المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌الطبقة الخامسة والعشرون: ‌ ‌4321 - النوقاني (1) : الشيخ، الإمام، - سير أعلام النبلاء - ط الحديث - جـ ١٤

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌الطبقة الخامسة والعشرون:

‌4321 - النوقاني

(1)

:

الشيخ، الإمام، الفقيه، الصالح، المسند، أبو القاسم، إسماعيل بن زاهر بن محمد النوقاني ثم النيسابوري.

سمع: أبا الحسن العلوي، وأبا الطيب الصعلوكي، وعبد الله بن يوسف ابن بامويه، وأبا طاهر بن محمش، وعدة بنيسابور، وأبا الحسين بن بشران، وطبقته ببغداد، وجناح بن نذير المحاربي بالكوفة، وأبا عبد الله بن نظيف بمكة.

حدث عنه: زاهر بن طاهر، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وإسماعيل بن عبد الرحمن القاري، وعبد الكريم بن محمد الدامغاني، وسعيد بن علي الشجاعي، وعائشة بنت أحمد الصفار، وأبو الفتوح عبد الله الخركوشي، وعبد الكريم بن علي العلوي، وعبد الملك بن عبد الواحد، ومحمد بن جامع خياط الصوف.

ومن سماعاته كتاب "تاريخ يعقوب الفسوي"، من ابن الفضل القطان، عن ابن درستويه، عنه.

قال عبد الغافر الفارسي أو غيره: تفقه على أبي بكر الطوسي، وعقد مجلس الإملاء، وأفاد الكثير، مولده: في سنة سبع وتسعين وثلاث مائة، ومات في سنة تسع وسبعين وأربع مائة، وقديم سماعه بالحضور.

وفيها توفي: شيخ الشيوخ أبو سعد أحمد بن محمد بن دُوست ببغداد، وجعبر بن سابق الأمير، وطاهر بن محمد الشحامي، وسليمان بن قتلمش صاحب قونية، وأبو علي التستري، وعلي بن فضال المجاشعي شيخ النحو، ومحمد بن عبيد الله الصرام، ومسند وقته أبو نصر الزينبي.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 31"، والعبر "3/ 294"، وشذرات الذهب العماد الحنبلي "3/ 363".

ص: 5

‌4322 - ابن اللاَّلكائي

(1)

:

الفقيه أبو بكر، محمد بن الحافظ هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري، اللالكائي. من فقهاء الشافعية ببغداد.

روى عن: الحفار، وأبي الحسين بن بشران، وابن الفضل القطان.

وعنه: إسماعيل بن السمرقندي، وسبط الخياط، وعبد الوهاب الأنماطي.

مات في جمادى الأولى، سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة.

‌4323 - الشَّحَّامي

(2)

:

الشيخ، المحدث، الفقيه، الصالح، أبو عبد الرحمن، طاهر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف النيسابوري، المستملي، المعدل، أحد من عني بهذا الشأن.

حدث عن: القاضي أبي بكر الحيري، وأبي سعيد الصيرفي، وفضل الله الميهني، والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، وصاعد بن محمد القاضي، ووالده الصالح محمد بن محمد، وعدة.

حدث عنه: ابناه زاهر ووجيه، وحفيداه عبد الخالق بن زاهر، وفاطمة بنت خلف، وعبد الغافر بن إسماعيل، وآخرون.

صنف كتابا بالفارسية في الشرائع، واستملى على نظام الملك الوزير، وطائفة.

وكان فقيها أديبا بارعا، شاعرا، بصيرا بالوثائق، صالحا، عابدا، أسمع أولاده وأحفاده، وحصل لهم الأسانيد العالية.

مات: في جمادى الأولى، سنة تسع وسبعين وأربع مائة، وله ثمانون سنة رحمه الله.

‌4324 - صاحب الروم

(3)

:

السلطان سليمان بن قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق السلجوقي، جد ملوك الروم.

حاصر حلب، فكاتب أهلها صاحب دمشق تتُش بن ألب آرسلان، فسارع، فالتقى الجمعان بظاهر حلب، فانهزم الرُّوميون، وثبت سليمان، إلى أن قُتلَ. وقيل: بل قتل نفسه بسكين عند الغلبة. وكان صاحب مدينة قونيه

(4)

، فتملك بعده ابنه قلج آرسلان، في سنة تسع وسبعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "8/ 324"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "5/ 151".

(2)

ترجمته في العير "3/ 294 - 295"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 363".

(3)

ترجمته في العبر "3/ 285"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "15/ 420"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 124".

(4)

قونية: هي من أعظم مدن الإسلام بالروم، وهي وسط تركيا الأسيوية، عاصمة سلطنة الروم، وكان بها وبأقصرى سكنى ملوكها "ياقوت".

ص: 6

‌4325 - الكَوْسَج:

الشيخ أبو المظفر، محمود بن جعفر بن محمد التميمي، الأصبهاني.

روى عن: عم أبيه الحسين بن أحمد، والحسين بن علي بن البغدادي.

وعنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، و ........... عدل مرضي.

توفي سنة ثلاث وسبعين وأربع مائة.

‌4326 - حَيْدَرة بن علي

(1)

:

ابن محمد، العلامة أبو المنجا، القحطاني، الأنطاكي، المعبر.

روى عن: عبد الرحمن بن أبي نصر، والحسن بن علي الكفرطابي، وجماعة.

وعنه: هبة الله بن الأكفاني، وجمال الإسلام، والقاضي يحيى بن علي القرشي.

قال ابن ماكولا: كتبتُ عنه بدمشق.

وكان من أهل الدين، وكان يذكر أنه يحفظ في علم التعبير عشرة آلاف ورقة وثلاث مائة ونيف وسبعين ورقة.

قلت: يكون هذا القدر نحوًا من أربعين مجلدًا، فالله أعلم بصحة ذلك.

‌4327 - الجُهني:

الشيخ الرئيس، أبو الحسن محمد بن الحسن بن محمد بن القاسم بن المنثور الجهني، الكوفي، الشيعي، آخر من حدث عن محمد بن عبد الله الجعفي.

روى عنه: عمر بن إبراهيم الزيدي، ومحمد بن طرخان، وأبو القاسم بن السمرقندي،

وآخرون.

وعاش اثنتين وثمانين سنة.

توفي في شعبان، سنة ست وسبعين وأربع مائة. كان رديء العقيدة، الله يسامحه.

(1)

سبقت ترجمته في المجلد الثالث عشر برقم ترجمة عام "4298"، وبتعليقنا رقم "601".

ص: 7

‌4328 - ابنُ عَلاَّن:

الشيخ، المسند، الثقة، أبو الفرج، محمد بن أحمد بن علان الكرجي ثم الكوفي.

روى عن: أبي الحسن بن النجار، ومحمد بن عبد الله الجعفي الهرواني.

روى عنه: أبو الغنائم النرسي، وطائفة آخرهم موتًا أبو الحسن بن غبرة.

قال النرسي: هو ثقة من عدول الحاكم. توفي في شعبان، سنة ست وسبعين وأربع مائة.

قلت: فهو وابن المنثور الجهني انتهى إليهما علو الإسناد بالكوفة، وقد ماتا في شهر.

ومات فيها التاجر الكبير أبو عبد الله محمد بن أحمد بن جردة العكبري، واقف المسجد المعروف، ونعمته نحو ثلاث مائة ألف دينار. ومقرئ إشبيلية أبو عبد الله محمد بن شريح الرعيني، والمحدث عبد الله بن عطاء الإبراهيمي الهروي، والعلامة العابد أبو الوفاء طاهر بن الحسين الحنبلي القواس، ومؤلف الفرائض أبو حكيم عبد الله بن إبراهيم الخبري.

‌4329 - القَوَّاس

(1)

:

الإمام القدوة، الكبير، أبو الوفاء، طاهر بن الحسين بن أحمد البغدادي، الحنبلي، القواس، البابصري.

سمع من: الحفار، ومحمود العكبري، وأبي الحسين بن بشران.

وعنه: ابنا السمرقندي، وعلي بن طراد، والأنماطي.

وكان من العلماء العاملين، صادقا، مخلصا، قانعا باليسير.

توفي في شعبان، سنة ست وسبعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 8 - 9"، والعبر "3/ 284"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 351".

ص: 8

‌4330 - أبو إسحاق الشِّيرازِي

(1)

:

الشيخ، الإمام، القدوة، المجتهد، شيخ الإسلام، أبو إسحاق، إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي، الشيرازي، الشافعي، نزيل بغداد، قيل: لقبه جمال الدين.

مولده في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة.

تفقه على: أبي عبد الله البيضاوي، وعبد الوهاب بن رامين بشيراز، وأخذ بالبصرة عن الخرزي.

وقدم بغداد سنة خمس عشرة وأربع مائة، فلزم أبا الطيب، وبرع، وصار مُعيده، وكان يُضرب المثل بفصاحته وقوة مناظرته.

وسمع من: أبي علي بن شاذان، وأبي بكر البرقاني، ومحمد بن عبيد الله الخرجُوشي.

حدث عنه: الخطيب، وأبو الوليد الباجي، والحُميدي، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو البدر الكرخي، والزاهد يوسف بن أيوب، وأبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، وأبو الحسن بن عبد السلام، وأحمد بن نصر بن حمان الهمذاني خاتمة من روى عنه.

قال السمعاني: هو إمام الشافعية، ومدرس النظامية، وشيخ العصر. رحل الناس إليه من البلاد، وقصدوه، وتفرد بالعلم الوافر مع السيرة الجميلة، والطريقة المرضية. جاءته الدنيا صاغرة، فأباها، واقتصر على خشونة العيش أيام حياته. صنف في الأصول والفروع والخلاف والمذهب، وكان زاهدًا، ورعا، متواضعا، ظريفا، كريما، جوادا، طلق الوجه، دائم البشر، مليح المحاورة. حدثنا عنه جماعة كثيرة.

حكي عنه قال: كنت نائما ببغداد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله! بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار، فأريد أن أسمع منك حديثا أتشرف به في الدنيا، وأجعله ذخرا للآخرة، فقال لي: يا شيخ! -وسماني شيخًا وخاطبني به. وكان يفرح بهذا- قل عني: من أراد السلامة، فليطلبها في سلامة غيره. قال السمعاني: سمعت هذا بمرو من أبي القاسم حيدر بن محمود الشيرازي، أنه سمع ذلك من أبي إسحاق.

وعن أبي إسحاق: أن رجلا أخسأ كلبا، فقال: مه! الطريق بينك وبينه.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "9/ 361"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 7 - 8"، وفيات الأعيان "1/ ترجمة 5"، والعبر "3/ 283"، وطبقات الشافعية للسبكي "4/ 215"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ " وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 349".

ص: 9

وعنه: أنه اشتهى ثريدا بماء باقلاء، قال: فما صح لي أكله لاشتغالي بالدرس وأخذي النوبة.

قال السمعاني: قال أصحابنا ببغداد: كان الشيخ أبو إسحاق إذا بقي مدة لا يأكل شيئا، صعد إلى النصرية وله بها صديق، فكان يثرد له رغيفًا، ويشربه بماء الباقلاء، فربما صعد إليه وقد فرغ، فيقول أبو إسحاق:{تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} [النازعات: 12].

قال أبو بكر الشاشي: أبو إسحاق حجة الله على أئمة العصر.

وقال الموفق الحنفي: أبو إسحاق أمير المؤمنين في الفقهاء.

قال القاضي ابن هانئ: إمامان ما اتفق لهما الحج، أبو إسحاق، وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني. أما أبو إسحاق فكان فقيرا، ولو أراده لحملوه على الأعناق. والآخر لو أراده لأمكنه على السندس والإستبرق.

السمعاني: سمعت أبا بكر محمد بن القاسم الشهرزوري بالموصل يقول: كان شيخنا أبو إسحاق إذا أخطأ أحد بين يديه قال: أي سكتة فاتتك؟!. قال: وكان يتوسوس -يعني: في الماء-. وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان أبو إسحاق يتوضأ في الشط، ويشك في غسل وجهه، حتى يغسله مرات، فقال له رجل: يا شيخ! ما هذا? قال: لو صحت لي الثلاث ما زدت عليها.

قال السمعاني: دخل أبو إسحاق يوما مسجدا ليتغدى، فنسي دينارا، ثم ذكر، فرجع، فوجده، ففكر، وقال: لعله وقع من غيري، فتركه.

قيل: إن ظاهرا النيسابوري خرج لأبي إسحاق جزءا، فقال: أخبرنا أبو علي بن شاذان. ومرة: أخبرنا الحسن بن أحمد البزاز. ومرة: أخبرنا الحسن ابن أبي بكر الفارسي، فقال: من ذا? قال: هو ابن شاذان. فقال: ما أريد هذا الجزء، التدليس أخو الكذب.

قال القاضي أبو بكر الأنصاري: أتيت أبا إسحاق بفتيا في الطريق، فأخذ قلم خباز، وكتب، ثم مسح القلم في ثوبه.

قال السمعاني: سمعت جماعة يقولون: لما قدم أبو إسحاق نيسابور رسولا تلقوه، وحمل إمام الحرمين غاشيته، ومشى بين يديه وقال: أفتخر بهذا. وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلامذته وأتباعه وكفاهم بذلك فخرا وكان ينشد الأشعار المليحة، ويوردها، ويحفظ منها الكثير.

وعنه قال: العلم الذي لا ينتفع به صاحبه أن يكون الرجل عالما ولا يكون عاملا.

ص: 10

وقال: الجاهل بالعالم يقتدي، فإذا كان العالم لا يعمل، فالجاهل ما يرجو من نفسه? فالله الله يا أولادي! نعوذ بالله من علم يصير حجةً علينا.

قيل: إن عبد الرحيم بن القشيري جلس بجنب الشيخ أبي إسحاق، فأحس بثقل في كمه، فقال: ما هذا يا سيدنا? قال: قرصي الملاح، وكان يحملهما في كمه للتكلف.

قال السمعاني: رأيت بخط أبي إسحاق رُقعة فيها نسخة ما رآه أبو محمد المزيدي: رأيت في سنة ثمان وستين ليلة جمعة أبا إسحاق الفيروزآبادي في منامي يطير مع أصحابه في السماء الثالثة أو الرابعة، فتحيرت، وقلت في نفسي: هذا هو الشيخ الإمام مع أصحابه يطير وأنا معهم، فكنت في هذه الفكرة إذ تلقى الشيخ ملك، وسلم عليه عن الرب تعالى، وقال: إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول: ما تدرس لأصحابك? قال: أدرس ما نقل عن صاحب الشرع. قال له الملك: فاقرأ علي شيئًا أسمعه. فقرأ عليه الشيخ مسألةً لا أذكرها. ثم رجع الملك بعد ساعة إلى الشيخ، وقال: إن الله يقول: الحق ما أنت عليه وأصحابك، فادخل الجنة معهم.

قال الشيخ أبو إسحاق: كنت أعيد كل قياس ألف مرة، فإذا فرغت، أخذت قياسًا آخر على هذا، وكنت أعيد كل درس ألف مرة، فإذا كان في المسألة بيت يستشهد به حفظت القصيدة التي فيها البيت.

كان الوزير ابن جَهِير كثيرًا ما يقول: الإمام أبو إسحاق وحيد عصره، وفريد دهره، ومستجاب الدعوة.

قال السمعاني: لما خرج أبو إسحاق إلى نيسابور، خرج معه جماعة من تلامذته كأبي بكر الشاشي، وأبي عبد الله الطبري، وأبي معاذ الأندلسي، والقاضي علي الميانجي، وقاضي البصرة ابن فتيان، وأبي الحسن الآمدي، وأبي القاسم الزنجاني، وأبي علي الفارقي، وأبي العباس بن الرطبي.

قال ابن النجار: ولد أبو إسحاق بفيروزاباذ -بليدة بفارس- ونشأ بها، وقرأ الفقه بشيراز على أبي القاسم الداركي، وعلى أبي الطيب الطبري صاحب الماسرجسي، وعلى الزجاجي صاحب ابن القاص، وقرأ الكلام على أبي حاتم القزويني صاحب ابن الباقلاني، وخطه في غاية الرداءة.

قال أبو العباس الجرجاني القاضي: كان أبو إسحاق لا يملك شيئًا، بلغ به الفقر، حتى كان لا يجد قوتًا ولا ملبسًا، كنا نأتيه وهو ساكن في القطيعة، فيقوم لنا نصف قومة، كي لا

ص: 11

يظهر منه شيء من العري، وكنت أمشي معه، فتعلق به باقلاني، وقال: يا شيخ! كسرتني وأفقرتني! فقلنا: وكم لك عنده? قال: حبتان من ذهب أو حبتان ونصف.

وقال ابن الخاضبة: كان ابن أبي عقيل يبعث من صور إلى الشيخ أبي إسحاق البدلة والعمامة المثمنة، فكان لا يلبس العمامة حتى يغسلها في دجلة، ويقصد طهارتها.

وقيل: إن أبا إسحاق نزع عمامته -وكانت بعشرين دينارا- وتوضأ في دجلة، فجاء لص، فأخذها، وترك عمامةً رديئة بدلها، فطلع الشيخ، فلبسها، وما شعر حتى سألوه وهو يدرس، فقال: لعل الذي أخذها محتاج.

قال أبو بكر بن الخاضبة: سمعت بعض أصحاب أبي إسحاق يقول: رأيت الشيخ كان يصلي عند فراغ كل فصل من "المهذب".

قال نظام -الملك وأثنى على أبي إسحاق وقال: كيف حالي مع رجل لا يفرق بيني وبين نهروز الفراش في المخاطبة? قال لي: بارك الله فيك. وقال له لما صب عليه كذلك.

قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: حكى أبي قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي عزاءً، فتكلم الشيخ أبو إسحاق واجلًا، فلما خرجنا، قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق! لو رآه الشافعي لتجمل به.

أخبرني الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا السلفي: سألت شجاعًا الذهلي عن أبي إسحاق فقال: إمام أصحاب الشافعي والمقدم عليهم في وقته ببغداد. كان ثقةً، ورعًا، صالحًا، عالمًا بالخلاف علمًا لا يشاركه فيه أحد.

قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: ندب المقتدي بالله أبا إسحاق للرسلية إلى المعسكر، فتوجه في آخر سنة خمس وسبعين، فكان يخرج إليه أهل البلد بنسائهم وأولادهم يمسحون أردانه*، ويأخذون تراب نعليه يستشفون به، وخرج الخبازون، ونثروا الخبز، وهو ينهاهم، ولا ينتهون، وخرج أصحاب الفاكهة والحلواء، ونثروا على الأساكفة، وعملوا مداسات صغارًا، ونثروها، وهي تقع على رؤوس الناس، والشيخ يعجب، وقال لنا: رأيتم النثار، ما وصل إليكم منه? فقالوا: يا سيدي! وأنت أي شيء كان حظك منه? قال: أنا غطيت نفسي بالمحفة.

* الرُّدن: بالضم: أصل الكُمِّ. يقال: قميصٌ واسع الردن. ابن سيده: الردن مقدم كم القميص، وقيل: هو أسفله، وقيل: هو الكلم كله، والجمع: أردان وأردنه.

ص: 12

قال شيرويه الديلمي في "تاريخ همذان": أبو إسحاق إمام عصره قدم علينا رسولا إلى السلطان ملكشاه، سمعت منه، وكان ثقةً فقيهًا زاهدًا في الدنيا على التحقيق، أوحد زمانه.

قال خطيب الموصل أبي الفضل: حدثني أبي قال: توجهت من الموصل سنة "459" إلى أبي إسحاق، فلما حضرت عنده رحب بي، وقال: من أين أنت? فقلت: من الموصل، قال: مرحبًا أنت بلديي. قلت: يا سيدنا! أنت من فيروزاباد. قال: أما جمعتنا سفينة نوح? فشاهدت من حسن أخلاقه ولطافته وزهده ما حبب إلي لزومه، فصحبته إلى أن مات.

توفي ليلة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة، سنة ست وسبعين وأربع مائة ببغداد، وأحضر إلى دار أمير المؤمنين المقتدي بالله، فصلى عليه، ودفن بمقبرة باب أبرز، وعمل العزاء بالنظامية، وصلى عليه صاحبه أبو عبد الله الطبري، ثم رتب المؤيد بن نظام الملك بعده في تدريس النظامية أبا سعد المتولي، فلما بلغ ذلك النظام، كتب بإنكار ذلك، وقال: كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنةً من أجل الشيخ. وعاب على من تولى، وأمر أن يدرس الإمام، أبو نصر عبد السيد بن الصباغ بها.

قلت: درس بها الشيخ أبو إسحاق بعد تمنع، ولم يتناول جامكيةً أصلًا، وكان يقتصر على عمامة صغيرة وثوب قطني، ويقنع بالقوت، وكان الفقيه رافع الحمال رفيقه في الاشتغال، فيحمل شطر نهاره بالأجرة، وينفق على نفسه وعلى أبي إسحاق، ثم إن رافعا حج وجاور، وصار فقيه الحرم في حدود الأربعين وأربع مائة.

ومات أبو إسحاق، ولم يخلف درهمًا، ولا عليه درهم. وكذا فليكن الزهد، وما تزوج فيها أعلم، وبحسن نيته في العلم اشتهرت تصانيفه في الدنيا، "كالمهذب"، و "التنبيه"، و "اللمع في أصول الفقه"، و "شرح اللمع"، و "المعونة في الجدل"، و "الملخص في أصول الفقه"، وغير ذلك.

ومن شعره:

أُحبّ الكأس من غير المدام

وألهو بالحساب بلا حرام

وما حبّي لفاحشةٍ ولكن

رأيت الحبّ أخلاق الكرام

وقال:

سألت النّاس عن خلٍّ وفيٍّ

فقالوا ما إلى هذا سبيل

تمسّك إن ظفرت بودّ حرٍّ

فإنّ الحرّ في الدّنيا قليل

ولعاصم بن الحسن فيه:

ص: 13

تراه من الذّكاء نحيف جسمٍ

عليه من توقّده دليل

إذا كان الفتى ضخم المعاني

فليس يضيره الجسم النّحيل

ولأبي القاسم بن ناقياء يرثيه:

أجرى المدامع بالدّم المهراق

خطبٌ أقام قيامة الآماق

خطبٌ شجا منّا القلوب بلوعةٍ

بين التّراقي ما لها من راق

ما للّيالي لا تؤلّف شملها

بعد ابن بجدبها أبي إسحاق

إن قيل مات فلم يمت من ذكره

حيٌّ على مرّ اللّيالي باقِ

وعن أبي إسحاق قال: خرجت إلى خراسان، فما دخلت بلدة إلَّا كان قاضيها أو خطيبها أو مفتيها من أصحابي. قال أنوشتكين الرضواني: أنشدني أبو إسحاق الشيرازي لنفسه:

ولو أنّي جعلت أمير جيشٍ

لما قاتلت إلَّا بالسّؤال

لأنّ النّاس ينهزمون منه

وقد ثبتوا لأطراف العوالي

ص: 14

‌4331 - ابن الصَّبَّاغ

(1)

:

الإمام، العلامة، شيخ الشافعية، أبو نصر، عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر البغدادي، الفقيه المعروف بابن الصباغ، مصنف كتاب "الشامل"، وكتاب "الكامل"، وكتاب "تذكرة العالم والطريق السالم". مولده سنة أربع مائة.

وسمع: محمد بن الحسين بن الفضل القطان، وأبا علي بن شاذان. حدث عنه: ولده المسند أبو القاسم علي، وأبو نصر الغازي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وإسماعيل بن السمرقندي، وآخرون.

قال أبو سعد السمعاني: كان أبو نصر يضاهي أبا إسحاق الشيرازي، وكانوا يقولون: هو أعرف بالمذهب من أبي إسحاق. وكانت الرحلة إليهما. وكان أبو نصر ثبتًا، حجةً، دينًا، خيرًا، درس بالنظامية بعد أبي إسحاق، وكف بصره في آخر عمره، وحدث بجزء ابن عرفة"، عن ابن الفضل.

وقال ابن خلكان: كان تقيًا، صالحًا، و"شامله" من أصح كتب أصحابنا، وأثبتها أدلةً، درس بالنظامية أول ما فتحت، ثم عزل بعد عشرين يومًا بأبي إسحاق، سنة تسع وخمسين، وكان الواقف قرر أبا إسحاق، فاجتمع الناس، وتغيب أبو إسحاق، فأحضروا أبا نصر، ورتب فيها، فتألم أصحاب أبي إسحاق، وفتروا عن مجلسه، وراسلوه بأنه إن لم يدرس بالنظامية لازموا ابن الصباغ، وتركوه فأجابهم، وصرف ابن الصباغ.

قال شجاع الذهلي: توفي الشيخ أبو نصر: في يوم الثلاثاء، ثالث عشر جمادى الأولى، سنة سبع وسبعين وأربع مائة، ودفن من الغد بداره بدرب السلولي.

قال أبو سعد السمعاني: ثم نقل إلى مقبرة باب حرب.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ ترجمة 14"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 399"، والعبر "3/ 287" والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 119"، وشذرا تالذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 355".

ص: 14

أبوه:

‌4332 - ابن الصَّبَّاغ

(1)

:

الإمام، المفتي، البارع، العلامة أبو طاهر بن الصباغ، الشافعي، البيع.

سمع أبا حفص بن شاهين، وعلي بن مردك، والمعافى الجريري، وأبا القاسم بن حبابة.

حدث عنه: أبو بكر الخطيب، وأبو الغنائم النرسي، وغيرهما.

قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان ثقةً. تفقه على أبي حامد الإسفراييني، وكانت له حلقة للفتوى.

توفي في ذي القعدة، سنة ثمان وأربعين وأربع مائة، وقد قارب الثمانين.

ولده:

‌4333 - ابن الصَّبَّاغ

(2)

:

العالم، المسند، العدل، أبو القاسم، علي بن عبد السيد ابن الشيخ أبي طاهر بن الصباغ الشاهد.

سمع كتاب "السبعة" لابن مجاهد من أبي محمد بن هزارمرد الصريفيني، وغير ذلك. وسمع من: أبيه، وطائفة.

(1)

سبقت ترجمته في الجزء الثالث عشر برقم ترجمة عام "4106"، وبتعليقنا رقم "379".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 115"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 131".

ص: 15

روى عنه: ابن عساكر، والسمعاني، والمؤيد بن الإخوة، وعمر بن طبرزد. وأجاز لأبي القاسم بن صصرى.

قال السمعاني: شيخ ثقة، صالح، حسن السيرة، مات في جمادى الأولى، سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة وله إحدى وثمانون سنةً، رحمه الله.

فأبو نصر بن الصباغ أول من درس بالنظامية، عندما أديرت سنة تسع وخمسين، ثم درس الشيخ أبو إسحاق، وعزل أبو نصر بعد عشرين يومًا، ثم درس بعد أبي إسحاق أبو سعد المتولي مدة يسيرة، وولي ابن الصباغ، ثم عزل بعد أشهر بالمتولي، ثم بعد موته درس بها الشريف أبو القاسم الدبوسي إلى أن مات، فدرس الحسين بن محمد الطبري، ثم قدم الشيخ عبد الوهاب بن محمد الفامي، فدرسا معًا مناوبةً، إلى أن عزلا سنة أربع وثمانين بالغزالي، فدرس أربع سنين، وحج، ونزل الشام، وناب أخوه أحمد، ثم في سنة تسع وثمانين أعيد إليها الطبري، فدرس ثلاثة أعوام، ثم درس إلكيا أبو الحسن الهراسي، إلى أن مات سنة "504"، فدرس أبو بكر الشاشي حتى مات، فدرس بعده أسعد الميهني، وعزل في شوال سنة "513"، ودرس الأغر عبد الرحمن الطبري، وعزل سنة "17" بأبي الفتح بن برهان، وعزل بعد أربعة أشهر بأبي الفتح عبد الواحد بن حسن بن محمد الباقرحي، ثم بعد شهرين أعيد الميهني، ثم بعد شهرين أعيد ابن برهان، فدرس درسًا، وعزل بأبي منصور ابن الرزاز، وعزل بعد أشهر بأبي سعد يحيى بن علي الحلواني، ثم درس بعده أبو علي الحسن بن الفتى، سنة إحدى وعشرين ومات، فأعيد ابن الرزاز إلى أن عزل بعد عشر سنين بأبي بكر محمد بن عبد اللطيف الخجندي، فدرس أشهرًا، وخرج إلى أصبهان، فأعيد ابن الرزاز، ثم عزل سنة سبع وثلاثين، فولي حفيد الواقف أبو نصر محمد بن علي بن أحمد بن نظام الملك، ثم عزل في أول سنة خمس وأربعين، ودرس يوسف الدمشقي، ثم ألزم بيته بعد أسبوعين، ودرس أبو النجيب السهروردي، ثم عزل سنة سبع وأربعين، وأعيد حفيد الواقف، ثم عزل بعد عشر سنين، وأعيد يوسف الدمشقي، ودرس بعده سنة "63" أبو جعفر بن الصباغ نيابةً، وصرف بعد ثلاث سنين، وولي أبو نصر أحمد بن عبد الله بن الشاشي، وعزل سنة تسع وستين، فوليها أبو الخير الطالقاني، فدرس بها إحدى عشرة سنة، ورجع إلى بلاده، فدرس بها أبو طالب بن الخل، ثم ناب في التدريس علي بن علي الفارقي، ثم وليها سنة "593" المجير محمود بن المبارك البغدادي، إلى أن مات، ووليها يحيى بن الربيع، ثم بعده يحيى بن القاسم التكريتي سبع سنين، وعزل سنة "614" بمحمد بن يحيى بن فضلان، ثم عزل بعد عامين بمحمود بن أحمد الزنجاني، فدرس مدة، وبعده في رجب سنة 636 وليها محمد بن يحيى بن الحُبَير.

ص: 16

‌4334 - إمام الحَرَمين

(1)

:

الإمام الكبير، شيخ الشافعية، إمام الحرمين، أبو المعالي، عبد الملك ابن الإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، ثم النيسابوري، ضياء الدين، الشافعي، صاحب التصانيف.

ولد في أول سنة تسع عشرة وأربع مائة.

وسمع من أبيه، وأبي سعد النصرويي، وأبي حسان محمد بن أحمد المزكي، ومنصور بن رامش، وعدة. وقيل: إنه سمع حضورًا من صاحب الأصم علي بن محمد الطرازي.

وله أربعون حديثًا سمعناها.

روى عنه: أبو عبد الله الفراوي، وزاهر الشحامي، وأحمد بن سهل المسجدي، وآخرون.

وفي "فنون" ابن عقيل: قال عميد الملك: قدم أبو المعالي، فكلم أبا القاسم بن برهان في العباد، هل لهم أفعال? فقال أبو المعالي: إن وجدت آية تقتضي ذا فالحجة لك، فتلا:{وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون: 63]، ومد بها صوته، وكرر {هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} ، وقوله:{لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 42]، أي كانوا مستطيعين. فأخذ أبو المعالي يستروح إلى التأويل، فقال: والله إنك بارد؛ تتأول صريح كلام الله لتصحح بتأويلك كلام الأشعري، وأكله ابن برهان بالحجة، فبهت.

قال أبو سعد السمعاني: كان أبو المعالي، إمام الأئمة على الإطلاق، مجمعًا على إمامته شرقًا وغربًا، لم تر العيون مثله. تفقه على والده، وتوفي أبوه ولأبي المعالي عشرون سنة، فدرس مكانه، وكان يتردد إلى مدرسة البيهقي، وأحكم الأصول على أبي القاسم الإسفراييني الإسكاف. وكان ينفق من ميراثه ومن معلوم له، إلى أن ظهر التعصب بين الفريقين، واضطربت الأحوال، فاضطر إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر، ثم إلى بغداد،

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "3/ 386"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 18"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 121"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 358".

ص: 17

وصحب الوزير أبا نصر الكندري مدة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بكبار العلماء، ويناظرهم، فتحنك بهم، وتهذب، وشاع ذكره، ثم حج، وجاور أربع سنين يدرس، ويفتي، ويجمع طرق المذهب، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب، فدرس بنظامية نيسابور، واستقام الأمر، وبقي على ذلك ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، مسلمًا له المحراب والمنبر والخطبة والتدريس، ومجلس الوعظ يوم الجمعة، وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر والجمع العظيم من الطلبة، كان يقعد بين يديه نحو من ثلاث مائة، وتفقه به أئمة.

أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، أخبرنا الحافظ أبو محمد المنذري قال: توفي والد أبي المعالي، فأقعد مكانه ولم يكمل عشرين سنة، فكان يدرس، وأحكم الأصول على أبي القاسم الإسكاف، وجاور ثم رجع .. إلى أن قال: وسمع من محمد بن إبراهيم المزكي، وأبي سعد بن عليك، وفضل الله بن أبي الخير الميهني، وأبي محمد الجوهري البغدادي، وأجاز له أبو نعيم الحافظ، وسمع من الطرازي. كذا قال.

وقال السمعاني: قرأت بخط أبي جعفر محمد بن أبي علي: سمعت أبا إسحاق الفيروزآبادي يقول: تمتعوا من هذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان يعني أبا المعالي الجويني.

وقرأت بخط أبي جعفر أيضًا: سمعت أبا المعالي يقول: قرأت خمسين ألفًا في خمسين ألفًا، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلَّا الله، فالويل لابن الجويني.

قلت: كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع وأصول المذهب وقوة مناظرته لا يدري الحديث كما يليق به لا متنًا ولا إسنادًا. ذكر في كتاب البرهان حديث معاذ في القياس فقال: هو مدون في الصحاح، متفق على صحته.

قلت: بل مداره على الحارث بن عمرو، وفيه جهالة، عن رجال من أهل حمص، عن معاذ. فإسناده صالح.

قال المازري في "شرح البرهان" في قوله: إن الله يعلم الكليات لا الجزئيات: وددت لو محوتها بدمي.

ص: 18

وقيل: لم يقل بهذه المسألة تصريحًا، بل ألزم بها لأنه قال بمسألة الاسترسال فيما ليس بمتناه من نعيم أهل الجنة، فالله أعلم.

قلت: هذه هفوة اعتزال، هجر أبو المعالي عليها، وحلف أبو القاسم القشيري لا يكلمه، ونفي بسببها، فجاور وتعبد، وتاب -ولله الحمد- منها، كما أنه في الآخر رجح مذهب السلف في الصفات وأقره.

قال الفقيه غانم الموشيلي: سمعت الإمام أبا المعالي يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام.

قال أبو المعالي في كتاب "الرسالة النظامية": اختلفت مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق فحواها، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في القرآن، وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأيًا، وندين الله به عقدًا اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع، والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة، وقد درج صحب الرسول صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها وهم صفوة الإسلام المستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهدًا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغًا أو محتومًا؛ لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، فإذا تصرم عصرهم وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل؛ كان ذلك قاطعًا بأنه الوجه المتبع، فحق على ذي الدين أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرب، فليجر آية الاستواء والمجيء وقوله:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27]، و {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14]. وما صح من أخبار الرسول كخبر النزول وغيره على ما ذكرناه.

قال الحافظ محمد بن طاهر: سمعت أبا الحسن القيرواني الأديب -وكان يختلف إلى درس الأستاذ أبي المعالي في الكلام- فقال: سمعت أبا المعالي اليوم يقول: يا أصحابنا: لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به.

وحكى الفقيه أبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي قال: حكى لنا أبو الفتح الطبري الفقيه قال: دخلت على أبي المعالي في مرضه، فقال: اشهدوا علي أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السنة، وأني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور.

ص: 19

قال محمد بن طاهر: حضر المحدث أبو جعفر الهمذاني مجلس وعظ أبي المعالي، فقال: كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان عليه. فقال أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها، ما قال عارف قط: يا ألله! إلَّا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو لا يلتفت يمنةً ولا يسرةً، فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا، أو قال: فهل عندك دواء لدفع هذه الضرورة التي نجدها? فقال: يا حبيبي! ما ثم إلَّا الحيرة. ولطم على رأسه، ونزل، وبقي وقت عجيب، وقال فيما بعد: حيرني الهمذاني.

لأبي المعالي كتاب "نهاية المطلب في المذهب"؛ ثمانية أسفار، وكتاب "الإرشاد في أصول الدين"، كتاب "الرسالة النظامية في الأحكام الإسلامية"، كتاب "الشامل في أصول الدين"، كتاب "البرهان في أصول الفقه"، كتاب "مدارك العقول" لم يتمه، كتاب "غياث الأمم في الإمامة"، كتاب "مغيث الخلق في اختيار الأحق"، كتاب "غنية المسترشدين في الخلاف".

وكان إذا أخذ في علم الصوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين، وكان يذكر في اليوم دروسًا؛ الدرس في عدة أوراق، لا يتلعثم في كلمة منها. وصفه بهذا وأضعافه عبد الغافر بن إسماعيل.

توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر، سنة ثمان وسبعين وأربع مائة، ودفن في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين، فدفن بجنب والده، وكسروا منبره، وغلقت الأسواق، ورثي بقصائد، وكان له نحو من أربع مائة تلميذ، كسروا محابرهم وأقلامهم، وأقاموا حولًا، ووضعت المناديل عن الرؤوس عامًا، بحيث ما اجترأ أحد على ستر رأسه، وكانت الطلبة يطوفون في البلد نائحين عليه، مبالغين في الصياح والجزع.

قلت: هذا كان من زي الأعاجم لا من فعل العلماء المتبعين.

وقال أبو الحسن الباخرزي في "الدمية" في حقه: الفقه فقه الشافعي والأدب أدب الأصمعي، وفي الوعظ الحسن الحسن البصري، وكيف ما هو فهو إمام كل إمام، والمستعلي بهمته على كل هام، والفائز بالظفر على إرغام كل ضرغام، إن تصدر للفقه، فالمزني من مزنته، وإذا تكلم فالأشعري شعرة من وفرته.

أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه في كتابه، عن عبد القادر الحافظ، أخبرنا أبو العلاء الهمذاني، أخبرني أبو جعفر الحافظ، سمعت أبا المعالي وسئل عن قوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ} [طه: 5]، فقال: كان الله ولا عرش. وجعل يتخبط، فقلت: هل عندك للضرورات من حيلة? فقال: ما معنى هذه الإشارة? قلت: ما قال عارف قط: يا رباه! إلَّا قبل أن يتحرك لسانه، قام من باطنه قصد لا يلتفت يمنةً ولا يسرةً -يقصد الفوق- فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلة؛ فتنبئنا نتخلص من الفوق والتحت? وبكيت وبكى الخلق، فضرب بكمه على السرير، وصاح بالحيرة، ومزق ما كان عليه، وصارت قيامة في المسجد، ونزل يقول: يا حبيبي! الحيرة الحيرة، والدهشة الدهشة.

ص: 20

‌4335 - النَّسَوِي

(1)

:

العلامة، أقضى القضاة، أبو عمرو، محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الشافعي، المفسر، صاحب التصانيف والفنون.

سمع: أبا بكر الجيري، وأبا إسحاق الإسفراييني، وأبا ذر الهروي بمكة، وابن نظيف بمصر، وأبا الحسن بن السمسار بدمشق. وأملى مدة مع الدين والتقوى.

ولي قضاء خوارزم، وكان لا يأخذه في الله لومة لائم. وله كتب في الفقه.

نفذه ملكشاه رسولًا ليخطب بنت الخليفة، فأدى الرسالة، وبذل النصيحة، فقال: لا تخلط بيتك الطاهر بالتركمان.

روى عنه أهل خوارزم.

توفي سنة ثمان وسبعين وأربع مائة.

‌4336 - ابن خلف

(2)

:

الشيخ، العلامة، النحوي، أبو بكر، أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن خلف الشيرازي ثم النيسابوري، الأديب، مسند وقته.

ولد في سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة.

وسمع في سنة أربع وأربع مائة، ثم بعدها من أبي عبد الله الحاكم، وحمزة المهلبي، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وأبي طاهر بن محمش، وأبي بكر بن فورك، وأبي عبد الرحمن السلمي، وطبقتهم فأكثر.

حدث عنه: ابن طاهر المقدسي، وأبو محمد بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد

(1)

ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "4/ 175".

(2)

ترجمته في العبر "3/ 315"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 379 - 380".

ص: 21

التيمي، وعبد الغافر بن إسماعيل، ووجيه الشحامي، والفقيه عمر بن الصفار، وأحمد بن سعيد الميهني، وأبو سعد عبد الوهاب الكرماني، وخلق كثير. وعاش الكرماني إلى سنة تسع وخمسين وخمس مائة.

قال عبد الغافر: أما شيخنا ابن خلف فهو الأديب، المحدث، المتقن، الصحيح السماع أبو بكر، ما رأينا شيخًا أورع منه، ولا أشد إتقانا، حصل على حظ وافر من العربية، وكان لا يسامح في فوات لفظة مما يقرأ عليه، ويراجع في المشكلات، ويبالغ. رحل إليه العلماء. سمعه أبوه الكثير، وأملى على الصحة، وسمعنا منه الكثير.

قال إسماعيل بن محمد الحافظ: كان حسن السيرة، من أهل الفضل والعلم، محتاطًا في الأخذ، ثقةً.

وقال السمعاني: كان فاضلًا، عارفًا باللغة والأدب ومعاني الحديث، في كمال العفة والورع.

مات في ربيع الأول، سنة سبع وثمانين وأربع مائة.

ص: 22

‌4337 - فاطمة

(1)

:

بنت الأستاذ الزاهد أبي علي، الحسن بن علي الدقاق، الشيخة العابدة، العالمة، أم البنين النيسابورية، أهل الأستاذ أبي القاسم القشيري، وأم أولاده.

سمعت من: أبي نعيم الإسفراييني، وأبي الحسن العلوي، وعبد الله ابن يوسف، وأبي علي الروذباري، وأبي عبد الله الحاكم، والسلمي، وطائفة.

وكانت عابدةً، قانتة، متهجدةً، كبيرة القدر.

حدث عنها: عبد الله بن الفراوي، وزاهر الشحامي، وأبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد حفيدها، وآخرون.

ماتت في ذي القعدة، سنة ثمانين وأربع مائة، ولها تسعون سنة، رحمها الله.

(1)

ترجمتها في العبر "3/ 296"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 365".

ص: 22

‌4338 - فاطمة

(1)

:

بنت الحسن بن علي البغدادي العطار، أم الفضل، الكاتبة المعروفة ببنت الأقرع.

جود الناس على خطها لبراعة حسنه. وهي التي ندبت لكتابة كتاب الهدنة إلى طاغية الروم من جهة الخلافة، وبكتابها يضرب المثل.

وقد روت عن: أبي عمر بن مهدي وغيره.

روى عنها: أبو القاسم بن السمرقندي، وقاضي المارستان، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو سعد بن البغدادي.

قال السمعاني: سمعت محمد بن عبد الباقي الأنصاري يقول: سمعت فاطمة بنت الأقرع تقول: كتبت ورقةً لعميد الملك، فأعطاني ألف دينار.

ماتت في المحرم، سنة ثمانين وأربع مائة.

وفيها ماتت بنت الدقاق، والحسن بن العلاء البشتي، وعبد الله بن سهل مقرئ الأندلس، وواعظ الوقت أبو الفضل عبد الله بن الحسين المصري الجوهري، والحافظ الشهيد أبو المعالي الحسيني، وغرس النعمة أبو الحسن محمد بن هال بن الصابئ.

‌4339 - التُّسْتَرِي

(2)

:

الشيخ الجليل، أبو علي، علي بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن بحر التستري ثم البصري السقطي، راوي "سنن أبي داود"، عن القاضي أبي عمر الهاشمي.

حدث عنه: المؤتمن الساجي، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وأبو الحسن بن مرزوق الزعفراني، وأبو غالب محمد بن الحسن الماوردي، وعبد الملك بن عبد الله.

وكان صحيح السماع. آخر من حدث عنه: النقيب أبو طالب محمد بن محمد بن أبي زيد العلوي، يروي عنه "السنن" سماعًا للجزء الأول، وإجازةً إن لم يكن سماعًا لسائر الكتاب.

مات سنة تسع وسبعين وأربع مائة بالبصرة، ومات صاحبه العلوي سنة ستين وخمس مائة.

(1)

ترجمتها في المنتظم لابن الجوزي "9/ 40"، والعبر "3/ 296"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 365".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 33"، والعبر "3/ 295"، وشرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 363".

ص: 23

‌4340 - صاحب المَوْصِل

(1)

:

السلطان شرف الدولة، أبو المكارم، مسلم ابن ملك العرب قريش بن بدران بن الملك حسام الدولة مقلد بن المسيب بن رافع العُقيلي.

كان يترفض كأبيه. ونهب أبوه دور الخلافة في فتنة البساسيري، وأجار القائم بأمر الله. ومات سنة ثلاث وخمسين كهلًا، فولي ابنه ديار ربيعة ومضر، وتملك حلب، وأخذ الأتاوة من بلاد الروم، وحاصر دمشق، وكاد أن يأخذها، فنزع أهل حران طاعته، فبادر إليها، فحاربوه، فافتتحها، وبذل السيف في السنة بها، وأظهر سب الصحابة، ودانت له العرب، ورام الاستيلاء على بغداد بعد طغرلبك، وكان يجيد النظم، وله سطوة وسياسة وعدل بعنف، وكان يعطي جزية بلاده للعلوية. عمر سور الموصل وشيدها.

ثم إنه عمل المصاف مع سلطان الروم سليمان بن قتلمش في سنة " (478) " بظاهر أنطاكية، فقتل مسلم وله بضع وأربعون سنة. وقيل: بل خنقه خادم في الحمام. وملكوا أخاه إبراهيم، وله سيرة طويلة وحروب وعجائب.

‌4341 - الصَّرَّام

(2)

:

الشيخ القدوة، العابد، المسند، أبو الفضل، محمد بن عبيد الله بن محمد النيسابوري، الصرَّام.

سمع "مسند أبي عوانة" من أبي نعيم عبد الملك بن الحسن، وسمع من أبي الحسن العلوي، وأبي عبد الله الحاكم، وطائفة.

حدث عنه: وجيه الشَّحَّامُّي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، ومحمد بن جامع الصواف، وعبد الله بن محمد الفراوي، وآخرون.

وكان أبوه من كبراء البلد.

مات في شعبان، سنة تسع وسبعين وأربع مائة، في عشر التسعين، وكان يقرأ القرآن في ركعتين، ويديم التعبد والتلاوة، رحمه الله.

وفيها مات: شيخ الشيوخ أبو سعد أحمد بن محمد بن محمد بن دوست العابد الصوفي، وإسماعيل بن زاهر النوقاني، وطاهر بن محمد الشحامي، وأبو علي علي بن أحمد التستري، وأبو نصر محمد بن محمد الزينبي.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 266"، والعبر "3/ 292"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 119"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 362".

(2)

ترجمته في العبر "3/ 295"، وشذرات الذهب "3/ 363".

ص: 24

‌4342 - السِّمْسَار

(1)

:

الشيخ الثقة، المعمر، أبو بكر، محمد بن أحمد بن علي الأصبهاني السمسار، صاحب إبراهيم بن عبد الله بن خرشيذ قوله.

سمع منه، ومن جعفر بن محمد بن جعفر، وأبي الفضل عبد الواحد التميمي، وغيرهم.

روى عنه: أبو سعد بن البغدادي، ومسعود الثقفي، وأبو عبد الله الرستمي الفقيه، وآخرون.

قال السمعاني: سألت أبا سعد البغدادي عنه، فأثنى عليه، وقال: كان من المعمرين، سمعته يقول: ولدت سنة خمس وسبعين وثلاث مائة. وعاش مائة سنة.

توفي السمسار في منتصف شوال سنة خمس وسبعين وأربع مائة. وكان يمكنه السماع من أبي بكر بن المقرئ، فما اتفق له.

‌4343 - الدَّامَغَاني

(2)

:

العلامة البارع، مفتي العراق، قاضي القضاة، أبو عبد الله، محمد بن علي بن محمد بن حسن بن عبد الوهاب بن حسويه الدامغاني الحنفي.

تفقه بخراسان، وقدم بغداد شابًا، فأخذ عن القدوري.

وسمع من: القاضي أبي عبد الله الحسين بن علي الصيمري، ومحمد بن علي الصوري، وطائفة.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 282"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 116"، وشذرات الذهب "3/ 348".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "3/ 109"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 22"، والأنساب للسمعاني "5/ 259"، واللباب لابن الأثير "1/ 486"، وشذرات الذهب لابن الجوزي "3/ 362".

ص: 25

حدث عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وعلي بن طراد الزينبي، والحسين المقدسي، وآخرون.

مولده بدامغان في سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة، وحصل المذهب على فقر شديد.

قال أبو سعد السمعاني: قال والدي: سمعت أحمد بن الحسن البصري الخباز يقول: رأيت أبا عبد الله الدامغاني كان يحرس في درب الرياح، وكان يقوم بعيشته إنسان اسمه أبو العشائر الشيرجي.

وعنه: قال: تفقهت بدامغان على أبي صالح الفقيه، ثم قصدت نيسابور، فأقمت أربعة أشهر بها، وصحبت أبا العلاء صاعد بن محمد قاضيها، ثم وردت بغداد.

قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: فقرأ على القدوري، ولازم الصيمري، ثم صار من الشهود، ثم ولي القضاء للقائم، فدام في القضاء ثلاثين سنةً وأشهرًا.

وكان القاضي أبو الطيب يقول: الدامغاني أعرف بمذهب الشافعي من كثير من أصحابنا.

قال محمد: وكان بهي الصورة، حسن المعاني في الدين والعلم والعقل والحلم وكرم العشرة والمروءة. له صدقات في السر، وكان منصفًا في العلم، وكان يورد في درسه من المداعبات والنوادر نظير ما يورد الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، فإذا اجتمعا، صار اجتماعهما نزهةً.

قلت: كان ذا جلالة وحشمة وافرة إلى الغاية، ينظر بالقاضي أبي يوسف في زمانه. وفي أولاده أئمة وقضاة.

ولي قضاء القضاة بعد أبي عبد الله بن ماكولا، سنة سبع وأربعين، وله خمسون سنة.

ومات في رجب، سنة ثمان وسبعين وأربع مائة، ودفن بداره، ثم نقل ودفن بقبة الإمام أبي حنيفة إلى جانبه. عاش ثمانين سنةً وثلاثة أشهر وخمسة أيام، وغسله أبو الوفاء بن عقيل وأبو ثابت الرازي تلميذه. وصلى عليه ولده قاضي القضاة أبو الحسن.

وله أصحاب كثيرون علماء، انتشروا في البلاد، منهم: أبو سعد الحسن ابن داود بن بابشاذ المصري، ونور الهدى الحسين بن محمد الزينبي، وأبو طاهر إلياس بن ناصر الديلمي، وأبو القاسم علي بن محمد الرحبي ابن السمناني.

وفيها مات: إمام الحرمين أبو المعالي الجويني، ومحدث الأندلس أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس بن دلهاث العذري، وأحمد بن عيسى بن عباد الدينوري، والعلامة أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون المتولي النيسابوري ببغداد، وأبو عيسى عبد الرحمن بن محمد بن زياد، ومقرئ مكة أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري، ورأس المعتزلة أبو علي محمد بن أحمد بن الوليد الكرخي، والسلطان مسلم بن قريش العقيلي الرافضي.

ص: 26

‌4344 - الأنْدَقي

(1)

:

شيخ الحنفية، مفتي ما وراء النهر، أبو المظفر، عبد الكريم بن أبي حنيفة.

تفقه على: عبد العزيز الحلواني.

وحدث عن جماعة.

سمع منه: عثمان بن علي البيكندي.

وأندقى: من قرى بخارى.

مات في شعبان، سنة إحدى وثمانين وأربع مائة.

‌4345 - ابن خَزْرَج

(2)

:

الحافظ، المجود، المؤرخ، أبو محمد، عبد الله بن إسماعيل بن محمد بن خزرج اللخمي الإشبيلي، صاحب "التاريخ".

ولد سنة سبع وأربع مائة.

وروى عن: أبي عمرو المرشاني، وأبي الفتوح الجرجاني، وأبي عبد الله الخولاني.

وعدد شيوخه مائتان وستون شيخًا.

وكان مع براعته في الحديث فقيهًا مشاورًا مالكيًا، أكثر الناس عنه.

وحدث عنه: شريح بن محمد، وأبو محمد بن يربوع.

توفي بإشبيلية في شوال، سنة ثمان وسبعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "1/ 363"، واللباب لابن الأثير "1/ 88".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 284".

ص: 27

‌4346 - ابن الوليد

(1)

:

رأس المعتزلة وبارعهم، أبو علي، محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد الكرخي المتكلم.

ولد سنة ست وتسعين وثلاث مائة.

وأتقن علم الاعتزال على أبي الحسين البصري، وحفظ عنه حديثًا واهنًا من جهة هلال الرأي.

حدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأخذ عنه الكلام علي بن عقيل عالم الحنابلة.

مات في ذي الحجة، سنة ثمان وسبعين وأربع مائة.

وكان ذا زهد وورع وقناعة. شاخ فكان ينقض من خشب بيته ما يمونه، وكان يلبس القطني الخام، وكان داعيةً إلى الاعتزال، وبه انحرف ابن عقيل.

مات في ذي الحجة، سنة ثمان وسبعين وأربع مائة، وكان يدري المنطق جيدًا.

وما تنفع الآداب والبحث والذكاء، وصاحبها هاو بها في جهنم.

قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: كان أبو علي زاهد المعتزلة، لم نعرف في زماننا مثل تورعه وقناعته، تورع عن ميراثه من أبيه، وكان يقول: قرأت على أستاذنا أبي الحسين في سنة خمس عشرة وأربع مائة.

‌4347 - ابن المُطَّلب

(2)

:

الأديب الأوحد، أبو سعد، محمد بن علي بن محمد بن المطلب الكرماني، ثم البغدادي، الشاعر، والد الوزير الصاحب أبي المعالي هبة الله ابن المطلب.

مهر في الأدب والأخبار.

وروى عن أبي الحسين بن بشران، وطائفة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 20"، والعبر "3/ 291"، وميزان الاعتدال "3/ 464"، ولسان الميزان "5/ 56"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 362".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 24".

ص: 28

روى عنه: شجاع الذهلي، ويحيى بن البناء.

وله هجو بليغ، عزل من كتابة، فقال:

عزلت وما خنت فيما وليت

وغيري يخون ولا يعزل

فهذا يدلّ على أنّ من

يولّي ويعزل لا يعقل

وهو القائل:

يا حسرتا مات حظّي من قلوبكم

وللحظوظ كما للنّاس آجال

تصرّم العمر لم أحظى بقربكم

كم تحت هذي القبور الخرس آمال

قال هبة الله السقطي: أخذت عنه، ثم تاب، وألهم الصلاة والصوم والصدقة، وغسل مسودات شعره رحمه الله وعاش أربعًا وثمانين سنة.

مات في ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وأربع مائة.

ص: 29

‌4348 - شيخ الشيوخ

(1)

:

القدوة، الكبير، العارف، أبو سعد، أحمد بن محمد بن دوست دادا النيسابوري. نزيل بغداد.

صحب أبا سعيد فضل الله الميهني، وحج مرات على التجريد في أصحاب له فقراء، فكان يدور بهم في قبائل العرب، ويتوصل إلى مكة، وكان الوزير النظام يحترمه، ويحبه، ثم إنه باع أملاكه بنيسابور، وبنى ببغداد رباطًا كبيرًا، وله وجاهة عظيمة وتجمل زائد.

مات سنة تسع وسبعين وأربع مائة. وخلفه ولده أبو البركات إسماعيل في المشيخة.

‌4349 - الباهر

(2)

:

الخطيب أبو الفتح، محمد بن أحمد بن عثمان بن أحمد الخزاعي، المطيري. عُرف بالباهر.

كان خطيب قصر عروة. وله نظم جيد.

سمع بسامراء: من علي بن أحمد بن يوسف البزاز، والحسن بن محمد بن يحيى الفحام، وببغداد عبد الملك بن بشران، وبالكوفة من أبي الحسن محمد بن جعفر النحوي التميمي.

وعنه: أبو العز بن كادش، وغيره. وفي روايته عن علي الرفاء مقال.

توفي سنة تسع وسبعين وأربع مائة، وله أربع وتسعون سنة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 11"، والعبر "3/ 294"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 363".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ ترجمة 45".

ص: 29

‌4350 - ابن شَكْرُويه

(1)

:

الشيخ، الإمام، القاضي، المعمر، أبو منصور، محمد بن أحمد بن علي بن شكرويه الأصبهاني.

قال يحيى بن مندة: هو آخر من حدث عن أبي علي بن البغدادي، وإبراهيم بن خُرشيذ قوله، وسافر إلى البصرة. وسمع من: القاضي أبي عمر الهاشمي، وعلي بن القاسم النجاد، وجماعة، إلَّا أنه خلط في كتاب "سنن أبي داود" ما سمعه منه بما لم يسمعه، وحك بعض السماع- كذلك أراني المؤتمن الساجي ثم ترك القراءة عليه، وسار إلى البصرة، فسمع الكتاب من أبي علي التَّسْتَري.

وقال المؤتمن: ما كان عند ابن شكرويه عن ابن خرشيذ قوله والجرجاني وهذه الطبقة فصحيح، وقد أطلعني على نسخته ب"سنن" أبي داود، فرأيت تخليطًا ما استحللت معه سماعه.

وقال ابن طاهر: لما كان بأصبهان كان يذكر أن السنن عند ابن شكرويه، فنظرت فإذا هو مضطرب، فسألت عن ذلك، فقيل: إنه كان له ابن عم، وكانا جميعًا بالبصرة، وكان القاضي مشتغلًا بالفقه، وإنما سمع اليسير من الهاشمي، وكان ابن عمه قد سمع الكتاب كله، وتوفي قديمًا، فكشط القاضي اسم ابن عمه، وأثبت اسمه.

وقال السمعاني: سألت أبا سعد البغدادي عن أبي منصور بن شكرويه، فقال: كان أشعريًا، لا يسلم علينا، ولا نسلم عليه، ولكنه كان صحيح السماع.

وقال يحيى بن مندة: كان على قضاء قرية سين. سافر إلى البصرة، فسمع من الهاشمي، وجماعة. ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة، ومات في العشرين من شعبان، سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة.

حدث عنه: ابن طاهر، وإسماعيل بن محمد التيمي، ونصر الله بن محمد المصيصي، وهبة الله بن طاووس، وأبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي، وأبو سعد بن البغدادي، وعبد العزيز بن محمد الأدمي، والجنيد بن محمد القايني، وآخرون.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 300"، وميزان الاعتدال "3/ 467"، ولسان الميزان "5/ 62"، وتبصير المنتبه "2/ 717"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 367".

ص: 30

الجَوْهَري، الجَوْهَرِي:

‌4351 - الجوهري:

الشيخ، المسند، الأمين، أبو عطاء، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي عاصم الهروي الجوهري.

روى عن: محمد بن محمد بن جعفر الماليني، وأبي معاذ الشاه، وأبي منصور محمد بن محمد الأزدي، وحاتم بن أبي حاتم محمد بن يعقوب، وجماعة.

حدث عنه: أحمد بن أبي سهل الصوفي، وعبد الواسع بن أميرك، ووجيه الشحامي، وأبو الوقت عبد الأول، وعبد الجليل بن أبي سعد، وآخرون.

قال السمعاني: حدثونا عنه، وكان شيخًا ثقة، صدوقًا. تفرد عن أبي معاذ والماليني. مولده: سنة سبع أو ثمان وثمانين وثلاث مائة، توفي في شعبان، سنة ست وسبعين وأربع مائة.

‌4352 - الجَوْهَرِي:

واعظ العصر، العلامة أبو الفضل، عبد الله بن الحسين المصري، ابن الجوهري.

حدث عن: أبي سعد الماليني.

روى عنه: الحميدي، وجماعة.

وكان أبوه من العلماء العاملين.

مات في شوال، سنة ثمانين وأربع مائة.

وممن روى عنه علي بن مشرف الأنماطي.

ص: 31

‌4353 - الحَبَّال

(1)

:

الإمام، الحافظ المتقن، العالم، أبو إسحاق، إبراهيم بن سعيد بن عبد الله النعماني مولاهم، المصري، الكُتُبي، الوراق، الحبال، الفراء. من أولاد عبيد القاضي بن النعمان المغربي، العبيدي، الرافضي.

قال أبو علي الصدفي: ولد سنة إحدى وتسعين وثلاث مائة، وسمع من الحافظ عبد الغني بن سعيد في سنة سبع وأربع مائة، فكان آخر من سمع منه.

قلت: وسمع من: أحمد بن عبد العزيز بن ثرثال صاحب المحاملي، وهو أكبر شيخ له، ومن أبي محمد عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، ومحمد بن أحمد بن شاكر القطان، ومحمد بن ذكوان التنيسي، سبط عثمان بن محمد السمرقندي، وأحمد بن الحسين بن جعفر العطار، وأبي العباس أحمد بن محمد بن الحاج الإشبيلي، ومحمد بن محمد النيسابوري، صاحب الأصم، ومحمد بن الفضل بن نظيف، وخلق سواهم. ولم يرحل.

وقد خَرَّج لنفسه عوالي سفيان بن عيينة، وكان يتجر في الكتب ويخبرها.

ومن شيوخه: منير بن أحمد الخشاب، والخصيب بن عبد الله، وأبو سعد الماليني.

وحصل من الأصول والأجزاء ما لا يوصف كثرةً.

حدث عنه: أبو عبد الله الحميدي، وإبراهيم بن الحسن العلوي النقيب، وعبد الكريم بن سوار التككي، وعطاء بن هبة الله الإخميمي، ووفاء بن ذبيان النابلسي، ويوسف بن محمد الأردبيلي، ومحمد بن محمد بن جماهر الطليطلي، ومحمد بن إبراهيم البكري، وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسي، وأبو الفضل محمد بن بنان الأنباري، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي قاضي المارستان، وعدة.

وروى عنه بالإجازة: أبو علي بن سكرة الصدفي، والحافظ محمد بن ناصر.

وكانت الدولة الباطنية قد منعوه من التحديث، وأخافوه، وهددوه، فامتنع من الرواية، ولم ينتشر له كبير شيء.

قال القاضي أبو علي الصدفي: مُنعْتُ من الدخول إليه إلَّا بشرط أن لا يسمعني، ولا يكتب إجازةً، فأول ما فاتحته الكلام خلط في كلامه، وأجابني على غير سؤالي حذرًا من أن

(1)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "2/ 379"، والعبر "3/ 299 - 300"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 1029"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 129"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 366".

ص: 32

أكون مدسوسًا عليه، حتى بسطته، وأعلمته أني أندلسي أريد الحج، فأجاز لي لفظًا، وامتنع من غير ذلك.

قلت: قبح الله دولةً أماتت السنة ورواية الأثارة النبوية، وأحيت الرفض والضلال، وبثت دعاتها في النواحي تغوي الناس، ويدعونهم إلى نحلة الإسماعيلية، فبهم ضلت جبلية الشام، وتعثروا، فنحمد الله على السلامة في الدين.

قال أبو نصر بن ماكولا: كان الحبال ثقةً ثبتًا، ورعًا، خيرًا، وذكر أنه مولى لابن النعمان قاضي القضاة، ثم ساق عنه أبو نصر حديثًا، وذكر عنه أنه ثبته في غير شيء. وروى عنه: الخطيب أبو بكر الحافظ بالإجازة. ثم قال: وحدثنا عنه أبو عبد الله الحميدي.

وقال السلفي في "مشيخة الرازي": كان الحبال من أهل المعرفة بالحديث، ومن ختم به هذا الشأن بمصر، لقي بمكة جماعةً، ولم يحصل أحد في زمانه من الحديث ما حصله هو.

وقال عبد الله بن خلف المسكي: هو من الحفاظ المبرزين الأثبات، جمع حديث أبي موسى الزمن، وانتقى عليه أبو نصر السجزي مائة جزء.

قلت: لا بل عشرين جزءًا، وشيوخه يزيدون على ثلاث مائة.

وقال ابن المفضل: انتهت إليه رئاسة الرحلة، وبه اختتم هذا الشأن في قطره، وآخر من حدث عنه فيما علمت أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحضرمي بالإجازة، وبقي إلى سنة أربع وخمسين وخمس مائة. وقيل: إن محدثًا قرأ عليه، فقال له: ورضي الله عن الشيخ الحافظ. فقال: قل: رضي الله عنك، إنما الحافظ الدارقطني وعبد الغني.

قال ابن طاهر: رأيت الحبال وما رأيت أتقن منه! كان ثبتًا، ثقة، حافظًا.

وقال الأعز بن علي الظهيري: حدثنا أبو القاسم بن السمرقندي قال: كتب إلينا أبو إسحاق الحبال من مصر فكتب: أجزت لهم أن يقولوا: أجاز لنا فلان، ولا يقولوا: حدثنا ولا أخبرنا.

وقال عبد الله بن حمود الزاهد فيما علقه عنه السلفي: إنه حضر مجلس الحبال والحديث يقرأ عليه، فلم تزل دموعه تجري حتى فرغ القارئ.

وقال السلفي: سمعت ابن طاهر يقول: وقع المطر يومًا، فجاء الحبال، فقال: قد تلف بالمطر من كتبي بأكثر من خمس مائة دينار. فقلت له: قيل: إن ابن مندة عمل خزانةً لكتبه، فقال: لو عملت خزانةً لاحتجت إلى جامع عمرو بن العاص.

ص: 33

قال السلفي: سمعت مرشد بن يحيى المديني يقول: اشتريت من كتب الحبال عشرين قنطارًا بمائة دينار، فكان عنده أكثر من خمس مائة قنطار كتب.

قيل: إن بعض طلبة الحديث قصد أبا إسحاق الحبال، ليسمع منه -جزءًا وذلك قبل أن يمنع- فأخرج به عشرين نسخةً، وناول كل واحد نسخة يقابل بها.

قال الحافظ محمد بن طاهر: سمعت أبا إسحاق الحبال يقول: كان عندنا بمصر رجل يسمع معنا الحديث، وكان متشددًا، وكان يكتب السماع على الأصول، فلا يكتب اسم أحد حتى يستحلفه أنه سمع الجزء، ولم يذهب عليه منه شيء. وسمعته يقول: كنا يومًا نقرأ على شيخ، فقرأنا قوله -عليه الصلاة السلام-:"لا يدخل الجنة قتات"

(1)

. وكان في الجماعة رجل يبيع القت -وهو علف الدواب- فقام وبكى، وقال: أتوب إلى الله. فقيل له: ليس هو ذاك، لكنه النمام الذي ينقل الحديث من قوم إلى قوم يؤذيهم. قال: فسكن، وطابت نفسه.

قال ابن طاهر: كان شيخنا الحبال لا يخرج أصله من يده إلَّا بحضوره، يدفع الجزء إلى الطالب، فيكتب منه قدر جلوسه، وكان له بأكثر كتبه نسخ عدة، ولم أر أحدًا أشد أخذًا منه، ولا أكثر كتبًا، وكان مذهبه في الإجازة أن يقدمها على الإخبار يقول: أجاز لنا فلان. ولا يقول: أخبرنا فلان إجازة. يقول: ربما تسقط لفظة إجازة، فتبقى إخبارًا، فإذا بدئ بها، لم يقع شك.

قلت: لا حرج في هذا، وإنما هو استحسان.

قال: وسمعته يقول: خرج الحافظ أبو نصر السجزي على أكثر من مائة، لم يبق منهم غيري.

قال ابن طاهر: خرج له أبو نصر عشرين جزءًا في وقت الطلب، وكتبها في كاغد عتيق، فسألنا الحبال، فقال: هذا من الكاغد الذي كان يحمل إلى الوزير يعني: ابن حنزابة من سمرقند، وقع إلي من كتبه قطعة، فكنت إذا رأيت ورقةً بيضاء قطعتها، إلى أن اجتمع لي هذا القدر.

قال ابن طاهر: لما قصدت أبا إسحاق الحبال- وكانوا وصفوه لي بحليته وسيرته، وأنه يخدم نفسه فكنت في بعض الأسواق ولا أهتدي إلى أين أذهب، فرأيت شيخًا على الصفة

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "6056"، ومسلم "105"، وأبو داود "4871"، والترمذي "2026".

ص: 34

واقفًا على دكان عطار، وكمه ملأى من الحوائج، فوقع في نفسي أنه هو، فلما ذهب، سألت العطار: من هذا? قال: وما تعرفه?! هذا أبو إسحاق الحبال. فتبعته، وبلغته رسالة سعد بن علي الزنجاني، فسألني عنه، وأخرج من جيبه جزءًا صغيرًا فيه الحديثان المسلسلان، أحدهما مسلسل بالأولية، فقرأهما علي، وأخذت عليه الموعد كل يوم في جامع عمرو بن العاص، حتى خرجت.

قلت: كان هذا في سنة سبعين وأربع مائة، وسماع قاضي المارستان منه في سنة ست وسبعين، وبعد ذلك منع من التحديث، وكان موته سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة، وله إحدى وتسعون سنة، فقيل: مات في شوال.

وقال علي بن إبراهيم المسلم الأنصاري: مات عشية الأربعاء لست خلون من ذي القعدة رحمه الله تعالى.

ومات معه في السنة: مسند أصبهان القاضي أبو منصور محمد بن أحمد ابن علي بن شكرويه، ومسند دمشق أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد، وقاضي نيسابور ورئيسها أبو نصر أحمد بن محمد بن صاعد الصاعدي، ومفتي سرخس أبو حامد أحمد بن محمد الشجاعي، وخطيب أصبهان أبو الخير محمد بن أحمد بن أبي جعفر الطبسي، مؤلف كتاب "بستان العارفين"، وأبو السنابل هبة الله بن أبي الصهباء، وقاضي البصرة أبو العباس أحمد بن محمد الجرجاني الشافعي، وعبد الوهاب بن أحمد الثقفي، والمحدث علي بن أبي نصر المناديلي، وأبو الفتح بن سمكويه بأصبهان، ومسند جرجان إبراهيم بن عثمان الخَلاَّلي.

أخبرنا أبو الفهم تمام بن أحمد السلمي، أخبرنا الإمام، أبو محمد عبد الله ابن أحمد الحنبلي، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحافظ، حدثني إبراهيم بن سعيد النعماني ويده على كتفي، أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الحافظ ويده على كتفي فذكر حديثًا لا أريد أن أرويه لبطلان متنه: حدثني جبريل ويده على كتفي .. وذكر الحديث، وهو في "تذكرة" الحميدي.

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد في كتابه، أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي سنة "532" قال: قرأت على إبراهيم بن سعيد بمصر، أخبرنا أحمد بن عبد العزيز بن أحمد، حدثنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا العباس بن يزيد البحراني، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما الشجرة الطيبة"?

ص: 35

فأردت أن أقول: هي النخلة، فنظرت، فإذا أنا أصغر القوم، فسكت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هي النخلة"

(1)

.

أخبرنا أحمد بن يحيى بن طي، وإبراهيم بن حاتم ببعلبك، أخبرنا سليمان بن رحمة الخطيب، أخبرنا هبة الله بن علي، أخبرنا مرشد بن يحيى المديني، أخبرنا أبو إسحاق الحبال لفظًا، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر، أخبرنا إسماعيل بن يعقوب بن الجراب، حدثنا إسماعيل القاضي، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث: أن أبا حليمة معاذًا كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري"61"، ومسلم "2811".

ص: 36

‌4354 - شيخُ الإسلام

(1)

:

الإمام القدوة، الحافظ الكبير، أبو إسماعيل، عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن مت الأنصاري الهروي، مصنف كتاب "ذم الكلام"، وشيخ خراسان من ذرية صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أبي أيوب الأنصاري.

مولده في سنة ست وتسعين وثلاث مائة.

وسمع من: عبد الجبار بن محمد الجراحي "جامع" أبي عيسى كله أو أكثره، والقاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي، وأبي الفضل محمد بن أحمد الجارودي الحافظ، وأبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد السرخسي، خاتمة أصحاب محمد بن إسحاق القرشي، وأبي الفوارس أحمد ابن محمد بن أحمد بن الحويص البوشنجي الواعظ، وأبي الطاهر أحمد بن محمد بن حسن الضبي، وأحمد بن محمد بن مالك البزاز -لقي أبا بحر البربهاري- وأبي عاصم محمد بن محمد المزيدي، وأحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني الحافظ، وأبي سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وعلي بن محمد بن محمد الطرازي، وأبي نصر منصور بن الحسين بن محمد المفسر، وأحمد بن محمد بن الحسن السليطي، وأبي بكر أحمد بن الحسن الحيري لكنه لم يرو عنه، ومحمد بن جبرائيل بن ماحي، وأبي منصور أحمد بن محمد ابن العالي، وعمر بن إبراهيم الهروي، وعلي بن أبي طالب، ومحمد بن محمد بن يوسف، والحسين بن محمد بن علي، ويحيى بن عمار بن يحيى الواعظ، ومحمد بن عبد الله

(1)

ترجمته في المنتظم"، لابن الجوزي "9/ 44"، والعبر "39/ 297 - 298"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 1028"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 127"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 365 - 366".

ص: 36

بن محمد بن إبراهيم الشيرازي لقيه بنيسابور، وأبي يعقوب القراب الحافظ إسحاق بن إبراهيم بن محمد الهروي، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الوراق، وسعيد بن العباس القرشي، وغالب بن علي بن محمد، ومحمد بن المنتصر الباهلي المعدل، وجعفر بن محمد الفريابي الصغير، ومحمد بن علي بن الحسين الباشاني، صاحب أحمد بن محمد بن ياسين، ومنصور بن رامش -قدم علينا في سنة سبع وأربع مائة- وأحمد بن أحمد بن حمدين، والحسين بن إسحاق الصائغ، ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، وعلي بن بشرى الليثي، ومحمد بن محمد بن يوسف بن يزيد، وأبي صادق إسماعيل بن جعفر، ومحمد بن محمد بن محمود، وعلي بن أحمد بن محمد بن خميرويه، ومحمد بن الفضل بن محمد بن مجاشع، ومحمد بن الفضل الطاقي الزاهد، وعدد كثير، ومن أقدم شيخ له الجراحي، سمع منه في حدود سنة عشر وأربع مائة. وينزل إلى أن يروي عن أبي بكر البيهقي بالإجازة. وقد سمع من أربعة أو أكثر من أصحاب أبي العباس الأصم.

حدث عنه: المؤتمن الساجي، ومحمد بن طاهر، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وعبد الله بن عطاء الإبراهيمي، وعبد الصبور بن عبد السلام الهروي، وأبو الفتح عبد الملك الكروخي، وحنبل بن علي البخاري، وأبو الفضل محمد بن إسماعيل الفامي، وعبد الجليل بن أبي سعد المعدل، وأبو الوقت عبد الأول السجزي خادمه، وآخرون. وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار. وبقي إلى سنة نيف وسبعين وخمس مائة.

قال السلفي: سألت المؤتمن الساجي عن أبي إسماعيل الأنصاري، فقال: كان آيةً في لسان التذكير والتصوف، من سلاطين العلماء، سمع ببغداد من أبي محمد الحسن بن محمد الخلال، وغيره. يروي في مجالس وعظه الأحاديث بالإسناد، وينهى عن تعليقها عنه. قال: وكان بارعًا في اللغة، حافظًا للحديث، قرأت عليه كتاب "ذم الكلام"، روى فيه حديثًا، عن علي ابن بشرى، عن ابن منده، عن إبراهيم بن مرزوق. فقلت له: هذا هكذا? قال: نعم، وابن مرزوق هو شيخ الأصم وطبقته، وهو إلى الآن في كتابه على الخطأ.

قلت: نعم: وكذا أسقط رجلين من حديثين خرجهما من "جامع الترمذي"، نبهت عليهما في نسختي، وهي على الخطأ في غير نسخة.

قال المؤتمن: كان يدخل على الأمراء والجبابرة، فما يبالي، ويرى الغريب من المحدثين، فيبالغ في إكرامه، قال لي مرةً: هذا الشأن شأن من ليس له شأن سوى هذا الشأن -يعني طلب الحديث- وسمعته يقول: تركت الحيري لله. قال: وإنما تركه، لأنه سمع منه شيئًا يخالف السنة.

ص: 37

قلت: كان يدري الكلام على رأي الأشعري، وكان شيخ الإسلام أثريًا قحًا، ينال من المتكلمة، فلهذا أعرض عن الحيري، والحيري: فثقة عالم، أكثر عنه البيهقي والناس.

قال الحسين بن علي الكتبي: خرج شيخ الإسلام لجماعة الفوائد بخطه إلى أن ذهب بصره، فكان يأمر فيما يخرجه لمن يكتب، ويصحح هو، وقد تواضع بأن خرج لي فوائد، ولم يبق أحد ممن خرج له سواي.

قال محمد بن طاهر: سمعت أبا إسماعيل الأنصاري يقول: إذا ذكرت التفسير، فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير. وسمعته ينشد على منبره:

أنا حنبلي ما حييت وإن أمت

فوصيّتي للنّاس أن يتحنبلوا

قلت: وقد قال في قصيدته النونية التي أولها:

نزل المشيب بلمّتي فأراني

نقصان دهرٍ طالما أرهاني*

أنا حنبليٌّ ما حييت وإن أمت

فوصيّتي ذاكم إلى الإخوان

إذ دينه ديني وديني دينه

ما كنت إمّعةً له دينان

قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: قصدت أبا الحسن الخرقاني الصوفي، ثم عزمت على الرجوع، فوقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالري، وألتقيه وكان مقدم أهل السنة بالري، وذلك أن السلطان محمود بن سبكتكين لما دخل الري، وقتل بها الباطنية، منع الكل من الوعظ غير أبي حاتم، وكان من دخل الري يعرض عليه اعتقاده، فإن رضيه، أذن له في الكلام على الناس، وإلا فمنعه قال: فلما قربت من الري؛ كان معي رجل في الطريق من أهلها، فسألني عن مذهبي، فقلت: حنبلي، فقال: مذهب ما سمعت به! وهذه بدعة. وأخذ بثوبي، وقال: لا أفارقك إلى الشيخ أبي حاتم. فقلت: خيرة، فذهب بي إلى داره، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم، فقال: هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهبًا لم أسمع به قط. قال: وما قال? فقال: قال: أنا حنبلي. فقال: دعه، فكل من لم يكن حنبليًا، فليس بمسلم. فقلت في نفسي: الرجل كما وصف لي. ولزمته أيامًا، وانصرفت.

قال شيخ الإسلام في "ذم الكلام"، في أوله عقيب حديث {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

* أرهاني: أي رفق بي.

ص: 38

[المائدة: 3]. ونزولها بعرفة: سمعت أحمد بن الحسن بن محمد البزاز الفقيه الحنبلي الرازي في داره بالري يقول: كل ما أحدث بعد نزول هذه الآية فهو فضلة وزيادة وبدعة.

قلت: قد كان أبو حاتم أحمد بن الحسن بن خاموش صاحب سنة واتباع، وفيه يبس وزعارة العجم، وما قاله، فمحل نظر.

ولقد بالغ أبو إسماعيل في "ذم الكلام" على الاتباع فأجاد، ولكنه لم نفس عجيب لا يشبه نفس أئمة السلف في كتابه "منازل السائرين"، ففيه أشياء مطربة، وفيه أشياء مشكلة، ومن تأمله لاح له ما أشرت إليه، والسنة المحمدية صلفة، ولا ينهض الذوق والوجد إلَّا على تأسيس الكتاب والسنة. وقد كان هذا الرجال سيفًا مسلولًا على المتكلمين، له صولة وهيبة واستيلاء على النفوس ببلده، يعظمونه، ويتغالون فيه، ويبذلون أرواحهم فيما يأمر به. كان عندهم أطوع وأرفع من السلطان بكثير، وكان طودًا راسيًا في السنة لا يتزلزل ولا يلين، لولا ما كدر كتابه "الفاروق في الصفات" بذكر أحاديث باطلة يجب بيانها وهتكها، والله يغفر له بحسن قصده، وصنف "الأربعين" في التوحيد، و "أربعين" في السنة، وقد امتحن مرات، وأوذي، ونفي من بلده.

قال ابن طاهر: سمعته يقول: عرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك. لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك. فأقول: لا أسكت. وسمعته يقول: أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سردًا.

قال الحافظ أبو النضر الفامي: كان شيخ الإسلام أبو إسماعيل بكر الزمان، وواسطة عقد المعاني، وصورة الإقبال في فنون الفضائل وأنواع المحاسن، منها نصرة الدين والسنة، من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا وزير، وقد قاسى بذلك قصد الحساد في كل وقت، وسعوا في روحه مرارًا، وعمدوا إلى إهلاكه أطوارًا، فوقاه الله شرهم، وجعل قصدهم أقوى سبب لارتفاع شأنه.

قلت: قد انتفع به خلق، وجهل آخرون، فإن طائفةً من صوفة الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في منازل السائرين، وينتحلونه، ويزعمون أنه موافقهم. كلا، بل هو رجل أثري، لهج بإثبات نصوص الصفات، منافر للكلام وأهله جدًا، وفي منازله إشارات إلى المحو والفناء، وإنما مراده بذلك الفناء هو الغيبة عن شهود السوى، ولم يرد محو السوى في الخارج، ويا ليته لا صنف ذلك، فما أحلى تصوف الصحابة والتابعين! ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس، بل عبدوا الله، وذلوا له وتوكلوا عليه، وهم من خشيته مشفقون،

ص: 39

ولأعدائه مجاهدون، وفي الطاعة مسارعون، وعن اللغو معرضون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

وقد جمع هذا سيرةً للإمام أحمد في مجلد، سمعناها من أبي حفص بن القواس بإجازته من الكندي، أخبرنا الكروخي، أخبرنا المؤلف.

قال ابن طاهر: حكى لي أصحابنا أن السلطان ألب أرسلان قدم هراة ومعه وزيره نظام الملك، فاجتمع إليه أئمة الحنفية وأئمة الشافعية للشكوى من الأنصاري، ومطالبته، بالمناظرة، فاستدعاه الوزير، فلما حضر، قال: إن هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك، فإن يكن الحق معك؛ رجعوا إلى مذهبك، وإن يكن الحق معهم؛ رجعت أو تسكت عنهم. فوثب الأنصاري، وقال: أناظر على ما في كمي. قال: وما في كمك? قال: كتاب الله. -وأشار إلى كمه اليمين- وسنة رسول الله -وأشار إلى كمه اليسار- وكان فيه "الصحيحان". فنظر الوزير إليهم مستفهما لهم، فلم يكن فيهم من ناظره من هذا الطريق.

وسمعت خادمه أحمد بن أميرجه يقول: حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير نظام الملك، وكان أصحابنا كلفوه الخروج إليه، وذلك بعد المحنة ورجوعه إلى وطنه من بلخ -يعني أنه كان قد غرب- قال: فلما دخل عليه؛ أكرمه وبجله، وكان هناك أئمة من الفريقين، فاتفقوا على أن يسألوه بين يدي الوزير، فقال العلوي الدبوسي: يأذن الشيخ الإمام أن أسأل? قال: سل. قال: لم تلعن أبا الحسن الأشعري? فسكت الشيخ، وأطرق الوزير، فلما كان بعد ساعة؛ قال الوزير: أجبه. فقال: لا أعرف أبا الحسن، وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء، وأن القرآن في المصحف، ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم ليس بنبي. ثم قام وانصرف، فلم يمكن أحدًا أن يتكلم من هيبته، فقال الوزير للسائل: هذا أردتم! أن نسمع ما يذكره بهراة بآذاننا، وما عسى أن أفعل به? ثم بعث إليه بصلة وخلع، فلم يقبلها، وسافر من فوره إلى هراة.

قال: وسمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان ألب أرسلان هراة في بعض قدماته، اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل، وسلموا عليه، وقالوا: ورد السلطان ونحن على عزم أن نخرج، ونسلم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك، وكانوا قد تواطؤوا على أن حملوا معهم صنمًا من نحاس صغيرًا، وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ، وخرجوا، وقام الشيخ إلى خلوته، ودخلوا على السلطان، واستغاثوا من الأنصاري، وأنه مجسم، وأنه يترك في محرابه صنمًا يزعم أن الله تعالى على صورته، وإن

ص: 40

بعث السلطان الآن يجده. فعظم ذلك على السلطان، وبعث غلامًا وجماعة، فدخلوا، وقصدوا المحراب، فأخذوا الصنم، فألقى الغلام الصنم، فبعث السلطان من أحضر الأنصاري، فأتى فرأى الصنم والعلماء، وقد اشتد غضب السلطان، فقال له السلطان: ما هذا? قال: صنم يعمل من الصفر شبه اللعبة. قال: لست عن ذا أسألك. قال: فعم يسألني السلطان? قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا، وأنك تقول: إن الله على صورته. فقال شيخ الإسلام بصولة وصوت جهوري: سبحانك! هذا بهتان عظيم. فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به، فأخرج إلى داره مكرمًا، وقال لهم: اصدقوني. وهددهم فقالوا: نحن في يد هذا في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شره عنا. فأمر بهم، ووكل بهم، وصادرهم، وأخذ منهم وأهانهم.

قال أبو الوقت السجزي: دخلت نيسابور، وحضرت عند الأستاذ أبي المعالي الجويني، فقال: من أنت? قلت: خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري، فقال: رضي الله عنه.

قلت: اسمع إلى عقل هذا الإمام، ودع سب الطغام، إن هم إلَّا كالأنعام.

قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: كتاب أبي عيسى الترمذي عندي أفيد من كتاب البخاري ومسلم. قلت: ولمَ? قال: لأنهما لا يصل إلى الفائدة منهما إلَّا من يكون من أهل المعرفة التامة، وهذا كتاب قد شرح أحاديثه، وبينها، فيصل إلى فائدته كل فقيه وكل محدث.

قال أبو سعد السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن عبد الله بن محمد الأنصاري، فقال: إمام حافظ.

وقال عبد الغافر بن إسماعيل: كان أبو إسماعيل الأنصاري على حظ تام من معرفة العربية والحديث والتواريخ والأنساب، إمامًا كاملًا في التفسير، حسن السيرة في التصوف، غير مشتغل بكسب، مكتفيًا بما يباسط به المريدين والأتباع من أهل مجلسه في العام مرةً أو مرتين على رأس الملأ، فيحصل على ألوف من الدنانير وأعداد من الثياب والحلي، فيأخذها، ويفرقها على اللحام والخباز، وينفق منها، ولا يأخذ من السلطان ولا من أركان الدولة شيئًا، وقل ما يراعيهم، ولا يدخل عليهم، ولا يبالي بهم، فبقي عزيزًا مقبولًا قبولًا أتم من الملك، مطاع الأمر نحوًا من ستين سنة من غير مزاحمة، وكان إذا حضر المجلس لبس الثياب الفاخرة، وركب الدواب الثمينة، ويقول: إنما أفعل هذا إعزازًا للدين، ورغمًا لأعدائه، حتى ينظروا إلى عزي وتجملي، فيرغبوا في الإسلام. ثم إذا انصرف إلى بيته؛ عاد إلى المرقعة

ص: 41

والقعود مع الصوفية في الخانقاه يأكل معهم، ولا يتميز بحال، وعنه أخذ أهل هراة التبكير بالفجر، وتسمية الأولاد غالبًا بعبد المضاف إلى أسماء الله تعالى.

قال أبو سعد السمعاني: كان أبو إسماعيل مظهرًا للسنة، داعيًا إليها، محرضًا عليها، وكان مكتفيًا بما يباسط به المريدين، ما كان يأخذ من الظلمة شيئًا، وما كان يتعدى إطلاق ما ورد في الظواهر من الكتاب والسنة، معتقدًا ما صح، غير مصرح بما يقتضيه تشبيه، وقال مرةً: من لم ير مجلسي وتذكيري، وطعن في، فهو مني في حل.

قلت: غالب ما رواه في كتاب "الفاروق" صحاح وحسان، وفيه باب إثبات استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائنًا من خلقه من الكتاب والسنة، فساق دلائل ذلك من الآيات والأحاديث

، إلى أن قال: وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش، وعلمه وقدرته واستماعه ونظره ورحمته في كل مكان.

قيل: إن شيخ الإسلام عقد على تفسير قوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الأنبياء: 101]، ثلاث مائة وستين مجلسًا.

قال أبو النضر الفامي: توفي شيخ الإسلام في ذي الحجة، سنة إحدى وثمانين وأربع مائة، عن أربع وثمانين سنةً وأشهر.

وفيها مات: مسند أصبهان أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن ماجة الأبهري، ومسند نيسابور أبو عمرو عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي المزكي، وراوي "جامع الترمذي" أبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي.

أخبرنا علي بن أحمد الحسيني، أخبرنا علي بن أبي بكر بن روزبه ببغداد، وكتب إلي غير واحد، منهم إبراهيم بن علي قال: أخبرنا محمد بن أبي الفتح، وزكريا العلبي، وابن صيلا قالوا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد، حدثني أحمد بن محمد بن منصور بن الحسين وقال: هو أعلى حديث عندي، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن كثير بن ديسم أبو سعيد بهراة، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سلمة بن وردان ح، وأخبرنا الحسن بن علي، ومحمد بن قايماز الدقيقي، وجماعة قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر بن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو إسماعيل، أخبرنا عبد الجبار بن الجراح، حدثنا محمد بن أحمد بن محبوب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا ابن أبي فديك، أخبرني سلمة بن وردان الليثي، عن أنس بن

ص: 42

مالك: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك الكذب وهو باطل، بني له في رياض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق، بني له في وسطها، ومن حسن خلقه، بني له في أعلاها"

(1)

.

سلمة سيء الحفظ، وقد روى عنه: ابن المبارك والقعنبي، مات سنة ست وخمسين ومائة، ومن مناكيره ما رواه سريج بن يونس، حدثنا ابن أبي فديك، عن سلمة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "هل تزوجت"? قال: ليس عندي ما أتزوج. قال: أليس معك {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} ? قال: بلى. قال: "ربع القرآن، أليس معك {قُلْ يَا أَيُّهَا} ? " قال: بلى. قال: "ربع القرآن، أليس [معك] إذا زلزلت? " قال: بلى. قال: "ربع القرآن، تزوج تزوج"

(2)

.

قال أبو حاتم البستي: خرج عن حد الاحتجاج به.

أخبرنا أبو الحسن الغرافي، أخبرنا ابن أبي روزبه، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، أخبرنا شعيب بن محمد، أخبرنا حامد الرفاء، أخبرنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة غنمًا

(3)

.

أخرجه البخاري، عن أبي نعيم، وهو من نمط الثلاثيات.

قرأت على أبي الحسين علي بن محمد الفقيه، ومحمد بن قايماز، وجماعة قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا عبد الجبار، أخبرنا ابن محبوب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو

(1)

صحيح لغيره: أخرجه الترمذي "1994"، وابن ماجه "51"، وفي إسناده سلمة بن وردان الليثي أبو يعلى المدني، ضعيف كما في "التهذيب".

وله شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعًا بلفظ: "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" وإسناده حسن.

وله شاهد آخر من حديث ابن عباس: عند الطبراني "11290".

وشاهد ثالث من حديث معاذ بن جبل: عند الطبراني في "الصغير".

(2)

ضعيف: أخرجه الترمذي "2895"، وإسناده ضعيف، لأن فيه سلمة بن وردان، وهو ضعيف كما علمت حاله. ومع ذلك فقد حسنه الترمذي.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "1701"، ومسلم "1321"، وأبو داود "1755"، والنسائي "5/ 173"، وابن ماجه "3096".

ص: 43

عامر -هو الخزاز- عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَاب} [آل عمران: 7]. فقال: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، أولئك الذين سمى الله فاحذروهم"

(1)

.

وبه: قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يزيد بن إبراهيم، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الآية: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7]. قال: "هم الذين سمى الله فاحذروهم"

(2)

. هذا أو قريب منه.

فهذان الحديثان اللذان أسقط منهما أبو إسماعيل رجلًا رجلًا، فالأول: سقط فوق ابن بشار أبو داود الطيالسي، والثاني: سقط منه رجل وهو أبو الوليد الطيالسي، عن يزيد.

وأخرجه أبو داود عاليًا، عن القعنبي عن يزيد، به.

أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا ابن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا عمر بن إبراهيم إملاءً، حدثنا عبد الله بن محمد الحياني، سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم، سمعت الربيع بن سليمان، سمعت الشافعي يقول: قراءة الحديث خير من صلاة التطوع.

إسناده صحيح عن الشافعي، ولفظه غريب، والمحفوظ: طلب العلم.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "6/ 256"، والبخاري "4547"، ومسلم "2665"، وأبو داود "4598"، والترمذي "2993" و "2994"، والدارمي "1/ 55"، والبيهقي في "دلائل النبوة""6/ 545" وابن جرير الطبري "6610"، والطحاوي في "مشكل الآثار""3/ 208"، من طرق عن يزيد بن إبراهيم التستري، قال: حدثني ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، به.

(2)

صحيح: راجع تخريجنا السابق.

ص: 44

‌4355 - ابن قُريش

(1)

:

الشيخ العالم، الصالح، أبو الحسن، علي بن الحسين بن علي بن الحسن بن عثمان بن قريش البغدادي، النصري، البناء، من أهل محلة النصرية.

سمع: أحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي، وهو آخر أصحابه، وأبا الحسن الحمامي، وأبا القاسم الحرفي.

وعنه: ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وأحمد بن هبة الله بن الفرضي، وعبد الخالق اليوسفي.

قال السمعاني: ثقة، صالح، صدوق، توفي: في ذي الحجة سنة أربع وثمانين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 59".

ص: 44

‌4356 - الحاكمي

الفقيه نصر بن علي بن أحمد بن منصور بن شاذويه، أبو الفتح الطوسي، الحاكمي، أحد المشاهير.

حدث بـ"السنن" عن أبي علي الروذباري، عن ابن داسة. وأحضروه إلى نيسابور، فسمعوا منه الكتاب.

روى عنه: أبو الأسعد بن القشيري، وصخر بن عبيد الطابراني، وجماعة، وكان معمرًا.

‌4357 - مُعَلَّى بن حَيْدَرة:

الأمير الكبير، حصن الدولة، أبو الحسن الكتامي.

تغلب على مملكة دمشق بعد نزوح أمير الجيوش بدر عنها، فظلم وصادر وعسف، وزعم أن التقليد جاءه من المستنصر، وتعثرت الرعية، وأبغضه الجند، وجلا كثير من الناس، ثم خاف وذل، فهرب إلى بانياس، في آخر سنة سبع وستين وأربع مائة، فبقي هناك مدةً، ثم هرب إلى صور، ثم إلى طرابلس، فأمسك منها، ثم سجن بمصر مدة، ثم قتلوه في سنة إحدى وثمانين وأربع مائة.

وكان أبوه حيدرة بن منزه وفد إلى دمشق من قبل المستنصر، ولقب بحصن الدولة أيضًا.

‌4358 - الحُسَيني

(1)

:

الإمام، الحافظ، المجود، السيد الكبير، المرتضى، ذو الشرفين، أبو المعالي محمد بن محمد بن زيد بن علي العلوي، الحسيني، البغدادي، نزيل سمرقند.

ولد سنة خمسٍ وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ ترجمة 59"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 1035"، والعبر "3/ 297"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 365".

ص: 45

وسمع أبا علي بن شاذان، وأبا القاسم الحرفي، وأحمد بن عبد الله بن المحاملي، وطلحة بن الصقر، وأبا بكر البرقاني، ومحمد بن عيسى الهمذاني، وعبد الملك بن بشران الواعظ، وابن غيلان، وطبقتهم، واختص بالخطيب، ولازمه.

وصنف وجمع، وكان كبير القدر، كامل السؤدد، كثير الأموال، يرجع إلى عقل ورأي وعلم وافر، ونعمة جسيمة.

حدث عنه: شيخه جعفر بن محمد المستغفري، وأبو بكر الخطيب، ويوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد، وزاهر بن طاهر الشحامي، وهبة الله بن سهل السيدي، وأبو الأسعد هبة الرحمن بن القشيري، وأبو طالب محمد بن عبد الرحمن الحيري، وأبو الفتح أحمد بن الحسين الأديب، لكن هذا بالإجازة، وآخر من بقي من أصحابه: الخطيب أبو المعالي المديني.

قال أبو سعد السمعاني: هو أفضل علوي في عصره، له المعرفة التامة بالحديث، وكان يرجع إلى عقل وافر ورأي صائب، برع بأبي بكر الخطيب في الحديث، نقل عنه الخطيب -أظن في كتاب "البخلاء" رُزق حسن التصنيف، وسكن في آخر عمره سمرقند، ثم قدم بغداد، وأملى بها، وحدث بأصبهان، ثم رجع إلى سمرقند.

سمعت يوسف بن أيوب الزاهد يقول: ما رأيت علويًا أفضل منه. وأثنى عليه، وكان من الأغنياء المذكورين، وكان كثير الإيثار، ينفذ في العام إلى جماعة من الأئمة الألف دينار والخمس مائة وأكثر إلى كل واحد، فربما بلغ ذلك عشرة آلاف دينار، ويقول: هذه زكاة مالي، وأنا غريب، ففرقوا على من تعرفون استحقاقه، وكل من أعطيتموه؛ فاكتبوا له خطًا، وأرسلوه حتى أعطيه من عشر الغلة. قال: وكان يملك قريبًا من أربعين قرية خالصةً له بنواحي كس، وله في كل قرية وكيل أميز من رئيس بسمرقند.

هذا قول السمعاني، ولقد بالغ، فهذا في رتبة ملك، ومثل هذا يصلح للخلافة.

ثم قال أبو سعد: وسمعت أبا المعالي محمد بن نصر الخطيب يقول ذلك، وكان من أصحاب الشريف. وسمعته يقول: إن الشريف أنشأ بستانًا عظيمًا، فطلب صاحب ما وراء النهر الخاقان خضر أن يحضر دعوته في البستان، فقال الشريف للحاجب: لا سبيل إلى ذلك. فألح عليه، فقال: لكني لا أحضر، ولا أهيئ له آلة الفسق والفساد، ولا أعصي الله تعالى. قال: فغضب الخاقان، وأراد أن يقبض عليه، فاختفى عند وكيل له نحوًا من شهر، فنودي عليه في البلد، فلم يظفروا به، ثم أظهروا ندمًا على ما فعلوا ليطمئن، وألح عليه أهله في الظهور، فجلس على ما كان مدة، ثم إن الملك نفذ إليه ليشاوره في أمر، فلما حصل

ص: 46

عنده، أخذه وسجنه، ثم استأصل أمواله وضياعه، فصبر، وحمد الله، وقال: من يكون من أهل البيت لا بد أن يبتلى، وأنا ربيت في النعمة، وكنت أخاف أن يكون وقع في نسبي خلل، فلما جرى هذا، فرحت، وعلمت أن نسبي متصل.

قال لي أبو المعالي الخطيب: فسمعنا أنهم منعوه من الطعام حتى مات جوعًا، وهو من ذرية زين العابدين علي بن الحسين.

قال أبو سعد: قال أبو العباس الجوهري: رأيت السيد المرتضى بعد موته وهو في الجنة وبين يديه طعام، وقيل له: ألَّا تأكل? قال: لا، حتى يجيء ابني، فإنه غدًا يجيء. قال: فانتبهت، وذلك في رمضان، سنة اثنتين وتسعين، فقتل ولده السيد أبو الرضا في ذلك اليوم.

قال: وتوفي المرتضى بعد سنة ست وسبعين، وقيل: قتل في سنة ثمانين وأربع مائة، قتله الخاقان خضر بن إبراهيم، وكان قد نفذه الخاقان رسولًا إلى القائم بأمر الله.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله الدمشقي، أنبأنا أبو المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد، أخبرنا هبة الرحمن بن عبد الواحد الصوفي، أخبرنا المرتضى أبو المعالي محمد بن محمد العلوي، أخبرنا عمر بن إبراهيم بن إسماعيل الهروي الزاهد، أخبرنا منصور بن العباس البوشنجي، حدثنا جعفر بن أحمد بن نصر الحصيري، حدثنا أبو حفص الأبلي عمر، حدثنا عيسى بن شعيب، حدثنا روح بن القاسم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علم لا ينفع ككنز لا ينفق في سبيل الله عز وجل"

(1)

.

(1)

صحيح لغيره: أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم""1/ 138 " من طريق عيسى بن شعيب، به وإسناده حسن، عيسى بن شعيب، هو النحوي، صدوق كما في "التقريب" وأخرجه أحمد "2/ 499"، والدارمي "1/ 138"، والبزار "176""كشف الأستار"، والإسماعيلي في معجمه" "ص 360 - 361"، والسهمي في "تاريخ جرجان" "ص 78" "ص 321" من طرق عن إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "إن مثل علم لا ينفع، كمثل كنز لا ينفق في سبيل الله" واللفظ لأحمد.

قلت: إسناده ضعيف، إبراهيم بن مسلم الهجري، ضعيف، كان يرفع الموقوفات، وباقي رجاله ثقات. وأبو عياض: هو عمرو بن الأسود العنسي، وأخرجه أبو خيثمة في "العلم""162"، والطبراني في "الأوسط""693"، وابن عدي في "الكامل""3/ 115"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم""1/ 122" من طريق عبد الله بن لهيعة، عن دراج أبي السمع عن عبد الرحمن بن حجيرة، عن أبي هريرة مرفوعًا.

قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: دراج أبو السمح، ضعيف. والعلة الثانية: ابن لهيعة ضعيف لسوء حفظه، والخلاصة فإن الحديث بمجموع هذه الشواهد يرتقي لمرتبة الصحيح والله تعالى أعلى وأعلم.

ص: 47

عيسى لا يوثق به.

وبه إلى المرتضى: أخبرنا أبو الحسن علي بن طلحة البصري، حدثنا صالح بن أحمد الهمذاني الحافظ، حدثنا إبراهيم بن عمروس، حدثنا أبو عبد الله الجرجاني، حدثنا الفريابي، حدثنا سفيان الثوري، عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:{لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} [المائدة: 63]. قال: الربانيون: العلماء الفقهاء وهم فوق الأحبار.

وبه: أخبرنا الحسن الفارسي -يعني: ابن شاذان -أخبرنا أبو سهل القطان، حدثنا عبد الكريم بن الهيثم، حدثنا ابن عبدة، حدثنا حفص بن جميع، عن سماك، عن محمد بن المنكدر قال: قال ابن عباس يرفعه: "إن أقرب الناس درجةً من درجة النبوة أهل الجهاد وأهل العلم، أما أهل العلم، فقالوا ما جاءت به الأنبياء، وأما أهل الجهاد، فجاهدوا على ما جاءت به الأنبياء"

(1)

.

(1)

ضعيف: آفته حفص بن جميع، فإنه ضعيف بالاتفاق.

ص: 48

وابنه:

‌4359 - الحسيني

(1)

:

سيد السادة، أبو الرضا، الأطهر بن محمد، من كبار الشرفاء حشمةً وجاهًا ورئاسة وأموالًا، ولم يزل في رفعة إلى أن رام المملكة، ونابذ خان سمرقند، وأمر بضرب السكة باسمه، واستخدم آلافًا من العسكر، وجنى الخراج، وعظم أمره، ثم ظفر به الخان، فوسطه، وأخذ أمواله وحريمه، وأباد حاشيته، حتى لم يبق منهم نافخ نار، وذلك في سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة.

‌4360 - حَجَّاج بن قاسم

(2)

:

الإمام الفقيه، أبو محمد السَّبتي.

سمع من أبيه تلميذ ابن أبي زيد، وبمكة من أبي ذر.

وحدث بـ"الصحيح"، ورأس علماء المرية، ثم سبتة.

سمع منه: القاضي أبو محمد منصور، وأبو علي بن طريف، وأبو القاسم بن العجوز، وآخرون.

توفي سنة إحدى وثمانين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "9/ 289".

(2)

تقدمت ترجمته في الجزء الثالث عشر برقم ترجمة عام "4095"، وبتعليقنا رقم "369".

ص: 48

‌4361 - الشاشي

(1)

:

الإمام العلامة، شيخ الشافعية، أبو بكر، محمد بن علي بن حامد الشاشي، صاحب الطريقة المشهورة.

تفقه ببلاده على أبي بكر السنجي، ثم ارتحل إلى صاحب غزنة، فأقبل عليه، وعظُم شأنه بغزنة، وبعد صيته، وتفقهوا عليه، وصنف التصانيف، ثم استدعاه نظام الملك إلى هراة، وأشار عليهم بتسريحه، فجهزوه، مُكرمًا من غزنة بأولاده، فدرس بنظامية هراة، ثم قصد نيسابور زائرًا، فاحترموه، وقيل: لم يقع منهم بذاك الموقع، فعاد إلى هراة، وحدث عن منصور الكاغدي صاحب الهيثم الشاشي.

مات بهراة في سنة خمس وثمانين وأربع مائة، في سادس شوالها وله ثمان وثمانون سنةً، وقيل: بل عاش أربعًا وتسعين سنة. وأما عبد الغافر في "السياق" فقال: مات في شوال سنة خمس وتسعين، والأول أشبه، بل الصواب، وكذا أرخه أبو سعد السمعاني، وقال: زرت قبره بهراة، روى لنا عنه محمد بن محمد السنجي، وأبو بكر محمد بن سليمان المروزي.

‌4362 - البانياسي

(2)

:

الشيخ الصالح، المسند، أبو عبد الله، مالك بن أحمد بن علي بن إبراهيم البانياسي الأصل، البغدادي، ابن الفراء. كان يقول: هكذا سماني الوالد، وكناني، وسمتني أمي عليًا، وكنتني أبا الحسن، فأنا أعرف بهما.

سمع: أبا الحسن بن الصلت المجبر، وأبا الفتح بن أبي الفوارس، وأبا الحسين بن بشران، وابن الفضل القطان.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 308"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "4/ 140"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 375".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "2/ 64"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 69"، والعبر "3/ 308 - 309" والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 137"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 376".

ص: 49

حدث عنه: أبو علي بن سكرة، وأبو عامر العبدري، وإسماعيل بن السمرقندي، وإسماعيل التيمي، ومحمد بن ناصر، وأبو بكر بن الزاغوني، وأبو الحسن علي بن تاج القراء، وأبو الفتح محمد بن البطي، وخلق كثير.

قال أبو سعد السمعاني: شيخ صالح، ثقة، متدين، مسن، عمر حتى أخذ عنه الطلبة، وتكابوا عليه، كان يسكن في غرفة بسوق الريحانيين.

وقال ابن سكرة: كان مالكيًا شيخًا صالحًا، وقعت النار ببغداد بقرب حجرته وقد زمن، فأنزل في قفة إلى باب الحجرة، فإذا النار عند الباب، فتركه الذي أنزله، وفر، فاحترق هو رحمه الله وذلك في تاسع جمادى الآخرة، سنة خمس وثمانين وأربع مائة بالنهار.

وقال أبو محمد بن السمرقندي: كان آخر من حدث عن ابن الصلت، وكان ثقةً، قال لي: ولدت سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة.

وفيها: مات المحدث جعفر بن يحيى الحكاك، والوزير نظام الملك أبو علي قُتل، وشارح البخاري القاضي أبو عبد الله محمد بن خلف ابن المرابط، وأبو بكر محمد بن علي القشاشي، ومقرئ وقته محمد بن عيسى المغامي، والسلطان جلال الدولة ملكشاه السلجوقي، وشيخ الحنفية منصور بن أحمد البسطامي ببلخ.

ص: 50

‌4363 - المُجَاشِعِي

(1)

:

إمام النحو، أبو الحسن، علي بن فضال بن علي بن غالب، المجاشعي، القيرواني، التميمي، الفرزدقي، المفسر.

طوف الدنيا، واتصل بنظام الملك، وصنف "الإكسير في التفسير" في خمسة وثلاثين مجلدًا، ومؤلفًا في النحو في عدة مجلدات، و"البرهان" في التفسير في عشرين مجلدًا. وقد وعده إمام الحرمين بألف دينار على "الإكسير"، فألفه، فلما فرغ من قراءته عليه، لم يعطه شيئًا، فتوعده بأن يهجوه، فبعث إليه: عرضي فداؤك.

وقد ألف بغزنة كتبًا بأسماء أكابر، وأقرأ الآداب مدةً.

وله نظم جيد. وله "البسملة وشرحها" في مجلد، وكتاب "الدول" أزيد من ثلاثين سفرًا، وأشياء.

توفي في ربيع الأول، سنة تسع وسبعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 33"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "14/ 90"، والعبر "3/ 295"، ولسان الميزان "4/ 249"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 124"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 363".

ص: 50

‌4364 - السرَّاج

(1)

:

الشيخ، المعمر، مسند نيسابور، أبو نصر، محمد بن سهل بن محمد بن أحمد الشاذياخي، السراج.

سمع أبا نعيم عبد الملك بن محمد الإسفراييني، وأبا الطيب الصعلوكي، وأبا طاهر بن محمش، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وجماعة.

حدث عنه: ابن طاهر المقدسي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وعبد الله بن محمد الفراوي، وعبد الغافر بن إسماعيل، وقال: هو شيخ نظيف ظريف، مختص بمجلس الصاعدية للمنادمة والخدمة، سمع الكثير وعاش تسعين سنة، توفي: في صفر سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة.

قلت: هو آخر من حدث عن أبي نعيم المهرجاني، يقع حديثه اليوم بعلو في كتاب "الترغيب والترهيب" للتيمي.

‌4365 - موسى بن عمران

(2)

:

ابن محمد بن إسحاق بن يزيد، الشيخ الصالح، القدوة، مسند خراسان، أبو المظفر الأنصاري، النيسابوري، الصوفي.

ولد سنة ثمان وثمانين وثلاث مائة.

وسمع من: أبي الحسن العلوي فكان آخر من روى عنه، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي القاسم السراج، وطائفة.

حدث عنه: زاهر ووجيه ابنا الشحامي، وأبو عمر محمد بن علي بن دوست الحاكم، وعمر بن أحمد بن الصفار الفقيه، والحسين بن علي الشحامي، وعبد الله بن محمد الفراوي، وآخرون.

قال عبد الغافر: هو شيخ وجيه، حسن الرواء والمنظر، راسخ القدم في الطريقة، لقي الشيخ أبا سعيد بن أبي الخير الميهني، وخدمه، ثم خدم أبا القاسم القشيري، وكان من أركان الشيوخ، عمر ثمانيًا وتسعين سنة.

ومات في شهر ربيع الأول، سنة ست وثمانين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 303"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 369".

(2)

ترجمته في العبر "3/ 313"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 379".

ص: 51

‌4366 - المُقَوِّمي

(1)

:

الشيخ الصدوق، أبو منصور، محمد بن الحسين بن أحمد بن الهيثم القزويني، المقومي، راوي "سنن ابن ماجه"، عن القاسم بن أبي المنذر الخطيب.

سمع في سنة ثمان وأربع مائة وله عشر سنين من ابن أبي المنذر، والزبير بن محمد الزبيري، وعبد الجبار بن أحمد القاضي، شيخ المعتزلة. وحدث بالري.

وسأله ابن ماكولا عن مولده، فقال: في سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة.

حدث عنه: ملكداذ بن علي العمركي، وعلي بن شافعي، وعبد الرحمن بن عبد الله الرازي، وأبو العلاء زيد بن علي بن منصور الشروطي، وأخوه أبو المحاسن مسعود، والحافظ محمد بن طاهر المقدسي، وابنه أبو زرعة طاهر. ولا أعلم متى توفي، إلَّا أنه في سنة أربع وثمانين وأربع مائة كان حيًا.

ومات في سنة أربع: أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الذَّكواني، والحسن بن علي بن خلف الكاشغري، والحافظ ظافر بن مفوز الشاطبي، وعبد الملك بن شغبة البصري، وعلي بن الحسين بن قريش النَّصري -بنون-، ومقرئ مرو أبو نصر محمد بن أحمد الكُركَانجي، وقاضي القضاة أبو بكر محمد بن عبد الله الناصحي، والمعتصم محمد بن معن الصمادحي بالأندلس.

‌4367 - ابنُ البغداديّ

(2)

:

الإمام الواعظ، شيخ أصبهان، أبو الفضل، محمد بن أبي سعد أحمد بن الحسن بن علي البغدادي، ثم الأصبهاني، من بيت العلم والإسناد، أولهم علي بن أحمد بن سليمان البغدادي.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 306"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 372".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 42".

ص: 52

وعظ محمد، واشتهر، وسمع أولاده أبا سعد الحافظ وفاطمة، وشارك في الفضائل.

سمع: ابن فاذشاه، وعبد العزيز بن أحمد بن فاذويه، وأبا أحمد محمد ابن علي المؤدب، وابن ريذة.

روى عنه: ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وجماعة.

مولده سنة ثلاث وعشرين وأربع مائة.

ومات في صفر، سنة ثمانين غريبًا ببغداد بعد مجيئه من الحج.

ص: 53

‌4368 - مسعود بن ناصر

(1)

:

ابن أبي زيد عبد الله بن أحمد، الإمام المحدث، الرحال، الحافظ، أبو سعيد السجزي، الركاب.

سمع من: علي بن بشرى، وطائفة بسجستان، ومن محمد بن عبد الرحمن الدباس، ومنصور بن محمد بن محمد الأزدي بهراة، وأبي حسان محمد بن أحمد المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان، وعمر بن مسرور، وطبقتهم بنيسابور، وأبي طالب بن غيلان، وبشرى الفاتني، وأبي محمد الخلال ببغداد، ومن أبي بكر بن ريذة بأصبهان. وجمع فأوعى، وصنف الأبواب.

حدث عنه: محمد بن عبد العزيز العجلي المروزي، وعبد الواحد ابن الفضل الطوسي، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وأبو الأسعد بن القشيري، وخلق، وأبو بكر الخطيب، وهو من شيوخه، وسمع منه شيخه الصوري.

قال الدقاق: ولم أر في المحدثين أجود إتقانًا ولا أحسن ضبطًا منه.

وقال زاهر الشحامي: كان مسعود السجزي يذهب إلى القدر، ويقرؤها:"فحج آدم موسى" بنصب آدم.

مات مسعود بنيسابور في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربع مائة، وصلى عليه إمام الحرمين أبو المعالي، ووقف كتبه، وكانت كثيرةً نفيسةً متقنة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 47"[السجستاني]، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 13"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1040"، والعبر "3/ 289"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 357".

ص: 53

قال عبد الغافر بن إسماعيل: كان متقنًا، ورعًا، قصير اليد، زجى عمره كذلك إلى أن ارتبطه نظام الملك ببيهق ثم بطوس للاستفادة.

قال أحمد بن ثابت الطرقي: سمعت ابن الخاضبة يقول: كان مسعود قدريًا، سمعته يقرأها: فحج آدم موسى. بالنصب.

وقال المؤتمن الساجي: كان يرجع إلى هداية وإتقان وحسن ضبط.

أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا مسعود بن أبي منصور، أخبرنا الحسن بن أحمد الحداد، أخبرنا مسعود بن ناصر، أخبرنا عثمان بن محمد بن أحمد النوقاني، أخبرنا أبي أبو عمر، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الخياط، حدثنا أحمد بن محمد بن ياسين، حدثنا أبو عتاب، حدثنا أحمد بن محمد بن دينار النيسابوري، عن أزهر السمان، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تفكهوا، وكلوا البطيخ، فإن حلاوته من الجنة"

(1)

.

هذا باطل، ما تفوه به أزهر قط.

قال عبد الغافر: انتقل مسعود في آخر عمره إلى نيسابور، وكان على كبر سنه يطوف على المشايخ، ويكتب، وينفق ما يفتح له على الطلبة، وفوائده من الأخبار والحكايات والأشعار في سفائنه لا تحصى، فقد عددنا في كتبه قريبًا من ستين مجموعًا من التواريخ، سوى سائر الأجناس، وكان يكتب بخط مستقيم، ويورق ببغداد وأصبهان، وقف كتبه في مسجد عقيل.

قال السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن مسعود بن ناصر، فقال: حافظ، سمع الكثير.

ولأسعد الزوزني:

بمسعود بن ناصرٍ اشتملنا

على عين الحديث بغير ريب

إذا ما قال: حدّثنا فلانٌ

فذا الإسناد حقٌّ غير ريب

وما إن زرته إلَّا خفيفا

فيصبح مثقلًا كمّي وجيبي

ولو أني ظفرت به شبابي

غنيت عن التّردّد وقت شيبي

(1)

موضوع: آفته أحمد بن محمد بن ياسمين، فقد كذبه الدارقطني، وكل الأحاديث الواردة في فضائل البطيح موضوعة، ليس فيها أثارة من صحة.

ص: 54

‌4369 - أبو الوليد الباجي

(1)

:

الإمام العلامة، الحافظ، ذو الفنون، القاضي، أبو الوليد، سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التَّجيبي، الأندلسي، القرطبي، الباجي، الذهبي، صاحب التصانيف.

أصله من مدينة بطليوس، فتحول جده إلى باجة -بليدة بقرب إشبيلية- فنسب إليها، وما هو من باجة المدينة التي بإفريقية، التي ينسب إليها الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي الباجي، وابنه الحافظ الأوحد أبو عمر أحمد بن عبد الله بن الباجي، وهما من علماء الأندلس أيضًا.

ولد أبو الوليد في سنة ثلاث وأربع مائة.

وأخذ عن: يونس بن مغيث، ومكي بن أبي طالب، ومحمد بن إسماعيل، وأبي بكر محمد بن الحسن بن عبد الوارث.

وارتحل سنة ست وعشرين، فحج، ولو مدها إلى العراق وأصبهان؛ لأدرك إسنادًا عاليًا، ولكنه جاور ثلاثة أعوام، ملازمًا للحافظ أبي ذر، فكان يسافر معه إلى السراة، ويخدمه، فأكثر عنه، وأخذ علم الحديث والفقه والكلام.

ثم ارتحل إلى دمشق، فسمع من: أبي القاسم عبد الرحمن بن الطبيز، والحسن بن السمسار، والحسن بن محمد بن جميع، ومحمد بن عوف المزني.

وارتحل إلى بغداد، فسمع: عمر بن إبراهيم الزهري، وأبا طالب محمد بن محمد بن غيلان، وأبا القاسم الأزهري، وعبد العزيز بن علي الأزجي، ومحمد بن علي الصوري الحافظ، -وصحبه مدة-، ومحمد بن عبد الواحد بن رزمة، والحسن بن محمد الخلال، وخلقًا سواهم.

وتفقه بالقاضي أبي الطيب الطبري، والقاضي أبي عبد الله الصيمري، وأبي الفضل بن عمروس المالكي.

وذهب إلى الموصل، فأقام بها سنةً على القاضي أبي جعفر السمناني المتكلم، صاحب ابن الباقلاني، فبرز في الحديث والفقه والكلام والأصول والأدب.

(1)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "1/ 468"، والأنساب للسمعاني "2/ 19 - 20"، واللباب لابن الأثير "1/ 103" والصلة لابن بَشكوال "1/ ترجمة 454"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "11/ 246"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 275"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 1027"، والعبر "3/ 280"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 114"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 344 - 345".

ص: 55

فرجع إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة سنةً بعلم غزير، حصله مع الفقر والتقنع باليسير.

حدث عنه: أبو عمر بن عبد البر، وأبو محمد بن حزم، وأبو بكر الخطيب، وعلي بن عبد الله الصقلي، وأبو عبد الله الحميدي، وأحمد بن علي بن غزلون، وأبو علي بن سكرة الصدفي، وأبو بكر الفهري الطُّرطوشي، وابنه الزاهد أبو القاسم بن سليمان، وأبو علي بن سهل السبتي، وأبو بحر سفيان بن العاص، ومحمد بن أبي الخير القاضي، وخلق سواهم.

وتفقه به أئمة، واشتهر اسمه، وصنف التصانيف النفيسة.

قال القاضي عياض: آجر أبو الوليد نفسه ببغداد لحراسة درب، وكان لما رجع إلى الأندلس يضرب ورق الذهب للغزل، ويعقد الوثائق قال لي أصحابه: كان يخرج إلينا للإقراء وفي يده أثر المطرقة، إلى أن فشا علمه، وهيتت الدنيا به، وعظم جاهه، وأجزلت صلاته، حتى توفي عن مال وافر، وكان يستعمله الأعيان في ترسلهم، ويقبل جوائزهم، ولي القضاء بمواضع من الأندلس، وصنف كتاب المنتقى في الفقه، وكتاب المعاني في شرح الموطأ، فجاء في عشرين مجلدًا، عديم النظير.

قال: وقد صنف كتابًا كبيرًا جامعًا، بلغ فيه الغاية، سماه "الاستيفاء"، وله كتاب "الإيماء في الفقه" خمس مجلدات، وكتاب "السراج في الخلاف" لم يتم، و"مختصر المختصر في مسائل المدونة"، وله كتاب في اختلاف الموطآت، وكتاب في الجرح والتعديل، وكتاب "التسديد إلى معرفة التوحيد"، وكتاب "الإشارة في أصول الفقه"، وكتاب "إحكام الفصول في أحكام لأصول"، وكتاب "الحدود"، وكتاب "شرح المنهاج"، وكتاب "سنن الصالحين وسنن العابدين"، وكتاب "سبل المهتدين"، وكتاب "فرق الفقهاء"، وكتاب "التفسير" لم يتمه، وكتاب "سنن المنهاج وترتيب الحجاج".

قال الأمير أبو نصر: أما الباجي ذو الوزارتين ففقيه متكلم، أديب شاعر، سمع بالعراق، ودرس الكلام، وصنف

إلى أن قال: وكان جليلًا رفيع القدر والخطر، قبره بالمرية.

وقال القاضي أبو علي الصدفي: ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي، وما رأيت أحدًا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه. ولما كنت ببغداد قدم ولده أبو القاسم أحمد، فسرت معه إلى شيخنا قاضي القضاة الشامي، فقلت له: أدام الله عزك، هذا ابن شيخ الأندلس. فقال: لعله ابن الباجي? قلت: نعم. فأقبل عليه.

قال القاضي عياض: كثرت القالة في أبي الوليد لمداخلته للرؤساء، وولي قضاء أماكن تصغر عن قدره كأوريولة، فكان يبعث إليها خلفاءه، وربما أتاها المرة ونحوها، وكان في أول

ص: 56

أمره مقلًا حتى احتاج في سفره إلى القصد بشعره، وإيجار نفسه مدة مقامه ببغداد فيما سمعته، مستفيضًا لحراسة درب، وقد جمع ولده شعره، وكان ابتدأ بكتاب "الاستيفاء" في الفقه، لم يضع منه سوى كتاب الطهارة في مجلدات. قال لي: ولما قدم من الرحلة إلى الأندلس وجد لكلام ابن حزم طلاوةً، إلَّا أنه كان خارجًا عن المذهب، ولم يكن بالأندلس من يشتغل بعلمه، فقصرت ألسنة الفقهاء عن مجادلته وكلامه، واتبعه على رأيه جماعة من أهل الجهل، وحل بجزيرة ميورقة، فرأس فيها، واتبعه أهلها، فلما قدم أبو الوليد؛ كلموه في ذلك، فدخل إلى ابن حزم، وناظره، وشهر باطله. وله معه مجالس كثيرة. قال: ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في صحيح البخاري. قال بظاهر لفظه، فأنكر عليه الفقيه أبو بكر بن الصائغ، وكفره بإجازته الكتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي، وأنه تكذيب للقرآن، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام، حتى أطلقوا عليه الفتنة، وقبحوا عند العامة ما أتى به، وتكلم به خطباؤهم في الجمع، وقال شاعرهم:

برئت ممّن شرى دنيا بآخرةٍ

وقال إنّ رسول اللّه قد كتبا

فصنف القاضي أبو الوليد "رسالةً" بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة، فرجع بها جماعة.

قلت: يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب اسمه ليس إلا، ولا يخرج بذلك عن كونه أميًا، وما من كتب اسمه من الأمراء والولاة إدمانًا للعلامة يعد كاتبًا، فالحكم للغالب لا لما ندر، وقد قال عليه السلام:"إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"

(1)

. أي لأن أكثرهم كذلك، وقد كان فيهم الكتبة قليلًا. وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا} [الجمعة: 2]. فقوله -عليه الصلاة- السلام: "لا نحسب" حق، ومع هذا فكان يعرف السنين والحساب، وقسم الفيء، وقسمة لمواريث بالحساب العربي الفطري لا بحساب القبط ولا الجبر والمقابلة، بأبي هو ونفسي صلى الله عليه وسلم، وقد كان سيد الأذكياء، ويبعد في العادة أن الذكي يملي الوحي وكتب الملوك وغير ذلك على كتابه، ويرى اسمه الشريف في خاتمه، ولا يعرف هيئة ذلك مع الطول، ولا يخرج بذلك عن أميته، وبعض العلماء عد ما كتبه يوم الحديبية من معجزاته، لكونه لا يعرف الكتابة وكتب، فإن قيل: لا يجوز عليه أن يكتب، فلو كتب؛ لارتاب مبطل، ولقال: كان يحسن الخط، ونظر في كتب الأولين. قلنا: ما كتب خطًا كثيرًا حتى يرتاب به المبطلون، بل قد يقال: لو قال مع طول مدة كتابة الكتاب بين يديه: لا

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "1913"، ومسلم "1080"، وأبو داود "2319"، والنسائي "4/ 139".

ص: 57

أعرف أن أكتب اسمي الذي في خاتمي، لارتاب المبطلون أيضًا، ولقالوا: هو غاية في الذكاء، فكيف لا يعرف ذلك? بل عرفه، وقال: لا أعرف. فكان يكون ارتيابهم أكثر وأبلغ في إنكاره، والله أعلم.

وأما الحافظ أبو القاسم بن عساكر، فذكر أن أبا الوليد قال: كان أبي من باجة القيروان، تاجرًا يختلف إلى الأندلس.

قلت: فعلى هذا هو وأبو عمر بن الباجي وآله كلهم من باجة القيروان، فالله أعلم.

ومن نظم أبي الوليد:

إذا كنت أعلم علمًا يقينا

بأنّ جميع حياتي كساعه

فلم لا أكون ضنينا بها

وأجعلها في صلاحٍ وطاعه

أخبرنا ابن سلامة كتابة، عن القاسم بن علي بن الحسن، أخبرنا أبي، أخبرنا رزين بن معاوية بمكة، أخبرنا الفقيه علي بن عبد الله الصقلي بمكة، حدثنا أبو الوليد القاضي، حدثنا يونس بن عبد الله القرطبي، حدثنا يحيى بن عبد الله، عن أبيه، عن يحيى بن يحيى، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة، وصلى بها

(1)

.

كذا رواه ابن عساكر.

أنبأنا ابن علان وجماعة، عن أبي طاهر الخشوعي، عن أبي بكر محمد بن الوليد الفهري "ح" وأخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الوهاب الزهري، أخبرنا جدي أبو الطاهر بن عوف، أخبرنا محمد بن الوليد الفهري، أخبرنا أبو الوليد سليمان بن خلف، أخبرنا يونس بن عبد الله مناولةً، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله الليثي، أخبرنا عم أبي عبيد الله بن يحيى بن يحيى، أخبرنا أبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الذي تفوته صلاة العصر، كأنما وتر أهله وماله"

(2)

.

وسمعته عاليًا من أحمد بن هبة الله، عن المؤيد بن محمد، أخبرنا هبة الله بن سهل،

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "1532"، ومسلم "1257"، وأبو داود "2044"، والنسائي "5/ 26 - 27".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "552"، ومسلم "626"، وأبو داود "414"، والنسائي "6/ 255".

ص: 58

أخبرنا سعيد بن محمد، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، حدثنا مالك بهذا.

وسمعناه في جزء أبي الجهم من حديث الليث، عن نافع.

قال أبو علي بن سكرة: مات أبو الوليد بالمرية في تاسع عشر رجب، سنة أربع وسبعين وأربع مائة، فعمره إحدى وسبعون سنة سوى أشهر، فإن مولده في ذي الحجة من سنة ثلاث وأربع مائة.

ومات معه في العام: مسند العراق أبو القاسم علي بن أحمد بن البسري البندار، وشيخ المالكية بسبتة أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن العجوز الكتامي، ومحدث نيسابور أبو بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم بن محمد بن المزكي، ومعمر بغداد أبو بكر أحمد بن هبة الله بن صدقة الدباس. وكان يذكر أن أصوله على أبي الحسين بن سمعون والمخلص ذهبت في النهب.

أخبرنا محمد بن عبد الكريم المقرئ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد سنة خمس وثلاثين، أخبرنا أبو الطاهر إسماعيل بن مكي الزهري قراءةً عليه سنة " (572) "، أخبرنا أبو بكر الفهري، أخبرنا أبو الوليد الباجي، أخبرنا يونس بن عبد الله القاضي، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله، عن عم أبيه عبيد الله بن يحيى بن يحيى، عن أبيه، عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس أنه سمعه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، ولا بالجعد القطط ولا بالسبط، بعثه الله على رأس أربعين سنةً، فأقام بمكة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنةً، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرةً بيضاء صلى الله عليه وسلم"

(1)

.

وابنه:

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "3548"، ومسلم "2347".

ص: 59

‌4370 - أحمد بن سليمان الباجي

(1)

:

العلامة الكبير، أبو القاسم، أحمد بن سليمان الباجي.

سكن بسرقسطة، وروى عن أبيه كثيرًا، وخلفه في حلقته.

وحدث عن: حاتم بن محمد، وابن حيان، ومحمد بن عتاب، ومعاوية العُقيلي.

وبرع في الأصول والكلام، له تصانيف تدل على حذقه وذكائه، وصنف عقيدةً.

قال ابن بشكوال: أخبرنا عنه جماعة، ووصفوه بالنباهة والجلالة.

قلت: وأجاز للقاضي عياض، وقال: كان حافظًا للخلاف والمناظرة. له النظم والأدب، وكان دينًا، ورعًا، تخلى عن تركه أبيه لقبوله جوائز السلطان، وكانت وافرةً حتى احتاج بعد.

قلت: ارتحل ورأى بغداد واليمن، واتفق موته بجدة بعد الحج، سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة كهلًا.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 71"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "6/ 404"، والديباج المذهب لابن فرحون المالكي "1/ 183".

ص: 60

‌4371 - أبو جعفر الهاشمي

(1)

:

الإمام، شيخ الحنبلية، أبو جعفر، عبد الخالق بن أبي موسى عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أحمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن معبد ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب، الهاشمي، العباسي، الحنبلي، البغدادي.

مولده سنة إحدى عشرة وأربع مائة.

وسمع أبا القاسم بن بشران، وأبا الحسين بن الحراني، وأبا محمد الخلال، وعدة.

حدث عنه: أبو بكر الأنصاري وغيره، وهو أكبر تلامذة القاضي أبي يعلى.

قال السمعاني: كان حسن الكلام في المناظرة، ورعًا زاهدًا، متقنًا، عالمًا بأحكام القرآن والفرائض.

وقال أبو الحسين بن الفراء: لزمته خمس سنين، وكان إذا بلغه منكر، عظم عليه جدًا، وكان شديدًا على المبتدعة، لم تزل كلمته عاليةً عليهم، وأصحابه يقمعونهم، ولا يردهم أحد، وكان عفيفًا نزهًا، درس بمسجده، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي يدرس، ثم درس بجامع المهدي، ولما احتضر أبو يعلى، أوصاه أن يغسله، وكذا لما احتضر الخليفة القائم أوصى أن يغسله أبو جعفر، ففعل، وما أخذ شيئًا مما وصى له به، حتى قيل له: خذ قميص أمير المؤمنين للبركة، فنشفه، بفوطة وقال: حصلت البركة. ثم استدعى المقتدي، فبايعه منفردًا

إلى أن قال: وأخذ أبو جعفر في فتنة ابن القشيري، وحبس أيامًا، فسرد الصوم، وما أكل لأحد شيئًا، ودخلت، فرأيته يقرأ في المصحف، ومرض، فلما ثقل وضج الناس من حبسه، أخرج إلى الحريم، فمات هناك، وكانت جنازته مشهودةً، ودفن إلى جانب قبر الإمام أحمد، ولزم الناس قبره مدةً حتى قيل: ختم على قبره عشرة آلاف ختمة.

توفي في صفر سنة سبعين وأربع مائة.

قال ابن النجار: كان منقطعًا إلى العبادة وخشونة العيش والصلابة في مذهبه، حتى أفضى ذلك إلى مسارعة العوام إلى إيذاء الناس، وإقامة الفتنة، وسفك الدماء، وسب العلماء، فحبس.

قلت: كان يوم موته يومًا مشهودًا. رحمه الله.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "8/ 315"، والعبر "3/ 273"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 106"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 336".

ص: 60

‌4372 - الدبَّاس

(1)

:

الشيخ المعمر، أبو بكر أحمد بن هبة الله بن محمد بن يوسف بن صدقة الرحبي الدباس.

قال: ولدت سنة سبعين وثلاث مائة. قاله غير مرة.

سمع أبا الحسين بن بشران، وغيره.

وقال ابن النجار: كان يذكر أنه سمع من أبي الحسين بن سمعون، وأبي طاهر المخلِّص، وأن أصوله ذهبت في النهب، وكان يسكن بالنصرية.

قلت: روى عنه أبو بكر الأنصاري، وإسماعيل بن السمرقندي.

قال ابن ناصر: مات أبو بكر الرحبي في رجب سنة أربع وسبعين وأربع مائة، وقد بلغ مائةً وأربع سنين.

‌4373 - البُزَاني

(2)

:

الشيخ الجليل، الرئيس، أبو الفضل، المطهر بن عبد الواحد بن محمد اليربوعي، البزاني، الأصبهاني، الكاتب.

سمع أبا جعفر بن المرزبان الأبهري، وأبا عبد الله بن مندة الحافظ، وأبا عمر بن عبد الوهاب، وإبراهيم بن خرشيذ قوله. وعمر دهرًا، وأكثر الناس عنه.

وعاش إلى سنة خمس وسبعين وأربع مائة.

حدث عنه: مسعود الثقفي، وأبو عبد الله الرستمي، وجماعة.

وكان له ابن رئيس، وهو الوزير عبد الواحد، ولي عميدًا على العراق، ومات قبل والده.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "8/ 332".

(2)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "1/ 573"، والأنساب للسمعاني "2/ 187"، والعبر "3/ 282"، وتبصير المنتبه "1/ 131"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 348".

ص: 61

‌4374 - ابن البَقَّال

(1)

:

شيخ الشافعية، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن علي بن البقال الأزجي.

روى عن: عبد الملك بن بشران.

وعنه: أبو علي البرداني.

قال ابن النجار: كان علامة، مدققًا، مناظرًا، زاهدًا، عابدًا، نزهًا، ولي قضاء الحريم ثلاثين سنةً، توفي في شعبان سنة سبع وسبعين وأربع مائة وله ست وسبعون سنة، وكان من تلامذة القاضي أبي الطيب، وله حلقة مناظرة بجامع القصر.

‌4375 - الأنطاكي:

القاضي، الفقيه، المسند، أبو عبد الله، الحسين بن علي بن عمر بن علي الأنطاكي، الشافعي، الشاغوري. كان يسكن بالشاغور.

ولد سنة أربع وتسعين وثلاث مائة.

وسمع من: تمام الرازي، وعبد الرحمن بن أبي نصر، وهو آخر أصحاب تمام.

حدث عنه: أبو بكر الخطيب، وهبة الله بن الأكفاني، وجمال الإسلام أبو الحسن السلمي، وعلي بن قبيس المالكي، وغيرهم.

ناب في القضاء بدمشق عن الشريف أبي الفضل بن أبي الجن.

توفي في المحرم سنة ثلاث وسبعين وأربع مائة بدمشق.

(1)

ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "4/ 333".

ص: 62

‌4376 - ابن العجوز

(1)

:

شيخ المالكية، أبو عبد الله، محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن أحمد بن العجوز الكتامي، عالم سبتة، وابن عالمها العلامة أبي القاسم، الذي توفي سنة تسع وأربعين وأربع مائة.

لقي أبا إسحاق التونسي بالقيروان، وعليه وعلى ابن البريا كانت العمدة في الفتوى، وكانت بينهما إحن، فجرت محنة للفظة قالها أبو عبد الله، قرأ الخطيب:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِن} عدة، بدل:{قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، فقال: الوزن واحد. فكفروه، وأفتوا باستتابته، وسجن، ثم أخرج، فارتحل إلى فاس، فعظمه ابن تاشفين، وولاه قضاء فاس. تفقه عليه عدة.

ومات سنة أربع وسبعين وأربع مائة.

وهو والد العلامة عبد الرحمن وعبد الله وعبد الرحيم.

‌4377 - التَّفَكُّري

(2)

:

الإمام، القدوة، الزاهد، المحدث، المتقن أبو القاسم، يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن التفكري الزنجاني.

سمع بزنجان من: أبي عبد الله الحسين الفلاكي، وأبي علي بن بندار، وبأصبهان من أبي نعيم الحافظ، وقرأ عليه "معاجم الطبراني" الثلاثة، وسمع: ببغداد من أبي إسحاق البرمكي، والصوري.

وإنما طلب هذا الشأن وقد كبر، فإن مولده في سنة خمس وتسعين وثلاث مائة.

وقرأ الفقه ببغداد على الشيخ أبي إسحاق، ولازمه حتى صار من كبار أصحابه، وكان من العلماء العاملين، ذا ورع وخشوع وتأله.

حدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الخالق بن أحمد اليوسفي، وشيرويه الديلمي، وغيرهم.

توفي إلى رحمة الله ببغداد في حادي عشر ربيع الآخر، سنة ثلاث وسبعين وأربع مائة وله ثمان وسبعون سنة.

(1)

ترجمته في الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "3/ 231".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "1/ 329"، وطبقات ابن الشافعية للسبكي "5/ 361".

ص: 63

‌4378 - جَعْبَر بن سابق:

القشيري، من أمراء العرب، أنشأ قلعة جعبر على الفرات، وكان يقال لها: الدوسرية. لأن دوسر غلام صاحب الحيرة النعمان بن المنذر بناها، فلما قدم السلطان ملكشاه السلجوقي حلب، قتل الأمير جعبرًا هذا لكونه بلغه أن ولديه يقطعان الطريق، قتله في سنة تسع وسبعين وأربع مائة.

‌4379 - ابن مُنْقِذ

(1)

:

الأمير، سديد الملك، أبو الحسن، علي بن منقذ بن نصر بن منقذ الكناني صاحب شيزر.

كان بطلًا شجاعًا، جوادًا، فاضلًا، أول من ملك شيزر من بيته، لأنه كان نازلًا في عشيرته هناك، والحصن في يد الروم، فنازلهم، وتسلمه بالأمان في سنة أربع وسبعين، ودام لبنيه حتى تهدم من الزلزلة سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة، وهلك من بالحصن من آل منقذ، فعمره نور الدين.

وكان لسديد الملك نظم رائق وفطنة وذكاء، ومات في الزلزلة حفيده تاج الدولة محمد بن سلطان.

توفي سديد الملك سنة بضع وسبعين وأربع مائة فقيل: سنة خمس. وقيل: سنة تسع.

‌4380 - ابن شُرَيح

(2)

:

الإمام شيخ القراء، أبو عبد الله، محمد بن شريح بن أحمد بن شريح بن يوسف الرُّعَيني، الإشبيلي، مصنف كتاب "الكافي".

ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة، وهذا الذي تحرر في نسبه. فأما ابن بشكوال، فأدخل في نسبه محمدًا بين أبيه وبين أحمد، وله كتاب "التذكير".

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 483"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 113".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 553"، والعبر "3/ 285"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 354".

ص: 64

سمع: عثمان بن أحمد أبا عمرو القيجطالي، وأجاز له مكي وأخذ عنه، وحج، فسمع من أبي ذر "الصحيح" وغير ذلك.

وأخذ القراءات عن أحمد بن محمد القنطري المجاور، وتاج الأئمة أحمد بن علي، وأبي علي الحسن بن محمد بن إبراهيم صاحب "الروضة" في سنة ثلاث وثلاثين.

وسمع من: أبي العباس بن نفيس، ومحمد بن الطيب الكحال، وأحمد بن محمد بن عبد العزيز اليحصبي.

وكان رأسًا في القراءات، بصيرًا بالنحو والصرف، فقيهًا كبير القدر، حجةً، ثقة.

وقيل: إنه صلى ليلةً بالمعتضد، فوقف في الرعد على قوله:{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: 17]. فقال: كنت أظن ما بعده صفةً للأمثال، وما فهمته إلَّا من وقفك. ثم أمر له بخلعة وفرس وجارية وألف دينار.

روى عنه الكثير ولده أبو الحسن شريح بن محمد، وأبو العباس بن عيشون، وطائفة.

مات في رابع شوال سنة ست وسبعين وأربع مائة، عن أربعة وثمانين عامًا، وقيل: بل مات في منتصف الشهر. وتأسف الناس عليه رحمه الله وصلى عليه ابنه.

ص: 65

‌4381 - الأعْلَم

(1)

:

إمام العربية، أبو الحجاج، يوسف بن سليمان بن عيسى الشنتمري، الأندلسي، النحوي، الأعلم، وهو المشقوق الشفة.

تخرج بإبراهيم بن محمد الإفليلي، ومسلم بن أحمد الأديب.

وبرع في اللغة والنحو والأشعار، وجلس للطلبة وتكاثروا عليه، وصنف التصانيف.

أخذ عنه: الحافظ أبو علي الجياني وغيره.

وأضر بأخرة. وكان أحد الأذكياء المبرزين.

ولد سنة عشر وأربع مائة، وعاش بضعًا وستين سنة.

قال أبو الحسن شريح بن محمد: مات أبي في شوال سنة ست وسبعين، فأعلمت به أبا الحجاج الأعلم. وكانا كالأخوين، فانتحب بالبكاء، وقال: لا أعيش بعده إلَّا شهرًا. قال: فكان كذلك.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 681"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "20/ 60"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "7/ ترجمة 841"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 403".

ص: 65

‌4382 - دُبيس

(1)

:

أمير العرب بالعراق، نور الدولة، دبيس بن علي بن مزيد الأسدي.

كان فارسًا، جوادًا، ممدحًا، كبير الشأن. عاش ثمانين سنةً. رثته الشعراء، فأكثروا، وكان صاحب مدينة الحلة، وفيه تشيع.

مات في شوال، سنة أربع وسبعين وأربع مائة.

وهو الذي ضرب به الحريري المثل في المقامات.

تملك بعده ولده بهاء الدولة منصور، فسار إلى مخيم السلطان ملكشاه، فأقبل عليه، وخلع عليه الخليفة، وولاه الحلة، فكانت أيامه خمس سنين ومات، وكان بطلًا شجاعًا وشاعرًا محسنًا، نحويًا جيد السيرة، فولي بعده ابنه سيف الدولة صدقة بن منصور.

‌4383 - الخَبْرِي

(2)

:

إمام الفرضيين، العلامة أبو حكيم، عبد الله بن إبراهيم الخبري، الشافعي.

تفقه على أبي إسحاق، وسمع من القادسي، والجوهري.

وعنه: سبطه ابن ناصر، وابن كادش.

