الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
4878 - سبطا الخياط
(1)
:
الشيخ الإمام المسند المقرئ الصالح، بقية السلف، أبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الله البغدادي.
كان أسن من أخيه.
ولد سنة ثمان وخمسين وأربع مائة.
سمع الكثير بإفادة ابن الخاضبة.
سمع أبا محمد الصريفيني، وعبد الصمد بن المأمون، وأبا الحسين ابن النقور، وأبا منصور العكبري النديم، ومن بعدهم.
حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي، وأبو اليمن الكندي، وجماعة.
قال السمعاني: صالح، حسن الإقراء، دين، يأكل من كد يده، سمع الكثير بإفادة ابن الخاضبة في مجلس عفيف القائمي.
وقال أبو الفرج بن الجوزي: قرأت عليه القرآن، مات في ذي الحجة سنة سبع وثلاثين وخمس مائة.
4879 - أخوه
(2)
:
الشيخ الإمام العلامة، مقرئ العراق، شيخ النحاة، أبو محمد عبد الله بن علي بن أحمد، سبط الإمام الزاهد العابد أبي منصور الخياط، وإمام مسجد ابن جردة.
ولد سنة أربع وستين، في شعبان.
وتلقن القرآن من أبي الحسن بن الفاعوس.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 143"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 273"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 114 - 115".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 178"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 128 - 130".
وسمع من أبي الحسين بن النقور، وأبي منصور محمد بن محمد العكبري، ورزق الله التميمي، وطراد الزينبي، ونصر بن البطر، وعدة.
وتلا بالروايات على جده أبي منصور الخياط، وأبي الخطاب بن الجراح، وثابت بن بندار، والشريف عبد القاهر بن عبد السلام، وأبي طاهر ابن سوار، ومحمد بن عبد الله الوكيل، والمعمر يحيى بن أحمد السيبي صاحب الحمامي، وأبي النرسي، وأبي العز القلانسي.
وتصدر للإقراء، وصنف الكتب الشهيرة "كالمبهج" و"الإيجاز" و"الكفاية"، وأم بمسجد ابن جردة بضعًا وخمسين سنة، وكان من أطيب الناس صوتًا بالقرآن، وختم عليه خلق كثير.
حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي، ويحيى بن طاهر، ومحمود بن الداريج، وإسماعيل بن إبراهيم السيبي، وعبد الله بن المبارك بن سكينة، وعبد العزيز بن منينا، وأبو اليمن الكندي، وخلق.
وتلا عليه: الشهاب محمد بن يوسف الغزنوي، وأبو الفتح نصر الله بن الكيال، وصالح بن علي الصرصري، والتاج الكندي، وعبد الواحد بن سلطان، والمبارك بن المبارك بن زريق الحداد، ومحمد بن محمد بن هارون الحلي ابن الكال، وحمزة بن القبيطي، وابن سكينة، وزاهر بن رستم.
وقرأ عليه النحو جماعة.
قال ابن الجوزي: لم أسمع قارئًا قط أطيب صوتًا منه، ولا أحسن أداءً على كبر سنه، وكان لطيف الأخلاق، ظاهر الكياسة والظرافة، حسن المعاشرة للعوام والخواص.
وقال السمعاني: كان متواضعًا متوددًا، حسن القراءة، في المحراب، خصوصًا ليالي رمضان، وقد تخرج عليه خلق، وختموا عليه، وله تصانيف القراءات، وخولف في بعضها، وشنعوا عليه، ثم سمعت أنه رجع عن ذلك، كتبت عنه، وعلقت عنه من شعره.
وقد ذكره أحمد بن صالح، وبالغ في تعظيمه، وقال: لم يخلف في فنون مثله.
وقال أبو الفرج بن الجوزي: ما رأيت أكثر جمعًا من جمع جنازته.
وقال عبد الله بن جرير القرشي: دفن بباب حرب عند جده أبي منصور على دكة الإمام أحمد، وكان الجمع يفوت الإحصاء، غلق أكثر البلد.
توفي في الثاني والعشرين من ربيع الآخر، سنة إحدى وأربعين وخمس مائة.
قلت: ومات في العام معه العلامة الكبير، البحر الأوحد، المفسر، أبو محمد، عبد الحق بن غالب بن عبد الملك بن غالب بن تمام بن عطية المحاربي الأندلسي الغرناطي، صاحب "التفسير"، عن إحدى وستين سنة.
قال ابن النجار: قرأ الأدب على أبي الكرم بن فاخر، ولازمه نحوًا من عشرين سنة، قرأ عليه فيها "كتاب" سيبويه و"شرحه" للسيرافي، و"المحتسب" لابن جني، و"المقتضب" للمبرد، و"الأصول" لابن السراج، وأشياء. قرأت "بالمبهج" له على أبي أحمد بن سكينة.
4880 - الأنماطي
(1)
:
الشيخ الإمام، الحافظ المفيد، الثقة المسند، بقية السلف، أبو البركات، عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن بن بندار، البغدادي، الأنماطي.
ولد سنة اثنتين وستين وأربع مائة.
وسمع "الجعديات": من أبي محمد الصريفيني، وسمع من ابن النقور، وابن البسري، وعبد العزيز الأنماطي، وأبي نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن، ورزق الله التميمي، فمن بعدهم.
وجمع فأوعى، وقد قرأ على أبي الحسين بن الطيوري جميع ما عنده.
حدث عنه: ابن ناصر، وابن عساكر، والسمعاني، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، وأبو أحمد بن سكينة، وعمر بن طبرزد، ويوسف بن كامل، وعبد العزيز بن الأخضر، وعبد العزيز بن منينا، وأحمد بن أزهر، وأحمد بن يحيى الدبيقي، وعبد الرحمن بن أحمد بن هدية، وخلق، ومن القدماء الحافظ محمد بن طاهر وهو أكبر منه.
قال السمعاني: هو حافظ ثقة متقن، واسع الرواية، دائم البشر، سريع الدمعة، حسن المعاشرة، خرج التخاريج، وجمع من المرويات ما لا يوصف، وكان متصديًا لنشر الحديث، قرأت عليه شيئًا كثيرًا.
قلت: مات في المحرم سنة ثمان وثلاثين، وكان على طريقة السلف، وما تزوج قط.
وقال السلفي: كان رفيقنا عبد الوهاب حافظًا ثقةً، لديه معرفة جيدة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 149"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1076"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 116 - 117".
وقال ابن ناصر: كان بقية الشيوخ، سمع الكثير، وكان يفهم، مضى مستورًا، وكان ثقةً، لم يتزوج قط.
وقال السمعاني أيضًا: لعله ما بقي جزء إلَّا قرأه، وحصل نسخته، ونسخ الكتب الكبار مثل "الطبقات" لابن سعد، و"تاريخ الخطيب"، وكان متفرغًا للرواية، وكان لا يجوز الإجازة على الإجازة، وصنف في ذلك شيئًا، قرأت عليه "الجعديات" و"تاريخ الفسوي" وانتقاء البقال على المخلص.
وقال ابن الجوزي: كنت أقرأ عليه وهو يبكي، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته، وانتفعت به ما لم أنتفع بغيره.
وقال أبو موسى المديني في "معجمه": هو حافظ عصره ببغداد.
قلت: ومات معه في عام ثمانية: الشيخ المسند أبو المعالي عبد الخالق بن البدن الصفار، ومسند أصبهان غانم بن خالد بن عبد الواحد التاجر، والمسند أبو الحسن محمد بن أحمد بن صرما -وهو ابن عمة ابن ناصر- والخطيب أبو بكر محمد بن الخضر المحولي المقرئ، والقاضي أبو بكر محمد بن القاسم بن المظفر بن الشهرزوري الموصلي، والشيخ أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي النحوي المعتزلي، والوزير علي بن طراد الزينبي، وأبو الوفاء غانم بن أحمد بن حسن الجلودي الأصبهاني، وشيخ الوعظ أبو الفتوح محمد بن الفضل الإسفراييني ابن المعتمد المتكلم.
أخبرنا علي بن أحمد وغيره إجازةً قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، أخبرنا عبد الله بن محمد الخطيب، أخبرنا عبيد الله بن حبابة، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري، حدثنا محمد بن سيرين، أن أم عطية قالت: توفيت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن نغسلها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك، إن رأيتن، وأن تجعلن في الآخرة شيئًا من سدر وكافور
(1)
.
متفق على صحته، وقد رواه النسائي نازلًا، عن عبد الملك بن شعيب بن الليث، عن أبيه، عن جده، عن يحيى بن أيوب، عن مالك بن أنس، عن أيوب، عن ابن سيرين، فوقع مصافحةً لشيوخنا.
(1)
صحيح: أخرجه البخاري "1258"، ومسلم "939"، وأبو داود "3142"، والترمذي "990"، والنسائي "4/ 28 - 29".
4881 - ابن الزكي
(1)
:
قاضي دمشق، القاضي المنتجب، أبو المعالي، محمد بن القاضي أبي الفضل يحيى بن علي بن عبد العزيز، القرشي الدمشقي الشافعي، ويعرف أيضًا بابن الصائغ.
سمع أبا القاسم بن أبي العلاء، والحسن بن أبي الحديد، والفقيه نصرًا المقدسي، وأبا محمد بن البري، وعدة، والقاضي الخلعي بمصر، وغيره، وعلي بن عبد الملك الدبيقي بعكا، وحضر درس الفقيه نصر، وتفقه به.
وناب عن أبيه في القضاء سنة عشر لما حج أبوه، ثم استقل بالقضاء.
روى عنه: ابن أخته الحافظ أبو القاسم، وقال: كان نزهًا عفيفًا صليبًا في الحكم، ولد سنة سبع وستين وأربع مائة.
وقال السمعاني: كان محمودًا، حسن السيرة، شفوقًا وقورًا، حسن المنظر، متوددًا.
روى عنه: السمعاني، وابن عساكر، وابنهن وطرخان الشاغوري، وأبو المحاسن بن أبي لقمة، وآخرون.
وهو والد القضاة بني الزكي.
مات في ربيع الأول، سنة سبع وثلاثين وخمس مائة، ودفن عند أبيه بمسجد القدم.
4882 - ابن الشهرزوري
(2)
:
القاضي الكبير، أبو بكر محمد بن القاسم بن مظفر، ابن الشهرزوري الموصلي الشافعي.
شيخ عالم وقور، وافر الجلالة، ولي القضاء بأماكن، ويلقب بقاضي الخافقين.
تفقه على: الشيخ أبي إسحاق، وسمع منه، ومن أبي القاسم عبد العزيز الأنماطي، وأبي نصر الزينبي، وسمع بنيسابور من أبي بكر بن خلف، وعثمان بن محمد المحمي.
روى عنه: السمعاني، وابن عساكر، وابن طبرزد، وطائفة.
وقدم دمشق غير مرة رسولًا.
مات في ربيع الأول، سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة، وله خمس وثمانون سنة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 272"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 116".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 155"، واللباب لابن الأثير 2/ 216 - 217"، ووفيات الأعيان "4/ 69 - 70"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 123".
4883 - ابن المعتمد
(1)
:
الواعظ الكبير المتكلم، أبو الفتوح، محمد بن الفضل الإسفراييني، المعروف بابن المعتمد.
كان رأسًا في الوعظ، فصيحًا، عذب العبارة، حلو الإيراد، ظريفًا، عالمًا، كثير المحفوظ، صوفي الشارة، جيد التصنيف.
ولد سنة أربع وسبعين وأربع مائة.
وسمع من أبي الحسن بن الأخرم، وشيرويه الديلمي.
روى عنه: السمعاني، وابن عساكر.
قال ابن النجار: كان من أفراد الدهر في الوعظ، دقيق الإشارة، وكان أوحد وقته في مذهب الأشعري، وله في التصوف قدم راسخ، صنف في الحقيقة كتبًا منها كتاب "كشف الأسرار"، وكتاب "بيان القلب"، وكتاب "بث السر"، وكل كتبه نكت وإشارات، ظهر له القبول التام ببغداد، وكان يتكلم بمذهب الأشعري، فثارت الحنابلة، فأمر المسترشد بإخراجه، فلما ولي المقتفي رجع إلى بغداد، وعاد فعادت الفتن، فأخرجوه إلى بلده.
قال ابن عساكر: هو أجرأ من رأيته لسانًا وجنانًا، وأكثرهم فيما يورد إعرابًا وإحسانًا، وأسرعهم جوابًا، وأسلسهم خطابًا، مع ما رزق بعد صحة العقيدة من الخصال الحميدة، وإرشاد الخلق، وبذل النفس في نصرة الحق
…
إلى أن قال: فمات مبطونًا شهيدًا غريبًا، لازمت مجلسه، فما رأيت مثله واعظًا.
قال ابن النجار: قرأت في كتاب أبي بكر المارستاني قال: حدثني قاضي القضاة أبو طالب بن الحديثي قال: مر بنا أبو الفتوح وحوله خلق، منهم من يصيح: لا نحرف ولا نصوب بل عبادة، فرجمه العوام حتى تراجموا بكلب ميت، وعظمت الفتنة، لولا قربها من باب النوبي، لهلك جماعة، فاتفق جواز عميد بغداد موفق الملك، فهرب من معه، فنزل، ودخل إلى بعض
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 154"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 118".
الدكاكين، وأغلقها، ثم اجتمع بالسلطان، فحكى له، فأمر بالقبض على أبي الفتوح وتسفيره إلى همذان، ثم إلى إسفرايين، وأشهد عليه أنه متى خرج منها، فدمه هدر.
قال السمعاني: أزعج عن بغداد، فأدركه الموت ببسطام في ثاني ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة، فدفن بجنب الشيخ أبي يزيد البسطامي.
قال ابن الجوزي في "المنتظم": قدم السلطان مسعود بغداد ومعه الحسن بن أبي بكر النيسابوري الحنفي، أحد المناظرين، فجالسته، فجلس بجامع القصر، وكان يلعن الأشعري جهرًا، ويقول: كن شافعيًا ولا تكن أشعريًا، وكن حنفيًا ولا تكن معتزليًّا، وكن حنبليًّا، ولا تكن مشبهًا، وكان على باب النظامية اسم الأشعري، فأمر السلطان بمحوه، وكتب مكانه: الشافعي، وكان الإسفراييني يعظ في رباطه، ويذكر محاسن مذهب الأشعري، فتقع الخصومات، فذهب الغزنوي، فأخبر السلطان بالفتن، وقال: إن أبا الفتوح صاحب فتنة، وقد رجم غير مرة، والصواب إخراجه، فأخرج، وعاد الحسن النيسابوري إلى وطنه، وقد كانت اللعنة قائمةً في الأسواق، وكان بين الإسفراييني وبين الواعظ أبي الحسن الغزنوي شنآن، فنودي في بغداد أن لا يذكر أحد مذهبًا.
قلت: لما سمع ابن عساكر بوفاة الإسفراييني أملى مجلسًا في المعنى، سمعناه بالاتصال، فينبغي للمسلم أن يستعيذ من الفتن، ولا يشغب بذكر غريب المذاهب لا في الأصول ولا في الفروع، فما رأيت الحركة في ذلك تحصل خيرًا، بل تثير شرًا وعداوةً ومقتًا للصلحاء والعباد من الفريقين، فتمسك بالسنة، والزم الصمت، ولا تخض فيما لا يعنيك، وما أشكل عليك فرده إلى الله ورسوله، وقف، وقل: الله ورسوله أعلم.
4884 - شريح بن محمد
(1)
:
ابن شريح بن أحمد بن محمد بن شريح بن يوسف بن شريح، الشيخ، الإمام الأوحد، المعمر، الخطيب، شيخ المقرئين والمحدثين، أبو الحسن الرعيني الإشبيلي المالكي، خطيب إشبيلية.
ولد في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وأربع مائة.
تلا على: والده العلامة أبي عبد الله بكتابه "الكافي" في السبع، وحمل عنه علمًا كثيرًا، وأجاز له مروياته أبو محمد بن حزم الظاهري.
وسمع "صحيح البخاري" من أبي عبد الله بن منظور صاحب أبي ذر الهروي، وسمع من: علي بن محمد الباجي، وأبي محمد بن خزرج، وطائفة.
قال أبو الوليد بن الدباغ: له إجازة من ابن حزم، أخبرني بذلك ثقة نبيل من أصحابنا أنه أخبره بذلك، ولا أعلم في شيوخنا أحدًا عنده عن ابن حزم غيره، وقد سألته: هل أجاز له ابن حزم? فسكت، وأحسبه سكت عن ابن حزم لمذهبه.
قلت: وعاينت في سفينة تواليف لابن حزم بخط السلفي وقد كتب: كتب إلي أبو الحسن شريح بن محمد قال: كتب إلينا أبو محمد بن حزم.
قال الحافظ خلف بن بشكوال: كان أبو الحسن من جلة المقرئين، معدودًا في الأدباء والمحدثين، خطيبًا بليغًا، حافظًا محسنًا فاضلًا، مليح الخط، واسع الخلق، سمع منه الناس كثيرًا، ورحلوا إليه، واستقضي ببلده، ثم صرف عن القضاء، لقيته في سنة ست عشرة، فأخذت عنه.
وقال اليسع بن حزم: هو إمام في التجويد والإتقان، علم من أعلام البيان، بذ في صناعة الإقراء، وبرز في العربية مع علم الحديث وفقه الشريعة، كان إذا صعد المنبر حن إليه جذع الخطابة، وسمع له أنين الاستطابة، مع خشوع ودموع، رحلت إليه عام أربعة وعشرين، فحملت عنه.
قلت: وحدث عنه: أبو بكر محمد بن خير اللمتوني، ومحمد بن خلف بن صاف، ومحمد بن جعفر بن حميد البلنسي، وأبو بكر بن الجد الفهري، ومحمد بن إبراهيم بن الفخار، ومحمد بن يوسف بن مفرج الباقي بتلمسان إلى سنة ست مائة، وأحمد بن علي الحصار، وإبراهيم بن محمد بن ملكون النحوي، ونجبة بن يحيى، وأبو محمد بن عبيد الله الحجري، وخلق، آخرهم: عبد الرحمن بن علي الزهري الذي حدث عنه بصحيح البخاري في سنة " (613) ".
وتلا عليه بالسبع عدد كثير، منهم أبو العباس أحمد بن محمد بن مقدام الرعيني، ومحمد بن علي بن حسنون الكتامي، وماتا في سنة أربع وست مائة، ومحمد بن عبد الله بن الغاسل، وآخر من روى عنه في الدنيا بالإجازة أبو القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن بقي البقوي الباقي إلى سنة خمس وعشرين وست مائة.
مات شريح في الثالث والعشرين من جمادى الأولى، سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، وكانت جنازته مشهودةً.
وفيها مات: رئيس الشافعية أبو منصور سعيد بن محمد بن الرزاز البغدادي مدرس النظامية.
(1)
ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 234 - 235"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 276"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 122".
البديع، الزيدي:
4885 - البديع
(1)
:
الإمام المحدث المتقن الفقيه، مفيد همذان، أبو علي أحمد بن سعد بن علي بن الحسن بن القاسم بن عنان العجلي الهمذاني، المعروف بالبديع.
ولد سنة ثمان وخمسين.
وسمعه أبوه، ثم طلب بنفسه، ورحل وجمع.
سمع من: أبي الفرج علي بن محمد بن عبد الحميد كتاب "المتحابين" لابن لال، وسمع من بكر بن حيد، ويوسف بن محمد الهمذاني، والشيخ أبي إسحاق لما مر بهم، وسمع بأصبهان من سليمان الحافظ، والرئيس الثقفي، وببغداد من أبي الغنائم بن أبي عثمان.
حدث عنه: ابن عساكر، وابن السمعاني، وابن الجوزي.
قال أبو سعد: إمام ثقة، جليل القدر، واسع الرواية، له نظم.
وقال شيرويه: فاضل، يرجع إلى علوم فقه وأدب، وحدث ووعظ.
توفي في رجب سنة خمس وثلاثين وخمس مائة، وقبره يزار.
4886 - الزيدي
(2)
:
الشيخ العلامة المقرئ النحوي، عالم الكوفة، وشيخ الزيدية، أبو البركات، عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن يحيى بن الحسين بن الشهيد زيد بن علي، العلوي الزيدي الكوفي الحنفي، إمام مسجد أبي إسحاق السبيعي.
(1)
سبقت ترجمته في الجزء الرابع عشر برقم ترجمة عام "4855"، وبتعليقنا رقم "554".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 161"، واللباب لابن الأثير "2/ 86"، وميزان الاعتدال "3/ 181"، ولسان الميزان "4/ 280 - 281" والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 276"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 122 - 123".
ولد سنة اثنتين وأربعين وأربع مائة.
وله إجازة من محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي، تفرد بها.
وسمع: أبا بكر الخطيب، وأبا الحسين بن النقور، وابن البسري، وأبا الفرج بن علان، وأبا القاسم بن المنثور الجهني، ومن محمد بن الحسن الأنماطي.
وسكن الشام مدة.
وأخذ العربية عن أبي القاسم زيد بن علي الفارسي.
حدث عنه: السمعاني، وابن عساكر، وأبو موسى، وعدة.
وتلا عليه بالقراءات يعيش بن صدقة.
قال السمعاني: شيخ كبير، له معرفة بالفقه والحديث واللغة والتفسير والنحو، وله التصانيف في النحو، وهو فقير قانع باليسير، سمعته يقول: أنا زيدي المذهب، لكني أفتي على مذهب السلطان.
وحكى الحافظ ابن عساكر، عن شيخ حدثه، عن أبي البركات أنه يقول بالقدر وبخلق القرآن.
توفي في شعبان سنة 539.
4887 - ابن عبد السلام
(1)
:
الشيخ العالم، المحدث المسند، أبو الحسن، علي بن هبة الله بن عبد السلام بن عبد الله بن يحيى، البغدادي الكاتب.
ولد سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة.
وسمع: أبا محمد الصريفيني، وأبا الحسين بن النقور، وأبا القاسم بن البسري، وأبا منصور العكبري، والحافظ الأمير أبا نصر بن ماكولا، وعدة.
وعنه: ابن عساكر، وابن السمعاني، وبزغش مولى ابن حمدي، وإسحاق بن علي البقال، وأبو شجاع محمد بن المقرون، والمبارك بن المبارك الحداد، والوزير يحيى بن زبادة، ويحيى بن ياقوت، وعمر بن طبرزد، وزيد بن الحسن الكندي، وسليمان بن الموصلي، ويوسف بن أبي حامد الأرموي، وخلق.
قال السمعاني: شيخ كبير، من بيت الرئاسة والتقدم، واسع الرواية، صاحب أصول حسنة مليحة، سمع بنفسه، وأكثر، ونقل وجمع، أكثر سماعه بقراءة ابن الخاضبة، قرأت عليه الكثير، وكان ينحدر إلى واسط من جهة الخليفة على الأعمال التي بها، مات في سابع رجب، سنة تسع وثلاثين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 163"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 276"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 122".
4888 - فاطمة بنت البغدادي
(1)
:
الشيخة العالمة الواعظة الصالحة المعمرة، مسندة أصبهان، أم البهاء، فاطمة بنت محمد بن أبي سعد أحمد بن الحسن بن علي بن البغدادي الأصبهاني.
مولدها بعد الأربعين وأربع مائة.
وسمعت من: أحمد بن محمود الثقفي، وإبراهيم بن منصور سبط بحرويه، وأبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي المقرئ، وسعيد بن أبي سعيد العيار.
وعمرت، وتفردت بأشياء.
حدث عنها: السمعاني، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، ومحمد بن أبي طالب بن شهريار، وعبد اللطيف بن محمد الخوارزمي، ومحمد بن محمد بن محمد الراراني، وجعفر بن محمد آيوسان، وابن بنتها داود بن معمر.
قال السمعاني: شيخة، معمرة، مسندة، وأرخ مولدها.
وقال أبو موسى: توفيت في الخامس والعشرين من رمضان سنة تسع وثلاثين وخمس مائة. قال: ولها قريب من أربع وتسعين سنة.
4889 - أكز:
واقف المدرسة الأكزية بدمشق، حسام الدين الحاجب.
من كبراء أمراء دمشق.
أمسك في سنة ثمان وثلاثين، وسملت عيناه، وسجن، وأخذت أمواله.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 123".
4890 - ابن طراد
(1)
:
الوزير الكبير، أبو القاسم، علي بن النقيب الكامل أبي الفوارس طراد بن محمد بن علي، الهاشمي، العباسي، الزينبي، البغدادي. مر أبوه وأعمامه.
ولد سنة اثنتين وستين وأربع مائة.
سمع من أبيه، وعميه؛ أبي نصر وأبي طالب، وأبي القاسم بن البسري، ورزق الله التميمي، وابن طلحة النعالي، ونظام الملك، وعدة.
وأجاز له أبو جعفر بن المسلمة.
روى الكثير.
وحدث عنه: أبو أحمد بن سكينة، وأبو سعد السمعاني، وأبو القاسم ابن عساكر، وعبد الرحمن بن أحمد بن عصية، وطائفة سواهم.
وكان يصلح لإمرة المؤمنين، ولي أولًا نقابة العباسيين بعد والده، وعظم شأنه إلى أن وزر للمسترشد سنة (523)، فقلد أخاه أبا الحسن محمد بن طراد النقابة، ثم في شعبان سنة ست وعشرين قبض على الوزير علي، وحبس، واحتيط على أمواله ونائبه، وأقاموا في نيابة الوزارة محمد بن الأنباري، ثم أطلق بعد أربعة أشهر، وقرر عليه مال يزنه، ووزر أنوشروان قليلًا، ثم أعيد ابن طراد إلى الوزارة سنة ثمان وعشرين، وزيد في تفخيمه.
ثم سار في خدمة المسترشد لحرب مسعود بن محمد بن ملكشاه، فلما قتل المسترشد قبضوا على الوزير، ثم توجه مسعود بجيشه إلى بغداد ومعه الوزير أبو القاسم، فوصل الوزير سالمًا، وقد هرب الراشد بالله ولد المسترشد إلى الموصل، فدبر الوزير في خلعه، وبايع المقتفي، فاستوزره، وعظم ملكه، فلم يزل على الوزارة إلى أن هرب إلى دار السلطان مستجيرًا بها لأمر خافه، وناب في الوزارة قاضي القضاة الزينبي، وذلك في سنة أربع وثلاثين، ثم استوزر المقتفي ابن جهير، ثم قدم السلطان مسعود بغداد سنة ست وثلاثين، ولزم ابن طراد بيته إلى أن توفي.
قال السمعاني: كان علي بن طراد صدرًا مهيبًا وقورًا، دقيق النظر، حاد الفراسة، عارفًا بالأمور السنية العظام، شجاعًا، جريئًا، خلع الراشد، وجمع الناس على خلعه ومبايعة المقتفي في يوم، ثم إن المقتفي تغير رأيه فيه، وهم بالقبض عليه، فالتجأ إلى دار السطان، فلما قدم السلطان أمر بحمله إلى داره مكرمًا، فاشتغل بالعبادة، وكان كثير التلاوة والصلاة، دائم البشر، له إدرار على القراء والزهاد، قرأت عليه الكثير، وكان يكرمني غاية الإكرام، وأول ما دخلت عليه في وزارته قال: مرحبًا بصنعة لا تنفق إلَّا عند الموت.
قال أحمد بن صالح الجيلي: مات الوزير شرف الدين علي بن طراد في مستهل رمضان سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة، وشيعه وزير الوقت أبو نصر ابن جهير وخلائق، رحمه الله.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 151"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 273 - 274" وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 117".
4891 - الزمخشري
(1)
:
العلامة، كبير المعتزلة، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد، الزمخشري الخوارزمي النحوي، صاحب "الكشاف" و"المفصل".
رحل، وسمع ببغداد من نصر بن البطر وغيره.
وحج، وجاور، وتخرج به أئمة.
ذكر التاج الكندي أنه رآه على باب الإمام أبي منصور بن الجواليقي.
وقال الكمال الأنباري: لما قدم الزمخشري للحج، أتاه شيخنا أبو السعادات بن الشجري مهنئًا بقدومه، وقال:
كانت مساءلة الرّكبان تخبرني
…
عن أحمد بن عليّ أطيب الخبر
حتّى التقينا فلا واللّه ما سمعت
…
أُذني بأحسن ممّا قد رأى بصري
وأثنى عليه، ولم ينطق الزمخشري حتى فرغ أبو السعادات، فتصاغر له، وعظمه، وقال: إن زيد الخيل دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع صوته بالشهادتين، فقال له:"يا زيد! كل رجل وصف لي وجدته دون الصفة إلَّا أنت، فإنك فوق ما وصفت وكذلك الشريف"، ودعا له، وأثنى عليه.
قلت: روى عنه بالإجازة أبو طاهر السلفي، وزينب بنت الشعري.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 156"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمته 711"، واللباب لابن الأثير "2/ 74"، وميزان الاعتدال "4/ 78"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1283". والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 274"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 118 - 121".
وروى عنه أناشيد إسماعيل بن عبد الله الخوارزمي، وأبو سعد أحمد ابن محمود الشاشي، وغيرهما.
وكان مولده بزمخشر -قرية من عمل خوارزم- في رجب سنة سبع وستين وأربع مائة.
وكان رأسًا في البلاغة والعربية والمعاني والبيان، وله نظم جيد.
قال السمعاني: أنشدنا إسماعيل بن عبد الله، أنشدني الزمخشري لنفسه يرثي أستاذه أبا مضر النحوي:
وقائلةٍ ما هذه الدّرر التي
…
تساقطها عيناك سمطين سمطين
فقلت هو الدرّ الذي قد حشا به
…
أبو مضرٍ أُذني تساقط من عيني
أنبأني عدة عن أبي المظفر بن السمعاني، أنشدنا أحمد بن محمود القاضي بسمرقند، أنشدنا أستاذي محمود بن عمر:
ألا قل لسعدى ما لنا فيك من وطر
…
وما تطّيبنا النّجل من أعين البقر
فإنّا اقتصرنا بالذين تضايقت
…
عيونهم والله يجزي من اقتصر
مليحٌ ولكن عنده كلّ جفوةٍ
…
ولم أر في الدّنيا صفاءً بلا كدر
ولم أنس إذ غازلته قرب روضةٍ
…
إلى جنب حوض فيه للماء منحدر
فقلت له جئني بوردٍ وإنّما
…
أردت به ورد الخدود وما شعر
فقال انتظرني رجع طرفٍ أجئ به
…
فقلت له هيهات ما فيّ منتظر
فقال ولا وردٌ سوى الخدّ حاضرٌ
…
فقلت له إنّي قنعت بما حضر
قلت: هذا شعر ركيك لا رقيق.
قال ابن النجار: قرأت على زينب بنت عبد الرحمن بنيسابور، عن الزمخشري، أخبرنا ابن البطرة، فذكر حديثًا من "المحامليات".
قال السمعاني: برع في الآداب، وصنف التصانيف، ورد العراق وخراسان، ما دخل بلدًا إلَّا واجتمعوا عليه، وتلمذوا له، وكان علامةً نسابةً، جاور مدةً حتى هبت على كلامه رياح البادية. مات ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة.
وقال ابن خلكان: له "الفائق" في غريب الحديث، و"ربيع الأبرار"، و"أساس البلاغة"، و"مشتبه أسامي الرواة"، وكتاب "النصائح"، و"المنهاج في الأصول"، و"ضالة الناشد".
قيل: سقطت رجله، فكان يمشي على جاون خشب، سقطت من الثلج.
وكان داعيةً إلى الاعتزال، الله يسامحه.
4892 - البحيري
(1)
:
الشيخ الثقة الصالح، مسند نيسابور، أبو بكر، عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد، البحيري النيسابوري.
ولد سنة ثلاث وخمسين وأربع مائة.
سمع أبا بكر البيهقي، وأحمد بن منصور المغربي، والإمام أبا القاسم القشيري، ووالده، وعمه عبد الحميد، وإسماعيل بن عبد الرحمن الميكالي، وأبا سهل الحفصي، وعدة.
وتفرد بسماع "المتفق والمفترق" للجوزقي عن المغربي.
حدث عنه: السمعاني، ومحمد بن فضل الله السالاري، والمؤيد ابن محمد الطوسي، وآخرون.
وأجاز لعبد الرحيم بن السمعاني.
وهو من بيت رواية ودين.
مات في جمادى الأولى سنة أربعين وخمس مائة.
ومات أبوه العدل الجليل أبو الحسن عبد الله بعد الستين وأربع مائة.
يروي عن أبي نعيم عبد الملك الإسفراييني وجماعة.
يروي عنه: زاهر الشحامي في "مشيخته".
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 125 - 126".
الطبقة التاسعة والعشرون:
4893 - سعد الخير
(1)
:
الشيخ الإمام، المحدث المتقن، الجوال الرحال، أبو الحسن، سعد الخير بن محمد بن سهل بن سعد الأنصاري، الأندلسي، البلنسي، التاجر.
سار من الأندلس إلى إقليم الصين، فتراه يكتب: سعد الخير الأندلسي، الصيني.
وكان من الفقهاء العلماء.
سمع ببغداد من طراد الزينبي، وابن طلحة النعالي، وابن البطر، وطبقتهم، وبأصبهان أبا سعد المطرز وطائفة، وبالدون من عبد الرحمن بن حمد.
ثم سمع بنته فاطمة من فاطمة الجوزدانية كثيرًا، وهي حاضرة، وسمعها ببغداد من أصحاب الجوهري، وحصل الكتب الجيدة، ثم استقر ببغداد.
حدث عنه: ابن عساكر، والسلفي، والسمعاني، والمديني، وعبد الخالق بن أسد، وابن الجوزي، والكندي، وابنته فاطمة، وزوجها علي بن نجا الواعظ.
وتفقه على الغزالي.
وقرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي.
مات يوم عاشوراء سنة إحدى وأربعين وخمس مائة.
وثقه ابن الجوزي وغيره.
ذكر السمعاني أنه حمل إلى قاضي المرستان يسير عود، فدفعه إلى جارية القاضي، فلم تعرفه به لقلته. قال: فجاء، وقال: يا سيدنا، وصل العود? قال: لا. قال: دفعته إلى الجارية، فسألها عنه، فاعتلت بقلته، وأحضرته، فرماه القاضي، وقال: لا حاجة لنا فيه. ثم إن سعد الخير طلب منه أن يسمع ولده جابرًا جزء الأنصاري، فحلف أن لا يحدثه به إلَّا بخمسة أمناء عودًا، فبقي يلح على القاضي أن يكفر يمينه، فما فعل، ولا هو حمل شيئًا.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 176"، واللباب لابن الأثير "1/ 176"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 128".
4894 - ابن الإخوة:
الشيخ الجليل، أبو العباس، أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الإخوة البغدادي العطار الوكيل، جد المؤيد بن الإخوة.
سمع: أبا القاسم بن البسري، وغيره، وتفرد بـ"المجتنى" لابن دريد عن أبي منصور العكبري.
روى عنه: السمعاني، وطائفة خاتمتهم الفتح بن عبد السلام.
وعاش ستًا وثمانين سنة.
قال أبو سعد السمعاني: شيخ بهي، حسن المنظر، خير، متقرب إلى أهل الخير، وهو أبو شيخينا عبد الرحيم وعبد الرحمن.
توفي في خامس رمضان سنة إحدى وأربعين وخمس مائة.
4895 - شيخ الشيوخ
(1)
:
الشيخ الصالح، أبو البركات، إسماعيل بن أبي سعد أحمد بن محمد بن دوست، النيسابوري.
ولد سنة (465) ببغداد.
فسمع من أبي القاسم عبد العزيز بن علي الأنماطي، وعلي بن البسري، وأبي نصر الزينبي، ورزق الله، وجماعة.
وعنه: ابناه عبد الرحيم وعبد اللطيف، وأبو القاسم بن عساكر، والسمعاني، وعبد الخالق بن أسد، وأبو أحمد بن سكينة وهو سبطه، وسليمان الموصلي، وأحمد بن الحسن العاقولي.
قال السمعاني: وقور مهيب، على شاكلة حميدة، ما عرفت له هفوةً، قرأت عليه الكثير، وكنت نازلًا برباطه.
قال ابن النجار: سمعت ابن سكينة يقول: كنت حاضرًا لما احتضر، فقالت له أمي: يا سيدي ما تجد? فما قدر على النطق، فكتب على يدها:{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 89]، ثم مات.
قلت: مات في عاشر جمادى الآخرة، سنة إحدى وأربعين وخمس مائة، وعملوا لموته وليمةً بنحو ثلاث مائة دينار.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 174"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 280" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 128".
4896 - شافع
(1)
:
ابن عبد الرشيد، العلامة أبو عبد الله الجيلي، ثم الكرخي، من كبار أئمة الشافعية.
رحل، وتفقه على الغزالي، وإلكيا.
وسمع بالبصرة من القاضي أبي عمر النهاوندي.
وتصدر للعلم ببغداد.
روى عنه السمعاني.
مات في المحرم، سنة إحدى وأربعين وخمس مائة، وهو في عشر الثمانين.
4897 - ابن الآبنوسي
(2)
:
الفقيه المفتي العابد، أبو الحسن، أحمد بن الإمام المحدث أبي محمد عبد الله بن علي بن الآبنوسي، البغدادي الشافعي الوكيل.
ولد سنة ست وستين وأربع مائة.
سمع: أبا القاسم بن البسري، وإسماعيل بن مسعدة، وأبا نصر الزينبي، وعدة، وتفق على قاضي القضاة الحموي.
ونظر في الكلام والاعتزال، ثم لطف الله به، وصار من أهل السنة والمتابعة، وكان يدري المذهب والفرائض والخلاف والشروط، ثقةً زاهدًا مصنفًا ذكارًا، متألهًا، مؤثرًا للانقطاع.
روى عنه: السمعاني، وابن عساكر، والكندي، وسليمان الموصلي، وآخر من روى عنه بنته شرف النساء.
مات في ثامن ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة.
ومات أبوه بعد الخمس مائة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 177".
(2)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 185"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1294"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 130".
4898 - ابن الأشقر
(1)
:
أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الواحد، الدلال البغدادي ابن الأشقر.
سمع: أبا الحسين بن المهتدي بالله، وابن هزارمرد الصريفيني.
وعنه: السمعاني، وأبو اليمن الكندي، وترك بن محمد العطار، وأحمد بن الأصفر، وعبد الملك بن أبي الفتح، وعدة.
صالح خير، صحيح السماع.
مات في صفر، سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة.
4899 - ابن أخت الطويل
(2)
:
الشيخ الصالح المعمر، مسند همذان، أبو بكر، هبة الله بن الفرج، الهمذاني ابن أخت الطويل.
ولد سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة.
وسمع من: أبي القاسم يوسف بن محمد الخطيب، وأبي الفضل القومساني الإمام، وأبي الحسن علي بن محمد البجلي الجريري، وبكر ابن حيد، وسفيان بن الحسين بن فنجويه، وعبدوس بن عبد الله، وطائفة.
روى عنه: الحافظ أبو العلاء العطار، وأولاده؛ أحمد، وعبد الغني وواثلة، والمؤيد بن الإخوة، والسمعاني، وابن عساكر، وعدة.
وأجاز -فيما قيل لعبد الخالق النشتبري.
وكان من خيار الشيوخ.
كان الحافظ أبو العلاء يقول: هو أحب إلي من كل شيخ بهمذان.
وأثنى عليه السمعاني في "تحبيره"، وذكر مولده سنة اثنتين، وقال لأبي العلاء: إنه ولد سنة ثلاث وخمسين. فمن مسموعاته "السنن" من البجلي، أخبرنا أبو بكر بن لال، عن ابن داسة، عن أبي داود. وحدث به، فسمعه منه أحمد وعاتكة ولدا الحافظ أبي العلاء. ومن سماعاته "مكارم الأخلاق" لابن لال، سمعه من البجلي عنه.
توفي في شعبان سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة، عن تسعين سنة.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 186"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 131".
(2)
ترجمته في التحبير للسمعاني "2/ 362 - 364".
4900 - الدومي
(1)
:
الشيخ الجليل، أبو الفتح، مفلح بن أحمد بن محمد بن عبيد الله بن علي، الدومي، ثم البغدادي، الوراق.
مولده سنة سبع وخمسين وأربع مائة.
سمع أبا بكر الخطيب، وابن هزارمرد الصريفيني، وأبا الحسين بن النقور، وعلي بن البسري.
وعنه: ابن عساكر، وأبو سعد السمعاني، وعمر بن طبرزد، ويوسف بن المبارك، وأبو محمد بن الساوي، وترك بن محمد العطار.
قال السمعاني: كتبت عنه الكثير، وكان شيخًا لا بأس به، كان يعقد في قطيعة الفقهاء بالكرخ، ويكتب الرقاع بالأجرة، وسمعت أنه جمع مالًا كثيرًا، ودفنه، فورثه ولده منجح، كان حريصًا، توفي في ثاني عشر المحرم، سنة سبع وثلاثين وخمس مائة.
قلت: وولده منجح بن مفلح، يروي عن ابن البطر ونحوه. توفي بعد سنة خمسين وخمس مائة.
وحفيده مصلح بن منجح بن مفلح، سمع هبة الله بن الطبر وغيره. روى عنه إلياس بن جامع.
ومات مع مفلح أبو عبد الله الحسين بن علي سبط الخياط، وأبو الفتح عبد الله بن محمد بن البيضاوي، وأبو طالب علي بن عبد الرحمن الصوري، وأمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، والعلامة عمر ابن محمد بن أحمد بن لقمان النسفي، وكوخان طاغية الترك والخطا، والخطيب أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المهتدي بالله، والقاضي المنتجب أبو المعالي محمد بن الزكي يحيى القرشي بدمشق.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 273"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 116".
4901 - الشريك:
الإمام المسند، أبو عمرو، عثمان بن محمد بن أحمد، البلخي.
سمع أباه، وإبراهيم بن محمد بن سليمان الوراق، والحافظ أبا علي الوخشي، ومحمد بن عبد الملك الماسكاني، وأبا سعيد الخليل بن أحمد السجزي، وطائفةً.
قال السمعاني: كان فاضلًا، حسن السيرة من أهل العلم، مكثرًا من الحديث، معمرًا، كتب إلي بمروياته، يروي "الموطأ" عن عبد الوهاب بن أحمد الحديثي، عن زاهر بن أحمد السرخسي، ويروي "تفسير أبي الليث السمرقندي"، عن الوخشي، عن تميم بن زرعة، عنه، وروى عن الوخشي "سنن أبي داود"، وعدة تفاسير
…
إلى أن قال: توفي ببلخ في جمادى الأولى، سنة سبع وثلاثين وخمس مائة.
4902 - ابن الصباغ
(1)
:
العدل الصدوق العالم، أبو القاسم، علي بن العلامة شيخ الشافعية أبي نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن الصباغ البغدادي.
سمع أباه، وأبا محمد الصريفيني، وطرادًا الزينبي.
حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، والسمعاني، وحمزة بن القبيطي، وعبد اللطيف بن أبي النجيب، وزاهر بن رستم، ويوسف بن الخفاف، وأحمد بن الحسن العاقولي، وسليمان الموصلي، وأخوه محمد بن علي، وعبد المجيد بن العلاء.
قال ابن النجار: كان من المعدلين ببغداد.
قال السمعاني: شيخ، ثقة، صالح، صدوق، حسن السيرة، قال لي: ولدت في آخر سنة إحدى وستين.
وقال أحمد بن صالح الجيلي: توفي في جمادى الأولى، سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة، وتبعه خلق عظيم، وكان شيخ الوقت، بقي نيفًا وخمسين سنة شاهدًا، وهو آخر من روى ببغداد كتاب "ابن مجاهد" في القراءات.
قال: وكان شيخًا حسنًا فاضلًا محترمًا، مقدمًا لدينه وعلمه وبيته.
وفيها مات أحمد بن عبد الله بن علي بن الآبنوسي، وأبو جعفر البطروجي، وأبو جعفر بن الباذش المقرئ، وأبو بكر أحمد بن علي ابن الأشقر، ودعوان بن علي المقرئ، وعمر بن ظفر المغازلي، ومحمد بن أحمد بن أبي الفتح الطرائفي، والقاضي أبو عبد الله الجلابي، والفقيه نصر الله بن محمد المصيصي، وهبة الله بن الفرج ابن أخت الطويل، وأبو السعادات هبة الله بن علي بن الشجري النحوي.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 131".
4903 - ابن الرزاز
(1)
:
شيخ الشافعية، أبو منصور، سعيد بن محمد بن عمر بن الرزاز، الشافعي البغدادي، مدرس النظامية.
تفقه بالغزالي، وأبي سعد المتولي، وإلكيا الهراسي، وأبي بكر الشاشي، وأسعد الميهني.
وسمع من رزق الله التميمي، وجماعة.
وتصدر، وأفاد، وكان ذا وقار وسمت وحرمة تامة، ولي تدريس النظامية مدة، ثم عزل. وتخرج به الأصحاب.
روى عنه: السمعاني، وعبد الخالق بن أسد، وطائفة.
مات في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، وصلى عليه ولده أبو سعد، وعاش سبعًا وسبعين سنة.
4904 - الدهان:
المحدث الصالح، أبو نصر، عبيد الله بن أبي عاصم عبد الله بن أبي الفضل، الهروي الصوفي الدهان، صاحب شيخ الإسلام.
سمع: أبا عاصم الفضيل بن يحيى، ومحمد بن أبي مسعود الفارسي، ولازم شيخ الإسلام مدةً.
روى عنه سبطه أبو روح الهروي، وهو الذي حرص عليه، وسمعه الكثير.
وروى عنه ابن السمعاني، وبالإجازة ابنه عبد الرحيم، وابن الجوزي، وابن بوش.
توفي سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، وقد قارب الثمانين.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 158"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 276"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 122".
4905 - عمر بن ظفر
(1)
:
ابن أحمد، الإمام، مفيد بغداد، أبو حفص الشيباني المغازلي المقرئ.
تلا بالروايات الكثيرة على أحمد بن أبي الأشعث السمرقندي، وغيره.
تلا عليه يحيى بن أحمد الأواني بالسبع.
وكان مولده في سنة إحدى وستين وأربع مائة.
وسمع من: أبي القاسم علي بن البسري، ومالك البانياسي، وطراد الزينبي، والنعالي، وخلق، حتى كتب عن ابن الحصين وذويه.
وروى عنه: ابن السمعاني، وابن عساكر، وابن الجوزي، وأبو اليمن الكندي، وابن سكينة، ويوسف بن كامل، وعلي بن محمود القطان، وآخرون.
ونسخ شيئًا كثيرًا، وعني بالرواية، مع الخير والصلاح والعلم، وقد ختم عليه بمسجده خلق كثير.
قال السمعاني: هو شيخ صالح، حسن السيرة، صحب الأكابر، وخدمهم، قيم بكتاب الله، ختم عليه خلق، كتبت عنه الكثير، وأظهر المبارك بن كامل سماعه في السادس من انتقاء ابن أبي الفوارس على المخلص على ورقة عتيقة من علي بن البسري، فشنع أبو القاسم بن السمرقندي عليه، وقال: ما سمع من البسري شيئًا، وسن عمر محتمل.
توفي في حادي عشر شعبان، سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 131".
4906 - ظاهر بن أحمد:
أبو القاسم البغدادي المساميري البزاز، الرجل الصالح.
سمع: رزق الله التميمي، وطرادًا الزينبي، وابن البطر.
وعنه: السمعاني، ويوسف بن المبارك، ومحمد بن علي القبيطي.
توفي في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وخمس مائة.
4907 - الجلابي
(1)
:
القاضي أبو عبد الله، محمد بن علي بن محمد بن محمد بن الطيب ابن الجلابي -بالضم- الواسطي، المالكي، المغازلي، المعدل، الشروطي.
ولد سنة سبع وخمسين وأربع مائة.
وسمعه أبوه من: أبي الحسن محمد بن محمد بن مخلد الأزدي، والحسن بن أحمد الغندجاني، وأبي علي إسماعيل بن محمد بن كماري، وأبي يعلى علي بن عبيد الله بن العلاف، وأبي منصور محمد بن محمد العكبري لما قدم واسطًا، وسمع ببغداد من الحميدي، وله إجازة من أبي غالب بن الخالة اللغوي، وأبي بكر الخطيب، وأبي تمام علي بن محمد صاحب ابن المظفر، وتفرد بأشياء.
قال السمعاني: شيخ متودد، حسن المجالسة، ينوب عن قاضي واسط، انحدرت إليه، وسمعت منه الكثير، من ذلك مسند الخلفاء الراشدين لأحمد بن سنان، والبر والصلة لابن المبارك، وحدث ببغداد بعد سنة عشرين وخمس مائة، وكان شيخنا أحمد بن الأغلاقي يرميه بأنه ادعى سماع شيء لم يسمعه، وأما ظاهره، فالصدق والأمانة، وهو صحيح السماع والأصول.
قلت: حدث عنه: الحسن بن مكي المرندي، وأبو المظفر علي ابن نغوبا، ويحيى بن الربيع الفقيه، ويحيى بن الحسين الأواني، وأبو المكارم علي بن عبد الله بن الجلخت، وأبو بكر أحمد بن صدقة الغرافي، وأبو الفتح محمد بن أحمد المندائي.
وكان أبو الفتح يغلط، ويقول: الجلابي بالفتح، فأنا رأيته بالضم بخط والده في تاريخ واسط وكذا قيده ابن نقطة وغيره. مات في رمضان سنة " (542) ".
(1)
ترجمته في لسان الميزان "5/ 293"، وتبصير المنتبه "1/ 380"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 131".
4908 - ابن المختار
(1)
:
الشيخ الجليل، مسند وقته، أبو تمام، أحمد بن الشيخ أبي العز محمد بن المختار بن محمد بن عبد الواحد بن المؤيد بالله، العباسي البغدادي التاجر الجوال، ويعرف بابن الخص.
ولد في حدود سنة خمسين وأربع مائة.
وسمع أبا جعفر بن المسلمة، فكان آخر من روى بخراسان صفة المنافق للفريابي عنه، وسمع أيضًا أبا نصر الزينبي.
روى عنه: السمعاني، وابنه عبد الرحيم، والقاسم بن عبد الله الصفار، وإسماعيل القاري، وآخرون.
توفي بنيسابور بعد أن أكثر من التجارة بالبحار والهند والترك في خامس ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة.
4909 - الطرائفي
(2)
:
المعمر، أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن أبي الفتح الحسن، البغدادي الطرائفي.
سمع "صفة المنافق" من ابن المسلمة، وأجاز له هو والخطيب، وعبد الصمد بن المأمون. آخر من روى عنه الفتح بن عبد السلام.
مات في ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة عن إحدى وتسعين سنة.
روى عنه: حمزة بن القبيطي، وأخوه، وزاهر بن رستم، وأحمد بن الحسن العاقولي.
4910 - ابن الداية
(3)
:
محمد بن علي، ابن الداية البغدادي.
سمع منه الفتح "صفة المنافق" بعد الأربعين وخمس مائة بسماعه من أبي جعفر بن المسلمة.
يكنى أبا غالب، عاش سبعًا وثمانين سنة.
روى عنه: السمعاني، وحمزة محمد ابنا علي بن القبيطي، وسليمان الموصلي.
توفي في محرم سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة.
قال ابن النجار: هو أبو غالب، لا يعرف اسم جده، كان أبوه فراشًا في بيت رئيس الرؤساء، وأمه داية لهم، فربي معهم، وسمع مع الأولاد على أبي جعفر بن المسلمة، وعمر، وسمع منه الحفاظ والكبار، وكان يكبر في الجامع خلف الخطيب، وكان سماعه صحيحًا.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 201"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 135".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 194".
(3)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 206"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1297".
4911 - ابن الرماك
(1)
:
مام النحو، أبو القاسم، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن عيسى، الأموي الإشبيلي، قل أن ترى العيون مثله.
أقرأ كتاب سيبويه، وتخرج به أئمة.
أخذ عن أبي عبد الله بن أبي العافية، وأبي الحسن بن الأخضر.
حمل عنه: أبو بكر بن خير، وأبو إسحاق بن ملكون، وأبو بكر بن طاهر الخدب.
توفي كهلًا، سنة إحدى وأربعين وخمس مائة.
4912 - الغنوي
(2)
:
لإمام، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن محرز، الغنوي الرقي، الفقيه الشافعي الصوفي. مولده سنة تسع وخمسين وأربع مائة.
سمع: رزق الله التميمي، وعبد المحسن الشيحي، ومحمد بن بكران الشامي، والحميدي، وعدةً.
وقدم الخطيب أبو القاسم يحيى بن طاهر بن محمد بن سيد الخطباء عبد الرحيم بن نباتة في سنة أربع وثمانين وافدًا على النظام الوزير، فقال: إن ديوان الخطب سماعي من أبي، عن جدي، ولم يكن معه نسخة، فقرأ عليه الغنوي من نسخة جديدة لا سماع عليها.
وقد تفقه على الغزالي، وأبي بكر الشاشي. وكتب كثيرًا.
قال ابن الجوزي: رأيته وله سمت وصمت، وعليه وقار وخشوع.
قلت: روى عنه: السمعاني، وأبو اليمن الكندي، وأبو حفص بن طبرزد، وآخرون.
مات ببغداد في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة. وكان صدوقًا.
(1)
ترجمته في بغية الوعاة للسيوطي "2/ 86".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 200"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1297"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 135".
4913 - ابن الوزير
(1)
:
لحافظ المفيد، أبو علي، الحسن بن مسعود، ابن الوزير الدمشقي.
وزر جده حسن الخوارزمي لتتش صاحب دمشق.
وهذا طلب العلم، ورحل في الحديث.
وتفقه لأبي حنيفة. وسكن مرو، وسمع الكثير، وأكثر عن فاطمة الجوزدانية.
قال السمعاني: حافظ فطن، له معرفة بالحديث والأنساب، قال لي: إنه ولد في صفر سنة ثمان وتسعين وأربع مائة، ومات بمرو في المحرم سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة.
قلت: وله نظم جيد وفضائل.
4914 - الجورقاني
(2)
:
لإمام الحافظ الناقد، أبو عبد الله، الحسين بن إبراهيم بن الحسين ابن جعفر، الهمذاني الجورقاني. وجورقان: من قرى همذان.
له مصنف في الموضوعات يسوقها بأسانيده.
يروي عن أبي محمد الدوني فمن بعده.
وعلى كتابه بنى أبو الفرج بن الجوزي كتاب "الموضوعات"، له.
قال ابن شافع: أدركه أجله في السفر، فبلغنا في رجب خبره من سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة.
قال ابن النجار: كتب وحصل، وصنف، وأجاد تصنيف كتاب "الموضوعات" حدثنا عنه عبد الرزاق الجيلي.
قلت: وروى عن ابن طاهر المقدسي، ويحيى بن أحمد الغضائري، وشيرويه الديلمي، وحمد بن نصر، وعبد الملك بن بنجير، ويحيى بن مندة، وأحمد بن عباد البروجردي، وينزل إلى عبد الخالق اليوسفي.
حدث عنه بالكتاب ابن أخته نجيب بن غانم الطيان في سنة (582).
قال ابن مشق: توفي في سادس عشر رجب، سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1297"، وميزان الاعتدال "1/ 523"، ولسان الميزان "2/ 256".
(2)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1085"، ولسان الميزان "2/ 269 - 271"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 136".
4915 - أبو الدر ياقوت
(1)
:
لرومي التاجر السفار، مولى عبيد الله بن البخاري.
سمعه مولاه من أبي محمد الصريفيني سبعة مجالس المخلص، وكتاب "المزاح" للزبير بن بكار.
قال السمعاني: كان شيخًا ظاهره الصلاح والسداد، لا بأس به، حدث بمصر ودمشق وبغداد.
وقال ابن عساكر: قدم مصر ودمشق مرات للتجارة، ولم يكن يفهم شيئًا، ومات بدمشق في شعبان سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة.
قلت: حدث عنه ابن عساكر، وابنه بهاء الدين القاسم، وأبو المواهب بن صصرى، ومحمد بن الزنف، والخضر بن كامل العابر، وعقيل بن أبي الجن، وعبد الرحمن بن سلطان القرشي، وعبد الرحمن بن إسماعيل الجنزوي، وعبد الرحمن بن عبد الواحد بن هلال، وعبد الصمد ابن جوشن التنوخي، وآخرون.
وفيها مات أبو تمام أحمد بن محمد بن المختار بن المؤيد بالله التاجر بنيسابور، والفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الرقي، وأبو علي الحسن بن مسعود ابن الوزير الدمشقي بمرو، وأبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان الأزدي، وأبو علي سهل بن محمد ابن أحمد الحاجي بأصبهان، وعباد بن سرحان الشاطبي بالعدوة -لقي رزق الله- وقاضي القضاة أبو القاسم علي بن نور الهدى أبي طالب الزينبي، والقاضي أبو بكر بن العربي، وأبو غالب محمد بن علي ابن الداية، والمبارك بن كامل الخفاف، والفقيه أبو الحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي المالكي، والقدوة عبد الرحمن الحلحولي.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 283"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 136".
4916 - هبة الرحمن
(1)
:
بن عبد الواحد بن شيخ الإسلام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن، الشيخ الإمام، العالم الخطيب، مسند خراسان، أبو الأسعد القشيري النيسابوري، خطيب نيسابور، وكبير أهل بيته في عصره.
مولده في جمادى الأولى سنة ستين وأربع مائة.
وسمع من جده أبي القاسم في الخامسة، ومن جدته فاطمة بنت الدقاق، ومن أبيه، وعميه أبي سعد وأبي منصور، ومن أبي سهل الحفصي صاحب الكشميهني، سمع منه في سنة (465)"صحيح البخاري"، وسمع من أبي صالح المؤذن، وأبي نصر عبد الرحمن بن علي التاجر، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وإسماعيل بن مسعدة، ونصر بن علي الحاكمي، ومحمد ابن عبد العزيز الصفار، وأبي بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم المزكي، وعدة. وسمع من الحاكمي "سنن أبي داود"، ومن عبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري "مسند أبي عوانة".
وروى الكثير، وبعد صيته، وارتحلوا إليه.
حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، والمؤيد بن محمد الطوسي، والقاسم بن عبد الله الصفار، والمؤيد بن عبد الله القشيري، والمطهر بن أبي بكر البيهقي، وأبو الفتوح محمد بن محمد البكري، وأبو المظفر عبد الرحيم بن السمعاني، وخلق كثير.
أملى مجالس كثيرةً، وله أربعون حديثًا -وأخرى حياته- ظهر به صمم يسمع معه إذا رفع القارئ صوته.
قال السمعاني: سمعت أصحابنا يقولون: إنه ادعى سماع الرسالة من جده، وما ظهر له عن جده إلَّا أجزاء أبي العباس السراج، ومجالس أملاها أبو القاسم، وكتاب "عيون الأجوبة في فنون الأسولة"، وقد روى بالإجازة عن أبي نصر الزينبي وغيره.
توفي في ثالث عشر سوال سنة ست وأربعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1309"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 329"، ولسان الميزان "6/ 187"، وشذرات الذهب "4/ 140 - 141".
4917 - البيضاوي
(1)
:
لإمام القاضي، أبو الفتح، عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن البيضاوي الفارسي، ثم البغدادي، الحنفي، أخو قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي لأمه.
سمع أبا جعفر بن المسلمة، وأبا الغنائم بن المأمون، وأبا محمد الصريفيني، وطائفةً.
وعنه: السمعاني، وابن عساكر، وابن الجوزي، والكندي، وآخرون.
قال السمعاني: شيخ صالح متواضع، متحر في قضائه الخير، متثبت، توفي في نصف جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وخمس مائة.
4918 - السمذي
(2)
:
بو المكارم، المبارك بن علي بن عبد العزيز، البغدادي الهماني السمذي.
سمع أحمد بن محمد بن حمدوه، وأبا محمد بن هزارمرد، وأبا القاسم بن البسري.
وعنه: السمعاني، وابن طبرزد، وعبد الوهاب بن جماز القلعي، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو منصور محمد بن عفيجة.
توفي يوم عاشوراء سنة تسع وثلاثين وخمس مائة في عشر التسعين.
4919 - الأرموي
(3)
:
لشيخ الفقيه الإمام المعمر القاضي، مسند العراق، أبو الفضل محمد ابن عمر بن يوسف بن محمد، الأرموي، ثم البغدادي، الشافعي.
ولد ببغداد في سنة تسع وخمسين وأربع مائة.
وسمع باعتناء أبيه من أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين ابن
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 145"، والنجوم الزاهرة "5/ 273"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 115".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 172"، واللباب لابن الأثير "2/ 137"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 276"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 125".
(3)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 225"، و النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 303"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 145".
المهتدي بالله، وأبي الحسين بن النقور، وأبي بكر الخطيب، وجابر بن ياسين، وأبي بكر محمد بن علي الخياط المقرئ، وأبي نصر الزينبي، وطائفة.
وعنه: ابن عساكر، والسلفي، والسمعاني، وعبد الخالق بن أسد، وعمر بن طبرزد، وإبراهيم بن البتيت، والقاضي أسعد بن المنجى، ومحمد بن علي بن الطراح، ومبارك بن صدقة الحاسب، ويونس بن يحيى الهاشمي، وعمر بن مسعود البزاز الزاهد، وزاهر بن رستم، وعثمان بن إبراهيم بن فارس السيبي، وأخوه إسماعيل الخباز، وشجاع بن سالم البيطار، والتاج الكندي، وداود بن ملاعب، وأخته حفصة بنت ملاعب، وسبطه يوسف بن محمد الأرموي، وموسى بن الصيقل الهاشمي، وإسماعيل بن سعد الله بن حمدي، ومظفر بن غيلان الدقاق، وسعيد بن محمد الرزاز، ومسمار بن عويس النيار، وعبد الرحمن بن المبارك بن المشتري، وأحمد بن يوسف بن صرما، والفتح بن عبد السلام، وآخرون.
وكان فقيهًا مناظرًا متكلمًا صالحًا كبير القدر.
قال السمعاني: فقيه إمام متدين، ثقة صالح، حسن الكلام، كثير التلاوة، تفقه على الشيخ أبي إسحاق.
وقال ابن الجوزي: سمعت منه بقراءة الحافظ ابن ناصر، وقرأت عليه كثيرًا، وكان ثقةً دينًا تاليًا، وكان شاهدًا، فعزل، توفي في رجب سنة سبع وأربعين وخمس مائة.
قلت: وقد ولي قضاء دير العاقول.
مات في رابع رجب، وله ثمان وثمانون سنة.
وفيها مات أبو الخير جامع بن عبد الملك النيسابوري، وأبو القاسم الجنيد بن محمد القايني بهراة، والمحدث عبد الرحمن بن الحسن الشعري الصوفي والد زينب، والفقيه محمد بن إسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وشيخ القراء أبو عبد الله محمد بن الحسن بن غلام الفرس الداني، وأبو نصر محمد بن منصور بن عبد الرحيم الحرضي النيسابوري، وأبو عامر محمد بن يحيى بن ينق الشاطبي الأديب الطبيب، والسلطان مسعود بن محمد السلجوقي، والواعظ الشهير أبو منصور مظفر بن أردشير العبادي.
4920 - الأموي
(1)
:
لعلامة، أبو علي، الحسن بن سعيد بن أحمد القرشي الأموي الجزري الشافعي.
قدم، فتفقه ببغداد، وبرع.
وسمع من عبد العزيز بن علي الأنماطي، وأبي القاسم بن البسري.
وولي قضاء جزيرة ابن عمر مدة، ثم عزل، فتحول إلى آمد.
قال ابن عساكر: سألته عن مولده، فقال: سنة إحدى وخمسين وأربع مائة.
وقال يوسف بن مقلد: سمعت منه، ومات بفنك في رمضان سنة (544).
4921 - الأندي:
لمحدث الجوال، أبو الحجاج، يوسف بن علي، القضاعي الأندي الحداد القفال.
ارتحل، وحج.
وسمع ببغداد من أبي القاسم بن بيان، وأبي طالب الحسين بن محمد الزينبي، وأبي الغنائم النرسي، وسمع "صحيح مسلم" من إسماعيل ولد عبد الغافر الفارسي، وسمع المقامات من الحريري.
ورجع، ثم ارتحل مرةً ثانية، وسكن المرية، وروى الكثير.
حدث عنه: المحدث رزين العبدري -ومات قبله- وأبو محمد العثماني، وأبو الوليد بن الدباغ، وخطيب الموصل أبو الفضل، وابن بشكوال، وأبو القاسم بن حبيش، وأبو محمد بن عبيد الله، وعدة.
واشتهر اسمه.
قال أبو عبد الله الأبار: كان صدوقًا، صحيح السماع، ليس عنده كبير علم، استشهد يوم غلبة العدو على المرية في جمادى الأولى، سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة، وقتل يومئذ خلق كثير، ويقال: عاش خمسًا وثمانين سنة، رحمه الله.
(1)
ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "7/ 60 - 61".
4922 - المرادي
(1)
:
لعلامة الفقيه المحدث، أبو الحسن، علي بن سليمان بن أحمد، المرادي القرطبي الشقوري الشافعي.
مولده قبل الخمس مائة.
وارتحل إلى خراسان، فتفقه بمحمد بن يحيى، وسمع "صحيح مسلم"، وتواليف البيهقي من أبي عبد الله الفراوي، وعبد المنعم بن القشيري، وهبة الله السيدي، وأقام هناك مدة، ثم قدم بغداد، وكتب الكثير، ثم قدم دمشق في حدود سنة أربعين وخمس مائة بكتبه، فنزل على الحافظ ابن عساكر، فسر بقدومه، لأنه كان اتكل عليه في كثير مما سمعا، فحدث في دمشق بـ"الصحيحين".
قال السمعاني: كنت آنس به كثيرًا، وكان أحد العباد، خرجنا معًا إلى نوقان لسماع تفسير الثعلبي، فلمحت منه أخلاقًا وأحوالًا قلما تجتمع في ورع، وعلقت عنه.
وقال ابن عساكر: ندب للتدريس بحماة، فمضى إليها، ثم ندب إلى التدريس بحلب، فدرس بمدرسة ابن العجمي، وكان ثبتًا صلبًا في السنة.
قلت: روى عنه القاسم بن عساكر، وأبو القاسم بن الحرستاني، ويحيى بن منصور اليخلفي، وآخرون.
مات بحلب في ذي الحجة سنة أربع وأربعين وخمس مائة.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا أبو يعلى عبد الكريم بن عبد الصمد العقيلي، وابن عمه يحيى بن محمد، قالا: أخبرنا يحيى بن منصور، أخبرنا علي بن سليمان، أخبرنا زاهر، أخبرنا البيهقي، حدثنا أبو الحسن العلوي، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن بالويه، حدثنا أحمد بن يوسف، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني"
(2)
.
(1)
ترجمته في اللباب لابن الأثير "2/ 203" وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 224 - 225".
(2)
صحيح: أخرجه البخاري "2957"، ومسلم "1835"، والنسائي "7/ 154".
4923 - الأتابك
(1)
:
الملك عماد الدين الأتابك زنكي بن الحاجب قسيم الدولة آقسنقر ابن عبد الله التركي، صاحب حلب.
فوض إليه السلطان محمود بن ملكشاه شحنكية بغداد في سنة إحدى عشرة وخمس مائة في العام الذي ولد له فيه ابنه الملك العادل نور الدين الشهيد، ثم إنه حوله إلى مدينة الموصل، فجعله أتابكًا لولده الملقب بالخفاجي في سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة.
ثم استولى على البلاد، وعظم أمره، وافتتح الرها، وتملك حلب والموصل وحماة وحمص وبعلبك وبانياس، وحاصر دمشق، وصالحهم على أن خطبوا له بها بعد حروب يطول شرحها. واستنقذ من الفرنج كفرطاب والمعرة، ودوخهم، وشغلهم بأنفسهم، ودانت له البلاد.
وكان بطلًا شجاعًا مقدامًا كأبيه، عظيم الهيبة، مليح الصورة، أسمر جميلًا، قد وخطه الشيب، وكان يضرب بشجاعته المثل، لا يقر ولا ينام، فيه غيرة حتى على نساء جنده، عمر البلاد.
قصد حلب في سنة اثنتين وعشرين، وكانت للبرسقي قد انتزعها من بني أرتق، ثم وليها ابنه مسعود، والنائب بها قيماز، ثم بعد قتلغ، فنازلها جوسلين ملك الفرنج، فبذلوا له مالًا، فترحل، وجاء التقليد من السلطان محمود بحلب لزنكي، فدخلها، ورتب أمورها، وافتتح مدائن عدة، ودوخ الفرنج، وكان أعداؤه محيطين به من الجهات، وهو ينتصف منهم، ويستولي على بلادهم.
قال ابن واصل: لم يخلف قسيم الدولة مملوك السلطان ألب آرسلان ولدًا غير زنكي، وله يومئذ عشر سنين، فالتف عليه غلمان أبيه ورباه كربوقا، وأحسن إليه.
قلت: نازل زنكي قلعة جعبر، وحاصر ملكها علي بن مالك، وأشرف على أخذها، فأصبح مقتولًا، وفر قاتله خادمه إلى جعبر، وذلك في خامس ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمس مائة، فتملك ابنه نور الدين بالشام، وابنه غازي بالموصل.
وقال ابن الأثير: وثب عليه جماعة من مماليكه في الليل، وهربوا إلى جعبر، فصاحب أهلها، وفرحوا.
زاد عمر زنكي رحمه الله على الستين.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 175"، ووفيات الأعيان "2/ ترجمة 245"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 178 - 279"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 128".
4924 - غازي
(1)
:
الملك سيف الدين غازي بن زنكي.
تملك الموصل بعد أبيه، واعتقل ألب آرسلان السلجوقي.
وكان عاقلًا حازمًا، شجاعًا جوادًا، محبًا في أهل الخير.
لم تطل مدته، وعاش أربعين سنة.
وكان أحسن الملوك شكلًا، وكان له مائة رأس كل يوم لسماطه.
وهو أول من ركب بالسناجق في الإقامة، وألزم الأمراء أن يركبوا بالسيف والدبوس.
وله مدرسة كبيرة بالموصل.
وقد مدحه الحيص بيص، فأجازه بألف دينار.
توفي ولم يترك سوى ولد مات شابًا ولم يعقب.
توفي في جمادى الآخرة، سنة أربع وأربعين وخمس مائة.
وتملك بعد الموصل أخوه الملك قطب الدين مودود، والد ملوك الموصل.
ودفن بمدرسته. وكان سماطه في العيد ألف رأس غنم سوى الخيل والبقر، ولما حاصرت الفرنج دمشق، بادر غازي، وكشف عنها، وخلف ولدًا شابًا، فمات بعده بقليل، وانقطع عقبه.
4925 - أبو بكر
(2)
:
يحيى بن محمد بن عبد الرحمن البقوي القرطبي، الشاعر المفلق، من ذرية بقي بن مخلد الحافظ.
له موشحات بديعة.
وكان رفيع راية القريض، وصاحب آية التصريح فيه والتعريض.
