت، وقالت: لي أخ يموت، فبالله إلَّا ما حملتني إليه لأراه، فرق، وبعث معها عدلين، فأتت بيتا، فدخلت، والبيت لعاشقها. فجاء الزوج فسأل الجيران، فحدثوه، فجاء إلى القاضي، وصاح، وقال: لا أخ لها، وما أفارقك حتى تردها إلي، فحار القاضي، وطلع بالرجل إلى الحاكم، ونادى العفو فأمره أن يركب مع الشاهدين، فوجدوا المرأة والشاب في إزار واحد على خمار فحملا على هيئتهما. فسألها الحاكم فأحالت

ص: 437

على الشاب، وقال: بل هجمت علي، وزعمت أنها بلا زوج. فلفت في بارية، وأحرقت، وضرب الشاب ألف سوط.

وولي دمشق للحاكم عدة أمراء ما كان يدع النائب يستقر حتى يعزله.

وفي سنة سبع وأربع مائة سقطت قبة الصخرة.

وفيها استولى ابن سبكتكين على خوارزم.

وفيها قتل الدرزي الزنديق لادعائه ربوبية الحاكم.

وفي سنة تسع: افتتح محمود مدينتين من الهند، وجرت له حروب وملاحم عجيبة.

وفي شوال سنة إحدى عشرة وأربع مائة عدم الحاكم، وكان الخلق في ضنك من العيش معه، صالحهم وطالحهم، وكانوا يدسون إليه الرقاع المختومة بسبه والدعاء عليه، لأنه كان يدور في القاهرة على دابة، ويتزهد. وعملوا هيئة امرأة من كاغد بخف وإزار في يدها قصة، فأخذها فرأى فيها العظائم، فهم بالمرأة فإذا هي تمثال، فطلب العرفاء والأمراء فأمر بالمضي إلى مصر ونهبها وإحراقها، فذهبوا لذلك، فقاتل أهلها، ودافعوا واستمرت النار، والحرب بين الرعية والعبيد ثلاثًا، وهو يركب حماره، ويشاهد الحريق والضجة فيتوجع للناس، ويقول: لعن الله من أمر بهذا. فلما كان ثالث يوم اجتمع الكبراء والمشايخ إليه، ورفعوا المصاحف وبكوا، فرحمهم جنده الأتراك، وانضموا إليهم، وقاتلوا معهم. وقال هو: ما أذنت لهم، وقد أذنت لكم في الإيقاع بهم. وبعث في السر إلى العبيد: استمروا، وقواهم بالأسلحة. وفهم ذلك الناس فبعثوا إليه يقولون: نحن نقصد أيضًا القاهرة، فأمر العبيد بالكف بعد أن أحرق من مصر ثلثها، ونهب وأسر النصف، ثم اشترى الناس حرمهم من العبيد بعد أن فجروا بهن، وكان قوم من جهلة الغوغاء إذا رأوا الحاكم، يقولون: يا واحد، يا أحد، يا محيي يا مميت، ثم أوحش أخته ست الملك بمراسلات قبيحة أنها تزني، فغضبت، وراسلت الأمير ابن دواس، وكان خائفا من الحاكم، ثم ذهبت إليه سرا، فقبل قدمها، فقالت: جئت في أمر أحرس نفسي ونفسك، قال: أنا مملوكك. قالت: أنت ونحن على خطر من هذا. وقد هتك الناموس الذي قرره آباؤنا، وزاد به جنونه، وعمل ما لا يصبر عليه مسلم، وأنا خائفة أن يقتل فنقتل، وتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء. قال: صدقت، فما الرأي؟ قالت: تحلف لي، وأحلف لك على الكتمان. فتعاقدا على قتله، وإقامة ابنه، وتكون أنت أتابكه، فاختر عبدين تعتمد عليهما على سرك. فأحضر عبدين شهمين، أمينين، فحلفتهما، وأعطتهما ألف دينار، وإقطاعا. وقالت: اكمنا له في الجبل، فإنه غدا يصعد، وما معه سوى ركابي ومملوك،

ص: 438

ثم ينفرد عنهما فدونكماه، وكان الحاكم ينظر في النجوم وعليه قطع حينئذ متى نجا منه عاش نيفا وثمانين سنة. فأعلم أمه، وأعطاها مفتاح خزانة فيها ثلاث مائة ألف دينار، وقال: حوليها إلى قصرك، فبكت، وقالت: إذا كنت تتصور هذا فلا تركب الليلة. قال: نعم. وكان يعس في رجال، ففعل ذلك، ونام، فانتبه في الثلث الأخير وقال: إن لم أركب وأتفرج، خرجت نفسي وكان مسودنا، فركب وصعد في الجبل، ومعه صبي، فشد عليه العبدان فقطعا يديه، وشقا جوفه، وحملاه في عباءة له إلى ابن دواس، وقتلا الصبي، وأتى به ابن دواس إلى أخته فدفنته في مجلس سرا. وطلبت الوزير واستكتمته، وأن يطلب ولي العهد عبد الرحيم ليسرع، وكان بدمشق، وجهزت أميرًا في الطريق ليقبض على عبد الرحيم، ويدعه بتنيس، وفقد الحاكم، وماج الخلق، وقصدوا الجبل، فما وقفوا له على أثر. وقيل: بل وجدوا حماره معرقبا، وجبته بالدماء. وقيل: قالت أخته: إنه أعلمني أنه يغيب في الجبل أسبوعًا، ورتبت ركابية يمضون ويعودون، فيقولون: فارقناه بمكان كذا وكذا، ووعدنا إلى يوم كذا. وأقبلت ست الملك تدعو الأمراء وتستحلفهم، وتعطيهم الذهب، ثم ألبست علي بن الحاكم أفخر الثياب، وقالت لابن دواس: المعول في قيام دولته عليك، فقبل الأرض، وأبرزت الصبي، ولقبته الظاهر لإعزاز دين الله. وألبسته تاج جدها المعز، وأقامت النياحة على الحاكم ثلاثة أيام، وجعلت القواعد كما في النفس، وبالغت في تعظيم ابن دواس، ثم رتبت له في الدهليز مائة، فهبروه، وقتلت جماعة ممن اطلع على سرها، فعظمت هيبتها، وماتت بعد ثلاث سنين.

وذكرنا في ترجمته، أنه خرج من القصر فطاف ليلته، ثم أصبح، فتوجه إلى شرقي حلوان معه ركابيان، فرد أحدهما مع تسعة من العرب، ثم أمر الآخر بالانصراف، فزعم أنه فارقه عند المقصبة. فكان آخر العهد به. وخرج الناس على رسمهم يلتمسون رجوعه، معهم الجنائب، ففعلوا ذلك جمعة. ثم خرج في ثاني ذي القعدة مظفر صاحب المظلة ونسيم، وعدة، فبلغوا دير القصير، وأمعنوا في الدخول في الجبل، فبصروا بحماره الأشهب المسمى بقمر، وقد ضربت يداه، فأثر فيهما الضرب، وعليه سرجه ولجامه، فتتبعوا أثر الحمار فإذا أثر راجل خلفه، وراجل قدامه، فقصوا الأثر إلى بركة بشرقي حلوان، فنزل رجل إليها، فيجد فيها ثيابه وهي سبع جباب، فوجدت مزررة، وفيها آثار السكاكين، فما شكوا في قتله.

وثم اليوم طائفة من طغام الإسماعيلية الذين يحلفون بغيبة الحاكم، ما يعتقدون إلَّا أنه باق، وأنه سيظهر، نعوذ بالله من الجهل.

ص: 439

وحلوان قرية نزهة على خمسة أميال من مصر، كان بها قصر الأمير عبد العزيز بن مروان، فولد له هناك عمر بن عبد العزيز فيما يقال.

وقد قتل الحاكم جماعة من الأمراء بلا ذنب، وذبح قاضيين له.

وأما عبد الرحيم بن إلياس العبيدي، فإن الحاكم ولاه عهده، ثم بعثه على نيابة دمشق سنة عشر وأربع مائة، فأقبل على الملاهي والخمور، واضطرب العسكر عليه، ووقع الحرب بدمشق والنهب، وصادر هو الرعية، فلما مات الحاكم قبض الأمراء على ولي العهد، وسجنوه واغتالوه. وقيل: بل نحر نفسه قي الحبس.

وسيرة الحاكم، وعسفه تحتمل كراريس.

ص: 440

‌2916 - الظاهر

(1)

:

صاحب مصر الظاهر لإعزاز دين الله، أبو الحسن علي بن الحاكم منصور بن العزيز نزار بن المعز، العبيدي المصري. ولا أستحل أن أقول العلوي الفاطمي، لما وقر في نفسي من أنه دعي. وقيل: يكنى أبا هاشم.

بويع وهو صبي لما قتل أبوه في شوال سنة إحدى عشرة وأربع مائة.

وكانت دولته على مصر والشام والمغرب. ولكن طمع في أطراف بلاده طوائف، فتقلب حسان بن مفرج الطائي صاحب الرملة على كثير من الشام. وضعفت الإمارة العبيدية قليلًا.

ووزر له نجيب الدولة علي بن أحمد الجرجرائي ولولده، وكان نبيلًا محتشمًا من بيت وزارة، لكنه أقطع اليدين من المرفقين. قطعهما الحاكم سنة أربع وأربع مائة لكونه خانه، فكان يعلم العلامة عنه القاضي أبو عبد الله القضاعي. وهي "الحمد لله شكرًا لنعمته".

وفي أول ولاية الظاهر أقدم متولي بتنيس ما تحصل عنده، فكان ألف ألف دينار، وألفي ألف درهم.

قال: المحدث محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي الكوفي: في سنة ثلاث عشرة لما صليت الجمعة والركب بعد بمنى، قام رجل فضرب الحجر الأسود بدبوس ثلاثا، وقال: إلى متى يعبد الحجر فيمنعني محمد مما أفعله؟ فإني اليوم أهدم هذا البيت، فاتقاه الناس، وكاد

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "8/ 90"، ووفيات الأعيان خلكان "3/ ترجمة 482"، والعبر "3/ 162"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "4/ 247"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 231".

ص: 440

يفلت، وكان أشقر، أحمر، جسيمًا، تام القامة، وكان على باب المسجد عشرة فرسان على أن ينصروه. فاحتسب رجل، فوجأه بخنجر، وتكاثروا عليه، فأحرق، وقتل جماعة من أصحابه وثارت الفتنة، فقتل نحو العشرين، ونهب المصريون. وقيل: أخذ أربعة من أصحابه، فأقروا بأنهم مائة تبايعوا على ذلك، فضربت أعناق الأربعة، وتهشم وجه الحجر. وتساقط منه شظايا.

وخرج مكسره أسمر إلى صفرة.

ومات الظاهر في سنة سبع وعشرين وأربع مائة. ولم يبلغني كبير شيء من أخباره. وقام بعده ابنه المستنصر. وقيل: كان غارقا في اللهو والمسكر والسراري.

ص: 441

‌2917 - المستنصر بالله

(1)

:

صاحب مصر المستنصر بالله، أبو تميم معد بن الظاهر لإعزاز دين الله علي بن الحاكم أبي علي منصور بن العزيز بن المعز، العبيدي المصري.

ولي الأمر بعد أبيه، وله سبع سنين، وذلك في شعبان سنة سبع وعشرين، فامتدت أيامه ستين سنة وأربعة أشهر.

وفي وسط دولته خطب له بإمرة المؤمنين على منابر العراق في سنة إحدى وخمسين وأربع مائة. والتجأ القائم بأمر الله الخليفة إلى أمير العرب فأجاره، ثم بعد عام عاد إلى خلافته.

وكان الحاكم قد هدم القمامة التي بالقدس، فأذن المستنصر لطاغية الروم أن يجددها، وهادنه على إطلاق خمسة آلاف أسير مسلمين، وغرم أموالًا على عمارتها.

وفي خلافته ظهر بمصر سنة أربع وثلاثين سكين الذي كان يشبه الحاكم، فادعى أنه هو. وقد خرج من الغيبة، فتبعه خلق من الغوغاء ممن يعتقدون رجعة الحاكم. وقصدوا القصر، فثارت الفتنة، ثم أسر هذا، وصلب هو وجماعة بالقاهرة.

وفي سنة (34): جهز جيشًا لمحاربة صاحب حلب ثمال بن مرداس.

وفي سنة أربعين: خلع المعز بن باديس متولي القيروان للعبيدية طاعتهم، وأقام الدعوة

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 728"، والعبر "3/ 318"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 1 - 23"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 382".

ص: 441

لبني العباس، وقطع دعوة المستنصر. فبعث إليه يتهدده فما التفت، فجهز لحربه عسكرا من العرب فحاربوه، وهم بنو زغبة، وبنو رياح، وجرت خطوب يطول شرحها.

وفي هذا الوقت غزت الغز مع إبراهيم ينال السلجوقي. وقيل: ما كان معهم، فغزوا إلى قريب القسطنطينية، وغنموا وسبوا أزيد من مائة ألف. وقيل: جرت المكاسب على عشرة آلاف عجلة، وكان فتحًا عظيمًا.

وفيها صرف المستنصر عن نيابة دمشق ناصر الدولة، وسيفها ابن حمدان بطارق الصقلبي، ثم عزل طارقا بعد أشهر، ثم لم يطول، فعزل برفق المستنصري، ووزر معه أبو محمد الماشلي.

وكان الرفض أيضًا قويا بالعراق.

وفي سنة ست وأربعين ملكت العرب المصريون مدينة طرابلس، وملكوا مؤنس بن يحيى المرداسي، وحاصروا المدائن، ونهبوا القرى، وحل بالناس أعظم بلاء، فبرز ابن باديس في ثلاثين ألفًا. وكانت العرب ثلاثة آلاف فالتقوا، وثبت الجمعان، ثم انكسر ابن باديس، واستحر القتل بجيشه. وحازت العرب الخيل والخيام بما حوت.

وإن ابن باديس لأفضل مالك

ولكن لعمري ما لديه رجال

ثلاثون ألفًا منهم هزمتهم

ثلاثة ألف، إن ذا لمحال

ثم قصدهم ابن باديس وهجم عليه، فانكسر أيضًا. وقتل عسكره، فساق على حمية، وحاصرت العرب القيروان، وتحيز المعز بن باديس إلى المهدية، وجرت حروب تشيب النواصي في هذه الأعوام.

وفي سنة 48: كان بالأندلس القحط الذي ما سمع بمثله، ويسمونه الجوع الكبير.

وكان بمصر القحط والفناء.

وفي سنة تسع: تسلم نواب المستنصر حلب.

وكان غلاء مفرط ببغداد وفناء، وأما بما وراء النهر فتجاوز الوصف.

وفي سنة خمسين: جاء من مصر ناصر الدولة الحمداني على إمرة دمشق.

وفي سنة خمس وخمسين: ولي دمشق أمير الجيوش بدر.

وفي سنة سبع: تمت ملحمة كبرى بالمغرب بين تميم بن المعز بن باديس، وبين قرابته

ص: 442

الناصر الذي بنى بجاية. وانهزم الناصر، وقتل من البربر أربعة وعشرون ألفًا. وفيها: بنيت بجاية وببغداد النظامية.

وفي سنة إحدى وستين: كان حريق جامع دمشق، ودثرت محاسنه، واحترقت الخضراء معه -وكانت دار الملك- من حرب وقع بين عسكر العراق، وعسكر مصر.

وفي سنة اثنين وستين، قطعت من مكة الدعوة المستنصرية، وخطب للقائم بأمر الله، وترك الأذان بحي على خير العمل، وذلك لذلة المصريين بالقحط الأكبر وفنائهم، وأكل بعضهم بعضا، وتمزقوا في البلاد من الجوع، وتمحقت خزائن المستنصر، وافتقر، وتعثر.

وفي هذه النوبة نقل صاحب "المرآة"، أن امرأة خرجت وبيدها مد لؤلؤ لتشتري به مد قمح، فلم يلتفت إليها أحد، فرمته فما كان له من يلتقطه. فكاد الخراب أن يستولي على سائر الأقاليم، حتى لأبيع الكلب بستة دنانير والقط بثلاثة دنانير، حتى أبيع الإردب بمائة دينار.

وفي سنة 63: هزم السلطان ألب أرسلان طاغية الروم وأسره، وقتل من العدو ستون ألفًا.

وأقبل أتسز الخوارزمي، أحد أمراء ألب أرسلان، فاستولى على الشام إلَّا قليلًا، وعسف وتمرد وعتا.

واشتغل جيش مصر بنفوسهم. ثم اختلفوا، واقتتلوا مدة، وصاروا فرقتين، فرقة العبيد وعرب الصعيد، وفرقة الترك والمغاربة، ورأسهم ابن حمدان، فالتقوا بكوم الريش، فهزمهم ابن حمدان، وقتل وغرق نحو من أربعين ألفًا. ونفدت خزائن المستنصر على الترك، ثم اختلفوا، ودام الحرب أيامًا، وطمعوا في المستنصر، وطالبوه حتى أبيعت فرش القصر، وأمتعته بأبخس ثمن، وغلبت العبيد على الصعيد، وقطعوا الطرق، وكان نقد الأتراك في الشهر أربع مائة ألف دينار، واشتدت وطأة ناصر الدولة، وصار هو الكل، فحسده الأمراء، وحاربوه، فهزموه، ثم جمع وأقبل، فانتصر، وتعثرت الرعية بالهيج مع القحط، ونهبت الجند دور العامة.

قال ابن الأثير: اشتد الغلاء حتى حكي أن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار، باعت عروضا تساوي ألف دينار بثلاث مائة دينار، فاشترت بها جوالق قمح، فانتهبه الناس، فنهبت هي منه فحصل لها ما خبز رغيفًا.

واضمحل أمر المستنصر بالمرة، وخمل ذكره. وبعث ابن حمدان يطالبه بالعطاء، فرآه

ص: 443

رسوله على حصير، وما حوله سوى ثلاثة غلمان. فقال: أما يكفي ناصر الدولة أن أجلس في مثل هذا الحال؟ فبكى الرسول، ورق له ناصر الدولة، وقرر له كل يوم مائة دينار.

وكان ناصر الدولة، يظهر التسنن، ويعيب المستنصر لخبث رفضه وعقيدته، وتفرق عن المستنصر أولاده، وأهله من الجوع، وتقرفوا في البلاد ودام الجهد عامين، ثم انحط السعر في سنة خمس وستين.

قال ابن الأثير: بالغ ابن حمدان في إهانة المستنصر، وفرق عنه عامة أصحابه، وكان غرضه أن يخطب لأمير المؤمنين القائم، ويزيل دولة الباطنية، وما زال حتى قتله الأمراء، وقتلوا أخويه فخر العرب، وتاج المعالي، وانقطعت دولتهم.

وفي سنة سبع وستين: ولي الأمور أمير الجيوش بدر، فقتل أمير الأمراء الدكز، والوزير ابن كدينة، وكان المستنصر قد كتب إليه سرًا ليقدم من عكا، فأعاد الجواب أن الجند بمصر قد فسد نظامهم، فإن شئت أتيت بجند معي، فأذن له أن يفعل ما أحب، فاستخدم عسكرًا وأبطالا، وركبوا البحر في الشتاء مخاطرة. وبغت مصر وسلم، فولاه المستنصر ما وراء بابه، فلما كان الليل بقي يبعث إلى كل أمير طائفة بصورة رسالة، فيخرج الأمير فيقتلونه، ويأتون برأسه. فما أصبح إلَّا وقد مهد البلد، واحتاط على أموال الجميع، ونقله إلى القصر. وسار إلى دمياط فهذبها، وقتل الذين تغلبوا عليها، وحاصر الإسكندرية ودخلها بالسيف، وقتل عدة، وقتل بالصعيد اثني عشر ألفًا. وأخذ عشرين ألف امرأة، وخمسة عشر ألف فرس، فتجمعوا لحربه ثانيا، فكانوا ستين ألفًا، فساق، وبيتهم في جوف الليل، فقتل خلق، وغرق خلق ونهبت أثقالهم ثم عمل معهم مصافا آخر وقهرهم، وعمر البلاد، وأحسن إلى الرعية، وأطلق للناس الخراج ثلاث سنين، حتى تماثلت البلاد بعد الخراب.

وفيها مات: القائم، وبويع حفيده المقتدي، وأعيدت الدعوة بمكة للمستنصر، واختلفت العرب بإفريقية، وتحاربوا مدة.

وفي سنة ثمان وستين: اشتد القحط بالشام، وحاصر أتسز الخوارزمي دمشق، فهرب أميرها المعلى بن حيدرة، وكان جبارًا عسوفًا، وولى بعده رزين الدولة انتصار المصمودي، ثم أخذ دمشق أتسز، وأقام الدعوة العباسية، خافه المصريون، ثم قصدهم في سنة تسع وستين، وحاصرهم ولم يبق إلَّا أن يتملك، فتضرع الخلق عند الواعظ الجوهري، فرحل شبه منهزم، وعصى عليه أهل القدس مدة، ثم أخذها، وقتل وتمرد، وفعل كل قبيح، وذبح قاضي القدس والشهود صبرًا.

ص: 444

وتملك في سنة إحدى وسبعين دمشق تاج الدولة تتش السلجوقي، وقتل أتسز، وتحبب إلى الرعية.

وتملك قصرا وقونية وغير ذلك الملك سليمان بن قتلمش السلجوقي في هذا الحدود. ثم سار في جيوشه، فنازل أنطاكية، حتى أخذها من أيدي الروم؛ وكانت في أيديهم من مائة وبضعة عشر عامًا.

وأما الأندلس فجرت فيها حروب مزعجة. وكانت وقعة الزلاقة بين الفرنج، وبين صاحب الأندلس المعتمد بن عباد، ونجده أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بجيوش البربر الملثمين. فكان العدو خمسين ألفًا فيقال: ما نجا منهم ثلاث مائة نفس.

وافتتح السلطان ملكشاه حلب والجزيرة. ورد إلى بغداد، وعمل عرس بنته على الخليفة.

وفي سنة 384: أقبل عسكر المستنصر فحاصروا عكا وصور.

ومات أمير الجيوش بدر الجمالي متولي مصر. وكان قد بلغ رتبة عظيمة، وقام بعده ابنه شاهان شاه أحمد على قاعدة أبيه.

وقيل: إنما مات بعيد المستنصر، وفي دولة المستنصر المتخلف، وقع القحط المذكور لاحتراق النيل الذي ما عهد مثله بمصر من زمن يوسف عليه السلام. ودام سنوات بحيث إن والدة المستنصر وبناته سافرن من مصر خوفًا من الجوع، وآل أمره إلى عدم كل الدواب ببلاد مصر، بحيث بقي له فرس يركبها، واحتاج إلى دابة يركبها حامل الجتر يوم العيد وراءه، فما وجدوا سوى بغلة ابن هبة كاتب السر فوقفت على باب القصر، فازدحم عليها الحرافشة وذبحوها وأكلوها في الحال، فأخذهم الأعوان وشنقوا، فأصبحت عظامهم على الجذوع قد أكلوا تحت الليل.

مات المستنصر: في ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربع مائة، وقد قارب السبعين. وكان سب الصحابة فاشيا في أيامه، والسنة غريبة مكتومة، حتى إنهم منعوا الحافظ أبا إسحاق الحبال من رواية الحديث، وهددوه، فامتنع. ثم قام بعد المستنصر ابنه أحمد.

ص: 445

‌2918 - المستعلي بالله

(1)

:

صاحب مصر أبو القاسم أحمد بن المستنصر معد بن الظاهر علي بن الحاكم منصور بن العزيز بن المعز، العبيدي المهدوي المصري.

قام بعد أبيه سنة سبع وثمانين، وله إحدى وعشرون سنة.

وفي أيامه وهت الدولة العبيدية، واختلت قواعدها، وانقطعت الدعوة لهم من أكثر مدائن الشام، واستولى عليها الفرنج وغيرهم من الغز.

فأخذت الفرنج أنطاكية من المسلمين في سنة إحدى وتسعين، وكان لها في يد المسلمين نحو عشرين سنة، وأخذوا بيت المقدس، واستباحوه، وأخذوا أيضًا المعرة في سنة اثنتين وتسعين، ثم استولوا على مدائن وقلاع.

وما كان للمستعلي مع أمير الجيوش حل ولا ربط.

وهرب في دولته أخوه نزار المنسوب إليه الدعوة النزارية الإسماعيلية بالألموت وبقلاع الإسماعيلية، فوصل نزار إلى الإسكندرية، وقام بأمره الأمير أفتكين، وقاضي البلد ابن عمار، وبايعوه، وأقام سنة، فأقبل الأفضل أمير الجيوش في سنة ثمان وثمانين وحاصرهم، فبرز إليه أفتكين، فبيته وهزمه. ثم أقبل ونازلهم ثانيا، وافتتح البلد عنوة، فقتل القاضي وجماعة، وقبض على نزار وأفتكين، ثم ذبح أفتكين، وبنى المستعلي على أخيه نزار حائطا، فهلك.

وفي دولته كثرت الباطنية الملاحدة الذين هم الإسماعيلية، وأخذوا القفول، وتملكوا قلعة أصبهان، وفتكوا بعدد كثير من الكبار والعلماء، وشرعوا في شغل السكين، وجرت لهم خطوب وعجائب.

وفي سابع عشر صفر سنة خمس وتسعين وأربع مائة: مات المستعلي، وأقاموا ولده الآمر بأحكام الله منصورا، وله خمس سنين، وأزمة الملك إلى الأفضل أمير الجيوش. ويقال: إنه سم وقتل سرًا.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 74"، والعبر "3/ 341"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 142"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 402".

ص: 446

‌2919 - الآمر بأحكام الله

(1)

:

صاحب مصر أبو علي منصور بن المستعلي أحمد بن المستنصر معد بن الظاهر بن الحاكم، العبيدي المصري الرافضي الظلوم.

كان متظاهرًا بالمكر واللهو والجبروت.

ولي هو صغير: فلما كبر قتل الأفضل أمير الجيوش، واصطفى أمواله، وكانت تفوت الإحصاء، ويضرب بها المثل، فاستوزر بعده المأمون محمد بن مختار البطائحي، فعسف الرعية، وتمرد، فاستأصله الآمر بعد أربع سنين، ثم صلبه، وقتل معه خمسة من إخوته.

وفي دولته أخذت الفرنج طرابلس الشام وصيدا، ثم قصد الملك بردويل الفرنجي ديار مصر، وأخذ الفرما وهي قريبة من العريش، فأحرق جامعها ومساجدها. وقتل وأسر وقيل: بل هي غربي قطيا، ثم رجع فهلك في سبخة بردويل، فشقوه ورموا حشوته وصبروه، فحشوته ترجم هناك إلى اليوم، ودفنوه بقمامة. وكان قد أخذ القدس وعكا والحصون.

وفي أيامه ظهر ابن تومرت بالمغرب، وكثرت أتباعه، وعسكروا وقاتلوا، وملكوا البلاد.

وبقي الآمر في الملك تسعًا وعشرين سنة وتسعة أشهر إلى أن خرج يومًا إلى ظاهر القاهرة، وعدى على الجسر إلى الجيزة، فكمن له رجال في السلاح، ثم نزلوا عليه بأسيافهم، وكان في طائفة ليست بكثيرة، فرد إلى القصر مثحنًا بالجراح. وهلك من غير عقب.

وكان العاشر من الخلفاء الباطنية فبايعوا ابن عم له، وهو الحافظ لدين الله.

وكان الآمر ربعة، شديد الأدمة، جاحظ العين، وكان حسن الحظ، جيد العقل والمعرفة -لكنه خبيث المعتقد- سفاكًا للدماء، متمردًا جبارا فاحشا فاسقا، صادر الخلق. عاش خمسا وثلاثين سنة.

وانقلع في ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمس مائة، وبويع وله خمسة أعوام.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 743"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 170"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 72".

ص: 447

‌2920 - الحافظ لدين الله

(1)

:

صاحب مصر أبو الميمون عبد المجيد بن الأمير محمد بن المستنصر بالله معد بن الظاهر علي بن الحاكم بن العزيز بن المعز، العبيدي الإسماعيلي المصري.

بايعوه يوم مصرع ابن عمه الآمر ليدبر المملكة إلى أن يولد حمل للآمر إن ولد، وغلب على الأمور أمير الجيوش أبو علي بن الأفضل بن بدر الجمالي. وكان الآمر قد سجنه عندما قتل أباه، فأخرجت الأمراء أبا علي، وقدموه عليهم، فأتى إلى القصر. وأمر ونهى، وبقي الحافظ معه منقهرا، فقام أبو علي بالملك أتم قيام، وعدل في الرعية، ورد أموالًا كثيرة على المصادرين، ووقف عند مذهب الشيعة، وتمسك بالإثني عشر، وترك ما تقوله الإسماعيلية، وأعرض عن الحافظ وآل بيته، ودعا على منابر مصر للمنتظر صاحب السرداب على زعمهم، وكتب اسمه على السكة واستمر على ذلك، وقلقت الدولة إلى أن شد عليه فارس من الخاصة، فقتله بظاهر القاهرة في المحرم سنة ست وعشرين وخمس مائة، وذلك بتدبير الحافظ، فبادرت الأمراء إلى خدمة الحافظ، وأخرجوه من الضيق والاعتقال، وجددوا بيعته، واستقل بالملك.

وكان مولده في الغربة بسبب القحط سنة سبع وستين وأربع مائة بعسقلان.

وعندما مات الآمر قبله، قال الجهال: هذا بيت لا يموت إمام منهم حتى يخلف ابنا ينص على إمامته، فخلف الآمر حملا فكان بنتا.

وكان الحافظ يعتريه القولنج، فعمل له شيرماه الديلمي طبلًا مركبًا من سبعة معادن في شرف الكواكب السبعة، فكان من ضربه وبه قولنج، انفش منه ريح كثير، فوجد راحة فوجده السلطان صلاح الدين في خزائنهم، فضرب به أمير كردي فضرط، فغضب وشقه، ولم يعلم منفعته.

وكان الحافظ كلما أقام وزيرًا تمكن. وحكم عليه، فيتألم ويتحيل عليه، ويعمل على هلاكه، منهم، رضوان، فسجنه سبع سنين، وكان قد قدم الشام، وجمع جموعًا، وقاتل المصريين، وقاتلهم على باب القاهرة، وانتصر، ثم دخلها، فاعتقله الحافظ عنده معززا في القصر، ثم نقب الحبس، وراح إلى الصعيد، وأقبل بجمع عظيم، وحارب، فكان الملتقى عند

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 407"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 237"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 138".