وانتهت إليه الإمامة في الفرائض وفي الأدب.

شرح "الحماسة"، و"ديوان" البحتري والمتنبي والرضي، وكان خيرًا صدوقًا.

كان ينسخ في مصحف، فوضع القلم، وقال: إن هذا لموت مهنأ طيب. ثم مات. وذلك: في ذي الحجة، سنة ست وسبعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "8/ 333"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 302"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 114".

(2)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "3/ 51"، والأنساب للمعاني "5/ 39"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "12/ 46"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 99"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 159"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 29"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 353".

ص: 66

‌4384 - ابن مُنْتَاب:

الإمام الثقة، أبو محمد، أحمد بن أبي عثمان الحسن بن محمد ابن عمرو بن منتاب البصري، ثم البغدادي، الدقاق، المقرئ، مقرئ مجود مكثر، دين مهيب، لقن جماعةً ختموا عليه.

مولده سنة " (397) ".

سمع: أبا أحمد الفرضي، وإسماعيل بن الحسن الصرصري، وأحمد بن محمد المجبر، وأبا عمر بن مهدي، وأبا محمد بن البيع، والحسن بن القاسم الدباس.

روى عنه: مكي الرميلي، وهبة الله الشيرازي، وعبد الغافر بن الحسين الكاشغري، وعمر الرواسي، ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري، وأبو القاسم بن السمرقندي، ومحمد بن عبد الملك بن خيرون، ويحيى بن الطراح.

قال إسماعيل بن السمرقندي: سئل أبو محمد أخو أبي الغنائم بن أبي عثمان أن يستشهد، فامتنع. فكلف، فقال: اصبروا إلى غد. ودخل البيت فأصبح ميتًا، رحمه الله.

مات في ذي القعدة، سنة أربع وسبعين وأربع مائة، وشيعه خلائق.

‌4385 - ابن جَلَبَة

(1)

:

مفتي حران وقاضيها، أبو الفتح، عبد الوهاب بن أحمد بن جلبة الحراني، الخزاز.

تفقه بالقاضي أبي يعلى بن الفراء، وكتب تصانيفه.

وسمع من: أبي علي بن شاذان، وأبي بكر البرقاني، والحسن ابن شهاب العُكبري.

أخذ عنه: مكي الرميلي، والرحالة.

وقتل شهيدًا.

وكان ولي قضاء حران نيابةً من أبي يعلى. درس ووعظ وخطب ونشر السنة.

قتله ابن قريش العقيلي في سنة ست وسبعين، عند قيام أهل حران على ابن قريش لما أظهر سب الصحابة.

وقد روى السلفي في بلد ماكسين، عن أحمد بن محمد بن حامد، عنه.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 283"، وتبصير المنتبه "1/ 258".

ص: 67

‌4386 - البَكْرِي

(1)

:

الواعظ، العالم، أبو بكر، عتيق البكري، المغربي، الأشعري.

وفد على النظام الوزير، فنفق عليه، وكتب له توقيعًا بأن يعظ بجوامع بغداد، فقدم وجلس، واحتفل الخلق، فذكر الحنابلة، وحط وبالغ، ونبزهم بالتجسيم، فهاجت الفتنة، وغلت بها المراجل، وكفر هؤلاء هؤلاء، ولما عزم على الجلوس بجامع المنصور؛ قال نقيب النقباء: قفوا حتى أنقل أهلي، فلا بد من قتل ونهب. ثم أغلقت أبواب الجامع، وصعد البكري، وحوله الترك بالقسي، ولقب بعلم السنة، فتعرض لأصحابه طائفة من الحنابلة، فشدت الدولة منه، وكبست دور بني القاضي ابن الفراء، وأخذت كتبهم، وفيها كتاب في الصفات، فكان يقرأ بين يدي البكري، وهو يشنع ويشغب، ثم خرج البكري إلى المعسكر متشكيًا من عميد بغداد أبي الفتح بن أبي الليث. وقيل: إنه وعظ وعظم الإمام أحمد، ثم تلا:{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102]. فجاءته حصاة ثم أخرى، فكشف النقيب عن الحال، فكانوا ناسًا من الهاشميين حنابلةً قد تخبؤوا في بطانة السقف، فعاقبهم النقيب، ثم رجع البكري عليلًا.

وتوفي في جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وأربع مائة.

‌4387 - ابن القُشَيري

(2)

:

الإمام القدوة، أبو سعد، عبد الله بن الشيخ أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، النيسابوري.

سمع: أبا بكر الحيري، وأبا سعيد الصيرفي، وطائفةً، وببغداد من القاضي أبي الطيب، والجوهري.

وعنه: ابن أخته عبد الغافر بن إسماعيل، وابن أخيه هبة الرحمن.

وتوفي قبل والدته فاطمة بنت الدقاق، وكان زاهدًا، متألهًا، متصوفًا، كبير القدر، ذا علم وذكاء وعرفان.

توفي سنة سبع وسبعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 3 - 4"، والعبر "3/ 284"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 353".

(2)

ترجمته في العبرلا "3/ 287"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 354".

ص: 68

‌4388 - ابن رزق

(1)

:

الإمام شيخ المالكية، أبو جعفر، أحمد بن محمد بن رزق القرطبي.

تفقه بابن القطان.

وروى عن: محمد بن عتاب، وأبي شاكر القبري، وابن عبد البر.

تفقه به أبو الوليد بن رشد، وقاسم بن الأصبغ، وهشام بن إسحاق.

وكان من العلماء العاملين، دينًا، صالحًا، حليمًا، خاشعًا، يتوقد ذكاءً.

قال أبو الحسن بن مغيث: كان أذكى من رأيت في علم المسائل، وألينهم كلمةً، وأكثرهم حرصًا على التعليم، وأنفعهم لطالب فرع، على مشاركة له في علم الحديث.

قلت: عاش خمسين سنة، ومات فجأة في شوال سنة سبع وسبعين وأربع مائة.

قال ابن بشكوال: كان مدار طلبة الفقه بقرطبة عليه في المناظرة والتفقه.

‌4389 - نافلةُ الإسماعيلي

(2)

:

الإمام المفتي، الرئيس، أبو القاسم، إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل ابن الإمام الكبير أبي بكر، الإسماعيلي، الجرجاني.

سمع أباه، وعمه المفضل، وحمزة بن يوسف الحافظ، والقاضي محمد بن يوسف الشالنجي، وأحمد بن إسماعيل الرباطي.

وعنه: زاهر الشحامي، وأخوه وجيه، وأبو نصر الغازي، وأبو سعد بن البغدادي، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو منصور بن خيرون، وأبو الكرم الشهرزوري، وأبو البدر الكرخي.

ولد سنة سبع وأربع مائة.

ومات بجرجان وله سبعون سنة.

وكان صدرًا، معظمًا، إمامًا، واعظًا، بليغًا، له النظم والنثر وسعة العلم. روى ابن السمرقندي عنه كتاب "الكامل" لابن عدي.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 65"، والديباج المذهب لابن فرحون المالكي "1/ 182".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 10"، والعبر "3/ 286"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 354".

ص: 69

‌4390 - الفَارمْذِي

(1)

:

الإمام الكبير، شيخ الصوفية، أبو علي، الفضل بن محمد الفارمذي، الخراساني، الواعظ.

ولد سنة سبع وأربع مائة.

وسمع في رجوليته من: أبي عبد الله بن باكويه، وأبي منصور عبد القاهر البغدادي المتكلم، وأبي حسان المزكي، وطائفة.

روى عنه: عبد الغافر بن إسماعيل، وعبد الله بن علي الخركوشي، وأبو الخير جامع السقا، وآخرون.

قال عبد الغافر: هو شيخ الشيوخ في عصره، المنفرد بطريقته في التذكير، التي لم يسبق إليها في عبارته وتهذيبه، وحسن أدائه، ومليح استعارته، ودقيق إشارته، ورقة ألفاظه، ووقع كلامه في القلوب.

صحب القشيري، وأخذ في الاجتهاد البالغ، وكان ملحوظًا من الإمام بعين العناية، موفرًا عليه منه طريقة الهداية، ثم عاد إلى طوس، وصاهر أبا القاسم كركان، وكان له قبول عظيم في الوعظ، وكان نظام الملك يتغالى فيه، وكان ينفق على الصوفية أكثر ما يفتح عليه به.

توفي الأستاذ أبو علي في ربيع الآخر، سنة سبع وسبعين وأربع مائة.

وفيها مات عالم قرطبة أبو جعفر أحمد بن محمد بن رزق -تفقه بابن القطان-، وأبو القاسم إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي، وبيبى الهرثمية، وأبو سعد عبد الله بن الشيخ أبي القاسم القشيري العابد، وشيخ الشافعية أبو نصر عبد السيد بن محمد بن الصباغ، وأبو منصور كلار البوشنجي، وأبو بكر محمد بن عمار المهري، الوزير، وزر للمعتمد، ومسعود بن ناصر السجزي الركاب.

‌4391 - أبو عيسى:

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن زياد الأصبهاني، الأديب، الزاهد، راوي نسخة لوين، عن أبي جعفر بن المرزبان الأبهري.

حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي الحافظ، ومحمد بن أبي القاسم الصالحاني، ومسعود الثقفي، وأبو عبد الله الرستمي، وآخرون.

بقي إلى حدود سنة ست وسبعين وأربع مائة. وكان من بقايا العلماء العباد رحمه الله.

(1)

ترجمته في الأنساب "9/ 219"، واللباب لابن الأثير "2/ 405"، والعبر "3/ 288"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 355".

ص: 70

‌4392 - ابن دِلْهَاث

(1)

:

الإمام، الحافظ، المحدث، الثقة، أبو العباس، أحمد بن عمر ابن أنس بن دلهاث بن أنس بن فلذان بن عمر بن منيب العذري، الأندلسي، المريي، الدلائي. ودلاية: من قرى المرية.

مولده في رابع ذي القعدة، سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة.

وحج به أبواه وهو حدث، فقدموا مكة في سنة ثمان وأربع مائة في رمضانها، فجاوروا ثمانية أعوام، فأخذ "صحيح مسلم" عن أبي العباس بن بندار الرازي، ولازم أبا ذر الهروي، وسمع منه "صحيح البخاري" سبع مرات، وسمع من: أبي الحسن بن جهضم، وأبي بكر بن نوح، وعلي بن بندار القزويني بمكة، ولم يسمع بمصر فيما أعلم، وسمع بالأندلس من: أبي علي الحسين بن يعقوب البجاني؛ صاحب ابن فحلون، ومن أبي عمر بن عفيف، ويونس بن عبد الله، والمهلب بن أبي صفرة، وأبي عمر السفاقسي. وعمر، وألحق الصغار بالكبار.

وصنف "دلائل النبوة"، وكتاب "المسالك والممالك"، وغير ذلك.

حدث عنه: ابن حزم، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو الوليد الوقشي، والحميدي، وطاهر بن مفوز، وأبو علي الجياني، وأبو علي بن سكرة، وأبو بحر بن العاص، وأبو عبد الله بن شبرين، وعدة.

مات في شعبان سنة ثمان وسبعين وأربع مائة، وصلى عليه، ابنه أنس رحمه الله.

‌4393 - البُرِّي

(2)

:

الشيخ أبو محمد، الحسن بن علي بن عبد الواحد بن الموحد السلمي الدمشقي. عرف بابن البري.

سمع من عبد الرحمن بن أبي نصر، وعبد الوهاب بن الحبان، ومنصور بن رامش.

وعنه: الخطيب، والفقيه نصر، والزكي يحيى بن علي، ونصر ابن أحمد بن مقاتل، وآخرون.

توفي سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "5/ 389"، [الدلائي]، واللباب لابن الأثير "1/ 522"، والصلة لابن بشكوال "1/ 66"، والعبر "3/ 290"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 357".

(2)

ترجمته في تبصير المنتبه "1/ 139".

ص: 71

‌4394 - ابن ماكولا

(1)

:

المولى، الأمير الكبير، الحافظ، الناقد، النسابة، الحجة، أبو نصر، علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علي بن محمد ابن الأمير دلف ابن الأمير الجواد قائد الجيوش أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي الجرباذقاني، ثم البغدادي، صاحب كتاب "الإكمال في مشتبه النسبة"، وغير ذلك، وهو مصنف كتاب "مستمر الأوهام". وعجل: هم بطن من بكر بن وائل ثم من ربيعة أخي مضر ابني نزال بن معد بن عدنان.

مولده في شعبان سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة بقرية عكبرا. هكذا قال.

سمع: بشرى بن مسيس الفاتني، وعبيد الله بن عمر بن شاهين، ومحمد بن محمد بن غيلان، وأبا منصور محمد بن محمد السواق، وأحمد بن محمد العتيقي، وأبا بكر بن بشران، والقاضي أبا الطيب الطبري، وعبد الصمد بن محمد بن مكرم، وطبقتهم ببغداد، وأبا القاسم الحنائي، وطبقته بدمشق، وأحمد بن القاسم بن ميمون بن حمزة، وعدةً بمصر، وسمع بخراسان وما وراء النهر والجبال والجزيرة والسواحل، ولقي الحفاظ والأئمة.

حدث عنه: أبو بكر الخطيب شيخه، والفقيه نصر المقدسي، والحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وشجاع بن فارس الذهلي، وأبو عبد الله الحميدي، ومحمد بن طرخان التركي، وأبو علي محمد بن محمد بن المهدي، وأبو القاسم بن السمرقندي، وعلي بن أحمد بن بيان، وعلي بن عبد السلام الكاتب، وآخرون.

أخبرني أبو الحجاج يوسف بن زكي الحافظ، أخبرنا محمد بن عبد الخالق الأموي، أخبرنا علي بن المفضل، أخبرنا أحمد بن محمد الأصبهاني، وأخبرنا عبد الله بن أبي التائب، أخبرنا محمد بن أبي بكر، أنبأنا السلفي قال: أخبرنا أبو الغنائم النرسي، أخبرنا أبو نصر علي بن هبة الله العجلي الحافظ، حدثني أبو بكر أحمد بن مهدي، حدثنا أبو حازم العبدوي،

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 5"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "15/ 102"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 439"، وفوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "3/ 110"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 115"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 381".

ص: 72

حدثنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا إبراهيم بن يوسف الهسنجاني، حدثنا أبو الفضل صاحب أحمد بن حنبل، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا زهير بن حرب، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا علي بن المديني، حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: كن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة

(1)

.

أحمد بن مهدي هذا هو الخطيب، أخبرنا به عبد الواسع الأبهري إجازة، أخبرنا إبراهيم بن بركات، أخبرنا أبو القاسم بن عساكر، أخبرنا أبو القاسم النسيب، أخبرنا الخطيب. فذكره ثم زاد في آخره: قال الهسنجاني: حدثناه عبيد الله بن معاذ. فذكره، ثم قال الخطيب: رواه محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل، عن إبراهيم الهسنجاني، حدثنا الفضل بن زياد، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا زهير نحوه.

قلت: ففي رواية ابن ماكولا وقع خلل، وهو قوله: أبو الفضل. وإنما هو الفضل، وسقط عند يوسف الحافظ: حدثنا أحمد بن حنبل.

أنبأنا المؤمل بن محمد، وأبو الغنائم القيسي، قالا: أخبرنا زيد بن الحسن، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، قال: كتب إلي أحمد بن القاسم الحسيني من مصر، وحدثني أبو نصر علي ابن هبة الله، عنه، أخبرنا أحمد بن محمد بن الأزهر السمناوي، حدثنا أحمد هو ابن عيسى الوشا حدثنا موسى بن عيسى بالرملة -بغدادي سنة " (250) "- حدثنا يزيد، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن، فيقول: من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والديه تحت التراب? من أسكته فله الجنة"

(2)

.

قال الخطيب: هذا منكر، رواته معروفون سوى موسى.

قلت: هو الذي افتراه.

أنبئت عن أبي محمد بن الأخضر وغيره، عن ابن ناصر، أن أبا نصر الأمير كتب إليه، "ح"، وأنبأنا أحمد بن سلامة، عن الأرتاحي، عن أبي الحسن بن الفراء، عن ابن ماكولا

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "320".

(2)

موضوع: آفته موسى بن عيسى البغدادي أتى بخبر كذب: "إذا بكى اليتيم" كما قال المصنف في "ميزان الاعتدال".

ص: 73

قال: أخبرنا مظفر بن الحسن سبط ابن لال، أخبرنا جدي أبو بكر أحمد بن علي، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ، أخبرنا محمد بن علي بن الشاه، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم البغدادي بأنطاكية، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الحميري بمصر، حدثنا خالد بن نجيح، حدثنا سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن فأفأة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"

(1)

.

وقرأته بمصر على أبي المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا عبد السلام بن فتحة السرفولي، حدثنا برقوه سنة ثمان عشرة وست مائة حضورًا، أخبرنا شهردار بن شيرويه الديلمي سنة " (554) "، أخبرنا أحمد ابن عمر البيع، أخبرنا حميد بن مأمون، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي في كتاب "الألقاب" له، فذكره ثم قال: وفأفأة هو أبو معاوية الضرير. وقال ابن ماكولا: بل هو إسماعيل الكندي شيخ لبقية.

والحديث ففي "صحيح البخاري": حدثنا آدم، حدثنا شعبة، عن الأعمش، فهو يعلو لنا بدرجات، فكأني لقيت فيه الشيرازي.

قال شيرويه الديلمي في كتاب "الطبقات" له: كان الأمير أبو نصر يعرف بالوزير سعد الملك ابن ماكولا، قدم رسولًا مرارًا. سمعت منه، وكان حافظًا متقنًا، عني بهذا الشأن، ولم يكن في زمانه بعد الخطيب أحد أفضل منه. حضر مجلسه الكبار من شيوخنا، وسمعوا منه.

وقال أبو القاسم بن عساكر: وزر أبوه هبة الله لأمير المؤمنين القائم، وولي عمه الحسين قضاء القضاة ببغداد

إلى أن قال: وولد في شعبان سنة إحدى وعشرين. كذا هنا سنة إحدى.

قال الحميدي: ما راجعت الخطيب في شيء إلَّا وأحالني على الكتاب، وقال: حتى أكشفه. وما راجعت ابن ماكولا في شيء إلَّا وأجابني حفظًا كأنه يقرأ من كتاب.

قال أبو الحسن محمد بن مرزوق: لما بلغ الخطيب أن ابن ماكولا أخذ عليه في كتاب "المؤتنف"، وأنه صنف في ذلك تصنيفًا، وحضر ابن ماكولا عنده، وسأله الخطيب عن ذلك، فأنكر، ولم يقر به، وأصر، وقال: هذا لم يخطر ببالي. وقيل: إن التصنيف كان في كمه، فلما مات الخطيب أظهره. وهو الكتاب الملقب بـ "مستمر الأوهام".

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "6/ 180"، والبخاري "1393" و "5616"، والنسائي "4/ 53"، والدارمي "2/ 239"، والقضاعي في "مسند الشهاب""923"، و "924"، والبيهقي "4/ 75"، والبغوي "1509"، من طريق شعبة، عن الأعمش، به.

ص: 74

قال محمد بن طاهر المقدسي: سمعت أبا إسحاق الحبال يمدح أبا نصر بن ماكولا، ويثني عليه، ويقول: دخل مصر في زي الكتبة، فلم نرفع به رأسًا، فلما عرفناه كان من العلماء بهذا الشأن.

قال أبو سعد السمعاني: كان ابن ماكولا لبيبًا، عالمًا، عارفًا، حافظًا، يرشح للحفظ حتى كان يقال له: الخطيب الثاني. وكان نحويًا مجودًا، وشاعرًا مبرزًا، جزل الشعر، فصيح العبارة، صحيح النقل، ما كان في البغداديين في زمانه مثله، طاف الدنيا، وأقام ببغداد.

وقال ابن النجار: أحب العلم من الصبا، وطلب الحديث، وكان يحضر المشايخ إلى منزلهم، ويسمع، ورحل وبرع في الحديث، وأتقن الأدب، وله النظم والنثر والمصنفات. نفذه المقتدي بالله رسولًا إلى سمرقند وبخارى لأخذ البيعة له على ملكها طمغان الخان.

قال هبة الله بن المبارك بن الدواتي: اجتمعت بالأمير ابن ماكولا، فقال لي: خذ جزئين من الحديث، فاجعل متون هذا لأسانيد هذا، ومتون الثاني لأسانيد الأول، حتى أردها إلى الحالة الأولى.

قال أبو طاهر السلفي: سألت أبا الغنائم النرسي عن الخطيب، فقال: جبل لا يسأل عن مثله، ما رأينا مثله، وما سألته عن شيء فأجاب في الحال، إلَّا يرجع إلى كتابه.

قد مر أن الأمير كان يجيب في الحال، وهذا يدل على قوة حفظه، وأما الخطيب ففعله دال على ورعه وتثبته.

أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا أبو طاهر السلفي: سألت شجاعًا الذهلي عن ابن ماكولا، فقال: كان حافظًا، فهمًا، ثقة، صنف كتبًا في علم الحديث.

قال المؤتمن الساجي الحافظ: لم يلزم ابن ماكولا طريق أهل العلم، فلم ينتفع بنفسه.

قلت: يشير إلى أنه كان بهيئة الأمراء وبرفاهيتهم.

قال الحافظ ابن عساكر: سمعت إسماعيل بن السمرقندي يذكر أن ابن ماكولا كان له غلمان ترك أحداث، فقتلوه بجرجان في سنة نيف وسبعين وأربع مائة.

وقال الحافظ ابن ناصر: قتل الحافظ ابن ماكولا، وكان قد سافر نحو كرمان ومعه مماليكه الأتراك، فقتلوه، وأخذوا ماله، في سنة خمس وسبعين وأربع مائة. هكذا نقل ابن النجار هذا.

ص: 75

وقال الحافظ أبو سعد السمعاني: سمعت ابن ناصر يقول: قتل ابن ماكولا بالأهواز إما في سنة ست -أو سنة سبع- وثمانين وأربع مائة.

وقال السمعاني: خرج من بغداد إلى خوزستان، وقتل هناك بعد الثمانين.

وقال أبو الفرج الحافظ في المنتظم: قتل سنة خمس وسبعين، وقيل: سنة ست وثمانين.

وقال غيره: قتل في سنة تسع وسبعين، وقيل: سنة سبع وثمانين بخوزستان. حكى هذين القولين القاضي شمس الدين بن خلكان. قال: قتله غلمانه، وأخذوا ماله، وهربوا. رحمه الله.

ومن نظمه:

قوّض خيامك عن دارٍ أُهنت بها

وجانب الذّلّ إنّ الذّلّ مجتنب

وارحل إذا كانت الأوطان مضيعةً

فالمندل الرّطب في أوطانه حطب

وله:

ولما تواقفنا تباكت قلوبنا

فممسك دمع يوم ذاك كساكبه

فيا كبدي الحرّى البسي ثوب حسرةٍ

فراق الذي تهوينه قد كساك به

أخبرنا المؤمل بن محمد، والمسلم بن علان كتابة قالا: أخبرنا زيد بن حسن، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، حدثني أبو نصر علي بن هبة الله، حدثنا أبو إبراهيم أحمد بن القاسم العلوي، حدثنا أبو الفتح إبراهيم بن علي، حدثنا موسى بن نصر بن جرير، أخبرنا إسحاق الحنظلي، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا بكار بن عبد الله، سمعت ابن أبي مليكة، سمعت عائشة تقول: كانت عندي امرأة تسمعني، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على تلك الحالة، ثم دخل عمر، ففرقت، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: ما يضحكك يا رسول الله! ? فحدثه، فقال: والله لا أخرج حتى أسمع ما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأسمعته.

قال الخطيب: أبو الفتح ساقط الرواية، وأحسب موسى بن نصر اسمًا اختلقه.

ص: 76

‌4395 - ابن أبي الصقر

(1)

:

الإمام المحدث، الخطيب، أبو طاهر، محمد بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن أبي الصقر اللخمي الأنباري. سمعنا "مشيخته" في جزأين.

سمع: عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي، وأبا نصر بن الحبان، وعبد الوهاب بن عبد الله المري، وطائفةً بدمشق، وأبا عبد الله بن نظيف، وإسماعيل بن عمرو الحداد، وصلة بن المؤمل، وجماعةً بمصر، ومحمد بن الحسين الصنعاني صاحب النقوي، وأبا العلاء المعري بها، وأبا محمد الجوهري ببغداد.

روى عنه: أبو بكر الخطيب، وعبد الله بن عبد الرزاق بن الفضل، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو الفتح محمد بن أحمد الأنباري، وعبد الوهاب الأنماطي، وموهوب بن الجواليقي، وأبو بكر بن الزاغوني، وابن ناصر.

قال السمعاني: سمعت خليفة بن محفوظ بالأنبار يقول: كان ابن أبي الصقر صوامًا قوامًا، يقال: مسموعاته وقر جمل.

قلت: وله شعر رائق، مات بالأنبار في جمادى الآخرة، سنة ست وسبعين وأربع مائة، وكان من أبناء الثمانين رحمه الله.

‌4396 - المَحْمِيّ

(2)

:

الشيخ العدل، المسند، أبو عمرو، عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي، النيسابوري، المزكي.

حدث عن: أبي نعيم الإسفراييني، وعبد الرحمن بن إبراهيم المزكي، وأبي عبد الله الحاكم، وجماعة.

روى عنه: محمد بن طاهر، وعبد الغافر بن إسماعيل، وعبد الله بن محمد الفراوي، وعبد الخالق بن زاهر، وأبو الأسعد هبة الرحمن بن القشيري، ومحمد بن جامع الصواف،

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 9"، والعبر "3/ 285"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "2/ 86"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 118"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 354".

(2)

ترجمته في العبر "3/ 298"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 127"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 366".

ص: 77

وعبد الكريم بن حسن الكاتب، والحسين بن علي الشحامي، وعبد الرحمن بن يحيى الناصحي، وأخوه أبو نصر أحمد بن يحيى، وخلق كثير.

قال عبد الغافر: سمع المشايخ والصدور، وأدرك الإسناد العالي، وحضر الوقائع، وكان حسن الصحبة والعشرة.

ثم قال: توفي في صفر، سنة أحدى وثمانين وأربع مائة.

قلت: قيل: إنه عثماني، وقد روى عنه بالإجازة محمد بن ناصر الحافظ.

ومات معه في العام: أبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي، وشيخ الإسلام الأنصاري، وأبو بكر بن ماجه الأبهري، والوزير محمد بن هشام بن المصحفي بقرطبة، وحصن الدولة معلى بن حيدرة الكتامي المتغلب على دمشق.

ص: 78

‌4397 - الملكُ المؤيَّد

(1)

:

إبراهيم بن مسعود بن السلطان محمود بن سبكتكين، صاحب غزنة والهند.

كانت دولته بضعًا وعشرين سنة، وكان شجاعًا، حازمًا، غازيًا، حسن السيرة.

مات سنة إحدى وثمانين وأربع مائة.

وتملك بعده ابنه السلطان مسعود زوج ابنة السلطان الكبير ملكشاه.

‌4398 - ابن ماجه

(2)

:

الشيخ، المعمر، المسند، أبو بكر، محمد بن أحمد بن الحسن بن ماجه الأبهري الأصبهاني. وأبهر التي هو منها ليست بمدينة أبهر زنجان، بل قرية من قرى أصبهان.

ولد سنة ست وثمانين وثلاث مائة.

وسمع جزء لوين من أبي جعفر بن المرزبان، وتفرد بعلوه.

حدث عنه خلق كثير منهم: محمد بن طاهر، ومؤتمن الساجي، وإسماعيل التيمي، وأبو سعد بن البغدادي، ومحمود بن ماشاذه، وأبو منصور عبد الله بن محمد الكسائي، وعبد المغيث بن أبي عدنان، ومسعود بن إسماعيل، وأبو نصر الغازي، وأبو الخير الباغبان، ومحمود بن عبد الكريم يورجه، وأبو رشيد أحمد بن حمد الخرقي، وعبد المنعم ابن محمد بن سعدويه، والحسن بن رجاء بن سليم، ومحمد بن أبي القاسم الصالحاني الأديب.

مات في سنة إحدى وثمانين وأربع مائة، عن بضع وتسعين سنة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 109"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 164".

(2)

ترجمته في العبر "3/ 298"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 127"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 366".

ص: 78

‌4399 - الأزدي

(1)

:

مفتي المالكية، أبو عثمان، طاهر بن هشام الأزدي، الأندلسي، المريي.

سمع من: المهلب بن أبي صفرة، وأبي عمر بن عفيف، وحج، فسمع من أبي ذر الحافظ، وغيره.

روى عنه: أبو علي بن سكرة، وغيره.

وقال ابن بشكُوال: أخبرنا عنه جماعة، وعاش ستًا وثمانين سنة، توفي سنة سبع وسبعين وأربع مائة.

‌4400 - المَهْرِي

(2)

:

شاعر الأندلس، ذو الوزارتين، أبو بكر محمد بن عمار الأندلسي المهري.

كان هو وابن زيدون كفرسي رهان.

بلغ المهري أسنى الرتب، حتى استوزره المعتمد بن عباد، ثم استنابه على مرسية، فعصى بها، وتملكها، فلم يزل المعتمد يتلطف في الحيلة، إلى أن وقع في يده، فذبحه صبرًا للعصيان بعد فرط الإحسان، ولأنه هجا المعتمد وآباءه، فهو القائل:

مما يقبّح عندي ذكر أندلسٍ

سماع معتمدٍ فيها ومعتضد

أسماء مملكةٍ في غير موضعها

كالهرّ يحكي انتفاخًا صولة الأسد

وقد جال ابن عمار في الأندلس أولًا، ومدح الملوك والكبار والسوقة، بحيث إنه مدح فلاحًا أعطاه مخلاة شعير لحماره، ثم آل بابن عمار الحال إلى الإمرة، فملأ للفلاح مخلاته دراهم، وقال: لو ملأها برًا لملأناها تبرًا.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 240".

(2)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلِّكان "4/ ترجمة 669"، والعبر "3/ 288"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 356".

ص: 79

وقد سجنه المعتمد مدة، وتوسل إليه بقصائد تلين الصخر، فقتله في سنة "479".

وله:

عليّ وإلاّ ما بكاء الغمائم

وفيّ وإلاّ ما نياح الحمائم

وعنّي أثار الرّعد صرخة طالبٍ

لثأرٍ وهزّ البرق صفحة صارم

وما لبست زهر النّجوم حدادها

لغيري ولا قامت له في مآتم

منها:

أبى اللّه أن تلقاه إلَّا مقلّدًا

حميلة سيفٍ أو حمالة غارم

ص: 80

‌4401 - الدِّينَوَرِي

(1)

:

مسند همذان، أبو الفضل، أحمد بن عيسى بن عباد الدينوري، عرف بابن الأستاذ.

حدث عن: أبيه، وأبي بكر بن لال، وأحمد بن تركان، وعبد الرحمن الصفار، وأبي عمر بن مهدي، وعدة.

قال شيرويه: سمعت منه بهمذان والدينور، وكان صدوقًا، قال لي: ولدت سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة.

مات بالدينور سنة ثمان وسبعين وأربع مائة.

‌4402 - المُتَولِّي

(2)

:

العلامة شيخ الشافعية، أبو سعد، عبد الرحمن بن مأمون بن علي النيسابوري المتولي.

درس ببغداد بالنظامية بعد الشيخ أبي إسحاق، ثم عزل بابن الصباغ، ثم بعد مديدة أعيد إليها.

تفقه بالقاضي حسين، وبأبي سهل أحمد بن علي ببخارى، وعلى الفوراني بمرو، وبرع، وبذ الأقران.

وله كتاب "التتمة" الذي تمم به "الإبانة" لشيخه أبي القاسم الفوراني، فعاجلته المنية عن تكميله، انتهى فيه إلى الحدود. وله مختصر في الفرائض، وآخر في الأصول، وكتاب كبير في الخلاف.

مات ببغداد سنة ثمان وسبعين كهلًا، وله اثنتان وخمسون سنةً، رحمه الله.

(1)

ترجمته في الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "7/ 272". وسيأتي ترجمته مرة أخرى يعيدها المصنف برقم ترجمة عام "4419"، في هذا الجزء.

(2)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 365"، والعبر "3/ 290"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 358".

ص: 80

‌4403 - قاضي حلب

(1)

:

العلامة، شيخ الاعتزال، أبو جعفر، محمد بن أحمد بن حامد بن عبيد البيكندي، البخاري، المتكلم، من دعاة البدع.

ولد سنة ثنتين وتسعين.

وزعم أنه سمع "الصحيح" من الكشاني في سنة سبع، وإنما توفي الكشاني سنة مولد هذا.

وقد حدث عن: السليماني، ومنصور الكاغدي، وعدنان بن محمد الهروي، وجماعة.

روى عنه: أبو غالب بن البناء، وعلي بن هبة الله بن زهمويه.

طعن فيه المؤتمن الساجي.

وقال عبد الوهاب الأنماطي: كذاب.

وقيل: ولد سنة أربع وتسعين.

توفي في أول سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة ببغداد.

‌4404 - ابن أبي الشَّخْبِاء

(2)

:

العلامة، بليغ زمانه، الشيخ المجيد، أبو علي، الحسن بن عبد الصمد بن أبي الشخباء العسقلاني، صاحب الخطب والترسل. كان جل اعتماد القاضي الفاضل على حفظ كلامه فيما يقال.

قال العماد في ترجمة المجيد: مجيد كنعته، قادر على ابتداع الكلام ونحته. قتل بمصر مسجونًا سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 52"، وميزان الاعتدال "3/ 462"، ولسان الميزان "5/ 52".

(2)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 166"، والوافي الوفيات لصلاح الدين الصفدي "12/ 68"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "9/ 152".

ص: 81

‌4405 - الطَّبَسي

(1)

:

الشيخ الإمام، العارف، المحدث الكبير، أبو الفضل، محمد ابن أحمد بن أبي جعفر الطبسي، شيخ الصوفية.

سمع الحافظ أبا عبد الله الحاكم، وأبا طاهر بن محمش، وعبد الله بن يوسف بن بامويه، والسلمي، وأبا بكر الحيري، وأمثالهم.

حدث عنه: الجنيد بن محمد القايني، ووجيه الشحامي، وأبو الأسعد بن القشيري، وعبد الغافر بن إسماعيل، وقال: شيخ ثقة، ورع، صوفي زاهد، كتب الكثير، وحصل التصانيف المفيدة، وألف كتاب "بستان العارفين". قدم علينا من طبس، وأملى بالنظامية أيامًا، ثم عاد إلى بلده، وبها مات: في رمضان، سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة رحمه الله.

قلت: كان من أبناء التسعين.

‌4406 - ابن أبي الصَّهْبَاء

(2)

:

الشيخ المسند، الصدر الكامل، الشريف المأمون، أبو السنابل، هبة الله بن أبي الصهباء محمد بن حيدر القرشي، النيسابوري.

حدث عن: أبي طاهر بن محمش، وعبد الله بن يوسف، وأبي عبد الرحمن السلمي، ويحيى المزكي، وأبي بكر الحيري، وأبي إسحاق الإسفراييني.

روى عنه: وجيه الشحامي، ومحمد بن جامع الصواف، وعبد الخالق بن زاهر، وعائشة بنت أحمد الصفار، وعدة.

وكان من الثقات المكثرين. سمع "سنن النسائي" من الحسين بن فنجويه.

توفي سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "8/ 209"، واللباب لابن الأثير "2/ 274"، وتذكرة الحفاظ "3/ ص 1195"، والعبر "3/ 301"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 367".

(2)

ترجمته في تبصير المنتبه "3/ ص 1084".

ص: 82

‌4407 - ابن أبي عثمان

(1)

:

الشيخ الجليل، الصالح، المسند، أبو الغنائم، محمد بن علي بن الحسن بن محمد ابن أبي عثمان عمرو بن محمد بن منتاب البغدادي، الدقاق، ناظر المارستان العتيق.

قال المؤتمن الساجي: أفاده أبوه مع إخوته أبي سعد وأبي تمام مع شراسة أخلاق ونفور طبع لا وجه له.

قلت: سمع أبا عمر بن مهدي الفارسي، وأبا محمد بن البيع، وأبا الحسن بن رزقويه، وعبد القاهر بن عترة، وكان خيرًا دينًا، كثير السماع.

روى عنه: مكي الرميلي، وأبو سعد بن البغدادي، وأبو نصر الغازي، وإسماعيل بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأحمد بن قفرجل، ومحمد بن المادح، وأبو علي أحمد بن أحمد بن الخراز، وآخرون.

قال ابن سكرة: كان الحميدي يحضني على قراءة ما عنده من "مسند" يعقوب بن شيبة، ويقول: لو وجد كلام يعقوب على أبواب الحمامات للزم أن يقرأ، فكيف وهو مسند لا مثل له! ?

قال الحافظ شجاع الذهلي: مات في سنة ثمان وثمانين وأربع مائة.

‌4408 - باديس بن حَبُوس

(2)

:

ابن ماكس بن بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي، من قواد البربر، له شرف وأبوة وعشيرة.

تملك غرناطة، وجيش الجيوش، وحارب المعتصم صاحب المرية، والمعتضد صاحب إشبيلية، وكان سفاكًا للدماء. فيه عدل بجهل.

وقفت له امرأة عند باب إلبيرة، فقالت: يا مولانا! ابني يعقني. فطلبه، ودعا بالسيف، فقالت المرأة: إنما أردت تهديده. فقال: ما أنا بمعلم كتاب. وأمر به، فضربت عنقه.

واستعمل بعض أقاربه على بلد، فخرج يتصيد، فمر بشيخ قرية، فرغب في تشريفه

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 54"، والعبر "3/ 304"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 369".

(2)

ترجمته في تاريخ ابن خلدون "4/ 160".

ص: 83

بالضيافة، فأنزله في أرض فيها دولاب وفواكه، فبادر له بثريد في لبن وسكر، وقال: نأتي بعد بما تحب. فرماه برجله، وضرب الشيخ، ففر الشيخ، وأتى إلبيرة، فعرف الملك بما جرى عليه، فقال: ارجع واصبر، وواعده، ثم جاءه بعد أيام في كبكبة منهم خصمه، فقدم الشيخ للملك مثل ذلك الثريد، فتناوله وأكله واستطابه، ثم قال: خذ بثأرك من هذا، فاضربه. فاستعظم الشيخ ذلك، فقال الملك: لا بد، فضربه حتى اقتص منه. فقال الملك: هذا حق هذا، بقي حق الله في إهانة نعمته، وحقي في اجتراء العمال. فضرب عنقه، وطيف برأسه. حكاها اليسع بن حزم.

وحكى أيضًا أن بعض أهل البادية كانت له بنت عم بديعة الحسن، فافتقر، ونزح بها، فصادفه في الطريق أمير صنهاجي، فأركبها شفقةً عيها، ثم أسرع بها، فلما وصل البدوي، أتى دار الأمير، فطردوه، فقصد الملك، فقال لذاك الأمير: ادفع إليه زوجته. فأنكر، فقال: يا بدوي! هل لك من شهيد ولو كلبًا يعرفها? قال: نعم. فدخل بكلب له إلى الدار، وأخرجت الحرم، فلما رآها الكلب، عرفها وبصبص، فأمر الملك بدفعها إلى البدوي، وضرب عنق الأمير، فقال البدوي: هي طالق لكونها سكتت، ورضيت. فقال الملك: صدقت، ولو لم تطلقها لألحقتك به. ثم أمر بالمرأة، فقتلت.

قال صاحب حماة: توفي والد باديس هذا: في سنة تسع وعشرين وأربع مائة، وتملك ابنه باديس بن حبوس، وامتدت أيامه، ثم تملك غرناطة ابن أخيه عبد الله بن بلكين بن حبوس، وبقي حتى أخذها منه يوسف بن تاشفين، سنة بضع وثمانين وأربع مائة.

ص: 84

‌4409 - المعتصم ابن صُمَادِح

(1)

:

السلطان، أبو يحيى التُّجيبي الأندلسي، محمد بن معن، وقيل: معن بن محمد- بن محمد بن أحمد بن صُمَادِح

(2)

. كان جده محمد صاحب مدينة وشقة، فحاربه ابن عمه الأمير منذر بن يحيى التجيبي، فعجز عنه، وترك له وشقة، وهرب، وكان من دهاة الرجال، وكان ابنه معن مصاهرًا لصاحب بلنسية عبد العزيز بن عامر، وكانت المرية قد صارت له، فاستناب عليها معنًا هذا، فخافه وتملكها، وتم له ذلك، وتملكها من بعده ولده المعتصم محمد، فكان حليمًا، جوادًا، ممدحًا، وقد داخل ابن تاشفين، ونصره، ثم إن ابن تاشفين عزم على أخذ البلاد من ابن صمادح وكان يملك المرية وبجانة والصمادحية فأظهر العصيان لابن تاشفين، وكان فيه خير ودين وعدل وتواضع وعقل تام.

روى عن أبيه، عن جده كتابه "المختصر في غريب القرآن".

روى عنه: إبراهيم بن أسود الغساني.

نازلته عساكر ابن تاشفين مدة، فتمرض، فسمع مرةً هيعةً، فقال: لا إله إلَّا الله، نُغِّص علينا كل شيء حتى الموت. قالت جاريته: فدمعت عيناي، فقال بصوت ضعيف:

ترفّق بدمعك لا تفنه

فبين يديك بكاءٌ طويل

فمات في ربيع الآخر، سنة أربع وثمانين وأربع مائة.

ومن وزرائه أبو بكر بن الحداد الأديب. وقد امتدحه جماعة من فحول الشعراء.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 687"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "5/ 45"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 372".

(2)

الصُمَادِح: هو الصلب الشديد.

ص: 85

‌4410 - المُظَفَّر بن الأفْطَس

(1)

:

سلطان الثغر الشمالي من الأندلس، ودار ملكه بطليوس.

كان رأسًا في العلم والأدب والشجاعة والرأي، فكان مناغرًا للروم، شجىً في حلوقهم، لا ينفس لهم مخنقًا، ولا يوجد لهم إلى الظهور عليه مرتقى، وله آداب تغير سراياها، فتسبي عذارى معان لا تعشق المحامد إلَّا إياها، ألفاظ كالزلزال، وأغراض أبعد من الهلال، رائق النظم، ذكي النور، رصيف المعاني، شاهق الغور، وله تأليف كبير في الآداب على هيئة "عيون الأخبار" لابن قتيبة، يكون عشر مجلدات، ومن نثره وقد غنم بلاد شلمنكة وهي مجاورته، فكتب إلى المعتمد بالله يفخر، وينكت عليه بمسالمته للروم، فقيل: إنه حصل من هذه الغزوة ألف جارية حسناء من بنات الأصفر: من يصد صيدًا فليصد كما صيدي، صيدي الغزالة من مرابض الأسد. أيها الملك إن الروم إذا لم تغز غزت، ولو تعاقدنا تعاقد الأولياء المخلصين فللنا حدهم، وأذللنا جدهم، ورأي السيد المعتمد على الله سراج تضيء به ظلمات المنى.

وللمظفر تفسير للقرآن.

وكان مع استغراقه في الجهاد لا يفتر عن العلم، ولا يترك العدل، صنع مدرسةً يجلس

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ 123"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "3/ 323".

ص: 85

فيها كل جمعة، ويحضره العلماء، وكان يبيت في منظرة له، فإذا سمع صوتًا وجه أعوانًا لكشف الخبر، لا ينام إلَّا قليلًا.

وفيه يقول أبو الأصبغ القلمندر الكاتب:

يربي على سيب الغمام عطاؤه

ملكٌ على فلك العلى استمطاؤه

سيفٌ رقاب عدوّه أغماده

تسقيه بالغيث المغيث دماؤه

وكان كاتبه الوزير أبو محمد عبد الله بن النحوي أحد البلغاء، فكتب أذفونش لعنه الله يرعد ويبرق، فأجاب: وصل إلى الملك المظفر من عظيم الروم كتاب مدع في المقادير، يرعد ويبرق، ويجمع تارة ويفرق، ويهدد بالجنود الوافرة، ولم يدر أن لله جنودًا أعز بهم الإسلام، وأظهر بهم دين نبينا عليه الصلاة والسلام، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم، فأما تعييرك للمسلمين فيما وهن من أحوالهم، فبالذنوب المركوبة، والفرق المنكوبة، ولو اتفقت كلمتنا علمت أي صائب أذقناك، كما كانت آباؤك مع آبائنا، وبالأمس كانت قطيعة المنصور على سلفك، أهدى ابنته إليه مع الذخائر التي كانت تفد في كل عام عليه، ونحن فإن قلت أعدادنا، وعدم من المخلوقين استمدادنا، فما بيننا وبينك بحر تخوضه، ولا صعب تروضه، إلَّا سيوف يشهد بحدها رقاب قومك، وجلاد تبصره في يومك، وبالله وملائكته نتقوى عليك، ليس لنا سواه مطلب، ولا إلى غيره مهرب، وهل تربصون بنا إلَّا إحدى الحسنيين، شهادة، أو نصر عزيز.

ولما توفي المظفر بعد السبعين وأربع مائة أو قبلها، قام في الملك بعده ولده الملقب بالمتوكل على الله أبو حفص عمر بن الأفطس صاحب بطليوس ويابرة وشنترين وأشبونة، فكان نحوًا من أبيه في الشجاعة والبراعة والأدب والبلاغة، فبقي إلى أن قتله المرابطون جند يوسف بن تاشفين صبرًا، وقتلوا معه ولديه الفضل وعباسًا، في سنة خمس وثمانين وأربع مائة، إذ استولوا على الأندلس.

ولعبد المجيد بن عيذون فيهم قصيدة طنانة نادرة المثل، منها:

بنى المظفّر والأيام لا نزلت

مراحلٌ والورى منها على سفر

من للأسرّة أو من للأعنّة أو

من للأسنّة يهديها إلى الثّغر

من للبراعة أو من لليراعة أو

من للشجاعة أو للنّفع والضّرر

وهي طويلة، وكان ابن عيذون وزيرًا للمتوكل.

ص: 86

‌4411 - الناصر بن علناس:

ابن حماد بن بلكين بن زيري، الصنهاجي، البربري، ملك المغرب.

هو الذي أنشأ مدينة بجاية الناصرية، وكانت دولته سبعًا وعشرين سنة. توفي سنة إحدى وثمانين.

قهر ابن عمه بلكين بن محمد بن حماد وغدر به، وأخذ منه الملك بعد أن تملك خمس سنين بعد الملك محسن بن قائد بن حماد، وكانت دولة محسن ثلاثة أعوام، ومات، وكان قبله أبوه القائد، فبقي في الملك سبعةً وعشرين عامًا، تملك بعد أبيه، ومات أبوه الملك حماد سنة تسع عشرة وأربع مائة. وقد حارب حماد ابن أخيه باديس وولده المعز بن باديس، وجرت لهما وقائع، ولم تزل الدولة في آل حماد، إلى أن أخذ منهم عبد المؤمن بجاية سنة سبع وأربعين وخمس مائة، وآخرهم هو الملك يحيى بن عبد العزيز بن منصور بن صاحب بجاية الناصر.

‌4412 - العاصمي

(1)

:

الشيخ، العالم، الصادق، الأديب، مسند بغداد في وقته، أبو الحسين، عاصم بن الحسن بن محمد بن علي بن عاصم بن مهران العاصمي، البغدادي، الكرخي، الشاعر.

ولد سنة سبع وتسعين وثلاث مائة.

وسمع من: أبي عمر بن مهدي، وأبي الحسين بن المتيم، وهلال الحفار، ومحمد بن عبد العزيز البرذعي، وأبي الحسين بن بشران.

حدث عنه: أبو بكر الخطيب في كتاب "المؤتنف"، والمؤتمن الساجي، وأبو نصر الغازي، وإسماعيل التيمي، وأبو سعد البغدادي، ووجيه الشحامي، وهبة الله بن طاووس الدمشقي، ونصر الله بن محمد المصيصي، وعبد الخالق بن أحمد بن يوسف، ومحمد بن ناصر، وسعيد بن أحمد بن البناء، وأحمد بن قفرجل، وعبد الوهاب الأنماطي، ومحمد بن عبد العزيز البيع الدينوري، وهبة الله بن هلال الدقاق، وأبو الفتح ابن البطي، وخلق.

قال السمعاني: سألت أبا سعد البغدادي عن عاصم بن الحسن، فقال: كان شيخًا

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "8/ 314"، واللباب لابن الأثير "2/ 304"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 51"، والعبر "3/ 302"،/ والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 128"، وشذرات الذهب "3/ 368".

ص: 87

متقنًا، أديبًا، فاضلًا، كان حفاظ بغداد يكتبون عنه، ويشهدون بصحة سماعه. وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: ضاع الجزء الرابع من "جامع عبد الرزاق" لابن عاصم، وكان سماعه، قرؤوه عليه بالسماع، وضاع، فكان بعد يرويه بالإجازة، فلما كان قبل موته بأيام، جاءني شجاع الذهلي وقد لقيه، فقال: تعال حتى نسمعه. فأريناه الأصل، فسجد لله، وقرأناه عليه بالسماع، وقال لي عبد الوهاب: كان عاصم عفيفًا، نزه النفس، صالحًا، رقيق الشعر، مليح الطبع، قال لي: مرضت، فغسلتُ ديوان شعري.

وقال أبو علي بن سكرة: كان عاصم ثقةً فاضلًا، ذا شعر كثير، وكان يكرمني، وكان لي منه ميعاد يوم الخميس، لو أتاه فيه الخليفة لم يمكنه.

وقال غيره: كان صاحب ملح ونوادر ولطف، وكيس ونظم رائق. عمر، ورحلوا إليه، وكان ورعًا، خيرًا، صالحًا. مات: في جمادى الآخرة، سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة ببغداد وله ست وثمانون سنة.

ص: 88

‌4413 - الكُرْكَانجي

(1)

:

شيخ القراء بخراسان، أبو نصر، محمد بن أحمد بن علي بن حامد المروزي، سكن جرجانية خوارزم مدة، فنسب إليها.

أخذ القراءات والآداب بمرو، عن أبي الحسين عبد الرحمن بن محمد الدهان، ثم ارتحل، فلحق الحمامي ببغداد، فتلا عليه، وعلى الرهاوي بدمشق، وعلى الشريف الزيدي بحران، وعلى جماعة كبار، وانتهت إليه الإمامة في القراءات.

تخرج به أئمة، وعاش نيفًا وتسعين سنة. قاله ولده الإمام المقرئ أبو محمد عبد الرحمن.

وكانت وفاته في ثاني عشر ذي الحجة، سنة أربع وثمانين وأربع مائة، وله ترجمة طويلة في "طبقات القراء".

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "10/ 398"، واللباب لابن الأثير "3/ 92"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 60"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "17/ 230"، والعبر "3/ 305 - 306"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "2/ 88"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 133"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 372".

ص: 88

‌4414 - مازن

(1)

:

لقب الشاعر المحسن، أبي عبد الله، محمد بن أحمد بن عثمان القيسي، الأندلسي، ابن الحداد، ناظر الديوان الكبير.

قال الأبار في "تاريخه": هو من أهل مدينة وادي آش، سكن المرية، وكان من فحول الشعراء، له مؤلف في العروض، اختص بالمعتصم بن صمادح، واستفرغ فيه مدائحه، ثم سار عنه إلى سرقسطة، فأقام في كنف المقتدر بن هود.

قال: وتوفي في حدود سنة ثمانين وأربع مائة.

‌4415 - البَزْدَوي

(2)

:

شيخ الحنفية، عالم ما وراء النهر، أبو الحسن، علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم البزدوي، صاحب الطريقة في المذهب.

قال السمعاني: ما حدثنا عنه سوى صاحبه أبي المعالي محمد بن نصر الخطيب.

قال: وكان إمام الأصحاب بما وراء النهر، وله التصانيف الجليلة.

درس بسمرقند. ومات بكس

(3)

في رجب، سنة اثنتين وثمانين، وكان أحد من يضرب به المثل في حفظ المذهب، وولد في حدود سنة أربع مائة.

وأما أخوه فسيأتي.

‌4416 - ابن زِكْرِي

(4)

:

الشيخ الجليل، الثقة، الصالح، أبو الفضل، عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن زكري البغدادي، الدقاق.

سمع أبا الحسين بن بشران، وأبا الحسن بن الحمامي.

(1)

ترجمته في فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "3/ 283".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "2/ 188"، واللباب لابن الأثير "1/ 146".

(3)

هي مدينة قرب سمرقند، هي بكسر الكاف وتشديد السين المهملة. قال ابن ماكولا كسره العراقيون، وغيرهم يقوله بفتح الكاف. قاله ياقوت في "معجم البلدان""4/ 260".

(4)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 78"، وتذكرة الحفاظ "3/ ص 1199"، والعبر "3/ 312".

ص: 89

حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، وأبو سعد بن البغدادي، وعبد الوهاب الأنماطي، وهبة الله الدقاق، وأبو بكر بن الزاغواني، وجماعة.

قال الأنماطي: كان صالحًا دينًا، ثقةً.

وقال أبو علي الصدفي: كان شيخًا عفيفًا، كنا نقرأ عليه في داره.

مات ابن زكري في ذي القعدة سنة ست وثمانين وأربع مائة. ومولده كان في سنة أربع مائة. وقع لنا الأول من حديث ابن البختري من طريقه.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أخبرنا هبة الله بن الحسن الدقاق، أخبرنا عبد الله بن علي بن زكري الدقاق، أخبرنا علي بن محمد المعدل، أخبرنا محمد بن عمرو، حدثنا محمد بن عبيد الله، حدثنا إسحاق الأزرق، حدثنا زكريا، عن الشعبي، عن الحارث بن مالك بن برصاء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "لا تغزى بعدها إلى يوم القيامة"

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "3/ 412" و "4/ 434"، والترمذي "1611" من طرق عن زكريا بن أبي زائدة، به.

ص: 90

‌4417 - ابن فهد

(1)

:

الشيخ المسند، الصالح، الصادق، أبو القاسم، عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد البغدادي، ابن العلاف.

سمع أبا الفتح بن أبي الفوارس، وأبا الفرج الغوري، وأبا الحسين بن بشران، والحمامي.

وعنه: إسماعيل بن السمرقندي، وأبو سعد بن البغدادي، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو الفتح بن البطي. وقع لي من عواليه.

قال السمعاني: شيخ صالح، صدوق، مكثر، مأمون، متواضع، ذهبت له أصول كثيرة.

مات في ذي القعدة، سنة ست وثمانين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 78"، والعبر "3/ 312"، وتذكرة الحفاظ "3/ ص 1199"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 378".

ص: 90

‌4418 - ابن الأخضر

(1)

:

الشيخ، العالم، الخطيب، المسند، أبو الحسن، علي بن محمد بن محمد بن محمد بن يحيى بن شعيب، الشيباني، الأنباري، ابن الأخضر.

ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة في صفر.

وسمع: أبا أحمد بن أبي مسلم الفرضي فكان خاتمة أصحابه، وأبا عمر بن مهدي، وأبا الحسن بن رزقويه، وأبا الحسين بن بشران، والحسن بن عمر الغزال، وأحمد بن محمد بن دوست، والحسن بن الحسين بن رامين الإستراباذي.

حدث عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو نصر الغازي، وأبو سعد بن البغدادي، ونصر الله بن محمد مفتي دمشق، وهبة الله بن طاوس، وابن ناصر، وابن البطي، وعدة.

وكان فقيهًا حنفيًا، خطيبًا بالأنبار. عمر، وارتحل الناس إليه.

قال السمعاني: كان ثقةً، نبيلًا، صدوقًا، معمرًا، مسندًا، انتشرت رواياته في الآفاق، وكان أقطع اليد، قطعت في كائنة البساسيري، وكان يقدم بغداد أحيانًا، ويحدث. سألت إسماعيل الحافظ عنه، فقال: ثقة.

وقال أبو علي الصدفي: حدثني أنه سأل وهو صبي في حلقة أبي حامد الإسفراييني عن الوضوء من مس الذكر. وقال لي: رأيت يحيى جد جدي وأنا اليوم جد جد.

قال أبو علي: لم ألق من يروي عن الفرضي سواه. قال: وإنما عنده عنه حديثان.

قلت: وقعا لي.

وتوفي في شوال سنة ست وثمانين وأربع مائة. أرخه ابن ناصر.

قال صالح بن علي بن الخطيب الأنباري: أمر البساسيري جدنا عليًا الخطيب أن يخطب للمستنصر صاحب مصر، فلما خطب، ودعا للقائم، ولم يمتثل أمر البساسيري، فأمر بقطع يده على المنبر.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 79"، والعبر "3/ 313"، وتذكرة الحفاظ "3/ ص 1199" وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 379".

ص: 91

‌4419 - ابن الأستاذ

(1)

:

الشيخ الصدوق، مسند الدينور، أبو الفضل، أحمد بن عيسى بن عباد بن عيسى بن موسى، الدينوري، المعروف بابن الأستاذ.

مولده سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة.

حدث عن: أبي بكر بن لال، وعن أبيه أبي القاسم، وأحمد بن تركان، وأبي عمر بن مهدي الفارسي، وطاهر بن ماهلة، وعلي بن البيع، وعدة، وتفرد في زمانه.

قال شيرويه الديلمي: سمعت منه بهمذان والدينور، وكان صدوقًا، أخبرني بمولده.

قال: ومات بالدينور في سنة ثمان وسبعين وأربع مائة.

‌4420 - ابن شَانْدُه:

الشيخ المعمر، أبو المعالي، محمد بن عبد السلام بن شانده الأصبهاني الأصل، الواسطي، الشيعي.

ولد سنة ست وتسعين وثلاث مائة.

وسمع في سنة سبع وأربع مائة "تاريخ" أحمد بن أبي خيثمة من علي بن محمد بن علي بن خزفة الصيدلاني، وسمع من: أبي القاسم علي بن كردان النحوي، ومن عمه أبي محمد التلعكبري الرافضي، فكان عنده عن عمه كتب لا يسمعها أحدًا.

قال السلفي: سألت خميسًا الحوزي، فقال: كان ابن شانده رئيسًا محتشمًا، ثقةً، مددت يدي إلى كتب يومًا، فاستلبها من يدي، وقال: هذا لا يصلح لك. قال: وكان يتظاهر بالسنة.

قلت: روى عنه: أبو علي بن سكرة، وعلي بن محمد الجلابي.

وتوفي سنة بضع وثمانين وأربع مائة.

قال ابن سكرة: هو محمد بن عبد السلام بن محمد بن عبيد الله بن أحمولة، نزيل واسط.

(1)

تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم ترجمة عام "4401" وبتعليقنا رقم "88".

ص: 92

‌4421 - ابن جَهِير

(1)

:

الوزير الأكمل، فخر الدين، أبو نصر، مؤيد الدين، محمد بن محمد بن جهير الثعلبي.

كان ناظر ديوان حلب، ثم وزر لصاحب ميافارقين، ثم وزر للخليفة القائم، في سنة أربع وخمسين، وامتدت دولته إلى أن استخلف المقتدي، فاستوزره عامين، ثم عزله، ثم في سنة ست وسبعين استدعاه السلطان ملكشاه، واستنابه على ديار بكر، فافتتح ابنه أبو القاسم آمد بعد حصار يطول، وافتتح هو ميافارقين.

وكان جوادًا، ممدحًا، فاضلًا، مهيبًا، من رجال العالم، عاش نيفًا وثمانين سنة.

مات على إمرة الموصل، سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة.

‌4422 - رزق الله

(2)

:

ابن الإمام أبي الفرج، عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن الهيثم بن عبد الله، وكان اسمه عبد اللات، قيل: له صحبة، وهو ابن الهيثم بن عبد الله بن الحارث، الشيخ الإمام، المعمر، الواعظ، رئيس الحنابلة، أبو محمد التميمي البغدادي.

ولد سنة أربع مائة. وقيل: سنة إحدى.

وعرض القرآن على أبي الحسن بن الحمامي، وأقرأ ببعض السبع.

وسمع من: أبيه، وأبي الحسين أحمد بن محمد بن المتيم، وأبي عمر بن مهدي، وأبي الحسين بن بشران، والحمامي، وابن الفضل القطان، وعدة.

حدث عنه خلق كثير، منهم: أبو عامر محمد بن سعدون العبدري، وابن طاهر المقدسي، وأبو علي بن سكرة، وإسماعيل بن محمد التيمي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو سعد بن البغدادي، وهبة الله بن طاوس، ومحمد بن ناصر، وأبو الفتح محمد بن علي بن عبد السلام الكاتب، وأبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري، وأبو بكر ابن الزغواني، وهبة

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "3/ 396"، واللباب لابن الأثير "1/ 318"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 54"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 701"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "1/ 122" والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 130"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 369".

(2)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "1/ 109" و "4/ 61"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "11/ 136"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1208"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 384".

ص: 93

الله بن أحمد الحفار، ومحمد بن عبد الله بن العباس الحراني، وإسماعيل بن علي بن شهريار، والفقيه أبو عبد الله الرستمي، وأبو الفتح بن البطي، وعبد العزيز بن محمد الشيرازي الأدمي، وأبو المطهر القاسم بن الفضل الصيدلاني، وأبو جعفر محمد بن الحسن الصيدلاني، ورجاء بن حامد المعداني، وخلق كثير.

قال السمعاني: هو فقيه الحنابلة وإمامهم، قرأ القرآن والفقه والحديث والأصول والتفسير والفرائض واللغة العربية، وعمر حتى قصد من كل جانب، وكان مجلسه جم الفوائد، كان يجلس في حلقة له بجامع المنصور للوعظ والفتوى، وكان فصيح اللسان، قرأ القرآن على الحمامي

إلى أن قال: وورد أصبهان رسولًا في سنة ثلاث وثمانين، وحدثنا عنه أكثر من ستين نفسًا من أهلها. ثم قال: أخبرنا المشايخ الستون ببغداد، وأخبرنا أربعة عشر من غيرها، وآخرون قالوا: أخبرنا رزق الله التميمي، "ح". وقرأت أنا غير مرة على أحمد بن إسحاق الأبرقوهي، أخبركم أبو بكر عبد الله بن محمد بن سابور بشيراز في سنة تسع عشرة وست مائة قراءةً عليه وأنا في الخامسة، أخبرنا عبد العزيز بن محمد الأدمي، حدثنا رزق الله بن عبد الوهاب، أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد الفارسي، حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة، حدثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي وليًا، فقد آذنني بالحرب .... "

(1)

وذكر الحديث.

أخرجه البخاري، عن ابن كرامة، فوافقناه بعلو. تفرد به ابن كرامة.

قال السمعاني: سمعت أحمد بن سعد العجلي يقول: كان شيخنا أبو محمد التميمي إذا روى هذا الحديث قال: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} [الطور: 15].

قال السلفي -فيما قرأت على أبي محمد الدمياطي: أخبرنا ابن رواج، أخبرنا أبو طاهر السلفي قال: رزق الله شيخ الحنابلة قدم أصبهان رسولًا من قبل الخليفة إلى السلطان، وأنا إذ ذاك صغير، وشاهدته يوم دخوله، وكان يومًا مشهودًا كالعيد، بل أبلغ في المزيد، وأنزل بباب القصر، محلتنا في دار السلطان، وحضرت في الجامع الجورجيري مجلسه متفرجًا، ثم لما قصدت للسماع؛ قال لي أبو الحسن أحمد بن معمر اللنباني وكان من الأثبات: قد استجزته لك في جملة من كتبت اسمه من صبياننا. فكتب خطه بالإجازة.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "6502".

ص: 94

وقال أبو غالب هبة الله قصيدةً منها:

بمقدم الشّيخ رزق اللّه قد رزقت

أهل أصبهان أسانيدًا عجيبات

ثم قال السلفي: وروى رزق الله بالإجازة عن أبي عبد الرحمن السلمي.

وقال أبو زكريا بن مندة: سمعت أبا محمد رزق الله الحنبلي بأصبهان يقول: أدركت من أصحاب ابن مجاهد واحدًا يقال له: أبو القاسم عبيد الله بن محمد الخفاف. قرأت عليه سورة البقرة، وقرأها على ابن مجاهد، وأدركت أيضًا أبا القاسم عمر بن تعويذ من أصحاب الشبلي وسمعته يقول: رأيت أبا بكر الشبلي وقد اجتاز على بقال ينادي على البقل: يا صائم من كل الألوان. فلم يزل يكررها ويبكي، ثم أنشأ يقول:

خليليّ إن دام همّ النّفوس

على ما أراه سريعًا قتل

فيا ساقي القوم لا تنسني

ويا ربّة الخدر غنّي رمل

لقد كان شيءٌ يسمّى السّرور

قديمًا سمعنا به ما فعل?

قال أبو علي الصدفي: قرأت على رزق الله التميمي برواية قالون ختمةً، وكان كبير بغداد وجليلها، وكان يقول: كل الطوائف تدعيني. وسمعته يقول: يقبح بكم أن تستفيدوا منا، ثم تذكرونا، فلا تترحموا علينا. رحمه الله.

أنبأنا أحمد بن سلامة، عن أحمد بن طارق، سمع أبا الكرم الشهرزوري يقول: سمعت رزق الله بن عبد الوهاب يقول: دخلت سمرقند وكان السلطان ملكشاه بها، فرأيت أهلها يروون "الناسخ والمنسوخ" لهبة الله المفسر جدي، بواسطة خمسة رجال إليه، فقلت لهم: الكتاب معي، ومصنفه جدي لأمي، وقد سمعته منه، ولكن ما أسمع كل واحد إلَّا بمائة دينار. فما كان الظهر حتى جاءتني خمس مائة دينار، فسمعوه، فلما رجعت؛ دخلت أصبهان، وأمليت بها.

قال السلفي: سألت المؤتمن عن رزق الله، فقال: هو الإمام علمًا ونفسًا وأبوة، وما يذكر عنه، فتحامل من أعدائه.

وقال أبو عامر العبدري: كان أبو محمد ظريفًا لطيفًا، كثير الحكايات والملح، ما أعلم منه إلَّا خيرًا.

وقال ابن ناصر: ما رأيت شيخًا ابن سبع وثمانين سنةً أحسن سمتًا وهديًا واستقامة قامة منه، ولا أحسن كلامًا، ولا أظرف وعظًا، وأسرع جوابًا منه. فلقد كان جمالًا للإسلام -كما

ص: 95

لقب- وفخرًا لأهل العراق خاصةً، ولجميع البلاد عامةً، ما رأينا مثله، وكان مقدمًا وهو ابن عشرين سنةً، فكيف اليوم? وكان ذا قدر رفيع عند الخلفاء.

وقال إسماعيل بن أبي سعد شيخ الشيوخ: كان رزق الله إذا قرأ عليه ابن الخاضبة هذا الحديث يعني حديث: من عادى لي وليًا أخذ خده، وقرصه، وقال: يا أبا بكر ينبت تحت حبكم من ذا شيء. أنبئت عن ابن الأخضر، أخبرنا الزاغوني، أنشدنا رزق الله لنفسه:

لا تسألاني عن الحيّ الّذي بانا

فإنّني كنت يوم البين سكرانا

يا صاحبيّ على وجدي بنعمانا

هل راجعٌ وصل ليلى كالّذي كانا

ما ضرّهم لو أقاموا يوم بينهم

بقدر ما يلبس المحزون أكفانا

وقال هبة الله بن طاوس: أنشدنا رزق الله لنفسه:

وما شنآن الشّيب من أجل لونه

ولكنّه حادٍ إلى البين مسرع

إذا ما بدت منه الطّليعة آذنت

بأنّ المنايا خلفها تتطلّع

فإن قصّها المقراض صاحت بأُختها

فتظهر تتلوها ثلاثٌ وأربع

وإن خضبت حال الخضاب لأنّه

يغالب صبغ اللّه واللّه أصبغ

إذا ما بلغت الأربعين فقل لمن

يودّك فيما تشتهيه ويسرع

هلمّوا لنبكي قبل فرقة بيننا

فما بعدها عيشٌ لذيذٌ ومجمع

وخلّ التّصابي والخلاعة والهوى

وأُمّ طريق الخير فالخير أنفع

وخذ جنّةً تنجي وزادًا من التّقى

وصحبة مأمونٍ فقصدك مفزع

قال ابن ناصر: توفي شيخنا أبو محمد التميمي في نصف جمادى الأولى، سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، ودفن في داره بباب المراتب، ثم نقل فدفن في سنة إحدى وتسعين إلى جانب قبر الإمام أحمد بن حنبل.

ومات معه: أبو الفضل بن خيرون المحدث، وأمير الجيوش بدر بمصر، والسلطان تاج الدولة تتش السلجوقي، وشيخ المعتزلة أبو يوسف القزويني، والفضل بن أحمد بن أبي حرب أبو القاسم الجرجاني، والوزير ظهير الدين أبو شجاع محمد بن الحسين الروذراوري، والمعتمد بن عباد صاحب الأندلس في السجن، ومحمد بن علي البغوي الدباس، وقاضي بغداد أبو بكر محمد بن المظفر الشامي، والحميدي المحدث، ونجيب بن ميمون الواسطي بهراة.

ص: 96

‌4423 - أبو يوسف القزويني

(1)

:

الشيخ العلامة، البارع، شيخ المعتزلة وفاضلهم، أبو يوسف، عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار القزويني المفسر، نزيل بغداد.

سمع: أبا عمر بن مهدي، والقاضي عبد الجبار بن أحمد، وأخذ عنه الاعتزال، وسمع بهمذان من أبي طاهر بن سلمة، وبأصبهان عن أبي نعيم، وبحران عن أبي القاسم الزيدي، وطائفة.

روى عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وأبو غالب بن البناء، وهبة الله بن طاوس، ومحمود بن محمد الرحبي، وإسماعيل بن محمد التيمي الحافظ، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي، وأبو سعد بن البغدادي، وآخرون.

قال السمعاني: كان أحد الفضلاء المقدمين، جمع "التفسير" الكبير الذي لم يُرَ في التفاسير أكبر منه، ولا أجمع للفوائد، لولا أنه مزجه بالاعتزال، وبث فيه معتقده، ولم يتبع نهج السلف. أقام بمصر سنين، وحصل أحمالًا من الكتب، وحملها إلى بغداد، وكان داعيةً إلى الاعتزال.

وقال ابن عساكر: سكن طرابلس مدة. سمعت الحسين بن محمد البلخي يقول: إن أبا يوسف صنف "التفسير" في ثلاث مائة مجلد ونيف. وقال: من قرأه علي وهبت له النسخة. فلم يقرأه أحد.

وقال ابن عساكر: سكن طرابلس مدة. سمعت الحسين بن محمد البلخي يقول: إن أبا يوسف صنف "التفسير" في ثلاث مائة مجلد ونيف. وقال: من قرأه علي وهبت له النسخة. فلم يقرأه أحد.

وقال هبة الله بن طاوس: دخلت عليه وقد زمنَ، فقال: من أين أنت? قلت: من دمشق. قال: بلد النصب.

قال ابن عساكر: قيل: سأله ابن البراج شيخ الرافضة بطرابلس: ما تقول في الشيخين? قال: سفلتان. قال: من تعني? قال: أنا وأنت.

ابن عقيل في "فنونه" قال: قدم علينا من مصر القاضي أبو يوسف القزويني، وكان يفتخر بالاعتزال، ويتوسع في قدح العلماء، وله جرأة، وكان إذا قصد باب نظام الملك؛ يقول: استأذنوا لأبي يوسف المعتزلي. وكان طويل اللسان بعلم تارةً، وبسفه تارةً، لم يكن محققًا إلَّا في التفسير، فإنه لهج بذلك حتى جمع كتابًا بلغ خمس مائة مجلد، فيه العجائب، رأيت منه

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 89"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1208"، والعبر "3/ 321"، ولسان الميزان "4/ 11"، والنجوم لابن تغري بردي "5/ 156"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 385".

ص: 97

مجلدةً في آية واحدة، وهي:{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} [البقرة: 102]، فذكر السحر والملوك الذين نفق عليهم السحر، وتأثيراته وأنواعه.

وقال محمد بن عبد الملك: ملك من الكتب ما لم يملكه أحد، قيل: ابتاعها من مصر بالخبز وقت القحط، وحدثني عبد المحسن بن محمد أنه ابتاعها بالأثمان الغالية. كان يبتاع من كتب السيرافي، وكانت أزيد من أربعين ألف مجلد، فكان أبو يوسف يشتري في كل أسبوع بمائة دينار، ويقول: قد بعت رحلي وما في بيتي. وكان الرؤساء يصلونه، وقيل: قدم بغداد بعشرة أحمال كتب، وأكثرها بخطوط منسوبة. وعنه قال: ملكت ستين تفسيرًا.

قال ابن عبد الملك: وأهدى للنظام "غريب الحديث" لإبراهيم الحربي في عشر مجلدات، و"شعر الكميت" في ثلاث عشرة مجلدة، و"عهد" القاضي عبد الجبار بخط الصاحب إسماعيل بن عباد، كل سطر في ورقة، وله غلاف آبنوس في غلظ الأسطوانة، وأهدى له مصحفًا بخط منسوب بين سطوره القراءات بأحمر، واللغة بأخضر، والإعراب بأزرق، وهو مذهب، فأعطاه النظام ثلاث مائة دينار، وما أنصفه، لكنه اعتذر، وقال: ما عندي مال حلال سواها.

قال المؤتمن: تركته لما كان يتظاهر به.

قال محمد بن عبد الملك: وكان فصيحًا، حلو الإشارة، يحفظ غرائب الحكايات والأخبار، زيدي المذهب، فسر في سبع مائة مجلد كبار.

قيل: دخل الغزالي إليه، وجلس بين يديه، فقال: من أين أنت? قال: من المدرسة ببغداد. قال الغزالي: لو قلت: إني من طوس لذكر تغفيل أهل طوس، من أنهم سألوا المأمون، وتوسلوا إليه بقبر أبيه عندهم، وطلبوا أن يحول الكعبة إلى بلدهم. وأنه جاء عن بعضهم أنه سئل عن نجمه، فقال: بالتيس. فقيل له: فقال: كان من سنتين بالجدي، والساعة قد كبر.

قال أبو علي بن سكرة: أبو يوسف كان معتزليًا داعيةً يقول: لم يبق من ينصر هذا المذهب غيري، وكان قد أسن، وكاد أن يخفى في مجلسه، وله لسان شاب. ذكر لي أن تفسيره ثلاث مائة مجلد، منها سبعة في سورة الفاتحة. وكان عنده جزء من حديث أبي حاتم الرازي، عن الأنصاري، فقرأت عليه بعضه، عن القاضي عبد الجبار، عن رجل عنه، قرأته لولدي شيخنا ابن سوار المقريء، وقرأت لهما جزءًا من حديث المحاملي، وسمعه في سنة تسع وتسعين وثلاث مائة وهو ابن أربع سنين أو نحوها. وكان لا يسالم أحدًا من السلف، ويقول لنا: اخرجوا تدخل الملائكة.

وقيل: ولد سنة "393".

وقال ابن ناصر: مات في ذي القعدة، سنة ثمان وثمانين وأربع مائة.

ص: 98

‌4424 - الدَّبَّاس

(1)

:

الشيخ الفقيه المعمر المسند، أبو سعيد محمد بن علي بن أبي صالح البغوي، الدباس، آخر من روى "جامع الترمذي" عاليًا من عبد الجبار الجراحي.

وسمع أيضًا من: مسعود بن محمد البغوي، وعلي بن أحمد الإستراباذي.

حدث عنه: ابنه عثمان، وأبو الفتح محمد بن عبد الله الشيرازي، وأحمد بن ياسر المقرئ، وأبو الفتح محمد بن أبي علي، ومحمد بن عبد الرحمن الحمدويي، وخلقٌ سواهم.

وعاش ثمانيًا وثمانين سنة، وكان من الفقهاء.

مات ببغشور، في ذي القعدة، سنة ثمان وأربع مائة.

وآخر من بقي من أصحابه: عبد الرحمن بن محمد المسعودي.

‌4425 - التَّرْيَاقي

(2)

:

الشيخ الإمام الأديب المعمر الثقة، أبو نصر عبد العزيز بن محمد بن علي بن إبراهيم بن ثمامة، الهروي، الترياقي. وترياق: قرية من عمل هراة.

سمع "جامع أبي عيسى" _ سوى الجزء الأخير منه، أوله: مناقب ابن عباس _ من الجراحي.

سمعه من المؤتمن الساجي، وأبو الفتح عبد الملك الكروخي.

وقد روى أيضًا عن القاضي أبي منصور الأزدي، والحافظ أبي الفضل الجارودي.

وعمر أربعًا وتسعين سنة.

مات في شهر رمضان، سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "2/ 256"، والعبر "3/ 322".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "3/ 50"، واللباب لابن الأثير "1/ 214"، والعبر "3/ 302"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 368".

ص: 99

‌4426 - الغُوَرِجي

(1)

:

الشيخ الثقة الجليل، أبي بكر أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل، الغُورَجي، الهروي، التاجر، راوي "جامع أبي عيسى الترمذي" عن عبد الجبار الجراحي.

حدث عنه: المؤتمن الساجي، وأبو الفتح الكروخي، وغيرهما. وثقه المحدث الحسين بن محمد الكتبي.

عنه في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربع مائة بهراة، وهو في عشر التسعين.

‌4427 - الصَّاعِدي

(2)

:

قاضي القضاة، رئيس نيسابور، أبي نصر أحمد بن محمد بن صاعد ابن محمد الصاعدي. ولد سنة عشر.

وسمع من: جده أبي العلاء صاعد، وأبي بكر الحيري، وأبي سعد الصيرفي، وطبقتهم.

وعنه: زاهر ووجيه ابنا الشحامي، وعبد الله بن الفزاري، وعبد الخالق بن زاهر، وآخرون.

قال ابن السمعاني: تعصب بأخرة المذهب حتى أدى إلى إيحاش العلماء، وإغراء الطوائف، حتى لُعنوا على المنابر، حتى أبطله نظام الملك.

أملى مجالس، وكان يقال له: شيخ الإسلام.

توفي في شعبان، سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة.

‌4428 - الثَّقَفِي

(3)

:

الشيخ العالم المعمر، مسند الوقت، رئيس أصبهان ومعتمدها، أبي عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد بن أحمد بن محمود الثقفي، الأصبهاني، صاحب "الأربعين" و "الفوائد العشرة".

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 44"، واللباب لابن الأثير "2/ 393"، والعبر "3/ 297"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 365".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 49"، والعبر "3/ 299"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردى "5/ 129".

(3)

ترجمته في العبر "3/ 325"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1227"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 393".

ص: 100

وُلد سنة سبع وتسعين وثلاث مائة.

وأول سماعه في سنة ثلاث وأربع مائة، ورحله أبوه في صباه إلى خراسان، والعراق، والحجاز، ولقي الكبار.

سمع: أبا طاهر محمد بن محمد بن محمش، وأبا عبد الرحمن السلمي، وأبا زكريا المزكي، وعبد الرحمن بن بالويه، وعلي بن أحمد بن عبدان، والقاضي أبا بكر الحيري، ومحمد بن موسى الصيرفي، وأبا عمرو محمد بن عبد الله الرزجاهي، وعلي بن محمد بن خلف، وأبا حازم العبدوي، وعبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن حبيب، وطائفة بنيسابور، وأبا الفرج عثمان بن أحمد البرجي، وعبد الله بن أحمد بن جولة، وأبا عبد الله محمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبا بكر بن مردويه، وعلي بن ماشاذه القاضي، وأحمد بن عبد الرحمن الأزدي، وعدة ببلده، وهلال بن محمد الحفار، وأبا الحسين بن بشران، وابن يعقوب الإيادي، ومحمد بن الحسين بن الفضل القطان، وأبا عبد الله الغضائري، وعدة ببغداد، وأبا عبد الله بن نظيف المصري بمكة.

وروى الكثير، وتفرد في زمانه، وكان صدرًا معظمًا.

حدث عنه: ابن طاهر، وإسماعيل التيمي، وأبو نصر الغازي، وأبو سع البغدادي، وأبو المطهر الصيدلاني قاسم، وأبو جعفر محمد بن الحسن الصيدلاني، وأبو رشيد محمد بن علي الباغبان، والحسن بن العباس الرستمي، وحفيده مسعود بن الحسن الثقفي، وأبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني، والحافظ أبو طاهر السلفي، وآخرون.

قال السمعاني: كان ذا رأي وكفاية وشهامة، وكان أسند أهل عصره، وأكثرهم ثروةً ونعمةً وبضاعةً ونقدًا، وكان منفقًا، كثير الصدقة، دائم الإحسان إلى الطارئين والمقيمين والمحدثين، وإلى العلوية خصوصًا، كثير البذل لهم، عزل في آخر عمره عن رئاسة البلد، وصودر، فوزن مائة ألف دينار حمر لم يبع لها ملكًا، ولا أظهر انكسارًا.

وكان من رجال الدنيا، عُمِّر، ورحلت إليه الطلبة من الأمصار، وكان صحيح السماع، غير أنه كان يميل إلى التشيع على ما سمعت جماعة أهل أصبهان.

قال يحيى بن منده: لم يحدث في وقت أبي عبد الله الرئيس أوثق منه في الحديث، وأكثر سماعًا، وأعلى إسنادًا، كان فيما قيل: يميل إلى الرفض، سمع "تاريخ يعقوب الفسوي" من ابن الفضل القطان، وسمع "تاريخ يحيى بن معين" من أبي عبد الرحمن السلمي.

ص: 101

قال السلفي: كان الرئيس الثقفي عظيمًا، كبيرًا في أعين الناس، على مجلسه هيبةٌ ووقار، وكان له ثروة وأملاك كثيرة.

وقال السمعاني: كان محمود السيرة في ولايته، مشفقًا على الرعية، سمعت أن السلطان ملكشاه أراد أن يأخذ من الرعية مالًا بأصبهان، فقال الرئيس: أنا أعطي النصف، ويعطي الوزير _ يعني: نظام الملك _ وأبو سعد المستوفي النصف. فما قام حتى وزن ما قال، فظني أن المال كان أكثر من مائة ألف دينار أحمر.

وكان يبر المحدثين بمال كثير؛ رحلوا إليه من الأقطار.

مات الرئيس في رجب سنة تسع وثمانين وأربع مائة، وهو في عشر المائة.

ص: 102

‌4429 - التَّفْليسي

(1)

:

الإمام القدوة المقرئ أبو بكر محمد بن إسماعيل بن محمد بن السري بن بنون التفليسي، ثم النيسابوري، الصوفي. مولده في رجب سنة أربع مائة.

وسمع من: عبد الله بن يوسف بن بامويه، وأبي عبد الرحمن السلمي، وحمزة المهلبي، وأبي صادق الصيدلاني، وعدة من أصحاب الأصم. وأملى مدة.

حدث عنه: عبد الغافر بن إسماعيل، -وأثنى عليه- وإسماعيل بن المؤذن، ووجيه الشحامي.

وسئل عنه إسماعيل بن محمد التيمي، فقال: شيخ صالح يتبرك بدعائه، سمع الكثير من المهلبي.

قلت: توفي في سلخ شوال، سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة.

‌4430 - ابن أبي العلاء

(2)

:

الإمام الفقيه المفتي، مسند دمشق، أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أحمد بن أبي العلاء، المصيصي، ثم الدمشقي، الشافعي، الفرضي.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "3/ 65"، والعبر "3/ 303"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 131"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 368".

(2)

ترجمته في العبر "3/ 317"، وحسن المحاضرة للسيوطي "1/ 404"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 381".

ص: 102

ولد في رجب سنة أربع مائة.

وسمع وهو حدث من الكبار، وارتحل، ولحق العوالي.

سمع: محمد بن عبد الرحمن القطان، وعبد الرحمن بن أبي نصر، وأبا نصر بن هارون، وعبد الوهاب بن جعفر الميداني، وعبد الوهاب المري، وعددًا كثيرًا بدمشق، وأبا الحسن بن الحمامي ببغداد. لحقه مريضًا هو وعبد العزيز الكتاني رفيقه، فسمعا منه أربعة أحاديث، وسمع ببلد من أحمد بن الحسين بن سهل بن خليفة، وأخيه محمد، وبمصر من أبي عبد الله بن نظيف، وأبي النعمان بن تراب بن عمر، وبعكبرا من أبي نصر البقال، وببغداد أيضًا من هبة الله الحسن اللالكائي، وطلحة بن الصقر، وأحمد بن علي البادي، وأبي علي بن شاذان، وطائفة.

حدث عنه: أبو بكر الخطيب، ومات قبله بأربع وعشرين سنة، والفقيه نصر المقدسي، وهبة الله بن أحمد الأكفاني، وجمال الإسلام علي بن المسلم، ونصر بن أحمد بن مقاتل، وهبة الله بن طاوس، والقاضي يحيى بن علي الفرسي، وابنه القاضي الزكي محمد بن يحيى، وأبو القاسم الحسين بن البن، وأبو العشائر محمد بن خليل، وعلي بن أحمد بن مقاتل، وأبو يعلى حمزة بن الحبوبي، وآخرون.

قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: كان فقيهًا فرضيًا من أصحاب القاضي أبي الطيب. مات بدمشق في حادي عشر جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وأربع مائة.

حكى البهجة بن أبي عقيل عن ابن أبي العلاء أنه كان بيده دفتر حساب يحاسب رجلًا، ثم نظر إلى فوق، وقال: ما هذا الوجه? هذه صورة شخص قد تمثل لي، ثم رمى الدفتر، وأغمي عليه، ومات.

قلت: سمعنا من طريقه عدة أجزاء، كحديث ابن أبي ثابت، وجزء علي بن حرب، ومن "فضائل الصحابة" لخيثمة.

وفيها توفي مسند نيسابور أبو بكر بن خلف الشيرازي صاحب الحاكم، ونائب حلب قسيم الدولة آقسنقر جد نور الدين، والأديب النحوي أبو نصر الحسن بن أسد الفارقي، والحافظ أبو علي الحسن بن عبد الملك النسفي، وعبد الله بن عبد العزيز أبو عبيد البكري صاحب "معجم البلاد"، والمقتدي بالله العباسي، وشيخ القراء عبد السيد بن عتاب، والفضل بن أحمد والد الفراوي، وأبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد ابن طلحة الإسفراييني الشاعر، وأبو عامر محمود بن القاسم الأزدي، والمستنصر بالله معد العبيدي.

ص: 103

‌4431 - خُواهَر زَاذَهْ

(1)

:

شيخ الحنفية، وفقيه ما وراء النهر، ونعمان الوقت، أبو بكر خواهر زاذه، واسمه محمد بن حسين بن محمد القديدي، البخاري، ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن أحمد البخاري، ولذلك لقب بخواهر زاذه، معناه: ابن أخت عالم.

سمع: أباه، ومنصورًا الكاغدي، وأبا نصر أحمد بن علي الحازمي، والحاكم أبا عمر محمد بن عبد العزيز القنطري، وأملى عدة مجالس، وخرج له أصحاب وأئمة.

حدث عنه: عثمان بن علي البيكندي، وعمر بن محمد بن لقمان النسفي، وطائفة.

وطريقته أبسط الطريق، وكان يحفظها، وكان من بحور العلم. ذكره السمعاني في "الأنساب".

توفي ببخارى، في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة، وقد شاخ.

وفيها مات عاصم العاصمي، ومحمد بن إسماعيل التفليسي، وأبو بكر أحمد بن ثابت الخجندي المتكلم، وأبو الغنائم محمد بن علي الدقاق، وأبو نصر محمد بن سهل السراج، والوزير فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير، وعبد العزيز بن محمد الترياقي.

‌4432 - الخَلاَّلي

(2)

:

مسند جرجان في زمانه أبو القاسم إبراهيم بن عثمان بن إبراهيم الجرجاني.

ولد سنة تسعين وثلاث مائة.

وسمع من: أبي نصر محمد بن الإسماعيلي، وأبي الفضل محمد بن جعفر الخزاعي، وأبي سعد الماليني، وغالب بن علي الرازي، وحمزة السهمي، وخلق.

يروي عنه: سعد بن علي الغضائري، وطائفة.

توفي بجرجان سنة نيف وثمانين وأربع مائة، رحمه الله.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "5/ 201"، واللباب لابن الأثير "1/ 468"، والعبر "3/ 302"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 367".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "5/ 218".

ص: 104

‌4433 - ابن سَمْكُويه

(1)

:

الشيخ الإمام الحافظ المفيد المصنف الثقة، أبو الفتح بن أحمد بن عبد الله بن سمكويه الأصبهاني، نزيل هراة، كان من فرسان الحديث، والمكثرين منه.

سمع ببغداد من: أبي محمد الخلال وطبقته، وبنيسابور من: أبي حفص بن مسرور. وبأصبهان من: إبراهيم سبط بحرويه، وعدة. وبسمرقند: من مسندها عمر بن شاهين، وبشيراز: من أبي بكر بن أبي علي الحافظ.

مولده في سنة تسع وأربع مائة، وإنما طلب الحديث على كبر، وكان عابدًا صالحًا خيرًا، يتبرك بدعائه.

حدث عنه إسماعيل بن محمد التيمي، وأبو عبد الله الدقاق، وغيرهما.

قال الدقاق في "رسالته": كان لابن سمكويه الكثرة الوافرة في كتب الحديث. قال: ووهمه أكثر من فهمه، صحب عبد العزيز النخشبي إلى نيسابور، وأقام بهراة سنين يورق، صادفته بها، وبيني وبينه ما كان من الحقد والحسد.

قلت: بئست الخصلتان أعاذنا الله منهما.

مات بنيسابور في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة.

‌4434 - هبةُ اللهِ بن عبد الوارث

(2)

:

ابن علي، الإمام الحافظ المحدث، أبو القاسم الشيرازي، رحالٌ جوال، كتب بخراسان، والحرمين، والعراق، واليمن، ومصر، والشام، والجزيرة، وفارس، والجبال.

حدث عنه: أبي بكر محمد بن الحسن بن الليث الشيرازي، وأحمد ابن طوق الموصلي، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وأبي جعفر بن المسلمة، وأقرانهم، وعمل "تاريخًا" لشيراز.

قال السمعاني: كان ثقة خيرًا، كثير العبادة، مشتغلًا بنفسه، خرَّج وأفاد، وانتفع الطلبة بصحبته وبقراءته، وكان قدومه بغداد في سنة سبع وخمسين. روى لنا عنه: أبو الفتح محمد

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 52"، وتذكرة الحفاظ "4 ترجمة 1037"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 367".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 74"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 379".

ص: 105

ابن عبد الرحمن الخطيب بمرو، وعمر بن أحمد الصفار، وأحمد بن ياسر المقرئ، وأبو نصر محمد بن محمد الفاشاني، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو بكر اللفتواني.

سكن في آخر أمره مرو.

وقال ابن عساكر: حدث عنه الفقيه نصر المقدسي، وهبة الله بن طاوس، وأبو نصر اليونارتي.

ثم قال: حدثنا ابن طاوس، حدثنا هبة الله بن عبد الوارث، حدثنا أبو زرعة أحمد بن يحيى الخطيب بشيراز، أخبرنا المقرئ الحسن بن سعيد المطوعي، حدثنا أبو مسلم الكجي، فذكر حديثًا.

وقال عبد الغافر: هبة الله شيخ عفيف صوفي فاضل، طاف البلاد، وخطه مشهور، وكان كثير الفوائد.

قال أبو نصر الفاشاني: كنت إذا أتيت هبة الله بالرباط، أخرجني إلى الصحراء، وقال: اقرأ هنا، فالصوفية يتبرمون بمن يشتغل بالعلم والحديث، يقولون: يشوشون علينا أوقاتنا.

مات هبة الله سنة ست وثمانين وأربع مائة. وقيل: سنة خمس في رمضان، فقيل: قام ليلة وفاته سبعين مجلسًا، كل مرة يستنجي بالماء.

ص: 106

‌4435 - النَّاصِحِي

(1)

:

العلامة، قاضي القضاة، عالم الحنفية، أبو بكر محمد بن عبد الله بن الحسين الناصحي، النيسابوري.

سمع: القاضي أبا بكر الحيري، وأبا سعيد الصيرفي، وطائفة. وحدث ببغداد وخراسان.

روى عنه: محمد بن عبد الواحد الدقاق، وعبد الوهاب بن الأنماطي، وأبو بكر بن الزاغوني، وآخرون.

قال عبد الغافر في "تاريخه": هو قاضي القضاة أبو بكر ابن إمام الإسلام أبي محمد الناصحي، أفضل أهل عصره في الحنفية، وأعرفهم بالمذهب، وأوجههم في المناظرة، مع حظ وافر من الأدب والشعر والطب، درَّس بمدرسة السلطان في حياة أبيه، وولي قضاء نيسابور في دولة ألب رسلان، فبقي عشر سنين، ونال من الحشمة والدرجة، وكان فقيه النفس، تكلم في مسائل مع إمام الحرمين، فكان يثني الإمام عليه، ثم شكا قلة تصاونه في قبض يده، ووكلاء مجلسه وأصحابه عن الأموال، وأشرف بعض الحقوق على الضياع من فتح أبواب الرشا، فولي قضاء الري، ثم مات منصرفه من الحج في رجب سنة أربع وثمانين وأربع مائة يقرب أصبهان.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 60"، والعبر "3/ 306"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 372".

ص: 106

‌4436 - حَمْد بن أحمد

(1)

:

ابن الحسن بن أحمد بن محمد بن مهران، الشيخ، العالم، الثقة، أبو الفضل الأصبهاني الحداد، أخو أبي علي الحداد.

ولد بعد عام أربع مائة.

وسمع من: علي بن ميلة، وعلي بن عبدكويه، وأبي بكر بن أبي علي الذكواني، وعلي بن أحمد الخرجاني، وأبي سعيد بن حسنويه، وعدة.

وحدث ببغداد بكتاب "الحلية" لأبي نعيم عنه لما حج.

قال السمعاني: كان إمامًا فاضلًا، صحيح السماع، محققًا في الأخذ، حدثنا عنه إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وأبو الفتح بن البطي، وغير واحد.

ورد نعيه من أصبهان إلى بغداد في ذي الحجة، سنة ثمان وثمانين. وأرخ موته بعض الأصبهانيين في جمادى الأولى، سنة ست وثمانين وأربع مائة.

قال السلفي: سألت أبا عامر العبدري عن حمد الحداد، فقال: كتبنا عنه، قل من رأيت مثله في الثقة، كان يقابل، ولا يثق بغيره.

وقال أبو علي الصدفي: كان فاضلًا جليلًا عند أهل بلده، وكانت له مهابة.

وقال ابن النجار: قرأت بخط أبي عامر محمد بن سعدون: حج حمد الحداد، ثم انصرف، فنزل بالحريم، وحدث بكتاب "الحلية" وغير ذلك، سمعت منه، وكان ذا وقارٍ وسكينة، يقظًا فطنًا، ثقةً، حسن الخلق، رحمه الله.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 88"، والعبر "3/ 311"، وتذكرة الحفاظ "3/ ص 1199"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 377".

ص: 107

‌4437 - سليمان بن إبراهيم

(1)

:

ابن محمد بن سليمان الحافظ العالم المحدث المفيد، أبو مسعود الأصبهاني الملنجي.

ولد في رمضان سنة سبع وتسعين وثلاث مائة.

وسمع أبا عبد الله محمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبا بكر بن مردويه، وابن جولة الأبهري، وأبا سعد أحمد بن محمد الماليني، وأبا سعيد محمد بن علي النقاش، وأبا نعيم، وعدة، وببغداد أبا علي بن شاذان، وأبا بكر البرقاني، وأبا القاسم بن بشران، وابن طلحة المنقي، وأبا القاسم الحرفي، ونظرائهم، وكتب الكثير، وجمع وصنف.

سمع منه أبو نعيم شيخه.

وحدث عنه: أبو بكر الخطيب -وهو أكبر منه- وإسماعيل بن محمد التيمي، وأحمد بن عمر الغازي، وهبة الله بن طاوس المقرئ، وأبو سعد البغدادي، ومحمد بن طاهر الطوسي، وشرف بن عبد المطلب الحسيني، ومحمد بن عبد الواحد المغازلي، ورجاء بن حامد المعداني، وأبو جعفر محمد بن حسين الأصبهاني، ومسعود بن الحسن الثقفي، وآخرون.

قال السمعاني: كانت له معرفة بالحديث، جمع الأبواب، وصنف التصانيف، وخرَّج على "الصحيحين"، سألت أبا سعد البغدادي عنه، فقال: لا بأس به، ووصفه بالرحلة والجمع، والكثرة، كان يملي علينا، فقال سائل يطلب، فقال سليمان: من شؤم السائل أن يسأل أصحاب المحابر. وسألت إسماعيل الحافظ عنه، فقال: حافظٌ، وأبوه حافظ.

قال أبو عبد الله الدقاق في "رسالته": سليمان الحافظ له الرحلة والكثرة، ووالده إبراهيم يعرف بالفهم والحفظ، وهما من أصحاب أبي نعيم، تُكلم في إتقان سليمان، والحفظ هو الإتقان، لا الكثرة.

وقال أبو سعيد البغدادي: شنع عليه أصحاب الحديث في جزء ما كان له به سماع، وسكت أنا عنه.

قلتُ: الرجل في نفسه صدوق، وقد يهم، أو يترخص في الرواية بحكم الثبت.

وقال يحيى بن منده: في سماعه كلام، سمعت من ثقات أن له أخًا يسمى إسماعيل أكبر منه، فحك اسمه، وأثبت اسم نفسه، وهو شيخ شره لا يتورع، لحان وقاح.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 79"، وتذكرة الحفاظ "3/ ترجمة 1031"، وميزان الاعتدال "2/ 195"، ولسان الميزان "3/ 76"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 377".

ص: 108

قلت: توفى في ذي القعدة، سنة ست وثمانين، وله تسعون عاما غير أشهر.

أنبأنا المسلم بن علان، أخبرنا الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا سليمان بن إبراهيم أبو مسعود، حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن الحسين القطان، حدثنا إبراهيم بن الحارث، حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دنيارًا، ولا درهمًا، ولا عبدًا، ولا أمة، ولا شيئًا، إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وارضًا جعلها صدقة

(1)

.

وأخبرناه عاليًا محمد بن حسن الفقيه، أخبرنا كريمة القرشية، عن محمد بن الحسن الصيدلاني، أخبرنا سليمان بهذا. وقد عاش الصيدلاني بعد الخطيب مائة سنة وخمس سنين.

أخرجه البخاري عن إبراهيم، فوافقناه.

وينبغي التوقف في كلام يحيى، فبين آل منده وأصحاب أبي نعيم عداوات وإحن.

ومات معه: حمد الحداد، وابن زكري الدقاق، والشيخ أبو الفرج الشيرازي، وعبد الواحد بن فهد العلاف، وشيخ الإسلام أبو الحسن الهكاري، وأبو الحسن بن الأخضر، وأبو المظفر موسى بن عمران الأنصاري، ونصر بن الحسن التنكتي الشاشي، وهبة الله بن عبد الوارث الشيرازي، ويعقوب البرزبيني الحنبلي.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "2739".

ص: 109

‌4438 - أبو الأصبْع

(1)

:

العلامة أبو الأصبغ عيسى بن سهل بن عبد الله الأسدي، الجياني، المالكي.

تفقه بمحمد بن عتاب، ولازمه، وسمع من حاتم الأطرابلسي ويحيى بن زكريا القليعي، والقاضي ابن أسد الطليطليو ابن أرفع رأسه، وصنف في الأحكام كتابًا حسنًا، ورأس بسبتة، نوه به صاحبها البرغواطي.

وأخذ عنه القاضي أبو محمد بن منصور، والقاضي إبراهيم بن أحمد النصري، وأبو محمد بن الجوزي، وآخرون. وولى قضاء غرناطة.

قال ابن بشكوال: يروى عن: مكي القيسي، وأبي بكر بن الغراب، وابن الشماخ.

وتوفى مصروفا عن قضاء غرناطة: في المحرم، سنة ست وثمانين وأربع مائة، وله ثلاث وسبعون سنة.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 438".

ص: 109

‌4439 - الحُصري

(1)

:

الأديب، العَلاَّمة، أبو الحسن علي بن الغني الفهري، القيرواني، الحصري، المقريء، الضرير، من كبار الشعراء، وله تصانيف في القراءات.

وقد مدح الملوك، وأخذ جوائزهم، وله في ابن عباد قصائد، ونظمه عذب جزل.

اتفق موته بطنجة، سنة ثمان وثمانين وأربع مائة.

وكان المعتمد بن عباد بعث إليه خمس مائة دينار ليفد عليه، فكتب:

أمرتنى بركوب البحر أقطعه

غيري لك الخير فاخصصه بذا الرائي

ما أنت نوح فتنجيني سفينته

ولا المسيح أنا أمشي على الماء

‌4440 - ظهيرُ الدين

(2)

:

الوزير العادل، ظهر الدين، أبو شجاع محمد بن الحسين بن محمد الروذراوري.

مولده بقلعة كنكور، ومن أعمال همذان، سنة سبع وثلاثين وأربع مائة.

قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: تغير القائم على وزيره أبي نصر بن جهير، فصرفه بأبي يعلى الحسين بن محمد، فخدم ولده أبو شجاع صهر بن رضوان القائم بثلاثين ألف دينار. فعزل ابن جهير سنة ستين، ومات حينئذ أبو يعلى، فعوض ولده أبو شجاع عن المال بدار البساسيرى، فباع منها بأضعاف ذلك المال، وتكسب، وتعانى العقار، ثم خدم ولى العهد المقتدى، وصار صاحب سره، فلما استخلف، عظم أبو شجاع، فسمع نظام الملك، فكاتب المقتدى في إبعاده، فكتب المقتدى إلى النظام بخطه يعرفه منزلة أبي شجاع لديه، ويصف دينه وفضله، ثم أمر أبا شجاع بالمضي إلى أصبهان، وبعث في خدمته خادمه مختصًا، فخضع النظام، وعاد لأبي شجاع بالود في سنة خمس وسبعين، ثم عز المقتدى ابن جهير في

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 432"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "14/ 39"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 331"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 385".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 90"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 134".

ص: 110

سنة ست، واستوزر أبا شجاع، وأقبلت سعادته، وتمكن من المقدى تمكنًا عجيبًا، وعزت الخلافة، وأمن الناس، وعمرت العراق، وكثرت المكاسب.

وكان كثير التلاوة والتهجد، ويكتب مصاحف، ويجلس للمظالم، فيغتص الديوان بالسادة والكبراء، وينادى الحجاب: أين أصحاب الحوائج؟ فينصف المظلوم، ويؤدي عن المحبوس، وله في عدله حكايات في إنصاف الضعيف من الأمير.

وخلعت عليه بنت السلطان ملكشاه حين تزوجت بالمقدى، فاستعفى من لبس الحرير، فنفذت له عمامة ودبيقية بمائتين وسبعين دينارًا، فلبسها.

وقيل: إنه أمر ليلة بعمل قطائف، فلما أحضرت، تذكر نفوس مساكين تشتهيها، فأمر بحملها إلى فقراء وأضراء.

وقيل: أحصى ما أنفقه على يد كاتب له، فبلغ أزيد من مائة ألف دينار.

قال الكاتب: وكنت واحدًا من عشرة يتولون صدقاته.

وكان كاملًا في فنون، وله يد بيضاء في البلاغة والبيان، وكتابته طبقة عالية على طريقة ابن مقلة. ولقد بالغ ابن النجار في استيفاء ترجمته.

وزر سبع سنين وسبعة أشهر، ثم عزل بأمر السلطان ملكشاه للخليفة لموجدة، فأنشد أبو شجاع:

تولاها وليس له عدو

وفارقها وليس له صديق

ثم خرج إلى الجمعة، فضجت العامة يدعون له، ويصافحونه، فألزم لذلك بأن لا يخرج من داره، فاتخذ في دهليزه مسجدًا، ثم حج لعامه، ورجع، فمنع من دخول بغداد، وبعث إلى روذراور، فبقى فيها سنتين، ثم حج بعد موت النظام والسلطان والخليفة، ونزل المدينة وتزهد، فمات خادم، فأعطي الخدام ذهبًا، حتى جعل موضع الخادم، فكان يكنس ويوقد، ولبس الخام، وحفظ القرآن هناك، وطلب منه أبو علي العجلي أن يقرأ عليه ديوانه، فامتنع، وأنشده بعضه.

قال أبو الحسن الهمذاني: دفن بالبقيع، في نصف جمادى الاخرة، سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، عن إحدى وخمسين سنة، رحمه الله تعالى.

وخلف من الولد الصاحب نظام الدين، فتوفى بأصبهان سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، وهو والد الوزير المعظم ظهير الدين محمد بن أبي منصور حسين بن الوزير أبي شجاع.

ص: 111

وزر للمستظهر في حياة أبيه، وكان أبوه قد لحق بالسلطان محمد بن ملكشاه، فتشفع السلطان في الولد إلى المستظهر حتى استوزره، فوزر، وسنه يومئذ سبع عشرة سنة وستة أشهر، وناب عنه علي بن طراد الزيني، ثم استخلف المسترشد، فعزله، ولم يستخدم بعدها، ولزم داره نحوًا من خمسين سنة مرفها مكرمًا، وكان كثير الصدقة.

مات في ذي القعدة، سنة إحدى وستين وخمس مائة.

ص: 112

‌4441 - الهَمَذَاني

(1)

:

العلامة أبو الفضل عبد الملك بن إبراهيم الهمذاني -ويعرف بالمقدس- الفرضي، المقرئ، الشافعي، نزيل بغداد، والد المؤرخ محمد بن عبد الملك، رأس في الفرائض، ففيه صالح، متأله، أريد على قضاء القضاة، فامتنع.

ولد سنة نيف عشرة وأربع مائة.

وسمع في سنة ثلاث وثلاثين بتستر.

روى عن: عبد الله بن عبدان الفقيه، وأبي على الشاموخي، وعدة.

وقال أحمد بن الآينوسى: منسوب إلى الاعتزال.

وفي "فنون ابن عقيل": كان عالما في أصول الفقه والعربية والفرائض، وأكثر علمه الفقه، قال: وكان على طريقة السلف زاهدًا ورعًا.

وقال شجاع الذهلي: معتزلي، علقت عنه.

وقال ابنه: كان يحفظ "غريب الحديث" لأبي عُبيد، و "المجمل" لابن فارس، لم نعرف أنه اغتاب أحدًا.

توفى في رمضان، سنة تسع وثمانين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 100"، وطبقات الشافعية للسبكي "5/ 162 - 164"، ولسان الميزان "4/ 75".

ص: 112

‌4442 - أبو عامر الأزدي

(1)

:

الشيخ الإمام المسند القاضي أبو عامر، محمود بن القاسم بن القاضي الكبير أبي منصور محمد بن محمد بن عبد الله بن علي بن حسين بن محمد بن مقاتل بن صبيح بن ربيع بن عبد الملك بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي، المهلبي، الهروي، الشافعي، من كبار أئمة المذهب.

حدث بـ "جامع الترمذي" عن عبد الجبار الجراحي.

قال أبو النضر الفامي: شيخ عديم النظير زهدًا وصلاحًا وعفة، ولم يزل على ذلك من ابتداء عمره إلى انتهائه، وكانت إليه الرحلة من الأقطار، والقصد لأسانيده، ولد سنة أربع مائة.

وقال أبو جعفر بن أبي على الهمذاني: كان شيخنا أبو عامر من أركان مذهب الشافعي بهراة، كان نظام الملك يقول: لولا هذا الإمام في هذه البلدة، لكان لنا ولهم شأن -يهددهم- وكان يعتقد فيه اعتقادًا عظيمًا، لكونه لم يقبل منه شيئًا قط.

ولما سمعت منه "الجامع"، هنأنى شيخ الإسلام أبو إسماعيل، وقال: لم تخسر في رحلتك إلى هراة. وكان شيخ الإسلام قد سمعه قديمًا نازلًا، ثم سمعه من الجراحي.

قلت: روى عنه: المؤتمن الساجي، وابن طاهر، وأبو نصر اليونارتي، وصاعد بن سيرا، وزاهر بن طاهر، وأبو جعفر محمد بن أبي علي، وأبو الفتح عبد الملك الكروخي المجاور، وأبو الفتح نصر بن سيار الباقي إلى سنة ثنتين وسبعين وخمس مائة.

قال السمعاني: هو جليل القدر، كبير المحل، عالم فاضل.

سمع من: جده أبي منصور الأزدي، وعبد الجبار الجراحي، وأبي عمر محمد بن الحسين البسطامي، وأبي معاذ أحمد بن محمد الصيرفي، والحافظ أحمد بن محمد الجارودي، وأبي معاذ بن عبس الزاغاني، وبكر بن محمد المروروذي، وجماعة.

وقال أبو جعفر بن أبي علي: كان شيخ الإسلام يزور أبا عامر ويعوده إذا مرض، ويتبرك بدعائه.

قال الفامي: مات أبو عامر الأزدي في جمادي الآخرة، سنة سبع وثمانين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "5/ 327"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 382".

ص: 113

‌4443 - السِّمْسَار

(1)

:

الشيخ المعمر، أبو نصر عبد الرحمن بن محمد بن أحمند بن يوسف الأصبهاني، السمسار.

حدث عن: أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الجرجاني، وعلى بن ميلة الفرضي، وأبي بكر بن أبي علي.

وعنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو طاهر السلفي.

سئل عنه إسماعيل الحافظ، فقال: شيخ لا بأس به.

وقال السلفي: توفى في المحرم، سنة تسعين وأربع مائة.

قلت: نيف على التسعين، وهو آخر من حديث عن الجرجاني موتا.

‌4444 - البَكْرِي

(2)

:

العلامة المتفنن أبو عبيد، عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري، نزيل قرطبة.

حدث عن: أبي مروان بن حيان، وأبي بكر المصحفي، وأجاز له أبو عمر بن عبد البر، وكان رأسًا في اللغة وأيام الناس.

صنف في أعلام النبوة، وعمل شرحًا "لأمالي" القالي، وكتاب "اشتقاق الأسماء" وكتاب "معجم ما استعجم من البلدان والأماكن"، وكتاب "النيات". وكان من أوعية الفضائل.

حدث عنه: محمد بن معمر المالقي، ومحمد بن عبد العزيز بن اللخمي، وطائفة.

توفي سنة سبع وثمانين وأربع مائة.

‌4445 - البَكْرِي القَصَّاص

(3)

:

أما البكري القصاص الكذاب، فهو أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكري، طرقي مفتر، لا يستحيي من كثرة الكذب الذي شحن به مجاميعه وتواليفه، هو أكذب من مسيلمة، أظنه كان في هذا العصر.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 328"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 395".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 287"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 49".

(3)

ترجمته في ميزان الاعتدال "1/ 112".

ص: 114

‌4446 - نجيب بن ميمون

(1)

:

ابن سهل بن علي، الشيخ الجليل، مسند هراة، أبو سهل الواسطي، ثم الهروي.

سكن والده هراة، وسمع ولده من أبي علي منصور بن عبد الله الذهلي، ورافع بن عصم الضبي، وحاتم بن محمد الهروي، وأحمد بن علي الشارعي، ومحمد بن منصور الحوتكي، والقاضي محمد بن محمد الأزدي، وعدة.

مولده في شعبان سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة.

حدث عنه: ابن طاهر، ووجيه الشحامي، وأبو النضر الفامي، وعبيد الله بن حمزة الموسوي، وأخوه علي بن حمزة، والمطهر بن يعلى، ومحمد بن المفضل الدهان، والجنيد بن محمد القايني، وأبو الفتح نصر بن سيار، وعلي بن سهل الشاشي، وأمة الله بنت محمد العارف، وآخرون.

قال أبو عبد الله الدقاق: ليس بقي من الدنيا من يروي عن أبي علي منصور سوى نجيب. مات نجيب في العشرين من رمضان سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، وله ست وتسعين سنة وشهر، وروى شيئًا كثيرًا.

‌4447 - طِرَاد بن محمد

(2)

:

ابن علي بن حسن بن محمد، الشيخ الإمام، الأنبل، مسند العراق، نقيب النقباء، الكامل، أبو الفوارس بن أبي الحسن القرشي، الهاشمي، العباسي، الزينبي، البغدادي.

ولد سنة ثمان وتسعين، وسمع أبا نصر بن حسنون النرسي، وأبا الحسن بن رزقويه، وهلالًا الحفار، وأبا الحسين بن بشران، والحسين بن برهان، وأبا الفرج بن المسلمة، وأبا الحسن بن الحمامي، وطائفة. وأملى مجالس عدة، وخرج له "العوالي" المشهورة، "وفضائل الصحابة".

حدث عنه ولداه؛ علي الوزير، ومحمد، وابن ناصر، وعمر بن عبد الله الحربي، وأحمد بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وشهدة الكاتبة، وكمال بنت أبي محمد بن السمرقندي، وعمها إسماعيل، وهبة الله بن طاوس، وتجني الوهبانية، وأبو الكرام

(1)

ترجمته في العبر "3/ 324"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 392".

(2)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "4/ 202"، والأنساب للسمعاني "6/ 346"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 106"، والعبر "3/ 331"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 162".

ص: 115

الشهرزوري، وعبد الله بن علي الطامذي الأصبهاني، وخلق، آخرهم موتًا خطيب الموصل أبو الفضل الطوسي.

قال السمعاني: ساد الدهر رتبة، وعلوًا، وفضلًا، ورأيًا، وشهامةً، ولي نقابة البصرة، ثم بغداد، ومتع بسمعه وبصره وقوته، وترسل عن الديوان، فحدث بأصبهان، وكان يحضر مجلس إملائه جميع أهل العلم، لم ير ببغداد مثل مجالسه بعد القطيعي. وقد أملى بمكة سنة تسع وثمانين، وبالمدينة، وألحق الصغار بالكبار.

قال أبو علي بن سكرة: كان أعلى أهل بغداد منزلة عند الخليفة.

وقال السلفي: كان حنفيًا من جلة الناس، وكبرائهم، ثقةً، ثبتًا، لم ألحقه.

قلت: مات في سلخ شوال، سنة إحدى وتسعين وأربع مائة، ودفن بداره حولًا، ثم نقل.

وقد مر أخوه مسند بغداد أبو نصر الزينبي، وسيأتي أخواهما نور الهدى الحسين، وأبو طالب حمزة سنة بضع وخمس مائة، وأخوهم الخامس _ هو الأكبر _ أبو تمام محمد بن محمد الزينبي، ومولاه أبو علي محمد بن وشاح الزينبي من كبار الرواة، وأخوهم السادس أبو منصور محمد بن محمد بن علي، يروي عن عيسى بن الوزير.

كتب عن الخطيب، وقال: توفي سنة إحدى وخمسين وأربع مائة.

ص: 116

أبوهم:

‌4448 - محمد بن أبي تمام:

النقيب السيد أبو الحسن محمد بن أبي تمام علي بن أبي القاسم الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام ابن محمد بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن العباس الهاشمي.

ولي نقابة بني هاشم بعد موت أبيه أبي تمام، في سنة أربع وثمانين وثلاث مائة، وسمع من أبي بكر بن شاذان.

حدث عنه: أبو الفضل محمد بن عبد العزيز بن المهدي في "مشيخته". وكان يلقب بنظام الحضرتين. عاش إحدى وستين سنة. وتوفي: في ذي القعدة، سنة سبع وعشرين وأربع مائة، ورثاه الشريف المرتضى.

ص: 116

‌4449 - ابن أبي حرب:

الشيخ الثقة العابد، أبو القاسم الفضل بن أبي حرب أحمد بن محمد بن عيسى الجرجاني، ثم النيسابوري التاجر.

ولد سنة خمس وأربع مائة. وسمعه أبوه الكثير.

فحدث عن: حمزة المهلبي، وابن محمش، وأبي عبد الرحمن السلمي، ويحيى المزكي، وعبد الرحمن بن محمد السراج، وعلي بن محمد بن السقاء، وأبي بكر الحيري، وعدة.

وعنه أحمد بن سعد العجلي، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو عثمان العصائدي، وعبد الله بن الفراوي، وعمر بن أحمد الصفار، وصدقة ابن محمد السياف، وأحمد بن قفرجل، ونصر بن نصر العكبري، وآخرون.

قال أبو نعيم عبيد الله بن أبي علي الحداد: سمعت بعض جيران الفضل بن أبي حرب يقول: ما ترك أحدًا في جواره منذ ثلاثين سنة أن ينام من قراءته وبكائه.

وقال محمد بن أبي علي الهمذاني الحافظ في مشيخته: ومنهم الشيخ الجليل العالم أبو القاسم الجرجاني التاجر الصدوق، صاحب سماع كثير، ومسانيد جياد، وكان أجود الناس كفًا في مواساة الفقراء، وكان والده يضرب به المثل، ويقال: أبو حرب، حاتم وقته في السخاء.

توفي أبو القاسم في ثالث عشر رمضان سنة ثمان وثمانين وأربع مائة.

حدث بخراسان، والعراق، ومكة. وكتب عنه الحفاظ رحمه الله.

‌4450 - العَبَّادَاني

(1)

:

الشيخ الجليل المعمر مسند البصرة أبو طاهر جعفر بن محمد بن الفضل القرشي، العباداني، ثم البصري.

سمع من: القاضي أبي عمر الهاشمي أجزاء من "مسند علي بن إسحاق المادرائي"، وشيئًا من إملاء أبو عمر الهاشمي.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "8/ 336"، والعبر "3/ 336"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 399".

ص: 117

حدث عنه: أبو غالب محمد بن الحسن الماوردي، وعلي بن عبد الملك الواعظ، وطلحة بن علي المالكي، ومحمد بن طاهر المقدسي، وعبد الله بن علي الطامذي، وعبد الله بن عمر بن سليخ البصري، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وعدة، والسلفي بالإجازة.

فأما قول المحدث أبو نصر اليونارتي: إن العباداني راوي "سنن أبي داود" عن الهاشمي، فقول مردود، فإن الطلبة ازدحموا على أبي علي التستري، فارتحل إليه ابن طاهر، ومؤتمن الساجي، ومحمد بن مرزوق الزعفراني، وعدة. وقد مات سنة تسع وسبعين، فلو كان العباداني سمع "السنن"، وبقي بعد التستري بضع عشرة، لكانت إليه الرحلة في الكتاب أضعاف ذلك. ثم ما علمنا أحدًا روى "السنن" عن العباداني، ولا ادّعى سماعها منه، فهذا شيء تفرد بذكره اليونارتي، وأظنه وهم.

قال أبو علي بن سكرة: أبو طاهر العباداني رجل صالح أميّ.

وقال السلفي في "معجم أصبهان" له: سمعت يحيى بن محمد النجراني يقول: توفي العباداني في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة، ونودي له في البصرة: من أراد الصلاة على ابن العباداني الزاهد، فليحضر. فلعله لم يتخلف من أهل البلد إلَّا القليل، ثم قال السلفي: كان يروي عن الهاشمي، وأبي الحسن النجاد. قال: ومن مروياته: كتاب "السنن" لأبي داود، يرويه عن أبي عمر الهاشمي.

قلت: مشى السلفي وراء قول اليونارتي.

أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أخبرنا ابن رواح، أخبرنا السلفي قال: كتب إلينا جعفر بن محمد من البصرة، وحدثني عنه شجاع الكناني، أخبرنا أبو عمر الهاشمي، حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا علي بن حرب، حدثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن شقيق قال: كان ابن مسعود يقول: إني لأخبر بمكانكم، فما يمنعني أن أخرج إليكم إلَّا كراهية أن أملكم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة كراهية السآمة علينا

(1)

.

ومات معه في سنة ثلاث خلق.

منهم: الفقيه أبو القاسم أحمد بن القاضي أبي الوليد الباجي الأصولي.

والفقيه أبو بكر أحمد بن عمر البيع الهمذاني.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "68"، ومسلم "2821"، والترمذي "2855"، وأحمد "1/ 377 و 378 و 425" من طرق عن الأعمش، به.

ص: 118

وأبو عبد الله بن طلحة النعالي مسند العراق.

ولغوي الوقت سلمان بن عبد الله بن الفتي النهرواني.

وعبد الله بن جابر بن ياسين الحنبلي.

وأبو سعد عبد الجليل بن محمد الساوي السفار.

والمقرئ عبد القاهر بن عبد السلام العباسي صاحب الكارزيني.

وأبو الفضل عبد الكريم بن المؤمل الكفرطابي البزاز.

والوزير ابن الوزير عميد الدولة أبو منصور محمد بن فخر الدولة ابن جهير. وشيخ الطب مؤلف "المنهاج" أبو علي يحيى بن عيسى بن جزلة البغدادي.

وفقيه ما وراء النهر أبو اليسر محمد بن محمد بن حسين ابن المحدث عبد الكريم بن موسى بن مجاهد البزدوي النسفي، ويلقب بالقاضي الصدر عن نيف وسبعين سنة.

ص: 119

‌4451 - هبة الله بن عبد الرزاق

(1)

:

ابن محمد بن عبد الله بن الليث، الشيخ الجليل المعمر، أَبو الحسن الأنصاري الأوسي الأشهلي، ثم السعدي البغدادي، من ذرية سعد بن معاذ الذي اهتز العرش لموته

(2)

.

سمع جزء الحفار من صاحبه هلال بن محمد بن جعفر، وسمع من أبي الحسين بن بشران، وأبي الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي. وكان آخر أصحاب التميمي.

حدث عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وأبو البركات بن الأنماطي، وعبد الخالق اليوسفي، وعبد الرحمن بن أحمد الطوسي، ثم الموصلي، ومحمد بن عبد الله بن العباس الحراني، وآخرون، وأجاز للحافظ السلفي، وما تنبه له أن عنده "جزء الحفار".

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 107"، والعبر "3/ 332"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 397".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "3803"، ومسلم "2466"، وأحمد "3/ 296 و 349" من حديث جابر ابن عبد الله، به.

وورد من حديث أنس بن مالك: عند مسلم "2467"، وأحمد "3/ 234".

وورد من حديث أبي سعيد الخدري: عند أحمد "3/ 24".

ص: 119

قال أبو سعد السمعاني: سمعت بعض مشايخي يقول: إن الشريف هبة الله الأنصاري كان يأخذ على "جزء الحفار" دينارًا صحيحًا.

قلت: ولد سنة اثنتين وأربع مائة، ومات في الحادي والعشرين من ربيع الآخر، سنة إحدى وتسعين وأربع مائة، وكان من ذوي الهيآت، ومن قراء المواكب، صحيح السماع.

وفيها مات: طراد الزينبي، وأبو العباس أحمد بن عبد الغفار بن أشته، وأبو العباس أحمد بن إبراهيم الرازي بن الخطاب، وأبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن بشرويه، والحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، وسهل بن بشر الإسفراييني، وعبد الرزاق بن حسان بن سعيد المنيعي، وعبد الواحد بن علوان الشيباني، وأبو سعد محمد بن الحسين الحرمي بهراة، ومكي بن منصور السلار الكرجي.

ص: 120

‌4452 - ابن البَطِر

(1)

:

الشيخ المقرئ الفاضل، مسند العراق، أبو الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر البغدادي، البزاز، القارئ.

ولد سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة، وسمعه أخوه من أبي محمد عبد الله ابن عبيد الله بن البيع، وعمر بن أحمد العكبري، وأبي الحسين بن بشران، وأبي الحسن بن رزقويه، وأبي بكر المنقي، ومكي الحريري، وتفرد في زمانه، وارتحل المحدثون إليه.

حدث عنه: أبو علي بن سكرة، وأبو بكر الأنصاري، وإسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب بن الأنماطي، وسعد الخير الأندلسي، وأبو بكر بن العربي، ومحمود الزمخشري المعتزلي، وابن ناصر، وعبد الخالق اليوسفي، وابن البطي، وأحمد بن عبد الغني الباجسرائي، ومحمد بن محمد بن السكن، وخزيفة ابن الهاطرا، وعبد الواحد بن الحسين البارزي، وأحمد بن المقرب، وعبد الله بن علي الطامذي، والمبارك بن محمد البادرائي، وأبو طاهر السلفي، وشهدة، وخطيب الموصل، وخلق.

قال ابن سكرة: شيخ مستور ثقة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "9/ 133"، واللباب لابن الأثير "2/ 377"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 129"، والعبر "3/ 340"، وتبصير المنتبه "3/ ص 1002"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 402".

ص: 120

وأخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا أبو طاهر السلفي: سألت شجاعًا الذهلي عن ابن البطر، فقال: كان قريب الحال، لينًا في الرواية، فراجعته في ذلك، وقلت: ما عرفنا مما ذكرت شيئًا، وما قرئ عليه شيء يشك فيه، وسماعاته كالشمس وضوحًا، فقال: هو -لعمري- كما ذكرت، غير أني وجدت في بعض ما كان له به نسخة، سماعًا يشهد القلب ببطلانه، ولم يحمل عنه من ذلك شيء.

قال أبو المظفر في "مرآة الزمان": كان ابن البطر على دواليب البقر مشرفًا على علوفاتهم، فكتب إلى الخليفة المستظهر بالله: العبد ابن البقر المشرف على البطر، فضحك الخليفة من تغفيله.

قال السلفي: دخلت بغداد في الرابع والعشرين من شوال، فبادرت إلى ابن البطر، فدخلت عليه، وكان عسرًا، فقلت: قد وصلت من أصبهان لأجلك، فقال: اقرأ، ونطق بالراء غينًا، فقرأت متكئًا من دماميل بي، فقال: أبصر ذا الكلب! فاعتذرت بالدماميل، وبكيت من كلامه، وقرأت سبعةً وعشرين حديثًا، وقمت، ثم ترددت إليه، فقرأت عليه خمسةً وعشرين جزءًا، ولم يكن بذاك.

قال السمعاني: كان ابن البطر يسكن باب الغربة عند المشرعة مما يلي البدرية، وعمّر حتى صارت إليه الرحلة من الأطراف، وتكاثر عليه الطلبة، وكان صالحًا صدوقًا، صحيح السماع. هو آخر من حدث عن ابن البيع، وابن رزقويه، وابن بشران.

مات في سادس عشر شهر ربيع الأول، سنة أربع وتسعين وأربع مائة، وله ست وتسعون سنة.

أخبرنا بجزء فيه حديث الإفك للآجري الطواشي بلال المغيثي، قال: أخبرنا ابن رواج، أخبرنا السلفي، أخبرنا ابن البطر.

وقد روى هذا الجزء أبو الفتح بن شاتيل عن ابن البطر، وذلك وهم من بعض الطلبة، لم يدرك ابن شاتيل ذلك، والله أعلم.

ص: 121

‌4453 - البَزْدوِي

(1)

:

ويلقب بالقاضي الصدر، هو العلامة شيخ الحنفية بعد أخيه الكبير، أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين بن المحدث عبد الكريم بن موسى بن مجاهد النسفي. وبزدة: قلعة حصينة.

قال عمر بن محمد في "القند": كان أبو اليسر إمام الأئمة على الإطلاق، والموفود إليه من الآفاق، ملأ الكون بتصانيفه في الأصول والفروع، وولي قضاء سمرقند، أملى الحديث مدة.

توفي ببخارى في تاسع رجب سنة ثلاث وتسعين.

وقال ابن السمعاني: مولده سنة إحدى وعشرين.

وحدثنا عنه: عثمان بن علي البيكندي، وأحمد بن نصر البخاري، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وأبو رجاء محمد بن محمد، وآخرون.

قلت: ما سمى شيوخه.

‌4454 - ابن شَغَبَة

(2)

:

الإمام المحدث، العالم الثقة، القدوة العابد، شيخ البصرة، أبو القاسم عبد الملك بن علي بن خلف بن محمد بن النضر بن شغبة الأنصاري البصري، وجده فرد مستفاد مع شعبة.

حدث عن: القاضي أبي عمر الهاشمي، والحسن بن بشار السابوري، ويوسف بن غسان، وطائفة.

حدث عنه: أبو علي بن سكرة، وأبو نصر الغازي، وأبو نصر بن ماكولا، وجابر بن محمد، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وأبو غالب الماوردي، وآخرون.

قال السمعاني: شيخ، حافظ متقن، ثقة، مكثر، حضر ابن ماكولا مجلس إملائه.

وقال ابن سكرة: أدركته وقد ترك كل شيء، وأقبل على العبادة، صادفته يدعو ويبكي

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "2/ 189".

(2)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "5/ 64"، والعبر "3/ 305"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 371".

ص: 122

بعد الصبح، فقرأت عليه شيئًا من الحديث، رزق الشهادة في آخر عمره، وكان عنده جملة من "سنن أبي داود"، عن أبي عمر الهاشمي.

قلت: قتل في سنة أربع وثمانين وأربع مائة، وهو في عشر التسعين. لم يقع لي شيء من عواليه.

أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا محمد بن إسماعيل الطرسوسي "ح". وأنبأنا ابن أبي الخير، عن الطرسوسي، حدثنا يحيى بن عبد الوهاب الحافظ، سنة خمس وخمس مائة إملاءً، أخبرنا عبد الملك بن شغبة البصري بها، أخبرنا أحمد بن محمد بن أبي مسلم إملاءً، حدثنا أبو بكر الشافعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا زهير بن أبي زهير، حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن عبد العزيز بن عمر، عن صالح بن كيسان، عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا هؤلاء الكلمات، إذا جاء رمضان، يقول:"اللهم سلمني لرمضان، وسلم رمضان لي، وتسلمه مني متقبلًا"

(1)

. غريب، ورواه أبو زرعة الرازي عن خلف بن الوليد، وتفرد به خلف.

(1)

ضعيف: أفته أبو جعفر الرازي، فإنه ضعيف لسوء حفظه كما قال الحافظ في "التقريب".

ص: 123

‌4455 - أبو الفرج الحنبلي

(1)

:

الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الأنصاري، الشيرازي الأصل، الحراني المولد، الدمشقي المقر، الفقيه الحنبلي الواعظ، وكان يعرف في العراق بالمقدسي، من كبار أئمة الإسلام.

سمع من: أبي الحسن بن السمسار، وشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني، وعبد الرزاق بن الفضل الكلاعي، وطائفةٍ بدمشق بعد الثلاثين وأربع مائة.

وارتحل إلى بغداد، فلازم القاضي أبا يعلى بن الفراء، وتفقه به، ودرس ووعظ، وبث مذهب أحمد بأعمال بيت المقدس، وصنف التصانيف.

قال أبو الحسين بن الفراء في "طبقات الحنابلة": صحب والدي من سنة نيف وأربعين وأربع مائة، وتردد إليه سنين عديدة، ونسخ واستنسخ مصنفاته، وسافر إلى الرحبة والشام، وحصل له الأتباع والغلمان.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ ص 1199"، والعبر "3/ 312"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 378".

ص: 123

قال: وكانت له كرامات ظاهرة، ووقعات مع الأشاعرة، وظهر عليهم بالحجة في مجلس السلاطين بالشام.

قال: ويقال: إنه اجتمع بالخضر عليه السلام مرتين، وكان يتكلم في عدة أوقات على الخواطر، كما كان يتكلم ببغداد أبو الحسن بن القزويني الزاهد، وكان الملك تتش يعظمه، لأنه تم له مكاشفة معه.

إلى أن قال: وكان ناصرًا لاعتقادنا، متجردًا في نشره، وله تصانيف في الفقه والوعظ والأصول.

قلت: توفي في ذي الحجة سنة ست وثمانين وأربع مائة، ودفن بمقبرة باب الصغير، وقبره مشهور يزار، ويدعى عنده. وهو والد الإمام الرئيس شرف الإسلام عبد الوهاب بن أبي الفرج الحنبلي الدمشقي، واقف المدرسة الحنبلية التي وراء جامع دمشق بحذاء الرواحية، وكان صدرًا معظمًا يرسل عن صاحب دمشق إلى الخلافة، وتوفي سنة نيف وأربعين وخمس مائة.

وشرف الإسلام هذا هو جد الإمام المفتي شيخ الحنابلة:

ص: 124

‌4456 - ناصح الدّين

(1)

:

عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب بن الحنبلي الدمشقي الواعظ، الذي مولده في سنة أربع وخمسين وخمس مائة.

سمع ببغداد من: عبد الحق اليوسفي، وشهدة الكاتبة، وجماعة، وبأصبهان: من أبي العباس الترك، والحافظ أبي موسى، وطائفة.

ووعظ بمصر، ودرس، وصنف، وكان مدرسًا بمدرسة جده.

روى لنا عنه: ابن مؤمن، والعز بن العماد، وابن حازم، وأبو عبد الله ابن الواسطي، وابن بطيخ، والشهاب بن مسرف، وآخر من حدث عنه المعمر أبو بكر بن عبد الدائم.

مات الناصح أبو الفرج بن أبي العلاء بن الحنبلي: في ثالث المحرم، سنة أربع وثلاثين وست مائة، وله ثمانون سنة، وله أقارب وذرية علماء.

(1)

النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 297"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 164".

ص: 124

‌4457 - مَلِكْشَاه

(1)

:

السلطان الكبير جلال الدولة أبو الفتح ملكشاه ابن السلطان ألب أرسلان محمد بن جغريبك السلجوقي، التركي.

تملك بعد أبيه، ودبر دولته النظام الوزير بوصيةٍ من ألب أرسلان إليه، في سنة خمسٍ وستين، فخرج عليه عمه ملك كرمان قاروت، فالتقوا بقرب همذان، فانكسر جمعه، وأتي بعمه أسيرًا، فوبخه، فقال: أمراؤك كاتبوني، وأحضر خريطةً فيها كتبهم، فناولها لنظام الملك ليقرأها، فرماها في منقل نارٍ، ففرح الأمراء، وبذلوا الطاعة، وخنق عمه، ثم تملك من المدائن ما لم يملكه سلطان، فمن ذلك مدائن ما وراء النهر، وبلاد الهياطلة، وباب الأبواب، وبلاد الروم، والجزيرة وكثيرٌ من الشام، فتملك من كاشغر إلى القدس طولًا، ومن أطراف قسطنطينية إلى بلاد الخزر، وبحر الهند عرضًا، وكان حسن السيرة، لهجًا بالصيد واللهو، مغرًى بالعمائر، وحفر الأنهار، وتشييد القناطر، والأسوار، وعمر ببغداد جامعًا كبيرًا، وأبطل المكوس والخفارات في جميع بلاده. هكذا نقل ابن خلكان.

قال: وصنع بطريق مكة مصانع، يقال: إنه ضبط ما اصطاده بيده، فبلغ عشرة آلاف وحشٍ، فتصدق بعشرة آلاف دينارًا، وقال: إني خائفٌ من إزهاق الأرواح لغير مأكلة.

شيع مرة ركب العراق إلى العذيب، فصاد شيئًا كثيرًا، فبنى هناك منارة القرون من حوافر الوحش وقرونها، ووقف يتأمل الحجاج، فرقّ ونزل وسجد، وعفر وجهه وبكى، وقال بالعجمية: بلغوا سلامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولوا: العبد العاصي الآبق أبو الفتح يخدم ويقول: يا نبي الله، لو كنت ممن يصلح لتلك الحضرة المقدسة، كنت في الصحبة، فضج الناس وبكوا، ودعوا له.

وأمنت الطرق في دولته، وانحلت الأسعار، وتزوج الخليفة المقتدي بابنته بسفارة شيخ الشافعية أبي إسحاق، وكان عرسها في سنة ثمانين، وعملت دعوة لجيش السلطان ما سمع بمثلها أبدًا، فمما دخل فيها أربعون ألف منًّا سكرًا، فولدت له جعفرًا.

وقدم ملكشاه بغداد مرتين، وقدم إلى حلب، ولم يكن للمقتدي معه غير الاسم، ثم قدمها ثالثًا عليلًا، وكان المقتدي قد فوض العهد إلى ابنه المستظهر، فألزمه ملكشاه بعزله، وأن

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 69"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 283"، والعبر "3/ 309"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 134"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 376".

ص: 125

يولى ابن بنته جعفرًا، وأن يسلم ببغداد إليه، ويتحول إلى البصرة، فشق على المقتدي، وحار، ثم طلب المهلة عشرة أيام ليتجهز، فصام وطوى، وجلس على التراب، وتضرع إلى ربه، فقوي بالسلطان المرض، ومات في شوال سنة خمسٍ وثمانين عن تسعٍ وثلاثين سنة، فقيل: سمّ في خلالٍ تخلل به، وكان وزيره النظام قد قتل من أيام، ولم يشهد السلطان كبير أحد، ولا عمل له عزاء، ونقل تابوته إلى أصبهان، فدفن في مدرسةٍ عظيمة.

وقد تزوج المستظهر بالله بخاتون بنته الأخرى، وتنازع في الملك أولاده من بعده زمانًا، وكان آخرهم موتًا ابنه سنجر صاحب خراسان، عاش بعد أبيه أقل من سبعين سنة. وكان ملكشاه كثير الجيوش، خفيف الركاب. عبر في سنة "482" إلى ما وراء النهر، فسار إلى بخارى، وسمرقند، فتملكها، ثم سار في بلاد الترك إلى كاشغر، فأذعن صاحبها بطاعته، ونزل إلى خِدمته.

قال المؤيد في "تاريخه": كان من أحسن الناس صورةً ومعنى، خطب له من حدود الصين إلى آخر الشام، ومن مملكة الروم إلى اليمن، وقصد حلب، فافتتحها، ودانت له الدنيا.

ص: 126

‌4458 - المُعْتمِد بن عَبَّاد

(1)

:

صاحب الأندلس، المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن الملك المعتضد بالله أبي عمرو، عباد بن الظافر بالله أبي القاسم، قاضي إشبيلية، ثم ملكها، محمد بن إسماعيل بن قريش اللخمي.

قيل: هو من ذرية النعمان بن المنذر صاحب الحيرة.

حكم المعتمد على المدينتين قرطبة وإشبيلية، وأصلهم من الشام من بلد العريش، فدخل أبو الوليد إسماعيل بن قريش إلى الأندلس، ثم برع القاضي في الفقه، وولي القضاء، ثم تملك مدةً، وقام من بعده ابنه المعتضد، فساس المملكة بإشبيلية، وبايعوه بالملك في سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة.

وكان شهمًا، صارمًا، داهية، ذبح جماعةً من أعوان أبيه، وصادرهم، وعلا شأنه، ودانت له الأمم.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 21"، والعبر "3/ 321"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 157"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 386".

ص: 126

غرز خشبًا في قصره، وعممها برؤوس كبار وملوك، وكانوا يشبهونه بالمنصور العباسي، ورام ابنه إسماعيل اغتياله، فأخذه، وضرب عنقه، وعهد إلى ابنه المعتمد.

قيل: سمه طاغية الفرنج في ثوبٍ فاخر، أهداه له.

ومن جبروته وعتوه أنه أخذ مالًا لأعمى، فهج وجاور بمكة، فبلغ المعتضد أنه يدعو عليه، فندب رجلًا أعطاه جملة دنانير مطليةً بسم، فسار إلى مكة، وأوصله الذهب، فقال: يظلمني بإشبيلية، ويصلني هنا?! ثم وضع منها دينارًا في فمه كعادة الأضراء، فمات من الغد.

وهرب منه مؤذن إلى طليطلة، فبقي يدعو عليه في السحر، فنفذ من جاءه برأسه.

وقد سكر ليلةً، وخرج في الليل معه غلامٌ، وسار مخمورًا، حتى وافى قرمونه، وصاحبها إسحاق البرزال، وبينهما حروب، وكان يشرب أيضًا في جماعة، فاستأذن المعتضد، ودخل، فزاد تعجبهم، فسلم وأكل، وأل من سكره، وسقط في يده، لكنه تجلد، ثم قال: أريد أن أنام، ففرشوا له، فتناوم، فقال بعضهم: هذا كبش سمين، والله لو أنفقتم ملك الأندلس عليه ما قدرتم، فقال معاذ بن أبي قرة: كلا، رجل قصدنا، ونزل بنا مستأمنًا، لا تتحدث عنا القبائل أنا قتلنا ضيفنا، ثم انتبه وقام، فقبلوا رأسه، وقال للحاجب: أين نحن? قال: بين أهلك وإخوانك. قال: هاتوا دواة، فكتب لكل منهم بخلعة ومال وأفراس وخدم، وأخذ معه غلمانهم لقبض ذلك، وركب، فمشوا في خدمته. لكن أساء كل الإساءة؛ طلبهم بعد أشهر لوليمة، فأتاه ستون منهم، فأكرمهم، وأنزلهم حماما، وطينه عليهم سوى معاذ، وقال لمعاذ: لم ترع، حضرت آجالهم، ولولاك، لقتلوني، فإن أردت أن أقاسمك ملكي، فعلت، قال: بل أقيم عندك، وإلا بأي وجه أرجع، وقد قتلت سادات بني برزال، فصيره من كبار قواده، وكان من كبار قواد المعتمد.

وحكى عبد الواحد بن علي في "تاريخه" أن المعتضد ادّعى أنه وقع إليه المؤيد بالله هشام بن الحكم المرواني، فخطب له مدة بالخلافة، وحمله على تدبير هذه الحيلة اضطراب أهل إشبيلية عليه؛ أنفوا من بقائهم بلا خليفة، وبلغه أنهم يتطلبون أمويًا، فقال: فالمؤيد عندي، وشهد له جماعة بذلك، وأنه كالحاجب له، وأمر بالدعاء له في الجمع، ودام إلى أن نعاه للناس سنة خمس وخمسين وأربع مائة، وادعى أنه عهد إليه بالخلافة.

وهذا هذيان، والمؤيد هلك سنة نيفٍ وأربع مائة، ولو كان بقي إلى هذا الوقت، لكان ابن مائة سنة وسنة.

ص: 127

هلك المعتضد سنة أربع وستين، وأربع مائة.

وخلفه المعتمد صاحب الترجمة، فكان فارسا شجاعًا، عالمًا أديبًا، ذكيًا شاعرًا، محسنًا جوادًا ممدحًا، كبير الشأن، خيرًا من أبيه. كان أندى الملوك راحةً، وأرحبهم ساحةً، كان بابه محط الرحال، وكعبة الآمال.

قال أبو بكر محمد بن اللبانة الشاعر: ملك المعتمد من مسورات البلاد مائتي مسور، وولد له مائة وثلاثة وسبعون ولدًا، وكان لمطبخه في اليوم ثمانية قناطير لحم، وكتابه ثمانية عشر.

قال ابن خلكان: كان الأذفونش قد قوي أمره، وكانت الملوك بالأندلس يصالحونه، ويحملون إليه ضرائب، وأخذ طليطلة في سنة ثمانٍ وسبعين بعد حصارٍ شديد، من القادر بن ذي النون، فكان ذلك أول وهنٍ دخل من الفرنج على المسلمين، وكان المعتمد يؤدي إليه، فلما تمكن، لم يقبل الضريبة، وتهدده، وطلب منه أن يسلم حصونًا، فضرب الرسول، وقتل من معه، فتحرك اللعين، واجتمع العلماء، واتفقوا على أن يكاتبوا الأمير أبا يعقوب بن تاشفين صاحب مراكش لينجدهم، فعبر ابن تاشفين بجيوشه إلى الجزيرة، ثم اجتمع بالمعتمد، وأقبلت المطوعة من النواحي، وركب الأذفونش في أربعين ألف فارس، وكتب إلى ابن تاشفين يتهدده، فكتب في ظهر كتابه: الذي يكون ستراه. ثم التقى الجمعان، واصطدم الجبلان بالزلاقة من أرض بطليوس، فانهزم الكلب، واستؤصل جمعه، وقل من نجا، في رمضان سنة تسعٍ وسبعين، وجرح المعتمد في بدنه ووجهه، وشهد له بالشجاعة والإقدام، وغنم المسلمون ما لا يوصف. وغدا ابن تاشفين.