وهو القائل:
يا أقتل النّاس ألحاظا وأطيبهم
…
ريقًا متى كان فيك الصّاب والعسل
في صحن خدّك وهو الشّمس طالعة
…
وردٌ يزيدك فيه الرّاح والخجل
إيمان حبّك في قلبي يجدّده
…
من خدّك الكتب أو من لحظك الرّسل
لو اطّلعت على قلبي وجدت به
…
من فعل عينيك جرحًا ليس يندمل
توفي سنة أربعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 520"، والنجوم الزاهرة "5/ 286"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 139".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 803".
4926 - ابن الشجري
(1)
:
العلامة، شيخ النحاة، أبو السعادات، هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة بن علي، الهاشمي العلوي الحسني البغدادي، من ذرية جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
قال ابن النجار: ابن الشجري شيخ وقته في معرفة النحو، درس الأدب طول عمره، وكثر تلامذته، وطال عمره، وكان حسن الخلق، رفيقًا.
روى عن: أبي الحسين المبارك بن الطيوري كتاب "المغازي" لسعيد ابن يحيى الأموي.
قرأ عليه: ابن الخشاب، وابن عبدة، والتاج الكندي، وأبو الحسن ابن الزاهدة.
وروى عنه أيضًا: عبد الملك بن المبارك القاضي، وأحمد بن يحيى ابن الدبيقي، وسليمان بن محمد الموصلي، وعبد الله بن عثمان البيع، وآخرون.
قال السمعاني: كان نقيب الطالبيين بالكرخ نيابةً عن ولد الطاهر، وكان أحد أئمة النحاة، له معرفة تامة باللغة والنحو، وله تصانيف، وكان فصيحًا، حلو الكلام، حسن البيان والإفهام، قرأ الحديث على جماعة من المتأخرين مثل أبي الحسين بن الطيوري، وأبي علي بن نبهان. كتبت عنه.
وقال الكمال عبد الرحمن بن محمد الأنباري: شيخنا أبو السعادات، كان فريد عصره، ووحيد دهره في علم النحو، أنحى من رأينا، وآخر من شاهدنا من حذاقهم وأكابرهم، وعنه أخذت النحو، وكان تام المعرفة باللغة، أخذ عن أبي المعمر بن طباطبا، وصنف، وأملى كتاب "الأمالي"، وهو كتاب نفيس يشتمل على فنون، وكان فصيحًا، حلو الكلام، وقورًا ذا سمت، لا يكاد يتكلم في مجلسه بكلمة إلَّا وتتضمن أدب نفس أو أدب درس، ولقد اختصم إليه علويان، فقال أحدهما: قال لي كذا وكذا. قال: يا بني احتمل، فإن الاحتمال قبر المعايب.
قال ابن خلكان: لما فرغ ابن الشجري من كتاب الأمالي أتاه ابن الخشاب ليسمعه، فامتنع، فعاداه، ورد عليه في أماكن من الكتاب، وخطأه، فوقف ابن الشجري على رده، فألف كتاب الانتصار في ذلك. قال: ولدت في رمضان، سنة خمسين وأربع مائة.
توفي في السادس والعشرين من رمضان، سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة، ودفن بداره، وإنما سمع الحديث في كهولته.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 198"، وفيات الأعيان "6/ ترجمة 774"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 281"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 132 - 134".
4927 - الميهني:
الشيخ الصالح، أبو الفضل، أحمد بن طاهر بن سعيد بن القدوة أبي سعيد فضل الله بن أبي الخير الميهني الخراساني الصوفي. وميهنة: قرية معروفة.
ولد سنة أربع وستين وأربع مائة.
وسمع بقريته من أبي الفضل محمد بن أحمد العارف، وبنيسابور موسى بن عمران، وأبا بكر بن خلف، والحافظ الحسن بن أحمد السمرقندي، وجماعة.
وله إجازة من المفسر أبي الحسن الواحدي روى بها تفاسيره.
استوطن بغداد، وروى الكثير.
روى عنه: السمعاني، وغيره، وأبو أحمد بن سكينة، وأبو اليمن الكندي، والفتح بن عبد السلام، وطائفة، وتفرد أبو الحسن ابن المقير بإجازته.
قال السمعاني: سافر الكثير، ورأى المشايخ، وخدم الصوفية والأكابر، وهو ظريف الجملة مطبوع، حسن الشمائل، متواضع، مات في ثامن رمضان سنة تسع وأربعين وخمس مائة، ودفن على دكة الجنيد رحمه الله سمع منه الفتح الأربعين للحاكم.
4928 - ابن العربي
(1)
:
الإمام العلامة الحافظ القاضي، أبو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله، ابن العربي الأندلسي الإشبيلي المالكي، صاحب التصانيف.
سأله ابن بشكوال عن مولده، فقال: في سنة ثمان وستين وأربع مائة.
سمع من خاله الحسن بن عمر الهزني وطائفة بالأندلس.
وكان أبوه أبو محمد من كبار أصحاب أبي محمد بن حزم الظاهري بخلاف ابنه القاضي أبي بكر، فإنه منافر لابن حزم، محط عليه بنفس ثائرة.
ارتحل مع أبيه، وسمعا ببغداد من طراد بن محمد الزينبي، وأبي عبد الله النعالي، وأبي الخطاب ابن البطر، وجعفر السراج، وابن الطيوري، وخلق، وبدمشق من الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبي الفضل بن الفرات، وطائفة، وببيت المقدس من مكي بن عبد السلام الرميلي، وبالحرم الشريف من الحسين بن علي الفقيه الطبري، وبمصر من القاضي أبي الحسن الخلعي، ومحمد بن عبد الله بن داود الفارسي وغيرهما.
وتفقه بالإمام أبي حامد الغزالي، والفقيه أبي بكر الشاشي، والعلامة الأديب أبي زكريا التبريزي، وجماعة.
وذكر أبو القاسم بن عساكر أنه سمع بدمشق أيضًا من أبي البركات ابن طاووس، والشريف النسيب، وأنه سمع منه عبد الرحمن بن صابر، وأخوه، وأحمد بن سلامة الأبار، ورجع إلى الأندلس في سنة إحدى وتسعين وأربع مائة.
قلت: رجع إلى الأندلس بعد أن دفن أباه في رحلته أظن ببيت المقدس وصنف، وجمع، وفي فنون العلم برع، وكان فصيحًا بليغًا خطيبًا.
صنف كتاب "عارضة الأحوذي في شرح جامع أبي عيسى الترمذي"، وفسر القرآن المجيد، فأتى بكل بديع، وله كتاب "كوكب الحديث والمسلسلات"، وكتاب "الأصناف" في الفقه، وكتاب "أمهات المسائل"، وكتاب "نزهة الناظر"، وكتاب "ستر العورة"، و"المحصول" في الأصول، و"حسم الداء، في الكلام على حديث السوداء"، كتاب في
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 626"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1081"، والنجوم الزاهرة "5/ 302"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 141".
الرسائل وغوامض النحويين، وكتاب "ترتيب الرحلة، للترغيب في الملة"، و"الفقه الأصغر المعلب الأصغر"، وأشياء سوى ذلك لم نشاهدها.
واشتهر اسمه، وكان رئيسًا محتشمًا، وافر الأموال بحيث أنشأ على إشبيلية سورًا من ماله.
حدث عنه: عبد الخالق بن أحمد اليوسفي الحافظ، وأحمد بن خلف الإشبيلي القاضي، والحسن بن علي القرطبي، وأبو بكر محمد بن عبد الله الفهري، والحافظ أبو القاسم عبد الرحمن الخثعمي السهيلي، ومحمد بن إبراهيم بن الفخار، ومحمد بن يوسف بن سعادة، وأبو عبد الله محمد بن علي الكتامي، ومحمد بن جابر الثعلبي، ونجبة بن يحيى الرعيني، وعبد المنعم بن يحيى الخلوف الغرناطي، وعلي بن أحمد بن لبال الشريشي، وعدد كثير، وتخرج به أئمة، وآخر من حدث في الأندلس عنه بالإجازة في سنة ست عشرة وست مائة أبو الحسن علي بن أحمد الشقوري، وأحمد بن عمر الخزرجي التاجر، أدخل الأندلس إسنادًا عاليًا، وعلمًا جمًا.
وكان ثاقب الذهن، عذب المنطق، كريم الشمائل، كامل السؤدد، ولي قضاء إشبيلية، فحمدت سياسته، وكان ذا شدة وسطوة، فعزل، وأقبل على نشر العلم وتدوينه.
وصفه ابن بشكوال بأكثر من هذا، وقال: أخبرني أنه ارتحل إلى المشرق في سنة خمس وثمانين وأربع مائة، وسمعت منه بقرطبة وبإشبيلية كثيرًا.
وقال غيره: كان أبوه رئيسًا وزيرًا عالمًا أديبًا شاعرًا ماهرًا، اتفق موته بمصر في أول سنة ثلاث وتسعين، فرجع ابنه إلى الأندلس.
قال أبو بكر محمد بن طرخان: قال لي أبو محمد بن العربي: صحبت ابن حزم سبعة أعوام، وسمعت منه جميع مصنفاته سوى المجلد الأخير من كتاب "الفصل"، وقرأنا من كتاب "الإيصال" له أربع مجلدات، ولم يفتني شيء من تواليفه سوى هذا.
كان القاضي أبو بكر ممن يقال: إنه بلغ رتبة الاجتهاد.
قال ابن النجار: حدث ببغداد بيسير، وصنف في الحديث والفقه والأصول وعلوم القرآن والأدب والنحو والتواريخ، واتسع حاله، وكثر إفضاله، ومدحته الشعراء، وعلى بلده سور أنشأه من ماله.
وقد ذكره الأديب أبو يحيى اليسع بن حزم، فبالغ في تقريظه، وقال: ولي القضاء
فمحن، وجرى في أعراض الإمارة فلحن، وأصبح تتحرك بآثاره الألسنة، ويأتي بما أجراه عليه القدر النوم والسنة، وما أراد إلَّا خيرًا، نصب السلطان عليه شباكه، وسكن الإدبار حراكه، فأبداه للناس صورةً تذم، وسورة تتلى، لكونه تعلق بأذيال الملك، ولم يجر مجرى العلماء في مجاهرة السلاطين وحزبهم، بل داهن، ثم انتقل إلى قرطبة معظمًا مكرمًا حتى حول إلى العدوة، فقضى نحبه.
قرأت بخط ابن مسدي في معجمه، أخبرنا أحمد بن محمد بن مفرج النباتي، سمعت ابن الجد الحافظ وغيره يقولون: حضر فقهاء إشبيلية: أبو بكر بن المرجى وفلان وفلان، وحضر معهم ابن العربي، فتذاكروا حديث المغفر
(1)
، فقال ابن المرجى: لا يعرف إلَّا من حديث مالك عن الزهري. فقال ابن العربي: قد رويته من ثلاثة عشر طريقًا غير طريق مالك. فقالوا: أفدنا هذا. فوعدهم، ولم يخرج لهم شيئًا، وفي ذلك يقول خلف بن خير الأديب:
يا أهل حمص ومن بها أُوصيكم
…
بالبرّ والتقوى وصيّة مشفق
فخذوا عن العربيّ أسمار الدّجى
…
وخذوا الرّواية عن إمامٍ متّق
إنّ الفتى حلو الكلام مهذّبٌ
…
إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق
قلت: هذه حكاية ساذجة لا تدل على تعمد، ولعل القاضي رحمه الله وهم، وسرى ذهنه إلى حديث آخر، والشاعر يخلق الإفك، ولم أنقم على القاضي رحمه الله إلَّا إقذاعه في ذم ابن حزم واستجهاله له، وابن حزم أوسع دائرةً من أبي بكر في العلوم، وأحفظ بكثير، وقد أصاب في أشياء وأجاد، وزلق في مضايق كغيره من الأئمة، والإنصاف عزيز.
قال أبو القاسم بن بشكوال: توفي ابن العربي بفاس في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة. وفيها ورخه الحافظ أبو الحسن بن المفضل وابن خلكان.
وفيها توفي المسند الكبير أبو الدر ياقوت الرومي السفار صاحب ابن هزارمرد، والمعمر
(1)
حديث المغفر: أخرجه مالك "523"، ومن طريقه البخاري "1846" و"3044" و"4286" و"5808" ومسلم "1357" عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال اقتلوه" والمغفر: هو ما يلبس على الرأس من درع الحديد. وقال العلماء: إنما قتله لأنه كان ارتد عن الإسلام وقتل مسلما كان يخدمه، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويسبه. وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
أبو تمام أحمد بن محمد بن المختار بن المؤيد بالله الهاشمي السفار صاحب ابن المسلمة بنيسابور، والفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي الرقي الذي يروي الخطب، والحافظ أبو علي الحسن بن مسعود ابن الوزير الدمشقي كهلًا بمرو، وقاضي القضاة أبو القاسم علي بن نور الهدى الحسين بن محمد الزينبي، والمعمر أبو غالب محمد بن علي ابن الداية، ومسند دمشق أبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان، ومفيد بغداد أبو بكر المبارك بن كامل الظفري الخفاف، والشهيد شيخ المالكية أبو الحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي بدمشق.
قتل بأيدي الفرنج رحمه الله.
أخبرنا محمد بن جابر القيسي المقرئ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد القاضي بتونس، أخبرنا أبو الربيع بن سالم الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن حبيش الحافظ، حدثنا القاضي أبو بكر بن العربي، حدثنا طراد الزينبي، حدثنا هلال بن محمد، حدثنا الحسين بن عياش، حدثنا أبو الأشعث، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا شعبة، حدثنا جبلة بن سحيم، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من جر ثوبًا من ثيابه من مخيلة، فإن الله لا ينظر إليه"
(1)
.
وأخبرناه عاليًا بدرجتين إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو محمد بن قدامة، أخبرتنا شهدة وطائفة قالوا: أخبرنا طراد النقيب .. فذكره.
(1)
صحيح على شرط الشيخين: أخرجه عبد الرزاق "19980"، ومالك "2/ 914"، وابن أبي شيبة "8/ 387"، وأحمد "2/ 42 و 44 و 46 و 65 و 69 و 81 و 103 و 131 و 147"، والبخاري "5783" و"5791"، ومسلم "2085""42" و"43" و"44" و"45" و"46"، والنسائي "8/ 206"، وابن ماجه "3569"، والبغوي "3074" و"3075" من طرق عن ابن عمر، به.
وقوله: من مخيلة: أي من كبر.
4929 - رزين بن معاوية
(1)
:
ابن عمار، الإمام المحدث الشهير، أبو الحسن العبدري الأندلسي السرقسطي، صاحب كتاب "تجريد الصحاح".
جاور بمكة دهرًا، وسمع بها "صحيح البخاري" من عيسى بن أبي ذر، و"صحيح مسلم" من أبي عبد الله الطبري.
حدث عنه: قاضي الحرم أبو المظفر محمد بن علي الطبري، والزاهد أحمد بن محمد بن قدامة والد الشيخ أبي عمر، والحافظ أبو موسى المديني، والحافظ ابن عساكر، وقال: كان إمام المالكيين بالحرم.
قلت: أدخل كتابه زيادات واهيةً لو تنزه عنها لأجاد.
توفي بمكة في المحرم سنة خمس وثلاثين وخمس مائة وقد شاخ.
أخبرنا عبد الحافظ، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا أبي أحمد بن محمد، أخبرنا رزين بن معاوية، أخبرنا الحسين بن علي، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى، أخبرنا ابن سفيان، حدثنا مسلم، حدثنا ابن قعنب، حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"
(2)
.
4930 - الكرماني
(3)
:
شيخ الحنفية، مفتي خراسان، أبو الفضل، عبد الرحمن بن محمد ابن أميرويه بن محمد الكرماني.
تفقه بمرو على محمد بن الحسين القاضي، وبرع، وأخذ عنه الأصحاب، وانتشرت تلامذته، وبعد صيته.
وروى عن أبيه، وأبي الفتح عبد الله بن أردشير الهشامي.
سمع منه السمعاني، وبالغ في وصفه، وقال: ولد سنة سبع وخمسين وأربع مائة، ومات في ذي القعدة سنة (543).
(1)
ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 186 - 187"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1281"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 267"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 106".
(2)
صحيح: أخرجه البخاري "1"، ومسلم "1907"، وأبو داود "2201"، والترمذي "1647" والنسائي "1/ 58 - 60"، وابن ماجه "4227".
(3)
ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 93".
4931 - الزينبي
(1)
:
الصدر الأكمل، قاضي القضاة، أبو القاسم، علي بن نور الهدى أبي طالب الحسين ابن محمد بن علي، الهاشمي العباسي الزينبي البغدادي الحنفي.
ولد سنة سبع وسبعين وأربع مائة.
سمع من أبيه، وعمه النقيب طراد، وابن البطر، وجماعة.
روى عنه جماعة آخرهم الفتح بن عبد السلام.
قال السمعاني: كان غزير الفضل، وافر العقل، له وقار وسكون ورزانة وثبات، ولي قضاء العراق سنة ثلاث عشرة، قرأت عليه جزأين.
قال أحمد بن شافع: كان يستدعي الشيوخ كابن الحصين وابن كادش، فيقرأ له عليهم، وقد سار إلى الموصل، ولم خلعوا الراشد -وكان أيضًا بالموصل- فطلب من الزينبي إبطال عزله وصحة إمامته، فامتنع، فناله زنكي بن آقسنقر بشيء من العذاب، وأراد قتله، فدفع الله، وسجن مديدةً، ثم عاد إلى بغداد، وتمكن.
قال أبو شجاع محمد بن الدهان: قيل: إن الزينبي منذ ولي القضاء ما رآه أحد إلَّا بطراحة وخف حتى زوجته، ولقد دخلت عليه في مرض موته وهو نائم بالطرحة.
قال ابن الجوزي: كان رأسًا ما رأينا وزيرًا ولا صاحب منصب أوقر منه ولا أحسن هيئةً وسمتًا، قل أن يسمع منه كلمة ناقصة، طالت ولايته، فأحكمه الزمان، وخدم الراشد، وناب في الوزارة للمقتفي، ثم إن المقتفي أعرض عنه ..
ثم ذكر أشياء تدل على أنه لم يبق له في القضاء إلَّا الاسم، فمرض.
توفي يوم الأضحى سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة.
4932 - أبو جعفرك
(2)
:
العلامة المفسر، ذو الفنون، أبو جعفر، أحمد بن علي بن أبي جعفر البيهقي، عالم نيسابور، وصاحب التصانيف، منها "تاج المصادر".
وخرج له تلامذة نجباء. وكان ذا تأله وعبادة، يزار ويتبرك به.
مات فجأةً في آخر رمضان، سنة أربع وأربعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 205"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1297"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 282"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 135".
(2)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1306"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "4/ 49 - 51".
4933 - الفندلاوي
(1)
:
الإمام أبو الحجاج، يوسف بن دوناس المغربي الفندلاوي المالكي، خطيب بانياس، ثم مدرس المالكية بدمشق.
روى "الموطأ" بنزول.
روى عنه ابن عساكر، وقال: كان حسن المفاكهة، حلو المحاضرة، شديد التعصب لمذهب أهل السنة، كريمًا، مطرحًا للتكلف، قوي القلب، سمعت أبا تراب بن قيس يذكر أنه كان يعتقد اعتقاد الحشوية، ويبغض الفندلاوي لرده عليهم، وأنه خرج إلى الحج، وأسر، وألقي في جب، وغطي بصخرة، وبقي كذلك مدةً يلقي إليه ما يأكل، وأنه أحس ليلةً بحس يقول: ناولني يدك. فناوله، فأخرجه. قال: فإذا هو الفندلاوي، فقال: تب مما كنت عليه. فتاب، وكان يخطب ليلة الختم في رمضان رجل في حلقة الفندلاوي وعنده أبو الحسن بن المسلم الفقيه، فرماهم واحد بحجر، فلم يعرف، فقال الفندلاوي: اللهم اقطع يده. فما مضى إلَّا يسير حتى أخذ خضير من حلقة الحنابلة، ووجد في صندوقه مفاتيح كثيرة للسرقة، فأمر شمس الملوك بقطع يديه، فمات من قطعهما.
قتل الفندلاوي وزاهد دمشق عبد الرحمن الحلحولي يوم السبت في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة بالنيرب في حرب الفرنج ومنازلتهم دمشق، فقبر الفندلاوي بظاهر باب الصغير، وقبر الحلحولي بالجبل، رحمهما الله.
4934 - الأرجاني
(2)
:
الإمام الأوحد، شاعر زمانه، قاضي تستر، أبو بكر، أحمد بن محمد بن الحسين، ناصح الدين الأرجاني الشافعي.
(1)
ترجمته في اللباب لابن الأثير "2/ 442"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 282"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 136".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 210"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 63"، وترجمة الحفاظ "4/ 1306"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 285"، وشذرات الذهب "4/ 137".
روى جزء لوين عن أبي بكر بن ماجه.
حدث عنه: أبو محمد بن الخشاب، ومنوجهر بن تركانشاه، والمنشئ يحيى بن زيادة، وآخرون. وناب في القضاء بعسكر مكرم.
والذي دون من شعره لا يكون العشر، وقد بلغ في النظم الغاية، سقت منه جملةً في "تاريخ الإسلام".
مات بتستر في ربيع الأول، سنة أربع وأربعين وخمس مائة.
وأرجان: مثقلة الراء، قيده صاحب "الصحاح"، واستعملها المتنبي مخففةً محركةً في شعره، وهي بليدة من كور الأهواز.
عاش أربعًا وثمانين سنة.
4935 - الزيادي
(1)
:
الرئيس المسند، أبو المحاسن، أسعد بن علي بن الموفق، الزيادي الهروي الحنفي العابد، نزيل قرية مالين.
سمع من الداوودي "صحيح البخاري"، والدارمي، وعبد بن حميد.
روى عنه: السمعاني، وابن عساكر، ومحمد بن عبد الرحمن الفامي، وعبد الجامع بن علي خخة، وأبو روح، وآخرون.
ذكر السمعاني أنه ثقة صالح عابد، دائم الأوراد، مستغرق الأوقات، يسرد الصوم.
توفي سنة أربع وأربعين وخمس مائة، وله خمس وثمانون سنة.
4936 - القاضي عياض
(2)
:
الإمام العلامة الحافظ الأوحد، شيخ الإسلام، القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي، ثم السبتي، المالكي.
ولد في سنة ست وسبعين وأربع مائة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 138".
(2)
ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ ترجمة 974"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1083"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 511"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 285"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 138 - 139".
تحول جدهم من الأندلس إلى فاس، ثم سكن سبتة.
لم يحمل القاضي العلم في الحداثة، وأول شيء أخذ عن الحافظ أبي علي الغساني إجازة مجردة، وكان يمكنه السماع منه، فإنه لحق من حياته اثنين وعشرين عامًا.
رحل إلى الأندلس سنة بضع وخمس مائة، وروى عن القاضي أبي علي بن سكرة الصدفي، ولازمه، وعن أبي بحر بن العاص، ومحمد بن حمدين، وأبي الحسين سراج الصغير، وأبي محمد بن عتاب، وهشام بن أحمد، وعدة.
وتفقه بأبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي، والقاضي محمد بن عبد الله المسيلي.
واستبحر من العلوم، وجمع وألف، وسارت بتصانيفه الركبان، واشتهر اسمه في الآفاق.
قال خلف بن بشكوال: هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم، استقضي بسبتة مدةً طويلة حمدت سيرته فيها، ثم نقل عنها إلى قضاء غرناطة، فلم يطول بها، وقدم علينا قرطبة، فأخذنا عنه.
وقال الفقيه محمد بن حماده السبتي: جلس القاضي للمناظرة وله نحو من ثمان وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة، كان هينًا من غير ضعف، صليبًا في الحق، تفقه على أبي عبد الله التميمي، وصحب أبا إسحاق بن جعفر الفقيه، ولم يكن أحد بسبتة في عصر أكثر توالف من تواليفه، له كتاب "الشفا في شرف المصطفى" مجلد، وكتاب "ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك" في مجلدات، وكتاب "العقيدة"، وكتاب "شرح حديث أم زرع"، وكتاب "جامع التاريخ" الذي أربى على جميع المؤلفات، جمع فيه أخبار ملوك الأندلس والمغرب، واستوعب فيه أخبار سبتة وعلماءها، وله كتاب مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار:"الموطأ" و"الصحيحين"
…
إلى أن قال: وحاز من الرئاسة في بلده والرفعة ما لم يصل إليه أحد قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلَّا تواضعًا وخشيةً لله -تعالى- وله من المؤلفات الصغار أشياء لم نذكرها.
قال القاضي شمس الدين في "وفيات الأعيان": هو إمام الحديث في وقته، وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم.
قال: ومن تصانيفه كتاب "الإكمال في شرح صحيح مسلم" كمل به كتاب "المعلم" للمازري، وكتاب "مشارق الأنوار" في تفسير غريب الحديث، وكتاب "التنبيهات" فيه فوائد وغرائب، وكل تواليفه بديعة، وله شعر حسن.
قلت: تواليفه نفيسة، وأجلها وأشرفها كتاب "الشفا" لولا ما قد حشاه بالأحاديث المفتعلة، عمل إمام لا نقد له في فن الحديث ولا ذوق، والله يثيبه على حسن قصده، وينفع بـ"شفائه"، وقد فعل، وكذا فيه من التأويلات البعيدة ألوان، ونبينا -صلوات الله عليه وسلامه- غني بمدحة التنزيل عن الأحاديث، وبما تواتر من الأخبار عن الآحاد، وبالآحاد النظيفة الأسانيد عن الواهيات، فلماذا يا قوم نتشبع بالموضوعات؟ فيتطرق إلينا مقال ذوي الغل والحسد، ولكن من لا يعلم معذور، فعليك يا أخي بكتاب "دلائل النبوة" للبيهقي، فإنه شفاء لما في الصدور وهدىً ونور.
وقد حدث عن القاضي خلق من العلماء، منهم الإمام عبد الله بن محمد الأشيري، وأبو جعفر بن القصير الغرناطي، والحافظ خلف بن بشكوال، وأبو محمد بن عبيد الله الحجري، ومحمد بن الحسن الجابري، وولده القاضي محمد بن عياض قاضي دانية.
ومن شعره:
انظر إلى الزّرع وخاماته
…
تحكي وقد ماست أمام الرّياح
كتيبةً خضراء مهزومةً
…
شقائق النّعمان فيها جراح
قال القاضي ابن خلكان: شيوخ القاضي يقاربون المائة، توفي في سنة أربع وأربعين وخمس مائة في رمضانها، وقيل: في جمادى الآخرة منها بمراكش، ومات ابنه في سنة خمس وسبعين وخمس مائة.
قال ابن بشكوال: توفي القاضي مغربًا عن وطنه في وسط سنة أربع.
وقال ولده القاضي محمد: توفي في ليلة الجمعة نصف الليلة التاسعة من جمادى الآخرة، ودفن بمراكش، سنة أربع.
قلت: بلغني أنه قتل بالرماح لكونه أنكر عصمة ابن تومرت.
وفيها مات شاعر زمانه القاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن حسين الأرجاني قاضي تستر، والعلامة المصنف أبو جعفرك أحمد بن علي بن أبي جعفر البيهقي، والمسند بهراة أبو المحاسن أسعد بن علي بن الموفق، ومحدث حلب أبو الحسن علي بن سليمان المرادي القرطبي.
أخبرنا القاضي معين الدين علي بن أبي العباس المالكي بالإسكندرية قال: قرأت على محمد بن إبراهيم بن الجرج، عن عبد الله بن محمد بن عبيد الله الحافظ، وأخبرني أبو القاسم
محمد بن عمران الحضرمي، أخبرنا أبو إسحاق الغافقي غير مرة، أخبرنا محمد بن عبد الله الأزدي، أخبرنا محمد بن الحسن بن عطية الجابري، قالا: أخبرنا عياض بن موسى القاضي، أخبرنا محمد بن عيسى التميمي، وهشام بن أحمد، قالا: حدثنا أبو علي الغساني، حدثنا أبو عمر النمري، حدثنا ابن عبد المؤمن، حدثنا أبو بكر التمار، حدثنا أبو داود، حدثنا محمد بن سلمة، حدثنا ابن وهب، عن حيوة وابن لهيعة وسعيد بن أبي أيوب، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلى الله عليه عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلَّا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة"
(1)
.
رواه مسلم.
ومن سلالته العلامة:
(1)
صحيح على شرط مسلم: أخرجه مسلم "384"، وأبو داود "523"، والنسائي "2/ 25 - 26" وفي "عمل اليوم والليلة""45"، وابن السني في "عمل اليوم والليلة""93"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار""1/ 143"، والبيهقي "1/ 410"، وأبو عوانة "1/ 336" من طريق حيوة بن شريح، عن كعب بن علقمة به.
4937 - أبو عبد الله محمد بن عياض:
ابن محمد بن القاضي عياض بن موسى، اليحصبي السبتي النحوي.
قال ابن الزبير: ولد سنة أربع وثمانين وخمس مائة، وأخذ عن: أيوب بن عبد الله الفهري، وأخذ بالجزيرة الخضراء كتاب سيبويه تفقهًا عن أبي القاسم عبد الرحمن بن علي النحوي، وأخذ بها "الإيضاح" لأبي علي الفارسي عن أبي الحجاج بن معزوز، وأجاز له من أصبهان أبو جعفر الصيدلاني في سنة ثمان وتسعين، وولي قضاء الجماعة بغرناطة إلى أن مات. وكان من سراة القضاة وأهل النزاهة، شديد التحري، صابرًا على الضعيف، شديدًا على أهل الجاه، فاضلًا وقورًا، يعرب كلامه دائمًا، وكان يكرم الطلبة، وأجاز له أيضًا من دمشق الخشوعي. أجاز لي، ومات في جمادى الأخرى سنة خمس وخمسين وست مائة رحمه الله وتوفي أبوه عايض الفقيه في سنة ثلاثين وست مائة، بمالقة.
4938 - ابن الدباغ
(1)
:
لإمام الحافظ المتقن الأوحد، أبو الوليد، يوسف بن عبد العزيز بن يوسف بن عمر بن فيره اللخمي الأندي المالكي، نزيل مرسية.
أكثر عن أبي علي الصدفي ولازمه، وسمع "الموطأ" من أحمد بن محمد الخولاني، وأخذ أيضًا عن أبي محمد بن عتاب، وطائفة.
وجمع، وصنف.
روى عنه: ابن بشكوال، وأبو عبد الملك مروان بن عبد العزيز الوزير، وأحمد بن أبي المطرف البلنسي، وأحمد بن سلمة اللورقي، ومحمد بن علي بن هذيل، وآخرون.
رأيت "برنامجه"، وقد سمع كتبًا كبارًا، وله تأليف صغير في تسمية الحفاظ.
قال ابن بشكوال: كان من أنبل أصحابنا، وأعرفهم بطريقة الحديث وأسماء الرجال وأزمانهم وثقاتهم وضعفائهم وأعمارهم وآثارهم، ومن أهل العناية الكاملة بتقييد العلم، وشوور في الأحكام ببلده، ثم خطب به وقتًا، قال لي: مولده في سنة إحدى وثمانين وأربع مائة.
توفي سنة ست وأربعين وخمس مائة.
ومن مشايخه خلف بن إبراهيم بن النخاس، وعبد القادر الصدفي.
قال ابن الزبير: هو أحد الأئمة المهرة المتقنين، ومن جهابذة النقاد، اعتمده الناس فيما قيده، وكان سمحًا مؤثرًا على قلة ذات يده، نزه النفس، ولي خطابة مرسية، ثم قضاء دانية.
قلت: أنبأن ب"الموطأ" أحمد بن سلامة، عن أبي جعفر القرطبي بسماعه منه.
4939 - البيع
(2)
:
لشيخ أبو بكر، محمد بن عبد العزيز بن علي بن محمد بن عمر الزهري الوقاصي الدينوري، ثم البغدادي المراتبي البيع.
(1)
ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ ترجمة 1510"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1087"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 302"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 142".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 300"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 140".
سمع أباه، وأبا نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن، ورزق الله التميمي.
وعنه: ابن أخيه محمد بن هبة الله من "مشيخة الأبرقوهي" شيخنا.
قال أبو سعد السمعاني: كان من أولاد المياسير، وكان شيخًا متوددًا كيسًا مطبوعًا، غير أنه يلعب الحمام، قال لي: إنه ولد في أول سنة خمس وسبعين وأربع مائة.
مات في الثالث والعشرين من المحرم سنة خمس وأربعين وخمس مائة.
وفيها توفي أبو علي الحسين بن علي بن الحسين النيسابوري الشحامي -مكثر سمع من ابن المحب- وأبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن رضى خطيب قرطبة، وأبو محمد المبارك بن أحمد بن بركة الكندي الخباز، وأبو البركات محفوظ بن الحسن بن صصرى التغلبي عن ثمانين سنة.
4940 - ابن عبدان:
لشيخ أبو القاسم، الخضر بن حسين بن عبد الله بن الحسين بن عبيد الله بن أحمد بن عبدان، الأزدي الدمشقي الصفار.
سمع أباه، وأبا القاسم بن أبي العلاء، وسهل بن بشر، والفقيه نصر ابن إبراهيم، والحسن بن أبي الحديد، وله إجازة من عبد العزيز الكتاني.
روى عنه: ابن عساكر وابنه القاسم، وأبو المحاسن بن أبي لقمة وغيرهم.
مات في شعبان سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة.
4941 - موفق:
الخادم الأستاذ، أبو السداد الحبشي، مولى الوزير نظام الملك.
سمع أبا نصر الزينبي، والقاضي الخلعي بمصر، وقرر برباط الزوزني.
روى عنه: السلفي وأثنى عليه، وأبو محمد بن الخشاب.
بقي إلى سنة أربع وأربعين وخمس مائة.
4942 - الشحامي
(1)
:
الرئيس الأوحد، أبو علي، الحسين بن علي بن الحسين بن محمد ابن محمد الشحامي النيسابوري.
كان يخدم الخاتون.
وكان سمع الكثير من الفضل بن المحب، وأبي بكر بن خلف، والصرام، ومحمد بن إسماعيل التفليسي.
روى عنه: السمعاني وابنه عبد الرحيم.
توفي ليلة نصف شعبان سنة خمس وأربعين وخمس مائة.
4943 - الرفاء
(2)
:
شاعر الشام، أبو الحسين، أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح، الأطرابلسي الرفاء، صاحب "الديوان" المشهور.
له نظم بديع.
وكان يلقب بمهذب الدين، ويقال له: عين الزمان.
قال ابن عساكر: رأيته مرات، وكان رافضيًا، خبيث الهجو والفحش، سجنه بوري مدة، وهم بقطع لسانه، ثم تسحب، فلما ولي شمس الملوك عاد إلى دمشق، فبلغ شمس الملوك عنه أمر، وأراد صلبه، فاختفى، وهرب، ثم قدم في صحبة الملك نور الدين، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمس مائة بحلب.
وكان هو والقيسراني كفرسي رهان، لكن القيسراني سني دين.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 139 - 140".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 64"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1313"، والنجوم الزاهرة "5/ 299"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 146 - 147".
4944 - القيسراني
(1)
:
سيد الشعراء، أبو عبد الله، محمد بن نصر بن صغير بن خالد، القيسراني.
وله بعكا، ونشأ بقيسارية، وسكن دمشق، وامتدح الملوك، وولي إدارة الساعات على باب الجامع في أيام تاج الملوك، ثم سكن حلب، وولي بها خزانة الكتب.
قرأ الأدب، وأتقن علم الهيئة والهندسة، وصحب الشاعر أبا عبد الله ابن الخياط. ومن نظمه:
يا هلالًا لاح في شفق
…
أعف أجفاني من الأرق
فكّ قلبي يا معذّبه
…
فهو من صدغيك في حنق
قال السمعاني: هو أشعر من رأيته بالشام، ولد سنة ثمان وسبعين وأربع مائة، وتوفي سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
4945 - الإسفراييني
(2)
:
الشيخ أبو المعالي، الفضل بن سله بن بشر الإسفراييني، الدمشقي، ويلقب بالأثير، الحلبي.
ولد بمصر، ونشأ ببيت المقدس، وسافر في التجارة إلى خراسان وغيرها، ووعظ مدةً بحلب.
سمع أباه، وأبا القاسم بن أبي العلاء، وله إجازة من أبي بكر الخطيب، وعنده عن أبيه "السنن الكبير" للنسائي.
قال السمعاني: يتهم بالكذب في لهجته، وسماعه صحيح.
قلت: روى عنه السمعاني، وابن عساكر، وآخر من روى عنه بالإجازة ابن المقير.
مات ببغداد في رجب سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 677"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1313"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 150"، والنجوم الزاهرة لابن تغربي بردي "5/ 302".
(2)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 238"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1313".
4946 - ابن الفراوي
(1)
:
الشيخ الفقيه العالم، المسند الثقة، أبو البركات، عبد الله بن محمد ابن الفضل بن أحمد بن الفراوي الصاعدي النيسابوري، صفي الدين المعدل.
سمع من: جده لأمه طاهر الشحامي، ومحمد بن عبيد الله الصرام، وعثمان بن محمد المحمي، وأبي نصر محمد بن سهل السراج، ومحمد بن إسماعيل التفليسي، وعبد الرحمن بن أحمد الواحدي، وأبي بكر بن خلف الشيرازي، وفاطمة بنت الدقاق، وعدة.
حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني وولده عبد الرحيم، والمؤيد الطوسي، ومنصور بن عبد المنعم بن الفراوي حفيده، والصفار قاسم بن عبد الله، وزينب بنت عبد الرحمن الشعرية، وجماعة.
قال السمعاني: هو إمام فاضل ثقة صدوق، دين، حسن الأخلاق، له باع طويل في الشروط وكتب السجلات، لا يجري أحد مجراه في هذا الفن، وهو إمام مسجد المطرز.
وقد سمع أبو المظفر عبد الرحيم بن السمعاني من لفظه "معرفة علوم الحديث" للحاكم بسماعه من أبي بكر بن خلف عنه، وسمع أبو المظفر منه جميع "مسند أبي عوانة الإسفراييني" بسماعه من أوله إلى فضائل المدينة من عثمان المحمي، ومن ثم إلى كتاب فضائل القرآن من الصرام، ومن ثم إلى آخر الكتاب من فاطمة بنت أبي علي الدقاق بسماعهم من أبي نعيم الإسفراييني عنه.
مات في جائحة الغز جوعًا وبردًا بنيسابور في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمس مائة، وهلك خلق من الجوع والعذاب والنهب، فالأمر لله.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله سنة ست وتسعين، عن أبي المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد، أخبرنا عبد الله بن محمد الفراوي، أخبرنا عثمان بن محمد المحمي وأخبرنا أبو الفضل، عن القاسم بن عبد الله، أخبرنا أبو الأسعد بن القشيري، أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري، قالا: أخبرنا عبد الملك بن الحسن سنة تسع وتسعين وثلاث مائة، أخبرنا يعقوب بن إسحاق الحافظ سنة ست عشرة وثلاث مائة، حدثنا موسى بن إسحاق القواس، حدثنا حفص بن غياث، حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، وعن أبي صالح، عن أبي هريرة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلَّا الله، فإذا قالوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلَّا بحقها، وحسابهم على الله"
(2)
.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 153".
(2)
صحيح: أخرجه الطيالسي "2441"، وابن أبي شيبة "10/ 122 و 124" و"12/ 374"، وأحمد "2/ 314 و 377 و 423 و 439 و 475 و 482 و 502 و 528"، ومسلم "21"، وأبو داود "2640"، والترمذي "2606"، والنسائي "6/ 6 - 7" و"7/ 77 - 78 و 79"، والدارقطني "1/ 231 - 232" و"2/ 89" وابن منده "23" و"27" و"196" و"199" و"200" و"402" و"403"، وابن الجارود "1032"، والبيهقي "1/ 196" و"3/ 92" و"8/ 19 و 196 و 202" و"9/ 182"، والبغوي "31" و"32" من طرق عن أبي هريرة، به.
4947 - السلطان
(1)
:
شيخ الشافعية، أبو سعد، عمر بن علي بن سهل الدامغاني، ويلقب بالسلطان.
ذكره أبو سعد السمعاني في شيوخه، فقال: كان إمامًا، حسن الكلام، رقيق القلب، سريع الدمعة، سمع من أبي بكر بن خلف الشيرازي، وأحمد بن إسماعيل الشجاعي، والحسن بن أحمد السمرقندي.
وكانت وفاته سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
وقال تاج الدين علي بن أنجب في كتاب "الاقتفاء في طبقات الفقهاء": كان إمامًا فاضلًا مناظرًا، وكان يعرف بالسلطان، تفقه على أبي حامد الغزالي.
قلت: ذكر القطب النيسابوري أنه تفقه بعمر السلطان، وبمحمد ابن يحيى، وتفقها بالغزالي.
4948 - أنر
(2)
:
ملك الأمراء بدمشق، معين الدين الطغتكيني.
أمير سائس، رئيس شجاع، مهيب، فحل الرأي، دبر دولة أولاد أستاذه.
وكان يحب العلماء والصلحاء، ويبذل المال، وله مواقف مشهودة، وغزو كثير، وكان حسن الديانة، له المدرسة المعينية، وقبة على قبره وراء دار بطيخ، وكانت الفرنج تخافه.
توفي سنة أربع وأربعين وخمس مائة.
وبنته: هي عصمة الدين الخاتون، واقفة المدرسة الخاتونية، تزوج بها الملك نور الدين محمود بن زنكي.
توفي أنر في شهر ربيع الآخر رحمه الله وإليه ينسب قصير معين الدين بالغور، وكان مملوكًا للملك طغتكين. وطغتكين من غلمان السلطان تتش السلجوقي، وتتش هو أخو السلطان ملكشاه.
(1)
ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "7/ 254".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 286".
4949 - السنجبستي:
الشيخ المسند، أبو علي، الحسن بن محمد بن أحمد السنجبستي، شيخ عالم صالح.
سمع من: عبد الرحمن بن محمد كلار، وأبي بكر بن خلف، وقارب التسعين.
روى عنه: أبو سعد السمعاني وابنه عبد الرحيم.
مات بنيسابور سنة نيف وأربعين وخمس مائة.
وسنجبست: منزلة معروفة بين نيسابور وسرخس، مثل قرية.
4950 - العبادي
(1)
:
الواعظ المشهور المطرب، أبو منصور، المظفر بن أردشير المروزي العبادي ويلقب بالأمير.
واعظ باهر، حلو الإشارة، رشيق العبارة، إلَّا أنه قليل الدين.
سمع من نصر الله الخشنامي، وعبد الغفار الشيروي، وجماعة.
قدم رسولًا إلى بغداد من السلطان سنجر سنة إحدى وأربعين، فأقام ثلاثة أعوام يعظ بجامع القصر وبدار السلطنة، وازدحموا عليه، وأقبل عليه المقتفي والكبراء، وأملى بجامع القصر.
روى عنه: ابن الأخضر، وحمزة بن القبيطي، ومحمد بن المكرم.
وكان يضرب حسن وعظه المثل.
قال أبو سعد السمعاني: لم يكن بثقة، رأيت رسالةً بخطه جمعها في إباحة شرب الخمر.
قال ابن الجوزي: له كلمات جيدة، وكتبوا عنه من وعظه مجلدات، ذهب ليصلح بين ملك وكبير، فحصل له منهما مال كثير، ومات بعسكر مكرم سنة سبع وأربعين وخمس مائة.
وقيل: كان يخل بالصلاة ليلة حضوره السماع، وذكر ليلةً مناقب علي رضي الله عنه، وأن الشمس ردت له، فاتفق أن الشمس غابت بالغيم، فعمل أبياتًا وهي:
لا تغربي يا شمس حتّى ينتهي
…
مدحي لآل المصطفى ولنجله
واثني عنانك إن أردت ثناءهم
…
أنسيت إذ كان الوقوف لأجله
إن كان للمولى وقوفك فليكن
…
هذا الوقوف لخيله ولرجله
قال: فطلعت الشمس من تحت الغيم، فلا يدرى ما رمي عليه من الثياب والأموال.
عاش ستًا وخمسين سنة، الله يسامحه.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 229"، واللباب لابن الأثير "2/ 310"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 303".
4951 - أبو عبد الله مردنيش:
لزاهد المجاهد، أبو عبد الله، محمد الجذامي المغربي.
كان معه عدة رجال أبطال يغير بهم يمنةً ويسرةً، وكانوا يحرثون على خيلهم كما يحرث أهل الثغر، وكان أمير المسلمين ابن تاشفين يمدهم بالمال والآلات، ويبرهم.
ولمردنيش مغازي ومواقف مشهودة وفضائل، وهو جد الملك محمد ابن سعد بن محمد صاحب شرق الأندلس.
فمن عجيب ما صح عندي من مغازيه -يقول ذلك اليسع بن حزم- أنه أغار يومًا، فغنم غنيمةً كثيرة، واجتمع عليه من الروم أكثر من ألف فارس، فقال لأصحابه وكانوا ثلاث مائة فارس: ما ترون? فقالوا: نشغلهم بترك الغنيمة. فقال: ألم يقل القائل: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65]، فقال له ابن مورين: يا رئيس! الله قال هذا. فقال: الله يقول هذا وتقعدون عن لقائهم?! قال: فثبتوا، فهزموا الروم.
ومن غريب أمره أنه نزل ملك الروم ابن رذمير، فأفسدوا الزروع، فبعث يقول له: مثلك لا يرضى بالفساد، ولا بد لك من الانصراف، فأفسد في بلدك في يوم واحد ما لا تفسده في جمعة. فأمر اللعين أصحابه بالكف، وبعث إليه يرغب في رؤيته لسمعته عندهم. قال ابن مورين: فجئنا مع الرئيس، فقدمناه، فأكرمه، وأجلسه إلى جنبه، وجعل يطلع إليه، ويقول
بلسانه: اسمك عظيم، وطلعتك دون اسمك، وما شخصك بشخص فارس. وكان قصيرًا، وأراد ممازحته، وكذا وجه إليه أمير المسلمين علي بن يوسف، فمضى واجتمع به، واستناب موضعه ولده سعدًا إلى أن رجع.
وفي سنة سبع عشرين وخمس مائة سار ابن رذمير، فنازل مدينة إفراغة وبها ابن مردنيش، وطال الحصار، فكتبوا إلى أمير المسلمين ابن تاشفين ليغيثهم، فكتب إلى ابنه تاشفين بن علي، وإلى الأمير يحيى بن غانية بإغاثتهم، وإدخال الميرة إليهم، فتهيأ لنجدتهم أربعة آلاف، فما وصلوا إلى إفراغة إلَّا وقد فني ما بها، ولم يبق لابن مردنيش سوى حصان، فذبحه لهم، فحصل لكل واحد أوقية أوقية.
قال اليسع: فحدثني الملك المجاهد ابن عياض حديث هذه الغزاة، قال: لما وصل أبو زكريا يحيى بن غانية مدينة زيتونة، خرجت إليه من لاردة مع فرساني، فقال: أشيروا علي. فقلت: الصواب جمع جند الأندلس تحت راية واحدة، وهلال سليم تحت راية أخرى، ويتقدم الزبير ابن عمر بأهل المغرب وبالدواب التي تحمل الأقوات، معهم الطبول والرايات، ونبقى نحن والعرب كمينًا عن يمين الجيش ويساره، فإذا أبصر اللعين الرايات والطبول والزمر حمل عليه، فنكر عليه من الجهتين. قال: فصلينا الصبح في ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة سبع وعشرين وخمس مائة، وأبصر اللعين الجيش وقد استراح من جراحاته، وكان عسكره إذ ذاك أربعةً وعشرين ألف فارس سوى أتباعهم، فقصدوا الطبول، فانكسروا وتفرقوا يعني المسلمين فأتينا الروم عن أيمانهم، ونزل النصر وعمل السيف في الروم حتى بقي ابن رذمير في نحو أربع مائة فارس، فلجؤوا إلى حصن لهم، وبات المسلمون عليه، ثم هلك غمًا، وأصابه مرض مات بعد خمسة عشر يومًا من هزيمته، فلا رحمه الله.
4952 - ابن مسهر
(1)
:
الأديب البارع، مهذب الدين علي بن أبي الوفاء سعد بن علي بن عبد الواحد الموصلي الشاعر، وديوانه في مجلدين.
مدح الخلفاء والملوك، وتنقل في الولايات ببلده.
ولد بآمد، ومات في صفر سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة. وقال العماد: سنة ست وأربعين.
وله من أبيات يصف الفهد:
من كلّ أهرت بادي السّخط مطّرح ال
…
حياء جهم المحيّا سيّئ الخلق
والشمس مذ لقّبوها بالغزالة أع
…
طته الرّشا جسدًا من لونها اليقق
ونقّطته حباءً من تسالمها
…
على المنايا نعاج الرّمل بالحدق
هذا ولم تبرزا مع سلم جانبه
…
يومًا لناظره إلَّا على فرق
وعمل في عصره الصوري السراج محمد بن أحمد:
شئن البراثن في فيه وفي يده
…
فتك الصوارم والعسّالة الذّبل
تنافس الليل فيه والنهار معا
…
فقمّصاه بجلبابٍ من المقل
والشمس مذ لقّبوها بالغزالة لم
…
تبرز لناظره إلَّا على وجل
4953 - ابن نظام الملك
(2)
:
الوزير الكامل، أبو نصر، أحمد بن رأس الوزراء نظام الملك الحسن بن علي الطوسي، نزيل بغداد.
وزر للخليفة وللسلطان، وآخر ما وزر للمسترشد بالله، ثم عزل بعد سنة وشهر، ولزم داره. وكان صدرًا محتشمًا، يملأ العين.
روى عن: عبد الرزاق الحسناباذي وابنه.
وعنه: السمعاني، وحفيده داود بن سليمان.
مات في ذي الحجة سنة أربع وأربعين وخمس مائة، ودفن بداره.
ومات قبله في رمضان ابن أخت الإمام أبو الفضل نصر بن أحمد بن نظام الملك، وكان من أقرانه، قارب الثمانين.
وروى عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي.
وعنه: عبد الرحيم بن السمعاني.
مات هذا بطوس.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 477".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 209".
4954 - أبو محمد ابن عياض المجاهد:
عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، المجاهد في سبيل الله، فارس الأندلس، وبطلها المشهور، اتفق عليه أهل شرق الأندلس.
قال عبد الواحد بن علي المراكشي: كان من الصالحين الكبار، بلغني عن غير واحد أنه كان مجاب الدعوة، سريع الدمعة، رقيقًا، فإذا ركب الخيل لا يقوم له أحد، كان النصارى يعدونه بمائة فارس، فحمى الله به الناحية مدةً إلى أن توفي رحمة الله عليه، ولا أتحقق تاريخ موته.
وقال اليسع بن حزم في "أخبار المغرب": حدثني الأمير الملك المجاهد في سبيل الله أبو محمد عبد الله بن عياض أشجع من ركب الخيل، وأفرس من سام الروم الويل، قال: نزلت محلة الفرنج علينا، فكانوا إذا رمونا بالنبل صار حائلًا بيننا وبين الشمس كالجراد، والذي صح عندنا أن عدد خيلهم مائة ألف فارس، ومن الرجل مائةا ألف أو أزيد، وكنا نعد على مقربة من سورنا أربع مائة خيمة ديباج أو نحوها نحقق هذا، فاشتد علينا الحصار، فخرجنا في مائةي فارس، فشققنا الروم نقتل فيهم، ولجأنا إلى حصن الزيتونة قاصدين بلنسية.
قال اليسع: قال لي مسعود بن عز الناس: أبصرت ابن عياض وهو شاب حدث، وقد صارع روميًا غلب جميع من في بلاد الأندلس، فجاءه الرومي، فدفعه ابن عياض عن نفسه دفعةً حسبت أن الرومي انتفضت أوصاله، ثم أمسك بخاصرة الرومي حتى رأيت الدم تحت أصابع ابن عياض، ثم رفعه، وألقى به الأرض، فطار دماغه.
وله قصة أخرى: وذلك أنه وقف فارس من جملة خيالة الروم على لاردة، وطلب المبارزة، فخرج ابن عياض عليه قميص طويل الكم قد أدخل فيه حجرًا مدحرجًا، وربط رأس الكم، وتقلد سيفه، والرومي شاك في سلاحه، فحمل عليه ابن عياض، فطعنه الرومي في الطارقة، فنشب الرمح، فأطلقها ابن عياض من يده، وبادر فضرب الرومي بكمه، فنثر دماغه، فعجبنا، وكبرنا، فاشتهر ذكره على صغر سنه، وأما أنا فحضرت معه أيام مملكته حروبًا، كان حجر لا يؤثر فيه، وكان في هيئته كأنه برج غريب الخلقة.
قال مسعود: ولما وصلنا الزيتونة بعد قضاء حوائجنا، جئنا لاردة في السحر، فوقعنا في خيام العدو المحيط بالبلد، فجعلنا نضرب على الطوارق، ونصيح، فنفرت الخيل، ونحن نقتل من لقيناه، فدخلنا البلد سالمين.
قلت: ولابن عياض مواقف مشهودة، وكان فارس الإسلام في زمانه، لعله بقي إلى بعد الأربعين وخمس مائة، وقام بعده خادمه محمد بن سعد بن مردنيش، استخلفه عند موته على الناس، فدامت أيامه إلى سنة ثمان وستين وخمس مائة.
قال اليسع في "تاريخ المغرب" وقد خدم ابن عياض، وصار كاتبًا له فذكر أن ابن عياض التقى البرشلوني، وانتصر المسلمون، فلما انفصل المصاف، قصد المسلمون الماء ليشربوا، وتجرد ابن عياض من درعه، ونحو الخمس مائة من الروم في غابة عند الماء، فالتفت ابن عياض إلى أصحابه أن ارموا الروم بالنبل، فجاءه سهم في فقار ظهره، فأخرج منه بعد قتل أولئك الخمس مائة، وإذا بالسهم قد أصاب النخاع، فوصل مرسية، وتوفي بعد ولايته إياها أربع سنين، ووجد المسلمون لفقده.
4955 - ابن أبي ركب:
نحوي الأندلس، الأستاذ أبو بكر، محمد بن مسعود بن عبد الله الخشني الجياني.
أخذ القراءات عن ابن شفيع وجماعة، والعربية عن ابن أبي العافية، وابن الأخضر.
وروى عن أبي الحسن بن سراج وعدة.
شرح كتاب سيبويه، ولم يتمه.
وكان رأسًا في الآداب مع الدين والصلاح.
أخذ عنه ابنه أبو ذر، وأبو عبد الله بن حميد.
وعاش ثلاثًا وستين سنة، مات في ربيع الأول سنة أربع وأربعين وخمس مائة.
4956 - محمد بن سعد
(1)
:
ابن محمد بن مردنيش الجذامي الأندلسي، الملك أبو عبد الله، صاحب مرسية وبلنسية.
كان صهرًا للملك المجاهد الورع أبي محمد عبد الله بن عياض، فلما توفي ابن عياض، اتفق رأي أجناده على تقديم ابن مردنيش هذا عليهم، وكان صغير السن شابًا، لكنه كان ممن يضرب بشجاعته المثل، وابتلي بجيش عبد المؤمن يحاربونه، فاضطر إلى الاستعانة بالفرنج، فلما توفي الخليفة عبد المؤمن تمكن ابن مردنيش، وقوي سلطانه، وجرت له حروب وخطوب.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ 131".
ذكره اليسع في "تاريخه"، وقال: نازلت الروم المرية عند علمهم بموت ابن عياض، ولكون ابن مردنيش شابًا، ولكن عنده من الإقدام ما لا يوجد في أحد حتى أضر به في مواضع شاهدناها معه، والرأي قبل الشجاعة، وإلا فهو في القوة والشجاعة في محل لا يتمكن منه أحد في عصره، ما استتم خمسة عشر عامًا حتى ظهرت شجاعته، فإن العدو نازل إفراغة، فقرب فارس منهم إلى السور، فخرج محمد، وأبوه سعد لا يعرف، فالتقيا على حافة النهر، فضربه محمد ألقاه مع حصانه في الماء، فلما كان الغد طلب فارس من الروم مبارزته، وقال: أين قاتل فارسنا بالأمس? فامتنع والده من إخراجه له، فلما كان وقت القائلة وقد نام أبوه، ركب حصانه، وخرج حتى وصل إلى خيام العدو، فقيل للملك: هذا ابن سعد. فأحضره مجلسه، وأكرمه، وقال: ما تريد? قال: منعني أبي من المبارزة، فأين الذي يبارز? فقال: لا تعص أباك. فقال له: لا بد. فحضر المبارز، فالتقيا، فضر العلج محمدًا في طارقته، وضرب هو العلج ألقاه، ثم أومأ إليه بالرمح ليقتله، فحالت الروم بينهما، وأعطاه الملك جائزة.
ومن شجاعته يوم نوله: كان في مائة فارس، والروم في ألف، فحمل بنفسه، فاجتمعت فيه أكثر من عشرين رمحًا، فما قلبوه، ولولا حصانة عدته لهلك، فكشف عنه أصحابه، وانهزم الروم، فاتبعهم من الظهر إلى الليل، ثم هادن الروم عشر سنين.
قلت: ولليسع بن حزم في ابن مردنيش عدة تواريخ، وقال: له في المملكة خمسة وعشرون عامًا إلى تاريخنا هذا.
قلت: أحسبه تملك بعيد الأربعين وخمس مائة.
قال: ولم تزل الأيام تخدمه، وقد اهتم بجمع الصناع لآلات الحروب وللبناء والترخيم، واشتغل ببناء القصور العجيبة والنزه والبساتين العظيمة، وصاهر الرئيس القائد أبا إسحاق بن همشك.
قلت: هذا كان في أيام الملك نور الدين، ولا أذكر متى توفي، فلعله بعد الستين وخمس مائة.
نعم، قد مر في ترجمة ابن عياض أنه ابن مردنيش بقي إلى سنة ثمان وستين.
4957 - حيدرة بن مفرج:
ابن حسن، الوزير ابن الصوفي الدمشقي، زين الدولة، وزير صاحب دمشق مجبر الدين أبق، وأخو الوزير المسيب بن الصوفي.
عمل على أخيه المسيب حتى خلعه من الوزارة، وولي مكانه، فظلم وتمرد، وعسف وارتشى، فعلم بذلك مخدومه مجير الدين، فانزعج، وطلبه إلى القلعة، فعدل به الجندارية إلى حمام القلعة، فذبحوه صبرًا، ونصب رأسه على خندقها في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
4958 - أخوه:
الوزير العميد أبو الذواد المسيب، كان قد امتنع بدمشق، وحشد وجيش، واستخدم الأحداث، فلاطفه ملك دمشق، ثم عزله، ونفاه إلى صرخد، فلما تملك نور الدين، رجع إلى دمشق متمرضًا، ثم مات سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
وكان جبارًا عسوفًا، لقبه مؤيد الدولة، ودفن بداره بدمشق.
4959 - ابن حمدين:
من أكابر أهل قرطبة، تسمى بأمير المسلمين بعد هلاك ابن تاشفين، وشن الغارت على بلاد عبد الله بن عياض، وترك الجهاد لسوء رأي وزرائه، فاشتعلت الفتنة، والمرابطون بغرناطة في ألفي فارس، ثم إن ابن حمدين التقى هو ويحيى بن غانية، فانتصر ابن غانية، وانهزم ابن حمدين إلى قرطبة، وخذله أصحابه، فاتبعه ابن غانية، وأحس ابن حمدين بالعجز، ففر إلى فرنجواش، واستنجد بالسليطين طاغية الروم، واشترط له أموالًا، وابن غانية مضايق لابن حمدين، فجاء الطاغية في مائة ألف، ففر ابن غانية، ودخل قرطبة، فنازل اللعين وابن حمدين قرطبة، فتقدم ابن حمدين إلى أهلها، فمال إليه خلق، ودخلتها الروم لعظم شوارعها، فقتلوا من وجدوه، وتفرقت الكلمة مع أن أهلها ينيفون على أربع مائة ألف مقاتل.
قال ابن اليسع الغافي: سمعت أبا مروان بن مسرة وقد سأله عبد المؤمن عن عدة مقاتلة أهل قرطبة، فقال: أحصينا فيها ممن يحضر المساجد أربع مائة ألف مقاتل، ولما تمكن العدو منها زحف إلى القصر، فقاتل ابن غانية بقية يومه، وكان عنده نمط من الروم، فأخرجه إلى ملك الروم طالبًا عهده على مال جعله له، فحل عن قتاله، وخرج إليه بماله، وذكر الملك
بأحوال المصامدة، وخوفه من عبد المؤمن بن علي، وقال له: إني خادمك في هذا البلد، وحائل بينك وبين عبد المؤمن، وكان للمصامدة إذ ذاك وقع في النفوس، فاستنابه عليها، وخرج السليطين بجملته عنها، وخرج عنها أيضًا ابن غانية يريد إشبيلية، فدخل قرطبة أبو الغمر نائبًا عن عبد المؤمن، وهو أبو الغمر بن غلبون أحد الأبطال وصاحب رندة، وثار بإشبيلية وبلادها أبو الحسن علي بن ميمون، وثار بكل ناحية رئيس، ثم اتفق رأي الجميع على تجويز المصامدة الذين تلقبوا بالموحدين من سبتة إلى الجزيرة الخضراء، وجرت فتن كبار، وزالت دولة المرابطين، وأقبلت دولة الموحدين.
ولد ابن حمدين قبل الخمس مائة بقرطبة.
وهو القاضي أبو جعفر حمدين بن محمد بن علي بن محمد بن عبد العزيز بن حمدين الثعلبي، قاضي الجماعة بقرطبة.
ولي القضاء سنة تسع وعشرين وخمس مائة، بعد مقتل الشهيد القاضي أبي عبد الله بن الحاج.
وكان من بيت حشمة وجلالة، صارت إليه رئاسة قرطبة عند اختلال أمر الملثمين وقيام ابن قسي عليهم بقرب الأندلس، فلقب ابن حمدين بأمير المسلمين المنصور بالله في رمضان سنة تسع وثلاثي وخمس مائة، ودعي له في الخطبة على أكثر منابر الأندلس، ولكن لم يطل ذلك، ثم تعاورته المحن في قصص يطول شرحها، ثم تحول إلى مالقة، وأقام بها خاملًا إلى أن توفي سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
4960 - خياط الصوف
(1)
:
الصالح المكثر، أبو سعد، محمد بن جامع بن أبي نصر النيسابوري، الصيرفي.
سمع أبا بكر بن خلف، وموسى بن عمران، وفاطمة بنت الدقاق، ومحمد بن سهل السراج، ومحمد بن عبيد الله الصرام، وطبقتهم.
روى عنه: ابن السمعاني، وابنه عبد الرحيم. وقد حج، وحدث ببغداد.
مات في ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
وكان مولده في سنة ثلاث وسبعين وأربع مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 319".
4961 - الحمامي
(1)
:
الشيخ الصالح المعمر، مسند الوقت، أبو القاسم، إسماعيل بن علي بن الحسين بن أبي نصر، النيسابوري، ثم الأصبهاني الصوفي، المشهور بالحمامي.
ولد في حدود الخمسين وأربع مائة.
وبكر به أبوه بالسماع، فسمع من أبي مسلم محمد بن علي بن مهربزد صاحب أبي بكر بن المقرئ، وأبي منصور بكر بن محمد بن حيد، والحافظ مسعود بن ناصر السجزي، وعبد الجبار بن عبد الله بن برزة الواعظ، وأبي سهل حمد بن ولكيز، وأبي بكر محمد بن إبراهيم العطار المستملي، وعبد الله بن محمد الكروني، وأبي طاهر أحمد بن محمد بن عمر النقاش، والحسن بن عمر بن يونس، وعائشة بنت الحسن الوركانية، وانفرد في الدنيا عنهم.
وأول سماعه في سنة تسع وخمسين وأربع مائة.
حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، والسمعاني، وأبو موسى المديني، ويوسف بن أحمد الشيرازي، وزاهر بن أحمد الثقفي، وإسماعيل بن ماشاذه، ويوسف وخضر ابنا معمر بن الفاخر، ومحمد بن محمود بن خمارتاش الواعظ، ومحمد بن محمود الصباغ، وأحمد بن محمد الفارقاني، وخلق كثير آخرهم محمد بن عبد الواحد المديني.
وهو رواي نسخة مأمون.
عمر دهرًا ممتعًا بحواسه.
مات في سابع صفر سنة إحدى وخمسين وخمس مائة.
4962 - ابن البن
(2)
:
الشيخ الفقيه العالم، المسند الصدوق، أبو القاسم، الحسين بن الحسن بن محمد، الأسدي الدمشقي الشافعي ابن البن.
مولده في رمضان سنة (466).
سمع أبا القاسم بن أبي العلاء، وأبا عبد الله الحسن بن أبي الحديد، والفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي وبه تفقه، وأبا البركات ابن طاووس.
حدث عنه: ابن عساكر وابنه، والسمعاني، وأبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم بن صصرى، والقاضي أبو القاسم بن الحرستاني، وحفيده أبو محمد الحسن بن علي بن البن، وآخرون.
وكان كثير الرواية.
ذكره ابن عساكر، فقال: خلط على نفسه، لكنه تاب توبةً نصوحًا، وكان حسن الظن بالله.
مات في نصف ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها مات إسماعيل الحمامي المعمر، وأتسز بن محمد صاحب خوارزم، وسلمان بن مسعود الشحام، وعتيق بن أحمد الأزدي الأندلسي، وأبو الحسن علي بن أحمد بن محموية الأزدي الفقيه، والواعظ علي بن الحسين الغزنوي، ومحمد بن عبيد الله بن سلامة. الرطبي، والقدوة أبو البيان نبأ بن محمد بن محفوظ بدمشق، والمعين يحيى بن سلامة الحصكفي، ويحيى بن عبد الباقي الغزال.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 324"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 158".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 324"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 158".
4963 - ابن مطكود:
الشيخ أبو القاسم، نصر بن أحمد بن مقاتل بن مطكود السوسي، ثم الدمشقي.
سمع من جده، وأبي القاسم بن أبي العلاء، وأبي عبد الله بن أبي الحديد، وسهل بن بشر.
وعنه: ابن عساكر وابنه، وأبو المواهب، وأخوه أبو القاسم، وطرخان الشاغوري، وآخرون.
قال ابن عساكر: شيخ مستور، لم يكن الحديث من شأنه، مات في تاسع عشر ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
4964 - أخوه علي بن أحمد:
ابن مقاتل.
يروي عن: أبي القاسم بن أبي العلاء، فكان آخر من حدث عنه بـ"جزء الصفة" لابن هارون.
روى عنه: ابن عساكر وابنه، والحسين بن صصرى، وزين الأمناء، ومكرم بن أبي الصقر، وآخرون.
مات سنة ستين وخمس مائة.
4965 - ابن أبي مروان:
الإمام الحافظ، أبو عمر، وأبو جعفر أحمد بن أبي مروان عبد الملك ابن محمد، الأنصاري الإشبيلي.
قال الأبار: سمع من شريح بن محمد، وأبي الحكم بن حجاج، ومفرج بن سعادة، وكان حافظًا محدثًا، فقيهًا ظاهريًا، له كتاب "المنتخب المنتقى" في الحديث، وعليه بنى عبد الحق "أحكامه"، تلمذ له عبد الحق، استشهد في كائنة لبلة في سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
4966 - حامد بن أبي الفتح
(1)
:
أحمد بن محمد، أبو عبد الله المديني الحافظ، من أعيان الطلبة.
سمع أبا علي الحداد، ويحيى بن مندة، وهبة الله بن الحصين، وطبقتهم.
وعنه: السمعاني، وعبد الخالق بن أسد، وعبد الرحيم ولد السمعاني.
وكان من العلماء العباد الزهاد.
قال أبو موسى المديني: مات بيزد في شعبان سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
4967 - حمزة بن محمد:
ابن بحسول، الإمام المفيد، أبو الفتح الهمذاني، نزيل هراة، ثم بلخ.
ذكره السمعاني، فقال: عارف بطرق الحديث، سافر الكثير، ودخل بغداد، وسمع أبا القاسم بن بيان، وابن نبهان، وغانمًا البرجي، والحداد، وخلقًا، وعقد مجلس الإملاء ببلخ، سمعوا بهراة الكثير بقراءاته، توفي ببلخ في ربيع الأول سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
(1)
ستكرر ترجمته برقم عام "4999".
4968 - علي بن حيدرة:
ابن جعفر، نقيب الأشراف، أبو طالب الحسيني الدمشقي.
سمع أبا القاسم بن أبي العلاء، والفقيه نصر بن إبراهيم.
وعنه: ابن عساكر وابنه، وأبو المواهب بن صصرى، وأخوه الحسين.
مات في جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمس مائة.
سمعنا من طريقه السابع من "فضائل الصحابة" لخيثمة.
4969 - ابن دادا
(1)
:
العلامة القدوة، أبو جعفر، محمد بن إبراهيم بن حسين الجرباذقاني.
سمع غانمًا الجلودي، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وفاطمة بنت البغدادي، وببغداد الأرموي، وابن ناصر ولازمه.
وكتب الكثير، وكان ثقةً متقنًا متثبتًا، صاحب فقه وفنون، مع الزهد والقناعة.
عظم قدره ابن الأخضر، وأطنب في وصفه.
وقال المحدث أبو الفضل بن شافع: هذا الشخص لم أر مثله زهدًا وعلمًا، وتفننًا في العلوم، تحقق بعلوم، وصار فيها منتهيًا يشار إليه في جل غوامضها، وكان شافعيًا، لو عاش لكانت الرحلة إليه من الآفاق.
توفي في ذي الحجة سنة تسع وأربعين وخمس مائة عن اثنتين وأربعين سنة وأيام، رحمه الله تعالى.
4970 - الكشميهني
(2)
:
الشيخ الإمام الخطيب الزاهد، شيخ الصوفية، أبو الفتح، محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي توبة الكشميهني المروزي.
سمع "صحيح البخاري" بقراءة أبي جعفر الهمذاني على المعمر أبي الخير محمد بن أبي
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 154".
(2)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1313"، والنجوم الزاهرة "5/ 305"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 150".
عمران الصفار في سنة إحدى وسبعين وأربع مائة، وسمع من الإمام أبي المظفر بن السمعاني، ومن أبي الفضل محمد بن أحمد الميهني العارف، وهبة الله بن عبد الوارث.
وكان مولده في ذي القعدة سنة إحدى وستين وأربع مائة.
روى عنه: ابنه أبو عبد الرحمن محمد بن محمد، وشريفة بنت أحمد الغازي، ومسعود بن محمود المنيعي، وعبد الرحيم بن أبي سعد السمعاني، وآخرون.
قال عبد الرحيم: سمعت منه "الصحيح" مرتين.
وقال أبو سعد: كان شيخ مرو في عصره، تفقه على جدي، وصاهره، وكان لي مثل الوالد، وكان حسن السيرة، عالمًا سخيًا، مكرمًا للغرباء.