ص: 448

جامع ابن طولون، فانتصر وتملك، فبعث إليه الحافظ بعشرين ألف دينار، رسم الوزارة، فما رضي حتى كمل له ستين ألفًا، ثم بعث إليه عدة من المماليك، فقاتلهم غلمانه وهو، فقتل، وبقي الحافظ بلا وزير عشر سنين.

ولما قتل الأكمل، أقام في الوزارة يانس مولاه فكبر يانس، وتعدى طوره فسقي.

ثم وزر له ولده الحسن، فكان شر وزير تمرد وطغى، وقتل أربعين أميرًا، إلَّا أنه كان فيه تسنن، فخافه أبوه، وجهز له عسكرًا فتحاربوا أيامًا، ثم سقاه أبوه.

وقد امتدت أيامه. ومات في خامس جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وخمس مائة، فكانت دولته عشرين سنة سوى خمسة أشهر. وعاش سبعا وسبعين سنة، فما بلغ أحد هذا السن من العبيدية، وقام بعده ولده الظافر.

ص: 449

‌2921 - الظافر بالله

(1)

:

صاحب مصر الظافر بالله أبو منصور إسماعيل ابن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد ابن المستنصر معد ابن الظاهر علي بن الحاكم العبيدي، المصري، الإسماعيلي، من العبيدية الخارجين على بني العباس.

ولي الأمر بعد أبيه خمسة أعوام. وكان شابًا جميلًا وسيمًا لعابًا عاكفا على الأغاني والسراري.

استوزر الأفضل سليم بن مصال فساس الإقليم.

وانقطعت دعوته ودعوة أبيه من سائر الشام والمغرب والحرمين. وبقي لهم إقليم مصر.

ثم خرج على ابن مصال العادل بن السلار، وحاربه وظفر به، واستأصله، واستبد بالأمر. وكان ابن مصال من أجل الأمراء، هزمه عسكر ابن السلار بدلاص، وأتوا برأسه على قناة وكان علي بن السلار من أمراء الأكراد ومن الأبطال المشهورين، سنيا مسلما حسن المعتقد شافعيا، خمد بولايته نائرة الرفض. وقد ولي أولا الثغر مدة، واحترم السلفي، وأنشأ له المدرسة العادلية، إلَّا أنه كان ذا سطوة، وعسف، وأخذ على التهمة، ضرب مرة دفا ومسمارا على دماغ الموفق متولي الديوان لكونه في أوائل أمره شكا إليه غرامة لزمته في ولايته، فقال:

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 99"، والعبر "4/ 136"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 288"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 152".

ص: 449

كلامك ما يدخل في أذني، فبقي كلما دخل المسمار في أذنه يستغيث فيقول: أدخل كلامي بعد في أذنك؟.

وقدم من إفريقية عباس بن أبي الفتوح بن الملك يحيى بن تميم بن المعز بن باديس مع أمه صبيا. فتزوج العادل بها قبل الوزارة، فتزوج عباس، وولد له نصر، فأحبه العادل، ثم جهز أباه للغزو، فلما نزل ببلبيس، ذاكره ابن منقذ، وكرها البيكار، فاتفقا على قتل العادل، وأن يأخذ عباس منصبه. فذبح نصر العادل على فراشه في المحرم سنة 548، وتملك عباس وتمكن.

وكان ابنه نصر من الملاح، فمال إليه الظافر وأحبه، فاتفق هو وأبوه عباس على الفتك بالظافر. فدعاه نصر إلى دارهم ليأتي متخفيًا، فجاء إلى الدار التي هي اليوم المدرسة السيوفية. فشد نصر عليه فقتله وطمره في الدار. وذلك في المحرم سنة تسع وأربعين وخمس مائة. فقيل: كان في نصفه، وعاش الظافر اثنتين وعشرين سنة.

ثم ركب عباس من الغد وأتى القصر. وقال: أين مولانا؟ فطلبوه ففقدوه. وخرج جبريل ويوسف أخوا الظافر، فقال: أين مولانا؟ قالا: سل ابنك، فغضب. وقال: أنتما قتلتماه، وضرب رقابهما في الحال.

ص: 450

‌2922 - الفائز بالله

(1)

:

صاحب مصر أبو القاسم عيسى بن الظافر إسماعيل بن الحافظ عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله العبيدي، المصري.

لما اغتال عباس الوزير الظافر، أظهر القلق، ولم يكن علم أهل القصر بمقتله. فطلبوه في دور الحرم فما وجدوه، وفتشوا عليه وأيسوا منه، وقال عباس لأخويه: أنتما الذين قتلتما خليفتنا، فأصرا على الإنكار، فقتلهما نفيًا للتهمة عنه. واستدعى في الحال عيسى هذا، وهو طفل له خمس سنين. وقيل: بل سنتان فحمله على كتفه، ووقف باكيًا كئيبًا، وأمر بأن تدخل الأمراء، فدخلوا. فقال: هذا ولد مولاكم، وقد قتل عماه مولاكم، فقتلتهما به كما ترون، والواجب إخلاص النية والطاعة لهذا الولد، فقالوا كلهم: سمعا وطاعة، وضجوا ضجة قوية

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 514"، والعبر "4/ 156"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 306"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 175".

ص: 450

بذلك، ففزع الطفل، وبال على كتف الملك عباس، ولقبوه الفائز، وبعثوه إلى أمه، واختل عقله من حينئذ، وصار يتحرك ويصرع، ودانت الممالك لعباس.

وأما أهل القصر، فاطلعوا على باطن القضية، وأقاموا المآتم على الثلاثة، وتحيلوا، وكاتبوا طلائع بن رزيك الأرمني الرافضي، والي المنية، وكان ذا شهامة وإقدام. فسألوه الغوث، وقطعوا شعور النساء والأولاد، وسيروها في طي الكتاب وسخموه، فلما تأمله اطلع من حوله من الجند عليه، وبكوا، ولبس الحداد، واستمال عرب الصعيد، وجمع وحشد، وكاتب أمراء القاهرة، وهيجهم على طلب الثأر، فأجابوه. فسار إلى القاهرة، فبادر إلى ركابه جمهور الجيش، وبقي عباس في عسكر قليل. فخارت قواه وهرب هو وابنه نصر ومماليكه والأمير ابن منقذ.

ونقل ابن الأثير: أن أسامة هو الذي حسن لعباس وابنه اغتيال الظافر وقتل العادل. وقيل: إن الظافر، أقطع نصر ابن عباس قليوب. فقال: أسامة: ما هي في مهرك بكثير.

ثم قصد عباس الشام على ناحية أيله في ربيع الأول، فما كانت أيامه بعد قتل الظافر إلَّا يسيرة، واستولى الصالح طلائع بن رزيك على ديار مصر بلا ضربة ولا طعنة، فنزل إلى دار عباس، وطلب الخادم الصغير الذي كان مع الظافر، وسأله عن المكان الذي دفن فيه أستاذه، فأعلمه، فقلع بلاطه، وأخرج الظافر ومن معه من القتلى، وحملوا وناحوا عليهم، وتكفل طلائع بالفائز، ودبر الدولة.

وجهزت أخت الظافر رسولًا إلى الفرنج بعسقلان، وبذلت لهم مالًا عظيمًا إن أسروا لها عباسا وابنه، فخرجوا عليه، فالتقاهم، فقتل في الوقعة، وأخذت خزائنه، وأسروا ابنه نصرا، وبعثوه إليها في قفص حديد، فلما وصل، قبض رسولهم المال، وذلك في ربيع الأول سنة خمسين، فقطعت يد نصر، وضرب بالمقارع كثيرًا، وقص لحمه، ثم صلب فمات، فبقي معلقا شهورا، ثم أحرق.

وقيل: تسلمه نساء الظافر، فضربنه بالقباقيب، وأطعمنه لحمه.

مات الفائز في رجب سنة خمس وخمسين وخمس مائة. وله نحو من عشر سنين، وبايعوا العاضد.

ص: 451

‌2923 - العاضد

(1)

:

صاحب مصر العاضد لدين الله خاتم الدولة العبيدية أبو محمد عبد الله ابن الأمير يوسف بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر، العبيدي الحاكمي المصري الإسماعيلي المدعي هو وأجداده، أنهم فاطميون.

مولده سنة ست وأربعين وخمس مائة.

أقامه طلائع بن رزيك بعد الفائز، فكان من تحت حجره، لا حل لديه ولا ربط. وكان العاضد سبابًا خبيثًا متخلفًا.

قال القاضي شمس الدين بن خلكان: كان إذا رأى سنيا استحل دمه، وسار وزيره الملك الصالح طلائع سيرة مذمومة، واحتكر الغلات، وقتل عدة أمراء، وأضعف أحوال الدولة بقتل ذوي الرأي والبأس، وصادر وعسف.

وفي أيام العاضد أقبل حسين بن نزار بن المستنصر بن الظاهر، العبيدي من الغرب في جمع كثير، فلما قارب مصر غدر به خواصه، وقبضوا عليه، وأتوا به العاضد، فذبحه في سنة سبع وخمسين. وتزوج العاضد ببنت طلائع، وأخذ طلائع في قطع أخبار العسكر والأمراء، فتعاقدوا بموافقة العاضد لهم على قتله، فكمن له عدة في القصر، فجرحوه، فدخل مماليكه، فقتلوا أولئك، وحملوه، فما أمسى، وذلك في رمضان سنة ست وخمسين.

وولي مكانه ولده الملك العادل رزيك. وكان مليح النظم، قوي الرفض، جوادًا شجاعًا، يناظر على الإمامة والقدر، وعمل قبل موته بثلاث ليال:

نحن في غفلة ونوم وللمو

ت عيون يقظانة لا تنام

قد رحلنا إلى الحمام سنينا

ليت شعري متى يكون الحمام؟

ولعمارة اليمني فيه قصائد ورثاء، منها في جنازته:

وكأنها تابوت موسى أودعت

في جانبيه سكينة ووقار

وتغاير الحرمان والهرمان في

تابوته وعلى الكريم يغار

نعم، ووزر للعاضد الملك أبو شجاع شاور السعدي، وكان على نيابة الصعيد من جهة

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 354"، والعبر "4/ 197"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 334"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 219".

ص: 452

طلائع، فقوي، وندم طلائع على توليته لفروسيته وشهامته، فأوصى طلائع وهو يموت إلى ابنه أن لا يهيج شاور.

ثم إن شاور حشد وجمع، واخترق البرية إلى أن خرج من عند تروجة، وقصد القاهرة، فدخلها من غير ممانعة، ثم فتك برزيك وتمكن.

ثم قدم دمشق جريدة إلى نور الدين مستنجدًا به، فجهز معه شيركوه، بل بعده بسنة، فاسترد له الوزارة، وتمكن، ولم يجاز شيركوه بما يليق به، فأضمر له الشر، واستعان شاور بالفرنج، وتحصن منهم شيركوه ببلبيس، فحصروه مدة، حتى ملوا.

واغتنم نور الدين خلو الساحل منهم فعمل المصاف على حارم.

وأسر ملوكا في سنة تسع وخمسين. ورجع شيركوه بعد أمور طويلة الشرح.

ثم سير العاضد، يستنجد بشيركوه على الفرنج، فسار وهزم الفرنج بعد أن كادوا يأخذون البلاد، وهم شاور باغتيال شيركوه وكبار عسكره، فناجزوه وقتلوه في ربيع الآخر سنة أربع وستين قتله جرديك النوري وصلاح الدين، فتمارض شيركوه فعاد شاور فشد عليه صلاح الدين.

ولعمارة فيه:

ضجر الحديد من الحديد وشاور

في نصر دين محمد لم يضجر

حلف الزمان ليأتين بمثله

حنثت يمينك يا زمان فكفر

فاستوزر العاضد شيركوه، فلم يطول، ومات بالخانوق بعد شهرين وأيام، وقام بعده ابن أخيه صلاح الدين. وكان يضرب بشجاعة أسد الدين شيركوه المثل، ويخافه الفرنج.

قال ابن واصل: حدثنا الأمير حسام الدين بن أبي علي قال: كان جدي في خدمة صلاح الدين

، فحكى وقعة السودان بمصر التي زالت دولتهم بها ودولة العبيدية. قال: شرع صلاح الدين يطلب من العاضد أشياء من الخيل والرقيق والمال ليقوي بذلك ضعفه، فسيرني إلى العاضد أطلب منه فرسا، فأتيته وهو راكب في بستانه الكافوري فقلت له، فقال: مالي إلَّا هذا الفرس، ونزل عنه، وشق خفيه ورمى بهما، فأتيت صلاح الدين بالفرس.

قلت: تلاشى أمر العاضد مع صلاح الدين إلى أن خلعه، وخطب لبني العباس، واستأصل شأفة بني عبيد، ومحق دولة الرفض. وكانوا أربعة عشر متخلفًا لا خليفة، والعاضد في اللغة أيضًا القاطع، فكان هذا عاضدا لدولة أهل بيته.

ص: 453

قال ابن خلكان: أخبرني عالم أن العاضد رأى في نومه كأن عقربًا خرجت إليه من مسجد عرف بها فلدغته، فلما استيقظ طلب معبرا فقال: ينالك مكروه من رجل مقيم بالمسجد، فسأل عن المسجد، وقال للوالي عنه، فأتي بفقير، فسأله: من أين هو؟ وفيما قدم؟ فرأى منه صدقًا ودينًا. فقال: ادع لنا يا شيخ، وخلى سبيله، ورجع إلى المسجد، فلما غلب صلاح الدين على مصر، عزم على خلع العاضد. فقال ابن خلكان: استفتى الفقهاء، فأفتوا بجواز خلعه لما هو من انحلال العقيدة والاستهتار، فكان أكثرهم مبالغة في الفتيا ذاك، وهو الشيخ نجم الدين الخبوشاني، فإنه عدد مساوئ هؤلاء، وسلب عنهم الإيمان.

قال أبو شامة: اجتمعت بأبي الفتوح بن العاضد، وهو مسجون مقيد، فحكى لي أن أباه في مرضه طلب صلاح الدين، فجاء، وأحضرنا ونحن صغار، فأوصاه بنا، فالتزم إكرامنا واحترامنا.

قال أبو شامة: كان منهم ثلاثة بإفريقية: المهدي، والقائم، والمنصور، وأحد عشر بمصر آخرهم العاضد، ثم قال: يدعون الشرف ونسبتهم إلى مجوسي أو يهودي، حتى اشتهر لهم ذلك. وقيل: الدولة العلوية، والدولة الفاطمية، وإنما هي الدولة اليهودية أو المجوسية الملحدة الباطنية.

ثم قال: ذكر ذلك جماعة من العلماء الأكابر، وأن نسبهم غير صحيح. بل المعروف أنهم بنو عبيد. وكان والد عبيد من نسل القداح المجوسي الملحد. قال: وقيل: والده يهودي من أهل سلمية، وعبيد كان اسمه سعيدًا، فغيره بعبيد الله لما دخل إلى المغرب، وادعى نسبًا ذكر بطلانه جماعة من علماء الأنساب، ثم ترقي، وتملك، وبنى المهدية. قال: وكان زنديقًا خبيثًا، ونشأت ذريته على ذلك، وبقي هذا البلاء على الإسلام من أول دولتهم إلى آخرها.

قلت: وكانت دولتهم مائتي سنة وثمانيًا وستين سنة، وقد صنف القاضي أبو بكر بن الباقلاني كتاب "كشف أسرار الباطنية" فافتتحه ببطلان انتسابهم إلى الإمام علي، وكذلك القاضي عبد الجبار المعتزلي.

هلك العاضد يوم عاشوراء سنة سبع وستين وخمس مائة بذرب مفرط. وقيل: مات غما لما سمع: بقطع خطبته وإقامة الدعوة للمستضيء. وقيل: سقي. وقيل: مص خاتمًا له مسمومًا. وكانت الدعوة المذكورة أقيمت في أول جمعة من المحرم، وتسلم صلاح الدين القصر بما حوى من النفائس والأموال، وقبض أيضًا على أولاد العاضد وآله، فسجنهم في بيت من القصر، وقمع غلمانهم وأنصارهم، وعفى آثارهم.

ص: 454

قال العماد الكاتب: وهم الآن محصورون محسورون لم يظهروا، وقد نقصوا وتقلصوا، وانتقى صلاح الدين ما أحب من الذخائر، وأطلق البيع بعد في ما بقي، فاستمر البيع فيها مدة عشر سنين.

ومن كتاب من إنشاء القاضي الفاضل إلى بغداد: وقد توالت الفتوح غربًا، ويمنًا وشامًا، وصارت البلاد بل الدنيا والشهر، بل والدهر حرمًا حرامًا، وأضحى الدين واحدًا بعد أن كان أديانًا، والخلافة إذا ذكر بها أهل الخلاف لم يخروا عليها صمًا وعميانًا، والبدعة خاشعة، والجمعة جامعة، والمذلة في شيع الضلال شائعة. ذلك بأنهم اتخذوا عباد الله من دونه أولياء، وسموا أعداء الله أصفياء، وتقطعوا أمرهم بينهم شيعًا، وفرقوا أمر الأمة وكان مجتمعًا، وقطع دابرهم، ورغمت أنوفهم ومنابرهم، وحقت عليهم الكلمة تشريدًا وقتلًا، وتمت كلمات ربك صدقًا وعدلًا، وليس السيف عمن سواهم من كفار الفرنج بصائم، ولا الليل عن السير إليهم بنائم.

قلت: أعجبني سرد هؤلاء الملوك العبيدية على التوالي، ليتأمله الناظر مجتمعًا. فلنرجع الآن إلى ترتيب الطباق في حدود العشرين وثلاث مائة وما بعدها.

ص: 455

‌2924 - مرداويج بن زيار

(1)

:

الديلمي ملك الديلم عتا وتمرد، وسفك الدماء، وحكم على مدائن الجبل وغيرها، وخافته الملوك، وكان بنو بويه من أمرائه.

ولما كانت ليلة الميلاد من سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة أمر بجمع أحطاب عظيمة، وخرج إلى ظاهر أصبهان، وجمع ألفي غراب، وعمل في آذانها النفط، ومد سماطا ما سمع بمثله أصلا. كان فيه ألف فرس قشلميش، وألفا بقرة، ومن الغنم والحلواء أشياء، فلما شاهد ذلك استقله، وتنمر على القواد، وكان مسيئا إلى الأتراك الذين معه، فلما أصبح اجتمعوا للموكب، وصهلت الخيل، فغضب، وأمر بشد سروجها على ظهور أربابها. فكان منظرًا فظيعًا، فحنقوا عليه، ودخل البلد فأمر صاحب حرسه أن لا يتبعه، ودخل الحمام، فهجمت الترك عليه، وقتلوه. وكان قد اتخذ لنفسه تاجًا مرصعًا بالجواهر كتاج كسرى.

وتملك بعده أخوه، وشمكير، وتملك أيضًا بنو بويه -من تاريخ المؤيد.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 190"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 292".

ص: 455

‌2925 - العزيري

(1)

:

الإمام أبو بكر محمد بن عزير، السجستاني المفسر، مصنف "غريب القرآن".

كان رجلًا فاضلًا خيرًا.

ألف "الغريب" في عدة سنين وحرره، وراجع فيه أبا بكر بن الأنباري، وغيره.

رواه عنه: أبو عبد الله بن بطة، وعثمان بن أحمد بن سمعان، وعبد الله بن الحسين السامري المقرئ، وكان مقيما ببغداد، لم يذكر له ابن النجار وفاة.

قال: والصحيح عزير -براء، رأيته بخط ابن ناصر الحافظ. وذكر أنه شاهده بخط يده، وبخط غير واحد من الذين كتبوا كتابه عنه، وكانوا متثبتين.

قال: وذكر لي ابن الأخضر شيخنا، أنه رأى نسخة "بالغريب" بخط مؤلفه، وفي آخره: وكتب محمد بن عزير -بالراء المهملة.

وقال أبو زكريا التبريزي: رأيت بخط ابن عزير، وعليه علامة الراء غير المعجمة.

وأما الدارقطني، والحافظ عبد الغني، والخطيب، وابن ماكولا، فقالوا: عزيز بمعجمتين، محمد بن عزير صاحب "الغريب". فبعد هؤلاء الأعلام من يسلم من الوهم؟.

بقي ابن عزير إلى حدود الثلاثين وثلاث مائة.

‌2926 - ابن الإخشيد

(2)

:

العلامة الأستاذ، شيخ المعتزلة، أبو بكر، أحمد بن علي بن بيغجور الإخشيد، صاحب التصانيف.

كان يدري الحديث، ويرويه عن أبي مسلم الكجي وطبقته ويحتج به في تواليفه، وكان ذا تعبد وزهادة، له قرية تقوم بأمره، وكان يؤثر الطلبة. وله محاسن على بدعته، وله تواليف في الفقه، وفي النحو والكلام. وداره ببغداد في سوق العطش. وكان لا يفتر من العلم والعبادة.

له كتاب "نقل القرآن"، وكتاب "الإجماع"، وكتاب "اختصار تفسير محمد بن جرير"، وكتاب "المعونة في الأصول" وأشياء مفيدة.

توفي في شعبان سنة ست وعشرين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "4/ 95".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 309"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "7/ 216"، ولسان الميزان "1/ 231".

ص: 456

‌2927 - يوسف بن يعقوب

(1)

:

ابن الحسين الإمام المجود، مقرئ واسط، أبو بكر الواسطي الأصم، إمام الجامع.

قرأ القرآن على يحيى العليمي، عن حماد بن شعيب، وأبي بكر بن عياش، وعلي بن شعيب بن أيوب الصريفيني، وتصدر دهرًا، ورحلوا إليه.

وسمع من محمد بن خالد الطحان.

حدث عنه: أبو أحمد الحاكم، وأبو بكر بن المقرئ.

وتلا عليه: علي بن محمد بن خليع القلانسي، والحسن بن سعيد المطوعي، وعثمان بن أحمد المجاشي، وإبراهيم بن عبد الرحمن البغدادي، وأبو بكر النقاش، وعبد العزيز بن عصام، وعلي بن منصور الشعيري، وأبو أحمد السامري فيما زعم.

قال ابن خليع: كان شيخنا حسن الأخذ، قرأت عليه وله نيف وتسعون سنة.

وقال أبو عبد الله القصاع: ولد في شعبان سنة ثمان عشرة ومائتين.

وكان يقول: قرأت على يحيى بن محمد العليمي في سنة أربعين ومائتين والتي تليها، ومات: في سنة ثلاث وأربعين ومائتين عن ثلاث وتسعين سنة. وكان قد ضعف.

قال لي: قرأت على حماد بن أبي زياد شعيب سنة سبعين ومائة، وكان فاضلًا جليلًا.

تلا على عاصم، وقرأت بعده على أبي بكر بن عياش.

قال: القضاعي توفي يوسف الواسطي في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة.

سميه هو المحدث أبو عمرو:

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 319".

ص: 457

‌2928 - يوسف بن يعقوب

(1)

:

النيسابوري، نزيل بغداد.

يروي عن: محمد بن بكار بن الريان، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن عبدة، وأبي حفص الفلاس.

روى عنه: الدارقطني، وابن شاهين، والمعافى النهرواني، وأبو بكر بن شاذان، وعلي بن لؤلؤ الوراق.

قال عبد الغني بن سعيد: وثب إلى الرواية عن ابن أبي شيبة.

وقال البرقاني: لا يساوي شيئًا.

وقال الحاكم: حدث عن: كل من شاء.

فسمعت أبا علي الحافظ، يقول: ما رأيت في رحلتي في أقطار الأرض نيسابوريا يكذب غير أبي عمرو هذا.

قلت: توفي بعيد سنة عشرين وثلاث مائة بيسير.

وقع لي من طريقه "تاريخ" أبي بكر بن أبي شيبة.

‌2929 - جحظة

(2)

:

الأخباري النديم البارع، أبو الحسن، أحمد بن جعفر بن موسى بن الوزير يحيى بن خالد بن برمك البرمكي البغدادي الشاعر.

كان ذا فنون ونوادر وآداب. وهو القائل:

أنا ابن أناس مول الناس جودهم

فأضحوا حديثًا للنوال المشهر

فلم يخل من إحسانهم لفظ مخبر

ولم يخل من تقريظهم بطن دفتر

ومن شعره:

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 320"، وميزان الاعتدال "4/ 475"، ولسان الميزان "6/ 329".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 65"، والأنساب للسمعاني "2/ 170"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 283"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "2/ 241"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 55"، والعبر "2/ 201"، ولسان الميزان "1/ 146"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 250 - 251".

ص: 458

ورق الجو حتى قيل هذا

عتاب بين جحظة والزمان

وقيل: كان مشوهًا، فقال ابن الرومي:

وارحمتا لمنادميه تحملوا

ألم العيون للذة الآذان

قال ابن خلكان: جحظة بسكون الحاء: مات سنة ست وعشرين وثلاث مائة. وقيل: سنة أربع وعشرين.

وقد بلغ الثمانين، ولم يدخل في رواية الحديث، وكان رأسًا في التنجيم مقدما في لعب النرد. وله مؤلف في الطبائخي، ولم يكن أحد يتقدمه في صناعة الغناء. غنى المعتمد، فأعطاه خمس مائة دينار.

أكثر عنه صاحب "الأغاني"، والمعافى النهرواني، وأبو عمر بن حيويه.

ص: 459

‌2930 - الباب

(1)

:

كبير الإمامية، ومن كان أحد الأبواب إلى صاحب الزمان المنتظر، الشيخ الصالح أبو القاسم حسين بن روح بن بحر القيني.

قال ابن أبي طي في "تاريخه": نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد ابن عثمان العمري، وجعله من أول من يدخل حين جعل الشيعة طبقات.

قال: وقد خرج على يديه تواقيع كثيرة: فلما مات أبو جعفر صارت النيابة إلى حسين هذا، فجلس في الدار، وحف به الشيعة، فخرج ذكاء الخادم، ومعه عكازة، ومدرج وحقه، وقال له: إن مولانا قال: إذا دفنني أبو القاسم حسين، وجلس، فسلم إليه هذا، وإذا في الحق خواتيم الأئمة. ثم قام ومعه طائفة فدخل دار أبي جعفر محمد ابن علي الشلمغاني، وكثرت غاشيته حتى كان الأمراء والوزراء يركبون إليه والأعيان، وتواصف الناس عقله وفهمه.

فروى: علي بن محمد الإيادي، عن أبيه قال: شاهدته يومًا، وقد دخل عليه أبو عمر القاضي، فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشفق عبرة عند المتورط، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه، ثم قال: من أين لك هذا؟ فقال: إن كنت قلت لك ما عرفته، فمسألتي من أين لك؟ فضول، وإن كنت لم تعرفه، فقد ظفرت بي. قال: فقبض

(1)

ترجمته في الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "12/ 366"، ولسان الميزان "2/ 283".

ص: 459

أبو عمر على يديه، وقال: لا بل والله أؤخرك ليومي أو لغدي. فلما خرج قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجا قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا، كاشفته بما لك أكاشف به غيره.

ولم يزل أبو القاسم وافر الحرمة إلى أن وزر حامد بن العباس، فجرت له معه خطوب يطول شرحها.

ثم سرد ابن أبي طي ترجمته في أوراق، وكيف أخذ وسجن خمسة أعوام، وكيف أطلق وقت خلع المقتدر، فلما أعادوه إلى الخلافة، شاوروه فيه، فقال: دعوه فبخطيته أوذينا.

وبقيت حرمته على ما كانت إلى أن مات: في سنة ست وعشرين وثلاث مائة، وقد كاد أمره أن يظهر.

قلت: ولكن كفى الله شره، فقد كان مضمرا لشق العصا.

وقيل: كان يكاتب القرامطة ليقدموا بغداد ويحاصروها.

وكانت الإمامية تبذل له الأموال، وله تلطف في الذب عنه، وعبارات بليغة، تدل على فصاحته وكمال عقله. وكان مفتي الرافضة وقدوتهم، وله جلالة عجيبة. وهو الذي رد على الشلمغاني لما علم انحلاله.

ص: 460

‌2931 - ابن مقلة

(1)

:

الوزير الكبير، أبو علي محمد بن علي بن حسن بن مقلة.

ولد بعد سنة سبعين ومائتين.

وروى عن: أبي العباس ثعلب، وأبي بكر بن دريد.

روى عنه: عمر بن محمد بن سيف، وأبو الفضل محمد بن الحسن بن المأمون، وعبد الله بن علي بن عيسى بن الجراح، ومحمد بن أحمد بن ثابت.

قال الصولي: ما رأيت وزيرا منذ توفي القاسم بن عبيد الله أحسن حركة، ولا أظرف إشارة، ولا أملح خطا، ولا أكثر حفظا، ولا أسلط قلما، ولا أقصد بلاغة، ولا آخذ بقلوب الخلفاء، من ابن مقلة. وله علم بالإعراب، وحفظ للغة، وتوقيعات حسان.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 309"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 698"، والعبر "2/ 211"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 268"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 310".

ص: 460

قال ابن النجار: أول تصرفه كان مع محمد بن داود بن الجراح، وعمره ست عشرة سنة وأجري له في كل شهر ستة دنانير، ثم انتقل إلى ابن الفرات، فلما وزر ابن الفرات أحسن إليه، وجعله يقدم القصص، فكثر ماله إلى أن قال: فلما استعفى ابن عيسى من الوزارة، أشير على المقتدر بالله بابن مقلة، فولاه في ربيع الأول سنة 316، ثم عزل سنة 318 بعد سنتين وأربعة أشهر، ثم لما قتل المقتدر، وبويع القاهر، كان ابن مقلة بشيراز منفيًا، فأحضر القاهر وزير المقتدر أبا القاسم عبيد الله بن محمد، وعرفه أنه قد استوزر أبا علي، فاستخلفه له إلى أن يقدم، فقدم أبو علي يوم النحر سنة عشرين، فدام إلى أن استوحش من القاهر، فاستتر بعد تسعة أشهر، ثم إنه أفسد الجند على القاهر، وجمع كلمتهم على خلعه وقتله، فتم ذلك لهم.

وبويع الراضي، فآمن أبا علي، فظهر، ووزر، ثم عزل بعد عامين، واستتر، ثم كتب إلى الراضي بالله أن يستحجب بجكم عوض ابن رائق، وأن يعيده إلى الوزارة، وضمن له مالًا، وكتب إلى بجكم، فأطمعه الراضي حتى حصل عنده، واستفتى الفقهاء، فأفتوا بقطع يده. فقطع في شوال، سنة ست وعشرين وثلاث مائة. ثم كان يشد القلم على ساعده، ويكتب خطا جيدًا. وكتب أيضًا باليسرى.