ثم عبر في العام الآتي، وتلقاه المعتمد، وحاصرا حصنًا للفرنج، وترجل ابن تاشفين، فمر بغرناطة، فأخرج إليه صاحبها ابن بلكين تقادم وهدايا، وتلقاه، فغدر به، واستولى على قصره، ورجع إلى مراكش، وقد بهره حسن الأندلس وبساتينها، وحسن له أمراؤه أخذها، ووحشوا قلبه على المعتمد.

قال عبد الواحد بن علي: غلب المعتمد على قرطبة في سنة "471"، فأخرج منها ابن عكاشة، إلى أن قال: وجال ابن تاشفين في الأندلس يتفرج، مضمرًا أشياء، معظمًا للمعتمد، ويقول: نحن أضيافه وتحت أمره، ثم قرر ابن تاشفين خلقًا من المرابطين يقيمون بالأندلس، وأحب الأندلسيون ابن تاشفين، ودعوا له، وجعل عندهم بلجين قرابته، وقرر معه أمورًا، فهاجت الفتنة بالأندلس في سنة ثلاثٍ وثمانين، وزحف المرابطون، فحاصروا حصونًا للمعتمد، وأخذوا بعضها، وقتلوا ولده المأمون في سنة أربع، فاستحكمت الإحنة،

ص: 128

وغلت مراجل الفتنة، ثم حاصروا إشبيلية أشد حصار، وظهر من بأس المعتمد وتراميه على الاستشهاد ما لم يسمع بمثله. وفي رجب سنة أربع، هجم المرابطون على البلد، وشنوا الغارات، وخرج الناس عرايا، وأسروا المعتمد.

قال عبد الواحد: برز المعتمد من قصره في غلالةٍ بلا درعٍ ولا درقةٍ، وبيده سيفه، فرماه فارس بحربة أصاب الغلالة، وضرب الفارس فتله، فولت المرابطون. ثم وقت العصر، كرت البربر، وظهروا على البلد من واديه، ورموا فيه النار، فانقطع العمل، واتسع الخرق على الراقع بقدوم سير ابن أخي السلطان، ولم يترك البربر لأهل البلد شيئًا، ونهبت قصور المعتمد، وأكره على أن كتب إلى ولديه أن يسلما الحصنين، وإلا قتلت، فدمي رهن على ذلك، وهما المعتد، والراضي، وكانا في رندة ومارتلة، فنزلا بأمان ومواثيق كاذبة، فقتلوا المعتد، وقتلوا الراضي غيلة، ومضوا بالمعتمد وآله إلى طنجة بعد أن أفقروهم، ثم سجن بأغمات عامين وزيادة، في قلة وذل، فقال:

تبدلت من ظل عز البنود

بذل الحديد وثقل القيود

وكان حديدي سنانًا ذليقا

وعضبًا رقيقًا صقيل الحديد

وقد صار ذاك وذا أدهما

يعض بساقي عض الأسود

قيل: إن بنات المعتمد أتينه في عيد، وكن يغزلن بالأجرة في أغمات، فرآهن في أطمارٍ رثةٍ، فصدعن قلبه، فقال:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا

فساءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعة

يغزلن للناس ما يملكن قطميرا

برزن نحوك للتسليم خاشعة

أبصارهن حسيرات مكاسيرا

يطأن في الطين والأقدام حافية

كأنها لم تطأ مسكًا وكافورا

وله من قصيدة:

قد رمت يوم نزالهم

أن لا تحصنني الدروع

وبرزت ليس سوى القمي

ص عن الحشا شيءٌ دفوع

أجلي تأخر لم يكن

بهواي ذلي والخشوع

ما سرت قط إلى القتا

ل وكان في أملي رجوع

ص: 129

ولابن اللبانة -ووفد بها إلى السجن:

تنشق رياحين السلام فإنما

أفض بها مسكًا عليك مختما

وقل لي مجازًا أن عدمت حقيقةً

بأنك في نعمى فقد كنت منعما

أفكر في عصرٍ مضى لك مشرقا

فيرجع ضوء الصبح عندي مظلما

وأعجب من أفق المجرة إذ رأى

كسوفك شمسًا كيف أطلع أنجما

قناةٌ سعت للطعن حتى تقصدت

وسيفٌ أطال الضرب حتى تثلما

بكى آل عبادٍ ولا كمحمدٍ

وأبنائه صوب الغمامة إذ هما

صباحهم كنا به نحمد السرى

فلما عدمناهم سرينا على عمى

وكنا رعينا العز حول حماهم

فقد أجدب المرعى وقد أقفر الحمى

وقد ألبست أيدي الليالي محلهم

مناسيج سدى الغيث فيها وألحما

قصورٌ خلت من ساكنيها فما بها

سوى الأدم يمشي حول واقفة الدمى

كأن لم يكن فيها أنيسٌ ولا التقى

بها الوفد جمعًا والخميس عرمرما

فكنت وقد فارقت ملكك مالكا

ومن ولهي أبكي عليك متمما

تضيق علي الأرض حتى كأنني

خلقت وإياها سوارًا ومعصما

وإني على رسمي مقيمٌ فإن أمت

سأجعل للباكين رسمي موسما

بكاك الحيا والريح شقت جيوبها

عليك وناح الرعد باسمك معلما

ومزق ثوب البرق واكتست الضحى

حدادًا وقامت أنجم الليل مأتما

ولا حل بدر التم بعدك دارةً

ولا أظهرت شمس الظهيرة مبسما

سينجيك من نجى من الجب يوسفا

ويؤويك من آوى المسيح ابن مريما

فلما أنشده إياها، وأراد الخروج، أعطاه تفضيلة وعشرين دينارًا، وأبياتًا يعتذر فيها. قال: فرددتها عليه لعلمي بحاله، وأنه ما ترك عنده شيئًا.

قال ابن خلكان: مولده كان في سنة إحدى وثلاثين وأربع مائة، ومات في شوال سنة ثمان وثمانين وأربع مائة. وقد سمى ابن اللبانة بني المعتمد بأسمائهم وألقابهم، فعد نحوًا من ثلاثين نفسًا، وعد له أربعًا وثلاثين بنتًا.

قلت: افتقروا بالمرة، وتعلموا صنائع، وكذلك الدهر، نسأل الله المغفرة.

ص: 130

‌4459 - ابن المُرَابِط

(1)

:

الإمام مفتي مدينة المرية وقاضيها أبو عبد الله محمد بن خلف بن سعيد بن وهب الأندلسي المريي، ابن المرابط صاحب "شرح صحيح البخاري".

أجاز له أبو عمر الطلمنكي، وأبو عمرو الداني.

وسمع من: أبي القاسم المهلب، وأبي الوليد بن ميقل، وارتحل إليه الطلبة، وأخذ عنه:

أبو عبد الله بن عيسى التميمي، وأبو علي بن سكرة، وأبو محمد بن أبي جعفر السبتي، وآخرون.

توفي في شوال، سنة خمس وثمانين وأربع مائة، وقد شاخ. من كبار المالكية.

‌4460 - الهَكَّارِي

(2)

:

الشيخ العالم الزاهد، شيخ الإسلام، أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف بن جعفر بن عرفة بن مأمون بن المؤمل بن القاسم بن الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية الأموي، السفياني، الهكاري.

وقيل: سقط من نسبه خالد بين الوليد والقاسم.

قال السمعاني: تفرد بطاعة الله في الجبال، وابتنى أربطةً ومواضع يأوي إليها الفقراء والمنقطعون، وكان كثير العبادة، حسن الزهادة، مقبولًا، وقورًا.

رحل وسمع بمصر من: أبي عبد الله بن نظيف الفراء، وببغداد من: عبد الملك بن بشران، وبالرملة من: ابن الترجمان، وبمكة من: أبي الحسن بن صخر. حدثنا عنه يحيى بن عطاف، وعبد الرحمن بن الحسن الفارسي، وحسن بن أبي علي المقرئ، وجماعة.

وقال عبد الغفار الكرجي: ما رأيت مثل شيخ الإسلام الهكاري زهدًا وفضلًا.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 557"، والعبر "3/ 308"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 375".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 79"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 345"، وميزان الاعتدال "3/ 122"، ولسان الميزان "4/ 195"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 138"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 378 - 379".

ص: 131

وقال يحيى بن منده: قدم علينا، وكان صاحب صلاة، وعبادة واجتهاد، من كبراء الصوفية.

وقال ابن عساكر: لم يكن موثقًا في روايته.

وقال ابن ناصر: مات في أول المحرم سنة ست وثمانين وأربع مائة بالهكارية، وهي جبال فوق الموصل.

قلت: عاش سبعًا وسبعين سنة، وله تواليف، وعنايةٌ بالأثر، رحمه الله.

ص: 132

‌4461 - العُمَيرِي

(1)

:

الشيخ الإمام القدوة الزاهد القانت، أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عمير بن محمد بن عمير العميري الهروي.

ولد سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة.

وأول ما سمع في سنة سبع وأربع مائة.

سمع من أباه عن أَبو العباس بن الفضل النضروي، وسمع علي بن أبي طالب الخوارزمي، وعلي بن جعفر القهندزي، وعبد الرحمن بن محمد الديناري، وضمام بن محمد الشعراني، وعدة بهراة، والقاضي أبا بكر الحيري بنيسابور، وأبا علي بن شاذان وأقرانه ببغداد، ومحمد بن الحسين الصنعاني بمكة.

قال أبو النضر الفامي: توحد العميري عن أبناء زمانه بالعلم والزهد والإتقان في الرواية، والرغبة في التحديث، والتجرد من الدنيا، والإعراض عن حطامها، والإقبال على الآخرة.

وقال أبو عبد الله الدقاق: العميري ليس له نظير بخراسان فكيف بهراة!

وقال في "رسالته": لم أر في شيوخي كالإمام المتقن الزاهد أبي عبد الله العميري.

وقال آخر: كان إمامًا في الفقه، قدوةً، واسع الرواية.

وقال السمعاني: حج ودخل اليمن، وسمع بمكة من: محمد بن الحسين الصنعاني، وسمع بنيسابور من: الحيري والصيرفي، وببغداد من: ابن شاذان، والحرفي، وابن دوست، وبهراة من: يحيى بن عمار، وأبي يعقوب القراب.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "9/ 61"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 101"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 394".

ص: 132

حدث عنه: ابن طاهر، والمؤتمن، ومحمد بن أبي علي الهمذاني، وأبو الوقت، وعلي بن حمزة، وأبو النضر الفامي، والجنيد القايني.

سألت إسماعيل التيمي عنه، فقال: إمامٌ زاهد.

وقال ابن أبي جعفر: قال لي أبو إسماعيل الأنصاري: احفظ الشيخ العميري، واكتب عنه، فإنه متقن. قاله مع ما كان بينهما من الوحشة.

مات في المحرم سنة تسع وثمانين وأربع مائة.

ص: 133

‌4462 - السَّلاَّر

(1)

:

الشيخ الجليل الرئيس المسند المعمر، سلار الكرج، أبو الحسن مكي بن منصور بن محمد بن علان الكرجي المعتمد.

ولد سنة سبع -أو تسع- وتسعين وثلاث مائة.

وسمع ببغداد من: أبي الحسين بن بشران، وأبي القاسم اللالكائي، وطائفة، وسمع بنيسابور من: القاضي أبي بكر الحيري، وأبي سعيد الصيرفي، ومحمد بن القاسم الفارسي. وطال عمره، وتفرد، وارتحل الطلبة إليه.

روى عنه: الفقيه أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي، وأبو المكارم أحمد بن محمد بن علان، وأبو بكر أحمد بن نصر ابن دلف، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وأبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي، وأبوه، والقاسم بن الفضل الصيدلاني، وأبو طاهر السلفي، ورجاء بن حامد المعداني، ومحمد بن أحمد بن ماشاذه، وآخرون.

قال شيرويه: رحلت إليه إلى الكرج، وسمعت منه ولدي، وكان لا بأس به، محمودًا بين الرؤساء، محسنًا إلى الفقراء والعلماء.

وقال ابن طاهر: رحلت بابني أبي زرعة إلى الكرج حتى سمع "مسند الشافعي" من السلار مكي، وكان قد سمعه بنيسابور، وورق له ابن هارون، وكانت أصوله صحيحةً جيدةً.

وقال أبو طاهر السلفي: كان السلار جليل القدر، نافذ الأمر، محبوبًا إلى رعيته بجود سجيته، وآخر قدمة قدمها أصبهان كنت أول من قرأ عليه، ولم يتهيأ لي أن أكثر عنه، وأدركته المنية.

وقال السمعاني: هو من رؤساء الكرج، كانت له الثروة الكثيرة، والدنيا العريضة الواسعة، والتقدم ببلده، عمر حتى صار يرحل إليه، ونقل عنه الكثير، لأنه لحق إسناده العراق وخراسان.

قال يحيى بن منده: مات بأصبهان، في سلخ جمادى الأولى، سنة إحدى وتسعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 331 - 332"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 397".

ص: 133

‌4463 - المديني:

الشيخ المسند أبو عبد الله محمدبن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب بن بهمن المديني، المقرئ.

مولده في سنة تسع وتسعين وثلاث مائة.

وسمع من: أحمد بن عبد الرحمن اليزدي في سنة تسع وأربع مائة، ومن أبي بكر بن أبي على الذكواني، وعبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله، ومحمد بن صالح العطار، وطائفة.

حدث عنه: أبو بكر محمد بن منصور السمعاني، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو طاهر السلفي، وآخرون.

قال يحيى بن منده: كان شروطيًا، ثقة، أمينا، أديبا، ورعا، قرأ كتاب "الحجة" لأبي على الفارسي علي أبي على المرزوقي، ولزمه مدة. توفي: في حادي عشر شعبان، سنة تسع وثمانين وأربع مائة.

وقال السلفي: هو أول من كتبت عنه الحديث.

‌4464 - الخَلِيلِي

(1)

:

مسند الوقت، الرئيس أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد الخليلي، البلخي، الدهقان.

ولد سنة إحدى وتسعين وثلاث مائة.

وسمع في سنة ثمان وأربع مائة "مسند الهيثم بن كليب"، و "الشمائل" من أبي القاسم الخزاعي لما قدم عليهم.

حدث عنه: أبو شجاع البسطامي، ومسعود بن محمد الغانمي، ومحمد بن إسماعيل الفضيلي، وأبو نصر اليونارتي، وآخرون.

قال السمعاني: مات في صفر، سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة، وله سنة وسنة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "5/ 170"، واللباب لابن الأثير "1/ 458"، والعبر "3/ 333"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1230"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 397 - 398".

ص: 134

‌4465 - الخِلَعِي

(1)

:

الشيخ الإمام الفقيه القدوة، مسند الديار المصرية، القاضي، أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين بن محمد الموصلي الأصل، المصري، الشافعي، الخلعي، صاحب "الفوائد العشرين" وراوي السيرة النبوية.

مولده بمصر، في أول سنة خمس وأربع مائة.

وسمع: أبا محمد عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، وأبا العباس بن الحاج، وأبا سعد أحمد بن محمد الماليني، وأبا العباس منير بن أحمد الخشاب، وإسماعيل بن رجاء الأديب، والحسن بن جعفر الكللي، وأبا عبد الله بن نظيف، والخصيب بن عبد الله القاضي، وشعيب بن عبد الله بن المنهال، وأبا النعمان تراب بن عمر، وأحمد بن الحسين العطار، وأبا خازم محمد بن الحسين، وإسماعيل بن بكران، وعبد الوهاب بن أبي الكرام، وغيرهم، وكان آخر من حدث عن جماعة كالنحاس والماليني.

حدث عنه: أبو علي الصدفي، ومحمد بن طاهر، وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم الفقيه، وسليمان بن محمد بن أبي داود الفارسي، وعلي بن محمد بن سلامة الروحاني، وعبد الكريم بن سوار التككي وعبد الحق بن أحمد البانياسي، ومحمد بن حمزة العرقي اللغوي، والقاضي أبو بكر بن العربي، وعبد الله بن رفاعة السعدي، وآخرون.

قال ابن سكرة: هو فقيه، له تصانيف، ولي القضاء، وحكم يومًا واحدًا واستعفى، وانزوى بالقرافة، وكان مسند مصر بعد الحبال.

وقال أبو بكر بن العربي: شيخ معتزل في القرافة، له علو في الرواية، وعنده فوائد، وقد حدث عنه الحميدي، وعبر عنه بالقرافي.

وقال آخر: كان يبيع الخلع لملوك مصر.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 317"، والعبر "3/ 334"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1230" والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 164"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 398".

ص: 135

وقال الحافظ إسماعيل بن الأنماطي: سمعت أبا صادق عبد الحق بن هبة الله القضاعي المحدث، سمعت العالم أبا الحسن علي بن إبراهيم بن بنت أبي سعد، يقول: كان القاضي الخلعي يحكم بين الجن، وإنهم أبطؤوا عليه قدر جمعة، ثم أتوه، وقالوا: كان في بيتك أترج، ونحن لا ندخل مكانًا يكون فيه.

قال أبو الميمون بن وردان: حدثنا أبو الفضل، حدثنا بعض المشايخ، عن أبي الفضل الجوهري الواعظ، قال: كنت أتردد إلى الخلعي، فقمت في ليلةٍ مقمرةٍ ظننت الصبح، فإذا على باب مسجده فرسٌ حسنة، فصعدت، فوجدت بين يديه شابًا لم أر أحسن منه يقرأ القرآن، فجلست أسمع إلى أن قرأ جزءًا، ثم قال للشيخ: آجرك الله. قال: نفعك الله، ثم نزل، فنزلت خلفه، فلما استوى على الفرس، طارت به، فغشي علي، والقاضي يصيح بي: اصعد يا أبا الفضل، فصعدت، فقال: هذا من مؤمني الجن، يأتي في الأسبوع مرةً يقرأ جزءًا ويمضي.

قال ابن الأنماطي: قبر الخلعي بالقرافة يعرف بقبر قاضي الجن والإنس، يعرف بإجابة الدعاء عنده.

قال: وسألت شجاعًا المدلجي وغيره عن الخلعي: النسبة إلى أي شيء? فما أخبرني أحدٌ بشيء، وسألت السديد الربعي، وكان عارفًا بأخبار المصريين، عدلًا، فقال: كان أبوه بزازًا، وكانت أمراء المصريين من أهل القصر يشترون الخلع من عنده، وكان يتصدق بثلث مكسبه.

وذكر ابن رفاعة أنه سمع من الحبال، وأنه أتى إلى الخلعي، فطرده مدةً، وكان بينهما شيءٌ، أظن من جهة الاعتقاد، فهذه الحكاية منكرة، لأن أبا إسحاق الحبال كان قد منع من التحديث قبل موته بسنوات، ويصبو ابن رفاعة عن إدراك الأخذ عنه قبل ذلك.

قال أبو الحسن علي بن أحمد العابد: سمعت الشيخ ابن بخيساه قال: كنا ندخل على القاضي أبي الحسن الخلعي في مجلسه، فنجده في الشتاء والصيف وعليه قميصٌ واحدٌ، ووجهه في غايةٍ من الحسن، لا يتغير من البرد، ولا من الحر، فسألته عن ذلك، فتغير وجهه، ودمعت عينه، ثم قال: أتكتم علي ما أقول? قلت: نعم. قال: غشيتني حمى يومًا، فنمت في تلك الليلة، فهتف بي هاتفٌ، فناداني باسمي، فقلت: لبيك داعي الله، فقال: لا، قل: لبيك ربي الله، ما تجد من الألم? فقلت: إلهي وسيدي، قد أخذت مني الحمى ما قد علمت. فقال: قد أمرتها أن تقلع عنك، فقلت: إلهي، والبرد أيضًا، قال: قد أمرت البرد أيضًا أن يقلع عنك، فلا تجد ألم البرد ولا الحر، قال: فوالله ما أحس بما أنتم فيه من الحر ولا من البرد.

ص: 136

قال هبة الله بن الأكفاني: مات الخلعي بمصر في السادس والعشرين من ذي الحجة، سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة.

أخبرنا أبو الحسن يحيى بن أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز الجذامي بالثغر، أخبرنا محمد بن عماد سنة عشرين وست مائة، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا علي بن الحسن الشافعي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن النحاس إملاءً، أخبرنا أحمد بن الحسين بن داناج الإصطخري إملاءً، سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة، حدثنا إسحاق الدبري، قال: قرأت على عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني أبو سلمة، عن أبي هريرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للشونيز:"عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيه شفاءً من كل داءٍ إلَّا السام"

(1)

يريد الموت.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "5688"، ومسلم "2215"، من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، به.

وأخرجه أحمد "2/ 241 و 261 و 268 و 423" من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة، به.

وله شاهد من حديث عائشة: عند البخاري "5687"، وأحمد "6/ 138 و 146".

ص: 137

‌4466 - السَّعيداني

الإمام المحدث المفيد أبو محمد عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي محمد بن معاوية، القرشي الأموي، العتابي، السعيداني البصري المحتسب، من ذرية عتاب بن أسيد، الذي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح على مكة.

مولده سنة تسع وأربع مائة.

وسمع في سنة ثماني عشرة من: علي بن هارون المالكي، وطلحة بن يوسف المواقيتي، والمبارك بن علي بن حمدان، وحسن بن أحمد الدباس بالبصرة.

وارتحل إلى بغداد، وسمع، وكان فاضلًا عالمًا له تخاريج.

روى عنه: جابر بن محمد الأنصاري، وأبو نصر الغازي، ومحمد بن عبد الواحد المغازلي المروزي، وأبو غالب الماوردي، وشجاعٌ الذهلي، وعدة.

أرخ ابن النجار وفاته في سنة تسع وثمانين وأربع مائة.

ص: 137

‌4467 - الفَارِقي

(1)

:

العلامة، شيخ الأدب، أبو نصر الحسن بن أسد، صاحب كتاب: الألغاز"، صدرٌ معظمٌ، ولي ديوان آمد، ثم صودر، فتحول إلى ميافارقين، فخلت من أميرٍ، فقام أبو نصر بها، وحكم، ونزل القصر، ثم خاف وهرب إلى حلب، ثم تجسر ورجع إلى حران، فأخذ وشنق بأمر نائب حران، في سنة سبع وثمانين وأربع مائة.

‌4468 - أميرُ الجيوش

(2)

:

بدر بن عبد الله الأمير الوزير، الأرمني، الجمالي، اشتراه جمال الملك بن عمار الطرابلسي، ورباه، فترقت به الأحوال إلى الملك.

ولي نيابة دمشق للمستنصر في سنة خمس وخمسين وأربع مائة، فبقي ثلاث سنين، ثم هاج أحداث دمشق وشطارها، وكانت لهم صورةٌ كبيرة، وإليهم أسوار البلد، فتسحب منها في سنة ستين، وأخرب قصره الذي كان يسكنه خارج باب الجابية، ثم مضى إلى مصر. وقيل: بل ركب البحر من صور إلى دمياط لما علم باضطراب أمور مصر، وشدة قحطها، فهجمها بغتةً، وسر بمقدمه المستنصر الإسماعيلي، وزال القطوع عنه، والذل الذي قاساه من ابن حمدان وغيره. فلوقته قتل عدة أمراء كبار في الليل، وجلس على تخت الولاية، وقرأ القارئ:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْر} [آل عمران: 123]، وردت أزمة الأمور إليه، فجهز جيشًا إلى دمشق، فلم يظفروا بها، كان قد تملكها تاج الدولة تتش أخو السلطان ملكشاه.

وهو الذي أنشأ بالإسكندرية جامع العطارين، وكان بطلًا شجاعًا مهيبًا، من رجال العالم.

مات بمصر سنة ثمانٍ وثمانين وأربع مائة، وقام بعده ابنه الملقب أيضًا بأمير الجيوش.

وقيل: عاش بدر نحوًا من ثمانين سنة، -والله يسامحه-. قصده علقمة العليمي الشاعر، فعجز عن الدخول إليه، فوقف على طريقه، وفي رأسه ريش نعام، ثم أنشد أبياتًا وقعت منه بموقع، ووقف له، ثم أمر الحاشية أن يخلعوا عليه، وأمر له بعشرة آلاف، فذهب بخلعٍ كثيرةٍ إلى الغاية، وهب منها لجماعة من الشعراء. وخلف بدرٌ أموالًا عظيمةً.

(1)

ترجمته في معجم الأدباء لياقوت الحموي "8/ 54"، والعبر "3/ 316"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 140"، وبغية الوعاة "1/ 500"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 380".

(2)

ترجمته في العبر "3/ 320"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 141"، وحسن المحاضرة للسيوطي "2/ 204"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 383".

ص: 138

‌4469 - تُتُش

(1)

:

الملك تاج الدولة تتش بن السلطان أبي شجاع ألب آرسلان بن داود بن ميكال السلجوقي أخو السلطان ملكشاه التركي.

كان شجاعًا مهيبًا جبارًا، ذا سطوة، وله فتوحاتٌ ومصافاتٌ، وتملك عدة مدائن، وخطب له ببغداد، وصار من كبار ملوك الزمان.

قدم دمشق، فخرج ليتلقاه المتغلب عليها أطسز الخوارزمي، فسلم عليه، ثم سار، وشد عليه تتش، فضرب عنقه، وأخذ البلد، وجرت له أمور وحروب مع المصريين، وتملك بضع عشرة سنة، ثم سار في سنة ثمان وثمانين وأربع مائة ليتملك بلاد العجم، فقتل في المصاف بالري، التقاه بركيا روق ابن أخيه.

وكان يتغالى في حب الشيخ أبي الفرج الحنبلي، ويحضر مجلسه، فعقد له ولخصومه في مسألة القرآن مجلسًا، فقال تتش: هذا مثل ما يقول، هذا قباء حقيقةً ليس هو بحرير، ولا قطن، ولا كتان، ولا صوف.

وكان عسوفًا للرعية، تملك دمشق بعده ابنه شمس الملوك دقاق وغيره، ثم مملوكه طغتكين، وأولاده، إلى أن تملكها العادل نور الدين السلجوقي، ثم صلاح الدين وابنه، ثم أخوه، وأهل بيته، ثم مواليهم، وإلى اليوم.

‌4470 - الحَمَوي

(2)

:

الإمام المفتي، شيخ الشافعية، قاضي القضاة، أبو بكر محمد بن المظفر بن بكران الشامي الحموي الشافعي الزاهد. ولد سنة أربع مائة، وقدم بغداد شابا.

فسمع من عثمان بن دوست العلاف، وأبي القاسم بن بشران، وطبقتهما.

حدث عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وهبة الله بن طاوس، وآخرون.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 87"، ووفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 295"، والعبر "3/ 320"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 155"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 384".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "4/ 229"، واللباب لابن الأثير "1/ 391"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 94"، والعبر "3/ 322"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 391".

ص: 139

قال السمعاني: هو أحد المتقنين للمذهب، وله اطلاعٌ على أسرار الفقه، وكان ورعًا زاهدًا، متقيًا سديد الأحكام، ولي قضاء القضاة بعد أبي عبد الله الدامغاني مدةً إلى أن تغير عليه أمير المؤمنين المقتدي، فمنع الشهود من حضور مجلسه مدةً، فان يقول: ما أنعزل ما لم يتحقق علي فسقٌ، ثم إن المقتدي رضي وخلع عليه.

وشهد عنده المشطب الفرغاني، فلم يقبله، لكونه يلبس الحرير، فقال: تردني، والسلطان ووزيره نظام الملك يلبسانه?! فقال: ولو شهدا، لما قبلتهما.

قال ابن النجار: تفقه على القاضي أبي الطيب، وحفظ تعليقه، ولم يأخذ على القضاء رزقًا، ولا غير مأكله وملبسه، وكان يسوي بين الناس، فانقلب عليه الكبراء، وكان نزهًا ورعًا على طريقة السلف له كارك يؤجره كل شهرٍ بدينارٍ ونصف، كان يقتات منه، فلما ولي القضاء، جاء إنسانٌ، فدفع إليه أربعة دنانير، فأبى، وقال: لا أغير ساكني، وقد ارتبت بك، هلا كانت الزيادة من قبل القضاء؟!.

وكان يشد في وسطه مئزرًا، ويخلع في بيته ثيابه ويجلس، وقال: ما دخلت في القضاء حتى وجب علي.

قال أبو علي الصدفي: هو ورع زاهد، وأما الفقه، فكان يقال: لو رفع مذهب الشافعي، لأمكنه أم يمليه من صدره.

علق عنه: القاضي أبو الوليد الباجي.

قال عبد الوهاب الأنماطي: كان قاضي القضاة الشامي حسن الطريقة، ما كان يتبسم في مجلس قضائه.

قلت: كان قدومه بغداد في سنة عشرين وأربع مائة، وكان من أوعية الفقه، وقد صنف "البيان في أصول الدين" ينحو فيه إلى مذهب السلف.

قال أحمد بن عبد الله الآبنوسي: كان لقاضي القضاة الشامي كيسان، أحدهما يجعل فيه عمامته، وقميصًا من القطن الحسن، فإذا خرج لبسهما، والكيس الآخر فيه فتيت يجعل منه في قصعة ويقتات منه.

وعنه قال: أعصي إن لم ألِ القضاء، وكان أبو محمد التميمي -فيما قيل- قد بذل فيه ذهبًا كثيرًا، وقيل: كانت في الشامي حدةٌ وزعارةٌ، ومناقبه جمةٌ رحمه الله.

مات في شعبان سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، وقد قارب التسعين، ودفن في تربةٍ عند أبي العباس بن سريج.

ص: 140

‌4471 - ابن مُفَوِّز

(1)

:

الإمام الحافظ الناقد المجود، أبو الحسن طاهر بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافري الشاطبي، تلميذ أبي عمر بن عبد البر، وخصيصه، أكثر عنه وجود.

وسمع أيضًا من أبي العباس بن دلهاث، وأبي الوليد الباجي، وابن شاكر الخطيب، وأبي الفتح التنكتي، وحاتم بن محمد القرطبي، وأبي مروان بن حيان، وعدة.

وكان فهمًا ذكيًا، إمامًا، من أوعية العلم، وفرسان الحديث، وأهل الإتقان والتحرير، مع الفضل والورع، والتقوى والوقار والسمت.

مولده في سنة تسع وعشرين وأربع مائة.

ومات في رابع شعبان سنة أربع وثمانين وأربع مائة.

حدث عنه أبو علي بن سكرة الصدفي وغيره، وكان أخوه عبد الله زاهد أهل الأندلس في زمانه.

‌4472 - ظاهر

(2)

:

الشيخ الحافظ البارع المفيد، أبو محمد ظاهر بن أحمد بن علي السليطي النيسابوري، ويسمى عبد الصمد أيضًا.

ولد بالري، وبها نشأ، وكتب ما لا يوصف بخطه المليح.

سمع: أبا عبيد صخر بن محمد الطوسي بالري، وعبد الكريم بن أحمد المطيري بساوة، وعبد الملك بن عبد الغفار البصري، وعدة بهمذان، وأبا علي بن المذهب، وأبا إسحاق البرمكي، والقاضي أبا الطيب، والجوهري، وعدة ببغداد.

حدث عنه: أبو الحسين بن الطيوري، وابن بدران الحلواني، ومحمد بن الحسين المزرفي، وطائفة. سكن همذان مدةً، ومات بظاهرها.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 240 - 241"، والعبر "3/ 305"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1042"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 371"، ووقع عنده [ظاهر بن منور] وهو تصحيف.

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 50"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1043"، ووقع عندهما طاهر بالطاء المهملة.

ص: 141

قال شيرويه: كان أحد من عنى بهذا الشأن، حسن العبارة، كثير الرحلة، صدوقا، جمع كثيرًا في سائر العلوم، ما رأيت -فيمن رأيت- أكثر كتبًا وسماعًا منه، عاجله الموت.

وقال يحيى بن منده: هو أحد الحفاظ، صحيح النقل، يفهم الحديث ويحفظه.

قال أبو جعفر محمد بن أبي علي الحافظ: سمعت مسعود بن ناصر السجزي يقول: أشهد أن كل كتابٍ بغدادي عند عبد الصمد السليطي كلها غارةٌ ونهبٌ من نهب نوبة البساسيري ببغداد، لا ينتفع بها دنيا ولا دينًا.

قال أبو سعيد السمعاني: مات ظاهرٌ بهمذان، في سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة.

وهو الذي انتقى لأبي محمد الجوهري بعض مجالسه.

ص: 142

‌4473 - التُّنْكُتي

(1)

:

الشيخ الجليل العالم المحدث أبو الفتح نصر بن الحسن بن القاسم، التركي، الشاشي، التنكتي. وتنكت: بلد من أعمال الشاش.

ولد سنة ست وأربع مائة.

وسمع على كبر من أبي الحسن الطفال بمصر، ومن أبي الحسين الفارسي، وابن مسرور بنيسابور، ومن الخطيب بصور، وبالإسكندرية من الحسين بن محمد المعافري، وبالأندلس من ابن دلهاث.

وجاب النواحي تاجرًا ومحدثًا، وكثرت أمواله جدًا.

روى عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وعبد الخالق اليوسفي، ونصر بن نصر العكبري، وطاهر بن مفوز.

وروى "الصحيح" بالأندلس، وكان دينًا ورعًا وقورًا رئيسًا متصدقًا.

توفي سنة ست وثمانين وأربع مائة. رحمه الله.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "3/ 88"، واللباب لابن الأثير "1/ 224 - 225"، والصلة لابن بشكوال "2/ 637"، والعبر "3/ 314".

ص: 142

‌4474 - الدَّبُوسي

(1)

:

العلامة، شيخ الشافعية، أبو القاسم علي بن أبي يعلى المظفر بن حمزة بن زيد، العلوي، الحسيني، الشافعي، الدبوسي.

ودبوسية: بلد بين بخارى وسمرقند.

كان فقيهًا بارعًا، أديبًا أصوليًا، مناظرًا، مدركًا، حسن الأخلاق، سمحًا جوادًا.

سمع من: محمد بن عبد العزيز القنطري، وأبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي، وأبي مسعود البجلي، وعدة.

وقدم بغداد لتدريس النظامية في سنة تسع وسبعين وأربع مائة، فدرّس، وأملى مجالس.

روى عنه هبة الله بن السقطي، وأبو العز القلانسي، وعبد الوهاب الأنماطي، وعبد الرحمن بن الحسن الشرافي.

قال السقطي: أبو القاسم هو إمام الشافعية، قرأ القرآن والفقه والحديث والأصول واللغة العربية، وكان فطنًا في الاجتهاد، وله التوسع في الكلام والفصاحة في الجدال والخصام، أقوم الناس بالمناظرة، وتحقيق الدروس، وكان موفقا في الفتوى.

وقال في مكان آخر: كان المشار إليه في المذهب والخلاف، ومعرفة الغريب والبلاغة، وإليه انتهت رئاسة الشافعية.

توفي: في العشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة.

قلت: لم يشخ كثيرا، وما وقع لي حديثه عاليا. رحمه الله.

‌4475 - البَرْزَبِيني

(2)

:

شيخ الحنابلة، القاضي أبو علي يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطورا العُكبري، الحنبلي، تلميذ القاضي أبي يعلى.

وكان صاحب فنون، يدري الأصول والحديث والقرآن، تفقه به خلقٌ كثير، وصنف في المذهب، وما درس عليه أحدٌ إلَّا وتميز.

تفقه به أبو حازم بن الفراء، وأجاز لغانم بن خلف، وأبي نصر الغازي.

مات في شوال، سنة ست وثمانين وأربع مائة، في عشر الثمانين.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "5/ 275"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 50"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 129".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "2/ 147"، واللباب لابن الأثير "1/ 137"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 80".

ص: 143

‌4476 - نِظَام المُلْكِ

(1)

:

الوزير الكبير، نظام الملك، قوام الدين، أبو علي الحسن بن علي ابن إسحاق الطوسي، عاقل، سائس، خبير، سعيد، متدين، محتشم، عامر المجلس بالقراء والفقهاء.

أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد، وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس، ورغب في العلم، وأدرّ على الطلبة الصلات، وأملى الحديث، وبَعُدَ صيته.

وكان أبوه من دهاقين بيهق، فنشأ وقرأ نحوًا، وتعانى الكتابة والديوان، وخدم بغزنة، وتنقلت به الأحوال إلى أن وزر للسلطان ألب آرسلان، ثم لابنه ملكشاه، فدبر ممالكه على أتم ما ينبغي، وخفف المظالم، ورفق بالرعايا، وبنى الوقوف، وهاجرت الكبار إلى جنابه، وازدادت رفعته، واستمر عشرين سنة.

سمع من القشيري، وأبي مسلم بن مهربزد، وأبي حامد الأزهري.

روى عنه علي بن طرادٍ الزينبي، ونصر بن نصر العُكبري، وجماعة.

وكان فيه خير وتقوى، وميل إلى الصالحين، وخضوع لموعظتهم، يعجبه من يبين له عيوب نفسه، فينكسر ويبكي.

مولده في سنة ثمان وأربع مائة، وقتل صائمًا في رمضان، أتاه باطني في هيئة صوفي يناوله قصة، فأخذها منه، فضربه بالسكين في فؤاده، فتلف، وقتلوا قاتله، وذلك ليلة جمعة سنة خمس وثمانين وأربع مائة، بقرب نهاوند، وكان آخر قوله: لا تقتلوا قاتلي، قد عفوت، لا إله إلَّا الله.

قال ابن خلكان: قد دخل نظام الملك على المقتدي بالله، فأجلسه، وقال له: يا حسن، رضي الله عنك، كرضى أمير المؤمنين عنك.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان "2/ 128"، والعبر "3/ 307"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 136"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 373".

ص: 144

وللنظام سيرةٌ طويلة في "تاريخ ابن النجار"، وكان شافعيًا أشعريًا.

وقيل: إن قتله كان بتدبير السلطان، فلم يمهل بعده إلَّا نحو شهر.

وكان النظام قد ختم وله إحدى عشرة، واشتغل بمذهب الشافعي، وسار إلى غزنة، فصار كاتبًا نجيبًا، إليه المنتهى في الحساب، وبرع في الإنشاء، وكان ذكيًا، لبيبًا، يقظًا، كامل السؤدد.

قيل: إنه ما جلس إلَّا على وضوء، وما توضأ إلَّا تنفل، ويصوم الاثنين والخميس، جدد عمارة خوارزم، ومشهد طوس، وعمل بيمارستانًا، نابه عليه خمسون ألف دينار، وبنى أيضًا بمرو مدرسة، وبهراة مدرسةً، وببلخ مدرسةً، وبالبصرة مدرسةً، وبأصبهان مدرسةً، وكان حليمًا رزينًا جوادًا، صاحب فتوة واحتمال ومعروف كثير إلى الغاية، ويبالغ في الخضوع للصالحين.

وقيل: كان يتصدق كل صباح بمائة دينار.

قال ابن عقيل: بهر العقول سيرة النظام جودًا وكرمًا وعدلًا، وإحياءً لمعالم الدين، كانت أيامه دولة أهل العلم، ثم ختم له بالقتل وهو مارٌّ إلى الحج في رمضان، فمات ملكًا في الدنيا، ملكًا في الآخرة، رحمه الله.

ص: 145

‌4477 - عَبْدُوس

(1)

:

ابن عبد الله بن محمد بن عبدوس الإمام الجليل المتقن، شيخ همذان، أبو الفتح الروذباري، الفارسي، ثم الهمذاني، أكبر أهل همذان، وأعلامهم إسنادا.

ولد في سنة خمسٍ وتسعين وثلاث مائة.

سمع: عم أبيه علي بن عبدوس، ومحمد بن أحمد بن حمدويه صاحب أبي العباس الأصم، وأبا طاهر الحسين بن سلمة، والحسين بن محمد بن منجويه، ومحمد بن عيسى المحتسب، ورافع بن محمد القاضي، وعدة.

وله إجازةٌ صحيحة من أبي بكر أحمد بن علي بن لال، وأبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي، وشيخ الحرم أبي الحسن بن جهضم.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 329"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 395"، ووقع عنده عبدوس بن عبيد الله وهو تصحيف.

ص: 145

روى عنه: أبو الحسين بن الطيوري، وإسماعيل بن السمرقندي، ومحمد بن بنيمان الهمذاني، وأبو زرعة المقدسي، وآخرون، وأجاز لأبي طاهر السلفي.

قال شيرويه: سمعت منه، وكان صدوقًا متقنًا فاضلًا ذا حشمة وصيتٍ، حسن الخط، حلو المنطق، كف بصره وأصم في آخر عمره، وسماع القدماء منه أصح إلى سنة نيف وثمانين، ومات في جمادى الآخرة سنة تسعين وأربع مائة، فغسلته.

قال ابن طاهر: دخلت همذان بعد رجوعي من الري بأولادي، وكنت أسمع أن "سنن النسائي" يرويه عبدوس، فقصدته، فأخرج إلي الكتاب، وفيه السماع ملحقٌ طريٌّ بخطه، فلم أقرأه، وبعد مدة خرجت بابني أبي زرعة إلى الدوني، فقرأت له الكتاب عليه.

ص: 146

‌4478 - السِّيبي

(1)

:

الإمام المقرئ المعمَّر الكبير أبو القاسم يحيى بن أحمد بن محمد بن محمد بن علي السيبي القصري.

قال لجماعة: ولدت في سنة ثمان وثمانين وثلاث مائة بقصر ابن هبيرة. وتلا على الحمامي.

وسمع: أبا الحسن أحمد بن محمد بن الصلت، وأبا الحسين بن بشران، وأبا الفضل عبد الواحد التميمي، وابن الفضل القطان.

ولو سمع في الصغر، للحق أصحاب البغوي، وكان مجودًا محققًا، قرأ بالروايات على أبي الحسن بن الحمامي، وختم عليه خلق.

قال السمعاني: رحل الناس إليه من الآفاق، وأكثروا عنه، وكان خيرًا صالحًا، ثقةً ثبتًا، روى لنا عنه: أبو بكر الأنصاري، وأبو القاسم بن السمرقندي، وأبو البركات الأنماطي، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو القاسم إسماعيل التيمي، وأبو نصر الغازي.

وقال ابن سكرة: كان صالحًا مسنًّا عفيفًا، كان يتعمم بالسواد.

قال ابن ناصر: مات في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة تسعين وأربع مائة.

وفيها مات: فقيه البصرة أبو يعلى العبدي، وأبو نصر عبد الرحمن بن محمد السمسمار الأصبهاني، وعبدوس بن عبد الله بن محمد الفارسي بهمذان، والفقيه نصر المقدسي بدمشق.

وفيها في ربيع الآخر اجتمعت الستة: الشمس، والقمر، والزهرة، والمريخ، وعطارد، والمشترى، في برج الحوت، وزعموا أنهم لم يسمعوا باجتماعهم في برج في هذه الأزمنة، ثم فسروا بأنه يكون غرق عظيم، فكانت المياه قليلة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 216"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 105"، والعبر "3/ 330"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 161"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 396" ووقع عنه [السبتي] خلافًا لجميع من ترجم له، وهو تصحيف، وما أكثر التصحيفات في شذرات الذهب. ط. دار الفكر.

ص: 146

‌4479 - تاج المُلْك

(1)

:

الوزير أبو الغنائم، مرزبان بن خسرو بن دارست.

كان كاتبًا للأمير سرهنك، فمات مخدومه، فصادره نظام الملك، وقال: عندك لمخدومك ألف ألف دينار، فقال: إذا قيل هذا عني، فما يقال فيمن خدم سلطانين ثلاثين سنة?! ولكن أنا القائم بما يطلب مني، وحمل إلى خزانة السلطان ألفي دينار، فعظم بذلك عنده، وقربه، فتألم النظام، وبقي يعظم النظام صورةً، ويحط عليه باطنًا، فلما قتل النظام، وزر هذا لملكشاه، ثم لابنه محمود، وجرت حروبٌ على الملك، فأسر مرزبان، فشد عليه غلمان النظام، فقتلوه في المحرم سنة ست، وكانت أيامه أربعة أشهر، وكان يتعبد ويصوم، رحمه الله.

‌4480 - النِّعَاليّ

(2)

:

الشيخ المعمر، مسند العراق، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة، النعالي، البغدادي، الحمامي، الحافظ، يعني يحفظ ثياب الحمام وغلته.

أسمعه جده من أبي عمر بن مهدي، وأبي سعد الماليني، وأبي الحسن محمد بن عبيد الله الحنائي، وأبي سهل محمود العكبري، وأبي القاسم بن المنذر القاضي، وهو آخر من حدث عنهم.

حدث عنه: ابن ناصر، وهبة الله بن الحسن الدقاق، ومحمد بن إسحاق بن الصابي، وعبد الله بن منصور الموصلي، وأبو الفتح بن البطي، والمبارك بن المبارك السمسار، ويحيى

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 131".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 115"، والعبر "3/ 336"، ولسان الميزان "2/ 268"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 399".

ص: 147

ابن ثابت البقال، ومحمد بن علي بن العلاف، وصالح ابن الرخلة، وأبو علي أحمد بن محمد بن الرحبي، وأحمد بن المقرب، وعبد الله الطامذي، وكمال بنت المحدث عبد الله بن السمرقندي، وتركناز بنت عبد الله بن الدامغاني، وشهدة بنت الإبري، ونفيسة البزازة، وتجني الوهبانية، وعددٌ كثير.

قال أبو علي بن سكرة: هو رجل أميٌّ، له سماع صحيحٌ عال، وكان فقيرًا عفيفًا، من بيت علمٍ، يخدم حمامًا في الكرخ، حدثنا عن أبي الحسن بن رزقويه.

قلت: ويروي أيضًا عن أبي الحسين بن بشران، وأبي الحسن الحمامي.

قال شجاع الذهلي: هو صحيح السماع، خالٍ من العلم والفهم، سمعت منه.

وقال أبو عامر العبدري: هو عامي أمي رافضي، لا يحل أن يحمل عنه حرف، ولا يدري ما يقرأ عليه.

وقال السمعاني: سألت إسماعيل الحافظ بأصبهان، فقال: هو من أولاد المحدثين، سمع الكثير، وسألت إبراهيم بن سليمان عنه، فقال: لا أحدث عنه، كان لا يعرف ما يقرأ عليه.

وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: دلنا عليه أبو الغنائم بن أبي عثمان، فمضينا إليه، فقرأت عليه جزءًا فيه اسمه، وسألته: هل عندك شيء من الأصول? فقال: كان عندي شدة بعتها لأبي الحسين بن الطيوري، ما أدري ما فيها، فمضينا إلى ابن الطيوري، فأخرجها فيها سماعه من الماليني وغيره، فقرأناها عليه.

قلت: مات الحافظ أبو عبد الله هذا في صفرٍ سنة ثلاثٍ وتسعين وأربع مائة عن أرجح من تسعين سنة، وقد روى عنه السلفي بالإجازة، ووقع لنا من عواليه جماعة أجزاء.

ص: 148

‌4481 - الذَّكواني

(1)

:

الصدوق، المكثر، أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر محمد بن أبي علي الهمذاني، الذكواني، الأصبهاني، صاحب أصول، واسع الرواية.

سمع من: ابن ميلة، وأبي بكر بن مردويه، والماليني، وجده، وعثمان البرجي، وخلق.

ولد سنة نيف وتسعين وثلاث مائة.

وتوفي في يوم عرفة، سنة أربع وثمانين وأربع مائة.

حدث عنه: خلق، منهم: عبد الجليل بن محمد كوتاه، والحافظ إسماعيل التيمي، وأبو سعد بن البغدادي، وأبو نصر الغازي، وكان صدوقًا جليلًا نبيلًا، وعنده عن محمد بن إبراهيم الجرجاني، وعثمان بن أحمد البرجي.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "6/ 15"، والعبر "3/ 304 - 305"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 371".

ص: 148

‌4482 - الوَرْكِيّ

(1)

:

الشيخ الإمام الفقيه الصالح المعمر، مسند الدنيا، أبو محمد عبد الواحد ابن عبد الرحمن بن القاسم بن إسماعيل القرشي، الزبيري، البخاري، الوركي.

قال أبو سعد السمعاني: عُمّر الوركي مائةً وثلاثين سنة، وبين كتابته للإملاء عن أبي ذرٍّ عمار بن محمد، صاحب يحيى بن صاعد، وبين موته مائة سنة وعشر سنين.

رحل الناس إليه من الأقطار.

حدث عن: أبي ذرٍّ المذكور، وإبراهيم بن محمد بن يزداد الرازي، وإسماعيل بن حسين البخاري، وإسحاق بن حمدان المهلبي، وأحمد بن محمد بن سليمان الجوري.

حدث عنه: جماعةٌ ذكرهم السمعاني، وقال: قبره بوركي على فرسخين من بخارى، زرت قبره.

قلت: حدث عنه: عثمان بن علي البيكندي، وأبو العطاء أحمد بن أبي بكر الحمامي، ومحمد بن أبي بكر بن عثمان البزدوي، وأخوه عمر الصابوني، ومحمد بن ناصر السرخسي، ومحمود بن أبي القاسم الطوسي، وآخرون.

قال السمعاني: هو فقيه إمام زاهد، مات في سنة خمسٍ وتسعين وأربع مائة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله قراءةً، أنبأنا عبد الرحيم بن عبد الكريم المروزي، أخبرنا عثمان بن علي، أخبرنا الإمام عبد الواحد بن عبد الرحمن سنة أربعٍ وتسعين وأربع مائة، حدثنا أحمد بن محمد بن سليمان الفارسي إملاءً سنة ستٍّ وثمانين وثلاث مائة، حدثنا علي بن محمد بن الزبير القرشي، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، حدثنا عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، سمع عمرو بن الحمق يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبد خيرًا عسله"، فقيل: يا رسول الله، وما عسله? قال:"فتح له عملا صالحا بين يدي موته حتى يرضي عنه من حوله"

(2)

.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 342"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 402 - 403".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 224"، والبزار "2155"، والحاكم "1/ 340"، من طرق عن زيد بن الحباب، به.

ص: 149

‌4483 - ابن خَيْرُون

(1)

:

الإمام العالم الحافظ المسند الحجة، أبو الفضل أحمد بن الحسن بن أحمد بن خيرون البغدادي المقرئ ابن الباقلاّني.

ولد سنة أربع وأربع مائة.

وأجاز له أبو الحسن محمد بن أحمد بن الصلت الأهوازي، وأبو الحسين بن المتيم، ومحمد بن أحمد بن المحاملي، وأبو الحسن بن رزقويه، وأبو الحسين بن بشران، وأبو نصر حسنون النرسي، ومحمد بن فارس الغوري، ومحمد بن عبد الله بن أبان النصيبي، وإسماعيل بن عباس، وأبو سهل محمود بن عمر العكبري، والقاضي أبو إسحاق الباقرحي، وجماعة.

وسمع من: أبي علي بن شاذان، وأبي بكر البرقاني، وعثمان بن دوست العلاف، وأبي القاسم الحُرْفي، وأحمد بن عبد الله بن المحاملي، وعبد الملك بن بشران، وأبي يعلى أحمد بن عبد الواحد، والحسن بن محمد الخلال، وخلق، وينزل إلى أصحاب المخلص، ونحوه، وتفرد بأشياء وبإجازات.

حدث عنه: شيخه؛ أبو بكر الخطيب، وأبو علي بن سكرة، وأبو عامر العبدري، وأبو القاسم بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد الطلحي الحافظ، وأبو بكر قاضي المارستان، وإسماعيل بن أبي سعد الصوفي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو الفتح بن البطي، وخلق كثير.

ذكره أبو سعد السمعاني، فقال: ثقة عدل متقن، واسع الرواية، كتب بخطه الكثير، وكان له معرفة بالحديث، سمعت أبا منصور بن خيرون يقول: كتب عمي أبو الفضل عن ابن شاذان ألف جزءٍ، وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: ما رئي مثل أبي الفضل بن خيرون،

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 87"، وميزان الاعتدال "1/ 92"، ولسان الميزان "1/ 155"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 383".

ص: 150

لو ذكرت له كتبه وأجزاءه التي سمعها، يقول لك عمن سمع، وبأي طريق سمع، وكان يذكر الشيخ وما يرويه، وما ينفرد به.

قال أبو منصور: كتبوا مرة لعمي: الحافظ، فغضب، وضرب عليه، وقال: قرأنا حتى يكتب لي الحافظ?!

قلت: وتلا بالروايات على أبي علي الواسطي، وعلي بن طلحة قرأ عليه ابن أخيه أبو منصور بن خيرون، وأبي علي بن سكرة الصدفي، وكان يقال في ذلك الزمان: هو كيحيى بن معين في زمانه، إشارة إلى تزكيته لمشايخ وقته، وتبيين جرحهم، وكان ينصف.

قال السلفي: كان يحيى بن معين وقته.

وقد تكلم فيه ابن طاهر بكلام زيف، فذكر أنه كان يلحق بخطه أشياء في "تاريخ الخطيب".

قلت: ماذا بإلحاق، بل هو حواش، وقد كان شيخه الخطيب أذن له في مثل ذلك، وخطه، فمشهور بين، لا يلتبس بغيره. مات: في رجب سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، وله أربع وثمانون سنة وشهر. ومات معه: شيخ العراق أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، وشيخ المعتزلة المفسر أبو يوسف عبد السلام القزويني، وطائفة، ذكرتهم في "التذكرة" وغيرها.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أحمد بن خيرون، أخبرنا عبد الملك ابن محمد، أخبرنا أحمد بن خزيمة، حدثنا أحمد بن عبيد الله النرسي، حدثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: سمعت عطاءً يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن لابن آدم واديًا من مال، لأحب أن يكون له إليه مثله، ولا يملأ جوف ابن آدم إلَّا التراب، والله يتوب على من تاب". قال ابن عباس: فلا أدري أمن القرآن هو أم لا؟

(1)

رواه مسلم عن زهير، عن حجاج.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 370"، والبخاري "6436" و "6437"، ومسلم "1049"، وأبو يعلى "2573"، وأبو الشيخ في "الأمثال""77"، والطبراني "11423" والبيهقي "3/ 368"، والبغوي "4090" من طرق عن ابن جريج، به.

ص: 151

‌الطبقة السادسة والعشرون:

‌4484 - ابن الخاضبِة

(1)

:

الشيخ الإمام، المحدث الحافظ، الصادق القدوة، بركة المحدثين، أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن منصور البغدادي الدقاق، عرف بابن الخاضبة.

أخبرنا المقداد بن أبي القاسم في كتابه، أخبرنا أبو البقاء النحوي ببغداد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، حدثنا محمد بن أحمد الحافظ، أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي بالله، حدثنا عبيد الله بن محمد، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة بابًا يقال له: الريان، يدخله الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، فإذا دخل آخرهم أغلق"

(2)

. أخرجه البخاري عن خالد، ومسلم عن ابن أبي شيبة، فوافقناهما.

ولد سنة نيف وثلاثين وأربع مائة. وسمع من مؤدبه أبي طالب عمر بن محمد بن الدلو في سنة ستٍّ وأربعين، قال: حدثنا عنه أبو عمر بن حيويه، فهذا أقدم شيخٍ له، وأخذ عن أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الرحيم بن أحمد البخاري الحافظ، والحافظ أبي بكر بن ثابت الخطيب، وأبي محمد ابن هزارمرد الصريفيني، وأبي الحسين بن النقور، وإمام جامع دمشق عبد الصمد بن تميم، وأبي الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي _ صادفه ببيت المقدس _ وأبي الغنائم محمد بن الغراء، وخلقٍ من طبقتهم، وبعدهم.

وقرأ للناس الكثير، هو كان مقرئ المحدثين ببغداد، وكتب، وخرج، وأفاد، وهو متوسطٌ في الفن، مع ديانة متينة، وتعبد وفصاحة، وحسن قراءة.

حدث عنه: القاضي أبو علي بن سكرة، وأبو الفضل محمد بن طاهر، وأبو الفتح بن البطي، وجماعةيسيرة، فإنه توفي قبل أن ينفق مروياته.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 101"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "17/ 226 - 230"، والعبر "3/ 325"، وميزان الاعتدال "3/ 465"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1044"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 393".

(2)

صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "3/ 5 - 6"، والبخاري "1896" و "3257"، ومسلم "1152"، والترمذي "765"، والنسائي "4/ 168"، وابن ماجه "1640"، وابن خزيمة "1902"، والبيهقي "4/ 305"، والبغوي "1708"، من طرق عن أبي حازم، به.

ص: 152

قال أبو علي الصدفي: كان أبو بكر محبوبًا إلى الناس كلهم، فاضلا، حسن الذكر، ما رأيت مثله على طريقته، وكان لا يأتيه مستعير كتابًا إلَّا أعطاه أو دله عليه.

وسمعت أبا الوفاء بن عقيل الحنبلي الإمام يقول-: وذكر شدة إصابته بمطالبة طولب بها، وأنه كانت له عند ذلك خلوات يدعو ربه فيها ويناجيه، فقرأ علي مناجاته يقول-: ولئن قلت لي يا ربّ: هل واليت فيَّ وليًا? أقول: نعم يا ربّ، أبو بكر بن الخاضبة، ولئن قلت لي: هل عاديت فيّ عدوًا? فأقول: نعم يا ربّ. ولم يسمه. قال: فأخبرت ابن الخاضبة بقوله، فقال: اغترّ الشيخ.

قال أبو سعد السمعاني: نسخ ابن الخاضبة "صحيح مسلم" بالأجرة سبع مرات.

قال محمد بن طاهر: ما كان في الدنيا أحد أحسن قراءة للحديث من ابن الخاضبة في وقته، لو سمع إنسانٌ بقراءته يومين، لما ملّ.

قال السلفي: سألت أبا الكرم خميسًا الحوزي عن ابن الخاضبة، فقال: كان علامةً في الأدب، قدوةً في الحديث، جيد اللسان، جامعًا لخلال الخير، ما رأيت ببغداد من أهلها أحسن قراءةً للحديث منه، ولا أعرف بما يقوله.

قال ابن النجار: كان ابن الخاضبة ورعًا تقيًّا، زاهدًا ثقة، محبوبًا إلى الناس، روى اليسير.

وقال علي بن محمد الفصيحي: ما رأيت في أصحاب الحديث أقوم باللغة من ابن الخاضبة.

قال السلفي: وسألت أبا عامر العبدري عن ابن الخاضبة، فقال: كان خير موجودٍ في وقته، وكان لا يحفظ، إنما يعول على الكتب.

ابن طاهر: سمعت ابن الخاضبة، وكنت ذكرت له أن بعض الهاشميين حدثني بأصبهان أن أبا الحسين بن المهتدي بالله يرى الاعتزال، فقال: لا أدري، لكن أحكي لك: لما كان سنة الغرق، وقعت داري على قماشي وكتبي، ولم يكن لي شيء، وعندي الأم، والزوجة والبنات، فكنت أنسخ، وأنفق عليهن، فأعرف أنني كتبت "صحيح مسلم" في تلك السنة سبع مراتٍ، فلما كان في ليلةٍ من الليالي، رأيت القيامة قد قامت، ومنادٍ ينادي: أين ابن الخاضبة? فأحضرت، فقيل لي: ادخل الجنة، فلما دخلت الباب، وصرت من داخل، استلقيت على قفاي، ووضعت إحدى رجلي على الأخرى، وقلت: استرحت -والله- من

ص: 153

النسخ، فرفعت رأسي، فإذا ببغلة في يد غلامٍ، فقلت: لمن هذه? قال: للشريف أبي الحسين بن الغريق، فلما أصبحت، نعي لنا الشريف، رحمه الله.

أبو القاسم بن عساكر: سمعت أبا الفضل محمد بن محمد بن عطاف، يحكي أنه طلع في بعض أولاد الرؤساء ببغداد إصبع زائدة، فاشتد ألمه له، فدخل عليه ابن الخاضبة، فمسح عليها، وقال: أمرها يسير، فلما كان الليل نام وانتبه، فوجدها قد سقطت، أو كما قال.

قال ابن عساكر: سمع ابن الخاضبة بالقدس من عبد الرحيم البخاري، وأحمد بن علي الدينوري، وكتب الكثير، وكان مفيد بغداد في وقته، وكان صالحًا متواضعًا.

مات ابن الخاضبة في ثاني ربيع الأول، سنة تسع وثمانين وأربع مائة. وكانت جنازته مشهودة، وختم على قبره عدة ختمات.

أخبرنا القاسم بن محمد الحافظ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقرئ، أخبرنا عبد اللطيف الطبري، أخبرنامحمد بن البطي، أخبرنا محمد بن أحمد بن عبد الباقي، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، حدثنا ابن أبي الفوارس، حدثنا الحسين بن أحمد الهروي الصفار، قال: كنت عند الشبلي، فسأله بعض المتصوفة: الرجل يسمع قولا لا يفهمه، فيتواجد عليه، فأنشأ يقول:

ربَّ ورقاء هتوفٍ في الضحى

ذات شجو صدحت في فنن

فبكائي ربما أرّقها

وبكاها ربما أرّقني

ولقد أشكو فما أفهمها

ولقد تشكو فما تفهمني

غير أني بالجوى أعرفها

وهي أيضًا بالجوى تعرفني

وفيها مات أبو طاهر أحمد بن الحسن الباقلاّني، والمقرئ أحمد بن عمر بن الأشعث، وأبو عبد الله الحسين بن محمد بن السراج، والمحدث عبد الله بن يوسف الجرجاني، والمحدث عبد المحسن بن محمد الشيحي، وأبو مروان عبد الملك بن سراج لغوي زمانه بالأندلس، ومسند الوقت القاسم بن الفضل الثقفي، وأبو عبد الله محمد بن علي العميري الزاهد، وأبو المظفر منصور بن محمد السمعاني.

ص: 154

‌4485 - أبو المظفَّر السَّمْعَاني

(1)

:

الإمام العلامة، مفتي خراسان، شيخ الشافعية، أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد التميمي، السمعاني، المروزي، الحنفي كان، ثم الشافعي.

ولد سنة ستٍّ وعشرين وأربع مائة.

وسمع: أبا غانم أحمد بن علي الكُراعي، وأبا بكر بن عبد الصمد الترابي، وطائفة بمرو، وعبد الصمد بن المأمون، وطبقته ببغداد، وأبا صالحٍ المؤذن، ونحوه بنيسابور، وأبا علي الشافعي، وأبا القاسم الزنجاني بمكة، وأكبر شيخٍ له الكراعي، وبرع في مذهب أبي حنيفة على والده العلامة أبي منصور السمعاني، وبرز على الأقران.

روى عنه: أولاده، وعمر بن محمد السرخسي، وأبو نصر محمد بن محمد الفاشاني، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو نصر الغازي، وأبو سعد بن البغدادي، وخلقٌ كثير.

حج على البرية أيام انقطع الركب، فأخذ هو وجماعةٌ، فصبر إلى أن خلصه الله من الأعراب، وحج وصحب الزنجاني. كان يقول: أسرونا، فكنت أرعى جمالهم، فاتفق أن أميرهم أراد أن يزوج بنته، فقالوا: نحتاج أن نرحل إلى الحضر لأجل من يعقد لنا. فقال رجل منا: هذا الذي يرعى جمالكم فقيه خراسان، فسألوني عن أشياء، فأجبتهم، وكلمتهم بالعربية، فخجلوا واعتذروا، فعقدت لهم العقد، وقلت الخطبة، ففرحوا، وسألوني أن أقبل منهم شيئًا، فامتنعت، فحملوني إلى مكة وسط العام.

قال عبد الغافر في "تاريخه": هو وحيد عصره في وقته فضلًا وطريقةً، وزهدًا وورعًا، من بيت العلم والزهد، تفقه بأبيه، وصار من فحول أهل النظر، وأخذ يطالع كتب الحديث، وحج ورجع، وترك طريقته التي ناظر عليها ثلاثين سنة، وتحول شافعيًّا، وأظهر ذلك في سنة ثمانٍ وستين، فاضطرب أهل مرو، وتشوش العوام، حتى وردت الكتب من الأمير ببلخ، في شأنه والتشديد عليه، فخرج من مرو، ورافقه ذو المجدين أبو القاسم الموسوي، وطائفة من الأصحاب وفي خدمته عدة من الفقهاء، فصار إلى طوس، وقصد نيسابور، فاستقبله الأصحاب استقبالا عظيما أيام نظام الملك، وعميد الحضرة أبي سعد، فأكرموه، وأنزل في عزٍّ

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 139"، واللباب لابن الأثير "2/ 138 - 139"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 102"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 211"، والعبر "3/ 326"، وطبقات الشافعية للسبكي "5/ 335"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 160"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 393".

ص: 155

وحشمة، وعقد له مجلس التذكير في مدرسة الشافعية، وكان بحرًا في الوعظ، حافظًا، فظهر له القبول، واستحكم أمره في مذهب الشافعي، ثم عاد إلى مرو، ودرس بها في مدرسة الشافعية، وقدمه النظام على أقرانه، وظهر له الأصحاب، وخرج إلى أصبهان، وهو في ارتقاء.

صنف كتاب "الاصطلام"، وكتاب "البرهان"، وله "الأمالي" في الحديث، تعصب لأهل الحديث والسنة والجماعة، وكان شوكًا في أعين المخالفين، وحجةً لأهل السنة.

وقال أبو سعد: صنف جدي التفسير، وفي الفقه والأصول والحديث، و "تفسيره" ثلاث مجلدات، وله "الاصطلام" الذي شاع في الأقطار، وكتاب "القواطع" في أصول الفقه، وله كتاب "الانتصار بالأثر" في الرد على المخالفين، وكتاب "المنهاج لأهل السنة"، وكتاب "القدر"، وأملى تسعين مجلسًا. سمعت من يحكي عن رفيق جدي في الحج حسين بن حسن، قال: اكترينا حمارًا، ركبه الإمام أبو المظفر إلى خرق، وبينها وبين مرو ثلاثة فراسخ، فنزلنا، وقلت: ما معنا إلَّا إبريق خزف، فلو اشترينا آخر? فأخرج خمسة دراهم، وقال: يا حسين، ليس معي إلَّا هذه، خذ واشتر، ولا تطلب بعدها مني شيئًا. قال: فخرجنا على التجريد، وفتح الله لنا.

وسمعت شهردار بن شيرويه، سمعت منصور بن أحمد، وسأله أبي، فقال: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت حنفيًا، فبدا لي، وحججت، فلما بلغت سميراء، رأيت رب العزة في المنام، فقال لي: عد إلينا يا أبا المظفر، فانتبهت، وعلمت أنه يريد مذهب الشافعي، فرجعت إليه.

وقال الحسين بن أحمد الحاجي: خرجت مع أبي المظفر إلى الحج، فكلما دخلنا بلدةً، نزل على الصوفية، وطلب الحديث، ولم يزل يقول في دعائه: اللهم بين لي الحق، فلما دخلنا مكة، نزل على أحمد بن علي بن أسد، وصحب سعدًا الزنجاني حتى صار محدثًا.

وقرأت بخط أبي جعفر الهمذاني الحافظ: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت في الطواف، فوصلت إلى الملتزم، وإذا برجل قد أخذ بردائي، فإذا الإمام سعدٌ، فتبسمت، فقال: أما ترى أين أنت?! هذا مقام الأنبياء والأولياء، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم كما سقته إلى أعز مكان، فأعطه أشرف عزٍّ في كل مكان وزمان، ثم ضحك إليّ، وقال: لا تخالفني في سرك، وارفع يديك معي إلى ربك، ولا تقولن البتة شيئًا، واجمع لي همتك حتى أدعو لك، وأمّن أنت، ولا يخالفني عهدك القديم، فبكيت، ورفعت معه يديّ، وحرك شفتيه، وأمّنت، ثم قال: مر في حفظ الله، فقد أجيب فيك صالح دعاء الأمة، فمضيت وما شيءٌ أبغض إلي من مذهب المخالفين.

ص: 156

وبخط أبي جعفر: سمعت إمام الحرمين يقول: لو كان الفقه ثوبًا طاويًا، لكان أبو المظفر السمعاني طرازه.

وقال الإمام أبو علي بن الصفار: إذا ناظرت أبا المظفر، فكأني أناظر رجلًا من أئمة التابعين، مما أرى عليه من آثار الصالحين.

قال أبو سعد: حدثنا أبو الوفاء عبد الله بن محمد، حدثنا أبوك أبو بكر يقول: سمعت أبي يقول: ما حفظت شيئًا فنسيته.

وقال أبو سعد: سمعت أبا الأسعد بن القشيري يقول: سئل جدك بحضور والدي عن أحاديث الصفات، فقال: عليكم بدين العجائز.

إلى أن قال: ولد جدي سنة "426"، وتوفي يوم الجمعة، الثالث والعشرين من ربيع الأول، سنة تسع وثمانين وأربع مائة. عاش ثلاثًا وستين سنة رحمه الله.

ص: 157

‌4486 - الحُميدي

(1)

:

الإمام القدوة الأثري، المتقن الحافظ، شيخ المحدثين، أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن يصل، الأزدي، الحميدي، الأندلسي؛ الميورقي، الفقيه الظاهري، صاحب ابن حزم وتلميذه وميورقة: جزيرة فيها بلدة حصينة تجاه شرق الأندلس، هي اليوم بأيدي النصارى.

قال: مولدي قبل سنة عشرين وأربع مائة.

لازم: أبا محمد علي بن أحمد الفقيه، فأكثر عنه، وأخذ عن أبي عمر بن عبد البر، وطائفة، ثم ارتحل، فأخذ بمصر عن: القاضي أبي عبد الله القضاعي، ومحمد بن أحمد القزويني، وأبي إسحاق الحبال، وعدة، والحافظ عبد الرحيم بن أحمد البخاري، وسمع بدمشق من: أبي القاسم الحنائي، والحافظ أبي بكر الخطيب، وعبد العزيز الكتاني، وسمع بالأندلس أيضًا من: أبي العباس أحمد بن عمر بن دلهاث، وبمكة من: المحدثة كريمة المروزية. وبمصر أيضًا من: عبد العزيز الضراب، وابن بقاء الوراق، وببغداد من: عبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وأبي محمد بن هزارمرد، وأبي جعفر بن

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "4/ 233"، واللباب لابن الأثير "1/ 392"، والصلة لابن بشكوال "2/ 560" والمنتظم لابن الجوزي "9/ 96"، والعبر "3/ 323"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1041"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 392"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 156".

ص: 157

المسلمة، وبواسط من: العلامة أبي غالب بن بشران اللغوي، وأكثر عن أصحاب أبي طاهر المخلص، ثم عن أصحاب أبي عمر بن مهدي، إلى أن كتب عن أصحاب أبي محمد الجوهري، وجمع وصنف، وعمل "الجمع بين الصحيحين"، ورتبه أحسن ترتيب.

استوطن بغداد، وأول ارتحاله في العلم كان في سنة ثمان وربعين أربع مائة.

حدث عنه: الحافظ أبو عامر العبدري، ومحمد بن طرخان التركي، ويوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد، وإسماعيل بن محمد التيمي صاحب "الترغيب والترهيب"، والقاضي محمد بن علي الجلابي، والحسين بن الحسن المقدسي، وصديق بن عثمان التبريزي، وشيخه أبو بكر الخطيب، -ومات قبله بدهر- وأبو إسحاق بن نبهان الغنوي، وأبو عبد الله الحسين بن نصر بن خميس الموصلي، وأبو القاسم إسماعيل بن السمرقندي، وأبو الفتح محمد بن البطي، والحافظ محمد بن ناصر، وآخرون، وكان من بقايا أصحاب الحديث علمًا وعملًا وعقدًا وانقيادًا، رحمة الله عليه.

قال محمد بن طرخان: سمعت أبا عبد الله الحميدي يقول: كنت أحمل للسماع على الكتف، وذلك في سنة خمس وعشرين وأربع مائة. فأول ما سمعت من الفقيه أصبغ بن رشد، وكنت أفهم ما يقرأ عليه، وكان قد تفقه على أبي محمد بن أبي زيد، وأصل أبي من قرطبة من محلة تعرف بالرَّصَّافة، فتحول وسكن جزيرة ميورقة، فولدت بها.

قال يحيى بن البناء: كان الحميدي من اجتهاده ينسخ بالليل في الحر، فكان يجلس في إجانة في ماء يتبرد به.

قال الحسين بن محمد بن خسرو: جاء أبو بكر بن ميمون، فدق الباب على الحميدي، وظن أنه أذن له، فدخل، فوجده مكشوف الفخذ، فبكى الحميدي، وقال: والله لقد نظرت إلى موضعٍ لم ينظره أحد منذ عقلت.

قال أبو نصر بن ماكولا: لم أر مثل صديقنا أبي عبد الله الحميدي في نزاهته وعفته، وورعه، وتشاغله بالعلم، صنف "تاريخ الأندلس".

وقال يحيى بن إبراهيم السلماسي: قال أبي: لم تر عيناي مثل الحميدي في فضله ونبله، وغزارة علمه، وحرصه على نشر العلم، وكان ورعًا تقيًا، إمامًا في الحديث وعلله ورواته، متحققًا بعلم التحقيق والأصول على مذهب أصحاب الحديث بموافقة الكتاب والسنة، فصيح العبارة، متبحرًا في علم الأدب والعربية والترسل.

إلى أن قال: وله كتاب جمل تاريخ الإسلام، وكتاب "الذهب المسبوك في وعظ

ص: 158

الملوك"، وكتاب "الترسل"، وكتاب "مخاطبات الأصدقاء"، وكتاب "حفظ الجار"، وكتاب "ذم النميمة"، وله شعرٌ رصين في المواعظ والأمثال.

قال السلفي: سألت أبا عامر العبدري عن الحميدي، فقال: لا يرى مثله قط، وعن مثله لا يسأل، جمع بين الفقه والحديث والأدب، ورأى علماء الأندلس، وكان حافظا.

قلت: كان الحميدي يقصد كثيرًا في رواية "كتاب الشهاب" عن مؤلفه، فقال: صيرني الشهاب شهابًا.

قال أبو علي الصدفي: كان الحميدي يدلني على الشيوخ، وكان متقللًا -من الدنيا- يمونه ابن رئيس الرؤساء، ثم جرت لي معه قصصٌ أوجبت انقطاعي عنه. وحدثني أبو بكر بن الخاضبة: أنه ما سمع الحميدي يذكر الدنيا قط.

قال محمد بن طرخان: سمعت الحميدي يقول: ثلاث كتب من علوم الحديث يجب الاهتمام بها: كتاب "العلل"، وأحسن ما وضع فيه كتاب الدارقطني.

قلت: وجمع كتاب "العلل" في عدة كتب علي بن المديني إمام الصنعة، وجمع أبو بكر الخلال ما وقع له من علل الأحاديث التي تكلم عليها الإمام أحمد، فجاء في ثلاثة مجلدات، وفيه فوائد جمة، وألف ابن أبي حاتم كتابًا في العلل، مجلد كبير.

قال: والثاني كتاب "المؤتلف والمختلف"، وأحسن ما وضع فيه "الإكمال" للأمير ابن ماكولا، وكتاب وفيات المشايخ، وليس فيه كتاب، -يريد: لم يعمل فيه كتاب عام- قال الحميدي: وقد كنت أردت أن أجمع فيه كتابًا، فقال لي الأمير: رتبه على حروف المعجم بعد أن ترتبه على السنين.

قلت: قد جمع الحافظ أبو يعقوب القراب في ذلك كتابًا ضخمًا، ولم يستوعب، ولا قارب، وجمع في ذلك أبو القاسم عبد الرحمن بن منده الأصبهاني كتابًا كبيرًا منثورًا، وعلى ما أشار به الأمير أبو نصر عملت أنا "تاريخ الإسلام"، وهو كاف في معناه -فيما أحسب-، ولم يكن عندي تواريخ كثيرة مما قد سمعت بها بالعراق، وبالمغرب وبرصد مراغة، ففاتني جملة وافرة.

قال محمد بن طرخان: فاشتغل الحميدي "بالصحيحين" إلى أن مات.

قال أبو عبد الله الحميدي في "تاريخه": أخبرنا أبو عمر بن عبد البر، أخبرنا عبد الله بن محمد الجهني بمصنف النسائي قراءة عليه، عن حمزة الكناني، عنه.

ص: 159

قال القاضي عياض: محمد بن أبي نصر الأزدي الأندلسي، سمع بميورقة من ابن حزم قديمًا، وكان يتعصب له، ويميل إلى قوله، وأصابته فيه فتنة، ولما شدد على ابن حزم، خرج الحميدي إلى المشرق.

توفي الحميدي في سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربع مائة عن بضع وستين سنة أو أكثر، وصلى عليه أبو بكر الشاشي، ودفن بمقبرة باب أبرز، ثم إنهم نقلوه بعد سنتين إلى مقبرة باب حرب، فدفن عند بشر الحافي.

قال الحافظ ابن عساكر: كان الحميدي أوصى إلى الأجلّ مظفر بن رئيس الرؤساء أن يدفنه عند بشرٍ، فخالف، فرآه بعد مدة في النوم يعاتبه، فنقله في صفر سنة إحدى وتسعين، وكان كفنه جديدًا، وبدنه طريًا يفوح منه رائحة الطيب رحمه الله ووقف كتبه.

أخبرنا أبو الفهم بن أحمد، أخبرنا أبو محمد بن قدامة، وقرأت على سنقر الزيني بحلب، أخبرنا الموفق عبد اللطيف بن يوسف قالا: أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحافظ سنة " (485) "، أخبرنا منصور بن النعمان بمصر، أخبرنا علي بن محمد بن إسحاق القاضي، حدثنا علي بن عبد الحميد الغضائري، حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، حدثنا حماد بن سلمة، وحماد بن زيد قالا: حدثنا عبد العزيز ابن صهيب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة"

(1)

رواه ابن ماجه من طريق حماد بن زيد، وهو غريب عن حماد بن سلمة، وأخرجه مسلم من طريق ابن عُلية وغيره، عن عبد العزيز.

ومن نظم الحميدي:

طريق الزّهد أفضل ما طريق

وتقوى الله تأدية الحقوق

فثق بالله يكفك واستعنه

يعنك وذر بنيات الطريق

(1)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق "7598"، وابن أبي شيبة "3/ 8"، وأحمد "3/ 99 و 299 و 258 و 281"، والبخاري "1923"، ومسلم "1095"، والترمذي "708"، وابن ماجه "1692"، وابن خزيمة "1937"، وابن الجارود "383"، والبيهقي "4/ 236" والبغوي "1728"، من طرق عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، به.

وأخرجه الطيالسي "2006" وأحمد "3/ 215 و 229 و 243"، ومسلم "1095"، والنسائي "4/ 141"، وأبو يعلى "2848"، والبيهقي "4/ 236"، والبغوي "1727" و "1728" من طريق قتادة عن أنس، به.

ص: 160

وله:

لقاء الناس ليس يفيد شيئًا

سوى الهذيان من قيلٍ وقال

فأقلل من لقاء الناس إلا

لأخذ العلم أو إصلاح حال

وله:

كتاب الله زّ وجلّ قولي

وما صحت به الآثار ديني

وما اتفق الجميع عليه بدءًا

وعودًا فهو عن حقٍّ مبين

فدع ما صدّ عن هذي وخذها

تكن منها على عين اليقين

ص: 161

‌4487 - صاحب سَمَرْقَند:

الخان أحمد، كان جبارًا مارقًا، قام عليه الأمراء، وأمسكوه، ثم عقدوا له مجلسًا، فادعوا أنه زنديق، فجحد، فأقاموا الشهود عليه بعظائم، فأفتى الفقهاء بقتله، فخنقوه، وسلطنوا بعده ابن عمه مسعودًا، سنة سبع وثمانين وأربع مائة.

‌4488 - الشَّيْبَاني

(1)

:

الشيخ المسند، أبو الفتح عبد الواحد بن علوان بن عقيل بن قيس، الشيباني، البغدادي، السقلاطوني، النصري، أخو عبد الرحمن.

سمع: أبا نصر أحمد بن محمد بن حسنون، وأبا القاسم الحرفي، وعثمان بن دوست، وأبا محمد الحسن بن رامين.

حدث عنه: قاضي المارستان، وولده عبد الباقي، وإسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وعمر بن ظفر، وأبو الكرم بن الشهرزوري، وفخر النساء شهدة، وعتيق بن صيلاء.

مولده سنة ثلاثٍ وأربع مائة.

قال شجاع الذهلي: توفي في رجب سنة إحدى وتسعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 106".

ص: 161

‌4489 - ابن الفرات

(1)

:

الشيخ أبو الفضل أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر بن الفرات الدمشقي، ينتمي إلى ابن الفرات الوزير.

ولد سنة إحدى عشرة وأربع مائة.

سمع أباه، وعبد الرحمن بن أبي نصر، ومنصور بن رامش، والعتيقي.

قال ابن عساكر: حدثنا عنه هبة الله بن طاوس، ونصر بن أحمد بن مقاتل، وعلي بن أشليها، وأحمد بن سلامة، وعبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني، وكان من الأدباء، لكنه رافضيٌّ رقيق الدين، توفي في صفر سنة أربع وتسعين وأربع مائة.

‌4490 - قسيم الدولة

(2)

:

الأمير الكبير، قسيم الدولة أبو الفتح آقسنقر التركي الحاجب، مملوك السلطان ملكشاه السلجوقي، وهو جد نور الدين الشهيد، وقيل: لا، بل هو لصيق بملكشاه، فيقال: اسم أبيه آل ترغان كان رفيع الرتبة عند السلطان، وتزوج بداية الملك إدريس بن طغان، وقدم مع السلطان حلب حين حارب أخاه تاج الدولة، ففر، وتملكها ملكشاه سنة تسعٍ وسبعين وأربع مائة، فقرر نيابتها لآقسنقر، فأحسن السياسة، وأباد الدعار، وعمرت حلب، وقصدها التجار، وأنشأ منارة جامعها، فاسمه منقوش عليها، وبنى مشهد قرنبيا، ومشهد الذكر، وصار دخل البلد في اليوم ألفًا وخمس مائة دينار.

وأما تاج الدولة، فاستولى على دمشق، فلما كان في سنة سبعٍ وثمانين، تحارب هو وآقسنقر، وعرض آقسنقر عشرين ألف فارس، والتقى الجمعان، فبرز آقسنقر بنفسه، وحمي الوطيس، ثم تفلل جمعه، وثبت آقسنقر فأسر في طائفة في فرسانه، فأمر تاج الدولة بضرب عنقه وأعناق أصحابه، وذلك في جمادى الأولى من السنة رحمه الله، ثم دفن بالمدرسة الزجاجية بحلب بعد أن دفن مدة بمشهد قرنبيا، نقله ولده الأتابك زنكي، وأنشأ عليه قبةً، ولما قتل كان ولده زنكي صبيًا، وتنقلت به الأيام، ثم صار ملكًا.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 339"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 400".

(2)

ترجمته في وفيات الأعيان "1/ 241"، والعبر "3/ 315"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 141"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 380".

ص: 162

‌4491 - ابن العَرَبِي

(1)

:

الإمام العلامة الأديب، ذو الفنون، أبو محمد عبد الله بن محمد بن العربي الإشبيلي، والد القاضي أبي بكر.

صحب ابن حزم، وأكثر عنه، ثم ارتحل بولده أبي بكر، فسمعا من طراد الزينبي، وعدة، وكان ذا بلاغةٍ ولسنٍ وإنشاء.

مات بمصر في أول سنة ثلاثٍ وتسعين وأربع مائة في عشر التسعين، فإن مولده كان في سنة خمسٍ وثلاثين وأربع مائة. ورجع ابنه إلى الأندلس.

‌4492 - الحكَّاك

(2)

:

الشيخ الإمام الحافظ المفيد أبو الفضل جعفر بن يحيى بن إبراهيم التميمي، المكي، ابن الحكاك.

سمع أبا ذرٍّ الحافظ، وأبا بكر محمد بن إبراهيم الأردستاني، وأبا الحسن بن صخر، وأبا نصر عبيد الله السجزي، وعدةً. وقدم بغداد، فانتقى على أبي الحسين بن النقور وطبقته.

قال ابن النجار: كان موصوفًا بالمعرفة والحفظ والإتقان والفقه والصدق، وكان يترسل عن أمير مكة ابن أبي هاشم إلى الخليفة وإلى الملوك، ويتولى قبض الأموال منهم، ويحمل كسوة الكعبة.

حدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وصالح بن شافع، ومحمد ابن ناصر، ويحيى بن عبد الباقي الغزال، ومحمد بن عبد الباقي بن البطي، وآخرون.

السلفي: حدثنا ابن الطيوري، سألت أبا بكر الخطيب عند قدومه من حجه: أرأيت بمكة من يقيم الحديث? قال: لا، إلَّا شابًا يقال له جعفر ابن الحكاك.

وقال المؤتمن الساجي: صحب جعفرٌ أبا ذرٍّ، وأبا نصر السجزي، وكان ذا معرفة.

وقال اليونارتي: كان ابن الحكاك من الفضلاء الأثبات.

وقال عبد الوهاب الأنماطي: ثقةٌ، مأمون.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 297".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 64"، والعبر "3/ 307"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 373".

ص: 163

وقال أبو علي الصدفي: قرأت عليه ببغداد كثيرًا، وكان يفهم الحديث جيدًا، مولده سنة ست عشرة وأربع مائة، ومات في صفر سنة خمس وثمانين وأربع مائة.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم الطائي، أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن إجازة، أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا جعفر بن يحيى، أخبرنا محمد بن علي بن محمد الأزدي بمكة، حدثنا عمر بن سيف، حدثنا محمد بن دليل، حدثنا عبد الله بن خُبيق قال: قال بشر بن الحارث: النظر في وجه الظالم غيظٌ، والأحمق سخنة العين، والبخيل قساوة القلب.

ص: 164

‌4493 - ابن سِراج

(1)

:

الشيخ الإمام المحدث اللغوي الوزير الأكمل، حجة العرب، أبو مروان عبد الملك بن قاضي الجماعة أبي القاسم سراج بن عبد الله بن محمد بن سراج الأموي، مولاهم القرطبي، إمام اللغة غير مدافعٍ.

ولد سنة أربع مائة، في ربيع الأول، قاله لأبي علي الغساني.

روى عن: أبيه، وإبراهيم بن محمد الإفليلي، ويونس بن عبد الله بن مغيث، ومكي بن أبي طالب القيسي، وأبي عمرو السفاقسي، وجماعة.

روى عنه: أبو علي بن سكرة، وأبو عبد الله بن الحاج، وابنه الحافظ أبو الحسن سراج، وطائفة.

قال ابن سكرة: هو أكثر من لقيته علمًا بالآداب، ومعاني القرآن والحديث.

وقال القاضي عياض: الوزير أبو مروان الحافظ اللغوي النحوي، إمام الأندلس في وقته في فنه، وأذكرهم للسان العرب، وأوثقهم على النقل، وكان أبوه أبو القاسم من أفضل العلماء. إلى أن قال: وأخبرني أبو الحسين الحافظ، أن مكي بن أبي طالب كان يعرض عليه بعض تواليفه، ويأخذ رأيه فيها، وإليه كانت الرحلة.

قال أبو الحسن بن مغيث: كان شيخنا أبو مروان بحر علم، عنده يسقط حفظ الحفاظ، ودونه يكون علم العلماء، فاق الناس في وقته، وكان بقية الأشراف والأعيان.

وقال أبو علي الغساني: متع بجوارحه على اعتلاء سنه، وكان متوقد الذهن، سريع الخاطر، توفي يوم عرفة سنة تسع وثمانين وأربع مائة، رحمه الله.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 363"، والعبر "3/ 325"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 110" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 392".

ص: 164

‌4494 - الوَقَّشي

(1)

:

العلامة البحر ذو الفنون أبو الوليد هشام بن أحمد بن خالد بن سعيد الكناني، الأندلسي الطليطلي. عرف بالوقشي، ووقش: قرية على بريدٍ من طليطلة.

مولده سنة ثمان وأربع مائة. أخذ عن الحافظ أبي عمر الطلمنكي، وأبي محمد بن عياش الخطيب، وأبي عمرو السفاقسي، وأبي عمر الحذاء، وجماعة.

قال صاعد: أبو الوليد أحد رجال الكمال في وقته باحتوائه على فنون المعارف، من أعلم الناس بالنحو واللغة ومعاني الشعر والبلاغة، بليغ شاعر، حافظ للسنن وأسماء الرجال، بصير باعتقادات وأصول الفقه، واقف على كثيرٍ من فتاوى الأئمة، نافذ في الفرائض والحساب والشروط وفي الهندسة، مشرف على جميع آراء الحكماء، ثاقب الذهن، مع حسن المعاشرة، ولين الكنف، وصدق اللهجة.

وقال ابن بشكوال: أخبرنا عنه أبو بحر الأسدي، وكان مختصًا به، وكان يعظمه، ويقدمه، ويصفه بالاستبحار في العلوم، وقد نسبت إليه أشياء، فالله أعلم.

وقال عياض: كان غاية في الضبط، نسابة، له تنبيهات وردود، نبه على كتاب أبي نصر الكلاباذي، وعلى "مؤتلف" الدارقطني، وعلى "الكنى" لمسلم، ولكنه اتهم بالاعتزال، وألف في القدر والقرآن، فزهدوا فيه.

توفي سنة تسع وثمانين وأربع مائة، في جمادى الآخرة.

‌4495 - الفقيه نصر

(2)

:

الشيخ الإمام العلامة القدوة المحدث، مفيد الشام، شيخ الإسلام، أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود النابلسي المقدسي الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف والأمالي.

ولد قبل سنة عشر وأربع مائة، وارتحل إلى دمشق قبل الثلاثين، فسمع "صحيح البخاري" من: أبي الحسن بن السمسار، صاحب الفقيه أبي زيد المروزي، وسمع من: عبد

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 653"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "19/ 286"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 327".

(2)

ترجمته في العبر "3/ 329"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 160"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 395".

ص: 165

الرحمن بن الطبيز، وأبي الحسن محمد بن عوف المزني، وابن سلوان المازني، وطبقتهم، وسمع من: هبة الله بن سليمان، وغيره، وبصور من: الفقيه سليم الرازي. وبغزة من: محمد بن جعفر الميماسي، سمع منه "الموطأ"، وبالقدس من أبي القاسم عمر بن أحمد الواسطي، وأبي العزائم محمد بن محمد بن الغراء البصري، وأبي الفرج عبيد الله بن محمد المراغي النحوي، وأبي بكر محمد بن الحسن البشنوي الصوفي، وعدة، وبميافارقين من أبي الطيب سلامة بن إسحاق الآمدي، وسمع أيضا من أبي علي الأهوازي المقرئ، ومن عبد الوهاب بن الحسن بن برهان الغزال، لقيه بصور، وأجاز له من مكة أبو ذر عبد بن أحمد الهروي، ومن بغداد القاضي أبو الطيب، ومن صيدا الحسن بن محمد بن أحمد بن جميع، وطائفة.

وصنف كتاب "الحجة على تارك المحجة"، وأملى مجالس خمسة، وبرع في المذهب.

تفقه على الدارمي، وعلى الفقيه سليم وغيرهما، واستوطن بيت المقدس مدةً طويلة، ثم تحول في آخر عمره، وسكن دمشق عشر سنين، وتخرج به الأصحاب.

حدث عنه: الخطيب -وهو من شيوخه- ومكي الرميلي، ومحمد ابن طاهر، وأبو القاسم النسيب، وجمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلم، والقاضي المنتجب يحيى بن علي القرشي، وأبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي، وعلي بن أحمد بن مقاتل، وحسان بن تميم، ومعالي بن الحبوبي، وأبو يعلى حمزة بن الحبوبي، وحمزة بن أحمد بن كروس، والقاضي أبو بكر بن العربي، وخلقٌ كثير.

ولحقه أبو حامد الغزالي، وتفقه به، وناظره، وكان يشغل في جامع دمشق في الزاوية الغربية الملقبة بالغزالية.

قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: قدم دمشق سنة ثمانين وأربع مائة، فأقام بها يدرس المذهب إلى أن مات، ويروي الحديث، وكان فقيهًا، إمامًا، زاهدًا، عاملًا، لم يقبل صلةً من أحد بدمشق، بل كان يقتات من غلة تحمل إليه من أرض نابلس، فيخبز له كل يوم قرصه في جانب الكانون. حكى لنا ناصر النجار _ وكان يخدمه _ من زهده وتقلله وتركه الشهوات أشياء عجيبة.

قال غيث بن علي الأرمنازي: سمعت الفقيه نصرا يقول: درست على الفقيه سليم الرازي من سنة ثمان وثلاثين وأربع مائة إلى سنة أربعين، ما فاتني منها درس، ولا وجعت إلَّا يومًا واحدًا، وعوفيت. وسألته في كم التعليقة التي صنفها? قال: في نحو ثلاث مائة جزء، ما كتبت منها حرفًا إلَّا وأنا على وضوء، أو كما قال.

ص: 166

قال: وسمعت من يحكي أن الملك تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان زار الفقيه نصرًا يومًا، فلم يقم له، ولا التفت إليه، وكذا ابنه الملك دقاق، فسأله عن أحل الأموال التي يتصرف فيها السلطان، قال: أحلها أموال الجزية، فقام من عنده، وأرسل إليه بمبلغ، وقال: هذا من الجزية، ففرقه على الأصحاب، فلم يقبله، وقال: لا حاجة بنا إليه، فلما ذهب الرسول، لامه الفقيه نصر المصيصي، وقال: قد علمت حاجتنا إليه، فقال: لا تجزع من فواته، فسوف يأتيك من الدنيا ما يكفيك فيما بعد، فكان كما تفرس فيه.

قال الحافظ ابن عساكر: كان رحمه الله على طريقةٍ واحدة من الزهد والتنزه عن الدنيا والتقشف، حكى لي بعض أهل العلم قال: صحبت إمام الحرمين بخراسان، والشيخ أبا إسحاق ببغداد، فكان طريقه عندي أفضل من طريقة إمام الحرمين، ثم قدمت الشام، فرأيت الفقيه أبا الفتح، فكانت طريقته أحسن من طريقتيهما.

قلت: كان الفقيه نصر يعرف أيضًا بابن أبي حائط، ألف كتاب "الانتخاب الدمشقي" في بضعة عشر مجلدًا، وله كتاب "التهذيب" في المذهب، في عشرة أسفار، وله كتاب "الكافي" في المذهب، ما فيه أقوال ولا وجوه، وعاش نيفًا وثمانين سنة، رحمه الله، ودفن بمقبرة باب الصغير.

قال الحافظ أبو القاسم: توفي في المحرم سنة تسعين وأربع مائة.

قلت: في جالسه غلطاتٌ، وأحاديث واهية.

قرأت على أبي المحاسن محمد بن هاشم بن عبد القاهر بن عقيل العباسي ببستانه، أخبرنا الفضل بن عقيل بن عثمان العباسي المعدل في سنة خمس وعشرين وست مائة، أخبرنا أبو الندى حسان بن تميم الزيات سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة، أخبرنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم الفقيه، أخبرنا سليم بن أيوب، أخبرنا القاضي محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق بن همام، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن حارثة بن النعمان، قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه جبريل جالس بالمقاعد، فسلمت عليه، واجتزت، فلما رجعت، وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، قال لي:"هل رأيت الذي كان معي"? قلت: نعم، قال:"فإنه جبريل، وقد رد عليك السلام"

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 433" من طريق عبد الرزاق، عن معمر، به.

ص: 167

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران بنابلس، أخبرنا أحمد بن الخضر، أخبرنا حمزة بن أحمد بن فارس، أخبرنا نصر بن إبراهيم الزاهد، حدثنا عبدوس بن عمر التنيسي، أخبرنا أبو الفتح الفرغاني، أخبرنا علي بن عبد الله الصوفي، حدثنا محمد بن الحسن المقرئ، سمعت يوسف بن الحسين، سمعت ذا النون يقول: كان العلماء يتواعظون بثلاث، ويكتب بعضهم إلى بعض: من أحسن سريرته، أحسن الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس، وما أصلح أمر آخرته، أصلح الله أمر دنياه.

حكى الفقيه نصر عن شيخه نصر أنه قبل موته بلحظة سمعه وهو يقول: يا سيدي أمهلوني، أنا مأمور وأنتم مأمورون، ثم سمعت المؤذن بالعصر، فقلت: يا سيدي المؤذن يؤذن، فقال: أجلسني، فأجلسته، فأحرم بالصلاة، ووضع يده على الأخرى وصلى، ثم توفي من ساعته، رحمه الله.

أرخ ابن عساكر وفاة الفقيه نصر في يوم عاشوراء سنة تسعين، فقال من شيعه: لم يمكنا دفنه إلى قريب المغرب، لأن الخلق حالوا بيننا وبينه، ولم نر جنازة مثلها، وأقمنا على قبره سبع ليالٍ.

قلت: وفيها مات شيخ المالكية أبو يعلى أحمد بن محمد بن الحسن العبدي البصري بن الصواف عن تسعين سنة، وله تصانيف جمة. ومسند أصبهان أبو نصر عبد الرحمن بن محمد السمسار، خاتمة من روى عن أبي عبد الله الجرجاني.

وشيخ همذان أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن محمد بن عبدوس عن خمس وتسعين سنة.

وشيخ القراء ببغداد: أبو القاسم يحيى بن أحمد السيبي، تلا على الحمامي، وعمر مائةً وسنتين.

حكى الفقيه نصر الله المصيصي، عن الفقيه نصر قال: أدركت القضاعي، ولو أردت أن أسمع منه لفعلت، ولكني تورعت لأجل أنه كان يترسل للمصريين، ثم احتجت في التخريج، فرويت عنه بالإجازة.

قال نصر الله: أول ما تفقه الفقيه نصر بالقدس، ثم سار إلى ديار بكر، ورأى الكازروني، ثم لقي سليمًا.

إلى أن قال: وكان أبوه فاميًا، وكان الفقيه ربعةً، إلَّا أنه لم يبق منه غير اللحم والعظم، وكان في القدس يعمل الدعوات لتلاميذه، وينفق عليهم شيئًا كثيرًا من وقف كان عليهم.

ص: 168

‌4496 - النَّسَفِي

(1)

:

الإمام الحافظ المحدث أبو علي الحسن بن عبد الملك بن علي بن موسى بن إسرافيل النسفي، ولد مفتي نسف القاضي أبي الفوارس.

ولد سنة أربع وأربع مائة.

وسمع الكثير من الحافظ جعفر بن محمد المستغفري، ولازمه، ومن أبي نعيم حسين بن محمد صاحب خلف الخيام، ومن معتمد بن محمد المكحولي، وعدد كثير لا أعرفهم، وروى الكثير ببخارى وسمرقند.

حدث عنه: المحدث عثمان بن علي البيكندي، وأبو ثابت الحسين ابن علي البزدوي، وأبو المعالي محمد بن نصر، وآخرون.

لحق السمعاني وابنه عبد الرحيم أصحابه.

توفي بنسف، في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة، سنة سبع وثمانين وأربع مائة.

‌4497 - الكُرْجِي

(2)

:

الشيخ الإمام المحدث الحجة، أبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن خداداد الكرجي الباقلاني البغدادي.

ولد سنة ست عشرة وأربع مائة.

وسمع من: أبي علي بن شاذان كتاب "السنن" لسعيد بن منصور، وسمع من البرقاني، وعبد الملك بن بشران، وجماعة كتبًا مطولة ينفرد بها، وهو ابن خال الحافظ أبي الفضل بن خيرون، ورفيقه في الطلب.

روى عنه: أبو علي الصدفي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وآخرون، وأجاز للسلفي.

(1)

ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "3/ 381".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 98"، والعبر "3/ 324"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1227" والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "6/ 306"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 392"، ووقع عنده، وفي المنتظم [الكرخي] بالخاء وليس بالجيم، وهو تصحيف. و [الكرج] نسبة إلى كرج وهي ناحية أذربيجان من الروم كما في "اللباب" لابن الأثير "3/ 90".

ص: 169

قال السمعاني: كان شيخًا عفيفًا زاهدًا منقطعًا إلى الله، ثقةً فهمًا، لا يظهر إلَّا يوم الجمعة. سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان أبو طاهر الباقلاني أكثر معرفةً من أبي الفضل بن خيرون، وكان زاهدًا، حسن الطريقة، ما حدث في الجامع، وكان يقول لنا: أنا بحكمكم إلَّا يوم الجمعة، فإنه للتكبير والتلاوة، وكتبوا أسماء شيوخ بغداد لنظام الملك، وألحوا على أبي طاهر، فما أجاب إلى المجيء إليه.

توفي في ربيع الآخر و تسع وثمانين وأربع مائة.

ص: 170

‌4498 - ابن أيُّوب

(1)

:

الشيخ الثقة المأمون أبو الحسن بن الحسين بن علي بن أيوب البغدادي، المراتبي، البزاز.

سمع: أبا القاسم الحرفي، وأبا علي بن شاذان، وعبد الغفار المؤدب.

حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، وعبد الوهاب الأنماطي، ومحمد بن ناصر، وأبو الفتح بن البطي، وشهدة الكاتبة، وخطيب الموصل، وآخرون.

قال أبو سعد السمعاني: كان من خيار البغداديين، ومتميزيهم، ومن بيت الصون والعفاف والثقة والنزاهة، ولد: سنة عشر وأربع مائة، ومات: يوم عرفة سنة اثنتين وأربع مائة.

قال السلفي: سألت شجاعًا عنه، فقال: كان صحيح السماع، ثقةً في روايته، سمعت منه.

وقال ابن سكرة: شيخٌ من التجار نبيلٌ بزازٌ مستور.

وقال أبو بكر بن العربي: هو ثقةٌ عدل، وأصله من الموصل.

وقال إسماعيل بن السمرقندي: سألته عن مولده، فقال: الغالب على ظني أنه سنة إحدى عشرة وأربع مائة.

وفيها توفي شيخ القراء أبو البركات بن طاوس، وأبو الحسين أحمد بن عبد القادر بن يوسف اليوسفي، ومسند بلخ أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد الخليلي، وصاحب غزنة إبراهيم بن مسعود بن فاتح الهند محمود بن سبكتكين، وشاعر وقته أبو القاسم أسعد بن علي الزوزني، وأبو تراب عبد الباقي بن يوسف المراغي الفقيه، وأبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين الخلعي، وأبو أحمد فضلان بن عثمان القيسي بأصبهان، والمحدث مكي بن عبد السلام الرميلي شهيدًا في أخذ بيت المقدس.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 111"، والعبر "3/ 334"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 398".

ص: 170

‌4499 - السَّرْخَسِي:

الشيخ العالم الفقيه المعمر، أبو العباس الفضل بن عبد الواحد بن الفضل السرخسي ثم النيسابوري الحنفي، التاجر.

سمع من: أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، وابن عبدان، وأبي سهل بن حسنويه، والقاضي أبي بكر الحيري، وصاعد بن محمد القاضي، وأبي بكر محمد بن عبويه المروزي الأنباري بمرو، وأبي سهل الكلاباذي ببخارى.

مولده في سنة أربع مائة، وقدم بغداد في سنة عشر مع أبيه للتجارة.

قال السمعاني: شيخٌ مسن معمر، حسن السيرة، ذو نعمة وثروة، حدثنا عنه عمي الحسن، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وأبو مضر الطبري، وعبد الله بن الفراوي، وناصر بن سلمان الأنصاري، وجماعة كثيرة.

قال: وقرأت بخط إسماعيل بن عبد الغافر: طلبوا من الفضل هذا ألفي دينار، وأخذوه، وضربوه، وضمنه ابن صاعد، وبقي أيامًا، ومات في جمادى الأولى، سنة أربع وتسعين وأربع مائة، وما وجدوا له شيئًا، فإن ابنه هرب وأصحابه، وكان صلبًا في مذهب أبي حنيفة.

وفيها مات أبو الفضل أحمد بن علي بن الفرات بدمشق، وكان يترفض، والمفتي سعد بن علي العجلي بهمذان، وعبد الخالق بن محمد ابن خلف المؤدب ابن الأبرص -لقي اللالكائي- وشيخ الشافعية أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد المروزي الزاز، والعلامة أبو سعيد عبد الواحد بن القشيري، وعزيزي بن عبد الملك الجيلي القاضي شيذله، ومحمد بن الحسن الراذاني الحنبلي العابد، وأبو مسعود محمد بن عبد الله بن أحمد السوذرجاني، والقاضي أبو نصر بن ودعان الموصلي، ومنصور بن بكر بن حيد، ونصر بن البطر مسند الوقت، وعلي بن أحمد بن الأخرم المؤذن.

ص: 171

‌4500 - الجَيَّاني

(1)

:

الإمام الحافظ المجود، الحجة الناقد، محدث الأندلس، أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الغساني، الأندلسي، الجياني، صاحب كتاب "تقييد المهمل".

مولده في المحرم، سنة سبع وعشرين وأربع مائة.

حدث عن: حكم بن محمد الجذامي، -وهو أعلى شيخ له-، وحاتم ابن محمد الطرابلسي، وأبي عمر بن عبد البر، وأبي عبد الله محمد بن عتاب، والمحدث أبي عمر بن الحذاء، وأبي شاكر عبد الواحد القبري، وسراج بن عبد الله القاضي، وأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، وأبي العباس أحمد بن عمر بن دلهاث، وطائفة سواهم.

ولم يرحل من الأندلس، وكان من جهابذة الحفاظ، قوي العربية، بارع اللغة، مقدمًا في الآداب والشعر والنسب. له تصانيف كثيرة في هذه الفنون، نعته بهذا وأكثر منه خلف بن عبد الملك الحافظ، وقال: أخبرنا عنه غير واحد، ووصفوه بالجلالة، والحفظ، والنباهة والتواضع، والصيانة.

قال أبو زيد السهيلي في "الروض الأنف": حدثنا أبو بكر بن طاهر، عن أبي علي الغساني، أن أبا عمر بن عبد البر قال له: أمانة الله في عنقك؛ متى عثرت على اسمٍ من أسماء الصحابة لم أذكره؛ إلَّا ألحقته في كتابي، يعني "الاستيعاب".

قال ابن بشكوال: سمعت أبا الحسن بن مغيث قال: كان أبو علي الجياني من أكمل من رأيت علما بالحديث، ومعرفةً بطرقه، وحفظا لرجاله، عانى كتب اللغة، وأكثر من رواية الأشعار، وجمع من سعة الرواية ما لم يجمعه أحد أدركناه، وصحح من الكتب ما لم يصححه غيره من الحفاظ، فكتبه حجة بالغة، جمع كتابا في رجال "الصحيحين" سماه "تقييد المهمل وتمييز المشكل"، وهو كتاب حسن مفيد، أخذه الناس عنه، قال ابن بشكوال: سمعناه على القاضي أبي عبد الله بن الحجاج عنه

لزم بيته لزمانة لحقته.

قلت: وروى عنه أيضا: محمد بن محمد بن حكم الباهلي، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم الجياني، الملقب بالبغدادي، والقاضي أبو علي بن سكرة، وأبو العلاء زهر بن عبد

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 142 - 143"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 180"، والعبر "3/ 351"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1049"، والديباج المذهب لابن فرحون المالكي "1/ 332"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 192"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 408 - 409".

ص: 172

الملك الإيادي، وعبد الله بن أحمد بن سماك الغرناطي، والحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن أبي ليلى، ويوسف بن يبقى النحوي، ومحمد بن عبد الله بن خليل القيسي مسند مراكش، فحدث عنه "بصحيح مسلم" في سنة سبعين وخمس مائة.

توفي الأستاذ الحافظ أبو علي في ليلة الجمعة، ثاني عشر شعبان سنة ثمان وتسعين وأربع مائة.

أخبرنا الحسن بن علي الأمين، أخبرنا جعفر بن منير المالكي، أخبرنا أبو محمد العثماني، أخبرنا محمد بن محمد بن حكم، أخبرنا الحافظ أبو علي الغساني، حدثنا حكم بن محمد، حدثنا أبو بكر بن إسماعيل، حدثنا أبو القاسم البغوي بمكة إملاءً، سنة عشرٍ وثلاث مائة، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما تحاب رجلان في الله إلَّا كان أفضلهما أشدهما حبًا لصاحبه"

(1)

.

هذا حديثٌ حسن الإسناد.

ومات مع: أبي علي الحافظ، مفيد بغداد أبو علي أحمد بن محمد بن أحمد البرداني عن سبعين سنة، والحافظ مفيد أصبهان أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه، ومسند خراسان أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي، وشيخ الحرم المفتي أبو عبد الله الحسين بن علي الطبري الشافعي، ومقرئ بغداد أبو المعالي ثابت بن بندار البقال، ومسند بغداد الشريف أبو الفضل محمد بن عبد السلام الأنصاري.

(1)

صحيح: أخرجه الطيالسي "2053"، والبخاري في "الأدب المفرد""544"، والبزار "3600"، وابن حبان "2509" موارد الحاكم "4/ 171" والطبراني في "الأوسط""2899"، والخطيب في "تاريخ بغداد "11/ 341"، من طرق عن مبارك بن فضالة، به.

قلت: إسناده صحيح، وقد صرح مبارك بن فضالة بالتحديث عند البخاري، وابن حبان فأمنا شر تدليسه.

ص: 173

‌4501 - الكتبي:

الإمام الحافظ، محدث هراة، الحاكم أبو عبد الله الحسين بن محمد الكتبي الهروي المؤرخ.

سمع: سعيد بن العباس القرشي، والحافظ أبا يعقوب القراب، وسالم ابن عبد الله أبا معمر وطبقتهم.

وعنه: أبو النضر الفامي، وعبد الرشيد بن ناصر، وعبد الملك بن عبد الله، ومسعود بن محمد الغانمي، وآخرون.

أثنى عليه السمعاني، وقال: له عناية تامة بالتواريخ، ويلقب بحاكم كراسة.

مات في صفر سنة ست وتسعين وأربع مائة، وله سبع وثمانون سنة.

ص: 174

‌4502 - الشِّيحِي

(1)

:

الإمام المحدث الجوال الصدوق، أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي بن أحمد بن علي بن شهدانكه الشيحي، ثم البغدادي، الفقيه، المالكي، النصري، من محلة النصرية، التاجر، السفار.

قال غيث بن علي: قال لي: ولدت في سنة إحدى وعشرين وأربع مائة، وسمعت في سنة " (427) ".

سمع: أبا بكر أحمد بن محمد بن الصقر، وأبا منصور محمد بن محمد بن السواق، وعبد العزيز بن علي الأزجي، وأبا طالب بن غيلان، وأبا محمد الخلال، وعدة، وبمصر أبا الحسن بن الطفال، وأبا القاسم الفارسي، وبدمشق أبا عبد الله محمد بن يحيى بن سلوان، وبالرحبة عبيد الله بن أحمد الرقي، وعدة، وكتب بخطه أكثر تصانيفه.

حدث عنه: الخطيب -شيخه-، وأبو السعود المجلي، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو الفتح بن عبد السلام، والفقيه سعيد بن محمد الرزاز، وابن ناصر، وابن الزاغوني، وابن البطي، وخلق.

سئل عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، فقال: شيخ جليل فاضل ثقة.

وقال أبو عامر العبدري: كان من أنبل من رأيت وأوثقه.

وقال أبو علي بن سكرة: كان فاضلًا نبيلًا كيسًا ثقة، وكان عنده أصل أبي بكر الخطيب "بتاريخ بغداد"، خصه به. قال السمعاني: هو الذي نقل الخطيب إلى العراق، فأهدى إليه "تاريخه" بخطه.

وقال البرداني: كان أمينًا سريًا متمولًا، كتب كثيرًا، مات في جمادى الأولى، سنة تسع وثمانين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 442"، واللباب لابن الأثير "2/ 220"، والعبر "3/ 324" والمنتظم لابن الجوزي "9/ 100"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1227"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 392".

ص: 174

‌4503 - الزَّاز

(1)

:

العلامة، شيخ الشافعية، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن زاز، السرخسي الشافعي، فقيه مرو، ويعرف بالزاز.

كان يضرب به المثل في حفظ المذهب، اشتهرت كتبه، وكثرت تلامذته، وقصد من النواحي.

تفقه بالقاضي حسين، وسمع الأستاذ أبا القاسم القشيري، والحسن بن علي المطوعي، وأبا المظفر محمد بن أحمد التميمي، وخلقا كثيرا، وعني بالآثار.

حدث عنه أحمد بن محمد بن إسماعيل النيسابوري، وأبو طاهر السنجي، وعمر بن أبي مطيع، وآخرون، ومات قبل محل الرواية، فقل ما خرج عنه.

صنف كتاب "الإملاء" في المذهب، وانتشر في البلاد، وكان من أئمة الدين، ثخين الورع، محتاطًا في القوت، بحيث إنه ترك أكل الرز، لأنه لا يزرعه إلَّا الجند، وكان عديم النظير في الفتوى.

توفي في ربيع الآخر، سنة أربع وتسعين وأربع مائة، عن نيف وستين سنة، رحمه الله.

‌4504 - القُومساني

(2)

:

الحافظ الإمام البارع، محدث همذان، أبو الفرج إسماعيل بن محمد بن عثمان، القومساني، ثم الهمذاني، العابد.

روى عن جده عثمان بن أحمد بن مزدين، ووالده أبي الفضل، وعمر بن جاباره، وابن غزو النهاوندي، وطبقتهم، وببغداد: أبي الحسين بن المهتدي بالله، وطبقته.

قال شيرويه: هو شيخ بلدنا، والمشار إليه بالصلاح، وكان ثقة حافظا، حسن المعرفة بالرجال والمتون، وحيد عصره في حفظ شرائع الإسلام وشعاره، توليت غسله في المحرم، سنة سبع وتسعين وأربع مائة، وعاش ثمانيًا وخمسين سنة. وذكره السلفي فيمن أجاز له، وأنه مشهور بالمعرفة التامة بالحديث.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 125 - 126"، والعبر "3/ 339"، وشذرات الذهب "3/ 400".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 140".

ص: 175

‌4505 - صاحب الهند

(1)

:

السلطان الكبير، أبو المظفر إبراهيم ابن السلطان مسعود ابن السلطان فاتح الهند ومبيد البد، محمود بن سبكتكين، صاحب غزنة.

كان إبراهيم ملكًا عادلًا، منصفًا سائسًا، شجاعا مقدامًا جوادًا، محببًا إلى الرعية، واسع الممالك، دام في السلطنة أربعين سنة، وعاش سبعين سنة.

توفي سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة.

‌4506 - العَبْدِيُّ

(2)

:

الشيخ الفقيه العلامة، شيخ المالكية، أبو يعلى أحمد بن محمد بن حسن بن علي بن زكريا، العبدي، البصري، المالكي، ويعرف بابن الصواف، مسكنه القسامل، محلة البصرة.

ولد سنة أربع مائة.

وسمع: إبراهيم بن طلحة، وعدة بالبصرة، وابن شاذان، والبرقاني ببغداد.

حدث عنه: أبو علي الصدفي، وأبو بكر عتيق النفزاوي، وجابر بن محمد البصري، وأبو أحمد البوشنجي.

تفقه بعلي بن هارون البصري، وصنف التصانيف، وتخرج به أئمة، منهم: أبو منصور بن باخي، وأبو عبد الله بن ضابح.

وسمع: منه خلق، وأملى مجالس، وكان زاهدًا عابدًا قانعًا مهيبًا.

قال جابر بن محمد: كان فريد عصره، وكان له معرفة بالحديث، وقيل: كان إمامًا في عشرة علوم، مات -رحمة الله عليه- في رمضان، سنة تسعين وأربع مائة، وقد كمل التسعين.

قال القاضي عياض: كان أبو يعلى العبدي يملي الحديث، وعلى رأسه مستمليان يسمعان الناس، سمع منه عالمٌ عظيمٌ.

وقال السمعاني: كان مدرسًا متزهدًا، خشن العيش، مجدًا في العبادة، ذا سمت ووقار.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 109"، والعبر "3/ 225"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 164".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 103"، والعبر "3/ 328"، والديباج المذهب لابن فرحون المالكي "1/ 175"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 394".

ص: 176

‌4507 - ابن الأخرم

(1)

:

الشيخ العالم الزاهد، بقية المسندين، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن أخرم المديني، ثم النيسابوري، الصندلي المؤذن.

مولده في رجب، سنة خمس وأربع مائة.

سمع: أبا عبد الرحمن السلمي، ويحيى بن إبراهيم المزكي، وأبا القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، وأبا بكر الحيري، وأبا سعيد الصيرفي، وأبا نصر أحمد بن علي الزاهد، وأبا صادق محمد بن أحمد ابن شاذان العطار، والأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني، وأبا عبد الله الحسين بن محمد بن منجويه، وأبا بكر أحمد بن علي الحافظ، وطائفة، وعقد مجلس الإملاء، وحضره الأعيان.

حدث عنه: عبد الله بن محمد الفراوي، وأبو العباس العصاري، وعمر بن الصفار، وعبد الخالق بن زاهر، والوزير سعد بن سهل الفلكي، وآخرون.

قال عبد الغافر في "تاريخه": شيخ عابد فاضل جليل، من تلامذة الإمام أبي محمد الجويني، كان يسكن المدينة الداخلة، لزم مسجده سنين، منزويًا عن الناس، قل ما يخرج، روى عنه خلق كثير، وعقد مجلس الإملاء، توفي في ثامن عشر المحرم سنة أربع وتسعين وأربع مائة، رحمه الله.

وفيها مات معه:

‌4508 - أسعد بن مسعود

(2)

:

العتبي النيسابوري، من ذرية عتبة بن غزوان الصحابي.

روى عن: الحيري، والصيرفي، وعنه عبد الله بن الفراوي، وعبد الخالق بن زاهر.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 339"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 168"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 401".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "8/ 381"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 125".

ص: 177

‌4509 - الجُرْجَاني

(1)

:

القاضي الإمام المحدث الحافظ، أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني.

ولد سنة تسع وأربع مائة.

وسمع حمزة بن يوسف السهمي، وأحمد بن محمد الخندقي، وأصحاب ابن عدي، والإسماعيلي، وبنيسابور من: أبي حفص بن مسرور، وعبد الغافر بن محمد الفارسي، وهذه الطبقة.

وجمع وصنف، وكان ذا حفظ وفهم، جمع كتابًا في مناقب الشافعي، وآخر في مناقب أحمد.

حدث عنه: ابن أخته تميم بن أبي سعيد المؤدب، والجنيد بن محمد القايني، وعلي بن حمزة الموسوي، ووجيه الشحامي، وأبو الأسعد هبة الرحمن بن القشيري، وآخرون.

عاش ثمانين عامًا.

وتوفي في ذي القعدة، سنة تسع وثمانين وأربع مائة.

ومن شيوخه أبو نعيم عبد الملك بن محمد الأستراباذي الصغير، صاحب أبي بكر الإسماعيلي، وأبو معمر المفضل بن إسماعيل الإسماعيلي.

‌4510 - الطُّرَيْثيثي

(2)

:

الإمام الزاهد المسند، شيخ الصوفية، أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين بن زكريا الطريثيثي، ثم البغدادي الصوفي، المعروف: بابن زهراء.

مولده في شوال سنة إحدى عشرة وأربع مائة، وقرأت بخط السلفي: أنه سمع أبا بكر يقول: إنه ولد في شوال، سنة اثنتي عشرة وأربع مائة.

سمع أباه، وابن الفضل القطان، وهبة الله بن الحسن اللالكائي، وأبا القاسم الحرفي، وأبا الحسن بن مخلد، وأبا علي بن شاذان، وعدة، وزعم أنه سمع من أبي الحسن بن رزقويه.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ص 1227"، وطبقات الشافعية للسبكي "5/ 94".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 138"، والعبر "3/ 346"، وميزان الاعتدال "1/ 122"، ولسان الميزان "1/ 227"، وطبقات الشافعية للسبكي "4/ 39"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 405".

ص: 178

قال السمعاني: صحيح السماع في أجزاء، لكنه أفسد سماعاته بادعاء السماع من ابن رزقويه، ولم يصح سماعه منه.

وقال شجاع الذهلي: مجمع على ضعفه.

وقال السمعاني: له قدم في التصوف، رأى المشايخ، وخدمهم، وكان حسن التلاوة، صحب أبا سعيد النيسابوري.

قلت: روى عنه أبو القاسم بن السمرقندي، وابن ناصر، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو الفتح بن البطي، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفضل الطوسي خطيب الموصل، وقد سمع منه عبد الغافر الألمعي، وهبة الله الشيرازي، وعمر الرواسي.

قال إسماعيل بن السمرقندي: دخلت على ابن زهراء وهو يقرأ عليه جزءٌ لابن رزقويه، فقلت: متى ولدت? قال: سنة اثنتي عشرة، فقلت: فابن رزقويه في هذه السنة توفي! وأخذت الجزء، وضربت على التسميع، فقام وخرج من المسجد.

وقال ابن ناصر: كان كذابًا.

وقال السلفي: هو أجل شيخ رأيته للصوفية، وأكثرهم حرمةً وهيبة عند أصحابه، لم يقرأ عليه إلَّا من أصل، وكف بصره بأَخَرة، وكتب له أبو علي الكرماني أجزاء طرية، فحدث بها اعتمادًا عليه، ولم يكن ممن يعرف طريق المحدثين ودقائقهم، وإلا فكان من الثقات الأثبات، وأصوله كالشمس وضوحًا.

وقال أبو المعمر الأنصاري: مولده في شوال سنة إحدى عشرة، وتوفي في جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وأربع مائة.

ص: 179

‌4511 - الإسْفَرَايِيني

(1)

:

الشيخ الإمام المحدث المتقن الرحال، أبو الفرج، سهل بن بشر بن أحمد بن سعيد، الإسفراييني، الصوفي، نزيل دمشق.

سمع بمصر علي بن حمصة، وعلي بن منير، وعلي بن ربيعة، ومحمد بن الحسين الطفال، وحسن بن خلف الواسطي صاحب أبي محمد ابن ماسي، وببغداد: أبا محمد الجوهري. وبدمشق: أبا عبد الله بن سلوان، ورشأ بن نظيف، وبالرملة: محمد بن الحسين

(1)

ترجمته في العبر "3/ 331"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 396".

ص: 179

ابن الترجمان. وبصور: سليم بن أيوب الرازي، وبتنيس: علي بن الحسين بن جابر. وبجرجان: محمد بن عبد الرحيم.

حدث عنه: ابناه طاهر والفضل، وجمال الإسلام علي بن المسلم، وهبة الله بن طاوس، ومحفوظ النجار، ونصر الله بن محمد المصيصي، وأبو يعلى حمزة بن علي بن الحبوبي، وعبد الرحمن بن أبي الحسن، وعدة.

قال غيث بن علي: سألت أبا بكر الحافظ عن سهل بن بشر، فقال: كيِّسٌ صدوقٌ.

قال سهل: ولدت ببسطام سنة تسع وأربع مائة.

توفي في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وأربع مائة، وكان قد تتبع "السنن الكبير" للنسائي وحصله، وسمعه بمصر.

ص: 180

‌4512 - ابن يوسف

(1)

:

الشيخ النبيل العالم الثقة الرئيس، أبو الحسين أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي.

ولد سنة إحدى عشرة وأربع مائة.

وسمع: أبا القاسم الحرفي، وعثمان بن دوست، وأبا علي بن شاذان، وعبد الملك بن بشران، وطبقتهم ببغداد، وأبا الحسن بن صخر، وأبا نصر السجزي بمكة، وأبا الحسن بن حمصة الحراني بمصر، ومحمد بن الحسين بن الترجمان بالرملة، وعدة سواهم.

حدث عنه: بنوه: عبد الله، والحافظ عبد الخالق، وعبد الواحد، ومحمد بن ناصر الحافظ، وأبو الفتح بن البطي، وشهدة الكاتبة، وعتيق بن عبد العزيز بن صيلاء، والخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد الطوسي، وخلق سواهم.

قال ابن ناصر: كان صالحًا ثقة.

وقال السمعاني: شيخ جليل ثقة خير، مرضي الطريقة، حسن السيرة، سافر الكثير، ووصل إلى المغرب.

وقال ولده عبد الخالق: حدثني أخي، قال: رأيت في النوم والدي، فقلت: يا سيدي، ما فعل الله بك? قال: غفر لي.

توفي أبو الحسين: في شعبان، سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة.

قال شجاع الذهلي: كان ثقة متحريا.

وقال أبو نصر اليونارتي في "معجمه": كان أحد الأئمة الورعين. صحب أبا الحسن القزويني مدةً، ونظر في الفقه والأدب، وكان أوحدي الطريقة، ما خرج إلينا فاستند لتواضعه، وما قام عنا إلَّا استأذن.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 109"، والعبر "3/ 333"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 397".

ص: 180

‌4513 - ابن وَدْعَان

(1)

:

الشيخ الجليل، قاضي الموصل، أبو نصر محمد بن علي بن عبيد الله بن أحمد بن صالح بن سليمان بن ودعان، الموصلي.

تردد إلى بغداد، وحدث بها في آخر أيامه.

قال: ولدت ليلة النصف من شعبان، سنة اثنتين وأربع مائة، وذكر أنه من ربيعة الفرس، وأول سماعه سنة ثمان وأربع مائة.

روى عن عمه أبي الفتح أحمد بن عبيد الله، ومحمد بن علي بن محمد بن بحشل، والحسين بن محمد بن جعفر الصيرفي، وغيرهم.

حدث عنه: إسماعيل بن محمد النيسابوري بالحجاز، ومروان بن علي الطنزي بديار بكر، وأبو المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، وأبو عبد الله بن خسرو البلخي، وأبو طاهر السلفي، ووجيه الشحامي، وآخرون.

وإنما أوردته هنا لشهرته، وقد ذكرته في "الميزان" وأنه غير ثقة، ولا مأمون.

قال ابن النجار: أخبرنا علي بن مختار، أخبرنا السلفي، أخبرنا أبو نصر بن ودعان ببغداد، أخبرنا عمي، أخبرنا نصر بن أحمد المرجئ، أخبرنا أبو يعلى التميمي، حدثنا عبد الله بن بكار، حدثنا محمد بن ثابت، حدثنا جبلة بن عطية، عن إسحاق بن عبد الله، عن كريب، عن ابن عباس قال: تضيفت ميمونة خالتي، وهي ليلتئذٍ لا تصلي، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 127"، وميزان الاعتدال "3/ 657"، ولسان الميزان "5/ 305".

ص: 181

وقد صلى العشاء الآخرة، فانتهى إلى الفراش، فأخذ خرقةً عند رأس الفراش، فاتزر بها، وخلع ثوبيه، فعلقهما، ثم دخل معها، حتى إذا كان في آخر الليل قام إلى سقاء معلق، فحله، ثم توضأ منه، فهممت أن أقوم، فأصب عليه، ثم كرهت أن يرى أني كنت مستيقظا، ثم أخذ ثوبيه، ثم قام إلى المسجد، فقام يصلي، فقمت، فتوضأت، ثم جئت، فقمت عن يساره، فتناولني بيده من ورائه، فأقامني عن يمينه، ثم جلس، وجلست إلى جنبه، فأصغى بخده إلى خدي حتى سمعت نفس النائم، ثم جاء بلال، فقال: الصلاة يا رسول الله، فقام إلى المسجد، فأخذ في الركعتين، وأخذ بلال في الإقامة.

قال السلفي: سألت شجاعا الذهلي عن ابن ودعان، فلم يجب عنه. قال السلفي: قرأت عليه "الأربعين" جمعه، ثم تبين لي حين تصفحت كتابه تخليطٌ عظيمٌ يدل إلى كذبه، وتركيبه الأسانيد على المتون.

وقال ابن ناصر: رأيته ولم أسمع منه، لأنه كان متهمًا بالكذب، وكتابه في "الأربعين" سرقه من زيد بن رفاعة، وزيد وضعه أيضًا، وكان كذابًا، ألف بين كلماتٍ قد قالها النبي صلى الله عليه وسلم، وبين كلمات من كلام لقمان والحكماء وغيرهم، وطول الأحاديث.

وقال السلفي: كان ابن ودعان خرج على كتاب زيد بن رفاعة كتابه _ بزعمه _ حين وقعت له أحاديثه عن شيوخه، فقد أخطأ، إذ لم يتبين ذلك في الخطبة، وإن جاز سوى ذلك، فأطم وأعم، إذ غير متصور لمثله مع نزارة روايته، وقلة طلبه، أن يقع له كل حديث فيه من رواية من أورده عنه.

وقال السلفي أيضا: بلغنا أنه توفي في المحرم سنة أربع وتسعين وأربع مائة، بالموصل.

ص: 182

‌4514 - الخُشْنَامي

(1)

:

الشيخ العالم المعمر الصالح الصادق أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان، الخشنامي، النيسابوري.

سمع: أبا عبد الرحمن السلمي، والقاضي أبا بكر الحيري، وعلي بن أحمد بن عبدان، وأبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وصار مسند وقته، وروايته عن السلمي حضور، فإن أبا سعد السمعاني أرخ مولده في رمضان، سنة تسع وأربع مائة، وقال: هو ثقة صالح، روى عنه خلقٌ، ومات في شعبان سنة ثمان وتسعين وأربع مائة.

قلت: وروى عنه حفيده مسعود بن أحمد، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وأبو بكر محمد بن منصور السمعاني، وعبد الخالق بن زاهر، وعمر بن أحمد الصفار الفقيه، وآخرون، ومن متأخريهم: سعيد بن سهل الفلكي الوزير.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد، أخبرنا سعيد بن سهل، حدثنا أبو علي نصر الله بن أحمد إملاءً بنيسابور، أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا محمد بن سنان القزاز، حدثنا محبوب بن الحسن، حدثنا يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مالٌ غيرهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فجزأهم ثلاثةً، ثم أقرع بينهم، وأعتق اثنين، وأرق أربعة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "5/ 131"، واللباب لابن الأثير "1/ 447"، والعبر "3/ 352". وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 409".

ص: 182

‌4515 - أبو داود

(1)

:

الشيخ الإمام العلامة، شيخ القراء، ذو الفنون، أبو داود سليمان بن أبي القاسم نجاح مولى صاحب الأندلس المؤيد بالله هشام بن الحكم، المرواني، الأندلسي، القرطبي، نزيل دانية وبلنسية.

ولد سنة ثلاث عشرة وأربع مائة، وصحب أبا عمرو الداني وأكثر عنه، وتخرج به، وهو أنبل أصحابه وأثبتهم، وأخذ أيضًا عن أبي عمر بن عبد البر، وابن دلهاث، وأبي عبد الله بن سعدون، وأبي الوليد الباجي، وأبي شاكر الخطيب، وعدة.

تلا عليه أبو عبد الله محمد بن الحسن ابن غلام الفرس، وأبو علي الصدفي، وأبو العباس بن عاصم الثقفي، وأحمد بن سحنون المرسي، وإبراهيم بن أحمد البكري، وجعفر بن يحيى، ومحمد بن علي النوالشي، وعبد الله بن فرج الزهيري، وأبو الحسن بن هذيل، وأبو داود سليمان بن يحيى القرطبي، وخلق.

قال ابن بشكوال: كان من جلة المقرئين وخيارهم، عالمًا بالروايات وطرقها، حسن الضبط، ثقةً دينًا، له التصانيف في معاني القرآن، وكان مليح الخط، أخبرنا عنه جماعةٌ من شيوخنا، ووصفوه بالفضل والعلم والدين، مات: في رمضان سنة ست وتسعين وأربع مائة، وتزاحموا على نعشه، قرأت بخط تلميذ لأبي داود تسمية تواليفه، منها:"البيان في علوم القرآن" في ثلاث مائة جزء، وكتاب "التبيين لهجاء التنزيل" ست مجلدات، وكتاب "الاعتماد" أرجوزة عارض بها شيخه في أصول القرآن والدين عشرة أجزاء، وهي ثمانية عشر ألف بيت ونيف، وكتاب "الصلاة الوسطى" مجلد، وعدة تواليف جملتها ستةٌ وعشرون مصنفًا، وكان من بحور العلم، ومن أئمة الأندلس في عصره.

قلت: قرأت بالروايات من طريقه عن أبي عمرو الداني.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 203"، والعبر "3/ 343"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 187"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 403".

ص: 183

‌4516 - المرَاغي

(1)

:

الشيخ الإمام القدوة الفقيه العلامة، بقية المشايخ، أبو تراب عبد الباقي بن يوسف بن علي بن صالح بن عبد الملك بن هارون المراغي، النريزي، الشافعي، نزيل نيسابور.

سمع: أبا علي بن شاذان، وأبا القاسم بن بشران، وأبا طاهر بن عبد الرحيم الأصبهاني، وعدة.

حدث عنه: عمر بن علي الدامغاني، وأبو عثمان العصايدي، وزاهر ابن طاهر، وابنه عبد الحق بن زاهر، وآخرون.

قال السمعاني: هو الإمام أبو تراب، عديم النظير في فنه، بهي المنظر، سليم النفس، عاملٌ بعلمه، حسن الخلق، نفاع للخلق، قوي الحفظ، فقيه النفس، تفقه ببغداد على القاضي أبي الطيب.

قال أبو جعفر بن أبي الله الهمذاني: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد البسطامي وغيره يقول: كنا عند الإمام أبي تراب حين دخل عبد الصمد ومعه المنشور بقضاء همذان، فقام أبو تراب، وصلى ركعتين، ثم أقبل علينا، وقال: أنا في انتظار المنشور من الله على يد عبده ملك الموت، أنا بذلك أليق من منشور القضاء، ثم قال: قعودي في هذا المسجد ساعةً على فراغ القلب أحب إلي من ملك العراقين، ومسألةٌ في العلم يستفيدها مني طالب علمٍ أحب إلي من عمل الثقلين.

قال السمعاني: سألت إسماعيل الحافظ عن أبي تراب المراغي، فقال: مفتي نيسابور، أفتى سنين على مذهب الشافعي، وكان حسن الهيئة، بهيًا، عالمًا، قيل: عاش ثلاثًا وتسعين سنة، مات في رابع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة. وقيل: بل مولده سنة إحدى وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 110 - 111"، والعبر "3/ 333"، وطبقات الشافعية للسبكي "5/ 96"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 164".

ص: 184

‌4517 - ابن أبي ذر

(1)

:

الشيخ العالم الصدوق أبو مكتوم عيسى بن الحافظ الكبير أبي ذر عبد بن أحمد الأنصاري، الهروي، ثم السروي، تزوج والده في سراة بني شبابة، وتحول إلى هناك من مكة مدةً، فولد عيسى في سنة خمس عشرة وأربع مائة.

وسمع من أبيه شيئا كثيرا، ومن محمد بن الحسين الصنعاني، وغير واحد.

روى عنه أبو التوفيق مسعود بن سعيد، وأبو عبيد نعمة بن زيادة الله الغفاري، وميمون بن ياسين المرابط، وابتاع منه "صحيح البخاري" أصل أبيه -وعلي بن عمار المكي، وآخرون، والسلفي بالإجازة، وقال: اجتمعت أنا وهو في الموقف سنة سبع لما حججت، وقلنا: نسمع منه بالحرم، فتعجل أبي النفر الأول إلى السراة.

قلت: وبعد سنة سبع وتسعين وأربع مائة انقطع خبره، وانتقل إلى الله.

‌4518 - ابن الجَرَّاح

(2)

:

الإمام الكبير المقرئ أبو الخطاب علي بن عبد الرحمن بن هارون بن عبد الرحمن بن عيسى بن داود الجراح البغدادي، الكاتب.

سأله ابن السمرقندي عن مولده، فقال: في رجب سنة تسع وأربع مائة. تلا على الحسن بن صقر الكاتب، وابن بكير النجار، وأحمد بن مسرور، ومسافر بن عباد.

وسمع من: أبي القاسم بن بشران، ومحمد بن عمر بن بكير، وطائفة. ونظم قصيدةً في القراءات مشهورة، سماها "المسعدة"، وأمَّ بالخليفة المقتدي، وبأبيه المستظهر، وكان شافعيا ثقة صدوقًا عالمًا.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 348"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 406"، ووقع عنده عيسى بن الحافظ أبي ذر عبد الرحمن.

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 140"، والعبر "3/ 348"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 406".

ص: 185

تلا عليه أممٌ، وختم عليه عدة، قرأ عليه سبط الخياط أبو محمد، وأبو الكرم الشهرزوري، وسعد الله بن الدجاجي، وأبو طاهر السلفي.

وحدث عنه: هؤلاء، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وعمر المغازلي، وخطيب الموصل أبو الفضل، وأسعد بن بلدرك، وآخرون.

قال السلفي: سألت شجاعًا الحافظ عنه، فقال: أحد القراء الحفاظ المتقنين، من أهل الفضل والأدب، وله شعر جيد مدون.

وقال السلفي في "معجمه": هو إمامٌ في اللغة، وشعره ففي أعلى درجةٍ، وخطه فمن أحسن الخطوط، تلوت عليه بقراءة أبي عمرو التي قرأ بها على ابن الصقر، والقول يتسع في فضائله.

قال شجاع: توفي في العشرين من ذي الحجة سنة سبع وتسعين وأربع مائة.

‌4519 - شيذله

(1)

الإمام الواعظ المحدث المذكر أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك ابن منصور الجيلي، نزيل بغداد.

سمع بجيلان من أبي سعد إسماعيل بن علي التميمي، وشيخ الإسلام الصابوني، قدما عليه حاجين، وبآمل طبرستان الإمام أبا حاتم محمود بن الحسين القزويني، وببغداد ابن غيلان، وأبا محمد الخلال، وأبا منصور بن السواق، وأبا الحسن العتيقي، وعلي بن أحمد الفالي، وعبيد الله بن شاهين، والحافظ الصوري.

وعمل لنفسه معجماً، وله تصانيف في الوعظ، وكان عارفاً بمذهب الشافعي، واعظاً، فصيحاً، ظريفاً، مليح النوادر.

روى عنه: أبو الحسن بن الخل الفقيه، والحسين بن علي بن سلمان، وشهدة الكاتبة، وولي القضاء بباب الأزج.

قال السمعاني: سمعت علي بن طراد يقول: ضاع حمارٌ لسوادي بباب الأزج، فتطلبه، فقال له عزيزي: خذ المقود، وشده في رقبة من أردت من أهل المحلة، فإنهم مثل ما تطلبه.

قال ابن سكرة: كان شيذله شيخ الوعاظ، وكان متزهداً متقللاً، لم يكن يدري ما الحديث، وكان شافعياً.

قلت: مات في صفر سنة أربع وتسعين، وأربع مئة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 126"، ووفيات الأعيان لابن خلكان (3/ 259)، والعبر "3/ 339 - 340"، وطبثات الشافعية للسبكي (5/ 235)، شذرات الذهب لابن العماد "3/ 401".

ص: 186

‌4520 - ابن جَهير

(1)

:

الوزير الكامل عميد الدولة أبو منصور محمد بن الوزير الكبير الملك، فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير، وزر في أيام والده، وخدم ثلاثة خلفاء، وأوصى به القائم حفيده المقتدي، وأثنى عليه، ثم وزر سنة اثنتين وسبعين، واستقل خمس سنين، وعزل بأبي شجاع، ثم عزل أبو شجاع سنة أربع وثمانين، واستوزر هذا، فدام تسعة أعوام، ولكن كانت وزارة الخلفاء هذا الزمان دون رتبة وزارة السلطان، فكان نظام الملك أعلى رتبةً منه.

وكان عميد الدولة خبيرًا، سائسًا، شجاعًا، شهمًا، تياهًا، فصيحًا، أديبًا، بالغًا، يتقعر كابن عباد في خطابه، وله هيبةٌ شديدة، وألفاظه معدودة، مدحته الشعراء.

وفي الآخر حبسه المستظهر وصادر وزير السلطنة، ثم أخرج ميتًا في شوال، سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة، وكان بكبره يضرب المثل، ولكنه في النكبة ذل، وخارت نفسه، وأناب إلى الله، وآخر ما سمع منه الشهادة، سامحه الله.

وعاش تسعًا وخمسين سنة. روى عن أبي نصر الزينبي، وغيره، وله نظم جيد.

‌4521 - أبو مُطيِع

(2)

:

الشيخ المحدث المعمر، مسند وقته أبو مطيع محمد بن عبد الواحد بن عبد العزيز بن أحمد بن زكريا الضبي، المديني، الناسخ، المجلد الصحاف، الملقب: بالمصري.

سمع من: الحافظ أبي بكر بن مردويه، وأبي سعيد محمد بن علي النقاش، وعبد الله بن محمد بن عقيل الباوردي، وأبي منصور معمر بن زياد، والحسين بن إبراهيم الجمال، وأبي بكر بن أبي علي المعدل، وأبي زرعة روح بن محمد، والفضل بن عبيد الله، وجماعة، تفرد بالرواية عن كثير منهم، وأملى عدة مجالس.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 118"، والعبر "3/ 337"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "1/ 221"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 165".

(2)

ترجمة في العبر "3/ 348"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 407".

ص: 187

حدث عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، ومحمد بن معمر اللنباني، وأبو حنيفة محمد بن عبيد الله الخطيبي، ومحمد بن عبد الله بن علي المقرئ، وعمر بن أبي سعد، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي، وأبو العباس الترك، وعدة.

قال السمعاني: كان صالحًا معمرًا أديبًا فاضلًا، مات سنة سبع وتسعين وأربع مائة.

قلت: مات وهو في عشر المائة.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا أبو حنيفة القاضي، حدثنا أبو مطيع، حدثنا أحمد بن موسى الحافظ، حدثنا أحمد بن هشام بن حميد، حدثنا يحيى بن أبي طالب، أخبرنا علي بن عاصم، أخبرنا حصين، عن عامر، عن عروة البارقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخيل معقودٌ بنواصيها الخير"، قيل: وما ذاك? قال: "الأجر والمغنم إلى يوم القيامة"

(1)

.

اتفقا عليه من حديث حصين بن عبد الرحمن.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "2852"، ومسلم "1873".

ص: 188

‌4522 - الرُّمَيْلِي

(1)

:

الإمام الحافظ العالم الشهيد أبو القاسم مكي بن عبد السلام بن الحسين الرميلي، المقدسي، أحد الجوالين.

قال السمعاني: كان كثير التعب والسهر والطلب، ثقةً، متحريًا، ورعًا، ضابطًا، شرع في "تاريخ" لبيت المقدس.

سمع من محمد بن يحيى بن سلوان، وأبا عثمان بن ورقاء، وأبا القاسم الحنائي، وعبد الباقي بن فارس، وعبد العزيز بن الحسن الضراب، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وخلقًا كثيرًا بالشام ومصر والعراق والجزيرة وآمد.

روى عنه: عمر الرواسي، ومحمد بن علي المهرجاني، وعمار بن طاهر، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو الحسن بن المسلم السلمي، وحمزة بن كروس، وغالب بن أحمد، وآخرون.