مات في الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
ومات فيها ابن الطلاية، وأبو الحسين أحمد بن منير الرفاء شاعر الوقت، وقاضي الجماعة أبو جعفر حمدين بن محمد بن حمدين القرطبي، وطاغية الروم رجار المتغلب على صقلية، ومحدث بغداد أبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن يوسف، وأبو الفضل عبد الرحيم بن أحمد بن الإخوة، وأبو الفتح الكروخي المجاور، وأبو الحسن علي بن الحسن البلخي مدرس الصادرية، والعادل علي بن السلار صاحب مصر، قيل: والفضل بن سهل بن بشر الإسفراييني، وأبو طالب محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، والأفضل محمد بن الكريم بن أحمد الشهرستاني صاحب "الملل والنحل"، والحافظ محمد بن محمد السنجي، خطيب مرو، وشاعر زمانه أبو عبد الله محمد بن نصر القيسراني، وشيخ الشافعية محمد بن يحيى النيسابوري، ونصر بن أحمد بن مقاتل السوسي، وهبة الله الحاسب، والقدوة أبو الحسين المقدسي الزاهد.
4971 - عبد الخالق
(1)
:
بن زاهر بن طاهر بن محمد، الشيخ العالم الثقة المحدث، أبو منصور النيسابوري الشحامي.
ولد سنة خمس وسبعين وأربع مائة.
سمع من جده، وعثمان بن محمد المحمي، وأبي بكر بن خلف، وأبي القاسم عبد الرحمن بن أحمد الواحدي، والفضل بن أبي حرب، ومحمد بن إسماعيل التفليسي، ومحمد بن سهل السراج، وعبد الملك بن عبد الله الدشتي، وأبي المظفر موسى بن عمران، ومحمد بن عبيد الله الصرام، وهبة الله بن أبي الصهباء، ومحمد بن علي بن حسان البستي، وخلق سواهم.
حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، وابنه عبد الرحيم بن أبي سعد، والمؤيد الطوسي، والصفار قاسم بن عبد الله، وعدة.
قال السمعاني: كان ثقةً صدوقًا، حسن السيرة والمعاشرة، لطيف الطبع، مكثرًا من الحديث، ولما كبر كان يستملي للشيوخ والأئمة كأبيه وجده، ولما شاخ أملى بموضع أبيه وجده بالجامع المنيعي، وفقد في كائنة الغز، فلا يدرى قتل أو هلك من البرد؟ ثم سمعت بعد أنه أحرق.
كتب إلينا أبو العلاء الفرضي أن عبد الخالق مات في العقوبة والمطالبة في شوال سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
قلت: وكان متميزًا في الشروط.
ومات معه في سنة تسع: أبو الفضل أحمد بن طاهر بن سعيد بن الإمام القدوة فضل الله الميهني عن خمس وثمانين سنة، والحافظ أبو عمر أحمد بن أبي مروان عبد الملك بن محمد الإشبيلي، والظافر إسماعيل ابن الحافظ من خلفاء مصر، والمحدث حمزة بن محمد بن بحسول الهمذاني، وأبو الفتح سالم بن عبد الله بن عمر العمري الهروي، وعائشة بنت أحمد بن منصور الصفار، والعباس بن محمد بن أبي منصور العصاري عباسة الواعظ، وأبو البركات بن الفراوي، وأبو سعد محمد بن جامع الصيرفي خياط الصوف، وأبو العشائر محمد بن خليل القيسي، والقاضي فخر الدين محمد بن عبد الصمد بن الطرسوسي الحلبي ناظر الوقوف، وأبو المعمر المبارك بن أحمد الأزجي المحدث، ووزير دمشق المسيب بن الصوفي، وناصر بن محمود الصائغ بدمشق، والفقيه وهب بن سلمان بن الزنف، وأبو المحاسن نصر بن المظفر البرمكي.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 319"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 153 - 154".
4972 - عبدان
(1)
:
لمقرئ أبو محمد عبدان بن زرين بن محمد الدويني، الضرير، نزل دمشق.
وروى عن الفقيه نصر، وأبي البركات بن طاووس.
وعنه: الحافظ وابنه القاسم، وأبو المحاسن بن أبي لقمة.
مات سنة أربع وأربعين وخمس مائة.
وفيها مات أبو جعفرك أحمد بن علي البيهقي المفسر صاحب التصانيف، والقاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني قاضي تستر وكان شاعر العصر، وأسعد بن علي بن الموفق بهراة، ونائب دمشق معين الدين أنر الطغتكيني، وأبو الفتوح عبد الله بن علي الخركوشي، والحافظ لدين الله العبيدي، وأبو الحسن المرادي بحلب، والقاضي عياض بسبتة، والنحوي أبو بكر محمد بن مسعود ابن أبي ركب الخشني
4973 - هبة الله بن الحسين
(2)
:
بن علي بن محمد بن عبد الله، الشيخ المعمر المسند، أبو القاسم ابن أبي عبد الله بن أبي شريك البغدادي الحاسب.
قال: ولدت في صفر سنة إحدى وستين وأربع مائة.
سمع أباه، وأبا الحسين بن النقور.
قال السمعاني: كتبت عنه، وكان على التركات، وكانت الألسنة مجمعةً على الثناء السيئ عليه، وكانوا يقولون: إنه ليست له طريقة محمودة، مات في صفر -أو أوائل ربيع الأول- سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
قلت: وروى عنه: أبو الفرج بن الجوزي، وأبو الفتوح محمد بن علي الجلاجلي، والفتح بن عبد السلام، وآخرون، وأجاز لمحمد بن عماد الحراني.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد الله الكاتب، أخبرنا هبة الله بن أبي شريك، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى بن علي، أخبرنا يحيى بن محمد، حدثنا
(1)
ترجمته في تبصير المنتبه "2/ 602".
(2)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 152"، وميزان الاعتدال "4/ 292".
عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن زيد بن خالد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جهر غازيًا أو حاجًا أو معتمرًا أو خلفه في أهله، فله مثل أجره"
(1)
.
(1)
صحيح: أخرجه أحمد "4/ 114 - 115 و 116" و"5/ 192"، والحميدي "818"، والترمذي "1629"، وابن ماجه "2759"، والدارمي "2/ 209"، وسعيد بن منصور في "سننه""2328"، والطبراني في "الكبير""5267" و"5268" و"5270 - 5277"، وفي "الصغير""836"، والبيهقي "4/ 230" من طرق عن عطاء، به.
وأخرجه الطيالسي "956"، وأحمد "4/ 115 و 116 و 117" و"5/ 193"، والبخاري "2843"، ومسلم "1895"، وأبو داود "2509"، والترمذي "1628"، والنسائي "6/ 46"، وسعيد بن منصور "2325" وابن الجارود "1037"، والطبراني في "الكبير""5225 - 5234"، والبيهقي "9/ 28 و 47 و 172" من طرق عن بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجهني، به.
4974 - الحرضي
(1)
:
المعمر الصالح، أبو نصر، محمد بن منصور بن عبد الرحيم، الحرضي النيسابوري، من بيت حشمة نزل به الزمان.
سمع القشيري، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، والفضل بن المحب، وعثمان المحمي.
وعنه: عبد الرحيم بن السمعاني، وأبوه.
توفي في شعبان سنة سبع وأربعين وخمس مائة وله تسعون سنة.
4975 - الرشاطي
(2)
:
الشيخ الإمام الحافظ المتقن النسابة، أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن أحمد اللخمي الأندلسي المريي الرشاطي.
يروي عن: أبي علي الغساني، وأبي الحسن بن الدش، وأبي علي ابن سكرة، وابن فتحون، وجماعة.
وصنف فيما ذكر أبو جعفر بن الزبير كتابه الحافل المسمى بـ"اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب رواة الآثار"، وكتاب "الإعلام بما في كتاب المختلف والمؤتلف للدارقطني من الأوهام"، وكتاب انتصاره من القاضي أبي محمد بن عطية، وغير ذلك.
وكان ضابطًا محدثًا متقنًا إمامًا، ذاكرًا للرجال، حافظًا للتاريخ والأنساب، فقيهًا بارعًا، أحد الجلة المشار إليهم.
روى عنه: أبو محمد بن عبيد الله، وأبو بكر بن خير، وابن مضاء، وأبو خالد بن رفاعة، وأبو محمد بن عبد الرحيم، وأبو بكر بن أبي جمرة ..
إلى أن قال: استشهد عند دخول العدو المرية في جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة وقد قارب التسعين، رحمه الله.
وقيل: إنه ولد في جمادى الآخرة سنة ست وستين وأربع مائة.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 127"، وتبصير المنتبه "2/ 494"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 303"، وشذرات الذهب "4/ 145".
(2)
ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ ترجمة 653"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 352"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1084".
4976 - الأزجي
(1)
:
الإمام الحافظ المفيد، أبو المعمر، المبارك بن أحمد بن عبد العزيز، الأنصاري الأزجي.
سمع النعالي، وابن البطر، فمن بعدها.
وعمل "المعجم" في مجلد.
وعنه: السمعاني، وابن عساكر، وابن الجوزي، والكندي.
وثقه ابن نقطة.
مات سنة تسع وأربعين وخمس مائة عن أربع وسبعين سنة.
4977 - ابن الطلاية
(2)
:
الشيخ الصادق الزاهد القدوة، بركة المسلمين، أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن أحمد بن عبد الله بن محمد، عرف بابن الطلاية، الكاغدي البغدادي.
ولد سنة اثنتين وستين وأربع مائة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 247"، والعبر "4/ 138"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 319"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 154".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 233"، والعبر "4/ 129 - 130"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 304"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 145 - 146".
روى جزءًا عن عبد العزيز بن علي الأنماطي، وتفرد به، وهو التاسع من "المخلصيات" انتقاء ابن البقال، وحفظ القرآن.
قال السمعاني: شيخ كبير، أفنى عمره في العبادة والقيام والصيام، لعله ما صرف ساعةً من عمره إلَّا في عبادة، وانحنى حتى لا يتبين قيامه من ركوعه إلَّا بيسير، وكان حافظًا للقرآن، لا يقبل من أحد شيئًا، وله كفاية يتقنع بها، دخلت عليه في مسجده مرات، بالعتابيين، وسألته: هل سمعت شيئًا? فقال: سمعت من أبي القاسم عبد العزيز الأنماطي.
قال السمعاني: ما ظفرنا بذلك، لكن قرأت عليه "الرد على الجهمية" لنفطويه، سمعه من أبي العباس بن قريش، وحضر سماعه معنا شيخنا أبو القاسم بن السمرقندي.
قلت: ظهر سماعه من الأنماطي بعد فراق الحافظ أبي سعد بغداد، فروى عنه الجزء يونس بن يحيى الهاشمي، وأحمد بن الحسن العاقولي، ومحمد بن محمد بن علي السمذي، وعلي بن أحمد بن العريبي، وشجاع البيطار، ومحمد بن علي بن البل، وسعيد بن المبارك بن كمونة، وعبيد الله ابن أحمد المنصوري، وعمر بن طبرزد، وأحمد بن الأصفر، وريحان بن تيكان الضرير، ومظفر بن أبي يعلى بن جحشويه، وعبد الرحمن بن تميرة، وعبد الله بن محاسن بن أبي شريك، وعبد الخالق بن عبد الرحمن الصياد، وعبد السلام بن المبارك البردغولي، وأحمد بن يوسف بن صرما، والمبارك بن علي بن أبي الجود شيخ الأبرقوهي، وآخرون.
قال أبو المظفر بن الجوزي: سمعت مشايخ الحربية يحكون عن آبائهم وأجدادهم أن السلطان مسعودًا لما أتى بغداد، كان يحب زيارة العلماء والصالحين، فالتمس حضور ابن الطلاية، فقال للرسول: أنا في هذا المسجد أنتظر داعي الله في النهار خمس مرات. فذهب الرسول. فقال السلطان: أنا أولى بالمشي إليه. فزاره، فرآه يصلي الضحى، وكان يطولها يصليها بثمانية أجزاء، فصلى معه بعضها، فقال له الخادم: السلطان قائم على رأسك. فقال: أين مسعود? قال: ها أنا. قال: يا مسعود، اعدل، وادع لي، الله أكبر. ثم دخل في الصلاة، فبكى السلطان، وكتب ورقةً بخطه بإزالة المكوس والضرائب، وتاب توبةً صادقةً.
مات ابن الطلاية في حادي عشر رمضان سنة ثمان وأربعين وخمس مائة، وحمل على الرؤوس، وكانت جنازته كجنازة أبي الحسن بن القزويني، وما خلف بعده مثله، دفن إلى جانب أبي الحسين بن سمعون، رحمهما الله تعالى.
4978 - نصر بن المظفر
(1)
:
ابن الحسين بن أحمد بن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن يحيى بن خالد بن برمك بن آذروندار، المولى الرئيس، أبو المحاسن البرمكي الجرجاني ثم الهمذاني، الملقب بالشخص العزيز، أخو أبي الفتوح الفتح.
مولده ببغداد بعد الخمسين وأربع مائة، فإنه قال للسمعاني: بلغت في سنة الغرق سنة (466). ثم استوطن همذان.
سمع أبا الحسين بن النقور، وإسماعيل بن مسعدة ببغداد، وأبا عمرو عبد الوهاب بن مندة، وأبا عيسى عبد الرحمن بن زياد، وسليمان بن إبراهيم الحافظ بأصبهان.
وانفرد بأكثر مسموعاته، وعمر دهرًا، وقصده الطلبة.
قال السمعاني: هو شيخ مسن، كان يصلي ببعض الأتراك، وكان يلقب بشخص، قرأت عليه كتاب الاستئذان لابن المبارك.
وقال ابن النجار: أكثر الأسفار، ودخل خراسان وبخارى وسمرقند وكاشغر والسند ودمشق.
قلت: حدث عنه: السمعاني، وأبو العلاء العطار وابنه عبد البر، وداود بن معمر، ومحمد بن أحمد الروذراوري، وأحمد بن شهريار، وعبد الهادي بن علي الواعظ، ووكيع بن مانكديم، وعبد الجليل بن مندوية، وعدة.
قال ابن النجار: توفي ليلة القدر سنة تسع وأربعين وخمس مائة، وقيل: مات سنة خمسين في ربيع الآخر.
4979 - ابن البنا
(2)
:
الشيخ الصالح الخير الصدوق، مسند بغداد، أبو القاسم سعيد بن الشيخ أبي غالب أحمد بن الحسن بن أحمد بن البنا، البغدادي الحنبلي.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 138"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 319"، وشذرات الذهب 4/ 154".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 251"، والعبر "4/ 139 - 140"، والنجوم الزاهرة "5/ 321"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 155".
ولد سنة سبع وستين وأربع مائة.
سمع أبا القاسم بن البسري، وأبا نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن، وجماعة.
حدث عنه: ابن عساكر، وأبو سعد السمعاني، وابن الجوزي، وعبد الرحمن بن عمر بن الغزال، وعبد الله بن محاسن، وعلي بن مبارك الصائغ، وريحان بن تيكان الضرير، وموسى بن الشيخ عبد القادر، وأبو العباس محمد بن عبد الله الرشيدي، وعلي بن محمد السقاء، وعبد الرحمن بن المبارك المشتري، وثابت بن مشرف، وصالح بن القاسم بن كور، وظفر بن سالم البيطار، ومسمار بن العويس، والفتح بن عبد السلام، وأبو المنجى عبد الله بن اللتي خاتمة من سمع منه، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسين بن المقير.
توفي في رابع عشر ذي الحجة سنة خمسين وخمس مائة.
ومات أبوه سنة بضع وعشرين.
ومات جده سنة سبعين وأربع مائة.
ومات ولده أبو محمد الحسن بن أبي القاسم سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة وله نحو من ثمانين سنة، يروي عن جعفر السراج، وأبي غالب بن الباقلاني.
4980 - ابن ناصر
(1)
:
الإمام المحدث الحافظ، مفيد العراق، أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر السلامي البغدادي.
مولده في سنة سبع وستين وأربع مائة.
وربي يتيمًا في كفالة جده لأمه الفقيه أبي حكيم الخبري.
توفي أبوه المحدث ناصر شابًا، فلقنه جده أبو حكيم القرآن، وسمعه من أبي القاسم علي بن أحمد بن البسري، وأبي طاهر بن أبي الصقر الأنباري.
ثم طلب، وسمع من: عاصم بن الحسن، ومالك بن أحمد البانياسي، وأبي الغنائم بن أبي عثمان، ورزق الله التميمي، وطراد الزينبي، وابن طلحة النعالي، ونصر بن البطر، وأبي
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 252"، واللباب لابن الأثير "2/ 161"، والعبر "4/ 140" وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1079"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 320"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 155 - 156".
بكر الطريثيثي، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي، والحسين بن علي بن البسري، وأبي منصور الخياط، ومحمد بن عبد السلام الأنصاري، وأبي الفضل بن خيرون، وجعفر السراج، والمبارك ابن عبد الجبار، وخلق كثير، إلى أن ينزل إلى أبي طالب بن يوسف، وأبي القاسم بن الحصين، والقاضي أبي بكر، وإسماعيل ابن السمرقندي.
وقرأ ما لا يوصف كثرةً، وحصل الأصول، وجمع وألف، وبعد صيته، ولم يبرع في الرجال والعلل.
وكان فصيحًا، مليح القراءة، قوي العربية، بارعًا في اللغة، جم الفضائل.
تفرد بإجازات عالية، فأجاز له في سنة بضع وستين في قرب ولادته الحافظ أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن، وأبو القاسم الفضل بن عبد الله بن المحب، وفاطمة بنت أبي علي الدقاق، والحافظ أبو إسحاق المصري الحبال، والحافظ أبو نصر بن ماكولا، وأبو الحسين بن النقور، والخطيب أبو محمد بن هزارمرد الصريفيني، وأبو القاسم علي بن عبد الرحمن بن عليك النيسابوري، وعدد سواهم، بادر له أبوه رحمه الله بالاستجازة، وأخذها له من البلاد ابن ماكولا.
روى عنه: ابن طاهر، وأبو عامر العبدري، وأبو طاهر السلفي، وأبو موسى المديني، وأبو سعد السمعاني، وأبو العلاء العطار، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو الفرج بن الجوزي، وأبو أحمد بن سكينة، وعبد العزيز بن الأخضر، وعبد الرزاق بن الجيلي، ويحيى بن الربيع الفقيه، والتاج الكندي، وأبو عبد الله بن البناء الصوفي، والفقيه محمد بن غنية، وداود بن ملاعب، وعبد العزيز بن الناقد، وأحمد بن ظفر بن هبيرة، وموسى بن عبد القادر، وأحمد بن صرما، وأبو منصور محمد بن عفيجة، والحسن بن السيد، وآخرون، خاتمتهم بالإجازة أبو الحسن علي بن المقير.
ومما أخطأ فيه الحافظ ابن مسدي المجاور أنه قرأ في "الجعديات" أو كلها على ابن المقير، أنبأنا ابن ناصر، أنبأنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا ابن أبي شريح، أخبرنا البغوي. ولا ريب أن المليحي سمع الكتاب، والنسخة عندي مكتوبة عن المليحي، لكنه مات قبل أن يولد ابن ناصر بأربع سنين.
قال الشيخ جمال الدين ابن الجوزي: كان شيخنا ثقةً حافظًا ضابطًا من أهل السنة، لا مغمز فيه، تولى تسميعي، سمعت بقراءته مسند أحمد والكتب الكبار، وعنه أخذت علم الحديث، وكان كثير الذكر، سريع الدمعة.
قال السمعاني: كان يحب أن يقع في الناس. فرد ابن الجوزي هذا، وقبحه، وقال: صاحب الحديث يجرح ويعدل، أفلا تفرق يا هذا بين الجرح والغيبة?! ثم قال: وهو قد احتج بكلام ابن ناصر في كثير من التراجم في "الذيل" له. ثم بالغ ابن الجوزي في الحط على أبي سعد، ونسبه إلى التعصب البارد على الحنابلة، وأنا فما رأيت أبا سعد كذلك، ولا ريب أن ابن ناصر يتعسف في الحط على جماعة من الشيوخ، وأبو سعد أعلم بالتاريخ، وأحفظ من ابن الجوزي ومن ابن ناصر، وهذا قوله في ابن ناصر في "الذيل"، قال: هو ثقة حافظ دين متقن ثبت لغوي، عارف بالمتون والأسانيد، كثير الصلاة والتلاوة، غير أنه يحب أن يقع في الناس، وهو صحيح القراءة والنقل، وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين من أبي طاهر الأنباري.
وقال ابن النجار في "تاريخه": كان ثقةً ثبتًا، حسن الطريقة، متدينًا، فقيرًا متعففًا، نظيفًا نزهًا، وقف كتبه، وخلف ثيابًا خليعًا وثلاثة دنانير، ولم يعقب، سمعت ابن سكينة وابن الأخضر وغيرهما يكثرون الثناء عليه، ويصفونه بالحفظ والإتقان والديانة والمحافظة على السنن والنوافل، وسمعت جماعةً من شيوخي يذكرون أنه وابن الجواليقي كانا يقرآن الأدب على أبي زكريا التبريزي، ويطلبان الحديث، فكان الناس يقولون: يخرج ابن ناصر لغوي بغداد، ويخرج أبو منصور بن الجواليقي محدثها، فانعكس الأمر، وانقلب ..
قلت: قد كان ابن ناصر من أئمة اللغة أيضًا.
قال ابن النجار: سمعت ابن سكينة يقول: قلت لابن ناصر: أريد أن أقرأ عليك ديوان المتنبي، وشرحه لأبي زكريا التبريزي. فقال: إنك دائمًا تقرأ علي الحديث مجانًا، وهذا شعر، ونحن نحتاج إلى نفقة. قال: فأعطاني أبي خمسة دنانير، فدفعتها إليهن وقرأت الكتاب.
وقال أبو طاهر السلفي: سمع ابن ناصر معنا كثيرًا، وهو شافعي أشعري، ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع، ومات عليه، وله جودة حفظ وإتقان، وحسن معرفة، وهو ثبت إمام.
وقال أبو موسى المديني: هو مقدم أصحاب الحديث في وقته ببغداد.
أنبؤونا عن ابن النجار قال: قرأت بخط ابن ناصر وأخبرنيه عنه سماعًا يحيى بن الحسين قال: بقيت سنين لا أدخل مسجد أبي منصور الخياط، واشتغلت بالأدب على التبريزي، فجئت يومًا لأقرأ الحديث على الخياط، فقال: يا بني، تركت قراءة القرآن، واشتغلت بغيره?!
عد، واقرأ علي ليكون لك إسناد، فعدت إليه في سنة اثنتين وتسعين، وكنت أقول كثيرًا: اللهم بين لي أي المذاهب خير. وكنت مرارًا قد مضيت إلى القيرواني المتكلم في كتاب التمهيد للباقلاني، وكأن من يردني عن ذلك. قال: فرأيت في المنام كأني قد دخلت المسجد إلى الشيخ أبي منصور، وبجنبه رجل عليه ثياب بيض ورداء على عمامته يشبه الثياب الريفية، دري اللون، عليه نور وبهاء، فسلمت، وجلست بين أيديهما، ووقع في نفسي للرجل هيبة وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جلست التفت إلي، فقال لي: عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ. ثلاث مرات، فانتبهت مرعوبًا، وجسمي يرجف، فقصصت ذلك على والدتي، وبكرت إلى الشيخ لأقرأ عليه، فقصصت عليه الرؤيا، فقال: يا ولدي، ما مذهب الشافعي إلَّا حسن، ولا أقول لك: اتركه، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشعري. فقلت: ما أريد أن أكون نصفين، وأنا أشهدك، وأشهد الجماعة أنني منذ اليوم على مذهب أحمد بن حنبل في الأصول والفروع. فقال لي: وفقك الله. ثم أخذت في سماع كتب أحمد ومسائله والتفقه على مذهبه، وذلك في رمضان سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة.
قال ابن الجوزي وغيره: توفي ابن ناصر في ثامن عشر شعبان سنة خمسين وخمس مائة.
ثم قال ابن الجوزي: حدثني الفقيه أبو بكر بن الحصري، قال: رأيت ابن ناصر في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك? قال: غفر لي، وقال لي: قد غفرت لعشرة من أصحاب الحديث في زمانك لأنك رئيسهم وسيدهم.
قلت: ومات معه في السنة الخطيب المعمر أبو الحسن علي بن محمد المشكاني راوي "تاريخ البخاري الصغير"، ومقرئ العراق أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهروزوري، ومفتي خراسان الفقيه محمد بن يحيى صاحب الغزالي، وقاضي مصر وعالمها أبو المعالي مجلي بن جميع القرشي صاحب كتاب الذخائر في المذهب، والواعظ الكبير أبو زكريا يحيى بن إبراهيم السلماسي، ومسند نيسابور أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن العصائدي عن بضع وثمانين سنة، والشيخ أبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب جد الفتح بن عبد الله ببغداد.
أخبرتنا أم محمد زينب بنت عمر بن كندي ببعلبك سنة ثلاث وتسعين عن أبي الفتح أحمد بن ظفر بن يحيى ابن الوزير، أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي الصقر الخطيب في سنة 473، أخبرنا محمد بن الفضل الفراء بمصر بقراءتي، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ابن خروف إملاءً، حدثنا طاهر بن عيسى، حدثنا أصبغ بن الفرج، حدثنا
ابن وهب، حدثنا معاوية بن صالح، عن خالد بن كريب، عن مالك بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك الأشعري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، ويضرب على رؤوسهم بالمعازف، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم قردةً وخنازير"
(1)
.
(1)
ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 342"، والبخاري في "التاريخ الكبير""1/ 305"، وأبو داود "3688"، وابن ماجه "420"، والطبراني "3419"، والبيهقي في "السنن""8/ 295" من طرق عن معاوية بن صالح، حدثني حاتم بن حريث، عن مالك بن أبي مريم، به.
قلت: إسناده ضعيف، مالك بن أبي مريم، مجهول، لم يرو عنه غير حاتم بن حريث، ولم يوثقه غير ابن حبان كعادته في توثيق المجاهيل والمجروحين. وقال الذهبي: لا يعرف. وقال ابن حزم: لا يدري من هو. ولقوله: "يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها" شواهد عن عدد من الصحابة يصح بها: -فمنها عن عائشة: عند الحاكم "4/ 147"، والبيهقي "8/ 294 - 295".
وعن عبادة بن الصامت: عند أحمد "5/ 318"، وابن ماجه "3385".
وعن أبي أمامة الباهلي عند ابن ماجه "3384".
4981 - الجنيد بن محمد
(1)
:
الإمام القدوة المحدث، أبو القاسم القايني، نزيل هراة، وشيخ الصوفية.
سمع أبا بكر بن ماجة، وسليمان الحافظ بأصبهان، وأبا الفضل محمد بن أحمد العارف وغيره بطبس، وسمع بهراة محمد بن علي العميري، ونجيب بن ميمون، وبمرو من أبي المظفر السمعاني.
قال أبو سعد السمعاني: سمعت جماعة كتب منه، مولده سنة ست وستين وأربع مائة، ومات في رابع عشر شوال سنة سبع وأربعين وخمس مائة.
وقال ابن النجار: كان فقيهًا فاضلًا، محدثًا صدوقًا، موصوفًا بالعبادة، تفقه على أبي المظفر، وحصل الأصول، وسمع بقاين من الحسن ابن إسحاق التوني. روى عنه ابن ناصر، وابن عساكر.
قلت: وزنكي بن أبي الوفاء المروزي، وأبو روح الهروي، وعبد الرحيم بن السمعاني، وطائفة.
(1)
ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "7/ 54 - 56".
4982 - حنبل بن علي
(1)
:
أبو جعفر البخاري، ثم السجستاني الصوفي، نزيل هراة.
روى عن: شيخ الإسلام، وأبي عامر الأزدي، ونجيب الواسطي، وأبي نصر الترياقي، وابن طلحة النعالي، وأبي الخطاب بن البطر، وعدة.
وعنه: السمعاني، وابن عساكر، وأبو روح عبد المعز، وجماعة. وكان كيسًا ظريفًا.
توفي بهراة، في شوال، سنة إحدى وأربعين وخمس مائة وله سبع وسبعون سنة، رحل وهو أمرد.
4983 - الكروخي
(2)
:
الشيخ الإمام الثقة، أبو الفتح، عبد الملك بن أبي القاسم عبد الله بن أبي سهل بن القاسم بن أبي منصور بن ماح الكروخي الهروي.
قال: ولدت بهراة في ربيع الأول سنة اثنتي وستين وأربع مائة.
وكروخ: على يوم من هراة.
حدث بـ"جامع" أبي عيسى عن القاضي أبي عامر الأزدي، وأحمد ابن عبد الصمد الغورجي، وعبد العزيز بن محمد أبي نصر الترياقي سوى الجزء الآخر فليس عند الترياق، فسمعه من أبي المظفر عبيد الله بن علي الدهان بسماعهم من الجراحي، وأول الجزء المذكور مناقب ابن عباس، وسمع من أبي إسماعيل الأنصاري، ومحمد بن علي العميري، وحكيم ابن أحمد الإسفراييني، وأبي عطاء المليحي وعدة.
حدث عنه خلق كثير، منهم: السمعاني، وابن عساكر، وابن الجوزي، وخطيب دمشق عبد الملك بن ياسين الدولعي، وزاهر بن رستم، وأبو أحمد بن سكينة، وابن الأخضر، وابن طبرزد، وأحمد بن علي الغزنوي، وعلي بن أبي الكرم المكي البناء، وأبو اليمن الكندي، وعبد السلام بن أبي مكي القياري، وأحمد بن يحيى بن الدبيقي، ومبارك بن صدقة الباخرزي، والفقيه محمد بن معالي الحلاوي، وثابت بن مشرف البناء.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 112"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 128".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 237"، واللباب "3/ 95"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1313"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 148".
قال السمعاني: هو شيخ صالح دين خير، حسن السيرة، صدوق ثقة، قرأت عليه جامع الترمذي، وقرئ عليه عدة نوب ببغداد، وكتب به نسخة بخطه، ووقفها، ووجدوا سماعه في أصول المؤتمن الساجي، وأبي محمد بن السمرقندي، وكنت أقرأ عليه، فمرض، فنفذ له بعض السامعين شيئًا من الذهب، فما قبله، وقال: بعد السبعين واقتراب الأجل آخذ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا! ورده مع الاحتياج إليه، ثم جاور بمكة حتى توفي، وكان ينسخ كتاب أبي عيسى بالأجرة، ويتقوت.
قال ابن نقطة: كان صوفيًا من جملة من لحقته بركة شيخ الإسلام، لازم الفقر والورع إلى أن توفي بمكة في الخامس والعشرين من ذي الحجة بعد رحيل الحاج بثلاثة أيام، رحمه الله.
قلت: وهو ممن أجاز في إجازة النشتبري.
مات سنة ثمان وأربعين وخمس مائة، فقرأ شيخنا ابن الظاهري على النشتبري "جامع أبي عيسى" كله عليه عن الكروخي، وحدث أيضًا بـ"الجامع" عمر بن كرم بإجازته من الكروخي، فالكروخي في طبقة شيخ الحافظ أبي علي بن سكرة الصدفي في رواية الكتاب، والله أعلم.
4984 - البلخي
(1)
:
الذي تنسب إليه المدرسة البلخية بباب البريد، هو الإمام أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد البلخي الحنفي، نزيل دمشق، ومدرس الصادرية.
وعظ، وأقرأ، وجعلت له دار الأمير طرخان مدرسةً، وثارت عليه الحنابلة لأنه نال منهم، وكان ذا جلالة ووجاهة، ويلقب بالبرهان البلخي.
درس أيضًا بمسجد خاتون، وأبطل من حلب الأذان بحي على خير العمل.
اشتغل ببخارى على البرهان بن مازه، وناظر في الخلاف، ثم حج وجاور، وكثر أصحابه.
وحدث عن أبي المعين المكحولي، وغيره.
وعلق عنه أبو سعد السمعاني.
توفي بدمشق سنة ثمان وأربعين وخمس مائة في شعبان.
وكان كريمًا لا يدخر شيئًا.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 131"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 148".
4985 - الرطبي
(1)
:
الشيخ الجليل العدل المسند، أبو عبد الله، محمد بن عبيد الله بن سلامة بن عبيد الله بن مخلد الكرخي، من كرخ جدان، لا كرخ بغداد، ثم البغدادي ابن الرطبي، وهو ابن أخي القاضي أحمد بن سلامة ابن الرطبي.
ولد سنة ثمان وستين.
وسمع أبا القاسم بن البسري، وأبا نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن، وجماعة.
وكان جميل الأمر، لازمًا لبيته.
حدث عنه: السمعاني، وعبد الخالق بن أسد، وعبد العزيز بن الأخضر، وعمر بن أحمد بن بكرون، ومحمد بن علي بن الطراح، وداود بن ملاعب، وآخرون.
مات في شوال سنة إحدى وخمسين وخمس مائة.
قال ابن النجار: ناب في الحسبة عن عمه أحمد، وكان عفيفًا متدينًا، حسن الطريقة، شهد عند قاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي.
4986 - ابن الزاغوني
(2)
:
الشيخ المسند الكبير الصدوق، أبو بكر، محمد بن عبيد الله بن نصر ابن السري البغدادي، ابن الزاغوني المجلد.
سمعه أخوه الإمام أبو الحسن من أبي القاسم علي بن البسري، وأبي نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن، ورزق الله، ومالك البانياسي، وطراد النقيب، وأبي الفضل بن خيرون، وعدة.
وطال عمره، وعلا إسناده، وتفرد.
حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي، وابن طبرزد، والكندي، وابن ملاعب، ومحمد بن أبي المعالي بن البناء، وعبد السلام بن يوسف العبرتي، ومحاسن الخزائني، وأبو علي بن الجواليقي، وعبد السلام بن عبد الله الداهري، وأبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي، وآخرون، وآخر أصحابه بالإجازة أبو الحسن بن المقير.
قال السمعاني: شيخ صالح متدين، مرضي الطريقة، قرأت عليه أجزاء، وكان له دكان يجلد فيها.
قلت: كان غايةً في حسن التجليد، قرره المقتفي لأمر الله لتجليد خزانة كتبه.
مات في الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة، وله أربع وثمانون سنة.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 144"، وتبصير المنتبه "2/ 629"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 159".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 267"، والعبر "4/ 150"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 327"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 164".
4987 - عبد الخالق بن أحمد
(1)
:
ابن عبد القادر بن محمد بن يوسف، الشيخ الإمام الحافظ المفيد، أبو الفرج محدث بغداد مع ابن ناصر.
مولده في سنة أربع وستين وأربع مائة.
سمع أباه، وأبا نصر محمد بن محمد الزينبي، وعاصم بن الحسن، ورزق الله التميمي، ونصر بن البطر، وأبا عبد الله النعالي، وطرادًا الزينبي، وخلقًا كثيرًا، وارتحل، وسمع بأصبهان والأهواز، وألف وجمع.
حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي، والتاج الكندي، وأبو بكر عبد الله بن مبادر، وعبد الوهاب بن علي بن الإخوة، وعبد السلام البردغولي، وعبد العزيز بن الأخضر، وخلق سواهم.
قال السلفي: كان من أعيان المسلمين فضلًا ودينًا وثبتًا ومروءةً، سمع معي كثيرًا، وبه كان أنسي ببغداد، ولما حججت أودعت كتبي عنده.
وقال غيره: هو محدث حسن الخط، كثير الضبط، خير متواضع متودد، محتاط في قراءة الحديث، كتب وحصل، وخرج لنفسه.
وصفه بهذا وبأكثر منه أبو سعد السمعاني.
وتوفي في الرابع والعشرين من المحرم سنة ثمان وأربعين وخمس مائة وله أربع وثمانون سنة.
وقال ابن النجار: روى الكثير، وجمع لنفسه مشيخةً في أربعة عشر جزءًا، وكان صدوقًا فاضلًا متدينًا، كتب بخطه كثيرًا، ولم يزل يطلب ويفيد إلى حين وفاته. روى عنه الحفاظ. أحسن ابن ناصر الثناء عليه وعلى بيته.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 236"، والعبر "4/ 130 - 131"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1313"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 305"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 148".
4988 - ابن الإخوة
(1)
:
الشيخ الإمام المحدث الأديب، أبو الفضل، عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن الإخوة البغدادي اللؤلؤي، أخو عبد الرحمن، وقد مر والدهما من أعوام.
سمع بإفادة خاله الإمام أبي الحسن بن الزاغوني من أبي عبد الله بن طلحة النعالي، وأبي الخطاب بن البطر، وعدة، وارتحل، فسمع من عبد الغفار الشيروي، وأبي علي الحداد، وخلق، واستوطن أصبهان، وسمع أولاده.
ولد في سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة.
قال السمعاني: شيخ فاضل يعرف الأدب، له شعر رقيق، صحيح القراءة والنقل، قرأ الكثير بنفسه، ونسخ بخطه ما لا يدخل تحت الحد، مليح الخط سريعه، سافر إلى خراسان، وسمع بها، كتب لي بخطه جزءًا بأصبهان، وسمعت منه. سمعت يحيى بن عبد الملك المكي وكان شابًا صالحًا يقول: أفسد علي عبد الرحيم بن الإخوة سماع "معجم الطبراني"، كان يقرؤه على فاطمة، فكان يقرأ في سماعة جزءًا، أو جزأين، فقلت: لعله يقلب ورقتين، فقعدت قريبًا منه، وكنت أسارقه النظر، فعمل كما وقع لي من ترك حديث وحديثين، وتصفح ورقتين، فأحضرت نسخةً، وعارضت، فما قرأ يومئذ إلَّا يسيرًا، وظهر ذلك للحاضرين، فانقطعت.
قال السمعاني: أنا ما رأيت منه إلَّا الخير.
وقال ابن النجار: كتب ما لا يحد، وكان مليح الخط، سريع القراءة، رأيت بخطه التنبيه لأبي إسحاق، فذكر في آخره أنه كتبه في يوم واحد، وكانت له معرفة، مات بشيراز في شعبان سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في ميزان الاعتدال "2/ 603"، ولسان الميزان "4/ 3".
4989 - ابن السلار
(1)
:
الوزير الملك العادل، سيف الدين، أبو الحسن، علي بن السلار الكردي، وزير الظافر بالله العبيدي بمصر.
نشأ في القصر بالقاهرة، وتنقلت به الأحوال، وولي الصعيد وغيره، وكان الظافر قد استوزر نجم الدين سليم بن مصال أحد رؤوس الأمراء، فعظم متولي الإسكندرية ابن السلار هذا، وأقبل يطلب الوزارة، فعدى ابن مصال إلى نحو الجيزة في سنة أربع وأربعين وخمس مائة لما سمع بمجيء ابن السلار، ودخل ابن السلار، وعلا شأنه، واستولى على الممالك بلا ضربة ولا طعنة، ولقب بالملك العادل أمير الجيوش، فحشد ابن مصال، وجمع، وأقبل، فأبرز ابن السلار لمحاربته أمراء، فالتقوا، فكسر ابن مصال بدلاص، وقتل، ودخل برأسه على رمح في ذي القعدة من السنة، واستوسق الدست للعادل.
وكان بطلًا شجاعًا، مقدامًا مهيبًا شافعيًا سنيًا، ليس على دين العبيدية، احتفل بالسلفي، وبنى له المدرسة، لكنه فيه ظلم وعسف وجبروت.
قال ابن خلكان: كان جنديًا فدخل على الموفق التنيسي، فشكا إليه غرامةً، فقال: إن كلامك ما يدخل في أذني، فلما وزر اختفى الموفق، فنودي في البلد: من أخفاه فدمه هدر. فخرج في زي امرأة، فأخذ، فأمر العادل بلوح ومسمار، وسمر في أذنه إلى اللوح، ولما صرخ، قال: دخل كلامي في أذنك أم لا?
وجاء من إفريقية عباس بن أبي الفتوح بن الأمير يحيى بن باديس صبيًا مع أمه، فتزوجها العادل قبل الوزارة، ثم تزوج عباس، وجاءه ابن سماه نصرًا، فأحبه العادل، ثم جهز عباسًا إلى الشام للجهاد، فكره السفر، فأشار عليه أسامة بن منقذ -فيما قيل: بقتل العادل، وأخذ منصبه، فقتل نصر العادل على فراشه غيلةً في المحرم سنة ثمان وأربعين وخمس مائة بالقاهرة. ونصر هذا هو الذي قتل الظافر.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 485"، والعبر "4/ 131 - 132"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 299"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 149".
4990 - ابن جهير
(1)
:
الوزير الأكمل، أبو نصر، مظفر بن الوزير علي بن الوزير محمد بن محمد بن جهير.
كان معرفًا في الوزارة، ولي أستاذ دارية الخليفة المسترشد، ثم وزر للمقتفي سبعة أعوام، وعزل سنة ثنتين وأربعين.
وحدث عن الحسين بن البسري، وجماعة.
روى عنه: ابن السمعاني، ومحمد بن علي الدوري.
مات في ذي الحجة سنة تسع وأربعين وخمس مائة عن بضع وستين سنة.
4991 - البستي:
الإمام الزاهد، أبو العز، محمد بن علي بن محمد البستي الصوفي، الجوال.
سمع موسى بن عمران الأنصاري، وأبا المظفر السمعاني، والمبارك ابن الطيوري، وسمع من السلفي بميافارقين.
وأخذ عنه: السلفي، وأبو سعد السمعاني.
وكان فقيرًا مجردًا يسأل، ومن أعطاه أكثر من نصف درهم رده.
ويقال: ساءت سيرته بأخرة، سامحه الله.
مات في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة بمرو الروذ وله اثنتان وسبعون سنة. وكان شيخ فقراء.
4992 - السنجي
(2)
:
الشيخ الإمام الحافظ الخطيب، محدث مرو وخطيبها وعالمها، أبو طاهر محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله بن أبي سهل بن أبي طلحة، المروزي السنجي الشافعي المؤذن الخطيب.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 248"، والعبر "4/ 138"، والنجوم الزاهرة "5/ 318"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 154".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 240"، والعبر "4/ 132، 133"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1088"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 150".
ولد بقرية سنج العظمى، في سنة ثلاث وستين وأربع مائة أو قبلها.
وسمع إسماعيل بن محمد الزاهري، وأبا بكر محمد بن علي الشاشي الشافعي، وعلي بن أحمد بن الأخرم، ونصر الله بن أحمد الخشنامي، وفيد بن عبد الرحمن الشعراني، والشريف محمد بن عبد السلام، وثابت بن بندار، وأبا البقال الحبال، وجعفر بن أحمد السراج، وأبا الحسين بن الطيوري، وعبد الرحمن بن حمد الدوني، وخلقًا كثيرًا بخراسان والعراق وأصبهان والحجاز، وقد سمع بأصبهان من أبي بكر أحمد بن محمد بن أحمد ابن مردويه، وطبقته.
حدث عنه: السمعاني، وابن عساكر، وعبد الرحيم بن السمعاني، وجماعة.
قال أبو سعد: تفقه أولًا على جدي أبي المظفر، وعلى عبد الرحمن الرزاز، وكتب الكثير، وحصل وألف، وكان إمامًا ورعًا متهجدًا متواضعًا، سريع الدمعة، وكان من أخص أصحاب والدي حضرًا وسفرًا، سمع الكثير معه، ونسخ لنفسه ولغيره، وله معرفة بالحديث، وهو ثقة دين قانع، كثير التلاوة، كان يتولى أموري بعد والدي، وسمعت من لفظه الكثير، وكان يلي الخطابة بمرو في الجامع الأقدم، توفي في التاسع والعشرين من شوال سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
وقد سمع منه عبد الرحيم بن السمعاني "سنن النسائي" عن: الدوني، و"صحيح مسلم" بروايته عن عبد الله بن أحمد صاحب عبد الغافر الفارسي، وكتاب "الحلية" لأبي نعيم، وكتاب "الرقاق" لابن المبارك. قال: أخبرنا الزاهري، أخبرنا إسماعيل بن ينال المحبوبي.
أما:
4993 - السبخي
(1)
:
فالشيخ الإمام الفقيه الزاهد المسند، أبو طاهر، محمد بن أبي بكر ابن عثمان بن محمد السبخي البزدوي البخاري الصابوني الحنفي.
سمع في صباه من المعمر عبد الواحد بن عبد الرحمن الزبيري الوركي وجماعة، وصحب الزاهد يوسف بن أيوب.
حدث عنه السمعاني وابنه أبو المظفر.
مات ببخارى، في جمادى الأولى، سنة خمس وخمسين وخمس مائة.
كتبته للتمييز، فكل من السنجي والسبخي من مشايخ أبي المظفر السمعاني ووالده.
4994 - الشهرستاني
(2)
:
الأفضل محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني، أبو الفتح، شيخ أهل الكلام والحكمة، وصاحب التصانيف.
برع في الفقه على الإمام أحمد الخوافي الشافعي، وقرأ الأصول على أبي نصر بن القشيري، وعلى أبي القاسم الأنصاري.
وصنف كتاب "نهاية الإقدام"، وكتاب "الملل والنحل".
وكان كثير المحفوظ، قوي الفهم، مليح الوعظ.
سمع بنيسابور من أبي الحسن بن الأخرم.
قال السمعاني: كتبت عنه بمرو، وحدثني أنه ولد سنة سبع وستين وأربع مائة. ومات في شعبان سنة ثمان وأربعين وخمس مائة. ثم قال: غير أنه كان متهمًا بالميل إلى أهل القلاع والدعوة إليهم، والنصرة لطاماتهم.
وقال في "التحبير": هو من أهل شهرستانه، كان إمامًا أصوليًا، عارفًا بالأدب وبالعلوم المهجورة. قال: وهو متهم بالإلحاد، غال في التشيع.
وقال ابن أرسلان في "تاريخ خوارزم": عالم كيس متفنن، ولولا ميله إلى أهل الإلحاد وتخبطه في الاعتقاد، لكان هو الإمام، وكثيرًا ما كنا نتعجب من وفور فضله كيف مال إلى شيء لا أصل له?! نعوذ بالله من الخذلان، وليس ذلك إلَّا لإعراضه عن علم الشرع، واشتغاله بظلمات الفلسفة، وقد كانت بيننا محاورات، فكيف يبالغ في نصرة مذاهب الفلاسفة والذب عنهم، حضرت وعظه مرات، فلم يكن في ذلك قال الله ولا قال رسوله، سأله يومًا سائل، فقال: سائر العلماء يذكرون في مجالسهم المسائل الشرعية، ويجيبون عنها بقول أبي حنيفة والشافعي، وأنت لا تفعل ذلك?! فقال: مثلي ومثلكم كمثل بني إسرائيل يأتيهم المن والسلوى، فسألوا الثوم والبصل
…
إلى أن قال ابن أرسلان: مات بشهرستانة سنة تسع وأربعين وخمس مائة. قال: وقد حج سنة عشر وخمس مائة، ووعظ ببغداد.
(1)
ترجمته في اللباب لابن الأثير "2/ 99"، وتبصير المنتبه "2/ 719".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 611"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1313"، ولسان الميزان "5/ 263 - 264"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 305"، وشذرات الذهب "4/ 149".
4995 - عباسة:
الواعظ العالم، أبو محمد، العباس بن محمد بن أبي منصور الطابراني الطوسي العصاري، راوي الكشف والبيان في التفسير للثعلبي عن محمد بن سعيد الفرخرادي، عن مؤلفه.
وسمع: أبا الحسن بن الأخرم.
وعنه: المؤيد الطوسي، وعبد الرحيم السمعاني، وأبو سعد الصفار.
هلك في دخول الغز نيسابور سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
4996 - الشهرزوري
(1)
:
الإمام المقرئ المجود الأوحد، شيخ القراء، أبو الكرم، المبارك بن الحسن بن أحمد بن علي بن فتحان الشهرزوري البغدادي، مصنف كتاب "المصباح الزاهر في العشرة البواهر".
ولد في ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وأربع مائة.
وسمع من إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي، ورزق الله التميمي، وأبي الفضل بن خيرون، وطراد الزينبي، وأجاز له أبو الحسين بن المهتدي بالله، وعبد الصمد بن المأمون، وأبو محمد بن هزارمرد، وأبو الحسين بن النقور، قاله السمعاني.
وقال: شيخ صالح دين خير، قيم بكتاب الله، عارف باختلاف الروايات والقراءات، حسن السيرة، جيد الأخذ على الطلاب، عالي الروايات.
قلت: تلا على رزق الله، وعبد السيد بن عتاب، ويحيى بن أحمد السيبي، والشريف عبد القاهر المكي، ومحمد بن أبي بكر القيرواني، وأبي البركات الوكيل، وأحمد بن مبارك الأكفاني، وأبي علي الحسن بن محمد الكرماني الزاهد صاحب الحسين بن علي بن عبيد الله الرهاوي، والحسن الشهرزوري والده.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 254"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1292"، والعبر "4/ 141" وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 157".
قرأ عليه خلق، منهم: عمر بن بكرون النهرواني، ومحمد بن محمد بن الكال الحلي، وصالح بن علي الصرصري، وأبو يعلى حمزة بن القبيطي، وعبد الواحد بن سلطان، ويحيى بن الحسين الأواني، وأحمد بن الحسن العاقولي، وزاهر بن رستم إمام المقام، وعبد العزيز بن أحمد بن الناقد، ومشرف بن علي الخالصي الضرير، وعلي بن أحمد الواسطي الدباس، وأبو العباس محمد بن عبد الله الراشيدي الضرير، وعدة.
وحدث عنه كثير من هؤلاء، ومحمد بن أبي المعالي بن البناء، وأسعد بن علي بن علي بن صعلوك، والفتح بن عبد السلام، وآخرون، وأجاز لأبي الحسن ابن المقير.
انتهى إليه علو الإسناد في القراءات، فإنه قرأ ختمةً لقالون على رزق الله، عن قراءته على الحمامي، وتلا لورش على أحمد بن مبارك قال: قرأت بها إلى "سبأ" على الحمامي، وتلا للدوري على يحيى السيبي، ورزق الله، وأبي نصر أحمد بن علي الهاشمي، عن تلاوتهم على الحمامي.
مات في الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة خمسين وخمس مائة، ودفن إلى جانب الحافظ أبي بكر الخطيب.
وفيها مات ابن ناصر، وإسماعيل بن عبد الرحمن العصائدي، وسعيد بن البناء، وسعيد بن الحسين الجوهري، وعبيد الله بن حمزة العلوي الهروي، والخطيب علي بن محمد بن أحمد المشكاني، وأبو الفتح محمد بن علي بن عبد السلام الكاتب، والقاضي مجلي بن جميع المخزومي المصري مصنف كتاب الذخائر، ويحيى بن إبراهيم السلماسي الواعظ.
4997 - ابن خميس
(1)
:
الفقيه الإمام، أبو عبد الله، الحسين بن نصر بن محمد بن حسين بن محمد بن خميس الجهني الكعبي الموصلي الشافعي.
ولد سنة ست وستين وأربع مائة، ضبطه عنه السمعاني.
قدم بغداد وهو حدث، فتفقه على الغزالي، وسمع من طراد الزينبي، وابن طلحة النعالي، والقاضي محمد بن المظفر الشامي، وأبي عبد الله الحميدي، وعدة.
وسمع بالموصل من أبي نصر بن ودعان.
وولي قضاء الرحبة مدة، ثم رجع إلى بلده.
وقد قدم بغداد بعد الأربعين وخمس مائة، فحدث بها، فروى عنه: سليمان وعلي ابنا محمد الموصلي، وجماعة، وما وقع لنا حديثه بالعلو.
قال أبو سعد السمعاني: قرأت عليه أحاديث، وهو إمام فاضل، بهي المنظر، حسن الأخلاق، مليح الشيبة، كثير المحفوظ.
وقال ابن النجار: أنبأني الحسن بن علي بن عمار الواعظ قال: توفي ابن خميس في تاسع ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة.
قال: وله مصنفات: "منهج التوحيد"، "تحريم الغيبة"، "أخبار المنامات"، "لؤلؤة المناسك"، "مناقب الأبرار"، "فرح الموضح على مذهب زيد بن ثابت"، "منهج المريد".
وفيها توفي أبو علي أحمد بن أحمد بن علي بن الخراز الحريمي، وقاضي واسط أبو العباس أحمد بن بختيار بن علي المندائي، وصاحب نصيبين شمس الملوك إبراهيم بن الملك رضوان بن السلطان تتش السلجوقي، وشيخ ما وراء النهر أبو علي الحسن بن الحسين الأندقي الزاهد، والسلطان الكبير سنجر بن ملكشاه بمرو، وأبو منصور عبد الباقي ابن محمد التميمي بدمشق، وعبد الصبور بن عبد السلام الهروي، وأبو مروان عبد الملك بن مسرة اليحصبي القرطبي، وأبو عمرو عثمان بن علي البيكندي ببخارى، وأبو حفص عمر بن عبد الله الحربي المقرئ، والإمام صدر الدين محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن ثابت الخجندي، والمسند أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغوني، والفقيه أبو الحسن محمد بن المبارك بن محمد بن الخل الشافعي، ومحمد بن مسعود بن الشدنك أبو الغنائم -يروي عن عاصم بن الحسن- وقاضي نيسابور برهان الدين منصور بن محمد بن أحمد الصاعدي، وأبو القاسم نصر بن نصر العكبري الواعظ.
(1)
ترجمته في الباب "1/ 318"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 188"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 162".
4998 - القيسي
(1)
:
الشيخ أبو العشائر محمد بن الخليل بن فارس القيسي الدمشقي، المعروف بالكردي.
سمع من الفقيه نصر وصحبه، ومن أبي القاسم بن أبي العلاء، والحسن بن أبي الحديد.
وسكن بعلبك، وخدم متوليها، ثم قدم.
روى عنه: ابن عساكر وابنه القاسم، وابن أخيه زين الأمناء، وآخرون.
مات ببعلبك في ذي الحجة سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 137"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 319"، وشذرات الذهب "4/ 154".
4999 - حامد بن أبي الفتح
(1)
:
الحافظ الزاهد الورع الإمام أبو عبد الله المديني.
سمع أبا علي الحداد، ويحيى بن مندة، وارتحل، فسمع بشيراز من عبد الرحيم بن محمد، وببغداد من هبة الله بن الحصين، وأبي العز بن كادش.
روى عنه: أبو سعد السمعاني وابنه عبد الرحيم بن السمعاني، وعبد الخالق بن أسد في "معجمه".
وكان من علماء الحديث.
مولده في سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة.
قال أبو موسى المديني: توفي الشيخ الزاهد الحافظ حامد المديني بيزدشير كرمان في شعبان سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
5000 - الخطير:
الكاتب الصدر المنشئ الباهر، خطير الدولة أبو عبد الله، صاحب الخبر بديوان الزمام، وله باع مديد في النثر والنظم. وصنف خمسين مقامة.
وروى عن أحمد بن عبد القادر اليوسفي.
وأخذ عن: أبي زكريا التبريزي.
سمع منه ابن الخشاب، وأحمد بن طارق.
وكان غاليًا في الرفض، متهمًا في الرواية.
مات سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة، ذكره ابن النجار وغيره.
واسمه الحسين بن إبراهيم بن خطاب.
(1)
ترجم له المؤلف قريبًا برقم ترجمة عام "4966".
5001 - العكبري
(1)
:
الشيخ الإمام الواعظ، أبو القاسم، نصر بن نصر بن علي بن يونس، العكبري الشافعي.
ولد سنة ست وستين وأربع مائة.
وسمع أبا القاسم بن البسري، وعاصم بن الحسن، وأبا الغنائم بن أبي عثمان، ونظام الملك، وأبا الليث التنكتي.
حدث عنه: السمعاني، وابن سكينة، وابن الأخضر، وحفيده محمد بن علي بن نصر، وعبد السلام الداهري، وعمر بن كرم، وداود بن ملاعب، وأبو علي بن الجواليقي، وأبو الحسن بن القطيعي، وسعيد بن محمد الرزاز، آخرون، وأجاز لأبي الحسن ابن المقير.
قال السمعاني: شيخ واعظ متودد متواضع.
وقال ابن النجار: كان يتكلم في الأعزية.
وقال ابن الجوزي: كان ظاهر الكياسة، يعظ وعظ المشايخ، ويتخيره الناس لعمل الأعزية، ونشا ولده أبو محمد على طريقته.
مات أبو القاسم في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة.
5002 - الشلبي
(2)
:
العلامة ذو الفنون، أبو محمد، عبد الله بن عيسى بن عبد الله بن أحمد بن سعيد الأندلسي، من بيت علم ووزارة وقضاء. حج وجاور، ثم قدم بغداد وخراسان.
قال السمعاني: اجتمعت به بهراة، فوجدته بحرًا لا ينزف من الحديث والفقه والنحو وغير ذلك. سمع أبا بحر بن العاص، والحسن بن عمر الهوزني، وأبا غالب بن البناء، وزاهرًا الشحامي، وكان ذا زهد، وتعبد وجلالة، توفي بهراة سنة ثمان وأربعين وخمس مائة وله أربع وستون سنة.
قلت: روى عنه أبو المظفر بن السمعاني.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 270"، والعبر "4/ 150"، والنجوم الزاهرة "5/ 327" وشذرات الذهب "4/ 166".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 235".
5003 - الفامي
(1)
:
الشيخ الإمام المحدث الحافظ، أبو النضر، عبد الرحمن بن عبد الجبار بن عثمان بن منصور الهروي الفامي الشروطي العدل.
مولده في سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة.
سمع أبا إسماعيل الأنصاري، ومحمد بن علي العميري، ونجيب بن ميمون الواسطي، والقاضي أبا عامر الأزدي وطبقتهم، وارتحل في كهولته للحج فيما أرى، فسمع من هبة الله بن علي البخاري، وأبي القاسم بن الحصين.
حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، وأبو روح عبد المعز البزاز، وجماعة.
قال السمعاني: كان حسن السيرة، جميل الطريقة، دمث الأخلاق، كثير الصدقة والصيام، دائم الذكر، متوددًا متواضعًا، له معرفة بالحديث والأدب، يكرم الغرباء، ويفيدهم عن الشيوخ، وكان ثقةً مأمونًا، كتبت عنه بهراة ونواحيها، مات في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة ست وأربعين وخمس مائة.
قلت: ولقبه ثقة الدين، وله "تاريخ" صغير.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا أبو روح، أخبرنا أبو النضر الحافظ، أخبرنا زيد بن الفضل، أخبرنا علي بن أبي طالب، أخبرنا أبو علي الرفاء، حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت أن ينتبذ فيه
(2)
.
5004 - المبارك بن كامل
(3)
:
ابن أبي غالب الخفاف، الشيخ العالم المحدث، مفيد العراق، أبو بكر البغدادي الظفري.
(1)
ترجمته في تذكرة الحافظ "4/ ترجمة 1086"، والعبر "4/ 124"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 301"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 140" ووقع عنده [أبو نصر] بالصاد المهملة بدل [أبو نضر] بالضاد المعجمة.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري "5587"، ومسلم "1992"، والنسائي "8/ 305"، من حديث أنس، به.
(3)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 208"، والعبر "4/ 119 - 120"، ولسان الميزان "5/ 11 - 12"، وشذرات الذهب "4/ 135 - 136".
مولده في سنة تسعين وأربع مائة.
سمع أبا القاسم بن بيان، وأبا علي بن نبهان، وابن فتحان الشهرزوري، وأبا طالب بن يوسف، وابن الحصين، وأممًا لا يحصون.
أفنى عمره في الطلب، وكتب عمن دب ودرج، وسمع العالي والنازل، لا يسمع بمن يقدم إلَّا ويبادر إلى السماع منه.
قال ابن الجوزي: أبو بكر المفيد يعرف أبوه بالخفاف، سمع خلقًا كثيرًا، وما زال يسمع ويتبع الأشياخ في الزوايا، وينقل السماعات، فلو قيل: إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ، لما رد قول القائل، وانتهت إليه معرفة المشايخ ومقدار ما سمعوا، وعلم الإجازات لكثرة دربته، صحب هزارسب بن عوض، ومحمودًا الأصبهاني، إلَّا أنه كان قليل التحقيق فيما ينقل لكونه كان يأخذ عن ذلك ثمنًا، كان فقيرًا، كثير الأولاد والتزوج.
قال السمعاني: سريع القراءة والخط، يشبه بعضه بعضًا في الرداءة، سمع مني، وسمعت منه، توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة.
قال ابن النجار: جمع كتاب "سلوة الأحزان" نحو ثلاث مائة جزء أو أكثر، روى لنا عنه ولداه يوسف ولامعة، وأبو محمد الغراد، وكان صدوقًا مع قلة فهمه ومعرفته.
5005 - ابن الخل
(1)
:
الشيخ الإمام المفتي، شيخ الشافعية، أبو الحسن، محمد بن أبي البقاء المبارك بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الخل البغدادي.
تفقه على أبي بكر الشاشي المستظهري، ودرس وأفتى، وصنف وأفاد وتفرد ببغداد بالفتوى في مسألة الدور لابن سريج.
وهو أول من علق على كتاب التنبيه شرحًا، وله كتاب في أصول الفقه.
وقد سمع من ابن طلحة النعالي، ونصر بن البطر، وثابت بن بندار، والحسين بن علي بن البسري، وجعفر السراج، وأبي بكر الطريثيثي، ومحمد بن عبد السلام الأنصاري، وعدة.
حدث عنه: السمعاني، وعبد الخالق بن أسد، وأحمد بن طارق الكركي، والفتح بن عبد السلام، وأبو الحسن القطيعي، وآخرون.
وكان مقدمًا في كتاب المنسوب، فقيل: كانوا يأخذون خطه في الفتاوى لمجرد خطه البديع في بعض الوقت.
قال السمعاني: هو أحد الأئمة الشافعية ببغداد، مصيب في فتاويه، وله السيرة الحسنة، والطريقة الحميدة، خشن العيش، تارك للتكلف، على طريقة السلف، حلس مسجده الذي بالرحبة. ولد سنة خمس وسبعين وأربع مائة، ومات في المحرم سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة، وقع لي الجزء الأول من "مشيخته".
ومات معه في العام أخوه أبو الحسين أحمد الشاعر المشهور عن سبعين سنة، وقيل: اسم أبي الحسين: الحسن، كذا سماه ابن النجار.
أخبرنا علي بن أحمد الهاشمي، أخبرنا محمد بن أحمد المؤرخ، أخبرنا محمد بن المبارك الفقيه سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، أخبرنا الحسين بن علي، أخبرنا عبد الله بن يحيى السكري، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا عباس بن عبد الله الترقفي، حدثنا محمد بن يوسف، عن سفيان، عن سهيل بن أبي صالح، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وستون، أو بضع وسبعون بابًا، أفضلها شهادة أن لا إله إلَّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"
(2)
. هذا حديث صحيح عال.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 269"، ووفيات الأعيان "4/ ترجمة 593"، والعبر "4/ 150"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 327"، وشذرات الذهب "4/ 164 - 165".
(2)
صحيح: أخرجه أحمد "2/ 414"، وابن أبي شيبة "11/ 40"، ومسلم "35"، وأبو داود "4676"، والنسائي "8/ 110"، وابن ماجه "57"، وابن منده في "الإيمان""147" و"171" و"172"، والبغوي "17" و"18"، والآجرى في "الشريعة""110" من طريق عبد الله بن دينار، به.
5006 - بكبرة
(1)
:
الشيخ الفاضل العابد الخير، أبو الفتح، عبد السلام بن أحمد بن إسماعيل الهروي الإسكاف المقرئ.
سمع أبا عاصم الفضيل بن يحيى، ومحمد بن عبد العزيز الفارسي، وشيخ الإسلام، وروى جامع أبي عيسى عن أبي الظفر عبد الله بن عطاء.
وعنه: السمعاني وابنه عبد الرحيم، وأبو الضوء الشهاب الشذباني، وعبد المعز الصوفي، وحماد الحراني، ونصر بن عبد الجامع الفامي.
وطال عمره، وتفرد، وبقي إلى قريب سنة خمسين وخمس مائة.
وكان مولده في سنة إحدى وستين وأربع مائة.
(1)
ترجمته في تبصير المنتبه "1/ 102".
5007 - أبو الوقت
(1)
:
الشيخ الإمام الزاهد الخير الصوفي، شيخ الإسلام، مسند الآفاق، أبو الوقت، عبد الأول بن الشيخ المحدث المعمر أبي عبد الله عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق، السجزي، ثم الهروي الماليني.
مولده في سنة ثمان وخمسين وأربع مائة.
وسمع في سنة خمس وستين وأربع مائة من جمال الإسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي "الصحيح" وكتاب الدارمي، ومنتخب مسند عبد بن حميد ببوشنج، وسمع من أبي عاصم الفضيل بن يحيى، ومحمد بن أبي مسعود الفارسي، وأبي يعلى صاعد بن هبة الله، وبيبى بنت عبد الصمد، وعبد الرحمن بن محمد بن عفيف حدثوه عن عبد الرحمن بن أبي شريح، وسمع من أحمد بن أبي نصر كاكو، وعبد الوهاب بن أحمد الثقفي، وأحمد بن محمد العاصمي، ومحمد بن الحسين الفضلويي، وعبد الرحمن بن أبي عاصم الجوهري، وشيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري -وكان من مريديه- وأبي عامر محمود بن القاسم الأزدي، وعبد الله ابن عطاء البغاورداني، وحكيم بن أحمد الإسفراييني، وأبي عدنان القاسم ابن علي القرشي، وأبي القاسم عبد الله بن عمر الكلوذاني، ونصر بن أحمد الحنفي، وطائفة.
وحدث بخراسان وأصبهان وكرمان وهمذان وبغداد، وتكاثر عليه الطلبة، واشتهر حديثه، وبعد صيته، وانتهى إليه علو الإسناد.
حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي، ويوسف بن أحمد الشيرازي، وارتحل إليه إلى كرمان، وسفيان بن إبراهيم بن مندة، وأبو ذر سهيل بن محمد البوشنجي،
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 274"، والباب لابن الأثير "2/ 105"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 403"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 328"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 166".
وأبو الضوء شهاب الشذباني، وعبد المعز بن محمد الهروي، والقاضي عبد الجبار بن بندار الهمذاني، وعبد الجليل بن مندويه، وأحمد بن عبد الله السلمي العطار، وعثمان بن علي الوركاني، وعثمان بن محمود الأصبهاني، ومحمد بن عبد الله الفتاح البوشنجي، ومحمد بن عطية الله الهمذاني، ومحمد بن محمد بن سرايا الموصلي، ومحمود بن واثق البيهقي، ومقرب بن علي الهمذاني، والفقيه يحيى بن سعد الرازي، ويوسف بن عمر بن محمد بن عبيد الله بن نظام الملك، وحماد بن هبة الله الحراني، وعمر بن طبرزد، وسعيد بن محمد الرزاز، وعمر بن محمد الدينوري الصوفي، ويحيى بن عبد الله بن السهروردي، ومحمد بن أحمد بن هبة الله الروذراوري، وأحمد بن ظفر بن هبيرة، ومحمد بن هبة الله بن مكرم، ومظفر بن حركها، وعلي بن يوسف بن صبوخا، وأحمد بن يوسف بن صرما، ومحمد بن أبي القاسم الميندي، وزيد بن يحيى البيع، وعبد اللطيف بن عسكر، وعمر بن محمد بن أبي الريان، وأسعد بن صعلوك، والنفيس بن كرم، وأبو جعفر عبد الله بن شريف الرحبة، ومحمد بن عمر بن خليفة الروباني بموحدة، ومحمد بن هبة الله البيع، وعبد الله بن إبراهيم الهمذاني الخطيب، وأبو الحسن علي بن بورنداز، وعمر بن أعز السهروردي، وأبو هريرة محمد بن ليث الوسطاني، وصاعد بن علي الواعظ، ومحمد بن المبارك المستعمل، وأبو علي بن الجواليقي، ومحمد بن النفيس بن عطاء، والمهذب بن قنيدة، وعبد السلام بن سكينة، وعبد الرحمن بن عتيق بن صيلا، وأبو الرضى محمد بن عصية، وعبد السلام الداهري، وأبو نصر أحمد بن الحسين النرسي، وعمر بن كرم، والحسين بن الزبيدي، وأخوه الحسن، وظفر بن سالم البيطار، وعبد البر بن أبي العلاء العطار، وإبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي، وعبد الرحمن مولى ابن باقا، وزكريا العلبي، وعلي بن روزبه، ومحمد بن عبد الواحد المديني، وأبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي، وأبو المنجى عبد الله بن اللتي، وأبو بكر محمد بن مسعود بن بهروز، وأبو سعد ثابت بن أحمد الخجندي نزيل شيراز وهو آخر من سمع منه موتًا بقي إلى سنة 637، وسماعه في الخامسة، وروى عنه بالإجازة أبو الكرم محمد بن عبد الواحد المتوكلي، وكريمة بنت عبد الوهاب القرشية.
قال السمعاني: شيخ صالح، حسن السمت والأخلاق، متودد متواضع، سليم الجانب، استسعد بصحبة الإمام عبد الله الأنصاري، وخدمه مدة، وسافر إلى العراق وخوزستان والبصرة، نزل بغداد برباط البسطامي فيما حكاه لي، وسمعت منه بهراة ومالين، وكان صبورًا على القراءة، محبًا للرواية، حدث بـ"الصحيح"، و"مسند عبد"، و"الدارمي" عدة نوب، وسمعت أن أباه سماه محمدًا، فسماه عبد الله الأنصاري عبد الأول، وكناه بأبي الوقت، ثم قال: الصوفي ابن وقته.
وقال السمعاني في "التحبير": إن والد أبي الوقت أجاز له، وإن مولده بسجستان سنة عشر وأربع مائة، وإنه سمع من علي بن بشرى الليثي مناقب الشافعي للآبري بفوت، ثم سكن هراة، وإنه شيخ صالح معمر، حرص على سماع الحديث، وحمل ولده أبا الوقت على عاتقه إلى بوشنج، وكان عبد الله الأنصاري يكرمه ويراعيه، مات بمالين في شوال سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، عاش مائة وثلاث سنين.
وقال زكي الدين البرزالي: طاف أبو الوقت العراق وخوزستان، وحدث بهراة ومالين وبوشنج وكرمان ويزد وأصبهان والكرج وفارس وهمذان، وقعد بين يديه الحفاظ والوزراء، وكان عنده كتب وأجزاء، سمع عليه من لا يحصى ولا يحصر.
وقال ابن الجوزي: كان صبورًا على القراءة، وكان صالحًا، كثير الذكر والتهجد والبكاء، على سمت السلف، وعزم عام موته على الحج، وهيأ ما يحتاج إليه، فمات.