وقيل: إنه كاتب يطلب الوزارة. فلما قرب بجكم من بغداد، طلب أبا علي، فقطع لسانه وسجن مدة، ولحقه ذرب. وكان يستقي بيساره، ويمسك الحبل بفمه، وقاسى بلاء إلى أن مات. ودفن في دار السلطنة، ثم سأل أهله فنبش، وسلم إليهم، فدفنه ابنه أبو الحسين في داره.

قال: الحسن بن علي بن مقلة: كان أبو علي الوزير، يأكل يومًا، فلما غسل يده، وجد نقطة صفراء من حلو على ثوبه ففتح الدواة، فاستمد منها وطمسها بالقلم وقال: ذاك عيب. وهذا أثر صناعة.

إنما الزعفران عطر العذارى

ومداد الدواة عطر الرجال

قال: أبو الفضل بن المأمون: أنشدنا أبو علي بن مقلة لنفسه:

إذا أتى الموت لميقاته

فخل عن قول الأطباء

وإن مضى من أنت صب به

فالصبر من فعل الألباء

ما مر شيء ببني آدم

أمر من فقد الأحباء

أبو عمر بن حيويه: حدثنا أبو عبد الله النوبختي، قال: قيل: إن أبا علي، قال:

ص: 461

ما مللت الحياة لكن توثقـ

ـت بأيمانهم فبانت يميني

لقد أحسنت ما استطعت بجهدي

حفظ أيمانهم فبانت يميني

بعت ديني لهم بدنياي حتى

حرموني دنياهم بعد ديني

ليس بعد اليمين لذة عيش

يا حياتي بانت يميني فبيني

قال: أبو علي التنوخي: حدثنا الحسين بن الحسن الواثقي، قال: كنت أرى دائمًا جعفر بن ورقاء يعرض على ابن مقلة في وزارته الرقاع الكثيرة في حوائج الناس في مجالس حفله، وفى خلوته. فربما عرض في اليوم أزيد من مائة رقعة، فعرض عليه في مجلس خال شيئًا كثيرًا، فضجر، وقال: إلى كم يا أبا محمد؟ فقال: على بابك الأرملة والضعيف وابن السبيل، والفقير، ومن لا يصل إليك. وقال: أيد الله الوزير إن كان فيها شيء لي فخرقه. إنما أنت الدنيا، ونحن طرق إليك، فإذا سألونا سألناك، فإن صعب هذا أمرتنا أن لا نعرض شيئًا، ونعرف الناس بضعف جاهنا عندك ليعذرونا. فقال أبو علي: لم أذهب حيث ذهبت وإنما أومأت إلى أن تكون هذه الرقاع الكثيرة في مجلسين، ولو كانت كلها تخصك لقضيتها، فقبل جعفر يده.

قال الواثفي الحاجب: كانت فاكهة ابن مقلة، لما ولي الوزارة الأولة بخمس مائة دينار في كل يوم جمعة، وكان لا بد له أن يشرب غبوقًا بعد الجمعة، ويصطبح يوم السبت. وذكر أنه رأى الشبكة على البستان من الإبريسم وتحتها صنوف الطيور مما يتجاوز الوصف.

وقيل: أنشأ دارا عظيمة، فقيل:

قل لابن مقلة مهلًا لا تكن عجلًا

واصبر فإنك في أضغاث أحلام

تبني بأنقاض دور الناس مجتهدًا

دارًا ستهدم أيضًا بعد أيام

ما زلت تختار سعد المشتري لها

فلم توق به من نحس بهرام

إن القران وبطليموس ما اجتمعا

في حال نقض ولا في حال إبرام

أحرقت بعد ستة أشهر، وبقيت عبرة.

قال إسحاق بن إبراهيم الحارثي: حدثنا الحسن بن علي بن مقلة، قال: كان سبب قطع يد أخي كلمة، كان قد استقام أمره مع الراضي، وابن رائق، وأمرا برد ضياعه، فدافع ناس فكتب أخي يعتب عليهم بكلام غليظ. وكنا نشير عليه أن يستعمل ضد ذلك، فيقول: والله لا

ص: 462

ذللت لهذا الوضيع. وزاره صديق ابن رائق، ومدبر دولته. فما قام له، وتكلم بفصل طويل ساقه ابن النجار، يدل على تيهه وطيشه، فقبض عليه بعد أيام، وقطعت يده. وكان إذا ركب يأخذ له الطالع جماعة من المنجمين.

قال التنوجي: أخبرنا إبراهيم بن الحسن الديناري، سمعت الحسين بن أبي علي بن مقلة، يحدث أن الراضي بالله، قطع لسان أبيه قبل موته بمدة، وقتله بالجوع. وكان سبب ذلك أن الراضي تندم على قطع يده، واستدعاه من حبسه، واعتذر إليه. وكان يشاوره ويستدعيه في خلوته وقت الشرب، وأنس به. فقامت قيامة ابن رائق، وخاف ودس من أشار على الخليفة بأن لا يدنيه إلى أن قال: وكان أبي يكتب باليسرى خطًا لا يكاد أن يفرق من خطه باليمنى. قال: وما زالوا بالراضي، حتى تخيل منه وأهلكه.

وللصولي فيه:

لئن قطعوا يمنى يديه لخوفهم

لأقلامه لا للسيوف الصوارم

فما قطعوا رأيًا إذا ما أجاله

رأيت المنايا في اللحى والغلاصم

مولده في شوال سنة اثنتين وسبعين ومائتين.

ومات في حادي عشر شوال سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.

اختلف فيه هل هو صاحب الخط المنسوب أو أخوه الحسن؟ وكانا بديعي الكتابة، والظاهر أن الحسن هو صاحب الخط. وكان أول من نقل هذه الطريقة المولدة من القلم الكوفي.

ذكره ابن النجار، وكان أديبًا شاعرًا، وفد على ملك الشام سيف الدولة، ونسخ له عدة مجلدات.

روى عنه: أبو الفضل بن المأمون، وأبو عبد الله الحسين النمري.

توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثلاث مائة، وله سبعون سنة. ثم نقل تابوته إلى بغداد.

ص: 463

‌2932 - المرتعش

(1)

:

الزاهد الولي، أبو محمد عبد الله بن محمد النيسابوري، الحيري، تلميذ أبي حفص النيسابوري وصحب أبا عثمان الحيري، والجنيد. وسكن بغداد.

وكان يقال عجائب بغداد في التصوف ثلاث: نكت أبي محمد المرتعش، وحكايات الخلدي، وإشارات الشبلي.

وكان المرتعش منقطعًا بمسجد الشونيزية.

حكى عنه: محمد بن عبد الله الرازي، وأحمد بن عطاء الروذباري، وأحمد بن علي بن جعفر.

وسئل بماذا ينال العبد المحبة؟ قال: بموالاة أولياء الله، ومعاداة أعداء الله.

وقيل له: فلان يمشي على الماء. قال: عندي أن من مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الماء.

وسئل أي العمل أفضل؟ قال: رؤية فضل الله.

وقد ذكره الخطيب، فسماه جعفرًا، وقال: كان من ذوي الأموال، فتخلى عنها، وسافر الكثير.

ويروى عنه قال: جعلت سياحتي أن أمشي كل سنة ألف فرسخ حافيًا حاسرًا.

توفي رحمه الله سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.

‌2933 - المزين

(2)

:

الأستاذ العارف، أبو الحسن البغدادي، علي بن محمد المزين.

صحب سهل بن عبد الله التستري والجنيد، وجاور بمكة.

وكان من أورع القوم، وأكملهم حالًا.

حكى عنه: أبو بكر الرازي وغيره، ومحمد بن أحمد النجار، وهو أبو الحسن المزين الصغير.

فأما أبو الحسن المزين الكبير البغدادي، فآخر جاور. فرقهما أبو عبد الرحمن السلمي، وما يظهر لي إلَّا أنهما واحد.

توفي سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 628"، وتاريخ بغداد "7/ 221"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 301"، والعبر "2/ 215"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 269"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 317".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 73"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 304"، والعبر "2/ 215"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 269"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 316".

ص: 464

‌2934 - النهرجوري

(1)

:

الأستاذ العارف أبو يعقوب إسحاق بن محمد الصوفي، النهرجوري.

صحب الجنيد، وعمرو بن عثمان المكي. وجاور مدة، ومات بمكة.

قال أبو عثمان المغربي: ما رأيت في مشايخنا أنور منه.

السلمي: سمعت محمد بن عبد الله الرازي، سمعت أبا يعقوب النهرجوري، يقول: في الفناء والبقاء: هو فناء رؤية قيام العبد لله، وبقاء رؤية قيام الله في الأحكام.

وعنه قال: الصدق موافقة الحق في السر والعلانية، وحقيقة الصدق القول بالحق في مواطن الهلكة.

قال إبراهيم بن فاتك: سمعت أبا يعقوب، يقول: الدنيا بحر، والآخرة ساحل، والمركب التقوى، والناس سفر.

وعنه قال: اليقين مشاهدة الإيمان بالغيب.

وعنه: أفضل الأحوال ما قارن العلم.

توفي النهرجوري سنة ثلاثين وثلاث مائة.

‌2935 - ابن أخي أبي زرعة

(2)

:

الإمام المحدث الثقة؛ أبو القاسم، عبد الله بن محمد بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ الرازي، المخزومي مولاهم.

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 629"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 326"، والعبر "2/ 221"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 275"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 325".

(2)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 76"، والعبر "2/ 183"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 286".

ص: 465

حدث عن: عمه أبي زرعة الحافظ، وارتحل فأخذ عن يونس بن عبد الأعلى، وجماعة بمصر وعن أحمد بن منصور الرمادي، ومحمد بن عيسى بن حيان المدائني ببغداد، وعن يوسف بن سعيد بن مسلم وغيره بالجزيرة.

حدث عنه: عبد الله بن أحمد الأصبهاني والد الحافظ أبي نعيم، والحسن بن إسحاق بن راهويه وأبو بكر محمد بن عبيد الله الذكواني، وأحمد بن القاضي أبي أحمد العسال، وأبو بكر بن المقرئ، وخلق سواهم.

قال: أبو نعيم كان ثقة، صاحب أصول. وتوفي عندنا بأصبهان سنة عشرين وثلاث مائة، رحمه الله.

ص: 466

‌2936 - ابن بلبل

(1)

:

الإمام القدوة الحافظ، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن زياد ابن إمام واسط يزيد بن هارون، الزعفراني الواسطي ثم الهمذاني. يعرف أبوه ببلبل.

روى عن: الحسن بن محمد بن الصباح، وسعدان بن نصر، وأحمد بن بديل، والحسن بن أبي الربيع، وطبقتهم.

قال صالح بن أحمد: كتبنا عنه، وهو ثقة ورع صدوق. سمعته يقول: عندي عن أبي زرعة نحو خمسين ألف حديث.

توفي سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة.

قلت: روى عنه: أهل همذان.

‌2937 - الجويني

(2)

:

الإمام الكبير، شيخ الإسلام، أبو عمران موسى بن العباس الخراساني الجويني، الحافظ، مؤلف "المسند الصحيح" الذي خرجه كهيئة "صحيح مسلم".

سمع: عبد الله بن هاشم، وأحمد بن أبي الأزهر، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن يوسف السلمي، ويونس بن عبد الأعلى، وبحر بن نصر، وأحمد بن منصور الرمادي، وطبقتهم.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 446"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 281".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "3/ 385"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 804"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 300".

ص: 466

حدث عنه: الحسن بن سفيان، وهو أحد شيوخه، وأبو علي الحافظ، وأبو سهل الصعلوكي، وأبو أحمد الحاكم، وأبو محمد المخلدي، وآخرون.

قال الحاكم أبو عبد الله: هو حسن الحديث بمرة، خرج على كتاب "مسلم". وصحب أبا زكريا الأعرج بمصر والشام.

وسمعت الحسن بن أحمد، يقول: كان أبو عمران الجويني في دارنا، وكان يقوم الليل، ويصلي، ويبكي طويلًا.

توفي أبو عمران بجوين سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أحمد بن منصور، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن، يعني: الإسفراييني، أخبرنا موسى بن العباس، حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض موته، قال:"مروا أبا بكر فليصل بالناس"

(1)

.

ومات مع الجويني إسماعيل بن العباس الوراق، وأبو عبيد القاسم بن إسماعيل المحاملي، وأبو نعيم بن عدي الجرجاني، وعبيد الله بن عبد الرحمن السكري، وإبراهيم نفطويه، وأسامة بن علي بن سعيد الرازي.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "679"، ومسلم "418"، من طرق عن الأعمش، به.

ص: 467

‌2938 - العقيلي

(1)

:

الإمام الحافظ الناقد، أبو جعفر، محمد بن عمرو بن موسى بن حماد، العقيلي الحجازي، مصنف كتاب "الضعفاء".

سمع من: جده لأمه يزيد بن محمد العقيلي، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، وإسحاق بن إبراهيم الدبري، ومحمد ابن إسماعيل الترمذي، وعلي بن عبد العزيز، ومحمد بن موسى البلخي؛ صاحب عبيد الله بن موسى، وأبي يحيى عبد الله بن أحمد بن أبي مسرة، وبشر بن موسى الأسدي، ومحمد بن الفضل القسطاني لقيه بالري، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ويحيى بن عثمان بن صالح، وأحمد بن علي الأبار، وأبي جعفر مطين، وعبيد بن غنام، وآدم

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 814"، والعبر "2/ 194".

ص: 467

ابن موسى صاحب البخاري، وحاتم بن منصور الشاشي، وأحمد بن داود المكي، حدثه بمصر، ومحمد بن أيوب ابن الضريس، وخلق كثير.

حدث عنه: أبو الحسن بن نافع الخزاعي، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ، ويوسف بن أحمد بن الدخيل، وطائفة.

قال مسلمة بن القاسم: كان العقيلي جليل القدر، عظيم الخطر، ما رأيت مثله، وكان كثير التصانيف، فكان من أتاه من المحدثين، قال: اقرأ من كتابك، ولا يخرج أصله. قال: فتكلمنا في ذلك. وقلنا: إما أن يكون من أحفظ الناس، وإما أن يكون من أكذب الناس. فاجتمعنا فاتفقنا على أن نكتب له أحاديث من روايته، ونزيد فيها وننقص، فأتيناه لنمتحنه، فقال لي: اقرأ، فقرأتها عليه. فلما أتيت بالزيادة والنقص، فطن لذلك، فأخذ مني الكتاب، وأخذ القلم، فأصلحها من حفظه، فانصرفنا من عنده، وقد طابت نفوسنا، وعلمنا أنه من أحفظ الناس.

وقال القاضي أبو الحسن بن القطان الفاسي: أبو جعفر العقيلي ثقة، جليل القدر، عالم بالحديث، مقدم في الحفظ.

قال: وتوفي سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة.

أنبأنا أحمد بن سلامة، عن يحيى بن بوش، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أحمد بن محمد العتيقي، وسمعه قاضي القضاة محمد بن المظفر الشامي الحموي من العتيقي، حدثنا يوسف بن الدخيل، حدثنا محمد بن عمرو العقيلي الحافظ، حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة، حدثني سعيد بن منصور، حدثنا ابن السماك، قال: خرجت إلى مكة، فلقيني زرارة بن أعين بالقادسية، فقال لي: إن لي إليك حاجة، وأرجو أن أبلغها بك، وعظمها، فقلت ما هي؟ فقال: إذا لقيت جعفر بن محمد، فأقرئه مني السلام، وسله أن يخبرني من أهل الجنة أنا أم من أهل النار؟ فأنكرت عليه. فقال لي: إنه يعلم ذلك. فلم يزل بي حتى أجبته. فلما لقيت جعفر ابن محمد، أخبرته بالذي كان منه. فقال: هو من أهل النار، فوقع في نفسي شيء مما قال: فقلت: ومن أين علمت ذلك؟ فقال: من ادعى علي أني أعلم هذا، فهو من أهل النار. فلما رجعت، لقيني زرارة، فأعلمته بقوله. فقال: كال لك يا أبا عبد الله من جراب النورة. قلت: وما جراب النورة؟ قال: عمل معك بالتقية.

توفي مع العقيلي الحافظ أبو عمر أحمد بن خالد بن الجباب القرطبي، والعارف خير النساج، وأبو محمد عبيد الله المهدي، صاحب المغرب، والمسند أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي، والحافظ أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن الأرزناني، وشيخ الصوفية أبو بكر محمد بن علي الكتاني، وشيخ الصوفية بمصر أبو علي الروذباري أحمد بن محمد، وأبو نعيم بن عدي الحافظ في قول. وقيل: بعدها بعام.

ص: 468

‌2939 - ابن رشدين

(1)

:

الشيخ الإمام المحدث الثقة الصادق، أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد المهدي المصري الوراق.

حدث عن: الحارث بن مسكين، وأبي الطاهر بن السرح، وسلمة بن شبيب، ويونس الصدفي وعدة.

روى عنه: أبو سعيد بن يونس، والطبراني، وأبو بكر بن المقرئ، ومحمد بن أحمد الإخميمي، وجماعة.

وكان أسند من بقي.

توفي في المحرم سنة ست وعشرين وثلاث مائة، وقد قارب التسعين.

وكان أبوه وجده ضعفاء علماء. وما عملت في عبد الرحمن جرحًا، ولله الحمد.

‌2940 - ابن الجباب

(2)

:

الإمام الحافظ الناقد، محدث الأندلس، أبو عمر أحمد بن خالد بن يزيد القرطبي، ويعرف بابن الجباب، وهي نسبة إلى بيع الجباب.

مولده في سنة ست وأربعين ومائتين.

سمع: بقي بن مخلد، ومحمد بن وضاح، وقاسم بن محمد، وإسحاق بن إبراهيم الدبري، وعلي بن عبد العزيز البغوي، وطبقتهم.

حدث عنه: ولده محمد، ومحمد بن محمد بن أبي دليم، والحافظ عبد الله بن محمد الباجي، وأهل قرطبة.

وكان من أفراد الأئمة، عديم النظير.

قال القاضي عياض: كان إمامًا في الفقه لمالك. وكان في الحديث لا ينازع، سمع منه خلق كثير.

قال: وصنف "مسند مالك بن أنس"، وكتاب "الصلاة"، وكتاب "الإيمان"، وكتاب "قصص الأنبياء".

وتوفي في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة.

وقال بعضهم: ما أخرجت الأندلس حافظًا مثل ابن الجباب، وابن عبد البر.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 206"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 308".

(2)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 802"، والعبر "2/ 192"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 247"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 293".

ص: 469

‌2941 - أحمد بن بقي

(1)

:

ابن مخلد قاضي الجماعة، العلامة أبو عمر القرطبي، من كبار الأئمة علمًا وعقلًا وجلالة.

حمل عن والده شيئًا كثيرًا، وولي القضاء عشر سنين، وحمدت سيرته.

توفي في أثناء سنة وأربع وعشرين وثلاث مائة بقرطبة. وله سبعون سنة، أو أكثر منها، رحمه الله تعالى.

‌2942 - ابن أيمن

(2)

:

الإمام الحافظ العلامة، شيخ الأندلس، ومسندها في زمانه، أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن أيمن بن فرج القرطبي، رفيق قاسم بن أصبغ الحافظ في الرحلة.

ولد سنة اثنتين وخمسين ومائتين.

سمع: محمد بن وضاح، ومحمد بن الجهم السمري، ومحمد بن إسماعيل الصايغ، وأحمد بن أبي خيثمة، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، وجعفر بن محمد بن شاكر، وعلي بن عبد العزيز البغوي، ويحيى بن هلال، وأمما سواهم.

روى عنه: عباس بن أصبغ الحجاري، وولده أحمد بن محمد، وطلبة الأندلس.

اشتهر اسمه، وولي الصلاة بجامع قرطبة. وكان بصيرًا بالفقه، مفتيا بارعا، عارفا بالحديث وطرقه، عالمًا به، صنف كتابًا في السنن، خرجه على "سنن أبي داود".

(1)

تقدمت ترجمته في هذا الجزء بتعليقنا رقم "437".

(2)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 817"، والعبر "2/ 223"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 327".

ص: 470

توفي في منتصف شوال سنة ثلاثين وثلاث مائة.

أخبرنا أبو محمد هارون من تونس، عن أبي القاسم بن بقي، عن شريح بن محمد، عن علي بن أحمد الحافظ، حدثنا حمام بن أحمد، حدثنا عباس بن أصبغ، حدثنا ابن أيمن، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا شريك عن الأعمش، عن فضيل بن عمرو -أراه عن سعيد بن جبير- عن ابن عباس، قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عروة: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: فما يقول عرية؟ قال: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. قال: أراهم سيهلكون. أقول: قال رسول الله، ويقولون: قال أبو بكر وعمر

(1)

!

قلت: ما قصد عروة معارضة النبي صلى الله عليه وسلم بهما، بل رأى أنهما ما نهيا عن المتعة إلَّا وقد اطلعا على ناسخ.

(1)

صحيح لغيره: أخرجه أحمد "1/ 337" من طريق حجاج، به. وآفته شريك، وهو ابن عبد النخعي القاضي، وهو ضعيف لسوء حفظه.

وأخرجه أحمد حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن ابن أبي مليكة قال: قال عروة لابن عباس حتى متى تضل الناس يا ابن عباس؟ قال: ماذاك يا عرية؟ قال: تأمرنا بالعمرة في أشهر الحج، وقد نهى أبو بكر وعمر "! " فقال ابن عباس: قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عروة: هما كانا أتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلم به منك.

ص: 471

‌2943 - ابن علك

(1)

:

الشيخ الإمام الحافظ الثقة، أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن علك المروزي، الجوهري.

سمع: سعيد بن مسعود، وأحمد بن سيار، والعباس بن محمد الدوري، وأبا قلابة، ومحمد بن الليث وطبقتهم. وقد قدم، وحدث ببغداد.

روى عنه: ابن المظفر، وابن شاهين، والدارقطني، وعلي بن عمر الرازي الفقيه، ومحمد بن إسحاق الكيساني، وولده الحافظ عبد الله بن عمر بن علك.

توفي سنة خمس وعشرين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 227"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 290"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 826"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 307".

ص: 471

أخبرنا إبراهيم بن علي في كتابه، أخبرنا داود بن أحمد، أخبرنا محمد بن عمر القاضي، أخبرنا عبد الصمد بن علي، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني، حدثنا عمر بن أحمد الجوهري، حدثنا يحيى بن إسحاق الكاجغوني، حدثنا عبد الكبير بن دينار الصائغ، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الأعمش، عن إبراهيم بن علقمة، عن عبد الله، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجا، فلم نصب ماء نتوضأ منه، ولا نشربه ومع رسول الله إداوة فيها شيء من ماء، فصبه في إناء، ووضع كفه عليه، ثم قال:"هلم". قال: فلقد رأيت ما بين أصابعه تفجر عيونًا.

الحديث تفرد به عبد الكبير، وعند الكاجغوني.

ص: 472

‌2944 - ابن أخي رفيع

(1)

:

الحافظ الحجة الإمام، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن حسن الكلاعي مولاهم، القرطبي، الصائغ، ابن أخي رفيع.

لم يسمع محمد بن وضاح، والخشني، وقد أدركهما.

وسمع من عبيد الله بن يحيى بن يحيى وطبقته.

وكان عارفًا بالرجال والعلل، وقد اختصر "مسند بقي" و"تفسيره".

مات في آخر سنة ثمان عشرة وثلاث مائة.

‌2945 - الرازي

(2)

:

الإمام الحافظ العلامة الناقد، أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين بن شهريار الرازي، ثم النيسابوري، صاحب التصانيف.

سكن والده نيسابور، فولد أبو بكر بها.

سمع: أبا حاتم الرازي، والسري بن خزيمة، وأبا قلابة الرقاشي، وإبراهيم بن عبد الله العبسي، صاحب وكيع، وأبا يحيى بن أبي مسرة، والحسن بن سلام السواق، وعثمان بن سعيد الدارمي، وطبقتهم. وله رحلة طويلة، ومعرفة جليلة.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 859".

(2)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 781"، والعبر "2/ 161"، وشذرات الذهب "2/ 270".

ص: 472

حدث عنه: أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني رفيقه، وأبو علي النيسابوري، وأبو أحمد الحاكم، وآخرون.

وقال أبو العباس بن عقدة: سمعت منه، وكان من الحفاظ.

قلت: مات كهلا، عاش بضعا وخمسين سنة. ومات بالطابران سنة خمس عشرة وثلاث مائة.

أثنى عليه الحاكم، وبالغ في تعظيمه.

وكان أبوه علي بن الحسين صاحب حديث أهل الري، فتحول إلى نيسابور.

وروى عن: سهل بن عثمان، وعبد العزيز بن يحيى المدني، وأحمد بن منيع، وخلق.

ومات في سنة ثلاث وتسعين ومائتين. ورخه حفيده أبو الحسن.

وحدث عن: أبيه، ومحمد بن داود بن سليمان، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم.

ص: 473

‌2946 - النهاوندي:

الحافظ الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن إسحاق بن سيامرد النهاوندي.

عن: يونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عزيز الأيلي، وأبي عتبة الحمصي، وعلي بن حرب، وأبي زرعة، وأحمد بن شيبان، وعصام بن رواد، وخلق.

حدث بهمذان في سنة ثمان عشرة وثلاث مائة.

قال صالح بن أحمد: سمعت منه مع أبي وكان ثقة هيوبا ذا سنة، يحفظ ويذاكر، قدم علينا في سنة ثمان عشرة وثلاث مائة.

وممن روى عنه: عبد الرحمن بن الأنماطي.

‌2947 - الملحمي:

المحدث العالم، أبو بكر، أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن سلم الخزاعي، الملحمي، القاضي، من مشيحة بغداد.

سمع في رحلته من: محمد بن إبراهيم الصوري، والكديمي، وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وبكر بن سهل، وخلق.

وعنه: الدارقطني، وابن الشخير، وعمر الكتاني، وعبيد الله بن البواب، وأحمد بن عبد الله بن أحمد بن جلين، وآخرون.

ما علمت به بأسًا.

توفي سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.

ص: 473

‌2948 - الجوزجاني

(1)

:

الشيخ المحدث الثقة القدوة، أبو عبد الله أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني، ثم البغدادي.

ولد سنة خمس وثلاثين ومائتين.

وسمع: أحمد بن المقدام العجلي، وزياد بن أيوب، وأبا عبيدة بن أبي السفر، وطبقتهم.

حدث عنه: الدارقطني، وعمر بن شاهين، وعمر بن إبراهيم الكتاني، وأبو الحسين بن جميع، وآخرون.

وكان شيخًا صالحًا بكاءً خاشعًا ثقة.

مات في ربيع الأول، سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.

أخبرنا أبو حفص بن القواس، أخبرنا أبو القاسم بن الحرستاني حضورًا، أخبرنا ابن المسلم، أخبرنا الحسين ابن طلاب، أخبرنا محمد بن أحمد، أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.

‌2949 - الشهرزوري

(2)

:

الإمام الحافظ الثبت، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة الشهرزوري.

سمع: الزعفراني، وعمرو بن عبد الله الأودي، وطبقتهما بالعراق ومحمد بن المقرئ بمكة، وأبا زرعة بالري، والعباس بن الوليد ببيروت، والربيع بن سليمان بمصر، ومحمد بن عوف بحمص. وجمع وصنف.

حدث عنه: أهل الري وقزوين: علي بن أحمد القزويني، وعمر بن أحمد بن شجاع، وأحمد بن علي بن الحسن الرازي، وأبو بكر بن يحيى، وعدة.

ولا أعرف وفاته ولا كثيرًا من سيرته.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 309"، والعبر "2/ 211"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 312".

(2)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 824".

ص: 474

‌2950 - الإصطخري

(1)

:

الإمام القدوة العلامة، شيخ الإسلام، أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد الإصطخري، الشافعي، فقيه العراق، ورفيق ابن سريج.

سمع: سعدان بن نصر، وحفص بن عمرو الربالي، وأحمد بن منصور الرمادي، وعباسًا الدوري، وحنبل بن إسحاق، وعدة.

وعنه: محمد بن المظفر، والدارقطني، وابن شاهين، وأبو الحسن بن الجندي، وآخرون.

وتفقه به أئمة.

قال أبو إسحاق المروزي: لما دخلت بغداد لم يكن بها من يستحق أن يدرس عليه إلَّا ابن سريج وأبو سعيد الإصطخري.

وقال الخطيب: ولي قضاء قمر، وولي حسبة بغداد فأحرق مكان الملاهي.

قال: وكان ورعًا زاهدًا متقللًا من الدنيا له تصانيف مفيدة منها كتاب "أدب القضاء" ليس لأحد مثله.

قلت: وهو صاحب وجه. وقيل: إن ثوبه وعمامته وطيلسانه وسراويله كان من شقة واحدة.

وقد استقضاه المقتدر على سجستان.

واستفتاه القاهر في الصابئين فأفتاه بقتلهم لأنهم يعبدون الكواكب فعزم الخليفة على ذلك فجمعوا مالًا جزيلًا وقدموه ففتر عنهم.

مات الإصطخري في جمادى الآخرة، سنة ثمان وعشرين وثلاث ومائة وله نيف وثمانون سنة. تفقه بأصحاب المزني والربيع.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 268"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 302"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 158"، والعبر "2/ 212"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 312".

ص: 475

‌2951 - محمد بن يوسف

(1)

:

ابن بشر الهروي الحافظ الصادق الرحال، أبو عبد الله الشافعي، الفقيه.

سمع: الربيع بن سليمان المرادي، والعباس بن الوليد البيروتي، والحسن بن مكرم، ومحمد بن عوف الطائي، ومحمد بن حماد الطهراني، وطبقتهم بمصر والشام والعراق.

حدث عنه: الطبراني، والزبير بن عبد الواحد الأسداباذي، والقاضي أبو بكر الأبهري، وعبد الواحد بن أبي هاشم المقرئ، وطائفة، آخرهم موتا أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد الدمشقي.

وثقه أبو بكر الخطيب وغيره.

وإنما طلب هذا الشأن في الكهولة ولو أنه سمع في حداثته لصار أسند أهل زمانه.

ولد سنة ثلاثين ومائتين.

وتوفي في شهر رمضان، سنة ثلاثين وثلاث مائة.