ولد سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة، وكان مفتيًا على مذهب الشافعي، وكانت الفتاوى تجيئه من البلاد، وكان عالمًا ثبتًا، ابتلي بالأسر وقت أخذ العدو بيت المقدس، وطلبوا في فدائه ذهبًا كثيرًا، فلم يفد، فقتلوه بالحجارة عند البثرون، رحمه الله في ثاني عشر شوال، سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة، وله سبعين سنة وأشهر.

وقتلوا بالقدس نحوًا من سبعين ألفًا، ودام في أيديهم تسعين سنة.

(1)

ترجمته في الإكمال لابن ماكولا "4/ 226"، والأنساب للسمعاني "6/ 166"، واللباب لابن الأثير "2/ 38"، والعبر "3/ 334"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1046"، وطبقات الشافعية للسبكي "5/ 332"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 164" وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 398".

ص: 188

‌4523 - مَجْدُ المُلْكِ:

الوزير الكبير، أبو الفضل أسعد بن موسى البلاشاني.

وزر للسلطان بركياروق، وكان فيه خيرٌ وعدلٌ وديانةٌ وقلة ظلم، وكان كبير الشأن، عالي الرتبة، وصار يعتضد بالباطنية، فقيل: رتب من قتل الأمير برسق، فنفر منه الأمراء، وقاموا عليه، وتنكروا لبركياروق، وما زالوا حتى غلب عنهم، وأسلمه إليهم، فقتلوه، وكان شيعيًّا قد هيأ في كفنه سعفةً وتربة، وكان له مع بدعته تهجد وتعبدٌ وصلاتٌ دارة على العلوية، قتل في رمضان سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة.

‌4524 - ابن خِذَام

(1)

:

الشيخ الإمام المعمر الواعظ مسند بخارى أبو الحسن علي بن محمد بن حسين بن خذام الخذامي البخاري.

ولد سنة نيفٍ وأربع مائة.

وسمع من: منصور الكاغدي، وحسين بن خضر النسفي القاضي، وأحمد بن محمد بن القاسم الفارسي، وأحمد بن حسن المراجلي، وخلق.

روى عنه: عثمان بن علي البيكندي، وأبو ثابت الحسن بن علي البرديجي، وأبو رجاء محمد بن محمد، ومحمد بن محمد السنجي، ومحمد بن علي الواعظ، وآخرون، وعاش تسعين عامًا.

توفي سنة إحدى وتسعين وأربع مائة، أو قريبًا منها.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "5/ 56"، واللباب لابن الأثير "1/ 426".

ص: 189

‌4525 - ابن حِيد:

الشيخ الجليل الأمين، أبو أحمد منصور بن بكر بن محمد بن علي بن محمد بن حيد بن عبد الجبار النيسابوري التاجر، نزيل بغداد.

سمع من: جده أبي بكر بن حيد صاحب الأصم، وببغداد من: ابن غيلان، وعبد العزيز الأزجي، وعدة.

حدث عنه: عمر بن ظفر، وأبو المعمر الأنصاري، وابن ناصر، والسلفي، وخطيب الموصل، وشهدة بنت الأبري، وعدة.

مات في شوال، سنة أربع وتسعين وأربع مائة، وقد شاخ وأسن.

‌4526 - صاعد بن سيَّار

(1)

:

ابن يحيى بن محمد بن إدريس، قاضي القضاة، جمال الإسلام، أبو العلاء الكناني الهروي.

سمع: أبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وعلي بن محمد الطرازي صاحبي الأصم، وجده القاضي أبا نصر يحيى بن محمد، والقاضي أبا العلاء صاعد بن محمد الحنفي، وأبا بشر الحسن بن أحمد المزكي، وسعيد بن العباس القرشي، وطائفة، وانتخب عليه شيخ الإسلام أبو إسماعيل.

وحدث عنه: محمد بن طاهر، وحفيده نصر بن سيار بن صاعد.

وكان صينًا نزهًا، وقورًا علامةً، معظمًا في النفوس، صاحب سنة وجماعة، عمر دهرًا، وكان مولده في وسط سنة خمس وأربع مائة.

ومن الرواة عنه: حفيده شهاب بن سيار، وعلي بن سهل الشاشي، وعبد المعز بن بشر، ومحمد بن الفضل الدهان، وعبد الواسع بن عطاء، ومسرور بن عبد الله الحنفي.

توفي في شهر رجب سنة أربع وتسعين وأربع مائة، وله تسعون سنة غير أشهر.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 341"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 169".

ص: 190

‌4527 - ابن أشَتَه

(1)

:

الشيخ الثقة المسند أبو العباس أحمد بن عبد الغفار بن أحمد بن علي ابن أشتة الأصبهاني الكاتب.

سمع: الحافظ أبا سعيد محمد بن علي، وعلي بن ميلة الفرضي، وابن عقيل الباوردي، والفضل بن شهريار، وعدة.

حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، وأبو سعد بن البغدادي، وأبو طاهر السلفي.

ملت في ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وأربع مائة، وله اثنتان وثمانون سنة.

وفيها مات: أبو العباس أحمد بن إبراهيم الرازي، ثم المصري بن الحطاب، والعابد أحمد بن سهل السراج بنيسابور، وأبو العباس أحمد بن محمد بن بشرويه المحدث، ومسند الوقت طراد الزينبي، وسهل بن بشر الإسفراييني محدث دمشق، والحافظ الحسن بن أحمد بن محمد السمرقندي، وعبد الرزاق بن حسان بن سعيد المنيعي، وأبو الفتح عبد الواحد بن علوان الشيباني، وأبو سعد محمد بن الحسين الحرمي المحدث، ومكي السلار، وهبة الله عبد الرزاق الأنصاري صاحب الحفار.

‌4528 - الكامَخِي

(2)

:

الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الساوي، الكامخي، محدث رحال فاضل.

سمع: بنيسابور القاضي أبا بكر الحيري، وأبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وأبا بكر البرقاني، وهبة الله اللالكائي، وطائفة.

حدث عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وسعيد بن سعد الله الميهني، وأخواه هبة الله، وراضية، وأبو زرعة المقدسي، وآخرون.

حدث بمسند الشافعي من غير أصل.

قال ابن طاهر: سماعه فيما عداه صحيح.

قلت: حدث بحران غيبته سنة خمس وتسعين وأربع مائة.

وفيها توفي: مفتي أصبهان حسين بن محمد الطبري، ثم البغدادي الشافعي، وصاحب مصر المستعلي أحمد بن المستنصر، وأبو طاهر خالد بن عبد الواحد التاجر، ومعمر زمانه عبد الواحد بن عبد الرحمن الوركي، وأبا بكر محمد بن أحمد بن الفقير ببغداد، وأبو ياسر محمد بن عبد العزيز الخياط، سمعا من أبي القاسم بن بشران، وشيخ الشافعية أبو الحسن بن أبي عاصم العبادي المروزي مصنف كتاب "الرقم" في المذهب، وله ثمانون سنة.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 331"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 396".

(2)

ترجمته في العبر "3/ 342"، وميزان الاعتدال "3/ 467"، ولسان الميزان "5/ 63"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 403".

ص: 191

‌4529 - ابن البُسْرِي

(1)

:

الشيخ الصالح الثقة أبو عبد الله الحسين بن الشيخ أبي القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري البندار، البغدادي، بقية المشيخة، وآخر من حدث عن عبد الله بن يحيى السكري.

وسمع أيضًا من: أبي الحسن بن مخلد، وأبي علي بن شاذان، وأبي بكر البرقاني، وطائفة.

حدث عنه: أبو علي بن سكرة، وسعد الخير الأنصاري، وأبو طاهر السلفي، وعبد الخالق اليوسفي، وشهدة الكاتبة، وأبو الفتح بن شاتيل، وآخرون، وكان من الصلحاء.

قال السلفي: لم يرو لنا عن السكري سواه.

قلت: ولد سنة تسع وأربع مائة، أو نحوها. ومات في جمادى الآخرة، سنة سبع وتسعين وأربع مائة.

وفيها مات: صاحب دمشق السلطان شمس الملوك، أبو نصر دقاق بن الملك تاج الدولة تتش بن السلطان الكبير ألب أرسلان السلجوقي، وكانت دولته بعد أبيه عشر سنين، ودفن بخانقاه الطواويس.

وفيها مات: أبو ياسر أحمد بن بندار البقال، وأبو بكر محمد بن علي الطريثيثي، والقاضي أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن حمزة الثقفي الكوفي، والمحدث الزاهد أبو الفرج إسماعيل بن القدوة محمد بن عثمان القومساني بهمذان، والواعظ الكبير الأمير أردشير العبادي -وكان تالفًا- وطاهر بن أسد الشيرازي الطباخ، والمنشئ البليغ أبو سعد العلاء ابن حسن بن الموصلايا، وأبو الخطاب بن الجراح، وعيسى ابن أبي ذر الهروي، وأبو مطيع المديني، ومحمد بن الفرج الفقيه الطلاعي، وأبو المطرف عبد الرحمن الشعبي بمالقة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "2/ 211"، واللباب لابن الأثير "1/ 152"، والعبر "3/ 346"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 405".

ص: 192

‌4530 - المُتَولِّي

(1)

:

شيخ الشافعية، أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي بن محمد الأبيوردي، المتولي، تفقه ببخارى وغيرها، وهو من أصحاب القاضي حسين، وكان رأسًا في الفقه والأصول، ذكيًا، مناظرًا، حسن الشكل، كيسًا متواضعًا، تمم كتاب "الإبانة" للفوراني، فجاء في عشرة أسفار، "والإبانة" سفران، وكان يلقب بشرف الأئمة.

مولده بأبيورد سنة سبع وعشرين وأربع مائة، ومات في شوال سنة ثمان وسبعين وأربع مائة، ورثي بقصائد، وقد درس بالنظامية بعد وفاة الشيخ أبي إسحاق مدةً يسيرة، ثم صرف بابن الصباغ. تفقه عليه جماعة.

‌4531 - ابن جَزْلَة

(2)

:

إمام الطب أبو علي يحيى بن عيسى بن جزلة البغدادي، كان نصرانيًا، فأسلم في كهولته على يد قاضي القضاة الدامغاني، ولازم أبا علي بن الوليد في المنطق، وله "منهاج البيان" في الطب في الأدوية المفردة والمركبة، وكتاب "تقويم الأبدان" مجدول، ورسالة في الرد على النصارى.

مات في شعبان، سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة.

وكان ذكيًا صاحب فنون ومناظرة واحتجاج، وكان يداوي الفقراء من ماله.

‌4532 - شرفُ المُلْكِ

(3)

:

الصاحب الأمجد أبو سعد محمد بن منصور الخوارزمي الكاتب المستوفي، كان صدرًا معظمًا محتشمًا، كثير الأموال، وكان مستوفي ديوان المملكة الملكشاهية، فيه خير وسؤدد، بنى مدارس ومساجد، وهو منشئ المشهد على ضريح الإمام أبي حنيفة، والقبة، والمدرسة، ثم إنه في أواخر أمره، لزم داره مكرمًا محترمًا، كانت الملوك يصدرون عن رأيه، وفيه يقول الصدر أبو جعفر البياضي لما بنى المشهد:

ألم تر أن العلم كان مبددًا

فصيره هذا المغيب في اللحد

كذلك كانت هذه الأرض ميتةً

فأنشرها فعل العميد أبي سعد

قال: فوصله بألف دينار، حكى ذلك أبو طالب الحسين بن محمد بن علي الزينبي.

مات شرف الملك: في المحرم سنة أربع وتسعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 18" ووفيات الأعيان "3/ 133"، والعبر "3/ 290"، وطبقات الشافعية للسبكي "5/ 106"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 358".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 119"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "6/ 267"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 166".

(3)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 128"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 167".

ص: 193

‌4533 - الشِّيرَجاني

(1)

:

المحدث الرحال أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الفضل الكرماني، الصوفي، تعب وكتب الكثير، وتغرب.

وسمع من: أبي الحسين محمد بن مكي بدمشق، ومن: سليم بصور، ومن: ابن طلحة، وعاصم بن حسن ببغداد، وكان ذا عبادة ونسك.

روى عنه: أبو البركات إسماعيل بن أحمد الصوفي، والسلفي، ولاح كذبه وتزويره.

قال شجاع: ضعيف.

وقال المؤتمن: ينبغي أن ينادى على قبره: هذا كذاب.

وقال عبد الوهاب الأنماطي: هو خرب بيت ابن زهراء الطريثيثي.

وقال ابن ناصر: كان يكذب.

وقال السلفي: لم أكتب إلَّا من أصوله.

وقال السمعاني: كتب ما لا يدخل تحت الحصر ولا ينفع، وادعى أشياء، وسمع لنفسه.

مات سنة خمس وتسعين وأربع مائة، في شعبان، وله سبع وثمانون سنة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 132"، وميزان الاعتدال "1/ 521"، ولسان الميزان "2/ 254".

ص: 194

‌4534 - ابن الحَطَّاب

(1)

:

الإمام المحدث الفقيه أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن الحطاب الرازي، الشافعي، نزيل مصر.

حج سنة أربع عشرة وأربع مائة، ودخل اليمن.

وسمع بمصر: شعيب بن عبد الله بن المنهال وطبقته، ثم سمع ولده من ابن حمصة، وابن الطفال، وعدة، سنة إحدى وأربعين وأربع مائة وقبلها وبعدها، وسمع هو بدمشق: من علي بن السمسار. وتلا على الحسين بن عامر، وتلا بمكة بروايات على: أبي عبد الله الكارزيني، وانتقل إلى الإسكندرية في القحط الكائن في قرب سنة ستين وأربع مائة، وقرؤوا عليه كثيرًا، وكتب عنه الحافظ أبو زكريا البخاري، ومكي الرميلي، وغيث الأرمنازي، وعبد المحسن الشيحي، وسمع عليه ابنه الوليد أبو عبد الله الشاهد الكثير بالإسكندرية وبمصر.

قال السلفي: كان من الثقات، خيرًا، كثير المعروف.

قال ابنه في "مشيخته": حدثنا أبي، حدثنا محمد بن الحسن، أنا عمر الصيرفي بانتخاب أبي نصر السجزي

فذكر حديثًا. ثم قال ابنه: كان أبي في سكرة الموت وهو يقول لي: ما لي حسرة إلَّا أني أموت؛ ولم يؤخذ عني ما سمعته على الوجه الذي أردته.

مات سنة إحدى وتسعين وأربع مائة.

‌4535 - اللَّواتي:

العلامة القاضي أبو محمد مروان بن عبد الملك اللواتي، المغربي، الطنجي، المالكي، إمامٌ، صاحب فنون وقراءات.

حج وتلا على أبي العباس بن نفيس وغيره.

وسمع من: أبي محمد بن الوليد، وكان خطيبًا مفوهًا نحويًا، ولي الفتيا والخطابة بسبتة في دولة البرغواطي، وكان ذا هيبة وسطوة، درس "المدونة"، وأكثر الناس عنه.

قال القاضي عياض: سمع عليه خالاي أبو عبد الله، وأبو محمد ابنا الجوزي، وعبود بن سعيد القاضي، وأبو إسحاق بن جعفر.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "/ ص 1228".

ص: 195

توفي سنة إحدى وتسعين.

وأخوه أبو الحسن مفتي طنجة علي بن عبد الملك.

ولأبي الحسن ولدان:

أحدهما: عبد الله قاضي غرناطة، ثم قاضي تلمسان.

والثاني: قاضي مكناسة، الفقيه عبد الرحمن والد قاضي تلمسان في سنة ثلاثين وخمس مائة أبي الحسن علي بن عبد الرحمن.

وكان لمروان بنون أئمة، منهم قاضي طنجة عبد الخالق، ثم عبد الوهاب قاضي طنجة أيضًا، وكان من قضاة العدل، والثالث العلامة ذو الفنون عبد الرزاق قاضي جيان، والرابع القاضي عبد المنعم ولي قضاء مكناسة، ثم المرية، ثم ولي قضاء إشبيلية، ثم استعفى، فنقل إلى غرناطة. ذكرهم القاضي عياض، ولم يذكر وفياتهم.

ص: 196

‌4536 - شمسُ المُلْكِ:

السلطان نصر بن إبراهيم صاحب ما وراء النهر.

قال السمعاني: كان من أفاضل الملوك علمًا ورأيًا وسياسة وحزمًا، درس الفقه، وكتب بخطه المليح مصحفًا، وخطب على منبر بخارى، وعلى منبر سمرقند، وتعجبوا من فصاحته، وأملى الحديث عن حمد بن محمد الزبيري، وغيره، وكان يعرف النجارة، عمل بيده باب المقصورة.

روى عنه محمد بن نصر الخطيب.

توفي في ذي القعدة، سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة.

‌4537 - السُّوذرجَاني:

الشيخ المسند الصدوق، بقية المشيخة، أبو الفتح أحمد بن عبد الله بن أحمد السوذرجاني، الأصبهاني، أخو الشيخ المسند الصادق أبي مسعود محمد بن عبد الله.

سمعا معا من: علي بن ميلة الفرضي، وأبي سعيد محمد بن علي النقاش، وعلي بن عبدكويه، وأبي بكر بن أبي علي الذكواني، وعمرا دهرًا، وتفردا.

وسمع منهما: أبو طاهر السلفي، وهما من كبار شيوخه.

وروى عن أبي الفتح هذا: إسماعيل بن غانم البيع، ومحمود بن حمكا، وأبو الفتح عبد الله بن أحمد الحرفي، وعدة، وكان نحويًا ماهرًا مشهورًا، انتخب عليه الحفاظ. ومات: في صفر، سنة ست وتسعين وأربع مائة، وله نحو من تسعين عامًا.

وتوفي أخوه محمد قبله بعامين في سنة أربع.

قال يحيى بن منده: حدث عن ابن ماشاذه، والفضل بن عبيد الله بن شهريار، وأبي سهل الصفار، وأكثر عن أبي نعيم، وكان محبًا لأبي الحسن الأشعري، يؤدب الصبيان.

ومات في سنة ست: مقرئ العراق أبو طاهر بن سوار، وأبو سعد الحسين بن علي الهاشمي الفانيذي، وأبو بكر خازم بن محمد القرطبي -وفيه ضعف- وأبو داود سليمان بن نجاح الأموي مولاهم المقرئ، وأبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن الدوش الشاطبي، وأبو الحسين يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد البياز، وأبو البركات محمد بن المنذر بن طيبان، والمحدث أبو ياسر بن كادش، وأبو العلاء محمد بن عبد الجبار الضبي الفرساني.

ص: 197

‌4538 - الرَّبَعي

(1)

:

الشيخ الفقيه العالم المسند أبو القاسم علي بن الحسين بن عبد الله بن عريبة الربعي، البغدادي، الشافعي.

قال: ولدت سنة أربع عشرة وأربع مائة.

سمع: أبا الحسن بن مخلد البزاز، وأبا علي بن شاذان، وأبا القاسم بن بشران، وتفقه على القاضي أبي الطيب، وأقضى القضاة الماوردي، وأخذ الكلام عن أبي علي بن الوليد المعتزلي، وغيره.

حدث عنه: أبو بكر السمعاني، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو طاهر السلفي، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وأبو محمد بن الخشاب النحوي، وشهدة بنت الإبري، وأبو الفتح بن شاتيل، وأبو السعادات القزاز.

قال شجاع الذهلي: كان يذهب إلى الاعتزال.

وقال السمعاني: سمعت أبا المعمر الأنصاري -إن شاء الله- أو غيره يذكر أنه رجع عن الاعتزال، وأشهد المؤتمن الساجي وغيره على نفسه بالرجوع عن رأي المعتزلة، والله أعلم.

مات في الثالث والعشرين من رجب، سنة اثنتين وخمس مائة.

قال ابن النجار: قرأ الأدب على أبي القاسم بن برهان، والمذهب على القاضي أبي الطيب. ومن شعره:

إن كنت نلت من الحياة وطيبها

مع حسن وجهك عفةً وشبابا

فاحذر لنفسك أن ترى متمنيًا

يوم القيامة أن تكون ترابا

وأمه هي عريبة، وقال للسلفيٌ: مولدي سنة اثنتي عشرة.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 5"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 223"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 199"، وشذرات الذهب "4/ 4".

ص: 197

‌4539 - بَرْكيَاروق

(1)

:

السلطان الكبير، ركن الدين، أبو المظفر بركياروق بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي، ويلقب أيضًا: بهاء الدولة.

تملك بعد أبيه، وناب عنه على خراسان، أخوه السلطان سنجر.

وكان بركيا روق شابًا شهمًا لعابًا، فيه كرمٌ وحلمٌ، وكان مدمنًا للخمر، تسلطن وهو حدث، له ثلاث عشرة سنة، فكانت دولته ثلاث عشرة سنة في نكدٍ وحربٍ بينه وبين أخيه محمد، يطول شرحها، هي مذكورة في الحوادث.

مات ببروجرد، في شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وأربع مائة بعلة السل والبواسير، وكان في أواخر دولته قد توطد ملكه، وعظم شأنه، ولما احتضر، عهد بالأمر من بعده لابنه ملكشاه بمشورة الأمراء، فعقدوا له، وهو ابن خمسة أعوام.

‌4540 - البَنْدَنِيجي

(2)

:

العلامة المفتي أبو نصر محمد بن هبة الله بن ثابت، الشافعي، الضرير، تلميذ أبي إسحاق الشيرازي. درس في أيام شيخه، ثم جاور.

وحدث عن: أبي إسحاق البرمكي.

روى عنه: أبو سعد البغدادي، وإسماعيل التيمي، وعبد الخالق اليوسفي.

وكان متعبدًا معتمرًا، كثير التلاوة، وعاش ثمانيًا وثمانين سنة. توفي: سنة خمس وتسعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 141"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 268"، والعبر "3/ 349"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 191"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 407 - 408".

(2)

ترجمته في الأنساب "2/ 314"، واللباب لابن الأثير "1/ 180"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 133"، وطبقات الشافعية للسبكي "4/ 207".

ص: 198

‌4541 - العِجْلِي

(1)

:

مفتي همذان وعالمها الإمام أبو منصور سعد بن علي بن حسن العجلي، الأسداباذي، ثم الهمذاني، الشافعي.

قال السمعاني: هو ثقةٌ، مفتٍ، مناظرٌ، كثير العلم والعمل.

سمع: أبا إسحاق البرمكي، وكريمة المروزية، وطائفة.

قلت: روى عنه ابنه؛ أبو علي أحمد، وإسماعيل بن محمد التيمي، وبالإجازة أبو طاهر السلفي.

قال السمعاني: مات في ذي القعدة، سنة أربع وتسعين وأربع مائة.

‌4542 - ابنُ الأبرص:

الشيخ الصالح المعمر أبو تراب عبد الخالق بن محمد بن خلف البغدادي، ابن الأبرص، المؤدب.

سمع: هبة الله بن الحسن الحافظ، وأبا القاسم الحرفي.

روى عنه إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو طاهر السلفي، وآخرون.

مات في شهر رمضان، سنة أربع وتسعين أيضًا.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 125"، وطبقات الشافعية للسبكي "4/ 383".

ص: 199

‌4543 - ابن الموصلايا

(1)

:

المنشئ البليغ، ذو الترسل، الفائق، أمين الدولة، أبو سعد العلاء ابن حسن بن وهب البغدادي.

كان نصرانيًا، فأسلم على يد المقتدي، وله باعٌ مديدٌ في النظم والنثر، عمر دهرًا، وأضر، بعد أن كتب الإنشاء نيفًا وستين سنة، ولما أسلم كان قد شاخ، وقد ناب في الوزارة غير مرة، وكان أفصح أهل زمانه، وفيه مكارم وآدابٌ وعقل.

مات فجأةً، وكان كثير الصدقات، وقف أملاكه، أسلم لما ألزمت الذمة بلبس الغيار.

توفي سنة سبع وتسعين وأربع مائة، وخلفه في كتابة الإنشاء ابن أخته العلامة أبو نصر.

‌4544 - الطَّلاَّعي

(2)

:

الشيخ الإمام، العلامة القدوة، مفتي الأندلس، ومحدثها، أبو عبد الله محمد بن الفرج القرطبي المالكي، مولى محمد بن يحيى بن الطلاع. ولد سنة أربع وأربع مائة.

قال ابن بشكوال: هو بقية الشيوخ الأكابر في وقته، وزعيم المفتين بحضرته.

حدث عنه: يونس بن عبد الله القاضي، ومكي بن أبي طالب، وأبي عبد الله بن عابد، وحاتم بن محمد، وأبي عمرو المرشاني، ومعاوية بن محمد العقيلي، وأبي عمر بن القطان.

وكان فقيهًا، حافظًا للفقه، حاذقًا بالفتوى، مقدمًا في الشورى، وفي علل الشروط، مشاركًا في أشياء من العلم حسنة، مع دينٍ، وخيرٍ، وفضلٍ، وطول صلاة، قوالًا للحق وإن أوذي، لا تأخذه في الله لومة لائم، معظمًا عند الخاصة والعامة، يعرفون له حقه، ولي الصلاة بقرطبة، وكان مجودًا لكتاب الله، أفتى وحدث وعمر، وصارت الرحلة إليه، ألف كتابًا في أحكام النبي صلى الله عليه وسلم، قرأته على أبي عنه.

وقال القاضي عياض: كان صالحًا، قوالًا للحق، شديدًا على المبتدعة، شوور عند موت ابن القطان إلى أن دخل المرابطون، فأسقطوه من الفتيا لتعصبه عليهم.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 141"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 480"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 189".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 564"، والعبر "3/ 349"، والديباج المذهب لابن فرحون المالكي "2/ 242"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 407".

ص: 200

سمع منه عالم كثير، ورحلوا إليه لسماع "الموطأ"، ولسماع "المدونة" لعلوه في ذلك، ولـ "سنن النسائي" وكان أسند من بقي صحيحًا فاضلًا، عند بله بأمره دنياه وغفلة، ويؤثر عنه من ذلك طرائف، وكان شديدًا على أهل البدع، مجانبًا لمن يخوضع في غير الحديث.

ونقل اليسع بن حزم عن أبيه، قال: كنا مع ابن الطلاع في بستانه، فإذا بالمعتمد بن عباد مجتاز من قصره، فرأى ابن الطلاع، فنزل عن مركوبه، وسأل دعاءه، وتضرع، وتذمم، ونذر، وتبرع، فقال له الشيخ: يا محمد، انتبه من غفلتك وسنتك.

قلت: روى عنه عدد كثير، منهم: أبو جعفر البطروجي، ومحمد بن عبد الخالق الخزرجي، ومحمد بن عبد الله بن خليل القيسي، نزيل مراكش الذي بقي إلى سنة سبعين وخمس مائة، وعلي بن حنين، بينه وبين مالك في "الموطأ" أربعة أنفس، وبينه وبين النسائي في "سننه الكبير" اثنان.

مات في رجب، سنة سبع وتسعين وأربع مائة. أرخه ابن بشكوال، وقال: شهده جمع عظيم.

كتب إلي بالموطأ ابن هارون من تونس، أخبرنا ابن بقي، أخبرنا محمد بن عبد الخالق، أخبرنا محمد بن الفرج، أخبرنا يونس بن عبد الله، أخبرنا أبو عيسى، أخبرنا عبيد الله بن يحيى بن يحيى، أخبرنا أبي، عن مالك.

ص: 201

‌4545 - الحَرَمِي

(1)

:

الإمام الحافظ القدوة أبو سعد محمد بن الحسين بن محمد المزكي، الحرمي، نزيل هراة.

سمع: أبا نصر السجزي، وطائفة بمكة، ومحمد بن الحسين الطفال، وعلي بن حمصة، وعلي بن بقاء بمصر، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر الخطيب ببغداد، وأقرانهم.

وكان زاهدًا عابدًا ربانيًا.

قال أبو جعفر محمد بن أبي علي: كان أبو سعد الحرمي من الأوتاد، لم أر بعيني أحفظ منه.

وقال الواعظ أبو حامد الخياط: إن كان لله بهراة أحد من الأولياء، فهو هذا، وأشار إلى الحرمي.

مات بهراة، في شعبان، سنة إحدى وتسعين وأربع مائة.

أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، والحسن بن علي، قالا: أخبرنا أبو الفضل الهمداني، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا المؤتمن بن أحمد، سمعت أبا سعد الحرمي الحافظ يقول: لا يصبر على الخل إلا دوده، يعني: لا يصبر على الحديث إلا أهله.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "4/ 116"، واللباب لابن الأثير "1/ 359"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 107"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 397" ووقع عنده [الجرمي] بالجيم وهو تصحيف.

ص: 201

‌4546 - الطَّبَرِي

(1)

:

الإمام، مفتي مكة ومحدثها، أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسين الطبري، الشافعي.

ولد بآمل، سنة ثمان عشرة وأربع مائة.

وسمع في سنة تسع وثلاثين "صحيح مسلم" من أبي الحسين الفارسي، ورواه مرات، وسمع من: أبي حفص بن مسرور، وأبي عثمان الصابوني، وناصر العمري -وتفقه عليه- وكريمة المروزية، وله أعقاب بمكة.

حدث عنه: إسماعيل التيمي، ورزين العبدري، والقاضي أبو بكر بن العربي، ووجيه الشحامي، وأحمند بن محمد العباسي، وأبو طاهر السلفي، وخلق.

وكان من كبار الشافعية، ويدعي بإمام الحرمين، تفقه به جماعة بمكة.

توفي بمكة، في شعبان، سنة ثمان وتسعين وأربع مائة.

‌4547 - ثابت بن بُنْدَار

(2)

:

ابن إبراهيم بن بندار، الشيخ الإمام، المقرئ المجود، المحدث، الثقة، بقية المشايخ، أبو المعالي الدينوري، ثم البغدادي، البقال.

ولد سنة ست عشرة وأربع مائة، وطلب العلم في حداثته.

وسمع: أبا القاسم الحرفي، وأبا بكر البرقاني، وأبا علي بن شاذان، وعثمان بن دوست، وأبا علي بن دوما، وعدة. وتلا على: ابن الصقر الكاتب، وأبي العلاء الواسطي، وأبي ثعلب الملحمي، وغيرهم.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 351"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 408".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 144"، والعبر "3/ 351"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 408".

ص: 202

قرأ عليه أبو محمد سبط الخياط، وأبو الفضل أحمد بن شنيف، وطائفة.

وحدث عنه: ابنه يحيى بن ثابت -وسمع منه "موطأ القنعبي"- وإسماعيل بن السمرقندي، وابن ناصر، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو طاهر السلفي، وأحمد بن المبارك المرقعاتي، وعمر بن بنيمان، وأخوه أحمد، وشهدة الكاتبة، وخلق.

وقد حدث عنه بالإجازة: الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي.

قال السمعاني: قرأت بخط أبي: ثابت ثابت.

وقال عبد الوهاب الأنماطي: هو ثقة مأمون دين كيس خير.

وقال غيره: كان ثابت يعرف بابن الحمامي.

توفي في جمادي الآخرة، سنة ثمان وتسعين وأربع مائة.

قال ابن النجار: كان من أعيان القراء وثقات المحدثين، سمع الكثير بنفسه، وكتب بخطه، وروى أكثر مسموعاته.

وقيل: كان جده إبراهيم حماميًا بالدينور.

قلت: أول سماعه في سنة ثلاث وعشرين وأربع مائة.

ص: 203

‌4548 - السَّمَرقندي

(1)

:

الإمام الحافظ الرحال، أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن قاسم بن جعفر السمرقندي، الكوخميثني.

ولد سنة تسع وأربع مائة.

وصحب جعفر بن محمد المستغفري الحافظ، وتخرج به، وأكثر عنه.

وسمع: عبد الصمد العاصمي، وحمزة بن محمد الجعفري، وأبا حفص بن مسرو، وأبا عثمان الصابوني، وأبا سعد الكنجروذي، وأمثالهم، وأكبر شيخ له منصور الكاغدي، ولم يرحل إلى العراق، وقد جمع وصنف.

حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، ووجيه الشحامي، وأبو الأسعد بن القشيري، ومحمد بن جامع خياط الصوف، والجنيد القايني، وآخرون.

قال السمعاني: سألت عنه إسماعيل الحافظ، فئقال: إمام حافظ، سمع، وجمع، وصنف.

وقال عمر بن محمد النسفي في كتاب "القند": هو الإمام الحافظ، قوام السنة أبو محمد، نزيل نيسابور، لم يكن في زمانه مثله في نفه في الشرق والغرب، له كتاب "بحر الأسانيد في صحاح المسانيد" جمع فيه مائة ألف حديث، فرتب وهذب، لم يقع في الإسلام مثله، وهو ثمان مائة جزء.

وقال عبد الغافر في "السياق": أبو محمد عديم النظير في حفظه، استوطن بنيسابور، وهو مكثر عن المستغفري، مات في ذي القعدة، سنة إحدى وتسعين وأربع مائة، عن نيف وثمانين سنة.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1047"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 394".

ص: 203

‌4549 - ابن مَرْدُويه

(1)

:

الشيخ الإمام المحدث العالم أبو بكر أحمد بن محمد ابن الحافظ الكبير أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك بن موسى الأصبهاني.

ولد سنة تسع وأربع مائة، قال يحيى بن مندة.

سمع: أبا منصور محمد بن سليمان الوكيل، وأبا علي غلام محسن، وعمر بن عبد الله ابن الهيثم الواعظ، وأبا بكر بن أبي على الذكواني، والحسين بن إبراهيم الجمال، وعبد الله ابن أحمد بن قولويه التاجر، وأحمد بن إبراهيم الثقفي الواعظ، وأبا نعيم الحافظ، وأبا الحسين بن فاذشاه، والناس، ولم يرحل.

قال السلفي: كتبنا عنه كثيرًا، وكان ثقة جليلًا، سمعته يقول: كتبوا عني في مجلس أبي نعيم الحافظ.

وروى عنه: السلفي، وإسماعيل بن غانم، وجماعة، وحفيده علي بن عبد الصمد بن أحمد.

وكان أبو بكر يفهم الحديث: رأيت له جزءًا فيه طرق: "طلب العلم فريضة" يدل على معرفته، ولم يدرك السماع من جده.

مات بسوذرجان من قرى أصبهان، سنة ثمان وتسعين وأربع مائة، وله تسع وثمانون سنة، ومات حفيده المذكور سنة سبعين وخمس مائة، أو بعدها، في عشر التسعين.

قرأنا على عيسى بن يحيى، أخبركم منصور بن سند، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ، أخبرنا عمر بن عبد الله بن عمر الواعظ، أخبرنا أبو أحمد العسال، حدثنا محمد بن عبد الله بن رسته، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا زافر بن سليمان، عن المستلم بن سعيد، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ولد بار ينظر إلى والده نظرة رحمة إلا كانت له بكل رحمة حجة مبرورة"، قيل: وإن نظر إليه في كل يوم مائة رحمة؟ قال: "نعم، إن الله أطيب وأكثر".

هذا منكر.

وفيها مات، الحافظ أبو علي البرداني، والمحدث أبو بكر سبط ابن مردويه، والسلطان بركيا روق بن ملكشاه، وثابت بن بندار البقال، وفقيه الحرم الحسين بن علي الطبري، والحافظ أبو علي الغساني، وأبو الحسن علي بن خلف العبسي بقرطبة، وفيد بن عبد الرحمن بن محمد الشعراني، ونصر الله بن أحمد الخشنامى، والشريف محمد بن عبد السلام.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 350"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1036"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 408".

ص: 204

‌4550 - الحَبَّال

(1)

:

الشيخ الثقة أبو البقاء المعمر بن محمد بن علي بن إسماعيل الكوفي، الحبال، الخزاز -بمعجمات- ويعرف بخريبه.

ولد سنة عشر وأربع مائة.

وسمع من: القاضي نجاح بن نذير المحاربي، وزيد بن أبي هاشم العلوي، وأبي الطيب أحمد بن علي الجعفري، وليس هو بالمكثر، لكنه اشتهر.

وحدث عنه أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي، وأبو المعالي الحلواني المروزي، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وكثير بن سماليق، وعبد الخالق اليوسفي، وابن ناصر، وأبو طاهر السلفي، وآخرون.

قال السمعاني: شيخ، ثقة، صحيح السماع، انتشرت عنه الرواية، وعمر حتى روى كثيرًا، وبورك له فيما سمع، سأله هزارسب عن مولده، فقال: سنة عشر. وقال أبو بكر بن طرخان، والحسين بن خسرو: سألناه عن مولده، فئقال: سنة ثلاث عشرة.

قلت: حدث ببغداد، وبالكوفة، وبها مات في جمادي الاخرة، سنة تسع وتسعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 354"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 193"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 410".

ص: 205

‌4551 - الطبري "آخر":

العلامة، مفتي الشافعية، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الله الطبري، الحاجي، البزازي.

قدم بغداد في الصبا، وسكنها، وتفئقه على القاضي أبي الطيب، وسمع منه، ومن الجوهري، ولزم الشيخ أبا إسحاق حتى أحكم المذهب والأصول والخلاف، وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني، ودرس بالنظامية سنة " (483) "، ثم قدم بعد أشهر عبد الوهاب بن محمد الفامي الشيرازي، فتقرر أن أشرك بينهما في التدريس، فدرسا مديدة، ثم صرفا بتولية الغزالي، فلما حج الغزالي سنة ثمان وثمانين، وذهب إلى الشام وطول الغيبة، ولي الطبري تدريس النظامية في صفر، سنة تسع، ثم فارق بغداد بعد ثلاثة أعوام، وسار إلى أصبهان لودائع كانت عنده.

روى عنه هبة الله بن السقطي شيئًا.

مات في شعبان، سنة خمس وتسعين وأربع مائة، وبأصبهان، رحمه الله.

‌4552 - دُقاق

(1)

:

صاحب دمشق، شمس الملوك، أبو نصر دقاق ابن السلطان تاج الدولة تتش ابن السلطان ألب آرسلان السلجوقي، التركي.

تملك بعد مقتل أبيه سنة سع وثمانين وأربع مائة، فكان في حلب، فطلبه خادم أبيه، ونائب قلعة دمشق سرًا من أخيه رضوان صاحب حلب، فبادر دقاق وجاء، فتملك، ثم أشار عليه زوج أمه طغتكين الأتابك بقتل خادمه المذكور ساوتكين لتمكنه، فقتله، ثم أقبل رضوان أخوه محاصرًا لدمشق، فلم يقدر عليها، فترحل، ثم استقل دقاق، ثم عرض له مرض تطاول به إلى أن مات في ثامن عشر رمضان، سنة سبع وتسعين، فكانت دولته عشر سنين. فقيل: إن أمه سمته، رتبت له جارية سمته في عنقود عنب نخسته بإبرة مسمومة، ثم ندمت أمه، وتهرى جوفه، ودفن بخانقاه الطواويس.

وعمد الأتابك طغتكين، فأقام في اسم الملك طفلًا لدقاق بعد أن استحضر من سجن قلعة بعلبك أخا لدقاق اسمه أرتاش، وسلطنه، ثم بعد ثلاثة أشهر تخيل أرتاش من الأتابك، وفر إلى بغدوين الفرنجي صاحب القدس، فما أعانه، فتوجه إلى العراق على الرحبة، فجاءه الأجل، فعمد الأتابك إلى الطفل المذكور، فنصبه مديدة، ثم تملك، وامتدت أيامه.

وكان قد وزر لدقاق أبو القاسم الحسن بن علي الخوارزمي، وقد كان عمل مصافًا بقرب حلب مع أخيه، فتفلل جمعه، ورد إلى دمشق.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 347"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 189"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 405".

ص: 206

‌4553 - صاحب خُراسان

(1)

:

السلطان أرسلان أرغون، ابن السلطان الب أرسلان السلجوقي.

لما مات أخوه السلطان ملكشاه، بادر هذا، واستولى على خراسان، وتمكن، وكان ظالمًا شرس الأخلاق، كثير العقوبة لخاصيته، فدخل عليه غلام له، فأنكر عليه أرغون تأخرخه عن الخدمة، فاعتذر، فلم يقبل له عذرًا، وكان وحده، فشد الغلام عليه بسكين، فئقتله في المحرم، سنة تسعين وأربع مائة.

وكانت دولته أربع سنين، فعلم بمقتله السلطان بركيا روق بن ملكشاه، فسار إلى خراسان، واستولى عليها، وخطبوا له أيضًا ببلاد ما وراء النهر، واستناب على خراسان أخاه الملك سنجر الذي امتدت أيامه.

وكان أرسلان قد تملك بلخ ومرو وترمذ، وظلم وغشم، وخرب سور نيسابور وغيرهما من المدائن، ووزر له عماد الملك بن نظام الملك، ثم قبض عليه، وأخذ منه ثلاث مائة ألف دينار، وذبحه.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 326"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 161"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 394".

ص: 207

‌4554 - ابن السَّوَادِي

(1)

:

الإمام المفتي أبو الحسين المبارك بن محمد بن السوادي الواسطي، الشافعي، نزيل نيسابور، مدرس، مناظر، متصون.

سمع: أبا علي بن شاذان، وأبا عبد الله بن نظيف المصري.

وعنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وطاهر بن مهدي، وعمر بن أحمد الصفار، وعبد الخالق الشحامي، وآخرون.

قال السمعاني: إمام عديم النظير، يتجمل يتقنع بقليل تجارة، تفقه بالقاضي أبي الطيب.

مات في ربيع الآخر، سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة، وله سبع وثمانون سنة.

‌4555 - ابن الطُّيوري

(2)

:

الشيخ الإمام، المحدث العالم المفيد، بقية النقلة المكثرين، أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم بن أحمد بن عبد الله البغدادي، الصيرفي، ابن الطيوري.

ولد سنة إحدى عشرة وأربع مائة.

سمع: أبا القاسم الحرفي، وأبا علي بن شاذان، ثم أبا الفرج الطناجيري، وابا محمد الخلال، وابن غيلان، وأبا الحسن العتيقي، ومحمد بن علي الصوري، وعلي بن أحمد الفالي، وأبا طالب العشاري، وعددًا كثيرًا، وارتحل، فسمع بالبصرة أبا على الشاموخي، وغيره، وجمع وخرج، وسمع ما لا يوصف كثرة.

حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، وابن ناصر، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وأبو بكر بن السمعاني، وأبو المعالي الحلواني المروزي، وأبو طاهر السلفي، وأبو بكرب بن النقور، وعبد الحق بن يوسف، وخطيب الموصل، وأبو السعادات القزاز، وأحمد بن علي العلوي النقيب، وبشر كثير.

قال أبو سعد السمعاني: كان محدثًا مكثرًا صالحًا، أمينًا صدوقًا، صحيح الأصول،

(1)

ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "5/ 311".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "4/ 209"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 154"، والعبر "3/ 356"، وميزان الاعتدال "3/ 431"، ولسان الميزان "5/ 9"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 412".

ص: 208

صينًا ورعًا وقورًا، حسن السمت، كثير الخير، كتب الكثير، وسمع الناس بإفادته، ومتعه الله بما يسمع حتى انتشرت عنه الرواية، وصار أعلى البغدادييين سماعًا، أكثر عنه والدي، وكان المؤتمن الساجي يرميه بالكذب، ويصرح بذلك، وما رأيت أحدًا من مشايخنا الثقات يوافق المؤتمن، فإني سألت مثل عبد الوهاب وابن ناصر، فأثنوا عليه ثناء حسنًا، وشهدوا له بالطلب، والصدق، والأمانة، وكثرة السماع، سمعت سلمان الشحام يقول: قدم أبو الغنائم النرسي، فانقطعنا عن مجلس ابن الطيوري أيامًا، فلما جئنا ابن الطيوري، قال: ما قطعكم عني؟ قلنا: قدم فلان كنا نسمع منه. قال: فأيش أعلى ما عنده؟ قلنا: حديث البكائي، فقام الشيخ أبو الحسين، وأخرج لنا شدة من حديث البكائي، وقال: هذه سماعي من أبي الفرج بن الطناجيري عنه. قال السمعاني: وأظنني سمعتها من ابن ناصر.

وقال أبو علي بن سكرة الصدفي: هو الشيخ الصالح الثقة أبو الحسين، كان ثبتًا فهمًا، عفيفًا متقنًا، صحب الحفاظ ودرب معهم، سمعت أبا بكر بن الخاضبة يقول: شيخنا أبو الحسين ممن يستشفى بحديثه.

وقال ابن ناصر في إملائه: حدثنا الثقة الثبت الصدوق أبو الحسين.

وقال السلفي: هو محدث مفيد ورع كبير، لم يشتغل قط بغير الحديث، وحصل ما لم يحصله أحد من كتب التفاسير والقراءات واللغة، والمسانيد والتواريخ والعلل والأدبيات والشعر، كلها مسموعة، رافق الصوري، واستفاد منه، والنخشبي، وظاهرًا النيسابوري. كتب عنه: مسعود السجزي، والحميدي، وجعفر بن الحكاك، وأكثروا عنه.

وقال الأمير أبو نصر: هو صديقنا أبو الحسين يعرف بابن الحمامي -مخفف- سمع خلقا، وهو من أهل الخير والعفاف والصلاح.

قال ابن سكرة: ذكر لي شيخنا أبو الحسين ان عنده نحو ألف جزء بخط الدارقطني، أو أخبرت عنه بذلك، وأخبرني أن عنده أربعة وثمانين مصنفًا لابن أبي الدنيا.

انتقى السلفي عدة أجزاء من الفوائد والنوادر على ابن الطيوري، وكتب الحديث ابن إحدى عشرة سنة.

وقال أبو نصر اليونارتي: هو ثقة، ثبت، كثير الأصول، يحب العلم وأهله، وقد وصفوه بالمعرفة، وسعة الرواية، وكان دينًا صالحًا، رحمه الله.

مات في نصف ذي القعدة، سنة خمس مائة، عن تسعين سنة.

ص: 209

‌4556 - أبو الفَتح الحَدَّاد

(1)

:

الشيخ العالم المقرئ مسند الوقت أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأصبهاني، الحداد، التاجر، سبط الحافظ أبي عبد الله بن منده.

تفرد بإجازة إسماعيل بن ينال المحبوبي صاحب ابن محبوب.

وسمع من: أبي سعيد محمد بن علي النقاش، وعلي بن عبدكويه، وأحمد بن إبراهيم بن يزداد غلام محسن، وأبي سهل عمر بن أحمد الفقيه، وأبي بكر محمد بن الحسين الدشتي، وأبي سعيد الحسن بن محمد بن حسنويه، وعبد الواحد بن أحمد الباطرقاني، وأبي الفرج محمد بن عبد الله بن شهريار، وعدد كثير. وأجاز له أيضًا: أبو سعيد الصيرفي، وعلي بن محمد الطرازي.

حدث عنه: أبو طاهر السلفي، وابو الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي، وعبد الوهاب الأنماطي، وصدقة بن محمد، وشاكر الأسواري، وآخرون.

وقد قرأ القراءات على أبي عمر الخرقي، وبمكة على أبي عبد الله الكارزيني، فكان خاتمة أصحابه موتًا.

تلا عليه السلفي لعاصم إلى الحواميم.

مولده في سنة ثمان وأربع مائة، ومات في ذي القعدة، سنة خمس مائة.

‌4557 - القَزويني

(2)

:

الشيخ الفقيه الخير أبو الفرج محمد ابن المفتي أبي حاتم محمود بن الحسن الأنصاري، القزويني، الآملي، الذي أملى بالمدينة النبوية على السلفى.

سمع: أباه، ومنصور بن إسحاق، وسهل بن ربيعة.

روى عنه: ابن ناصر، وشهدة، وابن الخل.

مات بآمل، في أول سنة إحدى وخمس مائة.

وفيها مات: إسماعيل بن عمرو البحيري المحدث، وصاحب إفريقية تميم بن المعز بن باديس، وأبو علي التككي، وأبو محمد الدوني، وأبو سعد الأسدي، وصاحب الحلة سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي قتل.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 151"، والعبر "3/ 355"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردى "5/ 195"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 410".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 2"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 3".

ص: 210

‌4558 - ابن بِشْرُويه

(1)

:

الإمام الحافظ، المقيد الصدوق، أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن بشرويه الأصبهاني.

قال: ولدت سنة خمس عشر وأربع مائة.

سمع: أبا عبد الله بن حسنكويه، ومحمد بن علي بن مصعب التاجر، والهيثم بن محمد الخراط، ومحمد بن علي بن شهريار، وأبا نعيم الحافظ وأبا ذر الصالحاني، وإبراهيم بن محمد الجلاب، وخلقًا كثيرًا.

حدث عنه: هبة الله بن طاوس، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو طاهر السلفي، وعدة.

قال السلفي: كان من أهل المعرفة بالفقه والحديث والفرائض، كتبت بانتخابه كثيرًا، وأكثرنا عنه لثقته ومعرفته.

قلت: مات في جمادي الآخرة، سنة إحدى وتسعين وأربع مائة.

‌4559 - البَرَدَاني

(2)

:

الشيخ الإمام الحافظ الثقة، مفيد بغداد، أبو علي أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن حسن البرداني، ثم البغدادي. ولد سنة ست وعشرين وأربع مائة.

وسمع: أبا طالب بن غيلان، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا طالب العشاري، وأبا الحسن بن القزويني الزاهد، وأبا محمد الجوهري، وعبد العزيز الأزجي، والقاضي أبا يعلى، وعبد الصمد بن المأمون، والخطيب، وعدة، ولم يرحل.

(1)

ترجمته في تبصير المنتبه "1/ 91"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 163".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "2/ 136"، واللباب لابن الأثير "1/ 135"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 144"، والعبر "3/ 350"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1048"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 408".

ص: 211

قال السمعاني: كان أحد المشهورين في صنعة الحديث، وكان حنبليًا، استملى للقاضي أبي يعلى، حدثنا عنه إسماعيل الحافظ.

قلت: جمع مجلدًا في المنامات النبوية، سمعنا "متنقاه" على الأمين الصفار، عن الساوي، عن السلفي، عنه، وقد سأله السلفي، عن تبيين أحوال جماعة، فأجاب وأجاد.

قال السلفي: هو كان أحفظ وأعرف من شجاع الذهلي، وكان ثقة نبيلًا، له مصنفات.

قلت: وزحدث عنه أيضًا: على بن طراد الوزير، وأحمد بن المقرب.

وقرأت بخط أبي على البرداني، أخبرنا عثمان بن دوست العلاف إجازة سنة ثمان وعشرين وأربع مائة، وفيها مات، قال: أخبرنا أبو بكر الشافعي

، فذكره حديثا.

وأخبرنا محمد بن طارق، أخبرنا يوسف بن محمود، أخبرنا السلفي، أخبرنا أبو علي، أخبرنا محمد بن عبد الملك، أخبرنا الحسين بن عمر، أخبرنا حامد بن شعيب، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني سليكان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه، فقال:"اللهم هل بلغت؟ " ثلاث مرات "إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة

". وذكر باقي الحديث، وهو غريب فرد، أخرجه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه كلهم من حديث إسماعيل بن جعفر، وهو ثقة.

مات البرداني في شوال، سنة ثمان وتسعين وأربع مائة، وأبوه شيخ محدث.

وفيها مات: السلطان ركن الدولة أبو المظفر بركيا روق ابن السلطان ملكشاه بن ألب آرسلان السلجوقي شابًا له خمس وعشرون سنة، وبقي في الملك اثنتي عشرة سنة، وجرت بينه وبين أخيه السلطان محمد حروب تشيب الأطفال، مات ببروجرد.

وفيها مات صاحب ماردين، وجد ملوكها الملك سقمان بن أرتق التركماني.

ص: 212

‌4560 - الخَيَّاط

(1)

:

الإمام القدوة المقرئ، شيخ الإسلام أبو منصور محمد بن أحمد بن علي بن عبد الرزاق البغدادي، الخياط، الزاهد.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 353"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 406".

ص: 212

ولد في سنة إحدى وأربع مائة، فلو سمع في صباه، لأدرك أصحاب القاضي المحاملي، ولو تلا وهو حدث، للحق أبا الحسن بن الحمامي.

سمع: أبا القاسم بن بشران، وعبد الغفار المؤدب، وأبا بكر محمد بن عمر بن الأخضر، وأبا الحسن بن القزويني. وتلا على: أبي نصر بن مسرور، وغيره.

جلس لتعليم كتاب الله دهرًا، وتلا عليه أمم.

وروى عنه سبطاه: أبو محمد عبد الله، والحسين بن ناصر، والسلفي، وخطيب الموصل، وأحمد بن عبد الغني الباجسرائي، وسعد الله بن الدجاجي، وعدة.

قال السمعاني: صالح، ثقة، عابد، ملقن، له ورد بين العشاءين بسبع، وكان صاحب كرامات.

وقال ابن ناصر: كانت له كرامات.

وقال آخر: كان إمام مسجد ابن جردة بالحريم، لقن العميان دهرًا لله، وكان يسأل لهم، وينفق عليهم، بحيث إن ابن النجار نقل في "تاريخه" أن أبا منصور الخياط بلغ عدد من أقرأهم من العميان سبعين ألفًا، ثم قال: هكذا رأيت بخط أبي نصر اليونارتي الحافظ.

قلت: هذا مستحيل، والظاهر أنه أراد أن يكتب نفسًا، فسبقه القلم فخط ألفًا، ومن لقن القرآن لسبعين ضريرًا، فقد عمل خيرًا كثيرًا.

ونقل السلفي عن علي بن الأيسر العكبري، قال: لم أر أكثر خلقًا من جنازة أبي منصور، رآها يهودي، فاهتال لها وأسلم.

وقال أبو منصور بن خيرون: ما رأيت مثل يوم صلى علي أبي منصور من كثرة الخلق.

قال السمعاني: رؤى بعد موته، فقال: غفر الله لي بتعليمي الصبيان الفاتحة. مات: في المحرم، سنة تسع وتسعين وأربع مائة.

وفيها مات، أبو الفضل أحمد بن عبد المنعم بن الكريدي بدمشق، وأبو سعد علي بن عبد الله بن أبي صادق الحيري، وأبو الفوارس عمر بن المبارك الحرفي المحتسب، وأبو نعيم محمد بن إبراهيم الواسطي بن الجماري، وأبو البركات محمد بن عبد الله بن الوكيل المقرئ، وأبو البقاء الحبال.

ص: 213

‌4561 - مُهارش

(1)

:

ابن مجلي بن عكيث الأمير أبو الحارث، مجير الدين، من وجوه العرب بعانة والحديثة، ذو برٍّ وصدقاتٍ، وصلاةٍ، وخيرٍ، أجار القائم بأمر الله في فتنة البساسيري، وآواه إليه سنة في ذمامه إلى أن عاد إلى مقر عزه، فكان يخدم الخليفة بنفسه. وله، وكتب بها إلى القائم:

لولا الخليفة ذو الإفضال والمنن

نجل الخلائف آل الفرض والسنن

ما بعت قومي وهم خير الأنام وقد

أصبحت أعرف بغدادًا وتعرفني

ما يستحق سواي مثل منزلتي

ما دام عدلك هذا اليوم ينصفني

وهي طويلة. مات سنة تسع وتسعين وأربع مائة.

‌4562 - ابن سِوار

(2)

:

الإمام، مقرئ العصر، أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن سوار البغدادي، المقرئ، الضرير، أحد الحذاق.

ولد سنة اثنتي عشرة وأربع مائة، وقرأ بالروايات على: عتبة بن عبد الملك العثماني، وأبي منصور أحمد بن محمد بن إسحاق صاحب أبي حفص الكتاني، وعبد الله بن مكي السواق، وأبي الفتح بن شيطا، وأبي نصر أحمد بن مسرور، وأبي علي الشرمقاني، والحسن بن علي العطار، وعلي بن محمد الخياط، وحسن بن غالب الحربي، وفرج بن عمر الواسطي.

وسمع من: محمد بن عبد الواحد بن رزمة، ومحمد بن الحسين الحراني، ومحمد بن محمد بن غيلان، وأبي القاسم التنوخي، وآخرون.

قرأ عليه بالسبع وغيرها أبو علي بن سكرة، ومحمد بن الخضر المحولي، وذكوان بن علي، وأبو الكرم الشهرزوري، وأبو محمد سبط الخياط.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 148"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 269"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 193".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 135"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "4/ 46"، والعبر "3/ 343"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "7/ 204"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردى "5/ 187"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 403".

ص: 214

وحدث عنه: ابن ناصر، وأبو طاهر السلفي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأحمد بن المقرب.

قال ابن سكرة: حنفي، ثقة، خير، حبس نفسه على الإقراء والتحديث.

وقال ابن ناصر: ثقة، نبيل، متقن، ثبت.

وقال أبو سعدٍ السمعاني: كان ثقة أمينًا مقرئًا، حسن الأخذ، ختم عليه جماعة كتاب الله، وكتب بخطه الكثير من الحديث.

وقال السلفي: سمعت منه معظم كتاب "المستنير" له، وله فوت من آخره.

قلت: توفي ابن سوار في شعبان، سنة ستٍّ وتسعين وأربع مائة، ببغداد، وأول ما تلا كان في سنة ثلاثين وأربع مائة.

ص: 215

‌4563 - الشَّعْبِيُّ:

شيخ المالكية، أبو المطرف عبد الرحيم بن قاسم الشعبي المالقي، مفتي بلده.

سمع من: قاسم المأموني بالمرية، وأبي الحسن بن عيسى المالقي، وله إجازة من يونس بن عبد الله بن شعيث، وطائفة.

روى عنه أبو عبد الله بن سليمان، وغيره.

ولي قضاء بلده، ثم سجنه أميرها تميم لأمر بلغه، فلما استولى ابن تاشفين، دعاه للقضاء فأبى، وأشار بأبي مروان بن حسون، فكان أبو مروان لا يبرم أمرا دونه، وعمر دهرًا، وبعد صيته.

مات في رجب سنة سبعٍ وتسعين وأربع مائة، وله خمس وتسعون سنة.

مات هو وابن الطلاع في جمعة.

‌4564 - السرَّاج

(1)

:

الشيخ الإمام، البارع المحدث المسند، بقية المشايخ، أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسن بن أحمد البغدادي، السراج، القارئ، الأديب.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 151"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "7/ 153"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 357"، والعبر "3/ 355"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 194"، وبغية الوعاة للسيوطي "1/ 485"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 411".

ص: 215

قال: ولدت في آخر سنة سبع عشرة، أو في أول التي تليها.

سمع: أبا علي بن شاذان، ثم سمع بنفسه من أحمد بن علي التوزي، ومحمد بن إسماعيل بن سنبك، وأبي محمد الخلال، وعبيد الله بن عمر بن شاهين، وأبي محمد الحسين بن المقتدر، وأبي طالب الغيلاني، وأبي الحسن بن القزويني، وأبي إسحاق البرمكي، وأبي القاسم التنوخي، وأبي الفتح بن شيطا، وعدة ببغداد.

وسمع من: الحافظ أبي نصر السجزي مسلسل الأولية بمكة، ومن محمد بن إبراهيم الأردستاني، وبمصر من: الشيخ عبد العزيز بن الحسن الضراب، وطائفة، وبدمشق من: أبي القاسم الحنائي، والخطيب؛ وخرج له شيخه الخطيب خمسة أجزاء مشهورة سمعناها.

حدث عنه: ابنه؛ ثعلب، وأبو القاسم بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، ومحمد بن ناصر، وأبو الفتح بن البطي، وأبو طاهر السلفي، وسلمان الشحام، وأبو الحسن بن الخل، وعبد الحق اليوسفي، وأبو الفضل خطيب الموصل، وشهدة بنت الإبري، وخلق كثير.

كتب بخطه الكثير، وصنف كتاب "مصارع العشاق"، وكتاب "حكم الصبيان"، وكتاب "مناقب الحبش"، ونظم الكثير في الفقه، وفي المواعظ واللغة، وشعره حلوٌ عذب في فنون القريض، انتخب السلفي عليه من أصوله ثلاثين جزءًا، حدث ببغداد، ومصر، ودمشق، وسمع منه شيخه أبو إسحاق الحبال.

قال شجاع الذهلي: كان صدوقًا، ألف من فنونٍ شتى.

وقال أبو علي الصدفي: هو شيخ فاضل، جميلٌ وسيم، مشهور يفهم، عنده لغة وقراءاتٌ، وكان الغالب عليه الشعر، نظم كتاب "التنبيه" لأبي إسحاق، ونظم منسكًا.

وقال أبو بكر بن العربي: ثقة، عالم، مقرئ، له أدبٌ ظاهر، واختصاص بأبي بكر الخطيب.

وقال السلفي: كان الإمام يفتخر برؤيته ورواياته لديانته ودرايته، له تواليف مفيدة، وفي شيوخه كثرة، أعلاهم ابن شاذان.

وقال حماد الحراني: سئل السلفي عن السراج، فقال: كان عالمًا بالقراءات، والنحو، واللغة، ثقة ثبتًا، كثير التصنيف.

وقال ابن ناصر: كان ثقة مأمونًا، عالمًا فهمًا صالحًا، نظم كتبًا كثيرة، منها كتاب "المبتدأ" لوهب بن منبه، وكان قديمًا يستملي على الخلال والقزويني، مات في صفر، سنة خمس مائة.

ص: 216

قال السلفي: أنشدنا السراج لنفسه:

لله در عصابةٍ

يسعون في طلب الفوائد

يدعون أصحاب الحد

يث بهم تجملت المشاهد

طورًا تراهم بالصعي

دِ وتارةً في ثغر آمد

يتبعون من العلو

مِ بكل أرضٍ كل شارد

وهم النجوم المقتدى

بهم إلى سبل المقاصد

ص: 217

‌4565 - جَيَّاش

(1)

:

هو صاحب اليمن وأبو أصحابه الملك أبو فاتك جياش بن نجاح الحبشي، مولى حسين بن سلامة النوبي مولى آل زياد ملوك اليمن.

كان أبوه قد استولى على اليمن، وأباد أضداده، وتمكن إلى أن ظهر الصليحي وتملك ومكر بنجاح، فسمه، فهرب أولاده، ولحقوا بالحبشة، ورأسهم سعيد بن نجاح الأحول، وتكلم الكهان بأن هذا الأحول يقتل الصليحي، وصورت للصليحي صورة الأحول على جميع أحواله، واستشعر منه، فترقت همته، وجاء من الحبشة في خمسة آلاف حربةٍ، فكبس الصليحي بالمهجم مخيمه، فقتله، وقتل أخاه، وعدةً، وأخذ خزانته، وكانت عظيمة، وجمع بعض آل الصليحي، فقتلهم رميًا بالحراب، وتملك زبيد، وعلق الرأس، فقال العثماني شاعر:

نكرت مظلته عليه فلم ترح

إلا على الملك الأجل سعيدها

ما كان أقبح وجهه في خالها

ما كان أحسن رأسه في عودها

سود الأراقم قاتلت أسد الشرى

يا رحمتا لأسودها من سودها

ثم بعد سنة، حشد مكرم بن الصليحي، وأقبل من صنعاء، فالتقوا، فانكسر السودان، وانهزم الأحول، ونزلوا السفن، واسترد مكرم زبيد، وخلص أمه، ثم فلج، ففوض الأمور إلى زوجته الحرة سيده، وأقبل على اللهو مع فالجه إلى أن هلك سنة " (484) "، وعهد بالملك إلى ابن عمه السلطان سبأ بن أحمد، وكان الحرب بينه وبين آل نجاح سجالًا، وكتب خليفة

(1)

ترجمته في الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "11/ 228".

ص: 217

مصر إلى الحرة: قد زوجتك بأمير الأمراء سبأ على مائة ألف دينار، ثم لما مات سبأ، قامت بملكها، ودبر دولتها المفضل، وامتدت أيام الحرة خمسين سنة.

نعم، ثم توثب سعيدٌ الأحول على صنعاء، ثم هلك سنة ستٍّ وثمانين، وتملك بعده أخوه جياش، وقد تنكر وسار مع وزيره قسيم الملك إلى الهند.

قال جياش: دخلنا الهند سنة "481"، فأقمنا ستة أشهر ورجعنا، فقدم إنسان من سرنديب يتكلم على المستقبلات، فسألنا عن حالنا، وبشرنا بأمور لم تخرم، واشتريت جارية هندية، وجئنا عدن، فقلت لوزيري: امض إلى زبيد، فأشع موتي، واكشف الأمور، وصعدت جبلة، وكشفت أحوال المكرم، ثم أتيت زبيد، فخبرني الوزير بما يسر عن أوليائنا، وأنهم كثيرٌ، فأخذت من لحيتي، وسترت عيني بخرقة، وطولت أظافري، وقصدت دار ابن القم الوزير فأسمعه يقول: لو وجدت كلبًا من آل نجاح لملكته، وذلك لشرٍّ وقع بينه وبين ابن شهاب رفيقه، فخرج ولد ابن القم، فقال: يا هندي، تحسن الشطرنج؟، قلت: نعم، قال: فغلبته، فثار، وكان طبقة أهل زبيد، فقال له أبوه: ما لنا من يغلبك إلَّا جياش، وقد مات، ثم لعبت مع الأب، فمنعت الدست، فأحبني وخلطني بنفسه، وهو يقول كل الوقت: عجل الله علينا بكم يا آل نجاح، فأخذت أكاتب الحبوش حتى حصل حول زبيد خمسة آلاف حربةً، وأمرت وزيري، فأخذ لي عشرة آلاف دينار مودعة، فأنفقتها فيهم، وضرب ولد ابن القم عبدًا له، فنالني طرف سوطه، فقلت: أنا أبو الطامي، فقال أبوه: ما اسمك? قلت: بحرٌ، قال: كنية مناسبة.

وقال مرة لابنه: إن غلبت الهندي، أوفدتك بارتفاع السنة على المكرم. قال: فتراخيت له، فغلبني، فطاش فرحًا، ومد يده إلى وجهي، فأحفظني، وقمت، فعثرت، فاعتزيت، وقلت: أنا جياش بن نجاح، ففهمها الأب، فوثب خلفي حافيًا، وضمني، وأخرج المصحف، وحلف لي، وحلفت له، وأمر بإخلاء دار أعز بن الصليحي، وحمل إليها الأمتعة، ونقلت إليها سريتي، فولدت لوقتها ولدي الفاتك، وضربت الطبل، وظهرنا، فأسرنا ابن شهاب، فقال: مثلي لا يطلب العفو، والحرب سجالٌ، قلت: ومثلك لا يقتل. ثم أحسن إليه جياش، وتسلم دار الملك، ولم يمض شهرٌ حتى ركب في عشرين ألف حربة، ولم يقو به المكرم، ولم يزل مالكًا إلى أن مات سنة خمس مائة.

وقيل: مات سنة ثمان وتسعين عن ستة بنين، فتملك ابنه الفاتك، ثم حاربه إبراهيم أخوه، ومات فاتكٌ سنة "53"، فملكت عبيده ولده المنصور صغيرًا، فتوثب عبد الواحد بن جياش، فتملك زبيد، وهربت الخدم بالصبي، وجرت حروب طويلة، ثم تمكن الصبي مدة، وولي بعده ابنه فاتك بن منصور، ثم تملك ابن عمه، فدامت دولته إلى أن قتله عبيده في سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة، واسمه فاتك بن محمد بن المنصور، وكان هو وعبيده لا بأس بدولتهم، وحكموا على شطر اليمن مع بقايا آل الصليحي، ومع الشرفاء الزيدية.

ص: 218

‌4566 - صاحبُ ماردين

(1)

:

الملك سقمان بن الأمير الكبير أرتق بن أكسب التركماني أخو الملك إيلغازي.

وليا إمرة القدس بعد أبيهما، فضايقهما ابن بدرٍ أمير الجيوش، وأخذه منهما قبل أخذ الفرنج له بأشهرٍ، فذهبا واستوليا على ديار بكر.

مات سقمان بقرب طرابلس سنة ثمان وتسعين، وماردين اليوم ومن قبل ما زالت في يد ذريته.

قيل: إن ابن عمار طلبه لينجده على الفرنج، وإن صاحب دمشق مرض، وهم بتسليم دمشق إليه، فسار إليها ليملكها، ثم يغزو الفرنج، فمات بالخوانيق، ونقل، فدفن بحصن كيفا.

‌4567 - البَاقِلاَّني

(2)

:

الشيخ الصالح المحدث أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن خذاداذا الباقلاني، البقال، الفامي، البغدادي.

سمع من: أبي علي بن شاذان، وأبي بكر البرقاني، وأحمد بن عبد الله بن المحاملي وطائفة.

روى عنه أبو بكر السمعاني، وإسماعيل بن محمد التيمي، وابن ناصر، والسلفي، وخطيب الموصل، وشهدة، وخلق.

أثنى عليه عبد الوهاب الأنماطي، وقال ابن ناصر: كان كثير البكاء من خشية الله.

قلت: عاش ثمانين سنة أو أزيد، وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة خمس مائة، وهو أخو الشيخ أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرخي المذكور.

(1)

ترجمته في العبر "3/ 351"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 188"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "3/ 409".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 153"، والعبر "3/ 356"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردى "5/ 195"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 412".

ص: 219

‌4568 - ابن زَنْجُويه

(1)

:

الإمام الفقيه المعمر أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن زنجويه الزنجاني الشافعي.

ولد سنة ثلاث وأربع مائة.

وقدم بغداد شابًا، فسمع من أبي علي بن شاذان. وطائفة، فسمع "مسند الإمام أحمد" من الحسين الفلاكي صاحب القطيعي، وسمع "غريب أبي عبيد" من ابن هارون التغلبي عاليًا، وقرأ لأبي عمرو على ابن الصقر الكاتب، وصارت الرحلة إليه، ومدار الفتوى ببلده عليه، وسمع من أبي طالب الدسكري، والعلامة عبد القاهر بن طاهر البغدادي الأصولي، والحسن بن معروف الزنجاني صاحب ابن المقرئ، سمع منه "مسند أبي يعلى".

قال شيرويه الحافظ: كان فقيهًا، متقنًا، رحلت إليه بابني شهردار، وسمعنا منه بزنجان.

قلت: وحدث عنه السلفي، وشعبة بن أبي شكر الأصبهاني، وابن طاهر المقدسي، وهو من كبار تلامذة القاضي أبي الطيب الطبري، رأيت له ترجمة مفردة بخط الحافظ عبد الغني كتبها عن السلفي، وأنه قرأ كتاب "المرشد" على مؤلفه أبي يعلى بن السراج، وتلا عليه بما فيه، وأنه كتب بنيسابور "تفسير إسماعيل بن أحمد الضرير" عنه، وسمع من أبي عبد الله بن باكويه، ثم قال: سمعته يقول: أنا أفتي من سنة تسع وعشرين وأربع مائة، وقيل لي عنه: إنه لم يفت خطا قط، وأهل بلده يبالغون في الثناء عليه، الخواص والعوام، ويذكرون ورعه، وقلة طمعه.

قلت: ما ظفرت بوفاته، لكنه حدث في سنة خمس مائة، وانقطع خبره.

‌4569 - ابن أبي الصَّقْر

(2)

:

العلامة أبو الحسن محمد بن علي بن حسن بن أبي الصقر الواسطي، الكاتب، أحد الشعراء.

وكان من كبار الشافعية، علق المذهب بالنظامية عن الشيخ أبي إسحاق، فله عنه ثلاث تعليقات.

(1)

ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "4/ 45".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 145"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "18/ 257"، وطبقات الشافعية للسبكي "4/ 191"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 191".

ص: 220

وحدث عن: عبيد الله بن هارون القطان، وعيسى بن خلف الأندلسي، وأخذ الأدب عن أبي غالب بن الخالة، ومحمد بن محمد بن عيسى الخيشي النحوي، وسمع ببغداد من: أبي بكر الخطيب، وعاد إلى بلده، ثم قدم بغداد، وحدث بها.

روى عنه: ابن ناصر، وابن الجواليقي، وكثير بن سماليق، والسلفي.

وقال شجاع الذهلي: لا بأس به، وله شعر مطبوع.

وقال الحوزي أبو الكرم: كان يقول أنا من ولد الوزير أبي الصقر إسماعيل بن بلبل، قال أبو الكرم: ولما وقعت الفتنة بين الحنابلة والأشعريين، كان قائمًا وقاعدًا فيها، وعمل في ذلك أشعارًا، وبلغ التسعين إلَّا شهورًا، مات بواسط في جمادى الأولى سنة ثمانٍ وتسعين وأربع مائة.

ص: 221

‌4570 - الدَّوني

(1)

:

الشيخ العالم، الزاهد، الصادق، أبو محمد عبد الرحمن بن حمد بن الحسن بن عبد الرحمن الدوني الصوفي، من قرية الدون: من أعمال همذان، على عشرة فراسخ منها، مما يلي مدينة الدينور.

كان آخر من روى كتاب "المجتبى" من "سنن النسائي"، وغير ذلك عن القاضي أبي نصر أحمد بن الحسين الكسار صاحب ابن السني.

حدث عنه: ابن طاهر المقدسي، وابنه أبو زرعة، وأبو بكر بن السمعاني، وأبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفتوح الطائي صاحب الأربعين، وسعد الخير الأندلسي، ومحمد بن بنيمان، وعبد الرزاق بن إسماعيل القومساني، وابن عمه المطهر بن عبد الكريم، وأبو الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي، وأبو العباس بن ينال الترك، وآخرون.

قرأ عليه السلفي في سنة خمس مائة بالدون كتاب النسائي، وحدثني أنه اقتدى في التصوف بأبيه، وأبوه اقتدى بجده، وهو اقتدى بحسين بن علي الدوني، وهو اقتدى بمحمد بن عبد الخالق الدينوري صاحب ممشاذ الدينوري، وممشاذ بالشيخ أبي سنان، فقيل: إن هذا اقتدى بأبي تراب النخشبي.

وقال السلفي: قال ابنه أبو سعدٍ لي: لوالدي خمسون سنةً ما أفطر النهار.

قال شيرويه: كان صدوقًا متعبدًا، سمعت منه "السنن"، و"رياضة المتعبدين".

وقال السلفي: كان سفياني المذهب، ثقةً، ولد سنة سبع وعشرين وأربع مائة.

وقال غيره: سماعه للسنن في شوال سنة ثلاث وثلاثين، مات في رجب، سنة إحدى وخمس مائة.

قلت: ذهب إلى أصبهان، فحدث بها بالكتاب.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 2"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 197"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 3".

ص: 221

‌4571 - ابن خُشَيْش

(1)

:

الشيخ الصالح المعمر الصدوق أبو سعد محمد بن عبد الكريم بن خشيش البغدادي.

سمع أبا علي بن شاذان، وأبا الحسن بن مخلد البزاز، وسماعه صحيح، وهو من رواة "جزء ابن عرفة".

حدث عنه: أبو طاهر السلفي، والكاتبة شهدة، وأبو السعادات القزاز، وآخرون.

مات في عاشر ذي القعدة سنة اثنتين وخمس مائة، وله تسع وثمانون سنة، رحمه الله تعالى.

وفيها توفي: أبو الفوارس حسين بن علي بن الخازن صاحب الخط البديع، وأبو أحمد حمد بن عبد الله بن أحمد يحنه الأصبهاني المعبر، والعلامة أبو المحاسن الروياني، قتلته الإسماعيلية، وأبو القاسم الربعي، وهبة الله بن أحمد بن محمد بن الموصلي في عشر التسعين، والعلامة أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي.

‌4572 - ابن سُوسَن

(2)

:

الشيخ المعمر أبو بكر أحمد بن المظفر بن حسين بن عبد الله بن سوسن التمار.

حدث عن: أبي علي بن شاذان، وأبي القاسم الحرفي، وعبد الملك بن بشران.

حدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو طاهر السلفي، ويحيى بن شاكر، وآخرون.

قال الأنماطي: شيخ مقارب.

وقال السمعاني: كان يلحق سماعاته في الأجزاء. قاله شجاع الذهلي، مات: في صفر سنة ثلاث وخمس مائة، وله اثنتان وتسعون سنة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 160"، والعبر "4/ 5"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 5".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 164"، والعبر "4/ 6"، ولسان الميزان "1/ 311"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 7".

ص: 222

‌4573 - ابن العَلاَّف

(1)

:

المولى الجليل، الحاجب الثقة، مسند العراق، أبو الحسن علي بن المقرئ أبي طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف بن يعقوب البغدادي ابن العلاف، من بيت الرواية والعلم، ومن حجاب الخلافة.

قال أبو بكر السمعاني: سمعته يقول: ولدت سنة ست وأربع مائة في المحرم، وسمعت من أبي الحسين بن بشران: ووعظ ابن سبعين سنة.

قلت: سمع أبا الحسن بن الحمامي، وعبد الملك بن بشران، وكان حميد الطريقة، صدوقًا، ضاع سماعه من أبي الحسين.

حدث عنه: ولده؛ أبو طاهر محمد بن علي، ومحمد بن محمد السنجي، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفضل الطوسي، وأبو بكر بن النقور، وعبد الحق اليوسفي، وقيس بن محمد السويقي، وأبو طالب بن خضير، والمبارك بن علي الخياط، ويحيى بن ثابت البقال، وعبد الله بن منصور الموصلي، ووجيه بن هبة الله السقطي، وأحمد بن علي العلوي النقيب، وعبد الله بن أحمد بن النرسي، وخمرتاش مولى ابن المسلمة، وعبد الله بن أحمد بن حمتيس السراج، وأبو السعادات نصر الله القزاز، وخلق سواهم.

مات في الثالث والعشرين من المحرم، سنة خمس وخمس مائة، وقد استكمل تسعًا وتسعين سنة.

وفيها مات: المحدث أبو محمد عبد الله بن علي بن الآبنوسي، والحافظ أبو بكر محمد بن حيدرة بن مفوز الشاطبي، وشيخ الفقهاء بسبتة أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي، وحجة الإسلام أبو حامد الغزالي، وأبو سعد محمد بن علي بن محمد التاني سرفوتج من أصحاب أبي نعيم.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 168"، والعبر "4/ 9"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 10".

ص: 223

‌4574 - السَّنْجِبسْتي

(1)

:

القاضي الإمام، الفرضي المعمر، مسند خراسان، أبو القاسم إسماعيل بن الحسن بن علي بن حمدون الخراساني، السنجبستي.

ولد سنة عشر وأربع مائة تقريبًا أو جزمًا.

وسمع: أبا بكر بن الحسن الحيري، وأبا سعيد الصيرفي، وأبا علي البلخي، وألحق الأحفاد الأجداد، وهو من بيت حشمة وجلالة.

حدث عنه: أبو بكر السمعاني، ومحمد بن محمد السنجي، وأبو شجاع عمر بن محمد البسطامي، ومحمد بن حسين الواعظ، وأبو الفتوح الطائي، وعدة.

وثقه عبد الغافر بن إسماعيل، كان يقدم من قريته، ويحدث بنيسابور، وهي على مرحلةٍ من نيسابور.

توفي بسنجبست في صفر، سنة ست وخمس مائة، وهو في عشر المائة.

وفيها مات: أبو غالب أحمد بن محمد بن أحمد بن القارئ العدل، والمحدث أبو الفضل العباس بن أحمد الشقاني النيسابوري، والفضل بن محمد بن عبيد القشيري، والواعظ أبو سعد المعمر بن علي بن أبي عمامة الحنبلي، وقاضي دمشق أبو عبد الله محمد بن موسى التركي البلاساغوني الحنفي.

‌4575 - الجُمَّاري:

أبو نعيم محمد بن إبراهيم بن محمد بن خلف الواسطي، راوي "مسند مسدد" عن أحمد بن المظفر العطار.

حدث عنه: علي بن نغوبا، وأبو طالب الكتاني المحتسب، وهبة الله ابن الجلخت، وآخرون.

وثقه المحدث خميس.

توفي في حدود سنة خمس مائة، فإنه حدث في سنة تسع وتسعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 162"، واللباب لابن الأثير "2/ 146"، والعبر "4/ 11"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 14".

ص: 224

‌4576 - الشَّيرَوي

(1)

:

الشيخ الصالح، العابد المعمر، مسند العصر، أبو بكر عبد الغفار بن محمد بن الحسين بن علي بن شيرويه بن علي الشيروي، النيسابوري، التاجر.

ولد سنة أربع عشرة وأربع مائة في ذي الحجة.

وسمع وهو ابن ستة أعوام من: القاضي أبي بكر الحيري، وأبي سعيد الصيرفي، وهو خاتمة أصحابهما، وعبد القاهر بن طاهر الأصولي، ومحمد بن إبراهيم المزكي، والقدوة فضل الله بن أبي الخير الميهني، وجماعة.

حدث عنه: أبو بكر السمعاني، وولده الحافظ أبو سعد حضورًا، وأبو الفتوح الطائي، وعبد الرحيم الحاجي، وعبد المنعم بن عبد الله الفراوي، وخلقٌ، وبالإجازة: ذاكر بن كامل الخفاف، وأبو المكارم اللبان.

قال السمعاني في "الأنساب": كان شيخًا صالحًا عابدًا معمرًا، رحل إليه من البلاد، وقد ارتحل إلى أصبهان، وسمع من: أبي بكر بن ريذة، وأبي طاهر بن عبد الرحيم، حضرني أبي مجلسه، وكان والده يروي عن أبي طاهر المخلص.

قلت: وسمع من: أبيه، ومن أبي حسان المزكي، وأحمد بن محمد بن الحارث النحوي، وأجاز لمن أدرك حياته، وهو من قرية كونابذ، وعربت فقيل لها: جنابذ، وهي من قهستان ناحية كبيرة من أعمال نيسابور، وكان يتجر إلى البلاد مضاربة، ثم كبر وانقطع لتسميع الحديث، وكان مكثرًا، ألحق الأحفاد بالأجداد، وبعد صيته، وسمع منه من دب ودرج، ولم تتغير حواسه، بل ضعف بصره، وسمع أيضًا من أبي عبد الله بن باكويه.

قال الفضل بن عبد الواحد الأصبهاني: سمعت الرئيس الثقفي يقول: لا جاء الله من خراسان بأحدٍ إلَّا بأبي بكر الشيروي، فإنه أخيرهم، وأنفعهم.

قال السمعاني: سمعت منه الكثير، ولي ثلاث سنين، وسمع منه أخي في الخامسة، فمن ذلك "جزء ابن عيينة"، وخمسة أجزاء من "مسند الشافعي".

توفي: في ذي الحجة سنة عشر وخمس مائة، وقد استكمل ستًا وتسعين سنة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "3/ 307"، والعبر "4/ 20"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 213"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 27".

ص: 225

‌4577 - القَزويني:

الإمام المحدث، الجوال الصدوق، أبو إبراهيم الجليل بن عبد الجبار بن عبد الله التميمي القزويني.

سمع من: أبي يعلى الخليلي وطائفة بقزوين، ومن: أبي الحسين بن الطفال بمصر، ومن: الحسين بن جابر القاضي بتنيس، ومن: أبي العلاء بن سليمان بالمعرة، سمعنا من طريقه نسخة فليح.

روى عنه: أبو علي البرداني، وأبو طاهر السلفي، وقال: ثقةٌ من بيت الحديث، رحل إلى الحجاز، والعراق، ومصر، وخراسان، والشام.

روى عن قوم ما حدثنا عنهم سواه، وهو، وأبوه، وجده عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد، وجد أبيه، وجد جده، محدثون.

قلت: وذكره ابن النجار، وما أرخ موته، وبقي إلى سنة نيف وخمس مائة.

‌4578 - الفَاميّ

(1)

:

الإمام المفتي، مدرس النظامية، أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الواحد الفارسي، الفامي، الشيرازي الشافعي.

قدم بغداد مدرسًا من جهة نظام الملك سنة ثلاث وثمانين مشاركًا فيها للحسين بن محمد الطبري، فكان كل واحد منهما يدرس يومًا، ثم عزلا بعد سنة.

أملى عن المحدث: أبي بكر أحمد بن الحسن بن الليث، وعبد الواحد ابن يوسف القزاز، وعلي بن بندار الحنفي، وأبي زرعة أحمد بن يحيى الخطيب، والحسن بن محمد بن عثمان بن كرامة الشيرازيين.

حدث عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر.

قال ابن النجار: أخبرنا محمد بن أحمد النحوي، حدثنا ابن ناصر، حدثنا الإمام جمال الإسلام أبو محمد عبد الوهاب -عرف بالفامي-، أخبرنا عبد الواحد بن يوسف، أخبرنا عبيد الله بن محمد بن بيان الحافظ، حدثنا أبو علي محمد بن سعيد الرقي بها

، فذكر حديثًا.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 152"، وميزان الاعتدال "2/ 683"، وطبقات الشافعية للسبكي "5/ 229"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 413".

ص: 226

قال أبو علي بن سكرة: عبد الوهاب بن محمد الفامي من أئمة الشافعية وكبارهم، سمعت عليه كثيرًا، وسمعته يقول: صنفت سبعين تأليفًا، ولي "التفسير" ضمنته مائة ألف بيت شاهدًا، أملى وحفظ عليه تصحيفٌ شنيع، فأجلب عليه، وطولب، ورمي بالاعتزال حتى فر بنفسه.

وقال أحمد بن ثابت الطرقي: سمعت جماعة: أن عبد الوهاب أملى عليهم ببغداد: صلاة في أثر "صلاةٍ كتابٌ في عليين"

(1)

، فصحفها "كنار في غلس"، فكلموه، فقال: النار في الغلس تكون أضوأ.

قال الطرقي: وسأله صديق لي: هل سمعت "جامع أبي عيسى"? فقال: ما الجامع? ومن أبو عيسى? ثم سمعته بعد يعده في مسموعاته.

ولما أراد أن يملي بجامع القصر، قلت له: لو استعنت بحافظ? فقال: إنما يفعل ذا من قلت معرفته، وأنا، فحفظي يغنيني، فامتحنت بالاستملاء عليه، فرأيته يسقط من الإسناد رجلًا، ويزيد رجلًا، ويجعل الرجل اثنين، فرأيت فضيحةً، فمن ذلك: الحسن بن سفيان، حدثنا يزيد بن زريع، فأمسك الجماعة، ونظر إلي وتكلموا، فقلت: قد سقط إما محمد بن منهال، أو أمية بن بسطام، فقال: اكتبوا كما في أصلي، وجاء: أخبرنا سهل بن بحر، أنا سألته، فصحفها، فقال: أنا سالبة، وقال: سعيد بن عمرو الأشعثي، فقال: والأشعثي، جعل واو "عمرو" للعطف، فرددته، فأبى، فقلت: فمن الأشعثي? قال: فضول منك، وجاء ورقاء بن قيس بن الربيع، فقلت: هو "عن" بدل "ابن" وقال: في حديث حميل بن بصرة: لقيت أبا هريرة وهو يجيء من الطور، فقال:"الطود" وفسر مرة "الخشف"

(2)

فقال: طائر، وقال في:{فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110] انتصب على الحال.

قيل: ولد سنة أربع عشرة وأربع مائة، وعاش ستًا وثمانين سنة.

(1)

حسن: أخرجه أبو داود "558"، وأحمد "5/ 268"، من طريق يحيى بن الحارث الذماري، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين".

ووقع عند أحمد: يحيى بن خالد الذهاري، وهو تصحيف، وما أثبتناه الصواب.

(2)

الخشف: الظبي أول ما يولد.

ص: 227

توفي بشيراز في السابع والعشرين من رمضان سنة خمس مائة، وقد سقت من أخباره في "التاريخ الكبير" وفي "ميزان الاعتدال".

وقيل: كان معتزليًا.

وفيها: مات أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد الحداد سبط ابن منده، وشيخ الشافعية أبو المظفر أحمد بن محمد الخوافي بطوس، والفقيه أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن زنجويه الزنجاني، وجعفر السراج، والمبارك بن الصيرفي، وأبو غالب الباقلاني، وشيخ النحو المبارك بن فاخر بن الدباس، وسلطان المغرب يوسف بن تاشفين.

ص: 228

‌4579 - صاحب الغَرْب

(1)

:

أمير المسلمين، السلطان أبو يعقوب يوسف بن تاشفين اللمتوني، البربري الملثم، ويعرف أيضًا بأمير المرابطين، وهو الذي بنى مراكش، وصيرها دار ملكه.

وأول ظهور هؤلاء الملثمين مع أبي بكر بن عمر اللمتوني، فاستولى على البلاد من تلمسان إلى طرف الدنيا الغربي، واستناب ابن تاشفين، فطلع بطلًا شجاعًا شهمًا عادلًا مهيبًا، فاختط مراكش في سنة " (465) "، اشترى أرضها بماله الذي خرج به من صحراء السودان، وله جبل الثلج، وكثرت جيوشه، وخافته الملوك، وكان بربريًا قحًا، وثارت الفرنج بالأندلس، فعبر ابن تاشفين ينجد الإسلام، فطحن العدو، ثم أعجبته الأندلس، فاستولى عليها، وأخذ ابن عباد وسجنه، وأساء العشرة.

وقيل: كان ابن تاشفين كثير العفو، مقربًا للعلماء، وكان أسمر نحيفًا، خفيف اللحية، دقيق الصوت، سائسًا، حازمًا، يخطب لخليفة العراق، وفيه بخل البربر، تملك بضعًا وثلاثين سنة، وهو وجيشه ملازمون للثام الضيق، وفيهم شجاعة وعتو وعسفٌ، جاءته الخلع من المستظهر، وولي بعده ولده علي.

مات في أول سنة خمس مائة، وله بضع وثمانون سنة، وتملك مدائن كبارًا بالأندلس، وبالعدوة، ولو سار، لتملك مصر والشام.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ 112"، والعبر "3/ 356"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 412".

ص: 228

‌4580 - المُطَرِّز

(1)

:

الشيخ العالم، الثقة الجليل، مسند أصبهان أبو سعد محمد بن محمد بن أحمد بن سنده الأصبهاني المطرز، خازن الرئيس الثقفي.

سمع: أبا علي غلام محسن، وعلي بن عبدكويه، والحسين بن إبراهيم الجمال، ومحمد بن عبد الله العطار، وأبا نعيم الحافظ، وعدة.

حدث عنه: أبو طاهر محمد بن محمد السنجي، وأبو طاهر السلفي، وآخرون، وأبو موسى المديني بالحضور.

قال السمعاني: ثقة صالح.

وقال السلفي: كاتب رئيس، على غاية من الجلالة، قرأنا عليه عن غلام محسن، وابن مصعب، وجماعة، وقرأت عليه القرآن عن أبي بكر بن البقار تلميذ أبي علي بن حبش، وخرج له غانم بن محمد خمسة أجزاء سمعناها.

قلت: ولد سنة إحدى عشرة وأربع مائة، في ربيع الأول منها.

وقال أبو موسى: مات في الثاني والعشرين من شوال، سنة ثلاث وخمس مائة.

وفيها مات: أحمد بن المظفر بن سوسن، والقدوة الكبير أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد بن العلبي الحنبلي، وأبو الفتيان عمر بن عبد الكريم الرواسي الحافظ، وأبو طاهر المحسد بن محمد الإسكاف راوي "المعجم الكبير" عن ابن فاذشاه، والوزير الكبير أبو المعالي هبة الله بن محمد بن المطلب الكرماني ببغداد، وآخرون.

قال ابن نقطة: روى "مسند الطيالسي" عن الجمال وأبي نعيم، وسمع منه السلفي "مسند الحميدي" بسماعه من أبي نعيم.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 7"، والنجوم الزاهرة لابن تغر بردي "5/ 200"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 7".

ص: 229

‌4581 - ابن نَبْهَان

(1)

:

الشيخ الكبير، العالم المعمر، مسند وقته، أبو علي محمد بن سعيد بن إبراهيم بن سعيد بن نبهان، البغدادي، الكرخي، الكاتب.

ولد سنة إحدى عشرة وأربع مائة.

وسمع بعد العشرين من: أبي الله بن شاذان، وبشرى الفاتني، وابن دوما النعالي، وجده لأمه أبي الحسين الصابئ، وعمر دهرا طويلا، وألحق الصغار بالكبار، ولم يكن سماعه كثيرًا.

حدث عنه: حفيده محمد بن أحمد، ومحمد بن جعفر بن عقيل، وأبو طاهر السلفي، وأبو العلاء العطار، ودهبل بن كاره، وعيسى بن محمد الكلواذاني، وعبد المنعم بن كليب، وخلق كثير.

قال السمعاني: هو شيخٌ عالم، فاضل مسن، من ذوي الهيئات، وكان آخر من روى عن ابن شاذان، ولي منه إجازة. قال ابن ناصر: فيه تشيع، وكان سماعه صحيحًا، بقي قبل موته سنة ملقى على ظهره لا يعقل، فمن قرأ عليه في تلك الحالة، فقد أخطأ وكذب عليه، فإنه لم يكن يفهم ما يقرأ عليه من أول سنة إحدى عشرة، قال ابن ناصر: وسمعته يذكر مولده، ثم سمعته مرة يقول: سنة خمس عشرة، فكلمته في ذلك، فقال: أردت أن أدفع عني العين، وإلا فمولدي سنة إحدى عشرة.

قال أبو سعيد السمعاني: سمعت أبا العلاء بن عقيل يقول: كان شيخنا ابن نبهان إذا طول عليه المحدثون، قال: قوموا، فإن عندنا مريضًا، بقي على هذا سنين، فكانوا يقولون: مريض ابن نبهان لا يبرأ.

وقال ابن ناصر: كان ابن نبهان قد بلغ ستًا وتسعين سنة، سمعه جده هلال بن المحسن في سنة ثلاث وعشرين، ولم يكن من أهل الحديث، وكان أولًا على معاملة الظلمة، وكان رافضيًا، والصحيح أن مولده سنة خمس عشرة، وكذا نقل الحميدي، وذكر أنه وجده بخط جده ابن الصابئ، ومات في شوال سنة إحدى عشرة وخمس مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 195"، والعبر "4/ 25"، وميزان الاعتدال "3/ 566"، ولسان الميزان "5/ 179"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 214"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 31".

ص: 230

‌4582 - ابن بَيَان

(1)

:

الشيخ الصدوق المسند، رحلة الآفاق، أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان بن الرزاز البغدادي، راوي "جزء ابن عرفة".

سمع: أبا الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد البزاز، وطلحة بن الصقر، وأبا القاسم الحرفي، وأبا علي بن شاذان، وعبد الملك بن بشران، والقاضي أبا العلاء الواسطي، وجماعة.

حدث عنه: أبو الفتوح الطائي، وأبو طاهر السلفي، وأبو العلاء العطار، وأبو محمد بن الخشاب، وأحمد بن محمد بن قضاعة، وأبو الفضل خطيب الموصل، ووفاء بن أسعد، ومحمد بن بدر الشيحي، ومحمد بن جعفر بن عقيل، وأبو الفرج محمد بن أحمد بن نبهان، وعبيد الله بن شاتيل، وأحمد بن المبارك بن درك، وأحمد بن أبي الوفاء الصائغ، وأبو السعادات القزاز، وأبو منصور بن عبد السلام، وخلقٌ كثير، آخرهم أبو الفرج بن كليب.

قال السمعاني: كان يأخذ على نسخة ابن عرفة دينارًا من كل واحد على ما سمعت، أجاز لي، وحدثني عنه جماعة كثيرة، سمعت أبا بكر محمد بن عبد الباقي يقول: كان أبو القاسم بن بيان يقول: أنتم ما تطلبون الحديث والعلم، أنتم تطلبون العلو، وإلا ففي دربي جماعة سمعوه مني، فاسمعوه منهم، ومن أراد العلو، فليزن دينارا، سمعت محمد بن عبد الله العطار بمرو يقول: وزنت الذهب لابن بيان حتى سمعت منه جزء ابن عرفة، وكذا ذكر لي بسمرقند محمد بن أبي العباس أنه أعطاه دينارًا وسمعه.

مولد ابن بيان في سنة ثلاث عشرة وأربع مائة، وتوفي في سادس شعبان، سنة عشر وخمس مائة.

قال شجاع الذهلي: هو صحيح السماع.

وقد قال إسماعيل بن السمرقندي، وغيره: سمعناه يقول: ولدت سنة اثنتي عشرة، وبخط ابن عطاف أنه سأله، فقال: كان عندي أنني ولدت سنة اثنتي عشرة، حتى وجد بخط والدي أنه سنة ثلاث عشرة.

وقال السلفي: سألته، فقال: ولدت بين العيدين سنة ثلاث عشرة. قال: ومات وأنا بدمشق، ولا يعرف في الإسلام محدث وازاه في قدم السماع. كذا قال السلفي، وذلك منتقض بالبغوي، وبالوركي، وغيرهما.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 186"، والعبر "4/ 21"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1261"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 27".

ص: 231

‌4583 - التِّكَكِي

(1)

:

الشيخ الصالح، الثقة المعمر، أبو علي الحسن بن محمد بن عبد العزيز البغدادي التككي، من بقايا أصحاب أبي علي بن شاذان.

حدث عنه: أبو المعمر الأنصاري، وأبو بكر السمعاني، وأبو طاهر السلفي، وسلمان بن مسعود الشحام، وأبو بكر بن النقور، وآخرون.

قال ابن النجار: شيخ صالح، صحيح السماع، ولد سنة أربع عشرة.

قلت: توفي في رمضان سنة إحدى وخمس مائة.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل، أخبرنا الإمام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة سنة سبع عشرة وست مائة، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن النرسي، أخبرنا أبو علي التككي الحسن بن محمد، أخبرنا أبو علي بن شاذان، أخبرنا عثمان بن السماك، حدثنا موسى بن سهل، حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليدخل العبد الجنة بالأكلة أو الشربة يحمده عليها"

(2)

.

‌4584 - ابن المَوصِلي:

الشيخ المسند الثقة أبو عبد الله هبة الله بن أحمد بن محمد بن علي الزهري، الموصلي، ثم البغدادي، المراتبي، شيخ، صالح، خير، صحيح السماع.

سمع: أبا القاسم بن بشران، والحسين بن علي بن بطحاء.

وعنه: عبد الوهاب الأنماطي، وعبد الخالق اليوسفي، وابن ناصر، والسلفي، وشهدة، وخطيب الموصل.

ولد سنة إحدى وعشرين وأربع مائة، في ربيع الأول منها، وتوفي: في شهر رمضان سنة اثنتين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 1"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 3".

(2)

ضعيف بهذا اللفظ: آفته موسى بن سهل الوشاء، فإنه ضعيف كما قال الدارقطني.

لكن ورد من حديث أنس بن مالك مرفوعًا بلفظ: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها" أخرجه مسلم "2734"، والترمذي "1816"، من طريق زكريا ابن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي بردة، عنه، به.

ص: 232

‌4585 - الرُّويَاني

(1)

:

القاضي العلامة، فخر الإسلام، شيخ الشافعية، أبو المحاسن عبد الواحد إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني، الطبري، الشافعي.

مولده في آخر سنة خمس عشرة وأربع مائة، وتفقه ببخارى مدة.

سمع: أبا منصور محمد بن عبد الرحمن الطبري، وأبا غانم أحمد بن علي الكراعي المروزي، وعبد الصمد بن أبي ناصر العاصمي البخاري، وأبا نصر أحمد بن محمد البلخي، وشيخ الإسلام أبا عثمان الصابوني، وعبد الله بن جعفر الخبازي، وأبا حفص بن مسرور، وأبا بكر عبد الملك بن عبد العزيز، وأبا عبد الله محمد بن بيان الفقيه، وعدة.

وارتحل في طلب الحديث والفقه جميعًا، وبرع في الفقه، ومهر، وناظر، وصنف التصانيف الباهرة.

حدث عنه: زاهر الشحامي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو طاهر السلفي، وأبو رشيد إسماعيل بن غانم، وأبو الفتوح الطائي، وعدة، وكان يقول: لو احترقت كتب الشافعي، لأمليتها من حفظي، وله كتاب "البحر" في المذهب، طويلٌ جدًا، غزير الفوائد. وكتاب "مناصيص الشافعي"، وكتاب "حلية المؤمن"، وكتاب "الكافي".

وكان ذا جاه عريض، وحشمة وافرة، وقبول تام، وباع طويل في الفقه.

قال السلفي: بلغنا أنه أملى بآمل، وقتل بعد فراغه من مجلس الإملاء بسبب التعصب في الدين في المحرم.

قال: وكان العماد محمد بن أبي سعد صدر الري في عصره يقول: أبو المحاسن القاضي شافعي عصره.

قال معمر بن الفاخر: قتل بجامع آمل، يوم جمعة، حادي عشر المحرم، قتلته الملاحدة -يعني الإسماعيلية- قال: وكان نظام الملك كثير التعظيم له.

قلت: قتل سنة إحدى وخمس مائة. ورويان: بلدةٌ من أعمال طبرستان، وأما الري، فمدينة كبيرة، والنسبة إليها رازي.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "6/ 189"، واللباب لابن الأثير "2/ 44"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 160"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 198"، والعبر "4/ 4"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 193"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 197"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 4".

ص: 233

‌4586 - ابن الفارسي

(1)

:

الإمام المحدث، المتقن العالم الصدوق، أبو عبد الله إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر بن أحمد الفارسي، ثم النيسابوري، ولد الشيخ أبي الحسين، وزوج ابنة الأستاذ القشيري.

أكثر عن: أبيه، وأبي حسان المزكي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأحمد بن محمد بن الحارث النحوي، ومحمد بن عبد العزيز النيلي، وأبي حفص بن مسرور، فمن بعدهم. وارتحل سنة ثلاث وخمسين، وطوف أعواما في فارس، وخوزستان، وكتب بخطه نحوًا من ألف جزء، وسمع ببغداد أبا محمد الجوهري، وطبقته.

حدث عنه: ولده؛ الحافظ عبد الغافر، وبنته أم سلمة، وعمر بن أحمد الصفار، وأبو بكر التفتازاني، وعبد الله بن الفراوي، وعبد الخالق بن زاهر، وأبو شجاع البسطامي، وعدة.

قال السمعاني: كان فاضلا عالما، لم يفتر من السماع والتحصيل.

قلت: توفي في ذي القعدة سنة أربع وخمس مائة، وله نيف وثمانون سنة.

وفيها مات: شيخ الشافعية أبو الحسن علي بن محمد إلكيا الهراسي، وعبد المنعم بن الغمر الكلابي، وأبو يعلى حمزة بن محمد الزينبي أخو طراد، وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمد البلدي النسفي، ومقرئ مصر أبو الحسين الخشاب.

‌4587 - ابنُ بَادِيس

(2)

:

صاحب إفريقية، السلطان أبو يحيى تميم بن المعز بن باديس بن المنصور الحميري، الصنهاجي، من أولاد الملوك، كان بطلًا شجاعًا، مهيبًا سائسًا، عالمًا شاعرًا، جوادًا ممدحًا.

ولد سنة " (422) "، وولي المهدية لأبيه سنة خمس وأربعين، ثم بعد أشهر مات المعز، وتملك هذا، فامتدت أيامه إلى أن مات في رجب، سنة إحدى وخمس مائة، وخلف من البنين فوق المائة، ومن البنات ستين بنتًا على ما قاله حفيده العزيز بن شداد، ثم تملك بعده ابنه يحيى بن تميم، فأحسن السيرة، وافتتح حصونًا كثيرة.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 7" وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 7".

(2)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 304"، والعبر "4/ 1"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 197"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 2 - 3".

ص: 234

‌4588 - صاحبُ الحِلَّة

(1)

:

الملك، سيف الدولة، صدقة بن بهاء الدولة منصور ابن ملك العرب دبيس بن علي بن مزيد الأسدي الناشري، العراقي، اختط مدينة الحلة في سنة خمس وتسعين وأربع مائة، وسكنها الشيعة، كان ذا بأس وإقدام، نافر السلطان محمد بن ملكشاه، وحاربه، فالتقى الجمعان عند النعمانية، فقتل صدقة في المصاف سنة إحدى وخمس مائة، وقد نفذ إليه المستظهر بالله ينهاه عن الخروج، فما سمع، واجتمع له عشرون ألف فارس، وثلاثون ألف راجل، فرشقتهم عساكر السلطان بالسهام، فجرحت خيولهم، ثم ولوا، وبقي صدقة يجول بنفسه، فجرح فرسه المهلوب، وكان عديم المثل، وهرب وزيره على فرسٍ له، فناداه، فما ألوى عليه، ثم جاءته ضربة سيف في وجهه، وقتل، وهلك من العرب ثلاثة آلاف، وأسر ابنه دبيس ووزيره وعدة، ومات أبوه سنة " (479) ".

‌4589 - التَّميمي

(2)

:

مفتي سبتة، القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى بن حسن التميمي، المغربي، السبتي، المالكي.

أخذ عن: أبي محمد المسيلي، ولازمه، وعن أبي عبد الله أبي العجوز.

وسمع "صحيح البخاري" بالمرية على ابن المرابط، وأخذ بقرطبة عن: عبد الملك بن سراج، ومحمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني.

وكان حسن العقل، مليح السمت، متجملًا نبيلًا، تفقه به أهل بلده، وكان يسمى الفقيه العاقل، تفقه به أبو محمد بن شبونة، والقاضي عياض، وأبو بكر بن صلاح.

رحل إليه الناس من النواحي، وبعد صيته، واشتهر ذكره، وتخرج به أئمة، وكان دينًا، سريع الدمعة، مؤثرًا للطلبة، بنى جامع سبتة، وعزل نفسه من القضاء بأخَرة، ثم طلبوه، وولوه قضاء فاس، فلم تعجبه الغربة، فرجع إلى وطنه، وتوفي: في جمادى الآخرة، سنة خمس وخمس مائة، قال ذلك تلميذه أبو عبد الله محمد بن حمادة الفقيه، وبالغ في تعظيمه، بحيث إنه قال: كان إمام المغرب في وقته، ولم يكن في قطر من الأقطار منذ يحيى بن يحيى الأندلسي من حمل الناس عنه أكثر منه، ولا أكثر نجابةً من أصحابه.

قلت: عاش سبعًا وسبعين سنة، ضبط القاضي مولده في سنة ثمان وعشرين وأربع مائة، وأخرج عنه في "الشفاء".

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 159"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 490"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 196"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 2".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 605".

ص: 235

‌4590 - ابن غَطاش

(1)

:

طاغية الإسماعيلية، هو الرئيس أحمد بن عبد الملك بن غطاش العجمي.

كان أبوه من كبار دعاة الباطنية، ومن أذكياء الأدباء، له بلاغة وسرعة جواب، استغوى جماعةً، ثم هلك، وخلفه في الرياسة ابنه هذا، فكان جاهلًا، لكنه شجاعٌ مطاع، تجمع له أتباع، وتحيلوا، حتى ملكوا قلعة أصبهان التي غرم عليها السلطان ملكشاه ألفي ألف دينار، وصاروا يقطعون السبل، والتف عليهم كل فاجر، ودام البلاء بهم عشر سنين، حتى نازلهم محمد بن ملكشاه أشهرًا، فجاعوا، ونزل كثيرٌ منهم بالأمان، وعصى ابن غطاش في برج أيامًا، وجرت أمورٌ طويلة، ثم أخذ وسلخ، وتأمر على الباطنية بعده ابن صباح، وكانوا بلاءً على المسلمين، وقتلوا عددًا من الأعيان بشغل السكين.

‌4591 - متولي هَمَذَان

(2)

:

الأمير أبو هاشم زيد بن الحسين بن علي العلوي الحسيني الهمذاني سبط الصاحب إسماعيل بن عباد، كان هيوبًا مطاعًا، جبارًا عسوفًا، كثير الأموال، يطرح ما يساوي مائةً بثلاث مائة وأزيد، وقد صادره السلطان مرة، فأدى جملةً سبع مائة ألف دينار، وكانت الرعية معه في بلاء وضر.

مات في رجب، سنة اثنتين وخمس مائة، وله ثلاث وتسعين سنة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 150"، والعبر "3/ 354"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردى "5/ 194"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 410".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 160"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 199".

ص: 236

‌4592 - الكُشَاني

(1)

:

الإمام الخطيب أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن محمد بن أحيد الكشاني.

ثقة، مكثر، مسند. ولد في نحو سنة عشر وأربع مائة.

حدث عن: محمد بن الحسن الباهلي، وعلي بن أحمد بن ربيع السنكباثي، وأبي سهل عبد الكريم الكلاباذي، وعدة.

وعنه: إبراهيم بن يعقوب الكشاني، وآصف بن محمد الخالدي، وعطاء بن مالك بن أحمد النقاش، وأبو المعالي محمد بن نصر المديني، وآخرون.

مات في رجب سنة اثنتين وخمس مائة.

‌4593 - التِّبْرِيزي

(2)

:

إمام اللغة، أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد بن حسن بن بسطام الشيباني، الخطيب، التبريزي، أحد الأعلام.

ارتحل، وأخذ الأدب عن أبي العلاء المعري، وعبيد الله بن علي الرقي، وأبي محمد بن الدهان.

وسمع بصور: من الفقيه سليم، وعبد الكريم بن محمد السياري، وأبي بكر الخطيب، وأقام بدمشق مدةً، ثم ببغداد، وكثرت تلامذته، وأقرأ علم اللسان.

أخذ عنه ابن ناصر، وأبو منصور بن الجواليقي، وسعد الخير الأندلسي، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، والسلفي.

وقد روى عنه شيخه الخطيب، وكان ثقةً، صنف شرحًا "للحماسة"، ولـ "ديوان المتنبي"، ولـ "سقط الزند"، وأشياء، ودخل إلى مصر، وأخذ عن طاهر بن بابشاذ، وله شعر رائق.

ولم يكن بالصين، قال ابن نقطة: ثقةٌ في علمه، مخلطٌ في دينه، ولعبةٌ بلسانه، وقيل: إنه تاب.

وتبريز: بكسر أوله، قاله ابن ناصر.

وقال أبو منصور بن خيرون: ما كان بمرضي الطريقة.

قلت: توفي لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمس مائة، وله إحدى وثمانون سنة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "10/ 433".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "3/ 21"، واللباب لابن الأثير "1/ 206"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 161"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "20/ 25"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 338"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 5".

ص: 237

‌4594 - أبو الهَيْجَاء

(1)

:

الأمير الشاعر، شبل الدولة، مقاتل بن عطية البكري، الحجازي، سار إلى بغداد، وإلى غزنة وخراسان، ومدح الكبار، واختص بنظام الملك، ثم سار إلى ناصر الدين مكرم بن العلاء وزير كرمان، ومعه ورقة وقع له فيها المستظهر بالله: يا أبا الهيجاء أبعدت النجعة، أسرع الله بك الرجعة، وفي ابن العلاء مقنع، وطريقه في الخير مهيع، فلما دخل إلى ابن العلاء، أراه الورقة، فقام وخضع لها، وأمر في الحال له بألف دينار، فلما أنشده:

دع العيس تذرع عرض الفلا

إلى ابن العلاء وإلا فلا

أمر له بألف دينار أخرى، وفرس وخلعة، ثم نزل بهراة، وهوي بها امرأة، ثم مرض وتسودن، ومات في حدود خمس وخمس مائة.

‌4595 - أبو غَالب العَدْل

(2)

:

الشيخ العدل الجليل المعمر، مسند همذان، أبو غالب أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن القارئ، الهمذاني، الخفاف، وجد سماعه في أصول المحدثين.

حدث عن أبي سعيد عبد الرحمن بن شبانة، ومنصور بن عبد الرحمن الحنبلي، والحسين بن عمر النهاوندي.

حدث عنه: أبو طاهر السلفي، وشهردار بن شيرويه، وأبو الكرم علي بن عبد الكريم، وأظن أن الحافظ أبا العلاء العطار سمع منه، فإنه أدركه، وحدث في سنة ست وخمس مائة، وكان من أبناء التسعين.

لم يذكر له شيرويه وفاة، وكان من أهل الشهادات.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 257"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 204".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 11"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 13".

ص: 238

‌4596 - البَحِيري

(1)

:

الشيخ الإمام الأمين الجليل أبو سعيد إسماعيل بن عمرو بن محمد بن أحمد البحيري، النيسابوري المحدث.

ولد سنة تسع عشرة وأربع مائة، وكان يقول: قرأت "صحيح مسلم" على أبي الحسين عبد الغافر الفارسي أكثر من عشرين مرة.

سمع من: الحافظ أبي بكر أحمد بن منجويه، وأبي حسان المزكي، وأبي العلاء صاعد بن محمد، وعبد الرحمن النصروي.

وعنه: إسماعيل بن جامع، وأبو شجاع البسطامي، وإسماعيل بن محمد التيمي.

قال السمعاني: سمع بإفادته خلق، وتفقه على ناصر العمري، وكان يقرأ دائمًا "صحيح مسلم" للغرباء والرحالة، وأضر بأخرة.

وقال ابن النجار: كان نظيفًا عفيفًا، اشتغل بالتجارة، وبورك له فيها، وحصل مالًا.

توفي في آخر سنة إحدى وخمس مائة بنيسابور. أملى مجالس.

‌4597 - أبي النَّرْسِي

(2)

:

الشيخ الإمام الحافظ، المفيد المسند، محدث الكوفة، أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون بن محمد النرسي، الكوفي، المقرئ، الملقب بأبي لجودة قراءته.

ولد سنة أربع وعشرين وأربع مائة.

وسمع: محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي، وأبا طاهر محمد بن العطار، ومحمد بن إسحاق بن فدويه، ومحمد بن محمد بن خازم بن نفط، وأبا عبد الله بن حبيب القادسي، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا بكر بن بشران، وأبا القاسم التنوخي، والقاضي أبا الطيب الطبري، وأبا منصور بن السواق، وكريمة المروزية المجاورة، وعبد العزيز بن بندار الشيرازي، وأبا الحسن أحمد بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد بن قفرجل، وأبا الفتح بن شيطا، وخلقًا سواهم، وسمع بالشام لما زار بيت المقدس، وكان ينوب عن خطيب الكوفة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 158".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 189"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1064"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 212"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 29".

ص: 239

حدث عنه: الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي مع تقدمه، وابن ناصر، والسلفي، ومعالي بن أبي بكر الكيال، ومسلم بن ثابت، ومحمد بن حيدرة الحسيني، وعدة. وتلا عليه لعاصم: أبو الكرم الشهرزوري بحق قراءته على العلوي، عن أبي عبد الله الجعفي، وسمع منه الحميدي، وجعفر الحكاك، وابن الخاضبة، وأبو مسلم عمر بن علي الليثي، وعبد المحسن الشيحي.

وخرج لنفسه "معجمًا"، ونسخ الكثير، وكان يقول: كنت أقرأ على المشايخ وأنا صبي، فقال الناس: أنت أُبي، لجودة قراءتي، وأول سماعي في سنة اثنتين وأربعين، ولحقت البرمكي، فسمعت منه ثلاثة أجزاء ومات.

قال عبد الوهاب الأنماطي: كانت له معرفة ثاقبة، ووصفه بالحفظ والإتقان.

وقال ابن ناصر: كان ثقةً حافظًا، متقنًا، ما رأينا مثله، يتهجد، ويقوم الليل، قرأ عليه أبو طاهر بن سلفة حديثًا، فأنكره، وقال: ليس هذا من حديثي، فسأله عن ذلك، فقال: أعرف حديثي كله، لأني نظرت فيه مرارًا، فما يخفى علي منه شيء.

وكان يقدم كل سنة من الكوفة من سنة ثمان وتسعين في رجب، فيبقى ببغداد إلى بعد الفطر، ويرجع، وكان ينسخ بالأجرة، يستعين على العيال، وكذا كان أبو عامر العبدري يثني عليه، ويقول: ختم هذا الشأن بأُبي رحمه الله.

مرض أبي ببغداد، وحمل، فأدركه الأجل بالحلة، وحمل إلى الكوفة ميتًا، فدفن بها، مات يوم سادس عشر شعبان سنة عشر وخمس مائة.

قلت: عاش ستًّا وثمانين سنة.

ولأبي الفرج بن كليب منه إجازة.

وفيها مات: مسند زمانه أبو القاسم بن بيان الرزاز، ومسند زمانه أبو بكر عبد الغفار بن محمد الشيروي، ومحدث واسط خميس الحوزي، وأبو الخير المبارك بن الحسين الغسال المقرئ، وأبو طاهر محمد بن الحسين الحنائي، والحافظ أبو بكر محمد بن منصور السمعاني، ومحمود بن سعادة السلماسي، وأبو الفتح نصر بن أحمد الحنفي بهراة.

ص: 240

‌4598 - الأعمش

(1)

:

الإمام الحافظ، محدث همذان، أبو العلاء حمد بن نصر بن أحمد الهمذاني، الأديب، المعروف بالأعمش، ذكره شيرويه، وأبو سعد السمعاني.

مولده في سنة وثلاثين وأربع مائة.

سمع من: أبي مسلم بن غزو النهاوندي، وعبيد الله بن الحافظ بن منده، وأبي محمد بن ماهله -واسمه هارون- وعلي بن حميد الحافظ، وطبقتهم.

قال السمعاني: أجاز لي مروياته، وكان عارفا بالحديث، حافظًا ثقة، مكثرًا، سمع بنفسه وأملى، مات في عاشر شوال سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، عن نيف وثمانين سنة، وهو حمد بن نصر بن أحمد بن محمد بن معروف.

قلت: حدث عنه: السلفي، وأبو العلاء العطار المقرئ، وجماعة، وكان بصيرًا بمذهب أحمد، ناصرًا للسنة، وافر الحرمة ببلده، بارع الأدب.

قرأت على أحمد بن عبد الكريم المحتسب، أخبرني نصر بن جرو، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، سمعت حمد بن نصر الحافظ بهمذان، سمعت علي بن حميد الحافظ، سمعت طاهر بن عبد الله الحافظ، سمعت حمد بن عمر الزجاج الحافظ يقول: لما أملى صالح بن أحمد التميمي الحافظ بهمذان كانت له رحًى، فباعها بسبع مائة دينار، ونثرها على محابر أصحاب الحديث. رواه أبو سعد السمعاني، عن رجل، عن السلفي.

‌4599 - ابن الآبَنُوسِي

(2)

:

الإمام المحدث الصادق أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن محمد بن الآبنوسي، البغدادي، والد الفقيه أبي الحسن أحمد بن الآبنوسي.

كان مولده في سنة ثمان وعشرين وأربع مائة.

وسمع من: أبي محمد الجوهري، وأبي القاسم التنوخي، وأبي طالب العشاري، وأبي الطيب الطبري، وأبي بكر بن بشران، وابن مكي السواق، وسمع "تاريخ الخطيب" منه.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ص 1250"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 31".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 9"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 10".

ص: 241

روى عنه محمد بن محمد السنجي، وعبد الله الحلواني، وأبو طاهر السلفي، وكان أحد الوكلاء عند الدامغاني.

قال أبو بكر السمعاني: سمعته يقول: كنت لا أسمع مدة من التنوخي لما أسمع من ميله إلى الاعتزال، ثم سمعت منه، وصرت عنده أعز من كل أحد، وكان يسميني: يحيى بن معين.

مات ابن الآبنوسي في سادس عشر جمادى الأولى، سنة خمس وخمس مائة.

قال ابن ناصر: كان أبو محمد ثقة مستورا، له معرفة بالحديث.

وقال السلفي: هو من أهل المعرفة بالحديث وقوانينه التي لا يعرفها إلَّا من طال اشتغاله به، وكان ثقة شافعيًا، كتبنا عنه بانتقاء البرداني.

ص: 242

وابنه:

‌4600 - أبو الحسن الآبَنُوسي

(1)

:

الإمام أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن علي بن الآبنوسي الشافعي الوكيل.

مولده سنة " (466) ".

سمع: أبا القاسم بن البُسري، وإسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي، ومحمد بن محمد الزينبي، ورزق الله، وتفقه على القاضي: محمد بن المظفر الشامي، ونظر في الاعتزال، ثم أنقذه الله وتسنن.

حدث عنه: ابنته شرف النساء، وابن عساكر، والسمعاني، وسليمان الموصلي، وأبو اليمن الكندي، وعدة. وأجاز: لأبي منصور بن عفيجة.

قال السمعاني: فقيهٌ، مفتٍ، زاهدٌ، اختار الخمول وترك الشهرة، وكان كثير الذكر، تاركًا للتكلف.

قلت: جمع وصنف، ودعا إلى السنة.

قيل: كان لا يأتي الجمعة، وما علم عذره، ولا رؤي في مسجد.

مات في ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 126"، والعبر "4/ 114"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1294" وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 130".

ص: 242

‌4601 - الشَّقَّاني

(1)

:

الفقيه المحدث، مفيد نيسابور، أبو الفضل العباس بن أحمد بن محمد الحسنوي، النيسابوري، الشقاني، أحد من أفنى عمره في طلب الحديث، وطال عمره وتفرد.

سمع: عبد الرحمن بن حمدان النصروي، ومحمد بن إبراهيم المزكي، وأحمد بن محمد بن الحارث التميمي، وأبا حسان محمد بن أحمد بن جعفر، فمن بعدهم، وقل أن يوجد جزء إلَّا وقد سمعه، وما علمت له رحلة.

روى عنه: محمد بن أبي بكر السنجي، وعمر أبو شجاع البسطامي، وعبد الرحيم بن الاخوة، وآخرون.

مات في ذي الحجة سنة ست وخمسين وخمس مائة، وهو في عشر التسعين -فيما أرى، وكان والده أبو العباس من علماء وقته، وله ولدان: أبو بكر محمد، وأحمد، يرويان الحديث.

‌4602 - القُشَيري

(2)

:

الشيخ العالم المأمون أبو محمد الفضل بن محمد بن عبيد بن محمد بن محمد بن مهدي القشيري النيسابوري، المعدل، الصوفي.

سمع: العلامة عبد القاهر البغدادي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبا حسان المزكي، وعبد الغافر الفارسي، وهو أخو عبيد القشيري.

حدث ببغداد لما حج، فروى عنه أبو الفتح محمد بن عبد السلام الكاتب، وغيره.

توفي في رمضان، سنة ست وخمس مائة، وله ست وثمانون سنة، وكان خيرا فاضلا، حسن السمت من شهود نيسابور الكبار.

‌4603 - الأنْبَارِي

(3)

:

كبير الوعاظ، الإمام المقرئ، أبو منصور علي بن محمد بن علي الأنباري، ثم البغدادي.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 360"، واللباب لابن الأثير "2/ 202"

(2)

ترجمته في العبر "4/ 11"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 14".

(3)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 176"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 17".

ص: 243

تلا بالروايات على أبي علي الشرمقاني، وأظنه آخر أصحابه.

وسمع من: ابن غيلان، وأبي إسحاق البرمكي، وجماعة، وتفقه على أبي يعلى حتى برع في مذهب أحمد، وكان دينًا صالحًا، عذب الألفاظ، طيب التلاوة، من أعيان العلماء، أفتى، ودرس، ووعظ بجامع القصر، وجامع المنصور، وجامع المهدي، وسمع الكثير، ونسخ الأجزاء.

روى عنه أبو البركات بن السقطي، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو طالب ابن خضير، وآخرون.

مولده في سنة خمس وعشرين وأربع مائة.

ومات في جمادى الآخرة، سنة سبع وخمس مائة، وشيعه الخلق، وازدحموا عليه، رحمه الله تعالى.

وما استحضر أحدًا قرأ عليه بالروايات.

ص: 244

‌4604 - السَّقَطِي

(1)

:

الشيخ المحدث، مفيد بغداد، أبو البركات هبة الله بن المبارك بن موسى البغدادي السقطي صاحب "المعجم" الضخم.

كتب عمن دب ودرج وخرج وجمع وتنبه، لكنه ضعيف، قليل الإتقان.

سمع: القاضي أبا يعلى، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وعبد الصمد بن المأمون، وأبا جعفر بن المسلمة، ومحمد بن علي بن الدجاجي، وجابر بن ياسين، وأبا بكر الخطيب، وهنادًا النسفي، فمن بعدهم.

ورحل إلى أصبهان والكوفة والبصرة والموصل والجبال، وبالغ وبحث عن الشيوخ حتى كتب عمن هو دونه.

روى عنه ولده وجيه، وإسماعيل بن السمرقندي، والشيخ عبد القادر، والمبارك بن كامل، والسلفي، وآخرون.

قال ابن النجار: أخبرنا ابن رواج، أخبرنا السلفي، أخبرنا هبة الله السقطي بواسط، أخبرنا أبو يعلى، فذكر حديثًا.

وله نظم جيد.

قال السلفي: سألت هبة الله بن السقطي عن مولده، فقال: سنة خمس وأربعين وأربع مائة، سمع كثيرًا، وكان من أهل الحفظ والمعرفة، وشعره حسن، رأيته بأصبهان لما قدم مع رزق الله يقرأ عليه الحديث.

قال ابن فولاذ: ذاكرت شجاعًا الذهلي برواية السقطي عن أبي محمد الجوهري، فقال: ما سمعنا بهذا قط، وضعفه فيه جدًا.

وقال السمعاني: سألت ابن ناصر عن السقطي: أكان ثقة? قال: لا والله، ظهر كذبه، وهو من سقط المتاع، مات: سنة تسع وخمس مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 92"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 183"، والعبر "4/ 19"، وميزان الاعتدال "4/ 292"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 26".

ص: 244

‌4605 - الأبِيُوَرْدِي

(1)

:

الأستاذ العلامة الأكمل أبو المظفر محمد بن أبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن منصور بن معاوية بن محمد بن عثمان بن عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان ابن حرب بن أمية الأموي، العنبسي المعاوي، الأبيوردي اللغوي، شاعر وقته، وصاحب التصانيف، فالواسطة بينه وبين أبي سفيان خمسة عشر أبًا.

سمع: إسماعيل بن مسعدة، وأبا بكر بن خلف الشيرازي، ومالك بن أحمد البانياسي، وأخذ العربية عن عبد القاهر الجرجاني.

روى عنه ابن طاهر المقدسي، وأبو الفتوح الطائي، وأبو طاهر السلفي، وجماعة.

قال يحيى بن منده: سئل الأديب أبو المظفر عن أحاديث الصفات، فقال: تقر وتمر.

وقال السمعاني: صنف كتاب "المختلف"، وكتاب "طبقات العلم"، وكتاب "أنساب العرب"، وله في اللغة مصنفات ما سبق إليها.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 176"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "17/ 234"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 444"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "2/ 91"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1241"، والعبر "4/ 14"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 81"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 206"، وبغية الوعاة للسيوطي "1/ 40"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 18".

ص: 245

قلت: "ديوانه" كبير، وهو أقسام: العراقيات، والنجديات، والوجديات، وعمل "تاريخًا" لأبيورد.

قال السمعاني: سمعت غير واحد يقولون: كان الأبيوردي يقول في صلاته: اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها.

قلت: هو ريان من العلوم، موصوفٌ بالدين والورع، إلَّا أنه تياه، معجب بنفسه، قد قتله حب السؤدد، وكان جميلًا لباسًا له هيئة ورواء، وكان يفتخر، ويكتب اسمه: العبشمي المعاوي، يقال: إنه كتب رقعة إلى الخليفة المستظهر بالله، وكتب: المملوك المعاوي، فحك المستظهر الميم، فصار العاوي، ورد الرقعة إليه.

قال جماد الحراني: سمعت السلفي يقول: كان الأبيوردي -والله- من أهل الدين والخير والصلاح والثقة، قال لي: والله ما نمت في بيت فيه كتاب الله، ولا حديث رسول الله احترامًا لهما أن يبدو مني شيءٌ لا يجوز.

أنشدنا أبو الحسين بن الفقيه، أخبرنا جعفر، أخبرنا السلفي، أنشدنا الأبيوردي لنفسه:

وشادنٍ زارني على عجلٍ

كالبدر في صفحة الدجى لمعا

لم أزل موهنا أحدثه

والبدر يصغي إلي مستمعا

وصلت خدي بخده شغفا

حتى التقى الروض والغدير معا

قال عبد الغافر في "السياق": فخر العرب أبو المظفر الأبيوردي الكوفني، الرئيس الأديب، الكاتب النسابة، من مفاخر العصر، وأفاضل الدهر، له الفضائل الرائقة، والفصول الفائقة، والتصانيف المعجزة، والتواليف المعجبة، والنظم الذي نسخ أشعار المحدثين، ونسج فيه على منوال المعري، ومن فوقه من المفلقين، رأيته شابًا قام في درس إمام الحرمين مرارًا، وأنشأ فيه قصائد كبارًا، يلفظها كما يشاء زبدًا من بحر خاطره كما نشاء، ميسرٌ له الإنشاء، طويل النفس، كثير الحفظ، يلتفت في أثناء كلامه إلى الفقر والوقائع، والاستنباطات الغريبة، ثم خرج إلى العراق، وأقام مدةً يجذب فضله بضبعه، ويشتهر بين الأفاضل كمال فضله، ومتانة طبعه، حتى ظهر أمره، وعلا قدره، وحصل له من السلطان مكانةٌ ونعمة، ثم كان يرشح من كلامه نوع تشبث بالخلافة، ودعوة إلى اتباع فضله، وادعاء استحقاق الإمامة، تبيض وساوس الشيطان في رأسه وتفرخ، وترفع الكبر بأنفه وتشمخ، فاضطره الحال إلى مفارقة بغداد، ورجع إلى همذان، فأقام بها يدرس ويفيد، ويصنف مدة.

ص: 246

ومن شعره:

وهيفاء لا أصغي إلى من يلومني

عليها ويغريني بها أن يعيبها

أميل بإحدى مقلتي إذا بدت

إليها وبالأخرى أراعي رقيبها

وقد غفل الواشي فلم يدر أنني

أخذت لعيني من سليمى نصيبها

وله:

أكوكبٌ ما أرى يا سعد أم نار

تشبها سهلة الخدين معطار

بيضاء إن نطقت في الحي أو نظرت

تقاسم الشمس أسماعٌ وأبصار

والركب يسرون والظلماء راكدة

كأنهم في ضمير الليل أسرار

فأسرعوا وطلا الأعناق مائلةٌ

حيث الوسائد للنوام أكوار

وله:

تنكر لي دهري ولم يدر أنني

أعز وأحداث الزمان تهون

فبات يريني الخطب كيف اعتداؤه

وبت أريه الصبر كيف يكون

وله:

نزلنا بنعمان الأراك وللندى

سقيطٌ به ابتلت علينا المطارف

فبت أعاني الوجد والركب نومٌ

وقد أخذت منا السرى والتنائف

وأذكر خودًا إن دعاني على النوى

هواها أجابته الدموع الذوارف

لها في مغاني ذلك الشعب منزلٌ

لئن أنكرته العين فالقلب عارف

قال محمد بن طاهر الحافظ: أنشدنا أبو المظفر الأبيوردي لنفسه:

يا من يساجلني وليس بمدركٍ

شأوي وأين له جلالة منصبي

لا تتعبن فدون ما حاولته

خرط القتادة وامتطاء الكوكب

والمجد يعلم أينا خيرٌ أبا

فأسأله تعلم أي ذي حسبٍ أبي

جدي معاوية الأغر سمت به

جرثومةٌ من طينها خلق النبي

ورثته شرفًا رفعت مناره

فبنو أمية يفخرون به وبي

ص: 247

أنشدني علي بن محمد الحافظ، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا السلفي، أنشدنا الأبيوردي لنفسه:

من رأى أشباح تبرٍ

حشيت ريقة نحله

فجمعناها بدورًا

وقطعناها أهله

توفي الأبيوردي بأصبهان مسمومًا، في ربيع الأول، سنة سبع وخمسين وخمس مائة كهلًا. قال قاضي القضاة عبد الواحد بن أحمد الثقفي: أنشدنا الأبيوردي:

لم يبق مني الحب غير حشاشةٍ

تشكو الصبابة فاذهبي بالباقي

أيبل من جلب السقام طبيبه

ويفيق من سحرته عين الراقي

إن كان طرفك ذاق ريقك فالذي

ألقى من المسقي فعل الساقي

نفسي فداؤك من ظلومٍ أعطيت

رق القلوب وطاعة الأحداق

وقد ذكره ابن طاهر، فلم يتقن نسبه، وقال: كان أوحد أهل زمانه في علوم عدة.

وقد عمل السلفي له سيرة وطول، وقال: كان في زمانه درة وشاحه، وغرة أوضاحه، ومالك رق المعاني، فلله دره حين يتناثر من فيه دره.

في كل معنًى يكاد الميت يفهمه

حسنًا ويعبده القرطاس والقلم

هذا مع ما تجمع فيه من الخلال الرضية، والخصال المرضية، كالتبحر في اللغة، والتقدم في النحو، والمعرفة برجال الحديث والأنساب، ونزاهة النفس، والمواظبة على الشرع، والتواضع الزائد للزاهدين، والصلف التام على أبناء الدنيا، وكان نادرًا في أنساب العرب قاطبة، كأنه يغرف من بحر، سمعته يقول: ما دخلت بلدًا يروى فيه الحديث إلَّا بدأت بسماع شيءٍ منه قبل التصدي لشؤوني، وحفظت كتاب "البلغة" في اللغة وأنا صبي، وما مقلت لغويًا قط، وأما النحو، فعبد القاهر، وأثنى عليه.

وحكى لي الشريف أبو البلقاء خطيب جامع السلطان قال: كان أبو المظفر يطالع الرقعة الطويلة مرةً واحدة، ويعيدها حفظًا، قال: وممن كان يبالغ في مدحه أبو نصر بن أبي حفص، وأبو إسماعيل الأثعل الأصبهانيان كاتبا العصر، وبلغني وأنا بسلماس أنه فوض إليه إشراف الممالك، وأحضر عند السلطان محمد بن ملكشاه للشخصية وهو على سرير الملك، فارتعد منه ووقع، ورفع ميتًا.

ص: 248

قال شيرويه: سمع الأبيوردي من إسماعيل بن مسعدة، وعبد القاهر الجرجاني، وأبي الفتح الشيرازي بالري، وعاصم بن الحسن، إلى أن قال: وكان من أفراد الوقت الذين ملكوا القلوب بفضلهم، وعمروا الصدور بودهم متعصبًا للسنة وأهلها، وله تصانيف كثيرة، ألف "تاريخ أبيورد ونسا" و "المختلف والمؤتلف" و "طبقات العلماء في كل فن" و "ما اختلف وائتلف من أنساب العرب"، وله في النحو واللغة مصنفات ما سبق إليها، حسن السيرة، خفيف الروح، متواضعًا، طرازًا لأهل البلد.

وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: قدم بغداد سنة ثمانين، ولازم خزانة الكتب النظامية، وكان من الذكاء على وصف عجيب، كان يسمع القصيدة الطويلة في نوبةٍ، فيرويها، ويتصفح الكتاب مرة، فيذكر فوائده ويحكيها، كان يعاب بإعجابه بنفسه، وكان عفيفًا متصونًا، أكثر من مدائح الوزير أبي منصور بن جهير، فصادف منه رفدا جليلا، ثم هجاه في هوى مؤيد الملك بن النظام، فسعى ابن جهير إلى الخليفة بأنه قد هجاك، ومدح صاحب مصر، فأبيح دمه، فهرب إلى همذان، واختلق هذا النسب حتى ذهب عنه اسم صاحب مصر، ويقال: إن الخطير الوزير سمه، فمات فجأة.

قال ابن الخشاب: قرأت على عبد الرحيم بن الإخوة ثلاثة أجزاء من أول كتاب "زاد الرفاق للأبيوردي، وهذا الكتاب -نعم والله- بارد الوضع، مشوب أدبه بفضول من علوم لا تعد في الفضل، دالة على أن الأبيوردي كان ممخرقًا محبًا لأن يرى بعين مفتن، متشبعًا بما لم يعط.

ولأبي إسماعيل الطغرائي يرثي الأبيوردي:

إن ساغ لي بعدك لي ماءٌ على ظمأ

فلا تجرعت غير الصاب والصبر

أو إن نظرت من الدنيا إلى حسنٍ

مذ غبت عني فلا متعت بالنظر

صحبتني والشباب الغض ثم مضى

كما مضيت فما في العيش من وطر

هبني بلغت من الأعمار أطولها

أو انتهيت إلى آمالي الكبر

فكيف لي بشبابٍ لا ارتجاع له

أم أين أنت فما لي عنك من خبر

سبقتماني ولو خيرت بعدكما

لكنت أول لحاقٍ على الأثر

ص: 249

‌4606 - الأبِيُوَرْدي:

الشيخ أبو القاسم الفضل بن محمد الأبيوردي العطار الذي روى "سنن الدارقطني" بفوت جزئين عن أبي منصور النوقاني عن المؤلف، وكمل الجزئين على أبي عثمان الصابوني عنه إجازة. سمع الكتاب منه أبو سعد الصفار في سنة سبع عشرة وخمس مائة، وتوفي بعد عام بنيسابور.

‌4607 - الفضل بن محمد

(1)

:

ابن عبيد محمد بن محمد بن مهدي، العدل المأمون الصالح، أبو محمد القشيري النيسابوري، أخو عبيد بن محمد.

ولد سنة عشرين وأربع مائة.

وسمع من: الأستاذ أبي منصور عبد القاهر البغدادي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبي حسان المزكي، وعبد الغافر بن محمد الفارسي.

وحدث ببغداد، حج، فروى عنه أبو الفتح بن عبد السلام الكاتب وغيره.

مات في رمضان، سنة ست وخمس مائة.

أخوه:

‌4608 - عبيد بن محمد

(2)

:

التاجر الأمين المعمر أبو العلاء عبيد بن محمد القشيري.

سمع: عبد القاهر بن طاهر البغدادي الأصولي، وأبا حسان المزكي، وعبد الرحمن بن حمدان، وأبا حفص بن مسرور، وسافر إلى المغرب في التجارة، وأقام هناك مدة، وحصل أموالًا، ثم عاد إلى نيسابور، وشاخ، ولزم داره، وكان قليل المخالطة، وكان الأخ الأكبر.

ولد سنة سبع عشرة وأربع مائة، وصفع عبد الغافر بن إسماعيل في "تاريخه" بالصدق والعدالة والعبادة، وصحة السماع، والإنفاق على الفقراء، تصدق في آخر عمره بشيء كثير، وثقل سمعه.

روى عنه أبو سعد السمعاني حضورًا بقراءة أبيه.

قال ابن النجار: مات في ثامن عشر شعبان سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، وعاش خمسًا وتسعين سنة.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 11"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 14".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 28"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 35".

ص: 250

‌4609 - شِيُروَيه

(1)

:

ابن شهردار بن شيرويه بن فناخسره بن خسركان، المحدث، العالم، الحافظ، المؤرخ، أبو شجاع الديلمي، الهمذاني مؤلف كتاب "الفردوس" و "تاريخ همذان".

ولد سنة خمس وأربعين وأربع مائة.

وطلب هذا الشأن، ورحل فيه.

سمع: محمد بن عثمان القومساني، ويوسف بن محمد بن يوسف المستملي، وسفيان بن الحسن بن منجويه، وعبد الحميد بن الحسن الفقاعي، وأبا الفرج علي بن محمد الجريري البجلي، وأحمد بن عيسى الدينوري، وعبد الباقي بن علي العطار، وأبا القاسم بن البسري، وأبا نصر الزينبي، وأبا عمرو بن منده، وعددًا كثيرًا.

حدث عنه: ولده؛ شهردار، ومحمد بن الفضل العطار، وأبو العلاء العطار المقرئ، وأبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل، وأبو طاهر السلفي، وأبو موسى المديني، وعدة.

قال يحيى بن منده: شاب كيس حسن، ذكي القلب، صلبٌ في السنة، قليل الكلام.

قلت: هو متوسط الحفظ، وغيره أبرع منه وأتقن.

مات في تاسع عشر رجب سنة تسع وخمس مائة، وله أربع وستون سنة.

وفيها مات: أبو عثمان بن ملة الواعظ، ومحمد بن نصر الأعمش، وخطيب صور غيث بن علي الأرمنازي المحدث، وأبو يعلى محمد بن محمد بن الهبارية الشاعر، وأبو البركات هبة الله بن السقطي، وقوام بن زيد البكري الدمشقي المزي.

ومات ولده الحافظ شهردار سنة ثمان وخمسين وخمس مائة، وسيأتي.

ومات حفيده شيرويه بن شهردار سنة ست مائة، عن اثنتين وثمانين سنة، سمع من زاهر الشحامي "مسند أبي يعلى".

(1)

ترجمته في العبر "4/ 18"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1063"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 111"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 211"، وشذرات الذهب لابن العماد "/ 23".

ص: 251

‌4610 - الخَوْلَاني

(1)

:

الشيخ الفاضل، المعمر الصادق، مسند الأندلس، أبو عبد الله أحمد ابن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن غلبون الخولاني، القرطبي.

مولده في سنة ثمان عشرة وأربع مائة.

واعتنى به أبوه، واستجاز له الكبار، وسمعه في الحداثة.

سمع من: أبيه الحافظ أبي عبد الله كثيرًا، وسمع "الموطأ" من أبي عمرو عثمان بن أحمد القيجطالي صاحب أبي عيسى بن عبد الله الليثي، وتفرد في الدنيا بعلوه، وسمع من أبي عبد الله بن الأحدب، وأبي محمد الشنتجالي، وعلي بن حمويه الشيرازي، وعدة.

وأجاز له يونس بن عبد الله بن مغيث القاضي، وأبو عمرو المرشاني الذي تفرد بإجازة أبي بكر الآجري المجاور، وأبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي، والحافظ أبو ذر الهروي المجاور، ومكي بن أبي طالب القيسي، والحافظ أبو عمرو الداني.

قال ابن بشكوال: كان شيخًا فاضلًا، عفيفًا منقبضًا، من بيت علم ودين وفضل، ولم يكن عنده كبير علمٍ، أكثر من روايته عن هؤلاء الجلة، وكانت عنده أصولٌ يلجأ إليها، ويعول عليها.

قلت: هو خال أبي الحسن شريح بن محمد.

حدث عنه: أبو الوليد بن الدباغ، وعلي بن الحسين اللواتي، وجماعة.

وأجاز لأبي عبد الله بن زرقون، وعمر دهرًا.

توفي في شعبان سنة ثمان وخمس مائة، وله تسعون سنة.

‌4611 - أبو طاهر اليوسُفي

(2)

:

الشيخ الأمين، العدل المسند، أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف بن محمد بن يوسف البغدادي البزاز.

سمع: أبا علي بن المذهب، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا بكر بن بشران، وأبا محمد الجوهري، وعدة.

وحدث بـ "سنن الدارقطني" عن ابن بشران عنه.

حدث عنه: ابن ناصر، وأبو المعمر الأنصاري، وأبو طاهر السلفي، والصائن هبة الله بن عساكر، وأخوه الحافظ عبد الخالق اليوسفي، وابنا أخيه عبد الحق وعبد الرحيم ابنا عبد الخالق، وآخرون.

قال السلفي: كان من أعيان رؤساء بغداد.

قلت: ولد سنة خمس وثلاثين وأربع مائة، ومات في شوال، سنة إحدى عشرة وخمس مائة، وكان من أهل الدين والثقة والسنة، مات هو وأبو علي ابن نبهان المذكور في ليلة واحدة، ومن مروياته "سنن الدارقطني".

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 73"، والعبر "4/ 189"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 209"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 21".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 194"، والعبر "4/ 24"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردى "5/ 214"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 31".