وقال يوسف بن أحمد الشيرازي في "أربعين البلدان" له: لما رحلت إلى شيخنا رحلة الدنيا ومسند العصر أبي الوقت، قدر الله لي الوصولي إليه في آخر بلاد كرمان، فسلمت عليه، وقبلته، وجلست بين يديه، فقال لي: ما أقدمك هذه البلاد? قلت: كان قصدي إليك، ومعولي بعد الله عليك، وقد كتبت ما وقع إلي من حديثك بقلمي، وسعيت إليك بقدمي، لأدرك بركة أنفاسك، وأحظى بعلو إسنادك. فقال: وفقك الله وإيانا لمرضاته، وجعل سعينا له، وقصدنا إليه، لو كنت عرفتني حق معرفتي، لما سلمت علي، ولا جلست بين يدي، ثم بكى بكاءً طويلًا، وأبكى من حضره، ثم قال: اللهم استرنا بسترك الجميل، واجعل تحت الستر ما ترضى به عنا، يا ولدي، تعلم أني رحلت أيضًا لسماع الصحيح ماشيًا مع والدي من هراة إلى الداوودي ببوشنج ولي دون عشر سنين، فكان والدي يضع على يدي حجرين، ويقول: احملهما. فكنت من خوفه أحفظهما بيدي، وأمشي وهو يتأملني، فإذا رآني قد عييت أمرني أن ألقي حجرًا واحدًا، فألقي، ويخف عني، فأمشي إلى أن يتبين له تعبي، فيقول لي: هل عييت? فأخافه، وأقول: لا. فيقول: لم تقصر في المشي? فأسرع بين يديه ساعةً، ثم أعجز، فيأخذ الآخر، فيلقيه، فأمشي حتى أعطب، فحينئذ كان يأخذني ويحملني، وكنا نلتقي جماعة الفلاحين وغيرهم، فيقولون: يا شيخ عيسى، ادفع إلينا هذا الطفل نركبه وإياك إلى بوشنج، فيقول: معاذ الله أن نركب في طلب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل نمشي، وإذا عجز أركبته على رأسي إجلالًا لحديث رسول الله ورجاء ثوابه. فكان ثمرة ذلك من حسن نيته أني انتفعت بسماع هذا الكتاب وغيره، ولم يبق من أقراني أحد سواي، حتى
صارت الوفود ترحل إلي من الأمصار. ثم أشار إلى صاحبنا عبد الباقي بن عبد الجبار الهروي أن يقدم لي حلواء، فقلت: يا سيدي، قراءتي لـ"جزء أبي الجهم" أحب إلي من أكل الحلواء. فتبسم، وقال: إذا دخل الطعام خرج الكلام. وقدم لنا صحنًا فيه حلواء الفانيذ، فأكلنا، وأخرجت الجزء، وسألته إحضار الأصل، فأحضره، وقال: لا تخف ولا تحرص، فإني قد قبرت ممن سمع علي خلقًا كثيرًا، فسل الله السلامة. فقرأت الجزء، وسررت به، ويسر الله سماع "الصحيح" وغيره مرارًا، ولم أزل في صحبته وخدمته إلى أن توفي ببغداد في ليلة الثلاثاء من ذي الحجة -قلت: وبيض لليوم وهو سادس الشهر- قال: ودفناه بالشونيزية. قال لي: تدفنني تحت أقدام مشايخنا بالشونيزية. ولما احتضر سندته إلى صدري، وكان مستهترًا بالذكر، فدخل عليه محمد بن القاسم الصوفي، وأكب عليه، وقال: يا سيدي، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله دخل الجنة"
(1)
، فرفع طرفه إليه، وتلا:{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس: (26) و 27]، فدهش إليه هو ومن حضر من الأصحاب، ولم يزل يقرأ حتى ختم السورة، وقال: الله الله الله، وتوفي وهو جالس على السجادة.
وقال أبو الفرج بن الجوزي: حدثني محمد بن الحسين التكريتي الصوفي قال: أسندته إلي، وكان آخر كلمة قالها:{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس: (26) و 27]، ومات.
قلت: قدم بغداد في شوال، فأقام بها سنةً وشهرًا، وكان معه أصوله، فحدث منها.
قال ابن النجار: كان الوزير أبو المظفر بن هبيرة قد استدعاه، ونفذ إليه نفقةً، ثم أنزله عنده، وأكرمه، وأحضره في مجلسه، وسمع عليه "الصحيح" في مجلس عام أذن فيه للناس، فكان الجمع يفوت الإحصاء، ثم قرأه عليه أبو محمد بن الخشاب بالنظامية، وحضر خلق كثير دون هؤلاء، وقرئ عليه بجامع المنصور، وسمعه جمع جم، وآخر من قرآه عليه
(1)
صحيح: ورد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه" أخرجه ابن حبان "719" موارد وورد عن أبي هريرة موقوفا بلفظ: "من قال عند موته: لا إله إلا الله أنجته يوما من الدهر، أصابه قبل ذلك ما أصابه" أخرجه عبد الرزاق "6045".
وورد عن معاذ بن جبل مرفوعا بلفظ: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، وهو عند أبي داود "3116"، والحاكم "1/ 351".
شيخنا ابن الأخضر، وكان شيخًا صدوقًا أمينًا، من مشايخ الصوفية ومحاسنهم، ذا ورع وعبادة مع علو سنه، وله أصول حسنة، وسماعات صحيحة.
ثم قال: قرأت في كتاب أحمد بن صالح الجيلي: توفي شيخنا أبو الوقت ليلة الأحد سادس ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة نصف الليل، وصلي عليه ضاحي نهار اليوم برباط فيروز الذي كان نازلًا فيه، ثم صلي عليه بالجامع، وأمنا الشيخ عبد القادر الجيلي، وكان الجمع متوفرًا، وكنت يوم خامس الشهر عنده، وقرأت عليه الحديث إلى وقت الظهر، وكان مستقيم الرأي، حاضر الذهن، ولم نر في سنه مثل سنده، وكان شيخًا صالحًا سنيًا، قارئًا للقرآن، قد صحب الأشياخ، وعاش حتى ألحق الصغار بالكبار، ورأى من رئاسة التحديث ما لم يره أحد من أبناء جنسه، وسمع منه من لم يرغب في الرواية قبله، وكان آخر من روى في الدنيا عن الداوودي وبقية أشياخه، وقرئت الكتب التي معه كلها عليه والأجزاء مرات في عدة مواضع، وسمعها منه ألوف من الناس، وصل بغداد في حادي عشر شوال سنة اثنتين وخمسين، صحب شيخ الإسلام نيفًا وعشرين سنة.
أنبأنا طائفة عن ابن النجار، قال: أنشدنا داود بن معمر بأصبهان، أنشدنا محمد بن الفضل العقيلي لنفسه في سنة إحدى وخمسين:
أتاكم الشيخ أبو الوقت
…
بأحسن الأحبار عن ثبت
طوى إليكم ناشرًا علمه
…
مراحل الأبرق والخبت
ألحق بالأشياخ أطفالكم
…
وقد رمى الحاسد بالكبت
فمنّة الشّيخ بما قد روى
…
كمنّة الغيث على النّبت
بارك فيه اللّه من حاملٍ
…
خلاصة الفقه إلى المفتي
انتهزوا الفرصة يا سادتي
…
وحصّلوا الإسناد في الوقت
فإنّ من فوّت ما عنده
…
يصير ذا الحسرة والمقت
وفيها مات: الحافظ عبد الجليل بن محمد كوتاه الأصبهاني، وعلي ابن عساكر بن سرور الخشاب بدمشق، والإمام أبو حفص عمر بن أحمد بن الصفار النيسابوري، وأبو الفتح المبارك بن أحمد بن رزيق الواسطي الحداد المقرئ، وأبو المحاسن مسعود بن محمد الغانمي الهروي.
5008 - المشكاني
(1)
:
الشيخ الإمام الخطيب، أبو الحسن، علي بن محمد بن أحمد الروذراوري المشكاني الشافعي، خطيب مشكان، وهي قرية من عمر روذراور، على ست فراسخ من همذان.
ولد سنة ست وستين وأربع مائة بمشكان.
فقدم عليهم الشيخ المعمر أبو منصور محمد بن الحسن بن محمد بن يونس النهاوندي سنة نيف وسبعين، فسمع هذا منه "التاريخ الصغير" للبخاري بسماعه من القاضي أبي العباس بن زنبيل النهاوندي، عن القاضي عبد الله بن محمد بن الأشقر، عن البخاري، فتفرد الخطيب بعلو هذا الكتاب مدةً، ولكن قل من سمعه منه لبعد الديار.
قال أبو سعد السمعاني: قدم هذا بغداد سنة اثنتين وثلاثين، فقصدته وهو مريض، فأخرج إليه التاريخ وقد سمعه بقراءة الحافظ حمزة الروذراوري، وقد قرأه عليه أبو العلاء العطار المقرئ، ففرحت به لعلو السند وعزة الكتاب، فأعلمت جماعةً، وقرأته عليه، ورد إلى بلده، ورحل الحافظ أبو القاسم بن عساكر إلى مشكان، فسمعه منه، وكان شيخًا بهيًا، حسن المنظر، مطبوعًا، متوددًا، صدوقًا.
قلت: وروى عنه هذا الكتاب بالإجازة قاضي دمشق أبو القاسم بن الحرستاني، وطال عمر أبي الحسن هذا إلى أن أدركه الحافظ يوسف بن أحمد الشيرازي، فارتحل إلى مشكان، وسمع منه في سنة خمسين وخمس مائة، قال: وفي هذه السنة توفي، وتاريخ سماعه للتاريخ كان في سنة ست وسبعين وأربع مائة.
قلت: آخر من روى عنه بالسماع عبد البر بن أبي العلاء، وعاش أربعًا وثمانين سنةً.
5009 - محمد بن يحيى
(2)
:
ابن منصور، الإمام العلامة، شيخ الشافعية، أبو سعد النيسابوري، صاحب الغزالي وأبي المظفر أحمد بن محمد الخوافي، تفقه بهما، وبرع في المذهب، وصنف التصانيف في الفقه والخلاف، وتخرج به الأصحاب، وانتهت إليه رئاسة المذهب بنيسابور، وقصده الفقهاء من النواحي، وبعد صيته.
(1)
ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 217 - 218".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 591"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 25 - 28"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 305"، وشذرات الذهب "4/ 151".
ألف كتاب "المحيط في شرح الوسيط"، وله كتاب "الانتصاف في مسائل الخلاف".
ودرس بنظامية بلده، وهو أستاذ الفقهاء المتأخرين مع الزهد والديانة وسعة العلم.
مولده بطريثيث من خراسان في سنة ست وسبعين وأربع مائة.
وسمع من نصر الله بن أحمد الخشنامي، وعبد الغفار بن محمد الشيروي، وأبي حامد أحمد بن علي بن عبدوس الحذاء، والحافظ أبي الفتيان عمر بن أبي الحسن الرواسي، وإسماعيل بن أبي عبد الرحمن البحيري، وجماعة.
حدث عنه: السمعاني وولده، ومنصور بن أبي الحسن الطبري، والفقيه يحيى بن الربيع بن سليمان الواسطي، وغيرهم.
أخبرنا يوسف بن عبد الرحمن الحافظ، أخبرنا عبد العزيز بن الصيقل، أخبرنا يحيى بن الربيع سنة ست مائة ببغداد، أخبرنا أبو سعد محمد ابن يحيى الشافعي، أخبرنا أبو سعيد بن أبي عبد الرحمن الملقاباذي إملاءً، حدثنا أبو حسان محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا حامد بن شعيب، حدثنا سريج، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى، أن رجلين اختصما في بعير ليس لواحد منهما بينة، فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين
(1)
.
قتلته الغز -لا بورك فيهم- حين فتكوا بنيسابور في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وخمس مائة، فرثاه علي بن أبي القاسم البيهقي، فقال:
يا سافكًا دم عالمٍ متبحّرٍ
…
قد طار في أقصى الممالك صيته
باللّه قل لي يا ظلوم ولا تخف
…
من كان محيي الدّين كيف تميته
وقال آخر في محيي الدين ابن يحيى رحمه الله:
رفات الدّين والإسلام تحيى
…
بمحيي الدين مولانا ابن يحيى
كأنّ اللّه ربّ العرش يلقي
…
عليه حين يلقي الدّرس وحيا
ومما قيل إنه لابن يحيى:
وقالوا يصير الشّعر في الماء حيّةً
…
إذا الشّمس لاقته فما خلته حقّا
فلمّا التوى صدغاه في ماء وجهه
…
وقد لسعا قلبي تيقّنته صدقا
(1)
صحيح: أخرجه أبو داود "3613" و"3614" و"3615"، والنسائي "8/ 248"، وابن ماجه "2330"، والحاكم "4/ 95"، والبيهقي "10/ 257 و 259" من طريق قتادة، به.
وأخرجه البيهقي "10/ 257" من طريق قتادة، عن أبي مجلز، عن أبي بردة، به.
وأبو مجلز: هو لاحق بن حميد ثقة من كبار الطبقة الثالثة، روى له الجماعة.
5010 - ابن ناجية
(1)
:
العلامة أبو القاسم، أحمد بن أبي المعالي عبد الله بن بركة، الحربي الفقيه الواعظ، عرف بابن ناجية، وهي أمه. سمع أبا عبد الله بن البسري، وأبا الحسين بن الطيوري.
روى عنه: ابن سكينة، وابن الأخضر، وأحمد بن يحيى بن هبة الله.
قال السمعاني: فقيه دين، حلو الوعظ، تفقه على أبي الخطاب، ثم تحول حنفيًا، ثم شافعيًا، وقال لي: أنا اليوم متبع للدليل، ما أقلد أحدًا، كتبت عنه، مات في جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وخمس مائة وله تسع وسبعون سنة.
5011 - أحمد بن وقشي:
مؤلف كتاب خلع النعلين فيه مصائب وبدع.
وكان أولًا يدعي الولاية، وكان ذا مكر وفصاحة وبلاغة وحيل وشعبذة، فالتف عليه خلق، ثم خرج بحصن مارتلة، ودعا إلى نفسه، وبايعوه، ثم اختلف عليه أصحابه، ودس عليه الدولة من أخرجه من الحصن بحيلة، فقبض عليه أعوان عبد المؤمن، وأتوه به، فقال له: بلغني أنه دعوت إلى الهداية?! فكان من جوابه أن قال: أليس الفجر فجرين كاذب وصادق? قال: بلى. قال: فأنا كنت الفجر الكاذب. فضحك، وعفا عنه، وبقي في حضرة السلطان عبد المؤمن، ثم لم ينشب أن قتله صاحب له على شيء رآه منه.
5012 - الزبيدي
(2)
:
الإمام القدوة العابد الواعظ، أبو عبد الله، محمد بن يحيى بن علي ابن مسلم بن موسى بن عمران القرشي اليمني الزبيدي، نزيل بغداد، وجد المشايخ الرواة.
مولده سنة ستين وأربع مائة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 277" ووقع عنده [أحمد بن معالي بن بركة الحربي] وليس [أحمد بن أبي المعالي].
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 288"، وتبصير المنتبه "2/ 654".
وقدم دمشق بعد الخمس مائة، فوعظ بها، وأخذ يأمر بالمعروف، فلم يحتمل له الملك طغتكين، وكان نحويًا فقيرًا قانعًا متألهًا، ثم قدم دمشق رسولًا من المسترشد في شأن الباطنية، وكان حنفيًا سلفيًا.
قال ابن هبيرة: جلست معه من بكرة إلى قريب الظهر وهو يلوك شيئًا، فسألته، فقال: نواة أتعلل بها لم أجد شيئًا.
قال ابن الجوزي: كان يقول الحق وإن كان مرًا، لا تأخذه في الله لومة لائم، قيل: دخل على الوزير الزينبي وعليه خلعة الوزارة، وهم يهنئونه، فقال: هو ذا يوم عزاء، لا يوم هناء، فقيل: ولم? قال: أهنئ على لبس الحرير?!
قال ابن الجوزي: حدثني الفقيه عبد الرحمن بن عيسى، سمعت الزبيدي قال: خرجت إلى المدينة على الوحدة، فآواني الليل إلى جبل، فصعدت، وناديت: اللهم إني الليلة ضيفك. ثم نوديت: مرحبًا بضيف الله، إنك مع طلع الشمس تمر بقوم على بئر يأكلون خبزًا وتمرًا، فإذا دعوك فأجب، فسرت من الغد، فلاحت لي أهداف بئر، فجئتها، فوجدت عندها قومًا يأكلون خبزًا وتمرًا، فدعوني، فأجبت.
قال السمعاني: كان يعرف النحو، ويعظ، ويسمع معنا من غير قصد من القاضي أبي بكر وغيره، وكان فنًا عجيبًا، وكان في أيام المسترشد يخضب بالحناء، ويركب حمارًا مخضوبًا بالحناء، وكان يجلس ويجتمع عنده العوام، ثم فتر سوقه، ثم إن الوزير ابن هبيرة رغب فيه، ونفق عليه، وسمعت جماعةً يحكون عنه أشياء السكوت عنها أولى، وقيل: كان يذهب إلى مذهب السالمية، ويقول: إن الأموات يأكلون ويشربون وينكحون في قبورهم، وإن الشارب والزاني لا يلام، لأنه يفعل بقضاء الله وقدره.
قلت: يحتج بقصة آدم وموسى عليهما السلام، وبقول آدم: وأنه حج موسى
(1)
، ولو
(1)
صحيح: أخرجه أحمد "2/ 264 و 268 و 398"، وابنه عبد الله في "السنة""701" والبخاري "3409" و"4736" و"4738" و"7515"، ومسلم "2652" والترمذي "2134" وابن أبي عاصم "139 - 141" و"146 - 152" و"157 - 160"، وابن خزيمة ص "9 و 54 و 55 و 57 و 109"، والآجري في "الشريعة""ص 324"، واللالكائي "1033 - 1035"، والبيهقي في "الاعتقاد""ص 99"، وفي "الأسماء والصفات""ص 190 - 191 و 232 - 233 و 284 و 315 و 316"، والبغوي "69" من طرق عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:"احتج آدم وموسى. فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، ثم تلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟ فحج آدم موسى". واللفظ لمسلم.
سلمنا أن الزاني لا يلام، فعلينا أن نحده ونغربه، ونذم فعله، ونرد شهادته، ونكرهه، فإن تاب واتقى أحببناه واحترمناه، فالنزاع لفظي.
قال: وسمعت علي بن عبد الملك يقول: زاد الزبيدي في أسماء الله أسامي: الزارع، والمتمم، والمبهم، والمظهر.
قال ابن عساكر: قال ولده إسماعيل: كان أبي في كل يوم وليلة من أيام مرضه يقول: الله الله، نحوًا من خمسة عشر ألف مرة، فما زال يقولها حتى طفئ.
وقال ابن شافع، كان له في علم العربية والأصول حظ وافر، وصنف في فنون العلم نحوًا من مائة مصنف، ولم يضيع شيئًا من عمره، وكان يخضب بالحناء، ويعتم ملتحيًا دائمًا، حكيت لي عنه من جهات صحيحة غير كرامة، منها رؤيته للخضر.
توفي في ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وخمس مائة رحمه الله.
5013 - البروجردي:
الحافظ المفيد، أبو الفضل، محمد بن هبة الله بن العلاء البروجردي، تلميذ ابن طاهر.
سمع أبا محمد الدوني، ومكي بن بنجير، ويحيى بن مندة.
قال السمعاني: كنت أنسخ بجامع بروجرد، فقال شيخ رث الهيئة: ما تكتب? فكرهت جوابه، وقلت: الحديث. فقال: كأنك طالب? قلت: نعم. قال: من أين أنت? قلت: من مرو. قال: عمن روى البخاري من أهل مرو? قلت: عن عبد الله بن عثمان وصدقة بن الفضل. قال: لم لقب عبد الله بعبدان? فتوقفت، فتبسم، فنظرت إليه بعين أخرى، وقلت: يفيد الشيخ. قال: كنيته أبو عبد الرحمن، واسمه عبد الله، فاجتمع فيه العبدان، فقيل: عبدان. فقلت: عمن هذا? قال: سمعته من محمد بن طاهر.
5014 - الحصكفي
(1)
:
الإمام العلامة الخطيب، ذو الفنون، معين الدين، أبو الفضل، يحيى بن سلامة بن حسين بن أبي محمد عبد الله الدياربكري الطنزي الحصكفي، نزيل ميافارقين.
تأدب ببغداد على الخطيب أبي زكريا التبريزي، وبرع في مذهب الشافعي، وفي الفضائل.
مولده في سنة ستين وأربع مائة تقريبًا.
وولي خطابة ميافارقين، وتصدر للفتوى، وصنف التصانيف، وله "ديوان" خطب، و"ديوان" نظم وترسل.
ذكره العماد في الخريدة، فقال: كان علامة الزمان في علمه، ومعري العصر في نثره ونظمه، له الترصيع البديع، والتجنيس النفيس، والتطبيق والتحقيق، واللفظ الجزل الرقيق، والمعنى السهل العميق، والتقسيم المستقيم.
قلت: مولده بطنزة: بليدة من ديار بكر بقرب من جزيرة ابن عمر -وكان مفتي تلك البلاد في عصره.
توفي سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، وقيل: في سنة ثلاث.
وهو القائل:
وخليعٍ بتّ أعذله
…
ويرى عذلي من العبث
وذكر الأبيات السائرة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 276"، واللباب لابن الأثير "1/ 369" و"2/ 286"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 804"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 328"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 168 - 169".
5015 - علي بن مهدي:
كان أبوه من قرية بزبيد من الصلحاء، فنشأ علي في تزهد، وحج، ولقي العلماء، وحصل، ثم وعظ، وذم الجند.
وكان فصيحًا صبيحًا طويلًا، أخضر اللون، طيب الصوت، غزير المحفوظ، متصوفًا، خبيث السريرة، داهيةً، يتكلم على الخواطر، فربط الخلق، وكان يعظ وينتحب.
قال عمارة اليمني: لازمته سنةً، وتركت التفقه، ونسكت، فأعادني أبي إلى المدرسة، فكنت أزوره في الشهر، فلما استفحل أمره تركته، ولم يزل من سنة 530 يعظ ويخوف في القرى، ويحج على نجيب، وأطلقت له السيدة أم فاتك ولأقاربه خراج أملاكهم، فتمولوا إلى أن صار جمعه نحو أربعين ألف مقاتل، وحارب، وكان يقول: دنا الوقت، أزف الأمر، كأنكم بما أقول لكم عيانًا، ثم ثار ببلاد خولان، وعاث وسبى، وأهلك الناس، ثم لقيته عند الداعي بجبلة سنة تسع وأربعين يستنجد به، فأبى، ثم دبر على قتل وزير آل فاتك، ثم زحف إلى زبيد، فقاتله أهلها نيفًا وسبعين زحفًا، وقتل خلائق من الفريقين، ثم قتل فاتك متولي زبيد، وأخذها ابن مهدي في رجب سنة أربع وخمسين وخمس مائة، فما متع، وهلك بعد ثلاثة أشهر، وقام بعده ابنه عبد النبي، وعظم، حتى استولى على سائر اليمن، وجمع أموالًا لا تحصى، وكان حنفي المذهب -أعني الأب- يرى التكفير بالمعاصي، ويستحل وطء سبايا من خالفه، ويعتقد فيه قومه فوق اعتقاد الخلق في نبيهم.
قال: وحكي لي عنه أنه لم يثق بيمين من يصحبه حتى يذبح ولده أو أخاه، وكان يقتل بالتعذيب في الشمس، ولا يشفع أحد عنده، وليس لأحد من عسكره فرس يملكه ولا سلاح، بل الكل عنده إلى وقت الحرب، والمنهزم منهم يقتل جزمًا، والسكران يقتل، ومن زنى أو سمع غناءً يقتل، ومن تأخر عن صلاة الجماعة قتل.
5016 - خوارزمشاه:
صاحب خوارزم، الملك أتسز بن محمد بن نوشتكين.
مولده في سنة تسعين وأربع مائة.
وتملك مدةً طويلة، وكان مطيعًا للسلطان سنجر، تعلل مدةً بالفالج، فأعطي حرارات بلا أمر الطب، فاشتد الألم، وضعفت القوة، وتوفي في جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، فكان يتأسف، ويقول:{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: (28)، 29]، فتملك بعده ابنه خوارزمشاه أرسلان، فقتل جماعةً من أعمامه.
وكان أتسز عادلًا، محببًا إلى رعيته.
ومات ابنه في سنة ثمان وستين وخمس مائة، وكان بطلًا شجاعًا، حارب الخطا، وهو والدتكش.
5017 - الشحام
(1)
م:
الشيخ الصالح، أبو محمد، سلمان بن مسعود بن حسن البغدادي الشحام، ممن سمع الكثير.
وكان من أهل السنة والصدق، خرج له اليونارتي الحافظ خمسة أجزاء من سماعه على ثابت بن بندار، وجعفر السراج، وأبي الحسين بن الطيوري، وجماعة.
روى عنه: السمعاني، وعبد الخالق بن أسد، وابن الجوزي، وأبو الحسن القطيعي، وطائفة. وبالإجازة: أبو الحسن بن المقير.
قال السمعاني: شيخ صالح، مشتغل بكسبه، ولد سنة سبع وسبعين، ومات في المحرم سنة إحدى وخمسين وخمس مائة. كذا ورخه السمعاني.
وقال القطيعي: هذا سهو لأنه أجاز في ذي القعدة من سنة إحدى، وقرأ عليه أبو محمد بن الخشاب جزءًا في ربيع الأول من السنة.
قلت: الظاهر موته في المحرم سنة اثنتين وخمسين.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 257".
5018 - الغزنوي
(1)
:
الواعظ المحسن الشهير، أبو الحسن، علي بن الحسين الغزنوي.
سمع بغزنة "الصحيح" من حمزة القايني بسماعه من سعيد العيار، وسمع ببغداد من أبي سعد بن الطيوري وغيره. وسمع ولده المعمر أحمد "جامع أبي عيسى" من الكروخي.
قال ابن الجوزي: كان مليح الإيراد، لطيف الحركات، بنت له زوجه الخليفة رباطًا، وصار له جاه عظيم لميل العجم، كان السلطان يزوره والأمراء، وكثرت عنده المحتشمون، واستعبد طوائف بنواله وعطائه. وكان محفوظه قليلًا، فحدثني جماعة من القراء أنه كان يعين لهم ما يقرؤونه، سمعته يقول: حزمة حزن خير من أعدال أعمال.
وقال السمعاني: سمعته يقول: رب طالب غير واجد، وواجد غير طالب.
وقال ابن الجوزي: كان يميل إلى التشيع، ولما مات السلطان أهين، وكانت بيده قرية، فأخذت، وطولب بغلها، وحبس، ثم أخرج ومنع من الوعظ لأنه كان لا يعظم الخلافة كما ينبغي، ثم ذاق ذلًا.
مات في المحرم سنة إحدى وخمسين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 258"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 323 - 324"، وشذرات الذهب "4/ 159".
5019 - مجلي
(1)
:
شيخ الشافعية بمصر، أبو المعالي، مجلي بن جميع بن نجا القرشي المخزومي الأرسوفي الشامي، ثم المصري، مصنف كتاب "الذخائر" وهو من كتب المذهب المعتبرة.
ولي قضاء مصر بتفويض من العادل بن السلار سنة سبع وأربعين، ثم عزل بعد سنتين.
مات في ذي القعدة سنة خمسين وخمس مائة.
وفي كتابه مخبآت لا توجد في غيره.
5020 - أبو البيان
(2)
:
الشيخ القدوة الكبير، أبو البيان، نبأ بن محمد بن محفوظ القرشي الحوراني، ثم الدمشقي الشافعي اللغوي الأثري الزاهد، شيخ البيانية، وصاحب الأذكار المسجوعة.
سمع من أبي الحسن بن الموازيني، وأبي الحسن بن قبيس المالكي.
روى عنه: يوسف بن وفاء السلمي: والفقيه أحمد العراقي، وعبد الرحمن بن الحسين بن عبدان، والقاضي أسعد بن المنجا.
وكان حسن الطريقة، صينًا دينًا تقيًا، محبًا للسنة والعلم والأدب، له أتباع ومحبون، أنشأ الملك نور الدين له بعد موته رباطًا كبيرًا عند درب الحجر. وكان صديقًا للشيخ رسلان الزاهد.
توفي في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، رحمه الله.
5021 - الخراز
(3)
:
الشيخ الصالح، أبو علي، أحمد بن أحمد بن علي الحريمي البغدادي ابن الخراز.
ولد سنة (475).
سمع أبا الغنائم محمد بن أبي عثمان، ومحمد بن الجبان، ومالكًا البانياسي، وطرادًا الزينبي.
وعنه: عبد الخالق بن أسد، ومحمد بن المبارك بن المستعمل، وأبو علي الحسن ابن الزبيدي، وابن طبرزد، وآخرون. وبالإجازة: ابن المقير.
قال السمعاني: شيخ صالح متدين، لازم لمسجده، مات في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة رحمه الله.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 556"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 157".
(2)
ترجمته في تبصير المتنبه "1/ 221"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 160".
(3)
ترجمته في تبصير المنتبه "1/ 331"، وشذرات الذهب "4/ 161" ووقع عنده [الخرار] بالراء المهملة دل [الخراز] بالزاي المعجمة.
5022 - صاحب نصيبين:
شمس الملوك، أبو نصر، إبراهيم بن صاحب حلب رضوان بن السلطان تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان السلجوقي.
ولد سنة ثلاث وخمس مائة، ومات أبوه وهو صبي.
ثم أقبل معه صاحب الحلة دبيس وبغدوين الفرنجي محاصرين لحلب في سنة ثمان عشرة وخمس مائة، وجرت أمور، ثم إنه تملك في سنة إحدى وعشرين حلب، وفرحوا به، فأقبل صاحب أنطاكية، فنازل حلب، فترددت الرسل في صلح وهدنة، فعقدت هدنة فيها وهن على أهل حلب وحمل ذهب في العام، ثم بعد مدة أخذ الأتابك زنكي من شمس الملوك حلب، وأعطاه نصيبين، فما زال بها إلى أن مات في شعبان سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة.
5023 - عبد الصبور
(1)
:
بن عبد السلام، الشيخ الصادق الجليل، أبو صابر، الهروي الفامي التاجر السفار، صالح خير مسمت أمين.
ولد سنة سبعين وأربع مائة.
وسمع "الجامع" من أبي عامر الأزدي، وسمع من شيخ الإسلام، ونجيب الواسطي، وإلياس بن مضر.
حدث بهمذان وببغداد في سنة تسع وثلاثين ولما حج بالجامع.
روى عنه: السمعاني وابنه عبد الرحيم، وأبو الحسن بن نجا الواعظ، وأحمد بن الحسن العاقولي.
توفي بهراة في شعبان سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 327"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 162".
5024 - كوتاه
(1)
:
لشيخ الإمام الحافظ المتقن، محدث أصبهان، أبو مسعود، عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد بن محمد الأصبهاني كوتاه.
ولد سنة ست وسبعين وأربع مائة.
وسمع رزق الله التميمي، وأبا بكر بن ماجه الأبهري، والقاسم بن الفضل الثقفي، وأحمد بن عبد الرحمن الذكواني، وابن أشتة، وعددًا كثيرًا من أصحاب أبي سعيد النقاش وأبي نعيم، ثم أصحاب أبي طاهر بن عبد الرحيم.
قال الحافظ أبو موسى: هو أوحد وقته في علمه مع حسن طريقته وتواضعه، حدثنا لفظًا وحفظًا على منبر وعظه في سنة تسع عشرة وخمس مائة ........... ، فذكر حديثًا.
وقال السمعاني: من أولاد المحدثين، حسن السيرة، مكرم للغرباء، فقير قنوع، صحب أبي مدة مقامه بأصبهان، وسمع بقراءته الكثير، وله معرفة تامة بالحديث، هو من مقدمي أصحاب شيخنا إسماعيل ابن محمد الحافظ، حضرت مجلس إملائه، وكتبت عنه، سمعت أبا القاسم الحافظ بدمشق يثني عليه ثناءً حسنًا، ويفخم أمره، ويصفه بالحفظ والإتقان.
قال السمعاني: لما وردت أصبهان كان ما يخرج من داره إلَّا لحاجة مهمة، كان شيخه إسماعيل الحافظ هجره، ومنعه من حضور مجلسه لمسألة جرت في النزول، وكان كوتاه يقول: النزول بالذات، فأنكر إسماعيل هذا، وأمره بالرجوع عنه، فما فعل.
قلت: وقد ارتحل إلى نيسابور، وسمع من عبد الغفار الشيروي.
حدث عنه: أبو القاسم بن عساكر، ويوسف بن أحمد الشيرازي، وطائفة، وروت عنه كريمة الدمشقية بالإجازة.
قال السمعاني أبو سعد: حدثنا عبد الخالق الشحامي، حدثنا صاعد ابن سيار الحافظ إملاءً، حدثنا عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد بالمدينة، أخبرنا روح بن محمد، أخبرنا أبو الحسن الخرجاني، أخبرنا ابن خرزاذ، حدثنا علي بن روحان، حدثنا أحمد بن سنان، سمعت شيبان ابن يحيى يقول: ما أعلم طريقًا إلى الجنة أقصد ممن يسلك طريق الحديث.
مات كوتاه في شعبان سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة.
وهو من رواة نسخة لوين عن ابن ماجه الأبهري.
ومسألة النزول فالإيمان به واجب، وترك الخوض في لوازمه أولى، وهو سبيل السلف، فما قال هذا: نزوله بذاته، إلَّا إرغامًا لمن تأوله، وقال: نزوله إلى السماء بالعلم فقط. نعوذ بالله من المراء في الدين.
وكذا قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22]، ونحوه، فنقول: جاء، وينزل، وننهى عن القول: ينزل بذاته، كما لا نقول: ينزل بعلمه، بل نسكت ولا نتفاصح على الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارات مبتدعة، والله أعلم.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 273"، واللباب لابن الأثير "1/ 302" وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1089"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 329"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 167".
5025 - العباسي
(1)
:
لشيخ الإمام الصالح العابد المسند، أبو جعفر، أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن علي بن إسماعيل بن علي بن سليمان بن يعقوب بن إبراهيم بن محمد بن الأمير إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب العباسي المكي، نقيب الهاشميين بمكة.
ولد سنة ثمان وستين وأربع مائة.
وسمع جماعة أجزاء من أبي علي الحسن بن عبد الرحمن الشافعي، تفرد بعلوها.
قال السمعاني: شيخ ثقة صالح متواضع، ما رأيت في الأشراف مثله، قدم علينا أصبهان لدين ركبه ومعه خمسة أجزاء، فسمعت منه، وقد سمع في الكهولة، ونسخ الكثير، ثم قدم أصبهان راجعًا من كرمان في سنة (547).
وقال ابن النجار: كان صدوقًا زاهدًا عابدًا، قرأت بخطه قال: سمعت الحديث من أبي علي الشافعي وعمري سبع سنين.
قلت: حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، والقاضي أسعد بن منجا، وثابت بن مشرف، وعبد السلام الداهري، وأبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي، وأبو محمد بن علوان الحلبي وآخرون، وتفرد عنه بالإجازة أبو الحسن بن المقير.
توفي في شعبان سنة أربع وخمسين وخمس مائة.
وهو جد المحدث الحافظ جعفر بن محمد العباسي.
قال ابن النجار: سمع أبا علي الشافعي، وعبد القاهر العباسي المقرئ، وعيسى بن أبي ذر، وعبد الساتر بن عبد الله الزيادي، وببغداد من ابن الحصين، وأبي غالب بن البناء، وكتب بخطه كثيرًا، كتب عنه ابن ناصر، حدثنا عنه ابن سكينة، وابن الأخضر، وعبد الرزاق، والحسن بن محمد بن حمدون، وترك بن محمد الكاتب، سمعت عامة شيوخنا يثنون عليه، ويصفونه بالزهد والعبادة والورع والنزاهة.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 278"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 331"، وشذرات الذهب "4/ 1710".
5026 - ابن غبرة
لشيخ الجليل المسند، أبو الحسن، محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن علوي بن محمد بن زيد بن غبرة، الهاشمي الحارثي الكوفي المعدل، ويعرف قديمًا بابن المعلم، وهو من ذرية ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ربيعة بن الحارث.
ولد سنة ثمان وستين وأربع مائة.
وسمع سنة خمس وسبعين من أبي الفرج محمد بن أحمد بن علان المعدل، وأبي غالب بن المنثور الجهني، وأبي علي محمد بن محمد بن محمد بن حمدان، والحسين بن محمد الدهقان، وجماعة، وتفرد بأجزاء عالية، ورحل إليه.
قال ابن النجار: روى لنا عنه جماعة سمعوا منه بالكوفة، وقد سمع منه أبو الفضل أحمد بن صالح الجيلي، وأبو الفرج بن النقور، حدث ببغداد قديمًا.
قلت: آخر من روى عنه بالإجازة كريمة القرشية.
قال مسعود بن النادر: مات ابن غبرة في سلخ ذي القعدة سنة خمس وخمسين وخمس مائة.
وقال أحمد بن صالح: كان ثقةً في روايته، سمعت عليه بقراءتي الأجزاء التي ظهرت له، ومات في المحرم سنة ست وخمسين وخمس مائة.
قلت: ما وقع لنا حديثه إلَّا وفي الطريق إجازة.
5027 - ابن محمويه
(1)
:
لإمام العلامة الفقيه المقرئ، أبو الحسن، علي بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن محمويه، اليزدي الشافعي، نزيل بغداد.
مولده بيزد في سنة ثلاث وسبعين وأربع مائة -أو أربع.
وسمع من الحسين بن الحسن بن جوانشير، وأبي المكارم محمد بن علي بن الحسن الفسوي المقرئ، ومحمد بن الحسين بن بلوك الصوفي، وغياث بن أبي مضر الأصبهاني، ومحمد بن محمود الثقفي.
وتلا بالروايات في أصبهان على أبي الفتح الحداد.
وسمع ببغداد من ابن الطيوري، وابن خشيش، وأبي الحسن بن العلاف، وأبي القاسم الربعي، وعدة. وسمع بالدون "سنن النسائي" من عبد الرحمن بن حمد، وبهمذان من ناصر بن مهدي، وبأصبهان أيضًا من أحمد بن محمد بن مردويه.
وتفقه بواسط على أبي علي الفارقي، وببغداد على أبي بكر الشاشي. وسمع بالبصرة والكوفة ومكة.
وكان يسكن بقراح ظفر، وصنف كتبًا نافعة في الفقه والحديث والزهد، وحدث بها وبـ"سنن النسائي".
قال ابن النجار: كان من أعيان الفقهاء، ومشهوري الزهاد والعباد وأهل الورع والاجتهاد، روى لنا عنه أبو أحمد بن سكينة، وابن الأخضر.
وقال السمعاني: نزل بغداد، فقيه فاضل زاهد، حسن السيرة، جميل الطريقة، عزيز النفس، سخي الطبع بما يملكه، قانع بما هو فيه، كثير الصوم والعبادة، صنف تصانيف في الفقه، وأورد فيها أحاديث مسندةً عن شيوخه، سمعت منه، وسمع مني، وكان دائم البشر، متواضعًا، كثير المحفوظ، وكان له عمامة وقميص بينه وبين أخيه، إذا خرج ذاك قعد هذا في البيت، ودخلت عليه مع الواعظ الغزنوي، فوجدناه عريانًا متزرًا، فاعتذر، وقال: نحن كما قال أبو الطيب الطبري:
قومٌ إذا غسلوا ثياب جمالهم
…
لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل
قال ابن النجار: سمعت حمزة بن علي الحراني يقول: كان شيخنا علي اليزدي يقول لنا: إذا مت فلا تدفنوني إلَّا بعد ثلاث، فإني أخاف أن يكون بي سكتة. قال: وكان جثيثًا صاحب بلغم، وكان يصوم شهر رجب، فقبل أيام منه قال لنا: قد رجعت عن قولي، فإذا مت فادفنوني في الحال، فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقول: يا علي، صم رجبًا عندنا. قال: فمات ليلة رجب.
قال ابن شافع: مات في تاسع وعشرين، سنة إحدى وخمسين وخمس مائة.
قلت: روى عنه "السنن" الخطيب الدولعي، وتلا عليه حمزة بن القبيطي، وعبد العزيز بن الناقد، وعلي بن الدباس.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 324"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 159".
5028 - الأغرجي:
الإمام ذو الفنون، شيخ العلماء بخوارزم، أبو الفرج، محمد بن أحمد بن أبي سعيد.
روى عن أبي علي إسماعيل بن البيهقي، والزمخشري.
وكان ثقةً عادلًا، واعظًا مناظرًا مفتيًا، محبًا للحديث، جاوز ثمانين سنة.
مات في ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة، وازدحموا على نعشه، رحمه الله.
ذكره ابن رسلان في "تاريخه".
5029 - البيكندي
(1)
:
لشيخ الفاضل العابد المسند، أبو عمرو، عثمان بن علي بن محمد ابن علي البخاري البيكندي.
مولده في شوال سنة خمس وستين وأربع مائة.
سمع عبد الواحد بن عبد الرحمن الوركي المعمر، وأبا بكر محمد ابن خواهرزاده، والقاضي أبا الخطاب الطبري، ومحمد بن أحمد بن أبي سهل الفقيه، وعدة.
وتفرد بالرواية عن الإمام أبي المظفر عبد الكريم، الأندقي.
روى عنه: أبو سعد السمعاني وابنه أبو المظفر عبد الرحيم، وغيرهما.
ولما حان وقت رواية الرواة عنه، أخذت التتار البلاد بالسيف، وانسد باب الرواية بخراسان أقاصيها وأدانيها.
قال أبو سعد: هو إمام فاضل ورع عفيف نزه عابد، قانع باليسير، ثقة صالح، توفي في تاسع شهر شوال سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة، وشيعه أمم.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 327"، وشذرات الذهب "4/ 162" ووقع عنده [السكندري] بالسين بدل الباء الموحدة التحتية.
5030 - ابن الصفار
(1)
:
لإمام العلامة القدوة، أبو حفص، عمر بن أحمد بن منصور بن الشيخ أبي بكر محمد بن القاسم بن حبيب، النيسابوري الشافعي، زوج بنت الإمام أبي نصر ابن القشيري.
ولد سنة سبع وسبعين وأربع مائة.
وسمع بقراءة إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي من أبي بكر بن خلف الأديب، وأبي المظفر موسى بن عمران، وأبي تراب عبد الباقي المراغي، وأبي القاسم عبد الرحمن بن أحمد الواحدي، وأبي الحسن بن الأخرم، وطائفة.
حدث عنه: ولده أبو سعد عبد الله بن الصفار، وحفيده القاسم بن أبي سعد، والمؤيد الطوسي، ومنصور بن عبد المنعم، ويحيى بن الربيع الواسطي الفقيه، وسليمان بن محمد الموصلي، وأخوه علي، وزينب الشعرية، وأبو الفضل محمد بن عبد الكريم الرافعي والد صاحب الشرح. وكان يلقب بعصام الدين.
قال حفيده القاسم: كان جدي نظيرًا لمحمد بن يحيى الفقيه، وكان يزيد عليه بمعرفة الأصلين.
وقال أبو سعد السمعاني: هو إمام بارع مبرز، جامع لأنواع الفضل من العلوم، وكان سديد السيرة، مكثرًا من الحديث.
وقال عبد الغافر في "تاريخه": شاب فاضل دين ورع، أحد وجوه الفقهاء.
قال السمعاني: توفي يوم النحر سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 329"، وشذرات الذهب "4/ 168".
5031 - الكرماني
(1)
:
لشيخ الصالح المعمر، أبو سعد، عبد الوهاب بن الحسن بن عبد الله الكرماني، ثم النيسابوري.
ولد في ربيع الأول سنة ثمانين وأربع مائة.
وسمع من أبي بكر بن خلف، وموسى بن عمران الأنصاري، وأبي سهل عبد الملك بن عبد الله الدشتي، وتفرد في وقته.
حدث عنه: السمعاني وولده عبد الرحيم، ومحمد بن ناصر بن سلمان، وجماعة.
توفي سنة تسع وخمسين وخمس مائة.
5032 - ابن القطان
(2)
:
لشيخ الأديب البارع، شاعر بغداد، أبو القاسم، هبة الله بن الفضل ابن عبد العزيز بن محمد، البغدادي المتوثي ابن القطان.
سمع أباه، وأبا الفضل بن خيرون، وأبا طاهر أحمد بن الحسن الباقلاني، وابن طلحة النعالي.
وله هجاء مقذع، ومديح فائق.
روى عنه السمعاني، وقال: سألته عن مولده، فقال: سنة ثمان وسبعين، وتوفي يوم الفطر سنة ثمان وخمسين وخمس مائة، وديوانه مشهور، وقد هجا الحيص بيص.
وجده هو شيخ الخطيب المحدث محمد بن الحسين بن الفضل القطان، وكان فيه دعابة وانطباع، وممن يتقى لسانه.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 366"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 187".
(2)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 300"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 776"، ولسان الميزان "6/ 189".
5033 - جعفر بن زيد
(1)
:
بن جامع بن حسين، الإمام الفاضل، أبو الفضل الطائي الشامي الحموي، ويلقب بأبي زيد.
سكن بغداد بقطفتا.
قال ابن النجار: سمع الكثير من أبي الحسين المبارك، وأبي سعد أحمد ابني عبد الجبار الصيرفي، وأبي بكر محمد بن أحمد بن الحسين، وأبي طالب اليوسفي، وأبي القاسم بن الحصين، وأبي العز بن كادش، وكتب بخطه كثيرًا، وخطه مضبوط، وخرج تخاريج، وسمع منه القدماء، وكان مشهورًا بالدين والصلاح وحسن الطريقة، روى عنه أبو الفرج بن الجوزي، وأبو عبد الله بن الزبيدي.
وقال السمعاني: أبو زيد الحموي شيخ صالح خير، كثير العبادة، دائم التلاوة، مشتغل بنفسه، لا يخرج إلَّا من جمعة إلى جمعة، كتبت عنه.
قلت: ما أراه أدرك أبا الحسين بن الطيوري، بلى سمع من أخيه.
قال: ولدت سنة ثلاث -أو خمس- وثمانين وأربع مائة.
ومات في ذي الحجة سنة أربع وخمسين وخمس مائة.
قلت: له كتاب "البرهان" في السنة، سمعناه، وعليه فيه مآخذ رحمه الله.
أخبرنا ابن مؤمن، أخبرنا الحسين بن أبي بكر، أخبرنا جعفر بن زيد، أخبرنا أحمد بن عبيد الله العكبري، أخبرنا أبو طالب الحربي، أخبرنا ابن مردك، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا يونس، سمعت الشافعي يقول: نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن ووردت بها السنة، وننفي التشبيه عنه كما نفى عن نفسه، فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].
وفيها مات أبو سعد منجح بن مفلح الدومي، وعبد الوهاب بن إسماعيل النيسابوري سبط القشيري، وأبو علي الحسن بن جعفر بن المتوكل، وأبو القاسم أحمد بن قفرجل، وأبو جعفر أحمد بن محمد ابن عبد العزيز العباسي.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 279"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 331"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 171".
5034 - عدي
(1)
:
لشيخ الإمام الصالح القدوة، زاهد وقته، أبو محمد، عدي بن صخر الشامي، وقيل: عدي بن مسافر وهذا أشهر ابن إسماعيل بن موسى الشامي، ثم الهكاري مسكنًا.
قال الحافظ عبد القادر: ساح سنين كثيرةً، وصحب المشايخ، وجاهد أنواعًا من المجاهدات، ثم إنه سكن بعض جبال الموصل في موضع ليس به أنيس، ثم آنس الله تلك المواضع به، وعمرها ببركاته، حتى صار لا يخاف أحد بها بعد قطع السبل، وارتد جماعة من مفسدي الأكراد ببركاته، وعمر حتى انتفع به خلق، وانتشر ذكره، وكان معلمًا للخير، ناصحًا متشرعًا، شديدًا في الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، عاش قريبًا من ثمانين سنة، ما بلغنا أنه باع شيئًا ولا اشترى، ولا تلبس بشيء من أمر الدنيا، كانت له غليلة يزرعها بالقدوم في الجبل، ويحصدها، ويتقوت، وكان يزرع القطن، ويكتسي منه، ولا يأكل من مال أحد شيئًا، وكانت له أوقات لا يرى فيها محافظةً على أوراده، وقد طفت معه أيامًا في سواد الموصل، فكان يصلي معنا العشاء، ثم لا نراه إلى الصبح، ورأيته إذا أقبل إلى قرية يتلقاه أهلها من قبل أن يسمعوا كلامه تائبين رجالهم ونساؤهم إلَّا من شاء الله منهم، ولقد أتينا معه على دير رهبان، فتلقانا منهم راهبان، فكشفا رأسيهما، وقبلا رجليه، وقال: أدع لنا فما نحن إلَّا في بركاتك، وأخرجا طبقًا فيه خبز وعسل، فأكل الجماعة. وخرجت إلى زيارة الشيخ أول مرة، فأخذ يحادثنا، ويسأل الجماعة، ويوانسهم، وقال: رأيت البارحة في النوم كأننا في الجنة ونحن ينزل علينا شيء كالبرد. ثم قال: الرحمة، فنظرت إلى فوق رأسي، فرأيت ناسًا، فقلت: من هؤلاء? فقيل: أهل السنة والصيت للحنابلة، وسمعت شخصًا يقول له: يا شيخ! لا بأس بمداراة الفاسق؟ فقال: لا يا أخي! دين مكتوم دين ميشوم. وكان لا يواصل الأيام الكثيرة على ما اشتهر عنه، حتى إن بعض الناس كان يعتقد أنه لا يأكل شيئًا قط، فلما بلغه ذلك أخذ شيئًا، وأكله بحضرة الناس، واشتهر عنه من الرياضات والسير والكرامات والانتفاع به ما لو كان في الزمان القديم لكان أحدوثةً، ورأيته قد جاء إلى الموصل في السنة التي مات فيها، فنزل في مشهد خارج الموصل، فخرج إليه السلطان وأصحاب الولايات والمشايخ والعوام حتى آذوه مما يقبلون يده، فأجلس في موضع بينه وبين الناس شباك بحيث لا يصل إليه أحد إلَّا رؤيةً، فكانوا يسلمون عليه، وينصرفون، ثم رجع إلى زاويته.
وقال ابن خلكان: أصله من بيت فار من بلاد بعلبك، وتوجه إلى جبل الهكارية، وانقطع، وبنى له زاويةً، ومال إليه أهل البلاد ميلًا لم يسمع بمثله، وسار ذكره في الآفاق، وتبعه خلق جاوز اعتقادهم فيه الحد، حتى جعلوه قبلتهم التي يصلون إليها، وذخيرتهم في الآخرة، صحب الشيخ عقيلًا المنبجي، والشيخ حمادًا الدباس وغيرهما، وعاش تسعين سنة، وتوفي سنة سبع وخمسين وخمس مائة.
قال مظفر الدين صاحب إربل: رأيت الشيخ عدي بن مسافر وأنا صغير بالموصل، وهو شيخ ربعة، أسمر اللون، رحمه الله.
قلت: نقل الحافظ الضياء عن شيخ له أن وفاته كانت في يوم عاشوراء من السنة.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 415"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 362".
5035 - ابن الحطيئة
(1)
:
لشيخ الإمام العلامة القدوة، شيخ الإسلام، أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام اللخمي المغربي الفاسي المقرئ الناسخ ابن الحطيئة.
مولده بفاس سنة ثمان وسبعين وأربع مائة.
وحج، ولقي الكبار، وتلا بالسبع على أبي القاسم بن الفحام الصقلي، وغيره.
وسمع من أبي الحسن بن مشرف، وأبي عبد الله الحضرمي، وأبي بكر الطرطوشي.
حدث عنه: أبو طاهر السلفي وهو أكبر منه، وصنيعة الملك ابن حيدرة، وشجاع بن محمد المدلجي، والأثير محمد بن محمد بن بنان -وقرأ عليه- وإسماعيل بن محمد اللمطي، والنفيس أسعد بن قادوس خاتمة أصحابه.
وقد دخل الشام، وزار، وسكن مصر، وتزوج، وكان يعيش من الوراقة، وعلم زوجته وبنته الكتابة، فكتبتا مثله، فكان يأخذ الكتاب ويقسمه بينه وبينهما، فينسخ كل منهما طائفةً من الكتاب، فلا يفرق بين الخطوط إلَّا في شيء نادر، وكان مقيمًا بجامع راشدة خارج الفسطاط، ولأهل مصر حتى أمرائها العبيدية فيه اعتقاد كبير، كان لا يقبل من أحد شيئًا، مع العلم والعمل والخوف والإخلاص.
وتلا أيضًا بالسبع على أبي علي بن بليمة، وعلى محمد بن إبراهيم الحضرمي.
وأحكم العربية والفقه، وخطه مرغوب فيه لإتقانه وبركته.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 69"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 370"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 188".
وقد كان حصل قحط بمصر، فبذل له غير واحد عطاءً، فأبى وقنع، فخطب الفضل بن يحيى الطويل إليه بنته، فزوجه، ثم طلب منه أمها لتؤنسها، ففعل، فما أجمل تلطف هذا المرء في بر أبي العباس؟
قال السلفي: كان ابن الحطيئة رأسًا في القراءات، وقرأت بخط أبي الطاهر بن الأنماطي قال: سمعت شيخنا شجاعًا المدلجي وكان من خيار عباد الله يقول: كان شيخنا ابن الحطيئة شديدًا في دين الله، فظًا غليظًا على أعداء الله، لقد كان يحضر مجلسه داعي الدعاة مع عظم سلطانه ونفوذ أمره، فما يحتشمه، ولا يكرمه، ويقول: أحمق الناس في مسألة كذا وكذا الروافض، خالفوا الكتاب والسنة، وكفروا بالله، وكنت عنده يومًا في مسجده بشرف مصر وقد حضره بعض وزراء المصريين أظنه ابن عباس، فاستسقى في مجلسه، فأتاه بعض غلمانه بإناء فضة، فلما رآه ابن الحطيئة وضع يده على فؤاده، وصرخ صرخةً ملأت المسجد، وقال: واحرها على كبدي! أتشرب في مجلس يقرأ فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آنية الفضة?! لا والله لا تفعل، وطرد الغلام، فخرج، وطلب الشيخ كوزًا، فجيء بكوز قد تثلم، فشرب، واستحيى من الشيخ، فرأيته والله كما قال الله:{يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِغُهُ} [إبراهيم: 17].
قال: وأتى رجل إلى شيخنا ابن الحطيئة بمئزر، وحلف بالطلاق ثلاثًا لا بد أن يقبله، فوبخه على ذلك، وقال: علقه على ذاك الوتد. فلم يزل على الوتد حتى أكله العث، وتساقط، وكان ينسخ بالأجرة، وكان له على الجزية في السنة ثلاثة دنانير، ولقد عرض عليه غير واحد من الأمراء أن يزيد جامكيته، فما قبل، وكان له من الموقع في قلوبهم مع كثرة ما يهينهم ما لم يكن لأحد سواه، وعرضوا عليه القضاء بمصر، فقال: والله لا أقضي لهم .. إلى أن قال شجاع: وكتب صحيح مسلم كله بقلم واحد، وسمعته وقيل له: فلان رزق نعمةً ومعدةً، فقال: حسدوه على التردد إلى الخلاء، وسمعته كثيرًا إذا ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: طويت سعادة المسلمين في أكفان عمر.
وذكرنا في "طبقات القراء" أن الناس بقوا بمصر ثلاثة أشهر بلا قاض في سنة ثلاث وثلاثين، فوقع اختيار الدولة على الشيخ أبي العباس، فاشترط عليهم شروطًا صعبةً، منها أنه لا يقضي بمذهبهم يعني الرفض، فلم يجيبوا إلَّا أن يقضي على مذهب الإمامية.
تلوت بالسبع من طريقه على أبي عبد الله محمد بن منصور النحوي، عن الكمال العباسي، عن شجاع المدلجي، عنه.
وقرأت بخط ابن الأنماطي، قال لي شيخنا شجاع: كان الشيخ أبو العباس قد أخذ نفسه بتقليل الأكل، بحيث بلغ في ذلك إلى الغاية، وكان يتعجب ممن يأكل ثلاثين لقمةً، ويقول: لو أكل الناس من الضار ما آكل أنا من النافع ما اعتلوا. قال: وحكى لنا شجاع أن أبا العباس ولدت له بنت، فلما كبرت أقرأها بالسبع، وقرأت عليه "الصحيحين" وغير ذلك، وكتبت الكثير، وتعلمت عليه كثيرًا من العلم، ولم ينظر إليها قط، فسألت شجاعًا: أكان ذلك عن قصد? فقال: كان في أول العمر اتفاقًا، لأنه كان يشتغل بالإقراء إلى المغرب، ثم يدخل بيته وهي في مهدها، وتمادى الحال إلى أن كبرت، فصارت عادةً، وزوجها، ودخلت بيتها والأمر على ذلك، ولم ينظر إليها قط.
قلت: لا مدح في مثل هذا، بل السنة بخلافه، فقد كان سيد البشر صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت ابنته وهو في الصلاة
(1)
. توفي ابن الحطيئة رحمه الله في المحرم سنة ستين وخمس مائة، وقبره بالقرافة ظاهر يزار.
(1)
صحيح: أخرجه مالك "1/ 170" والشافعي "1/ 96"، وأحمد "5/ 295 و 296 و 297 و 303 و 304 و 310 و 311"، والطيالسي "1/ 109"، والحميدي "422"، والبخاري "516"، ومسلم "543""42"، والنسائي "3/ 10"، والدارمي "1/ 316"، والطبراني في "الكبير""22/ 1066 - 1071" من طرق عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة الأنصاري قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص وهي ابنة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها" واللفظ لمسلم.
5036 - الداراني:
أبو محمد، عبد الرحمن بن أبي الحسن بن إبراهيم بن عبد الله الكناني الداراني الدمشقي.
سمعه خاله محمد بن إبراهيم النسائي من سهل بن بشر الإسفراييني، وعبد الله بن عبد الرزاق، وأبي الفضل بن الفرات.
وعنه: ابن عساكر وابنه، والمسلم المازني، ومكرم، وكريمة، وآخرون.
قال ابن عساكر: لم يكن الحديث من صنعته، توفي في جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وخمس مائة. روى كثيرًا من سنن النسائي الكبير عن الإسفراييني.
5037 - الجواد
(1)
:
الوزير الصاحب، الملقب بالجواد، أبو جعفر، محمد بن علي بن أبي منصور الأصبهاني، وزير صاحب الموصل زنكي الأتابك.
ولاه زنكي نيابة الرحبة ونصيبين، واعتمد عليه.
وكان كريمًا نبيلًا، محببًا إلى الرعية، دمث الأخلاق، كامل الرئاسة، امتدحه القيسراني بهذه الكلمة:
سقى اللّه بالزوراء من جانب الغرب
…
مهًا وردت ماء الحياة من القلب
قال ابن خلكان: كان ينفذ في السنة إلى الحرمين ما يكفي الفقراء، وواسى الناس في قحط حتى افتقر وباع بقياره، وأجرى الماء إلى عرفات أيام الموسم، وأنشأ مدرسةً بالمدينة، ثم وزر لغازي بن زنكي، ثم من بعده لأخيه مودود، ثم إنه استكثر إقطاعه، وثقل عليه، فسجنه في سنة (558)، فمات مضيقًا عليه في سنة تسع، وكانت جنازته مشهودةً من ضجيج الضعفاء والأيتام، ودفن بالموصل، ثم نقل بعد عام، فدفن بالمدينة النبوية.
5038 - ابنه جلال الدين علي
(2)
:
وكان ابنه جلال علي أحد البلغاء، دونت رسائله، وعنه أخذ مجد الدين المبارك بن الأثير.
توفي سنة أربع وسبعين وخمس مائة، وقد وزر أيضًا.
5039 - سديد الدولة
(3)
:
كاتب السر للخلافة، سديد الدولة، محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم ابن رفاعة الشيباني ابن الأنباري.
أقام في كتابة الإنشاء خمسين سنة، وناب في الوزارة، ونفذ رسولًا إلى الشام وإلى خراسان.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 301"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 704"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 365"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 185".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان "5/ 146".
(3)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 299"، وشذرات الذهب "4/ 184".
وكان من نبلاء الرجال، وكان بينه وبين الحريري مراسلات قد دونت.
حدث عن: هبة الله بن الحصين، وعبد الله بن السمرقندي.
أخذ عنه: المبارك بن النقور، وغيره.
وعاش نيفًا وثمانين سنة، توفي سنة ثمان وخمسين وخمس مائة.
حكى أن الحريري كتب إليه رقعةً، قال: فأجبته:
أهلًا بمن أهدى إليّ صحيفةً
…
صافحتها بالرّوح لا بالرّاح
وتبلّجت فتأرّجت نفحاتها
…
كالمسك شيب نسيمه بالرّاح
فكتب إلى جواب هذه: لقد صدقت رواة الأخبار: أن معدن الكتابة الأنبار.
5040 - اللباد
(1)
:
الشيخ المسند، أبو الحسن، علي بن أحمد بن محمد بن أبي العباس، الأصبهاني اللباد.
سمع أبا بكر محمد بن أحمد بن ماجة، ورزق الله التميمي، ورجاء ابن قولويه، والرئيس الثقفي، وأبا نصر السمسار، وله إجازة صحيحة من أبي بكر بن خلف الأديب.
انتخب عليه معمر بن الفاخر "جزءًا".
حدث عنه: محمد بن مكي، وأهل تلك الديار.
ولم يقع لنا حديثه متصلًا.
وروى عنه بالإجازة ابن اللتي، وكريمة، وغيرهما.
توفي في شوال سنة ستين وخمس مائة، وكان من أبناء التسعين.
5041 - البزري
(2)
:
الإمام عالم أهل الجزيرة، أبو القاسم، عمر بن محمد بن أحمد بن عكرمة، ابن البزري الجزري الشافعي.
ارتحل، وأخذ المذهب عن الغزالي، وإلكيا، وطائفة.
وبرع في غوامض الفقه، وتخرج به أئمة.
وله مصنف كبير شرح فيه إشكالات "المهذب".
قال ابن خلكان: كان أحفظ من بقي في الدنيا على ما يقال لمذهب الشافعي، وكان يلقب بزين الدين جمال الإسلام، لم يدع بالجزيرة نظيره، توفي في أحد الربيعين سنة ستين وخمس مائة وله تسع وثمانون سنة.
وهذه نسبة إلى عمل البزر وبيعه وهو استخراج زيت الكتان.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 370"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 189".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 495"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 370"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 189".
5042 - الحراني
(1)
:
العدل الجليل، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن العباس بن عبد الحميد الحراني ثم البغدادي.
سمع رزق الله التميمي، وهبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري، وطرادًا الزينبي، وبأصبهان أبا الفتح الحداد، وجماعة.
روى عنه بنته خديجة، وعبد اللطيف بن القبيطي. وأجاز للرشيد بن مسلمة.
وله نظم حسن، ألف كتابًا سماه "روضة الأدباء".
وكان آخر من مات من شهود القاضي أبي الحسن بن الدامغاني.
توفي في ثاني عشر جمادى الأولى سنة ستين وخمس مائة.
5043 - ابن الفراء
(2)
:
شيخ الحنابلة، المفتي القاضي، أبو يعلى الصغير، محمد بن أبي خازم محمد بن القاضي الكبير أبي يعلى بن الفراء البغدادي، من أنبل الفقهاء وأنظرهم.
تخرج به خلق.
سمع من أبي الحسن بن العلاف، والحسن بن محمد التككي، وطائفة.
وولي قضاء واسط مدةً، ثم عزل، ولزم الإفادة.
روى عنه: أبو الفتح المندائي، وابن الأخضر.
توفي في جمادى الأولى سنة ستين وخمس مائة وله ست وستون سنة.
تفقه بأبيه وبعمه أبي الحسين محمد.
وقد أضر بأخرة، وكان أحد الأذكياء.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 303"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 368 - 369"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 189".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 304"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 370"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 190".
5044 - ابن التلميذ
(1)
:
قسيس النصارى، وبقراط وقته، أمين الدولة، أبو الحسن، هبة الله ابن صاعد، المسيحي الطبيب، صاحب التصانيف.
كان كثير الأموال والتجمل، وعاش أربعًا وتسعين سنة.
مات سنة ستين وخمس مائة.
5045 - ابن الصابوني
(2)
:
المقرى الإمام، أبو الفتح، عبد الوهاب بن محمد بن الحسين المالكي -من قرية المالكية- البغدادي الصابوني أبوه الخفاف الحنبلي.
قرأ بالعشر على ابن بدران، وأبي العز القلانسي.
وسمع الكثير من النعالي، وابن البطر، وثابت بن بندار، وابن الطيوري.
روى عنه: سبطه عمر بن كرم تلك "الأربعين" المخرجة له، وابن الأخضر.
قال ابن النجار: كان ثبتًا صدوقًا، قيمًا بمعرفة القراءات.
وقال السمعاني: صدوق صالح، حسن السيرة بكتاب الله، يأكل من كد يده، كتبت عنه، وقال لي: ولدت سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة.
قلت: توفي في صفر سنة ست وخمسين وخمس مائة.
وكان يصنع خفاف النساء.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 779"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 190 - 191".
(2)
ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 152"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 361"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 177".
5046 - علي بن عساكر
(1)
:
ابن سرور، الشيخ الأمين المعمر، أبو الحسن المقدسي الخشاب، نزيل دمشق.
ولد سنة ثمان وخمسين وأربع مائة.
وسمع في سنة سبعين من الفقيه نصر المقدسي، وسمع بدمشق من أبي عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد.
وقدم دمشق في تجارة، ثم سكنها بعد استيلاء النصارى على بيت المقدس.
وكان يصحب الفقيه نصر الله المصيصي.
حدث عنه: الحافظ ابن عساكر وابنه القاسم، وأبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم الحسين، وجماعة.
مات في شوال سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة.
وقع لي جزء من عواليه.
5047 - ابن قفرجل:
الشيخ الثقة المسند، أبو القاسم، أحمد بن المبارك بن عبد الباقي بن محمد بن قفرجل البغدادي الذهبي القطان المقرئ، أخو الشيخ أبي محمد أحمد بن المبارك الذي يروي عن طراد ومات قبل أبي القاسم بعشر سنين.
وأبو القاسم هذا سمع عاصم بن الحسن، وطراد بن محمد الزينبي، ورزق الله التميمي، والفضل بن أبي حرب الجرجاني، وأبا الغنائم بن أبي عثمان، وأبا الفضل بن خيرون، وأبا طاهر الباقلاني.
حدث عنه: السمعاني، وسعد بن طاهر البلخي، وزيد بن يحيى البيع، ومحمد بن ليث الوسطاني، وعدة. وأجاز لأبي الحسن بن المقير.
وكان شيخًا مستورًا لا بأس به.
مات في سنة ست وخمسين وخمس مائة، وهو في عشر التسعين.
وقع لي من المحامليات من طريقه.
قال ابن النجار: روى لنا عنه ابن سكينة، وعبد الرزاق، وابن الأخضر، وثابت بن مشرف، مولده في شعبان سنة سبعين وأربع مائة، ومات يوم عاشوراء سنة ست وخمسين.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 329"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 167 - 168".
5048 - ابن الحبوبي
(1)
:
الشيخ الجليل المسند، أبو يعلى، حمزة بن علي بن هبة الله بن حسن بن علي، الثعلبي الدمشقي البزاز ابن الحبوبي.
ولد سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة.
وسمع أبا القاسم بن أبي العلاء، وأبا الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، وسهل بن بشر الإسفراييني. سمعه عمه أبو المجد معالي بن الحبوبي.
وقال الحافظ ابن عساكر: لا بأس به.
قلت: حدث عنه: ابن عساكر وابنه، وأبو المواهب بن صصرى، وأخوه الحسين، وعبد الخالق بن أسد، وابنه غالب، وحمزة بن عبد الوهاب، وابنه أحمد بن حمزة ابن الحبوبي، ومكرم بن أبي الصقر، وأبو نصر بن الشيرازي، وكريمة الزبيرية وهي آخر من حدث عنه.
مات في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وخمس مائة، ودفن بسفح قاسيون.
5049 - الأقليشي
(2)
:
العلامة، أبو العباس، أحمد بن معد بن عيسى بن وكيل التجيبي، الأقليشي الداني.
سمع أباه، وتفقه بأبي العباس بن عيسى.
وسمع من صهره طارق بن يعيش، وابن الدباغ، وبمكة من أبي الفتح الكروخي، وبالثغر من السلفي.
وله تصانيف ممتعة، وشعر، وفضائل، ويد في اللغة.
مات بقوص بعد الخمسين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 333"، وشذرات الذهب "4/ 174"، ووقع عنده [أبو يعلى بن الجبري] بدل [أبو يعلى ابن الحبوبي].
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 321"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 154 - 155".
5050 - ابن التريكي
(1)
:
الشيخ الإمام المسند العدل، خطيب جامع المهدي، أبو المظفر، محمد بن أحمد بن علي بن الحسين، الهاشمي العباسي، المعروف بابن التريكي.
ولد سنة سبعين وأربع مائة.
حدث عن: أبي نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن، ورزق الله التميمي.
حدث عنه: السمعاني، وعلي بن هارون الحلي، وأبو الفرج محمد ابن عبد الرحمن الواسطي التاجر، وعبد السلام بن سكينة، ويحيى بن أبي المظفر الحنفي مدرس النفيسية، وآخرون.
توفي في نصف ذي القعدة سنة خمس وخمسين وخمس مائة.
5051 - الغانمي:
الإمام الفقيه العابد الأديب، أبو المحاسن، مسعود بن محمد بن غانم ابن محمد الغانمي الهروي.
ولد بطوس في سنة أربع وستين وأربع مائة.
وأجاز له الإمامان أبو القاسم القشيري، وأبو صالح المؤذن.
وسمع أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الأصبهاني، وطائفةً. وسمع "مسند الهيثم الشاشي" من: أبي القاسم أحمد بن محمد الخليلي.
وعنه: ابن عساكر، والسمعاني، والتاج المسعودي، وعبد الرحيم ابن السمعاني. سمع منه عبد الرحيم:"مسند" الشاشي، و"رسالة" القشيري.
قال أبو سعد: كان إمامًا ورعًا، كثير العبادة، تورع عن طعام والده لاختلاطه بالدولة، وعمر في الطاعة، وكان سريع النظم، مات في ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 287"، واللباب لابن الأثير "1/ 215"، وتبصير المنتبه "1/ 145"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 333"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 175".
5052 - الطائي
(1)
:
الشيخ الإمام الصالح الواعظ المحدث، أبو الفتوح، محمد بن أبي جعفر محمد بن علي بن محمد، الطائي الهمذاني، صاحب "الأربعين" المشهورة.
ولد سنة خمس وسبعين وأربع مائة بهمذان.
سمع: فيد بن عبد الرحمن الشعراني، وعبد الرحمن بن حمد الدوني، وظريف بن محمد النيسابوري، والأديب محمد بن أبي العباس الأبيوردي، وإسماعيل بن الحسن السنجبستي، وعبد الغفار بن محمد الشيروي، والعلامة أبا المحاسن الروياني، وأبا القاسم بن بيان الرزاز، وشيرويه الديلمي، وابن طاهر المقدسي، ومحيي السنة البغوي، وتاج الإسلام أبا بكر السمعاني، وتفقه عليهما بمرو.