أخبرنا أبو الفضل بن تاج الأمناء، أنبأنا عبد المعز بن محمد، وزينب بنت أبي القاسم، قالا: أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعيد الكنجروذي، حدثنا محمد بن أحمد الحافظ، حدثنا محمد بن يوسف الهروي بدمشق، أخبرنا محمد بن حماد، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي هارون العبدي، وعن معاوية بن قرة، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد قال:"ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد أحد ملجأ فيبعث الله من عترتي رجلًا يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئًا إلَّا صبته مدرارا، ولا تدع الأرض من نباتها شيئًا إلَّا أخرجته، حتى يتمنى الأحياء الأموات، يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان أو تسع سنين"، غريب فرد والواو التي مع، عن معاوية ملحقة في نسختي فيحرر ذلك وأبو هارون واه.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 405"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 818"، والعبر "2/ 223".

ص: 476

‌2952 - محمد بن قاسم

(1)

:

ابن محمد بن قاسم بن محمد بن سيار، الإمام، الحافظ الكبير، أبو عبد الله البياني -بتشديد وسط الكلمة- الأموي مولاهم، الأندلسي، القرطبي.

سمع: أباه وبقي بن مخلد، ومحمد بن وضاح.

وفي رحلته من أبي عبد الرحمن النسائي، وأبي خليفة الجمحي، ومطين، ويوسف بن يعقوب القاضي، ومحمد بن عثمان العبسي، وطبقتهم.

قال أبو محمد الباجي: لم أدرك بقرطبة من الشيوخ أكثر حديثًا منه.

قلت: كان عالمًا ثقة رأسًا في الشروط وعقد الوثائق.

حدث عنه: ولده أحمد بن محمد، وخالد بن سعد، وسليمان بن أيوب، وجماعة.

توفي في آخر سنة سبع وعشرين وثلاث مائة.

وقيل: في سنة ثمان، وقد شاخ.

‌2953 - الكعبي

(2)

:

شيخ المعتزلة، الأستاذ أبو القاسم، عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي، الكعبي، الخراساني، صاحب التصانيف.

توفي سنة سبع وعشرين وثلاث مائة، أرخه المؤيد وغيره.

وأما محمد بن إسحاق النديم فأرخه كما قدمنا سنة تسع وثلاث مائة وهذا خطأ.

فقد ذكره جعفر المستغفري في تاريخ نسف وأنه دخلها.

لا أستجيز أن أروي عنه لأنه كان داعية -يعني إلى الاعتزال.

مات في جمادى الآخرة، سنة تسع وعشرين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 822"، والعبر "2/ 209"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 309".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 384"، والأنساب للسمعاني "10/ 444"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 238"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 330"، والعبر "2/ 176"، ولسان الميزان "3/ 255"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 281".

ص: 477

‌2954 - محمد بن مخلد

(1)

:

ابن حفص، الإمام الحافظ الثقة القدوة، أبو عبد الله الدوري، ثم البغدادي، العطار، الخضيب.

ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.

وسمع: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأبا حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي صاحب مالك، ومحمد بن الوليد البسري، والحسن بن عرفة، ومحمد بن عثمان بن كرامة، وأحمد بن عثمان الأودي، والحسن بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد بن يحيى القطان، ومسلم بن الحجاج القشيري، وعبدوس بن بشر، وأبا السائب سلم بن جنادة، والحسن بن أبي الربيع، ومحمد بن عمر بن أبي مذعور، والزبير بن بكار، وعيسى بن أبي حرب، وخلائق.

وكتب مالا يوصف كثرة مع الفهم والمعرفة وحسن التصانيف.

حدث عنه: ابن الجعابي، والدارقطني، وابن شاهين، وابن الجندي، وأحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي، وأبو زرعة أحمد بن الحسين الرازي، والمعافى الجريري، وأبو الحسن محمد بن الفرات، وأبو الفضل نصر بن أبي نصر الطوسي العطار، وأبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن المهدي الفارسي، وآخرون.

وكان موصوفًا بالعلم والصلاح والصدق والاجتهاد في الطلب، طال عمره واشتهر اسمه، وانتهى إليه العلو مع القاضي المحاملي ببغداد.

سئل الدارقطني عنه. فقال: ثقة مأمون.

قلت: توفي في شهر جمادى الآخرة، سنة إحدى وثلاثية وثلاث مائة وله ثمان وتسعون سنة.

ومات: فيها الواعظ المحدث يعقوب بن عبد الرحمن الجصاص الدعاء، والمسند أبو بكر محمد بن أحمد ابن الحافظ يعقوب بن شيبة السدوسي البغدادي، ومسند الكوفة هناد بن السري الصغير. يروي عن: أبي سعيد الأشج، ومسند البصرة المعمر أبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا هبة الله بن الحسين، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى بن عيسى إملاء قال: قرئ على محمد بن مخلد وأنا أسمع قيل له: حدثكم محمد بن سنان القزاز، حدثنا أبو عمر الضرير، حدثنا حماد بن سلمة أن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة -يعني حدثهم- عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من غيب ماله، عن الصدقة فإنا آخذوها وشطر ماله"

(2)

.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 310"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 811"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 334"، والعبر "2/ 227"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 331".

(2)

حسن: أخرجه أبو داود "1575"، والنسائي "5/ 25"، وأحمد "5/ 2 و 4"، من طرق عن نهر بن حكيم، به.

ص: 478

‌2955 - ابن أبي عثمان:

الإمام الحافظ المجود القدوة الزاهد الأديب، أبو بكر محمد ابن الإمام الزاهد أبي عثمان سعيد بن إسماعيل النيسابوري، الحيري.

سمع: علي بن الحسن الهلالي، ومحمد بن عبد الوهاب الفراء، وتمتاما، وإسماعيل القاضي، وبكر بن سهل، وكان واسع الرحلة عالمًا.

روى عنه: أبو علي الحافظ، وولده أبو سعيد، وأبو أحمد الحاكم.

وكان من كبار الغزاة في سبيل الله ويرابط بطرسوس.

توفي في المحرم سنة خمس وعشرين وثلاث مائة.

‌2956 - المحاملي

(1)

:

القاضي الإمام العلامة المحدث الثقة، مسند الوقت أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ابن سعيد بن أبان الضبي البغدادي المحاملي مصنف "السنن". مولده في أول سنة خمس وثلاثين ومائتين.

وأول سماعه في سنة أربع وأربعين ومائتين.

فسمع من: أبي حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي صاحب مالك، ومن أبي الأشعث أحمد بن المقدام العجلي صاحب حماد بن زيد، ومن عمرو بن علي الفلاس، وزياد بن أيوب، وأبي هشام الرفاعي، ويعقوب بن الدورقي، ومحمد بن المثنى العنزي، وعبد الأعلى

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 19"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 327"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 808"، والعبر "2/ 222"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 326".

ص: 479

ابن واصل، وعبد الرحمن بن يونس الرقي السراج، والحسن بن الصباح البزار، ورجاء بن مرجى الحافظ، وسعيد ابن يحيى الأموي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، والحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، وعمر بن محمد التل، ومحمود بن خداش، وإسحاق بن بهلول، وأبي جعفر محمد بن عبد الله المخرمي، وأبي السائب سلم ابن جنادة، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، والزبير بن بكار، ومحمد بن عثمان بن كرامة، وأحمد بن منصور زاج، والحسن بن عرفة، وإسماعيل بن أبي الحارث، وحميد بن الربيع، والعباس بن يزيد البحراني، ومحمد بن جوان ابن شعبة، ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه، والحسن بن محمد الزعفراني، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري، وعباس التر قفي، وخلق كثير.

وصار أسند أهل العراق مع التصدر للإفادة والفتيا ستين سنة.

حدث عنه: دعلج بن أحمد، والطبراني، والدارقطني، وأبو عبد الله بن جميع، وابن شاهين، وإبراهيم بن عبد الله بن خرشيذ قوله، وابن الصلت الأهوازي، وأبو محمد بن البيع، وأبو عمر بن مهدي، وخلق.

قال أبو بكر الخطيب: كان فاضلًا دينًا، شهد عند القضاة وله عشرون سنة، وولي قضاء الكوفة ستين سنة.

قال ابن جميع الصيداوي: كان عند القاضي المحاملي سبعون نفسا من أصحاب سفيان بن عيينة.

وقال أبو بكر الداوودي: كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل.

واستعفى من القضاء قبل سنة عشرين وثلاث مائة، وكان محمودا في ولايته.

عقد سنة سبعين ومائتين بالكوفة في داره مجلسًا للفقه فلم يزل أهل العلم والنظر يختلفون إليه.

قال محمد بن الإسكاف: رأيت في النوم كأن قائلًا يقول: إن الله ليدفع، عن أهل بغداد البلاء بالمحاملي.

قال حمزة بن محمد بن طاهر: سمعت ابن شاهين يقول: حضر معنا ابن المظفر مجلس القاضي المحاملي، فقال لي: يا أبا حفص ما عدمنا من ابن صاعد إلَّا عيينه.

يريد أن المحاملي نظير ابن صاعد في الثقة والعلو.

الصوري: حدثنا ابن جميع قال: يروي المحاملي، عن محمد بن عمرو بن أبي مذعور

ص: 480

ويروي محمد بن مخلد العطار، عن محمد بن عمرو بن أبي مذعور وهما أبناء عم لم يرو المحاملي، عن شيخ ابن مخلد ولا روى ابن مخلد، عن شيخ المحاملي.

أملى المحاملي مجالس عدة، وأملى مجلسًا في ثاني عشر ربيع الآخر سنة ثلاثين وثلاث مائة، ثم مرض فمات بعد أحد عشر يومًا.

وفيها مات محدث أصبهان أبو جعفر محمد بن عمر بن حفص الجورجيري، ومسند نيسابور أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال الخشاب، وقاضي دمشق المحدث زكريا بن أحمد بن الحافظ يحيى بن موسى خت البلخي، ومحدث حمص أبو هاشم عبد الغافر بن سلامة الحمصي في عشر المائة، وشيخ الصوفية أبو يعقوب إسحاق بن محمد النهرجوري، وشيخ الشافعية أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي البغدادي، وصاحب بقي بن مخلد المحدث عبد الله بن يونس القبري، والقدوة أبو صالح الدمشقي صاحب المسجد الذي بظاهر باب شرقي.

وقد وقع لنا سبعة أجزاء من عالي حديث المحاملي.

وكان آخر من روى حديثه عاليًا: السلفي، وشهدة، وخطيب الموصل.

أخبرنا أحمد بن إسحاق المقرئ، أخبرنا أبو هريرة محمد بن الليث وزيد بن هبة الله، قالا: أخبرنا أحمد بن المبارك بن قفرجل، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا عبد الواحد بن محمد الفارسي، أخبرنا الحسين بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن إسماعيل، حدثنا مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن حنظلة بن قيس الزرقي أنه سأل رافع بن خديج، عن كراء الأرض، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن كراء الأرض. فقلت: أبالذهب والورق؟ قال: أما الذهب والورق فلا بأس به

(1)

.

وبه قال المحاملي، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم، عن خالد، عن أبي قلابة، عن كعب بن عجرة قال: قملت حتى ظننت أن كل شعرة من رأسي فيها القمل من أصلها إلى فرعها فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم حيث رأى ذلك فقال: "احلق" ونزلت هذه الآية

(2)

.

(1)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 711"، والبخاري "2346" و"2347"، ومسلم "1548""115"، وأبو داود "3392".

(2)

أي قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، أما الحديث فقد ورد عن كعب بن عجرة: عند أحمد "4/ 241 و 242 و 243"، ومالك "1/ 417" والبخاري "1814" و"1816" و"1817" و"1818" و"4159" و"4190" و"4191" و"4517" و"5665" و"5703"، ومسلم "1201"، وأبو داود "1856" و"1857" و"1858" و"1859" و"1860" و"1861"، والترمذي "953"، والنسائي "5/ 194 و 195"، وابن ماجه "3079" و"3080" والبيهقي "5/ 55 و 169 و 185 و 187".

ص: 481

وبه: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا عمر بن شبيب، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن قزعة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد إلى المسجد الحرام وإلى مسجدي وإلى مسجد بيت المقدس"

(1)

.

رواه مسلم من طريق شعبة، عن عبد الملك.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 234 و 238"، والبخاري "1189"، ومسلم "1397"، وأبو داود "2033"، والنسائي "2/ 37"، وابن الجارود في "المنتقي""512"، وابن حبان في "الإحسان""1617"، والبيهقي "5/ 244"، و"10/ 82" من طريق الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره.

وأخرجه أحمد "3/ 7 و 43"، والبخاري "1197" و"1995"، ومسلم "827"، والترمذي "326" والبيهقي "10/ 82" من طرق عن عبد الملك بن عمير، عن قزعة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

وقد خرجت هذا الحديث في كتاب "الجواب الباهر في زوار المقابر" لابن تيمية ط. دار الجيل بيروت لبنان "ص 33"، خرجته ثمة بإسهاب فارجع إليه إن شئت.

ص: 482

‌2957 - أخو المحاملي

(1)

:

المحدث الثقة أبو عبيد القاسم بن إسماعيل الضبي.

سمع: أبا حفص الفلاس، ومحمد بن المثنى العنزي، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وعدة.

حدث عنه: محمد بن المظفر، والدارقطني، وعيسى بن الوزير، وآخرون.

مات في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة وكان من أبناء التسعين.

‌2958 - بنت المحاملي

(2)

:

العالمة الفقيهة المفتية، أمة الواحد بنت الحسين بن إسماعيل.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 447"، والعبر "2/ 199"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 300".

(2)

ترجمتها في تاريخ بغداد "14/ 442"، والمنتظم لابن الجوزي "7/ 138"، والعبر "3/ 4"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 88".

ص: 482

تفقهت بأبيها، وروت: عنه، وعن إسماعيل الوراق، وعبد الغافر الحمصي، وحفظت القرآن، والفقه للشافعي، وأتقنت الفرائض، ومسائل الدور والعربية وغير ذلك. واسمها ستيتة.

قال البرقاني: كانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة.

وقال غيره: كانت من أحفظ الناس للفقه.

وروى عنها: الحسن بن محمد الخلال.

ماتت سنة سبع وسبعين وثلاث مائة.

وهي والدة القاضي محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي.

ص: 483

‌2959 - ابن شنبوذ

(1)

:

شيخ المقرئين، أبو الحسن، محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ المقرئ. أكثر الترحال في الطلب.

وتلا على: هارون بن موسى الأخفش، وقنبل المكي، وإسحاق الخزاعي، وإدريس الحداد، والحسن بن العباس الرازي، وإسماعيل النحاس، ومحمد بن شاذان الجوهري، وعدد كثير. قد ذكرتهم في "طبقات القراء".

وسمع الحديث من: عبد الرحمن كربزان، ومحمد بن الحسين الحنيني، وإسحاق بن إبراهم الدبري، وطائفة.

وكان إمامًا صدوقًا أمينًا متصونًا كبير القدر.

تلا عليه: أحمد بن نصر الشذائي، وأبو الفرج الشنبوذي تلميذه، وأبو أحمد السامري، والمعافى الجريري، وابن فورك القباب، وإدريس بن علي المؤدب، وأبو العباس المطوعي، وغزوان بن القاسم، وخلق.

وحدث عنه: أبو طاهر بن أبي هاشم، وأبو الشيخ، وأبو بكر بن شاذان واعتمده أبو عمرو الداني، والكبار وثوقًا بنقله وإتقانه لكنه كان له رأي في القراءة بالشواذ التي تخالف رسم الإمام فنقموا عليه لذلك وبالغوا وعزروه، والمسألة مختلف فيها في الجملة وما عارضوه أصلًا فيما أقرأ به ليعقوب ولا لأبي جعفر بل فيما خرج عن المصحف العثماني. وقد ذكرت ذلك مطولًا في طبقات القراء.

قال أبو شامة: كان الرفق بابن شنبوذ أولى، وكان اعتقاله وإغلاظ القول له كافيًا. وليس -كان- بمصيب فيما ذهب إليه، لكن أخطاؤه في واقعة لا تسقط حقه من حرمة أهل القرآن والعلم.

قلت: مات في صفر سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة، وهو في عشر الثمانين أو جاوزه.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "1/ 280"، والأنساب "7/ 395"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 307"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "17/ 167"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 628"، والعبر "2/ 195"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 267"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 313".

ص: 483

‌2960 - عبد الصمد بن سعيد

(1)

:

ابن عبد الله بن سعيد بن يعقوب المحدث الحافظ أبو القاسم الكندي الحمصي قاضي حمص.

سمع: يزيد بن عبد الصمد، ومحمد بن عوف، وسليمان بن عبد الحميد البهراني، وعمران بن بكار، وأحمد بن محمد بن أبي الخناجر الطرابلسي، وأحمد بن عبد الوهاب الحوطي، وينزل إلى أن يروي عن ابن جوصا

(2)

ونحوه.

حدث عنه: جمح بن القاسم، وأبو سليمان بن زبر، ومحمد بن موسى السمسار، والقاضي أبو بكر الأبهري، وأبو بكر بن المقرئ، والحسن بن عبد الله بن سعيد الكندي، والقاضي علي بن محمد الحلبي، وآخرون.

وجمع "تاريخًا" لطيفًا فيمن نزل حمص من الصحابة سمعناه، وقد سمع منه شيخاه أنس بن السلم، وابن جوصا.

قال ابن زبر: توفي في سنة أربع وعشرين وثلاث ومائة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 202"، وشذرات الذهب "2/ 302".

(2)

تقدمت ترجمته في هذا الجزء بتعليقنا رقم "388"، وبرقم ترجمة عام "2853". وابن جوصا، هو: أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن موسى بن جوصا، مولى بني هاشم، ويقال: مولى محمد بن صالح الكلابي الدمشقي. راجع ترجمته ثمت.

ص: 484

‌2961 - الخرائطي

(1)

:

الإمام الحافظ الصدوق المصنف، أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل بن شاكر السامري، الخرائطي.

صاحب كتاب "مكارم الأخلاق"، وكتاب "مساوئ الأخلاق"، وكتاب "اعتلال القلوب"، وغير ذلك.

سمع: الحسن بن عرفة، وعلي بن حرب، وعمر بن شبة، وسعدان بن نصر، وسعدان بن يزيد، وحميد بن الربيع، وأحمد بن منصور الرمادي، وأحمد بن بديل، وشعيب بن أيوب، وعدة.

حدث عنه: أبو سليمان بن زبر، وأبو علي بن مهنا الدراني، ومحمد وأحمد ابنا موسى السمسار، والقاضي يوسف الميانجي، وعبد الوهاب الكلابي، ومحمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد، وآخرون.

وحدث بدمشق وبعسقلان.

قال ابن ماكولا: صنف الكثير، وكان من الأعيان الثقات.

وقال الخطيب: كان حسن الأخبار، مليح التصانيف.

قيل: مات بيافا في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وثلاث مائة.

‌2962 - ابن الباغندي

(2)

:

الحافظ ابن الحافظ ابن الحافظ، هو المتقن الإمام أبو ذر أحمد بن أبي بكر محمد بن محمد بن سليمان بن الباغندي.

سمع: عمر بن شبة، وسعدان بن نصر، وعلي بن الحسين بن إشكاب وطبقتهم.

وعنه: الدارقطني، والمعافى النهرواني، وعمر بن شاهين، ويفضلونه على أبيه.

توفي سنة ست وعشرين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "2/ 139"، والأنساب للسمعاني "5/ 71"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "18/ 98"، والعبر "2/ 209"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 265"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 309".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 86"، والعبر "2/ 206"، وشذرات الذهبي لابن العماد "2/ 307".

ص: 485

‌2963 - أبو الدحداح

(1)

:

الشيخ الإمام المحدث الثقة، أبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يحيى بن يزيد، التميمي الدمشقي.

سمع: أباه، وموسى بن عامر، ومحمود بن خالد، ومحمد بن هاشم البعلبكي، وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي، وأبا إسحاق الجوزجاني، وأبا عتبة الحجازي، ومحمد بن إسماعيل ابن علية، وأبا أمية الطرسوسي، وخلقًا كثيرًا. وكان ذا عناية وإتقان، وعمر دهرًا.

حدث عنه: أبو سليمان بن زبر، وأبو بكر محمد بن سليمان الربعي، وأبو القاسم الطبراني، والقاضي أبو بكر الأبهري، وأبو بكر بن المقرئ، وعبد الوهاب الكلابي، وأبو بكر بن أبي الحديد، وآخرون.

كان يسكن في طرف العقيبة. وإليه ينسب مرج أبي الدحداح.

قال أبو بكر الخطيب: كان مليئًا بحديث الوليد بن مسلم. روى عن: عدة من أصحابه.

وقال عبد الوهاب الكلابي: مات في ذي القعدة، سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة. وقيل: مات في محرمها، وهو من بيت علم وتقدم.

‌2964 - خير النساج

(2)

:

الزاهد الكبير، أبو الحسن البغدادي.

كانت له حلقة يتكلم فيها على الصوفية.

صحب: أبا حمزة البغدادي، والجنيد، وعمر نحو المائة.

حكى عنه: أحمد بن عطاء الروذباري، ومحمد بن عبد الله الرازي، ويقال: لقي سريا السقطي.

وكان أسود اللون، ويقال: إنه حج، فأخذه رجل بالكوفة، وقال: أنت عبدي واسمك خير فما نازعه، بل انقاد معه، فاستعمله مدة في النساجة، وكان اسمه محمد بن إسماعيل، ثم بعد زمان أطلقه، وقال: ما أنت عبدي. فيقال: ألقي عليه شبه ذاك العبد مدة.

وله أحوال وكرامات. وكان يحضر السماع، سماع المشايخ.

توفي في سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 211"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 312".

(2)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 579"، وتاريخ بغداد "2/ 48"، و"8/ 345"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 274"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 222"، والعبر "2/ 193"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 294".

ص: 486

‌2965 - الأرزناني

(1)

:

الإمام الحافظ البارع، أبو جعفر، محمد بن عبد الرحمن بن زياد، الأرزناني.

طوف الشام والعراق وأصبهان.

سمع: إسماعيل سمويه، ومحمد بن غالب تمتاما، وعلي بن عبد العزيز وأقرانهم.

روى عنه: أبو الشيخ، وأحمد بن يوسف الخشاب، وأبو بكر أحمد بن مهران المقرئ، وأبو أحمد الحاكم، وجماعة.

مات فيما ورخه أبو نعيم: سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة.

قال الحاكم ابن البيع: سمعت محمد بن العباس الشهيد، يقول: ما قدم علينا هراة أحد مثل أبي جعفر الأرزناني زهدًا وورعًا وحفظًا وإتقانًا، رحمه الله.

قلت: قارب ثمانين سنة.

‌2966 - الجورجيري

(2)

:

الشيخ الصدوق، أبو جعفر، محمد بن عمر بن حفص، الأصبهاني الجورجيري.

سمع من: إسحاق بن إبراهيم شاذان الفارسي، ومحمد بن عاصم الثقفي، ومسعود بن يزيد القطان، وإبراهيم بن عبد الله الجمحي، وحجاج بن قتيبة.

حدث عنه: الحافظ أبو إسحاق بن حمزة، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو عبد الله بن مندة، وعثمان بن أحمد البرجي شيخ الرئيس الثقفي، وطائفة. يقع من عواليه في "الثقفيات".

توفي في ربيع الأول سنة ثلاثين وثلاث مائة، وهو في عشر التسعين.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 629"، والأنساب للسمعاني "1/ 182".

(2)

ترجمته في تاريخ أصبهان "2/ 272"، والأنساب للسمعاني "3/ 356"، والعبر "2/ 223"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 328".

ص: 487

‌2967 - ابن مجاهد

(1)

:

الإمام المقرئ المحدث النحوي، شيخ المقرئين، أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد البغدادي. مصنف كتاب "السبعة".

ولد سنة خمس وأربعين ومائتين.

وسمع من: سعدان بن نصر، والرمادي، ومحمد بن عبد الله المخرمي ومحمد بن إسحاق الصاغاني، وعبد الله ابن محمد بن شاكر وطبقتهم.

تلا على قنبل، وأبي الزعراء بن عبدوس وأخذ الحروف عرضا عن طائفة، وانتهى إليه علم هذا الشأن وتصدر مدة.

وقرأ عليه خلق كثير: منهم عبد الواحد بن أبي هاشم، وأبو عيسى بكار، والحسن المطوعي، وأبو بكر الشذائي، وأبو الفرج الشنبوذي، وأبو أحمد السامري، وأبو علي بن حبش، وأبو الحسين عبيد الله بن البواب، ومنصور بن محمد القزاز.

وحدث عنه: ابن شاهين، والدارقطني، وأبو بكر بن شاذان، وأبو حفص الكتاني، وأبو مسلم الكاتب وعدة.

قال أبو عمرو الداني: فاق ابن مجاهد سائر نظائره مع اتساع علمه، وبراعة فهمه، وصدق لهجته، وظهور نسكه.

تصدر في حياة محمد بن يحيى الكسائي.

قال ابن أبي هاشم: قال رجل لابن مجاهد: لم لا تختار لنفسك حرفا؟ قال: نحن إلى أن تعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا، أحوج منا إلى اختيار.

وقيل: كان ابن مجاهد صاحب لطف وظرف يجيد معرفة الموسيقى.

وكان في حلقته من الذين يأخذون على الناس أربعة وثمانون مقرئًا.

توفي في شعبان سنة أربع وعشرين وثلاث مائة.

سمعت كتابه بإسناد عال.

ومات مع ابن مجاهد، علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي، وأبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وأحمد بن الحافظ بقي بن مخلد، ومحمد بن الربيع بن سليمان الجيزي، وعبد الله بن محمد بن نصر المديني.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 144"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 282"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "5/ 65"، والعبر "2/ 201"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 258"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 302".

ص: 488

‌2968 - ابن الأنباري

(1)

:

الإمام الحافظ اللغوي ذو الفنون، أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن الأنباري، المقرئ النحوي. ولد سنة اثنتين وسبعين ومائتين.

وسمع في صباه باعتناء أبيه من: محمد بن يونس الكديمي، وإسماعيل القاضي، وأحمد بن الهيثم البزاز، وأبي العباس ثعلب، وخلق كثير.

وحمل عن والده، وألف الدواوين الكبار مع الصدق والدين، وسعة الحفظ.

حدث عنه: أبو عمر بن حيويه، وأحمد بن نصر الشذائي، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وأبو الحسن الدارقطني، ومحمد بن عبد الله ابن أخي ميمي الدقاق، وأحمد بن محمد بن الجراح، وأبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب، وآخرون.

قال أبو علي القالي: كان شيخنا أبو بكر يحفظ فيما قيل: ثلاث مائة ألف بيت شاهد في القرآن.

قلت: هذا يجيء في أربعين مجلدًا.

قال أبو علي التنوخي: كان ابن الأنباري يملي من حفظه، ما أملى من دفتر قط.

وقال محمد بن جعفر التميمي: ما رأينا أحدًا أحفظ من ابن الأنباري، ولا أغزر من علمه. وحدثوني عنه أنه قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقًا.

وقيل: كان يأكل القلية

(2)

، ويقول: أبقي على حفظي.

وقيل: إن من جملة محفوظه عشرين ومائة تفسير بأسانيدها.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 181"، والأنساب للسمعاني "1/ 355"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 311"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "18/ 306"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 642"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 821"، والعبر "2/ 214"، والنجوم الزاهرة "3/ 269"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 315".

(2)

القلية: مرقة تتخد من لحوم الجزور وأكبادها.

ص: 489

قال أبو بكر الخطيب: كان ابن الانباري صدوقًا دينًا من أهل السنة. صنف في علوم القرآن والغريب والمشكل والوقف والابتداء.

وقال غيره: كان من أعلم الناس وأفضلهم في نحو الكوفيين، وأكثرهم حفظًا للغة. أخذ عن: ثعلب، وأخذ الناس عنه، وهو شب في حدود سنة ثلاث مائة.

قال أبو الحسن العروضي: كنت أنا وابن الأنباري عند الراضي بالله، ففي يوم من الأيام سألته جارية عن تفسير شيء من الرؤيا، فقال: أنا حاقن، ومضى. فلما كان من الغد، عاد، وقد صار معبرا للرؤيا. مضى من يومه، فدرس كتاب "الكرماني في التعبير" وجاء.

قلت: له كتاب "الوقف والابتداء"، وكتاب "المشكل"، و"غريب الغريب النبوي"، و"شرح المفضليات"، و"شرح السبع الطوال"، وكتاب "الزاهر"، وكتاب "الكافي" في النحو، وكتاب "اللامات"، وكتاب "شرح الكافي"، وكتاب "الهاءآت"، وكتاب "الأضداد"، وكتاب "المذكر والمؤنث"، وكتاب "رسالة المشكل" يرد على ابن قتيبة، وأبي حاتم، وكتاب "الرد على من خالف مصحف عثمان" بأخبرنا وحدثنا، يقضي بأنه حافظ للحديث، وله أمالي كثيرة، وكان من أفراد العالم.

وقال حمزة بن محمد بن طاهر: كان ابن الأنباري زاهدا متواضعا، حكى الدارقطني أنه حضره، فصحف في اسم، قال: فأعظمت أن يحمل عنه وهم وهبته، فعرفت مستمليه. فلما حضرت الجمعة الأخرى، قال ابن الأنباري لمستمليه: عرف الجماعة أنا صحفنا الاسم الفلاني، ونبهنا عليه ذلك الشاب على الصواب.

وقيل: إن ابن الأنباري -على ما بلغني- أملى "غريب الحديث" في خمسة وأربعين ألف ورقة. فإن صح هذا، فهذا الكتاب يكون أزيد من مائة مجلد. وكتاب "شرح الكافي" له ثلاث مجلدات كبار. وله كتاب "الجاهليات" في سبع مائة ورقة.

وقد كان أبوه القاسم بن محمد الأنباري محدثا أخباريا علامة من أئمة الأدب.

أخذ عن: سلمة بن عاصم، وأبي عكرمة الضبي.

وله كتاب "خلق الإنسان"، وكتاب "خلق الفرس"، وكتاب "الأمثال"، و"المقصور والممدود"، و"غريب الحديث" وأشياء عدة. مات سنة أربع وثلاث مائة.

ومات ابنه العلامة أبو بكر في ليلة الأضحى ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة عن سبع وخمسين سنة.