ص: 252

‌4612 - ابن صُلَيْعَة:

الأمير القاضي، أبو محمد عبيد الله بن صليعة بن قاضي جبلة، كانت جبلة لصاحب طرابلس ابن عمار، فتعانى ابن صليعة- ويقال: ابن صليحة- الفروسية، وخاف منه ابن عمار، فعصى بجبلة وتملكها، وحصنها إلى الغاية، وخطب لبني العباس، ثم حاصره الفرنج، فأرجف بمجيء جيش بركياروق، فترحلوا عنه، ثم نازلوه، فشنع بمجيء المصريين، ثم قرر مع رعيته النصارى بأن يناصحوا الفرنج، ويواعدوهم إلى برجٍ، فانتدب من الفرنج من شجعانهم ثلاث مائة، فطالعهم النصارى في حبال، وكلما طلع واحد، قتله ابن صليحة حتى أباد الثلاث مائة، ثم صفف رؤوسهم على الشرفات، ثم حاصروه، ودكوا برجًا، فأصبح قد بناه في الليل. وكان يبرز في فوارسه، ويحمل على الفرنج، فطمعوا فيه مرة، واستجرهم إلى السور، فخرج إليهم المقاتلة، وأحاطوا بهم، فترحلوا.

ثم إنه علم أن الفرنج لا يفترون، فقدم إلى دمشق، وبذل لصاحبها طغتكين جبلة بذخائرها، فبعث ولده فتسلمها.

وذهب ابن صليحة إلى بغداد، فخرج عليه عسكر فنهبوه، فرد إلى دمشق، فأكرمه طغتكين وأنزله، ثم إنه اشترى حصن بلاطنس من ابن منقذ، فتحول إليه بأمواله، وترك بجبلة من الذخائر شيئًا كثيرًا.

ثم إنه أخذها ابن عمار من ولد طغتكين، ولم أعرف وفاة ابن صليحة.

ص: 253

‌4613 - صاحب الهند

(1)

:

السلطان مسعود، علاء الدولة، أبو سعيد بن صاحب الهند إبراهيم بن مسعود ابن السلطان الكبير محمود بن سبكتكين ملك غزنة والهند.

مات في شوال سنة ثمان وخمس مائة، فتملك بعده ابنه الملك أرسلان ابن عمة السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان، وتمكن، وقبض على إخوته، فغضب لهم السلطان سنجر، والتقاه، فانهزم صاحب الهند، ثم طلب الهدنة، وقوي طمع سنجر، ثم التقوا على باب غزنة، وكان عسكر غزنة ثلاثين ألف فارس وستين فيلًا، فانكسروا أيضًا، وتملك سنجر غزنة في سنة عشر، لكن عصت القلعة، وكان أرسلان ظلومًا، فسلمت القلعة، ونصب في غزنة بهرام، وعاثت جيوش سنجر، ونهبوا، وعثروا العامة، فصلب جماعةً من عسكره، فهذبوا.

قال ابن الأثير: حصل لسنجر خمسة تيجان، قيمة أحدها أزيد من ألفي ألف دينار، ورجع سنجر بعد أربعين يومًا، فذهب أرسلان وجمع العساكر، وقصد غزنة، وجرت أمورٌ يطول شرحها، ثم إن أرسلان أسر وخنق، وكان بديع الجمال، عاش سبعًا وعشرين سنة.

‌4614 - ابن مَرْزُوق

(2)

:

الإمام المحدث الرحال، أبو الخير عبد الله بن مرزوق الهروي، مولى شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري.

قيل: ولد سنة إحدى وأربعين وأربع مائة.

قال ابن النجار: قرأ العلم، ورزق الفهم، وسمع الكثير، وسافر وكتب وحصل، وكان موصوفًا بالحفظ والمعرفة، وحسن السيرة، وكان خطه رديئًا، ثقل سمعه بآخرة.

سمع: أبا عمر المليحي، ومحمد بن عبد العزيز الفارسي، وأبا معمر أحمد بن عبد الواحد البانكي، وعبد الرحمن بن منده، وأخاه أبا عمرو، وأبا القاسم بن البسري، وطبقتهم.

سمع منه: القاضي يعقوب بن إبراهيم إمام الحنابلة، وهبة الله بن السقطي، وسكن أصبهان.

قال السلفي: سمعت إسماعيل بن محمد الحافظ يقول: أبو الخير الهروي حافظٌ للحديث متقن.

وقال أبو موسى المديني في "معجمه": حدثنا الحافظ الزاهد عبد الله بن مرزوق الهروي، وكان ثقيل الأذن، ومات في جمادى الآخرة سنة سبع وخمس مائة.

أخبرنا ابن أبي الخير في كتابه عن ابن كليب، أخبرنا أبو خازم محمد بن الفراء، وطلحة بن أحمد العاقولي، وعلي بن الزاغوني إذنًا، قالوا: أخبرنا أبو الخير عبد الله بن مرزوق من لفظه سنة " (472) "، أخبرنا علي بن محمد بن جعفر الطريثيثي بها، أخبرنا أبو الحسين الخفاف، فذكر حديثًا.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 17"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 23".

(2)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1054"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 16".

ص: 254

‌4615 - ابن فاخر

(1)

:

الشيخ الإمام، إمام النحو، أبو الكرم المبارك بن فاخر بن محمد بن يعقوب البغدادي، النحوي اللغوي، صاحب التصانيف.

ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وأربع مائة.

وسمع من: القاضي أبي الطيب الطبري، وأبي محمد الجوهري، وأبي الحسين محمد بن النرسي، والقاضي أبي يعلى، وجماعة، وصحب أبا القاسم عبد الواحد بن برهان، وقرأ عليه عدة كتب، وعدة دواوين، حتى برع في لسان العرب.

أخذ عنه أبو محمد سبط الخياط، وأبو طاهر السلفي، وأبو المعمر الأنصاري، وأبو طالب محمد بن علي الكتاني، وجماعة.

قال أبو عامر العبدري: قال لي ابن فاخر: أخذت علم العربية عن أبي برهان، وأبي القاسم الرقي، وعيسى بن عمر بن الأصفر، وأبي الحسين بن شاهويه.

إلى أن قال: ولقين من أصحاب أبي سعيد السيرافي هلالًا الصابئ، ومن أصحاب أبي علي الفارسي أبا القاسم التنوخي، والجوهري.

قال ابن النجار: قرأت بخط أبي الكرم بن فاخر "ثبت" أنه سمع من التنوخي أشياء كثيرة من الكتب، وتحته بخط ابن ناصر: لم يسمع قط من التنوخي شيئًا، لقد اختلق وافترى،

وكتب ابن فاخر أنه سمع "جزء الغطريف" من أبي الطيب، فكتب ابن ناصر: قد زور على القاضي، وسمع في "جزء الغطريف"، ولم يسمع منه شيئًا، وذكر ابن فاخر عدة كتب قرأها على بن برهان، وكتب ابن ناصر تحته: كذب -والله- فيما سطره.

قال السمعاني: سألت أبا منصور بن خيرون عن ابن فاخر، فقال: كانوا يقولون: إنه كذاب.

مات هذا في ذي القعدة، سنة خمس وخمس مائة، وكان سبط الخياط أكبر تلامذته.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 154"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "17/ 54"، والعبر "3/ 356"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 195"، وشذرات الذهب لابن العماد "3/ 412".

ص: 255

‌4616 - الحدَّاد

(1)

:

الشيخ الإمام، المقرئ المجود، المحدث المعمر، مسند العصر، أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد بن علي بن مهرة الأصبهاني الحداد، شيخ أصبهان في القراءات والحديث جميعًا.

ولد في شعبان سنة تسع عشرة وأربع مائة.

وسمع في سنة أربع وعشرين، وبعدها سمع: أبا بكر محمد بن علي بن مصعب التاجر، وأبا نعيم الحافظ، فلعله سمع منه وقر بعير، وأبا الحسين ابن فاذشاه، ومحمد بن عبد الرزاق بن أبي الشيخ، وهارون بن محمد الكاتب، وأبا القاسم عبد الله بن محمد العطار، وأبا سعد عبد الرحمن بن أحمد الصفار، وعلي بن أحمد بن مهران الصحاف، وأحمد بن محمد بن بزده الملنجي، وأبا بكر بن ريذه، والفضل بن محمد القاشاني، وأبا أحمد محمد بن علي بن سيويه المكفوف، وأبا ذر محمد بن إبراهيم الصالحاني، وعدة.

وخرج لنفسه "معجمًا" سمعناه، أو لعله بتخريج ولده الحافظ المجود عبيد الله بن الحداد.

وتلا بالروايات على: عبد الله بن محمد العطار، وأبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي الزاهد، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وأحمد بن بزده، وتصدر وأفاد.

تلا عليه بالروايات: أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني، وجماعة.

وحدث عنه: السلفي، ومعمر بن الفاخر، وأبو العلاء العطار، وأبو موسى المديني، وأبو مسعود عبد الرحيم الحاجي، وأبو الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي، وأبو الفضل الطوسي

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 228"، والعبر "4/ 34"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 47".

ص: 256

خطيب الموصل، ومحمد بن عبد الواحد الصائغ، ويحيى بن محمود الثقفي، والفضل بن القاسم الصيدلاني، ومحمد بن حسن بن الفضل الأدمي، ومحمد بن أحمد المصلح الأديب، وعبد الرحيم بن محمد الخطيب، وأبو جعفر محمد بن إسماعيل الطرسوسي، وخليل بن بدر الراري، ومسعود بن أبي منصور الحناط، ومحمد بن أبي زيد الكراني، وأبو المكارم أحمد بن محمد اللبان، وخلق خاتمتهم بالحضور: أبو جعفر الصيدلاني، وبالإجازة: عفيفة الفارقانية، وحدث عنه بالإجازة أيضًا: أبو القاسم بن عساكر، وأبو سعد السمعاني، وأجاز لأبي طاهر الخشوعي، وما ظهرت له الإجازة في حياته.

قال السمعاني: كان عالمًا ثقة صدوقًا من أهل العلم والقرآن والدين، عمر دهرًا، وحدث بالكثير، كان أبوه إذا مضى إلى حانوته لعمل الحديد يأخذ بيده الحسن، ويدفعه في مسجد أبي نعيم.

قلت: وكذلك كان يسمع منه، وقبله أخوه حمد الذي روى "الحلية" ببغداد.

قال ابن نقطة: سمع أبو علي بن أبي نعيم "موطأ القعنبي"، و "مسند الإمام أحمد"، و "مسند الطيالسي"، و "مسند الحارث" الموجود سماعه، و "السنن" للكجي، و "المستخرج على البخاري"، و "المستخرج على مسلم" لأبي نعيم، وكتاب "الحلية" و "المعجم الأوسط" للطبراني، ومسندات الثوري، وعوالي الأوزاعي، ومسند الشاميين، والسنن من كتب عبد الرزاق، و "جامع عبد الرزاق"، و "مغازيه"، و "غريب الحديث" لأبي عبيد، و "مقتل الحسين"، وكتاب "الشواهد"، وكتاب "القضاء الأربعة" لأبي عبيد، وكتاب "فوائد سمويه"، و "فوائد بن علي الصواف"، و "الطبقات" لابن المديني، و "تاريخ الطالبيين" للجعابي.

وقال السمعاني: هو أجل شيخٍ أجاز لي، رحل الناس إليه، ورأى من العز ما لم يره أحدٌ في عصره، وكان خيرًا صالحًا ثقة وقد سمع من أبي نعيم من تواليفه: التوبة والاعتذار، شرف الصبر، ذم الرياء، كسب الحلال، حفظ اللسان، تثبيت الإمامة، رياضة الأبدان، التهجد، الإيجاز وجوامع الكلم، فضل علي، الخطب النبوية، لبس السواد، تعظيم الأولياء، السعاة، التعبير، رفع اليدين، المزاح، الهدية، حرمة المساجد، الجار، السحور، الفرائض، في الاثنين وسبعين فرقة، مدح الكرام، مسألة ثم أورثنا الكتاب، سماع الكليم، العقلاء، حديث الطير، لبس الصوف، الثقلاء، المحبين مع المحبوبين، أربعي الصوفية، قربان المتقين، الأربعين في الأحكام، حديث النزول، في أن الفلك غير مدبر، المعراج، الاستسقاء، الخسف، الصيام والقيام، قراءات النبي صلى الله عليه وسلم، معرفة الصحابة، علوم الحديث، تاريخ أصبهان،

ص: 257

الأخوة، العلم، المتواضعين، القراءة وراء الإمام، التشهد، حسن الظن، المؤاخاة، وعيد الزناة، الشهداء، القدر، الخلفاء الراشدين، وأشياء عدة سوى ذلك من الأجزاء والتواليف.

توفي مسند الدنيا أبو علي الحداد في السادس والعشرين من ذي الحجة، سنة خمس عشرة وخمس مائة، وقد قارب المائة، ودفن عند القاضي أبي أحمد العسال بأصبهان.

ص: 258

‌4617 - البلدي

(1)

:

الشيخ الإمام، المحدث المعمر، أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن أبي النضر البلدي، النسفي، ونسبته بالبلدي إلى بلد نسف، أي: ليس هو من أهل قرى الناحية.

سمع: أباه أبا نصر البلدي، وجعفر بن محمد المستغفري الحافظ، وأحمد بن علي المايمرغي، ومحمد بن يعقوب السلامي، وأبا مسعود البجلي، والحسين بن إبراهيم القنطري وعدة.

قال السمعاني: حدثنا عنه نحو من عشرين نفسًا، وكان إمامًا فاضلًا، روى لنا عنه أحمد بن عبد الجبار البلدي، وحسن بن عبد الله المقرئ، ومسعود بن عمر الدلال، وميمون بن محمد الدربي.

وقال عمر بن محمد النسفي في كتاب "القند": مولده سنة ثلاث وعشرين وأربع مائة، ومات في ثالث صفر، سنة خمس وخمس مائة.

‌4618 - الساجي

(2)

:

الحافظ الإمام المجود، مفيد الجماعة، أبو نصر المؤتمن بن أحمد بن علي بن حسين بن عبيد الله الربعي الدير عاقولي، البغدادي، الساجي.

قال لابن ناصر: ولدت في صفر، سنة خمس وأربعين وأربع مائة.

سمعت علي بن أحمد الفقيه، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا أبو طاهر السلفي، سمعت المؤتمن الساجي يقول: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من أبي بكر الخطيب.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "2/ 288"، واللباب لابن الأثير "1/ 173".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 179"، والعبر "4/ 15"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1055"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 308"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 20".

ص: 258

وسمعت المؤتمن يقول: كان الخطيب يقول: من صنف، فقد جعل عقله على طبقٍ يعرضه على الناس.

سمع عبد العزيز بن علي الأنماطي، وأبا الحسين بن النقور، وأبا القاسم بن البسري، وعبد الله بن الحسن الخلال، وإسماعيل بن مسعدة، وأبا نصر الزينبي، وأبا عثمان بن ورقاء -لقيه بالقدس- وأبا عمرو عبد الوهاب بن منده، وأبا منصور بن شكرويه، وأبا بكر بن خلف الشيرازي، وأبا علي التستري، وشيخ الإسلام الأنصاري، والقاضي أبا عامر الأزدي، وأممًا سواهم، وأقدم شيخ له أبو بكر الخطيب، سمع منه بصور، وكتب ما لا يوصف كثرةً، ثم أقبل على شأنه، وعبد الله حتى أتاه اليقين، وقد سمع بحلب من الحسن بن مكي الشيزري.

حدث عنه: ابن ناصر، وسعد الخير الأندلس، وأبو المعمر الأنصاري، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وأبو سعد البغدادي، وأبو طاهر السلفي، ومحمد بن علي بن فولاذ، وأبو بكر السمعاني، وعدة، وقل ما روى بالنسبة.

قال أبو القاسم بن عساكر: سمعت أبا الوقت يقول: كان الإمام عبد الله بن محمد الأنصاري إذا رأى المؤتمن يقول: لا يمكن أحد أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دام هذا حيًا.

وحدثني أخي أبو الحسين هبة الله، قال: سألت السلفي عن المؤتمن الساجي، فقال: حافظ متقن، لم أر أحسن قراءةً للحديث منه، تفقه على الشيخ أبي إسحاق، وكتب "الشامل" عن ابن الصباغ بخطه، ثم خرج إلى الشام، فأقام بالقدس زمانًا، وذكر لي أنه سمع من لفظ الخطيب حديثًا واحدًا بصور، غير أنه لم يكن عنده نسخة، وكتب ببغداد "كامل بن عدي" عن ابن مسعدة الإسماعيلي، وكتب بالبصرة "سنن أبي داود".

انتفعت بصحبته.

وقال أبو النضر الفامي: أقام المؤتمن بهراة عشر سنين، وقرأ الكثير، ونسخ الترمذي ست كراتٍ، وكان فيه صلف نفس، وقناعة، وعفة، واشتغال بما يعنيه.

قال أبو بكر السمعاني: ما رأيت بالعراق من يفهم الحديث غير المؤتمن، وبأصبهان إسماعيل بن محمد.

قال السلفي: كان المؤتمن لا تمل قراءته، قرأ لنا على ابن الطيوري كتاب "الفاصل" للرامهرمزي في مجلس.

وللسلفي:

ص: 259

متى رمت أن تلقين حافظًا

يكون لدى الكل بالمؤتمن

عليك ببغداد شرقيها

لتلقى أبا نصرٍ المؤتمن

وقال يحيى بن منده: قرأ المؤتمن على أبي كتاب "معرفة الصحابة"، و كتاب "التوحيد"، و "الأمالي"، وحديث ابن عيينة لجدي، فلما أخذ في قراءة "غرائب شعبة"، فلما بلغ إلى حديث عمر في لبس الحرير مات أبي بعد عشاء الآخرة، فهذا ما رأينا. وذكر حكاية ابن طاهر أن المؤتمن إنما تمم كتاب الصحابة على أبي عمرو بعد موته وردها، وقال لابن طاهر: يجب أن تصلح هذا، فإنه كذب. قال: وكان المؤتمن متورعًا زاهدًا، صابرًا على الفقر.

قال ابن ناصر: توفي المؤتمن في صفر، سنة سبع وخمس مائة ببغداد، وصليت عليه، وكان عالمًا ثقة، فهمًا مأمونًا.

ص: 260

‌4619 - فَخْرُ الُمْلكِ

(1)

:

ابن عمار، صاحب طرابلس، كان من دهاة الرجال وأفراد الزمان شجاعةً وإقدامًا ورأيًا وحزمًا، ابتلي بلده بحصار الفرنج خمسة أعوام، وهو يقاومهم، وينكي في العدو، ويستظهر عليهم، ويراسل ملوك الأطراف، ويتحفهم بالهدايا، وهم حائرون في أنفسهم، ولم ينجده أحد، وقد راسل صاحب الروم مرات، وكان حسن التدبير في الحصار، جيد المكيدة والمخادعة، برًا وبحرًا، شتاءً وصيفًا، حتى تفانت رجاله، وكلت أبطاله، فركب في البحر، وطلع حتى قدم دمشق، وأخذت طرابلس منه سنة اثنتين وخمس مائة، فأقطعه طغتكين قرية الزبداني، وكان لشدة ما نزل به يصادر الرعية ويعسفهم، وجرت له تنقلات وأحوال، إلى أن أدبرت أيامه، ووافاه حمامه، والله يسمح له.

‌4620 - ابن أصَبغ

(2)

:

شيخ المالكية، وعالمهم بقرطبة أبو القاسم أصبغ بن محمد بن أصبغ الأزدي القرطبي.

حدث عن حاتم بن محمد، وتفقه: بأبي جعفر بن رزق، وحمل عن: أبي مروان بن سراج، وأبي علي الغساني، وأجاز له أبو عمر بن عبد البر، وكان عجبًا في المذهب لا يجارى في الشروط، أمَّ بجامع قرطبة، سمع الناس منه، وتفقهوا به.

مات في صفر، سنة خمسٍ وخمس مائة، عن ستين عامًا.

(1)

ترجمته في الكامل لابن الأثير "10/ 311 و 344".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 109".

ص: 260

‌4621 - سَرْفَرْتج

(1)

:

الرئيس أبو سعد محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم المديني، التاني، الكاتب، صاحب أبي نعيم الحافظ.

حدث ببغداد، وخدم بالكتابة في الشام.

حدث عنه: أبو الفتح بن البطي، وأبو طاهر السلفي، وأبو موسى المديني.

مات في آخر يومٍ من سنة خمس وخمس مائة.

‌4622 - المُعَيِّر:

الإمام المقرئ أبو غالب أحمد بن عبيد الله بن أبي الفتح محمد بن أحمد البغدادي، المعير، ابن خال شيخ القراء ابن سوار.

تلا بحرف أبي عمرو على عبد الله بن مكي السواق عن الشنبوذي.

وسمع من: ابن غيلان، ومحمد بن الحسين الحراني، وأبي محمد الخلال، وأحمد بن علي التوزي، وجماعة.

حدث عنه: ابن ناصر، والسلفي، وأبو معمر الأنصاري، وعبد الحق اليوسفي، وآخرون. وبالإجازة: نصر الله القزاز، وكان من الثقات الصلحاء.

عاش ثمانين سنة، توفي في جمادى الأولى سنة ثمان وخمس مائة، وتلا عليه المبارك بن كامل.

‌4623 - ابن البيهقي

(2)

:

الفقيه الإمام، شيخ القضاة، أبو علي إسماعيل بن الإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي الخسروجردي الشافعي، نزيل خوارزم، ثم نزيل بلخ، فحمل عنه أهل تلك الديار.

مولده سنة ثمان وعشرين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في تاريخ الإسلام للمصنف "4/ 173".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 175"، وتذكرة الحفاظ "3/ ص 1133"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 44"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 205".

ص: 261

وحدث عن أبيه، وأبي حفص بن مسرور، وعبد الغافر الفارسي، وأبي عثمان الصابوني، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وطبقتهم، وكان عارفًا بالمذهب، مدرسًا، جليل القدر.

روى عنه عباس بن أرسلان، وحفيده محمود في "تاريخ خوارزم"، والأديب محمد بن إبراهيم الخياط، وشيخ الصوفية محمد بن أرسلان، والحسن بن سليمان الخجندي، وآخرون.

وبالإجازة: أبو سعد السمعاني، واتفق أنه رجع إلى بيهق بعد غيبة ثلاثين سنة، فأقام بها أيامًا يسيرة، وأدركه الأجل في جمادي الآخرة، سنة سبع وخمس مائة.

وقد حدث عنه أبو القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي، وطائفة من أهل بغداد، وقارب الثمانين، رحمه الله.

ص: 262

‌4624 - رضوان

(1)

:

صاحب حلب، الملك رضوان بن السلطان تتش بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي.

تملك حلب بعد أبيه، وامتدت أيامه، وقد خطب له بدمشق عندما قتل أبوه أيامًا، ثم استقل بحلب، وأخذت منه الفرنج أنطاكية.

وكان ذميم السيرة، قرب الباطنية، وعمل لهم دار دعوة بحلب، وكثروا، وقتل أخويه أبا طالب وبهرامًا، ثم هلك في سنة سبع وخمس مائة، فتملك بعده أخوه الأخرس ألب أرسلان، وله ست عشرة سنة، فقتل أخوين له أيضًا، وقتل رأس الباطنية أبا طاهر الصائغ، وجماعة من أعيانهم، وهرب آخرون، فقتل الأمراء الأخرس بعد سنة، وملكوا أخاه سلطان شاه.

وكان رضوان يميل إلى المصريين، فجاء رسول الأفضل أمير الجيوش يدعوه إلى طاعتهم والخطبة لهم، والبيعة للمستعلي، ووعدوه بالنجدة والمال، فخطب في بلاده للمستعلي، ولوزيره أمير الجيوش جمعًا، ثم دامت الخطبة عامين بحلب، ثم أعيدت الدعوة العباسة في أثناء سنة اثنتين وتسعين، إذ لم ينفعه المصريون بأمرٍ، وقصدت النصارى أنطاكية، ونازلوا بيت المقدس سنة اثنتين، وقتل به سبعون ألف مسلم، ونقل ابن منقذ ظهور الفرنج في هذا

(1)

ترجمته في العبر "4/ 13"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 205"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 16".

ص: 262

الوقت من بحر قسطنطينية، وجرت لهم مع طاغية الروم حروب، وعجز عنهم، ثم قالوا: ما نفتحه من بلاد الروم، فهو لك، ومهما نفتحه من بلاد الشام، فهو لنا.

وقيل: كانوا في أربع مائة ألف، ثم أخذوا بعض بلاد الملك قلج رسلان بالسيف، فجمع حينئذٍ عساكره، والتقاهم في سنة تسعين، وأشرف على النصر، ثم كسرته الفرنج، وقتل من جنده خلقٌ، وهرب واستغاث بملوك النواحي على ما دهم الإسلام، فوصلت كتبه إلى حلب مسخمة مشققة فيها بعض شعر النساء، وانزعج الخلق، ثم توجهت الفرنج إلى الشام، فقيل: اعتبروا عدتهم بأنطاكية، فكانوا أزيد من ثلاث مائة ألف نفس، فعاثوا وأخربوا البلاد، وتفرقوا، وكبسهم المسلمون، وجرت فتنٌ وحروب لا يعبر عنها، وأخذت أنطاكية بالسيف سنة إحدى وتسعين، وقتل صاحبها، وقتل أيضًا من كبار الفرنج عدد كثير، وكان الأمر إلى كندفري، ثم إلى أخيه بغدوين وبيمنت، وابن أخيه طنكل وصنجيل هؤلاء ملوكهم، ثم جاء المسلمون نجدةً لأنطاكية وقد أخذت، فحاربوا العدو أيامًا، وانتصروا، وهلك خلقٌ من العدو، وجاعوا، وجرى غير مصاف.

ص: 263

‌الطبقة السابعة والعشرون:

‌4625 - الرَّواسِي

(1)

:

الشيخ الإمام، الحافظ المكثر الجوال، أبو الفتيان عمر بن عبد الكريم بن سعدويه بن مهمت الدهستاني، الرواسي.

طوف في هذا الشأن خراسان والحرمين والعراق ومصر والشام والسواحل، وكان بصيرًا بهذا الشأن محققًا.

سمع ببلده: المحدث أبا مسعود البجلي الرازي وصحبه، وبنيسابور: أبا حفص بن مسرور، وعبد الغافر الفارسي، وأبا عثمان الصابوني، وبحران: مبادر بن علي، وببغداد: القاضي أبا يعلى بن الفراء، وأبا جعفر بن المسلمة، وأمثالهم.

حدث عنه: أبو بكر الخطيب -شيخه- وأبو حامد الغزالي، وأبو حفص عمر بن محمد الجرجاني، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، والفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي -شيخه- وهبة الله بن أحمد بن الأكفاني، والحافظ إسماعيل بن محمد التيمي، ومحمد بن الحسن الجويني، وعدة، والسلفي بالإجازة، وقدم طوس في آخر عمره، فصحح عليه الغزالي "الصحيحين"، ثم سار إلى مرو باستدعاء محدثها أبي بكر السمعاني ليحملوا عنه، فأدركته المنية بسرخس.

قال أبو جعفر بن أبي علي الحافظ: ما رأيت في تلك الديار أحفظ منه، لا بل في الدنيا كلها، كان كتّابًا جوالًا دار الدنيا لطلب الحديث، لقيته بمكة، ورأيت الشيوخ يثنون عليه، ويحسنون القول فيه، ثم لقيته بجرجان، وصار من إخواننا.

وقال إسماعيل التيمي: هو خريج أبي مسعود البجلي، سمعته يقول: دخل أبو إسماعيل دهستان، فاشترى من أبي رأسًا ودخل يأكله، فبعثني أبي إليه، فقال لي: تعرف شيئًا? قلت: لا، فقال لأبي: سلمه إلي، فسلمني إليه، فحملني إلى نيسابور، وأفادني، وانتهى أمري إلى حيث انتهى.

قال ابن نقطة: سمعت غير واحد يقولون: إن أبا الفتيان سمع من ثلاثة آلاف وست مائة شيخ.

قال خزيمة بن علي المروزي: سقطت أصابع عمر الرواسي في الرحلة من البرد.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 6"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 164"، وشذرات الذهب "4/ 7".

ص: 264

وقال الدقاق في "رسالته": حدث عمر بطوس بـ "صحيح مسلم" من غير أصله، وهذا أقبح شيء عند المحدثين.

قلت: قد توسعوا اليوم في هذا جدًا، وفي ذلك تفصيل.

قال: وحدثني أنه ولد سنة ثمان وعشرين وأربع مائة، وأنه سمع من هبة الله بن عبد الوارث في سنة " (456) ".

قال ابن طاهر، وغيره: الرواسي نسبة إلى بيع الرؤوس.

وقال ابن ماكولا: كتب عني الرواسي، وكتبت عنه، ووجدنه ذكيًا.

قال السمعاني: سمعت أبا الفضل أحمد بن محمد السرخسي يقول: لما قدم عمر بن أبي الحسن علينا، أملى، فحضر عدة، فقال: أنا أكتب أسماء الجماعة على الأصل، وسألهم وأثبت، ففي المجلس الثاني أخذ القلم، وكتبهم كلهم على ظهر قلب، وما سألهم، فقيل: كانوا سبعين نفسًا.

قال عبد الغافر بن إسماعيل: عمر الرواسي شيخٌ مشهور، عارف بالطرق، كتب الكثير، وجمع الأبواب وصنف، وكان سريع الكتابة، وكان على سيرة السلف، معيلا مقلا، خرج من نيسابور إلى طوس، فأنزله حامد الغزالي عنده، وأكرمه، وقرأ عليه "الصحيح"، ثم شرحه.

وعن أبي الفتيان الرواسي قال: أريد أن أخرج إلى مرو وسرخس على الطريق، وقد قيل: إنها مقبرة العلماء، فلا أدري كيف يكون حالي بها؛ فمات: بها، في ربيع الآخر سنة ثلاث وخمس مائة، كما هو مؤرخ على لوح قبره، -رحمه الله تعالى- عاش خمسًا وسبعين سنة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء، أنبأنا محمد بن صاعد بن سعيد الطوسي، أخبرنا أبي، أخبرنا عمر بن أبي الحسن الحافظ، أخبرنا أحمد بن عبد الرحيم النيسابوري، أخبرنا أبو الحسين الخفاف، أخبرنا أبو العباس السراج، حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أخف الناس صلاةً في تمامٍ

(1)

.

وأخبرناه عاليًا محمد بن عبد السلام، وأحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد،

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "706"، ومسلم "469".

ص: 265

أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محلم بن إسماعيل، أخبرنا الخليل بن أحمد، حدثنا محمد بن إسحاق السراج

، فذكره.

هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن قتيبة بن سعيد، وهو دال على استحباب تخفيف الصلاة، مع إتمام فرائضها وسننها، وقد حزروا أنه صلى الله عليه وسلم كان يمكث في السجود قدر عشر تسبيحات.

ص: 266

‌4626 - البُرْجِي

(1)

:

الشيخ الصالح، الأمين المعمر، مسند أصبهان، أبو القاسم غانم بن محمد بن عبيد الله بن عمر بن أيوب البرجي الأصبهاني، وهو غانم بن أبي نصر، وبرج: من قرى أصبهان.

مولده في ذي القعدة سنة " (417) ".

وأجاز له في سنة تسع عشرة من بغداد: أبو علي بن شاذان، وأبو القاسم بن بشران، والحسين بن شجاع الموصلي من بلده، والحسين بن إبراهيم الجمال.

وسمع من: أبي نعيم الحافظ ما عنده من "مسند الحارث بن أبي أسامة"، وسمع من: أبي الحسين بن فاذشاه، والفضل بن محمد القاشاني، ومحمد بن عبد الله بن شهريار، وعمر بن محمد بن الهيثم، وعدة، وسمع:"الحلية" بفوت، وسمع "مسند الطيالسي" من أبي نعيم، وجزء محمد بن عاصم.

حدث عنه: السلفي، وتاج الإسلام أبو بكر السمعاني، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وأبو سعد الصائغ، وأبو موسى المديني، والفضل بن القاسم الصيدلاني، ومسعود بن أبي منصور الجمال، وخلق.

وبالإجازة: أبو سعد السمعاني، وأبو المكارم اللبان، وكان صالحًا مكثرًا، مات: في ذي القعدة سنة إحدى عشرة وخمس مائة.

وقيل: مات في صفر سنة اثنتي عشرة، والأول أصح.

وفيها مات خطيب قرطبة أبو القاسم خلف بن إبراهيم بن النخاس، وأبو طاهر اليوسفي راوي "سنن الدارقطني"، والمحدث عبد الرحمن بن أحمد بن صابر الدمشقي، وأبو جعفر محمد بن الحسن بن باكير الكاتب، والمعمر أبو علي بن نبهان الكاتب، والسلطان محمد بن ملكشاه، والحافظ أبو زكريا يحيى بن أبي عمرو بن منده.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "2/ 132"، والعبر "4/ 24"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 31".

ص: 266

‌4627 - الغَزَّالي

(1)

:

الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، الغزالي، صاحب التصانيف، والذكاء المفرط.

تفقه ببلده أولًا، ثم تحول إلى نيسابور في مرافقة جماعة من الطلبة، فلازم إمام الحرمين، فبرع في الفقه في مدة قريبة، ومهر في الكلام والجدل، حتى صار عين المناظرين، وأعاد للطلبة، وشرع في التصنيف، فما أعجب ذلك شيخه أبا المعالي، ولكنه مظهرٌ للتبجح به، ثم سار أبو حامد إلى المخيم السلطاني، فأقبل عليه نظام الملك الوزير، وسر بوجوده، وناظر الكبار بحضرته، فانبهر له، وشاع أمره، فولاه النظام تدريس نظامية بغداد، فقدمها بعد الثمانين وأربع مائة، وسنه نحو الثلاثين، وأخذ في تأليف الأصول والفقه والكلام والحكمة، وأدخله سيلان ذهنه في مضايق الكلام، ومزال الأقدام، ولله سر في خلقه.

وعظم جاه الرجل، وازدادت حشمته بحيث إنه في دست أمير، وفي رتبة رئيس كبير، فأداه نظره في العلوم وممارسته لأفانين الزهديات إلى رفض الرئاسة، والإنابة إلى دار الخلود، والتأله، والإخلاص، وإصلاح النفس، فحج من وقته، وزار بيت المقدس، وصحب الفقيه نصر بن إبراهيم بدمشق، وأقام مدة، وألف كتاب "الإحياء"، وكتاب "الأربعين"، وكتاب "القسطاس"، وكتاب "محك النظر". وراض نفسه وجاهدها، وطرد شيطان الرعونة، ولبس زي الأتقياء، ثم بعد سنواتٍ سار إلى وطنه، لازمًا لسننه، حافظًا لوقته، مكبًا على العلم.

ولما وزر فخر الملك، حضر أبا حامد، والتمس منه أن لا يبقي أنفاسه عقيمة، وألح على الشيخ، إلى أن لان إلى القدوم إلى نيسابور، فدرس بنظاميتها.

فذكر هذا وأضعافه عبد الغافر في "السياق" إلى أن قال: ولقد زرته مرارًا، وما كنت

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 168"، واللباب لابن الأثير "2/ 379"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 216"، والعبر "4/ 10"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 191"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 203"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 10".

ص: 267

أحدس في نفسي مع ما عهدته عليه من الزعارة والنظر إلى الناس بعين الاستخفاف كبرًا وخيلاءً، واعتزازًا بما رزق من البسطة، والنطق، والذهن، وطلب العلو؛ أنه صار إلى الضد، وتصفى عن تلك الكدورات، وكنت أظنه متلفعًا بجلباب التكلف، متنمسًا بما صار إليه، فتحققت بعد السبر والتنقير أن الأمر على خلاف المظنون، وأن الرجل أفاق بعد الجنون، وحكى لنا في ليالٍ كيفية أحواله من ابتداء ما أظهر له طريق التأله، وغلبة الحال عليه بعد تبحره في العلوم، واستطالته على الكل بكلامه، والاستعداد الذي خصه الله به في تحصيل أنواع العلوم، وتمكنه من البحث والنظر، حتى تبرم بالاشتغال بالعلوم العرية عن المعاملة، وتفكر في العاقبة، وما يبقى في الآخرة، فابتدأ بصحبة الشيخ أبي علي الفارمذي، فأخذ منه استفتاح الطريقة، وامتثل ما كان يأمره به من العبادات والنوافل والأذكار والاجتهاد طلبًا للنجاة، إلى أن جاز تلك العقاب، وتكلف تلك المشاق، وما حصل على ما كان يرومه.

ثم حكى أنه راجع العلوم، وخاض في الفنون الدقيقة، والتقى بأربابها حتى تفتحت له أبوابها، وبقي مدةً في الوقائع وتكافؤ الأدلة، وفتح عليه بابٌ من الخوف بحيث شغله عن كل شيء، وحمله على الإعراض عما سواه، حتى سهل ذلك عليه، إلى أن ارتاض، وظهرت له الحقائق، وصار ما كنا نظن به ناموسًا وتخلقًا، طبعًا وتحققًا، وأن ذلك أثر السعادة المقدرة له.

ثم سألناه عن كيفية رغبته في الخروج من بيته، والرجوع إلى ما دعي إليه، فقال معتذرًا: ما كنت أجوز في ديني أن أقف عن الدعوة، ومنفعة الطالبين، وقد خف علي أن أبوح بالحق، وأنطق به، وأدعو إليه، وكان صادقًا في ذلك، فلما خف أمر الوزير، وعلم أن وقوفه على ما كان فيه ظهور وحشةٍ وخيال طلب جاهٍ، ترك ذلك قبل أن يترك، وعاد إلى بيته، واتخذ في جواره مدرسةً للطلبة، وخانقاه للصوفية، ووزع أوقاته على وظائف الحاضرين من ختم القرآن، ومجالسة ذوي القلوب، والقعود للتدريس، حتى توفي بعد مقاساةٍ لأنواع من القصد، والمناوأة من الخصوم، والسعي فيه إلى الملوك، وحفظ الله له عن نوش أيدي النكبات.

إلى أن قال: وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب الحديث، ومجالسة أهله، ومطالعة "الصحيحين"، ولو عاش، لسبق الكل في ذلك الفن بيسير من الأيام. قال: ولم يتفق له أن يروي، ولم يعقب إلَّا البنات، وكان له من الأسباب إرثًا وكسبًا ما يقوم بكفايته، وقد عرضت عليه أموالٌ، فما قبلها.

قال: ومما كان يعترض به عليه وقوع خللٍ من جهة النحو في أثناء كلامه، وروجع فيه،

ص: 268

فأنصف، واعترف أنه ما مارسه، واكتفى بما كان يحتاج إليه في كلامه، مع أنه كان يؤلف الخطب، ويشرح الكتب بالعبارة التي يعجز الأدباء والفصحاء عن أمثالها.

ومما نقم عليه ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب "كيمياء السعادة والعلوم" وشرح بعض الصور والمسائل بحيث لا توافق مراسم الشرع وظواهر ما عليه قواعد الملة، وكان الأولى به -والحق أحق ما يقال- ترك ذلك التصنيف، والإعراض عن الشرح له، فإن العوام ربما لا يحكمون أصول القواعد بالبراهين والحجج، فإذا سمعوا شيئًا من ذلك، تخيلوا منه ما هو المضر بعقائدهم، وينسبون ذلك إلى بيان مذهب الأوائل، على أن المنصف اللبيب إذا رجع إلى نفسه، علم أن أكثر ما ذكره مما رمز إليه إشارات الشرع، وإن لم يبح به، ويوجد أمثاله في كلام مشايخ الطريقة مرموزة، ومصرحا بها متفرقة، وليس لفظ منه إلَّا وكما تشعر سائر وجوهه بما يوافق عقائد أهل الملة، فلا يجب حمله إذًا إلَّا على ما يوافق، ولا ينبغي التعلق به في الرد عليه إذا أمكن، وكان الأولى به أن يترك الإفصاح بذلك، وقد سمعت أنه سمع "سنن أبي داود" من القاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي، وسمع من محمد بن أحمد الخواري والد عبد الجبار كتاب "المولد" لابن أبي عاصم بسماعه من أبي بكر بن الحارث عن أبي الشيخ عنه.

قلت: ما نقمه عبد الغافر على أبي حامد في الكيمياء، فله أمثاله في غضون تواليفه، حتى قال أبو بكر بن العربي: شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة، وأراد أن يتقيأهم، فما استطاع.

ومن "معجم أبي علي الصدفي"، تأليف القاضي عياض له، قال: والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف العظيمة، غلا في طريقة التصوف، وتجرد لنصر مذهبهم، وصار داعيةً في ذلك، وألف فيه تواليفه المشهورة، أخذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنون أمة، والله أعلم بسره، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتثل ذلك. مولده: سنة خمسين وأربع مائة.

قلت: ما زال العلماء يختلفون، ويتكلم العالم في العالم باجتهاده، وكلٌّ منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الإجماع، فهو مأزور، وإلى الله ترجع الأمور.

ولأبي المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في كتاب "رياض الأفهام" في مناقب أهل البيت قال: ذكر أبو حامد في كتابه "سر العالمين وكشف ما في الدارين" فقال في حديث: "من كنت مولاه، فعليٌّ مولاه"

(1)

أن عمر قال لعلي: بخٍ بخٍ، أصبحت مولى كل مؤمنٍ ومؤمنة. قال

(1)

صحيح: ورد عن جمع من الصحابة منهم: زيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وبريدة بن الحصيب وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.

فأما حديث زيد بن أرقم: فعند الترمذي "3713"، وأحمد "4/ 368 و 372".

وأما حديث البراء بن عازب: فعند ابن ماجه "116"، وأحمد "4/ 281".

وأما حديث سعد بن أبي وقاص: فعند ابن ماجه "121".

وأما حديث بريدة بن الحصيب: فعند أحمد "5/ 347"، والطبراني في "الأوسط""436".

ص: 269

أبو حامد: وهذا تسليم ورضا، ثم بعد هذا غلب عليه الهوى حبًا للرياسة، وعقد البنود، وأمر الخلافة ونهيها، فحملهم على الخلاف، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنًا قليلًا، فبئس ما يشترون، وسرد كثيرًا من هذا الكلام الفسل الذي تزعمه الإمامية، وما أدرى ما عذره في هذا؟ والظاهر أنه رجع عنه، وتبع الحق، فإن الرجل من بحور العلم، والله أعلم.

هذا إن لم يكن هذا وضع هذا وما ذاك ببعيد، ففي هذا التأليف بلايا لا تتطبب، وقال في أوله: إنه قرأه عليه محمد بن تومرت المغربي سرًا بالنظامية، قال: وتوسمت فيه الملك.

قلت: قد ألف الرجل في ذم الفلاسفة كتاب "التهافت"، وكشف عوارهم، ووافقهم في مواضع ظنا منه أن ذلك حق، أو موافق للملة، ولم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل، وحبب إليه إدمان النظر في كتاب "رسائل إخوان الصفا" وهو داء عضال، وجرب مرد، وسم قتال، ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء، وخيار المخلصين، لتلف. فالحذار الحذار من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل، وإلا وقعتم في الحيرة، فمن رام النجاة والفوز، فيلزم العبودية، وليدمن الاستغاثة بالله، وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام وأن يتوفى على إيمان الصحابة، وسادة التابعين، والله الموفق، فيحسن قصد العالم يغفر له وينجو، إن شاء الله.

وقال أبو عمرو بن الصلاح: فصل لبيان أشياء مهمة أنكرت على أبي حامد:

ففي تواليفه أشياء لم يرتضاها أهل مذهبه من الشذوذ: منها قوله في المنطق: هو مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط به، فلا ثقة له بمعلوم أصلًا. قال: فهذا مردود، إذ كل صحيح الذهن منطقي بالطبع، وكم من إمام ما رع بالمنطق رأسًا.

فأما كتاب "المضنون به على غير أهله" فمعاذ الله أن يكون له، شاهدت على نسخة به بخط القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزورى أنه موضوع على الغزالي، وأنه مخترع من كتاب "مقاصد الفلاسفة"، وقد نقضه الرجل بكتاب "التهافت".

وقال أحمد بن صالح الجيلي في "تاريخه" أبو حامد لقب بالغزالي، برع في الفقه،

ص: 270

وكان له ذكاءٌ وفطنة وتصرف، وقدرة على إنشاء الكلام، وتأليف المعاني، ودخل في علوم الأوائل.

إلى أن قال: وغلب عليه استعمال عباراتهم في كتبه، واستدعي لتدريس النظامية ببغداد في سنة أربع وثمانين، وبقي إلى أن غلبت عليه الخلوة، وترك التدريس، ولبس الثياب الخشنة، وتقلل في مطعومه.

إلى أن قال: وجاور بالقدس، وشرع في "الإحياء" هناك -أعني: بدمشق- وحج وزار، ورجع إلى بغداد، وسمع منه كتابه "الإحياء"، وغيره، فقد حدث بها إذا، ثم سرد تصانيفه.

وقد رأيت كتاب "الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء" للمازري، أوله: الحمد لله الذي أنار الحق وأداله، وأبار الباطل وأزاله، ثم أورد المازري أشياء مما نقده على أبي حامد، يقول: ولقد أعجب من قوم مالكيةٍ يرون مالكًا الإمام يهرب من التحديد، ويجانب أن يرسم رسمًا، وإن كان فيه أثرٌ ما، أو قياسٌ ما، تورعا وتحفظا من الفتوى فيما يحمل الناس عليه، ثم يستحسنون من رجل فتاوى مبناها على ما لا حقيقة له، وفيه كثير من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم لفق فيه الثابت بغير الثابت، وكذا ما أورد عن السلف لا يمكن ثبوته كله، وأورد من نزغات الأولياء ونفثات الأصفياء ما يجل موقعه، لكن مزج فيه النافع بالضار، كإطلاقات يحكيها عن بعضهم لا يجوز إطلاقها لشناعتها، وإن أخذت معانيها على ظواهرها، كانت كالرموز إلى قدح الملحدين، ولا تنصرف معانيها إلى الحق إلَّا بتعسف على اللفظ مما لا يتكلف العلماء مثله إلَّا في كلام صاحب الشرع الذي اضطرت المعجزات الدالة على صدقه المانعة من جهله وكذبه إلى طلب التأويل، كقوله:"إن القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن"

(1)

، و "إن السماوات على إصبع"

(2)

، وكقوله:"لأحرقت سبحات وجهه"

(3)

، وكقوله:"يضحك الله"

(4)

، إلى غير ذلك من الأحاديث الوارد ظاهرها بما أحاله العقل.

(1)

صحيح: ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص: عند مسلم "2654".

وورد عن أنس بن مالك: عند الترمذي "2140"، وابن ماجه "3834"، وأحمد "3/ 112 و 257".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "4811"، ومسلم "2786"، والترمذي "3239"، وأحمد "1/ 457".

(3)

صحيح: أخرجه مسلم "179"، وابن ماجه "195" و "196".

(4)

صحيح: أخرجه البخاري "2826"، ومسلم "1890"، عن أبي هريرة مرفوعا وتمامه: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة. فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يقاتل هذا في سبيل الله عز وجل فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم. فيقاتل في سبيل الله عز وجل فيُستشهد".

ص: 271

إلى أن قال: فإذا كانت العصمة غير مقطوع بها في حق الولي، فلا وجه لإضافة ما لا يجوز إطلاقه إليه، إلَّا أن يثبت، وتدعو ضرورة إلى نقله، فيتأول.

إلى أن قال: ألا ترى لو أن مصنفا أخذ يحكي، عن بعض الحشوية مذهبه في قدم الصوت والحرف، وقدم الورق، لما حسن به أن يقول: قال بعض المحققين: إن القارئ إذا قرأ كتاب الله، عاد القارئ في نفسه قديمًا بعد أن كان محدثًا، أو قال بعض الحذاق: إن الله محل للحوادث، إذا أخذ في حكاية مذهب الكرامية.

وقال قاضي الجماعة أبو عبد الله محمد بن حمدين القرطبي: إن بعض من يعظ ممن كان ينتحل رسم الفقه، ثم تبرأ منه شغفًا بالشرعة الغزالية، والنحلة الصوفية، أنشأ كراسةً تشتمل على معنى التعصب لكتاب أبي حامد إمام بدعتهم، فأين هو من شنع مناكيره، ومضاليل أساطيره المباينة للدين?! وزعم أن هذا من علم المعاملة المفضي إلى علم المكاشفة الواقع بهم على سر الربوبية الذي لا يسفر عن قناعه، ولا يفوز باطلاعه إلَّا من تمطى إليه ثبج ضلالته التي رفع لهم أعلامها، وشرع أحكامها. قال أبو حامد: وأدنى النصيب من هذا العلم التصديق به، وأقل عقوبته أن لا يرزق المنكر منه شيئًا، فاعرض قوله على قوله، ولا يشتغل بقراءة قرآن، ولا بكتب حديث، لأن ذلك يقطعه عن الوصول إلى إدخال رأسه في كم جبته، والتدثر بكسائه، فيسمع نداء الحق، فهو يقول: ذروا ما كان السلف عليه، وبادروا ما آمركم به، ثم إن هذا القاضي أقذع، وسب، وكفر، وأسرف، نعوذ بالله من الهوى.

وقال أبو حامد: وصدور الأحرار قبور الأسرار، ومن أفشى سر الربوبية، كفر، ورأى قتل مثل الحلاج خيرًا من إحياء عشرة لإطلاقه ألفاظًا، ونقل عن بعضهم قال: للربوبية سر لو ظهر، لبطلت النبوة، وللنبوة سرٌّ لو كشف، لبطل العلم، وللعلم سرٌّ لو كشف، لبطلت الأحكام.

قلت: سر العلم قد كشف لصوفة أشقياء، فحلوا النظام، وبطل لديهم الحلال والحرام.

قال ابن حمدين: ثم قال الغزالي: والقائل بهذا، إن لم يرد إبطال النبوة في حق الضعفاء، فما قال ليس بحق، فإن الصحيح لا يتناقض، وإن الكامل من لا يطفئ نور معرفته نور ورعه.

وقال الغزالي في العارف: فتتجلى له أنوار الحق، وتنكشف له العلوم المرموزة المحجوبة عن الخلق، فيعرف معنى النبوة، وجميع ما وردت به ألفاظ الشريعة التي نحن منها على ظاهر لا على حقيقة.

ص: 272

وقال عن بعضهم: إذا رأيته في البداية، قلت: صديقًا، وإذا رأيته في النهاية، قلت: زنديقًا، ثم فسره الغزالي، فقال: إذ اسم الزنديق لا يلصق إلَّا بمعطل الفرائض لا بمعطل النوافل. وقال: وذهبت الصوفية إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية، فيجلس فارغ القلب، مجموع الهم يقول: الله الله الله، على الدوام، فليفرغ قلبه، ولا يشتغل بتلاوة ولا كتب حديث. قال: فإذا بلغ هذا الحد، التزم الخلوة في بيت مظلمٍ، وتدثر بكسائه، فحينئذ يسمع نداء الحق:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل} .

قلت: سيد الخلق إنما سمع {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} من جبريل عن الله، وهذا الأحمق لم يسمع نداء الحق أبدًا، بل سمع شيطانًا، أو سمع شئًا لا حقيقةً من طيش دماغه، والتوفيق في الاعتصام بالسنة والإجماع.

قال أبو بكر الطرطوشي: شحن أبو حامد "الإحياء" بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أعلم كتابًا على بسيط الأرض أكثر كذبًا منه، ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة، ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم قوم يرون النبوة مكتسبة، وزعموا أن المعجزات حيل ومخاريق.

قال ابن عساكر: حج أبو حامد وأقام بالشام نحوًا من عشر سنين، وصنف، وأخذ نفسه بالمجاهدة، وكان مقامه بدمشق في المنارة الغربية من الجامع، سمع "صحيح البخاري" من أبي سهل الحفصي، وقدم دمشق في سنة تسع وثمانين.

وقال ابن خلكان: بعثه النظام على مدرسته ببغداد في سنة أربع وثمانين، وتركها في سنة ثمان وثمانين، وتزهد، وحج، وأقام بدمشق مدةً بالزاوية الغربية، ثم انتقل إلى بيت المقدس وتعبد، ثم قصد مصر، وأقام مدةً بالإسكندرية، فقيل: عزم على المضي إلى يوسف بن تاشفين سلطان مراكش، فبلغه نعيه، ثم عاد إلى طوس، وصنف:"البسيط" و "الوسيط" و "الوجيز" و "الخلاصة" و "الإحياء"، وألف:"المستصفى" في أصول الفقه، و "المنخول" و "اللباب" و "المنتحل في الجدل" و "تهافت الفلاسفة" و "محك النظر" و "معيار العلم" و "شرح الأسماء الحسنى" و "مشكاة الأنوار" و "المنقذ من الضلال" و "حقيقة القولين" وأشياء.

قال ابن النجار: أبو حامد إمام الفقهاء على الإطلاق، ورباني الأمة بالاتفاق، ومجتهد زمانه، وعين أوانه، برع في المذهب والأصول والخلاف والجدل والمنطق، وقرأ الحكمة والفلسفة، وفهم كلامهم، وتصدى للرد عليهم، وكان شديد الذكاء، قوي الإدراك، ذا فطنة ثاقبة، وغوص على المعاني، حتى قيل: إنه ألف "المنخول"، فرآه أبو المعالي، فقال: دفنتني وأنا حيٌّ، فهلا صبرت الآن، كتابك غطى على كتابي.

ص: 273

ثم روى ابن النجار بسنده: أن والد أبي حامد كان يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس، فأوصى بولديه محمد وأحمد إلى صديقٍ له صوفي صالح، فعلمهما الخط، وفني ما خلف لهما أبوهما، وتعذر عليهما القوت، فقال: أرى لكما أن تلجآ إلى المدرسة كأنكما طالبان للفقه عسى يحصل لكما قوتٌ، ففعلا ذلك.

قال أبو العباس أحمد الخطيبي: كنت في حلقة الغزالي، فقال: مات أبي، وخلف لي ولأخي مقدارًا يسيرًا ففني بحيث تعذر علينا القوت، فصرنا إلى مدرسة نطلب الفقه، ليس المراد سوى تحصيل القوت، فكان تعلمنا لذلك، لا لله، فأبى أن يكون إلَّا لله.

قال أسعد الميني: سمعت أبا حامد يقول: هاجرتا إلى أبي نصر الإسماعيلي بجرجان، فأقمت إلى أن أخذت عنه "التعليقة".

قال عبد الله بن علي الأشيري: سمعت عبد المؤمن بن علي القيسي، سمعت أبا عبد الله بن تومرت يقول: أبو حامد الغزالي قرع الباب وفتح لنا.

قال ابن النجار: بلغني أن إمام الحرمين قال: الغزالي بحر مغرقٌ، وإلكيا أسد مطرق، والخوافي نار تحرق.

قال أبو محمد العثماني، وغيره: سمعنا محمد بن يحيى العبدري المؤدب يقول: رأيت بالإسكندرية سنة خمس مائة كأن الشمس طلعت من مغربها، فعبره لي عابر ببدعة تحدث فيهم، فبعد أيام وصل الخبر بإحراق كتب الغزالي من المرية.

وفي التوكل من "الإحياء" ما نصه: وكل ما قسم الله بين عباده من رزقٍ وأجلٍ، وإيمانٍ وكفر، فكله عدلٌ محض، ليس في الإمكان أصلًا أحسن ولا أتم منه، ولو كان وادخره تعالى مع القدرة ولم يفعله، لكان بخلًا وظلمًا.

قال أبو بكر بن العربي في "شرح الأسماء الحسنى": قال شيخنا أبو حامد قولًا عظيمًا انتقده عليه العلماء، فقال: وليس في قدرة الله أبدع من هذا العالم في الإتقان والحكمة، ولو كان في القدرة أبدع أو أحكم منه ولم يفعله، لكان ذلك منه قضاءً للجود، وذلك محال. ثم قال: والجواب أنه باعد في اعتقاد عموم القدرة ونفي النهاية عن تقدير المقدورات المتعلقة بها، ولكن في تفاصيل هذا العالم المخلوق، لا في سواه، وهذا رأي فلسفي قصدت به الفلاسفة قلب الحقائق، ونسبت الإتقان إلى الحياة مثلًا، والوجود إلى السمع والبصر، حتى لا يبقى في القلوب سبيلٌ إلى الصواب، وأجمعت الأمة على خلاف هذا الاعتقاد، وقالت عن بكرة أبيها: إن المقدورات لا نهاية لها لكل مقدر الوجود، لا لكل حاصل الوجود، إذ القدرة

ص: 274

صالحة، ثم قال: وهذه وهلةٌ لا لعًا لها، ومزلة لا تماسك فيها، ونحن وإن كنا نقطةً من بحره، فإنا لا نرد عليه إلَّا بقوله.

قلت: كذا فليكن الرد بأدبٍ وسكينة.

ومما أخذ عليه، قال: إن للقدر سرًا نهينا عن إفشائه، فأي سرٍّ للقدر? فإن كان مدركًا بالنظر، وصل إليه ولا بد، وإن كان مدركًا بالخبر، فما ثبت فيه شيء، وإن كان يدرك بالحال والعرفان، فهذه دعوى محضة، فلعله عنى بإفشائه أن نعمق في القدر، ونبحث فيه.

أخبرنا محمد بن عبد الكريم، أخبرنا أبو الحسن السخاوي، أخبرنا حطلبا بن قمرية الصوفي، أخبرنا سعد بن أحمد الإسفراييني بقراءتي، أخبرنا أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الطوسي قال: اعلم أن الدين شطران: أحدهما ترك المناهي، والآخر فعل الطاعات، وترك المناهي هو الأشد، والطاعات يقدر عليها كل أحد، وترك الشهوات لا يقدر عليها إلَّا الصديقون، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"المهاجر من هجر السوء، والمجاهد من جاهد هواه"

(1)

.

وقال أبو عامر العبدري: سمعت أبا نصر أحمد بن محمد بن عبد القادر الطوسي يحلف بالله أنه أبصر في نومه كأنه ينظر في كتب الغزالي رحمه الله فإذا هي كلها تصاوير.

قلت: الغزالي إمام كبير، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ.

وقال محمد بن الوليد الطرطوشي في رسالة له إلى ابن مظفر: فأما ما ذكرت من أبي حامد، فقد رأيته، وكلمته، فرأيته جليلًا من أهل العلم، واجتمع فيه العقل والفهم، ومارس العلوم طول عمره، وكان على ذلك معظم زمانه، ثم بدا له عن طريق العلماء، ودخل في غمار العمال، ثم تصوف، وهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب القلوب، ووساوس الشيطان، ثم شابها بآراء الفلاسفة، ورموز الحلاج، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخ من الدين، فلما عمل "الإحياء"، عمد يتكلم في

(1)

ورد عنه فضالة بن عبيد مرفوعًا بلفظ: "المجاهد من جاهد نفسه". رواه الترمذي "1621"، وهو صحيح، وأخرجه أحمد "6/ 21"، والحاكم "1/ 10 - 11"، والطبراني في "الكبير""18/ 796"، من طريق الليث بن سعد قال: حدثني أبو هانئ الخولاني، عن عمرو بن مالك الجنبي قال: حدثني فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "ألا أخبركم بالمؤمن: من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب".

قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات، وأبو هانئ الخولاني: هو حميد بن لاحق.

ص: 275

علوم الأحوال، ومرامز الصوفية، وكان غير أنيسٍ بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط على أم رأسه، وشحن كتابه بالموضوعات.

قلت: أما "الإحياء" ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خير كثر لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية، نسأل الله علمًا نافعًا، تدري ما العلم النافع? هو ما نزل به القرآن، وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا، ولم يأت نهي عنه، قال عليه السلام:"من رغب عن سنتي، فليس مني"

(1)

، فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله، وبإدمان النظر في "الصحيحين"، و "سنن النسائي"، و "رياض النواوي" وأذكاره، تفلح وتنجح، وإياك وآراء عباد الفلاسفة، ووظائف أهل الرياضات، وجوع الرهبان، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فواغوثاه بالله، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم.

نعم، وللإمام محمد بن علي المازري الصقلي كلامٌ على "الإحياء" يدل على إمامته، يقول: وقد تكررت مكاتبتكم في استعلام مذهبنا في الكتاب المترجم بـ"إحياء علوم الدين"، وذكرتم أن آراء الناس فيه قد اختلفت، فطائفةٌ انتصرت وتعصبت لإشهاره، وطائفة حذرت منه ونفرت، وطائفة لكتبه أحرقت، وكاتبني أهل المشرق أيضًا يسألوني، ولم يتقدم لي قراءة هذا الكتاب سوى نبذ منه، فإن نفس الله في العمر، مددت فيه الأنفاس، وأزلت عن القلوب الالتباس: اعلموا أن هذا رأيت تلامذته، فكل منهم حكى لي نوعًا من حاله ما قام مقام العيان، فأنا أقتصر على ذكر حاله، وحال كتابه، وذكر جمل من مذاهب الموحدين والمتصوفة، وأصحاب الإشارات، والفلاسفة، فإن كتابه مترددٌ بين هذه الطرائق.

ثم إن المازري أثنى على أبي حامد في الفقه، وقال: هو بالفقه أعرف منه بأصوله، وأما علم الكلام الذي هو أصل الدين، فإنه صنف فيه، وليس بالمتبحر فيها، ولقد فطنت لعدم استبحاره فيها، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول، فأكسبته الفلسفة جرأةً على المعاني، وتسهلًا للهجوم على الحقائق، لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها، لا يزعها شرع، وعرفني صاحب له أنه كان له عكوف على "رسائل إخوان الصفا"، وهي إحدى وخمسون رسالةً، ألفها من قد خاض في علم الشرع والنقل، وفي الحكمة، فمزج بين العلمين، وقد كان رجل يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تصانيف، أدته قوته في الفلسفة إلى أن

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "5063"، ومسلم "1401"، والنسائي "6/ 60"، وأحمد "3/ 241 و 259 و 285"، من حديث أنس بن مالك.

ص: 276

حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة، وتلطف جهده، حتى تم له ما لم يتم لغيره، وقد رأيت جملًا من دواوينه، ووجدت أبا حامد يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة.

وأما مذاهب الصوفية، فلا أدري على من عول فيها، لكني رأيت فيما علق بعض أصحابه أنه ذكر كتب ابن سينا وما فيها، وذكر بعد ذلك كتب أبي حيان التوحيدي، وعندي أنه عليه عول في مذهب التصوف، وأخبرت أن أبا حيان ألف ديوانًا عظيمًا في هذا الفن، وفي "الإحياء" من الواهيات كثير. قال: وعادة المتورعين أن لا يقولوا: قال مالك، وقال الشافعي، فيما لم يثبت عندهم.

ثم قال: ويستحسن أشياء مبناها على ما لا حقيقة له، كقص الأظافر أن يبدأ بالسبابة، لأن لها الفضل على باقي الأصابع، لأنها المسبحة، ثم قص ما يليها من الوسطى، لأنها ناحية اليمين، ويختم بإبهام اليمنى، وروى في ذلك أثرًا.

قلت: هو أثر موضوع.

ثم قال: وقال: من مات بعد بلوغه ولم يعلم أن البارئ قديم، مات مسلمًا إجماعًا. قال: فمن تساهل في حكاية الإجماع في مثل هذا الذي الأقرب أن يكون الإجماع في خلافه، فحقيق أن لا يوثق بما روى، ورأيت له في الجزء الأول يقول: إن في علومه ما لا يسوغ أن يودع في كتاب، فليت شعري أحقٌّ هو أو باطل?! فإن كان باطلًا، فصدق، وإن كان حقًا، وهو مراده بلا شك، فلم لا يودع في الكتب، ألغموضه ودقته?! فإن كان هو فهمه، فما المانع أن يفهمه غيره?!

قال أبو الفرج ابن الجوزي: صنف أبو حامد "الإحياء"، وملأه بالأحاديث الباطلة، ولم يعلم بطلانها، وتكلم على الكشف، وخرج عن قانون الفقه، وقال: إن المراد بالكوكب والقمر والشمس اللواتي رآهن إبراهيم، أنوار هي حجب الله عز وجل، ولم يرد هذه المعروفات، وهذا من جنس كلام الباطنية، وقد رد ابن الجوزي على أبي حامد في كتاب "الإحياء"، وبين خطأه في مجلدات، سماه كتاب "الأحياء".

ولأبي الحسن ابن سكر رد على الغزالي في مجلد سماه: "إحياء ميت الأحياء في الرد على كتاب الإحياء".

قلت: ما زال الأئمة يخالف بعضهم بعضًا، ويرد هذا على هذا، ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل.

ص: 277

نعم، وللإمام كتاب "كيمياء السعادة"، وكتاب "المعتقد"، وكتاب "إلجام العوام"، وكتاب "الرد على الباطنية"، وكتاب "معتقد الأوائل"، وكتاب "جواهر القرآن"، وكتاب "الغاية القصوى"، وكتاب "فضائح الإباحية"، و "مسألة عوز الدور"، وغير ذلك.

قال عبد الغافر الفارسي: توفي يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمس مائة، وله خمس وخمسون سنة، ودفن بمقبرة الطابران قصبة بلاد طوس، وقولهم: الغزالي، والعطاري، والخبازي، نسبة إلى الصنائع بلسان العجم، بجمع ياء النسبة والصيغة.

وللغزالي أخ واعظٌ مشهور، وهو أبو الفتوح أحمد، له قبول عظيم في الوعظ، يزن برقة الدين وبالإباحة، بقي إلى حدود العشرين وخمس مائة، وقد ناب عن أخيه في تدريس النظامية ببغداد لما حج مديدة.

قرأت بخط النواوي رحمه الله: قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح: وقد سئل: لم سمي الغزالي بذلك، فقال: حدثني من أثق به، عن أبي الحرم الماكسي الأديب، حدثنا أبو الثناء محمود الفرضي، قال: حدثنا تاج الإسلام ابن خميس، قال لي الغزالي: الناس يقولون لي: الغزالي، ولست الغزالي، وإنما أنا الغزالي منسوب إلى قرية يقال لها: غزالة، أو كما قال.

وفي أواخر "المنخول" للغزالي كلام فج في إمام لا أرى نقله هنا.

ومن عقيدة أبي حامد -رحمه الله تعالى- أولها: الحمد لله الذي تعرف إلى عباده بكتابه المنزل على لسان نبيه المرسل، بأنه في ذاته واحد لا شريك له، فرد لا مثل له، صمدٌ لا ضد له، لم يزل ولا يزال منعوتًا بنعوت الجلال، ولا تحيط به الجهات، ولا تكنفه السماوات، وأنه مستو على العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، منزهًا عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، وهو فوق كل شيء إلى التخوم، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، لا يماثل قربه قرب الأجسام، كان قبل خلق المكان والزمان، وهو الآن على ما كان عليه، وأنه بائنٌ بصفاته من خلقه، ما في ذاته سواه، ولا في سواه ذاته، مقدس عن التغير والانتقال، لا تحله الحوادث، وأنه مرئي الذات بالأبصار في دار القرار، إتمامًا للنعم بالنظر إلى وجهه الكريم.

إلى أن قال: ويدرك حركة الذر في الهواء، لا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر، ولا فلتة خاطر، وأن القرآن مقروء بالألسنة، محفوظ في القلوب، مكتوبٌ في المصاحف، وأنه مع ذلك قائمٌ بذات الله، لا يقبل الانفصال بالانتقال إلى القلوب والصحف، وأن موسى سمع

ص: 278

كلام الله بغير صوت ولا حرف، كما ترى ذاته من غير شكل ولا لون، وأنه يفرق بالموت بين الأرواح والأجسام، ثم يعيدها إليها عند الحشر، فيبعث من في القبور.

ميزان الأعمال معيار يعبر عنه بالميزان، وإن كان لا يساوي ميزان الأعمال ميزان الجسم الثقيل، كميزان الشمس، وكالمسطرة التي هي ميزان السطور، وكالعروض ميزان الشعر.

قلت: بل ميزان الأعمال له كفتان، كما جاء في "الصحيح"

(1)

وهذا المعتقد غالبه صحيح، وفيه ما لم أفهمه، وبعضه فيه نزاع بين أهل المذاهب، ويكفي المسلم في الإيمان أن يؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر خيره وشره، والبعث بعد الموت، وأن الله ليس كمثله شيء أصلًا، وأن ما ورد من صفاته المقدسة حق، يمر كما جاء، وأن القرآن كلام الله وتنزيله، وأنه غير مخلوق، إلى أمثال ذلك مما أجمعت عليه الأمة، ولا عبرة بمن شذ منهم، فإن اختلفت الأمة في شيء من مشكل أصول دينهم، لزمنا فيه الصمت، وفوضناه إلى الله، وقلنا: الله ورسوله أعلم، ووسعنا فيه السكوت. فرحم الله الإمام أبا حامد، فأين مثله في علومه وفضائله، ولكن لا ندعي عصمته من الغلط والخطأ، ولا تقليد في الأصول.

(1)

ورد الميزان في الكتاب والسنة المشرفة الصحيحة أما الكفتان: فقد أخرج أحمد "3/ 213" والترمذي "2639"، والبغوي "4321" من طرق عن عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا الليث بن سعد قال: حدثني عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن المعافري الحبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله سيخلص رجلًا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلًا، كل سجل مد البصر، ثم يقول له: أتنكر شيئًا من هذا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يارب. فيقول: أفلك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل. ويقول: لا يا رب. فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، قال: فلا يثقل اسم الله شيء" وهو صحيح.

ص: 279

‌4628 - خَميسُ بنُ عَلي

(1)

:

ابن أحمد بن علي بن الحسن، الإمام الحافظ، محدث واسط، أبو الكرم الحوزي، الواسطي.

سمع: أبا القاسم بن البسري، وأبا نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن، وعلي بن محمد الواسطي النديم، ويحيى بن هبة الله البزاز، وأبا الفتح عبد الوهاب بن حسن القاضي، وهبة الله بن الجلخت، وخلقًا كثيرًا، وأملى مجالس، وجرح وعدل.

حدث عنه: أبو الجوائز سعد بن عبد الكريم، وأبو طاهر السلفي، وأحمد بن سالم المقرئ، ويحيى بن هبة الله البزاز، وعبد الوهاب بن حسن الفرضي، وأبو بكر عبد الله بن منصور الباقلاني المقرئ، وآخرون.

وكان السلفي يثني عليه، وقال: كان عالمًا، ثقة، يملي من حفظه كل من أسأله عنه، وكان لا يؤبه له.

وفي "معجم السفر" للسلفي: حدثنا خميسٌ الحافظ، أخبرنا عبد الباقي بن محمد، وعبد العزيز بن علي الأنماطي، قالا: أخبرنا المخلص، فذكر حديثًا.

ثم قال السلفي: كان خميسٌ من أهل الأدب البارع.

قال ابن نقطة: والحوز: قرية بشرقي واسط، وكان له معرفة بالحديث والأدب، مولده: في شعبان سنة اثنتين وأربعين وأربع مائة، وفي شعبان مات سنة عشر وخمس مائة.

أخبرنا الدشتي، أخبرنا ابن رواحة، حدثنا السلفي، حدثنا خميس بجزء من فوائده.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "4/ 269"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "11/ 81"، والعبر "4/ 20"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1065"، وبغية الوعاة للسيوطي "1/ 561"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 27".

ص: 280

‌4629 - أبو الخطاب

(1)

:

الشيخ الإمام، العلامة الورع، شيخ الحنابلة، أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن حسن بن حسن العراقي، الكلواذاني، ثم البغدادي، الأزجي، تلميذ القاضي أبي يعلى بن الفراء.

مولده في سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة.

وسمع: أبا محمد الجوهري، وأبا علي محمد بن الحسين الجازري، وأبا طالب العشاري، وجماعة، وروى كتاب "الجليس والأنيس" عن الجازري عن مؤلفه المعافى.

روى عنه: ابن ناصر، والسلفي، وأبو المعمر الأنصاري، والمبارك ابن خضير، وأبو الكرم بن الغسال، وتخرج به الأصحاب، وصنف التصانيف.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "10/ 461"، واللباب لابن الأثير "3/ 107"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 190"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1261"، والعبر "4/ 21"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 212"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 27".

ص: 280

قال أبو الكرم بن الشهرزوري: كان إلكيا إذا رأى أبا الخطاب الكلوذاني مقبلًا قال: قد جاء الجبل.

وقال أبو بكر بن النقور: كان إلكيا الهراسي إذا رأى أبا الخطاب قال: قد جاء الفقه.

قال السلفي: هو ثقة رضا، من أئمة أصحاب أحمد.

وقال غيره: كان مفتيًا صالحًا، عابدًا ورعًا، حسن العشرة، له نظم رائق، وله كتاب "الهداية"، وكتاب "رؤوس المسائل"، وكتاب "أصول الفقه"، وقصيدة في المعتقد يقول فيها:

قالوا أتزعم أن على العرش استوى

قلت الصواب كذاك خبر سيدي

قالوا فما معنى استواه أبن لنا

فأجبتهم هذا سؤال المعتدي

توفي أبو الخطاب في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة عشر وخمس مائة.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا نصر بن عبد الرزاق القاضي، أخبرنا عمر بن هدية الفقيه، أخبرنا أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني، أخبرنا أبو يعلى محمد بن الحسين القاضي، أخبرنا أبو القاسم موسى بن عيسى، حدثنا محمد بن محمد الباغندي، حدثنا عيسى بن زغبة، حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر قال: صلى معاذٌ بأصحابه العشاء، فطول عليهم، فانصرف رجل منا، فصلى وحده، فأخبر معاذٌ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما قال معاذ، فقال:"أتريد أن تكون فتانًا يا معاذ؟ إذا أممت الناس، اقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، واقرأ سورة والليل إذا يغشى"

(1)

.

قلت: كان أبو الخطاب من محاسن العلماء، خيرًا صادقًا، حسن الخلق، حلو النادرة، من أذكياء الرجال، روى الكثير، وطلب الحديث وكتبه، ولابن كليب منه إجازة.

قال ابن النجار: درس الفقه على أبي يعلى، وقرأ الفرائض على الوني، وصار إمام وقته، وشيخ عصره، وصنف في المذهب والأصول والخلاف والشعر الجيد.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "701"، ومسلم "465"، وأبو داود "790"، والنسائي "2/ 172 - 173"، وابن ماجه "986".

ص: 281

إلكيا، الزينبي:

‌4630 - إلْكِيَا

(1)

:

العلامة، شيخ الشافعية، ومدرس النظامية، أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الهراسي.

رحل، فتفقه بإمام الحرمين، وبرع في المذهب وأصوله، وقدم بغداد، فولي النظامية سنة " (493) " وإلى أن مات.

تخرج به الأئمة، وكان أحد الفصحاء، ومن ذوي الثروة والحشمة، له تصانيف حسنة.

حدث عن: زيد بن صالح الآملي، وجماعة.

روى عنه: سعد الخير، وعبد الله بن محمد بن غالب، وأبو طاهر السلفي.

قال السلفي: سمعت الفقهاء يقولون: كان الجويني يقول في تلامذته إذا ناظروا: التحقيق للخوافي، والجريان للغزالي، والبيان للكيا.

مات إلكيا في المحرم سنة أربع وخمس مائة، وله ثلاث وخمسون سنة وشهران، وكانوا يلقبونه شمس الإسلام.

قال ابن الأثير: اتهم إلكيا مدرس النظامية بأنه باطني، فقبض عليه السلطان محمد، فشهدوا ببراءة الساحة، فأطلق.

قلت: وصنف كتابًا في الرد على مفردات الإمام أحمد فلم ينصف فيه.

‌4631 - الزَّيْنَبِي

(2)

:

الشريف الكبير المعمر، شيخ بني هاشم، أبو يعلى حمزة بن محمد بن علي العباسي، الزينبي، أخو المسند أبي نصر الزينبي، والنقيب طراد الزينبي، ونور الهدى.

ولد سنة سبع وأربع مائة.

وحدث عن: القاضي أبي العلاء محمد بن علي الواسطي، وأبي محمد الخلال، وقرأ "الفصيح" على النحوي علي بن عيسى الربعي، وأنا أتعجب من هذا! كيف لم يسمع من أبي الحسين بن بشران، وأبي علي بن شاذان.

حدث عنه: أبو طاهر السلفي، وقال: قال لي: عول ابن أبي الريان الوزير على حملي إلى أبي الحسن بن الحمامي، فلم يتفق ذلك.

قلت: أرخ السمعاني مولده، قال: وتوفي سنة أربع وخمس مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 167"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 286"، والعبر "4/ 8"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 231"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 201" وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 8".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 8"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 202"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 8".

ص: 282

‌4632 - أخوه: نور الهدى

(1)

:

الإمام القاضي، رئيس الحنفية، صدر العراقين، نور الهدى، أبو طالب الحسين بن محمد بن علي بن حسن الزينبي الحنفي.

مولده سنة عشرين وأربع مائة.

وسمع: أبا طالب بن غيلان، وأبا القاسم الأزهري، والحسن بن المقتدر، وأبا القاسم التنوخي.

وحج، فسمع "الصحيح" من كريمة المروزية، وتفرد به عنها، وقصده الناس.

حدث عنه: عبد الغافر الكاشغري -ومات قبله بدهرٍ- وابن أخيه علي بن طراد، وهبة الله الصائن، وعبد المنعم بن كليب، وسمع منه "الصحيح" للبخاري، وقد كان قرأ القرآن على أبي الحسن بن القزويني الزاهد، ودرس مدةً طويلة بمدرسة شرف الملك، وترسل إلى ملوك الأطراف، وولي نقابة العباسيين والطالبيين، ثم استعفى بعد أشهرٍ، فوليها أخوه طرادٌ، وتفقه على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وللغزي الشاعر فيه قصيدة مدحه بها، وكان مكرمًا للغرباء، عارفًا بالمذهب، وافر العظمة.

توفي في صفر سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، فالإخوة الأربعة اتفق لهم أن ماتوا في عشر المائة، وهذا نادر.

قال ابن النجار: أفتى ودرس بالمدرسة التي أنشأها شرف الملك أبو سعد، وولي نقابة العباسيين والطالبيين معًا في أول سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة، فبقي مدةً على ذلك، ثم

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "6/ 346"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 201"، والعبر "4/ 27" وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1249"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 217"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 34".

ص: 283

استعفى، وكان شريف النفس، قوي الدين، وافر العلم، شيخ أصحاب الرأي في وقته وزاهدهم، وفقيه بني العباس وواهبهم، له الوجاهة الكبيرة عند الخلفاء.

قال السلفي: سألت شجاعًا الحافظ عن أبي طالب الزيني، فقال: إمام عالم مدرس، من أصحاب أبي حنيفة، سمع بمكة من كريمة "الصحيح".

وقال ابن ناصر: كان سماع أبي طالب صحيحًا، وكان يتهم بالاعتزال، ولم أسمع منه شيئًا من ذلك.

وقال السلفي: وأبو طالب الزيني أجل هاشمي رأيته في حضري وسفري، وأكثرهم علمًا، وأوفرهم علمًا، ويعد في فحول النظار.

قلت: قد وجد له سماع من أبي الحسن بن قشيش سنة ثمان وعشرين وأربع مائة.

قال أحمد بن سلامة الكرخي الشافعي الفقيه: مرضت مرضة شديدة، فعادني نور الهدى، فجعل يدعو لي، فتبركت بزيارته وعوفيت.

ص: 284

‌4633 - شُجَاع بن فارس

(1)

:

ابن حسين بن فارس بن حسين بن غريب بن بشير، الإمام، المحدث، الثقة، الحافظ، المفيد، أبو غالب الذهلي، السهروردى، ثم البغدادي، الحريمي، الناسخ.

سمع: أباه، وأبا طالب بن غيلان، وعبد العزيز بن علي الأزجي، وأبا محمد بن المقتدر، وأبا محمد الجوهري، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وخلقًا كثيرًا، إلى أن ينزل إلى أصحاب عبد الملك بن بشران، وابن ريذه، وكتب عن أقرانه.

حدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، والسلفي، وعمر بن ظفر، وسلمانبن جروان، وآخرون.

قال السمعاني: نسخ بخطه من التفسير والحديث والفقه ما لم ينسخه أحد من الوراقين، قال لي عبد الوهاب الأنماطي: دخلت عليه يومًا، فقال لي: توبني. قلت: من أي شيء؟ قال: كتبت شعر ابن الحجاج بخطي سبع مرات. قال عبد الوهاب: وقل بلد يوجد من بلاد الإسلام إلا وفيه شيء بخط شجاع الذهلي.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 198"، والمنظم لابن الجوزي "9/ 176"، والعبر "4/ 13"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1052"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 16".

ص: 284

وكان مفيد وقته ببغداد، ثقة، سديد السيرة، أفنى عمره في الطلب، وعمل مسودة لـ "تاريخ بغداد" ذيلًا على "تاريخ الخطيب"، فغسله في مرض موته، ولد شجاع في سنة ثلاثين، ومات في ثالث جمادي الأولى، سنة سبع وخمس مائة؛ وقد سأله السلفي عن أحوال الرجال، وأجاب وأفاد.

قرأت ذلك على ابن الخلال، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا السلفي عنه.

ومات معه: أبو بكر أحمد بن علي بن بدران الحلواني المقرئ، وابن طاهر المقدسي، والمؤتمن الساجي، والإمام أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي، وأبو المظفر الأبيوردي الشاعر، وأبو بكر محمد بن عيسى بن اللبانة شاعر الأندلس، وهادي بن إسماعيل العلوي.

أخبرنا أبو علي الحسن بن علي، أخبرنا علي بن الحسين النجار "ح". وأخبرنا محمد بن بلغزا، أخبرنا البهاء عبد الرحمن الفقيه، قالا: أخبرنا أبو السعادات نصر الله القزاز، أخبرنا شجاع بن فارس الحافظ، ومحمد بن الحسين الإسكاف، قالا: أخبرنا محمد بن علي الخياط، زاد شجاع، فقال: وأبو سعد بن السبط، وأبو طالب العشاري، قالوا: أخبرنا أحمد بن محمد بن دوست، أخبرنا الحسين بن صفوان، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا الحسن بن عبد العزيز، عن ضمرة، عن ابن شوذب، قال: اجتمع مالك بن دينار ومحمد بن واسع، فتذاكروا العيش، فقال مالك، ما شيء أفضل من أن يكون للرجل غلة يعيش منها. فقال محمد: طوبى لمن وجد غداء ولم يجد عشاء، ووجد عشا ولم يجد غداء، وهو عن الله راضٍ، والله عنه راضٍ.

ص: 285

‌4634 - الغَسَّال

(1)

:

الإمام المقرئ النحوي، أبو الخير المبارك بن الحسين بن أحمد الغسال، البغدادي، الشافعي، أحد الأئمة الأثبات.

ولد سنة بضع وعشرين وأربع مائة.

وسمع من: أبي محمد الخلال، وأبي جعفر بن المسلمة، والقاضي أبي يعلى. وتلا بالروايات على: أبي بكر الخياط، وأبي القاسم بن الغوري، وأبي على غلام الهراس، وعدة.

وتصدر للإقراء، واشتهر، تلا عليه أبو محمد سبط الخياط، وغيره.

وحدث عنه: أبو طاهر محمد بن محمد السنجي، وسعد الله بن محمد، وعبد المنعم بن كليب، وآخرون، لينه شيئًا ابن ناصر.

توفى في غرة جمادي الأولى، سنة عشر وخمس مائة، وكان عالمًا مجودًا، بصيرًا باللغة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 190"، والعبر "4/ 21"، وميزان الاعتدال "3/ 430"، ولسان الميزان "5/ 8"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي"4/ 27".

ص: 285

‌4635 - النسيب

(1)

:

الشيخ الإمام، المحدث الشريف النسيب، خطيب دمشق وشيخها، نسيب الدولة، أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس بن الحسن بن العباس بن الحسن ابن السيد الرئيس أبي الجن حسين بن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل ابن سيد الهاشميين جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الشهيد سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته أبي عبد الله الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب العلوي، الحسني، الدمشقي.

كان صدرًا معظمًا، وسيدًا محتشمًا، وثقة محدثًا، ونبيلًا ممدحًا، من أهل السنة والجماعة، والأثر والرواية، كل أحد يثني عليه، انتخب عليه الحافظ أبو بكر الخطيب عشرين جزءًا سمعناها، تعرف بـ "فوائد النسيب"، وتجد تفريغه على أكثر تواليف الخطيب.

مولده في سنة أربع وعشرين وأربع مائة. وقرأ القرآن على الأستاد أبي علي الأهوازي، وغيره.

وسمع في سنة ثمان وثلاثين، وبعدها من: أبي الحسن محمد بن عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي، ومحمد بن يحيى بن سلوان المازني، ورشأ بن نظيف، وسليم بن أيوب الفقيه، والقاضي محمد بن سلامة القضاعي، وكريمة المروزية، وأبي القاسم الحنائي، ووالده مستخص الدولة، والخطيب، وعدة.

حدث عنه: هبة الله بن الأكفاني، والخضر بن شبل الحارثي، وعبد الباقي بن محمد التميمي، وأبو المعالي بن صابر، وأبو القاسم ابن عساكر، وأخوه الصائن هبة الله، وعدة.

قال ابن عساكر: كان ثقة، مكثرًا، له أصول بخطوط الوراقين، وكان متسننًا، وسبب تسننه مؤدبة أبو عمران الصقلي، وإكثاره من سماع الحديث.

إلى أن قال: سمع منه شيخه عبد العزيز الكتاني، وأكثرت عنه، وقد حكى لي أنني لما

(1)

ترجمته في العبر "4/ 17"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 208"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 23".

ص: 286

ولدت سأل أبي: ما سميته وكنيته؟ فقال: أبو القاسم علي. فقال: أخذت اسمي وكنيتي.

قال لي أبو القاسم السميساطي، أو قال: قال لي أبو القاسم بن أبي العلاء: إنه ما رأى أحدًا اسمه علي، وكنى أبا القاسم، إلا كان طويل العمر، وذكر أنه صلى مرة على جنازة، فكبر عليها أربعًا. قال: فجاء كتاب صاحب مصر إلى أبيه يعاتبه في ذلك. فقال له أبوه: لا تصل بعدها على جنازة.

قلت: كان أصحاب مصر رافضة.

ثم قال: وكانت له جنازة عظيمة، وأوصى أن يصلي عليه جمال الإسلام أبو الحسن الفقيه، وأن يسنم قبره، وأن لا يتولاه أحد من الشيعة، وحضرت دفنه، توفي في الرابع والعشرين من ربيع الآخر، سنة ثمان وخمس مائة، ودفن بالمقبرة الفخرية عند المصلى.

وفيها توفي: المعمر الصالح أبو الحسن علي بن أحمد بن فتحان الشهرزوري البغدادي الذي روى مجلسًا عن ابن بشران، وله خمس وثمانون سنة، والمسند أبو عبد الله أحمد بن محمد الخولاني الأندلسي عن تسعين سنة، وأبو الوحش سبيع بن المسلم الدمشقي المقرئ، وابو الخير هبة الله بن الحسن الأبرقوهي، ومسند همذان أبو بكر عبد الله بن الحسين التوبي.

ص: 287

‌4636 - محمد بن طاهر

(1)

:

ابن علي بن أحمد الإمام الحافظ، الجوال الرحال، ذو التصانيف، أبو الفضل بن أبي الحسين بن القيسراني المقدسي، الأثري، الظاهري، الصوفي.

ولد ببيت المقدس، في شوال، سنة ثمان وأربع مائة.

وسمع بالقدس ومصر، والحرميين والشام، والجزيرة والعراق، وأصبهان والجبال، وفارس وخراسان، وكتب ما لا يوصف كثرة بخطه السريع، القوي الرفيع، وصنف وجمع، وبرع في هذا الشأن، وعنى به أتم عناية، وغيره أكثر إتقانًا وتحريًا منه.

سمع من: أبي علي الحسين بن عبد الرحمن الشافعي وطبقته بمكة، ومن سعد الزنجاني، وهياج بن عبيد. وسمع بالمدينة: الحسين بن علي الطبري، وجماعة. وسمع بمصر من: أبي الحسن الخلعي، وأبي إسحاق الحبال، وعدة. وسمع ببغداد من: أبي محمد الصريفيني،

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 177"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 287"، والعبر "4/ 14"، وميزان الاعتدال "3/ 587"، ولسان الميزان "5/ 207"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 18".

ص: 287

وابن النقور، وعلي بن البسري، وخلق، وبدمشق من: أبي القاسم بن أبي العلاء، وعدة. وبأصبهان من: محمد بن عبد العزيز، وعبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده، وطبقته، وبجرجان من: إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي، وببيت المقدس من: الفقيه نصر، وبنيسابور من: الفضل بن المحب، وطبقته، وبهراة من: محمد بن أبي مسعود الفارسي، وعبد الرحمن بن عفيف كلار، وطائفة، وبمرو: محمد بن الحسن المهربندقشايي، وبالإسكندرية من: الحسين بن عبد الرحمن الصفراوي، وبتنيس: علي بن الحسين بن الحداد، روى له عن جده عن الوشاء عن عيسى زغبة، وبحلب من: الحسن بن مكي، وبالجزيرة من: عبد الوهاب بن محمد اليمني صاحب أبي عمر بن مهدي، وبآمد من: قاسم بن أحمد الأصبهاني الخياط، روى له عن ابن جشنس عن ابن صاعد، وبإستراباذ: علي بن عبد الملك الحفصي، وبالبصرة: عبد الملك بن شغبة، وبالدينور: ابن عباد. وبالري: إسماعيل بن علي، وبسرخس محمد بن المظفر، وبشيراز علي بن محمد الشروطي، وبقزوين محمد بن إبراهيم العجلي، وبالكوفة أبا القاسم حسين بن محمد، وبالموصل هبة الله بن أحمد المقرئ، وبمرو الروذ، وساوة، والرحبة، والأنبار، والأهواز، ونوقان، وهمذان، وواسط، وأسداباذ، وإسفرايين، وآمل، وبسطام، وخسروجرد، وطوس.

حدث عنه: شيرويه بن شهردار، وأبو جعفر بن أبي علي الهمذاني، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، والسلفي، وأبو زرعة طاهر بن محمد، وولده، ومحمد بن إسماعيل الطرسوسي، وطائفة سواهم.

قال أبو القاسم بن عساكر: سمعت إسماعيل بن محمد الحافظ يقول: أحفظ من رأيت محمد بن طاهر.

وقال أبو زكريا يحيى بن منده: كان ابن طاهر أحد الحفاظ، حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، صدوقًا، عالمًا بالصحيح والسقيم، كثير التصانيف، لازمًا للأثر.

وقال السلفي: سمعت محمد بن طاهر يقول: كتبت "الصحيحين" و"سنن أبي داود" سبع مرات بالأجرة، وكتبت "سنن ابن ماجه" عشر مرات بالري.

قال أبو سعد السمعاني: سألت الفقيه أبا الحسن الكرجي عن ابن طاهر، فقال: ما كان على وجه الأرض له نظيرٌ، وكان داودي المذهب، قال لي: اخترت مذهب داود. قلت: ولم? قال: كذا اتفق، فسألته: من أفضل من رأيت? فقال: سعد بن علي الزنجاني، وعبد الله بن محمد الأنصاري.

ص: 288

قال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي: سمعت ابن طاهر يقول: بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، وأخرى بمكة، كنت أمشي حافيًا في الحر، فلحقني ذلك، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهريٍ، وما سألت في حال الطلب أحدًا، كنت أعيش على ما يأتي.

وقيل: كان يمشي دائمًا في اليوم والليلة عشرين فرسخًا، وكان قادرًا على ذلك، وقد ذكره الدقاق في "رسالته"، فحط عليه، فقال: كان صوفيًا ملامتيًا، سكن الري، ثم همذان، له كتاب "صفوة التصوف"، وله أدنى معرفة بالحديث في باب شيوخ البخاري ومسلم وغيرهما.

قلت: يا ذا الرجل، أقصر، فابن طاهر أحفظ منك بكثير.

ثم قال: وذكر لي عنه الإباحة.

قلت: ما تعني بالإباحة? إن أردت بها الإباحة المطلقة، فحاشا ابن طاهر، هو _ والله _ مسلم أثري، معظم لحرمات الدين، وإن أخطأ أو شذ، وإن عنيت إباحة خاصة، كإباحة السماع، وإباحة النظر إلى المرد، فهذه معصية، وقول للظاهرية بإباحتها مرجوح.

قال ابن ناصر: محمد بن طاهر لا يحتج به، صنف في جواز النظر إلى المرد، وكان يذهب مذهب الإباحة.

قال أبو سعد السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن ابن طاهر، فتوقف، ثم أساء الثناء عليه، وسمعت أبا القاسم بن عساكر يقول: جمع ابن طاهر أطراف "الصحيحين" وأبي داود، وأبي عيسى، والنسائي، وابن ماجه، فأخطأ في مواضع خطا فاحشا.

وقال ابن ناصر: كان لحنةً ويصحف، قرأ مرة: وإن جبينه ليتفصد عرقًا

(1)

-بالقاف- فقلت: بالفاء، فكابرني.

وقال السلفي: كان فاضلًا يعرف، لكنه لحنة، قال لي المؤتمن الساجي: كان يقرأ، ويلحن عند شيخ الإسلام بهراة، فكان الشيخ يحرك رأسه، ويقول: لا حول ولا قوة إلَّا بالله.

(1)

هي قطعة من حديث رواه البخاري "2" من حديث عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده على فيفصم عني ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا".

ص: 289

وقال شيرويه بن شهردار في "تاريخ همذان": ابن طاهر سكن همذان، وبنى بها دارًا، دخل الشام، والحجاز، ومصر، والعراق، وخراسان، وكتب عن عامة مشايخ الوقت، وروى عنهم، وكان ثقةً صدوقًا، حافظًا، عالمًا بالصحيح والسقيم، حسن المعرفة بالرجال والمتون، كثير التصانيف، جيد الخط، لازمًا للأثر، بعيدًا من الفضول والتعصب، خفيف الروح، قوي السير في السفر، كثير الحج والعمرة، مات ببغداد منصرفًا من الحج.

قال ابن النجار: قرأت بخط شجاع الذهلي: أخبرني أحمد بن محمد بن أحمد البزاز، حدثنا محمد بن طاهر بن علي المقدسي، أخبرنا عثمان بن محمد المحمي بنيسابور، فذكر حديثًا.

أنبؤونا عن شهاب الحاتمي، أخبرنا أبو سعد السمعاني، سمعت من أثق به يقول: قال عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي: ينبغي لصاحب الحديث أن يكون سريع القراءة، سريع النسخ، سريع المشي، وقد جمع الله هذه الخصال في هذا الشاب، وأشار إلى ابن طاهر، وكان بين يديه.

وبه قال السمعاني: وسمعت أبا جعفر الساوي يقول: كنت بالمدينة مع ابن طاهر، فقال: لا أعرف أحدًا أعلم بنسب هذا السيد صلى الله عليه وسلم مني، وآثاره وأحواله.

وسمعت بعضهم يقول: كان ابن طاهر يمشي في ليلةٍ واحدة قريبًا من سبعة عشر فرسخًا.

أنبؤونا عن عبد القادر الرهاوي، سمعت عبد الرحيم بن أبي الوفاء العدل، سمعت ابن طاهر الحافظ يقول: رحلت من طوس إلى أصبهان لأجل حديث أبي زرعة الرازي الذي أخرجه مسلم

(1)

عنه ذاكرني به بعض الرحالة بالليل، فلما أصبحت، سرت إلى أصبهان، ولم أحلل عني حتى دخلت على الشيخ أبي عمرو، فقرأته عه، عن أبيه، عن القطان، عن أبي زرعة، ودفع إلي ثلاثة أرغفةٍ وكمثراتين، فما كان لي قوتٌ تلك الليلة غيره، ثم لزمته إلى أن حصلت ما أريد، ثم خرجت إلى بغداد، فلما عدت، كان قد توفي.

قال ابن طاهر: كنت يومًا أقرأ على أبي إسحاق الحبال جزءًا، فجاءني رجلٌ من أهل

(1)

وهو الحديث الذي رواه مسلم "2739" حدثنا عبيد الله بن عبد الكريم، أبو زرعة، حدثنا ابن بكير حدثني يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك".

ص: 290

بلدي، وأسر إلي كلامًا قال فيه: إن أخاك قد وصل من الشام، وذلك بعد دخول الترك بيت المقدس، وقتل الناس بها، فأخذت في القراءة، فاختلطت علي السطور، ولم يمكني أقرأ، فقال أبو إسحاق: ما لك? قلت: خير، قال: لا بد أن تخبرني، فأخبرته، فقال: وكم لك لم تر أخاك? قال: سنين، قال: ولم لا تذهب إليه? قلت: حتى أتم الجزء، قال: ما أعظم حرصكم يا أهل الحديث، قد تم المجلس، وصلى الله على محمد، وانصرف.

وأقمت بتنيس مدةً على أبي محمد بن الحداد ونظرائه، فضاق بي، فلم يبق معي غير درهم، وكنت أحتاج إلى حبرٍ وكاغد، فترددت في صرفه في الحبر أو الكاغد أو الخبز، ومضى على هذا ثلاثة أيام لم أطعم فيها، فلما كان بكرة اليوم الرابع، قلت في نفسي: لو كان لي اليوم كاغد، لم يمكني أن أكتب من الجوع، فجعلت الدرهم في فمي، وخرجت لأشتري خبزًا، فبلعته، ووقع علي الضحك، فلقيني صديقٌ وأنا أضحك، فقال: ما أضحكك? قلت: خير، فألح علي، وأبيت أن أخبره، فحلف بالطلاق لتصدقني، فأخبرته، فأدخلني منزله، وتكلف أطعمةً، فلما خرجنا لصلاة الظهر، اجتمع به بعض وكلاء عامل تنيس ابن قادوس، فسأله عني، فقال: هو هذا، قال: إن صاحبي منذ شهر أمر بي أن أوصل إليه كل يومٍ عشرة دراهم قيمتها ربع دينار، وسهوت عنه، فأخذ منه ثلاث مائة، وجاء بها.

قال: وكنت ببغداد في سنة سبع وستين وأربع مائة، وتوفي القائم بأمر الله، وبويع للمقتدي بأمر الله، فلما كان عشية اليوم، دخلنا على أبي إسحاق الشيرازي، وسألناه عن البيعة، كيف كانت? فحكى لنا ما جرى، ونظر إلي، وأنا يومئذ مختط، فقال: هو أشبه الناس بهذا، وكان مولد المقتدي في عام مولدي، وأنا أصغر منه بأربعة أشهر، وأول ما سمعت من الفقيه نصر في سنة ستين وأربع مائة، ورحلت إلى بغداد سنة سبع، ثم رجعت، وأحرمت من بيت المقدس إلى مكة.

قلت: قد كتب ابن طاهر عن ابن هزارمرد الصريفيني، وبيبى الهرثمية، وهذه الطبقة، ثم كتب عن أصحاب هلال الحفار، ثم نزل إلى أصحاب أبي نعيم، إلى أن كتب عن أصحاب الجوهري، بحيث إنه كتب عن تلميذه أبي طاهر السلفي، وسمع ولده أبا زرعة المقدسي من أبي منصور المقومي، وعبدوس بن عبد الله، والدوني، وخلق، وطال عمر أبي زرعة، وروى الكثير وبعد صيته.

أنبئت عن أبي جعفر الطرسوسي عن ابن طاهر قال: لو أن محدثًا من سائر الفرق أراد أن يروي حديثًا واحدًا بإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافقه الكل في عقده، لم يسلم له ذلك،

ص: 291

وأدى إلى انقطاع الزوائد رأسًا، فكان اعتمادهم في العدالة على صحة السماع والثقة من الذي يروى عنه، وأن يكون عاقلًا مميزًا.

قلت: العمدة في ذلك صدق المسلم الراوي، فإن كان ذا بدعة أخذ عنه، والإعراض عنه أولى، ولا ينبغي الأخذ عن معروف بكبيرة، والله أعلم.

أخبرنا أحمد بن سلامة في كتابه، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي، عن محمد بن طاهر، أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن بمكة، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن فراس، أخبرنا محمد بن الربيع الجيزي، أخبرنا عبد الله بن أبي رومان بالإسكندرية، حدثنا ابن وهب، أخبرني عيسى بن يونس قال ابن طاهر: وأخبرنا الفضل بن عبد الله المفسر، أخبرنا أبو الحسين الخفاف، حدثنا أبو العباس السراج، حدثنا إسحاق الحنظلي، أخبرنا عيسى بن يونس، حدثنا حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاته بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، وكان إذا رفع رأسه من الركوع، استوى قائمًا، وكان إذا رفع رأسه من السجدة، لم يسجد حتى يستوي جالسًا، وكان ينهى عن عقب الشيطان، وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، وكان يكره أن يفترش ذراعيه افتراش الكلب، وكان يختم الصلاة بالتسليم، وكان يقرأ في كل ركعتين التحية

(1)

.

وقرأناه على أحمد بن هبة الله، عن القاسم بن أبي سعد، أخبرنا وجيه ابن طاهر، أخبرنا أبو القاسم القشيري، أخبرنا الخفاف، فذكره.

أخبرنا إسحاق بن طارق، وصالح الفرضي، قالا: أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا محمد بن إسماعيل الحنبلي"ح"، وأنبأنا أحمد بن أبي الخير، عن محمد هذا، أخبرنا محمد بن طاهر الحافظ سنة ست وخمس مائة، أخبرنا قاسم بن أحمد بآمد، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن جشنس، حدثنا الحسن بن علي العدوي، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا نافع أبو هرمز، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بركعتي الفجر، فإن فيهما الرغائب"

(2)

.

قال أبو زرعة: أنشدنا والدي لنفسه:

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "498"، وأبو داود "783"، وابن ماجه "812".

(2)

ضعيف جدًا: أفته نافع أبو هرمز، قال أبو حاتم: متروك. وكذبه ابن معين.

ص: 292

يا من يدل بقده

وبخده والمقلتين

ويصول بالصدغ المعق

رب شبه لامٍ فوق عين

ارحم فديتك مدنفا

وسط الفلاة صريع بين

قتلته أسهمك التي

من تحت قوس الحاجبين

الله ما بين الفر

اق وبين من أهوى وبيني

وله:

أضحى العذول يلومني في حبهم

فأجبته والنار حشو فؤادي

يا عاذلي لو بت محترق الحشا

لعرفت كيف تفتت الأكباد

صد الحبيب وغاب عن عيني الكرى

فكأنما كانا على ميعاد

وله:

ساروا بها كالبدر في هودجٍ

يميس محفوفًا بأترابه

فاستعبرت تبكي فعاتبتها

خوفًا من الواشي وأصحابه

فقلت لا تبكي على هالكٍ

بعدك لن يبقى على ما به

للموت أبوابٌ وكل الورى

لا بد أن يدخل من بابه

وأحسن الموت بأهل الهوى

من مات من فرقة أحبابه

ابن النجار: أنبأنا ذاكر، عن شجاع الذهلي قال: مات ابن طاهر عند قدومه من الحج في يوم الجمعة لليلتين بقيتا من شهر روى عنه، سنة سبع وخمس مائة، قال: وقرأت في كتاب عبد الله بن أبي بكر بن الخاضبة أنه توفي في ضحى يوم الخميس، العشرين من الشهر، وله حجات كثيرة على قدميه، وكان له معرفة بعلم التصوف وأنواعه، متفننًا فيه، ظريفًا مطبوعًا، له تصانيف حسنة مفيدة في علم الحديث، رحمه الله.

ص: 293

‌4637 - تاج الإسلام

(1)

:

العلامة الحافظ الأوحد، أبو بكر محمد بن الإمام الكبير أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي، السمعاني، الخراساني، المروزي، والد سيد الحفاظ أبي سعد.

مولده في سنة سبع وستين وأربع مائة.

وسمع من: أبي الخير محمد بن أبي عمران الصفار "صحيح البخاري" حضورًا، وسمع من: أبيه، وأبي القاسم الزاهري، وعبد الله بن أحمد الطاهري، وأبي الفتح عبيد الله الهاشمي، وارتحل، فسمع بنيسابور من علي بن أحمد بن الأخرم، ونصر الله بن أحمد الخشنامي، وعبد الواحد بن أبي القاسم القشيري، وطائفة، ودخل بغداد سنة سبع وتسعين، فسمع من: ثابت بن بندار، ومحمد بن عبد السلام الأنصاري، وعدة، وبالكوفة من: أبي البقاء الحبال، وبمكة، والمدينة، ووعظ ببغداد مدةً بالنظامية، وقرأ "تاريخ الخطيب" على أبي محمد بن الآبنوسي، وسمع بهمذان من: أبي غالب العدل، وبأصبهان من: أبي بكر حفيد ابن مردويه، وأبي الفتح الحداد.

قال ولده: ثم ارتحل سنة تسع وخمس مائة بي وبأخي، فأسمعنا من الشيروي، وغيره، وأملى مائةً وأربعين مجلسًا بجامع مرو، كل من رآها، اعترف له أنه لم يسبق إلى مثلها، وكان يروي في الوعظ الأحاديث بأسانيده، وقد طلب مرةً للذين يقرؤون في مجلسه، فجاءه لهم ألف دينار من أهل المجلس.

توفي في صفر، سنة عشر وخمس مائة، عن ثلاث وأربعين سنة. حدث عنه: السلفي، وأبو الفتوح الطائي، وأبو طاهر السنجي، وآخرون.

‌4638 - ابن اللبَّانة

(2)

:

شاعر الأندلس، أبو بكر محمد بن عيسى بن محمد اللخمي، الداني، صاحب "الديوان"، والتصانيف الأدبية، مدح الملك ابن عباد، وان صمادح، وكان محتشمًا، كبير القدر.

توفي بميورقة، سنة سبع وخمس مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 140" واللباب لابن الأثير "3/ 139"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 188"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 210"، والعبر "4/ 22"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1068"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 5"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 29".

(2)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 39"، وفوات والوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "4/ 27"، والعبر "4/ 15"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 20".

ص: 294

‌4639 - محمود بن الفضل

(1)

:

ابن محمود بن عبد الواحد، الإمام الحافظ، مفيد الطلبة ببغداد، أبو نصر الأصبهاني الصباغ.

سمع: عبد الرحمن بن منده، وأخاه عبد الوهاب ابني أبي عبد الله بن منده، وأبا الفضل البزاني، وأبا بكر بن ماجه، وعائشة بنت الحسين الوركانية، وببغداد رزق الله التميمي، وطرادًا الزينبي، وخلقًا كثيرًا، حتى إنه كتب عن أصحاب الصريفيني، وعلي بن البسري.

روى عنه: ابن ناصر، وأبو الفتح محمد بن علي بن عبد السلام، والمبارك بن كامل، والسلفي، وآخرون.

قال شيرويه الديلمي: قدم علينا همذان سنة اثنتين وخمس مائة، وكان حافظًا ثقة، يحسن هذا الشأن، حسن السيرة، عارفًا بالأسماء والنسب، مفيدًا لطلبة العلم.

وقال السلفي: كان رفيقنا محمود بن الفضل يطلب الحديث، ويكتب العالي والنازل، فعاتبته في كتبه النازل، فقال: والله إذا رأيت سماع هؤلاء لا أقدر أن أتركه، قال: فرأيته بعد موته، فقلت: ما فعل الله بك? قال: غفر لي بهذا، وأخرج من كمه جزءًا.

قلت: مات ببغداد في جمادى الأولى سنة اثنتين عشرة وخمس مائة، من أبناء الستين.

‌4640 - ظريف بن محمد:

ابن عبد العزيز بن أحمد بن شاذان، العالم الرحال، أبو الحسن الحيري، النيسابوري.

سمع: أباه، وأبا حفص بن مسرور، وأبا عثمان الصابوني، وأبا عامر الحسن بن محمد، وأبا مسعود أحمد بن محمد البجلي، وأبا سعد الطبيب.

حدث عنه: أبو شجاع البسطامي، وأبو المعمر الأزجي، وأبو طاهر السلفي، وشهدة الكاتبة، وعبد المنعم بن الفراوي، وأبو الحسن بن الخل، وآخرون.

قدم بغداد للحج، وحدث.

قال السمعاني: كان ثقةً، مأمونًا، حسن السيرة، جميل الطريقة، من أولاد المحدثين.

وقال عبد الغافر: ثقة، أمين، عنده سماع "الإكليل" للحاكم، و"المستدرك".

توفي في ذي القعدة، سنة سبع عشرة وخمس مائة بنيسابور، وله ثمان وثمانون سنة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 202"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1058".

ص: 295

‌4641 - ابن سُكَّرة

(1)

:

الإمام العلامة الحافظ القاضي أبو علي الحسين بن محمد بن فيرة بن حيون بن سكرة الصدفي الأندلسي، السرقسطي.

روى عن: أبي الوليد الباجي، ومحمد بن سعدون القروي، وحج في سنة إحدى وثمانين، ودخل على أبي إسحاق الحبال، وهو ممنوع من التحديث كما مر.

وسمع بالبصرة من: عبد الملك ابن شغبة، وجعفر بن محمد العباداني، وبالأنبار من: خطيبها أبي الحسن، وببغداد من: علي بن قريش، وعاصم الأديب، ومالك البانياسي. وبواسط من: محمد بن عبد السلام بن أحمولة، وحمل "التعليقة" عن أبي بكر الشاشي. وأخذ بدمشق عن: الفقيه نصر، ورجع بعلمٍ جم، وبرع في الحديث متنًا وإسنادًا مع حسن الخط والضبط، وحسن التأليف، والفقه والأدب مع الدين والخير والتواضع.

قال ابن بشكوال: هو أجل من كتب إلي بالإجازة.

وخرج له القاضي عياض "مشيخةً"، وأكثر عنه.

وأكره على القضاء، فوليه بمرسية، ثم اختفى حتى أعفي.

وتلا بالروايات على: ابن خيرون، ورزق الله، كتب عنه شيخه الفقيه نصر ثلاثة أحاديث، وروى عنه: ابن صابر، والقاضي محمد بن يحيى الزكوي، والقاضي عياض، فروى عنه "صحيح مسلم"، أخبرنا به أحمد ابن دلهاث العذري.

استشهد أبو علي في ملحمة قتندة في ربيع الأول، سنة أربع عشرة وخمس مائة، وهو من أبناء الستين، وكانت معيشته من بضاعة له مع ثقات إخوانه، وخلف كتبًا نفيسة، وأصولًا متقنة تدل على حفظه وبراعته.

وتلا أيضًا على: الحسن بن محمد بن مبشر صاحب أبي عمرو الداني، ومولده في نحو سنة أربع وخمسين وأربع مائة، وكان ذا دينٍ وورع وصون، وإكبابٍ على العلم، ويد طولى في الفقه، لازم أبا بكر الشاشي خمس سنين حتى علق عند "تعليقته" الكبرى في مسائل الخلاف، ثم استوطن مرسية، وتصدر لنشر الكتاب والسنة، وتنافس الأئمة في الإكثار عنه، وبعد صيته، ولما عزل نفسه من القضاء، وردت كتب السلطان علي بن يوسف بن تاشفين برجوعه إلى القضاء، وهو يأبى، وبقي ذلك أشهرًا حتى كتب الطلاب والرحالون كتابًا يشكون فيه إلى أمير المؤمنين بن تاشفين حالهم ونفاذ نفقاتهم، وانقطاع أموالهم، فسعى له قاضي الجماعة عند أمير المؤمنين، وبين له وجه عذره، فسكت عنه.

قال القاضي عياض: لقد حدثني الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر أن أبا علي الحافظ قال له: خذ الصحيح، فاذكر أي متنٍ شئت منه، أذكر لك سنده، أو أي سندٍ، أذكر لك متنه.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 144"، والعبر "4/ 32"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1059"، والديباج المذهب لابن فرحون المالكي "1/ 3301"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 43".

ص: 296

‌4642 - النُّهاوَندي

(1)

:

القاضي العلامة، أبو عبد الله الحسين بن نصر بن المرهف النهاوندي، ثم الأيدبني _ وأيدبن: من قرى ديار بكر _ الشافعي، قاضي نهاوند مدة طويلة.

سمع من: أبي طاهر محمد بن هبة الله الموصلي بآمد، ثم قدم بغداد، وبرع في الفقه على أبي إسحاق الشيرازي، وأحكم الأصول، وسمع من: أبي محمد الجوهري، والقاضي أبي يعلى، وأبي بكر الخطيب.

حدث عنه: الحسين بن خسرو، وأبو طاهر السلفي، وأحمد بن عبد الغني الباجسرائي، وغيرهم.

قال السلفي: قال لي: إنه ولد سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة، وكان من كبار أصحاب أبي إسحاق، وولي قضاء نهاوند مدةً مديدةً، ولم يكن يقيم بها.

وقال المبارك بن كامل الخفاف: مات بنهاوند في محرم، سنة تسع وخمس مائة.

‌4643 - ابن مرزوق

(2)

:

الحافظ المفيد الرحال، أبو الخير عبد الله بن مرزوق الأصم الهروي، مولى شيخ الإسلام.

سمع: أبا عمر المليحي، وأحمد بن أبي نصر الكوفاني، وأبا القاسم بن البسري، وعبد الرحمن بن منده، وطبقتهم، وجمع، فأوعى.

أخذ عنه: هبة الله السقطي، وأبو موسى المديني، وجماعة.

قال إسماعيل التيمي: هو حافظ متقن.

قلت: مات في جمادى الآخرة، سنة سبع وخمس مائة، عن ست وستين سنة.

(1)

ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "7/ 80".

(2)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1054"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 16".

ص: 297

‌4644 - ابن بَدْرَان

(1)

:

الشيخ الإمام، المقرئ المسند، أبو بكر أحمد بن علي بن بدران بن علي الحلواني، البغدادي، المقرئ، عرف بخالوه، شيخ صالح، دينٌ، عارف بالقراءات، عالي الرواية.

تلا بالسبع على: أبي علي الحسن بن غالب، وعلي بن فارس الخياط.

تلا عليه جماعة، منهم: أبو الكرم الشهرزوري، وقد سمع من: أبي الطيب الطبري، والقاضي أبي الحسن الماوردي، ومحمد بن علي بن شبانة الدينوري، وأبي محمد الجوهري، وانتقى عليه الحافظ أبو عبد الله الحميدي.

وحدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وابن ناصر، والسلفي، وأبو طالب بن خضير، وخطيب الموصل أبو الفضل، وعبد المنعم بن كليب، وآخرون.

قال ابن ناصر: شيخ، صالح، ضعيف، لا يحتج بحديثه، لم تكن له معرفة بالحديث.

ولد في حدود سنة عشرين وأربع مائة.

وقال السلفي: كان ثقة زاهدًا.

قال ابن ناصر: مات في جمادى الآخرة سنة سبع وخمس مائة، وأوصى بأن يدفن إلى جانب إبراهيم الحربي.

قلت: وممن تلا عليه أبو محمد سبط الخياط، وعبد الوهاب بن محمد الصابوني.

قال أبو محمد: تلوت عليه بكتاب "الجامع" لأبي الحسن الخياط، وتلا به على المصنف.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 175"، والعبر "4/ 12" وميزان الاعتدال "1/ 122"، ولسان الميزان "1/ 227"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 16".

ص: 298

ابن ملة، أحمديل:

‌4645 - ابن مَلَّة

(1)

:

الشيخ العالم، المحدث الواعظ، أبو عثمان إسماعيل بن محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر بن أبي سعيد بن ملة الأصبهاني، المحتسب، صاحب تلك المجالس المشهورة.

سمع: أبا بكر بن ريذة صاحب الطبراني، وأبا طاهر بن عبد الرحيم، وأبا منصور عبد الرزاق بن أحمد الخطيب، وأبا القاسم عبد العزيز بن أحمد، وعلي بن شجاع المصقلي، وأبا العباس أحمد بن محمد بن النعمان، وأملى ببغداد.

حدث عنه: ابن ناصر، وظاعن بن محمد الزبيري الخياط، وأبو طاهر السلفي، وقوم، آخرهم عبد المنعم بن كليب.

قال ابن ناصر: وضع حديثًا، وأملاه، وكان يخلط.

قلت: ثم روايته عن ابن ريذه حضور، فإن مولده -فيما ذكر- سنة ست وثلاثين في رجبها، ومات ابن ريذه سنة أربعين.

وقال أبو نصر اليونارتي في "معجمه": كان ابن ملة من الأئمة المرضيين، يرجع في كل فن من العلم إلى حظ وافر.

وقال السلفي: هو من المكثرين، يروي عن: عبد العزيز بن فادويه، وأبي القاسم عبد الرحمن بن الذكواني، وكان أبوه يروي عن أبي محمد بن البيع صاحب المحاملي.

مات أبو عثمان في ثاني ربيع الأول، سنة تسع وخمس مائة، بأصبهان.

‌4646 - أحمديل

(2)

:

صاحب مراغة، أحد الأبطال، كان إقطاعه يغل في السنة أربع مائة ألف دينار، وعسكره خمسة آلاف فارس، كان في مجلس السلطان محمد بن ملكشاه، فأتاه مسكين، فتضرع إليه في قصة يقدمها، فيضربه بسكين، فبرك أحمديل فوقه، فوثب باطني آخر فوق أحمديل، فجرحه، فأضرتهما السيوف، فوثب ثالث، وضرب أحمديل أثخنه، وذلك في أول سنة عشر وخمس مائة، وكان أحمديل إلى جانب أمير دمشق طغتكين قد قدما بغداد إلى خدمة محمد.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 18"، وميزان الاعتدال "1/ 248"، ولسان الميزان "1/ 434"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 22".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 185"، والعبر "4/ 15"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 208"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 21".

ص: 299

‌4647 - أبو العز

(1)

:

محمد بن المختار بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن المؤيد بالله الهاشمي العباسي البغدادي، والد المعمر أبي تمام أحمد بن محمد، ويعرف بابن الخص.

كان ثقةً صالحًا دينًا، جليلًا محترمًا، من أهل الحرم الطاهري.

سمع الكثير من: عبد العزيز بن علي الأزجي، وأبي الحسن القزويني، وأبي إسحاق البرمكي، وأبي علي بن المذهب.

روى عنه: أبو علي الرحبي، وأحمد بن السدنك، وأبو طاهر السلفي، ونصر الله القزاز، وعبد المنعم بن كليب، وآخرون.

توفي في يوم عاشوراء، من سنة ثمان وخمس مائة، وعاش ثمانين عامًا.

‌4648 - ابن المُطَّلِب:

الوزير الكبير، أبو المعالي هبة الله بن محمد بن علي بن المطلب الكرماني، الفقيه الشافعي.

كان من كبار الأعيان، رأسًا في حساب الديوان، ساد وعظم، ووزر للمستظهر بالله سنتين ونصفا، ثم عزل.

روى عن: عبد الصمد بن المأمون وطبقته، وكان ذا معروف وبر، يلقب بمجير الدين، له خبرة وفضيلة وذكاء، صرف في سنة اثنتين وخمس مائة، ولزم بيته إلى أن توفي سنة تسع وخمس مائة.

‌4649 - البَاقَرْحِي

(2)

:

الشيخ الجليل المسند، أبو علي الحسن بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الباقرحي، ثم البغدادي، رجل مستورٌ، من بيت الرواية، سمع الكثير.

مولده سنة سبع وثلاثين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 182".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 238"، والعبر "4/ 36"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 48".

ص: 300

سمع: أبا الحسن بن القزويني، وأبا بكر بن بشران، وأبا الفتح شيطا، وأبا طاهر محمد بن علي بن العلاف، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا القاسم التنوخي.

حدث عنه: السلفي، وجماعة، وآخر من روى عنه: ذاكر بن كامل، وممن روى عنه أبو نصر عبد الرحيم اليوسفي.

مات في رجب، سنة سعيد عشرة وخمس مائة.

وفيها توفي: صاحب ماردين، وأبو ملوكها نجم الدين أيل غازي بن أرتق التركماني، ومحيي السنة أبو محمد البغوي، والحافظ أبو محمد عبد الله ابن أحمد بن السمرقندي أخو إسماعيل، وشيخ القراء أبو القاسم عبد الرحمن بن بكر بن الفحام الصقلي، مصنف "التجريد"، وصاحب "المقامات" أبو محمد القاسم بن علي الحريري البصري، وأبو عدنان محمد بن أحمد بن المطهر بن أبي نزار الربعي الأصبهاني، والحافظ محمد بن عبد الواحد الدقاق، وأبو نصر محمد بن هبة الله بن مميل الشيرازي معيد النظامية.

ص: 301

‌4650 - الشقَّاق

(1)

:

العلامة أبو عبد الله الحسين بن أحمد البغدادي، ابن الشقاق الفرضي، لشق قرون القسي.

أخذ الفرائض والحساب عن الخبري، وعبد الملك الهمداني، وبقي بلا نظير، وصنف التصانيف.

قال السلفي: كان آية من آيات الزمان في الفرائض والحساب، يقرئ ذلك.

وحدث عن: أبي الحسين بن المهتدي بالله، وسمع منه ابن ناصر، والسلفي، وخطيب الموصل.

مات في آخر سنة إحدى عشرة وخمس مائة، وله نيف وسبعون سنة، رحمه الله.

‌4651 - أبو طالب اليُوسُفي

(2)

:

الشيخ الأمين، الثقة العالم المسند، أبو طالب عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي، اليوسفي ابن أبي بكر.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 194".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 239"، والعبر "4/ 38"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 49".

ص: 301

ولد سنة نيف وثلاثين وأربع مائة.

وسمع المصنفات الكبار من: أبي علي بن المذهب، وأبي إسحاق البرمكي، وأبي بكر بن بشران، وأبي محمد الجوهري، وعدة، وتفرد في وقته.

حدث عنه: السلفي، وأبو العلاء العطار، وهبة الله الصائن، وأبو بكر ابن النقور، والشيخ عبد القادر، وعبد الحق اليوسفي، وأبو منصور بن أحمد الدقاق، ويحيى بن بوش، وعدد كثير.

قال السمعاني: شيخ صالح، ثقة، دين، متحر في الرواية، كثير السماع، انتشرت عنه الرواية في البلدان، وحمل عنه الكثير.

وقال السلفي: تربى أبو طالب على طريقة والده في الاحتياط التام في الدين في التدين من غير تكلف، وكان كامل الفضل، حسن الجملة، ثقةً متحريًا، إلى غايةٍ ما عليها مزيد، قل من رأيت مثله، وكان أبوه أبو بكر أزهد خلق الله.

قال محمد بن عطاف: توفي أبو طالب في آخر يوم الجمعة ثامن عشر ذي الحجة، سنة ست عشرة وخمس مائة.

ص: 302

‌4652 - ابن الفحَّام

(1)

:

الإمام شيخ القراء، أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر عتيق بن خلف القرشي، الصقلي، المقرئ النحوي، ابن الفحام، نزيل الإسكندرية، ومؤلف "التجريد في القراءات".

تلا بالسبع على: أبي العباس بن نفيس، وأبي الحسين نصر بن عبد العزيز الفارسي، وعبد الباقي بن فارس، وإبراهيم بن إسماعيل المالكي بمصر، وطال عمره، وتفرد، وتزاحم عليه القراء.

تلا عليه: أبو العباس بن الحطية، وابن سعدون القرطبي، وعبد الرحمن بن خلف الله، وعدة.

وتلوت كتاب الله من طريقه بعلو وبغير علو.

أخذ النحو عن ابن بابشاذ، وعمل "شرحا" لمقدمته.

قال سليمان بن عبد العزيز الأندلسي: ما رأيت أحدًا أعلم بالقراءات من ابن الفحام، لا بالمشرق ولا بالمغرب، وروى عنه: السلفي، وأبو محمد العثماني، وغيرهما، وثقه السلفي وابن المفضل.

ولد سنة اثنتين أو خمس وأربع مائة، وهو يشك. وتوفي: في ذي القعدة، سنة ست عشرة وخمس مائة بالثغر، وله نيفٌ وتسعون سنة، وآخر أصحابه في الدنيا بالإجازة أبو طاهر الخشوعي.

وقد ذكره السلفي، فقال: هو من خيار القراء، رحل سنة ثمان وثلاثين، فأدرك ابن هشيم، وابن نفيس، علقت عنه فوائد، وكان حافظًا للقراءات صدوقًا، متقنًا، عالمًا، كبير السن، وقيل: كان يحفظ القراءات كالفاتحة.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 37"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 225"، وحسن المحاضرة للسيوطي "1/ 495"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 49".

ص: 302

‌4653 - غيثُ بنُ علي

(1)

:

ابن عبد السلام، المحدث المفيد، أبو الفرج الأرمنازي، ثم الصوري، خطيب صور ومحدثها.

سمع: أبا بكر الخطيب، وعلي بن عبيد الله الهاشمي، وبدمشق أبا نصر بن طلاب، وطائفة، وبنتنيس من رمضان بن علي، وبمصر، والثغر، وكتب الكثير، وسوَّد "تاريخًا" لصور، وكان ثقة، حسن الخط.

روى عنه شيخه؛ الخطيب، وأبو القاسم ابن عساكر، وذلك من نمط "السابق واللاحق"، فبين الحافظين في الموت مائة سنة وثمان سنين.

مات غيث بدمشق، في صفر، سنة تسع وخمس مائة، عن ست وستين سنة.

‌4654 - عيسى بن شُعيب

(2)

:

ابن إبراهيم، المحدث العالم الزاهد، شيخ المعمرين، أبو عبد الله السجزي، الصوفي، نزيل هراة، ووالد الشيخ أبي الوقت.

لمولده بسجستان، في سنة عشر وأربع مائة، فسمع من علي بن بشرى الليثي الحافظ جملةً، وسمع بهراة من: عبد الوهاب بن محمد الخطابي، وبغزنة من: الخليل بن أبي يعلى، وطائفة، وحمل ابنه عبد الأول على ظهره من هراة إلى بوشنج مرحلة، فسمعا "الصحيح" من جمال الإسلام الداوودي.

قال أبو سعد السمعاني: هو صحيح صالح، حريص على السماع، أجاز لي مروياته، ثم ذكر مولده، قال: وتوفي بمالين من هراة، في ثاني عشر شوال، سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، وله مائة وسنتان.

وفيها مات أمير المؤمنين المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن محمد بن القائم العباسي، وله اثنتان وأربعون سنة، وكانت دولته خمسًا وعشرين سنة، ومفتي بخارى شمس الأئمة الجابري، ونور الهدى الحسين بن محمد الزينبي، والعلامة أبو القاسم سلمان بن ناصر الأنصاري النيسابوري الأصولي صاحب إمام الحرمين، والمعمر أبو العلاء عبيد بن محمد القشيري، وشيخ الكلام أبو عبد الله محمد بن عتيق بن أبي كدية القيرواني الشعري ببغداد عن سن عالية، والحافظ محمود بن نصر الأصبهاني الصباغ ببغداد.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "1/ 189"، والعبر "4/ 18"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 24".

(2)

ترجمته في التجبير للسمعاني "1/ 611 - 613".

ص: 303

‌4655 - أبو الفتح الهَرَوي

(1)

:

الإمام القدوة الزاهد، العابد المعمر، أبو الفتح نصر بن أحمد بن إبراهيم الحنفي الهروي.

سمع من: جده لأمه أبي المظفر منصور بن إسماعيل الهروي، الراوي عن أبي الفضل بن خميرويه، وسمع من: أبي يعقوب القراب الحافظ، وأبي الحسن الدباس، وجماعة. وخرج له شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري "فوائد" في ثلاث مجلدات، وكان أسند من بقي ببلده وأزهدهم.

حدث عنه: جماعة بهراة ومرو وبوشنج من مشايخ السمعاني.

توفي سنة عشر وخمس مائة، لا بل توفي في سابع شعبان، سنة إحدى عشرة وخمس مائة.

قال السمعاني: هو نصر بن أحمد بن إبراهيم بن أسد بن أحمد، من ولد حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.

قال: وهو من أهل العلم والسداد والصلاح، أفنى عمره في كتابة العلم، وتفرد بالرواية الكثيرة. سمع: أباه، وجده، وجده لأمه، وأبا عثمان سعيد بن العباس القرشي، وإسحاق بن أبي إسحاق القراب، وعبد الوهاب ابن محمد بن عيسى، ومحمد بن الفضيل، ومولده: سنة تسع عشرة وأربع مائة.

قلت: عاش اثنتين وتسعين سنة.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ص 1262".

ص: 304

‌4656 - أبو يعلى بن الهباريَّة

(1)

:

الشريف، كبير الشعراء، محمد بن صالح بن حمزة العباسي، من ذرية ولي العهد عيسى بن موسى، ولقبه نظام الدين البغدادي، رأسٌ في الهجو والخلاعة، وشعره فائق، خدم نظام الملك، وسعد به، وقد نظم كتاب "كليلة ودمنة" جوده وحرره.

قيل: مات بكرمان، سنة أربع وخمس مائة.

‌4657 - الشَّاشِي

(2)

:

الإمام العلامة، شيخ الشافعية، فقيه العصر، فخر الإسلام، أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي، التركي، مصنف "المستظهري" في المذهب، وغير ذلك.

مولده بميَّافارقين في سنة تسع وعشرين وأربع مائة، وتفقه بها على قاضيها أبي منصور الطوسي، والإمام محمد بن بيان الكازروني، ثم قدم بغداد، ولازم أبا إسحاق، وصار معيده، وقرأ كتاب "الشامل" على مؤلفه.

وروى عن الكازروني شيخه، وعن ثابت بن أبي القاسم الخياط، وأبي بكر الخطيب، وهياج بن عبيد المجاور، وعدة.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 453"، ولسان الميزان "5/ 367"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 210"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 24".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 179"، ووفيات الأعيان "4/ 219"، والعبر "4/ 13"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1241"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 70"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 206"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 16".

ص: 305

وانتهت إليه رياسة المذهب، وتخرج به الأصحاب ببغداد، وصنف. وكتاب "الحلية" فيه اختلاف العلماء، وهو الكتاب الملقب بالمستظهري، لأنه صنفه للخليفة المستظهر بالله، وولي تدريس النظامية بعد الغزالي، وصرف، ثم وليها بعد إلكيا الهراسي سنة أربع وخمس مائة، ودرس أيضًا بمدرسة تاج الملك وزير السلطان ملكشاه.

حدث عنه: أبو المعمر الأزجي، وعلي بن أحمد اليزدي، وأبو بكر بن النقور، وأبو طاهر السلفي، وفخر النساء شهدة.

مات في شوال سنة سبع وخمس مائة، ودفن إلى جنب شيخه أبي إسحاق الشيرازي، وقيل: دفن معه.

وقع لي من حديثه.

قال أبو القاسم يوسف الزنجاني: كان أبو بكر الشاشي يتفقه معنا، وكان يسمى الجنيد لدينه وورعه وزهده، رحمه الله تعالى.

ص: 306

‌4658 - ابن مَنْدَه

(1)

:

الشيخ الإمام، الحافظ المحدث، أبو زكريا يحيى بن أبي عمرو عبد الوهاب بن الحافظ الكبير أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن الحافظ محمد بن يحيى بن منده العبدي، الأصبهاني.

ولد في شوال، سنة أربع وثلاثين وأربع مائة.

وبكّر به والده، فسمعه الكثير من أبي بكر بن ريذه، وأبي طاهر بن عبد الرحيم، وأحمد بن محمد الفضاض. وطلب هذا الشأن، فسمع من أحمد بن محمود الثقفي، ومحمد بن علي الجصاص، وإبراهيم بن منصور سبط بحرويه، وأبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي، وأبي بكر البيهقي الحافظ، وخلق كثير، وأكثر عن أبيه، وعمه أبي القاسم، وأجاز له من بغداد أبو طالب بن غيلان، وطائفة، وأملى، وصنف، وجمع.

روى عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وعلي بن أبي تراب، وأبو طاهر السلفي، وعبد الحق اليوسفي، وأبو محمد بن الخشاب النحوي، ومحمد بن إسماعيل الطرسوسي، وأبو موسى المديني، وخلق.

قال السمعاني: شيخ جليل القدر، وافر الفضل، واسع الرواية، ثقة حافظ، مكثر صدوق، كثير التصانيف، حسن السيرة، بعيد من التكلف، أوحد بيته في عصره، أجاز لي. وسألت إسماعيل الحافظ عنه، فأثنى عليه، ووصفه بالحفظ والمعرفة والدراية، وسمعت محمد بن أبي نصر اللفتواني الحافظ يقول: بين بني منده بدئ بيحيى، وختم بيحيى.

مات في ذي الحجة، سنة إحدى عشرة وخمس مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 204"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "6/ 168"، والعبر "4/ 25"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1057"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 214"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 32".

ص: 306

‌4659 - المستظهر بالله

(1)

:

الإمام، أمير المؤمنين، أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر الهاشمي العباسي، البغدادي.

مولده في شوال، سنة سبعين وأربع مائة، واستخلف عند وفاة أبيه في تاسع عشر المحرم، وله ست عشرة سنة وثلاثة أشهر، وذلك في سبع وثمانين.

قال ابن النجار: كان موصوفًا بالسخاء والجود، ومحبة العلماء، وأهل الدين، والتفقد للمساكين، مع الفضل والنبل والبلاغة، وعلو الهمة، وحسن السيرة، وكان رضي الأفعال، سديد الأقوال.

وحكى أبو طالب بن عبد السميع عن أبيه أن المستظهر بالله طلب من يصلي به، ويلقن أولاده، وأن يكون ضريرًا، فوقع اختياره على القاضي أبي الحسن المبارك بن محمد بن الدواس مقرئ واسط قبل القلانسي، فكان مكرمًا له، حتى إنه من كثرة إعجابه به كان أول رمضان قد شرع في التراويح، فقرأ في الركعتين الأوليين آيةً آيةً، فلما سلم، قال له المستظهر: زدنا من التلاوة، فتلا آيتين آيتين، فقال له: زدنا، فلم يزل حتى كان يقوم كل ليلة بجزء، وإنه ليلةً عطش، فناوله الخليفة الكوز، فقال خادم: ادع لأمير المؤمنين، فإنه شرفك بمناولته إياك، فقال: جزى العمى عني خيرًا، ثم نهض إلى الصلاة، ولم يزد على ذلك.

وقال السلفي: قال لي أبو الخطاب ابن الجراح: صليت بالمستظهر في رمضان، فقرأت:{إِنَّ ابْنَكَ سَرَق} * [يوسف: 81]، رواية رويناها عن الكسائي، فلما سلمت، قال: هذه قراءة حسنة، فيه تنزيه أولاد الأنياء عن الكذب.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 200"، والعبر "4/ 26"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 215"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 33".

* بضم السين وتشديد الراء مبنيًا للمفعول، وهي قراءة ابن عباس، والكسائي.

ص: 307

قلت: كيف بقولهم: {فَأَكَلَهُ الذِّئْب} ، {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 17، 18].

قال ابن الجوزي: حدثني محمد بن شاتيل المقرئ، حدثني أبو سعد بن أبي عمامة قال: كنت ليلة جالسًا في بيتي، وقد نام الناس، فدق الباب، فإذا بفرَّاشٍ وخادمٍ معه شمعة، فقال: بسم الله، فأدخلت على المستظهر، وعليه أثر غم، فأخذت في الحكايات والمواعظ وتصغير الدنيا، وهو لا يتغير، وأخذت في حكايات الكرام وغير ذلك، فقلت: هذا لا ينام، ولا يدعني أنام، فقلت: يا أمير المؤمنين، لي مسألة، قال: قل، قلت: ولا تكتمني? قال: لا، قلت: بالله حل عليك نقدةٌ للبائع، أو انكسر زورقك، أو وقعوا على قافلةٍ لك، وضاق وقتك? عندي طبق خلافٍ أنا أقرضه لك، وتبقى بارزيًا في الدروب وما يخلي الله من رزق، فهذا هم عظيم، وقد مرستني الليلة، فضحك حتى استلقى، وقال: قم، فعل الله بك وصنع، فقمت، وتبعني الخادم بدنانير وتخت وثياب.

قيل: إن ابن مقلد العواد غنى المستظهر، فسره، فأعطاه مائتي دينار، وقطعة كافور زنة ثلاثة أرطال مقمعة بذهب.

قال أبو طالب بن عبد السميع: كان من ألفاظ المستظهر:

خير ذخائر المرء لدنياه ذكرٌ جميلٌ، ولآخرته ثواب جزيل.

شح المرء بفلسه من دناءة نفسه.

الصبر على الشدائد ينتج الفوائد.

أدب السائل أنفع من الوسائل.

بضاعة العاقل لا تخسر، وربحها يظهر في المحشر.

وله نظم حسن.

قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: توفي المستظهر بالله سحر ليلة الخميس، سادس عشرين ربيع الآخر، سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، ومرض ثلاثة عشر يومًا من تراقي ظهر به، وبلغ إحدى وأربعين سنة وستة أيام، وكان لين الجانب، كريم الخلائق، مشكور المساعي، إذا سئل مكرمةً، أجاب إليها، وإذا ذكر بمثوبةٍ تشوف نحوها.

وقيل: إنه أنشد قبل موته بقليل، وبكى:

يا كوكبًا ما كان أقصر عمره

وكذاك عمر كواكب الأسحار

ص: 308

وفي أول خلافته، جهز السلطان بركيا روق بن ملكشاه جيشًا مع قسيم الدولة جد نور الدين وبوزبان، فالتقاهم تاج الدولة تتش بظاهر حلب، فأسر قسيم الدولة، وذبحه تتش، وأخذ حلب بعد حصار، وذبح بوزبان، وسجن كربوقا، وسار، فتملك الجزيرة، ثم خلاط، ثم أذربيجان كلها، واستفحل أمره، وكبس عسكره بركياروق، فانهزم، وراحت خزائنه، وذهب إلى أصبهان، ففتحوا له خديعة، فأمسكوه، فمات أخوه صاحب أصبهان محمود، وله سبع سنين بالجدري، فملكوا بركياروق ووزر له المؤيد بن نظام الملك، وجمع وحشد، ومات صاحب مصر المستنصر، وأمير الجيوش بدر، ووالي مكة محمد بن أبي هاشم الذي نهب الوفد، ثم التقى بركياروق وعمه تتش، فقتل في المعركة تتش، وتملك بعده دمشق ابنه دقاق شمس الملوك، وقتل صاحب سمرقند أحمد خان، وكان قد حسنوا له الإباحة، وتزندق، فقبض عليه الأمراء، وشهدوا عليه، فأفتى العلماء بقتله، وملكوا ابن عمه.

وقتل سنة تسعين صاحب مرو أرغون أخو السلطان ملكشاه، وكان ظلومًا جبارًا، قتله مملوكٌ له، وكان حاكمًا على نيسابور، وبلخ أيضًا، تمرد وخرب أسوار بلاده.

وعصى نائب العبيدية بصور، فجاء عسكر، وحاصروها وافتتحوها، وقتلوا بها خلقًا، منهم نائبها.

وجهز السلطان بركياروق جيشًا مع أخيه سنجر، فبلغهم قتل أرغون، فلحقهم السلطان، فتملك جميع خراسان، وخطب له بسمرقند، ودانت له الأمم، فاستناب أخوه سنجر بخراسان، وكان حدثًا، وأمر بركياروق على خوارزم محمد بن نوشتكين مولى السلجوقية، وكان فاضلًا أديبًا عادلًا، ثم قام بعده ولده خوارزم شاه أتسز والد خوارزم شاه علاء الدين.

وفي سنة تسع: كان أول ظهور الفرنج بالشام قدموا في بحر قسطنطينية في جمع كثير، وانزعجت الملوك، وعم الخطب، لا سيما ابن قتلمش صاحب الروم، فالتقاهم، فطحنوه.

وأما ابن الأثير، فقال: ابتداء دولتهم في سنة "478"، فأخذوا طليطلة وغيرها، ثم صقلية، وأخذوا بعض أفريقية، وجمع ملكهم بغدوين جمعًا، وبعث يقول لرجار صاحب صقلية: أنا واصل إليك لنفتح إفريقية، فبعث أفريقية، يقول: الأولى فتح القدس، فقصدوا الشام.

وقيل: إن صاحب مصر لما رأى قوة آل سلجوق واستيلائهم على الممالك، كاتب الفرنج، فمروا بسيس، ونازلوا أنطاكية، فخاف صاحبها ياغي بسان، فأخرج النصارى إلى الخندق وحبسهم به، فدام حصارها تسعة أشهر، وفني الفرنج قتلًا وموتًا، ثم إنهم عاملوا

ص: 309

الزراد المقدم، بذلوا له مالًا، فكاشر لهم عن بدنه، ففتحوا شباكًا، وطلعوا منه خمس مائة في الليل، ففتح ياغي بسان، وهرب، واستبيح البلد _ فإنا لله _ في سنة إحدى وتسعين، وسقطت قوة ياغي بسان أسفًا، وانهزم غلمانه، فذبحم حطاب أرمني. ثم أخذوا المعرة، فقتلوا وسبوا، وتجمعت عساكر الموصل وغيرها، فالتقوا، فانهزم المسلمون، واستشهد ألوف، وصالحهم صاحب حمص، وأقبل ابن أمير الجيوش، فأخذ القدس من ابن أرتق، وانتشرت الباطنية بأصبهان، وتمت حروب مزعجة بين ملوك العجم، وأخذت الفرنج بيت المقدس، نصبوا عليه أربعين منجنيقًا، وهدوا سوره، وجدوا في الحصار شهرًا ونصفًا، ثم ملكوه من شماليه في شعبان سنة اثنتين وتسعين، وقتلوا به نحوًا من سبعين ألفًا.

قال يوسف ابن الجوزي والعهدة عليه: سارت الفرنج، ومقدمهم كندفري في ألف ألف، منهم خمس مائة ألف مقاتل، وعملوا برجًا من خشب ألصقوه بالسور، وحكموا به على البلد، وسار الأفضل أمير الجيوش، من مصر في عشرين ألفًا نجدةً، فقدم عسقلان وقد استبيحت القدس، ثم كبست الفرنج المصريين، فهزموهم، وانحاز الأفضل إلى عسقلان، وتمزق جيشه، وحوصر، فبذل لهم أموالًا، فترحلوا عنه.

وتملك محمد بن ملكشاه، وهزم أخاه بركياروق، ثم حارب عسكر الموصل، وجرت عجائب، ثم فر بركياروق إلى خراسان، وعسف، وعمل مصافًا مع أخيه سنجر، فانهزم كل منهما، ثم سار بركياروق على جرجان طالبا أصبهان.

والتقى ابن الدانشهد جيش الفرنج فنقل ابن الأثير أنهم كانوا ثلاث مائة ألف، فلم يفلت أحد منهم سوى ثلاثة آلاف.

وكانت وقعة بين المصريين والفرنج على عسقلان، فقتل مقدم المصريين سعد الدولة، لكن انتصر المسلمون.

قال ابن الأثير: فيقال: قتل من الفرنج ثلاث مائة ألف.

قلت: هذه مجازفة عظيمة.

والتقى السلطان محمد بن ملكشاه وأخوه بركياروق مرات، وغلت الأقطار بالباطنية، وطاغوتهم الحسن بن الصباح المروزي الكاتب، كان داعيةً لبني عبيد، وتعانوا شغل السكين، وقتلوا غيلةً عدةً من العلماء والأمراء، وأخذوا القلاع، وحاربوا، وقطعوا الطرق، وظهروا أيضًا بالشام، والتف عليهم كل شيطان ومارق، وكل ماكر ومتحيل.