قال أبو سعد السمعاني: كان يرجع إلى نصيب من العلوم فقه وحديث وأدب ووعظ، حضرت وعظه بهمذان، فاستحسنته.
قلت: حدث عنه: محمد بن عبد الله بن البناء الصوفي، وأبو عبد الله الحسين بن الزبيدي، وأخوه الحسن، وأبو المنجا بن اللتي، وجماعة سمعوا منه ببغداد.
توفي بهمذان في شوال سنة خمس وخمسين وخمس مائة.
وفيها مات مؤرخ دمشق العميد حمزة بن أسد التميمي ابن القلانسي، وحمزة بن علي ابن الحبوبي، والفائز عيسى بن الظافر خليفة العبيدية وله عشر سنين، وأمير المؤمنين المقتفي، والشيخ محمد بن يحيى الزبيدي الواعظ، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر البخاري الصابوني، ومسعود بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني، ويحيى بن عبد الرحمن الطوسي ابن تاج القراء، وأبو المظفر محمد بن أحمد ابن التريكي.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 333"، وشذرات الذهب "4/ 175".
5053 - سنجر
(1)
:
السلطان، ملك خراسان، معز الدين، سنجر بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن جغريبك بن ميكائيل بن سلجوق الغزي التركي السلجوقي، صاحب خراسان وغزنة وبعض ما وراء النهر.
خطب له بالعراق وأذربيجان والشام والجزيرة وديار بكر وأران والحرمين.
واسمه بالعربي أبو الحارث أحمد بن حسن بن محمد بن داود. كذا قال السمعاني، لكن قال في أبيه: حسن إن شاء الله.
ولد بسنجار من الجزيرة في رجب سنة تسع وسبعين وأربع مائة إذ توجه أبوه لغزو الروم، ونشأ ببلاد الخوز، ثم سكن خراسان، وتدير مرو.
قال ابن خلكان: ولي نيابةً عن أخيه السلطان بركياروق سنة تسعين وأربع مائة، ثم استقل بالملك في سنة اثنتي عشرة وخمس مائة.
قال السمعاني: كان في أيام أخيه يلقب بالملك المظفر إلى أن توفي أخوه محمد بالعراق في آخر سنة إحدى عشرة، فتسلطن، ورث الملك عن آبائه، وزاد عليهم، وملك البلاد، وقهر العباد، وخطب له على أكثر منابر الإسلام.
وكان وقورًا حييًا، كريمًا سخيًا، مشفقًا، ناصحًا لرعيته، كثير الصفح، جلس على سرير الملك قريبًا من ستين سنة.
قال: وحكى أنه دخل مع أخيه محمد على المستظهر بالله، قال: فلما وقفنا ظنني السلطان، فافتتح كلامه معي، فخدمت، وقلت: يا مولانا، هو السلطان، وأشرت إلى أخي، ففوض إليه السلطنة، وجعلني ولي عهده. أجاز أبو الحسن علي بن أحمد المديني لسنجر مسموعاته، فقرأت عليه بها أحاديث، وقد ثقل سمعه.
قال ابن الجوزي: حارب سنجر الغز يعني قبل سنة خمسين وخمس مائة -فأسروه، ثم تخلص بعد مدة.
وقال ابن خلكان: كان من أعظم الملوك همةً، وأكثرهم عطاءً، ذكر أنه اصطبح خمسة
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 263"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 280" والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 326 - 327"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 161 - 162".
أيام متواليه ذهب بها في الجود كل مذهب، فبلغ ما وهب من العين سبع مائة ألف دينار سوى الخلع والخيل.
قال: وقال خازنه: اجتمع في خزائنه من الأموال ما لم يسمع أنه اجتمع في خزائن ملك، قلت له يومًا: حصل من خزائنك ألف ثوب ديباج أطلس، وأحب أن تراها، فسكت، فأبرزت جميعها، فحمد الله، ثم قال: يقبح بمثلي أن يقال: مال إلى المال. وأذن للأمراء في الدخول، وفرق عليهم الثياب. قال: واجتمع عنده من الجواهر ألف رطل ونيف، ولم يسمع عند ملك ما يقارب هذا.
قال ابن خلكان: لم يزل في ازدياد إلى أن ظهرت عليه الغز في سنة 548 وهي وقعة مشهورة استشهد فيها الفقيه محمد بن يحيى، فكسروه، وانحل نظام ملكه، وملكوا نيسابور، وقتلوا خلقًا كثيرًا، وأخذوا السلطان، وضربوا رقاب عدة من أمرائه، ثم قبلوا الأرض، وقالوا: أنت سلطاننا، وبقي معهم مثل جندي يركب اكديشًا، ويجوع وقتًا، وأتوا به، فدخلوا معه مرو، فطلبها منه أميرهم بختيار إقطاعًا، فقال: كيف يصير هذا?! هذه دار الملك. فصفى له، وضحكوا، فنزل عن الملك، ودخل إلى خانقاه مرو، وعملت الغز ما لا تعمله الكفار من العظائم، وانضمت العساكر، فملكوا مملوك سنجر أيبه، وجرت مصائب على خراسان، فبقي في أسرهم ثلاث سنين وأربعة أشهر، ثم أفلت منهم، وعاد إلى خراسان، وزال بموته ملك بني سلجوق عن خراسان، واستولى على أكثر مملكته خوارزم شاه أتسز بن محمد بن نوشتكين، ومات أتسز قبل سنجر.
قال السمعاني: مات في الرابع والعشرين من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة، ودفن في قبة بناها، وسماها دار الآخرة.
قال ابن الجوزي: لما جاء خبر موته إلى بغداد، قطعت خطبته، ولم يعقد له عزاء.
قال السمعاني: تسلطن بعده ابن أخته الخاقان محمود بن محمد بن بغراجان.
قلت: وقد عمل في أثناء دولته مصافًا ما سمع بمثله أبدًا مع كافر ترك، انكسر سنجر فيها، وقتل من جنده سبعون ألفًا.
5054 - أبق
(1)
:
الملك المظفر، مجير الدين، أبو سعيد، أبق، صاحب دمشق وابن صاحبها جمال الدين محمد بن تاج الملوك بوري بن طغتكين البعلبكي المولد.
تملك بعد أبيه وهو حدث، ودبر الدولة أنر الطغتكيني والوزير ابن الصوفي، فلما مات أنر استقل بالملك مجير الدين، ثم نفى الوزير إلى صرخد، واستوزر أخاه حيدرة مدةً، ثم قتله، وقدم على الجيش عطاء البعلبكي، ثم قتله، فقصد نور الدين دمشق، وعامله أهلها، فأخذها بالأمان، وعوض مجير الدين بحمص، فأقام بها، ثم أمره نور الدين بالتحول إلى بالس، فسار إليها، ثم تركها، وقدم على الخليفة، فأعطاه خبز سبعين فارسًا إلى أن مات ببغداد سنة أربع وستين وخمس مائة كهلًا.
5055 - عبد المؤمن بن علي
(2)
:
ابن علوي، سلطان المغرب الذي يلقب بأمير المؤمنين، الكومي القيسي، المغربي.
مولده بأعمال تلمسان. وكان أبوه يصنع الفخار.
قيل: إنه قال -أعني عبد المؤمن: إنما نحن من قيس غيلان بن مضر بن نزار، ولكومية علينا حق الولادة، والمنشأ فيهم، وهم أخوالي.
وكان الخطباء إذا دعوا له بعد ابن تومرت، قالوا: قسميه في النسب الكريم.
مولده سنة سبع وثمانين وأربع مائة.
وكان أبيض جميلًا، ذا جسم عمم، تعلوه حمرة، أسود الشعر، معتدل القامة، جهوري الصوت، فصيحًا جزل المنطق، لا يراه أحد إلَّا أحبه بديهةً، وكان في كبره شيخًا وقورًا، أبيض الشعر، كث اللحية، واضح بياض الأسنان، وكان عظيم الهامة، طويل القعدة، شثن الكف، أشهل العين، على خده الأيمن خال، يقال: كان في صباه نائمًا، فسمع أبوه دويًا، فإذا سحابة سمراء من النحل قد أهوت مطبقةً على بيته، فنزلت كلها على الصبي، فما استيقظ، فصاحت أمه، فسكنها أبوه، وقال: لا بأس، لكني متعجب مما تدل عليه، ثم طارت
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 188 - 189"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 381" وشذرات الذهب لابن العماد "211 - 212".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 408"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 263"، وشذرات الذهب "4/ 183".
عنه، وقعد الصبي سالمًا، فذهب أبوه إلى زاجر، فذكر له ما جرى، فقال: يوشك أن يكون لابنك شأن، يجتمع عليه طاعة أهل المغرب.
وكان محمد بن تومرت قد سافر في حدود الخمس مائة إلى المشرق، وجالس العلماء، وتزهد، وأقبل على الإنكار على الدولة بالإسكندرية وغيرها، فكان ينفى ويؤذى، ففي رجعته إلى إفريقية هو ورفيقه الشيخ عمر الهنتاتي صادف عبد المؤمن، فحدثه ووانسه، وقال: إلى أين تسافر? قال: أطلب العلم. قال: قد وجدت طلبتك. ففقهه، وصحبه، وأحبه، وأقضى إليه بأسراره لما رأى فيه من سمات النبل، فوجد همته كما في النفس، فقال ابن تومرت يومًا لخواصه: هذا غلاب الدول. ومضوا إلى جبل تينمل بأقصى المغرب، فأقبل عليهم البربر، وكثروا، وعسكروا، وشقوا العصا على ابن تاشفين، وحاربوه مرات، وعظم أمرهم، وكثرت جموعهم، واستفحل أمرهم، وخافتهم الملوك، وآل بهم الحال إلى الإستيلاء على الممالك، ولكن مات ابن تومرت قبل تمكنهم في سنة أربع وعشرين وخمس مائة. وكانت وقعة البحيرة بظاهر مراكش بين ابن تاشفين صاحب المغرب وبين أصحاب ابن تومرت في سنة إحدى وعشرين، فانهزم فيها الموحدون، واستحر بهم القتل، ولم ينج منهم إلَّا نحو من أربع مائة مقاتل، ولما توفي ابن تومرت كتموا موته، وجعلوا يخرون من البيت، ويقولون: قال المهدي كذا، وأمر بكذا، وبقي عبد المؤمن يغير في عسكره على القرى، ويعيشون من النهب، وضعف أمرهم، وكذلك اختلف جيش ابن تاشفين الذين يقال لهم: المرابطون، ويقال لهم: الملثمون، فخامر منهم الفلاكي من كبارهم، وسار إلى عبد المؤمن، فتلقاه بالاحترام، واعتضد به، فلما كان بعد خمسة أعوام أفصحوا بموت ابن تومرت، ولقبوا عبد المؤمن أمير المؤمنين، وصارت حصون الفلاكي للموحدين، وأغاروا على نواحي أغمات والسوس الأقصى، واستفحل بهم البلاء.
وقال صاحب "المعجب" عبد الواحد المراكشي: استدعى ابن تومرت قبل موته الرجال المسمين بالجماعة وأهل الخمسين والثلاثة عمر أرتاج، وعمر إينتي، وعبد الله بن سليمان، فحمد الله، ثم قال: إن الله -سبحانه، وله الحمد- من عليكم أيتها الطائفة بتأييده، وخصكم بحقيقة توحيده، وقيض لكم من ألفاكم ضلالًا لا تهتدون، وعميًا لا تبصرون، قد فشت فيكم البدع، واستهوتكم الأباطيل، فهداكم الله به، ونصركم، وجمعكم بعد الفرقة، ورفع عنكم سلطان هؤلاء المارقين، وسيورثكم أرضهم وديارهم، ذلك بما كسبت أيديهم، فجددوا لله خالص نياتكم، وأروه من الشكر قولًا وفعلًا مما يزكي به سعيكم، واحذروا الفرقة، وكونوا يدًا واحدةً على عدوكم، فإنكم إن فعلتم ذلك هابكم الناس، وأسرعوا إلى
طاعتكم، وإن لا تفعلوا شملكم الذل، واحتقرتكم العامة، وعليكم بمزج الرأفة بالغلظة، واللين بالعنف، وقد اخرنا لكم رجلًا منكم، وجعلناه أميرًا بعد أن بلوناه، فرأيناه ثبتًا في دينه، متبصرًا في أمره، وهو هذا -وأشار إلى عبد المؤمن- فاسمعوا له وأطيعوا ما أطاع ربه، فإن بدل ففي الموحدين بركة وخير، والأمر أمر الله يقلده من يشاء. فبايع القوم عبد المؤمن، ودعا لهم ابن تومرت.
وقال ابن خلكان: ما استخلفه بل أشار به. قال: فأول ما أخذ من البلاد وهران، ثم تلمسان، ثم فاس، ثم سلا، ثم سبتة، ثم حاصر مراكش أحد عشر شهرًا، فأخذها في سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة، وامتد ملكه، وافتتح كثيرًا من الأندلس، وقصدته الشعراء، ولما قال فيه التيفاشي قصيدته:
ما هزّ عطفيه بين البيض والأسل
…
مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي
أشار إليه أن يقتصر على هذا المطلع، وأمر له بألف دينار، وانقطعت الدعوة العباسية بموت أمير المسلمين علي بن تاشفين وولده تاشفين، وكانت دولة تاشفين ثلاث سنين.
قال ابن الجوزي في "المرآة": استولى عبد المؤمن على مراكش، فقتل المقاتلة، وكف عن الرعية، وأحضر اليهود والنصارى، وقال: إن المهدي أمرني أن لا أقر الناس إلَّا على ملة الإسلام، وأنا مخيركم بين ثلاث، إما أن تسلموا، وإما أن تلحقوا بدار الحرب، وإما القتل. فأسلم طائفة ولحقت أخرى بدار الحرب، وخرب كنائسهم، وعملها مساجد، وألغى الجزية، فعل ذلك في جميع مدائنه، وأنفق بيوت الأموال، وصلى فيها اقتداءً بعلي، وليري الناس أنه لا يكنز المال، وأقام كثيرًا من معالم الإسلام مع سياسة كاملة، ونادى: من ترك الصلاة ثلاثًا فاقتلوه، وأزال المنكر، وكان يؤم بالناس، ويتلو في اليوم سبعًا، ويلبس الصوف الفاخر، ويصوم الاثنين والخميس، ويقسم الفيء بالشرع، فأحبوه.
قال عزيز في كتاب "الجمع": كان عبد المؤمن يأخذ الحق إذا وجب على ولده، ولم يدع مشركًا في بلاده لا يهوديًا ولا نصرانيًا، فجميع رعيته مسلمون.
وقال عبد الواحد بن علي: وزر له أولًا عمر أرتاج، ثم رفعه عن الوزارة، واستوزر أبا جعفر أحمد بن عطية الكاتب، فلما أخذ بجاية استكتب من أهلها أبا القاسم القالمي، ثم في سنة "53" قتل ابن عطية، وأخذ أمواله، واستوزر عبد السلام الكومي، ثم قتله سنة سبع، واستوزر ابنه عمر، وولى قضاءه ابن جبل الوهراني، ثم عبد الله بن عبد الرحمن المالقي، وأسر يحيى الصنهاجي صاحب بجاية، وكان هو وآباؤه من بقايا نواب بني عبيد الرافضة، ثم
أحس إلى يحيى، وصيره من قواده، وكان عبد المؤمن مؤثرًا لأهل العلم، محبًا لهم، ويجزل صلاتهم، وسميت المصامدة بالموحدين لأجل خوض المهدي بهم في علم الاعتقاد والكلام.
وكان عبد المؤمن رزينًا وقورًا، كامل السؤدد، سريًا، عالي الهمة، خليقًا للإمارة، واختلت أحوال الأندلس، وتخاذل المرابطون، وآثروا الراحة، واجترأ عليهم الفرنج، وانفرد كل قائد بمدينة، وهاجت عليهم الفرنج، وطمعوا، فجهز عبد المؤمن عمر إينتي، فدخل إلى الأندلس، فأخذ الجزيرة الخضراء، ثم رندة، ثم إشبيلية وقرطبة وغرناطة، ثم سار عبد المؤمن بجيوشه، وعدى البحر من زقاق سبتة، فنزل جبل طارق، وسماه جبل الفتح، فأقام أشهرًا، وبنى هناك قصورًا ومدينة، ووفد إليه كبراء الأندلس، وقام بعض الشعراء منشدًا:
ما للعدى جنّةٌ أوقى من الهرب
…
أين المفرّ وخيل اللّه في الطّلب
وأين يذهب من في رأس شاهقةٍ
…
وقد رمته سهام اللّه بالشّهب
حدّث عن الرّوم في أقطار أندلسٍ
…
والبحر قد ملأ البرّين بالعرب
فأعجب بها عبد المؤمن، وقال: بمثل هذا يمدح الخلفاء. ثم أمر على إشبيلية ولده يوسف، وعلى قرطبة أبا حفص عمر إينتي، وعلى غرناطة عثمان ولده، وقرر بالأندلس جيشًا كثيفًا من المصامدة والعرب وقبائل بني هلال، وكان قد حاربهم مدةً، وظفر بهم، وأذلهم، ثم كاتبهم ولاطفهم، فخدموا معه، وخلع عليهم، وكان دخوله إلى الأندلس في سنة ثمان وأربعين، ومما لاطف به العرب واستمالهم قصيدة له وهي:
أقيموا إلى العلياء هوج الرّواحل
…
وقودوا إلى الهيجاء جرد الصّواهل
وقوموا لنصر الدّين قومة ثائرٍ
…
وشدّوا على الأعداء شدّة صائل
فما العزّ إلَّا ظهر أجرد سابحٍ
…
وأبيض مأثورٌ وليس بسائل
بني العمّ من عليا هلال بن عامرٍ
…
وما جمعت من باسلٍ وابن باسل
تعالوا فقد شدّت إلى الغزو نيّةٌ
…
عواقبها منصورةٌ بالأوائل
هي الغزوة الغرّاء والموعد الذي
…
تنجّز من بعد المدى المتطاول
بها نفتح الدّنيا بها نبلغ المنى
…
بها ننصف التّحقيق من كلّ باطل
فلا تتوانوا فالبدار غنيمةٌ
…
وللمدلج السّاري صفاء المناهل
قال عبد الواحد المراكشي: حدثني غير واحد أن عبد المؤمن لما نزل سلا -وهي على
البحر المحيط ينصب إليها نهر عظيم، ويمر في البحر عبر النهر، وضربت له خيمة، وجعلت جيوشه تعبر قبيلةً قبيلةً، فخر ساجدًا، ثم رفع وقد بل الدمع لحيته، فقال: أعرف ثلاثةً وردوا هذه المدينة، لا شيء لهم إلَّا رغيف واحد، فراموا عبور هذا النهر، فبذلوا الرغيف لصاحب القارب على أن يعدي بهم، فقال: لا آخذه إلَّا عن اثنين، فقال أحدهم وكان شابًا: تأخذ ثيابي وأنا أسبح، ففعل، فكان الشاب كلما أعيا، دنا من القارب، ووضع يده عليه يستريح، فيضربه بالمجذاف، فما عدى إلَّا بعد جهد. فما شك السماعون أنه هو السابح، والآخران ابن تومرت، وعبد الواحد الشرقي.
قال: ثم نزل عبد المؤمن مراكش، وأقبل على البناء والغراس وترتيب ملكه، وبسط العدل، وبقي ابنه عبد الله ببجاية يشن الغارات على نواحي إفريقية، وضايق تونس، ثم حاصرها مدةً، وأفسد مياهها، وقطع أشجارها، وبها ابن خراسان نائب صاحب صقلية لوجار بن الدوقة الرومي، فطال على ابن خراسان الحصار، فبرز، والتقى الموحدين، فهزمهم، وقتل خلقًا منهم، فبعث عبد الله يستمد أباه، فتهيأ في سنة 553 لتونس، وأقبل في جيوشه حتى نازلها، فأخذها عنوةً، وانتقل إلى المهدية وهي للنصارى لكن رعيتها مسلمون، فطال الحصار لحصانتها، يقال: عرض سورها ممر ستة أفراس، وأكثرها في البحر، فكانت النجدات تأتيها من صقلية.
قال ابن الأثير: نازل عبد المؤمن المهدية، فبرز شجعان الفرنج، فنالوا من عسكره، فأمر ببناء سور عليهم، وصابرها، وأخذ سفاقس وطرابلس وقابس، وجرت أمور وحروب يطول شرحها، وجهز من افتتح توزر وبلاد الجريد، وطرد عنها الفرنج، وطهر إفريقية من الكفر، وتكمل له ملك المغرب من طرابلس إلى السوس الأقصى وأكثر مملكة الأندلس، ولو قصد مصر لأخذها، ولما صعبت عليه.
وقيل: إنه مر بقريته ليصل بها ذوي رحمه، ويزور قبر أمه، فلما أطل عليها وجيوشه قد ملأت الفضاء، والرايات والبنود على رأسه، وضرب نحو من مائةي طبل، وطبولهم كبار جدًا تزعج الأرض، فقالت عجوز منهم: هكذا يعود الغريب إلى بلده?! وصاحت بذلك.
ولما دخلت سنة ثمان وخمسين أمر الجيش بالجهاز لجهاد الروم، واستنفر الناس عامًا، ثم سار حتى نزل بسلا، فمرض، وجاءه الأجل بها في السابع والعشرين من جمادى الآخرة، وارتجت المغرب لموته، وكان قد جعل ولي عهده ابنه محمدًا، وكان لا يصلح لطيشه وجذام به ولشربه الخمر، فتملك أيامًا، وخلعوه، واتفقوا على تولية أخيه يوسف بن عبد المؤمن، فبقي في الملك اثنتين وعشرين سنة. وخلف عبد المؤمن ستة عشر ولدًا ذكرًا.
قال صاحب كتاب "الجمع": وقفت على كتاب كتبه عن عبد المؤمن بعض كتابه: من الخليفة المعصوم الرضي الزكي، الذي بشر به النبي العربي، القامع لكل مجسم غوي، الناصر لدين الله العلي، أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي.
5056 - شهردار
(1)
:
ابن شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسره، الإمام العالم المحدث المفيد، أبو منصور بن الحافظ المؤرخ أبي شجاع الديلمي الهمذاني، من ذرية الضحاك بن فيروز الديلمي رضي الله عنه.
أجاز له عام مولده باعتناء والده أبو بكر بن خلف الشيرازي، وأبو منصور المقومي سنة (483).
وسمع: أباه، وأبا الفتح عبدوس بن عبد الله، ومكي بن علان السلار، وحمد بن نصر الأعمش، وأبا محمد الدوني، وفيد بن عبد الرحمن، وأبا بكر أحمد بن محمد بن زنجويه فقيه زنجان ذكر أنه سمع منه مسند الإمام أحمد في سنة خمس مائة، أخبرنا الحسين الفلاكي، أخبرنا القطيعي. وسمع ببغداد.
حدث عنه: ابنه أبو مسلم أحمد، وأبو سهل عبد السلام بن فتحة السرفولي الذي روى عنه الألقاب للشيرازي، وأبو سعد السمعاني وقال: كان حافظًا عارفًا بالحديث، فهمًا، عارفًا بالأدب، ظريفًا خفيفًا، لازمًا مسجده، متبعًا أثر والده في الحديث والسماع والطلب، رحل مع أبيه سنة خمس وخمس مائة إلى أصبهان، كتبت عنه، وكان يجمع أسانيد كتاب الفردوس لوالده، ورتب ذلك ترتيبًا حسنًا عجيبًا، ثم رأيت الكتاب بمرو سنة ست وخمسين في ثلاث مجلدات ضخمة وقد فرغ منه، وهذبه، ونقحه.
وقال عبد الرحيم الحاجي: توفي شهردار في رجب سنة ثمان وخمسين وخمس مائة.
أخبرنا أحمد بن المؤيد الزاهد، أخبرنا عبد السلام بن فتحة سنة ثمان عشرة وست مائة حضورًا، أخبرنا أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي سنة (554)، أخبرنا أبو بكر أحمد بن عمر البيع، أخبرنا حميد بن مأمون، أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ، أخبرنا أبو سعيد هو عبد الله ابن محمد بن محبور التميمي، حدثنا أبو بكر هو محمد بن أحمد بن عبد الله ابن مهدي، حدثنا عبد العزيز بن يحيى، حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 182".
الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لما قضى الله الخلق، كتب كتابًا، فهو عنده على عرشه: إن رحمتي غلبت غضبي"
(1)
.
أخرجه النسائي عن شعيب بن شعيب بن إسحاق، عن زيد بن يحيى، عن مالك.
وفيها مات أحمد بن محمد بن قدامة الزاهد والد الشيخ موفق الدين، وسلامة بن أحمد بن الصدر، وعبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني بدمشق، وأبو محمد عبد الرحمن بن زيد بن الفضل الوراق، وعبد المؤمن صاحب المغرب، وكمال بنت المحدث عبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وصاحب الإنشاء سديد الدولة محمد بن عبد الكريم ابن الأنباري عن نيف وثمانين سنة وهبة الله بن الفضل بن القطان المتوثي، أحد الشعراء، وله ثمانون سنة، وشيخ الشافعية باليمن أبو الخير يحيى ابن سالم العمراني صاحب كتاب "البيان في المذهب".
(1)
صحيح: أخرجه أحمد "2/ 242"، والبخاري "3194"، ومسلم "2751"، من حديث أبي هريرة، به.
5057 - الباغبان
(1)
:
الشيخ المعمر الثقة الكبير، أبو الخير، محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن علي بن إسحاق بن سندار، الأصبهاني المقدر المهندس المؤذن الصوفي، شهر بالباغبان.
ولد سنة بضع وستين وأربع مائة.
وسمع أبا عمرو عبد الوهاب بن مندة، وأبا عيسى بن زياد، وأبا بكر بن ماجه، والمطهر البزاني، وأبا الطيب محمد بن أحمد بن سلى صاحب أبي علي بن البغدادي، والعلامة أبا نصر بن الصباغ في الرسلية، وأبا منصور بن شكرويه، ومحمد بن أحمد السمسار، وإبراهيم بن محمد القفال، وحكيم ابن محمد الإسفراييني سمع منه مسند الشافعي، أخبرنا جدي لأمي علي ابن محمد السقاء.
وحدث بحضرة الحافظ أبي العلاء العطار بهمذان وبأصبهان.
حدث عنه: السمعاني، وجامع بن خمارتاش، ومحمد بن أحمد بن أبي الفتح النجار، ومحمد بن مكي الحنبلي، وداود بن معمر، وعبد البر بن أبي العلاء، وأبو الوفاء محمود بن مندة، ومحمد بن أحمد المعلم، وآخرون.
وآخر من روى عنه بالإجازة كريمة القرشية، وعجيبة الباقدارية.
قال ابن نقطة: هو ثقة صحيح السماع.
وقال عبد الرحيم الحاجي: مات في ثاني عشر شوال سنة تسع وخمسين وخمس مائة.
وفيها مات المسند أبو سعد عبد الوهاب بن الحسن الكرماني، وعلي بن حمزة بن إسماعيل الموسوي الهروي، وأبو المعالي عمر بن علي الصيرفي الخفاف، والحافظ محمد بن الحسين الزاغولي بمرو.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 366"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 187".
5058 - الشيخ رسلان
(1)
:
هو الشيخ الزاهد العابد، بقية المشايخ، رسلان بن يعقوب بن عبد الرحمن الجعبري، ثم الدمشقي، النشار، من أولاد الأجناد الذين بقلعة جعبر.
صحب الشيخ أبا عامر المؤدب الذي هو مدفون مع الشيخ رسلان في قبته بظاهر باب توما ودفن عندهما ثالث وهو أبو المجد خادم رسلان وكان أبو عامر قد صحب الشيخ ياسين تلميذ الشيخ مسلمة. وقيل: إن مسلمة الزاهد صحب الشيخ عقيلًا، وهو صحب الشيخ علي بن عليم صاحب أبي سعيد الخراز.
كان نشارًا في الخشب، فقيل: بقي سنين يأخذ أجرته، ويدفعها لشيخه أبي عامر، وشيخه يطعمه. وقيل: بل كان يقسم أجرته، فثلث يتصدق به، وثلث لقوته، وثلث لباقي مصالحه.
وكان يتعبد بمسجد داخل باب توما جوار بيته، ثم انتقل إلى مسجد درب الحجر، فأقام بجهته الشرقية، وكان الشيخ أبو البيان في جانبه الغربي، فتعبدا مدةً، وصحب كلا منهما جماعة، ثم خرج الشيخ بأصحابه، فأقام بمسجد خالد بن الوليد الذي تجاه قبته، وعبد الله إلى أن مات في حدود سنة خمسين وخمس مائة أو بعد ذلك.
وقد سقت من أخباره في "تاريخنا الكبير".
وكان ورعًا قانتًا، صاحب أحوال ومقامات، ولم تبلغني أخباره كما ينبغي، وما عملته كان له اشتغال في العلم.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 160".
5059 - أبو الحسين الزاهد
(1)
:
هو الزاهد القدوة الولي، أبو الحسين بن أبي عبد الله بن حمزة المقدسي.
ألف الحافظ الضياء سيرته في جزء، أنبأني به الشيخ أبو عبد الله بن الكمال وغيره بسماعهم منه، فقال: حدثني الإمام عبد الله بن أبي الحسن الجبائي قال: مضيت إلى زيارة أبي الحسين الزاهد بحلب، ولم تكن نيتي صادقةً، فقال: إذا جئت إلى المشايخ، فلتكن نيتك صادقةً في الزيارة.
سألت خالي أبا عمر: هل رأيت أبا الحسين يأكل شيئًا? فقال: رأيته يأكل خروبًا يمصه ويرمي به، ورأيته يأكل بقلًا مصلوقًا.
قال أبو سعد السمعاني: سمعت سنان بن مشيع الرقي يقول: رأيت أبا الحسين المقدسي برأس عين في موضع عريانًا قد اتزر بقميصه ومعه حمار، والناس قد تكابوا عليه، فقال: تعال: فتقدمت، فأخذ بيدي، وقال: نتواخى? قلت: ما لي طاقة. قال: أيش لك في هذا؟ وآخاني. وقال لواحد من الجماعة: حماري يحتاج إلى رسن. فقالوا: ثمنه أربعة فلوس. فأشار إلى موضع في الحائط، فإني جزت ها هنا، وخبأت ثم أربع فلوس، اشتروا لي بها حبلًا. ثم قال: أريد أن تشتري لي بدينار سمكًا. قلت: كرامة، ومن أين لك ذهب? قال: بلى معي ذهب كثير. قلت: الذهب يكون أحمر. قال: أبصر تحت الحشيش. فأخذت الحشيش، فخرج دينار، فاشتريت له به سمكًا، فنظفه، وشواه، ثم قلاه، ثم أخرج منه الجلد والعظام، وجعله أقراصًا، وجففه، وتركه في جرابه، ومضى وله سنون ما أكل الخبز. وكان يسكن جبال الشام، ويأكل البلوط والخرنوب.
قال الضياء: قرأت بخط يوسف بن محمد بن مقلد الدمشقي أنه سمع من الشيخ أبي الحسين أبياتًا، ثم قال: وكان عظيم الشأن، يقعد خمسة عشر يومًا لا يأكل سوى أكلة، ويتقوت من الخروب البري، ويجفف السمك، وحدثني يوسف بن الشيخ أبي الحسين أن الشيخ استف من صرة، فرآه رجل، فأراد أن يستف منه، فإذا هو مر، فلما جاء الشيخ، قال: يا سيدي، ما في الصرة? فناوله منها كفًا، فإذا هو سكر وقلب لوز.
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1313"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 152".
وأخبرنا أبو المظفر السمعاني عن أبيه: سمعت عبد الواحد بن عبد الملك الزاهد بالكرج، سمعت أبا الحسين المقدسي وكان صاحب آيات وكرامات عجيبة، وكان طاف الدنيا يقول: رأيت أعجميًا بخراسان يعظ، اسمه يوسف بن أيوب.
قال: وحدثني أبو تمام حمد بن تركي بن ماضي قال: حدثني جدي قال: كان بعسقلان في يوم عيد، فجاء أبو الحسين الزاهد إلى امرأة معها خبز سخن، فقال: تشتهي لزوجك من هذا الخبز وكان في الحج فناولته رغيفين، فلفهما في مئزر، ومضى إلى مكة، فقال: خذ هذا من عند أهلك. وأخرجه سخنًا، ورجع، فرأوه يومئذ بمكة وبعسقلان، وجاء الرجل، وقال: أما أعطيتني الرغيفين? فقال: لا تفعل، قد اشتبه عليك. فحدثني جدي ماضي قال: كان أبو الحسين بعسقلان، فوصوا عليه البوابين لا تخلوه يخرج خوفًا من الفرنج، فجاء وعدا وقميصه في فمه، فإذا هو في جبل لبنان، فقال لنفسه: ويلك وأنت ممن بلغ هذه الرتبة?!
وعن مسعود اليمني: قالت الفرنج: لو أن فيكم آخر مثل أبي الحسين لاتبعناكم على دينكم، مروا يومًا، فرأوه راكبًا على سبع وفي يده حية، فلما رآهم، نزل ومضى.
السمعاني: سمعت عبد الواحد بالكرج يقول: سمعت الكفار يقولون: الأسود والنمور كأنها نعم أبي الحسين.
قال الضياء: سمعنا له غير ذلك من مشي الأسد معه، وقيل: عمل حلاوةً من قشور البطيخ، فغرف حلاوةً من أحسن الحلاوة.
وحدثني عنه المحسن بن محمد بن الشيخ، حدثنا أبي قال: كان والدي يعمل لنا الحلاوة من قشور البطيخ، ويسوطها بيده، فعملنا بعده، فلم تنعمل، فقالت أمي: بقيت تعوز المغرفة.
حدثني خالي أبو عمر قال: كان أبو الحسين يجيء إلينا، وكان يقطع البطيخ ويطبخه، واستعار مني سكينًا، فجرحته، فقال: ما سكينك إلَّا حمقى.
وعن امرأة: أن أبا الحسين دخل تنورًا، وخرج منه.
حدثنا محمد بن إسماعيل الإمام بمردا، حدثنا أبو يوسف حسن قال: كنت مع أبي الحسين الزاهد، فقال لناس: أعطوني من ناركم، فملؤوا له قطعة جرة، فقال: صبوها في ملحفتي. فصبوها في ملحفته، فأخذها ومضى. وقيل: إنه رش ماءً على زمنة، فمشت. سمعت خالي موفق الدين يقول: حكي أن أبا الحسين أراد لص أن يأخذ حماره، قال: فيبست يده، فلما أبعد عنه، عادت.
قال الضياء: وبلغني عنه أنه كان يلبس سراويله حماره، ويقول: نواري عورته. فيضحك الناس.
وقيل: كان إذا عرف بمكان سافر، وقبره يزار بظاهر حلب.
مات -ظنًا: سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
وقيل: أعطت زوجة سلطان حلب لزوجة أبي الحسين شقة حرير، فعملها سراويل لحماره. ورأى حمالًا قد رمى قفص فخار، فتطحن، فجمعه له، وجاء معه إلى الفاخورة، فحطه، فوجده صحاحًا.
5060 - مسعود
(1)
:
السلطان الكبير، غياث الدين، أبو الفتح، مسعود بن السلطان محمد ابن السلطان ملكشاه السلجوقي.
نشأ بالموصل مع أتابك مودود، ورباه، ثم مع آقسنقر البرسقي، ثم مع خوش بك صاحب الموصل، فلما مات والده، حسن له خوشبك الخروج على أخيه محمود، فالتقيا، فانكسر مسعود، ثم تنقلت به الأحوال، واستقل بالسلطنة في سنة (528)، وقدم بغداد.
قال ابن خلكان: كان عادلًا لينًا، كبير النفس، فرق مملكته على أصحابه، وما ناوأه أحد إلَّا وظفر به، وقتل خلقًا من كبار الأمراء والخليفتين الراشد والمسترشد، لأنه وقع بينه وبين المسترشد لاستطالة نواب مسعود على العراق، وعارضوا الخليفة في أملاكه، فبرز لحربه، فجيش مسعود بهمذان، فالتقيا، فانكسر جيش المسترشد، وأسر في عدة من أمرائه، وطاف بهم مسعود بأذربيجان، وقتل الخليفة بمراغة، وأقبل مسعود على اللذات والبطالة، وحدث له علة الغثيان مدة، وجرت بينه وبني عمه سنجر منازعة، ثم تصالحا.
قال ابن الأثير: كان كثير المزاح، حسن الخلق، كريمًا، عفيفًا عن أموال الرعية، من أحسن السلاطين سيرةً، وألينهم عريكةً.
قلت: أبطل مكوسًا ومظالم كثيرةً، وعدل، واتسع ملكه، وكان يميل إلى العلماء والصالحين، ويتواضع لهم.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 231"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 720"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 303"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 145".
قال ابن الدبيثي: أنبأنا علي بن محمد النيسابوري، أخبرنا السلطان مسعود، أخبرنا أبو بكر قاضي المرستان، أخبرنا البرمكي بحديث من "جزء الأنصاري".
قال أبو سعد السمعاني: كان بطلًا شجاعًا، ذا رأي وشهامة، تليق به السلطنة، سمع منه جماعة، مات في جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وخمس مائة.
قلت: نقل إلى أصبهان، فدفن بها، وعاش خمسًا وأربعين سنةً، وكان قد أحب خاص بك التركماني، فرقاه، وقدمه على جميع قواده، وكثرت أمواله، فلما مات السلطان، قال خاص بك لولده ملكشاه: سأقبض عليك صورةً، وأطلب أخاك محمدًا لأملكه، فإذا جاء أمسكناه، وتستقل أنت. قال: فافعل. فما نفق خبثه على محمد، وجاء إلى همذان، فبادر العسكر إليه، فقال: كلامكم مع خاص بك فهو الوالد، فوصل هذا القول إلى خاص بك، فاطمأن، وتلقاه، وقدم له تحفًا، ثم قتل خاص بك، وخلف أموالًا جزيلةً من بعضها سبعون ألف ثوب أطلس.
قال المؤيد: بدره السلطان محمد ثاني يوم من قدومه، وقتله، وقتل معه آخر.
5061 - الخجندي
(1)
:
العلامة الأكمل، صدر الدين، أبو بكر محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن ثابت الخجندي، ثم الأصبهاني الشافعي.
سمع أبا علي الحداد وغيره.
قال السمعاني: كان صدر العراق على الإطلاق، إمامًا فحلًا، مناظرًا، مليح الوعظ، جوادًا مهيبًا، كان السلطان محمود يصدر عن رأيه، وكان بالوزراء أشبه منه بالعلماء، وكان يروي الحديث على المنبر من حفظه.
وقال ابن الجوزي: قدم وولي التدريس النظامية، حضرت مناظرته. وهو يتكلم بكلمات معدودة كأنها الدر، ووعظ بجامع القصر، وما كان يندار في الوعظ، وكان مهيبًا، وحوله السيوف.
قال السمعاني: ذهب إلى أصبهان، فنزل قريةً بقرب همذان، فنام في عافية، وأصبح ميتًا في شوال سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة.
قال ابن الأثير: جرت لموته فتنة قتل فيها خلق أصبهان.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 268"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 163".
5062 - ابن المتوكل
(1)
:
الشيخ أبو علي الحسن بن جعفر بن عبد الصمد ابن المتوكل على الله، الهاشمي العباسي.
سمع أبا غالب الباقلاني، وعلي بن محمد العلاف، وجماعة.
روى عنه: السمعاني، وعبد المغيث بن زهير، وأبو المنجا ابن اللتي. وكان يلقب بهاء الشرف.
قال السمعاني: له معرفة بالأدب والشعر، وكان صالحًا.
وقال ابن النجار: له كتاب سرعة الجواب أتى فيه بكل مليح.
وقيل: جمع "سيرةً" للمقتفي.
توفي سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة.
5063 - ابن القلانسي
(2)
:
الصاحب العميد، أبو يعلى، حمزة بن أسد بن علي، التميمي الدمشقي ابن القلانسي الكاتب، صاحب "التاريخ".
روى عن: سهل بن بشر الإسفراييني، وحامد بن يوسف.
قال ابن عساكر: كان كاتبًا أديبًا، تولى رئاسة دمشق مرتين، وكان يكتب له في سماعه أبو العلاء المسلم، فذكر هو أنه هو، وأنه كان كذلك يسمى، صنف "تاريخًا" للحوادث، توفي في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمس مائة.
قلت: نيف على الثمانين، وحدث عنه أبو القاسم بن صصرى، ومكرم بن أبي الصقر، وجماعة.
وكان متميزًا في الكتابتين الإنشاء والديوان، وحمدت ولايته، وفي عقبه رؤساء وعلماء.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 280"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 171".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 332"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 174" ووقع عنده [حمزة بن راشد] بدل [حمزة بن أسد].
5064 - صاحب غزنة
(1)
:
السلطان خسروشاه بن السلطان بهرام شاه بن السلطان مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن فاتح الهند السلطان محمود بن سبكتكين. تملك بعد أبيه تسعة أعوام.
قال ابن الأثير: كان عادلًا، حسن السيرة، محبًا للخير، مقربًا للعلماء، راجعًا إلى قولهم، توفي في رجب سنة خمس وخمسين وخمس مائة، وقام بعده ابنه السلطان ملكشاه، فقصده ملك الغور علاء الدين، وحاصر غزنة، فنزل عليهم ثلج كثير، فترحلوا.
قال المؤيد: صاهر الأمير محمد بن الحسين الغوري للسلطان بهرام شاه بن مسعود، فاستوحش السلطان من محمد، فأمسكه، ثم ذبحه، فحشد أخوه سوري وأقبل، فالتقوا، فأسره بهرام شاه، فقتله أيضًا، فأقبل أخوهما الملك علاء الدين حسين بن حسين، وهزم بهرام شاه، واستولى على غزنة، واستناب عليها أخاه سيف الدين سام بن الحسين، ثم التقى بهرام شاه هو وسام، فقتل سام، وتمكن بهرام شاه إلى أن مات، وتملك خسرو، فقصده ملك الغور علاء الدين الملك المعظم، فهرب خسرو إلى نهاور، وتملك علاء الدين حسين غزنة، ونهبها، ودانت له الأمم، واستعمل ولدي أخيه غياث الدين وشهاب الدين ابني سام اللذين تمكنا وتملكا، فحاربا عمهما، فهزماه، وقهراه، وأسراه، لكن أكرماه، وأعاداه إلى مملكته، ووقفا في خدمته، فزوجهما بابنتيه، وجعلهما وليي عهده، ودام ذلك إلى أن مات هو سنة ست وخمسين وخمس مائة.
5065 - الكرخي
(2)
:
القاضي العلامة، أبو طاهر، محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر بن الكرخي.
حدث عن: النعالي، والحسين بن البسري.
وعنه: عبد العزيز بن الأخضر، وغيره. وولي القضاء بباب الأزج وبواسط.
تفقه بإلكيا الهراسي، والشاشي، وشهد على أبي الحسن بن الدامغاني. وله فضائل.
مات في ربيع الأول سنة ست وخمسين وخمس مائة بعد علة طويلة وله ثمانون سنة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 333"، وشذرات الذهب "4/ 175".
(2)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 292"، وتبصير المنتبه "3/ ص 1210".
5066 - ابن المادح
(1)
:
الشيخ المعمر الصدوق، أبو محمد، محمد بن أحمد بن عبد الكريم ابن محمد بن المادح التميمي البغدادي.
شيخ معمر، عنده نحو من ستة أجزاء عالية.
سمع: أبا نصر الزينبي، وأبا الحسن علي بن محمد الأنباري، وأبا الغنائم بن أبي عثمان.
حدث عنه: إبراهيم بن محمد الشعار، وأحمد بن طارق، وعمر بن محمد الدينوري، وأحمد بن يحيى بن هبة الله، وعبد الحق بن المقرون، وعبد الرحمن بن الغزال، وأبو الفتوح نصر بن الحصري، وثابت بن مشرف، وعلي بن برورنداز، وعبد اللطيف بن عبد الوهاب الطبري، ومحمد ابن محمد بن أبي حرب النرسي.
وكان أبوه نواحًا، مداحًا للصحابة بالقصائد في المواسم بصوت مطرب.
مات أبو محمد في ذي القعدة سنة ست وخمسين وخمس مائة في عشر التسعين.
وفيها مات أبو حكيم إبراهيم بن دينار النهرواني الفقيه الزاهد، وأمير مصر الصالح طلائع بن رزيك، وأبو الفتح عبد الوهاب بن محمد بن الصابوني، ومقبل بن أحمد بن الصدر الحنبلي، وصاحب ما وراء النهر محمود خاقان بن محمد.
5067 - ابن كروس
(2)
:
الشيخ المحدث المسند، أبو يعلى، حمزة بن أحمد بن فارس بن المنجا بن كروس السلمي الدمشقي.
مولده يوم الأضحى سنة ثلاث وسبعين وأربع مائة.
وسمع "موطأ" يحيى بن بكير عن مالك من الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وسمع من مكي بن عبد السلام الرميلي، وسهل بن بشر الإسفراييني.
وطلب في وقت بنفسه، ونسخ بخطه.
حدث عنه: ابن عساكر، وابنه القاسم، وعمر بن علي القرشي، وأخوه عبد الوهاب، والقاضي عبد الرحمن بن سلطان، وأبو القاسم بن صصرى، ومكرم بن أبي الصقر، وإسحاق بن طرخان الشاغوري، وآخرون.
قال الحافظ ابن عساكر: كتبت عنه بعد ما تاب، وكان شيخًا حسن السمت، توفي في صفر سنة سبع وخمسين وخمس مائة.
وفيها مات أبو العباس أحمد بن ناقة الكوفي المحدث، وزمرذ خاتون أم شمس الملوك صاحبة الخاتونية التي على الشرف، وصدقة بن وزير الواسطي الواعظ، والواعظ عبد الرحمن المعري بدمشق، والشيخ عدي بن مسافر الزاهد، وإلكيا الصباحي الباطني صاحب ألموت، وهبة الله الشلبي القصار صاحب أبي نصر الزينبي.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 361"، وشذرات الذهب "4/ 178" ووقع عنده [ابن المارح] بالراء المهملة بدل [ابن المادح] بالدال المهملة.
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 362"، وشذرات الذهب "4/ 178".
5068 - الشبلي
(1)
:
الشيخ المسند، بقية المشايخ، خاتم من سمع من أبي نصر محمد ابن محمد الزينبي، أبو المظفر هبة الله بن أحمد بن محمد بن الشبلي البغدادي القصار الدقاق المؤذن.
ولد سنة سبعين وأربع مائة.
وسمع أيضًا من: أبي الغنائم بن أبي عثمان، وطراد بن محمد الزينبي، وأبي نصر بن المجلي.
حدث عنه: أحمد بن صالح الجيلي، وأبو بكر الباقدرائي، وأبو العلاء العطار، وعبد المغيث بن زهير، وأحمد بن طارق، وأبو طالب بن عبد السميع، وعلي بن أبي سعد بن تميرة، وأبو الفتوح بن الحصري، وزيد ابن يحيى البيع، وظفر بن سالم البيطار، وأخته ياسمين، والشيخ شهاب الدين عمر السهروردي، والنفيس بن كرم، وهبة الله بن عمر بن كمال القطان، وعدة. وآخر من روى عنه بالإجازة عجيبة الباقدارية.
توفي في سلخ ذي الحجة سنة سبع وخمسين وخمس مائة.
ومن غريب الاتفاق أن فيها مات سميه أبو بكر هبة الله بن أحمد بن محمد الحفار ببغداد، سمع من رزق الله التميمي، وأجاز لكريمة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 362"، وشذرات الذهب "4/ 181".
5069 - الموسوي
(1)
:
السيد العالم الزاهد الصالح، شيخ هراة، أبو الحسن، علي بن حمزة ابن إسماعيل بن حمزة، الهاشمي العلوي الموسوي الهروي.
ولد سنة ثمان وستين وأربع مائة.
وسمع من: محمد بن علي العميري، ونجيب بن مروان، وأبي عامر الأزدي، وصاعد بن سيار، والحافظ عبد الله بن يوسف الجرجاني، وجماعة.
وخرج الحافظ أبو النضر عبد الرحمن الفامي له "جزءًا" عن مشايخه.
ومن مروياته كتاب العوالي لابن عدي.
وسمع "جامع" أبي عيسى من الأزدي.
حدث عنه: السمعاني وولده، وعبد الله بن عيسى بن أبي حبيب، وحفيده محمد بن إسماعيل بن علي، وحفيده الآخر علي بن محمد بن علي، ويحيى بن محمد المروزي، وأبو روح عبد المعز بن محمد البزاز، وآخرون.
وعاش نيفًا وتسعين سنة.
قال السمعاني: علوي حسن السيرة، مرضي، جميل الظاهر والباطن، كثير العبادة والخير، يتفقد الفقراء، ويراعيهم، محترم عند أهل بلده، مات سنة تسع وخمسين وخمس مائة.
5070 - الزيادي:
الشيخ أبو عبد الله، محمد بن يوسف البغوي المقرئ الصوفي، بقية الكبار.
سمع جامع أبي عيسى من محمد بن أبي صالح الدباس في سنة ثمان وثمانين وأربع مائة.
ذكره ابن نقطة وأنه توفي بهراة سنة ستين وخمس مائة، فلو أنه كان ببغداد لبقي أصحابه إلى بعد الأربعين وست مائة.
عاش أكثر من تسعين سنة.
(1)
ترجمته في شذرات لابن العماد "4/ 187".
5071 - أبو حكيم
(1)
:
العلامة القدوة، أبو حكيم، إبراهيم بن دينار النهرواني الحنبلي، أحد أئمة بغداد.
إمام زاهد ورع خير حليم، إليه المنتهى في علم الفرائض.
أنشأ بباب الأزج مدرسةً، وانقطع بها يتعبد.
وكان يؤثر الخمول والقنوع، ويقتات من الخياطة، فيأخذ على القميص حبتين فقط، ولد جهد جماعة في إغضابه، فعجزوا، وكان يخدم الزمنى والعجائز بوجه طلق، وسماعه صحيح.
سمع أبا الحسن بن العلاف، وأبا القاسم بن بيان.
وعنه: ابن الجوزي، وابن الأخضر، وأبو نصر عمر بن محمد.
عاش خمسًا وسبعين سنة، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وخمس مائة.
5072 - الزيات
(2)
:
الشيخ الصالح، أبو الندى، حسان بن تميم بن نصر، الدمشقي الزيات.
سمع من الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي من مجالسه.
وعاش بضعًا وثمانين سنة.
روى عنه: ابن عساكر وابنه، وعبد الخالق بن أسد، وأبو المواهب التغلبي، ومكرم القرشي، وكريمة بنت الحبقبق، وآخرون.
توفي في تاسع عشر رجب سنة ستين وخمس مائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها مات أبو الفضل عبد الواحد بن إبراهيم بن القزة الدمشقي راوي "الصحيح" عن الفقيه نصر، عن ابن السمسار.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 290"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 360"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 176".
(2)
ترجمته في شذرات لابن العماد "4/ 188".
5073 - الصالح
(1)
:
وزير مصر، الملك الصالح، أبو الغارات، طلائع بن رُزِّيك الأرمني المصري الرافضي، واقف جامع الصالح الذي بالشارع.
ولي نواحي الصعيد، فلما قتل الظافر، نفذ آل الظافر وحرمه إلى ابن رزيك كتبًا مسخمة في طيها شعور أهله مقصوصةً، يستنفرونه ليأخذ بالثأر، فحشد وجمع، وأقبل، واستولى على مصر.
وكان أديبًا عالمًا شاعرًا سمحًا جوادًا ممدحًا شجاعًا سائسًا.
ولد "ديوان" صغير.
ولما مات الفائز، أقام العاضد، فتزوج العاضد ببنته، وكان الحل والعقد إلى الصالح، وكان العاضد محتجبًا عن الأمور لصباه، واغتر الصالح بطول السلامة، ونقص أرزاق الأمراء، فتعاقدوا على قتله، ووافقهم العاضد، وقرر قتله مع أولاد الداعي، وأكمنهم في القصر، فشدوا عليه، وجرحوه عدة جراحات، فبادر مماليكه، فقتلوا أولئك، وحمل، فمات ليومه في تاسع عشر رمضان سنة ست وخمسين وخمس مائة، وخلع على ابنه العادل رزيك، وولي الوزارة.
قال الشريف الجواني: كان في نصر المذهب كالسكة المحماة لا يفري فريه، ولا يباري عبقريه، وكان يجمع العلماء، ويناظرهم على الإمامة.
قلت: صنف في الرفض والقدر. ولعمارة اليمني فيه مدائح ومراثي.
ولقد قال لعلي بن الزبد لما ضجت الغوغاء يوم خلافة العاضد وهو حدث: يا علي، ترى هؤلاء القوادين دعاة الإسماعيلية يقولون: ما يموت الإمام حتى ينصها في آخر، وما علموا أني من ساعة كنت أستعرض لهم خليفةً كما أستعرض الغنم.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان "2/ ترجمة 311"، وتبصير المنتبه "2/ 643"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 345"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 177".
5074 - المقتفي لأمر الله
(1)
:
أمير المؤمنين، أبو عبد الله، محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر، الهاشمي العباسي البغدادي الحبشي الأم.
مولده في ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربع مائة.
وسمع من أبي الحسن بن العلاف، ومن مؤدبه أبي البركات السيبي.
وبويع بالإمامة في سادس عشر ذي القعدة سنة ثلاثين وخمس مائة.
قال السمعاني: وأظنه سمع "جزء ابن عرفة" من ابن بيان، كتبت إليه قصة أسأله الإنعام بالإذن في السماع منه، فأنعم، وفتش على الجزء، ونفذه إلي على يد إمامه ابن الجواليقي، فسمعته من ابن الجواليقي عنه، حدثنا أبو منصور بن الجواليقي، أخبرنا المقتفي لأمر الله
…
فذكر حديثًا. قرأته على الأبرقوهي، أخبرنا أبو علي بن الجواليقي، أخبرنا الوزير عون الدين، أخبرنا المقتفي، أخبرنا أحمد بن عبد الوهاب، أخبرنا أبو محمد الصريفيني، أخبرنا أبو طاهر المخلص، أخبرنا إسماعيل الوراق، حدثنا حفص الربالي، حدثنا أبو سحيم، حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزداد الأمر إلَّا شدةً، ولا الناس إلَّا شحًا، ولا تقوم الساعة إلَّا على شرار الناس"
(2)
. وأنبأناه جماعة سمعوه من أبي اليمن الكندي، أخبرنا أبو الفتح البيضاوي، أخبرنا الصريفيني.
كان المقتفي عاقلًا لبيبًا، عاملًا مهيبًا، صارمًا، جوادًا، محبًا للحديث والعلم، مكرمًا لأهله، وكان حميد السيرة، يرجع إلى تدين وحسن سياسة، جدد معالم الخلافة، وباشر المهمات بنفسه، وغزا في جيوشه.
قال أبو طالب بن عبد السميع: كانت أيامه نضرةً بالعدل زهرة بالخير، وكان على قدم من العبادة قبل الخلافة ومعها، ولم ير مع لينه بعد المعتصم في شهامته مع الزهد والورع، ولم تزل جيوشه منصورة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 286"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 332 - 333" وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 172 - 174".
(2)
منكر: في إسناده أبو سحيم، مبارك بن سحيم، له نسخة معروفة عن عبد العزيز بن صهيب. قال أبو زرعة: ما أعرف له حديثا صحيحا. وقال النسائي: لا يكتب حديثه. وقال البخاري: منكر الحديث.
قلت: وكان من حسناته وزيره عون الدين بن هبيرة، وقيل: كان لا يجري في دولته شيء إلَّا بتوقيعه، وكتب في خلافته ثلاث ربعات، ووزر له علي بن طراد، ثم أبو نصر بن جهير، ثم علي بن صدقة، ثم ابن هبيرة، وحجبه أبو المعالي بن الصاحب، ثم كامل بن مسافر، ثم ابن المعوج، ثم أبو الفتح بن الصيقل، ثم أبو القاسم بن الصاحب.
وكان أسمر آدم، مجدور الوجه، مليح الشيبة، أقام حشمة الخلافة، وقطع عنها أطماع السلاطين السلجوقية وغيرهم، وكان من سلاطين خلافته صاحب خراسان سنجر بن ملكشاه، والملك نور الدين صاحب الشام، وأبوه قسيم الدولة.
أنبؤونا عن ابن الجوزي قال: قرأت بخط أبي الفرج الحداد قال: حدثني من أثق به أن المقتفي رأى في منامه قبل أن يستخلف بستة أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: سيصل هذا الأمر إليك، فاقتف بي. فلذا لقب المقتفي لأمر الله.
وكان قد قدم بغداد السلطان مسعود السلجوقي، وذهب الراشد من بغداد، فاجتمع القضاة والكبراء، وخلعوا الراشد -كما ذكرنا- لعدم أهليته، وحكم بخلعه ابن الكرخي القاضي، وبايعوا عمه.
قال السديد بن الأنباري: نفذ السلطان إلى عمه سنجر: من نستخلف? فكتب إليه: لا تول إلَّا من يضمنه الوزير، وصاحب المخزن، وابن الأنباري. قال: فاجتمع بنا مسعود، فقال الوزير: نولي الدين الزاهد محمد بن المستظهر. قال: تضمنه? قال: نعم. وكان صهرًا للوزير على بنته تزوج بها في دولة أبيه.
وأخذ مسعود كل حواصل دار الخلافة بحيث لم يدع في إصطبل الخلافة سوى أربعة أفراس وثمانية بغال. فقيل: بايعوا محمدًا على أن لا يكون عنده خيل ولا عدة سفر، وفي الثانية من سنيه صادر مسعود أهل بغداد، فخرج إليه ابن الكواز الزاهد، ووعظه، فترك، ولم يدع للخليفة سوى العقار، ثم تزوج الخليفة بأخت مسعود.
وفيها اقتتل مسعود وعساكر أذربيجان والراشد المخلوع، وتمت وقعة مهولة، وكتب الخليفة لزنكي بعشرة بلاد، وأن لا يعين الراشد، فخطب بالموصل للمقتفي، فنفذ الراشد يقول لزنكي: غدرت. قال: ما لنا طاقة بمسعود، وفارق الراشد وزيره ابن صدقة، وقل جمعه، وتحيز إلى مراغة، وبكى عند قبر أبيه، وحثا على رأسه التراب، فثار معه أهل مراغة، وبذلوا له الأموال، وقوي بالملك داود، وعمل مصافًا مع مسعود، فاستظهر داود.
وفيها هرب وزير مصر تاج الدولة بهرام الأنصاري الأرمني، وكان قد تمكن، واستعمل
الأرمن، فظلم الرعية، فجمع رضوان الولخشي جيشًا، وقصد القاهرة، فسار بهرام في جيشه إلى الصعيد وأكثرهم أرمن نصارى، فمنعه أمير أسوان من دخولها، فاقتتلوا، وقتل عدة من الأرمن والسودان، ثم بعث يطلب أمانًا من الحافظ العبيدي، فآمنه، فعاد وحبس بالقاهرة، ثم ترهب، ثم أطلق، ووزر للحافظ رضوان، ولقب بالملك الأفضل، ثم وقع بينه وبين الحافظ بعد سنتين، فهرب إلى الشام، فنزل على أمير الدولة كمشتكين صاحب صرخد، فأكرمه، وعظمه.
وأعيدت إلى المقتفي ضياعه ومعاملاته، وتمكن، ونصر عسكر دمشق وعليهم بزواش على فرنج طرابلس، والتقى زنكي والفرنج أيضًا فهزمهم، واستولى على قلعة لهم، ثم سار وأخذ بعلبك، وأخذت الروم بزاعة بالأمان، وتنصر قاضيها وجماعة، فلله الأمر.
وتزوج السلطان مسعود ببنت دبيس الأسدي لملاحتها، وأغلقت بغداد للعرس أسبوعًا في سنة "532".
وفيها استفحل أمر الراشد، والتف عليه عساكر، فقتلته الباطنية، ونازلت عساكر الروم حلب، وحمي الحرب، وقتل خلق من النصارى، وقتل بطريقهم، ثم نازلوا شيزر مدةً، وعاثوا في الشام، وما قحم عليهم زنكي، بل ضايقهم، وطلب النجدة من السلطان مسعود، ثم قلعهم الله.
وفي سنة 533 زلزلت جنزة. قال ابن الجوزي: فأهلكت مائتي ألف وثلاثين ألفًا، فسمعت شيخنا ابن ناصر يقول: جاء الخبر أنه خسفت جنزة، وصار مكان البلد ماء أسود. وكذا عدهم ابن الأثير في كامله لكن أرخها في سنة أربع.
وفيها حاصر زنكي دمشق غير مرة، وعزل ابن طراد من الوزارة، ووليها أستاذ الدار أبو نصر بن جهير، وعظم الخطب بالعيارين، وأخذوا الدور بالشموع والثياب من الحمامات، وأعانهم وزير السلطان، فتحزب الناس لهم، وأذن في ذلك السلطان، وتتبعوهم.
وفيها كانت وقعة عظمى بين سنجر السلطان وبين كافر ترك بما وراء النهر، فانكسر المسلمون، ونجا سنجر في طائفة، فتوصل إلى بلخ في ستة نفر، وقتل خلق كثير من الجيش حتى قيل: قتل مائة ألف، وسار اللعين في ثلاث مائة ألف فارس، وأحاطوا بسنجر في سنة ست وثلاثين.
وفي سنة تسع وثلاثين حاصر زنكي الفرنج بالرها، وافتتحها، ثم بعد سنوات أخذتها الفرنج.
وفيها افتتح عبد المؤمن مدينة تلمسان، ثم فاس.
وفي سنة إحدى وأربعين حاصر زنكي قلعة جعبر، فوثب عليه ثلاثة من غلمانه، فقتلوه، وعارضه شحنة مسعود المقتفي في دار الضرب، فأمر بحبسه، وعظم المقتفي، وأخذت الفرنج طرابلس المغرب، واستفحل أمر الملك عبد المؤمن، وغلب على ممالك المغرب.
وفي سنة اثنتين ولي ابن هبيرة ديوان الزمام، وعزل من ابن جهير، ووزر أبو القاسم علي بن صدقة.
وفي سنة 543 جاءت ثلاثة ملوك من الفرنج إلى القدس، منهم طاغية الألمان، وصلوا صلاة الموت، وفرقوا على جندهم سبع مائة ألف دينار، فلم يشعر بهم أهل دمشق إلَّا وقد صبحوهم في عشرة آلاف فارس وستين ألف رجل، فخرج المسلمون فارسهم وراجلهم، والتقوا، فاستشهد نحو المائةين، منهم الفندلاوي، وعبد الرحمن الحلحولي، ثم اقتتلوا من الغد، وقتل خلق من الفرنج، فلما كان خامس يوم وصل من الجزيرة غازي ابن زنكي في عشرين ألفًا، وتبعه أخوه نور الدين، وكان الضجيج والدعاء والتضرع بدمشق لا يعبر عنه، ووضعوا المصحف العثماني في صحن الجامع، وكان قسيس العدو قال: وعدني المسيح بأخذ دمشق، فحفوا به، وركب حماره وفي يده الصليب، فشد عليه الدماشقة، فقتلوه، وقتلوا حماره، وجاءت النجدات، فانهزم الفرنج.
وقال ابن الأثير: سار ملك الألمان من بلاده لقصد المسلمين، وانضم إليهم فرنج الشام، فنازل دمشق، وبها الملك مجير الدين أبق وأتابكه معين الدين أنر، فنجده أولاد زنكي، ونزل ملك الألمان بالميدان الأخضر، وأيس أهل دمشق، ووصل صاحب الموصل إلى حمص، فراسل أنر ملوك فرنج الساحل يقول: بأي عقل تساعدون الألمان علينا?! وإن ملكوا أخذوا منكم السواحل، وأنا إذا عجزت سلمت دمشق إلى ابن زنكي، فلا تقومون به، فتخاذلوا، وبذل لهم بانياس، فخوفوا ملك الألمان من عساكر الشرق، فرد إلى بلاده، وهي وراء قسطنطينية.
وفيها ظهور الدولة الغورية، فقصد سوري بن حسين مدينة غزنة، واستولى عليها، فجرت بينه وبين بهرام شاه وقعة، فقتل سوري، فغضبت الغور لقتله، وحشدوا، فكان خروجهم في سنة سبع وأربعين وخمس مائة، والملك في بقاياهم إلى اليوم، وافتتحوا إقليم الهند.
واشتد بإفريقية القحط، لا بل كان القحط عامًا، فقال المؤيد عماد الدين: فيها كان الغلاء العام من خراسان إلى العراق إلى الشام إلى بلاد المغرب.
وفي سنة 44 كسر نور الدين محمود صاحب حلب الفرنج، وقتل صاحب أنطاكية في ألف وخمس مائة منهم، وأسر مثلهم، ثم أخذ منهم حصن فامية. وكان جوسلين طاغية تل باشر قد ألهب المسلمين بالغارات، واستولى على إلبيرة وبهسنا ومرعش والراوندان وعين تاب وعزاز، فحاربه سلحدار نور الدين، فأسره جوسلين، فدس نور الدين جماعةً من التركمان، وقال: من جاءني بجوسلين فله ما طلب. فنزلوا بناحية عين تاب، وأغار عليهم جوسلين، وأخذ منهم امرأةً مليحةً، وافتضها تحت شجرة،، فكمن له التركمان، وأسروه، فأعطاهم نور الدين عشرة آلاف دينار، واستولى نور الدين على بلاده، واشتد القحط بالعراق عام أول، وزال في العام، ووزر ابن هبيرة، ونكثت فرنج السواحل، فشن أنر الغارات عليهم، وفعل مثله العرب والتركمان، حتى طلبوا تجديد الهدنة، وأن يتركوا بعض القطيعة. والتقى نور الدين الفرنج، فهزمهم، وقتل قائدهم البرنس أحد الأبطال، ومرض أنر بحوران ومات، ثم دفن بالمعينية.
ومات الحافظ صاحب مصر، وقام ولده الظافر، ووزر له ابن مصال، ثم اختلف المصريون، وقتل خلق.
وفي سنة 545 ضايق نور الدين دمشق، فأذعنوا، وخطبوا له بها بعد ملكها، فخلع على ملكها، وطوقه، ورده إلى البلد، واستدعى الرئيس مؤيد الدين إلى مخيمه، وخلع عليه، ورد إلى حلب.
وفيها أخذ ركب العراق، وقل من نجا، وقتل ابن مصال الوزير، وغلب ابن السلار.
قال ابن الجوزي: جاء باليمن مطر كله دم.
وفي سنة 46 عاود نور الدين محاصرة دمشق، وراسلهم نور الدين: إني أوثر إصلاح الرعية وجهاد الفرنج، فإن أعانني عسكركم على الغزو، فهو المراد. فنفروا، وامتنعوا، وخربت الغوطة، وعاث العسكر، وتحركت الفرنج إنجادًا لملك دمشق، فضاقت صدور الأخيار، وجرح خلق، ثم تحول نور الدين إلى البقاع لما جاءت جيوش الفرنج نجدةً، فطلبوا من دمشق مال القطيعة المبذولة لهم على ترحيل نور الدين، ثم عاد نور الدين إلى داريا، وبرز عسكر البلد، ووقعت المناوشة، وتصالحوا، ثم سار ملك دمشق مجير الدين إلى خدمة نور الدين إلى حلب، فأكرمه، وبقي كنائب لنور الدين بدمشق، وافتتح نور الدين أنطرطوس وتل
باشر وعدة معاقل للفرنج، ونازلت أربعون ألفًا من الفرنج قرطبة ثلاثة أشهر، حتى كادوا أن يأخذوها، فكشف عنها جيش عبد المؤمن، وكانوا اثني عشر ألفًا، وقدم السلطان مسعود بغداد.
وفي سنة 47 مات مسعود، وقام بعده أخوه محمد، وعظم شأن المقتفي، وسار إلى واسط، فمهدها، وعطف إلى الكوفة، ثم عاد مؤيدًا منصورًا، فعملت له قباب الزينة.
وفي سنة 48 أخذت الفرنج عسقلان، واشتد الغلاء بدمشق، ومات الفقراء، فطمع نور الدين في أخذها، ففي أول سنة تسع قدم شيركوه رسولًا، فنزل في ألف فارس، فلم يخرجوا لتلقيه، وقويت الوحشة، وأقبل نور الدين، فنزل ببيت الأبار، وزحف على البلد مرتين، وأقبل عسكره إلى باب كيسان، فإذا ليس على السور كبير أحد، فتقدم راجل، فرأته يهودية، فدلت له حبلًا، فصار على السور، وتبعه جماعة، فنصبوا سنجقًا، وصاحوا: نور الدين يا منصور. وفتر القتال، وبادر قطاع خشب بفأسه، فكسر قفل باب شرقي، ودخل نور الدين، وفرحت به الرعية، فتحصن الملك مجير الدين بالقلعة طالبًا للأمان، ثم نزل، فطيب نور الدين قلبه، وخرج بأمواله إلى الدار الأتابكية، ثم ذهب إلى حمص، وكتب له بها منشور.
وأقبلت الغز التركمان، فنهبوا نيسابور، وعذبوا وقتلوا بها ألوفًا، وخدموا السلطان سنجر، وأخذوه معهم، فصار في حال زرية بعد العز والملك، يركب أكدشًا، وربما جاع.
وفيها يوم الجمعة ثاني شوال وقعت صاعقة عظيمة في التاج الذي بدار الخلافة، فتأججت فيه وفي القبة والدار، فبقيت النار تعمل فيه تسعة أيام، حتى أطفئت بعد أن صيرته كالحممة، وكانت آيةً هائلةً وكائنةً مدهشة، وكان هذا التاج من محاسن الدنيا، أنشأه المكتفي في دولته، وكان شاهقًا بديع البناء، ثم رم شعثه وطري.
وفي سنة خمسين وخمس مائة سار المقتفي إلى الكوفة، واجتاز يسوقها، وقتل في العام الماضي الظافر بمصر، وقدم طلائع بن زريك من الصعيد للأخذ بثأر الظافر من قاتله عباس، ففر عباس نحو الشام بأمواله، فأخذته فرنج عسقلان، فقتلوه، وباعوا ابنه نصرًا للمصريين، واضطرب أمر مصر، وعزمت الفرنج على أخذها، وأرست مراكب جاءت من صقلية على تنيس، فهجموها، وقتلوا، وسبوا، وافتتح نور الدين قلاعًا للفرنج وبعض بلاد الروم بالأمان، واتسع ملكه، فبعث إليه المقتفي تقليدًا، ولقبه بالملك العادل، وأمره بقصد مصر.
وفي سنة 551 سار المقتفي والسلطان سليمان بن محمد بن ملكشاه إلى حلوان، ثم نفذ
المقتفي العساكر مع السلطان، وفي رمضانها هرب سنجر من الغز في خواصه إلى ترمذ، وتمنع بها.
وكان أتسز خوارزمشاه وابن أخت سنجر الخاقان محمود يحاربان الغز، والحرب بينهم سجال، وذلت الغز بموت علي بك، وأتت الأتراك الفارغلية إلى خدمة سنجر، وعظم حاله، ورجع إلى دار ملكه مرو.