ص: 490

وفيها مات العلامة أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي صاحب "كتاب العقد" عن اثنين وثمانين سنة، وكبير الشافعية أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد الإصطخري ببغداد عن بضع وثمانين سنة، ومقرئ العراق أبو الحسن محمد بن أحمد بن شنبوذ، وشيخ الصوفية أبو محمد المرتعش ببغداد، والوزير أبو علي بن مقلة. ومسند نيسابور أبو محمد عبد الله بن محمد بن الشرقي، ومسند دمشق أبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي، ومسند بغداد أبو عبد الله أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني عن ثلاث وتسعين سنة، وعالم نيسابور وقدوتها أبو علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي، والحسين بن محمد بن سعيد بن المطبقي ببغداد من شيوخ ابن جميع.

أخبرنا المسلم بن محمد العلاني في كتابه، أخبرنا زيد بن الحسن، أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا محمد بن علي بن المهتدي بالله، أخبرنا أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم، حدثنا محمد بن القاسم الأنباري، حدثنا محمد بن يونس، حدثنا أبو عتاب الدلال، حدثنا المختار بن نافع، حدثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته، ونقلني إلى دار الهجرة وأعتق بلالًا، رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مرًا، تركه الحق وما له من صديق، رحم الله عثمان تستحييه الملائكة، رحم الله عليًا، اللهم أدر الحق معه حيث دار"

(1)

.

(1)

ضعيف جدا: أخرجه الترمذي "3714" حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى البصري، حدثنا أبو عتاب سهل بن حماد، حدثنا المختار بن نافع، به.

وقال أبو عيسى في إثره: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والمختار بن نافع شيخ بصري كثير الغرائب، وأبو حبان التيمي اسمه يحيى بن سعيد بن حيان التيمي كوفي، وهو ثقة.

قلت: إسناده واه بمرة، آفته المختار نافع، قال النسائي وغيره: ليس بثقة.

وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا. وقال البخاري: منكر الحديث، كنيته أبو إسحاق.

ص: 491

‌2969 - البزدوي

(1)

:

الشيخ الكبير المسند، أبو طلحة، منصور بن محمد بن علي بن قرينة بن سوية البزدي، ويقال: البزدوي النسفي دهقان قرية بزدة.

وثقه الأمير ابن ماكولا. وقال: كان آخر من حدث "بالجامع الصحيح" عن البخاري.

قال الحافظ جعفر المستغفري: يضعفون روايته من جهة صغره حين سمع، ويقولون:

وجد سماعه بخط جعفر بن محمد مولى أمير المؤمنين دهقان توبن فقرؤوا كل الكتاب من أصل حماد بن شاكر.

وسمع منه: أهل بلده، وصارت إليه الرحلة في أيامه.

ثم قال المستغفري: حدثنا عنه: أحمد بن عبد العزيز المقرئ، ومحمد بن علي بن الحسين.

ومات سنة تسع وعشرين وثلاث مائة.

قلت: هو آخر من حدث "بالصحيح" عن المؤلف.

(1)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "7/ 243"، وتبصير المنتبه "1/ 141"، ولسان الميزان "6/ 100".

ص: 491

‌2970 - الكليني

(1)

:

شيخ الشيعة، وعالم الإمامية، صاحب "التصانيف"، أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي الكليني بنون.

روى عنه: أحمد بن إبراهيم الصيمري، وغيره. وكان ببغداد، وبها توفي وقبره مشهور.

مات سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة. وهو بضم الكاف، وإمالة اللام. قيده الأمين.

‌2971 - أبو علي الثقفي

(2)

:

الإمام المحدث الفقيه العلامة الزاهد العابد، شيخ خراسان، أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن ابن عبد الوهاب، الثقفي النيسابوري الشافعي الواعظ، من ولد الحجاج.

مولده بقهستان في سنة أربع وأربعين ومائتين.

سمع من: محمد بن عبد الوهاب الفراء، وموسى بن نصر الرازي، وأحمد بن ملاعب الحافظ، ومحمد بن الجهم السمري، وطبقتهم. سمع في كبره.

حدث عنه: أبو بكر الصبغي، وأبو الوليد الفقيه، وأبو علي النيسابوري، وأبو أحمد الحاكم، وآخرون.

(1)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "7/ 186"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "5/ 226"، ولسان الميزان "5/ 433".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "3/ 135"، والعبر "2/ 214"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 267"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 315".

ص: 492

قال الحاكم: شهدت جنازته، فلا أذكر أني رأيت بنيسابور مثل ذلك الجمع، وحضرت مجلس وعظه، وأنا صغير، فسمعته يقول في دعائه: إنك أنت الوهاب الوهاب الوهاب.

قال شيخنا الصبغي: شمائل الصحابة والتابعين، أخذها مالك الإمام عنهم، وأخذها عن مالك يحيى بن يحيى التميمي، وأخذها عن يحيى محمد بن نصر المروزي، وأخذها عن ابن نصر أبو علي الثقفي.

قال الحاكم: وسمعت أبا الوليد الفقيه، يقول: دخلت على ابن سريج ببغداد، فسألني: على من درست فقه الشافعي بخراسان؟ قلت: على أبي علي الثقفي. قال: لعلك تعني: الحجاجي الأزرق؟ قلت: بلى. قال: ما جاءنا من خراسان أفقه منه.

وسمعت أبا العباس الزاهد، يقول: كان أبو علي في عصره حجة الله على خلقه.

وسمعت الصبغي، يقول: ما عرفنا الجدل والنظر حتى ورد أبو علي الثقفي من العراق.

قال أبو عبد الرحمن السلمي: لقي أبو علي الثقفي أبا حفص النيسابوري، وحمدون القصار، وكان إمامًا في أكثر علوم الشرع، مقدما في كل فن منه. عطل أكثر علومه، واشتغل بعلم الصوفية، وقعد، وتكلم عليهم أحسن كلام في عيوب النفس، وآفات الأفعال: ومع علمه وكماله خالف الإمام ابن خزيمة في مسائل التوفيق والخذلان، ومسألة الإيمان، ومسألة اللفظ، فألزم البيت، ولم يخرج منه إلى أن مات وأصابه في ذلك محن.

ومن قوله: يا من باع كل شيء بلا شيء، واشترى لا شيء بكل شيء.

وقال: أف من أشغال الدنيا إذا أقبلت، وأف من حسراتها إذا أدبرت، العاقل لا يركن إلى شيء إن أقبل كان شغلًا، وإن أدبر كان حسرة.

وقال أبو بكر الرازي: سمعته، يقول: ترك الرياء للرياء أقبح من الرياء.

وعنه قال: هوذا أنظر إلى طريق نجاتي مثل ما أنظر إلى الشمس، وليس أخطو خطوة.

وكان كثيرًا ما يتكلم في رؤية عيب الأفعال.

مات أبو علي في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.

ص: 493

‌2972 - ابن عبد ربه

(1)

:

العلامة الأديب الأخباري، صاحب كتاب "العقد"، أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن حدير المرواني مولى أمير الأندلس هشام بن الداخل الأندلسي القرطبي.

سمع: بقي بن مخلد، وجماعة.

وكان موثقًا نبيلًا بليغًا شاعرًا، عاش اثنين وثمانين سنة.

وتوفي سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.

‌2973 - ابن بلال

(2)

:

الشيخ المسند الصدوق، أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال النيسابوري المعروف بالخشاب، لكونه يسكن بالخشابين.

ولد في حد سنة أربعين ومائتين.

سمع: محمد بن يحيى الذهلي، وعبد الرحمن بن بشر، وأحمد بن حفص، وأحمد بن يوسف السلمي، وأحمد بن الأزهر، وأحمد بن منصور زاج، وطائفة ببلده، وحج، فسمع ببغداد من الحسن بن محمد الزعفراني وغيره، وبالكوفة من موسى بن إسحاق القواس الكناني، وسماعه منه في سنة تسع وخمسين، وبهمذان من سختويه بن مازيار وغيره، وبمكة من يحيى بن الربيع، وبحر بن نصر الخولاني. واشتهر، وانتهى إليه علو الإسناد.

قال الخليلي: ثقة مأمون مشهور، سمع منه الكبار.

قلت: روى عنه: أبو علي النيسابوري، وأبو عبد الله بن مندة، وعاصم بن يحيى الزاهد، وحسين بن محمد الستوري، وأبو الحسن محمد بن الحسين العلوي، وحمزة بن عبد العزيز الطبيب، ومحمد بن محمد بن محمش الزيادي، وآخرون.

ورآه أبو عبد الله الحاكم، ولم يقع له عنه شيء.

وقال: توفي في يوم عيد الأضحى سنة ثلاثين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في معجم الأدباء "4/ 211"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 46"، والعبر "2/ 211"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 266"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 312".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "5/ 120"، والعبر "2/ 221".

ص: 494

وفيها مات المحاملي، وشيخ الشافعية أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي ببغداد من أصحاب الوجوه، وشيخ الصوفية أبو يعقوب إسحاق بن محمد النهرجوري الزاهد، وتبوك بن أحمد السلمي صاحب هشام بن عمار، وجعفر ابن علي الدقاق الحافظ، والحسين بن أحمد بن صدقة الفرائضي الأزرق، وزكريا بن أحمد البلخي قاضي دمشق، وأبو هاشم عبد الغافر بن سلامة الحمصي، وعبد الله بن يونس القبري صاحب بقي بن مخلد، وعبد الملك بن أحمد الزيات أبو العباس البغدادي، وعلي بن محمد بن عبيد الحافظ البزاز، ومحمد بن رائق الأمير، ومحمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي، ومحمد بن عمر الجورجيري، ومحمد بن يوسف الهروي، ومحمد بن يحيى بن لبابة القرطبي، وأبو صالح الدمشقي العابد، واسمه مفلح.

ص: 495

‌2974 - الهزاني

(1)

:

مسند البصرة الثقة المعمر، أبو روق، أحمد بن محمد بن بكر، الهزاني البصري.

سمع في سنة سبع وأربعين ومائتين وبعدها، من: عمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن الوليد البسري، ومحمد ابن النعمان بن شبل الباهلي -الضعيف الذي روى عن مالك- وميمون بن مهران، وأحمد بن روح، وجماعة.

حدث عنه: ابن أخيه أبو عمرو محمد بن محمد بن محمد بن بكر الهزاني، وأحمد بن محمد بن الجندي، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو الحسين بن جميع الصيداوي، وعلي بن القاسم الشاهد -شيخ رحل إليه الخطيب- وغيرهم، وقد أرخ ابن المقرئ أنه سمع: منه في شعبان سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة.

وقع لي حديثه عاليًا في "معجم" ابن جميع. وقد رويت ذلك في سيرة مالك.

وبعض الناس أرخ موته في سنة إحدى وثلاثين وثلاث مائة، فوهم.

(1)

ترجمته في ميزان الاعتدال "1/ 132"، والعبر "2/ 225"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 329".

ص: 495

‌2975 - ابن عبيد

(1)

:

الحافظ الإمام الثقة أبو الحسن علي بن محمد بن عبيد بن عبد الله بن حساب البغدادي، البزاز. سمع من: عبادس الدوري، ومحمد بن الحسين الحنيني، ويحيى بن أبي طالب، وأحمد بن أبي عرزة، وعدة.

وعنه: الدارقطني، وابن جميع، وأبو الحسين بن المتيم وجماعة.

قال الخطيب: كان ثقة حافظًا عارفًا.

مات في سنة ثلاثين وثلاث مائة، وله ثمان وسبعون سنة.

أخبرنا عمر بن القواس، أخبرنا ابن الحرستاني، أخبرنا جمال الإسلام، أخبرنا ابن طلاب، أخبرنا ابن جميع، حدثنا علي بن محمد ببغداد، حدثنا العباس بن محمد، حدثنا أزهر السمان عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا". قالوا: وفي نجدنا؟ قال: "هناك الزلازل والفتن، وبها -أو قال منها- يطلع قرن الشيطان"

(2)

.

‌2976 - الحامض

(3)

:

الشيخ الجليل الثقة، أبو القاسم، عبد الله بن محمد بن إسحاق بن يزيد، المروزي الأصل، البغدادي، ويعرف بحامض رأسه.

سمع: سعدان بن نصر، والحسن بن أبي الربيع، وأبا يحيى محمد بن سعيد العطار، وأبا أمية الطرسوسي وجماعة.

حدث عنه: أبو عمر بن حيويه، والقاضي أبو بكر الأبهري، وأبو الحسن الدارقطني، وعمر بن شاهين، والمعافى الجريري، وأبو الحسين بن جميع.

ونقل الخطيب أنه ثقة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 73"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 816"، والعبر "2/ 223"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 327".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "7094"، ومسلم "2905"، والترمذي "3953".

(3)

ترجمته في تاريخ بغداد "10/ 124"، والأنساب للسمعاني "4/ 30"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 324"، والعبر "2/ 217"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 323".

ص: 496

توفي في شهر رمضان سنة تسع وعشرين وثلاث مائة.

أخبرنا أبو حفص الطائي، أخبرنا ابن الحرستاني، أخبرنا ابن المسلم، أخبرنا ابن طلاب، أخبرنا ابن جميع، حدثنا عبد الله بن محمد الحامض ببغداد، حدثنا الفضل بن موسى، حدثنا عصمة بن عبد الله، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر حكمًا"

(1)

وذكر الحديث.

قال الحافظ عمر الرواسي: سقط شيخ الحامض.

(1)

صحيح: أخرجه الطبراني في "الأوسط""1475" و"2481"، وأبو نعيم في "الحلية""7/ 269".

وله شاهد من حديث أبي بن كعب: عند البخاري "6145"، وأبي داود "5010"، وابن ماجه "3755".

وشاهد آخر من حديث عبد الله بن عباس: عند أبي داود "5011"، والترمذي "2845"، وابن ماجه "3756"، والخطيب في "تاريخ بغداد""3/ 443"، وأحمد "1/ 269 و 273 و 303 و 309 و 313".

وشاهد ثالث من حديث بريدة: عند أبي داود "5012".

وشاهد رابع من حديث ابن مسعود: عند الترمذي "2844".

وشاهد خامس من حديث أبي هريرة: عند أبي نعيم في "الحلية""8/ 309".

وشاهد سادس من حديث حسان بن ثابت: عند الخطيب في "تاريخه""3/ 98".

ص: 497

‌2977 - الأزرق

(1)

:

الشيخ العالم الثقة، أبو بكر، يوسف بن يعقوب بن الحافظ إسحاق بن بهلول، التنوخي الأنباري، ثم البغدادي الكاتب.

ولد سنة ثمان وثلاثين ومائتين.

وسمع من: جده، وبشر بن مطر، والزبير بن بكار، والحسن بن عرفة، ويعقوب بن شيبة الحافظ، وعدة.

حدث عنه: ابن المظفر، والدارقطني، وأبو الحسين بن جميع، وأبو الحسين بن تميم، وإبراهيم بن خرشيذ قوله وآخرون، حتى قيل: إن الحافظ أبا يعلى الموصلي روى عنه، وهذا غلط، بل جاء ذكر أبي يعلى زائدا في إسناد الحديث.

قال أحمد بن يوسف الأزرق: سمعت أبي يقول: خرج عن يدي إلى سنة خمس عشرة وثلاث مائة نيف وخمسون ألف دينار في أبواب البر.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 321"، والأنساب للسمعاني "1/ 200"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 325"، والعبر "2/ 219"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 324".

ص: 497

قال القاضي أبو القاسم التنوخي: كان يوسف الأزرق كاتبًا جليلا متصرفا، وكان متخشنا في دينه، أمارًا بالمعروف. توفي في آخر سنة تسع وعشرين وثلاث مائة.

وفيها مات أبو إسحاق أحمد بن محمد بن يونس البزاز بهراة، وأبو بكر محمد بن أحمد بن دلويه الدقاق، وعبيد الله ابن إبراهيم بن بالويه المزكي، والوزير أبو الفضل البلعمي، وجعفر بن محمد بن الحسن الجروي، ومنصور بن محمد البزدوي، وعبد الله بن محمد الحامض، ومحمد بن حمدويه المروزي، وأبو محمد بن زبر.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا ابن البطي، أخبرنا علي بن محمد، حدثنا عبيد الله بن أبي مسلم، حدثنا يوسف بن يعقوب، حدثنا بشر بن مطر، حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح، عن إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد في قوله عز وجل:{لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148]، قال: ذلك في الضيافة، إذا أتيت رجلًا، فلم يضفك، فقد رخص لك أن تقول.

ص: 498

‌2978 - الفرغاني

(1)

:

شيخ الصوفية، الأستاذ أبو بكر، محمد بن إسماعيل الفرغاني، أستاذ أبي بكر الدقي، كان من المجتهدين في العبادة.

قال الدقي: ما رأيت من يظهر الغنى مثله، يلبس قميصين أبيضين، ورداء وسراويل ونعلا نظيفا، وعمامة، وفي يده مفتاح، وليس له بيت، بل ينطرح في المساجد، ويطوي الخمس ليالي والست.

وقال أحمد بن علي الرستمي: كان الفرغاني نسيج وحده، معه كوز، فيه قميص رقيق، فإذا أتى بلدًا لبسه، ومعه مفتاح منقوش يطرحه إذا صلى بين يديه، يوهم أنه تاجر.

عبد الواحد بن بكر: حدثنا الدقي، سمعت الفرغاني يقول: دخلت دير طور سيناء، فأتاني مطرانهم بأقوام كأنهم نشروا من القبور. فقال: هؤلاء يأكل أحدهم في الأسبوع أكلة يفخرون بذلك. فقلت: كم صبر كبيركم هذا؟ قالوا: ثلاثين يومًا. فقعدت في وسط الدير أربعين يومًا لم آكل ولم أشرب. فخرج إلي مطرانهم وقال: يا هذا قم، أفسدت قلوب هؤلاء. فقلت: حتى أتم ستين يومًا، فأحلوا فخرجت. توفي الفرغاني سنة إحدى وثلاثين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 226"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 279"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 329".

ص: 498

‌2979 - البلعمي

(1)

:

الوزير الكامل الإمام الفقيه، أبو الفضل محمد بن عبيد الله بن محمد بن رجاء، التميمي البلعمي البخاري من رجال العالم.

سمع: أبا الموجه محمد بن عمرو، والفقيه محمد بن نصر، فأكثر عنه ولازمه مدة. وكان على مذهبه. وبرع في الترسل، وفاق أهل زمانه، ونال من التقدم والرياسة أعلى الرتب.

روى عنه جماعة.

ووزر لصاحب ما وراء النهر إسماعيل بن أحمد. وكان جد الوزير قد استولى على بلد بلعم، وهي من بلاد الروم حين دخل تلك الأرض الأمير مسلمة بن عبد الملك، فأقام بها وكثر نسله بها.

وللوزير كتاب "تلقيح البلاغة"، وله كتاب "المقالات" وغير ذلك.

مات في صفر سنة تسع وعشرين وثلاث مائة.

‌2980 - الخصيبي

(2)

:

الوزير الكبير، أبو العباس، أحمد بن عبيد الله بن الوزير أحمد بن الخصيب الجرجرائي، الكاتب.

معرق في الوزارة، وزر للمقتدر، ثم للقاهر.

وكان مهيبًا شديد الوطأة، مخوف الجانب، وكان أديبًا شاعرًا مترسلًا فصيحًا، مليح الخط، ذا عفة. أهدى له أمير مرة مائة ألف دينار فردها. وكان يشرب النبيذ، ويتنعم، ثم عزل، وصودر وضاق ذات يده.

مات بالسكتة سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.

وقيل: مات سنة ثلاثين.

(1)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "7/ 278"، والأنساب للسمعاني "2/ 291"، والعبر "2/ 218"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 324".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "5/ 137"، والعبر "2/ 211".

ص: 499

‌2981 - البلخي

(1)

:

العلامة المحدث، قاضي دمشق، أبو يحيى زكريا بن أحمد بن المحدث يحيى بن موسى خت البلخي الشافعي.

حدث عن: يحيى بن أبي طالب، وأبي حاتم الرازي، وابن أبي عوف البزوري، وعبد الصمد بن الفضل البلخي، ومحمد بن سعد العوفي، وطبقتهم.

وعنه: أبو الحسين الرازي، وأبو زرعة وأبو بكر ابنا أبي دجانة، وأبو بكر بن المقرئ، وعبد الوهاب الكلابي، ومحمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد، وآخرون.

وهو صاحب وجه في المذهب، تكرر ذكره في "المهذب" و"الوسيط".

ومن غرائبه أن القاضي إذا أراد نكاح من لا ولي لها، له أن يتولى طرفي العقد، يقال: إنه فعل ذلك لنفسه بدمشق.

وعنه قال: لو شرط في القراض أن يعمل رب المال مع العامل جاز. حكاه عنه العبادي في كتاب "الرقم".

توفي سنة ثلاثين وثلاث مائة.

‌2982 - عبد الغافر بن سلامة

(2)

:

المحدث الحجة أبو هاشم، الحضرمي، الحمصي، نزيل البصرة.

حدث بمدائن عن: كثير بن عبيد، ويحيى بن عثمان.

وعنه: الدارقطني، وابن شاهين، وابن جامع الدهان، وابن الصلت الأهوازي، وأبو عمر الهاشمي، وابن جميع.

وثقه الخطيب.

توفي سنة ثلاثين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 222"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 326".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 136"، والعبر "2/ 222"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 327".

ص: 500

‌2983 - ابن حجر:

المحدث الثقة الرحال، أبو الطيب، علي بن محمد بن أبي سليمان أيوب بن حجر الرقي، ثم الصوري.

سمع: أباه، ومؤمل بن إهاب، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان، ومحمد بن عوف الطائي، وعدة.

روى عنه: محمد بن أحمد الملطي، وأحمد بن محمد بن هارون البرذعي، وعبد الله بن محمد بن أيوب القطان، وأحمد بن مزاحم الصوري، وأبو حفص بن شاهين، وأبو الحسين بن جميع، وآخرون.

وثقه أبو القاسم بن عساكر.

وأرخه في سنة بضع وعشرين وثلاث مائة محمد بن الذهبي في "تاريخه".

‌2984 - الدباج

(1)

:

المحدث الحافظ العالم، أبو الفضل، العباس بن الفضل بن حبيب السامري، المعروف بالدباج. أكثر الرحلة.

وروى عن: محمد بن إسماعيل الترمذي، ومحمد بن يونس الكديمي وطبقتهما.

وعنه: محمد بن عبد الله الشيباني، ومحمد بن موسى السمسار، وعبد الوهاب الكلابي وابن جميع الصيداوي، وعدة.

قال أبو الحسين الرازي: هو شيخ حافظ، كتبت عنه بدمشق.

‌2985 - الجصاص

(2)

:

الشيخ العالم الواعظ، أبو يوسف، يعقوب بن عبد الرحمن بن أحمد ابن يعقوب البغدادي، الجصاص، الدعاء.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 153".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 294"، والعبر "2/ 227"، وميزان الاعتدال "4/ 453"، ولسان الميزان "6/ 308"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 331".

ص: 501

سمع: أبا حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي، وحفص بن عمرو الربالي، وحميد بن الربيع، وعلي بن إشكاب، وعلي بن عمرو الأنصاري، وعدة.

حدث عنه: الدارقطني، وعبد الله بن محمد الحنائي، وإسماعيل بن زنجي، وأبو الحسين بن جميع، وآخرون.

قال الخطيب: في حديثه وهم كثير.

توفي في سنة إحدى وثلاثين ببغداد.

أخبرنا عمر بن عذير، أخبرنا عبد الصمد بن محمد حضورًا، أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا أبو نصر بن طلاب، أخبرنا محمد بن أحمد بصيدا، قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن الواعظ، حدثنا حميد بن الربيع، حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ علي سورة النساء". قلت: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟!! قال:"إني أشتهي أسمعه من غيري". فقرأت حتى انتهيت إلى قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]. قال: فسالت عيناه، فسكت

(1)

.

ومات فيها شيخ الصوفية عبد الله بن منازل النيسابوري، وشيخ الصوفية أبو الحسن علي بن محمد الدينوري الصائغ، وشيخ الصوفية أبو بكر محمد بن إسماعيل الفرغاني، والمحدث بكر بن أحمد بن حفص التنيسي، وحبشون بن موسى الخلال، ومحمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، ومحمد بن مخلد العطار، وهناك بن السري الصغير، وصاحب خراسان نصر بن أحمد.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "5050"، ومسلم "800"، وأبو داود "3668".

ص: 502

‌الطبقة التاسعة عشرة:

‌2986 - الوزير

(1)

:

الإمام المحدث الصادق الوزير العادل، أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي الكاتب.

وزر غير مرة للمقتدر، وللقاهر، وكان عديم النظير في فنه.

ولد سنة نيف وأربعين ومائتين.

سمع: حميد بن الربيع، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وأحمد بن بديل القاضي، وعمر بن شبة النميري، وطائفة.

حدث عنه ولده عيسى، وأبو القاسم الطبراني، وأبو الطاهر الذهلي، وغيرهم.

كان على الحقيقة غنيًا شاكرًا، ينطوي على دين متين وعلم وفضل. وكان صبورًا على المحن. ولله به عناية، وهو القائل يعزي ولدي القاضي عمر بن أبي عمر القاضي في أبيهما: مصيبة قد وجب أجرها خير من نعمة لا يؤدى شكرها.

وكان رحمه الله كثير الصدقات والصلوات، مجلسه موفور بالعلماء. صنف كتابًا في الدعاء وكتاب "معاني القرآن" أعانه عليه ابن مجاهد المقرئ، وآخر. وله ديوان رسائله.

وكان من بلغاء زمانه، وزر في سنة إحدى وثلاث مائة أربعة أعوام، وعزل ثم وزر سنة خمس عشرة.

قال الصولي: لا أعلم أنه وزر لبني العباس مثله في عفته وزهده وحفظه للقرآن، وعلمه بمعانيه، وكان يصوم نهاره، ويقوم ليله، وما رأيت أعرف بالشعر منه، وكان يجلس للمظالم، وينصف الناس، ولم يروا أعف بطنًا ولسانًا وفرجا منه، ولما عزل ثانيًا، لم يقنع ابن الفرات حتى أخرجه عن بغداد، فجاور بمكة.

وله في نكبته:

ومن يك عني سائلًا لشماتة

لما نابني أو شامتًا غير سائل

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 14"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 351"، والعبر "2/ 238"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 288"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 336".

ص: 503

فقد أبرزت مني الخطوب ابن حرة

صبورًا على أحوال تلك الزلازل

إذا سر لم يبطر وليس لنكبة

إذا نزلت بالخاشع المتضائل

وقد أشار على المقتدر، فأفلح، فوقف ما مغله في العام تسعون ألف دينار على الحرمين والثغور، وأفرد لهذه الوقوف ديوانا سماه ديوان البر.

قال المحدث أبو سهل القطان: كنت معه لما نفي بمكة فدخلنا في حر شديد وقد كدنا نتلف، فطاف يومًا، وجاء فرمى بنفسه، وقال: أشتهي على الله شربة ماء مثلوج. قال: فنشأت بعد ساعة سحابة ورعدت، وجاء برد كثير جمع منه الغلمان جرارا. وكان الوزير صائما، فلما كان الإفطار جئته بأقداح من أصناف الأسوقة فأقبل يسقي المجاورين، ثم شرب وحمد الله وقال: ليتني تمنيت المغفرة.

وكان الوزير متواضعًا، قال: ما لبست ثوبًا بأزيد من سبعة دنانير.

قال أحمد بن كامل القاضي: سمعت علي بن عيسى الوزير، يقول: كسبت سبع مائة ألف دينار، أخرجت منها في وجوه البر ست مائة ألف وثمانين ألفًا.

قلت: وقع لي من عواليه في أمالي ولده.

توفي في آخر سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة. وله تسعون سنة.

ص: 504

‌2987 - المطيري

(1)

:

الإمام المحدث، أبو بكر، محمد بن جعفر بن أحمد بن يزيد المطيري، ثم البغدادي، الصيرفي، من أهل مطيرة سامراء.

نزل بغداد، وحدث عن: الحسن بن عرفة، وعلي بن حرب الطائي، وعباس الدوري، وابن عفان العامري.

حدث عنه: الدارقطني، وابن شاهين، وابن جميع، وأبو الحسن بن الصلت، وآخرون.

قال الدارقطني: هو ثقة مأمون.

قلت: توفي سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة، وقد لاطخ التسعين.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "2/ 145"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 355"، والعبر "2/ 241"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 339".

ص: 504

‌2988 - الصولي

(1)

:

العلامة الأديب ذو الفنون، أبو بكر، محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول الصولي، البغدادي، صاحب التصانيف.

حدث عن: أبي داود السجستاني، ومحمد بن يونس الكديمي، وثعلب، والمبرد، وأبي العيناء، وخلق.

روى عنه: ابن حيويه، وأبو بكر بن شاذان، والدارقطني، وأبو الحسن بن الجندي، وعلي بن القاسم، وابن جميع، وأبو أحمد الفرضي، والحسين الغضائري، وعدة. وله النظم والنثر وكثرة الاطلاع.

نادم جماعة من الخلفاء، وكان حلو الإيراد، مقبول القول، حسن المعتقد، خرج عن بغداد لإضاقة لحقته بآخرة، وله جزء سمعناه، وكان جدهم صول ملك جرجان.

توفي الصولي سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة.

فذكر محمد بن إسحاق النديم أن الصولي نادم الراضي، وكان أولًا يعلمه، وكان ألعب أهل زمانه بالشطرنج، ويضرب به المثل.

توفي بالبصرة مستترًا، لأنه روى خبرا في حق علي عليه السلام فطلبته العامة لتقتله.

والصولي الكبير إبراهيم بن العباس الأديب هو أخو عبد الله جد أبي بكر هذا.

وفيها توفي العباس بن القاص شيخ الشافعية، ومحمد بن جعفر المطيري، وأبو بكر بن أبي هريرة، وحمزة بن القاسم الهاشمي، وعلي بن محمد بن مهرويه القزويني، ومحمد بن عمر بن حفص بن السمسار الزاهد.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 427"، والأنساب للسمعاني "8/ 110"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 359"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "19/ 109"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 648"، والعبر "2/ 241"، ولسان الميزان "5/ 427"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 296"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 339".

ص: 505

‌2989 - الأثرم

(1)

:

الإمام المقرئ المحدث، أبو العباس، محمد بن أحمد بن أحمد بن حماد بن إبراهيم البغدادي، الأثرم، هكذا نسبه جماعة.

سمع: الحسن بن عرفة، وحميد بن الربيع، وبشر بن مطر، وعلي بن حرب، والعباس بن عبد الله الترقفي، وطائفة. وانتخب عليه عمر البصري الحافظ.