ص: 310

قال الغزالي في "سر العالمين": شاهدت قصة الحسن بن الصباح لما تزهد تحت حصن الألموت، فكان أهل الحصن يتمنون صعوده، ويتمنع ويقول: أما ترون المنكر كيف فشا، وفسد الناس، فصبا إليه خلق، وذهب أمير الحصن يتصيد، فوثب على الحصن فتملكه، وبعث إلى الأمير من قتله، وكثرت قلاعهم، واشتغل عنهم أولاد ملكشاه باختلافهم.

ولابن الباقلاني، والغزالي، وعبد الجبار المعتزلي كتبٌ في فضائح هؤلاء.

قال ابن الأثير: وفي سنة "494" أمر السلطان بركياروق بقتل الباطنية، وهم الإسماعيلية، وهو الذين كانوا قدمًا يسمون القرامطة.

قال: وتجرد بأصبهان للانتقام منهم الخجندي، وجمع الجم الغفير بالأسلحة، وأمر بحفر أخاديد أوقدت فيها النيران، وجعلوا يأتون بهم، ويلقونهم في النار، إلى أن قتلوا منهم خلقا كثيرا.

قال: وكان ابن صباح شهما، عالما بالهندسة والنجوم والسحر، من تلامذة ابن غطاش الطبيب الذي تملك قلعة أصبهان، وممن دخل بمصر على المستنصر، فأعطاه مالًا، وأمر بالدعوة لابنه نزار، وهو الذي بعث من قتل نظام الملك، وقد قتل صاحب كرمان أربعة آلاف لكونهم سنة، واسمه تيرانشاه السلجوقي، حسن له رأي الباطنية أبو زرعة الكاتب، فانسلخ من الدين، وقتل أحمد بن الحسين البلخي شيخ الحنفية، فقام عليه جنده وحاربوه، فذل، وتبعه عسكر، فقتلوه، وقتلوا أبا زرعة، وصارت الأمراء يلازمون لبس الدروع تحت الثياب خوفًا من فتك هؤلاء الملاحدة، وركب السلطان بركياروق في تطلبهم، ودوخهم، حتى قتل جماعةً برآء، سعى بهم الأعداء، ودخل في ذلك أهل عانة، واتهم إلكيا الهراسي بأنه منهم، وحاشاه، فأمر السلطان محمد بن ملكشاه بأن يؤخذ، حتى شهدوا له بالخير، فأطلق.

وفيها كسر دقاق صاحب دمشق الفرنج، وحاصر صاحب القدس كندفري عكا، فقتل بسهم، وتملك أخوه بغدوين، وأخذت الفرنج سروج بالسيف، وأرسوف وحيفا بالأمان، وقيسارية عنوةً.

وفي سنة "459": مات المستعلي صاحب مصر، وولي الآمر، وكانت حروبٌ بين الأخوين بركياروق ومحمد، وبلاء وحصار، ونازلت الفرنج طرابلس، فسار للكشف عنها جند دمشق وحمص، فانكسروا، ثم التقى العسكر، وبغدوين، فهزموه، وقل من نجا من أبطاله، وظفر ثلاثةٌ من الباطنية على جناح الدولة صاحب حمص، فقتلوه في الجامع،

ص: 311

فنازلتها الفرنج، فصولحوا على مال، وتسلمها شمس الملوك، وقتلت الباطنية الأعز، وزير بركياروق، ومات كربوقا صاحب الموصل بخوي، وقد استولى على أكثر أذربيجان.

وخطب سنجر بخراسان لأخيه محمد، وحارب قدرخان صاحب ما وراء النهر، فأسر سنجر وقتله، وملك ابن بغراجان سمرقند، ونازل المسلمون بلنسية، واسترجعوها من الفرنج بعد أن تملكوها ثمانية أعوام، ثم راحت من المسلمين في سنة "636".

وفي سنة ست وتسعين: سار شمس الملوك، فحاصر الرحبة، وأخذها، وجاء عسكر مصر، فالتقوا الفرنج بيافا، وخذلت الفرنج، وتصالح بركياروق وأخوه، وملوا من الحرب، وتحالفوا، وطال حصار الفرنج لطرابلس، وأخذوا جبيل، وأخذوا عكا، ونازلوا حران، فجاء العسكر، ووقع المصاف، ونزل النصر، وأبيدت الملاعين، وبلغت قتلاهم اثني عشر ألفًا، ومات شمس الملوك دقاق، وتملك ولده بدمشق، وأتابكه طغتكين.

وفي سنة ثمان وتسعين مات بركياروق، وسلطنوا ابنه ملكشاه وهو صبي، والتقى المسلمون والفرنج، فأصيب المسلمون، ثم قدم عسكر مصر، وانضم إليهم عسكر دمشق، فكان المصاف مع بغدوين عند عسقلان، وثبت الفريقان، وقتل من الفرنج فوق الألف، ومن المسلمين مثلهم، ثم تحاجزوا، وفيها تمكن السلطان محمد وبسط العدل.

وفي سنة "496": كبس الأتابك طغتكين الفرنج بالأردن، فقتل وأسر، وزينت دمشق، وأخذ من الفرنج حصنين.

واستولت الإسماعيلية على فامية، وقتلوا صاحبها ابن ملاعب، وكان جبارًا يقطع الطريق.

وفي سنة خمس مائة: مات صاحب المغرب والأندلس يوسف بن تاشفين، وتملك بعده ابنه علي، وكان يخطب لبني العباس، وجاءته خلع السلطنة والألوية، وكان أنشأ مراكش.

وقتل واحدٌ من الإسماعيلية فخر الملك بن نظام الملك، وزر لبركياروق، ثم لسنجر.

وقبض محمد على وزيره سعد الملك، وصلبه بأصبهان، واستوزر أحمد بن نظام الملك.

وقتل مقدم الإسماعيلية بقلعة أصبهان أحمد بن غطاش، قال ابن الأثير: قتل أتباعه خلقًا لا يمكن إحصاؤهم

، إلى أن قال: وخرب السلطان محمد القلعة، وكان أبوه ملكشاه أنشأها على جبل، يقال: غرم عليها ألفي ألف دينار وزيادة، فتحيل ابن غطاش حتى تملكها، وبقي بها اثنتي عشرة سنة.

ص: 312

وعزل المستظهر وزيره أبا القاسم بن جهير، ووزر هبة الله بن المطلب.

وغرق ملك قونية قلج رسلان بن سليمان بن قتلمش السلجوقي.

وفي سنة إحدى وخمسين وخمس مائة مات صاحب الحلة سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي ملك العرب الذي أنشأ الحلة على الرفض، قتل في وقعة بينه وبين السلطان محمد بن ملكشاه.

وفيها سار طغتكين في جند دمشق، فهزم الفرنج، وأسر صاحب طبرية جرماس، وحاصر بغدوين الكلب صور، وبنى بإزائها حصنًا، ثم بذل له أهلها سبعة آلاف دينار، فترحل عنهم.

وفي سنة اثنتين: سار طغتكين في ألفين، فالتقى الفرنج، فانهزم جمعه، وثبت هو، ثم تراجعوا إليه، ونصروا، وأسروا قومصا، بذل في نفسه جملةً، فأبى طغتكين وذبحه، ثم هادن بغدوين أربعة أعوام.

وفيها تزوج المستظهر بأخت السلطان محمد على مائة ألف دينار.

وفيها أخذت الإسماعيلية شيزر بحيلة، فرجع صاحبها من موكبه، فوجد بلده قد راح منه، فيعمد نساؤه من القلة فدلوا حبالًا، واستقوه وأجناده، فوقع القتال، واستحر القتل بالملاحدة، وكانوا مائةً، قد خدم أكثرهم حلاجين في شيزر، فما نجا منهم أحد، وقتل من الأجناد عدة.

وفي سنة ثلاث أخذت طرابلس في آخر السنة بعد حصار ست سنين أخذوها بأبراج خشب صنعت وألصقت بسورها، وأخذوا بانياس، وجبيل بالأمان، ثم طرسوس، وحصن الأكراد.

وفي سنة خمس تناحب عساكر العراق والجزيرة، وأقبلوا لغزو الفرنج، وعدوا الفرات، فقل ما نفعوا، ثم رجعوا والأعداء تجول في الشام.

وتمت بالأندلس غزوة كبرى -نصر الله-، وانحطمت الفرنج، وقتل ابن ملكهم.

وفي سنة ست: مات ملك الأرمن، فسار صاحب أنطاكية تنكري ليتملك سيس، فمرض، ومات.

ومات قراجا صاحب حمص، فتملك ابنه خيرخان.

ص: 313

وفي أول سنة سبع أقبل عسكر الجزيرة نجدةً لطغتكين، فالتقوا الفرنج بالأردن، وصبر الفريقان، ثم استحر القتل بالفرنج، وأسر طاغيتهم بغدوين، لكن أساء الذي أسره، فشلحه، وأطلقه جريحا، ثم تراجع العدو، وجاءتهم نجدة، فعملوا المصاف من الغد، وحمي القتال، وطاب الموت، وتحصن الكلاب بجبل، فرابط الجيش بإزائهم يترامون بالنشاب ويقتتلون، فدام ذلك كذلك ستة وعشرين صباحًا حتى عدمت الأقوات، وتحاجز الجمعان.

وفيها وثب باطني بجامع دمشق على صاحب الموصل مودود بن ألتونتكين فقتله، وهو قد صلى الجمعة مع طغتكين، وأحرق الباطني.

قال ابن القلانسي في "تاريخه": قام هو وطغتكين حولهما الترك والأحداث بأنواع السلاح من الصوارم والصمصامات والخناجر المجردة، كالأجمة المشتبكة، فوثب رجل لا يؤبه له، ودعا لمودود، وشحذ منه، وقبض بند قبائه، وضربه تحت سرته ضربتين، والسيوف تنزل عليه، ودفن بخانقاه الطواويس، ثم نقل، وكان بطبرية مصحف أرسله عثمان رضي الله عنه إليها، فنقله طغتكين إلى جامع دمشق.

وفيها تملك حلب أرسلان بن رضوان السلجوقي بعد أبيه، وقتل أخويه، ورأس الإسماعيلية أبا طاهر الصائغ، وعدة منهم.

وفي سنة ثمان وخمس مائة: هلك بغدوين من جرحه. وقتلت الباطنية صاحب مراغة أحمديل.

وتخنزرت الفرنج في سنة تسع، وعاثوا بالشام، وأخذوا رفنية، فساق طغتكين، واستنقذها، وكان قد عصى على السلطان، وحارب بعض عسكره، فندم، وسار بنفسه على العراق بتحف سنية، فرأى من الاحترام فوق آماله، وكتبوا له تقليدًا بإمرة الشام كله.

وفي سنة عشر قدم البرسقي صاحب الموصل إلى الشام غازيًا، وسار معه طغتكين، فكبسوا الفرنج، ونزل النصر، فقتل ألوف من الفرنج، واستحكمت المودة بين البرسقي وبين صاحب دمشق.

وفي سنة إحدى عشرة كبست الفرنج حماة، وقتلوا مائة وعشرين رجلًا، وبدعوا، وجاء سيلٌ هدم سور سنجار، وغرق خلائق، وأخذ باب المدينة، ثم ظهر تحت الرمل بعد سنين على مسيرة بريد، وسلم مولود في سريره عامَ به، وتعلق في زيتونة.

وفيها تسلطن السلطان محمود بعد أبيه محمد، وأنفقت خزائن أبيه في العساكر، فقيل: كانت أحد عشر ألف ألف دينار.

وتوفي المستظهر بالله عن سبعة بنين، وصلى عليه ابنه المسترشد بالله.

وبعده ماتت جدته لأبيه أرجوان الأرمنية، وقد رأت ابنها خليفة، وابن ابنها، وابن ابن ابنها، وما اتفق هذا لسواها.

ص: 314

‌4660 - أبو القاسم الأنصاري

(1)

:

إمام المتكلمين، سيف النظر، سلمان بن ناصر بن عمران النيسابوري، الصوفي الشافعي، تلميذ إمام الحرمين.

روى عن فضل الله الميهني، وعبد الغافر الفارسي، وكان يتوقد ذكاء، له تصانيف وشهرة وزهد وتعبد، شرح كتاب "الإرشاد" وغير ذلك. مات سنة إحدى عشرة وخمس مائة.

‌4661 - صاحب إفريقية

(2)

:

الملك أبو طاهر يحيى بن الملك تميم بن المعز بن باديس الحميري، قام في الملك بعد أبيه، وخلع على قواده وعدل، وافتتح حصونا ما قدر أبوه عليها، وكان عالما، كثير المطالعة، جوادا ممدحا، مقربا للعلماء، وفيه يقول أبو الصلت أمية الشاعر:

فارغب بنفسك إلَّا عن ندى ووغى

فالمجد أجمع بين البأس والجود

كدأب يحيى الذي أحيت مواهبه

ميت الرجاء بإنجاز المواعيد

معطي الصوارم والهيف النواعم والـ

جرد الصلادم والبزل الجلاميد

إذا بدا بسرير الملك محتبيًا

رأيت يوسف في محراب داود

مات يحيى يوم النحر فجأة، فكان موته وسط النهار سنة تسع وخمس مائة، فكانت دولته ثماني سنين، وخلف لصلبه ثلاثين ابنًا، فتملك منهم ابنه علي، فقال ستة أعوام، ومات، فملكوا ولده الحسن بن علي صبيا مراهقا، فامتدت أيامه، إلى أن أخذت الفرنج طرابلس المغرب بالسيف سنة إحدى وأربعين، فهرب الحسن من المهدية هو وأكثر أهلها، ثم انضم إلى السلطان عبد المؤمن.

وقد وقف ليحيى ثلاثة غرباء، وزعموا أنهم يعملون الكيمياء، فأحضرهم ليتفرج وأخلاهم، وعنده قائد عسكره إبراهيم، والشريف أبو الحسن، فسل أحدهم سكينًا، وضرب الملك، فما صنع شيئًا، ورفسه الملك دحرجه، ودخل مجلسًا وأغلقه، وقتل الآخر الشريف، وشد إبراهيم بسيفه عليهم، ودخل المماليك، وقتلوا الثلاثة، وكانوا باطنية، أظن الآمر العبيدي ندبهم لذلك.

(1)

ترجمته في تاريخ ابن خلدون "6/ 106"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 34"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 34".

(2)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ 211"، والعبر "4/ 19"، وشذرات الذهب "4/ 26".

ص: 315

‌4662 - الدَّرْزِيجَاني

(1)

:

الإمام، شيخ الإسلام، أبو الفضل جعفر بن الحسن الفقيه، الحنبلي، المقرئ، صاحب القاضي أبي يعلى.

سمع منه، ومن: أبي علي بن البناء، ولقن خلقًا كثيرًا، وكان قوالًا بالحق، أمارًا بالعرف، كبير الشأن، عظيم الهيبة.

أثنى عليه ابن النجار، وبالغ في تعظيمه، وذكر أنه كان يختم كل يوم في ركعة واحدة، وأنه تفقه بأبي يعلى.

وقال أحمد الجيلي: جعفر ذو المقامات المشهورة، والمهيب بنور الإيمان واليقين لدى الملوك والمتصرفين.

مات في الصلاة ساجدًا، في ربيع الآخر، فدفُن بداره بدرزيجان، رحمه الله، من سنة ست وخمس مائة.

‌4663 - شمس الأئمة

(2)

:

الإمام العلامة، شيخ الحنفية، مفتي بخارى، شمس الأئمة، أبو الفضل بكر بن محمد بن علي بن الفضل الأنصاري الخزرجي، السلمي، الجابري، البخاري، الزرنجري. وزرنجر: من قرى بخارى.

كان يضرب به المثل في حفظ المذهب، قال لي الحافظ أبو العلاء الفرضي: كان الإمام على الإطلاق، والموفود إليه من الآفاق، رافق في أول أمره برهان الأئمة الماضي عبد العزيز بن مازه، وتفقها معا على شمس الأئمة محمد بن أبي سهل السرخسي.

(1)

ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 15".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "6/ 270"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 200"، ولسان الميزان "2/ 58"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 216"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 33".

ص: 316

مولده سنة سبع وعشرين وأربع مائة، وتفقه أيضًا على شمس الأئمة عبد العزيز أحمد الحلوائي.

وسمع: أباه، وعمر بن منصور بن خنب، والحافظ أبا مسعود أحمد بن محمد البجلي، وميمون بن علي الميموني، وأبا سهل أحمد بن علي الأبيوردي، فسمع منه الصحيح بسماعه من ابن حاجب الكشاني، وسمع أيضًا من إبراهيم بن علي الطبري، والحافظ يوسف بن منصور، ومحمد بن سليمان الكاخستواني.

وتفرد، وعلا سنده، وعظم قدره، حتى كان يقال له: أبو حنيفة الأصغر، وكان يدري التاريخ والأنساب، سألوه مرة عن مسألة غريبة، فقال: كررت عليها أربع مائة مرة.

حدث عنه: عمر بن محمد بن طاهر الفرغاني، وأبو جعفر أحمد بن محمد الخلمي البلخي، ومحمد بن يعقوب نزيل سرخس، وعبد الحليم ابن محمد البخاري، وعدة، وتفقه عليه ولده عمر، وشيخ الإسلام برهان الدين علي بن أبي بكر الفرغاني، وطائفة.

مات في تاسع عشر شعبان سنة اثنتي عشرة وخمس مائة.

وتوفي ولده العلامة عماد الدين عمر: في سنة أربع وثمانين وخمس مائة.

ص: 317

‌4664 - القَيْرَواني

(1)

:

العلامة الأصولي، شيخ القراء، أبو عبد الله محمد بن عتيق بن محمد بن هبة الله بن مالك التميمي القيرواني، المعروف بابن أبي كدية.

درس الكلام بالقيروان على الحسين بن حاتم صاحب ابن الباقلاني.

وسمع من: ابن عبد البر، ومن القاضي محمد بن سلامة القضاعي، وتلا بالروايات على أبي العباس بن نفيس، وسمع ببغداد من: عبد الباقي بن محمد العطار.

وحدث بصور، فسمع منه الفقيه نصر المقدسي، وروى عنه: أبو عامر العبدري، وعبد الحق اليوسفي، والسلفي، وآخرون، وتصدر لإقراء الأصول، وكان متعصبًا لمذهب الأشعري.

تلا عليه بالروايات أبو الكرم الشهرزوري.

قال ابن عقيل: هو شيخ هش، حسن العارضة، جاري العبارة، حفظة متدين صلف، تذاكرنا، فرأيته مملوءًا علمًا وحفظًا.

قلت: توفي في ذي الحجة، سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، عن نحوٍ من تسعين سنة.

وقال السلفي: كان مشارًا إليه في الكلام، قال لي: أنا أدرس الكلام من سنة ثلاث وأربعين، جرت بينه وبين الحنابلة فتن، وأوذي غاية الإيذاء، سألته عن مسألة الاستواء، فقال: أحد الوجهين للأشعري أنه يحمل على ما ورد ولا يفسر.

وقال أحمد بن شافع: قال ابن ناصر وجماعة: كان أصحاب القيرواني يشهدون عليه أنه لا يصلي ولا يغتسل من جنابه في أكثر أحواله، ويرمى بالفسق مع المرد، واشتهر بذلك، وادعى قراءة القرآن على ابن نفيس.

قلت: هذا كلام بهوى.

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى "5/ 217".

ص: 317

‌4665 - خُوروَسْتَ

(1)

:

الشيخ المسند، المقرئ الصالح، بقية المشيخة، أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن حسين بن الحارث الأصبهاني، المجلد، يعرف بخوروست، ويكنى أيضًا أبا الفتح.

ولد في حدود سنة خمس وعشرين وأربع مائة.

سمع: أبا الحسين بن فاذشاه، وأبا القاسم عبد الله بن محمد العطار المقرئ، وأبا بكر بن ريذه، وأحمد بن حسن بن فورك الأديب، وهارون بن محمد الناني، وعبد الملك بن الحسين بن عبد ربه، وأبا طاهر بن عبد الرحيم، وعدة، وعنده "المستخرج على صحيح مسلم" لأبي الشيخ يرويه عن أبي سعيد القرقوبي عنه، وعنده "مغازي ابن إسحاق" سمعه من ابن عبد الرحيم.

حدث عنه: الحافظ أبو موسى، والحافظ أبو العلاء العطار، وأبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصيدلاني.

قال أبو سعد السمعاني: كان شيخًا صالحًا يلقن الصبيان، ثم سرد شيوخه. مات: في جمادى الأولى، سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، وعاش أخوه أبو المظفر أحمد بعده سنوات، وشيخه ابن فورك ممن سمع من الطبراني.

ومات فيها: شيخ الحنابلة أبو الوفاء علي بن عقيل، وقاضي القضاة علي بن قاضي القضاة محمد بن علي الدامغاني، وأبو الفضل محمد بن الحسن السلمي ابن الموازيني، وأبو بكر محمد بن طرخان التركي، والعلامة أبو سعد المبارك بن علي المخرمي الحنبلي، وأبو عبد الله محمد بن عبد الباقي الدوري.

وفيها كشفت الفرنج عن مغارة الخليل عليه السلام وفتحوا عليه، وشوهد هو وابنه إسحاق وحفيده يعقوب لم يبلوا، ووجد عندهم قناديل الذهب والفضة، نقله حمزة بن أسد في "تاريخه".

(1)

ترجمته في العبر "4/ 30"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 41".

ص: 318

‌4666 - ابن مُفَوَّز

(1)

:

الحافظ البارع المجود، أبو بكر محمد بن حيدرة بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافري الشاطبي.

ولد في عام موت أبي عمر بن عبد البر سنة ثلاث وستين وأربع مائة، وأجاز له الشيخ أبو عمر بن الحذاء، والقاضي أبو الوليد الباجي.

وسمع من: عمه طاهر بن مفوز، وأبي علي الجياني، فأكثر، وأبي مروان بن سراج، ومحمد بن الفرج الطلاعي، وخلف شيخه أبا علي في حلقته.

وله ردٌّ على ابن حزم، وكان حافظًا للحديث، وعلله، عالما بالرجال، متقنًا أديبًا شاعرًا، فصيحًا نبيلًا، أسمع الناس بقرطبة، وفاجأه الموت قبل أوان الرواية، وعاش نيفًا وأربعين سنة.

توفي سنة خمسٍ وخمس مائة.

‌4667 - ابن حَمْدِين

(2)

:

العلامة قاضي الجماعة، أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عبد العزيز بن حمدين الأندلسي، المالكي، صاحب فنون ومعارف وتصانيف.

ولي القضاء ليوسف بن تاشفين الملك، فسار أحسن سيرة، وحمل عن أبيه.

روى عنه القاضي عياض وعظمه، وقال: توفي سنة ثمان وخمس مائة، ولي قضاء

قرطبة، وله إجازة من أبي عمر بن عبد البر، وأبي العباس بن دلهاث، وتفقه بأبيه، وبمحمد بن عتاب، وحاتم بن محمد، وكان ذكيا، بارعا في العلم، متفننًا أصوليًا، لغويًا، شاعرًا، حميد الأحكام.

مات في المحرم، لثلاث بقين منه، عن تسع وستين سنة.

وكان يحط على الإمام أبي حامد في طريقة التصوف، وألف في الرد عليه.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 567"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1060".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 570".

ص: 319

‌4668 - محمد بن طَرَخان

(1)

:

ابن بلتكين بن مبارز بجكم، الإمام الفاضل، المحدث المتقن، النحوي، أبو بكر التركي، البغدادي.

سمع: أبا جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وأبا محمد الصريفيني، وأبا الحسن بن الغريق، وابن النقور، ومن بعدهم، وصحب الحميدي ولازمه.

وكتب بخطه الكثير، وسمع كتاب "الإكمال" من الأمير أبي نصر، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق، وأخذ الكلام عن أبي عبد الله القيرواني، وكان يورق الناس، وخطه جيدٌ معرب، وكان ذا حظ من تأله وعبادة وأوراد، وزهد وصدق، يذكر بإجابة الدعوة.

حدث عنه: القاضي أبو بكر بن العربي، وعبد الجليل كوتاه، وأبو طاهر السلفي، وآخرون.

وثقة ابن ناصر.

توفي في ثامن عشر صفر، سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، عن سبع وستين سنة، وكان يفهم ويحفظ، رحمه الله.

‌4669 - ابن صابر:

الإمام المحدث، مفيد دمشق، أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر السلمي الدمشقي، المعروف بابن سيده.

سمع: أبا القاسم بن أبي العلاء المصيصي، وأبا عبد الله بن أبي الحديد، والفقيه نصرًا، وطبقتهم.

وعنه السلفي، وابن عساكر، وابنه أبو المعالي عبد الله بن صابر.

قال ابن عساكر: سمعنا بقراءته الكثير، وكان ثقة متحرزا، عاش خمسين سنة، توفي في رمضان، سنة إحدى عشرة وخمس مائة.

وقال السلفي: بخيل بالإفادة، وكان جسدًا ملئ حسدًا.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 215"، والعبر "4/ 30"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 106"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 14".

ص: 320

‌4670 - ابن القُشَيري

(1)

:

الشيخ الإمام، المفسر العلامة، أبو نصر عبد الرحيم بن الإمام شيخ الصوفية أبي القاسم عبد الكريم بن هوزان القشيري، النيسابوري، النحوي، المتكلم، وهو الولد الرابع من أولاد الشيخ.

اعتنى به أبوه، وأسمعه، وأقرأه حتى برع في العربية والنظم والنثر والتأويل، وكتب الكثير بأسرع خط، وكان أحد الأذكياء، لازم إمام الحرمين، وحصل طريقة المذهب والخلاف، وساد، وعظم قدره، واشتهر ذكره.

وحج، فوعظ ببغداد، وبالغ في التعصب للأشاعرة، والغض من الحنابلة، فقامت الفتنة على ساقٍ، واشتد الخطب، وشمر لذلك أبو سعد أحمد بن محمد الصوفي عن ساق الجد، وبلغ الأمر إلى السيف، واختبطت بغداد، وظهر مبادر البلاء، ثم حج ثانيا، وجلس، والفتنة تغلي مراجلها، وكتب ولاة الأمر إلى نظام الملك ليطلب أبا نصر بن القشيري إلى الحضرة إطفاءً للنائرة، فلما وفد عليه، أكرمه وعظمه، وأشار عليه بالرجوع إلى نيسابور، فرجع، ولزم الطريق المستقيم، ثم ندب إلى الوعظ والتدريس، فأجاب، ثم فتر أمره، وضعف بدنه، وأصابه فالج، فاعتقل لسانه إلا عن الذكر نحوًا من شهر، ومات.

سمع: أبا حفص بن مسرور، وأبا عثمان الصابوني، وعبد الغافر الفارسي، وأبا الحسين بن النقور، وسعد بن علي الزنجاني، وأبا القاسم المهرواني، وعدة.

حدث عنه: سبطه أبو سعد عبد الله بن عمر بن الصفار، وأبو الفتوح الطائي، وخطيب الموصل أبو الفضل الطوسي، وعبد الصمد بن علي النيسابوري، وعدة، وبالإجازة: أبو القاسم ابن عساكر، وأبو سعد السمعاني.

ذكره عبد الغافر في "سياقه"، فقال: هو زين الإسلام أبو نصر عبد الرحيم، إمام الأئمة، وحبر الأمة، وبحر العلوم، وصدر القروم، أشبههم بأبيه خلقًا، حتى كأنه شق منه شقًّا، كمل في النظم والنثر، وحاز فيهما قصب السبق، ثم لزم إمام الحرمين، فأحكم المذهب والأصول والخلاف، ولازمه يقتدي به، ثم خرج حاجًا، ورأى أهل بغداد فضله وكماله، ووجد من القبول ما لم يعهد لأحد، وحضر مجلسه الخواص، وأطبقوا على أنهم ما رأوا مثله في تبحره

إلى أن قال: وبلغ الأمر في التعصب له مبلغًا كاد أن يؤدي إلى الفتنة.

وقال أبو عمرو بن الصلاح: قال شيخنا أبو بكر القاسم بن الصفار: ولد أبي أبو سعد سنة ثمان وخمس مائة، وسمع من جده وهو ابن أربع سنين أو أزيد، والعجب أنه كتب بخطه الطبقة، وحيي إلى سنة ست مائة.

مات أبو نصر في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة، سنة أربع عشرة وخمس مائة في عشر الثمانين.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 220"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 207"، والعبر "4/ 33"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 45".

ص: 321

‌4671 - الدَّوري

(1)

:

الشيخ العالم، الثقة الصالح المسند، أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن محمد بن يسر الدوري، ثم البغدادي، السمسار.

ولد سنة أربعٍ وثلاثين وأربع مائة.

سمع: أبا بكر بن بشران، وأبا طالب العشاري، وأبا محمد الجوهري، وطائفة.

حدث عنه: أبو عامر العبدري، وابن ناصر، والسلفي، والصائن هبة الله، وذاكر بن كامل، وعدةٌ، وبالإجازة: عبد المنعم بن كليب.

قال أبو سعد السمعاني: كان شيخًا صالحًا ثقة خيرًا.

وقال ابن نقطة: هو محمد بن عبد الباقي بن محمد بن أبو اليسر.

قلت: توفي في صفر، سنة ثلاث عشرة وخمس مائة.

وفيها توفي ابن عقيل الحنبلي، وقاضي القضاة علي بن محمد بن علي بن الدامغاني، ومحمد بن الحسن بن الموازيني، ومحمد بن طرخان، ومحمد بن عبد الله خوروست، وأبو سعد المبارك بن علي المخرمي الحنبلي.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 31"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 41".

ص: 322

‌4672 - المُخَرِّمِي

(1)

:

العلامة، شيخ الحنابلة، أبو سعدٍ المبارك بن علي المخرمي، البغدادي.

تفقه بالقاضي أبي يعلى، ثم بأبي جعفر بن أبي موسى، ويعقوب بن سطورا البرزبيني، ولازمهما حتى ساد، وبنى مدرسةً بباب الأزج، درس بعده بها تلميذه الشيخ عبد القادر وكبرها، وكان نزهًا عفيفًا، ناب في القضاء، وحصل كتبًا عظيمة، وفتحت عليه الدنيا، وبنى دارًا وحمامًا وبستانًا.

وحدث عن أبي جعفر بن المسلمة، وأبي الغنائم بن المأمون، وتفقه به خلق.

روى عنه المبارك بن كامل.

مات في المحرم سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، وقد شاخ.

‌4673 - الأشْقَر

(2)

:

الشيخ الجليل الثقة، أبو منصور محمود بن إسماعيل بن محمد بن محمد بن عبد الله الأصبهاني الصيرفي الأشقر، راوي كتاب "المعجم الكبير" للطبراني عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن فاذشاه.

وسمع أيضًا من: أبي بكر محمد بن عبد الله بن شاذان الأعرج.

حدث عنه: إسماعيل بن محمد في كتاب "الترغيب"، وأبو طاهر السلفي، وأبو العلاء الهمداني، وأبو موسى المديني، وأبو بكر محمد بن أحمد المهاد، ومحمد بن إسماعيل الطرسوسي، ومحمد بن أبي زيد الكراني الخباز، وبالحضور أبو جعفر الصيدلاني، وهو محمود بن أبي العلاء.

مولده في ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وأربع مائة.

ومات -على ما أرخه أبو موسى-: في ذي القعدة، سنة أربع عشرة وخمس مائة.

قال السلفي: كان رجلًا صالحًا، له اتصال ببني منده، وبإفادتهم سمع الحديث.

وفيها مات: أبو المعالي أحمد بن محمد بن علي بن البخاري، وهو المبخر، أخو هبة الله، ومقرئ الثغر أبو علي الحسن بن خلف بن بليمة القروي، ورئيس البلغاء مؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي الطغرائي الأصبهاني، والحافظ أبو علي بن سكرة الصدفي، وأبو نصر عبد الرحيم بن أبي القاسم القشيري، ومقرئ المرية أبو الحسن بن شفيع، والمسند أبو الحسن علي بن الحسن بن الموازيني، وأبو نصر المعمر بن محمد بن الحسين البيع، وقاضي سمرقند العلامة أبو بكر محمود بن مسعود الشعيبي.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 215"، والعبر "4/ 31"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 40".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 34"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 221"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 46".

ص: 323

‌4674 - أبو علي بن المهدي

(1)

الشيخ الإمام، الخطيب الثقة الشريف، أبو علي محمد بن الشيخ أبي الفضل محمد بن عبد العزيز بن العباس بن المهدي بالله الهاشمي البغدادي، الحريمي.

سمع: أباه، وأبا طالب بن غيلان، وعبيد الله بن شاهين، وأبا الحسن أحمد بن محمد العتيقي، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا القاسم التنوخي، وعدة.

وكان ثقة مكثرًا معمرًا.

روى عنه السلفي: وأبو العلاء العطار، وابن ناصر، ودهبل بن كاره، وأخوه لاحق، وأحمد بن موهوب بن السدنك، وأخوه يحيى، وذاكر بن كامل، والمبارك بن المعطوش، وآخرون، وهو آخر من حدث عن أبي منصور محمد بن محمد بن السواق، وتفرد بإجازة محمد بن عبد الواحد بن رزمة.

مولده سنة اثنتين وثلاثين. قال عبد الوهاب الأنماطي: ثقة صالح.

وقال ابن النجار: ثقة نبيل من ظراف البغداديين، قال الأنماطي: دخلت عليه، فقال: اليوم كان عندي رسولان من رسل ملك الموت، فتبسمت، وقلت: كيف? قال: جاء جماعة حتى أشهدتهم على شهادة عندي، وجاء المحدثون ليسمعوا مني حتى يرووا عني. ثم قال: دخلت على أبي الحسين بن المهتدي بالله، واتفق له مثل هذا، فقال لي مثل ذلك.

قال الأنماطي: توفي ليلة السبت، سادس عشر شوال، سنة خمس عشرة وخمس مائة.

وهو آخر من مات من شهود القائم بأمر الله.

وفيها توفي: مسند الوقت أبو علي الحداد بأصبهان، وأمير الجيوش الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي، والوزير أبو طالب علي بن حرب السميرمي، وأبو القاسم علي بن جعفر بن القطاع اللغوي، وهزارسب بن عوض الهروي المحدث.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 230"، والعبر "4/ 35"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 222"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 48".

ص: 324

‌4675 - السُّمَيرِمي

(1)

:

الوزير الكبير، أبو طالب علي بن أحمد بن علي السميرمي، وزير السلطان محمود السلجوقي، صدر معظم، كبير الشأن، شديد الوطأة، ذو عسف وظلم، وسوء سيرة، وقف مدرسةُ بأصبهان، وعمل بها خزانة كتب نفيسة، وكان يقول: قد استحييت من كثرة الظلم والتعدي، ولما عزم على السفر، أخذ الطالع، وركب في موكب عظيم، وبين يديه عدة بالسيوف والحراب والدبابيس، قال ابن النجار: فمر بمضيق، وتقدمه الكل، وبقي منفردًا، فوثب عليه باطني من دكة، فضربه بسكين، فرقعت في البغلة، وهرب، فتبعه كل الأعوان، فوثب عليه آخر، فيضربه في خاصرته، وجذبه ورماه عن البغلة إلى الأرض وجرحه في أماكن، فرد الأعوان، فوثب اثنان فحملاهما والقاتل عليهم، فانهزم الجمع، وبقي الوزير، فكر قاتله، وجره، والوزير يستعطفه ويتضرع له، فما أقلع حتى ذبحه، وهو يكبر ويصيح: أنا مسلم موحد فقتل هو والثلاثة، وحمل الوزير إلى دار أخيه النصير، ثم دفن وذلك في سلخ صفر سنة ست عشرة وخمس مائة.

وقيل: إن الذي قتله عبدٌ كان للمؤيد الطغرائي وزير السلطان مسعود، فإن السميرمي قتل أستاذه ظلمًا، ونبزه بأنه فاسد الاعتقاد، وكل قاتل مقتول.

‌4676 - ابن القطَّاع

(2)

:

العلامة شيخ اللغة، أبو القاسم علي بن جعفر بن علي السعدي، الصقلي، ابن القطاع، نزيل مصر، ومصنف كتاب "الأفعال"، وما أغزر فوائده!، وله كتاب "أبنية الأسماء"، وله مؤلف في العروض، وكتاب في أخبار الشعراء.

أخذ بصقلية عن ابن البر اللغوي وغيره، وأحكم النحو، وتحول من صقلية، ثم استولت النصارى عليها بعد الستين وأربع مائة، فاحتفل المصريون لقدومه وصدوره، وسمعوا منه "صحاح" الجوهري، ولم يكن بالمتقن للرواية، وله نظم جيد وفضائل.

توفى سنة خمس عشرة وخمس مائة، عن اثنتين وثمانين سنة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 239"، والعبر "4/ 38"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 50".

(2)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 322"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "12/ 18"، ولسان الميزان "4/ 209"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 45".

ص: 325

‌4677 - إيلغازي

(1)

:

الملك نجم الدين ابن الأمير أرتق بن أكسب التركماني، صاحب ماردين، كان هو وأخوه الأمير سقمان من أمراء تاج الدولة تتش صاحب الشام، فأقطعهما القدس، وجرت لهما سير، ثم أستولى إيلغازي على ماردين.

وكان ذا شجاعة، ورأى، وهيبة وصيت، حارب الفرنج غير مرة، وأخذ حلب بعد أولاد رضوان بن تتش، واستولى على ميافارقين وغيرها قبل موته بسنة، ثم سار منجدًا لأهل تفليس هو وزوج بنته ملك العرب دبيس الأسدي، وانضم إليهما طغان صاحب أرزن، وطغريل أخو السلطان محمود السلجوقي، وساروا على غير تعبئة، فانحدر عليهم داود طاغية الكرج، فكبسهم، فهزمهم، ونازل اللعين تفليس وأخذها بالسيف، وبدع، ثم جعلهم رعية له، وعدل ومكنهم من شعار الإسلام، وأمر أن لا يذبح فيها خنزير، وبقي يجيء ويسمع الخطبة، ويعطي الخطيب والمؤذنين الذهب، وعمر ربطًا للصوفة، وكان جوادًا محترمًا للمسلمين.

وأما إيلغازي، فتوفي في رمضان، بميافارقين، سنة ست عشرة، فهذا أول من تملك ماردين، واستمرت في يد ذريته إلى الساعة، فأخذ ميافارقين ابنه شمس الدولة سليمان، واستولى ابنه حسان الدين تمرتاش على ماردين، واستولى على حلب ابن أخيه الأمير سليمان بن عبد الجبار بن أرتق، إلى أن أخذها منه ابن عمه بلك بن بهرام.

وقال سبط ابن الجوزي: توفي إيلغازي سنة خمس عشرة، وكان تحته بنت صاحب دمشق طغتكين، وتزوج ابنه سليمان ببنت صاحب الروم، فمات سنة ثماني عشرة، فتسلم تمرتاش ميافارقين.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 36"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 223"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 48".

ص: 326

‌4678 - الحنَّائي

(1)

:

الشيخ الجليل الثقة، أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد بن إبراهيم الحنائي، الدمشقي، من أهل بيت حديث وعدالة، وسنة وصدق.

سمع: أباه أبا القاسم الحنائي، وأبا الحسين محمد بن العفيف عبد الرحمن بن أبي نصر، وأخاه أبا علي أحمد، ومحمد بن يحيى بن سلوان، ومحمد بن عبد الواحد الدارمي، وابن سختام، وأبا علي الأهوازي، ورشأ بن نظيف، ومحمد بن عبد السلام بن سعدان، والحسن بن علي بن شواش، وعدة، وتفرد بأجزاء كثيرة.

حدث عنه: السلفي، والصائن بن عساكر، وأخوه الحافظ، والخضر بن شبل الحارثي، وأبو طاهر بن الحصني، والخضر بن طاووس، والفضل بن البانياسى، وأبو المعالي بن صابر، وآخرون.

واعتنى به والده، وأول سماعه كان في سنة تسع وثلاثين وأربع مائة، وله ست سنين.

مات في ثالث جمادي الآخرة، سنة عشر وخمس مائة، وله سبع وسبعون سنة.

‌4679 - ابن الموازيني

(2)

:

الشيخ العالم المسند، المقرئ الثقة، شيخ دمشق، أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين بن علي السلمي، الدمشقي، ابن الموازيني.

مولده في رجب، سنة ثلاثين وأربع مائة.

وسمع: أبا علي أحمد، وأبا الحسين محمدًا: ابنى عبد الرحمن بن أبي نصر، ورشأ بن نظيف، وأبا عبد الله بن سلوان، ومحمد بن عبد السلام بن سعدان، وأبا القاسم بن الفرات، وأبا علي الأهوازي، وعبد الله بن علي بن أبي عقيل، وعدة، وتفرد وعلا إسناده.

حدث عنه: السلفي، ومحمد بن حمزة، وأبو القاسم ابن عساكر، وحفيده أحمد بن حمزة بن الموازيني، وعبد الرزاق بن نصر النجار، وعبد الرحمن بن علي بن الخرقي، والفضل بن الحسين البانياسي، وخلق.

قال السلفي: كان حسن الأخلاق، مرضي الطريقة، شيوخه هم شيوخ أبي طاهر الحنائي، سمعا معًا الكثير.

وقال ابن عساكر: شيخ مستور ثقة، حافظ للقرآن، سمعت منه أجزاء يسيرة. مات: سنة أربع عشرة وخمس مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "4/ 245"، والعبر "4/ 21"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 29".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 33"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 221"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 46".

ص: 327

أخوه:

‌4680 - محمد بن الحسن

(1)

:

الشيخ الإمام الفرضي الفقيه العابد، أبو الفضل محمد بن الحسن ابن الموازيني.

سمع: ابن سلوان، وأبا القاسم بن الفرات، وأبا الحسين محمد بن مكي، وعدة.

حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، والفضل بن البانياسي، وجماعة.

ولد سنة ثمان وثلاثين وأربع مائة.

ومات في رجب، سنة ثلاث عشرة وخمس مائة.

‌4681 - البغوي

(2)

:

الشيخ الإمام، العلامة القدوة الحافظ، شيخ الإسلام، محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي، الشافعي، المفسر، صاحب التصانيف، كـ "شرح السنة" و "معالم التنزيل" و "المصابيح"، وكتاب " التهذيب" في المذهب، و "الجمع بين الصحيحين"، و "الأربعين حديثًا"، وأشياء.

تفقيه على شيخ الشافعية القاضي حسين بن محمد المروروذي صاحب "التعليقة" قبل الستين وأربع مائة.

وسمع: منه، ومن: أبي عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي، وأبي الحسن محمد بن محمد الشيرزي، وجمال الإسلام أبي الحسن عبد الرلحمن بن محمد الداوودي، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وأبي الحسن علي بن يوسف الجويني، وأبي الفضل زياد بن محمد الحنفي،

(1)

ترجمته في العبر "4/ 30"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 41".

(2)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 136"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1062"، والعبر "4/ 37"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 75"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 223"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 48".

ص: 328

وأحمد بن أبي نصر الكوفاني، وحسان المنيعي، وأبي بكر محمد بن أبي الهيثم الترابي، وعدة. وعامة سماعاته في حدود الستين وأربع مائة، وما علمت أنه حج.

حدث عنه: أبو منصور محمد بن أسعد العطاري عرف بحفدة، وأبو الفتوح محمد بن محمد الطائي، وجماعة. وآخر من روى عنه بالإجازة: أبو المكارم وفضل الله بن محمد النوقاني، الذي عاش إلى سنة ست مائة، وأجاز لشيخنا الفخر بن علي البخاري.

وكان البغوي يلقب بمحيي السنة وبركن الدين، وكان سيدًا إمامًا، عالمًا علامة، زاهدًا قانعًا باليسير، كان يأكل الخبز وحده، فعذل في ذلك، فصار يأتدم بزيت، وكان أبوه يعمل الفراء ويبيعها، بورك له في تصانيفه، ورزق فيها القبول التام، لحسن قصده، وصدق نيته، وتنافس العلماء في تحصيلها، وكان لا يلقى الدرس إلى على طهارة، وكان مقتصدًا في لباسه، له ثوب خام، وعمامة صغيرة على منهاج السلف حالًا وعقدًا، وله القدم الراسخ في التفسير، والباع المديد في الفقه، رحمه الله.

توفي بمرو الروذ -مدينة من مدائن خراسان- في شوال، سنة ست عشرة وخمس مائة، ودفن بجنب شيخه القاضي حسين، وعاش بضعًا وسبعين سنة، رحمه الله.

ومات أخوه العلامة المفتي أبو علي الحسن بن مسعود بن الفراء سنة تسع وعشرين، وله إحدى وسبعون سنة، روى عن أبي بكر بن خلف الأديب وجماعة.

أخبرنا عمر بن إبراهيم الأديب، وعبد الخالق بن علوان القاضي، وأحمد بن محمد بن سعد، وإسماعيل بن عميرة، وأحمد بن عبد الحميد القدامى، وأحمد بن عبد الرحمن الصوري، وخديجة بنت عبد الرحمن، قالوا: أخبرنا محمد بن الحسين بن بهرام الصوفي سنة اثنتين وعشرين وست مائة، أخبرنا محمد بن أسعد الفقيه سنة سبع وستين وخمس مائة، أخبرنا محيي السنة حسين بن مسعود، أخبرنا محمد بن محمد الشيرزي، أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد، أخبرنا أبو مصعب الزهري، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، أنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح، فينصرف النساء متلفعات بمروطهن، ما يعرفن من الغلس

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "578"، ومسلم "645"، وأبو داود "423"، والترمذي "153".

ص: 329

‌4682 - ابن عَقيل

(1)

:

الإمام العلامة البحر، شيخ الحنابلة، أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي، الظفري، الحنبلي، المتكلم، صاحب التصانيف، كان يسكن الظفرية، ومسجده بها مشهور.

ولد سنة إحدى وثلاثين وأربع مائة.

وسمع: أبا بكر بن بشران، وأبا الفتح بن شيطا، وأبا محمد الجوهري، والحسن بن غالب المقرئ، والقاضي أبا يعلى بن الفراء، وتفقه عليه. وتلا بالعشر على: أبي الفتح بن شيطا. وأخذ العربية عن: أبي القاسم بن برهان. وأخذ علم العقليات عن شيخي الاعتزال: أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان صاحبي أبي الحسين البصري، فانحرف عن السنة.

وكان يتوقد ذكًاء، وكان بحر معارف، وكنز فضائل، لم يكن له في زمانه نظير على بدعته، وعلق كتاب "الفنون"، وهو أزيد من أربع مائة مجلد، حشد فيه كل ما كان يجري له مع الفضلاء والتلامذة، وما يسنح له من الدقائق والغوامض، وما يسمعه من العجائب والحوادث.

حدث عنه: أبو حفص المغازلي، وأبو المعمر الأنصاري، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وأبو بكر السمعاني، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفضل خطيب الموصل، وابن ناصر، وآخرون.

أنبؤونا عن حماد الحراني، سمع السلفي يقول: ما رأت عيني مثل أبي الوفاء بن عقيل الفقيه، ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه، وحسن إيراده، وبلاغة كلامه، وقوة حجته، تكلم يومًا مع شيخنا إلكيا أبي الحسن، فقال له إلكيا: هذا ليس مذهبك. فقال: أكون مثل أبي على الجبائي، وفلان وفلان لا أعلم شيئًا؟! أنا لي اجتهاد متى ما طالبني خصم بالحجة، كان عندي ما أدفع به عن نفسي وأقوم له بحجتي. فقال إلكيا: كذاك الظن بك.

وقال ابن عقيل: عصمني الله في شبابي بأنواع من العصمة، وقصر محبتي على العلم، وما خالطت لعابًا قط، ولا عاشرت إلا أمثالي من طلبة العلم، وأنا في عشر الثمانين أجد من الحرص على العلم أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين، وبلغت لاثنتي عشرة سنة، وأنا اليوم

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 212"، والعبر "4/ 29"، وميزان الاعتدال "3/ 146" ولسان الميزان "4/ 243"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 219"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 35".

ص: 330

لا أرى نقصًا في الخاطر والفكر والحفظ، وحدة النظر بالعين لرؤية الأهلة الخفية إلَّا أن القوة ضعيفة.

قال ابن الجوزي: كان ابن عقيل دينًا، حافظًا للحدود، توفي له ابنان، فظهر منه من الصبر ما يتعجب منه، وكان كريمًا ينفق ما يجد، وما خلف سوى كتبه وثياب بدنه، وكانت بمقدار، توفي بكرة الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى، سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، وكان الجمع يفوت الإحصاء، قال ابن ناصر شيخنا: حزرتهم بثلاث مائة ألف.

قال المبارك بن كامل: صلي على شيخنا بجامع القصر، فأمهم ابن شافع، وكان الجمع ما لا يحصى، وحمل على جامع المنصور، فصلي عليه، وجرت فتنةٌ، وتجارحوا، ونال الشيخ تقطيع كفن، ودفن قريبًا من الإمام أحمد.

وقال ابن الجوزي أيضًا فيه: هو فريد فنه، وإمام عصره، كان حسن الصورة، ظاهر المحاسن. قال: قرأت على القاضي أبي يعلى من سنة سبع وأربعين وإلى أن توفي، وحظيت من قربه بما لم يحظ به أحد من أصحابه مع حداثة سني، وكان أبو الحسن الشيرازي إمام الدنيا وزاهدها، وفارس المناظرة وواحدها، يعلمني المناظرة، وانتفعت بمصنفاته

، ثم سمى جماعة من شيوخه.

ثم قال: وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء، وكان ذلك يحرمني علمًا نافعًا.

قلت: كانوا ينهونه عن مجالسة المعتزلة، ويأبى حتى وقع في حبائلهم، وتجسر على تأويل النصوص، نسأل الله السلامة.

قال: وأقبل علي الشيخ أبو منصور بن يوسف، وقدمني على الفتاوي، وأجلسني في حلقة البرامكة بجامع المنصور لما مات شيخنا في سنة ثمان وأربع مائة، وقام بكل مؤنتي وتجملي.

وأما أهل بيتي، فإنهم أرباب أقلام وكتابة وأدب، وعانيت من الفقر والنسخ بالأجرة مع عفة وتقى، ولم أزاحم فقيها في حلقة، ولا تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة عن الفائدة، وأوذيت من أصحابي، حتى طلب الدم، وأوذيت في دولة النظام بالطلب والحبس.

وفي "تاريخ ابن الأثير" قال: كان قد اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته على ابن الوليد، فأراد الحنابلة قتله، فاستجار بباب المراتب عدة سنين، ثم أظهر التوبة.

ص: 331

وقال ابن عقيل في "الفنون": الأصلح لاعتقاد العوام ظواهر الآي، لأنهم يأنسون بالإثبات، فمتى محونا ذلك من قلوبهم، زالت الحشمة.

قال: فتهافتهم في التشبيه أحب إلينا من إغراقهم في التنزيه، لأن التشبيه يغمسهم في الإثبات، فيخافون ويرجون، والتنزيه يرمي بهم إلى النفي، فلا طمع ولا مخافة في النفي، ومن تدبر الشريعة، رآها غامسة للمكلفين في التشبيه بالألفاظ الظاهرة التي لا يعطي ظاهرها سواه، كقول الأعرابي: أويضحك ربنا? قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم"

(1)

، فلم يكفهر لقوله، تركه وما وقع له.

قلت: قد صار الظاهر اليوم ظاهرين: أحدهما حق، والثاني باطل، فالحق أبو يقول: إنه سميع بصير، مريد متكلم، حي عليم، كل شيء هالك إلَّا وجهه، خلق آدم بيده، وكلم موسى تكليمًا، واتخذ إبراهيم خليلًا، وأمثال ذلك، فنمره على ما جاء، ونفهم منه دلالة الخطاب كما يليق به تعالى، ولا نقول: له تأويل يخالف ذلك.

والظاهر الآخر وهو الباطل، والضلال: أن تعتقد قياس الغائب على الشاهد، وتمثل البارئ بخلقه، تعالى الله عن ذلك، بل صفاته كذاته، فلا عدل له، ولا ضد له، ولا نظير له، ولا مثيل له، ولا شبيه له، وليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، وهذا أمرٌ يستوي فيه الفقيه والعامي، والله أعلم.

قال السلفي: سمعت ابن عقيل يقول: كان جدي كاتب بهاء الدولة بن بويه، وهو الذي كتب نسخة عزل الطائع، وتولية القادر، وهي عندي بخط جدي.

وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: حكى ابن عقيل عن نفسه قال: حججت، فالتقطت عقد لؤلؤ فيه خيط أحمر، فإذا شيخ أعمى ينشده، ويبذل لملتقطه مائة دينار، فرددته عليه، فقال: خذ الدنانير، فامتنعت. وخرجت إلى الشام، وزرت القدس، وقصدت بغداد، فأويت بحلب إلى مسجد وأنا بردان جائع، فقدموني، فصليت بهم، فأطعموني، وكان أول رمضان، فقالوا: إمامنا توفي، فصل بنا هذا الشهر، ففعلت، فقالوا: لإمامنا بنتٌ، فزوجت

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 11"، وابن ماجه "1/ 181"، من طريق يزيد بن هارون، أنبأنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدس، عن عمه أبي رزين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره" قال: قلت: يا رسول الله أو يضحك الرب؟ قال: نعم. قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرًا.

قلت: إسناده ضعيف، آفته وكيع بن عدس، قال الذهبي في "الميزان": لا يعرف.

ص: 332

بها، فأقمت معها سنة، وأولدتها ولدا ذكرا، فمرضت في نفاسها، فتأملتها يوما فإذا في عنقها العقد بعينه بخيطه الأحمر، فقلت لها: لهذا قصة، وحكيت لها، فبكت، وقالت: أنت هو والله، لقد كان أبي يبكي، ويقول: اللهم ارزق بنتي مثل الذي رد العقد علي، وقد استجاب الله منه، ثم ماتت، فأخذت العقد والميراث، وعدت إلى بغداد.

وحكى عن نفسه، قال: كان عندنا بالظفرية دارٌ، كلما سكنها ناسٌ أصبحوا موتى، فجاء مرة رجلٌ مقرئ، فاكتراها، وارتضى بها، فبات بها وأصبح سالمًا، فعجب الجيران، وأقام مدةً، ثم انتقل، فسئل، فقال: لما بت بها، صليت العشاء، وقرأت شيئًا، وإذا شاب قد صعد من البئر، فسلم علي، فبهت، فقال: لا بأس عليك، علمني شيئًا من القرآن، فشرعت أعلمه، ثم قلت: هذه الدار، كيف حديثها? قال: نحن جن مسلمون، نقرأ ونصلي، وهذه الدار ما يكتريها إلَّا الفساق، فيجتمعون على الخمر، فنخنقهم، قلت: ففي الليل أخافك، فجئ نهارًا، قال: نعم، فكان يصعد من البئر في النهار، وألفته، فبينما هو يقرأ، إذا بمعزم في الدرب يقول: المرقي من الدبيب، ومن العين، ومن الجن، فقال: أيشٍ هذا? قلت: معزم، قال: اطلبه، فقمت وأدخلته، فإذا بالجني قد صار ثعبانًا في السقف، فعزم الرجل، فما زال الثعبان يتدلى حتى سقط في وسط المندل، فقام ليأخذه ويضعه في الزنبيل، فمنعته، فقال: أتمنعني من صيدي?! فأعطيته دينارًا وراح، فانتفض الثعبان، وخرج الجني، وقد ضعف واصفر وذاب، فقلت: ما لك? قال: قتلني هذا بهذه الأسامي، وما أظنني أفلح، فاجعل بالك الليلة، متى سمعت من البئر صراخًا، فانهزم. قال: فسمعت تلك الليلة النعي، فانهزمت. قال ابن عقيل: وامتنع أحد أن يسكن تلك الدار بعدها.

أخبرنا إسماعيل بن طارق، أخبرنا أبو البقاء يعيش، أخبرنا عبد الله بن أحمد الخطيب، أخبرنا علي بن عقيل الفقيه، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا القطيعي، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا هوذة، حدثنا عوف، عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس، إذ أتاه رجلٌ، فقال: إنما معيشتي من التصاوير، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صور صورة، عذبه الله يوم القيامة حتى ينفخ فيها، وليس بنافخ فيها أبدًا"

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "2225"، ومسلم "2110"، والنسائي "8/ 215"، وأحمد "1/ 241" من حديث ابن عباس، به.

ص: 333

‌4683 - ابن أبي عِمامَة

(1)

:

المفتي الواعظ الكبير، أبو سعد المعمر بن علي بن المعمر بن أبي عمامة البغدادي، الحنبلي.

ولد سنة تسع وعشرين وأربع مائة.

وسمع: من ابن غيلان، وأبي محمد بن المقتدر، والحسن بن محمد الخلال، وعبد العزيز بن علي الأزجي، وأبي القاسم التنوخي، وروى اليسير.

حدث عنه: ابن ناصر، وأبو المعمر الأنصاري.

قال ابن النجار: درس الفقه على شيوخ زمانه، وأفتى وناظر، وحفظ من الآداب والشعر والنوادر في الجد والهزل ما لم يحفظه غيره، وانفرد بالوعظ، وانتفعوا بمجالسه، فكان يبكي الناس ويضحكهم، وله قبول عظيم عند الخاص والعام، وكان له من حدة الخاطر، وخفة الروح ما شاع وذاع واتفق عليه الإجماع، وكان يؤم بالإمام المقتدى بأمر الله في التراويح وينادمه.

مات في ربيع الأول، سنة ست وخمس مائة، وشيعه خلق كثير، وساق ابن النجار نوادر وطيب مزاح له.

أخوه:

‌4684 - عثمان بن علي

(2)

:

الشيخ المعمر، أبو المعالي عثمان بن علي بن المعمر بن أبي عمامة البغدادي، البقال.

سمع من: أبي طالب بن غيلان، وعمربن عبد الملك الرزان، وقرأ الأدب على: عبد الواحد بن برهان، والحسن بن محمد الدهان، وروى قليلًا.

قال ابن النجار: كان عسرًا، غير مرضى السيرة، يخل بالصلوات، ويرتكب المحظورات، روى عنه ابن الإخوة، والسلفي. قال السلفي: قرأ اللغة على ابن برهان إلا أن في عقله خللًا، وهو حسن الطريقة.

وقال السمعاني: سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: رأينا أبا المعالي ابن أبي عمامة في جامع المنصور، ومعنا جزء، فأردنا أن نقرأه عليه، فسألناه، فأبى، فألححنا عليه، فرفع صوته، وقال: أيها الناس، اشهدوا أني كذاب، ثم قال: لا يحل لكم أن تسمعوا من كذاب، قوموا، قال: وكان شاعرًا هجاءً، خبيث اللسان.

مات في ربيع الأول، سنة سبع عشرة وخمس مائة، وله إحدى وتسعون سنة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 173"، والعبر "4/ 11"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 205"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 14".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 248"، وميزان الاعتدال "3/ 49"، ولسان الميزان "4/ 148".

ص: 334

‌4685 - الطُّغْرَائي

(1)

:

العميد، فخر الكتاب، مؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الأصبهاني المنشئ، الشاعر، ذو باع مديد في الصناعتين، وله لامية العجم بديعة، وما أملح قوله:

يا قلب مالك والهوى من بعد ما

طاب السلو وأقصر العشاق

أوَما بدا لك في الإفاقة والألى

نازعتهم كأس الغرام أفاقوا

مرض النسيم وصح والداء الذي

تشكوه لا يرجى له إفراق

وهذا خفوق البرق والقلب الذي

تطوى عليه أضالعي خفاق

قتل سنة أربع عشرة وخمس مائة.

‌4686 - السَّعِيدي

(2)

:

الشيخ العلامة، البارع المعمر، شيخ العربية واللغة، أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال بن عبد الواحد السعيدي، المصري، الأديب.

مولده في المحرم، سنة عشرين وأربع مائة.

ولو سمع في صباه، لسمع من مسند مصر أبي عبد الله بن نظيف الفراء.

وقد سمع في الكبر من القاضي أبي عبد الله القضاعي، وعبد العزيز بن الحسن الضراب، وكريمة المروزية، فجاور، وسمع منها "صحيح البخاري".

حدث عنه: السلفي، والشريف أبو الفتوح الخطيب، وإسماعيل بن علي النحوي، ومنجب المرشدي، وأبو القاسم هبة الله البوصيري، وآخرون.

أرخ السلفي مولده، وقال: كان شيخ مصر في عصره في اللغة.

توفي في ربيع الآخر، سنة عشرين وخمس مائة، وله مائة سنة وثلاثة أشهر. ذكره العماد الكاتب، فقال: عمل في مسافر العطار:

يا عنق الإبريق من فضة

ويا قوام الغصن الرطب

هبك تجافيت وأقصيتني

تقدر أن تخرج من قلبي

(1)

ترجمته في العبر "4/ 32"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 185"، والعبر "4/ 32"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 220"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 41".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 47"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1271"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 62".

ص: 335

‌4687 - ابن بَرْهان

(1)

:

العلامة الفقيه، أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان بن الحمامي، البغدادي، الشافعي.

كان أحد الأذكياء، بارعًا في المذهب وأصوله، من أصحاب ابن عقيل، ثم تحول شافعيًا، ودرس بالنظامية.

تفقه بالشاشي والغزالي.

وسمع من: النعالي، وابن البطر، وبقراءته سمع ابن كليب "الصحيح" من أبي طالب الزينبي.

قال ابن النجار: كان خارق الذكاء، لا يكاد يسمع شيئًا إلَّا حفظه، حلالًا للمشكلات، يضرب به المثل في تبحره، تصدر للإفادة مدة، وصار من أعلام الدين، مات كهلًا سنة ثماني عشرة وخمس مائة.

‌4688 - أبو عدنان:

الشيخ الجليل، المعمر النبيل، أبو عدنان محمد بن أحمد بن الشيخ أبي عمر المطهر بن أبي نزار محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن بجير الربعي، الأصبهاني.

ولد سنة أربع وثلاثين وأربع مائة.

سمع "المعجم الصغير" من أبي بكر بن ريذه، وسمع من جده المطهر، وجعفر بن محمد بن جعفر، وسمع كتاب "الرهبان" للأسلي، من أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر الذكواني، وكتاب "شيوخ شعبة" للطيالسي منه عن أبي الشيخ، وكتاب "العيد" لأبي الشيخ، وكتاب "الأطعمة" لابن أبي عاصم، وكتاب "السنة" ليعقوب الفسوي، وكتاب "المحنة" جمع صالح بن أحمد.

حدث عنه: أبو العلاء العطار، وأبو موسى المديني، ويحيى بن محمود الثقفي وآخرون.

قال السمعاني: هو شيخ، سديد، صالح، هو أبو شيخينا عبد المغيث وعبد الجليل.

قال أبو موسى: توفي في شهر ربيع الأول، سنة ست عشرة وخمس مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 250"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 99"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "7/ 207"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 30"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 61".

ص: 336

‌4689 - العَلَوي

(1)

:

الشيخ الكبير، شيخ الصوفية بأصبهان، السيد أبو محمد حمزة بن العباس بن علي العلوي الحسيني، الأصبهاني، الصوفي، مكثر عن أبي طاهر بن عبد الرحيم، وكان مقدم الطائفة، ويعرف ببرطلة.

روى عنه: السلفي، وأبو سعد الصائغ، وأبو موسى المديني، ومحمد بن عبد الخالق بن أبي شكر الجوهري، وعفيفة الفارفانية خاتمة أصحابه، وذكره السمعاني في شيوخه بالإجازة.

توفي في سادس عشر جمادى الأولى، سنة سبع عشرة وخمس مائة.

‌4690 - ابن سارة

(2)

:

شاعر الأندلس، أبو محمد عبد الله بن محمد بن صارة، ويقال: سارة -اللغوي، الشنتريني، نزيل إشبيلية.

نسخ بخطه المليح للناس كثيرًا، ومدح الأمراء، وكتب لبعضهم، وله "ديوان" مشهور. توفي سنة سبع عشرة وخمس مائة.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 40"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 55".

(2)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 93"، والعبر "4/ 40"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 55".

ص: 337

‌4691 - الحريري

(1)

:

العلامة البارع، ذو البلاغتين، أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان البصري الحرامي الحريري، صاحب "المقامات".

ولد بقرية المشان من عمل البصرة.

وسمع من: أبي تمام محمد بن الحسن بن موسى، وأبي القاسم الفضل القصباني، وتخرج به في الأدب.

قال ابن افتخار: قدم الحريري بغداد، وقرأ على علي بن فضال المجاشعي، وتفقه على ابن الصباغ، وأبي إسحاق الشيرازي، وقرأ الفرائض على الخبري، ثم قدم بغداد سنة خمس مائة، وحدث بها بجزء من حديثه وبمقاماته، وقد أخذ عليه فيها ابن الخشاب أوهامًا يسيرة اعتذر عنها ابن بري.

قلت: وأملى بالبصرة مجالس، وعمل "درة الغواص في وهم الخواص"، و "الملحة" وشرحها، و "ديوانًا" في الترسل، وغير ذلك، وخضع لنظمه نثره البلغاء.

روى عنه: ابنه؛ أبو القاسم عبد الله، والوزير علي بن طراد، وقوام الدين علي بن صدقة، والحافظ ابن ناصر، وأبو العباس المندائي، وأبو بكر بن النقور، ومحمد بن أسعد العراقي، والمبارك بن أحمد الأزجي، وعلي بن المظفر الظهيري، وأحمد بن الناعم، ومنوجهر بن تركانشاه، وأبو الكرام الكرابيسي، وأبو علي بن المتوكل، وآخرون.

وآخر من روى عنه بالإجازة أبو طاهر الخشوعي الذي أجاز لشيوخنا، فعن الحريري قال: كان أبو زيد السروجي شيخًا شحاذًا بليغًا، ومكديًا فصيحًا، ورد البصرة علينا، فوقف في مسجد بني حرام، فسلم، ثم سأل، وكان الوالي حاضرًا، والمسجد غاص بالفضلاء، فأعجبتهم فصاحته، وذكر أسر الروم ولده كما ذكرنا في "المقامة الحرامية" فاجتمع عندي جماعةٌ، فحكيت أمره، فحكى لي كل واحد أنه شاهد منه في مسجد مثل ما شاهدت، وأنه سمع منه معنى في فصل، وكان يغير شكله، فتعجبوا من جريانه في ميدانه، وتصرفه في

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "4/ 95 و 121"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 241"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "16/ 261"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 63"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1257"، والعبر "4/ 38"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 63"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1257"، والعبر "4/ 38"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 266"، والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردى "5/ 225"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 50".

ص: 338

تلونه، وإحسانه، وعليه بنيت هذه المقامات. نقل هذه القصة التاج المسعودي، عن ابن النقور عنه.

قلت: اشتهرت المقامات، وأعجبت وزير المسترشد شرف الدين أنوشروان القاشاني، فأشار عليه بإتمامها، وهو القائل في الخطبة: فأشار من إشارته حكمٌ، وطاعته غنمٌ.

وأما تسميته الراوي لها بالحارث بن همام، فعنى به نفسه أخذا بما ورد في الحديث:"كلكم حارث، وكلكم همَّام"

(1)

فالحارث: الكاسب، والهمام: الكثير الاهتمام، فقصد الصفة فيهما، لا العلمية.

وبنو حرام: بحاء مفتوحة وراء، والمشان بالفتح: بليدة فوق البصرة معروفة بالوخم.

قال ابن خلكان: وجدت في عدة تواريخ أن الحريري صنف "المقامات" بإشارة أنوشروان، إلى أن رأيت بالقاهرة نسخة بخط المصنف، وقد كتب أنه صنفها للوزير جلال الدين أبي علي بن صدقة وزير المسترشد، فهذا أصح، لأنه بخط المصنف.

وفي "تاريخ النحاة" للقفطي أن أبا زيد السروجي اسمه مطهر ابن سلار، وكان بصريًا لغويًا، صحب الحريري، وتخرج به، وتوفي بعد عام أربعين وخمس مائة، سمع أبو الفتح المندائي منه "الملحة" بسماعه من الحريري.

وقيل: إن الحريري عمل المقامات أربعين وأتى بها إلى بغداد، فقال بعض الأدباء: هذه لرجل مغربي مات بالبصرة، فادعاها الحريري، فسأله الوزير عن صناعته، فقال: الأدب، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعةٍ عينها، فانفرد وقعد زمانا لم يفتح عليه ما يكتبه، فقام خجلًا.

وقال علي بن أفلح الشاعر:

شيخٌ لنا من ربيعة الفرس

ينتف عثنونه من الهوس

أنطقه الله بالمشان كما

رماه وسط الديوان بالخرس

(1)

ورد عند أبي داود "4950" والنسائي "6/ 218 - 219"، وأحمد "4/ 345" من حديث أبي وهب الجشمي مرفوعًا بلفظ: - "تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة". وهو حديث صحيح دون قوله: "تسموا بأسماء الأنبياء" فإنها ضعيفة لا تصح.

ص: 339

وكان يذكر أنه من ربيعة الفرس، وكان يعبث بلحيته، فلما رد إلى بلده، كملها خمسين ونفذها، واعتذر عن عيه بالهيبة.

وقيل: بل كره المقامة ببغداد، فتجاهل، وقبّل صغيرًا بحلقة. وكان غنيًا له ثمانية عشر ألف نخلة.

وقيل: كان عفشًا زري اللباس فيه بخل، فنهاه الأمير عن نتف لحيته، وتوعده، فتكلم يومًا بشيء أعجب الأمير، فقال: سلني ما شئت، قال: أقطعني لحيتي، فضحك، وقال: قد فعلت.

توفي الحريري في سادس رجب، سنة ست عشرة وخمس مائة بالبصرة، وخلَّف ابنين: نجم الدين عبد الله، وقاضي البصرة ضياء الإسلام عبيد الله، وعمره سبعون سنة.

ص: 340

‌4692 - ابن السَّمَرْقَندي

(1)

:

الشيخ الإمام، المحدث المتقن، أبو محمد عبد الله بن المقرئ المحقق أحمد بن عمر بن أبي الأشعث بن السمرقندي، الدمشقي المولد، البغدادي الدار، اللغوي، أخو المحدث إسماعيل.

سمع: أبا بكر الخطيب، وعبد العزيز الكتاني، وأبا نصر بن طلاب، وعبد الدائم الهلالي بدمشق، وأبا الحسين بن النقور، والصريفيني، وعدةً ببغداد، وعبد الرحمن بن محمد بن عفيف ببوشنج، وعلي بن موسى الموسوي بمرو، وكامل بن إبراهيم الخندقي بجرجان، والفضل بن المحب، وعدةٌ بنيسابور، وأبا منصور بن شكرويه وطبقته بأصبهان.

وعني بالحديث، وكتب الكثير، وكان يفهم ويدري، مع الإتقان والتحري والدين، وسعة الأدب، وكان يقرأ لنظام الملك على الشيوخ، ويفيده.

خرج لنفسه "المعجم".

مولده سنة " (444) ".

حدث عنه: السلفي، وقال: كان فاضلًا عالمًا، ثقةً، ذا لسنٍ وعربيةٍ، إذا قرأ أعرب وأغرب.

قلت: مات في ربيع الآخر سنة ست عشرة وخمس مائة، وكان أبوه من كبار تلامذة أبي علي الأهوازي في القراءات، وسيأتي أخوه إسماعيل بن السمرقندي.

قال ابن النجار: كان أبو محمد يكتب مليحًا، ويضبط صحيحًا، كان موصوفًا بالحفظ والثقة. روى عنه: أخوه وبنته كمال، وابن ناصر، وهبة الله بن مكرم، وشيخانا ذاكر بن كامل، ويحيى بن بوش.

وقال عبد الغافر في "السياق": أبو محمد السمرقندي شاب، فاضل، حافظ، حديد الخاطر، خفيف الروح.

إلى أن قال: كان حافظ وقته.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 238"، والعبر "4/ 37"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1065"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 49".

ص: 340

‌4693 - أبو سعد بن الطيوري

(1)

:

الشيخ الصدوق المسند، أبو سعد أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم الصيرفي، ابن الطيوري البغدادي، المقرئ الدلال في الكتب، أخو المحدث أبي الحسين.

كان صالحا، مقرئا، مكثرا.

سمع: أبا طالب بن غيلان، وأبا محمد الخلال، وأبا الطيب الطبري، والجوهري، والعشاري، وعدة.

وأجاز له: أبو علي الأهوازي، والحافظ محمد بن علي الصوري، والحسن بن محمد الخلال، وطائفة.

قال ابن النجار: قرأ بالروايات على أبي بكر محمد بن علي الخياط، وأبي علي بن البناء.

قال: وأجاز له عبد العزيز بن علي الأزجي وغيره.

حدث عنه: أبو طاهر السلفي، والصائن بن عساكر، وابن بوش، وذاكر بن كامل وعدة، وتفرد بإجازته: يحيى بن بوش، وعفيفة الفارفانية.

توفي في رجب، سنة سبع عشرة وخمس مائة، وكان مولده: في سنة أربع وثلاثين وأربع مائة.

قال ابن النجار: صدوقٌ، صحيح السماع، دلال في الكتب.

أنبأنا أحمد بن سلامة، أنبأنا يحيى بن بوش، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار قراءة عليه، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا يزيد، أخبرنا ابن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن عبادة بن الصامت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الذهب بالذهب، مثلًا بمثل، يدا بيد" وذكر الحديث

(2)

.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 247"، والعبر "4/ 39"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1265"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 53".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 320"، ومسلم "1587"، وأبو داود "3349"، والترمذي "1240"، والدارمي "2/ 258"، والبيهقي "5/ 278 و 284".

ص: 341

‌4694 - ابن المُهْتَدِي بالله

(1)

:

الشيخ الجليل، الصالح العدل الصادق، أبو الغنائم محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن المهتدي بالله الهاشمي العباسي، البغدادي الحريمي، الخطيب، من بقايا المسندين ببغداد.

سمع: أبا القاسم بن لؤلؤ، وأبا الحسن القزويني، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا محمد الجوهري.

حدث عنه: ابن ناصر، والسلفي، وذاكر بن كامل، وأبو طاهر المبارك بن المعطوش، وآخرون، وأجاز للخشوعي.

مولده في سنة ستٍّ وثلاثين وأربع مائة، ومات: في ربيع الأول سنة " (517) ".

‌4695 - الفَرَضِي

الشيخ أبو المعالي هبة الله بن محمد بن أحمد بن مسلم البغدادي، الفرضي، أخو نصر الله.

سمع: أبا طالب بن غيلان، وأبا محمد بن الخلال، والجوهري.

روى عنه المبارك بن كامل، ويحيى بن بوش، وغيرهما.

ذكره ابن النجار.

مات في رمضان سنة سبع عشرة وخمس مائة، وله تسعون سنة، رحمه الله.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 248"، والعبر "4/ 41"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 57".

ص: 342

‌4696 - النُّوحي

(1)

:

الإمام المحدث، الفقيه الخطيب الكبير، أبو إبراهيم إسحاق بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن نوح النوحي، النسفي، الحنفي، شيخ الحنفية، راوي كتاب "تنبيه الغافلين" عن محمد بن عبد الرحمن نافلة محمد بن علي الترمذي صاحب المؤلف أبي الليث السمرقندي، وروى أيضًا عن: عمر بن أحمد بن شاهين السمرقندي، وعلي بن الحسين السعدي، وعلي بن حسن بن مكي النسفي، والعلامة عبد العزيز بن أحمد الحلوائي، والحافظ أبي مسعود أحمد بن محمد البجلي.

حدث عنه: عمر بن حسن الدرغي، وإبراهيم بن يعقوب الواعظ، ومحمد بن محمد السعدي المؤدب، ومحمد بن يوسف النجانيكثي، وأسعد بن إبراهيم القطواني، ومحمد بن محمد بن فارس الهاشمي، ومحمود بن علي النسفي، وعلي بن عبد الخالق اليشكري مشيخة أبي المظفر السمعاني، وعدة.

أملى مدة بسمرقند من أصوله، وكان من كبار الأئمة.

مات في جمادى الأولى، سنة ثماني عشرة وخمس مائة، وله خمسٌ وثمانون سنة.

‌4697 - الزَّعْفَراني

(2)

:

الشيخ الإمام، الفقيه العلامة، المحدث الثبت، الصالح، أبو الحسن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق بن محمد البغدادي، الزعفراني، الجلاب، الشافعي.

مولده سنة اثنتين وأربعين وأربع مائة، وكان تاجرا جوالا.

سمع: أبا بكر الخطيب، فأكثر، وأبا جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وابن النقور، وسمع بدمشق: أبا نصر بن طلاب، وبالبصرة: محمد بن علي السيرافي، وأبا علي التستري، وبأصبهان: أبا منصور بن شكرويه، وطائفةً. وبمصر من: صالح بن إبراهيم بن رشدين، وكتب الكثير، وحرر، وقيد وجمع وصنف، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق، فبرع في المذهب.

حدث عنه: يوسف بن مكي، وأبو طاهر بن الحصني، وهبة الله ابن الحسن الصائن، وأبو طاهر السلفي، وعبد الحق اليوسفي، وأخوه عبد الرحيم، ويحيى بن بوش، وآخرون.

مات ببغداد في صفر، سنة سبع عشرة وخمس مائة.

وفيها مات: أبو سعد بن الطيوري، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن الخياط التغلبي، شاعر الشام، وأبو محمد حمزة بن العباس العلوي، وظريف بن محمد النيسابوري، وأبو نهشل عبد الصمد بن أحمد العنبري، وأبو الغنائم بن المهتدي بالله، وأبو صادق مرشد بن يحيى المديني، وأبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد الشاطبي.

(1)

ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 329".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 249"، والعبر "4/ 41"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1265"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 57".

ص: 343

‌4698 - الدَّشتج

(1)

:

الشيخ المعمر، مسند الوقت، أبو طاهر عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن الهيثم الأصبهاني، الذهبي، الصباغ، الدشتي، ويقال: الدشتج.

خاتمة من روى عن: أبي نعيم الحافظ، وعبد الرحمن بن أحمد بن عمر الصفار.

وقد سمع أيضًا من: أبي بكر بن ريذه، وأبي الوفاء مهدي بن محمد، وعبيد الله بن المعتز، وغيرهم.

حدث عنه: السلفي، وأبو موسى المديني، وأحمد بن الفضل الكراني، وعفيفة الفارفانية، وعبد الواحد بن أبي المطهر، وآخرون، وبالحضور يحيى الثقفي، وأبو جعفر الصيدلاني، وسماعه من أبي نعيم حضور.

مات في ثاني عشر ربيع الأول سنة ثمان عشرة وخمس مائة، وله نيف وتسعون سنة.

‌4699 - المُرَتَّب

الإمام أبو الحسن علي بن أبي القاسم أحمد بن محمد البغدادي، الدهان، المرتب، كان مرتبًا للصفوف بجامع المنصور، وكان يؤرخ، ويذاكر، لكنه أمي.

سمع: أبا الغنائم بن المأمون، وابن المهتدي بالله، وصحب أبا علي بن الشبل.

روى عنه: السلفي، وخطيب الموصل، ومحمد بن درما الصلحي، وطائفة.

توفي سنة ثمان عشرة وخمس مائة.

قال أبو علي: سمع المرتب لنفسه في جزء على الخطيب، وأرخه سنة خمس وستين، فافتضح.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 43".

ص: 344

‌4700 - الدقاق

(1)

:

الحافظ الأوحد، المفيد الرحال، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن محمد الأصبهاني، الدقاق.

كان يقول: عرفت بين الطلبة بالدقاق بصديقي أبي علي الدقاق، وولدت بمحلة جرواءان سنة بضعٍ وثلاثين وأربع مائة.

وسمعت في سنة سبع وأربعين من: الخطيب عبد الله بن شبيب الضبي، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وسعيد العيار، وأبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي، وأصحاب ابن المقرئ، وشيخنا أبي القاسم ابن منده.

وأول رحلتي كان في سنة ست وستين، وسمعت بنيسابور وطوس، وسرخس ومرو، وهراة وبلخ، وجرجان، وبخارى، وسمرقند، وكرمان، ولم نصل إلى العراق.

إلى أن قال: فأما الذين كتبت عنهم بأصبهان، فأكثر من ألف شيخ، وكتبت في الرحلة عن أكثر من ألف أخرى، فقد سمعت بهراة ونيسابور من ست مائة.

قلت: كان الدقاق محدثًا مكثرًا، أثريًا متبعًا، فقيرًا متعففًا دينًا.

حدث عنه: السلفي، وأبو سعد الصائغ، وأبو موسى المديني، وخليل بن بدر الراراني، وعدة.

مات في شوال، في سادسه، سنة ست عشرة وخمس مائة.

‌4701 - أبو صادق المديني

(2)

:

المحدث الثقة العالم، أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني، ثم المصري.

سمع: أبا الحسن علي بن حمصة، وعلي بن ربيعة، وأبا القاسم علي بن محمد الفارسي، ومحمد بن الحسين الطفال، وداجنا السدوسي، والحكيمي، وعدة.

وأجاز له علي بن منير الخلال، وأبو الحسن بن صخر، وطائفة.

قال السلفي: كان ثقةٌ، صحيح الأصول، أكثرها بخط ابن بقاء وبقراءته.

حدث عنه: السلفي، ومحمد بن علي الرحبي، وعشير بن علي المزارع، وعلي بن هبة الله الكاملي، وعبد الله بن بري النحوي، وأبو القاسم هبة الله بن علي البوصيري، وآخرون.

مات في ذي القعدة سنة سبع عشرة وخمس مائة.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 38"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1061"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 53".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 41"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 57".

ص: 345

‌4702 - ابن الخيَّاط

(1)

:

شاعر عصره، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن يحيى بن صدقة التغلبي، الدمشقي، الكاتب، من كبار الأدباء، ونظمه في الذروة، و "ديوانه" شائع، عاش سبعًا وستين سنة، وتوفي: سنة سبع عشرة وخمس مائة.

وله:

أو ما ترى قلق الغدير كأنه

يبدو لعينك منه حلي مناطق

مترقرق لعب الشعاع بمائه

فارتج يخفق مثل ثلب العاشق

فابن الخياط الدمشقي، هو أحمد بن سني الدولة أبي الكتائب الكاتب ابن علي، وهو من طرابلس، وكتب أبو عبد الله بحماة لأبي الفوارس بن مانك، وخدمه مدة، ثم اشتهر بالشعر، ومدح الملوك والأمراء، واجتمع بحلب بالأمير أبي الفتيان بن حيوس، وروى عنه، وعن: السابق محمد بن الخضر بن أبي مهزول المعري، وحسان بن الحباب، وأبي نصر بن الخيسي، وعبد الله بن أحمد بن الدويدة.

روى عنه: أحمد بن محمد الطليطلي، ومحمد بن نصر القيسراني الشاعر، وتخرج به.

وقال السلفي: كان ابن الخياط شاعر الشام.

وقال لي أبو الفوارس نجاء بن إسماعيل العمري بدمشق سنة عشر _ وكان شاعرًا مفلقًا _ ابن الخياط في عصره أشعر الشاميين بلا خلاف.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 145"، والعبر "4/ 39"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 226"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 54".

ص: 346

قال السلفي: وقد اخترت من شعره "مجلدة" لطيفة، وسمعتها منه.

وقال ابن الخياط: دخلت في الصبا على الأمير ابن حيوس بحلب وهو مسن، فأنشدته لي:

لم يبق عندي ما يباع بدرهمٍ

وكفاك عين منظري عن مخبري

إلا صبابة ماء وجهٍ صنتها

من أن تباع وأين المشتري

فقال له ابن حيوس: لو قلت:

وأنت نعم المشتري.

لكان أحسن. ثم قال: كرمت عندي، ونعيت إلي نفسي، فإن الشام لا يخلو من شاعر مجيد، فأنت وارثي، فاقصد بني عمار بطرابلس، فإنهم يحبون هذا الفن، ثم وصله بثياب، ودنانير، ومضى إلى بني عمار، فوصلوه، ومدحهم.

قال العماد الكاتب: ابن حيوس أصنع من ابن الخياط، لكن لشعر ابن الخياط طلاوة ليست له، ومن كان ينظر إلى ابن الخياط، يعتقده جمالًا أو حمالًا، لبزته وشكله وعرضه.

فمن قوله في عضد الدولة أبق بن عبد الرزاق الأمير بدمشق قصيدته المشهورة الفائقة، وهي أكثر من سبعين بيتًا، أولها:

خذا من صبا نجدٍ أمانًا لقلبه

فقد كاد رياها يطير بلبه

ومدح القاضي فخر الملك أبا علي بن محمد بن عمار بطرابلس بهذه:

هبوا طيفكم أعدى على الناس مسراه

فمن لمشوقٍ إن تهوم جفناه

وهي طويلة.

وله في الرئيس وجيه الملك أبي الذواد مفرج بن الحسن الصوفي:

لو كنت شاهد عبرتي يوم النقا

لمنعت قلبك بعدها أن يعشقا

وعذرت في أن لا أطيق تجلدًا

وعجبت من أن لا أذوب تحرقا

إن الظباء غداة رامة لم تدع

إلا حشىً قلقًا وقلبا شيقا

سنحت وما منحت وكم من عارضٍ

قد مر مجتازًا عليك وما سقى

وهي طويلة.

ص: 347

وله في أبق الأمير المذكور قصيدته المشهورة:

سلوا سيف ألحاظه الممتشق

أعند القلوب دمٌ للحدق

أما من معينٍ ولا عاذرٍ

إذا عنف الشوق يومًا رفق

تجلى لنا صارم المقلتيـ

ـن ماضي الموشح والمنتطق

من الترك ما سهمه إذ رمى

بأفتك من طرفه إذا رمق

وليلة وافيته زائرًا

سمير السهاد ضجيع القلق

وقد راضت الكأس أخلاقه

ووقر بالسكر منه النزق

وخف العناق فقبلته

شهي المقبل والمعتنق

وبت أخالج شكي به

أزورٌ طرا أم خيالٌ طرق

أفكر في الهجر كيف انقضى

وأعجب للوصل كيف اتفق

فللحب ما عز مني وهان

وللحسن ما جل منه ودق

لقد أبق الدمع من راحتي

لما أحس بنعمى أبق

تطاوح يهرب من جوده

ومن أمه السيل خاف الغرق

وله في أبي النجم هبة الله بديع الأصبهاني وزير الملك تتش، منها:

وخيلٍ تمطت بي وليلٍ كأنه

ترادف وفد الهم أو زاخر اليم

شققت دجاه والنجوم كأنها

قلائد نظمي أو مساعي أبي النجم

وقال أبو عبد الله أحمد الطليطلي: كان ابن الخياط أول ما دخل طرابلس وهو شاب يغشاني في حلقتي، وينشدني ما أستكثره له، فأتهمه لأنني كنت إذا سألته عن شيء من الأدب، لا يقوم به، فوبخته يومًا على قطعة عملها، وقلت: أنت لا تقوم بنحو ولا لغة، فمن أين لك هذا الشعر? فقام إلى زاوية، ففكر، ثم قال: اسمع:

وفاضلٍ قال إذ أنشدته نخبا

من بعض شعري وشعري كله نخب

لا شيء عندك مما يستعين به

من شأنه معجزات النظم والخطب

فلا عروضٌ ولا نحوٌ ولا لغةٌ

قل لي فمن أين هذا الفضل والأدب

ص: 348

فقلت قول امرئٍ صحت قريحته

إن القريحة علمٌ ليس يكتسب

ذوقي عروضي ولفظي جله لغتي

والنحو طبعي فهل يعتاقني سبب

فقلت: حسبك، والله لا استعظمت لك بعدها عظيمًا، ولزمني بعد ذلك، فأفاد من الأدب وما استقل به.

وقال ابن القيسراني: وقع هبة الله بن بديع أبو النجم لابن الخياط بألف دينار، وهو آخر شاعر في زماننا وقع له بألف دينار.

وله في سديد الملك أبي الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ بشيزر:

يقيني يقيني حادثات النوائب

وحزمي حزمي في ظهور النجائب

سينجدني جيشٌ من العزم طالما

غلبت به الخطب الذي هو غالبي

ومن كان حرب الدهر عود نفسه

قراع الليالي لا قراع الكتائب

وما كل دانٍ من مرامٍ بظافرٍ

ولا كل ناءٍ عن رجاءٍ بخائب

وإن الغنى مني لأدنى مسافةً

وأقرب مما بين عيني وحاجبي

سأصحب آمالي إلى ابن مقلد

فتنجح ما ألوى الزمان بصاحب

في أبيات.

ص: 349

‌4703 - ابن الخازن

(1)

:

الأديب أبو الفضل أحمد بن محمد بن الفضل ابن الخازن الدينوري، ثم البغدادي، الشاعر، صاحب الخط الفائق، والنظم الرائق.

توفي سنة ثمان عشرة.

وخطه يقارب خط الكاتب أبي الفوارس ابن الخازن.

وله ولدٌ نسخ المقامات كثيرًا، وهو أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن الخازن.

وكان أبو الفوارس يروي عن الجوهري.

قال فيه السلفي: كان أحسن الناس خطًا.

قلت: قيل: نسخ خمس مائة ختمة، وله نظمٌ أيضًا.

توفي سنة اثنتين وخمس مائة، واسمه حسين بن علي بن حسين الديلمي، ثم البغدادي.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 204"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 149"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 229"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 57".

ص: 349

‌4704 - أبو نَهْشَل:

الشيخ الجليل المعمر، أبو نهشل عبد الصمد بن أبي الفوارس أحمد بن الفضل العنبري، التميمي الأصبهاني.

ولد سنة سبع وعشرين وأربع مائة.

أجاز له أبو الحسين بن فاذشاه، وقد سمع منه في سنة اثنتين وثلاثين "جزء الزهد" لأسد بن موسى، شاهدت الأصل بذلك، فهو خاتمة من حدث عنه، وروى أيضًا: عن هارون بن محمد، وأبي بكر بن شاذان الأعرج، وابن ريذه؛ سمع منه "معجمي الطبراني" الأكبر والأصغر، وسمع "فضائل القرآن" لعبد الرزاق من هارون عن الطبراني، وسمع "بر الوالدين" لأبي الشيخ، وأشياء تفرد بها.

حدث عنه: السلفي، وأبو موسى المديني، وأبو جعفر محمد بن إسماعيل الطوسي، ومسعود بن أبي منصور الجمال، ومسعود بن محمود العجلي، وعبد الواحد بن أبي المطهر الصيدلاني.

قال أبو سعد السمعاني: أجاز لي، وكان مكثرًا معمرًا، وكان أبوه من فضلاء الأدباء، وكان عبد الصمد من غلاة العبد الرحمانية، ومن مروياته بعلو:"فضائل القرآن" لإسماعيل بن عمرو البجلي.

قلت: توفي في ذي الحجة سنة سبع عشرة وخمس مائة.

أنبأنا يحيى بن أبي منصور الفقيه، أخبرنا محمد بن عبد الغني سنة ثمان وست مائة، "ح" وأخبرنا أحمد بن محمد، وإسحاق بن يحيى قالا: أخبرنا يوسف بن خليل قالا: أخبرنا مسعود الجمال- زاد ابن عبد الغني، فقال: وأخبرنا مسعود بن محمود بن خلف، وعبد الواحد بن أبي المطهر قالوا: أخبرنا عبد الصمد بن أحمد، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين سنة " (432) "، أخبرنا سليمان بن أحمد، أخبرنا يوسف بن يزيد، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن النعمان بن بشير، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجلٌ في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل أو القمقم"

(1)

.

وكذلك رواه شعبة، والأعمش عن أبي إسحاق.

أخرجه البخاري ومسلم بطرق.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "6561"، ومسلم "213"، والترمذي "2604".

ص: 350

‌4705 - ابن الدَّنِف

(1)

:

الإمام الفقيه، العابد المقرئ، بقية السلف، أبو بكر محمد بن علي بن عبيد الله بن الدنف البغدادي الحنبلي، الإسكاف.

تفقه بأبي جعفر بن أبي موسى.

وسمع من: عبد الصمد بن المأمون، وأبي جعفر بن المسلمة، والصريفيني، وعدة.

أخذ عنه ابن ناصر، ولاحق بن كاره، وذاكر بن كامل، وابن بوش، وكان من جلة مشايخ العلم.

قرأ عليه جماعةٌ، وانتفعوا به.

مات في شوال، سنة خمس عشرة وخمس مائة، وله بضع وسبعون سنة.

ذكره ابن النجار.

‌4706 - ابن الحَدَّاد

(2)

:

الإمام الحافظ، المتقن الثقة، العابد الخير، أبو نعيم عبيد الله ابن الشيخ أبي علي الحسن بن أحمد بن الحسن الأصبهاني الحداد، مفيد أصبهان في زمانه.

ولد سنة ثلاث وستين وأربع مائة.

وسمع: أبا عمرو عبد الوهاب بن منده، وحمد بن ولكيز، وأبا طاهر أحمد بن محمد النقاش، وسليمان بن إبراهيم، وعدة بأصبهان، وأبا المظفر موسى بن عمران، وأبا بكر بن

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 230"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 47".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 247"، والعبر "4/ 41"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1067"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 56".

ص: 351

خلف الشيرازي، وخلقًا بأصبهان، وشيخ الإسلام، وأبا عبد الله العميري، ونجيب بن ميمون، وأبا عامر الأزدي بهراة، وأبا الغنائم بن أبي عثمان، والنعالي، وطراد بن محمد ببغداد.

قال محمد بن عبد الواحد: هو صديق لي، أحد العلماء في فنونٍ كثيرة، بلغ مبلغ الإمامة بلا مدافعة، وله عندي أيادٍ كثيرة، سفرًا وحضرًا، جمع ما لم يجمعه أحدٌ من أقرانه من الكتب والسماعات الغزيرة، صدوق في جمعه وكتبه، أمينٌ في قراءته.

قلت: قل ما روى، وقد نسخ الكثير، وصنف، وكان يكرم الغرباء ويفيدهم، ويهبهم الأجزاء، وفيه دينٌ وتقوى وخشية، ومحاسنه جمة، جمع أطراف "الصحيحين"، وانتشرت عنه، واستحسنها الفضلاء، وانتقى عليه الشيوخ، فالثقفيات من تخريجه.

مات في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وخمس مائة.

وآخر من روى عنه بالإجازة: عفيفة الفارفانية.

أنبؤونا عن محمد بن مكي الحنبلي، قال: قيل: إن أبا نعيم بن الحداد ناظر شهردار بن شيرويه -وكان قد تأخر عن أبي علي الحداد لأجل سماع "صحيح مسلم" عن أبي الحسن النيسابوري- فقال له: سبحان الله، تركت العوالي عند أبي، واشتغلت بالنوازل?! فقال: ليس عند أبيك "صحيح مسلم"، وهو عال، قال: نعم، ولكن عنده المخرج عليه لأبي نعيم الحافظ، وفيه عامة عواليه، فإذا سمعت تلك من أبي، فكأنك سمعتها من عبد الغافر الفارسي، ولو شئت لقلت: كأنك سمعت بعضها من الجلودي، وإن قلت: كأنك سمعتها من ابن سفيان لم أكذب، وإن شئت قلت: كأنك سمعتها من مسلم.

ثم قال: وفيه أحاديث أعلى من هذا، إذا سمعتها من أبي، ساويت البخاري ومسلم، ومن جملتها حديث المسور:"إنما فاطمة بضعةٌ مني".

أخبرنا طائفة إجازة أن عفيفة أنبأتهم عن عبيد الله بن الحسن، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الواحدي، أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا محمد بن عبد الله الأصبهاني، حدثنا أحمد بن مهدي، حدثنا ثابت بن محمد، حدثنا سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يقطع الصلاة الكشر، ولكن يقطعها القرقرة"

(1)

.

هذا حديث منكر، وثابت واهٍ.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "3714"، ومسلم "2449"، وقد خرجت هذا الحديث مرارًا في هذا الكتاب، وفي كتاب "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" ط. دار الحديث.

ص: 352

‌4707 - الميداني

(1)

:

العلامة، شيخ الأدب، أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميداني، النيسابوري، الكاتب اللغوي، تلميذ الواحدي المفسر، له كتاب في "الأمثال" لم يعمل مثله، وكتاب "السامي في الأسامي".

توفي سنة ثماني عشرة وخمس مائة في رمضان.

ومات ابنه العلامة أبو سعد سنة تسع وثلاثين وخمس مائة.

‌4708 - الطُّرْطُوشي

(2)

:

الإمام العلامة، القدوة الزاهد، شيخ المالكية، أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري الأندلسي، الطرطوشي الفقيه، عالم الإسكندرية، وطرطوشة: هي آخر حد المسلمين من شمالي الأندلس، ثم استولى العدو عليها من دهر، وكان أبو بكر يعرف في وقته بتبن أبي رندقة.

لازم القاضي أبا الوليد الباجي بسرقسطة، وأخذ عنه مسائل الخلاف، ثم حج، ودخل العراق.

وسمع بالبصرة "سنن أبي داود" من أبي علي التستري، وسمع ببغداد من قاضيها أبي عبد الله الدامغاني، ورزق الله التميمي، وأبي عبد الله الحميدي، وعدة.

وتفقه أيضًا عند أبي بكر الشاشي، ونزل بيت المقدس مدة، وتحول إلى الثغر، وتخرج به أئمة.

قال ابن بشكوال: كان إمامًا عالمًا، زاهدًا ورعًا، دينًا متواضعًا، متقشفًا متقللًا من الدنيا، راضيًا باليسير، أخبرنا عنه القاضي أبو بكر بن العربي، ووصفه بالعلم، والفضل، والزهد، والإقبال على ما يعنيه، قال لي: إذا عرض لك أمر دنيا وأمر آخرة، فبادر بأمر الآخرة، يحصل لك أمر الدنيا والأخرى.

(1)

ترجمته في معجم الأدباء لياقوت الحموي "5/ 45"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 148"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 58".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 575"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 262"، والعبر "4/ 48"، والديباج المذهب لابن فرحون المالكي "2/ 244"، والنجوم الزاهرة تغري بردي "5/ 231"، وحسن المحاضرة للسيوطي "1/ 452"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 62".

ص: 353

وقال إبراهيم بن مهدي بن قلينا: كان شيخنا أبو بكر زهده وعبادته أكثر من علمه، وحكى بعض العلماء أن أبا بكر الطرطوشى أنجب عليه نحو من مائتي فقيه مفتي، وكان يأتي إلى الفقهاء وهم نيام، فيضع في أفواههم الدنانير، فيهبون، فيرونها في أفواههم.

قال القاضي شمس الدين ابن خلكان: دخل الطرطوشى على الأفضل ابن أمير الجيوش بمصر، فبسط تحته مئزره، وكان إلى جانب الأفضل نصراني، فوعظ الأفضل حتى أبكاه، ثم أنشده:

يا ذا الذي طاعته قربة

وحقه مفترض واجب

إن الذي شرفت من أجله

يزعم هذا أنه كاذب

وأشار إلى ذلك النصراني، فأقام الأفضل النصراني من موضعه.

وقد صنف أبو بكر كتاب "سراج الملوك" للمأمون بن البطائحي الذي وزر بمصر بعد الأفضل، وله مؤلف في طريقة الخلاف، وكان المأمون قد نوه باسمه، وبالغ في إكرامه.

قيل: كان مولده في سنة إحدى وخمسين وأربع مائة

ودخل بغداد في حياة أبي نصر الزينبي، وأظنه سمع منه، وقال: رأيت بها آية في سنة ثمان وسبعين بعد العصر، فسمعنا دويًا عظيمًا، وأقبل ظلام، فإذا ريح لم أر مثلها، سوداء ثخينة، يبين لك جسمها، فاسود النهار، وذهبت آثاره، وذهب أثر الشمس، وبقينا كأننا في أشد ظلمة، لا يبصر أحد يده، وماج الناس، ولم نشك أنها القيامة، أوخسف، أو عذاب قد نزل، وبقى الأمر كذلك قدر ما ينضج الخبز، ورجع السواد حمرة كلهب النار، أو جمرًا يتوقد، فلم نشك حينئذ أنها نار أرسلها الله على العباد، وأيسنا من النجاة، ثم مكثت أقل من مكث الظلام، وتجلت بحمد الله عن سلامة، ونهب الناس بعضهم بعضًا في الأسواق، وخطفوا العمائم والمتاع، ثم طلعت الشمس، وبقيت ساعة إلى الغروب.

قلت: حدث عنه: أبو طاهر السلفي، والفقيه سلار بن المقدم، وجوهر بن لؤلؤ المقرئ، والفقيه صالح ابن بنت معافي المالكي، وعبد اللهبن عطاف الأزدي، ويوسف بن محمد القروي الفرضي، وعلي بن مهدي بن قلينا، وأبو طالب أحمد المسلم اللخمي، وظاهر بن عطية، وأبو الطاهر إسماعيل بن عوف، وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن العثماني، وعبد المجيد بن دليل، وآخرون.

وبالإجازة أبو طاهر الخشوعي وغيره، وله مؤلف في تحريم الغناء، وكتاب في الزهد،

ص: 354

وتعليقه في الخلاف، ومؤلف في البدع والحوادث، وبر الوالدين، والرد على اليهود، والعمد في الأصول، وأشياء.

أنبأنا ابن علان، عن الخشوعي، عن الطرطوشى: أنه كتب هذه الرسالة جوابًا عن سائل سأله من الأندلس عن حقيقة أمر مؤلف "الإحياء"، فكتب إلى عبد الله بن مظفر: سلام عليك، فإني رأيت أبا حامد، وكلمته، فوجدته امرءًا وافر الفهم والعقل، وممارسة للعلوم، وكان ذلك معظم زمانه، ثم خالف عن طريق العلماء، ودخل في غمار العمال، ثم تصوف، فهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب القلوب، ووساوس الشيطان، ثم سابها، وجعل يطعن على الفقهاء بمذاهب الفلاسفة، ورموز الحلاج، وجعل ينتحي عن الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخ من الدين.

قال الحافظ أبو محمد: إن محمد بن الوليد هذا ذكر في غيره هذه الرسالة كتاب "الإحياء". قال: وهو -لعمرو الله- أشبه بإماتة علوم الدين، ثم رجعنا إلى تمام الرسالة.

قال: فلما عمل كتابه "الإحياء" عمد فتكلم في علوم الأحوال، ومرامز الصوفية، وكان غير أنيس بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط على أم رأسه، فلا في علماء المسلمين قر، ولا في أحوال الزاهدين استقر، ثم شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أعلم كتابًا على وجه بسيط الأرض أكثر كذبًا على الرسول منه، ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة، ورموز الحلاج، ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم يرون النبوة اكتسابًا، فليس النبي عندهم أكثر من شخص فاضل، تخلق بمحاسن الأخلاق، وجانب سفسافها، وساس نفسه حتى لا تغلبه شهوة، ثم ساق الخلق بتلك الأخلاق، وأنكروا أن يكون الله يبعث إلى الخلق رسولًا، وزعموا أن المعجزات حيل ومخاريق، ولقد شرف الله الإسلام، وأوضح حججه، وقطع العذر بالأدلة، وما "مثل" من نصر الإسلام بمذاهب الفلاسفة، والآراء المنطقية، إلا كمن يغسل الثوب بالبول، ثم يسوق الكلام سوقًا يرعد فيه ويبرق، ويمنى ويشوق، حتى إذا تشوفت له النفوس، قال: هذا من علم المعاملة، وما وراءه من علم المكاشفة لا يجوز تسطيره في الكتب، ويقول: هذا من سر الصدر الذي نهينا عن إفشائه. وهذا فعل الباطنية وأهل الدغل والدخل في الدين يستقل الموجود ويعلق النفوس بالمفقود، وهو تشويش لعقائد القلوب، وتوهين لما عليه كلمة الجماعة، فلئن كان الرجل يعتقد ما سطره، لم يبعد تكفيره، وإن كان لا يعتقده، فما أقرب تضليله.

وأما ما ذكرت من إحراق الكتاب، فلعمري إذا انتشر بين من لا معرفة له بمسمومه القاتلة،

ص: 355

خيف عليهم أن يعتقدوا إذا صحة ما فيه، فكان تحريقه في معنى ما حرقته الصحابة من صحف المصاحف التي تخالف المصحف العثماني، وذكر تمام الرسالة.

قال ابن المفضل: توفي بالإسكندرية، في جمادي الأولى، سنة عشرين وخمس مائة، رحمه الله.

وفيها مات: أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن طريف القرطبي، وأبو الفتوح أحمد بن محمد بن محمد الغزالي الواعظ أخو الإمام أبي حامد، والأمير قسيم الدولة آقسنقر البرسقي الذي استولى على الموصل وعلى حلب، وأبو بحر سفيان بن العاص الأسدي بقرطبة، وصاعد بن سيار الهروي الحافظ، وأبو محمد بن عتاب القرطبي، وقاضي الجماعة أبو الوليد بن رشد، ومحمد بن بركات السعيدي راوي صحيح البخاري.

ص: 356

‌4709 - القَلانِسي

(1)

:

الإمام الكبير، شيخ القراء، أبو العز محمد بن الحسين بن بندار الواسطي، القلانسي، صاحب التصانيف في القراءات.

ولد سنة خمس وثلاثين وأربع مائة، وتلا بالعشر على أبي علي غلام الهراس، وأخذ عن أبي القاسم الهذلي صاحب الكامل، وارتحل إلى بغداد سنة إحدى وستين، وسمع من: أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وعدة. وقرأ ختمة لأبي عمرو على الأواني صاحب أبي حفص الكتاني.

قال السمعاني: قرأ عليه عالم من الناس، ورحل إليه من الأقطار، وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يسئ الثناء عليه، ونسبه إلى الرفض، ثم وجدت لأبي العز أبياتًا في فضيلة الصحابة.

وقال ابن ناصر: ألحق سماعه في جزء من هاءات الكناية لعبد الواحد بن أبي هاشم من أبي علي بن البناء.

قلت: كان يأخذ الذهب على إقراء العشرة.

قال ابن النجار: سمعت أحمد بن البندنيجى يقول: سألت أبا جعفر أحمد بن القاص:

هل قرأت على أبي العز؟ فقال: لما قدم بغداد، أردت أن أقرأ عليه، فطلب مني ذهبًا، فقلت: والله إني قادر، ولكن لا أعطيك على القرآن أجرًا، فلم أقرأ عليه.

قال خميس الحوزي: هو أحد الأئمة الأعيان في علوم القرآن، برع في القراءات.

قلت: تلا عليه: سبط الخياط، وأبو الفتح بن زريق الحداد، وأبو بكر بن الباقلاني، وعلي بن عساكر البطائحي، وعدد كثير، واشتهر ذكره.

مات في شوال، سنة إحدى وعشرين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 8"، والعبر "4/ 50"، وميزان الاعتدال "3/ 525"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 97"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 64".

ص: 356

‌4710 - المُتَوكِّلِى

(1)

:

الشريف، أبو السعادات، أحمد بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد العباسي.

روى عن ابن المسلمة، والخطيب.

حدث عنه: ابن عساكر، وابن الجوزي، وجماعة.

مات شهيدًا، بعد أن صلى التراويح، ليلة سبع وعشرين، من سنة إحدى وعشرين وخمس مائة، وقع من السطح فمات، رحمه الله.

‌4711 - ابن أبي رَوْح

(2)

:

رأس الرفض بالشام، القاضي أبو الفضل أسعد بن أحمد بن أبي روح الأطرابلسي، صاحب التصانيف.

أخذ عن ابن البراج، وسكن صيدا إلى أن أخذتها الفرنج، فقتل بها، وكان ذا تعبد وتهجد وصمت، ناظر مغربيًا في تحريم الفقاع، فقطعه، فقال المغربي المالكي: كلنى؟! قال: ما أنا على مذهبك، أي: جواز أكل الكلب.

قيل له: ما الدليل على حدث القرآن؟ قال: النسخ، فالقديم لا يتبدل.

قيل له: ما الدليل على أنا مخيرون في أفعالنا، غير مجبورين؟ قال: بعثة الرسل.

وله كتاب "عيون الأدلة" في معرفة الله، وكتب في الخلاف، وكتاب "حقيقة الآدمي"، وأشياء ذكرها ابن أبي طي في "تاريخ الإمامية".

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 7"، والعبر "4/ 49"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 232"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 64".

(2)

ترجمته في ميزان الاعتدال "1/ 210"، ولسان الميزان "1/ 386".

ص: 357

‌4712 - الفَرَّاء

(1)

:

الشيخ العالم، الثقة المحدث، أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر بن الفراء الموصلي، ثم المصري.

سمع من: عبد العزيز بن الحسن بن الضراب كتاب "المجالسة" للدينورى. وسمع من: عبد الباقي بن فارس، والحافظ عبد الرحيم بن أحمد البخاري، وعبدا لله بن المحاملي، وأبي إبراهيم أحمد بن القاسم بن ميمون، وأبي الحسين محمد بن مكي الأزدي، وكريمة المروزية؛ لقيها بمكة، وابن الغراء بالقدس، وأضعافهم.

حدث عنه: السلفي، وأبو القاسم البوصيري، وجماعة.

وبالإجازة أبو عبد الله الأرتاحي، وسمع منه البخاري.

قال السلفي: هو من ثقات الرواة، وأكثر شيوخنا بمصر سماعًا، أصوله أصول أهل الصدق، وقد انتخبت من أجزائه مائة جزء، وقال لي: إنه ولد في سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة، في أول يوم منها.

توفى في ربيع الآخر، سنة تسع عشرة وخمس مائة.

وفيها مات لغوي زمانه أبو الحسن علي بن عبد الجبار بن عيذون التونسي، ووزير مصر المأمون أبو عبد الله بن البطائحي، وأبو البركات هبة الله بن محمد بن البخاري المعدل.

‌4713 - ابن رُشْدِ

(2)

:

الإمام العلامة، شيخ المالكية، قاضي الجماعة بقرطبة، أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي، المالكي.

تفقه بأبي جعفر أحمد بن رزق.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 44"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 59".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 576"، والعبر "4/ 47"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 127" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 62".

ص: 358

وحدث عنه: وعن أبي مروان بن سراج، ومحمد بن خيرة، ومحمد بن فرج الطلاعي، والحافظ أبي علي.

وأجاز له أبو العباس بن دلهاث.

قال ابن بشكوال: كان فقيهًا عالمًا، حافظًا للفقه، مقدمًا فيه على جميع أهل عصره، عارفًا بالفتوى، بصيرًا بأقوال أئمة المالكية، نافذًا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العلم، والبراعة والفهم، مع الدين والفضل، والوقار والحلم، والسمت الحسن، والهدى الصالح، ومن تصانيفه كتاب "المقدمات" لأوائل كتب المدونة، وكتاب "البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل"، واختصار "المبسوطة"، واختصار "مشكل الآثار" للطحاوي، سمعنا عليه بعضها، وسار في القضاء بأحسن سيرة، وأقوم طريقة، ثم استعفى منه، فأعفى، ونشر كتبه، وكان الناس يعولون عليه ويلجؤون إليه، وكان حسن الخلق، سهل اللقاء، كثير النفع لخاصته، جميل العشرة لهم، بارًا بهم.

عاش سبعين سنة. ومات: في ذي القعدة، سنة عشرين وخمس مائة، وصلى عليه ابنه أبو القاسم، وروى عنه أبو الوليد بن الدباغ، فقال: كان أفقه أهل الأندلس، صنف "شرح العتبية"، فبلغ فيه الغاية.

قلت: وحفيده هو فيلسوف زمانه، وللقاضي عياض "سؤالات لابن رشد"، مؤلف نفيس.

ص: 359

‌4714 - حفيدُ البيهقي

(1)

:

الشيخ المسند، أبو الحسن عبيد الله بن محمد ابن شيخ الإسلام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، الخسروجردى.

سمع الكتب من جده. وسمع من أبي يعلى بن الصابوني، وأبي سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ، وعدة. وحج، فحدث ببغداد.

روى عنه: ابن ناصر، وأبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو الفتح المندائي، وجماعة.

ولد سنة تسع وأربعين وأربع مائة.

قال ابن عساكر: ما كان يعرف شيئًا، وكان يتغالى بكتابة الإجازة، ويقول: ما أجيز إلا بطسوج.

قال: وسمع لنفسه في جزء، وكان سماعه فيما عداه صحيحًا.

قلت: سمع منه أبو الفتح المندائي كتاب جده في "الأسماء والصفات".

قال ابن ناصر: مات ببغداد، بعد مرض ثلاثة عشر يومًا، في ثالث جمادي الأولى، سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة.

وفيها مات: جعفر بن عبد الواحد الثقفي، ومقتل وزير دمشق كمال الدين طاهر بن سعد المردقاني في ألوف من الباطنية بدمشق، وأبو الحجاج يوسف بن عبد العزيز الميورقى، وحمزة بن هبة الله العلوي بنيسابور عن ست وتسعين سنة.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 54"، وميزان الاعتدال "3/ 15"، ولسان الميزان "4/ 116"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 67".

ص: 359

‌4715 - فاطمة

(1)

:

بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل، المعمرة، الصالحة، مسندة الوقت، أم إبراهيم، وأم الغيث، وأم الخير الجوزدانية، الأصبهانية.

آخر من روى في الدنيا عن ابن ريذه، وهي مكثرة عنه.

حدث عنها: أبو العلاء العطار، وأبو موسى المديني، ومعمر بن الفاخر، وأبو جعفر الصيدلاني، وأبو الفخر أسعد بن روح، وعفيفة بنت أحمد، وأبو سعيد أحمد بن محمد الأرجاني، وداود بن نظام الملك، وشعيب بن الحسن السمرقندي، وعبد الرحيم بن الإخوة، وعائشة ومحمد ولدا معمر، وعدد كثير.

قال أبو موسى المديني: قدمت علينا من قرية جوزدان، ومولدها نحو سنة خمس وعشرين وأربع مائة، وسمعت من أبي بكر في سنة خمس وثلاثين.

أخبرنا الحسن بن علي، أخبرتنا كريمة القرشية، أنبأنا أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي، أنها توفيت في غرة شعبان، سنة أربع وعشرين وخمس مائة.

وقال الحافظ ابن نقطة: توفيت فيرابع عشر رجب.

قلت: سمعت المعجمين "الكبير" و "الصغير" للطبراني، وكتاب "الفتن" لنعيم من ابن ريذه.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 56"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 69".

ص: 360

‌4716 - السلطان

(1)

:

صاحب العراق، الملك غياث الدين، أبو شجاع محمد ابن السلطان ملشكاه بن ألب أرسلان التركي، السلجوقي.

لما مات أبوه في سنة " (485) ": اقتسموا الأقاليم، فكان بركياروق هو المشار إليه، ثم قدم أخواه محمد وسنجر، فجلس لهما المستظهر بالله، وسلطن محمدًا، وألبس سبع خلع، وتاجًا، وطوقًا، وسوارين، وعقد له لواء السلطنة بيده، وقلده سيفين، ثم خلع على سنجر قريبًا منه، وقطع خطبة أخيهما بركياروق في سنة خمس وتسعين، فتحرك بركياروق، وحشد وجمع، وجرى بينه وبين محمد خمس مصافات، ثم عظم شأن محمد، وتفرد بالسلطنة، ودانت له البلاد، وكان أخوه يخطب له بخراسان، وقد كان محمد فحل آل سلجوق، وله بر في الجملة، وحسن سيرة مشوبة، فمن عدله أنه أبطل ببغداد المكس والضرائب، ومنع من استخدام يهودي أو نصراني، وكسا في نهار أربع مائة فقير، وكان قد كف مماليكه عن الظلم، ودخل يومًا إلى قبة أبي حنيفة، وأغلق على نفسه يصلي ويدعو. وقيل: إنه خلف من الذهب العين أحد عشر ألف ألف دينار.

ومات معه في العام: صاحب قسطنطينية، وصاحب القدس بغدوين، لعنهما الله.

وقد حارب الإسماعيلية، وأباد منهم، وأخذ منهم قلعة أصبهان، وقتل ابن غطاش ملكهم، ثم تعلل مدة، ومات في آخر سنة إحدى عشرة وخمس مائة، بأصبهان، ودفن بمدرسة كبيرة له، وخلف أموالًا لا تحصى، وقد تزوج المقتفي بابنته فاطمة، وعاش ثمانيًا وثلاثين سنة، وتسلطن بعده ابنه محمود.

‌4717 - أمير الجيوش

(2)

:

الملك الأفضل، أبو القاسم شاهنشاه ابن الملك أمير الجيوش بدر الجمالي، الأرمني.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 196"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 71"، والعبر "4/ 23"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 214"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 30".

(2)

ترجمته في الأعيان لابن خلكان "2/ 448"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 222"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 47".

ص: 361

كان أبوه نائبًا بعكا، فسار في البحر في ترميم دولة المستنصر العبيدي، فاستولى على الإقليم، وأباد عدة أمراء، ودانت له الممالك إلى أن مات، فقام بعده ابنه هذا، وعظم شأنه، وأهلك نزارًا ولد المستنصر صاحب دعوة الباطنية وأتابكه أفتكين متولى الثغر، وكان بطلًا شجاعًا، وافر الهيبة، عظيم الرتبة، فلما هلك المستعلى، نصب في الإمامة ابنه الآمر، وحجر عليه وقمعه، وكان الآمر طباشًا فاسقًا، فعمل على قتل الأفضل، فرتب عدة وثبوا عليه، فأثخنوه، ونزل إليه الآمر، توجع له، فلما قضى، استأصل أمواله، وبقى الآمر في داره أربعين صباحًا والكتبة تضبط تلك الأموال والذخائر، وحبس أولاده، وكانت أيامه ثمانيًا وعشرين سنة، وكانت الأمراء تكرهه لكونه سنيًا، فكان يؤذيهم، وكان فيه عدل، فظهر بعده الظلم والبدعة، وولى الوزارة بعده المأمون البطائحي.

قتلوه في رمضان، سنة خمس عشرة وخمس مائة، وله ثمان وخمسون سنة.

قال ابن خلكان في "تاريخه" قال صاحب الدولة المنقطعة: خلف الأفضل ست مائة ألف ألف دينار، ومائتين وخمسين إردبًا من الدراهم، وخمسين ألف ثوب ديباج، وعشرين ألف ثوب حرير، وثلاثين راحلة كذا وكذا، ودواة مجوهرة باثنى عشر ألف دينار، وعشرة مجالس؛ في المجلس مضروب عشرة مسامير من الذهب، على المسمار منديل مشدود فيه بدلة ثياب، وخمس مائة صندوق، فيها كسوة ومتاع، سوى الدواب والمماليك والبقر والغنم، ولبن مواشيه يباع في السنة بثلاثين ألف دينار.

قلت: هذه الأشياء ممكنة، سوى الدنانير والدراهم، فلا أجوز ذلك، بل أستبعد عشره، ولا ريب أن جمعه لهذه الأموال موجب لضعف جيش مصر، ففي أيامه استولت الفرنج على القدس وعكا، وصور وطرابلس والسواحل، فلو أنفق ربع ماله، لجمع جيشًا يملأ الفضاء، ولأباد الفرنج، ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

قال أبو يعلى بن القلانسى: كان الأفضل حسن الاعتقاد، سنيًا، حميد السيرة، كريم الأخلاق، لم يأت الزمان بمثله.

قلت: وصلب البطائحي المتولي بعده سنة تسع عشرة.

ووزر بعد هلاك الآمر أمير الجيوش أبو علي أحمد بن الأفضل، وكان شهمًا مطاعًا، وبطلًا شجاعًا، سائسًا سنيًا، كأبيه وجده، فحجر على الحافظ، ومنعه من أعباء الأمور، فشد عليه مملوك للحافظ إفرنجي، فطعنه قتله، ووزر يانس الحافظي، وكان أبو علي أحمد قد بالغ في الاحتجار على الحافظ، وحول ذخائر القصر إلى داره، وادعى أنها أموال أبيه.

وقيل: إنه ترك من الخطبة اسم الحافظ، وخطب لنفسه، وقطع الأذان بحي على خير العمل، فنفرت منه الرعية، وغالبهم شيعة، فقتل وهو يلعب بالكرة، سنة ست وعشرين وخمس مائة، وجددوا البيعة حينئذ للحافظ، فمات الوزير يانس بعد ثلاث سنين، فوزر ولي العهد حسن ابن الحافظ.

ص: 362

‌4718 - البُرْسُقى

(1)

:

الملك، قسيم الدولة، أبو سعيد آقسنقر مملوك برسق، غلام السلطان طغرلبك.

ولي الموصل والرحبة، وقد ولي شحنكية بغداد، وكان بلك قد قتل بمنبج، فتملك ابن عمه تمرتاش بن إيغازى حلب، وكان بلك قد أسر بغدوين صاحب القدس، فاشترى نفسه، وهادنه، فغدر بغدوين، وحاصر حلب، هو ودبيس الأسدى، ومعهما إبراهيم بن صاحب حلب رضوان بن تتش السلجوقي، فهلك أهلها جوعًا وموتًا، فخرج في الليل قاضيها أبو غانم، والشريف زهرة، وآخر إلى تمرتاش بماردين، وفاتوا الفرنج، فأخذ يماطلهم تمرتاش، فانملسوا منه إلى الموصل، فوجدوا البرسقى مريضًا، فقلنا: عاهد الله إن عافك أن تنصرنا، فقال: إي والله، فعوفي بعد ثلاث، فنادى الغزاة، ولما أشرف على حلب، تقهقرت الفرنج، فخرج إليه مقاتلتها، وحملوا على العدو هزموهم، ورتب أمور البلد، وأمدهم بالغلات، فبادروا، وبذروا في آذار، ونقعوا القمح والشعير، فرتب بها ابنه ورجع، وكان قد أباد في الإسماعيلية، فشد عليه عشرة بالجامع، فقتل بيده منهم ثلاثة، وقتل رحمه الله في ذي القعدة، سنة عشرين وخمس مائة، كانوا بزي الصوفية، نجا منهم واحد.

وكان رحمه الله دينًا عادلًا، حسن الأخلاق، وصى قاضيه بالعدل، بحيث إنه أمر زوجته أن تدعي عليه بصداقها، فنزل إلى قاضيه، وجلس بين يديه، فتأدب كل أحد.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 254"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 242"، والعبر "4/ 46"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 230"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 61".

ص: 363

‌الطبقة الثامنة والعشرون

‌4719 - الأبِيَوْرِدى

(1)

:

الشيخ الصالح، المعمر العفيف، مسند خراسان، أبو القاسم الفضل بن محمد بن أحمد بن أبي منصور الأبيوردى، العطار.

ولد قبل العشرين وأربع مائة.

وسمع من: العارف فضل الله بن أبي الخير الميهنى، ومحمد بن عبد العزيز النيلى، وأبي حفص بن مسرور، وأبي عثمان الصابوني، وسمع:"معجم أبي القاسم البغوي" من أبي نصر الإسفرايينى، رحل إليه إلى إسفرايين، وسمع "سنن الدارقطني" من النوقاني، وتفرد به مدة.

حدث عنه: عمر الفرغولى، وإبراهيم بن سهل المسجدى، ويوسف بن شعيب، وآخرون، وروى عنه "سنن الدارقطني" أبو سعد عبد الله بن عمر الصفار، وانفرد بعلوه.

قال عبد الغافر الفارسي: شيخ مستور، كثير العبادة، مشتغل بنفسه، سمع الكثير من جدى، وابن مسرور، وجماعة، وقد نيف على المائة، مات في سادس صفئر، سنة ثمان عشرة وخمس مائة، بنيسابور.

وفيها توفى العلامة أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الميداني، وأبو إبراهيم إسحاق بن محمد بن إبراهيم النوحى خطيب سمرقند، وابو الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسي الشافعي، وأبو طاهر الدشتج.

‌4720 - ابن عَتَّاب

(2)

:

الشيخ العلامة، المحدث الصدوق، مسند الأندلس، أبو محمد عبد الرحمن بن المحدث محمد بن عتاب بن محسن القرطبي.

سمع من: أبيه فأكثر، وحاتم بن محمد الطرابلسى، وطائفة.

(1)

تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم ترجمة عام "4605"، وبتعليقنا رقم "291".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 348"، والعبر "4/ 47"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1271"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 61".

ص: 364

وتلا بالسبع على عبد الرحمن بن محمد بن شعيب المقرئ، وأجاز له: مكي بن أبي طالب، ومحمد بن عبد الله بن عابد، وعبد الله بن سعيد الشنتجالي، وأبو عمرو السفاقسي، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو عمر بن الحذاء، وأبو حفص بن الزهراوي.

قال خلف بن بشكوال: هو آخر الشيوخ الأكابر الجلة بالأندلس في علو الإسناد، وسعة الرواية، سمع معظم ما عند أبيه، وكان عارفًا بالطرق، واقفًا على كثير من التفسير والغريب والمعاني، مع حظ وافر من اللغة والعربية، وتفقه عند أبيه، وشوور في الأحكام بقية عمره، وكان صدرًا فيمن يستفتى لسنه وتقدمه، وكان من أهل الفضل والحلم، والوقار والتواضع، وجمع كتابًا حفيلًا في الزهد والرقائق، سماه "شفاء الصدور"، وكانت الرحلة إليه في وقته، وكان صابرًا للطلبة، مواظبًا على الإسماع، يجلس لهم النهار كله، وبين العشاءين، سمع منه الآباء والأبناء، وسمعت عليه معظم ما عنده، وقال: مولدي سنة "433"، ومات: في جمادى الأولى، سنة عشرين وخمس مائة.

قلت: وروى عنه الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن الجد، وعبد الحق بن بونه، وأخوه محمد، وأحمد بن عبد الملك بن عميرة، وأحمد بن يوسف بن رشد، ومحمد بن عبد الرحمن بن عبادة، ومحمد بن يوسف بن سعادة، ومحمد بن عراق، وعبد الله بن خلف الفهري، وخلق.

ص: 365

‌4721 - أبو بحر بن العاص

(1)

:

الإمام المتقن النحوي، أبو بحر سفيان بن العاص بن أحمد بن العاص بن سفيان بن عيسى الأسدي، المربيطري، نزيل قرطبة.

روى عن: أبي عمر بن عبد البر، فقال ابن الدباغ: سمع منه "الموطأ"، وكتابه في الفرائض، "وبهجة المجالس".

قلت: وروى الكثير: عن أبي العباس بن دلهاث، واختص بهشام بن أحمد الكناني، وروى أيضًا عن: أبي الوليد الباجي، وأبي الفتح الليث بن الحسن التركي، ومحمد بن سعدون، وأبي داود بن نجاح.

قال ابن بشكوال: كان من جلة العلماء، وكبار الأدباء، ضابطًا لكتبه، صدوقًا، سمع الناس منه كثيرًا.

قلت: روى عنه ابن بشكوال، وأبو الوليد بن الدباغ، وأبو بكر بن الجد الفقيه، وعبد الحق بن بونه العبدري، وآخرون.

توفي في جمادى الآخرة سنة عشرين وخمس مائة، وقد كمل الثمانين، رحمه الله.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 230"، والعبر "4/ 46"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1271" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 61".

ص: 365

‌4722 - ابن أبي تليد

(1)

:

الشيخ الصدوق، وأبا عمران موسى بن عبد الرحمن بن خلف بن موسى بن أبي تليد الشاطبي.

مكثر عن أبي عمر بن عبد البر، وسماعه بخطوط الثقات.

أثنى عليه ابن الدباغ، وقال: سمع كتاب "الاستذكار"، وروى عنه أبو عبد الله بن زرقون، وطائفة.

توفي سنة سبع عشرة وخمس مائة، وكان جدهم أبو تليد ممن رحل، وسمع من النسائي.

‌4723 - الحُلْواني

(2)

:

العلامة أبو سعد يحيى بن علي الحلواني الشافعي، مصنف كتاب "التلويح" في المذهب.

كان من كبار تلامذة الشيخ أبي إسحاق، لزمه مدةً، وكان من فحول المناظرين.

حدث عن: أبي جعفر بن المسلمة، وغيره.

قال أبو سعد السمعاني: قدم مرو إلى خاقان صاحب ما وراء النهر رسولًا، فسمعت منه جزءًا، وكان سيئ الخلق، متكبرًا عسرًا، مات بسمرقند في رمضان، سنة عشرين وخمس مائة.

‌4724 - ابن مَنْظُور

(3)

:

قاضي إشبيلية، أبو القاسم أحمد بن القاضي أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد بن منظور القيسي المالكي الإشبيلي.

فقيه إمام، محدث محتشم، من بيت علم وجلالة.

روى عن أبيه، وعن ابن عمهم أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن منظور.

أخذ عنه ابن بشكوال، وغلط في نسبه، وجعله ابنًا لأبي عبد الله ابن منظور الراوي "الصحيح" عن أبي ذر، وتلاه في الوهم أبو جعفر بن عميرة.

توفي سنة عشرين وخمس مائة، وله أربع وثمانون سنة، وكان من رواة "الصحيح"، فحمله عنه سماعًا أبو بكر بن الجد الحافظ.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بَشْكوال "2/ 610".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "4/ 192"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 333".

(3)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 78".

ص: 366

‌4725 - طُغْتِكِين

(1)

:

صاحب دمشق، الملك أبو منصور طغتكين الأتابك، من أمراء السلطان تتش بن ألب أرسلان السلجوقي، فزوجه بأم ولده دقاق، فقتل السلطان، وتملك بعده ابنه دقاق، وصار طغتكين مقدم عسكره، ثم تملك بعد دقاق. وكان شهمًا شجاعًا، مهيبًا مجاهدًا في الفرنج، مؤثرًا للعدل، يلقب ظهير الدين.

قال أبو يعلى بن القلانسي: مرض ونحل، ومات في صفر سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة، فأبكى العيون، وأنكأ القلوب، وفت في الأعضاد، وفتت الأكباد، وزاد في الأسف، -فرحمه الله، وبرد مضجعه- ثم ماتت زوجته الخاتون أم بوري بعده بأيام، فدفنت بقبتها خارج باب الفراديس.

قلت: لولا أن الله أقام طغتكين للإسلام بإزاء الفرنج، وإلا كانوا غلبوا على دمشق، فقد هزمهم غير مرة، وأنجده عسكر الموصل، مع مودود، ومع البرسقي، وسار إلى بغداد هو إلى خدمة السلطان محمد بن ملكشاه، فبالغ في احترامه وإجلاله.

قال ابن الأثير: تملك بعده ابنه الكبير تاج الملوك بوري بعهد منه.

وقال ابن الجوزي: كان طغتكين شهمًا عادلًا، حزن عليه أهل دمشق، فلم تبقى محلة ولا سوق إلَّا والمأتم قائمٌ فيه عليه لعدله، وحسن سيرته، حكم على الشام خمسًا وثلاثين سنة، وسار ابنه بسيرته مديدة، ثم تغير وظلم.

قلت: قد كان طغتكين سيفًا مسلولًا على الفرنج، ولكن له خرمة كان قد استفحل البلاء بداعي الإسماعيلية بهران بالشام، وكان يطوف المدائن والقلاع متخفيًا، ويغوي الأغتام

(1)

ترجمته في العبر "4/ 51"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 234"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 65".

ص: 367

والشطار، وينقاد له الجهال، إلى أن ظهر بدمشق بتقرير قرره صاحب ماردين إيلغازي مع طغتكين، فأخذ يكرمه، ويبالغ اتقاءً لشره، فتبعه الغوغاء والسفهاء، والفلاحون، وكثروا، ووافقه الوزير طاهر المزدقاني، وبث إليه سره، ثم التمس من الملك طغتكين قلعةً يحتمي بها، فأعطاه بانياس في سنة عشرين وخمس مائة، فعظم الخطب، وتوجع أهل الخير، وتستروا من سبهم، وكانوا قد قتلوا عدةً من الكبار، فما قصر تاج الملوك فقتل الوزير كمال الدين طاهر بن سعد المذكور في رمضان، سنة ثلاث وعشرين بالقلعة، ونصب رأسه، وركب جنده، فوضعوا السيف بدمشق بالملاحدة الإسماعيلية، فسبكوا منهم في الحال نحوًا من ستة آلاف نفس في الطرقات، وكانوا قد تظاهروا، وتفاقم أمرهم، وراح في هذه الكائنة الصالح بالطالح.

وأما بهرام، فتمرد وعتا، وقتل سابًا من أهل وادي التين اسمه برق، فقام عشيرته، وتحالفوا على أخذ الثأر، فحاربهم بهران، فكبسوه وذبحوه إلى اللعنة، وسلمت الملاحدة بانياس للفرنج، وذلوا.

وقيل: إن المزدقاني كاتب الفرنج ليسلم إليهم دمشق، ويعطوه صور، وأن يهجموا البلد يوم جمعة، ووكل الملاحدة تغلق أبواب الجامع على الناس، فقتله لهذا تاج الملوك رحمه الله وقد التقى الفرنج وهزمهم، وكانت وقعة مشهودة.

وفي سنة عشرين أقبلت جموع الفرنج لأخذ دمشق، ونزلوا بشقحب، فجمع طغتكين التركمانيين وشطار دمشق، والتقاهم في آخر العام، وحمي القتال، ثم فر طغتكين وفرسانه عجزًا، فعطفت الرجالة على خيام العدو، وقتلوا في الفرنج، وحازوا الأموال والغنائم، فوقعت الهزيمة على الفرنج، ونزل النصر.

ص: 368

‌4726 - ابن الفاعوس

(1)

:

الفقيه الزاهد، العابد القدوة، أبو الحسن علي بن المبارك بن علي بن الفاعوس البغدادي، الإسكاف، تلميذ الشريف أبي جعفر بن أبي موسى الحنبلي.

روى عن القاضي أبي يعلى، وأبي منصور العطار.

روى عنه: أبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر، وكان يقرأ للناس الحديث بلا إسناد يوم الجمعة، وله قبولٌ زائد لصلاحه وإخلاصه.

قال ابن الجوزي: توفي الفقيه تاسع عشر شوال، سنة إحدى وعشرين وخمس مائة، وغلقت الأسواق، وضج العوام بذكر السنة ولعن أهل البدع، ودفن بقرب الإمام أحمد.

وقيل: كان يتمنع من الرواية إزراء على نفسه، رحمه الله.

مات عن نيف وسبعين سنة.

قال السمعاني: سمعت أبا القاسم بدمشق يقول: أهل بغداد يعتقدون فيه، وكان أبو القاسم بن السمرقندي يقول: إن ابن الخاضبة كان يقول لابن الفاعوس: الحجري، لأنه كان يقول: الحجر الأسود يمين الله حقيقةً.

قال كاتبه: هذا أذًى لا يسوغ في حق رجل صالح، وإلا فهذا نزاع في إطلاق عبارة ما تحتها محذور أصلًا، وهو كقولنا: بيت الله حقيقة، وناقة الله حقيقة، وروح الله ابن مريم حقيقة، وذلك من قبيل إضافة التشريف، ونحو ذلك، وما يقول من له عقل قط: إن ذلك إضافة صفة، وفي سياق الخبر ما يوضح أنه إضافة ملك، لا إضافة صفة، وهو قوله:"فمن صافحه، فكأنما صافح الله" يعني أنه بمنزلة يمين البارئ تعالى في الأرض.

روى ابن جريج قال: سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول: سمعت ابن عباس يقول: هذا الركن السود يمين الله في الأرض يصافح به عباده مصافحة الرجل أخاه.

ولكن الأولى في هذا ترك الخوض في حقيقة أو مجاز، فلا حاجة بنا إلى تقييد ما أطلقه السلف، بل نؤمن ونسكت، وقولنا في ذلك: حقيقة أو مجازًا؛ ضربٌ من العي واللكن، فنزجر من بحث في ذلك، والله الموفق.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 7"، والعبر "4/ 50"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 233"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 64".

ص: 368

‌4727 - المَسْجِدي

(1)

:

الشيخ الصالح المسند، أبو القاسم سهل بن إبراهيم النيسابوري المسجدي، ويعرف أيضًا: بالسبعي.

روى عن: أبي محمد الجويني الفقيه، وأبي حفص بن مسرور، وعبد الغافر بن محمد الفارسي، وأبي عثمان الصابوني، وأبي سعد الطبيب، ووجيه بن أبي الطيب.

روى عنه أبو سعد السمعاني، وحفيده محمد بن أحمد المسجدي، وعبد المنعم بن

الفراوي، وعبد الرحمن بن أبي القاسم الشعري، وأبو سعد عبد الله بن عمر الصفار، وابن ياسر الجياني، وغيرهم.

وقيل له: المسجدي، لأنه كان خادم مسجد المطرز، وكان دينًا خيرًا، عالي الإسناد، وكان والده قد عرف بتلاوة سبع كل يوم، وكان ولده أحمد بن سهل يروي عن: يعقوب بن أحمد الصيرفي.

مات سهل سنة بضع وعشرين وخمس مائة، وقد ذكرته في "تاريخ الإسلام" تقريبًا في اثنتين وعشرين.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 32"، واللباب لابن الأثير "2/ 100".

ص: 369

‌4728 - السُّلطان

(1)

:

صاحب العراق، مغيث الدين محمود بن السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي.

تملك بعد أبيه وهو حدث أمرد في أول سنة اثنتي عشرة، وخطب له على منابر بغداد، وكان ذكيًا فطنًا، له معرفة بالنحو، وميل إلى العلم، ونظر في التاريخ، مدحه الحيص بيص، وضعفت دولة بني سلجوق في أواخر أيامه، وكان عمه السلطان سنجر أعلى رتبةً منه.

مات بهمذان، في شوال سنة خمس وعشرين وخمس مائة، ويكنى أبا القاسم، وسلطنوا بعده أخاه طغرل، فمات بعد عامين، ثم تسلطن أخوهما مسعود، وطول.

‌4729 - الدِّينَوَرِي

(2)

:

الشيخ المعمر الصدوق، أبو الحسن علي بن عبد الواحد بن أحمد الدينوري، ثم البغدادي.

سمع: أبا الحسن القزويني، وأبا طالب بن غيلان، والحافظ أبا محمد الخلال، وأبا محمد الجوهري، وغيرهم.

حدث عنه: أبو المعمر الأنصاري، والحافظ ابن عساكر، وأخوه الصائن هبة الله، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفرج بن الجوزي، وآخرون.

قال أبو سعد السمعاني: كان صاحب الخبر، توفي في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وخمس مائة، وكان يقول: قد مر بي أبي من الدينور وأنا صبي، واحترقت كتبي زمن المستظهر، وقد سمع أبو الحسن القزويني من جدي أحمد.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 24"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 182"، والعبر "4/ 66"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 76".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 7"، والعبر "4/ 50"، وشذرات الذهب "4/ 64".

ص: 370

‌4730 - ابن البُخَاري

(1)

:

الشيخ العدل، الكبير المسند، أبو البركات هبة الله بن محمد بن علي بن أحمد البغدادي، ابن البخاري، وهو المبخر.

ولد سنة أربع وثلاثين وأربع مائة.

سمع: أبا طالب بن غيلان، وأبا القاسم التنوخي، وأبا علي بن المذهب، وأبا محمد الجوهري، وأبا الحسن الباقلاني، وأبا طالب العشاري.

وعنه: عبد الجبار بن هبة الله البندار، والصائن بن عساكر، ويحيى بن بوش، وجماعة. وكان صحيح السماع، توفي في رجب سنة تسع عشرة وخمس مائة ببغداد.

‌4731 - جعفر بن عبد الواحد

(2)

:

ابن محمد بن محمود بن أحمد المولى، الرئيس المعمر، أبو الفضل الأصبهاني الثقفي.

سمع: أبا بكر بن ريذه، وعبد الرحمن بن أبي بكر الذكواني، وأبا طاهر بن عبد الرحيم، ومحمد بن عبد الرحمن الأرزناني، وعبد الرزاق بن أحمد الخطيب، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وعدة.

حدث عنه: السلفي، وأبو موسى المديني، وأحمد بن أبي منصور بن الزبرقان، وناصر بن محمد الويرج، وعبد الواحد بن أبي المطهر الصيدلاني، وعبد الجليل بن أبي نصر بن رجاء، ومحمد بن أحمد المهاد، وخلق.

قال السمعاني: كان صالحًا سديدًا، ومن مروياته: شروط الذمة، وكتاب السنة، والضحايا، والعقيقة، والنوادر، والعتق، والرمي، والسبق، والسرقة، وفوائد العراقيين، الكل لأبي الشيخ، سمعها من ابن عبد الرحيم عنه، والأدب لابن أبي عاصم، والآحاد والمثاني له، وكتاب "الجامع" لأحمد بن الفرات، والصلاة لأبي نعيم.

مولده في سنة أربع وثلاثين وأربع مائة. وتوفي: في تاسع جمادى الأولى، سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة، ولم يبق بعده من أصحاب ابن ريذه سوى فاطمة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 254"، والعبر "4/ 45"، وشذرات الذهب "4/ 60".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 54"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 235"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 66".

ص: 371

‌4732 - الطَّرْقِي

(1)

:

الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت بن محمد الأصبهاني، وطرق: من قرى أصبهان.

سكن برد، وكان متفننًا، له تصانيف، إلَّا أنه جهل، وقال بقدم الروح.

سمع: عبد الوهاب بن مندة وطبقته، وجال في الطلب، ولحق أبا القاسم بن البسري.

توفي في شوال، سنة إحدى وعشرين وخمس مائة.

‌4733 - خُوارِزمشاه:

الملك العالم، أبو الفتح محمد بن نوشتكين، ديّن فاضل، خيرٌ تقي، سخي، كثير التلاوة والغزو، عارف بالتفسير، كان يقول: سمعت نظام الملك يقول: صلاة الصبح بغلسٍ تذهب ظلمة القبر.

توفي سنة اثنتين وعشرين في شوال، وكانت دولته بخوارزم ثلاثين سنة، كان من أعدل الملوك، وتسلطن بعده ابنه أتسز.

‌4734 - القطائفي:

الشيخ المعمر أبو بكر أحمد بن عمر بن علي بن حمد النهاوندي، القطائفي، نزيل بغداد.

ولد بالدينور، في سنة ست وثلاثين وأربع مائة، وجاء هو وأبوه إلى بغداد منجفلين وقت ظهور الغز السلجوقية.

سمع من: علي بن المحسن التنوخي، وأبي محمد الجوهري، والقاضي أبي يعلى، والخطيب، وجماعة روى عنه: أبو المعمر الأنصاري، وعلي بن أبي سعيد الخباز، ومحمد بن عبد الملك الهمذاني، وعبد الله بن عبد الصمد السلمي.

قال ابن ناصر: هو رجل صالح حلواني، من أهل السنة، وسماعه صحيح.

وقال ابن كامل: مات في السادس والعشرين من رمضان، سنة عشرين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "8/ 235"، واللباب لابن الأثير "2/ 280"، وميزان الاعتدال "1/ 86"، ولسان الميزان "1/ 143".

ص: 372

‌4735 - ابن رضوان:

الجليل الرئيس، أبو نصر أحمد بن عبد الله بن أحمد بن رضوان بن محمد بن رضوان البغدادي، المراتبي.

سمع: أبا محمد الجوهري، وأبا يعلى بن الفراء، وأجاز له عبد العزيز بن علي الأزجي.