وفيها جاءت الزلزلة العظمى بالشام.
وفي سنة 52 ورد كتاب السلطان سنجر إلى الملك نور الدين يتودد فيه، وأنه انتصر على الغز بحيلة، ويعده بنصره على الفرنج، فزينت دمشق والقلعة بالمغاني، وكسر عسكر نور الدين الفرنج، وأخذ نور الدين بانياس بالسيف، ثم التقى نور الدين، ونصر عليهم، ولله الحمد.
وفيها نازل محمد شاه بن محمود وعلي كوجك بغداد في ثلاثين ألفًا، واقتتلوا أيامًا، وعظم الخطب، وقتل خلق كثير، وبذل المقتفي الأموال والغلال، ثم ترحلوا، وسار المقتفي إلى أوانا، وتصيد، ومات سنجر السلطان، وهزم نور الدين الفرنج على صفد، وأخذت غزة من الفرنج.
وفي سنة 53 سار المقتفي إلى واسط، وزار مشهد الحسين، ورد، ثم سار إلى المدائن، وشهد العيد في تجمل باهر.
قال ابن الأثير: كان مصرع الإسماعيلية الخراسانيين، نزلوا وكانوا ألفًا وسبع مائة، فأخذوا زوق تركمان، فتناخت التركمان، وكروا عليهم، ووضعوا فيهم السيف، فما نجا منهم إلَّا تسعة أنفس.
وكانت ملحمة كبرى بين الغز وبين أمراء خراسان، ودام المصاف يومين، وانتصرت الغز، واستغنوا، وشرعوا في العدل قليلًا.
وفيها التقى المصريون والفرنج بفلسطين، فاستبيحت الفرنج.
وفيها التقى نور الدين والفرنج، فانهزم عسكره، ونجا نور الدين، وانهزم العدو أيضًا.
وفيها أقبل صاحب قسطنطينية في جيوش الروم، وأغار أوائلهم على بلاد أنطاكية.
وفي سنة 554 مرض نور الدين، وعهد بالملك بعده لأخيه مودود، وصالح صاحب القسطنطينية، وأطلق له مقدمين من أسرى الفرنج، فبعث هو إلى نور الدين هدايا وتحفًا، وسار نور الدين، فتملك حران، ومد سماطًا لأخيه مودود لم يسمع بمثله.
وفي سنة 4 كان الفساد بالغز عمالًا، وسار الخليفة إلى واسط، وسار عبد المؤمن سلطان المغرب، فحاصر المهدية سبعة أشهر، وأخذها بالأمان، وبها خلق من النصارى، وكانت بأيديهم من اثنتي عشرة سنة، وافتتح أيضًا قبلها تونس.
وفي "كامل" ابن الأثير أن نقيب العلوية بنيسابور ذخر الدين قتل شافعي بعض أصحابه، فطلبه من رئيس الشافعية الموفقي، فحماه، فاقتتلوا أيامًا، وعظم الخطب، وأحرقت المدارس والأسواق، واستحر القتل بالشافعية بحيث استؤصل البلد، فلله الأمر.
قال ابن الجوزي: مرض المقتفي بعلة التراقي، وقيل: بدمل في عنقه، فتوفي في ثاني ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمس مائة وله ست وستون سنة سوى ثمانية وعشرين يومًا، وكذا مات أبوه بعلة التراقي.
5075 - المستنجد بالله
(1)
:
الخليفة أبو المظفر يوسف بن المقتفي لأمر الله محمد بن المستظهر بن المقتدي العباسي.
عقد له أبوه بولاية العهد في سنة سبع وأربعين، وعمره يومئذ تسع وعشرون سنة.
فلما احتضر المقتفي رام طائفة عزل المستنجد، وبعثت حظية المقتفي أم علي إلى الأمراء تعدهم وتمنيهم ليبايعوا ابنها علي بن المقتفي، قالوا: كيف هذا مع وجود ولي العهد يوسف? قالت: أنا أكفيكموه، وهيأت جواري بسكاكين ليثبن عليه، فرأى خويدم يوسف الحركة، ورأى بيد علي وأمه سيفين، فبادر مذعورًا إلى سيده، وبعثت هي إلى يوسف: أن احضر موت أمير المؤمنين. فطلب أستاذ الدار، ولبس درعًا، وشهر سيفه، وأخذ معه جماعةً من الحواشي، والفراشين، فلما مر بالجواري ضرب جاريةً بالسيف جرحها، وتهارب الجواري، وأخذ أخاه وأمه، فحبسهما، وأباد الجواري تغريقًا وقتلًا، وتمكن. وأمه كرجية اسمها طاووس.
قال الدبيثي: كان يقول الشعر، ونقش خاتمه: من أحب نفسه عمل لها.
قال ابن النجار: حكى ابن صفية أن المقتفي رأى ابنه يوسف في الحر، فقال: أيش في
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 192 - 194"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 386"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 218 - 219".
فمك? قال: خاتم يزدن عليه أسماء الاثني عشر، وذلك يسكن العطش. قال: ويلك يريد يزدن أن يصيرك رافضيًا، سيد الاثني عشر الحسين رضي الله عنه، ومات عطشان.
وللمستنجد:
عيّرتني بالشّيب وهو وقار
…
ليتها عيّرت بما هو عار
إن تكن شابت الذّوائب منّي
…
فالليالي تزينها الأقمار
نبأني جماعة عن ابن الجوزي، حدثني الوزير ابن هبيرة، حدثني المستنجد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم منذ خمس عشرة سنة، فقال لي: يبقى أبوك في الخلافة خمسًا وعشرين سنة. فكان كما قال، فرأيته قبل موت أبي بأربعة أشهر، فدخل بي من باب كبير، ثم ارتفعنا إلى رأس جبل، وصلى بي ركعتين، وألبسني قميصًا، ثم قال لي: قل: اللهم اهدني فيمن هديت.
ثم قال ابن الجوزي: أقر المستنجد أرباب الولايات، وأزال المكوس والضرائب.
ونقل صاحب "الروضتين" أنه كان موصوفًا بالعدل والرفق، وأطلق المكوس بحيث إنه لم يترك بالعراق مكسًا، وكان شديدًا على المفسدين، سجن عوانيًا كان يسعى بالناس مدةً، فبذل رجل فيه عشرة آلاف دينار، قال المستنجد: فأنا أبذل عشرة آلاف دينار لتأتيني بآخر مثله أحبسه.
قال ابن الأثير في "كامله": كان المستنجد أسمر، تام القامة، طويل اللحية، اشتد مرضه، وكان قد خافه أستاذ الدار عضد الدولة بن رئيس الرؤساء وقايماز المقتفوي كبير الأمراء، فواضعا الطبيب على أذيته، فوصف له الحمام، فامتنع لضعفه، ثم أدخل الحمام، وأغلق عليه، فتلف، هكذا سمعت غير واحد ممن يعلم الحال. قال: وقيل: إن الخليفة كتب إلى وزيره مع ابن صفية الطبيب يأمره بالقبض على قايماز وعضد الدولة وصلبهما، فأرى ابن صفية الخط لعضد الدولة، فاجتمع بقايماز ويزدن، فاتفقوا على قتله، فدخل إليه يزدن وآخر، فحملاه إلى الحمام وهو يستغيث، وأغلقاه عليه.
قلت: أول من بايع المستنجد عمه أبو طالب، ثم أخوه أبو جعفر، ثم ابن هبيرة، وقاضي القضاة الدامغاني.
وفي سنة 55 قبض الأمراء بهمذان على سليمان شاه، وملكوا أرسلان شاه، ومات بمصر الفائز بالله، وبايعوا العاضد.
وفي سنة 56 قتل بمصر الصالح وزيرها، واستولى شاور، وسافر للصيد المستنجد مرات، والتقى صاحب أذربيجان والكرج، فنصر الله، وتملك نيسابور المؤيد أيبه، واستناب مملوكه ينكز على بسطام ودامغان، وتمكن، وهزم الجيوش، وهو من تحت أمر السلطان رسلان.
وفيها كسرت الفرنج نور الدين تحت حصن الأكراد، ونجا هو بالجهد، ونزل على بحيرة حمص، وحلف لا يستظل بسقف حتى يأخذ بالثأر، ثم التقاهم في سنة 59 فطحنهم، وأسر ملوكهم، وقتل منهم عشرة آلاف بحارم، ثم جهز جيوشه مع أسد الدين منجد الشاور وانتصر، وقتل ضده ضرغامًا، ثم استنجد بالفرنج، فأقبلوا، وضايقوا أسد الدين ببلبيس، وافتتح نور الدين حارم وبانياس، وضاع من يده خاتم بفص ياقوت يسمى الجبل، ثم وجدوه.
وفيها أقبل صاحب قسطنطينية بجيشه محاربًا لملك الروم قلج رسلان، فنصر الله، وأخذ المسلمون منهم حصونًا.
وفي سنة 60 ولدت ببغداد بنت أبي العز الأهوازي أربع بنات جملة.
وفيها هاجت فتنة صماء بسبب العقائد بأصبهان، ودام القتال بين العلماء أيامًا، وقتل خلق كثير. قال ابن الأثير.
وفي سنة 561 عملت الرافضة مأتم عاشوراء، وبالغوا، وسبوا الصحابة، وخرجت الكرج، وبدعوا في الإسلام، وغزا نور الدين مرات.
وفي سنة 62 كان مسير شيركوه إلى مصر ثاني مرة في ألفين، وحاصر مصر شهرين، واستنجد شاور بالفرنج، فدخلوا من دمياط، وحاربهم شيركوه، وانتصر، وقتلت ألوف من الفرنج، وسار شيركوه، واستولى على الصعيد، وافتتح ولد أخيه صلاح الدين الإسكندرية، ثم نازلته الفرنج، وحاصروه بها أشهرًا حتى رد شيركوه، فهربت الفرنج عنها، واستقر بمصر للفرنج شحنة وقطيعة مائة ألف دينار في العام، وقدم شيركوه، وأعطاه نور الدين حمص.
وفي سنة 564 غزو شيركوه مصر ثالث مرة، وملكت الفرنج بلبيس، ونازلوا القاهرة، فذل لهم شاور، وطلب الصلح على قطيعة ألف ألف دينار في العام، فأجابه الطاغية مري إلى ذلك، فعجل له مائة ألف دينار، واستنجد بنور الدين، وسود كتابه، وجعل في طيه ذوائب النساء، وواصل كتبه يحثه، وكان في حلب، فجهز عسكره، واستخدم أسد الدين حتى قيل: كان في سبعين ألفًا من بين فارس وراجل، فتقهقر الفرنج لقدومه وذلوا، ودخل القاهرة في ربيع الآخر، وجلس في دست المملكة، وخلع عليه العاضد خلع السلطنة، وكتب له التقليد،
وعلامة العاضد بخطه: هذا عهد لم يعهد مثله لوزير، فتقلد أمانةً رآك أمير المؤمنين لها أهلًا، والحجة عليك عند الله بما أوضحه لك من مراشد سبله، فخذ كتاب أمير المؤمنين بقوة، واسحب ذيل الفخار بأن اعتزت بك بنوة النبوة، واتخذ للفوز سبيلًا:{وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل: 91].
وقام شاور لضيافة الجيش، فطلبوا منه النفقة، فماطل، ثم شد عليه أمراء، فقبضوا عليه، وذبح، وحمل رأسه إلى العاضد، ومات شيركوه بعد الولاية بشهرين.
قال العماد: أحرق شاور مصر، وخاف عليها من الفرنج، ودامت النار تعمل فيها أربعةً وخمسين يومًا.
وقلد العاضد منصب شيركوه لابن أخيه صلاح الدين، فغضب عرب مصر وسودانها، وتألبوا، وأقبلوا في خمسين ألفًا، فكان المصاف بين القصرين يومين، وراح كثير منهم تحت السيف، وكانت الزلزلة العظمى بصقلية أهلكت أممًا.
وفي سنة خمس وستين جاءت زلازل عظام بالشام، ودكت القلاع، وأفنت خلقًا، وحاصرت الفرنج دمياط خمسين يومًا، فعجزوا، ورحلوا، وأخذ نور الدين سنجار، وتوجه إلى الموصل، ورتب أمورها، وبنى بها الجامع الأكبر، وسار فحاصر الكرك، ونصب عليها منجنيقين، وجد في حصارها، فأقبلت نجدة الفرنج، فقصدهم نور الدين، وحصدهم، وتمكن بمصر صلاح الدين وذهب إليه أبوه، فكان يومًا مشهودًا، ركب العاضد بنفسه لتلقيه. قال صلاح الدين: ما رأيت أكرم من العاضد، بعث إلي مدة مقام الفرنج على حصار دمياط ألف ألف دينار مصرية سوى الثياب وغيرها.
وقيل: إن المستنجد كان فيه عدل ورفق، بطل مكوسًا كثيرة.
قال ابن النجار: كان موصوفًا بالفهم الثاقب، والرأي الصائب، والذكاء الغالب، والفضل الباهر، له نظم ونثر، ومعرفة بالأسطرلاب، توفي في ثامن ربيع الآخر سنة ست وستين وخمس مائة، وقام بعده ابنه المستضيء.
قلت: الإمام إذا كان له عقل جيد ودين متين، صلح به أمر الممالك فإن ضعف عقله، وحسنت ديانته، حمله الدين على مشاورة أهل الحزم، فتسددت أموره، ومشت الأحوال، وإن قل دينه، ونبل رأيه، تعبت به البلاد والعباد، وقد يحمله نبل رأيه على إصلاح ملكه ورعيته للدنيا لا للتقوى، فإن نقص رأيه، وقد دينه وعقله، كثر الفساد، وضاعت الرعية، وتعبوا به، إلَّا أن يكون فيه شجاعة وله سطوة وهيبة في النفوس، فينجبر الحال، فإن كان جبانًا، قليل الدين، عديم الرأي، كثير العسف، فقد تعرض لبلاء عاجل، وربما عزل وسجن إن لم يقتل، وذهبت عنه الدنيا، وأحاطت به خطاياه، وندم -والله- حيث لا يغني الندم، ونحن آيسون اليوم من وجود إمام راشد من سائر الوجوه، فإن يسر الله للأمة بإمام فيه كثرة محاسن وفيه مساوئ قليلة، فمن لنابه، اللهم فأصلح الراعي والرعية، وارحم عبادك، ووفقهم، وأيد سلطانهم، وأعنه بتوفيقك.
5076 - أبو البركات:
العلامة الفيلسوف، شيخ الطب، أوحد الزمان، أبو البركات، هبة الله بن علي بن ملكا البلدي، اليهودي كان، ثم أسلم في أواخر عمره، خدم الخليفة المستنجد.
قال الموفق بن أبي أصيبعة: تصانيفه في غاية الجودة، وله فطرة فائقة، أضر بأخرة، وكان يملي على الجمال بن فضلان، وابن الدهان، والمهذب ابن النقاش، ووالد الموفق عبد اللطيف، كتابه المسمى بـ"المعتبر".
قيل: سبب إسلامه أنه دخل إلى الخليفة، فقام له الكل سوى القاضي، فقال: يا أمير المؤمنين، إن كان القاضي لم يقم لأني غير ملته، فأنا أسلم. فأسلم.
خلف ثلاث بنات، وعاش نحو الثمانين.
وهو صاحب ترياق برشعثا، وله رسالة في ماهية العقل.
ومن تلامذته المهذب علي بن هبل.
مات سنة نيف وخمسين وخمس مائة. وبرع في علم الفلسفة إلى الغاية.
5077 - كمال:
بنت المحدث أبي محمد عبد الله بن أحمد بن عمر ابن السمرقندي، أم الحسن، صالحة خيرة، وهي زوجة المحدث عبد الخالق اليوسفي.
سمعت من: طراد، وابن البطر، والنعالي.
وعنها: إبراهيم بن برهان النساج، وهبة الله بن عمر بن كمال الحلاج.
توفي سنة ثمان وخمسين وخمس مائة.
أخوها:
5078 - أبو المظفر هبة الله:
سمع النعالي، وجعفرًا السراج.
روى عنه موفق الدين المقدسي.
مات سنة ثلاث وستين وخمس مائة.
5079 - الخزرجي:
الإمام الفقيه، أبو عبد الله، محمد بن عبد الحق بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحق، الخزرجي القرطبي المالكي.
سمع الموطأ وغيره من محمد بن فرج الطلاعي، وعني بالفقه.
وسمع في كهولته من أبي محمد بن عتاب وطائفة.
روى عنه ابنه القاضي عبد الحق بن محمد، وأبو القاسم أحمد بن بقي وغيرهما.
وتوفي قريبًا من سنة ستين وخمس مائة.
أخبرنا أبو محمد بن هارون في كتابه من تونس سنة سبع مائة قال: سمعت الموطأ من ابن بقي، أن محمد بن عبد الحق حدثه سماعًا عن الطلاعي.
5080 - الحرستاني:
الشيخ أبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن جعفر، القرشي الحرستاني الدمشقي البستاني، راوي جزء الرافقي، سمعه في سنة ثمانين وأربع مائة من أبي عبد الله بن أبي الحديد، وهو الذي عرفهم بسماعه لما رآهم قد خرجوا يسمعون بالقرية، فقال: ما أنسى ابن أبي الحديد وقد طلع، وسمعنا عليه، وفرطت لهم من هذه الجوزة، فدخل الطلبة، فنبشوا سماعه.
روى عنه: ابن عساكر وابنه، ومحمود بن شتي، وأبو القاسم بن صصرى، وابن غسان، ومكرم، وكريمة.
توفي في شوال سنة إحدى وستين وخمس مائة عن نيف وتسعين سنة.
5081 - الفلكي
(1)
:
المولى الوزير الكبير الزاهد الصالح، أبو المظفر، سعيد بن سهل بن محمد بن عبد الله، النيسابوري الأصل، الخوارزمي، المشهور بالفلكي.
سمع من نصر الله بن أحمد الخشنامي، وعلي بن أحمد بن الأخرم المؤذن.
واستوطن دمشق بالسميساطية.
حدث عنه بالجزء المنسوب إليه: ابن عساكر وابنه بهاء الدين، وأبو المواهب بن صصرى، وأخوه الحسين، ومحمد بن الحسين المجاور، وزين الأمناء أبو البركات، ومحمد بن غسان، ومكرم بن أبي الصقر، وطائفة.
وقد كان وزر بخوارزم لصاحبها.
وكان ذا هيبة وشهامة ونهضة بأعباء الأمر وجود وبذل، ثم إنه خاف من الملك، فحج، وتصدق بأموال ضخمة، وقدم دمشق، ونزل بالخانقاه، وجدد بها الصفة الغربية والبركة والقناة من ماله، وباشر النظر في وقفها.
وكان ثقةً، متواضعًا، صالحًا، حسن الاعتقاد، أثنى عليه ابن عساكر وغيره.
مات في شوال سنة ستين وخمس مائة، ودفن بمقابر الصوفية.
وفيها مات ببغداد شيخ الطب وصاحب التصانيف أمين الدولة هبة الله ابن صاعد ابن التلميذ النصراني الشقي، وكان قسيس النصارى عمر أربعًا وتسعين سنة.
5082 - العلوي
(2)
:
المولى الشريف، أبو طالب، محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أبي زيد، العلوي الحسني البصري، نقيب الطالبيين ببلده.
سمع من أبي علي علي بن أحمد التستري، فحدث عنه بـ"سنن" أبي داود سماعًا للجزء الأول، وإجازةً لسائر الكتاب إن لم يكن سماعًا، وسمع أيضًا من جعفر بن محمد العباداني، وأبي عمر الحسن بن غسان النحوي، ومحمد بن علي المؤدب ابن العلاف.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 370"، وشذرات الذهب "4/ 188".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 370"، وشذرات الذهب "4/ 190".
قال السمعاني: قدم بغداد مرات، وانحدرت في صحبته إلى البصرة، وكان ظريفًا مطبوعًا، كان أصحابنا البصريون يقولون: إنه يكذب كثيرًا فاحشًا في أحاديث الناس.
وقال ابن نقطة: قدم بغداد سنة 555، وحدث بها بـ"سنن أبي داود"، حدثنا عنه أبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع، وسماعه من التستري في سنة اثنتين وسبعين.
وقال عمر بن علي القرشي: أخبرنا الشريف أبو طالب محمد بن أبي الحسين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبيد الله ابن عبد الله بن علي بن باغر بن عبيد الله بن عبد الله بن حسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب العلوي، ويعرف بابن أبي زيد، قال لي: ولدت في ربيع الأول سنة إحدى وستين وأربع مائة.
قال: وتوفي في ربيع الأول سنة ستين وخمس مائة.
وأما السمعاني، فقال: ولد سنة تسع وستين.
وقال ابن النجار: سألت النقيب أبا جعفر محمد بن محمد عن والده: متى ولد? فقال: سنة تسع وستين.
قلت: استقدمه الوزير ابن هبيرة، وسمع منه "السنن" لأبي داود، وقد حدث به عنه الحافظ أبو الفتوح نصر بن الحصري بالسماع المتصل، وقال: أخبرت أن سماعه له ظهر بعد ذلك.
ثم قال ابن نقطة: هذا القول عندي فيه نظر، لأنا لم نسمع أحدًا قاله غير ابن الحصري، والصحيح عندي ما قيده أبو المحاسن القرشي -يعني الجزء الأول فقط- وآخره كراهية مس الذكر في الاستبراء.
قلت: قد روى الكتاب المقداد بن أبي القاسم القيسي سماعًا من ابن الحصري متصلًا، وأجاز لي روايته.
وأنبأنا أحمد بن سلامة، عن أحمد بن طارق، أن أبا طالب العلوي أنشدهم لنفسه:
لا تشكون دهرًا سطا
…
شكواكه عين الخطا
واصبر على حدثانه
…
إن جار يومًا وامتطى
الدّهر دهرٌ قلّبٌ
…
يوماه بؤسٌ أو عطا
وفيها مات أبو العباس بن الحطيئة، وأبو الندى حسان بن تميم الزيات، وخزيفة بن سعد بن الهاطرا، والوزير سعيد بن سهل الخوارزمي الفلكي بدمشق، وأبو الفضل عبد الواحد بن إبراهيم بن القزة، وعلي بن أحمد بن محمد الأصبهاني اللباد، وعلي بن أحمد بن مقاتل السوسي، ومفتي الجزيرة أبو القاسم عمر بن محمد بن البزري الشافعي عن تسع وثمانين سنة، والعدل محمد بن عبد الله بن العباس الحراني ببغداد، وأبو يعلى الصغير محمد بن أبي حازم بن أبي يعلى بن الفراء شيخ الحنابلة، والوزير عون الدين بن هبيرة، وصاحب ملطية ياغي أرسلان بن دانشمد.
5083 - ابن هبيرة
(1)
:
لوزير الكامل، الإمام العالم العادل، عون الدين، يمين الخلافة، أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد بن الحسن بن جهم، الشيباني الدوري العراقي الحنبلي، صاحب التصانيف.
مولده بقرية بني أوقر من الدور أحد أعمال العراق في سنة تسع وتسعين وأربع مائة.
ودخل بغداد في صباه، وطلب العلم، وجالس الفقهاء، وتفقه بأبي الحسين بن القاضي أبي يعلى والأدباء، وسمع الحديث، وتلا بالسبع، وشارك في علوم الإسلام، ومهر في اللغة، وكان يعرف المذهب والعربية والعروض، سلفيًا أثريًا، ثم إنه أمضه الفقر، فتعرض للكتابة، وتقدم، وترقى، وصار مشارف الخزانة، ثم ولي ديوان الزمام للمقتفي لأمر الله، ثم وزر له في سنة (544)، واستمر ووزر من بعده لابنه المستنجد.
وكان دينًا خيرًا متعبدًا عاقلًا وقورًا متواضعًا، جزل الرأي، بارًا بالعلماء، مكبًا مع أعباء الوزارة على العلم وتدوينه، كبير الشأن، حسنة الزمان.
سمع أبا عثمان بن ملة، وهبة الله بن الحصين، وخلقًا بعدهما.
وسمع الكثير في دولته، واستحضر المشايخ، وبجلهم، وبذل لهم.
قال ابن الجوزي: كان يجتهد في اتباع الصواب، ويحذر من الظلم ولا يلبس الحرير، قال لي: لما رجعت من الحلة، دخلت على المقتفي، فقال لي: ادخل هذا البيت، وغير ثيابك، فدخلت، فإذا خادم وفراش معهم خلع الحرير، فقلت: والله ما ألبسها. فخرج الخادم،
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 306"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 807"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 369 - 370"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 191 - 197".
فأخبر الخليفة، فسمعت صوته يقول: قد -والله- قلت: إنه ما يلبسه. وكان المقتفي معجبًا به، ولما استخلف المستنجد، دخل ابن هبيرة عليه، فقال: يكفي في إخلاصي أني ما حابيتك في زمن أبيك، فقال: صدقت.
قال: وقال مرجان الخادم: سمعت المستنجد بالله ينشد وزيره وقد قام بين يديه في أثناء مفاوضة ترجع إلى تقرير قواعد الدين والصلاح، وأنشده لنفسه:
ضفت نعمتان خصّتاك وعمّتا
…
فذكرهما حتّى القيامة يذكر
وجودك والدّنيا إليك فقيرةٌ
…
وجودك والمعروف في النّاس ينكر
فلو رام يا يحيى مكانك جعفرٌ
…
ويحيى لكفّا عنه يحيى وجعفر
ولم أر من ينوي لك السّوء يا أبا ال
…
مظفّر إلَّا كنت أنت المظفّر
قال ابن الجوزي: وكان مبالغًا في تحصيل التعظيم للدولة، قامعًا للمخالفين بأنواع الحيل، حسم أمور السلاطين السلجوقية، وقد كان آذاه شحنة في صباه، فلما وزر، استحضره وأكرمه، وكان يتحدث بنعم الله، ويذكر في منصبه شدة فقره القديم، وقال: نزلت يومًا إلى دجلة وليس معي رغيف أعبر به. وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء، ويبذل لهم الأموال، فكانت السنة تدور وعليه ديون، وقال: ما وجبت علي زكاة قط. وكان إذا استفاد شيئًا من العلم، قال: أفادنيه فلان. وقد أفدته معنى حديث، فكان يقول: أفادنيه ابن الجوزي، فكنت أستحييى، وجعل لي مجلسًا في داره كل جمعة، ويأذن للعامة في الحضور، وكان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيرًا، فأعجبه، وقال لزوجته: أريد أن أزوجه بابنتي، فغضبت الأم. وكان يقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر، فحضر فقية مالكي، فذكرت مسألة، فخالف فيها الجمع، وأصر، فقال الوزير: أحمار أنت! أما ترى الكل يخالفونك?! فلما كان من الغد، قال للجماعة: إنه جرى مني بالأمس في حق هذا الرجل ما لا يليق، فليقل لي كما قلت له، فما أنا إلَّا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء، واعتذر الفقيه، قال: أنا أولى بالاعتذار، وجعل يقول: القصاص القصاص، فلم يزل حتى قال يوسف الدمشقي: إذ أبى القصاص فالفداء، فقال الوزير: له حكمه. فقال الفقيه: نعمك علي كثيرة، فأي حكم بقي لي? قال: لا بد. قال: علي دين مائة دينار. فأعطاه مائةي دينار، وقال: مائة لإبراء ذمته، ومائة لإبراء ذمتي.
وما أحلى شعر الحيص بيص فيه حيث يقول:
يهزّ حديث الجود ساكن عطفه
…
كما هزّ شرب الحيّ صهباء قرقف
إذا قيل عون الدّين يحيى تألّق ال
…
غمام وماس السّمهريّ المثقّف
قال ابن الجوزي: كان الوزير يتأسف على ما مضى، ويندم على ما دخل فيه، ولقد قال لي: كان عندنا بالقرية مسجد فيه نخلة تحمل ألف رطل، فحدثت نفسي أن أقيم في ذلك المسجد، وقلت لأخي مجد الدين: أقعد أنا وأنت، وحاصلها يكفينا، ثم انظر إلى ما صرت. ثم صار يسأل الله الشهادة، ويتعرض لأسبابها، وفي ليلة ثالث عشر جمادى الأولى سنة ستين وخمس مائة استيقظ وقت السحر، فقاء، فحضر طيبه ابن رشادة، فسقاه شيئًا، فيقال: إنه سمه، فمات، وسقي الطبيب بعده بنصف سنة سمًا، فكان يقول: سقيت فسقيت، فمات، ورأيت أنا وقت الفجر كأني في دار الوزير وهو جالس، فدخل رجل بيده حربة، فضربه بها، فخرج الدم كالفوارة، فالتفت فإذا خاتم ذهب، فأخذته، وقلت: لمن أعطيه? أنتظر خادمًا يخرج فأسلمه إليه، فانتبهت، فأخبرت من كان معي، فما استتممت الحديث حتى جاء رجل، فقال: مات الوزير، فقال رجل: هذا محال، أنا فارقته في عافية أمس العصر، فنفذوا إلي، وقال لي ولده: لا بد أن تغسله، فغسلته، ورفعت يده ليدخل الماء في مغابنه، فسقط الخاتم من يده حيث رأيت ذلك الخاتم، ورأيت آثارًا بجسده ووجهه تدل على أنه مسموم، وحملت جنازته إلى جامع القصر، وخرج معه جمع لم نره لمخلوق قط، وكثر البكاء عليه لما كان يفعله من البر والعدل، ورثته الشعراء.
قلت: له كتاب "الإفصاح" عن معاني "الصحاح" شرح فيه "صحيحي البخاري ومسلم" في عشر مجلدات، وألف كتاب "العبادات" على مذهب أحمد، وله أرجوزة في "المقصور والممدود"، وأخرى في "علم الخط"، واختصر كتاب "إصلاح المنطق" لابن السكيت.
وقيل: إن الحيص بيص دخل على الوزير، فقال الوزير: قد نظمت بيتين، فعززهما:
زار الخيال نحيلًا مثل مرسله
…
فما شفاني منه الضّمّ والقبل
ما زارني الطّيف إلَّا كي يوافقني
…
على الرّقاد فينفيه ويرتحل
فقال الحيص بيص بديهًا:
وما درى أنّ نومي حيلةٌ نصبت
…
لوصله حين أعيا اليقظة الحيل
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: وقد اضطر ورثة الوزير ابن هبيرة إلى بيع ثيابهم وأثاثهم، وبيعت كتب الوزير الموقوفة على مدرسته، حتى لقد أبيع البستان لأبي الليث السمرقندي في الرقائق بخط منسوب وكان مذهبًا بدانقين وحبة، وقيمته عشرة دنانير، فقال واحد: ما أرخص هذا البستان! فقال جمال الدين بن الحصين: لثقل ما عليه من الخراج يشير إلى الوقفية فأخذ وضرب وحبس.
قلت: وزر بعده الوزير أبو جعفر أحمد بن البلدي، فشرع في تتبع بني هبيرة، فقبض على ولدي عون الدين محمد وظفر، ثم قتلهما، وجرى بلاء عظيم، نسأل الله السلامة بمنه.
قرأت على أحمد بن إسحاق بن الوبري، أخبرك الحسن بن إسحاق الكاتب، أخبرنا أبو المظفر يحيى بن محمد الوزير قال: قرأت على المقتفي لأمر الله محمد بن أحمد العباسي، حدثكم أبو البركات أحمد بن عبد الوهاب السيبي، أخبرنا عبد الله بن محمد الصريفيني وأخبرنا أحمد أخبرنا المبارك بن أبي الجود، أخبرنا أحمد بن أبي غالب، أخبرنا عبد العزيز بن علي، قالا: أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا أبو حامد الحضرمي، حدثنا عيسى بن مساور، حدثنا يغنم بن سالم، حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن رآني وآمن بي، ومن رأى من رآني، ومن رأى من رأى من رآني"
(1)
.
هذا الحديث تساعي لنا، لكنه واه لضعف يغنم، فإنه مجمع على تركه.
(1)
موضوع: آفته يغنم بن سالم، قال ابن حبان: كان يضع على أنس بن مالك، وقال ابن يونس: حدث عن أنس فكذب. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة وذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته في "الميزان" وعده من بلاياه.
5084 - الرستمي
(1)
:
الشيخ الإمام المفتي القدوة المسند، شيخ أصبهان، أبو عبد الله، الحسن بن العباس بن علي بن حسن بن علي بن الحسن محمد بن الحسن بن علي بن رستم، الرستمي الأصبهاني، الفقيه الشافعي، الزاهد.
مولده في صفر سنة ثمان وستين وأربع مائة.
وسمع أبا عمرو عبد الوهاب بن مندة، ومحمود بن جعفر الكوسج، والمطهر بن عبد الواحد البزاني، وإبراهيم بن محمد الطيان، وأبا بكر محمد ابن أحمد السمسار، والفضل بن عبد الواحد، وعبد الكريم بن عبد الواحد الصحاف، وأبا عيسى عبد الرحمن بن محمد بن زياد، وأبا منصور بن شكرويه، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وأحمد بن عبد الرحمن الذكواني، وسهل بن عبد الله الغازي، وأبا الخير محمد بن أحمد بن ررا، ورزق الله التميمي، والرئيس الثقفي، وطرادًا الزينبي، وطائفةً.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 307"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 372"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 198".
حدث عنه: السمعاني، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وشرف ابن أبي هاشم البغدادي، وأحمد بن سعيد الخرقي، وأبو الوفاء محمود بن مندة، وعدد أمثالهم.
وروى عنه بالإجازة: أبو المنجا ابن اللتي، وكريمة وصفية بنتا عبد الوهاب بن الحبقبق، وعجيبة بنت الباقداري.
قال السمعاني: إمام فاضل، مفتي الشافعية، وهو على طريقة السلف، له زاوية بجامع أصبهان، ملازمها في أكثر أوقاته.
وقال عبد الله الجبائي: ما رأيت أحدًا أكثر بكاءً من الرستمي.
وقال الجبائي: سمعت محمد بن سالار، سمعت أبا عبد الله الرستمي يقول: وقفت على ابن ماشاذه وهو يتكلم على الناس، فلما كان في الليل، رأيت رب العزة في المنام وهو يقول لي: يا حسن، وقفت على مبتدع، ونظرت إليه، وسمعت كلامه، لأحرمنك النظر في الدنيا. فاستيقظت كما ترى.
قال الجبائي: كانت عيناه مفتوحتين وهو لا ينظر بهما.
قلت: وممن روى عنه الحافظ عبد القادر الرهاوي، وقال فيه: كان فقيهًا زاهدًا ورعًا بكاءً، عاش نيفًا وتسعين سنةً، ومات سنة ستين. كذا قال، ثم قال: وحضرته يوم موته وخرج الناس إلى قبره أفواجًا، وأملى شيخنا الحافظ أبو موسى عند قبره مجلسًا في مناقبه، وكان عامة فقهاء أصبهان تلامذته حتى شيخنا أبو موسى عليه تفقه، وكان أهل أصبهان لا يثقون إلَّا بفتواه، وسألني شيخنا أبو طاهر السلفي عن شيوخ أصبهان، فذكرته له، فقال: أعرفه فقيهًا متنسكًا.
وقال السمعاني: إمام متدين ورع، يزجي أكثر أوقاته في نشر العلم والفتيا.
وقال أبو موسى المديني: أقرأ الرستمي المذهب كذا كذا سنةً، وكان من الشداد في السنة.
قال عبد القادر: سمعت بعض أصحابنا الأصبهانيين يحكي عنه أنه كان في كل جمعة ينفرد يبكي فيه، فبكى حتى ذهبت عيناه، وكنا نسمع عليه وهو في رثاثة من الملبس والمفرش لا يساوي طائلًا، وكذلك منزله، وكانت الفرق مجتمعةً على محبته.
قال أبو موسى: توفي مساء يوم الأربعاء ثاني صفر سنة إحدى وستين وخمس مائة.
5085 - ابن رفاعة
(1)
:
لشيخ الفقيه العالم الفرضي الإمام، مسند وقته، أبو محمد، عبد الله بن رفاعة بن غدير بن علي بن أبي عمر بن أبي الذيال بن ثابت بن نعيم، السعدي المصري الشافعي.
مولده في ذي القعدة سنة سبع وستين وأربع مائة.
ولازم القاضي أبا الحسن الخلعي وأكثر عنه، وتفقه به، وسمع منه السيرة الهشامية، والفوائد العشرين، والسنن لأبي داود، وغير ذلك، فكان خاتمة من سمع منه.
حدث عنه: التاج المسعودي، وأبو الجود المقرئ، ومحمد بن يحيى بن أبي الرداد، ويحيى بن عقيل بن شريف بن رفاعة، والقاضي عبد الله بن محمد بن مجلي الشافعي، والحسن بن عقيل، وأبو البركات عبد القوي بن الجباب، وهبة الله بن حيدرة، ومحمد بن عماد، وأبو صادق ابن صباح، وآخرون.
وكان مقدمًا في الفرائض والحساب.
ولي قضاء الجيزة مدةً، ثم استعفى، فأعفي، واشتغل بالعبادة.
مات في ذي القعدة سنة إحدى وستين وخمس مائة.
قال حماد الحراني: حكى لي ابن رفاعة قال: كنت يتيمًا، وكان الخلعي يؤويني، فمررت يومًا بجامع مصر، فجلست في حلقة حديث، وسمعت جزءًا، فسألت: من ذا الشيخ? فقيل: هو الحبال، فعدت إلى الخلعي، فأخبرته، فعنفني، وطردني، وكان بينهما شيء أظنه من جهة الاعتقاد، فلم أعد إلى الحبال، ولم أظفر بما سمعت منه.
قال الحافظ أبو الطاهر إسماعيل بن الأنماطي: سمعت أبي -وكان قد صحب ابن رفاعة كثيرًا وسمع منه- يقول: كان ابن رفاعة قد انقطع في مسجد بقرافة مصر، وكانت كتبه عنده في علية يحيي الليل كله فيها، وكانت له زوجة صالحة، وكان يمنعها من المبيت في العلية، فسألته ليلةً المبيت بها، فأجابها، فجلست، وقام يصلي ورده، فسمعت صوت إنسان يعذب، فغشي عليها، وبكت واضطربت، وأصبحت مريضةً، وماتت بعد أيام، وأراني أبي قبرها.
قال عمر بن محمد العليمي: تطلبت سماع ابن رفاعة لفوائد الخلعي، وهو عشرون جزءًا في يده، فإذا سماعه فيها سوى الأول والسادس لم أجد سماعه، والثاني عشر قد سمع منه
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 372"، وشذرات الذهب "4/ 198".
قطعةً، والجزء العشرين لم أقف على الأصل به، بل رأيت بيد الشيخ به فرعًا. قلت: هذا نقلته من خط ابن سامة، عن نقل علي بن عبد الكافي، عن أبي الحسن الحصني، قال: وجدت ذلك بخط الرشيد العطار عن الأصل، ثم كتب ابن الأنماطي تحت خط العليمي: لقد طلب واجتهد، ولكن وجد غيره ما لم يجد. وكان ابن رفاعة صادقًا في ذكر سماعه، فإنه خدم الخلعي، ولزمه، وكان ألزم الناس له، حدثني غير واحد عنه أنه قال: مذ لزمت الخلعي ما انقطعت عنه إلَّا يومًا واحدًا، حضرت مجلس الحبال .. فذكر الحكاية، ثم قال: ولم أنقطع عن شيء قرئ عليه إلى أن مات.
قال ابن الأنماطي: أخرج إلينا شيخنا حماد الحراني بخطه وحدثني قال: رأيت على ظهر الجزء الثاني من حديث الزعفراني ثبت كتب سمعها شيخنا عبد الله بن غدير السعدي، والنسخة للمسعودي، سمع جميع كتاب "السنن" لأبي داود على الخلعي، على محمد الروحاني بقراءة أبي علي الحسين بن محمد الصدفي وخادم القاضي أبي محمد عبد الله بن رفاعة ابن غدير. قال: وسمعوا عليه "السيرة" تهذيب ابن هشام، وجميع "الفوائد" عشرين جزءًا للخلعي، وجميع أحاديث الزعفراني، وأحاديث يونس، و"معجم ابن الأعرابي"، وفوائد أخرى بقراءة المذكور وغيره، وذلك في مدة سنة ثمان وسنة تسع وثمانين وأربع مائة، وأكثر ذلك بالقرافة.
قال ابن الأنماطي: ثم رأيت أصل الثبت في ذلك، وأكثر ذلك بقرافة مصر، وسمع معهم عبد الله بن عبد المؤمن النحوي والخط له، كتبه تذكرةً لأبي الحسن الروحاني.
أخبرنا محمد بن الحسين القرشي، أخبرنا محمد بن عماد، أخبرنا ابن رفاعة، أخبرنا أبو الحسن الخلعي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التسبيح في الصلاة للرجال، والتصفيق للنساء"
(1)
.
(1)
صحيح: أخرجه الشافعي "1/ 117"، وأحمد "2/ 241"، والحميدي "948"، والبخاري "1203"، ومسلم "422""106"، وأبو داود "939"، والترمذي "369"، والنسائي "3/ 11"، وابن ماجه "1034"، والدارمي "1/ 317"، وابن الجارود "210"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار""1/ 447"، والبيهقي "2/ 246"، والبغوي "748"، من طرق عن سفيان، به.
5086 - خزيفة
(1)
:
لإمام المقرئ المجود، أبو المعمر، عبد الله بن سعد بن الحسين ابن الهاطر، البغدادي العطار الوزان الأزجي، يعرف بخزيفة.
تلا بالروايات، وتفق على أبي الخطاب.
وسمع الكثير من: نصر بن البطر، والنعالي، وأبي الفضل بن خيرون، والحسين بن البسري.
وكان صالحًا صادقًا، صابرًا على التحديث، حسن الأخلاق.
قال ابن النجار: حدثنا عنه ابن الأخضر، وأحمد بن البندنيجي، وعمر بن السهروردي، وطاووس بن أحمد الدقاق، ولد سنة ثمانين وأربع مائة، ومات في رجب سنة ستين وخمس مائة ببغداد.
5087 - الشيخ عبد القادر
(2)
:
الشيخ الإمام العالم الزاهد العارف القدوة، شيخ الإسلام، علم الأولياء، محيي الدين، أبو محمد، عبد القادر بن أبي صالح عبد الله ابن جنكي دوست الجيلي الحنبلي، شيخ بغداد.
مولده بجيلان في سنة إحدى وسبعين وأربع مائة.
وقدم بغداد شابًا، فتفقه على أبي سعد المخرمي.
وسمع من: أبي غالب الباقلاني، وأحمد بن المظفر بن سوس، وأبي القاسم بن بيان، وجعفر بن أحمد السراج، وأبي سعد بن خشيش، وأبي طالب اليوسفي، وطائفة.
حدث عنه: السمعاني، وعمر بن علي القرشي، والحافظ عبد الغني، والشيخ موفق الدين ابن قدامة، وعبد الرزاق وموسى ولداه، والشيخ علي بن إدريس، وأحمد بن مطيع الباجسرائي، وأبو هريرة، محمد ابن ليث الوسطاني، وأكمل بن مسعود الهاشمي، وأبو طالب عبد اللطيف بن محمد بن القبيطي، وخلق، وروى عنه بالإجازة الرشيد أحمد بن مسلمة.
أخبرنا القاضي تاج الدين عبد الخالق بن علوان ببعلبك، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن
(1)
ترجمته في تبصير المنتبه "1/ 421" وشذرات الذهب "4/ 189".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 308"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 371"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 198 - 202".
أحمد الفقيه سنة إحدى عشرة وست مائة، أخبرنا شيخ الإسلام عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، أخبرنا أحمد ابن المظفر التمار، أخبرنا أبو علي بن شاذان، أخبرنا أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح، أخبرنا يعقوب بن يوسف القزويني، حدثنا محمد بن سعيد، حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن سماك، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود قال: إن بني إسرائيل استخلفوا خليفةً عليهم بعد موسى، فقام يصلي في القمر فوق بيت المقدس، فذكر أمورًا كان صنعها، فخرج، فتدلى بسبب، فأصبح السبب معلقًا في المسجد، وقد ذهب، فانطلق حتى أتى قومًا على شط البحر، فوجدهم يصنعون لبنًا، فسألهم: كيف تأخذون هذا اللبن? فأخبروه، فلبن معهم، وكان يأكل من عمل يده، فإذا كان حين الصلاة، تطهر فصلى، فرفع ذلك العمال إلى قهرمانهم، أن فينا رجلًا يفعل كذا وكذا، فأرسل إليه، فأبى أن يأتيه ثلاث مرات ثم إنه جاءه بنفسه يسير على دابته، فلما رآه فر، واتبعه فسبقه، فقال: أنظرني أكلمك. قال: فقام حتى كلمه، فأخبره خبره، فلما أخبره خبره، وأنه كان ملكًا، وأنه فر من رهبة الله، قال: إني لأظن أني لاحق بك. فلحقه، فعبدا الله حتى ماتا برملة مصر.
قال عبد الله: لو كنت ثم لاهتديت إلى قبريهما من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي وصف.
هذا حديث غريب عال.
قال السمعاني: كان عبد القادر من أهل جيلان إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، فقيه صالح دين خير، كثير الذكر، دائم الفكر، سريع الدمعة، تفقه على المخرمي، وصحب الشيخ حمادًا الدباس، وكان يسكن بباب الأزج في مدرسة بنيت له، مضينا لزيارته، فخرج وقعد بين أصحابه، وختموا القرآن، فألقى درسًا ما فهمت منه شيئًا، وأعجب من ذا أن أصحابه قاموا وأعادوا الدرس، فلعلهم فهموا لإلفهم بكلامه وعبارته.
قال ابن الجوزي: كان أبو سعد المخرمي قد بنى مدرسةً لطيفةً بباب الأزج، ففوضت إلى عبد القادر، فتكلم على الناس بلسان الوعظ، وظهر له صيت بالزهد، وكان له سمت وصمت، وضاقت المدرسة بالناس، فكان يجلس عند سور بغداد مستندًا إلى الرباط، ويتوب عنده في المجلس خلق كثير، فعمرت المدرسة، ووسعت، وتعصب في ذلك العوام، وأقام فيها يدرس ويعظ إلى أن توفي.
أنبأني أبو بكر بن طرخان، أخبرنا الشيخ موفق الدين أبو محمد بن قدامة وسئل عن الشيخ عبد القادر فقال: أدركناه في آخر عمره، فأسكننا في مدرسته، وكان يعنى بنا، وربما
أرسل إلينا ابنه يحيى، فيسرج لنا السراج، وربما يرسل إلينا طعامًا من منزله، وكان يصلي الفريضة بنا إمامًا، وكنت أقرأ عليه من حفظي من كتاب الخرقي غدوةً، ويقرأ عليه الحافظ عبد الغني من كتاب الهداية في الكتاب، وما كان أحد يقرأ عليه في ذلك الوقت سوانا، فأقمنا عنده شهرًا وتسعة أيام، ثم مات، وصلينا عليه ليلًا في مدرسته، ولم أسمع عن أحد يحكى عنه من الكرامات أكثر مما يحكى عنه، ولا رأيت أحدًا يعظمه الناس للدين أكثر منه، وسمعنا عليه أجزاء يسيرة.
قرأت بخط الحافظ سيف الدين ابن المجد، سمعت محمد بن محمود المراتبي، سمعت الشيخ أبا بكر العماد رحمه الله يقول: كنت قرأت في أصول الدين، فأوقع عندي شكًا، فقلت: حتى أمضي إلى مجلس الشيخ عبد القادر، فقد ذكر أنه يتكلم على الخواطر، فمضيت وهو يتكلم، فقال: اعتقادنا اعتقاد السلف الصالح والصحابة. فقلت في نفسي: هذا قاله اتفاقًا، فتكلم ثم التفت إلى ناحيتي، فأعاده، فقلت، الواعظ قد يلتفت، فالتفت إلي ثالثةً، وقال: يا أبا بكر، فأعاد القول: ثم قال: قم قد جاء أبوك. وكان غائبًا، فقمت مبادرًا، وإذا أبي قد جاء.
وحدثنا أبو القاسم بن محمد الفقيه، حدثني شيخنا جمال الدين يحيى ابن الصيرفي، سمعت أبا البقاء النحوي قال: حضرت مجلس الشيخ عبد القادر، فقرؤوا بين يديه بالألحان، فقلت في نفسي: ترى لأي شيء ما ينكر الشيخ هذا? فقال: يجيء واحد قد قرأ أبوابًا من الفقه ينكر. فقلت في نفسي: لعل أنه قصد غيري، فقال: إياك نعني بالقول، فتبت في نفسي من اعتراضي، فقال: قد قبل الله توبتك.
وسمعت الإمام أبا العباس أحمد بن عبد الحليم، سمعت الشيخ عز الدين الفاروثي، سمعت شيخنا شهاب الدين السهروردي يقول: عزمت على الاشتغال بأصول الدين، فقلت في نفسي: أستشير الشيخ عبد القادر، فأتيته، فقال قبل أن أنطق: يا عمر، ما هو من عدة القبر، يا عمر، ما هو من عدة القبر.
قال الفقيه محمد بن محمود المراتبي: قلت للشيخ الموفق: هل رأيتم من الشيخ عبد القادر كرامةً? قال: لا أظن، لكن كان يجلس يوم الجمعة، فكنا نتركه ونمضي لسماع الحديث عند ابن شافع فكل ما سمعناه لم ننتفع به. قال الحافظ السيف: يعني لنزول ذلك.
قال شيخنا الحافظ أبو الحسين علي بن محمد: سمعت الشيخ عبد العزيز بن عبد السلام الفقيه الشافعي يقول: ما نقلت إلينا كرامات أحد بالتواتر إلَّا الشيخ عبد القادر، فقيل له: هذا مع اعتقاده، فكيف هذا? فقال: لازم المذهب ليس بمذهب.
قلت: يشير إلى إثباته صفة العلو ونحو ذلك، ومذهب الحنابلة في ذلك معلوم، يمشون خلف ما ثبت عن إمامهم رحمه الله إلَّا من يشذ منهم، وتوسع في العبارة.
قال ابن النجار في تاريخه: دخل الشيخ عبد القادر بغداد في سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، فتفقه على ابن عقيل، وأبي الخطاب، والمخرمي، وأبي الحسين بن الفراء، حتى أحكم الأصول والفروع والخلاف، وسمع الحديث، وقرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي، واشتغل بالوعظ إلى أن برز فيه، ثم لازم الخلوة والرياضة والمجاهدة والسياحة والمقام في الخراب والصحراء، وصحب الدباس، ثم إن الله أظهره للخلق، وأوقع له القبول العظيم، فعقد مجلس الوعظ في سنة إحدى وعشرين، وأظهر الله الحكمة على لسانه، ثم درس، وأفتى، وصار يقصد بالزيار والنذور، وصنف في الأصول والفروع، وله كلام على لسان أهل الطريقة عال. وكتب إلي عبد الله بن أبي الحسن الجبائي: قال لي الشيخ عبد القادر: طالبتني نفسي يومًا بشهوة، فكنت أضاجرها، وأدخل في درب، وأخرج من آخر أطلب الصحراء، فرأيت رقعةً ملقاةً، فإذا فيها: ما للأقوياء والشهوات، وإنما خلقت الشهوات للضعفاء. فخرجت الشهوة من قلبي. قال: وكنت أقتات بخروب الشوك وورق الخس من جانب النهر.
قال ابن النجار: قرأت بخط أبي بكر عبد الله بن نصر بن حمزة التيمي، سمعت الشيخ عبد القادر يقول: بلغت بي الضائقة في الغلاء إلى أن بقيت أيامًا لا آكل طعامًا، بل أتبع المنبوذات، فخرجت يومًا إلى الشط، فوجدت قد سبقني الفقراء، فضعفت، وعجزت عن التماسك، فدخلت مسجدًا، وقعدت، وكدت أصافح الموت، ودخل شاب أعجمي ومعه خبز وشواء، وجلس يأكل، فكنت أكاد كلما رفع لقمةً أن أفتح فمي، فالتفت فرآني، فقال: باسم الله، فأبيت، فأقسم علي، فأكلت مقصرًا، وأخذ يسألني، ما شغلك، ومن أين أنت? فقلت: متفقه من جيلان. قال: وأنا من جيلان، فهل تعرف لي شابًا جيلانيًا اسمه عبد القادر، يعرف بسبط أبي عبد الله الصومعي الزاهد? فقلت: أنا هو. فاضطرب لذلك، وتغير وجهه، وقال: والله يا أخي، لقد وصلت إلى بغداد ومعي بقية نفقة لي، فسألت عنك، فلم يرشدني أحد إلى أن نفدت نفقتي، وبقيت بعدها ثلاثة أيام لا أجد ثمن قوتي إلَّا من مالك، فلما كان هذا اليوم الرابع، قلت: قد تجاوزتني ثلاثة أيام، وحلت لي الميتة، فأخذت من وديعتك ثمن هذا الخبز والشواء، فكل طيبًا، فإنما هو لك، وأنا ضيفك الآن. فقلت: وما ذاك? قال: أمك وجهت معي ثمانية دنانير، والله ما خنتك فيها إلى اليوم، فسكنته، وطيبت نفسه، ودفعت إليه شيئًا منها.
قال ابن النجار: كتب إلي عبد الله بن أبي الحسن الجبائي، قال: قال لي الشيخ عبد القادر: كنت في الصحراء أكرر في الفقه وأنا في فاقة، فقال لي قائل لم أر شخصه: اقترض ما تستعين به على طلب الفقه، فقلت: كيف أقترض وأنا فقير ولا وفاء لي? قال: اقترض وعلينا الوفاء. فأتيت بقالًا، فقلت: تعاملني بشرط إذا سهل الله أعطيتك، وإن مت تجعلني في حل، تعطيني كل يوم رغيفًا ورشادًا. فبكى، وقال: أنا بحكمك. فأخذت منه مدةً، فضاق صدري، فأظن أنه قال: فقيل لي: امض إلى موضع كذا، فأي شيء رأيت على الدكة، فخذه، وادفعه إلى البقال. فلما جئت رأيت قطعة ذهب كبيرة، فأعطيتها البقلي.
ولحقني الجنون مرةً، وحملت إلى المارستان، فطرقتني الأحوال حتى حسبوا أني مت، وجاؤوا بالكفن، وجعلوني على المغتسل، ثم سري عني، وقمت، ثم وقع في نفسي أن أخرج من بغداد لكثرة الفتن، فخرجت إلى باب الحلبة، فقال لي قائل: إلى أين تمشي?! ودفعني دفعةً خررت منها، وقال: ارجع فإن للناس فيك منفعةً. قلت: أريد سلامة ديني. قال: لك ذاك ولم أر شخصه. ثم بعد ذلك طرقتني الأحوال، فكنت أتمنى من يكشفها لي، فاجتزت بالظفرية، ففتح رجل داره، وقال: يا عبد القادر، أيش طلبت البارحة? فنسيت، فسكت، فاغتاظ، ودفع الباب في وجهي دفعةً عظيمة، فلما مشيت ذكرت، فرجعت أطلب الباب، فلم أجده، قال: وكان حمادًا الدباس، ثم عرفته بعد، وكشف لي جميع ما كان يشكل علي، وكنت إذا غبت عنه لطلب العلم وجئت، يقول: أيش جاء بك إلينا، أنت فقيه، مر إلى الفقهاء، وأنا أسكت، فلما كان يوم جمعة خرجت مع الجماعة في شدة البرد، فدفعني ألقاني في الماء، فقلت: غسل الجمعة، باسم الله، وكان علي جبة صوف، وفي كمي أجزاء، فرفعت كمي لئلا تهلك الأجزاء، وخلوني، ومشوا، فعصرت الجبة، وتبعتهم، وتأذيت بالبرد كثيرًا، وكان الشيخ يؤذيني ويضربني، وإذا جئت يقول: جاءنا اليوم الخبز الكثير والفالوذج، وأكلنا وما خبأنا لك وحشةً عليك، فطمع فيّ أصحابه، وقالوا: أنت فقيه، أيش تعمل معنا? فلما رآهم يؤذونني، غار لي؛ وقال: يا كلاب لم تؤذونه? والله ما فيكم مثله، وإنما أوذيه لأمتحنه، فأراه جبلًا، لا يتحرك، ثم بعد مدة، قدم رجل من همذان يقال له: يوسف الهمذاني، وكان يقال: إنه القطب، ونزل في رباط، فمشيت إليه، فلم أره، وقيل لي: هو في السرداب، فنزلت إليه، فلما رآني قام، وأجلسني، ففرشني، وذكر لي جميع أحوالي، وحل لي المشكل علي، ثم قال لي: تكلم على الناس، فقلت: يا سيدي، أنا رجل أعجمي قح أخرس، أتكلم على فصحاء بغداد؟! فقال لي: أنت حفظت الفقه وأصوله، والخلاف والنحو واللغة وتفسير القرآن لا يصلح لك أن تتكلم؟! اصعد على الكرسي، وتكلم، فإني أرى فيك عذقًا سيصير نخلةً.
قال الجبائي: وقال لي الشيخ عبد القادر: كنت أومر وأنهى في النوم واليقظة، وكان يغلب علي الكلام، ويزدحم على قلبي إن لم أتكلم به حتى أكاد أختنق، ولا أقدر أسكت، وكان يجلس عندي رجلان وثلاثة، ثم تسامع الناس بي، وازدحم علي الخلق، حتى صار يحضر مجلسي نحو من سبعين ألفًا. وقال: فتشت الأعمال كلها، فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطعام، أود لو أن الدنيا بيدي فأطعمها الجياع، كفي مثقوبة لا تضبط شيئًا، لو جاءني ألف دينار لم أبيتها، وكان إذا جاءه أحد بذهب، يقول: ضعه تحت السجادة، وقال لي: أتمنى أن أكون في الصحارى والبراري كما كنت في الأول لا أرى الخلق ولا يروني. ثم قال: أراد الله مني منفعة الخلق، فقد أسلم على يدي أكثر من خمس مائة، وتاب على يدي أكثر من مائة ألف، وهذا خير كثير، وترد علي الأثقال التي لو وضعت على الجبال تفسخت، فأضع جنبي على الأرض، وأقول: إن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا، ثم أرفع رأسي وقد انفرجت عني. وقال: إذا ولد لي ولد أخذته على يدي، وأقول: هذا ميت، فأخرجه من قلبي، فإذا مات لم يؤثر عندي موته شيئًا.
قال عبد الرزاق ابن الشيخ: ولد لأبي تسعة وأربعون ولدًا، سبعة وعشرون ذكرًا، والباقي إناث.
وقال الجبائي: كنت أسمع في الحلية على ابن ناصر، فرق قلبي، وقلت: اشتهيت لو انقطعت، وأشتغل بالعبادة، ومضيت، فصليت خلف الشيخ عبد القادر، فلما جلسنا، نظر إلي، وقال: إذا أردت الانقطاع، فلا تنقطع حتى تتفقه وتجالس الشيوخ وتتأدب، وإلا فتنقطع وأنت فريخ ما ريشت.
وعن أبي الثناء النهرملكي قال: تحدثنا أن الذباب ما يقع على الشيخ عبد القادر، فأتيته، فالتفت إلي، وقال: أيش يعمل عندي الذباب، لا دبس الدنيا، ولا عسل الآخرة.
قال أبو البقاء العكبري: سمعت يحيى بن نجاح الأديب يقول: قلت في نفسي: أريد أن أحصي كم يقص الشيخ عبد القادر شعر تائب، فحضرت المجلس ومعي خيط، فلما قص شعرًا، عقدت عقدة تحت ثيابي من الخيط وأنا في آخر الناس، وإذا به يقول: أنا حل وأنت تعقد؟!
قال ابن النجار: سمعت شيخ الصوفية عمر بن محمد السهروردي يقول: كنت أتفقه في صباي، فخطر لي أن أقرأ شيئًا من علم الكلام، وعزمت على ذلك من غير أن أتكلم به، فصليت مع عمي أبي النجيب، فحضر عنده الشيخ عبد القادر مسلمًا، فسأله عمي الدعاء
لي، وذكر له أني مشتغل بالفقه، وقمت فقبلت يده، فأخذ يدي، فقال: تب مما عزمت عليه من الاشتغال به، فإنك تفلح، ثم سكت، ولم يتغير عزمي عن الاشتغال بالكلام حتى شوشت علي جميع أحوالي، وتكدر وقتي، فعلمت أن ذلك بمخالفة الشيخ.
ابن النجار: سمعت أبا محمد بن الأخضر يقول: كنت أدخل على الشيخ عبد القادر في وسط الشتاء وقوة برده وعليه قميص واحد، وعلى رأسه طاقية، وحوله من يروحه بالمروحة. قال: والعرق يخرج من جسده كما يكون في شدة الحر.
ابن النجار: سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني، سمعت الحافظ عبد الغني، سمعت أبا محمد بن الخشاب النحوي يقول: كنت وأنا شاب أقرأ النحو، وأسمع الناس يصفون حسن كلام الشيخ عبد القادر، فكنت أريد أن أسمعه ولا يتسع وقتي، فاتفق أني حضرت يومًا مجلسه، فلما تكلم لم أستحسن كلامه، ولم أفهمه، وقلت في نفسي: ضاع اليوم مني. فالتفت إلى ناحيتي، وقال: ويلك تفضل النحو على مجالس الذكر، وتختار ذلك؟! اصحبنا نصيرك سيبويه.
قال أحمد بن ظفر بن هبيرة: سألت جدي أن أزور الشيخ عبد القادر، فأعطاني مبلغًا من الذهب لأعطيه، فلما نزل عن المنبر سلمت عليه، وتحرجت من دفع الذهب إليه في ذلك الجمع، فقال: هات ما معك ولا عليك من الناس، وسلم على الوزير.
قال صاحب "مرآة الزمان": كان سكوت الشيخ عبد القادر أكثر من كلامه، وكان يتكلم على الخواطر، وظهر له صيت عظيم وقبول تام، وما كان يخرج من مدرسته إلَّا يوم الجمعة أو إلى الرباط، وتاب على يده معظم أهل بغداد، وأسلم خلق، وكان يصدع بالحق على المنبر، وكان له كرامات ظاهرة.
قلت: ليس في كبار المشايخ من له أحوال وكرامات أكثر من الشيخ عبد القادر، لكن كثيرًا منها لا يصح، وفي بعض ذلك أشياء مستحيلة.
قال الجبائي: كان الشيخ عبد القادر يقول: الخلق حجابك عن نفسك، ونفسك حجابك عن ربك.
عاش الشيخ عبد القادر تسعين سنة، وانتقل إلى الله في عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمس مائة، وشيعه خلق لا يحصون، ودفن بمدرسته رحمه الله تعالى.
وفيها مات أبو المحاسن إسماعيل بن علي بن زيد بن شهريار الأصبهاني -سمع من
رزق الله التميمي، والمحدث العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد الأشيري المغربي ودفن بظاهر بعلبك، والإمام الرئيس أبو طالب عبد الرحمن بن الحسن ابن العجمي واقف المدرسة بحلب، وعلي ابن أحمد الحرستاني راوي جزء الرافقي، وأبو رشيد محمد بن علي بن محمد بن عمر الأصبهاني الباغبان، وأبو عبد الله الرستمي، وأبو طاهر إبراهيم بن الحسن ابن الحصني الشافعي بدمشق، والقاضي مهذب الدين الحسن بن علي بن الرشيد ابن الزبير الأسواني الشاعر أخو الرشيد أحمد، وأبو محمد عبد الله بن الحسين بن رواحة الأنصاري الحموي المقرئ الشاعر، والمسند ابن رفاعة، والفقيه المقرئ عبد الصمد ابن الحسين بن أحمد بن تميم التميمي الدمشقي، وشيخ القراء أبو حميد عبد العزيز بن علي السماني الإشبيلي والشيخ علي بن أحمد الحرستاني راوي جزء الرافقي.
وفي الجملة الشيخ عبد القادر كبير الشأن، وعليه مآخذ في بعض أقواله ودعاويه، والله الموعد، وبعض ذلك مكذوب عليه.
5088 - عبد الجليل بن أبي سعد
(1)
:
منصور بن إسماعيل بن أبي سعد بن أبي بشر، العدل الجليل الصالح المعمر، مسند هراة، أبو محمد الهروي الفامي.
آخر من سمع في الدنيا من بيبى بنت عبد الصمد الهرثمية، وعبد الرحمن بن محمد كلار البوشنجي، وسمع أيضًا من شيخ الإسلام عبد الله ابن محمد الأنصاري.
حدث عنه: السمعاني وولده أبو المظفر، وعبد الباقي بن عبد الواسع الأزدي، والحافظ عبد القادر الرهاوي، وهو أكبر شيخ لقيه في سعة راحلته.
قال السمعاني: هو شيخ من أهل الخير والصدق، ولد في شهر شعبان سنة سبعين وأربع مائة.
قلت: وتوفي في سنة اثنتين وستين وخمس مائة.
وهو آخر من روى حديث أبي القاسم البغوي عاليًا.
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1318" وشذرات الذهب "4/ 205".
5089 - عبد الهادي:
ابن أبي سعيد بن عبد الله بن عمر بن مأمون، الإمام القدوة الزاهد العابد، أبو عروبة السجستاني الذي ارتحل إليه الحافظ عبد القادر الرهاوي، وبالغ في تعظيمه، وقال: سمع من جده في سنة خمس وثمانين وأربع مائة، ولما حج قرأ عليه ابن ناصر "مسلسلات ابن حبان".
وقال: عاش تسعًا وثمانين سنة، وما عرفت له زلةً، وكان منتشر الذكر، وله رباط كان يعظ فيه ومريدون. توفي سنة اثنتين وستين وخمس مائة رحمه الله.
5090 - البسطامي
(1)
:
الشيخ الإمام العلامة المحدث، أبو شجاع، عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن نصر -بالتحريك- البسطامي، ثم البلخي، إمام مسجد راغوم.
قال: ولدت سنة خمس وسبعين وأربع مائة.
سمع أباه، وأبا القاسم أحمد بن محمد الخليلي، وإبراهيم بن محمد الأصبهاني، وأبا جعفر محمد بن الحسين السمنجاني، وتفقه عليه.
وكان طلابةً للعلم، صاحب فنون.
قال السمعاني: هو مجموع حسن، وجملة مليحة، مفت مناظر محدث مفسر واعظ أديب شاعر حاسب، ومع فضائله كان حسن السيرة، مليح الأخلاق، مأمون الصحبة، نظيف الظاهر والباطن، لطيف العشرة، فصيح العبارة، مليح الإشارة، في وعظه كثير النكت والفوائد، وكان على كبر السن حريصًا على طلب الحديث والعلم، مقتبسًا من كل أحد، كتبت عنه بمرو وهراة وبخارى وسمرقند، وكتب عني الكثير، وحصل نسخةً بما ذيلته على تاريخ الخطيب، وكتب إلي من بلخ:
يا آل سمعان ما أسنى فضائلكم
…
قد صرن في صحف الأيّام عنوانا
معاهدًا ألفتها النّازلون بها
…
فما وهت بمرور الدّهر أركانا
حتّى أتاها أبو سعدٍ فشيّدها
…
وزادها بعلوّ الشّأن بنيانا
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1318"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 376"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 206".
كانوا ملاذ بني الآمال فانقرضوا
…
مخلّفين به مثل الّذي كانا
لولا مكان أبي سعدٍ لما وجدوا
…
على مفاخرهم للنّاس برهانا
وقاه ربّي من عين الكمال فما
…
أبقت علاه لردّ العين نقصانا
قلت: سمع أبو شجاع من الخليلي "مسند الهيثم الشاشي"، و"غريب الحديث" لابن قتيبة، وكتاب "الشمائل"، وقد صنف كتابًا حسنًا في أدب المريض والعائد.
وقال السمعاني في مكان آخر: لا يعرف أجمع للفضائل منه مع الورع التام، وسمع أيضًا من أبي حامد أحمد بن محمد الشجاعي، وأبي نصر محمد بن محمد الماهاني، وعبد الرحمن بن عبد الرحيم القاضي.
قلت: روى عنه: السمعاني وابنه أبو المظفر، وأبو الفرج ابن الجوزي، والافتخار عبد المطلب الهاشمي، والتاج الكندي، وأبو أحمد ابن سكينة، وأبو الفتح المندائي، وأبو روح عبد المعز الهروي، وجماعة.
توفي ببلخ في سنة اثنتين وستين وخمس مائة، وكان محدث تلك الديار ومسندها.
قال علي بن محمويه اليزدي الفقيه: ما رأيت في مشايخ أصحابنا مثل أبي شجاع عقلًا وعلمًا ولطفًا وجدًا.
وقال ابن النجار: توفي في ربيع الآخر.
5091 - الكيزاني
(1)
:
الإمام المقرئ الزاهد الأثري، أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن ثابت، المصري الكيزاني الواعظ، له تلامذة وأصحاب، وله شعر كثير مدون، وكلام في السنة.
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: كان يقول: أفعال العباد قديمة، وبينه وبين أهل بلده نزاع، وكان قد دفن عند ضريح الشافعي، فتعصب عليه الخبوشاني، ونبشه، وقال: هذا حشوي لا يكون عند الإمام. ودفن في موضع آخر.
ومن شعره:
يا من يتيه على الزّمان بحسنه
…
اعطف على الصّبّ المشوق التّائه
أضحى يخاف على احتراق فؤاده
…
أسفًا لأنّك منه في سودائه
توفي في المحرم سنة اثنتين وستين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في اللباب لابن الأثر "3/ 125"، ووفات الأعيان لان خلكان "4/ ترجمة 678"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 368 و 376".
5092 - القنطري:
العلامة الحافظ، أبو القاسم، محمد بن عبد الله بن أحمد بن مسعود ابن مفرج، الأندلسي الشلبي، المعروف بالقنطري.
سمع أبا بكر بن غالب، وأبا الحسين بن صاعد، وبإشبيلية أبا الحكم بن برجان، والقاضي ابن العربي، وبقرطبة يونس بن مغيث، وابن أبي الخصال، وعدة.
ذكره الأبار، فقال: كان من أهل المعرفة الكاملة بصناعة الحديث، بعيد الصيت في الحفظ والإتقان، جماعةً للكتب، وقد شوور في الأحكام، وله زيادة على ابن بشكوال في تاريخه، روى عنه يعيش بن القديم وغيره، توفي بمراكش في ذي الحجة سنة إحدى وستين وخمس مائة.
5093 - السمعاني
(1)
:
الإمام الحافظ الكبير الأوحد الثقة، محدث خراسان، أبو سعد عبد الكريم بن الإمام الحافظ الناقد أبي بكر محمد بن العلامة مفتي خراسان أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار، التميمي السمعاني الخراساني المروزي، صاحب المصنفات الكثيرة.
ولد بمرو في شعبان سنة ست وخمس مائة.
وحضره أبوه في الرابعة على مسند زمانه عبد الغفار بن محمد الشيروي، وعبيد بن محمد القشيري، وسهل بن إبراهيم السبعي، وطائفة.
وسمع باعتناء أبيه من أبي منصور محمد بن علي بن الكراعي، والمحدث محمد بن عبد الواحد الدقاق.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 317"، واللباب لابن الأثير "1/ 13 - 16"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1090"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 375"، وشذرات الذهب "4/ 205 - 106".