حدث عنه: ابن المظفر، والدارقطني، وأبو حفص الكتاني، وابن جميع، والحسن بن علي النيسابوري، وعلي ابن القاسم النجاد، وأبو عمر الهاشمي، وطائفة.

سكن البصرة، وحملوا عنه.

مولده بسامراء سنة أربعين ومائتين، ومات بالبصرة سنة ست وثلاثين وثلاث مائة.

وقع لي حديثه في "معجم" الصيداوي.

أخبرنا المسلم بن محمد وجماعة إذنا، قالوا: أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو عمر الهاشمي، حدثنا أبو العباس الأثرم سنة ثلاثين وثلاث مائة، حدثنا أحمد بن يحيى السوسي، حدثنا علي بن عاصم، عن خالد وهاشم، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا الجلب، من تلقى جلبًا، فصاحبه بالخيار إذا دخل السوق"

(2)

.

فيها مات المعمر أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني النيسابوري راوي جزء الذهلي عنه، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي الكاتب -لقي زكريا المروزي، وأبو عمرو زيد بن محمد بن خلف المصري صاحب يونس بن عبد الأعلى، وحاجب بن أحمد الطوسي، ومحمد بن الحسن أبو طاهر المحمد أباذي، وأبو الحسين بن المنادي.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "1/ 263"، والأنساب للسمعاني "1/ 134"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 359"، والعبر "2/ 243"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 343".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1519""17"، والنسائي "7/ 252"، وابن ماجه "2178" من طرق عن ابن جريج، حدثني هشام بن حسان القردوسي، عن ابن سيرين، به.

وأخرجه أحمد "2/ 284 و 403"، والترمذي "1221" من طريق أيوب، عن ابن سيرين، به.

ص: 506

‌2990 - المحمد أباذي

(1)

:

الإمام العلامة المفسر، مسند خراسان، أبو طاهر محمد بن الحسن بن محمد النيسابوري، المحمد أباذي، الأديب.

سمع: أحمد بن يوسف السلمي، وعلي بن الحسن الهلالي، وحامد بن محمود، وطائفة. وفي رحلته من: يحيى بن جعفر، وعباس الدوري، ومحمد بن إسحاق الصغاني، وكان واسع الرواية.

حدث عنه: أبو بكر بن إسحاق الصبغي، وأبو علي الحافظ، وعبد الله بن سعد، وابن مندة، وابن محمش، ومحمد بن إبراهيم الجرجاني، وآخرون.

قال أبو عبد الله الحاكم: اختلفت إليه أكثر من سنة، ولم أصل إلى حرف من سماعاتي منه. وقد سمعت منه الكثير.

وسمعت أبا النضر الفقيه، يقول: كان الإمام ابن خزيمة إذا شك في اللغة لا يرجع فيها إلَّا إلى أبي طاهر المحمد أباذي.

قلت: توفي سنة ست وثلاثين وثلاث مائة، وقد نيف على التسعين.

وكان من أعيان الثقات العالمين بمعاني التنزيل، وبالأدب. يقع حديثه في "الثقفيات"، وغيرها.

‌2991 - الفراء

(2)

:

الإمام، مفيد همذان، أبو عمران موسى بن سعيد بن موسى الهمذاني.

روى عن: محمد بن إسماعيل الصائغ، وبشير بن موسى، ويحيى بن عبد الله الكرابيسي، وابن الضريس، وعبد الله بن أحمد، ومحمد بن صالح الأشج وطبقتهم.

وعنه: صالح بن أحمد، وعبد الله بن أبي زرعة القزويني، وعدة.

قال صالح: ثقة صدوق متقن، يحسن هذا الشأن.

وقال الخليلي: ثقة عالم. وما ورخا موته.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 243"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 434".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "13/ 59".

ص: 507

‌2992 - ابن ممك

(1)

:

الإمام العالم أبو عمرو، أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم المديني، الأصبهاني، ويعرف: بابن ممك، محدث، رحال، صدوق.

سمع بالري من: محمد بن مسلم بن وارة، وأبي حاتم الرازي. وببغداد من: يحيى بن أبي طالب، وجماعة. وبطرابلس من: أحمد بن أبي الخناجر، وبحلب من: أبي أسامة عبد الله.

حدث عنه: أبو الشيخ، وأبو عبد الله بن مندة، وعلي بن ميلة الفرضي، وعبد الله بن أحمد بن جولة، وأبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه، وآخرون.

وكان عالمًا أديبًا فاضلًا، حسن المعرفة بالحديث.

توفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة بأصبهان. وقل ما روى عن أهل بلده.

‌2993 - اللؤلؤي

(2)

:

الإمام المحدث الصدوق، أبو علي، محمد بن أحمد بن عمرو البصري، اللؤلؤي.

سمع من: أبي داود السجستاني، ويوسف بن يعقوب القلوسي، والحسن بن علي بن بحر، والقاسم بن نصر، وعلي بن عبد الحميد القزويني.

حدث عنه: الحسن بن علي الجبلي، والقاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، وأبو الحسين الفسوي، ومحمد بن أحمد بن جميع، وجماعة.

قال أبو عمر الهاشمي: كان أبو علي اللؤلؤي، قد قرأ كتاب "السنن" على أبي داود عشرين سنة، وكان يدعى وراق أبي داود. والوراق في لغة أهل البصرة: القارئ للناس. قال: والزيادات التي في رواية ابن داسة حذفها أبو داود آخرًا لأمر رابه في الإسناد.

وبإسنادي المذكور إلى ابن جميع، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي، حدثنا أبو الهيثم بشر بن فافا، حدثنا أبو نعيم، حدثنا شعبة عن مروان الأصغر. قلت لأنس: أقنت عمر؟ قال: خير من عمر.

توفي اللؤلؤي: سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة.

وفيها توفي الشيخ الثقة أبو عيسى يعقوب بن محمد بن عبد الوهاب الدوري، يروي عن ابن عرفة، والخليفة المتقي لله، وأبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم بأصبهان، وأحمد بن مسعود بن عمرو الزنبري بمصر، وأبو الطيب أحمد بن إبراهيم بن عبادل الدمشقي.

(1)

ترجمته في تاريخ أصبهان "1/ 122"، والعبر "2/ 229".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 234"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 334".

ص: 508

‌2994 - التنيسي

(1)

:

الإمام الثقة المعمر، أبو محمد، بكر بن أحمد بن حفص التنيسي، الشعراني.

سمع يونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ومحمد بن عوف الطائي، عمران بن بكار، ويزيد بن عبد الصمد، وأحمد بن محمد بن عيسى الحمصي المؤرخ، وجماعة. وله رحلة ومعرفة.

حدث عنه: أبو سعيد بن يونس -وقال: كان ثقة، حسن الحديث- والميمون بن حمزة الحسيني، ومحمد بن موسى السمسار، وأبو علي بن السكن، ومحمد بن المظفر، وأحمد بن عبد الله بن حميد، وأحمد بن عبد الله بن رزيق البغدادي، وآخرون.

وكان يقدم من تنيس إلى مصر في الأحايين.

قال ابن يونس: مات في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثلاث مائة.

قلت: كان من أبناء التسعين يقع حديثه في الأجزاء.

‌2995 - حفيد دحيم

(2)

:

القاضي أبو علي، بن القاسم بن الحافظ دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي.

حدث عن: أبي أمية الطرسوسي، والعباس بن الوليد البيروتي، وأبي زرعة النصري، وجماعة.

وعنه: أبو الميمون بن راشد، وابن المقرئ، وابن المظفر، ومحمد بن موسى السمسار، وآخرون. وكان أخباريا، وافر العلم.

مات في المحرم، سنة سبع وعشرين وثلاث مائة في عشر التسعين، ورخه بن يونس.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 225"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 329".

(2)

ترجمته في الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "12/ 203".

ص: 509

‌2996 - ابن هلال

(1)

:

الشيخ الجليل، مسند دمشق، أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي، الدمشقي.

سمع: أباه، وموسى بن عامر المري، ومؤمل بن إهاب، ومحمد بن إسماعيل بن علية، والحافظ أبا إسحاق الجوزجاني، ووريزة بن محمد الحمصي، وجماعة.

حدث عنه: أبو الحسين الرازي والد تمام، وأبو حفص بن شاهين، ومحمد بن علي الإسفراييني الحافظ، وعمران بن الحسن، وعبد الوهاب الكلابي، وأبو بكر بن أبي الحديد، وآخرون.

أرخ الرازي وفاته في جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة، عاش نيفا وتسعين سنة.

كتب إلي أبو الغنائم القيسي، عن القاسم بن علي، أخبرنا نصر بن أحمد بن مقاتل، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو علي الأهوازي، أخبرنا عمران بن الحسن، حدثنا أبو الفضل السلمي، حدثنا جعفر بن محمد بن حماد، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا موسى بن علي، عن أبيه: أن أعمى كان له قائد بصير، فغفل البصير، فوقعا في بئر، فمات البصير، وسلم الأعمى. فجعل عمر رضي الله عنه ديته على عاقلة الأعمى، فسمعته يقول في الحج:

يا أيها الناس لقيت منكرا

هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا

خرا معًا كلاهما تكسرا

‌2997 - اللنباني

(2)

:

الإمام المحدث، أبو الحسن، أحمد بن محمد بن عمر بن أبان العبدي، الأصبهاني، اللنباني.

ارتحل، فسمع كثيرًا من ابن أبي الدنيا، وسمع "المسند" كله من ابن الإمام أحمد.

روى عنه: الحسن بن محمد بن أريوه، وأبو عبد الله بن مندة، وأبو عمر، وعبد الوهاب السلمي، وآخرون. توفي في ربيع الآخر، سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 237"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 335".

(2)

ترجمته في تاريخ أصبهان "1/ 137".

ص: 510

‌2998 - ابن شيبة

(1)

:

المعمر الصدوق، أبو بكر، محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة السدوسي، البغدادي.

سمع كثيرًا من: جده يعقوب الحافظ، وعلي بن حرب، ومحمد بن شجاع بن الثلجي، وعبيد الله بن جرير بن جبلة، وأحمد بن منصور الرمادي.

وعنه: عبد الواحد بن أبي هاشم المقرئ، وطلحة الشاهد، وعبد الرحمن بن عمر الخلال، وأبو عمر بن مهدي، وآخرون.

وثقه أبو بكر الخطيب.

وقال: أخبرنا البرقاني، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر، عن محمد بن أحمد، قال: سمعت "المسند" من جدي في سنة ستين ومائتين، وسنة إحدى وستين بسامراء. وتوفي في ربيع الأول سنة اثنين وستين فسمع أبو مسلم الكجي من جدي، وفاته شيء، فسمع ذلك أبو مسلم مني، ومات جدي وهو يقرأ علي. فالذي سمعت منه مسند العشرة، ومسند العباس وبعض الموالي ولي دون العشر سنين. ولدت في أول سنة أربع وخمسين ومائتين.

وقال أبو سعد السمعاني في "الأنساب": قال أبو بكر السدوسي: ولما ولدت، دخل أبي على أمي، فقال: إن المنجمين قد أخذوا مولد هذا الصبي، وحسبوه فإذا هو يعيش كذا وكذا. وقد حسبتها أياما، وقد عزمت أن أعد لكل يوم دينارًا. فأعد لي حبا وملأه، ثم قال: أعدي لي حبا آخر، فملأه، استظهارا، ثم ملأ ثالثا ودفنهم.

قال أبو بكر: وما نفعني ذلك مع حوادث الزمان وقد احتجت إلى ما ترون.

قال أبو بكر بن السقطي: رأيناه فقيرًا يجيئنا بلا إزار، ونسمع عليه، ويبر بالشيء بعد الشيء.

قلت: عندي من روايته الأول من مسند عمار، رضي الله عنه.

توفي في ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وثلاث مائة، وله ثمان وسبعون سنة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "1/ 373"، والأنساب للسمعاني "7/ 59"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 333"، والعبر "2/ 225"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 329".

ص: 511

‌2999 - العكري

(1)

:

المحدث أبو بكر، محمد بن بشر بن بطريق الزبيري، العكري، المصري.

حدث عن: بحر بن نصر الخولاني، والربيع المرادي، وابن عبد الحكم، وبكار بن قتيبة، وأبي أمية الطرسوسي، وإبراهيم بن مرزوق، وخلق. وأملى بجامع الفسطاط.

روى عنه: ابن المقرئ، ومحمد بن المظفر، وأبو محمد بن النحاس، وأبو بكر بن أبي الحديد، والعباس بن محمد الفقيه، وآخرون.

ومولده بسامراء في سنة ثمان وأربعين ومائتين، وسكن مصر من صباه.

قال ابن يونس: هو مولى عتيق بن مسلمة بن عتيق بن عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام.

مات في شوال سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة.

وقد ضبطه ابن نقطة الزنبري بنون ساكنة فوهم.

وقد قال ابن يونس: قال لي من يعرف بطريق: طبيب رومي أسلم على يد عتيق بن مسلمة.

قلت: قيده بنون جماعة، فلعله زنبري بالحلف أو نزل فيهم.

وقد وقع لي من عواليه أحاديث في خامس عشر "الخلعيات".

‌3000 - ابن زبر

(2)

:

الإمام العالم المحدث الفقيه، قاضي دمشق، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن سليمان بن زبر الربعي، البغدادي.

ولد سنة خمس وخمسين ومائتين.

وسمع الكثير من: عباس الدوري، وأبي بكر الصاغاني، وأبي داود السجزي، وحنبل بن إسحاق، ويوسف بن مسلم، وعبد الله بن محمد بن شاكر، وطبقتهم، فأكثر، ولكن ما أتقن.

(1)

ترجمته في لسان الميزان "5/ 93".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 386"، والعبر "2/ 217"، وميزان الاعتدال "2/ 391"، ولسان الميزان "3/ 253"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 323".

ص: 512

حدث عنه: أبو سليمان محمد ولده، والدارقطني، وأحمد بن القاضي الميانجي، وعمر بن شاهين، ومحمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد، وآخرون.

قال الخطيب: وكان غير ثقة.

قال عبد الغني: سمعت الدارقطني، يقول: دخلت على أبي محمد بن زبر وأنا حدث، فإذا هو يملي الحديث من جزء، والمتن من جزء آخر، فظن أني لا أنتبه على هذا.

وقال محمد بن عبيد الله المسبحي: تقلد ابن زبر -وكان من سكان دمشق- القضاء على مصر، وكان شيخًا ضابطًا من الدهاة، ممشيا لأموره، وكان عارفًا بالأخبار والكتب والسير. صنف في الحديث كتبا، وعمل كتاب "تشريف الفقر على الغنى".

وورد أن يحيى بن مكي المعدل، قال: لو كان أبو محمد بن زبر عادلًا ما عدلت به قاضيًا.

وقال أبو عمر محمد بن يوسف الكندي: أخبرني علي بن محمد المصري، أنه رأى ابن زبر مر بدمشق على الأساكفة، فشغبوا، ودقوا على تخوتهم قائلين كلامًا قبيحًا، وهو يسلم عليهم، ويتطارش ويظهر أنهم يدعون له.

قلت: ولي قضاء مصر سنة ست عشرة وثلاث مائة، وعزل بعد سنة، ثم وليها سنة عشرين، ثم عزل، ووليها سنة تسع وعشرين، فمات بعد شهر. مات فيها في ربيع الأول.

ص: 513

‌3001 - حبشون

(1)

:

ابن موسى بن أيوب الشيخ، أبو نصر البغدادي، الخلال.

سمع من: الحسن بن عرفة، وعلي بن إشكاب، وعلي بن سعيد الرملي، وحنبل بن إسحاق وغيرهم.

حدث عنه: أبو بكر بن شاذان، وعمر بن شاهين، وأبو الحسن الدارقطني، وأحمد بن الفرج بن الحجاج، وابن جميع الصيداوي، وآخرون.

وكان أحد الثقات.

توفي في شعبان سنة إحدى وثلاثين وثلاث مائة، وله سبع وتسعون سنة.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا ابن الحرستاني، أخبرنا ابن المسلم، أخبرنا أبو نصر الخطيب، أخبرنا محمد ابن أحمد، أخبرنا حبشون بن موسى، حدثنا علي بن سعيد، حدثنا ضمرة، عن العلاء بن هارون، عن ابن عون، عن حفصة بنت سيرين، عن أم الرباب، عن سلمان بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صدقتك على المسكين صدقة، وصدقتك على ذي الرحم صدقة وصلة"

(2)

.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 289"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 331"، والعبر "2/ 225"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 329".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 17 و 18 و 214"، والحميدي "823"، والترمذي "658"، والنسائي "5/ 92"، وابن ماجه "1844"، وابن خزيمة "2385"، والحاكم "1/ 407"، والطبراني "6206 - 6212" من طرق عن حفصة بنت سيرين، عن أم الرائح بنت صليع، عن سلمان بن عامر، به.

وقال أبو عيسى: حديث سلمان بن عامر حديث حسن، وأم الرائح اسمها الرباب بنت صليع.

ص: 513

‌3002 - حسين بن صالح:

ابن حمويه، الإمام الحافظ، القدوة، أبو عبد الله الهمذاني.

حدث عن: عمه المرار، وأبي سعيد الأشج، ومحمد بن المقرئ، وأحمد بن بديل، وأبي زرعة، وخلق، وتلمذ لابن ديزيل الحافظ، وقال: عندي عنه مائة ألف حديث.

قال صالح بن أحمد: كتب عنه أبي الكثير، ولحقته.

وروى عنه: الكبار من أهل بلدنا، وكان ثقة فاضلًا ورعًا.

قال أبي: سمعته يقول: ما صبرت على شيء كصبري على الحديث.

قلت: هو قديم الوفاة. توفي قبل ابن أبي حاتم.

‌3003 - القطان

(1)

:

الشيخ العالم الصالح، مسند خراسان، أبو بكر محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل النيسابوري، القطان.

سمع: أحمد بن الأزهر، ومحمد بن يحيى، وأحمد بن يوسف، وأبا زرعة الرازي، وأحمد بن منصور زاج، وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو بكر بن إسحاق الصبغي، وأبو علي الحافظ، وأبو عبد الله بن مندة،

ومحمد بن الحسين العلوي، ومحمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبو طاهر بن محمش، وآخرون.

قال أبو عبد الله الحاكم: أحضروني مجلسه غير مرة، ولم يصح لي عنه شيء.

توفي في شوال سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة.

قلت: أحسبه جاور، وسماعه صحيح، كثير في الثقفيات.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "10/ 185"، والعبر "2/ 231"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 332".

ص: 514

‌3004 - القطان

(1)

:

الشيخ المحدث الثقة، مسند بغداد، أبو عبد الله الحسين بن يحيى بن عياش بن عيسى المتوثي، البغدادي، القطان، الأعور.

ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين.

سمع: أحمد بن المقدام العجلي، والحسن بن عرفة، وإبراهيم بن مجشر، والحسن بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد بن يحيى القطان، ويحيى بن السري، وحفص بن عمرو الربالي، وعلي بن مسلم الطوسي والرمادي والترقفي، وعبد الله بن أيوب المخرمي، وإسماعيل بن أبي الحارث، وزهير بن محمد، والحسن بن أبي الربيع، وعلي بن إشكاب، وعدة.

حدث عنه: الدارقطني، ويوسف القواس، وابن جميع، وإبراهيم بن مخلد، وهلال الحفار، وأبو عمر الهاشمي، وجماعة.

وثقه القواس. وكان صاحب حديث.

مات ببغداد في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة.

وجميع جزء الحفار عنه.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 148"، والعبر "2/ 237"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 335".

ص: 515

‌3005 - القرمطي

(1)

:

عدو الله ملك البحرين، أبو طاهر، سليمان بن حسن القرمطي، الجنابي، الأعرابي، الزنديق، الذي سار إلى مكة في سبع مائة فارس، فاستباح الحجيج كلهم في الحرم، واقتلع الحجر الأسود، وردم زمزم بالقتلى، وصعد على عتبة الكعبة، يصيح:

أنا بالله وب الله أنا

يخلق الخلق وأفنيهم أنا

فقتل في سكك مكة وما حولها زهاء ثلاثين ألفًا، وسبى الذرية، وأقام بالحرم ستة أيام.

بذل السيف في سابع ذي الحجة، ولم يعرف أحد تلك السنة، فلله الأمر. وقتل أمير مكة ابن محارب، وعرى البيت، وأخذ بابه، ورجع إلى بلاد هجر.

وقيل: دخل قرمطي سكران على فرس، فصفر له، فبال عند البيت، وضرب الحجر بدبوس هشمه ثم اقتلعه، وأقاموا بمكة أحد عشر يومًا. وبقي الحجر الأسود عندهم نيفًا وعشرين سنة.

ويقال: هلك تحته إلى هجر أربعون جملا، فلما أعيد كان على قعود ضعيف، فسمن.

وكان بجكم التركي دفع لهم فيه خمسين ألف دينار، فأبوا، وقالوا: أخذناه بأمر، وما نرده إلَّا بأمر.

وقيل: إن الذي اقتلعه صاح: يا حمير، أنتم قلتم ومن دخله كان آمنًا فأين الأمن؟ قال رجل: فاستسلمت، وقلت: إن الله أراد: ومن دخله فأمنوه، فلوى فرسه وما كلمني.

وقد وهم السمناني، فقال في "تاريخه": إن الذي نزع الحجر أبو سعيد الجناني القرمطي، وإنما هو ابنه أبو طاهر.

واتفق أن ابن أبي الساج الأمير نزل بأبي سعيد الجنابي فأكرمه، فلما سار لحربه، بعث يقول: لك علي حق، وأنت في خمس مائة وأنا في ثلاثين ألفًا. فانصرف، فقال للرسول: كم مع صاحبك؟ قال: ثلاثون ألف راكب. قال: ولا ثلاثة، ثم دعا بعبد أسود، فقال له: خرق بطنك بهذه السكين، فبدد مصارينه. وقال لآخر: اغرق في النهر، ففعل. وقال لآخر:

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 336"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 148"، والعبر "2/ 167"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 224"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 331".

ص: 516

اصعد على هذا الحائط، وانزل على مخك، فهلك. فقال للرسول: إن كان معه مثل هؤلاء، وإلا فما معه أحد.

ونقل القيلوي في الحجر الأسود لما قيل: من يعرفه؟ فقال ابن عليم المحدث: إنه يشوف على الماء، وإن النار لا تسخنه، ففعل به ذلك، فقبله ابن عليم. وتعجب الجنابي، ولم يصح هذا.

وقيل: صعد القرمطي لقلع الميزاب، فسقط، فمات. وكان ذلك سنة سبع عشرة، وكان أمير العراقين منصور الديلمي، وجافت مكة بالقتلى.

قال المراغي: حدثنا أبو عبد الله بن محرم، وكان رسول المقتدر إلى القرمطي. قال: سألته بعد مناظرات، عن استحلاله بما فعل بمكة، فأحضر الحجر في الديباج، فلما أبرز كبرت، وأريتهم من تعظيمه والتبرك به على حالة كبيرة، وافتتنت القرامطة بأبي طاهر، وكان أبوه قد أطلعه وحده على كنوز دفنها. فلما تملك، كان يقول: هنا كنز فيحفرون، فإذا هم بالمال. فيفتتنون به وقال مرة: أريد أن أحفر هنا عينا. قالوا: لا تنبع، فخالفهم، فنبع الماء، فازداد ضلالهم به، وقالوا: هو إله. وقال قوم: هو المسيح. وقيل: نبي. وقد هزم جيوش بغداد غير مرة وعتا وتمرد.

قال: محمد بن رزام الكوفي: حكى لي ابن حمدان الطبيب، قال: أقمت بالقطيف أعالج مريضًا، فقال لي رجل: إن الله ظهر، فخرجت، فإذا الناس يهرعون إلى دار أبي طاهر، فإذا هو ابن عشرين سنة، شاب مليح عليه عمامة صفراء، وثوب أصفر على فرس أشهب، وإخوته حوله، فصاح: من عرفني عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسن، الجنابي. اعلموا أنا كنا وإياكم حميرا، وقد من الله علينا بهذا وأشار إلى غلام أمرد، فقال: هذا ربنا وإلهنا، وكلنا عباده. فأخذ الناس التراب، فوضعوه على رؤوسهم. ثم قال أبو طاهر: إن الدين قد ظهر وهو دين أبينا آدم، وجميع ما أوصلت إليكم الدعاة باطل من ذكر موسى وعيسى ومحمد، هؤلاء دجالون. وهذا الغلام هو أبو الفضل المجوسي، شرع لهم اللواط، ووطء الأخت، وأمر بقتل من امتنع. فأدخلت عليه وبين يديه عدة رؤوس، فسجدت له، وأبو طاهر والكبراء حوله قيام. فقال لأبي طاهر: الملوك لم تزل تعد الرؤوس في خزائنها. فسلوه كيف بقاؤها؟ فسئلت، فقلت: إلهنا أعلم، ولكني أقول: فجملة الإنسان إذا مات يحتاج كذا وكذا صبرًا وكافورًا، والرأس جزء فيعطى بحسابه. فقال: ما أحسن ما قال. ثم قال الطبيب: ما زلت أسمعهم تلك الأيام يلعنون إبراهيم وموسى ومحمدًا وعليًا. ورأيت مصحفًا مسح بغائظ.

ص: 517

وقال أبو الفضل يومًا لكاتبه: اكتب إلى الخليفة، فصل لهم على محمد، وكل من جراب النورة. قال: والله ما تنبسط يدي لذلك، فافتض أبو الفضل أختا لأبي طاهر الجنابي، وذبح ولدها في حجرها، ثم قتل زوجها، وهم بقتل أبي طاهر، فاتفق أبو طاهر مع كاتبه ابن سنبر، وآخر عليه فقالا: يا إلهنا، إن والدة أبي طاهر قد ماتت فاحضر لتحشو جوفها نارا. قال: وكان سنه له، فأتى، فقال: ألا تجيبها؟ قال: لا، فإنها ماتت كافرة، فعاوده، فارتاب، وقال: لا تعجلا علي، دعاني أخدم دوابكما إلى أن يأتي أبي. قال ابن سنبر: ويلك هتكتنا، ونحن نرتب هذه الدعوة من ستين سنة، فلو رآك أبوك لقتلك اقتله يا أبا طاهر. قال: أخاف أن يمسخني، فضرب أخو أبي طاهر عنقه، ثم جمع ابن سنبر الناس، وقال: إن هذا الغلام ورد بكذب سرقه من معدن حق، وإنا وجدنا فوقه من ينكحه، وقد كنا نسمع أنه لا بد للمؤمنين من فتنة يظهر بعدها حق، فأطفئوا بيوت النيران، وارجعوا عن نكاح الأم، ودعوا اللواط، وعظموا الأنبياء. فضجوا وقالوا: كل وقت تقولون لنا قولا، فأنفق أبو طاهر الذهب حتى سكنوا.

قال الطبيب: فأخرج إلي أبو طاهر الحجر، وقال: هذا كان يعبد. قلت: كلا. قال: بلى. قلت: أنت أعلم. وأخرجه في ثوب دبيقي ممسك.

ثم جرت لأبي طاهر مع المسلمين حروب أوهنته. وقتل جنده، وطلب الأمان على أن يرد الحجر، وأن يأخذ عن كل حاج دينارًا ويخفرهم.

قلت: ثم هلك بالجدري -لا رحمه الله في رمضان سنة اثنتين وثلاث مائة بهجر كهلا، وقام بعده أبو القاسم سعيد.

ص: 518

‌3006 - محمد بن رائق

(1)

:

الأمير الكبير أبو بكر.

كان أبوه من أجل مماليك المعتضد وأدينهم.

ولي أبو بكر للمقتدر شرطة بغداد فطلع شهمًا عالي الهمة مقداما، فولي واسط والبصرة، فوفد عليه بجكم الأمير فاستخدمه، وترقت حاله، فولاه الراضي بالله إمرة الأمراء في سنة أربع وعشرين وثلاث مائة، وتقدم وردت أمور المملكة إليه، وانحدر مع الخليفة إلى واسط، وجهز بجكم لمحاربة البريدي الوزير، ثم عصى عليه بجكم. فتوجه محمد إلى الشام، فدخل دمشق، وادعى أن المتقي لله ولاه عليها، وطرد عنها بدرا الإخشيدي، ثم ساق ليأخذ مصر، فالتقى هو وصاحبها محمد بن طغج الإخشيذ، فهزمه الإخشيذ. وكانت ملحمة كبيرة بالعريش، فرد إلى دمشق، وأقام بها أزيد من سنة، ثم بلغه مصرع بجكم، فسار إلى بغداد، فخلع عليه المتقي خلعة الملك بعد أمور يطول شرحها، ثم سار بالمتقي إلى الموصل، فمد له ناصر الدولة أميرها سماطا فقتله بعد السماط وكان متأدبًا شاعرًا بطلًا شجاعًا، شديد الوطأة.

وكان مصرعه في سنة ثلاثين وثلاث مائة في رجبها.

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 275".

ص: 518

‌3007 - النوبختي:

علي بن العباس. شاعر محسن أخباري مشهور، رئيس، ولي وكالة المقتدر، وعاش ثمانين سنة.

توفي سنة أربع وعشرين وثلاث مائة.

وكان ابنه صدرًا كاتبًا كان مدبر أمور ملك الأمراء محمد بن رائق.

‌3008 - النوبختي:

العلامة ذو الفنون، أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي، الشيعي، المتفلسف، صاحب التصانيف.

ذكره محمد بن إسحاق النديم، وابن النجار بلا وفاة.

وله كتاب "الآراء" و"الديانات"، وكتاب "الرد على التناسخية"، وكتاب "التوحيد وحدث العالم"، وكتاب "الإمامة" وأشياء.

‌3009 - ابن مخلد:

الوزير الكبير، أبو القاسم، سليمان بن الحسن بن مخلد بن الجراح البغدادي.

وزر للمقتدر مشاركا لعلي بن عيسى، ثم عزل، ثم وزر للراضي بالله سنة 24 وكثرت المطالبات عليه، فبذل ابن رائق القيام بواجبات الجيش، وولي إمرة الأمراء. وسقط حكم دست الوزارة، فاستعفى سليمان من الوزارة بعد سنة، ثم استوزره الراضي بالله سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة. ووزر بعده للمتقي لله. ومضت سيرته على سداد، وكان بصيرًا بكتابة الديوان، خبيرا بالتصرف والسياسة.