روى عنه محمد بن طاهر في "معجمه"، وأبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم ابن عساكر، وأبو القاسم بن السبط، وطائفة.

قال ابن النجار: كان صالحًا، صدوقًا، كثير الصلاة والصدقة، مات في جمادى الآخرة، سنة أربع وعشرين وخمس مائة، وله إحدى وثمانون سنة.

‌4736 - العَطَّار

(1)

:

الشيخ المعمر، أبو غالب أحمد بن عبد الباقي بن أحمد بن بشر الكرخي، البغدادي، العطار.

سمع: أبا طالب بن غيلان، والجوهري.

وعنه: أبو المعمر الأنصاري، وأبو العلاء بن عقيل.

أعرض عنه المحدثون، لأن السمعاني قال: سألت أبا المعمر الأنصاري عن أبي غالب بن بشر، فقال: كان يشرب إلى أن مات- يعني: الخمر.

مولده في ربيع الأول، سنة أربع وثلاثين وأربع مائة. ومات: في جمادي الأولى، سنة عشرين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في لسان الميزان "1/ 210".

ص: 373

‌4737 - ابن عَيْذُون

(1)

:

لغوي العصر، أبو الحسن علي بن عبد الجبار بن سلامة بن عيذون الهذلي، التونسي، المعمر.

مولده في سنة ثمان وعشرين وأربع مائة.

رأى ابن البر، فتركه لتهتكه، ولقى ابن رشيق الشاعر.

أخذ عنه السلفي بالثغر، ووصفه بإتقان اللغة، وأن له قصيدة أحد عشر ألف بيت في الرد على المرتد البغدادي، ولو قيل: لم يكن في زمانه ألغى منه، لما استبعد، وقال لي: لم أر أحفظ للغة والعربية من ابن القطاع، فأكثرت عنه.

مات ابن عيدون سنة تسع عشرة وخمس مائة.

‌4738 - البَطَلْيَوْسى

(2)

:

العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد النحوي اللغوي، صاحب التصانيف.

أقرأ الآداب، وشرح "الموطأ"، وله كتاب "الاقتضاب في شرح أدب الكتاب"، وكتاب "الأسباب الموجبة لاختلاف الأئمة"، وأشياء، ونظم فائق.

مات في رجب، سنة إحدى وعشرين وخمس مائة.

‌4739 - البارع

(3)

:

الإمام النحوي، شيخ القراء، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن الوزير القاسم بن عبيد الله بن سليمان الحارثي، البغدادي، ابن الدباس الشاعر، الملقب بالبارع، من بيت حشمة ووزارة، نسبة هكذا أبو محمد بن الخشاب.

ولد سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في معجم الأدباء لياقوت الحموي "14/ 8"، والعبر "4/ 44"، وشذرات الذهب "4/ 59".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 292"، ووفيات الأعيان "3/ 96"، وشذرات الذهب "4/ 64".

(3)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 16"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "10/ 147"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 181"، والعبر "4/ 56"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 236"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 69".

ص: 374

وتلا بالروايات على أبي بكر محمد بن علي الخياط، وأبي علي بن البناء، ويوسف الغوري، وأبي بكر أحمد بن الحسن اللحياني، وأبي الخطاب الصوفي، والحسين بن الحسن الإسكاف، ومحمد بن محمد بن علي البصير.

وسمع من الحسن بن غالب، وأبي جعفر بن المسلمة، والقاضي أبي يعلى، وأبي الحسين بن النرسى، وعبد الواحد بن برهان الأسدى، وعدة.

وبرع في اللغات والنحو، ومدح المقتدى، والمستظهر، وعدة وزراء وكبراء، ودخل خراسان واليمن والشام، ولعب وعاشر، ثم تاب وأناب، ولزم مسجده بباب المراتب، وتكاثر عليه المقرئون والمحدثون والنحاة، وصنف له سبط الخياط كتاب "الشمس المنيرة في التسعة الشهيرة".

قرأ عليه خلق، منهم: أبو جعفر عبد الله بن أحمد الواسطي الضرير، وعلي بن عساكر البطائحي، وأبو العلاء الهمذاني، ونصر الله ابن الكيال، ويعقوب بن يوسف الحربي، والحسين بن علي بن مهجل الباقدرائي، وعوض المراتبي، وأبو بكر محمد بن خالد بن بختيار، وأبو المظفر أحمد بن أحمد بن حمدي، وآخرون.

حدث عنه: أبو القاسم ابن عساكر، وأبو بكر بن الباقلاني الواسطي، وأبو الفرج ابن الجوزي، وابو الفتح المندائي، وإبراهيم بن حمدية، وله "ديوان" شعر، وقد أضر في آخر عمره.

قال ابن عساكر: ما كان به بأس.

وقال أبو الفضل بن شافع: فيه تساهل وضعف.

قال ابن الخشاب: أخبرنا شيخنا البارع بكتاب "إصلاح المنطق" لابن السكيت بقراءتي من أصله، أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة بقراءة أخي الإمام أبي الكرم بن فاخر النحوي عليه سنة ثمان وخمسين، أخبرنا أبو القاسم بن سويد، أخبرنا ابن الأنباري، أخبرنا أبي، أخبرنا ابن رستم، أخبرنا المؤلف.

مات البارع في سابع عشر جمادي الآخرة، سنة أربع وعشرين وخمس مائة.

ص: 375

‌4740 - ابن الحُصَين

(1)

:

الشيخ الجليل، المسند الصدوق، مسند الآفاق، أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحصين الشيباني، الهمذاني الأصل، البغدادي، الكاتب.

مولده في رابع ربيع الأول، سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة.

وسمع في سنة سبع وثلاثين من أبي طالب بن غيلان، وأبي علي بن المذهب، وأبي محمد بن المقتدر، وأبي القاسم التنوخي، والقاضي أبي الطيب الطبري، وطائفة.

وتفرد برواية "مسند أحمد"، وفوائد أبي بكر الشافعي المشهورة بـ "الغيلانيات"، وبـ "اليشكريات"، وسماعه لكثير من "المسند" كان في سنة ست وثلاثين، كذلك بينه ابن المذهب في "الثبت" لابن الحصين، فقال: سمع مني الكتاب في سنتي ست وسبع وثلاثين.

قلت: فعلى هذا يكون سماعه في سنة ست، وهو في الخامسة، وأملى عدة مجالس، وتكاثر عليه الطلبة.

حدث عنه: ابن ناصر، والسلفي، وأبو العلاء العطار، وأبو موسى المديني، وأبو الفتح ابن المنى الفقيه، وقاضي بغداد أبو الحسن علي بن أحمد بن الدامغاني، وقاضي دمشق أبو سعد بن أبي عصرون، وأبو منصور عبد الله وإبراهيم ابنا محمد بن حمديه، وأبو محمد بن شدقينى، وعبد الرحمن بن سعود القصرى، والعلامة مجير الدين محمود الواسطي، وعبد الخالق بن هبة الله، والقاضي عبيد الله بن محمد الساوي، وعبد الرحمن بن ملاح الشط، وعبد الله بن أبي بكر بن الطويلة، وعلي بن عمر الحربي الواعظ، وعبد الله بن أبي المجد الحربي، وهبة الله بن الحسن السبط، وعلي بن محمد الأنباري، وعبد الله بن نصر بن مزروع، وعبد الرحمن بن أحمد العمري، والحسن بن أشنانة، وعبد الله بن محمد بن عليان، ولاحق بن قندرة، وفاطمة بنت سعد الخير، وعمر بن جريرة القطان، والمبارك بن مختار السبتي، وعبد الله بن عبد الرحمن البقلي، وحنبل بن عبد الله المكبر، وأبو الفتح المندائي، والحسين بن أبي نصر بن القارص، وأبو أحمد عبد الوهاب بن سكينة، وعمر بن طبرزد، وآخرون.

قال السمعاني: شيخ، ثقة، دين، صحيح السماع، واسع الرواية، تفرد وازدحموا عليه، وحدثني عنه معمر بن الفاخر، وأبو القاسم ابن عساكر، وعدة، وكانوا يصفونه بالسداد والأمانة والخيرية.

وقال ابن الجوزي، بكر به أبوه وبأخيه عبد الواحد، فأسمعهما، سمعت منه "المسند"، وكان ثقة، توفى في رابع عشر شوال، سنة خمس وعشرين وخمس مائة.

وقال الحسين بن خسرو: دفن يوم الجمعة، بباب حرب، في ثالث يوم من وفاته.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 24"، والعبر "4/ 66"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 247"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 77".

ص: 376

‌4741 - ابن تومرت

(1)

:

الشيخ الإمام، الفقيه الأصولي الزاهد، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت البربري، والمصمودى، الهرغى، الخارج بالمغرب، المدعي أنه علوى حسنى، وأنه الإمام المعصوم المهدي، وأنه محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن صفوان بن جابر بن يحيى بن رباح بن يسار بن العباس بن محمد بن الحسن ابن الإمام على بن أبي طالب.

رحل من السوس الأقصى شابًا إلى المشرق، فحج وتفقه، وحصل أطرافًا من العلم، وكان أمارًا بالمعروف، نهاء عن المنكر، قوى النفس، زعرًا شجاعًا، مهيبًا قوالًا بالحق، عمالًا على الملك، غاويًا في الرياسة والظهور، ذا هيبة ووقار، وجلالة ومعاملة وتأله، انتفع به خلق، واهتدوا في الجملة، وملكوا المدائن، وقهروا الملوك.

أخذ عن إلكيا الهراسى، وأبي حامد الغزالي، وأبي بكر الطرطوشى، وجاور سنة.

وكان لهجًا بعلم الكلام، خائضًا في مزال الأقدام، ألف عقيدة لئقبها بـ "المرشدة"، فيها توحيد وخير بانحراف، فحمل عليها أتباعه، وسماهم الموحدين، ونبز من خالف "المرشدة" بالتجسيم، واباح دمه، نعوذ بالله من الغي والهوى.

وكان خشن العيش، فقيرًا، قانعًا باليسير، مقتصرًا على زي الفقر، لا لذة له في مأكل ولا منكح، ولا مال، ولا في شيء غير رياسة الأمر، حتى لقى الله تعالى.

لكنه دخل -والله- في الدماء لنيل الرياسة المردية.

وكان ذا عصًا وركوة ودفاس، غرامه في إزالة المنكر، والصدع بالحق، وكان يتبسم إلى من لقبه.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 45"، والعبر "4/ 57"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1274"، والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردى "5/ 254"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 70".

ص: 377

وله فصاحة في العربية والبربرية، وكان يؤذى ويضرب ويصبر، أوذي بمكة، فراح إلى مصر، وبالغ في الإنكار، فطردوه، وآذوه، وكان إذا خاف من البطش به خلط وتباله.

ثم سكن الثغر مدة، ثم ركب البحر إلى المغرب، وقد رأى أنه شرب ماء البحر مرتين، وأخذ ينكر في المركب على الناس، وألزمهم بالصلاة، فآذوه، فقدم المهدية وعليها ابن باديس، فنزل بمسجد معلق، فمتى رأى منكرًا أو خمرًا، كسر وبدد، فالتف عليه جماعة، واشتغلوا عليه، فطلبه ابن باديس، فلما رأى حاله، وسمع كلامه، سأله الدعاء، فقال: أصلحك الله لرعيتك.

وسار إلى بجاية، فبقى ينكر كعادته، فنفى، فذهب إلى قرية ملالة، فوقع بها بعبد المؤمن الذي تسلطن، وكان أمرد عاقلًا، فقال: يا شاب، ما اسمك؟ قال: عبد المؤمن. قال: الله أكبر، أنت طلبتي، فأين مقصدك؟ قال: طلب العلم. قال: قد وجدت العلم والشرف، اصحبني ونظر في حليته، فوافقت ما عنده مما قيل: إنه اطلع على كتاب الجفر -فالله أعلم- فقال: ممن أنت؟ قال: من كومية. فربط الشاب، وشوقه إلى أمور عشقها، وأفضى إليه بسره، وكان في صحبته الفقيه عبد الله الونشريسى، وكان جميلًا نحويًا، فاتفقا على أن يخفي علمه وفصاحته، ويتظاهر بالجهل واللكن مدة، ثم يجعل إظهار نفسه معجزة، ففعل ذلك، ثم عمد إلى ستة من أجلاد أتباعه، وسار بهم إلى مراكش، وهي لابن تاشفين، فأخذوا في الإنكار، فخوفوا الملك منهم، وكانوا بمسجد خراب، فأحضرهم الملك، فكلموه فيما وقع فيه من سب الملك، فقال: ما نقل من الوقيعة فيه، فقد قلته، هل من ورائه أقوال، وأنتم تطرونه وهو مغرور بكم، فيا قاضي، هل بلغك أن الخمر تباع جهارًا، وتمشي الخنازير في الأسواق، وتؤخذ أموال اليتامى؟ فذرفت عينا الملك وأطرق، وفهم الدهاة طمع ابن تومرت في الملك فنصح مالك بن وهيب الفيلسوف سلطانه، وقال: إني خائف عليك من هذا، فاسجنه وأصحابه، وأنفق عليهم مؤنتهم، وإلا أنفقت عليهم خزائنك. فوافقه، فقال الوزير: يقبح بالملك أن يبكي من وعظه، ثم يسئ إليه في مجلس، وأن يظهر خوفك، وأنت سلطان: من رجل فقير. فأخذته نخوة، وصرفه، وسأله الدعاء.

وسار ابن تومرت إلى أغمات، فنزلوا على الفقيه عبد الحق المصمودى، فأكرمهم، فاستشاروه، فقال: هنا لا يحميكم هذا الموضع، فعليكم بتينمل، فهي يوم عنا، وهو أحصن الأماكن، فأقيموا به برهة كي ينسى ذكركم. فتجدد لابن تومرت بهذا الاسم ذكر لما عنده، فلما رآهم أهل الجبل على تلك الصورة، علموا أنهم طلبة علم، فأنزلوهم، وأقبلوا عليهم، ثم تسامع به أهل الجبل، فتسارعوا إليهم، فكان ابن تومرت من رأى فيه جلادة، عرض عليه

ص: 378

ما في نفسه، فإن أسرع إليه، أضافه إلى خواصه، وإن سكت، أعرض عنه، وكان كهولهم ينهون شبانهم ويحذرونهم، وطالت المدة، ثم كثر أتباعه من جبال درن، وهو جبل الثلج، وطريقه وعر ضيق.

قال اليسع في "تاريخه": لا أعلم مكانا أحصن من تينملل لأنها بين جبلين، ولا يصل إليهما إلا الفارس، وربما نزل عن فرسه في أماكن صعبة، وفي مواضع يعبر على خشبة، فإذا أزيلت الخشبة، انقطع الدرب، وهي مسافة يوم، فشرع أتباعه يغيرون ويقتلون، وكثروا وقووا، ثم غدر بأهل تينملل الذين آووه، وأمر خواصه، فوضعوا فيهم السيف، فقال له الفقيه الإفريقي أحد العشرة من خواصه: ما هذا؟! قوم أكرمونا وأنزلونا نقتلهم!! فقال لأصحابه: هذا شك في عصمتي، فاقتلوه، فقتل.

قال اليسع وكل ما أذكره من حال المصامدة، فقد شاهدته، أو أخذته متواترًا، وكان في وصيته إلى قومه إذا ظفروا بمرابط أو تلمساني أن يحرقوه.

فلما كان عام تسعة عشر وخمس مائة، خرج يومًا، فقال: تعلمون أن البشير -يريد الونشريسي- رجل أمي، ولا يثبت على دابة، فقد جعله الله مبشرًا لكم، مطلعًا على أسراركم، وهو آية لكم، قد حفظ القرآن، وتعلم الركوب، وقال: اقرأ، فقرأ لختمة في أربعة أيام، وركب حصانًا، وساقه، فبهتوا، وعدوها آية لغباوتهم، فقام خطيبًا، وتلا:{لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]، وتلا:{مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110]، فهذا البشير مطلع على الأنفس، ملهم ونبيكم صلى الله عليه وسلم يقول:"إن في هذه الأمة محدثين، وإن عمر منهم"

(1)

. وقد صحبنا أقوام أطلعه الله على سرهم، ولابد من النظر في أمرهم، وتيمم العدل فيهم، ثم نودي في جبال المصامدة: من كان مطيعًا للإمام، فليأت، فأقبلوا يهرعون، فكانوا يعرضون على البشير، فيخرج قومًا على يمينه، ويعدهم من أهل الجنة، وقومًا على يساره، فيقول: هؤلاء شاكون في الأمر، وكان يؤتى بالرجل منهم فيقول: هذا تائب ردوه على اليمين تاب البارحة، فيعترف بما قال: واتفقت له فيهم عجائب، حتى كان يطلق أهل اليسار، وهم يعلمون أن مآلهم إلى القتل، فلا يفر منهم أحد، وإذا تجمع منهم عدة، قتلهم قراباتهم حتى يقتل الأخ أخاه.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "3689" من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك في أمتي فإنه عمر" زاد زكرياء ب أبي زائدة، عن سعد، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر". أخرجه مسلم "2398"، والترمذي "3694"، من حديث عائشة، به.

ص: 379

قال: فالذي صح عندي أنهم قتل منهم سبعون ألفًا على هذه الصفة، ويسمونه التمييز، فلما كمل التمييز، وجه جموعه مع البشير نحو أغمات، فالتفاهم المرابطون، فهزمهم المرابطون، وثبت خلق من المصامدة، فقتلوا، وجرح عمر الهنتانى عدة جراحات، فحمل على أعناقهم مثخنًا، فقال لهم البشير: إنه لا يموت حتى تفتح البلاد. ثم بعد مدة، فتح عينيه، وسلم، فلما أتوا، عزاهم ابن تومرت، وقال: يوم بيوم، وكذلك حرب الرسل.

وقال عبد الواحد المراكشي: سمع ابن تومرت ببغداد من المبارك بن الطيورى، وأخذ الأصول عن الشاشي، ونفاه من الإسكندرية أميرها، فبلغني أنه استمر ينكر في المركب، فألقوه، فأقام نصف يوم يعوم، فأنزلوا من أطلعه، واحترموه، فنزل ببجاية، فدرس ووعظ، وأقبلوا عليه، فخاف صاحبها، وأخرجه، وكان بارعًا في خط الرمل.

وقيل: وقع بالجفر، وصادف عبد المؤمن، ثم لقيهما عبد الواحد الشرقي، فساروا إلى أقصى المغرب.

وقيل: لقى عبد المؤمن يؤدب بأرض متيجة، ورأى عبد المؤمن أنه يأكل مع الملك علي بن تاشفين، وأنه زاد على أكله، ثم اختطف منه الصحفة، فقال له العابر: لا ينبغي أن تكون هذه الرؤيا لك، بل لمن يثور على أمير المسلمين إلى أن يغلب على بلاده.

وكان ابن تومرت طويل الصمت، دائم الانقباض، له هيبة في النفوس، قيل له مرة: فلان مسجون، فأتى الحبس، فابتدر السجانون يتمسحون به، فنادى: فلان، فأجابه، فقال: أخرج، فخرج، والسجانون باهتون، فذهب به، وكان لا يتعذر عليه أمر، وانفصل، عن تلمسان وقد استحوذ على قلوب كبرائها، فأتى فاس، وأخذ في الأمر بالمعروف.

قال: وكان جل ما يدعو إليه الاعتقاد على رأي الأشعري، وكان أهل الغرب ينافرون هذه العلوم، فجمع متولى فاس الفقهاء، وناظروه، فظهر، ووجد جوًا خاليًا، وقومًا لا يدرون الكلام، فأشاروا على الأمير بإخراجه، فسار إلى مراكش، فبعثوا بخبره إلى ابن تاشفين، فجمع له الفقهاء، فناظره ابن وهيب الفيلسوف، فاستشعر ذكاءه وقوة نفسه، فأشار على ابن تاشفين بقتله، وقال: إن وقع إلى المصامدة، قوي شره، فخاف الله فيه، فقال: فاحبسه، قال: كيف أحبس مسلمًا لم يتعين لنا عليه حق؟ بل يسافر. فذهب ونزل بتينملل، ومنه ظهر، وبه دفن، فبث في المصامدة العلم، ودعاهم إلى الأمر بالمعروف، واستمالهم وأخذ يشوق إلى المهدي، ويروى أحاديث فيه، فلما توثق منهم قال: أنا هو، وأنا محمد بن عبد الله، وساق نسبًا له إلى علي، فبايعوه، وألف لهم كتاب "أعز ما يطلب"، ووافق المعتزلة

ص: 380

في شيء، والأشعرية في شيء، وكان فيه تشيع، ورتب أصحابه، فمنهم العشرة، فهم أول من لباه، ثم الخمسين، وكان يسميهم المؤمنين، ويقول: ما في الأرض من يؤمن إيمانكم، وأنتم العصابة الذين عني النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"لا يزال أهل الغرب ظاهرين"

(1)

وأنتم تفتحون الروم، وتقتلون الدجال، ومنكم الذي يؤم بعيسى، وحدثهم بجزئيات اتفق وقوع أكثرها، فعظمت فتنة القوم به حتى قتلوا أبناءهم وإخوتهم لقسوتهم وغلظ طباعهم، وإقدامهم على الدماء، فبعث جيشًا، وقال: أقصدوا هؤلاء المارقين المبدلين الدين، فادعوهم إلى إماتة المنكر وإزالة البدع، والإقرار بالمهدي المعصوم، فإن أجابوا، فهم إخوانكم، وإلا فالسنة قد أباحت لكم قتالهم، فسار بهم عبد المؤمن يقصد مراكش، فالتقاه الزبير ابن أمير المسلمين، فكلموهم بالدعوة، فردوا أقبح رد، ثم انهزمت المصامدة، وقتل منهم ملحمة، فلما بلغ الخبر ابن تومرت، قال: أنجى عبد المؤمن؟ قيل: نعم. قال: لم يفقد أحد. وهون عليهم، وقال: قتلاكم شهداء.

قال الأمير عزيز في "أخبار القيروان": سمي ابن تومرت أصحابه بالموحدين، ومن خالفه بالمجسمين، واشتهر سنة خمس عشرة، وبايعته هرغة على أنه المهدي، فقصده الملثمون، فكسروا الملثمين، وحازوا الغنائم، ووثقت نفوسهم، وأتتهم أمداد القبائل، ووحدت هنتاتة، وهي من أقوى القبائل.

ثم قال عزيز: لهم تودد وأدب وبشاشة، ويلبسون الثياب القصيرة الرخيصة، ولا يخلون يومًا من طراد ومثاقفة ونضال، وكان في القبائل مفسدون، فطلب ابن تومرت مشايخ القبائل ووعظهم، وقال: لا يصلح دينكم إلا بالنهي عن المنكر، فابحثوا عن كل مفسد، فانهوه، فإن لم ينته، فاكتبوا إلي أسماءهم، ففعلوا، ثم هدد ثانيًا، فأخذ ما تكرر من الأسماء، فأفردها ثم جمع القبائل، وحضهم على أنه لا يغيب منهم أحد، ودفع تلك الأسماء إلى البشير، فتأملها، ثم عرضهم رجلًا رجلًا، فمن وجند اسمه، رده إلى الشمال، ومن لم يجده، بعثه على اليمين، ثم أمر بتكتيف أهل الشمال، وقال لقراباتهم: هؤلاء أشقياء من أهل النار، فلتقتل كل قبيلة أشقياءها، فقتلوهم، فكانت واقعة عجيبة، وقال: بهذا الفعل صح دينكم، وقوي أمركم.

وأهل العشرة هم: عبد المؤمن، والهزرجي، وعمرو بن يحيى الهنتاتى، وعبد الله البشير،

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "1925"، من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا وتمامه: لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة".

ص: 381

وعبد الواحد الزواوى طير الجنة، وعبد الله بن أبي بكر، وعمر بن أرناق، وواسنار أبو محمد، وإبراهيم بن جامع، وآخر.

وفي أول سنة أربع وعشرين؛ جهز عشرين ألف مقاتل عليهم البشير، وعبد المؤمن بعد أمور يطول شرحها، فالتقى الجمعان، واستحر القتل بالموحدين، وقتل البشير، ودام الحرب إلى الليل، فصلى بهم عبد المؤمن صلاة الخوف، ثم تحيز بمن بقى إلى بستان يعرف بالبحيرة، فراح منهم تحت السيف ثلاثة عشر ألفًا، وكان ابن تومرت مريضًا، فأوصى بإتباع عبد المؤمن، وعقد له، ولقبه أمير المؤمنين، وقال: هو الذي يفتح البلاد، فاعضدوه بأنفسكم وأموالكم، ثم مات في آخر سنة أربع وعشرين وخمس مائة.

قال اليسع بن حزم: سمي ابن تومرت المرابطين بالمجسمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلا بتنزيه الله -تعالى- عما لا يجب وصفه بما يجب له، مع ترك خوضهم عما تقصر العقول عن فهمه.

إلى أن قال: فكفرهم ابن تومرت لجهلهم العرض والجوهر، وأن من لم يعرف ذلك، لن يعرف المخلوق من الخالق، وبأن من لم يهاجر إليه، ويقاتل معه، فإنه حلال الدم والحريم، وذكر أن غضبه لله وقيامه حسبة.

قال ابن خلكان: قبره بالجبل معظم، مات كهلًا، وكان أسمر ربعة، عظيم الهامة، حديد النظر مهيبًا، وآثاره تغنى عن أخباره، قدم في الثرى، وهامة في الثريا، ونفس ترى إراقة ماء الحياة دون إراقة ماء المحيا، أغفل المرابطون ربطه وحله، حتى دب دبيب الفلق في الغسق، وكان قوته من غزل أخته رغيفًا بزيت، أو قليل سمن، لم ينتقل عن ذلك حين كثرت عليه الدنيا، رأى أصحابه يومًا، وقد مالت نفوسهم إلى كثرة ما غنموه، فأمر بإحراق جميعه، وقال: من أراد الدنيا، فهذا له عندي، ومن كان يبغي الآخرة، فجزاؤه عند الله، وكان يتمثل كثيرًا:

تجرد من الدنيا فإنك إنما

خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد

ولم يفتتح شيئًا من المدائن، وإنما قرر القواعد، ومهد، وبغته الموت، وافتتح بعده البلاد عبد المؤمن.

وقد بلغني -فيما يقال: أن ابن تومرت أخفى رجالًا في قبور دوارس، وجاء في جماعة ليريهم آية، يعني فصاح: أيها الموتى أجيبوا، فأجابوه: أنت المهدي المعصوم، وأنت وأنت، ثم إنه خاف من انتشار الحيلة، فخسف فوقهم القبور فماتوا.

ص: 382

وبكل حال، فالرجل من فحول العالم، رام أمرًا، فتم له، وربط البربر بالعصمة، وأقدم على الدماء إقدام الخوارج، ووجد ما قدم.

قال الحافظ منصور بن العمادية في "تاريخ الثغر": أملى علي نسبه فلان، وفي ذلك نظر من حيث إن محمد بن الحسن لم يعقب.

ولابن تومرت:

دعني ففي النفس أشياء مخبأة

لألبسن بها درعا وجلبابا

والله لو ظفرت نفسي ببغيتها

ما كنت عن ضرب أعناق الورى آبى

حتى أطهر ثوب الدين عن دنس

وأوجب الحق للسادات إيجابا

ص: 383

‌4742 - ابنُ صَدَقة

(1)

:

الوزير الكبير، جلال الدين أبو علي الحسن بن علي بن صدقة النصيبي.

تنقل في الأعمال، ثم تزوج ببنت الوزير ابن المطلب، وولي الحلة، ثم وزر بعد أبي شجاع، وكان شهمًا كافيًا مهيبًا سائسًا، فوزر ثلاثة أعوام، وأمسك سنة ست عشرة، ونهبت داره، وسجن، ثم احتاجوا إليه بعد عام، ووزر إلى أن توفي في رجب سنة اثنتين وعشرون وخمس مائة، وله يد بيضاء في النظم والنثر، عاش ثلاثًا وستين سنة.

‌4743 - البَطَائِحي

(2)

:

هو وزير الديار المصرية، والدولة العبيدية، الملك أبو عبد الله المأمون بن البطائحي، وكان من قصته أن أباه كان صاحب خبر بالعراق للمصريين من أجلاد الرافضة، فمات، ونشأ المأمون فقيرًا صعلوكًا، فكان حمالًا في السوق بمصر، فدخل مرة إلى دار الأفضل أمير الجيوش مع الحمالين، فرآه الأفضل شابًا مليحًا، خفيف الحركات، فقال: من هذا? قال بعضهم: هذا ابن فلان، فاستخدمه فرّاشًا مع الجماعة، فتقدم وتميز، وترقى به الحال إلى الملك، وهو الذي أعان الآمر بالله على الفتك بأمير الجيوش، وولي منصبه، وكان شهمًا مقدامًا، جوادًا بالأموال، سفاكًا للدماء، عضلة من العضل، ثم إنه عامل أخا الخليفة الآمر على قتل الآمر، ودخل معهما أمراء، فعرف بذلك الآمر، فقبض على المأمون، وصلبه، واستأصله في سنة تسع عشرة وخمس مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 9"، والعبر "4/ 51"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 233"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 66".

(2)

ترجمه في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 263" و"5/ 299 و 302"، والعبر "4/ 44"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 229"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 60".

ص: 383

‌4744 - الغَزِّي

(1)

:

شاعر خراسان، أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان الكلبي، صاحب الديوان.

سمع بدمشق من: الفقيه نصر، وأقام بنظامية بغداد مدة، ومدح الأعيان، ثم تحول إلى خراسان، ومدح وزير كرمان، ولو لم يكن له إلَّا قصيدته:

بجمع جفنيك بين البرء والسقم

لا تسفكي من دموعي بالفراق دمي

إشارة منك تكفينا وأحسن ما

رد السلام غداة البين بالعنم

تعليق قلبي بذات القرط يؤلمه

فليشكر القرط تعليقا بلا ألم

تبسمت فأضاء الليل فالتقطت

حبات منتثر في ضوء منتظم

مات بنواحي بلخ سنة أربع وعشرون وخمس مائة عن ثلاث وثمانين سنة.

‌4745 - ابن الأخشيذ

(2)

:

الشيخ الأمين، المسند الكبير، أبو سعد إسماعيل بن الفضل بن أحمد بن محمد بن علي بن الأخشيذ الأصبهاني التاجر، ويعرف بالسراج.

سمع: أبا القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر الذكواني، وأبا طاهر بن عبد الرحيم الكاتب، وعلي بن القاسم المقرئ، وأبا العباس بن النعمان الصائغ، وأبا الفضل الرازي المقرئ، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وعدة من أصحاب ابن المقرئ، وغيره، ويكنى أيضًا أبا الفتح، وبها كناه السمعاني، وكناه بأبي سعد أبو طاهر السلفي، ووثقه.

وحدث عنه: هو، وأبو موسى المديني، ويحيى بن محمود الثقفي، وناصر الويرج، وخلف بن أحمد الفراء، وأسعد بن أحمد الثقفي، وأبو جعفر الصيدلاني، وجمع كثير.

قال أبو موسى: سمعته يقول: ولدت ليلة نصف شعبان، سنة ست وثلاثين وأربع مائة، وكان اسم أبي: محمدًا، ويكنى أبا الفضل، فغلب عليه الفضل.

قال السمعاني: كان سديد السيرة، قرأ بروايات، ونسخ أجزاء كثيرة، وكان واسع الرواية، موثوقًا به، كتب إلي بالإجازة، فمن مسموعه "طبقات الصحابة" لأبي عروبة مجلد سمعه من ابن عبد الرحيم عن ابن المقرئ عنه، وكتاب "الأشراف" لابن المنذر، سمعه من ابن عبد الرحيم عن ابن المقرئ عنه، وكتاب "السنن" للحسن بن علي الحلواني.

قلت: توفي في شعبان، وقيل: في رمضان سنة أربع وعشرون وخمس مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 15"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 57"، والعبر "4/ 55"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 236"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 67".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 55"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 68".

ص: 384

‌4746 - الكُرَاعي

(1)

:

الشيخ الجليل المعمر، مسند مرو، أبو منصور محمد بن علي بن محمود الزولهي، التاجر، المروزي، المشهور بالكراعي، ويقال: إن اسمه أحمد، من قرية زولاه بنواحي مرو، شيخ صالح، صين دين، رحل إليه الناس، وصارت زولاه مقصدًا لطلبة الحديث، وكان آخر من حدث عن جده لأمه أبي غانم الكراعي صاحب عبد الله بن الحسين النضري، فسمع منه نحوًا من عشرين جزءًا.

قال أبو سعد السمعاني: سمعت منه بقراءة أبي طاهر السنجي اثني عشر جزءًا، ثم أحضره شيخنا الخطيب أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن المروزي في الخانقاه، وقرئت عليه الأجزاء المسموعة له، فسمعتها.

إلى أن قال: ولد في العشرون من شوال، سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة.

قال: ومات في أواخر سنة أربع وعشرون وخمس مائة، أو في أوائل سنة خمس بقريته.

قلت: وممن روى عنه بالشام: أبو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي الباقي إلى سنة ثمانين وخمس مائة، وداود بن محمد الخالدي.

ومات في سنة أربع: أبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك الوراق، وشاعر وقته أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن محمد الغزي ببلخ عن ثلاث وثمانين سنة، وإسماعيل بن الأخشيذ السراج، وأبو عبد الله البارع، وعبد الله بن محمد بن إسماعيل الغزال بمكة.

وقيل: مات فيها سهل المسجدي، وفيها ماتت: فاطمة الجوزدانية، وقراتكين بن الأسعد التركي، والحافظ أبو عامر محمد بن سعدون العبدري، وابن تومرت كبير الموحدين، والآمر بأحكام الله منصور، وهبة الله بن الأكفاني، وهبة الله بن القاسم المهراني.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "6/ 325".

ص: 385

‌4747 - ابن كادش

(1)

:

الشيخ الكبير، أبو العز أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله بن محمد بن أحمد بن حمدان بن عمر بن إبراهيم بن عيسى بن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عتبة بن فرقد السلمي، العكبري، المعروف: بابن كادش، أخو المحدث أبي ياسر محمد.

ولد في صفر، سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة، وطلب الحديث، وقرأ على المشايخ، ونسخ بخطه الرديء المعقد جملةً، وجمع وخرّج.

سمع: أبا الطيب الطبري، وأقضى القضاة أبا الحسن الماوردي، وأبا محمد الجوهري، وأبا علي محمد بن الحسين الجازري، وأبا طالب العشاري، وأبا الحسين بن النرسي، وعدة.

سمع منه: ابن ناصر، والسلفي، وأبو العلاء الهمذاني، وأبو القاسم ابن عساكر، ومعمر بن الفاخر، وأبو موسى المديني، وهبة الله بن السبط، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب الحربي، وآخرون.

قال ابن النجار: كان ضعيفًا في الرواية، مخلطًا، كذابًا، لا يحتج به، وللأئمة فيه مقال.

قال السمعاني: كان ابن ناصر يسيء القول فيه.

وقال عبد الوهاب الأنماطي: كان مخلطًا.

وقال ابن ناصر: لم يسمع كل كتاب "الجليس" من أبي علي الجازري، قال السمعاني: فذكرت هذا لأبي القاسم الدمشقي، فأنكره غاية الإنكار، وقال: كان صحيح السماع، ورأيت سماعه لهذا الكتاب في الأصل مثبتًا، وأثنى على أبي العز.

ثم قال السمعاني: سمعت ابن ناصر يقول: سمعت إبراهيم بن سليمان يقول: سمعت أبا العز بن كادش يقول: وضعت حديثًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقر عندي بذلك.

قال عمر بن علي القرشي: سمعت أبا القاسم علي بن الحسن الحافظ يقول: قال لي ابن

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 28"، والعبر "4/ 68"، وميزان الاعتدال "1/ 118"، ولسان الميزان "1/ 218"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 250"ن وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 78".

ص: 386

كادش: وضع فلان حديثًا في حق علي، ووضعت أنا في حق أبي بكر حديثًا، بالله أليس فعلت جيدًا?

قلت: هذا يدل على جهله، يفتخر بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن النجار: رأيت له كتابًا سماه "الانتصار لرتم القحاب" فيه أشعار، فيقول: أنشدتني المغنية فلانة، وأنشدتني ستوت المغنية بأوانا، وقد قرأه عليه ابن الخشاب.

قال مرة: ولدت سنة اثنتين وثلاثين، وسئل مرة، فقال: سنة إحدى وثلاثين.

وقال يوسف الدمشقي: سألته فقال: سنة خمس وثلاثين.

وقال الصائن بن عساكر: سألته، فقال: في المحرم، سنة سبع وثلاثين.

مات في جمادى الأولى سنة ست وعشرون وخمس مائة.

وفيها مات: الملك الأكمل أحمد ابن أمير الجيوش بمصر، وتاج الملوك بوري بن الأتابك طغتكين صاحب دمشق، والمحدث الحسين ابن محمد بن خسرو ببغداد، وفقيه المغرب أبو محمد عبد الله بن أبي جعفر المرسي المالكي، وعبد الكريم بن حمزة السلمي، وشيخ الحنابلة أبو الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى، وأبو علي منصور بن الخير المالقي.

ص: 387

‌4748 - المسترشد بالله

(1)

:

أمير المؤمنين أبو منصور الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد بن القائم عبد الله بن القادر القرشي الهاشمي، العباسي، البغدادي.

مولده في شعبان، سنة ست وثمانين وأربع مائة في أيام جده المقتدي، وخطب له بولاية العهد وهو يرضع، وضربت السكة باسمه.

وسمع في سنة أربع وتسعين من: أبي الحسن بن العلاف، وسمع من: أبي القاسم بن بيان، ومن مؤدبه أبي البركات بن السيبي.

روى عنه: وزيره علي بن طراد، وحمزة بن علي الرازي، وإسماعيل بن الملقب.

وله خط بديع، ونثر صنيع، ونظم جيد، مع دينٍ ورأيٍ، وشهامةٍ وشجاعة، وكان خليقًا للإمامة، قليل النظير.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 54"، والعبر "4/ 75"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 257" والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 256"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 86".

ص: 387

قال ابن النجار: ذكر قثم بن طلحة الزينبي -ومن خطه نقلت- أن المسترشد كان يتنسك في أول زمنه، ويلبس الصوف، ويتعبد، وختم القرآن، وتفقه، لم يكن في الخلفاء من كتب أحسن منه، وكان يستدرك على كتابه، ويصلح أغاليط في كتبهم، وكان ابن الأنباري يقول: أنا وراق الإنشاء ومالك الأمر يتولى ذلك بنفسه الشريفة.

قال ابن النجار: كان ذا شهامة وهيبة، وشجاعة وإقدام، ولم تزل أيامه مكدرة بتشويش المخالفين، وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك ومباشرته إلى أن خرج، فكسر، وأسر، ثم استشهد على يد الملاحدة، وكان قد سمع الحديث.

قال: وله نظم، ونثرٌ مليح، ونبل رأي.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا الكندي، أخبرنا إسماعيل بن السمرقندي، أخبرنا علي بن طراد، أخبرنا المسترشد بالله، أخبرنا ابن بيان الرزاز، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، فذكر حديثًا.

قال ابن النجار: أنشدنا هبة الله بن الحسن بن السبط حفظًا للمسترشد بالله:

قالوا تقيم وقد أحا

ط بك العدو ولا تفر

فأجبتهم المرء ما لم

يتعظ بالوعظ غر

لا نلت خيرًا ما حييت

ولا عداني الدهر شر

إن كنت أعلم أن غي

ر الله ينفع أو يضر

وله:

أنا الأشقر الموعود بي في الملاحم

ومن يملك الدنيا بغير مزاحم

ستبلغ أرض الروم خيلي وتنتضى

بأقصى بلاد الصين بيض صوارمي

وقيل: إنه قال لما أسر مستشهدًا:

ولا عجبًا للأسد إن ظفرت بها

كلاب الأعادي من فصيح وأعجم

فحربة وحشي سقت حمزة الردى

وموت علي من حسام ابن ملحم

قال سعد الله بن نجا بن الوادي: حكى لي صديقي منصور بن إبراهيم قال: لما عاد الحيص بيص إلى بغداد، وكان قد هجا الخليفة المسترشد طالبًا لذمامه، فقال فيه:

ص: 388

ثنيت ركابي عن دبيس بن مزيد

مناسمها مما تغذ دوامي

فرارًا من اللؤم المظاهر بالخنا

وسوء ارتحالٍ بعد سوء مقام

ليخصب ربعي بعد طول محيله

بأبيض وضاح الجبين إمام

فإن يشتمل طول العميم برأفةٍ

بلفظ أمانٍ أو بعقد ذمام

فإن القوافي بالثناء فصيحةٌ

تناضل عن أنسابكم وتحامي

قال: فخرج لفظ الخليفة: سرعة العفو عن كبير الجرم استحقار بالمعفو عنه.

وبخط قاضي المارستان قال: حكي أن الوزير علي بن طراد أشار على المسترشد أن ينزل في منزل اختاره، وقال: هو أصون. قال: كف يا علي، والله لأضربن بسيفي حتى يكل ساعدي، ولألقين الشمس بوجهي حتى يشحب لوني:

وإذا لم يكن من الموت بد

فمن العجز أن تكون جبانا

ابن النجار: أخبرنا زين الأمناء عن محمد بن محمد الإسكافي إمام الوزير، قال: لما كنا مع المسترشد بباب همذان، كان معنا "إنسان يعرف بـ" فارس الإسلام، وكان يقرب من خدمة الخليفة، فدخل على الوزير ابن طراد، فقال: رأيت الساعة النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ما تقول في هذا الجيش? قال: مكسور مقهور، فأريد أن تطالع الخليفة بهذا، فقال: يا فارس الإسلام، أنا أشرت على الخليفة أن لا يخرج من بغداد، فقال: يا علي، أنت عاجز رد إلى بيتك، فلا أبلغه هذا، لكن قل لابن طلحة صاحب المخزن، فذهب إلى ابن طلحة، فأخبره، فقال: لا أنهي إليه ما يتطير به، فاكتب هذا إليه واعرضها، وأخل موضع مقهور، فكتبتها، وجئت إلى السرادق، فوجدت نجا في الدهليز، وقد صلى الخليفة الفجر، وبين يديه مصحف، ومقابله ابن سكينة إمامه، فدخل نجا الخادم، فسلم الرقعة إليه، وأنا أنظره، فقرأها غير مرة، وقال: من كتب هذه? فقال: فارس الإسلام، قال: أحضره، فجاء، فقبض على يدي، فأرعدت، وقبلت الأرض، فقال: وعليكم السلام، ثم قرأ الرقعة مرات، ثم قال: من كتب هذه? قلت: أنا، قال: ويلك، لم أخليت موضع الكلمة الأخرى? قلت: هو ما رأيت يا أمير المؤمنين. قال: ويلك، هذا المنام أريته أنا في هذه الساعة، فقلت: يا مولانا، لا يكون أصدق من رؤياك، ترجع من حيث جئت، قال: ويلك، ويكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لا والله ما بقي لنا رجعة، ويقضي الله ما يشاء. فلما كان اليوم الثاني أو الثالث، وقع المصاف، وتم ما تم، وكسر وأسر وقتل، رحمه الله.

ص: 389

قال ابن ناصر: خرج المسترشد بالله سنة تسع وعشرين وخمس مائة إلى همذان للإصلاح بين السلاطين، واختلاف الجند، وكان معه جمعٌ كثير من الأتراك، فغدر به أكثرهم، ولحقوا بمسعود بن محمد بن ملكشاه، ثم التقى الجمعان، فانهزم جمع المسترشد بالله في رمضان، وقبض عليه، وعلى خواصه، وحملوا إلى قلعة هناك، فحبسوا بها، وبقي الخليفة مع السلطان مسعود إلى نصف ذي القعدة، وحمل معهم إلى مراغة، ثم إن الباطنية ألفوا عليه جماعةً من الملاحدة، وكان قد أنزل ناحية من المعسكر، فدخلوا عليه، ففتكوا به، وبجماعةٍ كانوا على باب خركاهه، وقتلوا، ونقل، فدفن بمراغة، وكان مصرعه يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة.

وجاء الخبر يوم التاسع من مقتله إلى بغداد، فكثر النوح والبكاء بها، وعمل العزاء.

وقال صدقة بن الحسين الحداد: كان قد صلى الظهر، وهو يقرأ في المصحف، وهو صائم، فدخل عليه من شرج الخيمة جماعة بالسكاكين، فقتلوه، ووقعت الصيحة، فقتل عليه جماعةٌ من أصحابه، منهم: أبو عبد الله بن سكينة، وابن الخزري، وخرجوا منهزمين، فأخذوا وقتلوا ثم أحرقوا، فبقيت يد أحدهم خارجة من النار مضمومة لم تحترق، ففتحت، وإذا فيها شعراتٌ من لحيته -صلوات الله عليه- فأخذها السلطان مسعود، وجعلها في تعويذ ذهب، وجلس للعزاء، وجاز الخادم ومعه المصحف، وعليه الدم إلى السلطان، وخرج أهل مراغة في المسوح وعلى وجوههم الرماد، وكانت خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر.

قال قثم بن طلحة: كان أشقر أعطر أشهل، خفيف العارضين، وخلف من الذكور: منصورًا الراشد بالله، وأحمد، وعبد الله، وإسحاق -توفي قبله- وبنتان، ووزر له محمد بن الحسين، وأبو علي بن صدقة، وعلي بن طراد، وأنوشروان.

وقضاته: علي بن الدامغاني، وعلي بن الحسين الزينبي.

قلت: بويع عند موت أبيه في ربيع الآخر، سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، فكانت دولته سبع عشرة سنة وسبعة أشهر، وعاش ستًا وأربعين سنة، فقيل: إن الذين فتكوا به جهزهم مسعود، وكانوا سبعة عشر نفسًا، فأمسكوا، وقتلهم السلطان، وأظهر الحزن والجزع.

وقيل: بعث السلطان سنجر بن ملكشاه إلى ابن أخيه مسعود يوبخه على انتهاك حرمة المسترشد، ويأمره برده إلى مقر عزه، وأن يمشي بين يديه بالغاشية، ويخضع، ففعل ذلك ظاهرًا، وعمل على قتله، وقيل: بل الذي جهز الباطنية عليه السلطان سنجر من خراسان، وفيه بُعد.

ص: 390

وقيل: إن الشاشي عمل "العمدة" في الفقه للمسترشد.

وفي سنة سبع عشرة كان المصاف بين المسترشد وبين دبيس الأسدي، وجذب يومئذ المسترشد سيفه، فانهزم دبيس وتمزق جمعه، ثم كانت بينهما وقعةٌ سنة "519"، فذل دبيس، وجاء وقبل الأرض، فلم يعط أمانًا، ففر إلى السلطان سنجر، واستجار به، فحبسه خدمةً للمسترشد، وصلى المسترشد بالناس يوم الأضحى وخطبهم، ونزل، فنحر بدنه بيده.

وفي سنة إحدى وعشرين: وصل السلطان محمود، وحاصر بغداد، واستظهر الخليفة.

وفي سنة سبع وعشرين سار المسترشد في اثني عشر ألف فارس، فحاصر الموصل ثمانين يومًا، فبذل له زنكي متوليها أموالًا ليرحل، فأبى، ثم إنه ارتحل، وعظمت هيبته في النفوس، وخضع زنكي، وبعث الحمل إلى المسترشد، وقدم رسول السلطان سنجر، فأكرم، ونفذ المسترشد لسنجر خلعة السلطنة ثمنت بمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، وعرض المسترشد جيوشه في هيئة لم يعهد مثلها من دهر طويل، فكانوا خمسة عشر ألفًا.

وفارق مسعود بغداد على غضب، وانضم إليه دبيس، وعزموا على أخذ بغداد، فطلب المسترشد زنكي بن أقسنقر، وهو محاصر دمشق، وطلب نائب البصرة بكبه، فبيت مسعود لطلائع المسترشد، فانهزموا، ولكن خامر أربعة أمراء إلى المسترشد، فأنعم عليهم بثمانين ألف دينار، وسار في سبعة آلاف، وكانت الملحمة في رمضان سنة تسع كما ذكرنا، فانهزم جيش الخليفة، وأسلموه، فأسره مسعود في نوع احترام، وحاز خزانته، وكانت أربعة آلاف ألف دينار، ومجموع القتلى خمسة أنفس، وزور السلطان على لسان الخليفة كتبًا إلى بغداد بما شاء، وقامت قيامة البغاددة على خليفتهم، وكان محبوبًا إلى الرعية جدًا، وبذلوا السيف في أجناد السلطان، فقتل من العامة مائة وخمسون نفسًا، وأشرفت الرعية على البلاء، ولما قتل المسترشد، بويع بالخلافة، ولده الراشد بالله ببغداد.

ص: 391

‌4749 - الراشد بالله

(1)

:

أمير المؤمنين، أبو جعفر منصور بن المسترشد بالله الفضل بن أحمد العباسي.

ولد سنة اثنتين وخمس مائة في رمضان. فقيل: ولد بلا مخرج، ففتق له مخرج بآلةٍ من ذهب، وأمه أم ولد.

خطب له بولاية العهد سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، واستخلف في ذي القعدة سنة تسع وعشرين.

وكان أبيض مليحًا، تام الشكل، شديد الأيد، يقال: إنه كان بدار الخلافة أيل عظيم اعترضه في البستان، فأحجم الخدم، فهجم على الأيل، وأمسك بقرنيه ورماه، وطلب منشارًا، فقطع قرنيه.

وكان حسن السيرة، مؤثرًا للعدل، فصيحًا عذب العبارة، أديبًا شاعرًا، جوادًا، لم تطل أيامه حتى خرج إلى الموصل، ثم إلى أذربيجان، وعاد إلى أصبهان، فأقام على بابها مع السلطان داود، محاصرًا لها، فقتلته الملاحدة هناك، وكان بعد خروجه من بغداد مجيء السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه، فاجتمع بالأعيان، وخلعوا الراشد، وبايعوا عمه المقتفي.

قال أبو طالب بن عبد السميع: من كلام الراشد: إنا نكره الفتن إشفاقًا على الرعية، ونؤثر العدل والأمن في البرية، ويأبى المقدور إلَّا تصعب الأمور، واختلاط الجمهور، فنسأل الله العون على لم شعث الناس بإطفاء نائرة البأس.

قال أبو الحسن البيهقي في "وشاح دمية القصر": الراشد بالله أعطاه الله مع الخلافة صورةٌ يوسفية، وسيرةٌ عمرية.

أنشدني رسوله له:

زمانٌ قد استنت فصال صروفه

وذلل آساد الكرام لذي القرعى

أكولته تشكو صروف زمانه

وليس لها مأوى وليس لها مرعى

فيا قلب لا تأسف عليه فربما

ترى القوم في أكناف أفنائه صرعى

وله قصيدة طويلة منها:

أقسم بالله وهل خليفه

يحنث إن أقسم في اليمين

لا تزرن في الحروب صادقا

لأكشف العار الذي يعلوني

مشمرًا عن ساق عزمي طالبًا

ثأر الإمام الوالد الأمين

عمري عمري والذي قدر لي

ما ينمحي المكتوب عن جبيني

قال ابن ناصر: بقي الأمر للراشد سنة، ثم دخل مسعود، وفي صحبته أصحاب المسترشد

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 76"، والعبر "4/ 89"، وشذرات الذهب "4/ 100".

ص: 392

الوزير علي بن طراد، وصاحب المخزن بن طلحة، وكاتب الإنشاء ابن الأنباري، وخرج الراشد مع غلمان داره طالبًا الموصل صحبة زنكي، فأحضر القضاة والشهود والعلماء عند الوزير أبي القاسم علي، وكتبوا محضرا فيه شهادة العدول بما جرى من الراشد من الظلم، وأخذ الأموال، وسفك الدماء، وشرب الخمر، واستفتي الفقهاء فيمن فعل ذلك، هل تصح إمامته? وهل إذا ثبت فسقه بذلك يجوز لسلطان الوقت أن يخلعه ويستبدل به? فأفتوا بجواز خلعه، والاستبدال به، فوقع الاختيار مع الغد بحضور مسعود وأمرائه في دار الخلافة على عمه أبي عبد الله محمد بن المستظهر بالله ولقبوه بالمقتفي، وله أربعون سنة، وقد وخطه شيب، وهو أسمر، وأمه أم ولد صفراء تدعى ست السادة.

قال: ثم بلغنا أن الراشد خرج من الموصل إلى بلاد أذربيجان إلى مراغة، وكان معه جماعة، فصادروا أهلها، وعاثوا، ثم ذهبوا إلى همذان، فقتلوا بها، وحلقوا لحى جماعة من الفقهاء، وعتوا، ومضوا إلى نواحي أصبهان، فانتهبوا القرى، وحاصروا البلد في جمع من أجناد داود بن محمود بن محمد، فمرض الراشد مرضًا أشفى منه، بلغنا أن جماعة من العجم كانوا فراشين في خدمته؛ اتصلوا به هناك؛ دخلوا خركاهه في السابع والعشرين من رمضان سنة اثنتين وثلاثين، فقتلوه بالسكاكين، وقتلوا بعده كلهم.

وقيل: كان قد سقي سمًا، ثم دفن بالمدينة العتيقة في حجرة من بناء نظام الملك، وجاء الخبر إلى عمه المقتفي، فعقدوا له العزاء يومًا واحدًا.

وقال عبد الجليل كوتاه: دفن بجنب الجامع بمدينة أصبهان. قال ابن النجار: زرت قبره بجي، وهو خشب منقوش، وعليه ستر أسود، فيه كتابةٌ من إبريسم، وله فراشون وخدم، وعقبه باق إلى آخر سنة ست مائة.

قلت: لما استخلف الراشد، بعث إليه السلطان مسعود يتعنته، ويطلب منه ذهبًا كثيرًا، ثم قدم الأتابك زنكي وغيره، فحسنوا له القتال لمسعود، وكان شجاعًا، فخافوه، ثم تغير عليه زنكي فقدم الملك داود بن محمود إلى الراشد، وقصدوا السلطان مسعودًا، فسار مسعودٌ من جهة أخرى، فنازل بغداد يحاصرها، ونهب عسكره واسطًا والنعمانية، وتملك بغداد.

وقيل: إنه أخرج خط الراشد يقول: إني متى عسكرت أو خرجت، انعزلت، وبالغ علي بن طراد الوزير في ذم الراشد، وخوف القضاة من غائلته ومن جوره، فحكم القاضي ابن الكرخي بخلعه، وعاش ثلاثين سنة، رحمه الله وسامحه.

ص: 393

‌4750 - حمزة بن هبة الله

(1)

:

ابن محدث نيسابور محمد بن الحسين بن داود العلوي، الحسيني، النيسابوري، شيخٌ حسن السيرة، تفرد بأشياء.

سمع: ابن مسرور، وعبد الغافر الفارسي، وعبد الرحمن بن محمد الأنماطي صاحب الإسماعيلي، ومحمد بن الفضل النسوي، وسمع ببغداد، وكان زيديًا.

قال السمعاني: حدثنا عنه جماعةٌ، عاش ستا وتسعين سنة، توفي: في المحرم سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة.

‌4751 - تاج الملوك

(2)

:

صاحب دمشق، تاج الملوك، بوري بن صاحب دمشق الأتابك طغتكين، مولى السلطان تتش السلجوقي.

تملك بعد أبيه في صفر سنة اثنتين وعشرين، وكان ذا حلمٍ وكرمٍ، له أثر كبير في قتل وزيره والإسماعيلية.

مولده في سنة ثمان وسبعين وأربع مائة.

ولابن الخياط فيه مدائح في "ديوانه"، وقد وزر له أيضًا أبو الذواد ابن الصوفي، ثم كريم الملك بن عم المزدقاني.

ولما علم ابن صباح صاحب الألموت بما جرى على أشياعه الإسماعيلية بدمشق، تنمر، وندب طائفة لقتل تاج الملوك، فعين اثنين بشربوشين في زي الجند، ثم قدما، فاجتمعا بناسٍ منهم أجنادٌ، وتحيلا على أن صارا من السلحدانة، وضمنوهما، ثم وثبا عليه، فقتلاه. قال أبو يعلى القلانسي: وثبوا عليه في خامس جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين، فضربه الواحد بالسيف قصد رأسه، فجرحه في رقبته جرحًا سليمًا، وضربه الآخر بسكين في خاصرته، فمرت بين الجلد واللحم.

قلت: كان تعلل من ذلك، ولكنه توفي في رجب سنة ست وعشرين وخمس مائة، وحلفوا بعده لولده شمس الملوك إسماعيل.

قال ابن الأثير: وصى بالأمر لإسماعيل، ووصى ببعلبك لابنه محمد.

وقيل: كان عجبًا في الجهاد، لا يفتر عن غزو الفرنج، ولو كان له عسكر كثير، لاستأصل الفرنج.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 13".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 69"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 249"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 78".

ص: 394

‌4752 - شمس الملوك

(1)

:

صاحب دمشق، شمس الملوك، إسماعيل بن بوري بن الأتابك طغتكين التركي.

تملك بعد أبيه في رجب سنة ست وعشرين، وكان بطلًا شجاعًا، شهمًا مقدامًا كآبائه، لكنه جبارٌ عسوف.

استنقذ بانياس من الفرنج في يومين، وكانت الإسماعيلية باعوها لهم من سبع سنين، وسعر بلادهم، وأوطأهم ذلا، ثم سار، فحاصر أخاه ببعلبك، ونازل حماة، وهي للأتابك زنكي، وأخذها لما سمع بأن المسترشد يحاصر الموصل، وصادر الأغنياء والدواوين، وظلم وعتا، ثم بدا له، فكاتب الأتابك زنكي ليسلم إليه دمشق، فخافته أمه زمرد والأمراء، فهيأت أمه من قتله، لأنه تهددها لما نصحته بالقتل، وكانت الفرنج تخافه لما هزمهم، وبيتهم، وشن الغارة على بلادهم، وعثرهم، وكان قد تسودن وتخيل من أمرائه، وأخذ يحول أمواله إلى قلعة صرخد.

قال ابن القلانسي: بالغ في الظلم، وصادر وعذب، ولما علم بأن زنكي على قصد دمشق، بعث يستحثه ليعطيه إياها لهذيان تخيله، ويقول: إن لم تجئ، سلمتها إلى الفرنج، كتب هذا بيده، فأشفق الناس، فحمل صفوة الملك دينها على حسم الداء، فأهلكته، وكثر الدعاء لها.

قتل في ربيع الأول سنة تسع وعشرين وخمس مائة، وله ثلاث وعشرون سنة، وتملك بعده أخوه محمود، ثم تزوجت أمه بصاحب حلب زنكي.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 77"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 255"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 90".

ص: 395

‌4753 - ابن الأكفاني

(1)

:

الشيخ الإمام، المفنن المحدث الأمين، مفيد الشام، أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد بن هبة الله بن علي بن فارس الأنصاري الدمشقي المعدل، المعروف بابن الأكفاني. ولد سنة " (444) ".

وسمع وهو ابن تسع سنين، وبعد ذلك من: والده، وأبي القاسم الحنائي، وأبي الحسين محمد بن مكي، وعبد الدائم بن الحسن الهلالي، وأبي بكر الخطيب، وعبد العزيز الكتاني، ولازمه مدةً، وأبي نصر بن طلاب، وأبي الحسن بن أبي الحديد، وطاهر بن أحمد القايني، وعبد الجبار بن برزة الواعظ، وأبي القاسم بن أبي العلاء، وخلق كثير، وكان أبوه قد سمع من عبد الرحمن بن الطبيز.

حدث عنه: غيث الأرمنازي، وأبو بكر بن العربي، وأبو طاهر السلفي، وابن عساكر، وأخوه الصائن، وعبد الرزاق النجار، وإسماعيل بن علي الجنزوي، وأبو طاهر الخشوعي، وآخرون.

قال ابن عساكر: سمعت منه الكثير، وكان ثقة، ثبتًا، متيقظًا، معنيًا بالحديث وجمعه، غير أنه كان عسرًا في التحديث، وتفقه على القاضي المروزي مدةً، وكان ينظر في الوقوف، ويزكي الشهود.

وقال السلفي: هو حافظٌ مكثر ثقة، كان تاريخ الشام، كتب الكثير.

وقال ابن عساكر: مات الأمين في سادس المحرم سنة أربع وعشرين وخمس مائة، رحمه الله.

‌4754 - ابن يَرْبُوع

(2)

:

الأستاذ الحافظ، المجود الحجة، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد بن سليمان، بن يربوع الشنتريني، ثم الإشبيلي، نزيل قرطبة.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 63"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 235"، وشذرات الذهب "4/ 73".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 293"، والعبر "4/ 51"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1071"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 66".

ص: 396

سمع من: محمد بن أحمد بن منظور "صحيح البخاري"، ومن أبي محمد بن خزرج، وحاتم بن محمد، وأبي مروان بن سراج، وأبي علي الغساني، وعدة.

وأجاز له العباس بن دلهاث.

روى عنه: أبو القاسم بن بشكوال، وقال: كان حافظا للحديث وعلله، عارفا برجاله، وبالجرح والتعديل، ضابطا ثقة، كتب الكثير، وصحب أبا علي الغساني، واختص به، وكان أبو علي يفضله، ويصفه بالمعرفة والذكاء.

إلى أن قال: صنف كتاب "الإقليد في بيان الأسانيد"، وكتاب "تاج الحلية وسراج البغية في معرفة أسانيد الموطأ"، وكتاب "البيان عما في كتاب أبي نصر الكلاباذي من النقصان"، وكتاب "المنهاج في رجال مسلم"، سمعت منه مجالس، وتوفي: في صفر سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة عن ثمان وسبعين سنة.

وفيها مات: وزير العراق جلال الدين أبو علي الحسن بن علي بن صدقة وزير المسترشد، وصاحب دمشق الأتابك طغتكين ظهير الدين والد تاج الملوك بوري، والمسند أبو منصور محمد بن علي الكراعي بمرو، وإبراهيم بن سهل النيسابوري المسجدي.

ص: 397

‌4755 - العَبْدَرِي

(1)

:

الشيخ الإمام، الحافظ الناقد الأوحد، أبو عامر محمد بن سعدون بن مرجى بن سعدون القرشي العبدري، الميورقي، المغربي، الظاهري، نزيل بغداد.

مولده بقرطبة، وكان من بحور العلم، لولا تجسيم فيه، نسأل الله السلامة.

سمع من: مالك البانياسي، ورزق الله التميمي، ويحيى السيبي، وطراد الزينبي، ونصر بن البطر، والحميدي، وابن خيرون، وطبقتهم.

حدث عنه أبو المعمر، وابن عساكر، ويحيى بن بوش، وأبو الفتح المندائي، وجماعة.

قال القاضي أبو بكر بن العربي في "معجمه": أبو عامر العبدري هو أنبل من لقيته.

وقال ابن ناصر: كان فهمًا عالمًا، متعففًا مع فقره، ويذهب إلى أن المناولة كالسماع.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 564"، والمنتظم لابن الجوزي "10/ 19"، والعبر "4/ 57"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1072"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 70".

ص: 397

وقال السلفي: هو من أعيان علماء الإسلام بمدينة السلام، متصرف في فنون من العلم أدبا ونحوا، ومعرفة بالأنساب، وكان داوودي المذهب، قرشي النسب، كتب عني، وكتبت عنه.

وقال ابن نقطة: حدثنا أحمد بن أبي بكر البندنيجي أن الحافظ ابن ناصر لما دفنوا العبدري، قال: خلا لك الجو فبيضي واصفري. مات أبو عامر حافظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن شاء، فليقل ما شاء.

وقال الحافظ ابن عساكر: كان العبدري أحفظ شيخ لقيته، وكان فقيها داووديا، ذكر أنه دخل دمشق في حياة أبي القاسم بن أبي العلاء، وسمعته وقد ذكر مالك، فقال: جلف جاف، ضرب هشام بن عمار بالدرة، وقرأت عليه "الأموال" لأبي عبيد، فقال _ وقد مر قول لأبي عبيد: ما كان إلَّا حمارًا مغفلًا، لا يعرف الفقه. وقيل لي عنه: إنه قال في إبراهيم النخعي: أعور سوء، فاجتمعنا يوما عند ابن السمرقندي في قراءة كتاب "الكامل"، فجاء فيه: وقال السعدي كذا، فقال: يكذب ابن عدي، إنما ذا قول إبراهيم الجوزجاني، فقلت له: فهو السعدي، فإلى كم نحتمل منك سوء الأدب، تقول في إبراهيم كذا وكذا، وتقول في مالك جاف، وتقول في أبي عبيد?! فغضب وأخذته الرعدة، وقال: كان ابن الخاضبة والبرداني وغيرهما يخافوني، فآل الأمر إلى أن تقول فيّ هذا?! فقال له ابن السمرقندي: هذا بذاك، فقلت: إنما نحترمك ما احترمت الأئمة، فقال: والله لقد علمت من علم الحديث ما لم يعلمه غيري ممن تقدم، وإني لأعلم من صحيح البخاري ومسلم ما لم يعلماه، فقلت مستهزئًا: فعلمك إلهام إذا، وهاجرته، وكان سيئ الاعتقاد، يعتقد من أحاديث الصفات ظاهرها، بلغني عنه أنه قال لي في سوق باب الأزج:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42]، فضرب على ساقه، وقال: ساق كساقي هذه.

وبلغني عنه أنه قال: أهل البدع يحتجون بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، أي: في الإلهية، فأما في الصورة، فهو مثلي ومثلك، قد قال الله تعالى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الأحزاب: 32]، أي: في الحرمة.

وسألته يومًا عن أحاديث الصفات، فقال: اختلف الناس فيها، فمنهم من تأولها، ومنهم من أمسك، ومنهم من اعتقد ظاهرها، ومذهبي أحد هذه المذاهب الثلاثة، وكان يفتي على مذهب داود، فبلغني أنه سئل عن وجوب الغسل على من جامع ولم ينزل، فقال: لا غسل عليه، الآن فعلت ذا بأم أبي بكر.

إلى أن قال: وكان بشع الصورة زري اللباس.

وقال السمعاني: هو حافظ مبرز في صنعة الحديث، سمع الكثير، ونسخ بخطه وإلى آخر عمره، وكان ينسخ وقت السماع.

وقال ابن ناصر: فيه تساهل في السماع، يتحدث ولا يصغي، ويقول: يكفيني حضور المجلس، ومذهبه في القرآن مذهب سوء. مات: في ربيع الآخر، سنة أربع وعشرين وخمس مائة.

قلت: ما ثبت عنه ما قيل من التشبيه، وإن صح، فبعدًا له وسحقًا.

ص: 398

‌4756 - الرَّازِي

(1)

:

الشيخ العالم، المعمر الثقة، مسند الإسكندرية ومصر، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الرازي، ثم المصري، الشروطي المعدل، المعروف بابن الحطاب الذي يقول فيه أبو طاهر السلفي فيما نقلته من خطه: لم يك في وقته في الدنيا من يدانيه في علو الإسناد.

قلت: مولده في سنة أربع وثلاثين وأربع مائة، واعتنى به والده المحدث أبو العباس، فسمعه الكثير في سنة أربعين، وبعدها سمع: أبا الحسن بن حمصة راوي مجلس البطاقة، وعلي بن ربيعة، وعلي بن محمد الفارسي، ومحمد بن الحسين الطفال، وأحمد بن محمد بن الفتح الحكيمي، وأبا الفضل السعدي، وتاج الأئمة أحمد بن علي بن هاشم، ومحمد بن الحسين بن سعدون، ومحمد بن الحسين بن الترجمان، وعدد شيوخه سبعة وأربعون، خرج له عنهم أبو طاهر السلفي، وخرج له أيضًا السداسيات، وروى عنه هو ويحيى بن سعدون القرطبي، وأبو محمد العثماني، وعبد الواحد بن عسكر، ومحمد بن عبد الرحمن الحضرمي، وأبو طالب محمد بن المسلم، وإسماعيل بن عوف الفقيه، وإسماعيل بن ياسين، وعبد الرحمن بن موقا، وآخرون.

مات في سادس جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وخمس مائة، وله إحدى وتسعون سنة.

وفيها مات أبو السعود أحمد بن علي بن المجلي -بجيم ساكنة- والخطيب أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي بالموصل، ومدرس النظامية أبو علي الحسن بن سلمان بن الفتى، والشيخ القدوة حماد بن مسلم الدباس، وطبيب الأندلس أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن زهر الإشبيلي، وأبو غالب محمد بن الحسن الماوردي، والسلطان محمود بن محمد بن ملكشاه، وأبو القاسم هبة الله بن الحصين، ويحيى بن المشرف المصري التمار.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 65"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 247"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 75".

ص: 399

‌4757 - ابن أبي ذر

(1)

:

الشيخ الجليل الصدوق، مسند وقته، أبو بكر محمد بن علي بن الشيخ أبي ذر محمد بن إبراهيم الصالحاني، الأصبهاني. والصالحان: محلة مشهورة.

ولد سنة ثمان وثلاثين، وكان آخر من حدث عن أبي طاهر بن عبد الرحيم.

حدث عنه: أبو موسى المديني، وخلف بن أحمد، وتميم بن أبي الفتوح المقرئ، وسعيد بن روح الصالحاني، وعبيد الله بن أبي نصر اللفتواني، ومحمد بن أبي عاصم بن زينة، ومحمد بن أبي نصر الحداد الضرير، وزاهر بن أحمد الثقفي، والمخلص محمد بن الفاخر، وأبو مسلم بن الإخوة، وإدريس بن محمد العطار، ومحمود بن أحمد المضري، وعين الشمس بنت أحمد الثقفية، وعدة.

مات في ثاني جمادى الآخرة، سنة ثلاثين وخمس مائة، عن اثنتين وتسعين سنة.

‌4758 - ابن مُلوك

(2)

:

الشيخ الصالح الثقة، أبو المواهب أحمد بن محمد بن عبد الملك بن ملوك البغدادي الوراق، شيخ خير، صحيح السماع.

سمع: القاضي أبا الطيب الطبري، وأبا محمد الجوهري.

حدث عنه: أبو القاسم ابن عساكر، وعبد الخالق بن هبة الله البندار، وعمر بن طبرزد، وجماعة، عنده "جزء الغطريفي".

توفي في ذي الحجة، سنة خمس وعشرين وخمس مائة، وله خمس وثمانون سنة.

وقال ابن النجار: توفي سنة أربع.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "8/ 13"، والعبر "4/ 83"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 96".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 64"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 73".

ص: 400

‌4759 - ابن عطية

(1)

:

الإمام الحافظ، الناقد المجود، أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عطية المحاربي الأندلسي، الغرناطي المالكي.

روى عن أبيه، والحسن بن عبيد الله الحضرمي، ومحمد بن حارث، ومحمد بن أبي غالب القروي، ورأى ابن عبد البر، وحج سنة تسع وستين، فسمع عيسى بن أبي ذر، والحسين بن علي الطبري، وأبا الفضل الجوهري، ومحمد بن معاذ التميمي المهدوي.

روى عنه ولده صاحب التفسير الكبير.

قال ابن بشكوال: كان حافظًا للحديث وطرقه وعلله، عارفًا بالرجال، ذاكرًا لمتونه ومعانيه، قرأت بخط بعض أصحابنا أنه سمعه يذكر أنه كرر على "صحيح البخاري" سبع مائة مرة.

قال: وكان أديبًا شاعرًا لغويًا، دينًا فاضلًا، أكثر الناس عنه، وكف بصره في آخر عمره، وكتب إلينا بإجازة ما رواه.

مولده سنة إحدى وأربعين وأربع مائة، وتوفي: في جمادي الآخرة سنة ثمان عشرة وخمس مائة، وله سبع وسبعون سنة، رحمه الله.

‌4760 - ابنه عبد الحق بن أبي بكر

(2)

:

الإمام العلامة، شيخ المفسرين، أبو محمد عبد الحق بن الحافظ أبي بكر غالب بن عطية المحاربي الغرناطي.

حدث عن: أبيه، وعن الحافظ أبي علي الغساني، ومحمد بن الفرج مولى ابن الطلاع، وأبي الحسين يحيى بن أبي زيد المقرئ بن البياز، وعدة.

وكان إمامًا في الفقه، وفي التفسير، وفي العربية، قوي المشاركة، ذكيًا فطنًا مدركًا، من أوعية العلم.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 457"، والعبر "4/ 43"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1069"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 59".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 386" وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 73".

ص: 401

مولده سنة ثمانين وأربع مائة، اعتنى به والده، ولحق به الكبار، وطلب العلم وهو مراهق، وكان يتوقد ذكاءً، ولي قضاء المرية في سنة تسع وعشرين وخمس مائة.

حدث عنه: أولاده، وأبو القاسم بن حبيش الحافظ، وأبو محمد بن عبيد الله، وأبو جعفر بن مضاء، وعبد المنعم بن الفرس، وأبو جعفر بن حكم، وآخرون.

توفي بحصن لورقة، في الخامس والعشرين من شهر رمضان، سنة إحدى وأربعين وخمس مائة.

وقال الحافظ خلف بن بشكوال: توفي سنة اثنتين وأربعين. وقال: كان واسع المعرفة، قوي الأدب، متفننًا في العلوم، أخذ الناس عنه، رحمه الله تعالى.

ص: 402

‌4761 - أبو غالب الماوردي

(1)

:

الشيخ الإمام، المحدث الصدوق، أبو غالب محمد بن الحسن بن علي بن الحسن التميمي البصري الماوردي.

ولد سنة خمسين وأربع مائة.

وسمع: أبا الحسين بن النقور، وعبد العزيز الأنماطي، وعبد الله بن الخلال، وعدة ببغداد، وأبا عمرو بن منده، ومحمود بن جعفر، وعدة بأصبهان، ومحمد بن المنثور الجهني، وأبا الفرج محمد بن أحمد بن علان بالكوفة، وأبا علي التستري، وعبد الملك بن شغبة بالبصرة.

وكان شيخًا صالحًا عالمًا، ينسخ للناس بالأجرة.

حدث عنه أبو القاسم بن عساكر، وأبو الفرج بن الجوزي، ويحيى بن بوش، وعبد الوهاب بن سكينة.

قال ابن الجوزي: نسخ بخطه الكثير، وكان صالحا، مات في رمضان، سنة خمس وعشرين وخمس مائة.

قال: ورئي في المنام، فقال: غفر الله لي ببركات الحديث، وأعطاني جميع ما أملته.

قال ابن النجار: كان ثقةً صالحًا عفيفًا، حدث بالكثير.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 23"، واللباب لابن الأثير "3/ 156"، والعبر "4/ 65"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 75".

ص: 402

‌4762 - صاعد بن سَيَّار

(1)

:

ابن محمد بن عبد الله، المحدث الحافظ، أبو العلاء الإسحاقي، الهروي، الدهان.

حج وحدث ببغداد عن عبد الرحمن بن أبي عاصم، وأبي عامر الأزدي، وشيخ الإسلام أبي إسماعيل، وعلي بن فضال النحوي، وعدة.

قرأ عليه ابن ناصر "جامع أبي عيسى"، فسمعه منه أبو الفرج عبد المنعم بن كليب وغيره.

قال أبو سعد السمعاني: كان حافظًا متقنًا، واسع الرواية، كتب الكثير، وجمع الأبواب، وعرف الرجال، حدثنا عنه ابن ناصر، وأبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل، وأبو المعمر الأنصاري.

قلت: وروى عنه الحافظ أبو موسى المديني، مات بقرية غورج بقرب هراة، في ذي القعدة سنة عشرين وخمس مائة كهلًا، رحمه الله.

‌4763 - ابنُ صاعد

(2)

:

قاضي نيسابور، وصدرها وكبيرها، أبو سعيد محمد بن القاضي أحمد بن محمد بن صاعد الصاعدي.

سمع: أباه وعمه يحيى، وعمر بن مسرور، وأبا عثمان الصابوني، وعبد الغافر بن محمد. وحدث ببغداد، فروى عنه ابن ناصر، وغيره، وابن السمعاني.

مات في ذي الحجة سنة سبع وعشرين وخمس مائة عن بضع وثمانين سنة.

‌4764 - طاهر بن سهل

(3)

:

ابن بشر بن أحمد بن سعيد، الشيخ الكبير، المسند أبو محمد الإسفراييني، ثم الدمشقي الصائغ.

سمّعه أبوه المحدث أبو الفرج من أبي القاسم الحنائي، وعبد الدائم الهلالي، وأبي الحسين محمد بن مكي الأزدي، والحافظ أبي بكر الخطيب، وأحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد، وعبد العزيز بن أحمد الكتاني، وطائفة.

حدث عنه: أبو القاسم الحافظ، والخشوعي، وعبد الرحمن بن علي الخرقي، وأبو القاسم بن الحرستاني، وآخرون.

توفي في ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة، وله نيفٌ وثمانون سنةً، فإنه ولد عام خمسين، غمزه ابن عساكر، وقال: كان شيخًا عسرًا، مع جهله بالحديث، وعدم ثقته، حك اسم أخيه من كتاب "الشهاب" للقضاعي، وأثبت بدله اسم نفسه.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "1/ 223"، واللباب لابن الأثير "1/ 52"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 262"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1070"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 61".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 33"، والعبر "4/ 72"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 251"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 82".

(3)

ترجمته في العبر "4/ 85"، وميزان الاعتدال "2/ 335"، ولسان الميزان "3/ 206"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 97".

ص: 403

ابن خسرو، ابن الطبر:

‌4765 - ابن خُسْرو

(1)

:

المحدث العالم، مفيد أهل بغداد، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن خسرو البلخي، ثم البغدادي الحنفي، جامع "مسند أبي حنيفة".

سمع من: مالك البانياسي، وأبي الحسن الأنباري، وعبد الواحد بن فهد، والنعالي، فمن بعدهم، فأكثر وجمع، وأفاد وتعب.

حدث عنه: ابن الجوزي، وغيره.

قال السمعاني: سألت عنه ابن ناصر، فقال: فيه لين، يذهب إلى الاعتزال، وكان حاطب ليل، وسألت عنه ابن عساكر، فقال: ما كان يعرف شيئًا.

قلت: توفي في شوال، سنة ست وعشرين وخمس مائة.

‌4766 - ابن الطَّبَر

(2)

:

الشيخ الإمام، المقرئ المعمر، مسند القراء والمحدثين، أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر البغدادي الحريري.

ولد يوم عاشوراء، سنة خمس وثلاثين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في ميزان الاعتدال "1/ 547"، ولسان الميزان "2/ 312".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 71"، والعبر "4/ 86"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 97".

ص: 404

وسمع من: أبي الحسن محمد بن عبد الواحد بن زوج الحرة، وأبي إسحاق البرمكي، وأبي طالب العشاري، وطائفة، وتلا بالروايات على أبي بكر محمد بن علي بن موسى الخياط تلميذ أبي أحمد الفرضي.

حدث عنه: ابن عساكر، وأبو موسى المديني، وأبو الفرج بن الجوزي، ويحيى بن ياقوت، وعبد الخالق بن هبة الله البندار، وعبد الله بن الطويلة، وعلي بن محمد بن علي الأنباري، وفاطمة بنت سعد الخير، وعبد الرحمن بن أحمد العمري، وبقاء بن حنذ، وأبو الفتح المدائني، وعمر بن طبرزد، وأبو اليمن الكندي، وتلا عليه الكندي بست روايات، وكان خاتمة من روى عنه في الدنيا.

قال ابن الجوزي: كان صحيح السماع، قوي البدن، ثبتًا، كثير الذكر، دائم التلاوة، وهو آخر من روى عن ابن زوج الحرة، قرأت عليه، وكنت أجيء إليه في الحر، فنصعد سطح المسجد، فيسبقني في الدرج.

مات في ثاني جمادى الآخرة، سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة.

قال أبو موسى: ذهب بصره، ثم عاد بصيرًا.

ص: 405

‌4767 - حَمَّاد بن مسلم

(1)

:

ابن ددوه الشيخ القدم، علم السالكين، أبو عبد الله الدباس، الرحبي، رحبة مالك بن طوق.

نشأ ببغداد، وكان يجلس في غرفة كاركه الدبس، وكان من أولياء الله أولي الكرامات، انتفع بصحبته خلقٌ، وكان يتكلم على الأحوال، كتبوا من كلامه نحوًا من مائة جزء، وكان قليل العلم أميًا.

فعنه قال: مات أبواي في نهار ولي ثلاث سنين.

قال أحمد بن صالح الجيلي: سمع من أبي الفضل بن خيرون، وكان يتكلم على آفات الأعمال، والإخلاص، والورع، وقد جاهد نفسه بأنواع المجاهدات، وزاول أكثر المهن والصنائع في طلب الحلال، وكان مكاشفًا.

فعنه قال: إذا أحب الله عبدًا، أكثر همه فيما فرط، وإذا أبغض عبدًا، أكثر همه فيما قسمه له.

وقال: العلم محجة، فإذا طلبته لغير الله، صار حجة.

وقيل: كان يقبل النذر، ثم تركه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنه يستخرج من البخيل"

(2)

، ثم صار يأكل بالمنام.

قال المبارك بن كامل: مات العارف الورع الناطق بالحكمة حماد في سنة خمس وعشرين وخمس مائة، لم أر مثله، كان بزي الأغنياء، وتارةً بزي الفقراء.

وقال ابن الجوزي: كان يتصوف، ويدعي المعرفة والمكاشفة، وعلوم الباطن، وكان عاريًا عن علم الشرع، ونفق على الجهال، كان ابن عقيل ينفر الناس عنه، وبلغه عنه أنه كان يعطي المحموم لوزةً وزبيبة ليبرأ، فبعث إليه: إن عدت لهذا ضربت عنقك، توفي في رمضان.

قلت: نقم ابن الأثير وسبط ابن الجوزي هذا، وعظما حمادًا رحمه الله وكان الشيخ عبد القادر من تلامذته.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 22"، والعبر "4/ 64"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 73".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "6692" و "6693"، ومسلم "1639" وأبو داود "3287" والنسائي "7/ 15 - 16"، وابن ماجه "2122"، وأحمد "2/ 61 و 86"، من حديث عبد الله بن عمر، به.

وأخرجه البخاري "6694"، ومسلم "1640"، وأبو داود "3288"، من حديث أبي هريرة، به.

ص: 405

‌4768 - ابن زُهْر

(1)

:

العلامة الأوحد، أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي، الطبيب، الشاعر.

أخذ الطب عن أبيه، فساد فيه، وصنف، حتى إن أهل الأندلس ليفتخرون به، وحمل عن أبي علي الجياني، وعبد الله بن أيوب.

وله النظم الفائق، وفيه كرم وسؤدد، لكنه فيه بذاء، ونفق على السلطان، حتى صارت إليه رياسة بلده.

روى عنه: ابنه أبو مروان، وأبو عامر بن ينق، وأبو بكر بن أبي مروان.

ألف كتاب "الأدوية المفردة"، وكتاب "الخواص"، وكتاب "حل شكوك الرازي"، وأشياء، وكان أبوه ملك الأطباء، وكان جده فقيهًا مفتيًا.

توفي أبو العلاء بقرطبة سنة خمس وعشرين وخمس مائة منكوبًا.

(1)

ترجمته في شذرات الذهب "4/ 74".

ص: 406

‌4769 - ظافر بن القاسم

(1)

:

ابن منصور، شاعر زمانه، أبو منصور الجذامي، الإسكندراني، الحداد، له "ديوان" مشهور.

روى عنه أبو طاهر السلفي، وغيره، وهو القائل:

يذم المحبون الرقيب وليت لي

من الوصل ما يخشى عليه رقيب

قال محمد بن الحسين الآمدي: دخلت على متولي الإسكندرية، وقد ورم خنصره من خاتم، فقلت: المصلحة قطع الخاتم، وطلبت له ظافرًا الحداد، فقطع الحلقة وارتجل:

قصر عن أوصافك العالم

وأكثر الناثر والناظم

من يكن البحر له راحةً

يضيق عن خنصره خاتم

فوهبه الحلقة، وكانت ذهبًا.

توفي سنة تسع وعشرين وخمس مائة.

‌4770 - ابن حمُّويه

(2)

:

الإمام العارف أبو عبد الله محمد بن حمويه بن محمد بن حمويه الجويني الصوفي، جد آل حمويه الذين رأسوا بمصر.

كان ذا تأله وتعبد ومجاهدةٍ وصدق.

حج مرتين، وحدث عن: عائشة بنت البسطامي، وموسى بن عمران الصوفي، وطائفة. روى عنه أبو محمد بن الخشاب، وابن عساكر، وأبو أحمد بن سكينة، وآخرون.

قال السمعاني: صاحب كرامات وآيات، اشتهر بتربية المريدين، وله إجازةٌ من الأستاذ أبي القاسم القشيري، وعاش اثنتين وثمانين سنة.

قلت: له في التصوف تأليف، وقبره يزار بقرية بحيراباذ.

توفي إلى رضوان الله في مستهل ربيع الأول، سنة ثلاثين وخمس مائة، رحمه الله.

(1)

ترجمته في معجم الأدباء لياقوت الحموي "12/ 27"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 540"، والعبر "4/ 78"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 91".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "4/ 230"، واللباب لابن الأثير "1/ 392"، والمنتظم لابن الجوزي "10/ 63"، والعبر "4/ 83"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 95".

ص: 407

‌4771 - ابن عيذون

(1)

:

ذو الوزارتين أبو محمد عبد المجيد بن عيذون، وهو منسوب إلى جده لأمه عبد المجيد بن عبد الله بن عيذون الفهري الأندلسي، اليابري النحوي، الشاعر المفلق.

أخذ عن: أبي الحجاج الأعلم، وعاصم بن أيوب، وأبي مروان بن سراج، وله نظمٌ فائق، ومؤلف في الانتصار لأبي عبيد على ابن قتيبة، وكان من بحور الآداب، كتب الإنشاء للمتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس وأشبونة، وله فيهم مرثية باهرة أولها:

الدهر يفجع بعد العين بالأثر

فما البكاء على الأشباح والصور

ثم تضعضع، واحتاج، وعمر، فقال أبو بكر بن زهر: دخل علينا رجل رث الهيئة، كأنه بدوي، فقال: يا بني، استأذن لي على الوزير أبي مروان، فقلت: هو نائم، فقال: ما هذا الكتاب? قلت: وما سؤالك عنه?! هذا من كتاب "الأغاني"، فقال: تقابله? فقلت: ما هنا أصل، قال: إني حفظته في الصغر، فتبسمت، فقال: فأمسك علي، فأمسكت، فوالله ما أخطأ شيئًا، وقرأ نحوًا من كراسين، فقمت مسرعًا إلى أبي، فخرج حافيًا وعانقه، وقبل يده واعتذر، وسبني وهو يخفض عليه، ثم حادثه، ووهبه مركوبًا، ثم قلت: يا أبت، من هذا? قال: ويحك! هذا أديب الأندلس ابن عيذون، أيسر محفوظاته كتاب "الأغاني".

توفي ابن عيذون بيابرة سنة سبع وعشرين وخمس مائة.

‌4772 - عبد الكريم بن حمزة

(2)

:

ابن الخضر بن العباس، الشيخ الثقة المسند، أبو محمد السلمي، الدمشقي، الحداد، وكيل المقرئين.

سمع: أبا القاسم الحنائي، وأبا بكر الخطيب، ومحمد بن مكي الأزدي، وعبد الدائم بن الحسن الهلالي، وأحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد، وعبيد الله بن عبد الله الداراني، وعبد العزيز بن أحمد الكتاني، وجماعة.

وأجاز له من بغداد أبو جعفر بن المسلمة، ومن واسط: أبو الحسن بن مخلد.

حدث عنه: أبو القاسم بن الحرستاني، والسلفي، وابن عساكر، وإسماعيل الجنزوي، وعبد الرحمن بن الخرقي، وأبو طاهر الخشوعي، وآخرون، وآخر من حدث عنه: ابن الحرستاني المذكور.

قال الحافظ ابن عساكر: كان شيخًا ثقة، مستورًا سهلًا، قرأت عليه الكثير، وتوفي: في ذي القعدة سنة ست وعشرين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 388".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 69"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 249"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 78".

ص: 408

‌4773 - أبو الحسين بن الفرَّاء

(1)

:

الإمام العلامة، الفقيه القاضي، أبو الحسين محمد ابن القاضي الكبير أبي يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء الحنبلي، البغدادي.

ولد سنة إحدى وخمسين.

وسمع: أباه، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وعبد الصمد بن المأمون، وأبا المظفر هناد النسفي، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وأبا الحسين بن النقور، وعدة.

وأجاز له أبو محمد الجوهري، وتفقه بعد موت أبيه، وبرع وناظر، ودرس وصنف، وكان يبالغ في السنة، ويلهج بالصفة، وجمع طبقات الفقهاء الحنابلة.

حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وتمام بن الشنا، وذاكر الله الحربي، ومظفر بن البري، وعلي بن عمر الواعظ وعبد الله بن محمد بن عليان، ومحمد بن غنيمة بن القاق، وعدة.

وقال السلفي: كان أبو الحسين متعصبًا في مذهبه، وكان كثيرًا ما يتكلم في الأشاعرة ويسمعهم، لا تأخذه في الله لومة لائم، وله تصانيف في مذهبه، وكان دينًا ثقة ثبتًا، سمعنا منه.

وقال ابن الجوزي: كان له بيت في داره بباب المراتب، يبيت وحده، فعلم من كان يخدمه بأن له مالًا، فذبحوه ليلًا، وأخذوا المال ليلة عاشوراء، سنة ست وعشرين وخمس مائة، ثم وقعوا بهم فقتلوا.

وقال ابن النجار: تميز وصنف في الأصلين والخلاف والمذهب، وكان دينا ثقة، حميد السيرة، رحمه الله.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 29"، والعبر "4/ 69"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبي "4/ 79".

ص: 409

‌4774 - ابن أبي جعفر

(1)

:

الإمام العلامة، فقيه المغرب، شيخ المالكية، أبو محمد عبد الله بن أبي جعفر محمد بن عبد الله بن أبي جعفر محمد بن عبد الله بن أحمد الخشني، المرسي.

سمع من: أبي عمر بن عبد البر، وابن دلهاث العذري، وأبي الوليد الباجي، وابن مسرور، ومحمد بن سعدون القروي، وحاتم بن محمد، سمع منه "الملخص"، أخبرنا القابسي، وحج، فسمع بمكة من الحسين بن علي الطبري، وأخذ الفقه بقرطبة عن أبي جعفر أحمد بن رزق المالكي، وانتهت إليه الإمامة في معرفة المذهب، وكان رأسًا في التفسير، له معرفةٌ بالحديث، له حرمة وجلالة، وفيه تعبد، وله بر ومعروف.

أخذ عنه: أبو عبد الله بن عيسى التميمي قاضي سبتة، وجماعة، أصابه شيءٌ من الفالج، ولم يتغير حفظه.

مات في ثالث رمضان سنة ست وعشرين وخمس مائة عن ثمانين سنة.

وروى عنه أبو محمد بن منصور، وأبو محمد بن شبونه، وعمر، وارتحل إليه الناس من كل قطر، رحمه الله.

‌4775 - أبو غالب بن البنَّاء

(2)

:

الشيخ الصالح الثقة، مسند بغداد، أبو غالب أحمد بن الإمام أبي علي الحسين بن أحمد بن عبد الله بن البناء البغدادي الحنبلي.

سمع أبا محمد الجوهري، وتفرد عنه بأجزاء عالية، وأبا الحسين بن حسون النرسي،

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 294"، والعبر "4/ 69"، وشذرات الذهب "4/ 78".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "1/ 31"، والعبر "4/ 71"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1288"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 79".

ص: 410

والقاضي أبا يعلى بن الفراء، وأبا الغنائم بن المأمون، وأبا الحسين بن الغريق، ووالده أبا علي، وعدة، وله "مشيخة" بانتقاء الحافظ ابن عساكر.

ولد في سنة خمس وأربعين وخمس مائة، وله إجازةٌ من الفقيه أبي إسحاق البرمكي، والقاضي أبي الطيب الطبري.

حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وهبة الله بن مسعود الباذبيني، وأبو الفرج محمد بن هبة الله الوكيل، وإسماعيل بن علي القطان، وعمر بن طبرزد، وخلق، وكان من بقايا الثقات.

مات في صفر، وقيل: مات في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وخمس مائة.

وفيها مات: أسعد بن أبي نصر الميهني الشافعي صاحب التعليقة، والحافظ أبو نصر الحسن بن محمد بن إبراهيم اليونارتي الأصبهاني، وأبو الحسن علي بن الزاغوني الفقيه، وأبو بكر محمد بن الحسن المزرفي، وأبو خازم محمد بن أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الفقيه.

ص: 411

‌4776 - أبو خازم بن الفراء

(1)

:

الشيخ الإمام، الفقيه القدوة، الزاهد العابد، أبو خازم محمد بن القاضي الكبير أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي الحنبلي.

ولد سنة سبع وخمسين، فمات أبوه وهو يرضع، وسمع من: أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وجابر بن ياسين، وطائفة، وتفقه على: القاضي يعقوب البرزبيني تلميذ أبيه، حتى برع في العلم، وصنف "التبصرة" في الخلاف، وكتاب "رؤوس المسائل"، وشرح "مختصر الخرقي".

حدث عنه أولاده أبو يعلى محمد، وأبو الفرج علي، وأبو محمد عبد الرحيم، وابن ناصر، ويحيى بن بوش وآخرون.

وقد مر أخوه الإمام أبو الحسين بن أبي يعلى.

توفي أبو خازم في صفر، سنة سبع وعشرين وخمس مائة، وعاش سبعين سنة، وكنوه بكنية عمه أبي خازم محمد الراوي عن الدارقطني.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 34"، والعبر "4/ 73"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 251"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 82".

ص: 411

‌4777 - أبو الحسن بن الزَّاغوني

(1)

:

الإمام العلامة، شيخ الحنابلة، ذو الفنون، أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن عبيد الله بن سهل الزاغوني البغدادي، صاحب التصانيف.

ولد سنة خمس وخمسين وأربع مائة.

وسمع من: أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وأبي محمد بن هزارمرد، وابن النقور، وابن البسري، وعدد كثير، وعني بالحديث، وقرأ الكثير، وأسمع أخاه المعمر أبا بكر بن الزاغوني.

حدث عنه: السلفي، وابن ناصر، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وعلي بن عساكر البطائحي، وأبو القاسم بن شدقيني، ومسعود بن غيث الدقاق، وأبو الفرج بن الجوزي، وبركات بن أبي غالب، وعمر بن طبرزد، وآخرون.

وكان من بحور العلم، كثير التصانيف، يرجع إلى دين وتقوى، وزهد وعبادة.

قال ابن الجوزي: صحبته زمانًا، وسمعت منه، وعلقت عنه الفقه والوعظ، ومات: في سابع عشر المحرم سنة سبع وعشرين وخمس مائة، وكان الجمع يفوت الإحصاء.

قال ابن الزاغوني في قصيدة له:

إني سأذكر عقد ديني صادقًا

نهج ابن حنبل الإمام الأوحد

منها:

عالٍ على العرش الرفيع بذاته

سبحانه عن قول غاوٍ ملحد

قد ذكرنا أن لفظة "بذاته" لا حاجة إليها، وهي تشغب النفوس، وتركها أولى، والله أعلم.

قلت: وقال السمعاني: سمعت حامد بن أبي الفتح، سمعت أبا بكر بن الزاغوني يقول: حكى بعضهم ممن يوثق به أنه رأى في المنام ثلاثةً، يقول واحدٌ منهم: اخسف، وآخر يقول: أغرق، وآخر يقول: أطبق -يعني البلد- فأجاب أحدهم: لا، لأن بالقرب منا ثلاثة: علي ابن الزاغوني، وأحمد بن الطلاية، ومحمد بن فلان.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 32"، والعبر "4/ 72"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 80".

ص: 412

أملى علي القاضي عبد الرحيم بن الزريراني أنه قرأ بخط أبي الحسن بن الزاغوني: قرأ أبو محمد الضرير علي القرآن لأبي عمرو، ورأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأت عليه القرآن من أوله إلى آخره بهذه القراءة، وهو يسمع، ولما بلغت في الحج إلى قوله:{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الحج: 14] الآية، أشار بيده، أي: اسمع، ثم قال: هذه الآية من قرأها، غفر له، ثم أشار أن اقرأ، فلما بلغت أول يس، قال لي: هذه السورة من قرأها، أمن من الفقر، وذكر بقية المنام.

ورأيت لأبي الحسن بخطه مقالةً في الحرف والصوت عليه فيها مآخذ، والله يغفر له، فيا ليته سكت.

ص: 413

‌4778 - أبو علي الفارقي

(1)

:

الشيخ الإمام الفقيه، شيخ الشافعية، أبو علي الحسن بن إبراهيم بن برهون الفارقي.

ولد بميافارقين سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة، وتفقه بها على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني، ثم ارتحل إلى بغداد، ولزم الشيخ أبا إسحاق حتى برع وفاق وحفظ "المهذب"، ثم تفقه على أبي نصر بن الصباغ، وحفظ عليه "الشامل" كله.

وسمع من: أبي جعفر بن المسلمة، وأبي الغنائم بن المأمون، وجماعة.

حدث عنه: الصائن بن

عساكر، وأبو سعد بن عصرون، وطائفة.

قال السمعاني: كان إمامًا زاهدًا ورعًا، قائمًا بالحق، سمعت عمر بن الحسن الهمذاني يقول: كان أبو علي الفارقي يقول لنا: كررت البارحة الربع الفلاني من "المهذب"، كررت البارحة الربع الفلاني من "الشامل".

ولي قضاء واسط، فحمد، ودام بها إلى أن توفي ممتعًا بحواسه، عاش خمسًا وتسعين سنة.

وقال ابن النجار: ولي قضاء واسط في سنة خمس وثمانين وأربع مائة، وعزل في سنة ثلاث عشرة، ولازم الإشغال بواسط، وكان إمامًا ورعًا مهيبًا، لا تأخذه في الله لومة لائم.

روى عنه أهل واسط، وكان معدودًا في الأذكياء.

مات في المحرم، سنة ثمان وعشرين، وعليه تفقه فقيه الشام أبو سعد بن أبي عصرون.

وفيها توفي: القدوة الزاهد أبو الوفاء أحمد بن علي الشيرازي، وأحمد بن علي بن حسن بن سلمويه الصوفي بنيسابور، والطبيب الفيلسوف أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني، وأبو الحسين سليمان بن محمد بن الطراوة نحوي زمانه، وأبو الحسن علي بن أحمد بن خلف بن الباذش المقرئ، وأبو القاسم هبة الله بن عبد الله الواسطي.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 37"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 77"، والعبر "4/ 74"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 57"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 85".

ص: 413

‌4779 - ابن قِبْلَيل

(1)

:

شيخ المالكية، أبو جعفر أحمد بن عمر بن خلف بن قبليل الهمذاني الغرناطي الفقيه. تحمل عن: محمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني الحافظ، وأصبغ بن محمد.

حدث عنه: أبو عبد الله بن عبد الرحيم، وأبو خالد بن رفاعة، وأبو جعفر بن الباذش، وأبو القاسم بن بشكوال.

قال أبو عبد الله الأبار: دارت عليه الفتيا، وكان من جلة الفقهاء المشاورين.

توفي في ذي القعدة، سنة ست وعشرين وخمس مائة.

‌4780 - ابن الرُّطَبي

(2)

:

العلامة المفتي، أبو العباس أحمد بن سلامة بن عبيد الله بن مخلد الكرخي، الشافعي، ابن الرطبي، أحد أذكياء العصر.

روى عن: أبي القاسم بن البسري وجماعة، وتفقه بالشيخ أبي إسحاق، وبابن الصباغ، ولازم أبا بكر الشاشي، ومضى إلى أصبهان، وجالس محمد بن ثابت الخجندي، وبرع وساد، وولي قضاء الحريم والحسبة، وأدب أولاد الخليفة، وكان من رجال العالم عقلًا وسمتًا ووقارًا.

روى عنه ابن عساكر، ويحيى بن ثابت البقال، ويحيى بن بوش، وكان بصيرًا بالكلام، وبه تأدب الراشد بالله، وكان رأسًا في المذهب.

توفي سنة سبع وعشرين وخمس مائة، في أول رجب، ببغداد.

(1)

ترجمته في الديباج المذهب لابن فرحون المالكي "1/ 220".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 31"، والعبر "4/ 71"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1288".

ص: 414

‌4781 - ابن الفتى

(1)

:

العلامة، مدرس النظامية، أبو علي الحسن بن سلمان بن عبد الله أبي طالب بن محمد النهرواني، ثم الأصبهاني.

سمع من: الرئيس أبي عبد الله الثقفي.

روى عنه: أبو المعمر الأنصاري وغيره، وكان واعظًا باهرًا متضلعًا من الفقه والكلام، وافر الجلالة.

قال أبو المعمر: لم تر عيناي مثله.

وقال ابن عساكر في "طبقات الأشعرية": كان ممن يملأ العين جمالًا، والأذن بيانًا، ويربي على أقرانه في النظر، لأنه كان أفصحهم لسانًا، تفقه بأبي بكر محمد بن ثابت الخجندي مدرس نظامية أصبهان. قيل: إنه سئل: ما علامة قبول صوم رمضان? قال: أن يموت في شوال قبل التلبس برديء الأعمال، فمات في سادس شوال سنة خمس وعشرين وخمس العلاء وأظهر عليه أهل بغداد من الجزع ما لم يعهد مثله.

قلت: وروى عنه ابن عساكر.

وقال ابن الجوزي: وعظ بجامع القصر، وكان يقول: أنا في الوعظ مبتدئ، أنشأ خطبًا كان يوردها، وينظم فيها مذهب الأشعري فنفقت، ومال على المحدثين والحنابلة، فاستلب عاجلًا.

قلت: توفي كهلًا، وكان أبوه أبو عبد الله رأسًا في اللغة والنحو، له كتاب القانون عشر مجلدات في اللغة، وفسر القرآن، وألف في علل القراءات، أخذ عن ابن برهان، وحدث عن ابن غيلان، وتخرج به أدباء أصبهان، وروى عنه السلفي، مات سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة، تأدب به أولاد نظام الملك. وقد شاخ.

‌4782 - دبيس

(2)

:

صاحب الحلة، الملك نور الدولة أبو الأعز دبيس بن الملك سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 22".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 52"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 263"، والعبر "4/ 78"، والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردى "5/ 256"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 90".

ص: 415

كان أديبًا جوادًا ممدحًا، من نجباء العرب، ترامت به الأسفار إلى الأطراف، وجال في خراسان، واستولى على كثير من بلاد العراق، وخيف من سطوته، وحارب المسترشد بالله، ثم فر من الحلة إلى صاحب ماردين نجم الدين، وصاهره، وصار إلى الشام، وأمرها في شدةٍ من الفرنج، ثم رد إلى العراق، وجرت له هناة، ففر إلى سنجر صاحب خراسان، فأقبل عليه، ثم أمسكه من أجل الخليفة مدة، ثم أطلقه، فلحق بالسلطان مسعود، فقتله غدرًا بمراغة، في ذي الحجة، سنة تسع وعشرين، وأراح الله الأمة منه، فقد نهب وأرجف، وفعل العظائم، ولما هرب في خواصه، قصد مرِّي بن ربيعة أمير عرب الشام، فهلكوا في البرية من العطش، ومات عدةٌ من مماليكه، فحصل في حلة مكتوم بن حسان، فبادر إلى متولي دمشق تاج الملوك، فأخبره به، فبعث خليلًا، فأحضروه إلى دمشق، فاعتقله مكرمًا، ثم أطلقه للأتابك زنكي ليطلق من أسره ولده سونج بن تاج الملوك، وكان دبيس شيعيًا كآبائه، وله نظم جيد.

ص: 416

وأما أخوه:

‌4783 - تاج الملوك

(1)

:

سيف الدولة بن بدران، فشاعرٌ محسن، تحول بعد موت أبيه إلى مصر، فأقبلوا عليه مدة، ثم نفي إلى حلب. مات بعد دبيس بسنة، وسيرة دبيس وأقاربه تحتمل أن تعمل في مجيليد.

‌4784 - ابن الحاج

(2)

:

شيخ الأندلس ومفتيها، وقاضي الجماعة، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف بن إبراهيم بن لب التجيبي، القرطبي، المالكي، ابن الحاج.

تفقه: بأبي جعفر بن رزق، وتأدب: بأبي مروان بن سراج، وسمع الكثير من: أبي علي الغساني، ومحمد بن الفرج، وخازم بن محمد، وعدة.

قال ابن بشكوال: كان من جلة العلماء، معدودًا في المحدثين والأدباء، بصيرًا بالفتوى، كانت الفتوى تدور عليه لمعرفته ودينه وثقته، وكان معتنيًا بالآثار، جامعًا لها، ضابطًا لأسماء رجالها ورواتها، مقيدًا لمعانيها وغريبها، ذاكرًا للأنساب واللغة والنحو.

إلى أن قال: قيد العلم عمره كله، ما أعلم أحدًا في وقته عني بالعلم كعنايته، سمعت منه، وكان لينًا حليمًا متواضعًا، لم يحفظ له جورٌ في قضية، وكان كثير الخشوع والذكر، قتل ظلمًا يوم الجمعة، وهو ساجد، في صفر سنة تسع وعشرين وخمس مائة، وله إحدى وسبعين سنة.

قلت: روى عنه أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن عميرة، وأحمد بن يوسف بن رشد، وابن بشكوال، وولده أبو القاسم محمد بن الحاج، وعبد الله بن مغيث قاضي الجماعة، وعبد الله بن خلف الفهري، وأبو بكر بن طلحة المحاربي، وأبو الحسن بن النعمة، وهو من أجداد شيخنا أبي الوليد إمام المالكية بدمشق.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 264"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 260".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 580"، والعبر "4/ 79"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 93".

ص: 416

‌4785 - الفُرَاوي

(1)

:

الشيخ الإمام، الفقيه المفتي، مسند خراسان، فقيه الحرم، أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أبي العباس الصاعدي، الفراوي، النيسابوري، الشافعي.

ولد في سنة إحدى وأربعين وأربع مائة تقديرًا، لأن شيخ الإسلام أبا عثمان الصابوني أجاز له فيها.

وسمع "صحيح مسلم" من: أبي الحسن عبد الغافر بن محمد الفارسي، وسمع "جزء ابن نجيد" من: عمر بن مسرور الزاهد، وسمع من: أبي عثمان الصابوني أيضًا. ومن أبي سعيد الكنجروذي، والحافظ أبي بكر البيهقي، ومحمد بن علي الخبازي، وأبي يعلى إسحاق الصابوني، وأحمد بن منصور المغربي، وعبد الله بن محمد الطوسي، وأحمد بن الحسن الأزهري، وأبي القاسم القشيري، وأبي سعيد محمد بن علي الخشاب، ومحمد بن عبد الله بن عمر العدوي الهروي، وعبد الرحمن بن علي التاجر، ونصر بن علي الطوسي الحاكم، وعلي بن يوسف الجويني، وإسماعيل بن مسعدة بن الإسماعيلي، وإسماعيل بن زاهر، وأبي عامر محمود بن القاسم الأزدي، وإمام الحرمين أبي المعالي، وأبي الوليد الحسن بن محمد البلخي، والقاضي محمد بن عبد الرحمن النسوي، والأمير مظفر بن محمد الميكالي، وعلي بن محمد بن جعفر اللحساني.

وسمع "صحيح البخاري" من: سعيد بن أبي سعيد العيار، وأبي سهل الحفصي.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 65"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 290"، والعبر "4/ 83"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 166".

ص: 417

وسمع أيضًا من: أبي عثمان البحيري، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وطائفة. وببغداد من: أبي نصر الزينبي، وتفرد بـ"صحيح مسلم"، وبالأسماء والصفات، ودلائل النبوة، والدعوات الكبير، وبالبعث للبيهقي. قاله السمعاني، وقال: هو إمامٌ مفتٍ، مناظر واعظ، حسن الأخلاق والمعاشرة، مكرمٌ للغرباء، ما رأيت في شيوخي مثله، وكان جوادًا كثير التبسم.

قلت: روى عنه أبو سعيد السمعاني، ويوسف بن آدم، وأبو العلاء العطار، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو الحسن المرادي، وابن ياسر الجياني، وأبو الخير القزويني، وابن صدقة الحراني، وأبو سعد بن الصفار، وعبد السلام بن عبد الرحمن الأكاف، وعبد الرحيم بن عبد الرحمن الشعري، ومنصور بن عبد المنعم الفراوي، وأبو الفتوح محمد بن المطهر الفاطمي، وأبو المفاخر سعيد بن المأموني، والمؤيد بن محمد الطوسي، وعدة.

وبالإجازة القاضي أبو القاسم بن الحرستاني وغيره.

ذكره عبد الغافر في "سياقه"، فقال: فقيه الحرم، البارع في الفقه والأصول، الحافظ للقواعد، نشأ بين الصوفية، ووصل إليه بركة أنفاسهم، درس الأصول والتفسير على زين الإسلام القشيري، ثم اختلف إلى مجلس أبي المعالي، ولازم درسه ما عاش، وتفقه، وعلق عنه الأصول، وصار من جملة المذكورين من أصحابه، وحج، وعقد المجلس ببغداد وسائر البلاد، وأظهر العلم بالحرمين، وكان منه بهما أثرٌ، وذكر، وما تعدى حد العلماء وسيرة الصالحين من التواضع والتبذل في الملبس والعيش، وتستر بكتابة الشروط لاتصاله بالزمرة الشحامية مصاهرةً، ودرس بالمدرسة الناصحية، وأم بمسجد المطرز، وعقد به مجلس الإملاء في الأسبوع يوم الأحد، وله مجالس الوعظ المشحونة بالفوائد والمبالغة في النصح، حدث بـ "الصحيحين" و "غريب الحديث" للخطابي، والله يزيد في مدته ويفسح في مهلته، إمتاعًا للمسلمين بفائدته.

قال السمعاني: سمعت عبد الرشيد بن علي الطبري بمرو يقول: الفراوي ألف راوي.

وحكى والده الفضل بن أحمد عن الأمير أبي الحسن السمحوري: أنه رأى في سنة ثلاث وخمسين النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لابني محمد: قد جعلتك نائبي في عقد المجلس.

قال ابن عساكر: إلى الفراوي كانت رحلتي الثانية، وكان يقصد من النواحي لما اجتمع فيه من علو الإسناد، ووفور العلم، وصحة الاعتقاد، وحسن الخلق، والإقبال بكليته على الطالب.

ص: 418

قال السمعاني: وسمعت الفراوي يقول: كنا نسمع مسند أبي عوانة على القشيري، وكان يحضر رئيس يجلس بجنب الشيخ، فغاب يومًا، وكان الشيخ يجلس وعليه قميصٌ أسود خشن، وعمامة صغيرة، وكنت أظن أن السماع على ذلك المحتشم، فشرع أبي في القراءة، فقلت: على من تقرأ والشيخ ما حضر? فقال: وكأنك تظن أن شيخك ذلك الشخص? قلت: نعم، فضاق صدره واسترجع، وقال: يا بني شيخك هذا القاعد، ثم أعاد لي من أول الكتاب.

ثم قال السمعاني: سمعت عبد الرزاق بن أبي نصر الطبسي يقول: قرأت صحيح مسلم على الفراوي سبع عشرة نوبة، وقال: أوصيك أن تحضر غسلي، وأن تصلي علي في الدار، وأن تدخل لسانك في فمي، فإنك قرأت به كثيرًا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال السمعاني: فصلي عليه بكرة، وما وصلوا به إلى المقبرة إلى بعد الظهر من الزحام، وأذكر أنا كنا في رمضان سنة ثلاثين وخمس مائة، فحملنا محفته على رقابنا إلى قبر مسلم لإتمام الصحيح، فلما فرغ القارئ من الكتاب، بكى الشيخ، ودعا وأبكى الحاضرين، وقال: لعل هذا الكتاب لا يقرأ علي بعد هذا، فتوفي رحمه الله في الحادي والعشرين من شوال، ودفن عند إمام الأئمة ابن خزيمة.

قال: وقد أملى أكثر من ألف مجلس.

قلت: وخرجوا له أحاديث سداسية سمعناها، ومائة حديث عوالي عند أصحاب ابن عبد الدائم، وله أربعون المساواة وغير ذلك.

ص: 419

‌4786 - ابن آسه:

الإمام العالم، أبو محمد علي بن عبد القاهر بن آسه، واسمه الخضر بن علي المراتبي الفرضي، تلميذ أبي حكيم الخبري.

سمع من: عبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وابن النقور، وألف في الفرائض، وكان خيرًا صالحًا.

روى عنه هبة الله بن الحسن السبط، وطائفة.

عاش خمسًا وثمانين سنة.

توفي في ربيع الأول، سنة ثلاثين وخمس مائة، رحمه الله.

ص: 419

‌4787 - الخَّلال

(1)

:

الشيخ الإمام الصدوق، مسند أصبهان، شيخ العربية، بقية السلف، أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك بن الحسين بن محمد بن علي الأصبهاني، الخلال، الأثري، الأديب.

ولد في صفر، سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة.

وسمع: أحمد بن محمود الثقفي، وإبراهيم بن منصور سبط بحرويه، وعبد الرزاق بن شمة، وأبا الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وعبد الرحمن بن مندة، وأخويه عبد الوهاب وعبيد الله، وخلقًا كثيرًا.

وسمع ببغداد في الكهولة من أبي القاسم بن بيان، وطائفة.

حدث عنه: السلفي، والسمعاني، وابن عساكر، والمديني، ومعمر، وبنوه، وأبو المجد زاهر بن أحمد، وأبو نجيح فضل الله بن عثمان، والمؤيد بن الإخوة، ومحمود بن أحمد المضري، وتقية بنت أموسان، وخلقٌ سواهم.

قال السمعاني: رأيته بعد أن كبر وأضر، وكان حسن المعاشرة والمحاورة، بسامًا كثير المحفوظ، قرأ عليه ابن ناصر ببغداد "صحيح البخاري"، وكان عزيز النفس قانعًا، لا يقبل

من أحد شيئًا مع فقره، خرج له محمد بن أبي نصر اللفتواني "معجمًا" في أكثر من عشرة أجزاء، توفي: في حادي عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة، وكان يلقب بالأثري.

قال ابن النجار: لم يحدثنا عنه من بلده إلَّا داود بن سليمان بن نظام الملك، وكان من الأدباء الفضلاء، سمع الكثير.

‌4788 - اليُونَارتي

(2)

:

الشيخ الإمام، المفيد الحافظ، أبو نصر الحسن بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن علي اليونارتي، الأصبهاني، ويونارت: قرية على باب أصبهان.

ولد سنة ست وستين وأربع مائة.

وسمع: أبا بكر بن ماجه، وأبا منصور بن شكرويه، وعدة، ولم يلحق أبا عمرو بن منده، وارتحل فأكثر عن أبي بكر بن خلف وطبقته بنيسابور، ولقي أبا عامر الأزدي بهراة، ولقي ببلخ أبا القاسم أحمد بن محمد الخليلي، وببغداد أحمد بن عبد القادر اليوسفي، وابن العلاف.

روت عنه فاطمة بنت سعد الخير "جزءا" مشهورًا به.

وقال السمعاني: قال لي إسماعيل بن محمد الحافظ: ما كان له كبير معرفة، غير أنه كان نظيف الأجزاء.

وقال يحيى بن منده: كان حافظًا لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأطراف من الأدب والنحو، حسن الخلق، شجاعًا، سمعنا منه "طبقات السمرقنديين" للإدريسي.

قلت: توفي في شوال سنة سبع وعشرين وخمس مائة، عن نيفٍ وستين سنة، رحمه الله.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1277"، وبغية الوعاة للسيوطي "1/ 536".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 32"، والعبر "4/ 71"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1078"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 80".

ص: 420

‌4789 - الصَّيْرَفي

(1)

:

الشيخ الصالح، العالم الثقة، بقية المشايخ، أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء محمد بن أبي منصور بكر بن أبي الفتح بن بكر بن حجاج الأصبهاني الصيرفي، السمسار في العقار.

ولد في حدود عام أربعين وأربع مائة.

وسمع من: أحمد بن محمد بن النعمان الصائغ مسند العدني في سنة ست وأربعين، وسمع "مسند أحمد بن منيع" من عبد الواحد بن أحمد المعلم، وسمع من: ابن النعمان، ومن سبط بحرويه "مسند أبي يعلى" ملفقًا، وسمع من منصور بن الحسين التاني، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وأبي المظفر بن شبيب، وأبي نصر إبراهيم بن محمد الكسائي، وأحمد بن محمد بن هاموشة، وأبي مسلم محمد بن علي بن مهربزد، وسعيد العيار، وبني منده، وخلق.

حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، وأبو موسى، والسمعاني، وأبو الخير عبد الرحيم بن موسى، ومحمد بن أبي القاسم بن فضل، ومحمود بن أحمد الثقفي، ومحفوظ بن أحمد الثقفي، وأبو المجد زاهر ابن أحمد، وأبو مسلم بن الإخوة، وعائشة بنت معمر، وعين الشمس بنت سليم، وزليخا بنت أبي حفص الغضائري، وآخرون، وكان عبد الرحيم بن الإخوة يقول: حدثنا سعيد بن أبي الرجاء الدوري، لأنه كان يسمسر في الدور.

وقال إسماعيل بن محمد التيمي: لا بأس به، كثير السماع.

وقال السمعاني: شيخٌ صالح مكثر، صحيح السماع، سمعه خاله، وطال عمره، وكان حريصًا على الرواية، سمعت منه الكثير، وقال لي: رويت ببغداد جزءًا واحدًا. مات: في تاسع عشر صفر سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة.

قلت: خاله هو المحدث محمد بن أحمد الخلال.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 87"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 99".

ص: 421

‌4790 - ابن القُشَيْرِي

(1)

:

عبد المنعم، الشيخ الإمام، المسند المعمر، أبو المظفر ابن الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري.

ولد سنة خمس وأربعين وأربع مائة.

وسمع مسند أبي يعلى من: أبي سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، وسمع "مسند أبي عوانة" من: والده، وسمع من: أبي عثمان سعيد بن محمد البحيري، والحافظ أبي بكر البيهقي، والحسن بن محمد البندري، وأحمد بن منصور بن خلف المغربي، وبمكة من: أبي علي الشافعي، وأبي القاسم الزنجاني، وببغداد من: أبي الحسين بن النقور، وعبد العزيز بن علي الأنماطي، وأبي القاسم يوسف المهرواني، وحدث ببغداد، وغيرها.

حدث عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وأبو الفتح بن عبد السلام، وأبو سعد السمعاني، وابن عساكر، وعبد الرحيم بن أبي القاسم الشعري، وأخته زينب الشعرية، وآخرون.

قال السمعاني: شيخٌ ظريف، مستور الحال، سليم الجانب، غير مداخل للأمور، رباه أخوه أبو نصر، وحج معه، وخرج ثانيًا، فأقام ببغداد، ومضى إلى كرمان، سمعت منه "مسند أبي عوانة"، وأحاديث السراج مجلدة، و "الرسالة" لأبيه، وكان حسن الإصغاء لما يقرأ عليه، كان ابن عساكر يفضله في ذلك على الفراوي.

وقال عبد الغافر: خرج له أخوه أبو نصر فوائد.

وقال ابن النجار: لزم البيت، واشتغل بالعبادة، وكتابة المصاحف، وكان لطيف المعاشرة، ظريفًا كريمًا، خرج له أخوه فوائد عشرة أجزاء، مات: بين العيدين، سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة، رحمه الله.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "10/ 156"، والمنتظم لابن الجوزي "10/ 75"، والعبر "4/ 88" وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 192"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 99".

ص: 422

‌4791 - بنت زَعْبَل

(1)

:

الشيخة العالمة، المقرئة الصالحة المعمرة، مسندة نيسابور، أم الخير فاطمة بنت علي بن مظفر بن الحسن بن زعبل بن عجلان البغدادية، ثم النيسابورية.

ولدت في سنة خمس وثلاثين وأربع مائة.

وسمعت من: أبي الحسين عبد الغافر الفارسي، فكانت آخر من حدث عنه.

قال أبو سعد السمعاني: امرأةٌ صالحة عالمة، تعلم الجواري القرآن، سمعت من عبد الغافر جميع "صحيح مسلم"، و"غريب الحديث" للخطابي، وغير ذلك.

قلت: حدث عنها: أبو سعد السمعاني، وأبو القاسم بن عساكر، والمؤيد بن محمد، وزينب الشعرية، وجماعة.

توفيت في أوائل المحرم، سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة.

وقيل: توفيت في سنة ثلاث وثلاثين.

أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء، عن المؤيد بن محمد الطوسي، وزينب بنت أبي القاسم أن فاطمة بنت الحسن العجلانية أخبرتهم في سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة قالت: أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي في المحرم سنة إحدى وأربعين وأربع مائة، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا قتيبة بن سعيد، وسليمان بن أيوب صاحب البصري، وأبو كامل قالوا: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاةً بغير طهورٍ، ولا صدقةً من غلولٍ"

(2)

رواه: النسائي، عن قتيبة، فوافقناه.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "6/ 279"، واللباب لابن الأثير "2/ 68"، والعبر "4/ 89"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 100".

(2)

صحيح: أخرجه الطيالسي "1319"، وابن أبي شيبة "1/ 51"، وأحمد "5/ 74 و 75"، وأبو داود "59"، والنسائي "1/ 87 - 88" و "5/ 56 - 57"، وابن ماجه "271"، والطبراني في "الكبير""505" و "506"، وأبو عوانة "1/ 235"، والبيهقي "1/ 230"، والبغوي "157" من طريق قتادة، به.

ووالد أبي المليح اسمه: أسامة بن عمير. وهو صحابي أخرج له أصحاب السنن، وأبو المليح: اسمه عامر وقيل: زيد. وقيل: زياد، ثقة روى له الجماعة.

ص: 423

‌4792 - ابن المؤذن

(1)

:

الإمام الفقيه الأوحد، أبو سعد إسماعيل بن الحافظ المؤذن أبي صالح أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري الواعظ، المشهور بالكرماني، لسكناه بها.

قال أبو سعد السمعاني: كان ذا رأي وعقل وعلم، برع في الفقه، وكان له عز ووجاهة عند الملوك.

تفقه على: أبي المعالي الجويني، وأبي المظفر السمعاني، وأسمعه أبوه من طائفة.

ولد سنة إحدى وخمسين -أو اثنتين وخمسين- وأربع مائة.

سمع: أباه، وأبا حامد أحمد بن الحسن الأزهري، وأحمد بن منصور المغربي، والحاكم أحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي، وبكر بن محمد بن حيد، وشجاع بن طاهر، وشبيب بن أحمد البستيغي، وصاعد بن منصور الأزدي، والأستاذ أبا القاسم القشيري، وأبا سهل الحفصي، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وعدة.

وله إجازة من أبي سعد الكنجروذي.

حدث عنه: ابن طاهر في "معجمه"، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المديني، والقاضي أبو سعد بن أبي عصرون، وعبد الخالق بن الصابوني، وهبة الله بن الحسن السبط، وعلي بن فاذشاه، وعبد الواحد ابن أبي المطهر الصيدلاني، وأبو الفرج بن الجوزي، وآخرون، وعمل الرسلية من ملك كرمان، وقرأ "الإرشاد" على إمام الحرمين، وكان وافر الجلالة، كامل الحشمة. مات: ليلة الفطر، سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة، بكرمان، وقع لنا ثمانية أجزاء من حديثه.

‌4793 - عيسى بن محمد

(2)

:

ابن عبد الله بن عيسى بن مؤمل بن أبي البحر الشيخ، العالم، المعمر، أبو الأصبغ الزهري، الشنتريني.

سمع من: كريمة، والحبال، وأبي معشر الطبري، وأبي الوليد الباجي، وابن دلهاث، وعدة.

أخذ الناس عنه، وسكن العدوة.

قال ابن بشكوال: كتب لي القاضي أبو الفضل أنه توفي نحو سنة ثلاثين وخمس مائة، وأنه أخذ عنه.

قلت: روى عنه أبو بكر بن خير، وقد روى ابن دحية عن ابن خير عنه، عن كريمة من الصحيح.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 74"، والعبر "4/ 87"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1277"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 99".

(2)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 440".

ص: 424

‌4794 - البآر

(1)

:

الشيخ العالم، المحدث الرحال المكثر، أبو نصر إبراهيم بن الفضل الأصبهاني البآر، ويلقب بدعلج، كان أبوه يحفر الآبار.

ولد سنة بضعٍ وأربعين وأربع مائة.

وسمع من: أبي الحسين بن النقور وطبقته ببغداد، ومن الفضل بن عبد الله بن المحب وطبقته بنيسابور، ومن أبي القاسم عبد الرحمن بن منده، وطائفة بأصبهان، ومن أبي إسماعيل الأنصاري، وجماعة بهراة.

قال السمعاني: رحل، وسمع، ونسخ، وجمع، وما أظن أن أحدًا بعد ابن طاهر رحل وطوف مثله، أو جمع جمعه، إلَّا أن الإدبار لحقه في آخر الأمر، وكان يقف في أسواق أصبهان، ويروي من حفظه بالإسناد، وسمعت أنه يضع في الحال. قال لي إسماعيل بن محمد الحافظ: اشكر الله كيف ما لحقت البآر، وأساء الثناء عليه.

قلت: روى عنه السلفي، ويحيى الثقفي، وداود بن نظام الملك، وغيرهم.

قال السلفي: يسمى بدعلج، له معرفة، سمعنا بقراءته كثيرًا، وغيره أرضى منه.

وقال معمر بن الفاخر: رأيت إبراهيم البآر واقفًا في السوق، وقد روى أحاديث منكرة بأسانيد صحاح، فكنت أتأمله تأملًا مفرطًا، ظنًا مني أن الشيطان على صورته.

وقال ابن طاهر: حدثت الأنباري عن مشايخ مكيين ومصريين، فبعد أيام بلغني أنه حدث عنهم، فبلغت القصة إلى شيخ الإسلام الأنصاري، فسأله عن لقي هؤلاء بحضرتي، فقال: سمعت مع هذا، قلت: ما رأيتك قط إلَّا ها هنا، قال له الشيخ: أحججت? قال: نعم، قال:

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "2/ 27"، واللباب لابن الأثير "1/ 106"، والعبر "4/ 81"، وميزان الاعتدال "1/ 52"، ولسان الميزان "1/ 89"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 94".

ص: 425

فما علامات عرفات? قال: دخلناها بالليل، قال: يجوز، فما علامة منى? قال: كنا بها بالليل، فقال: ثلاثة أيام وثلاث ليال لم يصبح لكم الصبح?! لا بارك الله فيك، وأمر بإخراجه من البلد، وقال: هذا دجال، ثم انكشف أمره حتى صار آيةً في الكذب.

قال ابن الفاخر: توفي في شوال، سنة ثلاثين وخمس مائة.

وفيها مات: صاحب الحلة تاج الملوك بدران بن صدقة الأسدي المزيدي الشاعر، وصاحب جعبر بدران بن مالك بن سالم العقيلي، وزين القضاة سلطان بن القاضي يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي بدمشق، وعبد الله بن عيسى السرقسطي الذي حفظ "صحيح البخاري" و "سنن أبي داود"، وعلي بن أحمد بن الموحد الوكيل ابن البقشلام، وأبو الحسن بن قبيس المالكي، وأبو سهل محمد بن إبراهيم بن سعدويه الأصبهاني، والقدوة محمد بن حمويه الجويني، والواعظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن حبيب العامري، والفراوي، وابن أبي ذر الصالحاني.

ص: 426

‌4795 - الِمزْرَفي

(1)

:

الإمام، شيخ القراء، أبو بكر محمد بن الحسين بن علي البغدادي، ومزرفة: دون عكبرا.

ولد سنة تسع وثلاثين وأربع مائة.

وسمع: أبا حفص من المسلمة وطبقته، وتلا على أصحاب الحمامي.

روى عنه: ابن عساكر، وابن أبي عصرون، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، وأبو الفتح المندائي.

وكان ثقةً، متقنًا.

توفي سنة سبع وعشرين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 33"، والعبر "4/ 72"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 251"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 81".

ص: 426

‌4796 - العَجَلي

(1)

:

شيخ الشافعية، القدوة الكبير، أبو سعد عثمان بن علي بن شراف المروزي البنجديهي، العجلي -بفتحتين- نسبة إلى نجارة العَجَلة.

ولد سنة خمس وثلاثين وأربع مائة، ولازم القاضي حسينًا، وبرع في الفقه.

وسمع من: أبي مسعود أحمد بن محمد البجلي، وسعيد بن أبي سعيد العيار، والقاضي حسين، وجماعة.

أثنى عليه أبو سعد السمعاني ووصفه بالزهد والورع والإمامة، وأنه كان لا يمكن أحدًا من الغيبة عنده، وأنه مات ببنجديه في شعبان سنة ست وعشرين وخمس مائة.

‌4797 - المِيهَنِي

(2)

:

شيخ الشافعية، مجد الدين، أبو الفتح أسعد بن أبي نصر بن الفضل القرشي، العمري، الميهني، صاحب "التعليقة" البديعة.

تفقه بمرو، وسار إلى غزنة وشاع فضله، وتخرج به الكبار، ومدحه أبو إسحاق الغزي، ثم قدم بغداد، ودرس بالنظامية سنة سبع وخمس مائة، ثم عزل بعد ست سنين، ثم وليها سنة سبع عشرة، ونشر العلم.

تفقه على: العلامة أبي المظفر السمعاني، والموفق الهروي، وكان يتوقد ذكاءً، وأخذ الأصول عن: أبي عبد الله الفراوي، وسمع من: إسماعيل بن الحسن الفرائضي، ولم يرو.

ونقل السمعاني أن فقيهًا سمع أسعد الميهني يلطم وجهه ويقول: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56]، وبكى، وردد الآية، إلى أن مات بهمذان في سنة سبع وعشرين، وكان قد نفذ رسولًا إلى سنجر بمرو، ورسولًا إلى همذان، وخلف أموالًا كثيرة، وعبيدًا. وعاش ستًا وستين سنة، وقد ذكره الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفتري، وميهنة: قريبة من طوس، صغيرة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "8/ 399"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 208".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 13"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 207"، والعبر "4/ 71"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1288"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 252"، وشذرات الذهب "4/ 80".

ص: 427

‌4798 - ابن أبي الصَّلْت

(1)

:

العلامة القيلسوف، الطبيب الشاعر المجود، أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني، صاحب الكتب.

ولد سنة ستين وأربع مائة.

وتنقل، وسكن الإسكندرية، ثم رد إلى الغرب، وأقبل عليه علي ابن باديس، وكان رأسًا في النجوم والوقت والموسيقى، عجبًا في لعب الشطرنج، رأسًا في المنطق وهذيان الأوائل، سجنه صاحب مصر مدةً لكونه غرق له سفينةً موقرةً صفرًا، فقال له: أنا أرفعه، وعمد إلى حبال دلاها من سفينة، ونزل البحرية، فربطوا السفينة، ثم استقيت بدواليب، فارتفعت، ووصلت، لكن تقطعت الحبال، فوقعت، فغضب الأمير عليه.

مات بالمهدية في آخر سنة ثمان وعشرين وخمس مائة.

‌4799 - الإسلامي:

العلامة، شيخ الحنفية ببلخ، أبو الحسن علي بن أحمد بن علي السجزي، ثم البلخي الزاهد.

حدث علي سعيد العيار، ومنصور بن إسحاق الحافظ، وأبي علي الوخشي.

سمع منه سنن أبي داود، وسمع من العيار "صحيح البخاري".

أجاز لأبي سعيد السمعاني، وقال: مات سنة ثمان وعشرين وخمس مائة.

‌4800 - الواسطي

(2)

:

الإمام الثقة المحدث، أبو القاسم، هبة الله بن عبد الله بن أحمد الواسطي، ثم البغدادي، الشروطي.

سمع: ابن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وأبا الغنائم بن المأمون، وطبقتهم.

روى عنه: ابن عساكر، وأبو موسى المديني، وطائفة آخرهم عمر بن طبرزد.

قال السمعاني: شيخ ثقة صالح مكثر، نسخ، وحصل الأصول، وحدثنا عنه جماعة، وسمعتهم يثنون عليه، ويصفونه بالفضل والعلم والاشتغال بما يعنيه.

مات في ذي الحجة سنة ثمان وعشرين وخمس مائة، عن ست وثمانين سنة.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 243"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 83".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 41"، والعبر "4/ 75"، وشذرات الذهب "4/ 86".

ص: 428

‌4801 - الحاكمي

(1)

:

العلامة أبو القاسم، إسماعيل بن عبد الملك بن علي الطوسي، الحاكمي، الشافعي، صاحب إمام الحرمين.

سمع: أحمد بن الحسن الأزهري، وأبا صالح المؤذن.

وبرع في المذهب، وسافر إلى العراق والشام مع الغزالي، وهو مدفون إلى جنبه.

توفي سنة تسع وعشرين وخمس مائة عن سن عالية.

‌4802 - ابن البَنَّاء

(2)

:

الشيخ الإمام، الصادق العابد، الخير، المتبع، الفقيه، بقية المشايخ، أبو عبد الله يحيى بن الإمام أبي علي الحسن بن أحمد بن البناء البغدادي، الحنبلي.

روى شيئًا كثيرًا عن: عبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وأبي الحسين بن الآبنوسي، وابن النقور، وعدة.

حدث عنه: ابن عساكر، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، وعمر بن طبرزد، ويحيى بن ياقوت، وفاطمة بنت سعد الخير، وآخرون.

قال السمعاني: سمعت الحافظ عبد الله بن عيسى الأندلسي يثني على يحيى بن البناء، ويمدحه ويطريه، ويصفه بالعلم والتمييز والفضل، وحسن الأخلاق، وترك الفضول، وعمارة المسجد وملازمته، ما رأيت مثله في حنابلة بغداد.

قال السمعاني: وكذا كل من سمعه كان يثني عليه، ويمدحه.

ولد سنة ثلاث وخمسين وأربع مائة.

وتوفي في ثامن ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة.

وقد مر أخوه أبو غالب.

ومات قبلهما أخوهما أبو الفضل إبراهيم بن البناء سنة ثماني عشرة وخمس مائة، وله سبعون سنة، يروي عن ابن المهتدي بالله، وابن النقور. سمع منه: يحيى بن بوش.

وفيها توفي: أبو القاسم تميم الجرجاني، وأبو عبد الله الحسين بن محمد بن الفرحان السمناني، وطاهر بن سهل الإسفراييني بدمشق، وأبو جعفر محمد بن أبي علي الهمذاني المحدث، وهبة الله بن الطبر الحريري المقرئ.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 52"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 47".

(2)

ترجمته في العبر "4/ 86"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 98".

ص: 429

‌4803 - الغازي

(1)

:

الشيخ الإمام، الحافظ المتقن، المسند الصالح الرحال، أبو نصر، أحمد بن عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد، الأصبهاني، الغازي.

ولد في حدود سنة ثمان وأربعين وأربع مائة.

وجال وطوف، وجمع فأوعى.

سمع: أبا الحسين بن النقور، وعبد الباقي بن محمد العطار، وأبا القاسم بن البسري، وعدةً ببغداد، وأبا علي التستري بالبصرة، ومحمد بن عبد الملك المظفري بسرخس، وعبد الرحمن بن مندة، وأخاه أبا عمرو، وابن شكرويه، وخلقًا كثيرًا بأصبهان، والفضل بن عبد الله بن المحب، وطبقته بنيسابور، وأبا عامر الأزدي، وأبا إسماعيل الأنصاري، وطبقتهما بهراة.

حدث عنه: السلفي، والسمعاني، وأبو موسى المديني، وابن عساكر، والمؤيد بن الإخوة، ومحمود بن أحمد المضري، وآخرون.

قال السلفي: كان من أهل المعرفة والحفظ، سمعنا بقراءته كثيرًا، وأملى علي.

وقال السمعاني: ثقة حافظ، دين، واسع الرواية، كتب الكثير، وحصل الكتب، ما رأيت في شيوخي أكثر رحلةً منه، أكثرت عنه، وكان جماعة من أصحابنا يفضلونه على إسماعيل بن محمد التيمي في الإتقان والمعرفة، ولم يبلغ هذا الحد، لكنه أعلى إسنادًا من إسماعيل، مات في ثالث رمضان سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة، وشهدته، وصلى عليه إسماعيل الحافظ.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "9/ 115"، والتجبير للسمعاني "1/ 261"، والمنتظم لابن الجوزي "10/ 73"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1074"، والعبر "4/ 86"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 98".

ص: 430

‌4804 - زاهر بن طاهر

(1)

:

ابن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن مرزبان، الشيخ العالم، المحدث المفيد المعمر، مسند خراسان، أبو القاسم بن الإمام أبي عبد الرحمن، النيسابوري الشحامي، المستملي الشروطي، الشاهد.

ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين وأربع مائة.

واعتنى به أبوه، فسمعه في الخامسة وما بعدها، واستجاز له.

أجاز له أبو الحسين عبد الغافر الفارسي، وأبو حفص بن مسرور، وأبو محمد الجوهري مسند بغداد.

وسمع من: أبي عثمان سعيد بن محمد البحيري، وأبي سعد الكنجروذي، ومحمد بن محمد بن حمدون، وأبي يعلى بن الصابوني، وأبي بكر محمد بن الحسن المقرئ، ومحمد بن علي الخشاب، وأبي الوليد الحسن بن محمد الدربندي، وأبي بكر البيهقي، وسعيد بن منصور القشيري، وأبي سعد أحمد بن أبي شمس، وأحمد بن منصور المغربي، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وعدد كثير. وسمع من: علي بن محمد البحاثي "كتاب ابن حبان"، وسمع من: البيهقي

"سننه" الكبير، ومن: الكنجروذي أكثر "مسند" أبي يعلى.

وروى الكثير، واستملى على جماعة، وخرج، وجمع، وانتقى لنفسه السباعيات، وأشياء تدل على اعتنائه بالفن، وما هو بالماهر فيه، وهو واه من قبل دينه.

وكان ذا حب للرواية، فرحل لما شاخ، وروى الكثير ببغداد وبهراة، وأصبهان، وهمذان، والري، والحجاز، ونيسابور. واستملى على أبي بكر بن خلف الأديب فمن بعده، وخرج لنفسه أيضًا عوالي مالك، وعوالي ابن عيينة، وما وقع له من عوالي ابن خزيمة، فجاء أزيد من ثلاثين جزءًا، وعوالي السراج، وعوالي عبد الرحمن بن بشر، وعوالي عبد الله بن هاشم، و"تحفتي العيدين"، و"مشيخته"، وأملى نحوًا من ألف مجلس، وكان لا يمل من التسميع.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 79 - 80"، والعبر "4/ 91"، وميزان الاعتدال "2/ 64"، ولسان الميزان "2/ 470"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 102".

ص: 431

قال أبو سعد السمعاني: كان مكثرًا، متيقظًا، ورد علينا مرو قصدًا للرواية بها، وخرج معي إلى أصبهان لا شغل له إلَّا الرواية بها، وازدحم عليه الخلق، وكان يعرف الأجزاء، وجمع ونسخ وعمر، قرأت عليه "تاريخ نيسابور" في أيام قلائل، كنت أقرأ فيه سائر النهار، وكان يكرم الغرباء، ويعيرهم الأجزاء، ولكنه كان يخل بالصلوات إخلالًا ظاهرًا وقت خروجه معي إلى أصبهان، فقال لي أخوه وجيه: يا فلان، اجتهد حتى يقعد، لا يفتضح بترك الصلاة، وظهر الأمر كما قال وجيه، وعرف أهل أصبهان ذلك، وشغبوا عليه، وترك أبو العلاء أحمد بن محمد الحافظ الرواية عنه، وأنا فوقت قراءتي عليه "التاريخ" ما كنت أراه يصلي، وعرفنا بتركه الصلاة أبو القاسم الدمشقي، قال: أتيته قبل طلوع الشمس، فنبهوه، فنزل لنقرأ عليه، وما صلى، وقيل له في ذلك، فقال: لي عذر، وأنا أجمع الصلوات كلها، ولعله تاب، والله يغفر له، وكان خبيرًا بالشروط، وعليه العمدة في مجلس الحكم، مات: بنيسابور، في عاشر ربيع الآخر، سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة.

قلت: الشره يحملنا على الرواية لمثل هذا.

وقد حدث عنه: أبو موسى المديني، والسمعاني، وابن عساكر، وصاعد بن رجاء، ومنصور بن أبي الحسن الطبري، وعلي بن القاسم الثقفي، ومحمود بن أحمد المضري، وأبو أحمد بن سكينة، وأبو المجد زاهر الثقفي، وعبد اللطيف بن محمد الخوارزمي، ومحمد بن محمد بن محمد بن الجنيد، وعبد الباقي بن عثمان الهمذاني، وإبراهيم بن بركة البيع، وإبراهيم بن حمدية، وعلي بن محمد بن علي بن يعيش، ومودود بن محمد الهروي، والمؤيد بن محمد الطوسي، وزينب الشعرية، وعبد المعز بن محمد الهروي، وخلق كثير.

وعاش سبعًا وثمانين سنة.

ومات معه: أبو العباس أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة المرسي الذي أجاز له أبو عمرو الداني، والفقيه أبو علي الحسين بن الخليل النسفي، وأبو القاسم عبد الله بن أحمد بن يوسف اليوسفي، وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبيد الله الخطيبي بأصبهان، وأبو القاسم علي بن أفلح البغدادي الشاعر، وجمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلم الشافعي، وأم المجتبى فاطمة بنت ناصر العلوي، وأبو بكر محمد بن أبي نصر اللفتواني المحدث، ومحمد بن حمد الأصبهاني الطيبي، وصاحب دمشق شهاب الدين محمود بن بوري، وهبة الله بن سهل بن عمر بن البسطامي السيدي.

ص: 432

‌4805 - السيِّدي

(1)

:

الشيخ الإمام الصالح العابد، مسند وقته، أبو محمد هبة الله بن سهل بن عمر بن الشيخ أبي عمر محمد بن الحسين بن أبي الهيثم، البسطامي، ثم النيسابوري، المعروف بالسيدي.

ولد في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة.

سمع: أبا حفص بن مسرور، وأبا الحسين عبد الغافر الفارسي، وأبا عثمان سعيد بن محمد البحيري، وأبا يعلى الصابوني، وأبا بكر البيهقي، وأبا سعد الكنجروذي، وطائفة.

حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، والمؤيد بن محمد الطوسي، والقطب النيسابوري، وجماعة، وبالإجازة: أبو القاسم بن الحرستاني.

قال السمعاني: شيخ عالم خير، كثير العبادة والتهجد، ولكنه عسر الخلق، بسر الوجه، لا يشتهي الرواية، ولا يحب أصحاب الحديث، كنا نقرأ عليه بجهد جهيد وبالشفاعات، وكان زوج بنت إمام الحرمين أبي المعالي، وكان أحد الفقهاء، وتفرد بـ "الموطأ"، وبـ "جزء ابن نجيد"، وأشياء، مات: في الخامس والعشرين من صفر، سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة، وله تسعون سنة.

قلت: سمعنا "الموطأ" من طريقه بفوت قديم، وهو المساقاة، والقراض، والفرائض.