وتوفي الوالد وأبو سعد صغير، فكفله عمه وأهله، وحبب إليه الحديث، ولازم الطلب من الحداثة.
ورحل إلى نيسابور على رأس الثلاثين وخمس مائة، فأكثر عن أبي عبد الله الفراوي، وأبي المظفر بن القشيري، وهبة الله بن سهل السيدي، وإسماعيل بن أبي بكر القارئ، وفاطمة بنت زعبل، وزاهر بن طاهر، وأخيه وجيه، وطبقتهم.
وتوجه إلى أصبهان، فسمع الحسين بن عبد الملك الخلال، وسعيد ابن أبي الرجاء، وأم المجتبى فاطمة، والموجودين، وأكثر عن الحافظ إسماعيل بن محمد التيمي.
وبادر إلى بغداد، فأكثر عن القاضي أبي بكر الأنصاري، وإسماعيل ابن السمرقندي، وأبي منصور الشيباني، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبي سعد الزوزني، وخلق كثير.
ثم حج، وقدم دمشق، فسمع بها من أبي الفتح نصر الله بن محمد المصيصي، والقاضي أبي المعالي محمد بن يحيى القرشي، والموجودين.
ولا يوصف كثرة البلاد والمشايخ الذين أخذ عنهم.
وقد ألف كتاب التحبير في معجمه الكبير، يكون ثلاث مجلدات.
فسمع بآمل طبرستان من أبي نصر الفضل بن أحمد بن الفضل بن أحمد البصري وطبقته.
وبأبيورد من عبد الملك بن علي الزهري.
وبإسفرايين من طلحة بن الحسين بن محمد بن الحسين القاضي حدثه عن جده.
وبالأنبار من يحيى بن علي بن محمد بن الأخضر حدثه عن الخطيب الحافظ.
وببخارى من عثمان بن علي البيكندي وعدة.
وببروجرد من القاضي أبي المظفر شبيب بن الحسين، وأبي تمام إبراهيم بن أحمد حدثاه عن يوسف بن محمد الهمذاني.
وببسطام من المحسن بن النعمان المعلم حدثه عن طاهر الشحامي.
وبالبصرة من طلحة بن علي الشاهد روى له عن جعفر العباداني.
وببغشور من صالح بن أحمد بن مدوسة المقرئ وغيره من "جامع الترمذي".
وببلخ من القاضي عمر بن علي المحمودي صاحب الوخشي.
وبترمذ من أسعد بن علي.
وبجرجان من أبي عامر سعد بن علي العصاري وجماعة عن عبد الله بن عبد الواسع الجرجاني.
وبحلب من الرئيس أبي الحسن علي بن عبد الله الأنطاكي.
وبحماة من كامل بن علي بن سالم السنبسي عن أبيه.
وبحمص من قاضيها أبي البيان محمد بن عبد الرزاق التنوخي.
وبخرتنك عند قبر البخاري من أبي شجاع عمر بن محمد البسطامي.
وبخسروجرد من عبد الحميد بن محمد بن أحمد الخواري صاحب البيهقي.
وبخوار الري من محمد بن عبد الواحد بن محمد المغازلي، عن أبي منصور بن شكرويه.
وبالرحبة من الحافظ أبي سعد أحمد بن محمد بن البغدادي.
وبالري من القاضي أبي محمد الحسن بن محمد الحنفي حدثه عن محمد بن إسماعيل بن كثير إملاءً، حدثنا ابن الصلت المجبر.
وبساوة من أبي حاتم محمد بن عبد الرحمن الرازي.
وبسرخس من أبي نصر محمد بن محمود الشجاعي وآخر قالا: أخبرنا عبد الله بن العباسي العبدوسي، حدثنا أحمد بن أبي إسحاق الحجاجي، حدثنا الحافظ أبو العباس الدغولي.
وبسمرقند من الخطيب أبي المعالي محمد بن نصر بن منصور المديني حدثه عن السيد أبي المعالي محمد بن محمد بن زيد الحافظ.
وبسمنان من أحمد بن محمد بن العالم المضري عن أبي الحسن بن الأخرم.
وبسنجار من القاضي أبي منصور المظفر بن القاسم الشهرزوري، سمع أبا نصر الزينبي.
وبهمذان وهراة والحرمين والكوفة وطوس والكرخ ونسا وواسط والموصل ونهاوند والطالقان وبوشنج والمدائن، وبقاع يطول ذكرها بحيث إنه زار القدس والخليل وهما بأيدي الفرنج، تحيل، وخاطر في ذلك، وما تهيأ ذلك للسلفي ولا لابن عساكر.
ذكره أبو القاسم الحافظ في تاريخ دمشق، فقال: أبو سعد السمعاني الفقيه الشافعي الحافظ الواعظ الخطيب
…
إلى أن قال: سمع ببلاد كثيرة، اجتمعت به بنيسابور وبغداد ودمشق، وعاد إلى خراسان، ودخل هراة وبلخ وما وراء النهر، وهو الآن شيخ خراسان غير مدافع، عن صدق ومعرفة وكثرة رواية وتصانيف، سمع ببلاد كثيرة، وحصل النسخ الكثيرة، وكتب عني، وكتبت عنه، وكان متصونًا عفيفًا حسن الأخلاق. ثم قال: حدثنا أبو سعد بدمشق، أخبرنا عبد الغفار الشيروي .. فذكر من "جزء ابن عيينة" حديث: يا رسول الله، متى الساعة? ورواه معه ابنه أبو محمد القاسم. ثم ذكر وفاته.
حدث أيضًا عن أبي سعد: ولداه أبو المظفر عبد الرحيم ومحمد، وأبو روح عبد المعز بن محمد الهروي، وأبو الضوء شهاب الشذياني، والافتخار أبو هاشم عبد المطلب الحلبي الحنفي، وعبد الوهاب بن سكينة، وأبو الفتح محمد بن محمد الصائغ، وعبد العزيز بن منينا، وآخرون.
قال ابن النجار: نقلت أسماء تصانيفه من خطه: "الذيل" على "تاريخ الخطيب" أربع مائة طاقة، "تاريخ مرو" خمس مائة طاقة، "معجم البلدان" خمسون طاقة، "معجم شيوخه" ثمانون طاقة، "أدب الطلب" مائة وخمسون طاقة، "الإسفار عن الأسفار" خمس وعشرون طاقة، "الإملاء والاستملاء" خمس عشرة طاقة، "تحفة المسافر" مائة وخمسون طاقة، "الهدية" خمس وعشرون طاقة، "عز العزلة" سبعون طاقة، "الأدب واستعمال الحسب" خمس طاقات، "المناسك" ستون طاقة، "الدعوات" أربعون طاقة، "الدعوات النبوية" خمس عشرة طاقة، "دخول الحمام" خمس عشرة طاقة، "صلاة التسبيح" عشر طاقات، "تحفة العيد" ثلاثون طاقة "التحايا" ست طاقات، "فضل الديك" خمس طاقات، "الرسائل والوسائل" خمس عشرة طاقة، "صوم الأيام البيض" خمس عشرة طاقة، "سلوة الأحباب" خمس طاقات، "فرط الغرام إلى ساكني الشام" خمس عشرة طاقة، "مقام العلماء بين يدي الأمراء" إحدى عشرة طاقة "المساواة والمصافحة" ثلاث عشرة طاقة، "ذكرى حبيب رحل وبشرى مشيب نزل" عشرون طاقة، "التحبير في المعجم الكبير" ثلاث مائة طاقة، "الأمالي" له مائةا طاقة، خمس مائة مجلس، "فوائد الموائد" مائة طاقة، "فضل الهر" ثلاث طاقات، "ركوب البحر" سبع طاقات، "الهريسة" ثلاث طاقات، "وفيات المتأخرين" خمس عشرة طاقة، كتاب "الأنساب" ثلاث مائة وخمسون طاقة، "الأمالي" ستون طاقة، "بخار بخور البخاري" عشرون طاقة، "تقديم الجفان إلى الضيفان" سبعون طاقة، "صلاة الضحى" عشر طاقات، "الصدق في الصداقة"، "الربح في التجارة"، "رفع الارتياب عن كتابة الكتاب" أربع طاقات،
"النزوع إلى الأوطان" خمس وثلاثون طاقة، "تخفيف الصلاة" في طاقتين، "لفتة المشتاق إلى ساكني العراق" أربع طاقات، "من كنيته أبو سعد" ثلاثون طاقة، "فضل الشام" في طاقتين، "فضل يس" في طاقتين.
قلت: وانتخب على غير واحد من مشايخه، وخرج لولده أبي المظفر "معجمًا" في مجلد كبير.
وكان ظريف الشمائل، حلو المذاكرة، سريع الفهم، قوي الكتابة سريعها، درس وأفتى ووعظ، وساد أهل بيته، وكانوا يلقبونه بلقب والده تاج الإسلام، وكان أبوه يلقب أيضًا معين الدين.
قال ابن النجار: سمعت من يذكر أن عدد شيوخ أبي سعد سبعة آلاف شيخ. قال: وهذا شيء لم يبلغه أحد، وكان مليح التصانيف، كثير النشوار والأناشيد، لطيف المزاج، ظريفًا، حافظًا، واسع الرحلة، ثقةً صدوقًا دينًا، سمع منه مشايخه وأقرانه.
قلت: حكى أبو سعد في "الذيل" أن شيخه قاضي المرستان رأى معه جزءًا قد سمعه من شيخ الكوفة عمر بن إبراهيم الزيدي. قال: فأخذه، ونسخه، وسمعه مني.
قلت: رأيت ذلك الجزء بخط القاضي أبي بكر.
والطاقة يخال إلي أنها الطلحية.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء قراءةً عليه، أخبرنا عبد المعز بن محمد في كتابه، أخبرنا عبد الكريم بن محمد الحافظ، أخبرنا عبد الغفار بن محمد حضورًا، أخبرنا أبو بكر الحيري، أخبرنا محمد بن يعقوب الأصم، حدثنا زكريا بن يحيى، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أنس قال: قال رجل: يا رسول الله، متى الساعة? قال:"وما أعددت لها"؟. فلم يذكر كبيرًا إلَّا أن يحب الله ورسوله، قال:"فأنت مع من أحببت". متفق عليه.
وقد مر أن الحافظ أبا القاسم وابنه المحدث بهاء الدين روياه عن أبي سعد، وقد سمعناه من جماعة سمعوه من جماعة قالوا: أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا مكي بن علان. وسمعناه من عائشة بنت عيسى، عن جدها الفقيه أبي محمد، عن أبي زرعة، عن محمد بن أحمد الكامخي قالا: أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري .. فذكره.
مات الحافظ أبو سعد في مستهل ربيع الأول، سنة اثنتين وستين وخمس مائة بمرو وله ست وخمسون سنة.
ومات معه في السنة مسند وقته عبد الجليل بن أبي سعد المعدل بهراة، ومحدث ما وراء النهر الإمام أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي ثم البلخي، ومسند بغداد أبو المعالي محمد بن محمد بن الحيان اللحاس، ومسند أصبهان بل الدنيا الرئيس مسعود بن الحسن بن الرئيس أبي عبد الله الثقفي عن مائة عام، ومسند العراق أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن هلال الدقاق في عشر المائة، وعالم سجستان أبو عروبة عبد الهادي بن محمد بن عبد الله بن عمر بن مأمون، وعالم دمشق جمال الأئمة علي بن الحسن ابن الماسح، وخطيب دمشق أبو البركات الخضر ابن شبل بن عبد الحارثي، وآخرون.
قال السمعاني: كنت أنسخ بجامع بروجرد، فدخل شيخ رث الهيئة، ثم قال: أيش تكتب? فكرهت جوابه، وقلت: الحديث. فقال: كأنك طالب حديث? قلت: بلى. قال: من أين أنت? قلت: من مرو. قال: عمن يروي البخاري من أهلها? قلت: عن عبدان وصدقة بن الفضل وعلي ابن حجر. فقال: ما اسم عبدان? فقلت: عبد الله بن عثمان. فقال: ولم قيل له: عبدان? فتوقفت، فتبسم، ونظرت إليه بعين أخرى، وقلت: يذكر الشيخ. فقال: كنيته أبو عبد الرحمن، فاجتمع في اسمه وفي كنيته العبدان، فقيل: عبدان. فقلت عمن? قال: سمعت ابن طاهر يقوله. وإذا هو الحافظ أبو الفضل محمد بن هبة الله بن العلاء البروجردي، فروى لنا عن أبي محمد الدوني وطائفة.
5094 - ابن اللحاس
(1)
:
الشيخ الثقة المسند، أبو المعالي، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد الحريمي العطار، عرف بابن الجبان اللحاس.
سمع من جده محمد في سنة ثمان وسبعين في أيام أبي نصر الزينبي، وسمع من عبد الله بن عطاء الإبراهيمي، والحسين بن محمد السراج، وطراد بن محمد النقيب، وروى الكثير بإجازة أبي القاسم علي بن أحمد بن البسري.
حدث عنه: السمعاني، وأبو بكر محمد بن المبارك المستعمل، ومحمد بن أبي البركات بن صعنين، ومحمد بن الحسن بن البواب، وأنجب ابن أبي السعادات الحمامي، وأبو المنجا عبد الله بن اللتي، ومحمد بن محمد بن السباك، وأحمد بن يعقوب المارستاني، وآخرون.
قال الدبيثي: ثقة، صحيح السماع.
وقال ابن النجار: كان شيخًا صالحًا عفيفًا صدوقًا، حسن الأخلاق، لطيفًا، روى الكثير.
قلت: مولده في سنة ثمان وستين وأربع مائة. وتوفي في تاسع عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وخمس مائة عن أربع وتسعين سنة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 206".
5095 - الأشيري
(1)
:
الإمام العلامة، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي، الصنهاجي الأشيري.
وأشير: بليدة آخر إقليم إفريقية مما يلي الغرب، وهي قلعة لبني حماد ملوك إفريقية.
سمع ببغداد مع ولده في أيام ابن هبيرة، وكان من كبار المالكية، فحدث عن: أحمد بن علي بن غزلون، وعلي بن عبد الله بن موهب الجذامي، والقاضي عياض، وجماعة.
روى عنه: أبو الفتوح بن الحصري، وأبو محمد بن علون الأسدي.
قال ابن الحصري: كان إمامًا في الحديث، ذا معرفة بفقهه ورجاله، وله يد باسطة في النحو واللغة، وجرى بينه وبين الوزير ابن هبيرة كلام في دعائه عليه السلام يوم بدر:"إن تهلك هذه العصابة"
(2)
وكان الصواب معه.
قلت: نازع الوزير بعنف، فأحرجه حتى قال له الوزير: تهذي! ليس كلامك بصحيح. وانفض الناس، ثم اعتذر إليه الوزير بكل طريق، ووصله بمال، وما ودعه حتى قال له مثل قوله له.
قال ابن عساكر: كان يكتب لصاحب المغرب، فلما مات، خاف ونزح، وقرر له الملك نور الدين بحلب كفايته، ثم حج. اتفق موته باللبوة في شوال سنة إحدى وستين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في اللباب لابن الأثير "1/ 68 - 69"، وتبصير المنتبه "1/ 46"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 372"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 198".
(2)
صحيح: أخرجه مسلم "1763"، وأبو داود "2690"، والترمذي "3081"، وهو جزء من حديث طويل عن عبد الله بن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركن وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني. اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض
…
".
5096 - ابن الماسح
(1)
:
العلامة، جمال الأئمة، أبو القاسم، علي بن أبي الفضائل الحسن ابن الحسن بن أحمد، الكلابي الدمشقي الشافعي الفرضي النحوي، ويعرف بابن الماسح، أحد أئمة المذهب.
ولد سنة ثمان وثمانين وأربع مائة.
وتلا لابن عامر على أبي الوحش سبيع، وسمع منه، ومن أبي تراب حيدرة، وعبد المنعم بن الغمر.
وتفقه بجمال الإسلام، ونصر الله المصيصي.
وكانت له حلقة كبيرة بالجامع للإقراء والفقه والنحو، وأعاد بالأمينية، ودرس بالمجاهدية، وعليه العمدة في الفتوى وفي القسمة.
روى عنه: أبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم، وجماعة.
مات في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وخمس مائة.
5097 - البارزي:
الشيخ أبو محمد، عبد الواحد بن الحسين بن عبد الواحد بن البارزي البغدادي، البزاز بخان الصفة.
سمع: ابن طلحة، وابن البطر، وثابت بن بندار، وجماعة.
روى عنه: ابن الأخضر، والحافظ عبد الغني، والشيخ الموفق، وعلي بن رشيد، وجماعة، وآخر من روى عنه بالإجازة الرشيد بن مسلمة.
قال ابن النجار: كان صالحًا متدينًا، على طريقة السلف.
توفي في شوال سنة اثنتين وستين وخمس مائة وله اثنتان وثمانون سنة.
قلت: يقع لي من عواليه.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 375"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 155".
5098 - مسعود بن الحسن
(1)
:
ابن الرئيس أبي عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد بن أحمد بن محمود بن عبد الله، الشيخ المعمر الفاضل، مسند العصر، أبو الفرج الثقفي الأصبهاني.
مولده في سنة اثنتين وستين وأربع مائة.
سمع من: جده، ومن أبي عمرو عبد الوهاب بن مندة، وأبي عيسى عبد الرحمن بن زياد، والمطهر بن عبد الواحد البزاني، ومحمد بن أحمد السمسار، وإبراهيم بن محمد الطيان، وسهل بن عبد الله الغازي، وأبي نصر محمد بن عمر تانة، وأبي الخير محمد بن أحمد بن ررا، وسليمان ابن إبراهيم، وغانم بن عبد الواحد، وأحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد، وعدة.
وخرجت له فوائد في تسعة أجزاء وعوالي. وعمر وتفرد، وألحق الأبناء بالآباء.
وقد كان روى الكثير بإجازة أبي الغنائم بن المأمون، وأبي بكر الخطيب، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وجماعة من البغاددة اعتمادًا منه على ما نقل المحدث أبو الخير عبد الرحيم بن موسى، فقاموا على أبي الخير، وكذبه الحافظ أبو موسى المديني، فطالبوه بالأصل، فغالطهم.
وله إجازة من أبي القاسم بن مندة، وغيره.
حدث عنه: محمد بن يوسف الآملي، وعبد الله بن أبي الفرج الجبائي، والحسين بن محمد الجرباذقاني، وعبد الأول بن ثابت المديني، والحافظ عبد القادر الرهاوي، ومحمد بن مكي الحنبلي، ومحمود بن محمد الحداد، وأبو الوفاء محمود بن مندة، وآخرون، وبالإجازة: أبو المنجا عبد الله بن اللتي، وكريمة القرشية، وأختها صفية، وعجيبة الباقدارية.
قال السمعاني: لم يتفق أن أسمع منه لاشتغالي بغيره، وما كانوا يحسنون الثناء عليه -والله يرحمه- وكتب إلي بالإجازة، وقد حدثني محمد ابن عبد الرحمن الفيج أنه قرأ على الرئيس أبي الفرج جميع تاريخ الخطيب في سنة ستين وخمس مائة.
قلت: ثم تبين وهن إجازة الخطيب له، وامتنع الرجل من الرواية بالإجازة عن البغداديين بعد ذلك، وكان في كثرة سماعاته العالية شغل شاغل، وكان ذا حشمة وأموال، عاش مائة عام.
توفي يوم الاثنين غرة رجب سنة اثنتين وستين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في لسان الميزان "6/ 24 - 25"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 206 - 207".
5099 - الدقاق
(1)
:
الشيخ الجليل، مسند بغداد، أبو القاسم، هبة الله بن الحسن بن هلال بن علي بن حمصاء العجلي السامري الكاتب، ثم البغدادي ابن الدقاق، شيخ معمر، صحيح الرواية، من أهل الظفرية.
ولد سنة إحدى وسبعين وأربع مائة.
وسمع أبا الحسن علي بن محمد الأنباري، وعاصم بن الحسن، وعبد الله بن علي بن زكري، وأبا الغنائم محمد بن أبي عثمان، وعبد الواحد بن فهد العلاف، وعبد الملك بن أحمد السيوري، وتفرد بأجزاء.
حدث عنه: السمعاني، وعبد الغني بن عبد الواحد، وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، ومحمد بن عمر بن الذهبي، وإسماعيل بن باتكين الجوهري، وعبد اللطيف بن محمد القبيطي، وعدة، وآخر من روى عنه إجازةً الرشيد أحمد بن مسلمة.
قال السمعاني: كان شيخًا لا بأس به، ظاهره الخير والصلاح.
وقال ابن قدامة: هو فيما أظن أقدم مشايخنا سماعًا.
وقال ابن مشق: توفي في تاسع عشر المحرم سنة اثنتين وستين وخمس مائة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو محمد بن قدامة، أخبرنا هبة الله بن الحسن، أخبرنا عبد الله بن علي الدقاق، أخبرنا علي بن محمد، أخبرنا محمد بن عمرو، حدثنا أحمد بن الفرج الجشمي، حدثنا عون بن عمارة، حدثنا حميد، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لبيك بحجة وعمرة"
(2)
.
متفق عليه من حديث حميد الطويل وغيره، عن أنس بن مالك.
قال ابن النجار: كان صدوقًا صحيح السماع، هو آخر من حدث عن عاصم وابن أبي عثمان.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 207".
(2)
صحيح: أخرجه أحمد "3/ 282"، والبخاري "1548"، ومسلم "1251"، وأبو داود "1795"، والترمذي "821"، والنسائي "5/ 150"، وابن ماجه "2968" و"2969"، والحاكم "1/ 472"، والبيهقي "5/ 9 و 40"، وابن الجارود "430"، والبغوي "1881" و"1882" من طرق عن حمد، عن أنس، به.
5100 - الباجسرائي
(1)
:
الشيخ المسند، أبو المعالي، أحمد بن عبد الغني بن محمد بن حنيفة الباجسرائي التانئ، نزيل بغداد.
سمع من: نصر بن البطر، والنعالي، وثابت بن بندار، والحسين بن علي بن البسري، وعدة. وروى الكثير.
وقد ركبه دين، ونزح إلى همذان، فمات هناك.
حدث عنه: الحافظ عبد الغني، والشيخ الموفق، ومحمد بن عماد، وعبد اللطيف بن القبيطي، وأبو إسحاق الكاشغري، وآخرون. وبالإجازة: الرشيد بن مسلمة.
قال ابن الجوزي: كان ثقةً.
وقال الدبيثي: مات في رمضان سنة ثلاث وستين وخمس مائة بهمذان، ولم يحدث بها، وعاش أربعًا وسبعين سنة وشهرًا.
5101 - ابن المقرب
(2)
:
الشيخ الجليل الثقة المسند، أبو بكر، أحمد بن المقرب بن الحسين ابن الحسن البغدادي الكرخي.
شيخ دين كيس متودد، صحيح السماع.
سمع طرادًا الزينبي، وابن طلحة النعالي، وابن سوار.
وعنه: السمعاني، وابن الجوزي، وعبد الغني، والموفق، وعبد اللطيف القبيطي، وابن الخازن، والحسين بن رئيس الرؤساء، وخلق.
وتلا بالسبع، وتفقه، ونسخ الأجزاء، وله أصول حسنة.
مات في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 312"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 379"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 207".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 314"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 379"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 208".
5102 - الطامذي
(1)
:
الشيخ الإمام المقرئ الزاهد المعمر، بقية السلف، أبو محمد، عبد الله بن علي بن عبد الله بن عبد الرحمن الأصبهاني الطامذي. وطامذ: مكان بأصبهان.
سمع أبا نصر عبد الرحمن بن محمد السمسار، وعدة.
وارتحل فسمع بالبصرة من جعفر بن محمد بن الفضل العباداني، وببغداد من طراد بن محمد الزينبي، وابن طلحة النعالي، وجماعة.
وقرأ الحديث على المشايخ، وعمر دهرًا، خرجوا له ثلاثة أجزاء.
حدث عنه: محمد بن مكي الحنبلي، وعبد القادر بن عبد الله الرهاوي، ومحمد بن أبي غالب شعرانة، ومحمد بن محمود الرويدشتي، وجماعة، وبالإجازة: كريمة الزبيرية.
وقد غلط أبو الفتح الأبيوردي، فقرأ على الرشيد إسماعيل العراقي بإجازته من الطامذي، ولا يمكن ذلك، فإن الطامذي مات في العشرين من شعبان سنة ثلاث وستين وخمس مائة عن سن عالية ولم يكن الرشيد ولد بعد.
وفيها مات أبو المعالي الباجسرائي، وأبو المظفر أحمد بن محمد ابن علي الكاغدي، وأبو بكر أحمد بن المقرب، وقاضي القضاة جعفر ابن عبد الواحد الثقفي، وأبو المناقب حيدرة بن عمر الزيدي، والخضر ابن الفضل الصفار الأصبهاني رجل، وشاكر بن علي الأسواري، والشيخ أبو النجيب السهروردي، وأبو الحسن علي بن عبد الرحمن ابن تاج القراء، وأبو المعالي عمر بن بنيمان البغدادي، وأبو بكر محمد ابن أحمد بن نمارة البلنسي، والشريف ناصر بن الحسن الزيدي الخطيب، وأبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني، ونفيسة بنت محمد البزاز، والصائن هبة الله بن عساكر.
5103 - أبو النجيب
(2)
:
الشيخ الإمام العالم المفتي المتفنن الزاهد العابد القدوة شيخ المشايخ، أبو النجيب، عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عمويه بن سعد بن الحسن بن القاسم بن علقمة بن النضر بن
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 380"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 208".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 318"، واللباب "2/ 157"، ووفيات الأعيان "3/ ترجمة 393"، والنجوم الزاهرة "5/ 380"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 208 - 209".
معاذ بن الفقيه عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، القرشي التيمي البكري السهروردي الشافعي الصوفي الواعظ، شيخ بغداد.
ولد تقريبًا بسهرورد في سنة تسعين وأربع مائة.
وقدم بغداد نحو سنة عشر، فسمع من أبي علي بن نبهان كتاب غريب الحديث، وسمع من زاهر الشحامي، وأبي بكر الأنصاري وجماعة، فأكثر، وحصل الأصول، وكان يعظ الناس في مدرسته.
أثنى عليه السمعاني كثيرًا، وقال: تفقه في النظامية، ثم هب له نسيم الإقبال والتوفيق، فدله على الطريق، وانقطع مدةً، ثم رجع، ودعا إلى الله، وتزهد به خلق، وبنى له رباطًا على الشط، حضرت عنده مرات، وانتفعت بكلامه، وكتبت عنه.
وقال عمر بن علي القرشي: هو من أئمة الشافعية، وعلم من أعلام الصوفية، ذكر لي أنه دخل بغداد سنة سبع، وسمع "غريب الحديث"، وتفقه على أسعد الميهني، وتأدب على الفصيحي، ثم آثر الانقطاع، فتجرد، ودخل البرية حافيًا، وحج، وجرت له قصص، وسلك طريقًا وعرًا في المجاهدة، ودخل أصبهان، وجال في الجبال، ثم صحب الشيخ حمادًا الدباس، ثم شرع في دعاء الخلق إلى الله، فأقبل الناس عليه، وصار له قبول عظيم، وأفلح بسببه أمةً صاروا سرجًا، وبنى مدرسةً ورباطين، ودرس وأفتى، وولي تدريس النظامية، ولم أر له أصلًا يعتمد عليه بـ"الغريب".
وقال ابن النجار: كان مطرحًا للتكلف في وعظه بلا سجع، وبقي سنين يستقي بالقربة بالأجرة، ويتقوت، ويؤثر من عنده، وكانت له خربةً يأوي إليها هو وأصحابه، ثم اشتهر، وصار له القبول عند الملوك، وزاره السلطان، فبنى الخربة رباطًا، وبنى إلى جانبه مدرسةً، فصار حمىً لمن لجأ إليه من الخائفين يجير من الخليفة والسلطان، ودرس بالنظامية سنة 45، ثم عزل بعد سنتين، أملى مجالس، وصنف مصنفات
…
إلى أن قال: وصحب الشيخ أحمد الغزالي الواعظ، وسلكه.
قلت: قد أوذي عند موت السلطان مسعود، وأحضر إلى باب النوبي، فأهين، وكشف رأسه، وضرب خمس درر، وحبس مدةً لأنه درس بجاه مسعود.
قال ابن النجار: وأنبأنا يحيى بن القاسم، حدثنا أبو النجيب قال: كنت أدخل على الشيخ حماد وفي فتور، فيقول: دخلت علي وعليك ظلمة، وكنت أبقى اليومين والثلاثة لا أستطعم بزاد، فأنزل في دجلة أتقلب ليسكن جوعي، ثم اتخذت قربةً أستقي بها، فمن
أعطاني شيئًا أخذته، ومن لم يعطني لم أطالبه، ولما تعذر ذلك في الشتاء علي، خرجت إلى سوق، فوجدت رجلًا بين يديه طبرزد، وعنده جماعة يدقون الأرز، فقلت: استعملني. قال: أرني يدك. فأريته، قال: هذه يد لا تصلح إلَّا للقلم، وأعطاني ورقةً فيها ذهب، فقلت: لا آخذ إلَّا أجرة عملي، فإن شئت نسخت لك بالأجرة. قال: اصعد، وقال لغلامه: ناوله المدقة، فدققت معهم وهو يلحظني، فلما عملت ساعةً، قال: تعال، فناولني الذهب، وقال: هذه أجرتك، فأخذته، ثم أوقع الله في قلبي الاشتغال بالعلم، فاشتغلت حتى أتقنت المذهب، وقرأت الأصلين، وحفظت الوسيط للواحدي في التفسير، وسمعت كتب الحديث المشهورة.
قال أبو القاسم بن عساكر: ذكر لي أبو النجيب أنه سمع من أبي علي الحداد، واشتغل بالمجاهدة، ثم استقى بالأجرة، ثم وعظ ودرس بالنظامية، قدم دمشق سنة ثمان وخمسين لزيارة بيت المقدس، فلم يتفق له لانفساخ الهدنة.
قلت: حدث عنه هو والقاسم ابنه، والسمعاني، وابن سكينة، وزين الأمناء، وأبو نصر بن الشيرازي، وابن أخيه الشيخ شهاب الدين عمر، وخلق.
مات في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وخمس مائة، ودفن بمدرسته.
5104 - ابن تاج القراء
(1)
:
الشيخ الزاهد المعمر، أبو الحسن، علي بن عبد الرحمن بن محمد ابن رافع الطوسي، ثم البغدادي، ويعرف بابن تاج القراء.
بكر به والده، فسمع من: مالك بن أحمد البانياسي، ويحيى بن أحمد السيبي، وأبي بكر الطريثيثي.
حدث عنه: عبد الغني الحافظ، والشيخ موفق الدين، وإبراهيم بن عثمان الكاشغري، وآخرون، وبالإجازة: الرشيد بن مسلمة.
قال الشيخ الموفق: سمعنا منه جزأين يرويهما عن البانياسي.
وقال السمعاني: كان صوفيًا خدم المشايخ، وتخلق بأخلاقهم، طلبته عدة نوب، فما صدفته.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 380"، وشذرات الذهب "4/ 209".
قال: وهو أخو شيخنا يحيى.
وقال ابن مشق: توفي رحمه الله في صفر سنة ثلاث وستين وخمس مائة.
قلت: هو راوي "جزء البانياسي".
ومات معه في العام خلق، منهم أبو المعالي عمر بن بنيمان، بغدادي ثقة سمع ثابت بن بندار وطبقته، وأبو المظفر أحمد بن محمد بن علي الكاغدي البغدادي راوي "مشيخة الفسوي"، وأبو المناقب حيدرة بن أبي البركات عمر بن إبراهيم الحسيني الزيدي عنده مجلسان لطراد، وأبو طاهر الخضر بن الفضل الصفار الأصبهاني، عرف برجل، تفرد بإجازة عبد الوهاب بن مندة، وأبو الفضل شاكر بن علي الأسواري، وأبو الحسن محمد بن إسحاق بن محمد بن هلال بن المحسن بن الصابئ الكاتب، سمع النعالي، ومقرئ مصر الشريف ناصر بن الحسن الحسيني الخطيب، والإمام المحدث أبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني، ونفيسة بنت محمد بن علي البزازة، سمعت من طراد، فأكثرت، وهبة الله بن الحافظ عبد الله بن السمرقندي البغدادي، سمع من النعالي، والعلامة مدرس النظامية يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي الشافعي صاحب أسعد الميهني.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن رافع الطوسي ببغداد، أخبرنا مالك بن أحمد الفراء، أخبرنا أحمد بن محمد ابن موسى بن القاسم، حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، حدثنا أبو مصعب، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعناه على السمع والطاعة، يقول لنا:"فيما استطعت"
(1)
.
أخرجه البخاري عن ابن يوسف التنيسي، عن مالك.
(1)
صحيح: أخرجه البخاري "7202".
5105 - ابن البطي
(1)
:
الشيخ الجليل العالم الصدوق، مسند العراق، أبو الفتح، محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان، البغدادي الحاجب ابن البطي.
ولد سنة سبع وسبعين وأربع مائة.
اعتنى به والده من الصغر، أجاز له أبو نصر محمد بن محمد الزينبي.
وسمع من: عاصم بن الحسن العاصمي، ومالك بن أحمد البانياسي، وعلي بن محمد بن محمد الأنباري الخطيب، ورزق الله التميمي، وعبد الله بن علي بن زكري الدقاق، وطراد الزينبي، والحسين بن طلحة النعالي، وأبي الفضل بن خيرون، وعبد الواحد بن علي ابن فهد، وثابت بن بدار، ونصر بن البطر، وأبي عبد الله الحميدي، وحمد بن أحمد الحداد سمع منه كتاب الحلية كله، وأحمد بن عمر السمرقندي المقرئ، وأبي بكر بن الخاضبة، وهو الذي حرص عليه وأسمه، وحمزة بن محمد الزبيري صاحب الحرفي، وأحمد بن عبد القادر ابن يوسف، وأبي الحسن علي بن الحسين بن أيوب، وأبي بكر الطريثيثي، والحسين بن علي بن البسري، وعلي بن الحسين الربعي، وأبي طاهر أحمد ابن الحسن الكرخي، وعبد الجليل بن محمد الساوي، وأبي سعد محمد بن علي بن السرفرتج الأصبهاني، وجعفر السراج، والحسن بن عبد الملك اليوسفي، وجماعة سواهم.
وعمر، وتفرد، ورحل إليه، وروى شيئًا كثيرًا.
حدث عنه: ابن عساكر، وابن الجوزي، وابن الأخضر، والحافظ عبد الغني، وأبو الفتوح بن الحصري، والشيخ الموفق، وإبراهيم ابن البرني، والشيخ الفخر ابن تيمية، والشهاب أبو حفص السهروردي، ومحمد بن إبراهيم المغازلي، وعمر بن محمد بن أبي الريان، وعلي بن كبة، وتامر بن مطلق، وزهرة بنت حاضر، وإسماعيل بن باتكين، وعلي بن الجوزي، وسعيد بن محمد بن ياسين، ومحمد بن محمد بن السباك، والأنجب بن أبي السعدات، ومحمد بن عماد، والحسين بن علي بن رئيس الرؤساء، وخليل الجوسقي، وأحمد بن يحيى بن البراج، والموفق عبد اللطيف بن يوسف، وداود بن الفاخر، وأبو علي بن الجواليقي، وعلي بن أبي الفخار الهاشمي، وعبد الله بن عمر بن اللتي، وعبد اللطيف بن محمد القبيطي، ومحمد بن بهروز الطبيب، وأحمد بن المعز الحراني، وجمال النساء بنت أبي بكر الغراف، وإبراهيم بن عثمان الكاشغري، وآخر من روى عنه بالإجازة الرشيد بن مسلمة، وعيسى بن سلامة الحراني.
قال ابن نقطة: حدث ابن البطي بـ"حلية الأولياء" عن حمد الحداد، وهو ثقة، صحيح السماع، سمع منه الأئمة والحفاظ.
وقال الشيخ موفق الدين: هو شيخنا وشيخ أهل بغداد في وقته، وأكثر سماعاته على أبي الفضل بن خيرون، وما روى لنا عن رزق الله والحميدي وحمد غيره، وكان ثقةً سهلًا في السماع.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 325"، والنجوم الزاهرة "5/ 382"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 213 - 214".
وقال ابن النجار: كان حريصًا على نشر العلم، صدوقًا، حصل أكثر مسموعاته شراءً ونسخًا، ووقفها، سمع منه الحافظ ابن ناصر، وسعد الخير، والكبار.
قال ابن مشق: توفي يوم الخميس سابع وعشرين جمادى الأولى سنة أربع وستين وخمس مائة، ودفن بمقبرة باب أبرز.
ومات أبو بكر أحمد بن عبد الباقي أخو ابن البطي بعده بسنة وقد شاخ، روى عن ابن طلحة النعالي، وأبي القاسم الربعي.
ومات مع ابن البطي سعد الله بن نصر الدجاجي، والمظفر مجير الدين أبق بن محمد بن تاج الملوك الذي كان صاحب دمشق، فأخذها منه نور الدين، ووزير مصر شاور بن مجير السعدي، ووزير مصر أسد الدين شيركوه بن شاذي، والمحدث عبد الخالق بن أسد الحنفي، وأبو مروان بن قزمان عبد الرحمن القرطبي الفقيه، وشيخ القراء ابن هذيل، وقاضي دمشق الزكي علي بن محمد بن يحيى القرشي، ومعمر بن الفاخر، والشيخ علي الهيتي.
الطبقة الثلاثون:
5106 - ابن الفاخر
(1)
:
الشيخ الإمام الواعظ العالم المحدث المفيد الرحال الثقة، أبو أحمد، معمر بن عبد الواحد بن رجاء بن عبد الواحد بن محمد بن الفاخر ابن أحمد القرشي العبشمي السمري الأصبهاني، المعدل.
مولده سنة أربع وتسعين وأربع مائة.
سمع أبا الفتح أحمد بن محمد الحداد، وأبا المحاسن الروياني شيخ الشافعية، وأبا علي أحمد بن محمد بن الفضل بن شهريار، وأبا طاهر المحسد بن أبي الحسين، وغانم بن محمد البرجي، وأبا علي الحداد، والحافظ أبا زكريا بن مندة، وعبد الصمد بن أحمد العنبري، وعبد الواحد بن محمد الدشتج، ومحمد بن أبي عدنان، وعدةً بأصبهان، وهبة الله بن الحصين، وأبا غالب بن البناء، وأحمد بن رضوان، وأبا العز بن كادش، وقاضي المرستان، وعدةً ببغداد، وارتحل إليها غير مرة، وأجاز له أبو الحسين بن العلاف، وإسماعيل بن الحسن السنجبستي صاحب أبي بكر الحيري، ولم يزل يكتب حتى أخذ عن الحافظ أبي القاسم بن عساكر، وسمع أولاده، وأفاد الغرباء.
له سبع رحلات إلى بغداد، وسمع بالحرمين.
حدث عنه: أبو سعد السمعاني، وابن عساكر، وابن الجوزي، وعبد الغني، وابن قدامة، وابن الأخضر، وعمر بن جابر، وأبو حفص السهروردي، وأبو الحسن بن المقير، وآخرون.
ذكره السمعاني، فقال: شاب كيس، حسن العشرة والصحبة، سخي متودد، يراعي حقوق الأصدقاء، ويقضي حوائجهم، أكثر ما سمعت بأصبهان كان بإفادته، كان يدور معي من الصباح إلى الليل على الشيوخ -شكر الله سعيه- ثم كان ينفذ إلي الأجزاء لأنسخها، ويكتب إلي بوفاة الشيوخ، كتب لي جزءًا عن شيوخه، وحدثني به.
وقال ابن الجوزي: كان من الحفاظ الوعاظ، وله معرفة حسنة بالحديث، كان يخرج
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 328"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1091"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 214".
ويملي، سمعت منه بالمدينة، مات بالبادية ذاهبًا إلى الحج في ذي القعدة في سنة أربع وستين وخمس مائة.
وقال ابن النجار: كان سريع الكتابة، موصوفًا بالحفظ والمعرفة والثقة والصلاح والمروءة والورع، صنف كثيرًا في الحديث والتواريخ والمعاجم، وكان معظمًا ببلده، ذا قبول ووجاهة.
قلت: آخر من روى عنه بالإجازة: عيسى بن سلامة الخياط، فسمع منه عفيف الدين الآمدي تسعة مجالس لمعمر.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا أبو محمد بن قدامة، أخبرنا معمر بن الفاخر، أخبرنا أبو الفتح الحداد، أخبرنا ابن عبدكويه، أخبرنا الطبراني، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا القعنبي، حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحًا بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها"
(1)
.
قال ابن مشق: مات معمر في ثالث عشر ذي القعدة سنة أربع وستين وخمس مائة، عاش سبعين سنة.
(1)
صحيح: أخرجه مسلم "2675".
5107 - ابن خضير
(1)
:
الإمام المحدث الصادق المفيد، أبو طالب، المبارك بن علي بن محمد بن علي بن خضير، البغدادي الصيرفي البزاز.
ولد سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة.
وسمع بنفسه ما لا يوصف كثرةً من: جعفر السراج، والحاجب أبي الحسن بن العلاف، وأبي سعد بن خشيش، وأبي الغنائم النرسي، وأبي القاسم بن بيان، وأبي علي بن نبهان، وأبي سعد بن الطيوري، وأبي العز محمد بن المختار، وينزل إلى قاضي المرستان، وإسماعيل بن السمرقندي، بل وإلى ابن ناصر، وابن البطي، وارتحل فسمع بدمشق من هبة الله بن الأكفاني، وعبد الكريم بن حمزة.
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1319"، وتبصير المنتبه "1/ 445"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 376"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 206".
وبورك له في حديثه، وحدث بأكثر مسموعاته مرارًا.
روى عنه: ابن السمعاني، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو الفضل بن شافع، وأبو الفرج بن الجوزي فأكثر، وأحمد بن البندنيجي، وابن الأخضر، وأبو طالب بن عبد السميع، والحافظ عبد الغني، والشيخ موفق الدين، ومنصور بن المعوج، وأحمد بن المعز الحراني، وخلق، وبالإجازة: الرشيد بن مسلمة.
قال أبو سعد السمعاني: سمع الكثير، ونسخ، وله جد في الطلب على كبر السن، وهو جميل الأمر، سديد السيرة، خرج له أبو القاسم الدمشقي جزءًا، سمعت منه، وسمع مني.
وقال ابن النجار: كان من المكثرين سماعًا وكتابةً وتحصيلًا إلى آخر عمره، وله في ذلك جد واجتهاد، وكانت له حال واسعة من الدنيا، فأنفقها في طلب الحديث وعلى أهله إلى أن افتقر، كتب الكثير، وحصل الأصول الحسان، وكان عفيفًا نزهًا صالحًا متدينًا، يسرد الصوم، وكان يمشي كثيرًا في الطلب، ويحدث من لفظه، ويدور على المكاتب، ويحدث الصبيان، وكان صدوقًا مع قلة معرفته بالعلم وسوء فهمه، وكان خطه رديئًا كثير السقم.
قال إبراهيم بن الشعار: مات شيخنا ابن خضير ليلة الجمعة ثالث عشر ذي الحجة من سنة اثنتين وستين وخمس مائة فجأةً رحمه الله.
5108 - نفيسة
(1)
:
وتسمى فاطمة بنت محمد بن علي البزازة البغدادية أخت أبي الفرج بن البزازة.
سمعت من: طراد الزينبي، وابن طلحة النعالي.
وعنها: الحافظ عبد الغني، والشيخ الموفق، وأبو إسحاق الكاشغري، وعدة، ومن القدماء أبو سعد السمعاني. وأجازت لابن مسلمة.
توفيت في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 380"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 210".
5109 - ابن الزبير
(1)
:
القاضي الرشيد، أبو الحسين، أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد ابن الزبير الغساني الأسواني، الكاتب البليغ.
له "ديوان"، وله كتاب "الجنان".
ولأخيه المهذب الحسن "ديوان" أيضًا.
ولهما يد في النظم والنثر ورئاسة وحشمة، فالمهذب أشعرهما، والرشيد أعلمهما.
ولي الرشيد نظر الإسكندرية مكرهًا، ثم قتل ظلمًا في المحرم سنة ثلاث وستين لميله إلى أسد الدين شيركوه.
وكان أسود، صاحب فنون. ومات أخوه قبله بعامين.
5110 - ابن الكريدي:
الشيخ العالم، أبو الحسن، علي بن مهدي بن مفرج الهلالي الدمشقي، طبيب المرستان.
سمع أبا الفضل بن الكريدي، وأبا القاسم النسيب، وأبا طاهر الحنائي، وببغداد أبا بكر الأنصاري، وغيره.
نسخ بخطه الكثير.
حدث عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو نصر بن الشيرازي، ومكرم القرشي، وكريمة الزبيرية، وآخرون.
مات في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وخمس مائة، وقد قارب الثمانين.
5111 - السويقي
(2)
:
الشيخ الصالح، أبو عاصم، قيس بن محمد بن إسماعيل، الأصبهاني السويقي الصوفي، المؤذن بجامع أصبهان، رفيق أبي نصر اليونارتي إلى بغداد.
سمع من: أبي الحسن بن العلاف، والحسن بن محمد التككي، وأبي غالب الباقلاني، وعدة.
وانتقى له اليونارتي جزءًا رواه غير مرة.
قال السمعاني: ما اتفق لي السماع منه، وحدثني عنه جماعة منهم محمد بن أبي نصر الخونجاني.
قلت: وروى عنه بالإجازة ابن اللتي، وكريمة القرشية.
توفي في جمادى الآخرة سنة اثنتين وستين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 65"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 373 - 374"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 197 و 203 - 204".
(2)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 206".
5112 - الزاغولي
(1)
:
الشيخ الإمام الحافظ الزاهد القدوة، أبو عبد الله، محمد بن الحسين ابن محمد بن الحسين بن علي بن يعقوب المروزي الزاغولي الأرزي.
وزاغول: قرية من ناحية بنجديه.
ذكره الحافظ السمعاني، وحدث عنه هو وولده أبو المظفر عبد الرحيم، فقال: تفقه على والدي أبي بكر محمد، والموفق بن عبد الكريم الهروي، وسمع من أبي الفتح نصر بن إبراهيم الحنفي، ومحيي السنة أبي محمد البغوي، وعيسى بن شعيب السجزي، وغيرهم، وكان صالحًا، خشن العيش، قانعًا باليسير، عارفًا بالحديث وطرقه، اشتغل بطلبه وجمعه طول عمره، وجمع وصنف، وكان عارفًا باللغة، كتب الكثير، ورحل إلى هراة، سمعت منه وبقراءته، جمع كتابًا كبيرًا أكثر من أربع مائة مجلدة يشتمل على التفسير والحديث والفقه واللغة، سماه قيد الأوابد، ولد سنة بضع وسبعين وأربع مائة.
وقال أبو سعد في "معجم" ولده عبد الرحيم: ولد سنة اثنتين وسبعين، وتوفي في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وخمس مائة.
قرئ على أبي الفضل بن عساكر، وأجازه لنا عن عبد الرحيم بن أبي سعد قال: حدثنا عبد أبو عبد الله محمد بن الحسين الأرزي، أخبرنا أبو الفتح الحنفي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الدباس، حدثنا أبو علي الرفاء، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا داود بن عمر،
حدثنا منصور بن أبي الأسود، عن أبي الأعمش، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجنب ثم ينام ولا يمس ماءً
(2)
.
(1)
ترجمته في اللباب لابن الأثير "2/ 53"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 187 - 188".
(2)
صحيح: أخرجه أبو داود "228"، والترمذي "118"، وابن ماجه "583" من طريق ابن إسحاق، به. وأخرجه مسلم "739" "129" من طريق أبي إسحاق قال: سألت الأسود بن يزيد عما حدثته عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان ينام أول الليل ويحيي آخره. ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام. فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب ولا والله ما قالت: قام فأفاضى عليه الماء. ولا والله ما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين".
5113 - الباذرائي
(1)
:
الشيخ الصالح الصدوق، أبو المكارم، المبارك بن محمد بن المعمر الباذرائي البغدادي.
سمع من: أبي الخطاب بن البطر، وأبي بكر الطريثيثي، وعلي بن عبد الرحمن أبي الخطاب الجراح، وجماعة.
وعنه: تميم البندنيجي، والحافظ عبد الغني، والحافظ عبد القادر الرهاوي، والشيخ الموفق، وعلي بن ثابت الطالباني، وعلي بن الحسين ابن يوحن الباوري، وجماعة.
قال الشيخ الموفق: هو شيخ صالح ضعيف، أكثر أوقاته مستلق على قفاه، وكان يسألنا عن الصلاة قاعدًا لعجزه.
قلت: توفي في العشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وستين وخمس مائة، وكان زاهدًا مقصودًا بالزيارة معمرًا.
5114 - ابن الدامغاني
(2)
:
الشيخ أبو منصور، جعفر بن عبد الله بن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الدامغاني البغدادي.
شيخ رئيس، كاتب محمود الطريقة.
سمع من: أبي مسلم السمناني، وثابت بن بندار، وأبي طاهر بن سوار، وابن العلاف، وعدة.
وكان صدوقًا مكثرًا.
حدث عنه: ابن الأخضر، وأحمد بن أحمد البندنيجي، وابنه يحيى ابن جعفر، وآخرون.
مولده في سنة تسعين وأربع مائة.
ومات في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وخمس مائة.
يلقب مهذب الدولة، تولى الإشراف على ديوان العمائر.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 66"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 224"، ووقع عنده [الباوراي] بدل [الباذرائي].
(2)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 227".
5115 - الصائن
(1)
:
الشيخ الإمام العالم الفقيه المفتي المحدث، صائن الدين، أبو الحسين، هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله، الدمشقي الشافعي ابن عساكر، أخو الحافظ.
ولد سنة ثمان وثمانين وأربع مائة.
وتلا بالروايات على أبي الوحش سبيع صاحب الأهوازي، وعلى مصنف المقنع في القراءات أحمد بن خلف الأندلسي.
وسمع من النسيب وطبقته، ووجد له سماع من أبي الحسن بن أبي الجرو صاحب ابن السمسار، فلم يروه، وقال: لا أحقه.
وتفقه وبرع، ورحل فسمع من: أبي علي بن نبهان، وأبي علي بن المهدي، وعدة. وسمع "سنن الدارقطني" وكتبه.
وقرأ الأصول والنحو، وتقدم، وسمع الكثير، ودرس بالغزالية.
وحدث أيضًا بالطبقات لابن سعد.
وعرضت عليه خطابة دمشق، فامتنع، واجتهد به خاله القاضي أبو المعالي محمد بن يحيى القرشي أن ينوب عنه في الحكم، فأبى.
حدث عنه: أخوه، وابن أخيه القاسم، وابن أخيه زين الأمناء، وأبو القاسم بن صصرى، وسيف الدولة محمد بن غسان، ومكرم بن أبي الصقر، والمفتي فخر الدين بن عساكر، وجماعة.
مات في شعبان سنة ثلاث وستين وخمس مائة.
ولقد كتب بخطه من العلم شيئًا كثيرًا.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 311"، والنجوم الزاهرة "5/ 380".
5116 - عبد الخالق بن أسد
(1)
:
ابن ثابت، الفقيه الإمام المحدث المفتي، أبو محمد الدمشقي الحنفي الطرابلسي الأصل.
كان فقيهًا شافعيًا، ثم تحول حنفيًا، وتفقه على البلخي.
ورحل في الحديث، وصنف، وخرج، ودرس بالمعينية وبالصادرية، ووعظ الناس، وكان يلقب تاج الدين.
سمع جمال الإسلام علي بن المسلم، وعبد الكريم بن حمزة، وطاهر ابن سهل الإسفراييني، وعلي بن قبيس المالكي، ويحيى بن بطريق، ونصر الله المصيصي، وببغداد من قاضي المرستان، وأبي القاسم بن السمرقندي، وأحمد بن محمد الزوزني، وعبد الوهاب الأنماطي، وطبقهم، وبالكوفة أبا البركات عمر بن إبراهيم العلوي، وبهمذان هبة الله ابن أخت الطويل، وبأصبهان فاطمة بنت البغدادي، وعتيق بن أحمد الرويدشتي.
وصنف معجمًا لشيوخه.
حدث عنه: ابنه غالب، وسيف الدولة محمد بن غسان، وإسماعيل بن يداش السلار، وآخرون.
وعفرة أمهر في الحديث منه.
مات في المحرم سنة أربع وستين وخمس مائة.
وله شعر حسن، فمنه:
قلّ الحفاظ فذو العاهات محترم
…
والشّهم ذو الفضل يؤذى مع سلامته
كالقوس يحفظ عمدًا وهو ذو عوجٍ
…
وينبذ السّهم قصدًا لاستقامته
عاش نيفًا وستين سنة.
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1320"، ووقع عنده [عبد الخالق بن أسعد] بدل [ابن أسد] وهو تحريف، والنجوم الزاهرة "5/ 381"، وشذرات الذهب "4/ 212".
5117 - ابن النقور
(1)
:
الشيخ المحدث الثقة الخير، أبو بكر، عبد الله بن الشيخ أبي منصور محمد بن الشيخ الكبير أبي الحسين أحمد بن محمد بن عبد الله بن النقور البغدادي البزاز.
ولد سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة.
سمع: المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، وأبا الحسن علي بن محمد العلاف، وأحمد بن المظفر بن سوسن، والحسن بن محمد التككي، ووالده أبا منصور، وأبا القاسم بن بيان، وأبا البركات محمد بن عبد الله الوكيل، وأبا سعد الأسدي، وأبا القاسم علي بن الحسين الربعي، وهبة الله بن أحمد بن النرسي، وأبا محمد القاسم بن علي الحريري الأديب، وهبة الله بن أحمد الموصلي، وعدة.
حدث عنه: أبو سعد السمعاني، وعمر بن علي القرشي، وعمر العليمي، والحافظ عبد الغني، والشيخ الموفق، ومحمد بن عماد، وعبد العزيز بن باقا، والفخر محمد بن إبراهيم الإربلي، وعبد اللطيف بن يوسف، وخلق كثير.
قال عمر بن علي: طلب أبو بكر بنفسه، وقرأ وكتب، وكان من أهل الدين والصلاح، ومن التحري على درجة رفيعة، قل ما رأيت في شيوخنا أكثر تثبتًا منه.
قال ابن مشق: توفي عاشر شعبان سنة خمس وستين وخمس مائة.
5118 - ابن هلال
(2)
:
الشيخ الجليل العدل الأمين المسند، أبو المكارم، عبد الواحد بن محمد بن المسلم بن الحسن بن هلال، الأزدي الدمشقي.
سمعه أبوه حضورًا جزءًا من حديث خيثمة على الشيخ عبد الكريم الكفرطابي.
وسمع من الشريف النسيب، وأبي طاهر الحنائي، وأبي الحسن بن الموازيني.
وأجاز له الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وسهل بن بشر الإسفراييني، وعبد الله بن عبد الرزاق الكلاعي.
وكان مولده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وأربع مائة.
وتفرد ببعض مروياته وإجازاته عن نصر وغيره.
وكان عدلًا كبيرًا، متجملًا، حج غير مرة، ووقف، وتصدق، وكان ذا حظ من صلاة وتلاوة وصيام، وأثني عليه بهذا وبغيره، وحدث عنه: الحافظ أبو القاسم بن عساكر، وابنه، وابن أخيه زين الأمناء، وأبو القاسم ابن صصرى، والحافظ عبد الغني، والشيخ أبو عمر، وموفق الدين أخوه، والشهاب محمد بن خلف بن راجح، ومحمد بن غسان، وآخرون.
مات في عاشر جمادى الآخرة سنة خمس وستين وخمس مائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفي أولاده مشايخ ورواة ونبلاء.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 384"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 215".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 384".
5119 - الفارقي
(1)
:
زاهد العراق، أبو عبد الله، محمد بن عبد الملك بن عبد الحميد، نزيل بغداد.
كان يذكر بعد الصلاة بجامع القصر، يجلس على آجرتين، وكان يحضره العلماء والرؤساء، وله عبارة عذبة على لسان الفقر، وله حال وتأله ومجاهدات، وكان حسن النزه، مليح الوجه، له فصاحة وبيان.
حدث عن: جعفر السراج.
روى عنه: ابن سكينة.
وله كلام في المحبة والذوق، يتغالى فيه الفضلاء، ويكتبونه.
وكان فقيرًا متقللًا، لا يدخر شيئًا، لم يجئ بعد الشيخ عبد القادر مثل الفارقي.
وعاش سبعًا وسبعين سنة.
توفي في رجب سنة أربع وستين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 327"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 214".
5120 - فورجه
(1)
:
الشيخ الأمين المعمر، أبو القاسم، محمود بن عبد الكريم بن علي بن محمد بن إبراهيم، الأصبهاني التاجر، المعروف بفورجه.
سمع جزء لوين من أبي بكر محمد بن أحمد بن ماجة.
وسمع من: سليمان بن إبراهيم الحافظ، والرئيس أبي عبد الله الثقفي، ومحمد بن محمد بن عبد الوهاب المديني، ومن جده علي بن محمد، وخرجوا له فوائد.
حدث عنه: السمعاني، ويوسف بن أحمد الشيرازي، ويوسف العاقولي، وعلي بن نصر، وعبد السلام بن عبد الرحمن بن سكينة، وعبد العزيز بن الأخضر، وثابت بن مشرف، وعلي بن بورنداز، وعبد القادر بن عبد الله الرهاوي، ومحمد بن محمد بن محمد بن غانم، ومحمد بن محمود الرويدشتي، ومحمود بن محمد اللباد، ومعاوية بن محمود الخباز، وعدة، وبالإجازة: ابن اللتي، وعلم الدين علي بن الصابوني، وكريمة القرشية، وأختها صفية.
مات بأصبهان في صفر سنة خمس وستين وخمس مائة.
وبه ختم حديث لوين عاليًا.
وقال ابن غانم المذكور: مات في سابع ربيع الأول.
وفيها توفي المحدث أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي، وأبو بكر أحمد بن عبد الباقي بن البطي أخو أبي الفتح، وأحمد بن المبارك بن الشدنك الحريمي، وأبو بكر بن النقور، وأبو المكارم بن هلال الدمشقي، ومحمد بن بركة الصلحي الصوفي، وأبو المعالي محمد بن حمزة بن الموازيني أخو أحمد، ومحمد بن محمد بن السكن، وحجة الدين محمد بن أبي محمد بن ظفر ذو التصانيف بحماه، والمبارك بن علي بن عبد الباقي الخياط، روى بدمشق، وصاحب الموصل قطب الدين مودود بن زنكي، ويوسف بن مكي الحارثي إمام جامع دمشق.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 216".
5121 - أبو زرعة المقدسي
(1)
:
الشيخ العالم المسند الصدوق الخير أبو زرعة طاهر بن الحافظ محمد بن طاهر بن علي، الشيباني المقدسي، ثم الرازي، ثم الهمذاني.
ولد بالري سنة ثمانين وقيل: سنة إحدى وثمانين وأربع مائة.
وسمع من أبي منصور محمد بن الحسين المقومي، ومكي بن منصور الكرجي، ومحمد بن أحمد الكامخي بساوة، وعبدوس بن عبد الله بن عبدوس بهمذان، وأبي القاسم بن بيان ببغداد.
وحج مرات، وكان يقدم بغداد، ويحدث بها، وتفرد بالكتب والأجزاء.
وحدث بـ"سنن النسائي المجتبى" عن عبد الرحمن بن حمد الدوني، وسمع ببغداد أيضًا من أبي الحسن بن العلاف.
حدث عنه: السمعاني، وابن الجوزي، وأحمد بن صالح الجيلي، وأحمد بن طارق، والحافظ عبد الغني، وأبو محمد بن قدامة، وعبد العزيز بن الأخضر، والموفق عبد اللطيف، وأبو عبد الله بن الزبيدي، وأحمد بن البراج، وعبد العزيز بن أحمد بن باقا، والمهذب بن فنيدة، وعلي بن الجوزي، وأبو حفص السهروردي، والأنجب الحمامي، وأبو بكر بن بهروز، وأبو تمام بن أبي الفخار، وعبد اللطيف بن محمد القبيطي، وأبو بكر محمد بن سعيد بن الخازن، وآخرون.
قال عمر بن علي القرشي: بدأت بقراءة سنن ابن ماجة على أبي زرعة، قدم علينا حاجًا، وقال لنا: الكتاب سماعي من أبي منصور المقومي، وكان سماعي في نسخة عندي بخط أبي، وفيها سماع إسماعيل الكرماني، فطلبها مني، فدفعتها إليه من أكثر من ثلاثين سنة.
ثم قال القرشي: وتحققنا أن له إجازة المقومي، فقرئ الكتاب عليه إجازةً إن لم يكن سماعًا.
قلت: قد سمع من المقومي كتاب "فضائل القرآن" لأبي عبيد في شعبان سنة أربع وثمانين، فيكون سماعه لذلك حضورًا في الرابعة، وسمعنا من طريقه "مسند" الشافعي، و"المجتبى"، و"سنن" ابن ماجة، وأجزاء.
وقد سماه السمعاني في "الذيل" داود -فوهم وقيل: اسمه الفضل قال: وولد سنة ثمانين.
وقال ابن النجار: طوف بأبي زرعة طاهر أبوه، وسمعه
…
إلى أن قال: وكان تاجرًا لا يفهم شيئًا من العلم، وكان شيخًا صالحًا، حمل جميع كتب والده -وكانت كلها بخطه- إلى الحافظ أبي العلاء العطار، ووقفها، وسلمها إليه، فسمعت من يذكر أنها كانت في ثلاثين غرارة رأيت أكثرها في خزانة أبي العلاء، وقيل: إن أبا زرعة حج عشرين مرة.
وقال أبو عبد الله الدبيثي: توفي في ربيع الآخر سنة ست وستين وخمس مائة بهمذان. ثم قال: وما كان يعرف شيئًا.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 192 - 193"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 217".
5122 - ابن الخلال
(1)
:
الأديب البليغ، موفق الدين، أبو الحجاج، يوسف بن محمد بن الخلال المصري، كاتب السر للحافظ العبيدي ولمن بعده.
أسن وأضر، ولزم بيته، وله النظم والنثر.
قال القاضي الفاضل: ترددت إليه، ومثلت بين يديه، وتدربت، وكنت قد حفظت كتاب "الحماسة" فأمرني أن أحل أشعار الكتاب، ففعلت ذلك مرتين.
مات سنة ست وستين وخمس مائة.
5123 - يحيى بن ثابت
(2)
:
ابن بندار بن إبراهيم، الشيخ الجليل المسند العالم، أبو القاسم، الدينوري الأصل، البغدادي البقال الوكيل.
سمع أباه المقرئ أبا المعالي، وابن طلحة النعالي، وطراد بن محمد الزينبي، وجماعةً.
وحدث بـ"صحيح" الإسماعيلي، وبـ"الموطأ"، وأشياء عن أبيه.
حدث عنه: السمعاني، وعمر بن علي القرشي، وابن الجوزي، وابن قدامة، وعبد الغني الحافظ، والموفق عبد اللطيف، والفخر الإربلي، وأبو المنجا بن اللتي، وأبو حفص السهروردي، ومحمد بن عماد، وعبد العزيز بن باقا، وعبد اللطيف بن محمد بن القبيطي، وأبو الكرم محمد بن دلف، وعلي بن فائق، وآخرون.
وسماعه صحيح.
مات في خامس ربيع الأول سنة ست وستين وخمس مائة عن نيف وثمانين سنة.
وقد روى الحافظ أبو القاسم بن عساكر عنه بالإجازة والرشيد بن مسلمة.
وفيها مات الوزير الكبير أبو جعفر أحمد بن محمد بن البلدي قتله رئيس الرؤساء لما وزر، وأبو زرعة المقدسي، وعبد الرحيم بن أبي الوفاء الحاجي، وأبو عبد الله بن سعادة بشاطبة، والمستنجد بالله، والمحدث أبو بكر عبد الرحمن بن أحمد بن أبي ليلى الأنصاري المرسي.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 194" وحسن المحاضرة للسيوطي "2/ 232" وشذرات الذهب "4/ 219".
(2)
ترجمته في العبر "4/ 194"، وشذرات الذهب "4/ 218".
5124 - ابن هذيل
(1)
:
الشيخ الإمام المعمر، مقرئ العصر، أبو الحسن، علي بن محمد ابن علي بن هذيل البلنسي.
ولد سنة إحدى وسبعين وأربع مائة.
وأكثر عن زوج أمه أبي داود سليمان بن نجاح وتلا عليه بالسبع، وسمع منه الكتب، وهو أثبت الناس فيه، وصارت إليه أصول أبي داود.
وسمع "صحيح" البخاري من أبي محمد الركلي، و"صحيح مسلم" بن طارق بن يعيش، و"سنن أبي داود" منه، وأجاز له أبو الحسين بن البياز، وخازم بن محمد.
قال الأبار: كان منقطع القرين في الفضل والزهد والورع مع العدالة والتقلل من الدنيا، صوامًا قوامًا، كثير الصدقة، طويل الاحتمال على ملازمة الطلبة له ليلًا ونهارًا، انتهت إليه رئاسة الإقراء لعلوه وإمامته في التجويد والإتقان، وحدث عن جلة لا يحصون، وكانت له ضيعة.
قلت: تلا عليه ابن فيره الشاطبي، ومحمد بن سعيد المرادي، وأبو جعفر الحصار، وابن نوح الغافقي، والحسين بن رلال، وعدة.
وروى عنه: الحسن بن عبد العزيز التجيبي، وسبطته زينب بنت محمد، وتوفيا سنة خمس وثلاثين.
توفي في رجب سنة أربع وستين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 187 - 188"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 382"، وشذرات الذهب "4/ 213".
5125 - ابن سعادة
(1)
:
الإمام العلامة، شيخ الأندلس، أبو عبد الله، محمد بن يوسف بن سعادة المرسي، مولى سعيد بن نصر، نزيل شاطبة.
لازم أبا علي الصدفي، وصاهره، وصارت إليه أكثر أصوله.
وتفقه على أبي محمد بن جعفر.
وارتحل، فسمع ابن عباسة، وأبا بحر بن العاص، وبالثغر أبا الحجاج الميورقي، وبالمهدية أبا عبد الله المازري، فسمع منه المعلم، وبمكة من رزين العبدري، وابن الغزال صاحب كريمة.
قال الأبار: عارف بالآثار، مشارك في التفسير، حافظ للفروع، بصير باللغة، متصوف، ذو حظ من علم الكلام، فصيح مفوه، مع الوقار والحلم والخشوع والصوم، ولي خطابة مرسية، ثم قضاء شاطبة، وأقرأ، سمع منه أبو الحسن بن هذيل وهو أكبر منه، وصنف كتاب شجرة الوهم المترقية إلى ذروة الفهم لم يسبق إلى مثله، حدثنا عنه أكابر شيوخنا، مات في أول سنة ست وستين وخمس مائة وله سبعون عامًا.
5126 - الجياني
(2)
:
العلامة أبو بكر، محمد بن علي بن عبد الله بن ياسر، الأنصاري الجياني.
ولد بالأندلس بجيان في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة.
وأكثر الترحال إلى القيروان ومصر والحجاز والشام والعراق وخراسان وما وراء النهر،
(1)
ترجمته في العبر "4/ 193"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 218".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 380"، وشذرات الذهب "4/ 210".
وتفقه ببخارى، ومهر في الخلاف والجدل، ثم طلب الحديث، وتقدم فيه، وسكن بلخ، وكتب الكثير، ثم قدم بغداد، وحدث بها، وحج، ثم استوطن حلب، ووقف بجامعها كتبه.
قال ابن النجار: كان صدوقًا متدينًا، سمع ابن الحصين، وأبا منصور محمد بن علي المروزي الكراعي، وأبا عمرو عثمان بن محمد بن الشريك البلخي، ومحمد بن الفضل الفراوي، وسهل بن إبراهيم المسجدي النيسابوري، وجمال الإسلام علي بن المسلم.
وعنه: أبو الفتح بن الحصري، وأبو المظفر بن السمعاني، والقاضي أبو المحاسن بن شداد، وأبو محمد بن علوان، وأبو حفص عمر بن قشام، وآخرون.
قال ابن النجار: قرأت بخطه قال: كنت مشتغلًا بالجدل والخلاف مجدًا في ذلك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فوقف على رأسي، وقال لي: قم يا أبا بكر. فلما قمت، تناول يدي، فصافحني، ثم ولى، وقال لي: تعال خلفي، فتبعته نحوًا من عشر خطوات، وانتهيت، فأتيت أبا طالب إبراهيم بن هبة الله الدياري الزاهد، وكنت لا أمضي أمرًا دونه، فقصصت عليه، فقال لي: يريد منك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تترك الخلاف، وتشتغل بحديثه، إذ قد أمرك باتباعه، فتركت الخلاف، وكان أحب إلي من الحديث، وأقبلت على الحديث.
قال ابن الحصري: أبو بكر الجياني حافظ عالم بالحديث، وفيه فضل، ذكر بعض الحلبيين أن الجياني مات في ليلة السبت سابع ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وخمس مائة.
وقال أبو المواهب بن صصرى: مات بحلب في جمادى الأولى وقد بلغ السبعين.
قال محمود بن أرسلان في "تاريخ خوارزم": حدثني محمد بن ياسر، حدثنا محمد بن معتصم ببلخ، حدثنا محمد بن عبد الواحد الدقاق، أخبرنا محمد بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن علي المقرئ، أخبرنا محمد بن إسحاق بن مندة، أخبرنا محمد بن حمزة ومحمد بن عمرو الرزاز قالا: حدثنا محمد بن عيسى بن حيان، حدثنا محمد بن الفضل، أخبرنا محمد بن واسع، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا:"تحرم النار على كل هين لين قريب سهل"
(1)
.
هذا مسلسل بالمحمدين.
(1)
صحيح بشواهده: أخرجه أحمد "1/ 415"، والترمذي "2488"، وأبو يعلى "5053"، والخرائطي في "مكارم الأخلاق""ص 11 و 23"، وابن حبان "469" و"470"، والطبراني في "الكبير""10562"، والبغوي في "شرح السنة""3505" من طريق موسى بن عقبة، عن عبد الله بن عمرو الأودي، عن ابن مسعود، به مرفوعا. =
5127 - الرحبي
(1)
:
الشيخ أبو علي، أحمد بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن الرحبي، بواب الحريم.
سمع النعالي، وعلي بن أحمد بن الخل، وابن خشيش.
وكان لا بأس به.
وعنه: ابن الأخضر، وعبد الغني، والموفق، وعبد العزيز بن دلف، وواثلة بن بقاء، وعدة.
مات في صفر سنة سبع وستين وخمس مائة وله خمس وثمانون سنة.
5128 - البطليوسي
(2)
:
العلامة، أبو علي الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر، الأنصاري الأندلسي البطليوسي، ويعرف بابن الفراء.