وقيل: حفظت عليه سقطات منها: أنه قال لعلي بن عيسى: يا سيدي لم سميت الديكبراك آله؟ قال: لأنها تدكبرك في الخلق!

توفي سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة في رجب، وخلف عدة بنين وبنات. وعاش احدى وستين سنة.

ص: 519

‌3010 - النوبختي:

العلامة أبو سهل، إسماعيل بن علي بن نوبخت، بغدادي، من غلاة الشيعة، وكبار مصنيفهم، وكان يقول في المنتظر: مات في الغيبة وقام بالأمر في الغيبة ابنه، ثم مات ابنه، وقام ابن الابن وهذه دعوى مجردة.

وكان الشلمغاني الزنديق قد دعا النوبختي إلى نفسه، فقال: في مقدم رأسي صلع، فإن هو أنبت في رأسي الشعر، آمنت به، فأعرض عنه.

ولأبي سهل كتاب "الإمامة"، وكتاب "الرد على الغلاة"، وكتاب "نقض رسالة الشافعي"، وكتاب "الرد على أصحاب الصفات"، وكتاب "إبطال القياس"، وكتاب "الحكاية والمحكي"، وعدة تواليف.

وهو خال الحسن بن موسى النوبختي، وله كتاب "الرد على اليهود"، وكتاب في "الرد على أبي العتاهية"، وكتاب "الخصوص والعموم"، وكتاب "استحالة الرؤية".

‌3011 - المحمد أباذي:

الإمام النحوي الحافظ، أبو طاهر، محمد بن الحسن بن محمد النيسابوري، المحمد أباذي. ومحمد أباذ: محلة.

سمع من: أحمد بن يوسف السلمي، وعلي بن الحسن الهلالي، وحامد بن محمود في سنة ثلاث وستين، وارتحل فسمع من: عباس الدوري، وأبي قلابة، وجماعة.

روى عنه: أبو علي الحافظ، والكبار، وابن محمش.

وقال الحاكم: اختلفت إليه للسماع أكثر من سنة، ولم أصل إلى حرف من سماعي منه.

توفي في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وثلاث مائة.

ص: 520

وكان أبو بكر الصبغي يرجع إلى قوله في اللغة، وسمعت عبد الرحمن بن أحمد بن جعفر، يقول: أتيت أنا وأبو بشر المتكلم، وأبو سعد الفأفاء إلى محمد أباذ، وقد فرغ أبو طاهر من المجلس، وكان مهيبا فقلنا: يتفضل الشيخ بشيء نكتبه؟ فإذا خرج إلى الصلاة نقرأه، فأخرج لنا ثلاثة أجزاء: عن الدوري جزء، وعن الكديمي جزء، وعن أبي قلابة جزء، فكتبنا جزء الكديمي، ومن جزء أبي قلابة الرقاشي. فلما خرج، قال: هاتوا. فقلنا: لم نكتب من جزء عباس شيئًا. فقال: إنما أيست من حماري حين سيبته في القت، اشتغل بالكرنب. فقرأنا عليه إلى أن مر حديث لعروة عن عائشة. فقال أبو بشر للشيخ: عروة هذا مكثر عن عائشة، أفكان زوجها؟ فقام أبو طاهر مغضبا، ثم حكى ذلك لأصحابه.

ثم ساق له الحاكم أحاديث في الترجمة، وقد أكثر عنه أبو عبد الله بن مندة وغيره. يقع لنا حديثه عاليًا.

ص: 521

‌3012 - أيوب بن صالح:

ابن سليمان بن هاشم بن غريب العلامة، مفتي الأندلس، أبو صالح المعافري، القرطبي، المالكي.

روى عنه: الفقيه العتبي، وأبي زيد، وابن مزين، وعبد الله بن خالد.

ذكره أبو الوليد بن الفرضي، فقال: كان إمامًا في المذهب. دارت عليه الفتوى في وقته، وعلى ابن لبابة.

قال: وكان متصرفًا في علم النحو والبلاغة والشعر. وكان مجانبًا للدولة، لكنه ولي الحسبة فأحسن السيرة.

توفي في المحرم سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة.

‌3013 - ابن قوهيار

(1)

:

المسند الجليل، أبو الفضل، العباس بن محمد بن معاذ، ويعرف معاذ: بقوهيار النيسابوري.

سمع: إسحاق بن عبد الله بن رزين، ومحمد بن عبد الوهاب الفراء، وعلي بن الحسن الهلالي، وانتخب عليه حافظ نيسابور أبو علي.

روى عنه: الحافظ محمد بن المظفر، وأبو الحسن العلوي، وأبو طاهر بن محمش، وخلق.

توفي في ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة.

قال الحاكم: سمعت ولده يذكرون أنه دخل الحمام، فحلق رأسه قيم سكران، فأرسل الموسى في دماغه فشقه، فأخرجوه، ومات، رحمه الله.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 157".

ص: 521

‌3014 - ابن أبي حذيفة

(1)

:

المحدث أبو علي، محمد بن محمد بن أبي حذيفة الفزاري، الدمشقي، واسم جده قاسم بن عبد الغني.

سمع: محمد بن هشام بن ملاس، وبكار بن قتيبة، وأبا أمية الطرسوسي، والوليد بن مروان، وربيعة بن حارث الحمصي، وغيرهم.

روى عنه: أبو الحسين بن سمعون، وابن شاهين، وعبد الوهاب الكلابي، وأبو بكر محمد بن أبي الحديد، وآخرون.

مات سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة.

‌3015 - ابن عبادل

(2)

:

المحدث أبو الطيب أحمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب الشيباني الدمشقي، عرف بابن عبادل.

سمع: بحر بن نصر الخولاني، وإبراهيم بن منقذ، والعباس بن الوليد العذري، وأبا أمية الطرسوسي، وخلقًا كثيرًا.

وعنه: الطبراني، وأبو هاشم المؤدب، وأبو بكر بن أبي الحديد، وعبد الوهاب الكلابي، وآخرون.

مات في سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة، وهو في عشر التسعين.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 231"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 332".

(2)

ترجمته في الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "6/ 212".

ص: 522

‌3016 - ابن حكيم

(1)

:

المحدث الإمام المفيد أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم المديني، ويعرف: بابن ممك، صاحب رحلة ونباهة.

سمع: محمد بن مسلم بن وارة، ويحيى بن أبي طالب، وأبا حاتم الرازي، وأحمد بن محمد بن أبي الخناجر الطرابلسي، وأبا أمية الحلبي، وطبقتهم.

وعنه: أبو الشيخ، وأبو عبد الله بن مندة، وأبو بكر بن مردويه، وعلي بن ميله الفرضي، وعبد الله بن أحمد بن جولة، وآخرون.

بلغنا أنه كان أديبًا فاضلًا حسن المعرفة بالحديث.

توفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة.

عندي من عواليه.

‌3017 - الزنبري

(2)

:

المحدث أبو بكر أحمد بن مسعود بن عمرو بن إدريس الزنبري، المصري.

حدث عن: بحر بن نصر الخولاني، والربيع بن عبد الحكم، وجماعة.

وعنه: ابن المقرئ، وابن يونس، وعمر بن شاهين، وآخرون.

وما ذكر ابن ماكولا في الزنبري بنون سواه، له رحلة وفهم.

مات في رمضان سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة.

ولنا سعيد بن داود بن أبي زنبر الزنبري، صاحب مالك.

‌3018 - ابن زوزان

(3)

:

الحافظ العالم الرحال، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب بن زوزان الأنطاكي، قيد جده ابن ماكولا بمعجمتين. ثم قال:

(1)

تقدمت ترجمته في هذا الجزء بتعليقنا رقم "544". برقم ترجمة عام "2992".

(2)

تقدمت ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "4/ 242".

(3)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "4/ 192".

ص: 523

روى عن: أبي الوليد بن برد، ومحمد بن إبراهيم بن كثير الصوري، وأبي يزيد القراطيسي، وأبي علاثة محمد بن عمرو، وبشر بن موسى، وأحمد بن يحيى الرقي.

قلت: وزكريا خياط السنة وطبقتهم.

روى عنه: أبو أحمد محمد بن عبد الله الدهان، وأبو محمد بن ذكوان، وفرج بن إبراهيم النصيبي، وأبو الحسين بن جميع، وعدة.

قال الأمير: له رحلة في الحديث إلى الشام والعراق ومصر.

قلت: توفي سنة نيف وثلاثين وثلاث مائة.

ص: 524

‌3019 - المادرائي

(1)

:

الإمام المحدث الحجة، أبو الحسن علي بن إسحاق بن البختري، البصري، المادرائي.

روى عن: علي بن حرب، وأبي قلابة الرقاشي، ويوسف بن صاعد وخلق.

وعنه: ابن جميع الغساني، وأبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، وأحمد بن علي السليماني، وآخرون.

وقد ارتحل إليه ابن مندة فبلغه في الطريق موته، فتألم ورد، ولم يدخل البصرة.

توفي سنة (334).

‌3020 - أبو علي القشيري

(2)

:

الإمام الحافظ المفيد، أبو علي، محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عيسى بن مرزوق القشيري، الحراني، محدث الرقة ومؤرخها.

سمع: سليمان بن سيف الحراني، ومحمد بن علي بن ميمون العطار، والفقيه أبا الحسن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، وهلال بن العلاء، وعبد الحميد بن محمد بن المستام، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو أحمد محمد بن عبد الله بن جامع الدهان، ومحمد بن جعفر غندر البغدادي، وأبو مسلم محمد ابن أحمد بن علي الكاتب، وأبو الحسين بن جميع، وطائفة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 238".

(2)

ترجمته في الأنساب "6/ 153"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 825"، والعبر "2/ 239"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 337".

ص: 524

لا أعلم وفاته إلَّا أنه حدث في سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة، وقد جاوز الثمانين.

وفيها مات مسند دمشق أبو الفضل، أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي في عشر المائة، وشاعر الوقت أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسن الصنوبري الحلبي، ومؤرخ هراة المحدث أبو إسحاق أحمد بن محمد ابن ياسين الحداد، ومسند بغداد الثقة أبو عبد الله الحسين بن يحيى بن عياش القطان عن خمس وتسعين سنة، والمحدث أبو الحسين عثمان بن محمد بن علان الذهبي البغدادي، ومسند البصرة أبو الحسن علي بن إسحاق المادرائي، والوزير العادل أبو الحسين علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي عن تسعين عامًا. وشيخ الحنابلة أبو القاسم عمر بن الحسين الخرقي البغدادي بدمشق، وصاحب مصر أبو بكر محمد بن طغج بن جف التركي الإخشيد، وصاحب المغرب القائم بأمر الله أبو القاسم محمد بن المهدي عبيد الله الباطني، وشيخ بغداد أبو بكر الشبلي الزاهد.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا عبد الصمد بن محمد حضورًا، أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا الحسين بن طلاب، أخبرنا محمد بن أحمد، حدثنا محمد بن سعيد بالرقة، حدثنا أبو عمر عبد الحميد بن محمد، حدثني أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد، حدثني مالك، حدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.

عبد الله هذا بغدادي لا أعرفه.

ص: 525

‌3021 - حاجب بن أحمد

(1)

:

ابن يرحم بن سفيان، مسند نيسابور، أبو محمد الطوسي.

روى عن: محمد بن رافع والذهلي، ومحمد بن حماد الأبيوردي، وعبد الرحمن بن منيب المروزي، وعبد الله بن هاشم الطوسي، وجماعة.

وادعى أنه ابن مائة وثماني سنين.

وكان أبو محمد البلاذري يشهد له بلقي هؤلاء.

حدث عنه: منصور بن عبد الله الخالدي، وابن مندة، وأحمد بن محمد البصير، وعلي بن إبراهيم المزكي، ومحمد ابن إبراهيم الجرجاني، والقاضي أبو بكر الحيري، وأبو طاهر بن محمش، وسمع: منه الحاكم ثلاثة أجزاء، فعدمت.

وثقه ابن مندة، واتهمه الحاكم، وقال: لم يسمع شيئًا، وهذه كتب عمه.

مات سنة ست وثلاثين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب "8/ 265"، والعبر "2/ 243"، وميزان الاعتدال "1/ 429"، ولسان الميزان "2/ 146".

ص: 525

‌3022 - عمر بن سهل

(1)

:

ابن إسماعيل الحافظ الحجة أبو حفص، وأبو بكر الدينوري، القرميسيني، أحد أئمة الحديث.

يروي عن: إبراهيم بن أبي العنبس الكوفي، والحسن بن سلام السواق، وعبيد بن عبد الواحد البزار، وأبي قلابة الرقاشي، وأمثالهم.

حدث عنه: الحافظ أبو القاسم بن ثابت، وصالح بن أحمد الهمذاني، وأحمد بن تركان، وأبو بكر بن بخيت، والقاضي أبو بكر الأبهري، والهمذانيون.

قال أبو يعلى الخليلي في "إرشاده": هو ثقة إمام عالم متفق عليه. سمع: شيوخ بغداد والكوفة والجبل والبصرة، وكانت له معرفة، وكان صاحب سنة وعبادة، سمعت عيسى بن أحمد الدينوري، يقول: خرج عمر بن سهل الحافظ، وبيده قصة فقال لي: أريد أن أصعد إلى تل التوبة، وأرفعها الى الله من جهة جهال الدينور، ففعل ذلك، وانتقل إلى قرميسين.

قال الخليلي: وسمعت أبا القاسم بن ثابت، يقول: لم أر مثل عمر بن سهل الحافظ في الديانة.

قلت: توفي سنة ثلاثين وثلاث مائة من أبناء الثمانين. وما هو بالمشهور لأنه كان بزاوية من البلاد، رحمه الله.

أنبأنا ابن سلامة، عن أحمد بن طارق، أخبرنا السلفي، أخبرنا المبارك بن الطيوري، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، أخبرنا أبو بكر بن بخيت، حدثنا عمر بن سهل بن مجاهد إسماعيل الدينوري الحافظ، حدثنا محمد ابن إبراهيم بن الرماح إملاء، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا سفيان، عن عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:"أقمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تسع عشرة ليلة نقصر الصلاة"

(2)

.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "10/ 110"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 848".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 223"، والبخاري "1080" و"4298" و"4299"، والترمذي "549"، وابن ماجه "1075"، والبيهقي "3/ 150" من طريق عن عاصم الأحول، به.

ص: 526

‌3023 - ابن ياسين

(1)

:

الشيخ الحافظ المحدث المؤرخ، أبو إسحاق أحمد بن محمد بن ياسين الهروي، الحداد، صاحب "تاريخ هراة".

سمع: عثمان بن سعيد الدارمي، وموسى بن أحمد الفريابي، وعبيد بن محمد الوراق الحافظ، ومعاذ بن المثنى، والفضل بن عبد الله اليشكري، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو عبد الله بن أبي ذهل، ومنصور بن عبد الله الخالدي، والخليل بن أحمد القاضي، ومحمد بن علي بن محمد الباشاني، وآخرون، وليس بعمدة.

قال الخليلي: ليس بالقوي، يروي نسخا لا يتابع عليها.

وقال الدارقطني: متروك.

وروى السلمي عن الدارقطني، قال: هو شر من أبي بشر المروزي، وكذبهما.

قلت: توفي ابن ياسين الحداد في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة.

أخبرنا علي بن أحمد الحسيني، أخبرنا علي بن أبي بكر، أخبرنا أبو الوقت الماليني، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، حدثنا محمد بن أحمد الجارودي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الباشاني، حدثنا أبو إسحاق بن ياسين إملاء، حدثنا عبيد بن محمد الحافظ، حدثنا الحسن بن صباح، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو العميس، حدثنا قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا -معشر يهود- نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، الآية. قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة، يوم جمعة

(2)

.

أخرجه البخاري عن الحسن بن صباح البزار.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 846"، وميزان الاعتدال "1/ 149"، ولسان الميزان "1/ 291".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "45" و"4407"، ومسلم "3017".

ص: 527

‌3024 - ابن عقدة

(1)

:

أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن زياد بن عبد الله بن عجلان، مولى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني، وحفيد عجلان، هو عتيق عبد الرحمن بن الأمير عيسى بن موسى الهاشمي، أبو العباس الكوفي الحافظ العلامة، أحد أعلام الحديث، ونادرة الزمان، وصاحب التصانيف على ضعف فيه، وهو المعروف بالحافظ ابن عقدة.

وعقدة لقب لأبيه النحوي البارع محمد بن سعيد، ولقب بذلك لتعقيده في التصريف، وهو من العلماء العاملين. كان قبل الثلاث مائة.

وولد أبو العباس في سنة تسع وأربعين ومائتين بالكوفة.

وطلب الحديث سنة بضع وستين ومائتين. وكتب منه ما لا يحد ولا يوصف عن خلق كثير بالكوفة وبغداد، ومكة.

فسمع من: أبي جعفر محمد بن عبيد الله بن المنادي، وأحمد بن عبد الحميد الحارثي، والحسن بن علي بن عفان، والحسن بن مكرم، وعلي بن داود القنطري، ويحيى بن أبي طالب، وأبي يحيى بن أبي مسرة المكي، وإبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن أسامة الكلبي، ومحمد بن الحسين الحنيني، وأحمد بن أبي خيثمة، وعبد الله بن روح المدائني، وإسحاق بن إبراهيم العقيلي، وأحمد بن يحيى الصوفي، ويعقوب بن يوسف بن زياد، ومحمد بن إسماعيل الراشدي، وعبد الملك بن محمد الرقاشي، وأبي بكر بن أبي الدنيا، وإبراهيم بن عبد الله القصار، وأبي مسلم الكجي، وأبي الأحوص العكبري، ومحمد بن سعيد العوفي، ومحمود ابن أبي المضاء الحلبي، ومحمد بن أحمد بن الحسن القطواني، والحسن بن عتبة الكندي، وعبد الله بن أحمد بن المستورد، والحسن بن جعفر بن مدرار، وعبد العزيز بن محمد بن زبالة المديني، وأمم سواهم.

وجمع التراجم والأبواب والمشيخة، وانتشر حديثه، وبعد صيته، وكتب عمن دب ودرج من الكبار والصغار والمجاهيل، وجمع الغث إلى السمين، والخرز إلى الدار الثمين.

روى عنه: الطبراني، وابن عدي، وأبو بكر بن الجعابي، وابن المظفر، وأبو علي

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 14"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 336"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة رقم 820"، والعبر "2/ 230"، وميزان الاعتدال "1/ 136"، ولسان الميزان "1/ 263"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 281"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 332".

ص: 528

النيسابوري، وأبو أحمد الحاكم، وابن المقرئ، وابن شاهين، وعمر بن إبراهيم الكتاني، وأبو عبيد الله المرزباني، وابن جميع الغساني، وإبراهيم بن عبد الله خرشيذ قوله، وأبو عمر بن مهدي، وأبو الحسين أحمد ابن المتيم، وأحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي، وخلائق.

ووقع لي حديثه بعلو.

فقرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم الدمشقي، أخبركم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري القاضي سنة تسع وست مائة وأنت في الرابعة، قال: أخبرنا جمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلم السلمي سنة ثمان وعشرين وخمس مائة، أخبرنا الحسين بن طلاب الخطيب، أخبرنا محمد بن أحمد الغساني، أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان، حدثنا علي بن سيف ابن عميرة، حدثني أبي، حدثني العباس بن الحسن بن عبيد الله النخعي، حدثني أبي عن ثعلبة أبي بحر، عن أنس رضي الله عنه قال: استضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "عجبت لأمر المؤمن، إن الله لا يقضي له قضاء إلَّا كان خيرًا له"

(1)

.

أخبرنا أبو الغنائم المسلم بن محمد القيسي، والمؤمل بن محمد البالسي -كتابة- قالا: أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الحافظ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصلت الأهوازي، حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى الطلحي، حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا شريك، عن أبي الوليد، عن الشعبي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده، وأقبل أبو بكر وعمر:"يا علي هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلَّا النبيين والمرسلين"

(2)

.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 24"، من طريق عاصم الأحول، عن ثعلبة بن عاصم، عن أنس، به.

وله شاهد من حديث صهيب: عند مسلم "2999"، وأحمد "4/ 332" و"6/ 15 و 16".

(2)

صحيح بشواهده: أخرجه الترمذي "3664"، وابن أبي عاصم في "السنة""1420"، والقطيعي في زياداته على "فضائل الصحابة""129"، من طرق عن محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: "هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين". وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

قلت: بل إسناده ضعيف، محمد بن كثير المصيصي، أبو يوسف الصنعاني، وهو الشامي، الثقفي، اختلف فيه فضعفه أحمد. وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ضعيف جدا. =

ص: 529

وبه إلى الحافظ أبي بكر، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد الواعظ، حدثنا أبو العباس بن عقدة إملاء في صفر سنة ثلاثين وثلاث مائة، حدثنا عبد الله بن الحسين بن الحسن بن الأشقر قال: سمعت عثام بن علي العامري، قال: سمعت سفيان، وهو يقول: لا يجتمع حب علي وعثمان إلَّا في قلوب نبلاء الرجال.

قلت: قد رُمِي ابن عقدة بالتشيع، ولكن روايته لهذا ونحوه، يدل على عدم غلوه في تشيعه، ومن بلغ في الحفظ والآثار مبلغ ابن عقدة، ثم يكون في قلبه غل للسابقين الأولين، فهو معاند أو زنديق والله أعلم.

وبه إلى الحافظ أبي بكر، قال: وإنما لقب والد أبي العباس بعقدة لعلمه بالتصريف والنحو. وكان يورق بالكوفة، ويعلم القرآن والأدب، فأخبرني القاضي أبو العلاء، أخبرنا محمد بن جعفر بن النجار، قال: حكى لنا أبو علي النقار، قال: سقطت من عقدة دنانير، فجاء بنخال ليطلبها. قال عقدة: فوجدتها ثم فكرت فقلت: ليس في الدنيا غير دنانيرك؟ فقلت للنخال: هي في ذمتك، وذهبت وتركته.

قال: وكان يؤدب ابن هشام الخزاز، فلما حذق الصبي وتعلم، وجه إليه أبوه بدنانير صالحة، فردها فظن ابن هشام أنها استقلت، فأضعفها له، فقال: ما رددتها استقلالًا، ولكن

=وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، يا علي لا تخبرهما".

أخرجه الترمذي "3665" من طريق الوليد بن محمد الموقري، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن علي ابن أبي طالب، به.

وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه.

قلت: إسناده ضعيف، الوليد بن محمد الموقري، ضعيف في الحديث. وفي إسناده انقطاع علي بن الحسين لم يسمع من علي بن أبي طالب.

ورواه الترمذي "3666"، وابن ماجه "95"، والقطيعي في "فضائل الصحابة""632 و 633 و 666" من طرق عن الشعبي، عن الحارث عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي".

قلت: إسناده ضعيف، آفته الحارث، وهو ابن عبد الله الأعور، فإنه ضعيف.

وورد من حديث أبي سعيد الخدري: عند البزار "2492". وفي إسناده ثلاثة ضعفاء علي بن عابس، وكثير بن إسماعيل، بياع النوى، وعطية العوفي.

وقد خرجت هذا الحديث في كتاب "منهاج السنة النبوية في نقص كلام الشيعة والقدرية" لابن تيمية "7/ تعليق رقم 176".

ص: 530

سألني الصبي أن أعلمه القرآن، فاختلط تعليم النحو بتعليم القرآن، ولا أستحل أن آخذ منه شيئًا، ولو دفع إلي الدنيا.

ثم قال ابن النجار: وكان عقدة زيديًا، وكان ورعا ناسكا، سمي عقدة لأجل تعقيده في التصريف، وكان وراقا جيد الخط، وكان ابنه أحفظ من كان في عصرنا للحديث.

قال أبو أحمد الحاكم: قال لي ابن عقدة: دخل البرديجي الكوفة، فزعم أنه أحفظ مني. فقلت: لا تطول نتقدم إلى دكان وراق، ونضع القبان، ونزن من الكتب ما شئت، ثم يلقى علينا، فنذكره قال: فبقي.

الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ، يقول: ما رأيت أحدًا أحفظ لحديث الكوفيين من أبي العباس بن عقدة.

وبه إلى الخطيب أبي بكر: حدثني محمد بن علي الصوري، سمعت عبد الغني بن سعيد، سمعت أبا الفضل الوزير، يقول: سمعت علي بن عمر -وهو الدارقطني- يقول: أجمع أهل الكوفة أنه لم ير من زمن عبد الله بن مسعود إلى زمن أبي العباس بن عقدة أحفظ منه.

وأنبأنا ابن علان، عن القاسم بن علي، أخبرنا أبي، أخبرنا هبة الله بن الأكفاني، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد، حدثنا العلاء بن حزم، حدثنا علي بن بقاء، حدثنا عبد الغني فذكرها، ثم قال عبد الغني: وسمعت أبا همام محمد بن إبراهيم، يقول: ابن جوصا بالشام كابن عقدة بالكوفة.

قلت: يمكن أن يقال: لم يوجد أحفظ منه وإلى يومنا وإلى قيام الساعة بالكوفة، فأما أن يكون أحد نظيرًا له في الحفظ، فنعم، فقد كان بها بعد ابن مسعود وعلي، علقمة، ومسروق، وعبيدة، ثم أئمة حفاظ كإبراهيم النخعي، ومنصور، والأعمش، ومسعر، والثوري، وشريك، ووكيع، وأبي نعيم، وأبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد ابن عبد الله بن نمير، وأبي كريب، ثم هؤلاء يمتازون عليه بالإتقان والعدالة التامة، ولكنه أوسع دائرة في الحديث منهم.

قال أبو الطيب أحمد بن الحسن بن هرثمة: كنا بحضرة أبي العباس بن عقدة نكتب عنه وفي المجلس رجل هاشمي إلى جانبه، فجرى حديث حفاظ الحديث، فقال أبو العباس: أنا أجيب في ثلاث مائة ألف حديث من حديث أهل بيت هذا سوى غيرهم، وضرب بيده على الهاشمي.

ص: 531

وبه إلى الخطيب: حدثنا الصوري، حدثنا عبد الغني، سمعت أبا الحسن -يعني: الدارقطني- سمعت ابن عقدة يقول: أنا أجيب في ثلاث مائة ألف حديث من حديث أهل البيت خاصة.

قال أبو الحسن: وكان أبوه عقدة أنحى الناس.

وبه: حدثنا محمد بن يوسف النيسابوري، حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ، سمعت أبا بكر بن أبي دارم الحافظ، يقول: سمعت أبا العباس أحمد بن محمد بن سعيد، يقول: أحفظ لأهل البيت ثلاث مائة ألف حديث.

وبه: حدثنا أبو العلاء محمد بن علي بن يعقوب -غير مرة- سمعت أبا الحسن محمد بن عمر بن يحيى العلوي، يقول: حضر ابن عقدة عند أبي، فقال له: يا أبا العباس قد أكثر الناس في حفظك للحديث، فأحب أن تخبرني بقدر ما تحفظ. فامتنع، وأظهر كراهية لذلك، فأعاد أبي المسألة وقال: عزمت عليك إلَّا أخبرتني. فقال أبو العباس: أحفظ مائة ألف حديث بالإسناد والمتن، وأذاكر بثلاث مائة الف حديث.

قال أبو العلاء: وسمعت جماعة يذكرون، عن أبي العباس مثل ذلك.

وبه: حدثنا أبو القاسم التنوخي -من حفظه- سمعت أبا الحسن محمد بن عمر العلوي، يقول: كانت الرياسة بالكوفة في بني الغدان قبلنا، ثم فشت رئاسة بني عبيد الله، فعزم أبي على قتالهم، وجمع الجموع، فدخل إليه أبو العباس بن عقدة، وقد جمع جزءا فيه ست وثلاثون ورقة، وفيها حديث كثير في صلة الرحم، فاستعظم أبي ذلك، واستكثره، فقال له: يا أبا العباس، بلغني من حفظك للحديث ما استكثرته، فكم تحفظ؟ قال: أحفظ بالأسانيد والمتون خمسين ومائتي ألف حديث، وأذاكر بالأسانيد وبعض المتون والمراسيل والمقاطيع بست مائة ألف حديث.

وبه: حدثنا محمد بن علي بن مخلد الوراق -بحضرة البرقاني- سمعت عبد الله الفارسي -وعرفه البرقاني- يقول أقمت مع إخوتي بالكوفة عدة سنين نكتب عن ابن عقدة، فلما أردنا الانصراف، وَدَّعناه، فقال: قد اكتفيتم بما سمعتم مني!! أقل شيخ سمعت منه، عندي عنه مائة ألف حديث. فقلت: أيها الشيخ نحن أربعة إخوة، قد كتب كل واحد منا عنك مائة ألف حديث.

وبه: أخبرنا الصوري، قال لي عبد الغني: سمعت الدارقطني يقول: ابن عقدة، يعلم ما عند الناس، ولا يعلم الناس ما عنده.

ص: 532

قال الصوري: وقال لي أبو سعد الماليني: أراد ابن عقدة أن ينتقل، فاستأجر من يحمل كتبه، وشارط الحمالين أن يدفع إلى كل واحد دانقًا. قال: فوزن لهم أجورهم مائة درهم. وكانت كتبه ست مائة حملة.

وبه: أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى الهمذاني، حدثنا صالح بن أحمد الحافظ، سمعت أبا عبد الله الزعفراني يقول: روى ابن صاعد ببغداد حديثًا أخطأ في إسناده، فأنكر عليه ابن عقدة فخرج عليه أصحاب ابن صاعد، وارتفعوا إلى الوزير علي بن عيسى وحبس ابن عقدة. فقال الوزير: من نسأل ونرجع إليه؟ فقالوا: ابن أبي حاتم. فكتب إليه الوزير يسأله، فنظر وتأمل، فإذا الحديث على ما قال ابن عقدة، فكتب إليه بذلك، فأطلق ابن عقدة، وارتفع شأنه.

وبه: حدثنا حمزة بن محمد الدقاق، سمعت جماعة يذكرون أن ابن صاعد كان يملي من حفظه، فأملى يومًا عن أبي كريب، عن حفص بن غياث، عن عبيد الله بن عمر، فعرض على أبي العباس بن عقدة، فقال: ليس هذا عند أبي محمد، عن أبي كريب، وإنما سمعه من أبي سعيد الأشج، فاتصل هذا القول بابن صاعد، فنظر في أصله، فوجده كما قال. فلما اجتمع الناس قال: كنا حدثناكم، عن أبي كريب بحديث كذا، ووهمنا فيه. إنما حدثناه أبو سعيد وقد رجعنا عن الرواية الأوَّلة.