‌4806 - أنو شروان

(2)

:

ابن خالد، الوزير الكبير، أبو نصر القاشاني.

وزر للمسترشد، ووزر للسلطان محمود بن محمد.

وكان عاقلًا سائسًا رزينًا، وافر الجلالة، حسن السيرة، محبًا للعلماء.

أحضر ابن الحصين إلى داره، فسمع أولاده "المسند" بقراءة ابن الخشاب، وسمعه خلق.

وقد حدث عن الساوي.

روى عنه الحافظ ابن عساكر.

ثم أسن وتضعضع، ولزم المنزل، وكان مهيبًا، عظيم الخلقة.

توفي سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 217"، والتجبير للسمعاني "2/ 356"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 326"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 103".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 77"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 67"، والعبر "4/ 90"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 101".

ص: 433

‌4807 - عبد الغافر

(1)

:

ابن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر، الإمام العالم، البارع، الحافظ، أبو الحسن بن الحافظ أبي عبد الله بن الشيخ الكبير أبي الحسين الفارسي، ثم النيسابوري، مصنف: كتاب "مجمع الغرائب" في غريب الحديث، وكتاب "السياق لتاريخ نيسابور"، وكتاب "المفهم لشرح مسلم".

ولد سنة إحدى وخمسين وأربع مائة.

وأجاز له من بغداد: أبو محمد الجوهري، وغيره، ومن نيسابور: أبو سعد الكنجروذي، وأبو بكر محمد بن الحسن بن علي الطبري المقرئ، وسمع من: جده لأمه أبي القاسم القشيري، وأحمد بن منصور المغربي، وأحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي، وأحمد بن الحسن الأزهري، والفضل بن المحب، ومحمد بن عبيد الله الصرام، وأبي نصر عبد الرحمن بن علي التاجر، وخلق كثير.

وتفقه بإمام الحرمين، وبرع في المذهب، وارتحل إلى غزنة والهند وخوارزم، ولقي الكبار، وولي خطابة نيسابور.

وكان فقيهًا محققًا، وفصيحًا مفوهًا، ومحدثًا مجودًا، وأديبًا كاملًا.

مات سنة تسع وعشرين وخمس مائة.

وآخر من حدث عنه أبو سعد عبد الله بن عمر الصفار.

وفيها مات: شمس الملوك إسماعيل بن تاج الملوك مقتولًا، وملك العرب نور الدولة دبيس بن صدقة الأسدي، والمسترشد بالله بن المستظهر، وقاضي الجماعة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف بن الحاج التجيبي، والعلامة محمد بن أبي الخيار العبدري القرطبي.

(1)

ترجمته في التجبير للسمعاني "1/ 507"، ووفيات الأعيان "3/ 225"، والعبر "4/ 79" وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1073"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 171"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 93".

ص: 434

‌4808 - ابن قُبيس

(1)

:

الشيخ الإمام، الفقيه النحوي، الزاهد العابد القدوة، أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور بن محمد بن قبيس، الغساني الدمشقي، المالكي.

ولد سنة اثنتين وأربعين وأربع مائة.

وسمع: أباه، وأبا القاسم السميساطي، وأبا بكر الخطيب، وأبا نصر بن طلاب، وغنائم الخياط، وأبا الحسن بن أبي الحديد، وجماعة.

حدث عنه: أبو القاسم بن عساكر، والسلفي، وإسماعيل الجنزوي، وأبو القاسم بن الحرستاني، وآخرون.

قال ابن عساكر: كان ثقةً، متحرزًا، متيقظًا، منقطعًا في بيته بدرب النقاشة، أو بيته في المنارة الشرقية بالجامع، وكان فقيهًا، مفتيًا، يقرئ النحو والفرائض، وكان متغاليًا في السنة، محبًا لأصحاب الحديث، قال لي غير مرة: إني لأرجو أن يحيي الله بك هذا الشأن في هذا البلد، وكان لا يحدث إلَّا من أصل، سمعت منه الكثير، ومات يوم عرفة سنة ثلاثين وخمس مائة.

وقال السلفي: كان يسكن المنارة، وكان زاهدًا عابدًا ثقة، لم يكن في وقته مثله بدمشق، وهو مقدم في علوم شتى، محدث ابن محدث.

‌4809 - القارئ

(2)

:

الشيخ الصدوق المعمر المسند، أبو محمد، إسماعيل بن أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر صالح، النيسابوري، القارئ.

قال ابن نقطة: سمع من: أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي "صحيح مسلم"، وأحاديث يحيى بن يحيى التميمي، وسمع من: أبي حفص بن مسرور عدة أجزاء. حدث عنه: أبو العلاء العطار، وأبو القاسم ابن عساكر، وأبو سعد السمعاني، والحسن بن محمد القشيري، وزينب الشعرية، وآخرون.

قال السمعاني: شيخ صالح عفيف، صوفي، نظيف، مواظب على الجماعة، خدم الأستاذ أبا القاسم القشيري، مولده في رجب سنة تسع وثلاثين وأربع مائة.

وقال ابن نقطة: روى عنه "الصحيح" أبو سعد الحسن بن محمد بن المحسن القشيري، وسمعت من زينب الشعرية "جزء ابن نجيد" بسماعها منه في سنة أربع وعشرين وخمس مائة.

قلت: وقد حدث عنه أبو القاسم بن الحرستاني بالإجازة بأجزاء عمر بن مسرور.

مات في العشرين من رمضان، سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة. أرخه السمعاني.

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 259"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 95".

(2)

ترجمته في التجبير للسمعاني "1/ 94"، والعبر "4/ 84"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 260"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 97".

ص: 435

‌4810 - تميم

(1)

:

ابن أبي سعيد بن أبي العباس، الشيخ الفاضل، المؤدب، مسند هراة، أبو القاسم الجرجاني.

مولده بعد الأربعين وخمس مائة.

وسمع من: أبي حفص بن مسرور، وأبي عامر الحسن بن محمد بن علي النسوي، ومحمد بن محمد بن حمدون السلمي، وأبي سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، وأبي بكر أحمد بن منصور المغربي، وعلي بن محمد بن علي بن عبيد الله البحاثي، فسمع منه كتاب "الأنواع والتقاسيم" لأبي حاتم بن حبان، وسمع "مسند أبي يعلى" من أبي سعد.

وانتهى إليه بهراة علو الإسناد، كان قد اعتنى به خاله الحافظ عبد الله بن يوسف، فسمعه بنيسابور من المذكورين.

قال السمعاني: لم ألقه، وأجاز لي، وكان ثقةً صالحًا، يعلم الصبيان، سمع: ابن مسرور، وعبد الغافر، وأبا عثمان الصابوني، وأبا عثمان البحيري، والبيهقي، ومحمد بن عبد الله العمري، وأبا بكر محمد بن الحسن بن علي الطبري، ومن سماعاته:"معجم الحاكم" سمعه من البيهقي، أخبرنا الحاكم، والقدر الذي عند أبي سعد وذلك خمسة وثلاثون جزءًا من "مسند أبي يعلى"، وكتاب "المتفق" للجوزقي، وكتاب "الترغيب" لحميد بن زنجويه: أخبرنا العمري، أخبرنا ابن أبي شريح، أخبرنا الرذاني عنه، سوى الجزء الخامس من تجزئة عشرة.

(1)

ترجمته في التجبير للسمعاني "1/ 144"، والعبر "4/ 85"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 97".

ص: 436

قلت: وروى عنه أبو القاسم بن عساكر، وأبو روح عبد المعز بن محمد الهروي، وطائفة.

قال ابن نقطة: ذكر لي يحيى بن علي المالقي أنه لما قدم أبو جعفر بن خولة الغرناطي من الهند إلى هراة، أخرج إليهم بقية الأصل بـ "مسند أبي يعلى"، وفيه سماع أبي روح من تميم. قال يحيى: فكمل له "المسند" سماعًا من تميم بتلك المجلدة.

أخبرنا ابن الخلال، أخبرنا عتيق السلماني، أخبرنا أبو القاسم الحافظ، أخبرنا تميم الجرجاني بهراة في شعبان سنة ثلاثين وخمس مائة .. فذكر حديثًا.

فهذا آخر العهد بتميم، ولا أدري متى توفي.

أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا تميم بن أبي سعيد المعلم سنة تسع وعشرين، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي في سنة ثمان وأربعين وأربع مائة، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا فليح، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أن أبا بكر بعثه في الحجة التي أمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان

(1)

.

أخرجه البخاري عن الزهراني.

(1)

أخرجه البخاري"4655"، ومسلم "1347"، وأبو داود "1946"، والنسائي "5/ 234".

ص: 437

‌4811 - قاضي الَمَرسْتَان

(1)

:

الشيخ الإمام العالم المتفنن، الفرضي العدل، مسند العصر، القاضي، أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة بن الحارث بن عبد الله ابن شاعر النبي صلى الله عليه وسلم وأحد الثلاثة الذين خلفوا كعب بن مالك بن عمرو بن القين، الخزرجي، السلمي، الأنصاري، البغدادي، النصري من محلة النصرية، الحنبلي البزاز، المعروف: بقاضي المرستان، ويعرف أبوه بصهر هبة.

مولده في عاشر صفر، سنة اثنتين وأربعين وأربع مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 92"، والعبر "4/ 96"، ولسان الميزان "5/ 241"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 267"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 108".

ص: 437

بكر به أبوه، وسمعه من أبي إسحاق البرمكي "جزء" الأنصاري وما معه حضورًا في السنة الرابعة، وسمع الكثير بإفادة جارهم المحدث الرحال عبد المحسن الشيحي السفار من علي بن عيسى الباقلاني، وأبي محمد الجوهري، والقاضي أبي الطيب الطبري، وعمر بن الحسين الخفاف، وأبي طالب العشاري، وأبي الحسين بن حسنون النرسي، وعلي بن عمر البرمكي، وأبي الحسين بن الآبنوسي، والقاضي أبي يعلى بن الفراء، وأبي جعفر بن المسلمة، ومحمد بن وشاح الزينبي، وجابر بن ياسين، وعبد الصمد بن المأمون، وأحمد بن عثمان المخبزي، وعلي بن الشيخ أبي طالب المكي، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وأبي الفضل هبة الله بن أحمد بن المأمون، وخديجة بنت محمد الشاهجانية، وعلي بن عبد الرحمن بن عليك، ووالده أبي طاهر عبد الباقي حدثه عن ابن الصلت المجبر، والحافظ أبي بكر الخطيب، وأبي الغنائم محمد بن الدجاجي، وعبد العزيز بن علي الأنماطي، وأبي الحسن محمد بن محمد بن البيضاوي، وأبي بكر أحمد بن محمد بن حمدوه، وهناد بن إبراهيم النسفي، والشريف أبي جعفر بن أبي موسى -وبه تفقه- والحسن بن علي المقرئ، وسمع بمصر من: أبي إسحاق الحبال الحافظ، وبمكة من: أبي معشر الطبري، ومن عدد كثير.

وله مشيخة في ثلاثة أجزاء، وأخرى خرجها السمعاني في جزء.

وأجاز له أبو القاسم التنوخي، وأبو الفتح بن شيطا، والقاضي أبو عبد الله بن سلامة القضاعي، وتفقه قليلًا عند القاضي أبي يعلى، وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن بن الدامغاني.

وروى الكثير، وشارك في الفضائل، وانتهى إليه علو الإسناد، وحدث وهو ابن عشرين سنةً في حياة الخطيب.

حدث عنه خلق، منهم السلفي، والسمعاني، وابن ناصر، وابن عساكر، وابن الجوزي، وأبو موسى المديني، وعبد الله بن مسلم بن جوالق، والمكرم بن هبة الله الصوفي، وأبو أحمد بن سكينة، وأحمد بن تزمش، وسعيد بن عطاف، وعلي بن محمد بن يعيش الأنباري، وعبد الله بن المظفر بن البواب، ويوسف بن المبارك بن كامل، وعبد اللطيف بن أبي سعد، وأبو علي ضياء بن الخريف، وعمر بن طبرزد، وعبد العزيز بن الأخضر، وأبو اليمن الكندي، والحسين بن شنيف، وأحمد بن يحيى بن الدبيقي، وعبد العزيز بن معالي بن منينا، وخلق. وبالإجازة: المؤيد بن محمد الطوسي، وغيره.

وقد تكلم فيه أبو القاسم ابن عساكر بكلام مرد فج، فقال: كان يتهم بمذهب الأوائل،

ص: 438

ويذكر عنه رقة دين. قال: وكان يعرف الفقه على مذهب أحمد، والفرائض والحساب والهندسة، ويشهد عند القضاة، وينظر في وقوف البيمارستان العضدي.

وقال أبو موسى المديني: كان إمامًا في فنون، وكان يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع، وما من علم إلَّا وقد نظرت فيه، وحصلت منه الكل أو البعض، إلَّا هذا النحو، فإني قليل البضاعة فيه، وما أعلم أني ضيعت ساعةً من عمري في لهو أو لعب.

وقال ابن الجوزي: ذكر لنا أبو بكر القاضي أن منجمين حضرا عند ولادتي، فأجمعا على أن العمر اثنتان وخمسون سنة، فها أنا قد جاوزت التسعين.

قلت: هذا يدل على حسن معتقده.

قال ابن الجوزي: كان حسن الصورة، حلو المنطق، مليح المعاشرة، كان يصلي في جامع المنصور، فيجيء في بعض الأيام، فيقف وراء مجلسي وأنا أعظ، فيسلم علي. استملى عليه شيخنا ابن ناصر، وقرأت عليه الكثير، وكان ثقةً فهمًا، ثبتًا حجةً، متفننًا، منفردًا في الفرائض، قال لي يومًا: صليت الجمعة، وجلست أنظر إلى الناس، فما رأيت أحدًا أود أن أكون مثله، وكان قد سافر، فوقع في أسر الروم، وبقي سنةً ونصفًا، وقيدوه وغلوه، وأرادوه على كلمة الكفر، فأبى، وتعلم منهم الخط الرومي، سمعته يقول: من خدم المحابر، خدمته المنابر، يجب على المعلم أن لا يعنف، وعلى المتعلم أن لا يأنف. ورأيته بعد ثلاث وتسعين سنةً صحيح الحواس لم يتغير منها شيء، ثابت العقل، يقرأ الخط الدقيق من بعد، ودخلنا عليه قبل موته بمديدة، فقال: سالت في أذني مادة، فقرأ علينا من حديثه، وبقي على هذا نحوًا من شهرين، ثم زال ذلك، ثم مرض، فأوصى أن يعمق قبره زيادةً على العادة، وأن يكتب على قبره:{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} [ص: 67 و 68] وبقي ثلاثة أيام لا يفتر من قراءة القرآن، إلى أن توفي قبل الظهر، ثاني رجب سنة خمس وثلاثين وخمس مائة.

وقال السمعاني: ما رأيت أجمع للفنون منه، نظر في كل علم، فبرع في الحساب والفرائض، سمعته يقول: تبت من كل علم تعلمته إلَّا الحديث وعلمه، ورأيته وما تغير عليه من حواسه شيء، وكان يقرأ الخط البعيد الدقيق، وكان سريع النسخ، حسن القراءة للحديث، وكان يشتغل بمطالعة الأجزاء التي معي، وأنا مكب على القراءة، فاتفق أنه وجد جزءًا من حديث الخزاعي قرأته بالكوفة على عمر بن إبراهيم العلوي بإجازته من محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي، وفيه حكايات مليحة، فقال: دعه عندي. فرجعت من الغد،

ص: 439

فأخرجه وقد نسخه، وقال: اقرأه حتى أسمعه، فقلت: يا سيدي، كيف يكون هذا?! ثم قرأته، فقال للجماعة: اكتبوا اسمي.

قلت: هذا الجزء في وقف الشيخ الضياء، وأوله بخطه: حدثنا أبو سعد السمعاني.

قال السمعاني: وقال لي: أسرتني الروم، وكانوا يقولون لي: قل: المسيح ابن الله حتى نفعل ونصنع في حقك، فما قلت، وتعلمت خطهم، وكان لا يعرف علم النحو، سمعته يقول: الذباب إذا وقع على البياض سوده، وعلى السواد بيضه، وعلى التراب برغثه، وعلى الجرح قيحه، سمعت منه "الطبقات" لابن سعد، و "المغازي" للواقدي، وأكثر من مائتي جزء، وقال لي: ولدت بالكرخ، ثم انتقلنا إلى النصرية ولي أربعة أشهر.

قال ابن نقطة: حدث القاضي أبو بكر بـ"صحيح البخاري"، عن أبي الحسين بن المهتدي بالله، أخبرنا أبو الفتح بن أبي الفوارس، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا الفربري عنه.

ص: 440

‌4812 - ابن السَّمَرْقَنْدِي

(1)

:

الشيخ الإمام المحدث المفيد المسند، أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث، السمرقندي، الدمشقي المولد، البغدادي الوطن، صاحب المجالس الكثيرة.

ولد بدمشق في رمضان سنة أربع وخمسين وأربع مائة، فهو أصغر من أخيه الحافظ عبد الله.

سمعا: أبا بكر الخطيب، وعبد الدائم بن الحسن، وأبا نصر بن طلاب، وأحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد، وعبد العزيز الكتاني، ثم انتقل بهما الوالد إلى بغداد، فسمعا من: أبي جعفر بن المسلمة، وأبي محمد بن هزارمرد، وعبد العزيز بن علي السكري، وأبي الحسين بن النقور، وأحمد بن علي بن منتاب، ومالك البانياسي، وطاهر بن الحسين القواس، وإبراهيم بن عبد الواحد القطان، وعاصم بن الحسن، وابن الأخضر الأنباري، وجعفر بن يحيى الحكاك، ومحمد بن هبة الله اللالكائي، وابن خيرون، ورزق الله التميمي، وأحمد بن علي بن أبي عثمان، ومحمد بن أحمد بن أبي الصقر، ويوسف بن الحسن التفكري، وإسماعيل بن مسعدة، وطراد الزينبي، والنعالي، وعبد الكريم بن رزمة، وأبي علي بن البناء، وأحمد

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 98"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 269"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 112".

ص: 440

ابن الحسين العطار، وعبد الله بن الحسن الخلال، ويوسف المهرواني، وعبد السيد بن محمد الصباغ، وأبي نصر الزينبي، ووالده، وأبي إسحاق الشيرازي، وعبد الباقي بن محمد العطار، وابن البسري، وعدد كثير.

ثم قدم إسماعيل الشام، وسمع بالقدس من مكي الرميلي، عمر، وروى الكثير.

حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، والسمعاني، وأعز بن علي الظهيري، وإسماعيل بن أحمد الكاتب، وسعيد بن عطاف، ويحيى بن ياقوت، وعمر بن طبرزد، وزيد بن الحسن الكندي، ومحمد بن أبي تمام بن لزوا، وعلي بن هبل الطبيب، وسليمان بن محمد الموصلي، وعبد العزيز بن الأخضر، وموسى بن سعيد بن الصيقل، وآخرون.

قال السمعاني: قرأت عليه الكتب الكبار والأجزاء، وسمعت أبا العلاء العطار بهمذان يقول: ما أعدل بأبي القاسم بن السمرقندي أحدًا من شيوخ العراق وخراسان.

وقال عمر البسطامي: أبو القاسم إسناد خراسان والعراق.

قال ابن السمرقندي: ما بقي أحد يروي "معجم ابن جميع" غيري ولا عن عبد الدائم الهلالي، وأنشد:

وأعجب ما في الأمر أن عشت بعدهم

على أنّهم ما خلّفوا فيّ من بطش

قال ابن عساكر: كان ثقةً مكثرًا، صاحب أصول، دلالًا في الكتب، سمعته يقول: أنا أبو هريرة في ابن النقور.

قال ابن عساكر: وعاش إلى أن خلت بغداد، وصار محدثها كثرةً وإسنادًا، حتى صار يطلب على التسميع بعد حرصه على التحديث، أملى بجامع المنصور أزيد من ثلاث مائة مجلس، وكان له بخت في بيع الكتب، باع مرةً "صحيحي" البخاري ومسلم في مجلدة لطيفة بخط الصوري بعشرين دينارًا، وقال: وقعت علي بقيراط، لأني اشتريتها وكتابًا آخر بدينار وقيراط، فبعت الكتاب بدينار.

قال السلفي: هو ثقة، له أنس بمعرفة الرجال، وقال: كان ثقة، يعرف الحديث، وسمع الكتب، وكان أخوه أبو محمد عالمًا ثقةً فاضلًا، ذا لسن.

وقال ابن ناصر: كان دلالًا، وكان سيئ المعاملة، يخاف من لسانه، يخالط الأكابر بسبب الكتب.

توفي في السادس والعشرين من ذي القعدة سنة ست وثلاثين وخمس مائة.

وقد رأى أنه يقبل قدم النبي صلى الله عليه وسلم، ويمر عليها وجهه، فقال له ابن الخاضبة: أبشر بطول البقاء، وبانتشار حديثك، فتقبيل رجليه اتباع أثره.

ص: 441

‌4813 - جمال الإسلام

(1)

:

الشيخ الإمام العلامة، مفتي الشام، جمال الإسلام، أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح، السلمي الدمشقي الشافعي الفرضي.

سمع: أبا نصر بن طلاب الخطيب، وعبد العزيز بن أحمد الكتاني، وأبا الحسن بن أبي الحديد، ونجا العطار، وغنائم بن أحمد، وابن أبي العلاء المصيصي، والفقيه نصرًا المقدسي، وعدة.

وتفقه على القاضي أبي المظفر المروزي، وكان معيدًا للفقيه نصر.

وقال الغزالي فيما حكاه ابن عساكر أنه قال: خلفت بالشام شابًا إن عاش كان له شأن. فكان كما تفرس فيه، ودرس بحلقة الغزالي مدة، ثم ولي تدريس الأمينية في سنة أربع عشرة.

قال ابن عساكر: سمعنا منه الكثير، وكان ثقةً ثبتًا، عالمًا بالمذهب والفرائض، يحفظ كتاب "تجريد التجريد" لأبي حاتم القزويني، وكان حسن الخط، موفقًا في الفتاوى، على فتاويه عمدة أهل الشام، وكان كثير عيادة المرضى وشهود الجنائز، ملازمًا للتدريس، حسن الأخلاق، وله مصنفات في الفقه والتفسير، وكان يعقد مجلس التذكير، ويظهر السنة، ويرد على المخالفين، لم يخلف بعده مثله.

قلت: المخالفون يعني بهم الرافضة، وكانت الدولة لهم.

حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، وابنه القاسم، وخطيب دومة عبد الله بن حمزة الكرماني، وعبد الوهاب بن علي والد كريمة، ومكي بن علي، ويحيى بن الخضر الأرموي، وإسماعيل الجنزوي، وأبو طاهر الخشوعي، ومحمد بن الخصيب، والقاضي أبو القاسم عبد الصمد بن الحرستاني، وأملى عدة مجالس.

وقد ذكره ابن عساكر في كتاب "تبيين كذب المفتري"، وقال: عني بكثرة المطالعة والتكرار، فلما قدم الفقيه نصر المقدسي لازمه، ولازم الغزالي مدة مقامه بدمشق، وهو الذي أمره بالتصدر بعد شيخه نصر، وكان يثني على علمه وفهمه، وكان عالمًا بالتفسير والأصول والفقه والتذكير والفرائض والحساب وتعبير المنامات، توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة ساجدًا في صلاة الفجر.

قلت: مات في عشر التسعين.

ومات ابنه الفقيه إسماعيل بن علي بأصبهان بعد سنة سبعين وخمس مائة، وكان قد سكن أصبهان، وجاءته الأولاد، وقدم قبيل موته، فباع ملكًا له، ورجع إلى أصبهان، سمع منه الحافظ أبو المواهب.

(1)

ترجمته في العبر "4/ 92"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 235"، وتبصير المنتبه "4/ ص 1282"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 102".

ص: 442

‌4814 - ابن تَوبة

(1)

:

الشيخ الإمام المقرئ المسند، أبو الحسن، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة، الأسدي العكبري.

ولد سنة خمس وخمسين وأربع مائة.

وتلا بالروايات على أصحاب أبي الحسن بن الحمامي، وقرأ شيئًا من الفقه على الشيخ أبي إسحاق.

وكان جليلًا مهيبًا وقورًا.

سمع: أبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وعبد الصمد بن المأمون، والصريفيني.

قال السمعاني: هو صالح خير، حسن الأخذ، قرأت عليه الكثير، كنت أقدم السماع عليه على غيره.

قلت: روى عنه ابن عساكر، والتاج الكندي.

ومات في صفر سنة خمس وثلاثين وخمس مائة.

وسمعت "سبعة" ابن مجاهد من عمر بن القواس، عن الكندي، أخبرنا ابن توبة، أخبرنا الصريفيني، أخبرنا الكناني، عنه.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 91"، والعبر "4/ 96"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 107".

ص: 443

‌4815 - أخوه عبد الجبار

(1)

:

الإمام المقرئ الفقيه القدوة، أبو منصور، عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة، العكبري الشافعي.

كان أصغر من أخيه.

سمع حضورًا من أبي الغنائم بن المأمون، وسمع من أبي محمد بن هزارمرد، وأبي الحسين بن النقور.

وعنه: ابن عساكر، والسمعاني، والتاج الكندي، ويوسف بن المبارك الخفاف، وعبد العزيز بن الأخضر، وآخرون.

قال السمعاني: كان حسن الإصغاء، ثقةً صالحًا، قيمًا بكتاب الله، صحب الشيخ أبا إسحاق، وخدمه، وكان كثير البكاء، أكثرت عنه، توفي في ثالث جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وخمس مائة.

‌4816 - الشاذياخي

(2)

:

الشيخ الصالح المأمون، أبو الفتوح، عبد الوهاب بن شاه بن أحمد ابن عبد الله، النيسابوري الشاذياخي الخرزي، كان له حانوت يتبلغ فيه من بيع الخرز.

سمع "الصحيح" من أبي سهل الحفصي، وسمع "الرسالة" من أبي القاسم القشيري، وسمع من أبي حامد الأزهري، وعبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري، وحسان المنيعي، ونصر بن علي الحاكمي، وأحمد بن محمد بن مكرم، وأبي صالح المؤذن، وعدة.

روى عنه السمعاني، وقال: كان من أهل الخير والصلاح، ولد سنة ثلاث وخمسين.

قلت: وروى عنه ابن عساكر، وإسماعيل بن علي المغيثي، ومنصور الفراوي، والمؤيد الطوسي، وزينب الشعرية.

قال ابن نقطة: سمع منه جميع "الصحيح" منصور، والمؤيد، والشعرية.

قال السمعاني: توفي في شوال سنة خمس وثلاثين وخمس مائة.

أخبرنا أبو الفضل بن عساكر، عن زينب الشعرية، أخبرنا عبد الوهاب ابن شاه، أخبرنا أبو القاسم القشيري، أخبرنا محمد بن الحسن بن فورك، حدثنا ابن خرزاذ، حدثنا الحسن بن الحارث الأهوازي، حدثنا سلمة بن سعيد، حدثنا صدقة بن أبي عمران، حدثنا علقمة بن مرثد، عن زاذان، عن البراء بن عازب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "حسنوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا"

(3)

.

صدقة صدوق.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 90"، والعبر "4/ 96"، وشذرات الذهب "4/ 107".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 241"، والتجبير للسمعاني "1/ 501"، والعبر "4/ 96"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 107".

(3)

صحيح: أخرجه الدارمي "2/ 474"، حدثنا محمد بن بكر، حدثنا صدقه بن أبي عمران، به.

قلت: إسناده حسن، محمد بن بكر هو ابن عثمان البرساني، أبو عثمان البصري، صدوق، وصدقه ابن أبي عمران الكوفي، صدوق، وزازان، هو أبو عمر الكندي البزار، صدوق أيضًا كما قال الحافظ في "التقريب".

وأخرجه الطيالسي "2/ 3"، وعبد الرزاق "2/ 4175 و 4176"، وابن أبي شيبة "2/ 521" و "10/ 462"، وأحمد "4/ 283 و 285 و 296 و 304"، وأبو داود "1468"، والنسائي "2/ 179 - 180"، وابن ماجه "1342"، والدارمي "2/ 474"، والحاكم "1/ 571 و 572 - 575"، وأبو نعيم في "الحلية""5/ 27"، والبيهقي في "السنن""2/ 53"، من طرق عن طلحة بن مصرف، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"زينوا القرآن بأصواتكم".

ص: 444

‌4817 - عماد الدولة بن هود

(1)

:

كان أحد ملوك الأندلس في حدود الخمس مائة، وهو من بيت مملكة تملكوا شرق الأندلس، فلما استولى الملثمون على الأندلس، أبقى يوسف بن تاشفين على ابن هود، فلما تملك علي بن يوسف بعد أبيه كان فيه سلامة باطن، فحسن له وزراؤه أخذ الملك من ابن هود، حتى قالوا له: إن أموال المستنصر العبيدي صارت في غلاء مصر المفرط تحولت كلها إلى بني هود، وقالوا: الشرع يأمرك أن تسعى في خلعهم لكونهم مسالمين الروم، فجهز لهم الأمير أبا بكر بن تيفلوت، فتحصن عماد الدولة بروطة، وكتب إلى علي بن تاشفين يستعطفه في المسالمة، ويقول: لكم فيما فعله أبوكم أسوة حسنة، وسيعلم مبرم هذا الرأي عندكم سوء مغبته، والله حسيب من معي، وحسبنا الله وكفى. فأمر علي بن يوسف بالكف، وأنى ذلك وقد أدخلته الرعية سرقسطة، وكان ابن رذمير اللعين صاحب مملكة أرغونة من شرق الأندلس قسيسًا مجربًا داهيةً مترهبًا، فقوي على بلاد ابن هود، وطواها، وقنع عماد الدولة بن هود بدار سكناه، وكان ابن رذمير لا يتجهز إلَّا في عسكر قليل كامل العدة، فيلقى بالألف آلافًا.

(1)

ترجمته في تاريخ ابن خلدون "4/ 163"، ونفح الطيب للتلمساني "1/ 441".

ص: 445

قال اليسع بن حزم: حدثني عنه أبو القاسم هلال أحد وجوه العرب، قال: كان بيني وبين المرابطين أمر ألجأني إلى الوفود على ابن رذمير، فرحب بي، وأمر لي براتب كبير، فحضرت معه حربًا طعن عنه حصانه، فوقفت عليه ذابًا عن حوزته، فلما انصرفنا إلى رشقة، أمر الصواغين بعمل كأس من ذهب رصعه بالدر، وكتب عليه: لا يشرب منه إلَّا من وقف على سلطانه. فحضرت يومًا، فأخرج الكأس، وملأه شرابًا، وناولني بحضرة ألف فارس، ورأيت أعناقهم قد اسودت من صدأ الدروع. قال: فناديت، وقلت: غيري أحق به، فقال: لا يشرب هذا إلَّا من عمل عملك. وكان هلال هذا من قرية هلال بن عامر، تاب بعد، وغزا معنا، فكان إذا حضر في الصف جبلًا راسيًا يمنع تهائم الجيوش أن تميد، وقلبًا في البسالة قاسيًا، يقول في مقارعة الأبطال: هل من مزيد. أبصرته رحمه الله أمةً وحده، يتحاماه الفوارس، فحدثني عن ابن رذمير وإنصافه قال: كنت معه بظاهر روطة وقد وجه إليه عماد الدولة وزيره أبا محمد عبد الله بن همشك الأمير رسولًا، فطلب فارس من ابن رذمير أن يمكن من مبارزة ابن همشك، فقال: لا، هو عندنا ضيف. فسمع بذلك ابن همشك، وأمضى ابن رذمير حاجته، وصرفه، فقال: لا بد لي من مبارزة هذا، فأمر الملك ذاك الفارس بالمبارزة، وقال: هذا أشجع الروم في زمانه، فانصرف عبد الله يريد روطة، وخرج وراءه الرومي شاكًا في سلاحه، وما مع ابن همشك درع ولا بيضة، فأخذ رمحه وطارقته من غلامه، وقصد الرومي، فحمل كل منهما على الآخر حملات، ثم ضربه ابن همشك في الطارقة، فأعانه الله، فانقطع حزام الفارس، فوقع بسرجه إلى الأرض، فطعنه ابن همشك، فقتله، والملك يشاهده على بعد، فهمت الروم بالحملة على ابن همشك، فمنعهم الملك، ونزل غلام ابن همشك، فجرد الفارس، وسلبه، وأخذ فرسه، وذهب لم يلتفت إلى ناحيتنا، فما أدري مم أعجب، من إنصاف الملك، أو من ابن همشك كيف مضى ولم يعرج إلينا?!

وأقام ابن رذمير محاصرًا سرقسطة زمانًا، وأخذ كثيرًا من حصونها، فلما رأى أبو عبد الله محمد بن غلبون القائد ما حل بتلك البلاد من الروم، ثار بدورقة وقلعة أيوب وملينة، وجمع وحشد، وكافح ابن رذمير، واستولى أبو بكر بن تيفلوت على سرقسطة، وأقام بقصرها في لذاته، وأما ابن غلبون، فأحسن السيرة، وعدل وجاهد ورزق الجند، رأيته رجلًا طوالًا جدًا، واجتمعت به، أقام مثاغرًا لابن رذمير شجىً في حلقه، التقى مرةً في ألف فارس لابن رذمير، والآخر في ألف، فاشتد بينهما القتال، وطال، ثم حمل ابن غلبون على ابن رذمير، فصرعه عن حصانه، فدفع عنه أصحابه، فسلم، ثم انهزموا، ونجا اللعين في نحو المائتين فقط، وأما ابن تيفلوت، فإنه راسل ابن غلبون، وخدعه، حتى حسن له زيارة أمير

ص: 446

المسلمين علي بن يوسف، فاستخلف على بلاده ولده أبا المطرف، وكان من الأبطال الموصوفين أيضًا، فقدم محمد مراكش، فأمسك، وألزم بأن يخاطب بنيه في إخلاء بلاده للمرابطين، فأخلوها طاعةً لأبيهم، وترحلوا إلى غرب الأندلس، ففرح بذلك ابن رذمير، وحصر سرقسطة، وصنع عليها برجين عظيمين من خشب، وإن أهلها لما يئسوا من الغياث، خرجوا، وأحرقوا البرجين، واقتتلوا أشد قتال، وكتبوا إلى ابن تاشفين يستصرخون به، ومات ابن تيفلوت، وذلك في سنة إحدى عشرة وخمس مائة، فأنجدهم بأخيه تميم بن يوسف، فقدم في جيش كبير، وعنى ابن رذمير جيوشه، ففرح أهل سرقسطة بتميم، فكان عليهم لا لهم، جاء مواجه المدينة، ثم نكب عنها، وكان طائفة من خيلها ورجلها قد تلقوه، فحمل عليهم حملةً قتل منهم جماعةً كثيرة، ثم نكب عن لقاء العدو، وانصرف إلى جهات المورالة، واشتد البلاء على البلد، ثم سلموه بالأمان، على أن من شاء أقام به، وكان ابن رذمير معروفًا بالوفاء، حدثني من أثق به: أن رجلًا كانت له بنت من أجمل النساء، ففقدها، فأخبر أن كبيرًا من رؤوس الروم خرج بها إلى سرقسطة، فتبعه أبواها وأقاربها، فشكوه إلى ابن رذمير، فأحضره، وقال: علي بالنار، كيف تفعل هذا بمن هو في جواري? فقال الرومي: لا تعجل علي، فإنها فرت إلى ديننا، فجيء بها، فأنكرت أبويها، وارتدت. ولما دخل سرقسطة، أقرهم على الصلاة في جامعها سبعة أعوام، وبعد ذلك يعمل ما يرى، وحاصر قتندة بعد سرقسطة سنتين، فلما كان في آخر سنة أربع عشرة، قصده عبد الله بن حيونة في جيش فيهم قاضي المرية أبو عبد الله بن الفراء، وأبو علي بن سكرة، فبرز لهم اللعين، فقتل خلقًا، وأسر آخرون، واستشهد المذكوران، فبنى عليهم ابن رذمير قبورًا، ثم سلم البلد إليه، وأخذ في تلك المدة دورقة، وقلعة أيوب، وطرسونة، وأكثر من مائتي مسور، ولم يبق أكثر من ثلاثة مدائن لم يأخذها، وبقي من أعمال بني هود لاردة، وإفراغة، وطرطوشة، وغير ذلك معاملة عشرة أيام لم يظفر اللعين بها، فقام بلاردة الهمام البطل أبو محمد، وقام بإفراغة الزاهد المجاهد محمد مردنيش الجذامي جد الأمير محمد بن سعد

ص: 447

‌4818 - أحمد بن عبد الملك بن هود

(1)

:

الملقب بالمستنصر بالله الأندلسي، من بيت مملكة وحشمة، وأموال عظيمة، وكان بيده قطعة من الأندلس، فاستعان بالفرنج على إقامة دولته.

ذكره اليسع بن حزم، فقال: انعقد الصلح بين المستنصر بن هود وبين السليطين ملك الروم وهو ابن بنت أذفونش إلى مدة عشرين سنة، على أن يدفع للفرنج روطة، ويدفعوا إليه حصونًا عوضها، ويعينوه بخمسين ألفًا من الروم، يخرج بها إلى بلاد المسلمين ليملك، فجعل الله تدميره في تدبيره، وكنا نجد في الآثار عن السلف فساد الأندلس على يدي بني هود، وصلاحها بعد على أيديهم، فخرج اللعين السليطين وابن هود في نحو من أربعين ألف فارس، وتاشفين بالزهراء، فقصد ابن هود جهة إشبيلية، وبقي ينفق على جيوش السليطين نحو ثمانية أشهر، وشرط عليهم أنهم لا يأسرون أحدًا، فحدثني المستنصر -وقد ندم على فعله من شيطنة الشبيبة وطلب ملك آبائه- فقال لي: الذي أنفقت في تلك السفرة من الذهب الخالص ثلاثة آلاف ألف دينار، والذي دفعت إليهم من مخازن روطة من الدروع أربعون ألف درع، ومن البيض مثلها، ومن الطوارق ثلاثون ألفًا، وذكر لي جماعة أنه دفع إلى السليطين خيمةً كان يحملها أربعون بغلًا، وذكر لي محمد بن مالك الشاعر أنه أبصر تلك الخيمة، قال: فما سمع بأكبر منها قط، ولما طالت إقامته على البلاد، ولم يخرج إلى ابن هود أحد، رجع ومعه ابن هود، ولم يكن مع ابن هود إلَّا نحو من مائتي فارس، فأقام ابن هود بطليطلة ليذهب منها إلى حصونه التي عوض بها -وبئس للظالمين بدلًا- ثم إن قرطبة اضطرب أمرها، واشتغل أمير المسلمين بما دهمه من خروج التومرتية، فجاء المستنصر بالله أحمد من مدينة غرليطش، وقصد قرطبة، وكان محببًا إلى الناس بالصيت، فبرز إليه ابن حمدين زعيم قرطبة بعسكرها، فقصد عسكرها نحو ابن هود طائعين، ففر حينئذ ابن حمدين إلى بليدة، ودخل ابن هود قرطبة بلا كلفة ولا ضربة ولا طعنة، فاستوزر أبا سعيد المعروف بفرج الدليل، وكاتب نواب البلاد، ففرحوا به لأصالته في الملك، ثم خرج فرج الدليل إلى حصن المدور، فقيل لابن هود: قد نافق وفارق، فخرج بنفسه، واستنزله من الحصن، فنزل غير مظهر خلافًا، وكان رجلًا صالحًا، فقتله صبرًا، فساء ذاك أهل قرطبة، وثارت نفوسهم، وعظم عليهم قتل أسد من أسد الله، فزحفوا إلى القصر، ففر ابن هود من قرطبة، فقصدها ابن حمدين، فأدخله أهله، وكثر الهيج، واشتد البلاء بالأندلس، وغلت مراجل الفتنة، وأما أبو محمد بن عياض، فكان على مملكة لاردة، فخرج في خمس مائة فارس، ليسعى في إصلاح أمر الأمة، وقصده أهل مرسية وبلنسية ليملكوه عليهم، فامتنع، ثم بايع أهل بلنسية عن الخليفة عبد الله العباسي، ثم اتفق ابن عياض وابن هود على أن اسم الخلافة لأمير المؤمنين العباسي، وأن النظر في الجيوش والأموال لابن عياض رحمه الله وأن السلطنة لابن هود.

قال اليسع: فكتبت بينهما عهدًا هذا نصه:

(1)

ترجمه في تاريخ ابن خلدون "4/ 163"، ونفخ الطيب للتلمساني "1/ 441".

ص: 448

كتاب اتفاق ونظام وائتلاف لجمع كلمة الإسلام يفرح به المؤمنون، انعقد بين الأمير المستنصر بالله أحمد، وبين المجاهد المؤيد أبي محمد عبد الله بن عياض، وصل الله بهما أبواب التوفيق

إلى أن قال: وأنا لي في جزيرة الأندلس غرباء في مادة الروم، فلم لا تعزم على إذاعة العدل وتروم? وقد توجه نحوكم كاتبنا ابن اليسع، وكل ما عقده وفي أموركم اعتمده أمضيناه.

قال: فلما وصلت المدينة، وقرأت الكتاب، فرحوا

إلى أن قال: فأغارت الروم على أحواز شاطبة، فبعثني عبد الله بن عياض إلى المستنصر يقول له: أنا أحتفل للقاء القوم، فلا تخرج. فلما جئته بهذه الرسالة، قال لي: إنما تريد أن تفسد ما بيني وبين الروم من وكيد الذمة، وإذا أنا خرجت، واجتمعت بملوكهم، ردوا ما أخذوه، فأعلمت ابن عياض، فقال لي: يحسب هذا أن الروم تفي له، سيتبع رأيي حين لا ينفعه، فتضرعت إلى المستنصر، فأبى، فخرجنا جميعًا نؤم العدو، حتى وصلنا، فأمراني بكتابين عنهما إلى الملكين مونق وفراندة، وكتاب عن ابن عياض إلى صهره أبي محمد ليصل بعسكر بلنسية، فقال له ابن عياض: يقرب صيدنا، والحرب خدعة. فأبى، وقال: إذا وصلهم كتابي، ردوا الغنائم، فلم يغن كتابه شيئًا.

إلى أن قال: فالتقينا نحن والروم، فكمنوا لنا ألفي فارس، وظهر لنا أربعة آلاف، ونحن نحو الألفين، ووقع الحرب، فمات من أهل بلنسية نحو سبع مائة، ومن الروم نحو الألف، وفر أهل مرسية عن ابن عياض، وفر ابن هود، فثبت ابن عياض في نحو مائة فارس، وانكسرت الروم، لكن خرج كمينهم، فانكسرنا بعد بأس شديد، واستشهد الأمير أبو محمد عبد الله بن مردنيش صهر ابن عياض، وأحمد بن مردنيش، فشق حينئذ ابن عياض وسط الروم، وجاز نهر شقر حتى وصل مدينة جنجالة، وتوصل الفل إليه، وفقدنا ابن هود، ودخلنا مرسية، واستبشر أهلها بسلامة الملك المجاهد عبد الله بن عياض، وذلك سنة بضع وثلاثين وخمس مائة.

ص: 449

‌4819 - العثماني

(1)

:

العلامة المفتي، أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن يحيى العثماني، المقدسي، الشافعي، الأشعري، نزيل بغداد، من ذرية محمد بن عبد الله الديباج.

مولده سنة اثنتين وستين وأربع مائة ببيروت. وأخذ عن الفقيه نصر.

روى عنه ابن عساكر، والمبارك بن كامل. ودرس وأقرأ، ووعظ، وحج مرات.

وروى عن الحسين بن علي الطبري.

قال ابن كامل: لم أر في زماني مثله، جمع العلم والعمل والزهد والورع والمروءة وحسن الخلق، وكان يوم جنازته يومًا مشهودًا.

قال أبو الفرج بن الجوزي: رأيته يعظ بجامع القصر، وكان غاليًا في مذهب الأشعري.

وقال ابن عساكر: كان يفتي ويناظر ويذكر، وكانت مجالس تذكيره قليلة الحشو، على طريقة المتقدمين، مات في سابع عشر صفر، سنة سبع وعشرين وخمس مائة.

قلت: غلاة المعتزلة، وغلاة الشيعة، وغلاة الحنابلة، وغلاة الأشاعرة، وغلاة المرجئة، وغلاة الجهمية، وغلاة الكرامية، قد ماجت بهم الدنيا، وكثروا، وفيهم أذكياء وعباد وعلماء، نسأل الله العفو والمغفرة لأهل التوحيد، ونبرأ إلى الله من الهوى والبدع، ونحب السنة وأهلها، ونحب العالم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 33"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "2/ 109"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 88 - 89".

ص: 450

‌4820 - الدهَّان

(1)

:

الشيخ أبو الحسن عبد الجبار بن عبد الوهاب بن عبد الله بن محمد بن الدهان، النيسابوري البيع، شيخ سديد الطريقة، من بيت ثروة ومروءة.

سمع: أبا بكر البيهقي فأكثر، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وجماعةً.

وروى الكثير، فسمع منه "السنن الكبير" عبد الرحيم بن عبد الرحمن الشعري.

وقال أبو سعد السمعاني: أجاز لي في سنة سبع وعشرين وخمس مائة، وهو شيخ ثقة، من أهل الخير والأمانة، عنده تصانيف البيهقي، وسمع: أبا طاهر محمد بن علي الحافظ الزراد، وأبا يعلى بن الصابوني.

وذكره أيضًا عبد الغافر، وأثنى عليه، ولم يذكرا له وفاةً.

لم يدركه ابن عساكر.

(1)

ترجمته في التحبير للسمعاني "1/ 430".

ص: 450

‌4821 - ابن سَعْدُويه

(1)

:

الثقة العالم، أبو سهل، محمد بن إبراهيم بن محمد بن سعدويه، الأصبهاني، الأمين.

صالح خير صدوق مكثر.

سمع: إبراهيم سبط بحرويه، وأبا الفضل بن بندار، والحافظ محمد بن الفضل الحلاوي.

أكثر عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المديني، ومحمد بن معمر، وآخرون.

وأجاز لابن السمعاني أبي سعد، وقال: من سماعه "مسند الروياني"، و "الغرر والدرر" له، سمعهما من ابن بندار، عن ابن فناكي، عنه، وكتاب "العلم" لابن مردويه: سمعه من الحلاوي عنه، مولده في سنة ست وأربعين وأربع مائة. قال: ومات في ذي القعدة سنة ثلاثين وخمس مائة.

‌4822 - بدر

(2)

:

الشيخ، أبو النجم، بدر بن عبد الله، الأرمني الشِّيحي.

سمعه مولاه المحدث عبد المحسن الكثير من: أبي جعفر بن المسلمة، وأبي بكر الخطيب، وأبي الغنائم بن المأمون، وعدة.

وعنه: السمعاني، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، ومحمد بن هبة الله الوكيل.

وكان عريًا من الفضيلة، يقال: طلب منه أن يجيز، فقال: كم ذا! ما بقي عندي إجازة.

مات في رمضان سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة، وعاش ثمانين سنة.

وابنه محمد بن بدر بقي إلى حدود السبعين، يروي عن أبي الحسن بن العلاف. روى عنه الموفق عبد اللطيف بحلب.

(1)

ترجمته في التحبير للسمعاني "2/ 55 - 56"، والمنتظم لابن الجوزي "10/ 63"، والعبر "4/ 82 - 83"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 95".

(2)

ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 442 - 443"، "الشيحي"، واللباب لابن الأثير "2/ 221"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 262".

ص: 451

‌4823 - ابن مَوْهَب

(1)

:

أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن سعيد بن موهب، الجذامي، الأندلسي، المريي، المحدث.

روى عن: أبي العباس العذري، وأبي إسحاق بن وردون، وأبي بكر ابن صاحب الأحباس، وأجاز له أبو عمر بن عبد البر، وأبو الوليد الباجي.

قال ابن بشكوال: كان من أهل المعرفة والعلم والذكاء والفهم، له "تفسير" مفيد، ومعرفة بأصول الدين، حج، وأخذوا عنه، وأجاز لنا، مولده في سنة إحدى وأربعين وأربع مائة، وتوفي في جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنةً، عام اثنين وثلاثين وخمس مائة.

قلت: روى عنه جماعة، منهم عبد الله بن محمد الأشيري.

‌4824 - الأمين

(2)

:

الشيخ أبو منصور علي بن علي بن عبيد الله البغدادي، الأمين، راوي "الجعديات" عن ابن هزارمرد الصريفيني.

وسمع أيضًا من النعالي، وجعفر السراج.

روى عنه: ولده أبو أحمد عبد الوهاب بن سكينة، وأبو سعد السمعاني، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، وآخرون.

وكان ناظر الأيتام، دينًا خيرًا، متعبدًا صوامًا، ثقةً متواضعًا.

مات في ذي القعدة، سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة، في عشر التسعين.

‌4825 - صاحب دمشق

(3)

:

الملك شهاب الدين أبو القاسم محمود بن تاج الملوك بوري بن الأتابك طغتكين.

تملك بعد مقتل أخيه، بإعانة أمه زمرد، وكان مقدم عسكره معين الدين أنر.

قال ابن عساكر: كانت الأمور تجري في أيامه على استقامة، إلى أن وثب عليه جماعة من خدمه، فقتلوه في شوال سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة، وجاء أخوه من بعلبك، فتسلم دمشق بلا منازعة.

قال أبو يعلى بن القلانسي: قتله ألبقش الأرمني، ويوسف الخادم الذي وثق به في نومه، والفراش، فكانوا ثلاثتهم يبيتون حول فراشه، فقتلوه وهو نائم، وخرجوا خفيةً، ثم طلبوا، فهرب ألبقش، وصلب الآخران.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 426"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "14/ 5"، والعبر "4/ 88"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 99".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 75"، والعبر "4/ 88"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 100".

(3)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 296"، والعبر "4/ 92"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 264"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 103".

ص: 452

‌4826 - [أخوه جمال الدين محمد

(1)

]:

وأخوه الملك جمال الدين أبو المظفر محمد.

قيل: هو عمل على أخيه، ثم تملك، فأساء السيرة، فما متعه الله، فمات بعد محمود بعشرة أشهر، فأجلسوا في الملك ولده أبق وهو مراهق، ودفن بتربة جده طغتكين بظاهر دمشق.

‌4827 - ابن خَفَاجة

(2)

:

شاعر وقته، أبو إسحاق، إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الأندلسي.

له "ديوان" مشهور، ولم يتعرض لمدح ملوك الأندلس، وهو القائل:

والشمس تجنح للغروب عليلةً

والرعد يرقي والغمامة تنفث

توفي سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة، وله ثلاث وثمانون سنة.

‌4828 - الموسوي

(3)

:

الواعظ الكبير، أبو البركات، مهدي بن محمد الحسيني الموسوي.

ولد بأصبهان، ونشأ ببغداد.

وسمع ابن طلحة النعالي، وابن البطر.

قال السمعاني: كتبت عنه، وخسف بجنزة، في سنة أربع وثلاثين وخمس مائة، فهلك فيها عالم لا يحصون من المسلمين، منهم هذا الواعظ.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 296"، والعبر "4/ 93"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 265 و 266"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 105".

(2)

ترجمته في وفيات الأعيان "1/ 56 - 57".

(3)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 88".

ص: 453

‌4829 - البديع

(1)

:

بديع الزمان، ومن يضرب به المثل في عمل الأسطرلاب وآلات النجوم، أبو القاسم هبة الله بن الحسين البغدادي الأسطرلابي.

كان الناس يتنافسون في شراء عمله، فحصل أموالًا.

وله نظم جيد، وخلاعة ومجون.

رتب "ديوان ابن الحجاج" على مائة وأربعين بابًا، وسماه "درة التاج في شعر ابن حجاج".

وقيل: كان بارعًا في الطب والفلسفة.

قال ابن النجار: هو وحيد دهره، وفريد عصره في علم الهيئة، مات بالفالج، سنة أربع وثلاثين وخمس مائة.

‌4830 - ابن بِطْرِيق

(2)

:

المسند المقرئ، أبو القاسم، يحيى بن بطريق، الطرسوسي، ثم الدمشقي.

قال ابن عساكر: مستور، حافظ للقرآن، سمع: أبا الحسين محمد بن مكي، وأبا بكر الخطيب، توفي في رمضان سنة أربع وثلاثين وخمس مائة.

قلت: روى عنه ابن عساكر، وعبد الخالق بن أسد، والقاسم بن الحافظ، وآخرون.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان "6/ 50 - 53"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 275"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 103 - 104".

(2)

ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 105".

ص: 454

‌4831 - ابن عَطَّاف

(1)

:

الإمام المحدث الصادق، أبو الفضل، محمد بن محمد بن محمد بن عطاف، الهمداني، الجزري، ثم الموصلي.

قدم بغداد، وسمع من: مالك البانياسي، وطراد الزينبي، وابن طلحة النعالي، فمن بعدهم.

وعمل "المعجم"، و "الطب النبوي"، وغير ذلك.

وارتحل إلى الكوفة، وآمل، وهمذان.

روى عنه: ولده سعيد، وابن عساكر، وأبو سعيد السمعاني.

مات في شوال سنة أربع وثلاثين وخمس مائة وله سبعون سنة.

‌4832 - عطاء بن أبي سعد

(2)

:

ابن عطاء، الإمام المحدث الزاهد، أبو محمد الثعلبي الهروي الفقاعي الصوفي، تلميذ شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري.

مولده سنة أربع وأربعين وأربع مائة بمالين.

سمع من شيخه، ومن أبي القاسم بن السبري، وأبي نصر الزينبي، وعدة ببغداد، ومن: فاطمة بنت الدقاق بنيسابور.

روى عنه بنوه الثلاثة، وقد سمع أبو سعد السمعاني من الثلاثة عن أبيهم. وروى عنه: أبو القاسم بن عساكر، ومحمود بن الفضل.

قال السمعاني: كان ممن يضرب به المثل في إرادة شيخ الإسلام والجد في خدمته، وله حكايات ومقامات في خروج شيخه إلى بلخ في المحنة، وجرى بينه وبين الوزير نظام الملك محاورة ومراددة، واحتمل له النظام.

قال: وسمعت أن عطاءً قدم للخشبة ليصلب، فنجاه الله لحسن نيته، فلما أطلق، عاد إلى التظلم، وما فتر، وخرج مع النظام ماشيًا إلى الروم، فما ركب، وكان يخوض الأنهار مع الخيل، ويقول: شيخي في المحنة، فلا أستريح، قال لي ابنه محمد عنه، قال: كنت أعدو

(1)

ترجمته في اللباب "1/ 277"، وتبصير المنتبه "1/ 323".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 91"، واللباب لابن الأثير "2/ 437".

ص: 455

في موكب النظام، فوقع نعلي، فما التفت، ورميت الأخرى، فأمسك النظام الدابة، وقال: أين نعلاك? فقلت: وقع أحدهما، فخشيت أن تسبقني إن وقفت. قال: فلم رميت الأخرى? فقلت: لأن شيخي أخبرنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمشي الرجل في نعل واحد

(1)

، فما أردت أن أخالف السنة. فأعجبه، وقال: أكتب -إن شاء الله- حتى يرجع شيخك إلى هراة. وقال لي: اركب بعض الجنائب، فأبيت، وعرض علي مالًا، فأبيت.

قال لي ابنه: وقدم أبي بأصبهان ليصلب بعد أن حبسوه مدةً، فقال له الجلاد: صل ركعتين. قال: ليس ذا وقت صلاة، اشتغل بما أمرت به، فإني سمعت شيخي يقول: إذا علقت الشعير على الدابة في أسفل العقبة، لا توصلك في الحال إلى أعلاها، الصلاة نافعة في الرخاء لا في حالة البأس. فوصل مسرع من السلطان ومعه الخاتم بتسريحه، كانت الخاتون معنيةً في حقه، فلما أطلق، رجع إلى التظلم والتشنيع.

قال السمعاني: سمعت عبد الخالق بن زياد يقول: أمر بعض الأمراء أن يضرب عطاء الفقاعي في محنة الشهيد عبد الهادي بن شيخ الإسلام مائةً، فبطح على وجهه، فكان يضرب إلى أن ضرب ستين، فشكوا كم ضرب خمسين أو ستين? فقال عطاء: خذوا بالأقل احتياطًا، وحبس مع نساء، وكان في الموضع أترسة، فقام بجهد من الضرب، وأقام الأترسة بينه وبينهن، وقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالأجنبية

(2)

.

قال محمد بن عطاء: توفي أبي تقديرًا سنة خمس وثلاثين وخمس مائة.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "2099"، من حديث جابر بن عبد الله، به.

(2)

ورد عن ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافر إلا ومعها ذو محرم" أخرجه الشافعي "1/ 286"، وأحمد "1/ 222"، والبخاري "3006" و "5233"، ومسلم "1341"، وابن خزيمة "2529"، والطحاوي "2/ 112"، والبيهقي "3/ 139" و "5/ 226"، والبغوي "1849" من طريق سفيان قال: حدثنا عمرو بن دينار عن أبي معبد، عن ابن عباس، به.

ص: 456

‌4833 - الزَّوْزَنِي

(1)

:

الشيخ المسند الكبير، أبو سعد أحمد بن محمد بن علي بن محمود بن ماخرة الزوزني، ثم البغدادي، من مشاهير الصوفة.

ولد سنة تسع وأربعين وأربع مائة.

قال ابن الجوزي: مات في شعبان، سنة ست وثلاثين وخمس مائة.

وفيها مات: شيخ الحنفية العلامة أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مازة البخاري الحنفي، ومحدث بغداد أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن السمرقندي، وزاهد الأندلس أبو العباس أحمد بن محمد بن موسى ابن العريف الصنهاجي الصوفي المقرئ، وفقيه مرو أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروروذي، والحسين بن أحمد بن فطيمة البيهقي، وعبد الجبار بن محمد الخواري، والزاهد أبو الحكم بن برجان الإشبيلي، وشرف الإسلام أبو القاسم عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج الحنبلي، والعلامة أبو عبد الله محمد بن علي المازري المالكي، والعلامة أبو عبد الله محمد بن سليمان البوني الأندلسي، وأبو الكرم نصر الله بن محمد بن محمد بن الجلخت الواسطي، وهبة الله بن أحمد بن طاوس إمام جامع دمشق، وأبو محمد يحيى بن علي بن الطراح.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 97 - 98"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 269"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 112".

ص: 456

‌4834 - ابن الجَلَخْت

(1)

:

الشيخ العالم الصالح الثقة، مسند واسط، أبو الكرم نصر الله بن محمد بن محمد بن مخلد بن أحمد بن خلف، الأزدي، الواسطي.

سمع: أباه، وأبا تمام علي بن محمد العبدي القاضي، وسعيد بن كثير الشاهد، وعلي بن محمد الحوزي.

وعنه: السمعاني، وأبو علي بن يحيى بن الربيع، وعلي بن علي بن نغوبا، وحسين بن عبد العزيز، وأبو الفتح المندائي، وعلي بن عبد الله بن فضل الله، وهو آخر من روى عنه، كما أنه آخر من روى عن أبي تمام.

قال السمعاني: انحدرت إليه، وهو شيخ صالح ثقة، من بيت الحديث.

وقال خميس الحوزي: ثقة، صالح.

قلت: توفي في ذي الحجة، سنة ست وثلاثين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 101"، واللباب "1/ 286"، وتبصير المنتبه "2/ 551"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 270".

ص: 457

‌4835 - ابن البَدَن

(1)

:

الشيخ الثقة المقرئ الصالح، أبو المعالي، عبد الخالق بن عبد الصمد بن علي بن البدن البغدادي الصفار.

سمع: أبا الحسين بن المهتدي بالله، وعبد الصمد بن المأمون، وأبا جعفر بن المسلمة، والصريفيني، وعدة.

وعنه: ابن عساكر، وأبو أحمد بن سكينة، وأبو شجاع بن المقرون، وسليمان الموصلي، وأخوه؛ علي بن محمد.

قال السمعاني: شيخ ثقة، قيم بكتاب الله، كثير البكاء، حسن الإصغاء، مواظب على الجماعة، ذهبت أصوله، وسماعه كثير في أصول الناس، قرأت عليه الكثير، ولد سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة.

وقال ابن شافع: ولد سنة ست وخمسين، وتوفي في سلخ جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 109"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 116".

ص: 458

‌4836 - ابن فُطَيْمَة

(1)

:

الشيخ الإمام الفقيه، المسند القاضي، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن علي بن حسن بن فطيمة الخسروجردي، الشافعي، قاضي بيهق. ولد سنة بضع وأربعين وأربع مائة.

وسمع كتاب "السنن والآثار" من: البيهقي، وسمع من: أبي سعيد محمد بن علي الخشاب، وأبي القاسم القشيري، وأبي منصور محمد بن أحمد السوري، وأبي بكر أحمد بن منصور المغربي، ومحمد بن القاسم الصفار، وعدة.

حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، وطائفة.

قال السمعاني: كثير السماع، حسن السيرة، مليح المجالسة، ما رأيت أخف روحًا منه مع السخاء والبذل، سمعت منه الكثير، وكتب لي أجزاء، ومن العجب أنه قطعت أصابعه بكرمان من علة، فكان يأخذ القلم، ويترك الورق تحت رجله، ويمسك القلم بكفيه، فيكتب خطًا مليحًا سريعًا، يكتب في اليوم خمس طاقات خطًا واسعًا، تفقه بمرو على جدي أبي المظفر، وحج، خرجت نحو أصبهان، فتركت القافلة، ومضيت إلى خسروجرد مع رفيق لي راجلين، فدخلنا داره، وسلمنا على أصحابه، فما التفتوا علينا، ثم خرج الشيخ، فاستقبلناه، فأقبل علينا، وقال: لم جئتم? قلنا: لنقرأ عليك جزأين من "معرفة الآثار" للبيهقي. فقال: لعلكم سمعتم الكتاب من الشيخ عبد الجبار، وفاتكم هذا القدر? قلنا: بلى، وكان الجزءان فوتًا لعبد الجبار، فقال: تكونون عندي الليلة، فإن لي مهمًا، أريد أن أخرج إلى ستروار، فإن ابني كتب إلي أن ابن أستاذي جائي في هذه القافلة، فأريد أن أسلم عليه، وأسأله أن يقيم عندي أيامًا، وسماني، فتبسمت، فقال لي: تعرفه? قلت: هو بين يديك، فقام ونزل وبكى، وكاد أن يقبل رجلي، ثم أخرج الكتب والأجزاء، ووهبني بعض أصوله، فكنت عنده ثلاثة أيام.

توفي بخسروجرد، في ثالث عشر رمضان، سنة ست وثلاثين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "7/ 73".

ص: 459

‌4837 - اليُوسُفي:

الشيخ العالم الدين الخير، المسند، أبو القاسم، عبد الله بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي، الحربي، النجار، المجاور بمكة زمانًا.

ولد في أول سنة اثنتين وخمسين.

وسمع: أبا جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وابن المهتدي بالله، والصريفيني.

وعنه: السلفي، والسمعاني، وابن عساكر، وعبد المجيب بن زهير، ومحاسن بن أبي بكر، وضياء بن جندل، والتاج الكندي، وخلق.

قال السمعاني: دين خير صالح، من بيت الحديث، جرى أمره على سداد واستقامة، مات بالحربية في رجب سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة.

قال ابن النجار: آخر من روى عنه: أبو علي عبد الله بن أبي بكر بن طليب.

‌4838 - القاضي الزكي

(1)

:

الشيخ الإمام الفقيه الكبير، القاضي أبو المفضل، يحيى بن علي بن عبد العزيز بن علي بن الحسين، القرشي، الدمشقي، الشافعي، ويعرف في وقته: بابن الصائغ.

قال سبطه حافظ الشام أبو القاسم: قال لي: إنه ولد سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة.

سمع: عبد العزيز بن أحمد الكتاني، والحسن بن علي بن البري، وحيدرة بن علي، وعبد الرزاق بن الفضيل، وأبا القاسم بن أبي العلاء، وارتحل إلى بغداد، فسمع بها، وتفقه على أبي بكر الشاشي، وبدمشق على القاضي المروزي، والفقيه نصر.

وكان عالمًا بالعربية، ناب في القضاء عن أبي عبد الله البلاساغوني، ثم عن أبي سعد محمد بن نصر الهروي، ثم قتل الهروي، وحج جدي، فكان ولده القاضي أبو المعالي هو الحاكم

إلى أن قال: وكان ثقةً، حلو المحاضرة، فصيحًا، أخبرنا جدي، أخبرنا عبد الرزاق بقراءة أبي الفرج الحنبلي في سنة خمس وخمسين وأربع مائة

، فذكر حديثًا.

قلت: وروى عنه نافلته أبو القاسم بن الحافظ، وعبد الخالق بن أسد، ودفن عند مسجد القدم، في الخامس والعشرين من ربيع الأول، سنة أربع وثلاثين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 266"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 105".

ص: 460

‌4839 - الفُضَيِلي

(1)

:

الشيخ الجليل، مسند هراة، أبو الفضل محمد بن إسماعيل بن الفضيل بن محمد بن الفضيل، الأنصاري، الفضيلي، الهروي، المزكي.

سمع: محلم بن إسماعيل الضبي، وأبا عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي، وسعيد بن أبي سعيد العيار.

حدث عنه: السمعاني، وابن عساكر، وأبو روح عبد المعز، وجماعته.

قال السمعاني في "تحبيره": أملى مدةً بجامع هراة، وأجاز لي، وورد مرو وأنا بالعراق.

قلت: فمات غريبًا بمرو، في صفر، سنة أربع وثلاثين وخمس مائة. ومن مروياته "صحيح البخاري" سمعه من: المليحي، عن النعيمي، عن الفربري، عنه.

وفيها مات: أحمد بن منصور بن المؤمل الغزال، وإبراهيم بن طاهر الخشوعي والد بركات، وشاعر الأندلس جعفر بن محمد بن شرف الوزير، والقاضي أبو المظفر شبيب بن الحسين البروجردي، وفاطمة بنت أبي حكيم الخبري، وأبو نصر محمد بن محمود السرخسي السره مرد، وأبو القاسم يحيى بن بطريق بدمشق، والقاضي يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي.

‌4840 - يوسف بن أيُّوب

(2)

:

ابن يوسف بن حسين بن وهرة، الإمام العالم الفقيه القدوة العارف التقي، شيخ الإسلام، أبو يعقوب الهمذاني الصوفي، شيخ مرو.

ولد في حدود سنة أربعين وأربع مائة.

وقدم بغداد شابًا أمرد، وسمع من: أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وابن المهتدي بالله، وأبي بكر الخطيب، وابن هزارمرد، وابن النقور، وعدة، وسمع بأصبهان من: حمد بن ولكيز، وطائفة، وببخارى من: أبي الخطاب محمد بن إبراهيم الطبري، وبسمرقند من: أحمد بن محمد بن الفضل الفارسي.

(1)

ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 105".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 171"، و "10/ 94 - 95"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "7/ 78 - 81"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 268"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 110".

ص: 461

وكتب الكثير، وعني بالحديث، وأكثر الترحال، لكن تفرقت أجزاؤه بين الكتب، فما كان يتفرغ لإخراجها، كان مشغولًا بالعبادة، من أولياء الله.

قال أبو سعد السمعاني: هو الإمام، الورع، التقي، الناسك، العامل بعلمه، والقائم بحقه، صاحب الأحوال والمقامات، انتهت إليه تربية المريدين الصادقين، واجتمع في رباطه جماعة من المنقطعين إلى الله ما لا يتصور أن يكون في غيره من الربط مثلهم، وكان عمره على طريقة مرضية، وسداد واستقامة، سار من قريته إلى بغداد، وقصد الشيخ أبا إسحاق، فتفقه عليه، ولازمه مدة، حتى برع، وفاق أقرانه، خصوصًا في علم النظر، وكان أبو إسحاق يقدمه على عدة مع صغر سنه، لعلمه بحسن سيرته وزهده، ثم ترك كل ما كان فيه من المناظرة، واشتغل بالعبادة، ودعوة الخلق وإرشاد الأصحاب، أخرج لنا أكثر من عشرين جزءًا سمعناها، وقد قدم بغداد في سنة ست وخمس مائة، وظهر له قبول تام، ووعظ، وازدحموا عليه، ثم رجع، وسكن مرو، ثم سار إلى هراة، وأقام بها مدةً، ثم رجع إلى مرو، ثم سار إلى هراة ثانيًا، فتوفي في الطريق بقرب بغشور، سمعت صافي بن عبد الله الصوفي يقول: حضرت مجلس يوسف في النظامية، فقام ابن السقاء، فآذى الشيخ، وسأله عن مسألة، فقال: اجلس، إني أجد من كلامك رائحة الكفر، ولعلك تموت على غير الإسلام. فاتفق أن ابن السقاء ذهب في صحبة رسول طاغية الروم، وتنصر بقسطنطينية، وسمعت من أثق به: أن ابني أبي بكر الشاشي قاما في مجلس وعظه، وقالا له: إن كنت تنتحل مذهب الأشعري، وإلا فانزل. فقال: اقعدا، لا متعتما بشبابكما. فسمعت جماعةً أنهما ماتا قبل أن يتكهلا. وسمعت السيد إسماعيل بن عوض العلوي، سمعت يوسف بن أيوب يقول للفصيح -وكان من أصحابه، فخرج عليه، ورماه بأشياء-: هذا الرجل يقتل، وسترون ذلك. فكان كما جرى على لسانه. وقال جدي أبو المظفر السمعاني: ما قدم علينا من العراق مثل يوسف الهمذاني، وقد تكلم معه في مسألة البيع الفاسد، فجرى بينهما سبعة عشر مجلسًا في المسألة

إلى أن قال أبو سعد: سمعت يوسف الإمام يقول: خلوت نوبًا عدةً، كل نوبة أكثر من خمس سنين وأقل، وما كان يخرج حب المناظرة والخلاف من قلبي، إلى أن وصلت إلى فلان السمناني، فلما رأيته، خرج جميع ذلك من قلبي، كانت المناظرة تقطع علي الطريق.

سئل أبو الحسين المقدسي: هل رأيت وليًا لله? قال: رأيت في سياحتي أعجميًا بمرو يعظ، ويدعو إلى الله، يقال له: يوسف.

قال أبو سعد: ولما عزمت على الرحلة، دخلت على شيخنا يوسف مودعًا، فصوب عزمي، وقال: أوصيك: لا تدخل على السلاطين، وأبصر ما تأكل لا يكون حرامًا.

ص: 462

قلت: وروى عنه أبو القاسم بن عساكر، وأبو روح عبد المعز، وجماعة.

مات في ربيع الأول، سنة خمس وثلاثين وخمس مائة، وله بضع وتسعون سنة، رحمه الله.

وأما ابن السقاء المذكور، فقال ابن النجار: سمعت عبد الوهاب بن أحمد المقرئ يقول: كان ابن السقاء مقرئا مجودا، حدثني من رآه بالقسطنطينية مريضًا على دكة، فسألته: هل القرآن باق على حفظك? قال: ما أذكر منه إلا آية واحدة: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2]، والباقي نسيته.

ص: 463

‌4841 - القَزَّاز

(1)

:

الشيخ الجليل الثقة، أبو منصور، عبد الرحمن بن المحدث أبي غالب محمد بن عبد الواحد بن حسن بن منازل بن زريق، الشيباني، البغدادي، الحريمي، القزاز.

راوي "تاريخ الخطيب" عنه، سوى الجزء السادس بعد الثلاثين، غاب لوفاة أمه.

وسمع: أبا جعفر بن المسلمة، وأبا علي بن وشاح، وعبد الصمد بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وطائفة.

وله مشيخة.

حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، وأحمد بن بذال، وأحمد بن الحسن العاقولي، وأحمد بن الحسن الدبيقي، وعمر بن طبرزد، وأبو اليمن الكندي، وعدة، وابنه أبو السعادات نصر الله القزاز. وبالإجازة المؤيد الطوسي.

وكان شيخًا صالحًا متوددًا، سليم القلب، حسن الأخلاق، صبورًا، مشتغلًا بما يعنيه.

ولد في سنة ثلاث وخمسين وأربع مائة ظنًا.

وتوفي في رابع عشر شوال، سنة خمس وثلاثين وخمس مائة، وصلى عليه أخوه أبو الفتح، سمع الكثير، ورواه، وكان صحيح السماع، أثنى عليه السمعاني وغيره.

ومات معه: القاضي أبو بكر، وأبو علي أحمد بن سعد العجلي البديع، والحافظ إسماعيل التيمي، وجعفر بن محمد بن مكي القيسي اللغوي، والمحدث رزين العبدري، وعبد الجبار بن أحمد بن توبة، وعبد الوهاب الشاذياخي، وعطاء بن أبي سعد خادم شيخ الإسلام يوسف الهمذاني الزاهد.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 90"، وتبصير المنتبه "3/ 1168"، و "4/ 1247"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 106".

ص: 463

‌4842 - الخُوَاري

(1)

:

الشيخ الإمام المفتي المعمر الثقة، إمام جامع نيسابور المنيعي، أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن أحمد، الخواري البيهقي.

ولد سنة خمس وأربعين وأربع مائة.

وسمع من: أبي بكر البيهقي فأكثر، ومن: أبي الحسن الواحدي المفسر، وأبي القاسم القشيري، وأبي القاسم عبد الرحمن بن أحمد أخي الواحدي.

حدث عنه: السمعاني، وابن عساكر، وأبو الحسن المرادي، وأبو الخير أحمد بن إسماعيل الطالقاني، ومحمد بن فضل الله السالاري، وأبو سعد الصفار، ومنصور بن عبد المنعم الفراوي، والحافظ أحمد بن محمد الشوكاني، والمؤيد بن محمد الطوسي، وزينب الشعرية، وآخرون. وكان متواضعًا خيرًا، بصيرًا بمذهب الشافعي.

قال السمعاني: فمن جملة ما سمعت منه بنيسابور كتاب "معرفة السنن والآثار" للبيهقي، ورأيت في جزأين منه سماعه ملحقًا، وذكر ابن حبيب الحافظ أنه طالع أصل البيهقي، فلم يجد سماع عبد الجبار لجزأين.

قال السمعاني: فقرأتهما على القاضي ابن فطيمة، وكان سمع الكتاب كله. قال: وأكثر سماع عبد الجبار بقراءة ابن محمد في سنة ثلاث وخمسين، ثم ذكر شيخنا عبد الجبار أنه وجد سماعه بالجزأين في نسخة الأصل بنيسابور.

توفي في شعبان سنة ست وثلاثين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "7/ 144"، وتبصير المنتبه "2/ 553"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 270"، وشذرات الذهب لابن العماد "/ 113".

ص: 464

‌4843 - ابن بَرَّجَان

(1)

:

الشيخ الإمام العارف القدوة، أبو الحكم، عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن اللخمي، المغربي، الإفريقي، ثم الأندلسي، الإشبيلي، شيخ الصوفية.

سمع "صحيح البخاري" من: أبي عبد الله محمد بن أحمد بن منظور صاحب أبي ذر الهروي، وحدث به.

روى عنه: أبو القاسم القنطري، وأبو محمد عبد الحق الأزدي، وأبو عبد الله بن خليل القيسي، وآخرون.

قال أبو عبد الله بن الأبار: كان من أهل المعرفة بالقراءات والحديث، والتحقيق بعلم الكلام والتصوف مع الزهد والاجتهاد في العبادة، وله تصانيف مفيدة، منها "تفسير القرآن" لم يكمله، وكتاب "شرح أسماء الله الحسنى"، وقد رواهما عنه القنطري، توفي مغربًا عن وطنه بمراكش، في سنة ست وثلاثين وخمس مائة، وقبره بإزاء قبر الزاهد الكبير أبي العباس بن العريف.

قلت: أخذ هذان، وغربا، واعتقلا، توهم ابن تاشفين أن يثورا عليه كما فعل ابن تومرت.

‌4844 - اللَّفْتُواني

(2)

:

الإمام المحدث المفيد، أبو بكر، محمد بن أبي نصر شجاع بن أحمد بن علي اللفتواني، الأصبهاني.

سمع: عبد الوهاب بن مندة، وسهل بن عبد الله الغازي، وسليمان بن إبراهيم الثقفي، وأبا منصور بن شكرويه، ومحمودًا الكوسج، وأبا الخير بن ررا، والثقفي، وعدة، وببغداد من: رزق الله التميمي، وطراد بن محمد الزينبي، وابن البطر.

وكتب ما لا يوصف، وسمع الكثير.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان "4/ 236 - 237"، ولسان الميزان "4/ ترجمة 30"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 113".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 84".

ص: 465

حدث عنه: أبو موسى المديني، وابن عساكر، وأبو سعد السمعاني، وابنه عبيد الله بن محمد، وآخرون.

وكان شيخًا صالحًا، ثقةً عابدًا، فقيرًا قانعًا.

مولده سنة سبع وستين وأربع مائة.

وقال أبو موسى: لم أر في شيوخي أكثر كتبًا وتصنيفًا منه، استغرق عمره في طلب الحديث وكتبته وتصنيفه ونشره.

وقال السمعاني: كان شيخًا صالحًا، كثير الصلاة، حسن الطريقة خشنها، سمعت منه الكثير، وما دخلت عليه إلَّا وهو مشتغل بخير، يصلي، أو ينسخ، أو يتلو، وكان يقرأ قراءةً غير مفهومة، وهو عارف بالحديث وطرقه، كتب عمن أقبل وأدبر، وخطه لا يمكن قراءته لكل أحد، فكان يقول: يكفي من السماع شمه.

قلت: هذا غير مسلم.

مات في الحادي والعشرين من جمادى الأولى، سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة.

وكان والده من مشيخة السلفي.

ص: 466

‌4845 - ابن السلاَّل

(1)

:

الإمام الفاضل، أبو عبد الله، محمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن السلال الكرخي، الوراق، الحبار، له حانوت عند باب النوبي.

سمع: أبا جعفر بن المسلمة، وأبا الغنائم بن المأمون، وجابر بن ياسين، ومن: أبي علي محمد بن وشاح، وأبي الحسن بن البيضاوي، وأبي بكر بن سياوش الكازروني، وتفرد في وقته عن هؤلاء الثلاثة.

مولده في سنة (447).

قال السمعاني: كان في خلقه زعارة، وكنا نسمع عليه بجهد، وهو يتهم، معروف بالتشيع.

قال الحافظ ابن ناصر: كنت أمضي إلى الجمعة وقد قارب الوقت، فأرى ابن السلال في دكانه فارغ القلب ليس على خاطره الصلاة.

قلت: حدث عنه السمعاني، وعمر بن طبرزد، وسليمان الموصلي، وأبو الفرج بن الجوزي، والنفيس بن وهبان، وبالإجازة أبو منصور بن عفيجة، وأبو القاسم بن صصرى.

وعاش أربعًا وتسعين سنة، توفي: في جمادى الأولى، سنة إحدى وأربعين وخمس مائة.

وفيها مات: أحمد بن محمد بن محمد بن الإخوة الوكيل ببغداد، وأبو البركات إسماعيل بن أبي سعد شيخ الشيوخ، وأبو جعفر حنبل بن علي البخاري، والأتابك زنكي بن آقسنقر، والمحدث سعد الخير بن محمد البلنسي، وظاهر بن أحمد المساميري، وأبو محمد سبط الخياط، وأبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية المحاربي صاحب "التفسير"، وأبو الحسن محمد بن طراد الزينبي، وأبو الفتح محمد بن محمد بن عبد الرحمن الخشاب سمع القشيري، ووجيه بن طاهر الشحامي، والمقرئ يحيى بن الخلوف الغرناطي.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 123"، واللباب لابن الأثير "1/ 334"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 280".

ص: 466

‌4846 - ابن الطرَّاح

(1)

:

الشيخ العالم الصالح المسند، أبو محمد يحيى بن علي بن محمد بن علي بن الطراح البغدادي، المدير.

ولد سنة بضع وخمسين وأربع مائة.

وسمع: عبد الصمد بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وأبا بكر الخطيب، وأبا الحسين بن النقور، ومحمد بن أحمد بن المهتدي بالله، وجماعةً.

وعنه: ابن عساكر، وابن السمعاني، وابن الجوزي، وابن طبرزد، وابن الأخضر، والكندي، وعبد الكريم بن مبارك البلدي، وسليمان بن محمد الموصلي، ويحيى بن ياقوت، وحفيدته؛ ست الكتبة بنت علي، وآخرون.

قال السمعاني: كتبت عنه الكثير، وكان صالحًا ساكنًا، مشتغلًا بما يعنيه، كثير الرغبة في الخير وفي زيارة القبور، سمعه أبوه، وحصل له الأجزاء، وكان مدير قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي.

توفي في رابع عشر رمضان، سنة ست وثلاثين وخمس مائة، وقد ناطح الثمانين.

وفيها مات: أبو سعد أحمد بن محمد الزوزني، وأبو القاسم إسماعيل بن السمرقندي، وأبو العباس بن العريف الزاهد بالغرب، وأبو عبد الله بن فطيمة البيهقي، وعبد الجبار بن محمد الخواري، والزاهد أبو الحكم عبد السلام بن برجان، والعلامة عمر بن عبد العزيز بن مازة الحنفي، وشرف الإسلام عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج الحنبلي، وأبو عبد الله محمد بن علي المازري، وأبو الكرم نصر الله بن محمد بن الجلخت الواسطي، والإمام هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن طاوس المقرئ، وأبو منصور محمود بن أحمد بن ماشاذة الواعظ.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 138"، والنجوم الزاهرة "5/ 270"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 114".

ص: 467

‌4847 - أبو البدر الكَرْخي

(1)

:

الشيخ الفقيه العالم المسند، أبو البدر، إبراهيم بن محمد بن منصور بن عمر، البغدادي الكرخي، المنفرد بسماع "أمالي ابن سمعون" عن خديجة الشاهجانية.

وسمع أيضًا من: أبي الغنائم بن المأمون، وأبي بكر الخطيب، وأبي محمد بن هزارمرد، وأبي الحسين بن النقور.

وله "مشيخة" مروية.

صحب الشيخ أبا إسحاق للتفقه.

وولد في حدود سنة خمسين وأربع مائة. قاله أبو سعد.

قال: وأصله من كرخ جدان: وكان يسكن في دار الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وهو شيخ صالح معمر ثقة، عجز عن المشي، مات في التاسع والعشرين من ربيع الأول، سنة تسع وثلاثين وخمس مائة.

قلت: حدث عنه ابن عساكر، والسمعاني، وأبو أحمد بن سكينة، وابن طبرزد، وعبد الله بن عثمان سبط ابن هدية، وعبد العزيز بن منينا، وعبد الملك بن المبارك القاضي، وإسماعيل بن هبة الله، والحسن بن مسلم الفارسي الزاهد، وترك بن محمد العطار خاتمة من روى عنه.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "1/ 112 - 113"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 276"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 121".

ص: 468

‌4848 - التَّيمي

(1)

:

الإمام العلامة الحافظ، شيخ الإسلام، أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي بن أحمد بن طاهر القرشي، التيمي، ثم الطلحى، الأصبهاني، الملقب: بقوام السنة، مصنف كتاب "الترغيب والترهيب".

مولده في سنة سبع وخمسين وأربع مائة.

سمع: أبا عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن مندة، وعائشة بنت الحسن، وإبراهيم بن محمد الطيان، وأبا الخير محمد بن أحمد بن ررا، والقاضي أبا منصور بن شكرويه، وابا عيسى عبد الرحمن بن محمد بن زياد، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، ومحمد بن أحمد بن علي السمسار، وأحمد بن عبد الرحمن الذكواني، والرئيس أبا عبد الله الثقفي، وطبقتهم بأصبهان، وأبا نصر محمد بن محمد الزيني، وعاصم بن الحسن، وخلقًا ببغداد، وأبا بكر بن خلف الشيرازي، وأبا نصر محمد بن سهل السراج، وعبد الرحمن بن أحمد الواحدي، وأقرانهم بنيسابور، وأقدم سماعه من: محمد بن عمر الطهراني؛ صاحب ابن مندة، في سنة سبع وستين، وهو ابن عشر سنين.

وسمع بمكة، وجاور سنة، وأملى، وصنف، وجرح وعدل، وكان من أئمة العربية أيضًا، وفي تواليفه الأشياء الموضوعة كغيره من الحفاظ.

حدث عنه: أبو سعد السمعاني، وأبو العلاء الهمذاني، وأبو طاهر السلفي، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المديني، وأبو سعد الصائغ، ويحيى بن محمود الثقفي -وهو سبطه- وعبد الله بن محمد بن حمد الخباز، وأبو الفضائل محمود بن أحمد العبدكوى، وأبو نجيح فضل الله بن عثمان، والمؤيد بن الإخوة، وأبو المجد زاهر بن أحمد الثقفي، وخلق سواهم.

قال أبو موسى المديني: أبو القاسم إسماعيل الحافظ إمام أئمة وقته، وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السنة في زمانه، حدثنا عنه جماعة في حال حياته، أصمت في صفر سنة أربع وثلاثين وخمس مائة، ثم فلج بعد مدة، ومات يوم النحر، سنة خمس وثلاثين، واجتمع في جنازته جمع لم أر مثلهم كثرة، وكان أبوه أبو جعفر محمد صالحًا ورعًا، سمع من سعيد العيار، وقرأ القرآن على أبي المظفر بن شبيب، وتوفى في سنة إحدى وتسعين وأربع

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 90"، واللباب لابن الأثير "1/ 309 - 310"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1075"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 267"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 105 - 106".

ص: 469

مائة

إلى أن قال: ووالدته كانت من ذرية طلحة بن عبيد الله التيمي، أحد العشرة، رضي الله عنهم.

قال أبو موسى: قال إسماعيل: سمعت من عائشة وأنا ابن أربع سنين، وقد سمع من أبي القاسم بن عليك في سنة إحدى وستين.

قال أبو موسى: ولا أعلم أحدا عاب عليه قولًا ولا فعلًا، ولا عانده احد إلا ونصره الله، وكان نزه النفس عن المطامع، لا يدخل على السلاطين، ولا على من اتصل بهم، قد أخلى دارًا من ملكه لأهل العلم مع خفة ذات يده، ولو أعطاه الرجل الدنيا بأسرها لم يرتفع عنده، أملى ثلاثة آلاف وخمس مائة مجلس، وكان يملي على البديهة.

وقال الحافظ يحيى بن مندة: كان أبو القاسم حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، قليل الكلام، ليس في وقته مثله.

وقال عبد الجليل كوتاه: سمعت أئمة بغداد يقولون: ما رحل إلى بغداد بعد الإمام أحمد أفضل ولا أحفظ من إسماعيل.

قلت: هذا قول من لا يعلم.

وقال أبو موسى المديني في ذكر من هو على رأس المائة الخامسة: لا أعلم أحدًا في ديار الإسلام يصلح لتأويل الحديث إلا إسماعيل الحافظ.

قلت: وهذا تكلف، فإنه على رأس المائة الخامسة ما اشتهر، إنما اشتهر قبل موته بعشرين عامًا.

وروي عن إسماعيل الحافظ أنه قال: ما رأيت في عمري من يحفظ حفظي.

قال أبو موسى: وقرأ بروايات على جماعة من القراء، وأما التفسير والمعاني والإعراب، فقد صنف فيه كتبًا بالعربية وبالفارسية، وأما علم الفقه، فقد شهرت فتاويه في البلد والرساتيق.

قال أبو المناقب محمد بن حمزة العلوي: حدثنا الإمام الكبير، بديع وقته، وقريع دهره، أبو القاسم إسماعيل بن محمد

فذكر حديثًا.

وبلغنا عن أبي القاسم تعبد وأوراد وتهجد، فقال أبو موسى: سمعت من يحكي عنه في اليوم الذي قدم بولده ميتًا، وجلس للتعزية، أنه جدد الوضوء في ذلك اليوم مرات نحو الثلاثين، كل ذلك يصلي ركعتين، وسمعت بعض أصحابه: أنه كان يملي شرح "صحيح

ص: 470

مسلم" عند قبره ولده أبي عبد الله، ويوم تمامه عمل مأدبة وحلاوة كثيرة، وكان ابنه ولد في سنة خمس مائة، ونشأ، وصار إمامًا في اللغة والعلوم حتى ما كان يتقدمه كبير أحد في الفصاحة والبيان والذكاء، وكان أبوه يفضله على نفسه في اللغة وجريان اللسان، أملى جملة من شرح "الصحيحين"، وله تصانيف كثيرة مع صغر سنه، مات بهمذان، سنة ست وعشرين، وفقده أبوه، وسمعت أحمد بن حسن يقول: كنا مع الشيخ أبي القاسم، فالتفت إلى أبي مسعود الحافظ، فقال: أطال الله عمرك، فإنك تعيش طويلًا، ولا ترى مثلك، فهذا من كراماته.

إلى أن قال الحافظ أبو موسى: وله "التفسير" في ثلاثين مجلدًا، سماه "الجامع"، وله "تفسير" آخر في أربع مجلدات، وله "الموضح" في التفسير في ثلاث مجلدات، وكتاب "المعتمد" في التفسير عشر مجلدات، وكتاب "السنة" مجلد، وكتاب "سير السلف" مجلد ضخم، وكتاب "دلائل النبوة" مجلد، وكتاب "المغازي" مجلد، وأشياء كثيرة.

وقال محمد بن ناصر الحافظ: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن ابن أخي إسماعيل الحافظ، حدثني أحمد الأسواري الذي تولى غسل عمى -وكان ثقة: أنه أراد أن ينحي عن سوأته الخرقة لأجل الغسل، قال: فجبذها إسماعيل بيده، وغطى فرجه. فقال الغاسل: أحياة بعد موت؟!

قال أبو سعد السمعاني: أبو القاسم هو أستاذي في الحديث، وعنه أخذت هذا القدر، وهو إمام في التفسير والحديث واللغة والأدب، عارف بالمتون والأسانيد، كنت إذا سألته عن المشكلات، أجاب في الحال، وهب أكثر أصوله في آخر عمره، وأملى بالجامع قريبًا من ثلاثة آلاف مجلس، وكان أبي يقول: ما رأيت بالعراق من يعرف الحديث ويفهمه غير اثنين: إسماعيل الجوزي بأصبهان، والمؤتمن الساجي ببغداد.

قال أبو سعد: تلمذت له، وسألته عن أحوال جماعة، قال: ورأيته وقد ضعف، وساء حفظه.

وقال محمد بن عبد الواحد الدقاق: كان أبو القاسم عديم النظير، لا مثل له في وقته، كان ممن يضرب به المثل في الصلاح والرشاد.

وقال أبو طاهر السلفي: هو فاضل في العربية ومعرفة الرجال.

وقال أبو عامر العبدرى: ما رأيت أحدًا قط مثل إسماعيل، ذاكرته، فرأيته حافظًا الحديث، عارفًا بكل علم، متفننًا، استعجل عليه بالخروج. روى السلفي هذا عن العبدري.

ص: 471

وقال السلفى: سمعت أبا الحسين بن الطيورى غير مرة يقول: ما قدم علينا من خراسان مثل إسماعيل بن محمد.

قلت: قول أبي سعد السمعاني فيه: الجوزي -بضم الجيم وبزاي -هو لقب أبي القاسم، وهو اسم طائر صغير.

وقد سئل أبو القاسم التيمي رحمه الله: هل يجوز أن يقال: لله حد، أو لا؟ وهل جرى هذا الخلاف في السلف؟ فأجاب: هذه مسألة أستعفى من الجواب عنها؛ لغموضها، وقلة وقوفى على غرض السائل منها، لكنى أشير إلى بعض ما بلغني: تكلم أهل الحقائق في تفسير الحد بعبارات مختلفة، محصولها أن حد كل شيء موضع بينونته عن غيره، فإن كان غرض القائل: ليس لله حد: لا يحيط علم الحقائق به، فهو مصيب، وإن كان غرضه بذلك: لا يحيط علمه تعالى بنفسه، فهو ضال، أو كان غرضه: أن الله بذاته في كل مكان، فهو أيضا ضال.

قلت: الصواب الكف عن إطلاق ذلك، إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعنى صحيح، فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله؛ خوفًا من أن يدخل القلب شيء من البدعة، اللهم احفظ علينا إيماننا.

وقد ذكر أبو القاسم ابن عساكر أبا نصر الحسن بن محمد اليونارتى الحافظ، فرجحه على أبي القاسم إسماعيل -فالله أعلم- وكأن ابن عساكر لما رأى إسماعيل بن محمد وقد كبر ونقص حفظه، قال هذا.

قد مر أنه مات سنة خمس وثلاثين.

وفيها مات: الإمام الكبير المحدث أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري السرقسطي المجاور، والفقيه البديع أبو علي أحمد بن سعد العجلي الهمذاني، والعلامة اللغوي الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد بن مكي بن أبي طالب القيسي القرطبي، ومسند بغداد أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن زريق الشيباني القزاز، ومسند العصر قاضي المرستان أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري البغدادي، والزاهد القدوة يوسف بن أيوب الهمذاني بمرو، ومسند نيسابور أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه الشاذياخي، والمعمر أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن توبة الأسدي العكبرى، وأخوه؛ أبو منصور عبد الجبار.

أخبرنا محمد بن عمر بن محمود الفقيه، أخبرنا محمد بن عبد الهادي، أخبرنا يحيى بن محمود، أخبرنا جدي لأمي؛ إسماعيل بن محمد الحافظ بأصبهان، أخبرنا أبو نصر محمد بن

ص: 472

سهل السراج، أخبرنا عبد الملك بن الحسن الأزهري، حدثنا أبو عوانة، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، وإبراهيم بن مسعود الهمذاني، قالا: حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن شقيق، عن مسروق، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة، فلها أجرُها، وله مثله، وللخازن مثل ذلك، له بما احتسب، ولها بما أنفقت"

(1)

.

قال أبو موسى المديني: سألت إسماعيل يومًا: أليس قد روي عن ابن عباس في قوله: استوى: قعد؟ قال: نعم. قلت له: إسحاق بن راهويه يقول: إنما يوصف بالقعود من يمل القيام. قال: لا أدري أيش يقول إسحاق. وسمعته يقول: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة، ولا يطعن عليه بذلك، بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب.

قال أبو موسى: أشار بهذا إلى أنه قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لأجل زلته، ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل.

وعن أبي مسعود عبد الرحيم قال: كنا نمضي مع أبي القاسم إلى بعض المشاهد، فإذا استيقظنا من الليل، رأيناه قائما يصلي.

وذكر أبو موسى في نسبة أبي القاسم التيمي الطلحي: أن ذلك النسب له من جهة أمه، ثم قال: وابن أخت القوم منهم.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "1425"، و "1437" و "1439" و "1440" و "1441" و "2065" ومسلم "1024"، وأبو داود "1685"، والترمذي "671"، و "672"، من طريق شقيق، به.

ص: 473

‌4849 - ابن الجَواليقى

(1)

:

العلامة الإمام اللغوي النحوي، أبو منصور، موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن بن الجواليقي، إمام الخليفة المقتفى.

مولده سنة (466).

سمع: أبا القاسم بن البسرى، وأبا طاهر بن أبي الصقر، والنقيب طراد بن محمد الزيني، وعدة. وطلب بنفسه مدة، ونسخ الكثير.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "1425"، و "1437" و "1439" و "1440" و "1441" و "2065" ومسلم "1024"، وأبو داود "1685"، والترمذي "671"، و "672"، من طريق شقيق، به.

ص: 473

حدث عنه: بنته؛ خديجة، والسمعاني، وابن الجوزي، والتاج الكندي، ويوسف بن كامل، وآخرون.

قال السمعاني: إمام في النحو واللغة، من مفاخر بغداد، قرأ الأدب على أبي زكريا التبريزى، ولازمه، وبرع، وهو ثقة ورع، غزير الفضل، وافر العقل، مليح الخط، كثير الضبط، صنف التصانيف، وشاع ذكره.

وقال ابن الجوزي: قرأ الأدب سبع عشرة سنة على التبريزى، وانتهى إليه علم اللغة، ودرس العربية بالنظامية، وكان المقتفى يقرأ عليه شيئًا من الكتب، وكان متواضعًا، طويل الصمت، متثبتًا، يقول كثيرًا: لا أدري.

مات في المحرم، سنة أربعين وخمس مائة، وغلط من قال: سنة تسع وثلاثين.

وقال ابن النجار: هو إمام أهل عصره في اللغة، كتب الكثير بخطه المليح المتقن، مع متانة الدين، وصلاح الطريقة، وكان ثقة، حجة، نبيلًا.

وقال الكمال الأنباري: ألف في العروض، وشرح "أدب الكاتب"، وعمل كتاب "المعرب" و "التكملة في لحن العامة"، قرأت عليه، وكان منتفعًا به لديانته، وحسن سيرته، وكان يختار في النحو مسائل غريبة، وكان في اللغة أمثل منه في النحو.

قال ابن شافع: كان من المحامين عن السنة.

قلت: خلف ولدين؛ إسماعيل وإسحاق، ماتا في عام، سنة خمس وسبعين.

فأما أبو محمد إسماعيل: فكان من أئمة العربية، كتب أيضًا أولاد الخلفاء مع دين ونزاهة وسعة علم.

قال ابن الجوزي: ما رأينا ولدًا أشبه أباه مثل إسماعيل بن الجواليقي.

قلت: روى عن ابن كادش، وابن الحصين.

ص: 474

‌4850 - ابن أبي جَمْرَة

(1)

:

الإمام المعمر المسند، أبو العباس، أحمد بن عبد الملك بن موسى بن أبي جمرة الأموي مولاهم، المرسى، المالكي.

سمع: أباه، وأبا بكر بن أبي جعفر، وهشام بن أحمد.

وانفرد في زمانه بإجازة الإمام أبي عمرو الداني، وأجار له أيضًا أبو عمر بن عبد البر.

ذكره الأبار، وقال: حدث عنه ولده؛ أبو بكر محمد شيخنا.

قلت: سمع منه ولده أبو بكر كتاب "التيسير" في السبع، وعاش إلى قرب سنة ست مائة.

وتوفى أبو العباس في سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 102"، والنجوم الزاهرة "5/ 265".

ص: 475

‌4851 - الشاطبي:

الإمام المسند، أبو محمد، عبد الله بن علي بن أحمد بن علي اللخمي، الأندلسي، الشاطبي، سبط الحافظ ابن عبد البر.

أجاز له جده تصانيفه في سنة اثنتين وستين وأربع مائة.

وكان مولده في سنة " (443) ".

وقد سمع "الصحيحين" من: أبي العباس بن دلهاث العذري، و "صحيح البخاري" من: القاضي أبي الوليد الباجي.

وولي قضاء مدينة أغمات.

روى عنه: حفيده لبنته؛ عمر بن عبد الله الأغماتي، وعيسى بن الملجوم، وأجاز لابن بشكوال.

مات في صفر، سنة ثلاث -أو اثنتين- وثلاثين وخمس مائة، وعاش تسعين عامًا.

‌4852 - أبو المعالي الفارسي

(1)

:

الشيخ الثقة الجليل المسند، أبو المعالي، محمد بن إسماعيل بن محمد بن حسين بن القاسم الفارسي، ثم النيسابوري.

قال السمعاني: ثقة مكثر، سمع "السنن الكبير" من أبي بكر البيهقي، و "صحيح البخاري" من سعيد العيار، وسمع من أبي حامد الأزهري، وسمع أيضًا كتاب "المدخل إلى السنن" من البيهقي. مولده: سنة ثمان وأربعين، في شعبانها، وتوفى في ثالث جمادي الآخرة، سنة تسع وثلاثين وخمس مائة.

قلت: روى عنه ابن عساكر، والسمعاني، ومنصور بن الفراوى، وإسماعيل بن علي بن حمك المغيثى، والمؤيد الطوسى، وزينب بنت أبي القاسم الشعرية، وطائفة. وأجاز لعبد الرحيم بن أبي سعد السمعاني.

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 276"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 124 - 125".

ص: 475

‌4853 - ابن بَاجَة

(1)

:

فيلسوف الأندلس، أبو بكر، محمد بن يحيى بن الصائغ السرقسطى، الشاعر.

كان يضرب به المثل في الذكاء، وآراء الأوائل، والطب، والموسيقا، ودقائق الفلسفة.

ينظر بالفارابي، وقد سعوا في قتله.

وعنه أخذ ابن رشد الحفيد، وابن الإمام الكاتب.

مات بفاس، سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة، ولم يتكهل.

‌4854 - ابن خيرون

(2)

:

الشيخ الإمام المعمر، شيخ القراء، أبو منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون البغدادي، المقرئ، الدباس، مصنف كتاب "المفتاح" في القراءات الشعر، وكتاب " الموضح" في القراءات.

مولده في رجب، سنة أربع وخمسين وأربع مائة.

فبادر عمه الحافظ أبو الفضل، وأخذ له الإجازة من: أبي محمد الجوهري، وأبي الحسين بن النرسى. وسمع من: أبي جعفر بن المسلمة كتاب "النسب" للزبير. وسمع من: أبي بكر الخطيب أكثر "تاريخه"، من "أبي محمد بن هزارمرد، وعبد الصمد بن المأمون، وعدة.

وتلا بالروايات على: عبد السيد بن عتاب، وجده لأمه أبي البركات عبد الملك بن أحمد، وأبي الفضل بن خيرون.

وكان ينسخ "تاريخ الخطيب"، ويبيعه.

قال السمعاني: ثقة صالح، ما له شغل سوى التلاوة والإقراء.

وقال ابن الخشاب: كان شافعيًا، من أهل السنة.

قلت: روى عنه: ابن عساكر، وأبو موسى، وابن الجوزي، والكندي، وأحمد بن محمد بن سعد الفقيه، وعلي بن محمد الموصلي، وعدة.

وآخر من روى عنه بالإجازة أبو منصور بن عفيجة.

وتلا عليه بالروايات أبو اليمن الكندي، ويحيى الأواني، وإبراهيم بن بقاء اللبان.

مات في رجب، سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، ببغداد.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 429 - 431"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 103".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 164"، وتبصير المنتبه "2/ 545 و 554"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 125"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 276".

ص: 476

‌4855 - العِجْلِي

(1)

:

المحدث الإمام، أبو علي، أحمد بن سعد بن علي بن الحسن بن القاسم بن عنان العجلي، البديع الهمذاني، ابن أبي منصور، أحد الأعيان.

رحل، وكتب، وجمع، وأملى.

سمع: أبا الفرج علي بن محمد بن عبد الحميد البجلي، وبكر بن حيد، ويوسف بن محمد الخطيب، وعبد الرحمن بن محمد بن شاذي، وأحمد بن عيسى بن عباد الدينورى، وأبا إسحاق الشيرازي، وعدة بهمذان، وسليمان الحافظ، والثقفي الرئيس، وطائفة بأصبهان، وعبد الكريم بن أحمد الوزان، وجماعة بالرى، والشافعي بن داود التميمي بقزوين، وأبا الغنائم بن أبي عثمان، وعدة ببغداد، والحسين بن محمد الدهقان بالكوفة.

روى عنه: ابن ناصر، والسمعاني، وابن عساكر، والمبارك بن كامل، وابن الجوزي، وآخرون.

وهو سبط محمد بن عثمان القومساني.

قال السمعاني: شيخ، فاضل، ثقة، جليل القدر، واسع الرواية، سمعه أبوه، وسمعت منه، ولد سنة ثمان وخمسين وأربع مائة، وأوله سماعه في سنة ثلاث وستين، وتوفي في رجب، سنة خمس وثلاثين وخمس مائة.

وذكر ابن النجار أن قبره يقصد بالزيارة.

وقال شيرويه: يرجع إلى نصيب من كل العلوم، وكان يدارى، ويقوم بحقوق الناس، مقبولًا بين الخاص والعام.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1281"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 17 - 18"، وسيعيد المؤلف ترجمته، برقم ترجمة عام "4885".

ص: 477

‌4856 - ابن مازَة

(1)

:

شيخ الحنفية، عالم المشرق، أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مازة البخاري.

تفقه بأبيه العلامة أبي المفاخر حتى برع، وصار يضرب به المثل، وعظم شأنه عند السلطان، وبقى يصدر عن رأيه، إلى أن رزقه الله -تعالى- الشهادة على يد الكفرة، بعد وقعة قطوان وانهزام المسلمين.

قال السمعاني: فسمعت أنه لما خرج، كان يودع أصحابه وأولاده وداع من لا يرجع -رحمه الله تعالى- سمع: أباه، وعلى بن محمد بن خدام، لقيته بمرو، وحضرت مناظرته، وقد حدث عن: أبي سعد بن الطيورى، وأبي طالب بن يوسف، وكان يعرف بالحسام، تفقه عليه خلق، وسمع منه: أبو علي بن الوزير الدمشقي، قتل صبرًا بسمرقند، في صفر، سنة ست وثلاثين وخمس مائة، وله ثلاث وخمسون سنة.

4857 -

ابن طاووس

(2)

:

إمام جامع دمشق ومقرئه، أبو محمد، هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن علي بن طاووس البغدادي، ثم الدمشقي.

أتقن السبع على أبيه أبي البركات.

وسمع الكثير، ونسخ، وأدب بسوق الأحد، ثم ولى إمامة الجامع.

سمع: أبا العباس بن قبيس، وأبا القاسم بن أبي العلاء، ومالكًا البانياسى، وابن الأخضر، وأبا منصور بن شكرويه، وسليمان الحافظ.

وكان ثقة، متصونًا.

مات في المحرم، سنة ست وثلاثين وخمس مائة، عن خمس وسبعين سنة.

وكان ذهب مع الرسول إلى أصبهان، من تتش.

روى عنه السمعاني -ومدحه- والسلفي -ووثقه- وابن عساكر، وابنه القاسم، والقاضي ابن الحرستاني، وأبو المحاسن بن أبي لقمة.

وعندي من عواليه.

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 268 - 269".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 137"، واللباب لابن الأثير "1/ 322"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 270"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 114".

ص: 478

‌4858 - غانم بن أحمد:

ابن الحسن بن محمد بن علي، الشيخ المعمر، الثقة، أبو الوفاء الأصبهاني، الجلودي. مولده في رجب، سنة ثمان وأربعين وأربع مائة.

سمع "صحيح البخاري" من سعيد بن أبي سعيد العيار، وسمع أيضًا من أبي نصر محمد بن علي الكاغدى.

حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، وداود بن معمر، وآخرون.

وقرأت "صحيح البخاري" على أبي العباس الحجار لأولادى بإجازته من ابن معمر.

وممن روى عنه أبو موسى المديني.

توفى في ثالث ذي الحجة، سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة.

حط عليه محمد بن أبي نصر اللفتواني، قال: لأنه كان يميل إلى الأشعرية، فانظر، تر.

‌4859 - غانم بن خالد

(1)

:

ابن عبد الواحد بن أحمد، الشيخ أبو القاسم ابن الشيخ أبي طاهر الأصبهاني، التاجر.

سمع من: عبد الرزاق بن شمه "سنن" موسى بن طارق سوى الجزء الرابع، وتفرد بعلوه. وسمع أيضًا من الباطرقاني، وأبي مسلم بن مهربزد، وعبد الله بن محمد الكروي، وطائفة.

وكان مولده في سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة، بأصبهان.

حدث عنه: السمعاني، وابن عساكر، وأحمد ابن الحافظ أبي العلاء، ومحمد بن عبد الله الرويدشتى، ومحمد بن أبي طاهر بن غانم حفيده، وحفيده الآخر محمد بن أبي نصر.

قال السمعاني: كان سديدًا، ثقة، مكثرًا، توفى في رجب، سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة.

قلت: وأبوه من مشايخ السلفي.

(1)

ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ص 1283".

ص: 479

‌4860 - أبو جعفر الهَمَذَاني

(1)

:

الشيخ الإمام الحافظ الرحال الزاهد، بقية السلف والأثبات، أبو جعفر محمد بن أبي على الحسن بن محمد بن عبد الله الهمذاني.

ولد بعد الأربعين وأربع مائة.

وقدم بغداد سنة ستين، فسمع بها قليلًا، ثم ارتحل، فسمع من: أبي الحسين بن النقور، وأبي القاسم بن البسرى، وأبي نصر الزيني، وخلق. وبنيسابور من: الفضل بن المحب، وأبي صالح المؤذن، وخلق. وبمكة من: أبي علي الشافعي، وسعد الزنجاني. وبجرجان من: إسماعيل بن مسعدة، وطائفة. وبمرو من: أبي الخير محمد بن أبي عمران. وبهراة من: أبي إسماعيل الأنصاري، وعدة، وبهمذان.

وحدث بـ "الجامع" لأبي عيسى عن أبي عامر الأزدي، ومحمد بن محمد بن العلاء، وثابت بن سهلك القاضي، عن الجراحي.

وكان من أئمة أهل الأثر، ومن كبراء الصوفية.

قال السمعاني: سافر الكثير إلى البلدان الشاسعة، ونسخ بخطه، وما أعرف أحدًا من عصره سمع أكثر منه.

وعنه، قال: دخلت بغداد سنة ستين، وكنت أسمع ولا أدعهم يكتبون اسمي؛ لأني كنت لا أعرف العربية، حتى دخلت البادية، وكنت أدور مع الظاعنين من العرب حتى رجعت إلى بغداد، فقال لي الشيخ أبو إسحاق: رجعت إلينا عربيًا. فكان يسميني الخثعمي؛ لإقامتي فيهم.

قال السمعاني: كان خطه رديئًا، وما كان له كبير معرفة بالحديث -على ما سمعت- وسمعت محمد بن أبي طاهر بأصبهان، سمعت أبا جعفر بن أبي علي يقول: تعسر على شيخ

بجرجان، فحلقت أن لا أخرج منها حتى أكتب جميع ما عنده، فأقمت مدة، وكان يخرج إلى الأجزاء والرقاع، حتى كتبت جميع ما وجدت.

قلت: حدث عنه: ابن طاهر المقدسي، وأبو العلاء العطار، وعبد الرحمن بن عبد الوهاب بن المعزم، وآخرون.

وهو الذي قام في مجلس وعظم إمام الحرمين، وأورد عليه في مسألة العلو، فقال: ما قال عارف قط: يا ألله، إلا وقام من باطنه قصد تطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فهل لدفع هذه الضرورة من حيلة؟! فقال: يا حبيبي، ما ثم إلا الحيرة. وذلك في ترجمة أبي المعالي.

توفي أبو جعفر في نصف ذي القعدة، سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 260"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 97".

ص: 480

‌4861 - الجَوْهَري

(1)

:

الإمام الحافظ، الرئيس المحتشم، أبو بكر محمد بن أحمد بن حسن بن أسد، البروجردي. وبروجرد عند همذان.

كتب الكثير، واستنسخ، وعمل "معجما" لنفسه في مجلد.

سمع: السلار مكي بن علان، وأبا مطيع الصحاف، وأبا الفتح أحمد بن السوذرجاني، وعلي بن الأخرم المديني، ونصر الله الخشنامي، وأحمد ابن محمد الخليلي ببلخ، وأبا الحسن بن العلاف، ونحوهم. وكان واسع الرحلة، كثير المال.

روى عنه: يحيى بن بوش.

قال ابن ناصر: ما كان يعرف الحديث، كان تاجرًا.

قلت: توفي سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة، وولد سنة ستين وأربع مائة.

‌4862 - شرفُ الإسلام

(2)

:

الشيخ الإمام، العلامة الواعظ، شيخ الحنابلة بدمشق، شرف الإسلام، أبو القاسم عبد الوهاب بن أجل الحنابلة الشيخ أبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري، الشيرازي الأصل، الدمشقي. تفقه على أبيه.

وحدث بالإجازة عن أبي طالب بن يوسف.

وصار له القبول الزائد في الوعظ، وزادت حشمته، ورئاسته، وبعثه الملك بوري رسولًا إلى المسترشد بالله يستصرخ به على غزو الفرنج، وأنهم أخذوا كثيرا من الشام.

وقف المدرسة الكبرى شمالي جامع دمشق، وكان ذا لسن وفصاحة وصورة كبيرة.

أثنى عليه السلفي، ووثقه، سمع من أبيه.

وقال أبو يعلى حمزة بن القلانسي: توفي بمرض حاد، وكان على الطريقة المرضية، والخلال الرضية، ووفور العلم، وحسن الوعظ، وقوة الدين، وكان يوم دفنه يومًا مشهودًا من كثرة المشيعين له والباكين عليه، مات في صفر سنة ست وثلاثين وخمس مائة.

قلت: كان يناظر على قواعد عقائد الحنابلة، جرى بينه وبين الفقيه الفندلاوي بحوث وسب، وكان الفندلاوي أشعريًا، رحم الله الجميع.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 81".

(2)

ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 113 - 114".

ص: 481

‌4863 - المازَرِيِ

(1)

:

الشيخ الإمام العلامة البحر المتفنن، أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري المالكي.

مصنف كتاب "المعلم بفوائد شرح مسلم" ومصنف كتاب "إيضاح المحصول في الأصول"، وله تواليف في الأدب، وكان أحد الأذكياء، الموصوفين والأئمة المتبحرين، وله شرح كتاب "التلقين" لعبد الوهاب المالكي في عشرة أسفار، هو من أنفس الكتب.

وكان بصيرًا بعلم الحديث.

حدث عنه: القاضي عياض، وأبو جعفر بن يحيى القرطبي الوزغي.

مولده بمدينة المهدية من إفريقية، وبها مات، في ربيع الأول، سنة ست وثلاثين وخمس مائة، وله ثلاث وثمانون سنة.

ومازر: بليدة من جزيرة صقلية بفتح الزاي، وقد تكسر. قيده ابن خلكان.

قيل: إنه مرض مرضةً، فلم يجد من يعالجه إلَّا يهودي، فلما عوفي على يده، قال: لولا

التزامي بحفظ صناعتي، لأعدمتك المسلمين. فأثر هذا عند المازري، فأقبل على تعلم الطب، حتى فاق فيه، وكان ممن يفتي فيه، كما يفتي في الفقه.

وقال القاضي عياض في "المدارك": المازري يعرف بالإمام، نزيل المهدية، قيل: إنه رأى رؤيا، فقال: يا رسول الله، أحق ما يدعونني به? إنهم يدعونني بالإمام. فقال: وسع صدرك للفتيا.

ثم قال: هو آخر المتكلمين من شيوخ إفريقية بتحقيق الفقه، ورتبة الاجتهاد، ودقة النظر، أخذ عن: اللخمي، وأبي محمد عبد الحميد السوسي، وغيرهما بإفريقية، ودرس أصول الفقه والدين، وتقدم في ذلك، فجاء سابقًا، لم يكن في عصره للمالكية في أقطار الأرض أفقه منه، ولا أقوم بمذهبهم، سمع الحديث، وطالع معانيه، واطلع على علوم كثيرة من الطب والحساب والآداب وغير ذلك، فكان أحد رجال الكمال، وإليه كان يفزع في الفتيا في الفقه، وكان حسن الخلق، مليح المجالسة، كثير الحكاية والإنشاد، وكان قلمه أبلغ من لسانه، ألف في الفقه والأصول، وشرح كتاب مسلم، وكتاب "التلقين"، وشرح "البرهان" لأبي المعالي الجويني.

وثم مازري آخر متأخر، سكن الإسكندرية، وشرح "الإرشاد" المسمى بـ "المهاد".

ولصاحب الترجمة تأليف في الرد على "الإحياء" وتبيين ما فيه من الواهي والتفلسف، أنصف فيه، رحمه الله.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 671"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 269"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 114".

ص: 482

‌4864 - الفتح

(1)

:

الأديب الكبير، مصنف كتاب "قلائد العقيان"، أبو نصر الفتح بن محمد بن عبد الله بن خاقان القيسي، الإشبيلي، جمع في كتابه عدةً من شعراء المغرب، وترجمهم.

وله كتاب "ملح أهل الأندلس".

وكان كثير الترحال، من أذكياء الرجال، وكان لعابًا، خليع العذار.

أمر بقتله الملك علي بن يوسف بن تاشفين، فذبح بالخان، بمراكش، سنة خمس وثلاثين وخمس مائة.

وقيل: بل في سنة تسع وعشرين. فالله أعلم.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 525"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 107".

ص: 483

‌4865 - بهجةُ المُلْكِ

(1)

:

الرئيس الكبير، أبو طالب، علي بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن علي بن عياض بن أبي عقيل الصوري، ثم الدمشقي.

أجداده من قضاة صور.

وكان شيخًا، مهيبًا، دينًا.

سمع بمصر من: القاضي الخلعي، وسمع ببغداد من: أبي القاسم بن بيان.

روى عنه: ابن عساكر، وابنه القاسم، وطائفة.

قال أبو سعد السمعاني: قرأت عليه "معجم" ابن الأعرابي، مولده بصور، سنة نيف وستين وأربع مائة.

وقال ابن عساكر: أصله من حران، وله سماع من الفقيه نصر، وكان من أعيان البلد، ذا حظ من صلاة وصيام ووقار، حكى لي عتيقه نوشتكين أنه سمعه في مرضه يقول: تلوت أربعة آلاف ختمة.

توفي في ربيع الأول، سنة سبع وثلاثين وخمس مائة.

‌4866 - وجيه بن طاهر

(2)

:

ابن محمد بن محمد بن أحمد، الشيخ العالم العدل، مسند خراسان، أبو بكر، أخو زاهر، الشحامي النيسابوري، من بيت العدالة والرواية.

ولد سنة خمس وخمسين وأربع مائة.

ورحل في الحديث.

سمع: أبا القاسم القشيري، وأبا حامد الأزهري، وأبا المظفر محمد بن إسماعيل الشجاعي، وأبا نصر عبد الرحمن بن محمد التاجر، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وأبا صالح المؤذن، وعلي بن يوسف الجويني، وشبيب ابن أحمد البستيغي، وأبا سهل الحفصي، وعمر وعائشة ولدي أبي عمر البسطامي، ومحمد بن يحيى المزكي، وأبا الحسن الواحدي، ومحمد

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 273".

(2)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 184"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 280"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 130".

ص: 484

ابن عبيد الله الصرام، وعدةً بنيسابور، وبيبى الهرثمية، وأبا عطاء عبد الرحمن بن محمد الجوهري، ونجيب بن ميمون، وأبا إسماعيل الأنصاري، وطائفةً بهراة، وإسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي بجرجان، وأبا نصر محمد بن محمد الزينبي، وعاصم بن الحسن ببغداد، وأبا نصر محمد بن ودعان بالمدينة.

حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، ومحمد بن أحمد الطبسي، ومحمد بن فضل الله السالاري، ومنصور الفراوي، وعبد الواحد بن علي بن حمويه، ومجد الدين سعيد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري، والمؤيد بن محمد الطوسي، وزينب الشعرية، والقاسم بن عبد الله الصفار، وإسماعيل بن عثمان القارئ، وخلق.

قال السمعاني: كتبت عنه الكثير، وكان يملي في الجامع الجديد بنيسابور كل جمعة مكان أخيه، وكان كخير الرجال، متواضعًا، متوددًا، ألوفًا، دائم الذكر، كثير التلاوة، وصولا للرحم، تفرد في عصره بأشياء، ومن مسموعه كتاب "الزهريات" من ابن أبي حامد الأزهري، أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الله بن حمدون، أخبرنا أبو حامد بن الشرقي، حدثنا الذهلي المصنف، و "رسالة القشيري" سمعها من المؤلف.

مرض أسبوعًا، وتوفي في ثمان عشر جمادى الآخرة، سنة إحدى وأربعين وخمس مائة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا أبو القاسم بن عبد الله، أخبرنا وجيه بن طاهر، أخبرنا أبو القاسم القشيري، أخبرنا أبو الحسين الخفاف، حدثنا أبو العباس السراج، حدثنا قتيبة، حدثنا بكر، عن جعفر عن ربيعة، عن الأعرج، عن عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى، فرج بين يديه حتى يرى بياض إبطيه

(1)

.

أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي، عن قتيبة.

وبه: حدثنا قتيبة، حدثنا بكر بن مضر، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عامر

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 345"، والبخاري "390" و "807" و "3564"، ومسلم "495"، والنسائي "2/ 212"، وابن خزيمة "648"، وأبو عوانة "2/ 185"، والبيهقي "2/ 114"، من طرق عن بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، به.

ووقع في المطبوع "جعفر عن ربيعة"، والصواب "وجعفر بن ربيعة" وهو ما أثبتناه.

ص: 485

بن سعد، عن العباس بن عبد المطلب: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سجد العبد، سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه"

(1)

.

أخرجه أحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، عن قتيبة، فوافقناهم بعلو.

(1)

صحيح على شرط الشيخين: أخرجه الشافعي "1/ 85"، وأحمد "1/ 206 و 208"، ومسلم "491"، وأبو داود "891"، والترمذي "272"، والنسائي "2/ 208"، وابن ماجه "885"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار""1/ 256"، والطبري في "تهذيب الآثار""1/ 205"، والبيهقي "2/ 101" من طرق عن يزيد بن الهاد، به.

ص: 486

‌4867 - ابنُ العَريف

(1)

:

أحمد بن محمد بن موسى بن عطاء الله، الإمام، الزاهد، العارف، أبو العباس بن العريف الصنهاجي الأندلسي، المريي، المقرئ، صاحب المقامات والإشارات.

صحب: أبا علي بن سكرة الصدفي، وأبا الحسن البرجي، ومحمد بن الحسن اللمغاني، وأبا الحسن بن شفيع المقرئ، وخلف بن محمد العريبي، وعبد القادر بن محمد الصدفي، وأبا خالد المعتصم، وأبا بكر بن الفصيح.

واختص بصحبة أبي بكر عبد الباقي بن محمد بن بريال، ومحمد ابن يحيى بن الفراء، وبأبي عمر أحمد بن مروان بن اليمنالش الزاهد. قاله: ابن مسدي.

وقال ابن بشكوال: روى عن أبي خالد يزيد مولى المعتصم، وأبي بكر عمر بن رزق، وعبد القادر بن محمد القروي، وخلف بن محمد بن العربي، وسمع من جماعة من شيوخنا، وكانت عنده مشاركة في أشياء من العلم، وعناية بالقراءات وجمع الروايات، واهتمام بطرقها وحملتها، وقد استجاز مني تأليفي هذا، وكتبه عني، واستجزته أنا أيضًا فيما عنده، ولم ألقه، وكاتبني مرات، وكان متناهيًا في الفضل والدين، منقطعًا إلى الخير، وكان العباد والزهاد يقصدونه، ويألفونه، ويحمدون صحبته، وسعي به إلى السلطان، فأمر بإشخاصه إلى حضرته بمراكش، فوصلها، وتوفي بها.

قلت في "تاريخي": إن مولد ابن العريف في سنة ثمان وخمسين وأربع مائة، ولا يصح.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 81"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 68"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 270".

ص: 486

وكان الناس قد ازدحموا عليه يسمعون كلامه ومواعظه، فخاف ابن تاشفين سلطان الوقت من ظهوره، وظن أنه من أنموذج ابن تومرت، فيقال: إنه قتله سرًا، فسقاه، والله أعلم.

وقد قرأ بالروايات على اثنين من بقايا أصحاب أبي عمرو الداني، ولبس الخرقة من أبي بكر عبد الباقي المذكور آخر أصحاب أبي عمر الطلمنكي وفاة.

قال ابن مسدي: ابن العريف ممن ضرب عليه الكمال رواق التعريف، فأشرقت بأضرابه البلاد، وشرقت به جماعة الحساد، حتى لسعوا به إلى سلطان عصره، وخوفوه من عاقبة أمره، لاشتمال القلوب عليه، وانضواء الغرباء إليه، فغرب إلى مراكش، فيقال: إنه سم: وتوفي شهيدًا، وكان لما احتمل إلى مراكش، استوحش، فغرق في البحر جميع مؤلفاته، فلم يبق منه إلَّا ما كتب منها عنه. روى عنه: أبو بكر بن الرزق الحافظ، وأبو محمد بن ذي النون، وأبو العباس الأندرشي، ولبس منه الخرقة، وصحب جدي الزاهد موسى بن مسدي، ولعله آخر من بقي من أصحابه.

ثم قال: مولد ابن العريف في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وأربع مائة.

قلت: هذا القول أشبه بالصحة مما تقدم، فإن شيوخه عامتهم كانوا بعد الخمس مائة، فلقيهم وعمره عشرون سنةً.

ثم قال: وأقدم شيوخه سنًا وإسنادًا عبد الباقي بن محمد الحجاري الزاهد، وكان عبد الباقي قد حمله أبوه وهو ابن عشر سنين إلى أبي عمر الطلمنكي، فقرأ عليه القرآن، وقد ذكرناه في سنة اثنتين وخمس مائة، وأنه عاش ثمانيًا وثمانين سنة.

قال: وتوفي أبو العباس بن العريف بمراكش، ليلة الجمعة، الثالث والعشرين من رمضان، سنة ست وثلاثين وخمس مائة.

وأما ابن بشكوال، فقال: في صفر، بدل رمضان، فالله أعلم.

ثم قال ابن بشكوال: واحتفل الناس بجنازته، وندم السلطان على ما كان منه في جانبه، فظهرت له كرامات، رحمه الله.

ص: 487

‌4868 - الحُلْوَاني

(1)

:

الإمام المحدث، أبو المعالي، عبد الله بن أحمد بن محمد بن حمدويه الحلواني، المروزي، البزاز.

فقيه، عالم، عامل، مؤثر، كبير القدر، كثير المال.

ولد سنة إحدى وستين وأربع مائة.

وارتحل، وسمع من: أبي بكر بن خلف الشيرازي ونحوه بنيسابور، ومن: ثابت بن بندار وطبقته ببغداد، ومن أصحاب أبي نعيم بأصبهان.

وسكن غزنة مدةً، واشترى كتبًا كثيرةً وقفها، وأنشأ رباطًا للمحدثين بمرو.

أخذ عنه: السمعاني، وابن عساكر، وطائفة.

توفي في ذي الحجة، سنة تسع وثلاثين وخمس مائة.

‌4869 - ابن المُهتدِي بالله

(2)

:

الخطيب، شيخ القراء، أبو الفضل، محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن الخليفة المهتدي بالله محمد بن الواثق هارون الهاشمي، العباسي، الرشيدي، البغدادي.

مولده سنة تسع وأربعين وأربع مائة.

وسمع من: عبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، لكن احترق سماعه منهما، ويجتمع هو وأبو الحسين جدهما في عبد الصمد.

وأما عم صاحب الترجمة، فهو القاضي أبو الحسن محمد بن أحمد ابن محمد، شيخ جليل، يروي عن أبي الحسن بن رزقويه.

نعم، وروى صاحب الترجمة عن: أبي الحسين بن النقور، وأبي القاسم بن البسري، وجماعة.

وتلا بروايات على تلميذ الحمَّامي أبي الخطاب أحمد بن علي الصوفي.

روى عنه: أبو اليمن الكندي، وتلا عليه بخمس روايات، وروى عنه أيضًا عمر بن طبرزد.

وكان خطيبًا بجامع القصر، ثقةً، صالحًا، سرد الصوم أزيد من خمسين سنة.

توفي في جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 159"، واللباب لابن الأثير "1/ 381"، وتبصير المنتبه "2/ 511"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 122".

(2)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 273".

ص: 488

‌4870 - البِطْرَوِجيّ

(1)

:

الشيخ الإمام العالم، الفقيه، الحافظ الكبير، أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الباري، الأندلسي، البطروجي -ويقال: البطروشي- القرطبي.

روى عن: محمد بن الفرج الطلاعي فأكثر، وأبي علي الغساني، وأبي الحسن العبسي، وخازم بن محمد، وخلف بن مدير، وخلف بن النخاس الخطيب.

وتلا على عيسى بن خيرة.

وتفقه على: عبد الصمد بن أبي الفتح، وأبي الوليد بن رشد، وعرض "المستخرجة" على أصبغ بن محمد.

وأجاز له أبو المطرف الشعبي، وأبو داود بن نجاح، وطائفة.

وكان علامةً في مذهب مالك، محدثًا حافظًا، ناقدًا، مجودًا، مستحضرًا، كثير التصانيف، متبحرًا في العلم، لكنه قليل العربية، رث الهيئة، فيه خفة، رحمه الله.

حدث عنه: أبو القاسم بن بشكوال -وقال: كان من أهل الحفظ للفقه والحديث والرجال والتواريخ، مقدمًا في ذلك على أهل عصره- ومحمد بن إبراهيم بن الفخار، ويحيى بن محمد الفهري، ومحمد بن عبد العزيز الشقوري، وأبو محمد بن عبيد الله الحجري، وخلق كثير.

مات لثلاث بقين من المحرم سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 82"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1080"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 130".

ص: 489

‌4871 - المِصِّيصِي

(1)

:

الشيخ الإمام المفتي الأصولي، شيخ دمشق، أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي، ثم اللاذقي، ثم الدمشقي، الشافعي، الأشعري نسبًا ومذهبًا، كذا قال الحافظ أبو القاسم.

وقال: نشأ بصور، وسمع بها من: الحافظ أبي بكر الخطيب، وعمر بن أحمد الآمدي، وعبد الرحمن بن محمد الأبهري، والفقيه نصر، وتفقه عليه، وسمع ببغداد من: عاصم بن الحسن، ورزق الله التميمي، وبأصبهان من: أبي منصور محمد بن علي بن شكرويه، والوزير نظام الملك، وبالأنبار من: خطيبها أبي الحسن بن الأخضر، وبدمشق من: أبي القاسم بن أبي العلاء، وأخذ علم الكلام عن: أبي بكر محمد بن عتيق القيرواني

إلى أن قال: وكان متصلبًا في السنة، حسن الصلاة، متجنبًا أبواب السلاطين، وكان مدرس الزاوية الغربية -يعني: الغزالية- بعد شيخه الفقيه نصر، وقد وقف وقوفًا في البر. ولد: باللاذقية، سنة ثمان وأربعين وأربع مائة.

وقال السمعاني: إمام، مفت، فقيه أصولي، متكلم، دين، خير، كتبت عنه.

قلت: حدث عنه أيضًا القاسم بن عساكر، ومكي بن علي، وجابر بن محمد بن اللحية، وعسكر بن خليفة الحمويان، ويوسف بن مكي، والخضر بن كامل، وأحمد بن محمد بن سيدهم، وزينب بنت إبراهيم القيسي، وابن الحرستاني، وهبة الله بن طاوس، وأبو المحاسن بن أبي لقمة.

مات في ربيع الأول، سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة.

وسماعه من الخطيب في سنة ست وخمسين. انتهى إليه علو الإسناد بدمشق.

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 197"، واللباب لابن الأثير "3/ 221 و 398"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1294"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 131".

ص: 490

‌4872 - أبو سَعْد

(1)

:

الشيخ الإمام، الحافظ الثقة، المسند، محدث أصبهان، أبو سعد، أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن بن علي بن أحمد بن سليمان، البغدادي الأصل، الأصبهاني.

ولد بأصبهان، في صفر، سنة ثلاث وستين وأربع مائة.

وكان أصغر من أخته فاطمة بنت البغدادي ببضع عشرة سنةً.

سمع: أباه أبا الفضل، وأبا القاسم بن مندة، وأخاه عبد الوهاب، وعبد الجبار بن برزة الواعظ، وحمد بن ولكيز، وأبا إسحاق الطيان، وابن ماجة الأبهري، ومحمد بن عمر بن سسويه، ومحمد بن بديع الحاجب، وأبا منصور بن شكرويه، وسليمان بن إبراهيم، وعدة.

وارتحل إلى بغداد، وله ست عشرة سنةً وقد تنبه، فصادف أبا نصر الزينبي قد مات، فصاح، وتلهف، وسمع من عاصم بن الحسن، ومالك البانياسي، وأبي الغنائم بن أبي عثمان، ورزق الله، وعدة.

وقد حدثه: محمود بن جعفر الكوسج، عن جد أبيه الحسن بن علي البغدادي -وهم بيت رواية وحديث.

روى عنه: ابن ناصر، وابن عساكر، والسمعاني، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، وابن طبرزد، ومحمد بن علي القبيطي، وخلق من البغاددة والأصبهانيين، خاتمتهم: محمد بن محمد بن بدر الراراني.

قال السمعاني: ثقة حافط، دين خير، حسن السيرة، صحيح العقيدة، على طريقة السلف الصالح، تارك للتكلف، كان يخرج إلى السوقة وعلى رأسه طاقية، وكان يصوم في طريق الحجاز.

وقال في "التحبير": كان حافظًا كبيرًا، تام المعرفة، يحفظ جميع "صحيح" مسلم، وكان يملي من حفظه، قدم مرةً من حجه، فاستقبله الخلق وهو على فرس يسير بسيرهم، فلما قرب من أصبهان، ركض فرسه، وترك الناس، وقال: أردت السنة: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوضع

(1)

ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 166"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1077"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 278"، ووقع عنده "أبو سعيد" بدل "أبو سعد"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 125".

ص: 491

راحلته إذا رأى جدر المدينة

(1)

. وكان حلو الشمائل، استمليت عليه بمكة والمدينة، وكتب عني، قال لي مرةً: أوقفتك. واعتذر، فقلت: يا سيدي، الوقوف على باب المحدث عز. فقال: لك بهذه الكلمة إسناد? قلت: لا. قال: أنت إسنادها. وسمعت إسماعيل بن محمد الحافظ يقول: رحل أبو سعد إلى أبي نصر الزينبي، فدخل بغداد وقد مات، فجعل أبو سعد يلطم على رأسه، ويبكي، ويقول: من أين أجد علي بن الجعد، عن شعبة?!

وقال عبد الله بن مرزوق الحافظ: أبو سعد بن البغدادي شعلة نار.

قال السمعاني: وسمعت معمر بن الفاخر يقول: أبو سعد يحفظ "صحيح مسلم"، وكان يتكلم على الأحاديث بكلام مليح.

وقال ابن النجار: هو إمام في الزهد والحديث، واعظ، كتب عنه شجاع الذهلي، وابن ناصر، كان إذا أكل اغرورقت عيناه، ويقول: كان داود عليه السلام إذا أراد أن يأكل بكى.

قال أبو الفتح محمد بن علي النطنزي: كنت ببغداد، فاقترض مني أبو سعد بن البغدادي عشرة دنانير، فاتفق أني دخلت على السلطان مسعود بن محمد، فذكرت له ذلك، فبعث معي إليه خمس مائة دينار، فأبى أن يأخذها.

قال ابن الجوزي: حج أبو سعد إحدى عشرة حجةً، وتردد مرارًا، وسمعت منه الكثير، ورأيت أخلاقه اللطيفة، ومحاسنه الجميلة، مات بنهاوند، راجعًا من الحج، في ربيع الأول، سنة أربعين وخمس مائة، وحمل إلى أصبهان، فدفن بها.

وقال عبد الرحيم الحاجي: مات في ربيع الآخر منها.

ومات ابنه أبو سعيد عبد اللطيف بن البغدادي بأصبهان سنة ثمان وخمسين وخمس مائة. يروي عن أبي مطيع، وأبي الفتح الحداد، وطائفة.

أنبأنا بكتاب "معرفة الصحابة" لأبي عبد الله بن مندة جمال الدين يحيى بن الصيرفي، قال: أخبرنا به محمد بن علي القبيطي قراءةً عليه، أخبرنا أبو سعد الحافظ، أخبرنا به غير واحد ملفقًا، قالوا: أخبرنا المؤلف، رحمه الله.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "1802"، من طريق حميد أنه سمع أنسًا رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته، وإن كانت دابة حركها". ووقع في رواية إسماعيل عن حميد، عن أنس: ""جدرات" بدل "درجات". وقوله أوضع: أي أسرع السير.

ص: 492

‌4873 - ابن مُغِيث

(1)

:

الإمام العلامة الحافظ، المفتي الكبير، أبو الحسن، يونس بن محمد بن مغيث بن محمد بن الإمام المحدث يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث القرطبي، المالكي.

مولده في رجب سنة سبع وأربعين وأربع مائة.

وسمع بعد الستين من: حاتم بن محمد، وأبي عمر بن الحذاء، ومحمد بن محمد بن بشير، وأبي مروان بن سراج، وأبي عبد الله بن منظور، ومحمد بن سعدون القروي، وأبي جعفر بن رزق، ومحمد بن الفرج، وأبي علي الغساني الحافظ.

قال ابن بشكوال: كان عارفًا باللغة والإعراب، ذاكرًا للغريب والأنساب، وافر الأدب، قديم الطلب، نبيه البيت والحسب، جامعًا للكتب، راويةً للأخبار، أنيس المجالسة، فصيحًا، مشاورًا، بصيرًا بالرجال وأزمانهم وثقاتهم، عارفًا بعلماء الأندلس وملوكها، أخذ الناس عنه كثيرًا، قرأت عليه، وأجاز لي، توفي في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة، وصلى عليه ولده أبو الوليد.

قلت: وحدث عنه أيضًا محمد بن عبد الله بن مفرج القنطري الحافظ، ومحمد بن عبد الرحمن بن عبادة الجياني، ومحمد بن عبد الرحيم بن الفرس، وأبو محمد عبيد الله، وعبد الله بن طلحة المحاربي، وأبو القاسم بن حبيش، وعبد الرحمن بن محمد بن الشراط، وآخرون.

وكان من جلة العلماء في عصره، رحمه الله.

‌4874 - ابن تاشفين

(2)

:

السلطان، صاحب المغرب، أمير المسلمين، أبو الحسن علي بن صاحب الغرب يوسف بن تاشفين، البربري، ملك المرابطين.

تولى بعد أبيه سنة خمس مائة.

وكان شجاعًا، مجاهدًا، عادلًا، دينًا، ورعًا، صالحًا، معظمًا للعلماء، مشاورًا لهم،

(1)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 688"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1277"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 101 - 102".

(2)

ترجمته في وفيات الأعيان "5/ 49" و "7/ 123 و 125 - 126"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 272"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 115".

ص: 493

نفق في زمانه الفقه والكتب والفروع، حتى تكاسلوا عن الحديث والآثار، وأهينت الفلسفة، ومج الكلام، ومقت، واستحكم في ذهن علي أن الكلام بدعة ما عرفه السلف، فأسرف في ذلك، وكتب يتهدد، ويأمر بإحراق الكتب، وكتب يأمر بإحراق تواليف الشيخ أبي حامد، وتوعد بالقتل من كتمها، واعتنى بعلم الرسائل والإنشاء، وعمِّر.

ولما التقى عسكره العدو، انهزموا، واختلت الأندلس، وظهر بها المنكر، وقتل خلق من المرابطين، وأخذ يتهاون، ويقنع بالاسم، وأقبل على العبادة وأهمل الرعايا، وعجز، حتى قيل: إنه رفع يديه، ودعا، فقال: اللهم قيض لهذا الأمر من يقوى عليه.

وابتلي بنواب ظلمة، ثم خرج عليه ابن تومرت، وحاربه عبد المؤمن، وقوي عليه، وأخذ البلاد، وولت أيام الملثمة، فمات إلى رحمة الله في سنة سبع وثلاثين وخمس مائة.

وعهد بالأمر إلى ابنه يوسف، فقاوم عبد المؤمن مديدةً، ثم انزوى إلى وهران، وتفرقت جموعه، فظفر به الموحدون، وهلك في سنة أربعين وخمس مائة.

وعندي في موضع آخر: أن الذي ولي بعد علي ولده تاشفين، فحارب الموحدين مديدةً، ثم تحصن بوهران، وأنه هلك في رمضان سنة تسع، وصلبوه.

ص: 494

‌4875 - النسفي

(1)

:

العلامة المحدث، أبو حفص، عمر بن محمد بن أحمد بن لقمان، النسفي الحنفي، من أهل سمرقند.

وهو مصنف "تاريخها" الملقب بالقند.

ونظم "الجامع الصغير".

وكان صاحب فنون، ألف في الحديث، والتفسير، والشروط، وله نحو من مائة مصنف.

حج، وسمع ببغداد من أبي القاسم بن بيان في الكهولة، فإنه ولد نحو سنة إحدى وستين وأربع مائة.

وحدث عن: إسماعيل بن محمد النوحي، والحسن بن عبد الملك القاضي، ومهدي بن

محمد العلوي، وعبد الله بن علي بن عيسى النسفي، وأبي اليسر محمد بن محمد النسفي، وحسين الكاشغري، وأبي محمد الحسن بن أحمد السمرقندي، وعلي بن الحسن الماتريدي.

روى عنه: محمد بن إبراهيم التوربشتي، وولده أبو الليث أحمد بن عمر، وغير واحد.

قال أبو سعد السمعاني: مات بسمرقند في ثاني عشر جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في لسان الميزان "4/ 327"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 115".

ص: 494

‌4876 - ملك الخَطا

(1)

:

كوخان، طاغية الترك والخطا، من أبطال الملوك.

أقبل في ثلاث مائة ألف فارس فيما قيل، وكسر السلطان سنجر السلجوقي، واستولى على بخارى وسمرقند في سنة ست، فما أمهله الله، وهلك في رجب، سنة سبع وثلاثين وخمس مائة.

وكان سائسًا، محبًا للعدل، داهية.

وحكمت الخطا على بلاد ما وراء النهر، إلى أن تملك علاء الدين خوارزمشاه، فاسترد ذلك.

‌4877 - ابن ماشاذه

(2)

:

العلامة الكبير، المفتي، أبو منصور، محمود بن أحمد بن عبد المنعم بن أحمد بن ماشاذه، الأصبهاني الشافعي.

تفقه على أبي بكر محمد بن ثابت الخجندي، وعبد الوهاب بن محمد الفامي.

وسمع من: شجاع بن علي المصقلي، وأخيه؛ أحمد وأبي طاهر أحمد بن محمد بن عمر النقاش، وأبي سهل حمد بن ولكيز، ومحمد بن بديع الحاجب، وعبد الجبار بن عبد الله بن برزة الجوهري، وعائشة الوركانية.

وأملى عدة مجالس، وكان إمامًا في التفسير والمذهب والخلاف والوعظ.

عظمه ابن النجار.

وروى عنه: السمعاني، وابن عساكر.

وصنف كتابًا في آداب الدين، ومناقب الدولة العباسية، ثم عرضه على المسترشد بالله، فقبله، وشرفه.

قال ابن عساكر: شيخنا أبو منصور من أعيان العلماء، ومشاهير الفضلاء الفهماء، قدم بغداد حاجًا سنة أربع وعشرين، فلم يبق بها من المذكورين أحد إلَّا تلقاه، وسروا بقدومه، وعقد المجلس في جامع القصر

إلى أن قال: وعانيت مرتبته في بلده، وحشمته في نفسه وولده.

وقال السمعاني: ارتفع أمره حتى صار أوحد وقته، والمرجوع إليه، وجئ بالسكين نوبًا عدةً، وحماه الله، وكان كثير الصلاة والذكر بالليل، ولد سنة ثمان وخمسين وأربع مائة.

قلت: توفي فجأةً ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وخمس مائة.

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 268 و 272"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 115".

(2)

ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 135" ووقع عنده "ما ساده" بالسين والدال المهملتين بدل: "ما شاذه" بالشين والذال المعجمتين، واللباب لابن الأثير "1/ 302".

ص: 495