قلت لحمزة: ابن عقدة هو الذي نبه يحيى؟ فتوقف، ثم قال: ابن عقدة أو غيره.

وبه: حدثنا القاضي أبو عبد الله الصيمري، حدثني أبو إسحاق الطبري، سمعت ابن الجعابي يقول: دخل ابن عقدة بغداد ثلاث دفعات، سمع في الأولى من إسماعيل القاضي ونحوه، ودخل الثانية في حياة ابن منيع، فطلب مني شيئًا من حديث ابن صاعد لينظر فيه، فجئت إلى ابن صاعد، فسألته، فدفع إلي مسند علي، فتعجبت من ذلك، وقلت في نفسي: كيف دفع إلي هذا وابن عقدة أعرف الناس به! مع اتساعه في حديث الكوفيين، وحملته إلى ابن عقدة، فنظر فيه، ثم رده علي، فقلت: أيها الشيخ، هل فيه شيء يستغرب؟ فقال: نعم؛ فيه حديث خطأ. فقلت: أخبرني به. فقال: لا والله لا عرفتك ذلك حتى أجاوز قنطرة الياسرية، وكان يخاف من أصحاب ابن صاعد، فطالت علي الأيام انتظارًا لوعده، فلما خرج إلى الكوفة، سرت معه، فلما أردت مفارقته، قلت: وعدك؟ قال: نعم، الحديث عن أبي سعيد الأشج، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ومتى سمع منه؟ وإنما ولد أبو سعيد في الليلة التي مات فيها يحيى بن زكريا. فودعته، وجئت إلى ابن صاعد، فأعلمته بذلك، فقال:

ص: 533

لأجعلن على كل شجرة من لحمه قطعة -يعني: ابن عقدة- ثم رجع يحيى إلى الأصول، فوجد عنده الحديث عن شيخ غير الأشج، عن ابن أبي زائدة، فجعله على الصواب.

قلت: كذا أورد الخطيب هذه الحكاية، وخلاها، وذهب غير متعرض لنكارتها.

فأما يحيى بن زكريا أحد حفاظ الكوفة، فتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائة. وقد روى عنه: ابن معين، وأبو كريب، وهناد، وعلي بن مسلم الطوسي، وخلق كثير، من آخرهم يعقوب الدورقي. ويقال: مات سنة اثنتين وثمانين. وكان إذ ذاك أبو سعيد الأشج شابًا مدركًا بل ملتحيًا. وقد ارتحل وسمع من هشيم. وموته بعد يحيى بأشهر، فما يبعد سماعه من يحيى بن زكريا.

قال الحاكم: قلت لأبي علي الحافظ: إن بعض الناس يقول في أبي العباس، قال: في ماذا؟ قلت: في تفرده بهذه المقحمات عن هؤلاء المجهولين. فقال: لا تشتغل بمثل هذا، أبو العباس إمام حافظ محله محل من يسأل عن التابعين وأتباعهم.

وبه قال الخطيب: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن نعيم البصري -لفظا- حدثنا محمد بن عدي بن زحر، سمعت محمد بن الفتح القلانسي، سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: منذ نشأ هذا الغلام أفسد حديث الكوفة- يعني: ابن عقدة.

أخبرني أحمد بن سليمان بن علي الواسطي المقرئ، أخبرنا أبو سعد الماليني، حدثنا ابن عدي سمعت عبدان الأهوازي يقول: ابن عقدة قد خرج عن معاني أصحاب الحديث، ولا يذكر حديثه معهم -يعني: لما كان يظهر من الكثرة والنسخ. وتكلم فيه مطين بأخرة لما حبس كتبه عنه.

وبه: حدثني الصوري، قال لي زيد بن جعفر العلوي، قال لنا علي بن محمد التمار، قال لنا أبو العباس بن عقدة: كان قدامي كتاب فيه نحو خمس مائة حديث، عن حبيب بن أبي ثابت الأسدي لا أعرف له طريقا. قال التمار: فلما كان يوم من الأيام، قال لبعض وراقيه: قم بنا إلى بجيلة موضع المغنيات. فقال: أيش نعمل؟ قال: بلى، تعال فإنها فائدة لك، فامتنعت فغلبني على المجيء، فجئنا جميعًا إلى الموضع. فقال لي: سل عن قصيعة المخنث. فقلت: الله الله يا سيدي، ذا فضيحة. قال: فحملني الغيظ، فدخلت، فسألت عن قصيعة، فخرج إلي رجل في عنقه طبل مخضب بالحناء، فجئت به إليه، فقال: يا هذا امض، فاطرح ما عليك، والبس قميصك، وعاود فمضى، ولبس قميصه، وعاد، فقال: ما اسمك؟ قال: قصيعة. فقال: ما اسمك على الحقيقة؟ قال: محمد ابن علي. قال: صدقت، ابن من؟ قال:

ص: 534

ابن حمزة، قال: ابن من؟ قال: لا أدري والله يا أستاذي. قال: ابن حمزة بن فلان بن فلان بن حبيب بن أبي ثابت الأسدي، فأخرج من كمه الجزء، فدفعه إليه، فقال: أمسك هذا، فأخذه، فقال: ادفعه إلي. ثم قال له: قم فانصرف. ثم جعل أبو العباس يقول: دفع إلي فلان بن فلان كتاب جده، فكان فيه كذا وكذا.

قال الخطيب: سمعت من يذكر أن الحفاظ كانوا إذا أخذوا في المذاكرة، شرطوا أن يعدلوا، عن حديث ابن عقدة لاتساعه، وكونه مما لا ينضبط.

وبه حدثني الصوري، سمعت عبد الغني يقول: لما قدم الدارقطني مصر أدرك حمزة بن محمد بن الكناني الحافظ في آخر عمره، فاجتمع معه، وأخذا يتذاكران، فلم يزالا كذلك حتى ذكر حمزة عن ابن عقدة حديثًا. فقال له أبو الحسن: أنت هاهنا؟ ثم فتح ديوان أبي العباس، ولم يزل يذكر من حديثه ما أبهر حمزة، أو كما قال.

قال أبو جعفر الطوسي في "تاريخه": كان ابن عقدة زيديًا جاروديًا، على ذلك مات، وإنما ذكرته في جملة أصحابنا لكثرة رواياته عنهم. وله تاريخ كبير في ذكر من روى الحديث من الناس كلهم وأخبارهم، ولم يكمل، وكتاب "السنن" وهو عظيم، قيل: إنه حمل بهيمة، وله كتاب "من روى عن علي"، وكتاب "الجهر بالبسملة"، وكتاب "أخبار أبي حنيفة"، وكتاب "الشورى"، وذكر أشياء كثيرة.

ابن عدي: سمعت أبا بكر بن أبي غالب يقول: ابن عقدة لا يتدين بالحديث، لأنه كان يحمل شيوخًا بالكوفة على الكذب، يسوي لهم نسخا، ويأمرهم أن يرووها.

قال ابن عدي: سمعت الباغندي يحكي فيه نحو ذلك، وقال: كتب إلينا أنه خرج بالكوفة شيخ عنده نسخ، فقدمنا عليه، وقصدنا الشيخ، فطالبناه بأصول ما يرويه، فقال: ليس عندي أصل، وإنما جاءني ابن عقدة بهذه النسخ. فقال: اروه يكن لك فيه ذكر، ويرحل إليك أهل بغداد.

حمزة السهمي: سألت محمد بن أحمد بن سفيان الحافظ بالكوفة عن ابن عقدة، فقال: دخلت إلى دهليزه، وفيه رجل يقال له: أبو بكر البستي، وهو يكتب من أصل عتيق، حدثنا محمد بن القاسم السوداني، حدثنا أبو كريب، فقلت له: أرني. فقال: أخذ علي ابن سعيد أن لا يراه معي أحد، فرفقت به حتى أخذته، فإذا أصل كتاب الأشناني الأول من مسند جابر وفيه سماعي. وخرج ابن سعيد وهو في يدي، فحرد على البستي، وخاصمه، ثم التفت إلي، فقال: هذا عارضنا به الأصل، فأمسكت عنه. قال ابن سفيان: وهو ذا الكتاب عندي، قال حمزة: وسمعت ابن سفيان، يقول: كان أمره أبين من هذا.

ص: 535

وبه حدثني أبو عبد الله أحمد بن أحمد القصري، سمعت محمد بن أحمد بن سفيان الحافظ، يقول: وجه إلى ابن عقدة بمال من خراسان، وأمر أن يعطيه بعض الضعفاء، وكان على بابه صخرة عظيمة، فقال لابنه: ارفعها، فلم يستطع، فقال: أراك ضعيفا، فخذ هذا المال، ودفعه إليه.

وبه: حدثنا حمزة بن محمد بن طاهر قال: سئل الدارقطني -وأنا أسمع- عن ابن عقدة، فقال: كان رجل سوء.

وبه: أخبرنا البرقاني، سألت أبا الحسن عن ابن عقدة: ما أكثر ما في نفسك عليه؟ قال: الإكثار بالمناكير.

وبه: حدثني علي بن محمد بن نصر، سمعت حمزة بن يوسف، سمعت أبا عمر بن حيويه يقول: كان ابن عقدة في جامع براثا يملي مثالب الصحابة، أو قال الشيخين، فلا أحدث عنه بشيء.

قال أبو أحمد بن عدي: هو صاحب معرفة وحفظ وتقدم في الصنعة، رأيت مشايخ بغداد يسيئون الثناء عليه، ثم إن ابن عدي قوى أمره، ومشاه، وقال: لولا أني شرطت أن أذكر كل من تكلم فيه -يعني: ولا أحابي- لم أذكره، لما فيه من الفضل والمعرفة.

ثم إن ابن عدي والخطيب لم يسوقا له شيئًا منكرًا.

وذكر ابن عدي في ترجمة أحمد بن عبد الجبار العطاردي، أن ابن عقدة سمع، منه، ولم يحدث عنه: لضعفه عنده.

وقيل: إن الدارقطني كذب من يتهمه بالوضع، وإنما بلاؤه من روايته بالوجادات، ومن التشيع.

قال ابن عدي: رأيت فيه من المجازفات، حتى إنه يقول: حدثتني فلانة، قالت: هذا كتاب فلان، قرأت فيه، قال: حدثنا فلان.

قال أبو الحسن محمد بن أحمد بن سفيان الحافظ: مات ابن عقدة لسبع خلون من ذي القعدة، سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة.

وكان قال لي قديمًا، وكتب لي إجازة، كتب فيها يقول: أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى سعيد بن قيس، ثم ترك ذلك آخر أيامه. وكتب مولى عبد الوهاب بن موسى الهاشمي، ثم ترك ذلك.

ص: 536

وسمعته يقول: ولدت سنة تسع وأربعين ومائتين. فيقال: ولد في نصف محرمها.

مات مع ابن عقدة في العام المذكور صاحب ابن أبي الدنيا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر اللنباني الأصبهاني، وشيخ العربية أبو العباس أحمد بن محمد بن ولاد التميمي المصري، وشيخ المالكية بقرطبة أيوب ابن صالح بن سليمان المعافري، والعباس بن محمد بن قوهيار النيسابوري، وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن إسحاق المصري الجوهري، وأبو بكر محمد بن بشر بن بطريق الزبيري العسكري المصري، ومسند نيسابور أبو بكر محمد ابن الحسين بن الحسن القطان، وأبو علي محمد بن محمد بن أبي حذيفة الدمشقي، وأبو روق الهزاني، وأبو الفضل يعقوب بن إسحاق الفقيه، وأبو عمر أحمد بن عبادة الرعيني بالأندلس.

ص: 537

‌3025 - ابن عبيد

(1)

:

الإمام الحافظ البارع، أبو الحسن، علي بن محمد بن عبيد بن عبد الله بن حساب البغدادي، البزاز.

روى عن: عباس الدوري، ومحمد بن الحسين الحنيني، وأبي حازم بن أبي غرزة، ويحيى بن أبي طالب، وطبقتهم.

حدث عنه: الدارقطني، وابن جميع الصيداوي، وأبو الحسين بن المتيم، وآخرون.

قال الخطيب: كان ثقة حافظًا عارفا، عاش ثمانيا وسبعين سنة.

مات في شوال، سنة ثلاثين، وثلاث مائة.

قرأنا على عمر بن عبد المنعم الطائي، أخبرنا أبو القاسم بن الحرستاني في سنة تسع وست مائة، وأنا حاضر، أخبرنا علي بن المسلم الفقيه، أخبرنا الحسين بن محمد الخطيب، حدثنا محمد بن أحمد الغساني، حدثنا علي بن محمد ببغداد، حدثنا العباس بن محمد، حدثنا أزهر السمان، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عيله وسلم، قال:"اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا". وقالوا: وفي نجدنا؟ قال: "هناك الزلازل والفتن وبها -أو قال- منها يطلع قرن الشيطان"

(2)

.

هذا حديث صحيح الإسناد غريب.

(1)

تقدمت ترجمته في هذا الجزء بتعليقنا رقم "524"، وبترجمة عامة رقم "2975".

(2)

صحيح: تقدم تخريجنا له برقم "525"، وهو عند البخاري "7094"، ومسلم "2905".

ص: 537

‌3026 - ابن أبي مطر

(1)

:

الإمام الفقيه المعمر، قاضي الإسكندرية، ومسندها، أبو الحسن علي بن عبد الله بن يزيد بن أبي مطر المعافري، الإسكندراني، المالكي.

تفرد بالرواية: عن محمد بن عبد الله بن ميمون صاحب الوليد بن مسلم، وعن أحمد بن محمد بن عبدويه صاحب سفيان بن عيينة.

وتفقه بابن المواز، ورحل الطلبة إليه.

سمع منه: القاضي أبو الحسن البلياني، ودارس بن إسماعيل، ومنير بن أحمد الخشاب، وعبد الرحمن بن عمر بن النحاس.

لم يقع من حديثه شيء في "الخلعيات".

توفي سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة. وعاش مائة عام، رحمه الله.

‌3027 - نافلة علي بن حرب

(2)

:

الشيخ الصدوق المعمر، أبو جعفر، محمد بن يحيى بن عمر ابن المحدث علي بن حرب الطائي الموصلي.

قدم بغداد، فروى بها عن جد أبيه، وعن جده عمر، وأحمد بن إسحاق الخشاب.

حدث عنه: ابن مندة، وأبو الحسن بن رزقويه، وعمر بن أحمد العكبري، وأبو الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان، وجماعة.

وقع لنا من طريقه جزءان ما أعلاهما لسبط السلفي.

حسن البرقاني أمره.

وقال أبو حازم العبدوي: لا أعلمه إلَّا ثقة.

قلت: توفي ببغداد في رمضان سنة أربعين وثلاث مائة.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 250"، وميزان الاعتدال "3/ 142"، ولسان الميزان "4/ 237".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 432"، والعبر "2/ 255"، ولسان الميزان "5/ 428"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 357".

ص: 538

‌3028 - ابن أيوب

(1)

:

الإمام الحافظ النحوي الثبت، أبو عبد الله، الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي، الأديب، من كبار أصحاب الحديث.

ارتحل، وسمع من: أبي حاتم الرازي ولازمه مدة. وسمع: بمكة كثيرًا من أبي يحيى بن أبي مسرة الحافظ، وكتب عنه "مسنده"، وأخذ كتب أبي عبيد، عن علي بن عبد العزيز البغوي.

حدث عنه: الحافظ أبو علي النيسابوري، وأبو إسحاق المزكي، والمحدث أبو الحسين الحجاجي، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو علي الروذباري، وآخرون.

قال ابن أيوب الطوسي: سمعت ابن أبي مسرة، يقول. أنا أفتي بمكة منذ سبعين سنة.

قلت: وممن يروي عنه: ابن مندة الحافظ.

توفي سنة أربعين وثلاث مائة، وقد قارب التسعين.

‌3029 - الشاشي

(2)

:

الإمام الحافظ الثقة الرحال، أبو سعيد، الهيثم بن كليب بن سريج بن معقل الشاشي التركي صاحب "المسند الكبير".

سمع: عيسى بن أحمد العسقلاني، وأبا عيسى محمد بن عيسى الترمذي، وزكريا بن يحيى المروزي، وأبا جعفر محمد بن عبيد الله بن المنادي، وحمدان بن علي الوراق، وأحمد بن ملاعب، ومحمد بن عيسى المدائني، وأبا البختري بن شاكر، وعلي بن سهل، وإبراهيم بن عبد الله القصار، وعباس بن محمد الدوري، ويحيى بن أبي طالب، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، وطبقتهم.

حدث عنه: أبو عبد الله بن مندة، وعلي بن أحمد الخزاعي، ومنصور بن نصر الكاغدي، وآخرون.

وأصله من مرو.

توفي بسمرقند في سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة.

وفيها توفي شيخ الشافعية ابن القاص أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري ثم البغدادي صاحب ابن سريج، والإمام أبو عمر حمزة بن القاسم الهاشمي، وأبو الحسن علي بن محمد بن مهرويه القزويني، والمعمر أبو بكر محمد بن جعفر الصيرفي المطيري ببغداد، والعلامة أبو بكر محمد بن يحيى الصولي البغدادي.

(1)

ترجمته في العبر "2/ 253"، وشذرات الذهب لابن العماد "2/ 356".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 246"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 827"، والعبر "2/ 242"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 342".

ص: 539

‌3030 - ابن اللباد:

العلامة مفتي المغرب، أبو بكر، محمد بن محمد بن وشاح اللخمي مولاهم، الأفريقي عرف بابن اللباد.

تلميذ يحيى بن عمر، وعليه عول، وكان من بحور العلم.

صنف "عصمة الأنبياء"، وكتاب "الطهارة"، و"مناقب مالك" وتخرج به أئمة.

وكان مجاب الدعوة، عظيم الخطر.

وعليه تفقه أبو محمد بن أبي زيد.

منعه بنو عبيد من الإقراء والفتيا إلى أن توفي في صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة.

‌3031 - ابن المنادي

(1)

:

الإمام المقرئ الحافظ، أبو الحسين، أحمد بن جعفر ابن المحدث أبي جعفر محمد بن عبيد الله بن أبي داود بن المنادي، البغدادي، صاحب التواليف.

سمع من: جده، ومن محمد بن عبد الملك الدقيقي، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، وأبي داود السجستاني، وعبد الله بن محمد بن اليزيدي، وعدة. وأكبر شيخ له زكريا بن يحيى المروزي صاحب سفيان بن عيينة.

حدث عنه: أبو عمر بن حيويه، وأحمد بن نصر الشذائي المقرئ، وأحمد بن عبد الرحمن شيخ لعبد الباقي بن السقاء، وعبد الواحد بن أبي هاشم، ومحمد بن فارس الغوري، وجماعة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "4/ 69"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 357"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 828"، والعبر "2/ 242"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 295"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 343".

ص: 540

قال الداني: أخذ القراءة عرضًا، وروى الحروف سماعًا عن الحسن بن العباس، وأبي أيوب الضبي، وإدريس بن عبد الكريم، والفضل بن مخلد الدقاق، وسمى جماعة سواهم. ثم قال: مقرئ جليل غاية في الإتقان، فصيح اللسان، عالم بالآثار، نهاية في علم العربية، صاحب سنة، ثقة مأمون.

قرأ عليه: الشذائي، وابن أبي هاشم، وأحمد بن عبد الرحمن.

قال أبو بكر الخطيب: كان صلب الدين، شرس الأخلاق، فلذلك لم تنتشر عنه الرواية. وقد صنف أشياء، وجمع.

وكان مولده في سنة سبع وخمسين ومائتين تقريبًا.

وتوفي في المحرم سنة ست وثلاثين وثلاث مائة.

أنبأنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا الكندي، أخبرنا إسماعيل بن السمرقندي، أخبرنا أحمد بن علي المنيابي، أخبرنا أحمد بن محمد المجبر، حدثنا أحمد بن جعفر المنادي، حدثنا الصاغاني، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثني عبيد الله بن زحر، عن ليث، عن شهر بن حوشب، قال: كنا نأتي أبا سعيد، فنسأله، وكان يقول لنا: مرحبًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيأتيكم أناس يتفقهون ففقهوهم وأحسنوا تعليمهم"

(1)

.

أخبرنا سليمان بن أبي عمر القاضي، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا السلفي، أخبرنا جعفر السراج، أخبرنا علي بن المحسن، أخبرنا محمد بن العباس، أخبرنا أحمد بن جعفر بن المنادي، حدثني عبد الله بن محمد، أخبرني أخي أبو جعفر، وعمي إبراهيم، قالا: حدثنا يحيى بن المبارك العدوي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأ:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]، بغير ألف.

غريب منكر، وإسناده نظيف.

(1)

صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، فيه ثلاث علل: الأولى: عبيد الله بن زحر، قال ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن المديني: منكر الحديث. الثانية: ليث، وهو ابن أبي سليم، ضعيف. الثالث: شهر بن حوشب، ضعيف أيضا. وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال:"مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصينا بكم -يعني طلبة الحديث". أخرجه الحاكم "1/ 88"، والرامهرمزي في "الفاصل بين الراوي والواعي" من طريق سعيد بن سليمان الواسطي، حدثنا عباد بن العوام عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وهما كما قالا.

ص: 541

‌3032 - الخرقي

(1)

:

العلامة شيخ الحنابلة، أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله البغدادي الخرقي الحنبلي، صاحب "المختصر" المشهور في مذهب الإمام أحمد.

كان من كبار العلماء تفقه بوالده الحسين صاحب المروذي وصنف التصانيف.

قال القاضي أبو يعلى: كانت لأبي القاسم مصنفات كثيرة لم تظهر، لأنه خرج من بغداد لما ظهر بها سب الصحابة، فأودع كتبه في دار فاحترقت الدار.

قلت: وقدم دمشق، وبها توفي، وقبره ظاهر يزار بمقبرة باب الصغير.

قال أبو بكر الخطيب: زرت قبره.

وتوفي في سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة.

قلت: لم يقع لنا حديث من طريقه. وقد حكى عنه عبد الله بن عثمان الصفار.

وظهر في هذا الوقت الرفض والاعتزال بالعراق ببني بويه.

‌3033 - الكرماني

(2)

:

عبد الله بن يعقوب بن إسحاق، الكرماني.

روى عن: يحيى بن بحر الكرماني، صاحب حماد بن زيد، وعن محمد بن أبي يعقوب الكرماني ولم يدركه.

وعنه: أبو أحمد الحاكم، وأبو عبد الله بن مندة، وابن محمش.

قال الحاكم: كان في أيامي، ولم أسمع منه.

قيل: ولد سنة خمسين ومائتين.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "11/ 243"، والأنساب للسمعاني "5/ 92"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 346"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 492"، والعبر "2/ 238"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 336".

(2)

ترجمته في ميزان الاعتدال "2/ 527"، ولسان الميزان "3/ 279".

ص: 542

‌3034 - البصري:

الإمام القدوة الزاهد الصالح، أبو عثمان عمرو بن عبد الله بن درهم النيسابوري المطوعي الغازي، المعروف بالبصري.

سمع: محمد بن عبد الوهاب الفراء، وأحمد بن معاذ، وغيرهما.

حدث عنه: الحافظ أبو علي، وأبو إسحاق المزكي، وأبو عبد الله بن مندة، والحسن بن علي بن المؤمل، وأبو طاهر بن محمش، والعلوي، وآخرون.

توفي في شعبان سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة. وقد نيف على ثمانين سنة.

قال الحاكم: لم أرزق السماع منه على أنه كان يحضر منزلنا، وأنبسط إليه. قال لي أبي: صحبته إلى رباط فراوة. وما رأيت مثل اجتهاده حضرًا وسفرًا.

‌3035 - الإخشيذ

(1)

:

صاحب مصر الملك، أبو بكر محمد بن طغج بن جف بن خاقان، الفرغاني التركي.

روى عن عمه بدر.

وولي مصر سنة إحدى وعشرين، ثم دمشق مضافًا إلى مصر من قبل الراضي.

والإخشيذ بالتركي ملك الملوك.

وتوفي جده سنة سبع وأربعين ومائتين.

ثم صار طغج من كبار قواد خمارويه، ثم سار إلى بغداد فعظموه، فبدا منه كبر وتيه في حق الوزير، فسجن هو وابنه هذا، فمات في السجن، ثم أطلق محمد، وجرت له أمور طويلة إلى أن تملك.

وكان بطلًا شجاعًا حازمًا يقظًا مهيبًا سعيدًا في حروبه مكرما لأجناده شديد الأيد لا يكاد أن يجر أحد قوسه.

بلغ عدة مماليكه ثمانية آلاف. وقيل: بلغ عدد جيشه أربع مائة ألف راكب. وهذا بعيد، وله جماعة أولاد تملكوا بعده.

توفي بدمشق في ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة عن ست وستين سنة. ثم نقل، فدفن ببيت المقدس، غفر الله له.

وقد حاربه ابن رائق فهزمه الإخشيذ، ثم سار أخو الإخشيذ، فالتقى ابن رائق فقتل. فندم ابن رائق، وبعث ابنه مزاحما إلى الإخشيذ ليقتله بأخيه، فعفا، وخلع على مزاحم، ورده إلى أبيه.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "6/ 347"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 689"، والعبر "2/ 239"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 235"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 337".

ص: 543

‌3036 - الشبلي

(1)

:

شيخ الطائفة، أبو بكر، الشبلي البغدادي. قيل: اسمه دُلَف بن جَحْدر. وقيل: جعفر بن يونس. وقيل: جعفر بن دلف.

أصله من الشبلية -قرية. ومولده بسامراء.

وكان أبوه من كبار حجاب الخلافة. وولي هو حجابة أبي أحمد الموفق، ثم لما عزل أبو أحمد من ولاية، حضر الشبلي مجلس بعض الصالحين. فتاب ثم صحب الجنيد وغيره، وصار من شأنه ما صار.

وكان فقيهًا عارفا بمذهب مالك، وكتب الحديث عن طائفة. وقال الشعر، وله ألفاظ وحكم وحال وتمكن، لكنه كان يحصل له جفاف دماغ وسكر. فيقول: أشياء يعتذر عنه، فيها بأوٌ لا تكون قدوة.

حكى عنه: محمد بن عبد الله الرازي، ومحمد بن الحسن البغدادي، ومنصور بن عبد الله الهروي الخالدي، وأبو القاسم عبد الله بن محمد الدمشقي، وابن جميع الغساني، وآخرون.

قيل إنه مرة قال: آه. فقيل له: من أي شيء؟ قال: من كل شيء.

وقيل: إن ابن مجاهد قال له: أين في العلم إفساد ما ينفع؟ قال: قوله {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص: 33]. ولكن يا مقرئ أين معك أن المحب لا يعذب حبيبه؟ فسكت ابن مجاهد. قال: قوله {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ} [المائدة: 18].

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "10/ ترجمة 466"، وتاريخ بغداد "14/ 389"، والأنساب للسمعاني "7/ 282"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 347"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 229"، والعبر "2/ 240"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 289"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 338".

ص: 544

وعنه: قال: ما قلت: الله إلَّا واستغفرت الله من قولي: الله.

قال أحمد بن عطاء الروذباري: سمعت الشبلي يقول: كتبت الحديث عشرين سنة، وجالست الفقهاء عشرين سنة. وكان له يوم الجمعة صيحة، فصاح يومًا، فتشوش الخلق، فحرد أبو عمران الأشيب والفقهاء فجاء إليهم الشبلي، فقالوا: يا أبا بكر إذا اشتبه عليها دم الحيض بالاستحاضة ما تصنع؟ فأجاب بثمانية عشر جوابا. فقام أبو عمران، فقبل رأسه.

وكان رحمه الله لهجًا بالشعر الغزل والمحبة. وله ذوق في ذلك، وله مجاهدات عجيبة انحرف منها مزاجه.

قال السلمي: سمعت محمد بن الحسن، سمعت الشبلي يقول: أعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه، وغرق سبعين قمطرا بخطه في دجلة التي ترون وحفظ "الموطأ"، وتلا بكذا وكذا قراءة -يعني: نفسه.

وسئل: ما علامة العارف؟ قال: صدره مشروح، وقلبه مجروح، وجسمه مطروح.

توفي ببغداد سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة. عن نيف وثمانين سنة.

ص: 545

‌3037 - الزيدي

(1)

:

الإمام الحافظ الناقد المجود، أبو أحمد، حامد بن أحمد بن محمد بن أحمد المروزي، المشهور بالزيدي؛ لكونه اعتنى بجمع أحاديث زيد بن أبي أنيسة.

سكن طرسوس مرابطًا.

وحدث ببغداد عن: محمد بن نصر بن شيبة، وأبي رجاء محمد بن حمدويه، وأحمد بن سورة المراوزة، وعلي بن الحسن بن سلم الأصبهاني، ومحمد بن العباس الدمشقي.

حدث عنه: محمد بن إسماعيل الوراق، وأبو الحسن الدارقطني، وابن الثلاج، وأبو الحسين بن جميع، وآخرون.

وله انتخاب على خيثمة الأطرابلسي.

مات في الكهولة.

قال الخطيب: كان ثقة، موصوفًا بالحفظ، مذكورا بالفهم.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 171"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 876".

ص: 545

قال طلحة الشاهد: مات الحافظ أبو أحمد الزيدي سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة. وكذا ورخه محمد بن الفياض وزاد: في رمضان.

وقال ابن يونس: كان يحفظ ويفهم، توفي في رمضان سنة تسع وعشرين ببغداد.

قال الخطيب: الأول أصح، وبلغني أنه ولد سنة اثنتين وثمانين ومائتين.

قلت: لولا قدم وفاته لذكرته مع ابن عدي والإسماعيلي.

وبإسنادي إلى ابن جميع، حدثنا حامد بن محمد أبو أحمد الحافظ، حدثنا محمد بن عمران، حدثنا محمد بن يحيى القصري، حدثنا بشر بن عقار، عن عزرة بن ثابت، عن مطر الوراق، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: "الوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والغسل يوم الجمعة"

(1)

هذا حديث غريب.

ثم الجزء الحادي عشر ويليه:

الجزء الثاني عشر، وأوله: ابن القاص.

(1)

ضعيف بهذا اللفظ: وهذا إسناد ضعيف، آفته مطر الوراق، فإنه ضعيف. لكن ورد عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي بثلاث: "بصيام ثلاث أيام من كل شهر، وركعتى الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام". أخرجه البخاري "1178"، ومسلم "721"، وأبو داود "1432".

ص: 546