سمع بالثغر من أبي بكر الطرطوشي وغيره، ومدها إلى خراسان، فأخذ عن أبي
= قلت: إسناده ضعيف، آفته عبد الله بن عمرو الأودي، مجهول، لم يرو عنه غير موسى بن عقبة، ولم يوثقه إلا ابن حبان كعادته في توثيق المجاهيل والمجروحين، وأخرجه أبو يعلى "5060" من طريق إسماعيل بن جعفر قال وأخبرني عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن رجل من بني عبد الله بن مسعود، عن ابن مسعود به مرفوعا.
قلت: إسناده ضعيف أيضا لإبهام الرجل من بني ابن مسعود، وللحديث شواهد يصح بها:
منها عن معيقيب: عند الخرائطي في "مكارم الأخلاق""ص 23"، والطبراني في "الأوسط" كما ذكر الهيثمي "4/ 75" في "المجمع" وقال: وفيه من لا يعرف.
وعن أنس: عن الطبراني في "الأوسط" كما ذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد""4/ 75" وقال: وفيه الحارث بن عبيدة وهو ضعيف، ويشهد له حديث العرباض بن سارية الطويل:" .... فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد" وهو عند أحمد "4/ 126"، وهو حديث صحيح.
وقوله: هين: أي سهل. ويريد بذلك حسن الخلق.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 66"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 220" ووقع عنده [الحريمي] بدل [الرحبي].
(2)
ترجمته في اللباب لابن الأثير "1/ 160"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "12/ 145".
نصر عبد الرحيم بن القشيري، وسهل بن إبراهيم السبعي، ومحمد بن الفضل الفراوي، وطائفة، والأديب أحمد بن محمد الميداني.
وحدث ببغداد وبالشام، وجمع وصنف، وكان ذا تعبد وخشية وخوف، وحدث بـ"صحيح مسلم" ببغداد في سنة 566.
روى عنه: القاضي عمر بن علي القرشي، وابنه عبد الله بن عمر، والموفق عبد اللطيف، ومحمد بن إسماعيل بن أبي الصيف، والفخر الإربلي، والقاضي أبو نصر بن الشيرازي.
وذكره أبو المواهب بن صصرى.
مات بحلب في سنة ثمان وستين وخمس مائة وقد بلغ الثمانين.
وقد وهم السمعاني، وذكر وفاته سنة ثمان أو تسع وأربعين.
ومات معه في سنة ثمان أبو الفضل أحمد بن محمد بن شنيف الدارقزي شيخ القراء وبقية أصحاب ابن سوار، وخوارزم شاه أرسلان ابن أتسز، والأمير نجم الدين أيوب والد السلاطين، وأبو منصور جعفر بن عبد الله بن محمد بن الدامغاني، وملك النحاة أو نزار الحسن بن صافي البغدادي بدمشق، وشيخ المالكية أبو طالب صالح بن إسماعيل بن سند الإسكندراني بن بنت معافى، والعدل أبو الحسن علي بن المبارك بن نغوبا الواسطي، وأبو جعفر محمد بن الحسن بن حسين الصيدلاني الأصبهاني تفرد بإجازة بيبى، وكلار، وصاحب تاريخ خوارزم أبو محمد محمود بن محمد بن عباس الخوارزمي الشافعي، وأبو الفتح مسعود بن محمد بن سعيد المروزي المسعودي خطيب مرو.
5129 - ابن بندار
(1)
:
شيخ الشافعية، أبو المحاسن، يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي، نزيل بغداد.
روى عنه: هبة الله بن البخاري، وإسماعيل بن المؤذن.
وعنه: ابنه قاضي مصر زين الدين علي، وأبو الخير الجيلاني.
برع في الفقه والأصول والخلاف والجدل، ودرس بالنظامية، ونفذ رسولًا عن الخلافة، فمات بخوزستان في شوال سنة ثلاث وستين وخمس مائة.
قال ابن عساكر: انتهت إليه رئاسة أصحاب الشافعي، وعمل الوعظ، ولم يكن فيه بذاك، واسم أبيه رمضان من أهل مراغة، ولد له يوسف بدمشق. قال: فسافر يوسف، وتفقه بأسعد الميهني، وأعاد له، وكان حسن المناظرة، صلب الاعتقاد.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 321"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 380".
5130 - شاور
(1)
:
وزير الديار المصرية، الملك، أبو شجاع، شاور بن مجير السعدي الهوازني.
كان الصالح بن رزيك قد ولاه الصعيد.
وكان شهمًا شجاعًا فارسًا سائسًا.
ولما قتل الصالح، ثار شاور، وحشد، وجمع، أقبل على واحات يخترق البر حتى خرج عند تروجه، وقصد القاهرة، فدخلها، وقتل العادل رزيك بن الصالح، واستقل بالأمر، ثم تزلزل أمره، فسار إلى نور الدين صاحب الشام، فأمده بأسد الدين بن شيركوه، فثبته في منصبه، فتلاءم على شيركوه ولم يف له، وعمل قبائح، واستنجد بالفرنج، وكادوا أن يملكوا مصر، وجرت أمور عجيبة، ثم استظهر شيركوه، وتمرض، فعاده شاور، فشد عليه جرديك النوري، فقتله في ربيع الآخر سنة أربع وستين، وقيل، بل قتله صلاح الدين لا جرديك.
قال إمام مسجد الزبير إبراهيم بن إسماعيل الهاشمي: تملك شاور البلاد، ولم شعث القصر، وأدر الأرزاق الكثيرة على أهل القصر، وكان قد نقصهم الصالح أشياء كثيرة، وتجبر وظلم أعني شاور فخرج عليه الأمير ضرغام وأمراء، وتهيؤوا لحربه، ففر إلى الشام، وقتل ولده طي في رمضان سنة ثمان وخمسين، واختبط الناس، وأقبلت الروم إلى الحوف، فحاصروا بلبيس، وجرت وقعة كبرى قتل فيها خلق، ورد العدو إلى الشام، فأتى شاور، فاجتمع بنور الدين، فأكرمه، ووعده بالنصرة، وقال شاور له: أنا أملكك مصر، فجهز معه شيركوه بعد عهود وأيمان، فالتقى شيركوه هو وعسكر ضرغام، فانكسر المصريون، وحوصر ضرغام بالقاهرة، وتفلل جمعه، فهرب، فأدرك وقتل عند جامع بن طولون، وطيف برأسه، ودخل شاور، فعاتبه العاضد على ما فعل من تطريق الترك إلى مصر، فضمن له أن يصرفهم، فخلع عليه، فكتب إلى الروم يستنفرهم ويمنيهم، فأسقط في يد شيركوه، وحاصر
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 285"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 382"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 212".
القاهرة، فدهمته الروم، فسبق إلى بلبيس، فنزلها، فحاصره العدو بها شهرين، وجرت له معهم وقعات، ثم فتروا، وترحلوا، وبقي خلق من الروم يتقوى بهم شاور، وقرر لهم مالًا، ثم فارقوه.
وبالغ شاور في العسف والمصادرة، وتمنوا أن يلي شيركوه عليهم، فسار إليهم ثانيًا من الشام، فاستصرخ شاور لا سلمه الله بملك الفرنج مري، فبادر في جمع عظيم، فعبر شيركوه إلى ناحية الصعيد، ثم نزل بأرض الجيزة، ونزلت الفرنج بإزائه في الفسطاط، وقرر شاور للفرنج أربع مائة ألف دينار وإقامات، ثم ترحل شيركوه إلى نحو الصعيد، فتبعه شاور والفرنج، ونهب للفرنج أشياء كثيرة، ورجعوا مغلولين، فنزلوا بالجيزة، فرد شيركوه، وقدم الإسكندرية، وتبعته الفرنج، ففتح أهل الثغر لشيركوه، وفرحوا به، فاستخلف بها ابن أخيه صلاح الدين، وكر إلى الفيوم، ونهب جنده القرى، وظلموا، وذهب هو فصادر أهل الصعيد، وبالغ، وحاصر شاور والروم الإسكندرية وبها صلاح الدين، واشتد القتال، ثم قدم شيركوه مصر، وترددت الرسل في الصلح، ورجعت الروم إلى بلادهم، ثم أقبل الطاغية مري في جيوشه، وغدر، وخندق شاور على مصر، وعظم الخطب، واستباحت الروم بلبيس قتلًا وسبيًا، وهرب المصريون على الصعب والذلول، وأحرقت دور مصر، وتهتكت الأستار، وعم الدمار، ودام البلاء أشهرًا يحاصرهم الطاغية، فطلبوا المهادنة، فاشترط الكلب شروطًا لا تطاق، فأجمع رأي العاضد وأهل القصر على الاستصراخ بنور الدين، فكر شيركوه في جيشه، فتقهقر العدو إلى الساحل وفي أيديهم اثنا عشر ألف أسير، وقدم شيركوه، فما وسع شاور إلَّا الخروج إليه متنصلًا معتذرًا، فصفح عنه، وقبل عذره، وبرزت الخلع لشيركوه وشاور وفي النفوس ما فيها، وتحرز هذا من هذا، إلى أن وقع لشاور أن يعمل دعوةً لشيركوه، وركب إليه، فأحس شيركوه بالمكيدة، فعبى جنده، وأخذ شاور أسيرًا، وانهزم عسكره، ثم قتل، وأسر أولاده وأعوانه، وعذبوا، ثم ضربت أعناقهم، وتمكن شيركوه ثمانيةً وخمسين يومًا، ثم مات بالخوانيق، وقيل: بل سمه العاضد في منديل الحنك الذي للخلعة.
5131 - محمد بن عبد الله
(1)
:
ابن محمد بن خليل، الفقيه المعمر، أبو عبد الله القيسي اللبلي المالكي، صاحب مالك بن وهيب.
يروي عن: محمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني الحافظ، وخازم بن محمد، وأبي الحسين بن سراج، وأبي علي بن سكرة، وطائفة.
قال الأبار: كان من أهل الدراية والرواية، نزل فاس، ثم مراكش، أخذ عنه شيخنا أبو عبد الله الأندرشي، وأبو عبد الله بن عبد الحق قاضي تلمسان، وسمع من الغساني صحيح مسلم، وتوفي سنة سبعين وخمس مائة.
وقال ابن الزبير: سمع منه يعيش بن القديم، وآخر من حمل عنه شيخنا إسحاق بن عامر الطوسي بفتح الطاء الكاتب.
وقال ابن الزبير في مكان آخر: أخبرنا بـ"الموطأ" إسحاق الطوسي، أنبأنا ابن خليل، أخبرنا ابن الطلاع.
قلت: صرح ابن الزبير أن روايته للموطأ عن الطوسي مناولة، وأن رواية القيسي عن الطلاعي إجازة إن لم يكن سماعًا.
5132 - ابن قزمان
(2)
:
الإمام الفقيه، أبو مروان، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن قزمان القرطبي.
ولد سنة تسع وسبعين وأربع مائة.
وسمع من: محمد بن فرج الطلاعي، والحافظ أبي علي الغساني، وأبي الحسن العبسي.
وتفقه بأبي الوليد بن رشد.
روى عنه: أبو الخطاب أحمد بن محمد بن واجب البلنسي، وإبراهيم بن علي الخولاني، ومحمد بن أحمد بن اليتيم.
قال ابن بشكوال: كان من كبار العلماء، وجلة الفقهاء، مقدمًا في الأدباء، توفي في مستهل ذي القعدة سنة أربع وستين وخمس مائة.
5133 - عليم:
ابن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبيد الله، الإمام الحافظ، أبو محمد القرشي العدوي العمري الأندلسي، ويكنى أيضًا بأبي الحسن.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 75"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 238" ووقع عنده [الليلي] بالياء التحتية بدل [البلى] الموحدة التحتية.
(2)
ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ ترجمة 757"، وتبصير المنتبه "3/ 1127".
مولده بشاطبة في سنة تسع وخمس مائة.
وسمع أبا عبد الله بن مغاور، وأبا جعفر بن جحدر، وأبا عبد الله بن غلام الفرس الداني، وأبا إسحاق بن جماعة، وأبا القاسم بن ورد، وعدة.
قال الأبار: كان أحد العلماء الزهاد، أقرأ القرآن والفقه، وكان صاحب فنون، كثير المحفوظ جدًا لا سيما "الموطأ" و"الصحيحين"، وكان يقول: ما حفظت شيئًا فنسيته، وكان ميالًا إلى السنن والآثار وعلوم القرآن، مع حظ من علم النحو والشعر والميل إلى الزهد، مع الورع والتواضع، وكان معظمًا في النفوس، كثير التواضع والمحاسن.
توفي ببلنسية في ذي القعدة سنة أربع وستين وخمس مائة رحمه الله.
5134 - الزكي
(1)
:
قاضي دمشق، الإمام زكي الدين، أبو الحسن، علي بن القاضي المنتجب أبي المعالي محمد بن القاضي الزكي يحيى بن علي، القرشي الشافعي.
فقيه دين خير، عالم، محمود الأحكام، استعفى من الحكم، فأعفي، وحج من طريق العراق، ورجع فأقام ببغداد سنةً، وتوفي. سمع من عبد الكريم بن حمزة وجماعة.
سمع منه أبو محمد بن الخشاب، وأبو طالب بن عبد السميع، وابن الأخضر.
مولده سنة سبع وخمس مائة.
ومات في شوال سنة أربع وستين وخمس مائة، رحمه الله.
5135 - ابن قرقول
(2)
:
الإمام العلامة، أبو إسحاق، إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن باديس بن القائد، الحمزي الوهراني، المعروف بابن قرقول، من قرية حمزة من عمل بجاية.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 236"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 382"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 213" ووقع في النجوم الزاهرة [المنتخب] بالخاء الموحدة الفوقية، بدل [المنتجب] الموحدة التحتية.
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 19"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 231". ووقع عنده [الجمري] بالجيم الموحدة التحتية الراء المهملة وهو تصحيف، والصواب [الحمزي] بالحاء المهملة، وهي نسبة إلى [حمزة] بالحاء والزاي المعجمة، وهي مدينة بالمغرب.
مولده بالمرية؛ إحدى مدائن الأندلس.
سمع من جده لأمه أبي القاسم بن ورد، ومن أبي الحسن بن نافع، وروى عنهما، وعن أبي الحسن بن اللواز، وأبي العباس بن العريف الزاهد، وأبي عبد الله بن الحاج الشهيد.
وحمل عن أبي إسحاق الخفاجي "ديوانه".
وكان رحالًا في العلم نقالًا فقيهًا، نظارًا أديبًا نحويًا، عارفًا بالحديث ورجاله، بديع الكتابة.
روى عنه عدة، منهم يوسف بن محمد بن الشيخ، وعبد العزيز بن علي السماتي.
وكان من أوعية العلم، له كتاب "المطالع على الصحيح" غزير الفوائد.
انتقل من مالقة إلى سبتة، ثم إلى سلا، ثم إلى فاس، وتصدر للإفادة.
وكان رفيقًا لأبي زيد السهيلي وصديقًا له، فلما فارقه وتحول إلى مدينة سلا، نظم فيه أبو زيد أبياتًا، وبعث بها إليه، وهي:
سلا عن سلا إنّ المعارف والنّهى
…
بها ودّعا أمّ الرّباب ومأسلا
بكيت أسىً أيام كان بسبتةٍ
…
فكيف التأسّي حين منزله سلا
وقال أناسٌ إنّ في البعد سلوةً
…
وقد طال هذا البعد والقلب ما سلا
فليت أبا إسحاق إذ شطّت النّوى
…
تحيّته الحسنى مع الريح أرسلا
فعادت دبور الرّيح عندي كالصّبا
…
بذي غمرٍ إذ أمر زيدٍ تبسّلا
فقد كان يهديني الحديث موصّلًا
…
فأصبح موصول الأحاديث مرسلا
وقد كان يحيي العلم والذّكر عندنا
…
أوان دنا فالآن بالنأي كسّلا
فللّه أُمٌّ بالمريّة أنجبت
…
به وأبٌ ماذا من الخير أنسلا
توفي ابن قرقول في شعبان سنة تسع وستين وخمس مائة وله أربع وستون سنة.
5136 - مودود
(1)
:
السلطان صاحب الموصل، قطب الدين، مودود بن الأتابك زنكي بن آقسنقر، التركي الأعرج.
تملك بعد أخيه غازي، وكان لا بأس بسيرته، وهو الذي نكب وزيرهم الجواد، وكان ينوب في مملكته زين الدين علي صاحب إربل.
وكانت أيامه اثنتين وعشرين سنة.
توفي في شوال سنة خمس وستين وخمس مائة.
وخلف أولادًا منهم السلطان عز الدين مسعود، والسلطان سيف الدين غازي الذي تملك بعد أبيه، وهو أخو صاحب الشام نور الدين.
5137 - ابن ظفر
(2)
:
العلامة البارع، حجة الدين، أبو عبد الله، محمد بن أبي محمد بن محمد بن ظفر الصقلي، صاحب كتاب "خير البشر"، وكتاب "سلوان المطاع في عدوان الأتباع"، وكتاب "شرح المقامات".
وكان قصيرًا لطيف الشكل، وله نظم وفضائل.
سكن حماة، ونشأ بمكة، وأكثر الأسفار.
وكان فقيرًا أخذ بنته زوجها، فباعها في بعض البلاد.
مات سنة خمس وستين وخمس مائة بحماة.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 744"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 383" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 216".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 662"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "1/ 141 - 142".
5138 - ابن الخشاب
(1)
:
الشيخ الإمام العلامة المحدث، إمام النحو، أبو محمد، عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر، البغدادي ابن الخشاب، من يضرب به المثل في العربية، حتى قيل: إنه بلغ رتبة أبي علي الفارسي.
ولد سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة.
وسمع من: أبي القاسم علي بن الحسين الربعي، وأبي النرسي، ويحيى بن عبد الوهاب بن مندة، وأبي عبد الله البارع، وأبي غالب البناء، وهبة الله بن الحصين، وعدة.
وقرأ كثيرًا، وحصل الأصول.
وأخذ الأدب عن أبي علي بن المحول شيخ اللغة، وأبي السعادات بن الشجري، وعلي بن أبي زيد الفصيحي، وأبي منصور موهوب بن الجواليقي، وأبي بكر بن جوامرد النحوي.
وفاق أهل زمانه في علم اللسان، وكتب بخطه المليح المضبوط شيئًا كثيرًا، وبالغ في السماع حتى قرأ على أقرانه، وحصل من الكتب شيئًا لا يوصف، وتخرج به في النحو خلق.
حدث عنه: السمعاني، وأبو اليمن الكندي، والحافظ عبد الغني، والشيخ الموفق، وأبو البقاء العكبري، ومحمد بن عماد، وفخر الدين بن تيمية، ومنصور بن أحمد بن المعوج.
قال السمعاني: هو شاب كامل فاضل، له معرفة تامة بالأدب واللغة والنحو والحديث، يقرأ الحديث قراءةً حسنةً صحيحةً سريعةً مفهومةً، سمع الكثير، وحصل الأصول من أي وجه، كان يضن بها، سمعت بقراءته كثيرًا، وكان يديم القراءة طول النهار من غير فتور، سمعت أبا شجاع البسطامي يقول: قرأ علي بن الخشاب "غريب الحديث" لأبي محمد القتبي قراءةً ما سمعت قبلها مثلها في الصحة والسرعة، وحضر جماعة من الفضلاء، فكانوا يريدون أن يأخذوا عليه فلتة لسان، فما قدروا.
وقال ابن النجار: أخذ ابن الخشاب الحساب والهندسة عن أبي بكر قاضي المرستان، وأخذ الفرائض عن أبي بكر المزرفي، وكان ثقةً، ولم يكن في دينه بذاك، وقرأت بخط الشيخ الموفق: كان ابن الخشاب إمام أهل عصره في علم العربية، حضرت كثيرًا من مجالسه، ولم أتمكن من الإكثار عنه لكثرة الزحام عليه، وكان حسن الكلام في السنة وشرحها.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 337"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 350"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 65"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 220 - 222".
قال ابن الأخضر: كنت عنده وعنده جماعة من الحنابلة، فسأله مكي الغراد: هل عندك كتاب "الجبال"? فقال: يا أبله! ما تراهم حولي?.
وقيل: إنه سئل: أيمد القفا أو يقصر? فقال: يمد، ثم يقصر. وكان مزاحًا.
وقيل: عرض اثنان عليه شعرًا لهما، فسمع للأول، ثم قال: أنت أردأ شعرًا منه. قال: كيف تقول هذا ولم تسمع قول الآخر?! قال: لأن هذا لا يكون أردأ منه.
وقال لرجل: ما بك? قال: فؤادي. قال: لو لم تهمزه لم يوجعك.
قال حمزة بن القبيطي: كان ابن الخشاب يتعمم بالعمامة، وتبقى مدةً حتى تسود وتتقطع من الوسخ وعليها ذرق العصافير.
وقال ابن الأخضر: ما تزوج ابن الخشاب ولا تسرى، وكان قذرًا يستقي بجرة مكسورة، عدناه في مرضه، فوجدناه بأسوء حال، فنقله القاضي أبو القاسم بن الفراء إلى داره، وألبسه ثوبًا نظيفًا، وأحضر الأشربة والماورد، فأشهدنا بوقف كتبه، فتفرقت، وباع أكثرها أولاد العطار حتى بقي عشرها، فترك برباط المأمونية.
قال ابن النجار: كان بخيلًا متبذلًا، يلعب بالشطرنج على الطريق، ويقف على المشعوذ، ويمزح، ألف في الرد على الحريري في "مقاماته"، وشرح "اللمع"، وصنف في الرد على أبي زكريا التبريزي.
وقال القفطي: عبارته أجود من قلمه، وكان ضيق العطن، ما كمل تصنيفًا.
قال ابن النجار: سمعت المبارك بن المبارك النحوي يقول: كان ابن الخشاب إذا نودي على كتاب، أخذه وطالعه، وغل ورقه، ثم يقول: هو مقطوع، فيشتريه برخص.
قلت: لعله تاب، فقد قال عبد الله بن أبي الفرج الجبائي، رأيت ابن الخشاب وعليه ثياب بيض، وعلى وجهه نور، فقلت: ما فعل الله بك? قال: غفر لي، ودخلت الجنة، إلَّا أن الله أعرض عني وعن كثير من العلماء ممن لا يعمل.
مات في ثالث رمضان سنة سبع وستين وخمس مائة.
أخبرنا ابن الفراء، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا أبو محمد بن الخشاب
…
فذكر حديثًا.
5139 - الصيدلاني
(1)
:
الشيخ الجليل العالم المحدث، مسند أصبهان، أبو المطهر، القاسم ابن الفضل بن عبد الواحد بن الفضل، الأصبهاني الصيدلاني.
ولد سنة نيف وسبعين وأربع مائة.
وسمع من: رزق الله التميمي، والرئيس أبي عبد الله الثقفي، ومكي بن منصور الكرجي، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وجده لأمه أبي منصور محمد بن علي بن عبد الرزاق، وجماعة كثيرة.
حدث عنه: أحمد بن محمد الجنزي ثم الأصبهاني بمسند الشافعي، والحافظ عبد القادر الرهاوي، وأبو نزار ربيعة بن الحسن اليمني، ومحمد بن مسعود بن أبي الفتح المديني، ومحمد بن أبي سعيد بن طاهر، ومعاوية بن محمد بن الفضل، وآخرون، ومن القدماء: أبو سعد السمعاني، وروى عنه بالإجازة: الشيخ موفق الدين المقدسي وكريمة بنت الحبقبق، وعجيبة.
قال السمعاني: كان متميزًا، حريصًا على طلب الحديث، مليح الخط، سمع وبالغ.
قلت: وسمع ولده المعمر عبد الواحد بن أبي المطهر الكثير.
توفي في نصف جمادى الأولى سنة سبع وستين وخمس مائة وله نيف وتسعون سنة.
وفيها توفي أبو علي أحمد بن محمد بن الرحبي، وابن الخشاب، وعبد الله بن منصور بن الموصلي، والعاضد بمصر، وأبو الحسن بن النعمة المربي ببلنسية، وأبو المظفر محمد بن أسعد بن الحليم العراقي، وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن الفرس الغرناطي، وأبو عبد الله محمد بن علي بن الرمامة قاضي فاس، وأبو المكارم المبارك بن محمد الباذرائي، والشاعر المجيد أبو الفتوح نصر الله بن قلاقس الإسكندراني، ووجيه بن هبة الله السقطي، وأبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام القرطبي المقرئ.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 66"، وشذرات لابن العماد "4/ 223".
5140 - الصيدلاني
(1)
:
الشيخ الجليل المعمر، مسند وقته، أبو جعفر، محمد بن الحسن بن الحسين الأصبهاني الصيدلاني.
أجاز له في سنة أربع وسبعين وأربع مائة عبد الرحمن بن محمد بن عفيف البوشنجي كلار، وبيبى بنت عبد الصمد الهرثمية، وشيخ الإسلام عبد الله بن محمد الأنصاري، والزاهد محمد بن علي العميري، ونجيب بن ميمون الواسطي.
وسمع في سنة أربع وثمانين من سليمان بن إبراهيم الحافظ، ورزق الله التميمي، والرئيس الثقفي، وأبي نصر أحمد بن سمير، ومحمد بن علي بن محمد بن فضلويه، ومحمد بن علي السكري، وثلاثتهم سمعوا من أبي عبد الله الجرجاني، وسمع من عمر بن أحمد السمسار، ومكي الكرجي، ومحمد بن محمد بن عبد الوهاب المديني.
خرج له أحمد بن عمر النايني جزءًا سماه "لآلي القلائد".
حدث عنه: عبد العظيم بن عبد اللطيف الشرابي، والحافظ عبد القادر الرهاوي، وعبد الكريم بن محمد المؤدب، والعماد أحمد بن أحمد بن أميركا الباقي إلى بعد سنة ثلاثين وست مائة.
وأجاز أبو جعفر للعلم ابن الصابوني، وكريمة الميطورية، وعجيبة الباقدارية.
مات في السادس والعشرين من ذي القعدة سنة ثمان وستين وخمس مائة.
وانتهى إليه علو الإسناد.
5141 - نور الدين
(2)
:
صاحب الشام، الملك العادل، نور الدين، ناصر أمير المؤمنين، تقي الملوك، ليث الإسلام، أبو القاسم، محمود بن الأتابك قسيم الدولة أبي سعيد زنكي بن الأمير الكبير آقسنقر، التركي السلطاني الملكشاهي.
مولده في شوال سنة إحدى عشرة وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 69"، وشذرات الذهب "4/ 228".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 348"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 715"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 71"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 228 - 231".
ولي جده نيابة حلب للسلطان ملكشاه بن ألب آرسلان السلجوقي.
ونشأ قسيم الدولة بالعراق، وندبه السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه بإشارة المسترشد لإمرة الموصل وديار بكر والبلاد الشامية، وظهرت شهامته وهيبته وشجاعته، ونازل دمشق، واتسعت ممالكه، فقتل على حصار جعبر سنة إحدى وأربعين، فتملك ابنه نور الدين هذا حلب، وابنه الآخر الموصل.
وكان نور الدين حامل رايتي العدل والجهاد، قل أن ترى العيون مثله، حاصر دمشق، ثم تملكها، وبقي بها عشرين سنة.
افتتح أولًا حصونًا كثيرة، وفامية، والراوندان، وقلعة إلبيرة، وعزاز، وتل باشر، ومرعش، وعين تاب، وهزم البرنس صاحب أنطاكية، وقتله في ثلاثة آلاف من الفرنج، وأظهر السنة بحلب وقمع الرافضة.
وبنى المدارس بحلب وحمص ودمشق وبعلبك والجوامع والمساجد، وسلمت إليه دمشق للغلاء والخوف، فحصنها، ووسع أسواقها، وأنشأ المارستان ودار الحديث والمدارس ومساجد عدة، وأبطل المكوس من دار بطيخ وسوق الغنم والكيالة وضمان النهر والخمر، ثم أخذ من العدو بانياس والمنيطرة، وكسر الفرنج مرات، ودوخهم، وأذلهم.
وكان بطلًا شجاعًا، وافر الهيبة، حسن الرمي، مليح الشكل، ذا تعبد وخوف وورع، وكان يتعرض للشهادة، سمع كاتبه أبو اليسر يسأل الله أن يحشره من بطون السباع وحواصل الطير.
وبنى دار العدل، وأنصف الرعية، ووقف على الضعفاء والأيتام والمجاورين، وأمر بتكميل سور المدينة النبوية، واستخراج العين بأحد دفنها السيل، وفتح درب الحجاز، وعمر الخوانق والربط والجسور والخانات بدمشق وغيرها. وكذا فعل إذ ملك حران وسنجار والرها والرقة ومنبج وشيزر وحمص وحماة وصرخد وبعلبك وتدمر. ووقف كتبًا كثيرة مثمنة، وكسر الفرنج والأرمن على حارم وكانوا ثلاثين ألفًا، فقل من نجا، وعلى بانياس.
وكانت الفرنج قد استضرت على دمشق، وجعلوا عليها قطيعةً، وأتاه أمير الجيوش شاور مستجيرًا به، فأكرمه، وبعث معه جيشًا ليرد إلى منصبه، فانتصر، لكنه تخابث وتلاءم، ثم استنجد بالفرنج، ثم جهز نور الدين رحمه الله جيشًا لجبًا مع نائبه أسد الدين شيركوه، فافتتح مصر، وقهر دولتها الرافضية، وهربت منه الفرنج، وقتل شاور، وصفت الديار المصرية
لشيركوه نائب نور الدين، ثم لصلاح الدين، فأباد العبيديين، واستأصلهم، وأقام الدعوة العباسية.
وكان نور الدين مليح الخط، كثير المطالعة، يصلي في جماعة، ويصوم، ويتلو ويسبح، ويتحرى في القوت، ويتجنب الكبر، ويتشبه بالعلماء والأخيار، ذكر هاذ ونحوه الحافظ بن عساكر، ثم قال: روى الحديث، وأسمعه بالإجازة، وكان من رآه شاهد من جلال السلطنة وهبة الملك ما يبهره، فإذا فاوضه، رأى من لطافته وتواضعه ما يحيره. حكى من صحبه حضرًا وسفرًا أنه ما سمع منه كلمة فحش في رضاه ولا في ضجره، وكان يواخي الصالحين، ويزورهم، وإذا احتلم مماليكه أعتقهم، وزوجهم بجواريه، ومتى تشكوا من ولاته عزلهم، وغالب ما تملكه من البلدان تسلمه بالأمان، وكان كلما أخذ مدينةً، أسقط عن رعيته قسطًا.
وقال أبو الفرج بن الجوزي: جاهد، وانتزع من الكفار نيفًا وخمسين مدينةً وحصنًا، وبنى بالموصل جامعًا غرم عليه سبعين ألف دينار، وترك المكوس قبل موته، وبعث جنودًا فتحوا مصر، وكان يميل إلى التواضع وحب العلماء والصلحاء، وكاتبني مرارًا، وعزم على فتح بيت المقدس، فتوفي في شوال سنة تسع وستين وخمس مائة.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان نور الدين لم ينشف له لبد من الجهاد، وكان يأكل من عمل يده، ينسخ تارةً، ويعمل أغلافًا تارة، ويلبس الصوف، ويلازم السجادة والمصحف، وكان حنفيًا يراعي مذهب الشافعي ومالك، وكان ابنه الصالح إسماعيل أحسن أهل زمانه.
وقال ابن خلكان: ضربت السكة والخطبة لنور الدين بمصر، وكان زاهدًا عابدًا، متمسكًا بالشرع، مجاهدًا، كثير البر والأوقاف، له من المناقب ما يستغرق الوصف، توفي في حادي عشر شوال بقلعة دمشق بالخوانيق، وأشاروا عليه بالفصد، فامتنع، وكان مهيبًا فما روجع، وكان أسمر طويلًا، حسن الصورة، ليس بوجهه شعر سوى حنكه، وعهد بالملك إلى ابنه وهو ابن إحدى عشرة سنة.
وقال ابن الأثير: كان أسمر، له لحية في حنكه، وكان واسع الجبهة، حسن الصورة، حلو العينين، طالعت السير، فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحريًا منه للعدل، وكان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف إلَّا من ملك له قد اشتراه من سهمه من الغنيمة، لقد طلبت زوجته منه، فأعطاها ثلاثة دكاكين، فاستقلتها، فقال: ليس لي إلَّا هذا، وجميع ما بيدي أنا فيه خازن للمسلمين، وكان يتهجد كثيرًا، وكان
عارفًا بمذهب أبي حنيفة، لم يترك في بلاده على سعتها مكسًا، وسمعت أن حاصل أوقافه في البر في كل شهر تسعة آلاف دينار صورية.
قال له القطب النيسابوري: بالله لا تخاطر بنفسك، فإن أصبت في معركة لا يبقى للمسلمين أحد إلَّا أخذه السيف، فقال: ومن محمود حتى يقال هذا?! حفظ الله البلاد قبلي لا إله إلَّا هو.
قلت: كان دينًا تقيًا، لا يرى بذل الأموال إلَّا في نفع، وما للشعراء عنده نفاق، وفيه يقول أسامة:
سلطاننا زاهدٌ والناس قد زهدوا
…
له فكلٌّ على الخيرات منكمش
أيامه مثل شهر الصّوم طاهرةٌ
…
من المعاصي وفيها الجوع والعطش
قال مجد الدين ابن الأثير في نقل سبط الجوزي عنه: لم يلبس نور الدين حريرًا ولا ذهبًا، ومنع من بيع الخمر في بلاده -قلت: قد لبس خلعة الخليفة والطوق الذهب- قال: وكان كثير الصوم، وله أوراد في الليل والنهار، ويكثر اللعب بالكرة، فأنكر عليه فقير، فكتب إليه: والله ما أقصد اللعب، وإنما نحن في ثغر، فربما وقع الصوت، فتكون الخيل قد أدمنت على الانعطاف والكر والفر. وأهديت له عمامة من مصر مذهبة، فأعطاها لابن حمويه شيخ الصوفية، فبيعت بألف دينار.
قال: وجاءه رجل طلبه إلى الشرع، فجاء معه إلى مجلس كمال الدين الشهرزوري، وتقدمه الحاجب يقول للقاضي: قد قال لك: اسلك معه ما تسلك مع آحاد الناس. فلما حضر سوى بينه وبين خصمه، وتحاكما، فلم يثبت للرجل عليه حق، وكان ملكًا، ثم قال السلطان: فاشهدوا أني قد وهبته له.
وكان يقعد في دار العدل في الجمعة أربعة أيام، ويأمر بإزالة الحاجب والبوابين، وإذا حضرت الحرب، شد قوسين وتركاشين، وكان لا يكل الجند إلى الأمراء، بل يباشر عددهم وخيولهم، وأسر إفرنجيًا، فافتك نفسه منه بثلاث مائة ألف دينار، فعند وصوله إلى مأمنه مات، فبنى بالمال المارستان والمدرسة.
قال العماد في "البرق الشامي": أكثر نور الدين عام موته من البر والأوقاف وعمارة المساجد، وأسقط ما فيه حرام، فما أبقى سوى الجزية والخراج والعشر، وكتب بذلك إلى جميع البلاد، فكتبت له أكثر من ألف منشور.
قال: وكان له برسم نفقة خاصة في الشهر من الجزية ما يبلغ ألفي قرطاس يصرفها في كسوته ومأكوله وأجرة طباخه وخياطه كل ستين قرطاسًا بدينار.
قال سبط الجوزي: كان له عجائز، فكان يخيط الكوافي، ويعمل السكاكر، فيبعنها له سرًا، ويفطر على ثمنها.
قال ابن واصل: كان من أقوى الناس قلبًا وبدنًا، لم ير على ظهر فرس أحد أشد منه، كأنما خلق عليه لا يتحرك، وكان من أحسن الناس لعبًا بالكرة، يجري الفرس ويخطفها من الهواء، ويرميها بيده إلى آخر الميدان، ويمسك الجوكسان بكمه تهاونًا بأمره، وكان يقول: طالما تعرضت للشهادة، فلم أدركها.
قلت: قد أدركها على فراشه، وعلى ألسنة الناس: نور الدين الشهيد، والذي أسقط من المكوس في بلاده ذكرته في "تاريخنا الكبير" مفصلًا، ومبلغه في العام خمس مائة ألف دينار، وستة وثمانون ألف دينار، وأربعة وسبعون دينارًا من نقد الشام، منها على الرحبة ستة عشر ألف دينار، وعلى دمشق خمسون ألف وسبع مائة ونيف، وعلى الموصل ثمانية وثلاثون ألف دينار، وعلى جعبر سبعة آلاف دينار ونيف، وفي الكتاب: فأيقنوا أن ذلك إنعام مستمر على الدهور، باق إلى يوم النشور، فـ {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ: 15]، {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181]. وكتب في رجب سنة سبع وستين وخمس مائة.
قال سبط الجوزي: حكى لي نجم الدين بن سلام عن والده أن الفرنج لما نزلت على دمياط، ما زال نور الدين عشرين يومًا يصوم ولا يفطر إلَّا على الماء، فضعف وكاد يتلف، وكان مهيبًا، ما يجسر أحد يخاطبه في ذلك، فقال إمامه يحيى: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقول: يا يحيى، بشر نور الدين برحيل الفرنج عن دمياط. فقلت: يا رسول الله، ربما لا يصدقني. فقال: قل له: بعلامة يوم حارم. وانتبه يحيى، فلما صلى نور الدين الصبح، وشرع يدعو، هابه يحيى، فقال له: يا يحيى، تحدثني أو أحدثك? فارتعد يحيى، وخرس، فقال: أنا أحدثك، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم هذه الليلة، وقال لك كذا وكذا. قال: نعم، فبالله يا مولانا، ما معنى قوله: بعلامة يوم حارم? فقال: لما التقينا العدو، خفت على الإسلام، فانفردت، ونزلت، ومرغت وجهي على التراب، وقلت: يا سيدي من محمود في البين، الدين دينك، والجند جندك، وهذا اليوم افعل ما يليق بكرمك. قال: فنصرنا الله عليهم.
وحكى لي تاج الدين قال: ما تبسم نور الدين إلَّا نادرًا، حكى لي جماعة من المحدثين أنهم قرؤوا عليه حديث التبسم، فقالوا له: تبسم، قال: لا أتبسم من غير عجب.
قلت: الخبر ليس بصحيح، ولكن التبسم مستحب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"تبسمك في وجه أخيك صدقة"
(1)
، وقال جرير بن عبد الله: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلَّا تبسم
(2)
.
وقبر نور الدين بتربته عند باب الخواصين يزار.
وتملك بعده ابنه الملك الصالح أشهرًا، وسلم دمشق إلى السلطان صلاح الدين، وتحول إلى حلب، فدام صاحبها تسع سنين، ومات بالقولنج وله عشرون سنة، وكان شابًا دينًا رحمه الله.
(1)
صحيح لغيره: أخرجه البخاري في "الأدب المفرد""891"، والترمذي "1956" من طريق عكرمة بن عمار قال حدثني أبو زميل، عن مالك بنمرثد، عن أبيه، عن أبي ذر، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته مرثد والد مالك لم يوثقه غير ابن حبان كعادته في توثيق المجاهيل. وقال الذهبي: ليس بمعروف ما روى عنه سوى ولده مالك.
وللحديث طريق أخرى عند أحمد "5/ 168" وإسناده صحيح، وله شاهد من حديث أبي ذر مرفوعا بلفظ:"لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك يوجه طلق" أخرجه مسلم "2626".
(2)
صحيح: أخرجه البخاري "3035"، ومسلم "2475" من حديث جرير بن عبد الله بن قال: ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي".
5142 - حفده
(1)
:
الشيخ الفقيه العلامة الواعظ الإمام، مجد الدين، أبو منصور، محمد ابن أسعد بن محمد بن الحسين الطوسي العطاري الشافعي حفده.
تفقه بمرو على الإمام أبي بكر محمد بن منصور السمعاني، وبطوس على أبي حامد الغزالي، وبمرو الروذ على محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي وسمع منه كتابيه معالم التنزيل وشرح السنة وكتبهما، واشتغل ببخارى على العلامة برهان الدين عبد العزيز بن مازة الحنفي.
وقدم أذربيجان والجزيرة، ووعظ، ونفق سوقه، وازدحموا عليه لحسن تذكيره، ولا أعلم لم لقب بحفده.
قال أبو سعد السمعاني: كتبت عنه بمرو ونيسابور، وكان فقيهًا واعظًا شاطرًا جلدًا فصيحًا، سمع من عبد الغفار الشيروي، والحافظ أبي الفتيان الرواسي، وناصر بن أحمد العياضي.
قلت: وحدث عنه: أبو أحمد بن سكينة، وابن الأخضر، وشمس الدين عبد الغفور بن بدل التبريزي البزوري، وأبو المواهب بن صصرى، والقاضي بهاء الدين يوسف بن شداد، وأبو المجد محمد بن الحسين القزويني.
مولده سنة ست وثمانين وأربع مائة.
وتوفي بتبريز في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 368"، ووفيات الأعين لابن خلكان "4/ ترجمة 569" وتذكرة الحفاظ "4/ 1333 - 1334"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 77"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 240".
5143 - ابن الرخلة
(1)
:
الشيخ العالم المقرئ المعمر، أبو محمد، صالح بن المبارك بن محمد بن عبد الواحد، البغدادي الكرخي القزاز، عرف بابن الرخلة.
سمع من: أبي عبد الله بن طلحة النعالي، ومن أبي الحسين بن الطيوري.
حدث عنه: تميم بن أحمد البندنيجي، ومحمد بن مشق، والشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي، وأبو الحسن محمد بن محمد النرسي، وأبو المعالي محمد بن أحمد بن صالح الجيلي، وجماعة، وإن كان الحافظ عبد القادر الرهاوي قد حمل عنه، فذلك الذي يغلب على ظني.
وقد توفي في صفر سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة، رحمه الله.
5144 - علي بن حميد بن عمار:
الشيخ الصدوق الجليل، أبو الحسن، الطرابلسي، ثم المكي النحوي المقرئ، راوي "صحيح البخاري" عن عيسى بن أبي ذر الهروي، والمنفرد بذلك، بقي إلى سنة إحدى وسبعين وخمس مائة.
روى عنه: المحدث محمد بن عبد الرحمن التجيبي الأندلسي، وناصر بن عبد الله المصري العطار، وعبد الرحمن بن أبي حرمي بن بنين المكي، وسليمان بن أحمد السعدي المغربل.
وقيل: إنه عاش إلى سنة خمس وسبعين، وحدث فيها.
(1)
ترجمته في تبصير المنتبه "2/ 597"، والنجوم الزاهرة "6/ 80"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 241".
5145 - شهدة
(1)
:
بنت المحدث أبي نصر أحمد ابن الفرج الدينوري، ثم البغدادي الإبري الجهة، المعمرة، الكاتبة، مسندة العراق، فخر النساء.
ولدت بعد الثمانين وأربع مائة.
وسمع من: أبي الفوارس طراد الزينبي، وابن طلحة النعالي، وأبي الحسن بن أيوب، وأبي الخطاب بن البطر، وعبد الواحد بن علوان، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي، وثابت بن بندار، ومنصور بن حيد، وجعفر بن السراج، وعدة.
ولها "مشيخة" سمعناها.
حدث عنها: ابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي، وعبد الغني، وعبد القادر الرهاوي، وابن الأخضر، والشيخ الموفق، والشيخ العماد، والشهاب بن راجح، والبهاء عبد الرحمن، والناصح، والفخر الإربلي، وتاج الدين عبد الله بن حمويه، وأعز بن العليق، وإبراهيم بن الخير، وبهاء الدين بن الجميزي، ومحمد بن المني، وأبو القاسم بن قميرة، وخلق كثير.
قال ابن الجوزي: قرأت عليها، وكان لها خط حسن، وتزوجت ببعض وكلاء الخليفة، وخالطت الدور والعلماء، ولها بر وخير، وعمرت حتى قاربت المائة، توفيت في رابع عشر المحرم سنة أربع وسبعين وخمس مائة، وحضرها خلق كثير وعامة العلماء.
وقال الشيخ الموفق: انتهى إليها إسناد بغداد، وعمرت حتى ألحقت الصغار بالكبار، وكانت تكتب خطًا جيدًا، لكنه تغير لكبرها.
ومات معها أحمد بن علي بن الناعم الوكيل، وأسعد بن بلدرك بن أبي اللقاء البواب،
والأمير شهاب الدين سعد بن محمد بن سعد بن صيفي الشاعر الحيص بيص، وأبو صالح سعد الله بن نجا بن الوادي الدلال، وأبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني، وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف، وعمر بن محمد العليمي، وأبو عبد الله بن المجاهد الإشبيلي الزاهد، ومحمد بن نسيم العيشوني.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 374"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 297"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 248".
5146 - ابن ماشاذه
(1)
:
الشيخ الإمام المعمر المقرئ المجود المحرر، مسند أصبهان، أبو بكر، محمد بن أحمد بن أبي الفرج بن ماشاذه الأصبهاني السكري المقرئ، خاتمة من سمع من سليمان بن إبراهيم الحافظ.
وسمع من الرئيس أبي عبد الله الثقفي، ومكي بن منصور الكرجي، وجماعة.
حدث عنه: محمد بن مكي الحنبلي، وعبد القادر الحافظ، وعبد الأعلى بن محمد بن محمد الرستمي، وإسحاق بن مطهر اليزدي، وأحمد بن إبراهيم بن سفيان بن مندة، وجامع بن أحمد الخباز الأصبهانيون، وبالإجازة كريمة القرشية.
وكان من كبار المقرئين، وما علمت على من تلا.
مات سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة وله نيف وتسعون سنة.
5147 - المعداني:
الشيخ الثقة المعمر، أبو القاسم، رجاء بن حامد بن رجاء بن عمر، الأصبهاني المعداني.
سمع من: رزق الله التميمي، وسليمان الحافظ، ومكي بن علان، وطبقتهم.
حدث عنه: عبد القادر الرهاوي، وأبو نزار ربيعة اليمني، وسليمان بن داود بن ماشاذه، ومحمود بن محمد الوركاني، وسبطه محمد بن عمر بن أبي الفضائل، ومحمد بن محمد بن أبي المعالي الوثابي، وآخرون، وأجاز لكريمة وغيرها.
لم أظفر له بوفاة، توفي سنة نيف وستين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 242 - 243" ووقع عنده [ما ساده] بالسين والدال المهملتين بدل [ما شاذه] بالشين والذال المعجمتين.
5148 - نصر بن سيار:
ابن صاعد بن سيار، الشيخ الإمام الفقيه المعمر، مسند خراسان، شرف الدين، أبو الفتح الكناني الهروي الحنفي القاضي.
سمع الكثير من جده القاضي أبي العلاء صاعد بن سيار بن يحيى بن محمد بن إدريس، والقاضي أبي عامر محمود بن القاسم الأزدي -سمع منه "جامع أبي عيسى"- ونجيب بن ميمون الواسطي، والزاهد محمد بن علي العميري، وأبي عطاء عبد الأعلى بن عبد الواحد المليحي، وأبي نصر أحمد بن أميرجه، وجماعة.
وله إجازة من شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري، وأبي القاسم أحمد بن محمد الخليلي.
وقد سمع من جده "صحيح الإسماعيلي".
قال السمعاني في "التحبير": سمعت منه "الجامع" للترمذي، و"الزهد" لسعيد بن منصور، رواه عن جده.
قال: وكان فقيهًا مناظرًا فاضلًا متدينًا، حسن السيرة، مطبوع الحركات، تاركًا للتكلف، سليم الجانب، ولد سنة خمس وسبعين وأربع مائة.
قلت: حدث عنه هو وابنه عبد الرحيم، وزنكي بن أبي الوفاء، ومودود بن محمود، وضياء الدين أبو بكر بن علي المامنجي، والحافظ عبد القادر الرهاوي، وبالإجازة: ابن الشيرازي.
مات يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة.
5149 - ابن قلاقس
(1)
:
الشاعر المجيد البليغ، أبو الفتوح، نصر الله بن عبد الله بن مخلوف اللخمي الإسكندري، ويلقب بالقاضي الأعز.
و"ديوانه" مشهور.
وله في السلفي مدائح. ونظمه بديع.
ودخل اليمن، ومدح الكبار. مات شابًا في شوال سنة سبع وستين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 762"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 224" وقد وقع عنده [ملامس] بميمين بدل [قلاقس].
5150 - القرطبي
(1)
:
الإمام، شيخ الموصل، أبو بكر، يحيى بن سعدون بن تمام، الأزدي القرطبي المقرئ النحوي.
ولد سنة ست وثمانين وأربع مائة. ويلقب بصائن الدين.
أخذ القراءات عن أبي القاسم خلف بن النخاس بقرطبة، وعن أبي القاسم بن الفحام بالإسكندرية.
وسمع من أبي محمد بن عتاب، ومحمد بن بركات السعيدي، وأبي صادق مرشد المدينين وأبي جعفر أحمد بن عبد الحق، وأبي بكر محمد بن سعيد الضرير مقرئ المهدية، وأبي عبد الله محمد بن أحمد الرازي صاحب "السداسيات"، والمحدث رزين بن معاوية، وسار إلى أن بلغ خوارزم، وأخذ عن الزمخشري، وسمع ببغداد من ابن الحصين، وأبي العز ابن كادش، وبدمشق من جمال الإسلام السلمي.
وكان ثقةً متقنًا، بارعًا في العربية، بصيرًا بعلل القراءات، دينًا خيرًا ناسكًان وافر الحرمة، تخرج به أئمة.
تلا عليه الفخر محمد بن أبي الفرج الموصلي، ومحمد بن عبد الكريم البوازيجي، والقاضي بهاء الدين يوسف بن شداد، ومحمد بن محمد بن الكال الحلي، وأبو جعفر القرطبي.
وحدث عنه: الحافظان ابن عساكر والسمعاني، وأبو الحسن القطيعي، وعبد الله بن حسين الموصلي، وعدة.
توفي بالموصل يوم عيد الفطر سنة سبع وستين وخمس مائة.
قال ابن شداد: كنت أرى من يأتي الشيخ، فيعطيه شيئًا ملفوفًا ويذهب، ثم تقصينا ذلك، فعلمنا أنها دجاجة مسموطة كانت برسمه كل يوم، يشتريها ذلك الرجل، ويسمطها، فإذا قام الشيخ تولى طبخها. قال: ولازمته إحدى عشرة سنة.
(1)
ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 26"، ووفيات الأعيان لابن خلكا "6/ ترجمة 796"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 66"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 225".
5151 - البطائحي
(1)
:
الإمام، مقرئ العراق، أبو الحسن، علي بن عساكر بن المرحب البطائحي الضرير.
تلا بالروايات الكثيرة على أبي العز القلانسي، وأبي عبد الله البارع، وأبي بكر المزرفي، وعمر بن إبراهيم الزيدي. وتقدم في هذا الشأن.
وحدث عن: أبي طالب بن يوسف، وهبة الله بن الحصين.
وله مصنف في القراءات. وكان يدري العربية جيدًا.
أخذ عنه القراءات: الوزير عون الدين، وعبد العزيز بن دلف، والخطيب بهاء الدين بن الجميزي، وعدة.
وحدث عنه: ابن الأخضر، وعبد الغني، وعبد القادر الرهاوي، وابن باقا، والشيخ الموفق، وآخرون.
قرأت بخط الشيخ موفق الدين: سمعنا من البطائحي الإبانة لابن بطة، والزهد لأحمد، وكان مقرئ بغداد، وكان عالمًا بالعربية، إمامًا في السنة.
وقال الضياء: قيل: ولد سنة تسعين وأربع مائة.
توفي في شعبان سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة.
أخبرنا عبد الحافظ بنابلس، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا علي بن عساكر بقراءتي، أخبركم أبو طالب اليوسفي، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، أخبرنا محمد بن بخيت، أخبرنا عمر بن محمد، حدثنا أبو بكر الأترم، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]، قال:"ذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله عهدًا يريد أن ينجزكموه، قالوا: ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار? فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من ذلك ولا أقر لأعينهم منه"
(2)
.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 359"، وتبصير المنتبه "4/ ص 1275"، والنجوم الزاهرة "6/ 80"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 242".
(2)
صحيح: أخرجه الطيالسي "1315"، وهناد بن السري في "الزهد""171"، وأحمد "4/ 332 و 332 - 333" و"6/ 15 - 16"، وعنه عبد الله بن أحمد في "السنة""271"، ومسلم "181"، والترمذي "2552" و"3105"، وابن ماجه "187"، والدارمي في "الرد على الجهمية" ص 54 - 55" والطبري في "تفسيره" "17626"، وابن أبي عاصم في "السنة" "472"، وأبو عوانة"1/ 156"، وابن خزيمة "ص 180 - 181"، والآجري في "التصديق بالنظر" "34 - 36"، والطبراني في "الكبير" "7314" و"7315"، وابن منده "782" و"784" و"785" و"786"، واللاكائي في "شرح أصول الاعتقاد، "ص 124"، وفي "الأسماء والصفات""ص 307"، والبغوي "4393" من طرق عن حماد ابن سلمة، به.
5152 - تجني
(1)
:
بنت عبد الله، أم عتب الوهبانية، عتيقة أبي المكارم بن وهبان.
هي آخر من سمع طراد الزينبي وأبي عبد الله بن طلحة النعالي موتًا ببغداد.
حدث عنها: السمعاني، وابن عساكر، والشيخ الموفق، والناصح ابن الحنبلي، والبهاء عبد الرحمن، وأبو الفتوح بن الحصري، وهبة الله بن الحسن الدوامي، ومحمد بن عبد الكريم السيدي، وفخر النساء بنت الوزير محمد بن رئيس الرؤساء، وإبراهيم بن الخير، ويحيى بن قميرة، وآخرون.
قال ابن الدبيثي: أجازت لنا، وتوفيت في شوال سنة خمس وسبعين وخمس مائة.
5153 - خديجة
(2)
:
بنت أحمد بن الحسن بن عبد الكريم، فخر النساء، بنت النهرواني، امرأة صالحة معمرة.
روت عن: ابن طلحة النعالي.
حدث عنها: ابن أخيها علي بن روح، والشيخ الموفق، ونصر بن عبد الرزاق، والشيخ العماد المقدسي، وآخرون.
توفي في رمضان سنة سبعين وخمس مائة.
وآخر من تبقى من أصحابها بالسماع المقرئ إبراهيم بن الخير.
وفيها مات أحمد بن المبارك بن سعد المرقعاني، وقاضي القضاة أبو طالب روح بن أحمد الحديثي، وعبد الله بن عبد الصمد السلمي والد أحمد العطار، وأبو بكر محمد بن علي بن محمد الطوسي، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن خليل القيسي اللبلي.
(1)
ترجمته في تبصير المنتبه "1/ 194"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 250".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 75"، وشذرات الذهب "4/ 237" ووقع عنده [الحسين] بدل [الحسن].
5154 - عبد الحق
(1)
:
ابن الحافظ عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف، الشيخ العالم الخير المسند الثقة، أبو الحسين البغدادي اليوسفي، من بيت الحديث، والفضل.
ولد سنة أربع وتسعين وأربع مائة.
وأسمعه أبوه الكثير من أبي الحسين بن الطيوري، وأبي القاسم الربعي، وجعفر بن أحمد السراج، وأبي الحسن بن العلاف، وأبي سعد بن خشيش، وأبي القاسم بن بيان، وأبي طالب بن يوسف، وخلق.
حدث عنه: أبو محمد بن الأخضر، وابن الحصري، وعبد القادر الرهاوي، وعبد الغني، وابن قدامة، وابن راجح، وحمد بن صديق، وأبو الحسن بن القطيعي، وعبد الرحمن بن بختيار، وعمر بن بطاح، وقيصر البواب، وإبراهيم بن الخير، وأعز بن العليق، وأبو الحسن بن الجميزي، ومحمد بن عبد الكريم السيدي، وخلق.
قال أبو الفضل بن شافع: هو أثبت أقرانه.
وقال ابن الأخضر: كان لا يحدث بما سمعه حضورًا تورعًا.
وقال ابن الجوزي: كان حافظًا لكتاب الله، دينًا ثقةً.
وقال البهاء عبد الرحمن: سمعنا عليه كثيرًا، وكان من بيت الحديث، وكان صالحًا فقيرًا، وكان عسرًا في السماع جدًا، ورزقت منه حظًا، وكان يعيرني الأجزاء، فأكتبها، وكان يتلو في اليوم عشرين جزءًا.
قلت: مات في جمادى الأولى سنة خمس وسبعين وخمس مائة.
وفيها مات أبو الفتح أحمد بن أبي الوفاء الصائغ، وأبو يحيى اليسع ابن حزم الغافقي، وتجني الوهبانية، والمستضيء بأمر الله، وعبد المحسن بن تريك البيع، والمحدث علي بن أحمد الحسيني الزيدي القدوة، وأبو المعالي علي بن هبة الله بن خلدون، والمحدث أبو المحاسن عمر بن علي القرشي عم كريمة، وعيسى بن أحمد أبو هاشم الدوشابي الهراس، والحافظ أبو بكر ابن خير اللمتوني، والحافظ أبو محمد بن أبي غالب الباقداري، ومنوجهر بن تركانشاه، وأبو محمد المبارك بن علي ابن الطباخ بمكة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 86"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 251".
5155 - ابن عساكر
(1)
:
الإمام العلامة الحافظ الكبير المجود، محدث الشام، ثقة الدين، أبو القاسم الدمشقي الشافعي، صاحب "تاريخ دمشق".
نقلت ترجمته من خط ولده المحدث أبي محمد القاسم بن علي، فقال: ولد في المحرم في أول الشهر سنة تسع وتسعين وأربع مائة، وسمعه أخوه صائن الدين هبة الله في سنة خمس وخمس مائة وبعدها، وارتحل إلى العراق في سنة عشرين، وحج سنة إحدى وعشرين.
قلت: وارتحل إلى خراسان على طريق أذربيجان في سنة تسع وعشرين وخمس مائة.
وهو علي بن الشيخ أبي محمد الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين. فعساكر لا أدري لقب من هو من أجداده، أو لعله اسم لأحدهم.
سمع: الشريف أبا القاسم النسيب، وعنده عنه الأجزاء العشرون التي خرجها له شيخه الحافظ أبو بكر الخطيب سمعناها بالاتصال، وسمع من قوام ابن زيد صاحب ابن هزارمرد الصريفيني، ومن أبي الوحش سبيع بن قيراط صاحب الأهوازي، ومن أبي طاهر الحنائي، وأبي الحسن بن الموازيني، وأبي الفضائل الماسح، ومحمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، والأمين هبة الله بن الأكفاني، وعبد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل الإسفراييني، وخلق بدمشق.
وأقام ببغداد خمسة أعوام، يحصل العلم، فسمع من هبة الله بن الحصين، وعلي بن عبد الواحد الدينوري، وقراتكين بن أسعد، وأبي غالب بن البناء، وهبة الله بن أحمد بن الطبر، وأبي الحسن البارع، وأحمد بن ملوك الوراق، والقاضي أبي بكر، وخلق كثير.
وبمكة من عبد الله بن محمد المصري الملقب بالغزال.
وبالمدينة من عبد الخلاق بن عبد الواسع الهروي.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 356"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 441"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1094"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 77"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 239 - 240".
وبأصبهان من الحسين بن عبد الملك الخلال، وغانم بن خالد، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وخلق.
وبنيسابور من أبي عبد الله الفراوي، وأبي محمد السيدي، وزاهر الشحامي، وعبد المنعم بن القشيري، وفاطمة بنت زعبل، وخلق.
وبمرو من: يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد، وخلق.
وبهراة من: تميم بن أبي سعيد المؤدب، وعدة.
وبالكوفة من: عمر بن إبراهيم الزيدي الشريف. وبهمذان وتبريز والموصل.
وعمل "أربعين" حديثًا بلدانية.
وعدد شيوخه الذي في "معجمه" ألف وثلاث مائة شيخ بالسماع، وستة وأربعون شيخًا أنشدوه، وعن مائتين وتسعين شيخًا بالإجازة، الكل في "معجمه"، وبضع وثمانون امرأة لهن "معجم" صغير سمعناه.
وحدث ببغداد والحجاز وأصبهان ونيسابور.
وصنف الكثير.
وكان فهمًا حافظًا متقنًا ذكيًا بصيرًا بهذا الشأن، لا يلحق شأؤه، ولا يشق غباره، ولا كان له نظير في زمانه.
حدث عنه: معمر بن الفاخر، والحافظ أبو العلاء العطار، والحافظ أبو سعد السمعاني، وابنه القاسم بن علي، والإمام أبو جعفر القرطبي، والحافظ أبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم بن صصرى، وقاضي دمشق أبو القاسم بن الحرستاني، والحافظ عبد القادر الرهاوي، والمفتي فخر الدين عبد الرحمن بن عساكر، وأخواه زين الأمناء حسن، وأبو نصر عبد الرحيم، وأخوهم تاج الأمناء أحمد، وولده العز النسابة، ويونس بن محمد الفارقي، وعبد الرحمن بن نسيم، والفقيه عبد القادر بن أبي عبد الله البغدادي، والقاضي أبو نصر بن الشيرازي، وعلي بن حجاج البتلهي، وأبو عبد الله محمد بن نصر القرشي ابن أخي الشيخ أبي البيان، وأبو المعالي أسعد، والسديد مكي ابنا المسلم بن علان، ومحمد بن عبد الكريم بن الهادي المحتسب، وفخر الدين محمد بن عبد الوهاب بن الشيرجي، وأبو إسحاق إبراهيم وعبد العزيز ابنا أبي طاهر الخشوعي، وعبد الواحد بن أحمد ابن أبي المضاء، ونصر الله بن عبد الرحمن بن فتيان الأنصاري، وعبد الجبار بن عبد الغني بن الحرستاني، ومحمد
ابن أحمد الماكسيني، ومحاسن بن أبي القاسم الجوبراني، وسيف الدولة محمد بن غسان، وعبد الرحمن بن شعلة البيت سوائي، وخطاب بن عبد الكريم المزي، وعتيق ابن أبي الفضل السلماني، وعمر بن عبد الوهاب بن البراذعي، ومحمد بن رومي السقباني، والرشيد أحمد بن المسلمة، وبهاء الدين علي بن الجميزي، وخلق.
وقد روى لشيوخي نحو من أربعين نفسًا من أصحاب الحافظ أفردت لهم جزءًا.
وكان له إجازات عالية، فأجاز له مسند بغداد الحاجب أبو الحسن بن العلاف، وأبو القاسم بن بيان، وأبو علي بن نبهان الكاتب، وأبو الفتح أحمد بن محمد الحداد، وغانم البرجي، وأبو علي الحداد المقرئ، وعبد الغفار الشيروي صاحب القاضي أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري، وخلق سواهم أجازوا له وهو طفل.
قال ابنه القاسم: روي عنه أشياء من تصانيفه بالإجازة في حياته واشتهر اسمه في الأرض، وتفقه في حداثته على جمال الإسلام أبي الحسن السلمي وغيره، وانتفع بصحبة جده لأمه القاضي أبي المفضل عيسى بن علي القرشي في النحو، وعلق مسائل من الخلاف عن أبي سعد بن أبي صالح الكرماني ببغداد، ولازم الدرس والتفقه بالنظامية ببغداد، وصنف وجمع فأحسن. قال:
فمن ذلك "تاريخه" في ثمان مائة جزء -قلت: الجزء عشرون ورقةً، فيكون ستة عشر ألف ورقة- قال: وجمع "الموافقات" في اثنين وسبعين جزءًا، و"عوالي مالك"، و"الذيل" عليه خمسين جزءًا، و"غرائب مالك" عشرة أجزاء، و"المعجم" في اثني عشر جزءًا -قلت: هو رواية مجردة لم يترجم فيه شيوخه- قال: وله "مناقب الشبان" خمسة عشر جزءًا، و"فضائل أصحاب الحديث" أحد عشر جزء، "فضل الجمعة" مجلد، و"تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري" مجلد، و"المسلسلات" مجلد، و"السباعيات" سبعة أجزاء، "من وافقت كنيته كنية زوجته" أربعة أجزاء، و"في إنشاء دار السنة" ثلاثة أجزاء، "في يوم المزيد" ثلاثة أجزاء، "الزهادة في الشهادة" مجلد، "طرق قبض العلم"، "حديث الأطيط"، "حديث الهبوط وصحته"، "عوالي الأوزاعي وحاله" جزآن.
ومن تواليف ابن عساكر اللطيفة: "الخماسيات" جزء، "السداسيات" جزء، "أسماء الأماكن التي سمع فيها"، "الخضاب"، "إعزاز الهجرة عند إعواز النصرة"، "المقالة الفاضحة"، "فضل كتابة القرآن"، "من لا يكون مؤتمنًا لا يكون مؤذنًا"، "فضل الكرم على أهل الحرم"، "في حفر الخندق"، "قول عثمان: ما تغنيت"، "أسماء صحابة المسند"،
"أحاديث رأس مال شعبة"، "أخبار سعيد بن عبد العزيز"، "مسلسل العيد"، "الأبنة"، "فضائل العشرة" جزآن، "من نزل المزة"، "في الربوة والنيرب"، "في كفر سوسية"، "رواية أهل صنعاء"، "أهل الحمريين"، "فذايا"، "بيت قوفا"، "البلاط"، "قبر سعد"، "جسرين"، "كفر بطنا"، "حرستا"، "دوما مع مسرابا"، "بيت سوا"، "جركان"، "جديا وطرميس"، "زملكا"، "جوبر"، "بيت لهيا"، "برزة"، "منين"، "يعقوبا"، "أحاديث بعلبك"، "فضل عسقلان"، "القدس"، "المدينة"، "مكة"، كتاب "الجهاد"، "مسند أبي حنيفة ومكحول"، "العزل" وغير ذلك، و"الأربعون الطوال" مجيليد، و"الأربعون البلدية" جزء، و"الأربعون في الجهاد"، و"الأربعون الأبدال"، و"فضل عاشوراء" ثلاثة أجزاء، و"طرق قبض العلم" جزء، كتاب "الزلازل" مجيليد، "المصاب بالولد" جزآن، "شيوخ النبل" مجيليد، "عوالي شعبة" اثنا عشر جزءًا، "عوالي سفيان" أربعة أجزاء، "معجم القرى والأمصار" جزء، وسرد له عدة تواليف.
قال: وأملى أربعة مائة مجلس وثمانية.
قال: وكان مواظبًا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، يحيي ليلة النصف والعيدين بالصلاة والتسبيح، ويحاسب نفسه على لحظة تذهب في غير طاعة، قال لي: لما حملت بي أمي، رأت في منامها قائلًا يقول: تلدين غلامًا يكون له شأن. حدثني أن أباه رأى رؤيا معناه يولد لك ولد يحيي الله به السنة، ولما عزم على الرحلة، قال له أبو الحسن بن قبيس: أرجو أن يحيي الله بك هذا الشأن.
وحدثني أبي قال: كنت يومًا أقرأ على أبي الفتح المختار بن عبد الحميد وهو يتحدث مع الجماعة، فقال: قدم علينا أبو علي بن الوزير، فقلنا: ما رأينا مثله، ثم قدم علينا أبو سعد السمعاني، فقلنا: ما رأينا مثله، حتى قدم علينا هذا، فلم نر مثله.
قال القاسم: وحكى لي أبو الحسن علي بن إبراهيم الأنصاري الحنبلي، عن أبي الحسن سعد الخير قال: ما رأيت في سن أبي القاسم الحافظ مثله.
وحدثنا التاج محمد بن عبد الرحمن المسعودي، سمعت الحافظ أبا العلاء الهمذاني يقول لبعض تلامذته -وقد استأذنه أن يرحل- فقال: إن عرفت أستاذًا أعلم مني أو في الفضل مثلي، فحينئذ آذن إليك أن تسافر إليه، اللهم إلَّا أن تسافر إلى الحافظ بن عساكر، فإنه حافظ كما يجب، فقلت: من هذا الحافظ? فقال: حافظ الشام أبو القاسم، يسكن دمشق .. وأثنى عليه. وكان يجري ذكره عند ابن شيخه وهو الخطيب أبو الفضل بن أبي نصر الطوسي،
فيقول: ما نعلم من يستحق هذا اللقب اليوم -أعني الحافظ- ويكون حقيقًا به سواه. كذا حدثني أبو المواهب بن صصرى.
وقال: لما دخلت همذان أثنى عليه الحافظ أبو العلاء، وقال لي: أنا أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما أصنع، إذًا لاجتمع عليه الموافق والمخالف.
وقال لي أبو العلاء يومًا: أي شيء فتح له: وكيف ترى الناس له? قلت: هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنةً إلَّا بالجمع والتصنيف والتسميع حتى في نزهة وخلواته، فقال: الحمد لله، هذا ثمرة العلم، إلَّا إنا قد حصل لنا هذه الدار والكتب والمسجد، هذا يدل على قلة حظوظ أهل العلم في بلادكم. ثم قال لي: ما كان يسمى أبو القاسم ببغداد إلَّا شعلة نار من توقده وذكائه وحسن إدراكه.
وروى زين الأمناء، حدثنا ابن القزويني عن والده مدرس النظامية قال: حكى لنا الفراوي قال: قدم علينا ابن عساكر، فقرأ علي في ثلاثة أيام فأكثر، فأضجرني، وآليت أن أغلق بابي، وأمتنع، جرى هذا الخاطر لي بالليل، فقدم من الغد شخص، فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك، رأيته في النوم، فقال: امض إلى الفراوي، وقل له: إن قدم بلدكم رجل من أهل الشام أسمر يطلب حديثي، فلا يأخذك منه ضجر ولا ملل. قال: فما كان الفراوي يقوم حتى يقوم الحافظ أولًا.
قال أبو المواهب: وأنا كنت أذاكره في خلواته عن الحفاظ الذين لقيهم، فقال: أما ببغداد، فأبو عامر العبدري، وأما بأصبهان، فأبو نصر اليونارتي، لكن إسماعيل الحافظ كان أشهر منه. فقلت له: فعلى هذا ما رأى سيدنا مثل نفسه. فقال: لا تقل هذا، قال الله -تعالى:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32]. قلت: فقد قال: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]، فقال: نعم، لو قال قائل: إن عيني لم تر مثلي لصدق.
قال أبو المواهب: وأنا أقول: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنةً من لزوم الجماعة في الخمس في الصف الأول إلَّا من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عرضت عليه، وقلة التفاته إلى الأمراء، وأخذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم. قال لي: لما عزمت على التحديث والله المطلع أنه ما حملني على
ذلك حب الرئاسة والتقدم، بل قلت: متى أروي كل ما قد سمعته، وأي فائدة في كوني أخلفه بعدي صحائف? فاستخرت الله، واستأذنت أعيان شيوخي ورؤساء البلد، وطفت عليهم، فكل قال: ومن أحق بهذا منك? فشرعت في ذلك سنة ثلاث وثلاثين، فقال لي والدي أبو القاسم الحافظ: قال لي جدي القاضي أبو المفضل لما قدمت من سفري: اجلس إلى سارية من هذه السواري حتى نجلس إليك، فلما عزمت على الجلوس اتفق أنه مرض، ولم يقدر له بعد ذلك الخروج إلى المسجد
…
إلى أن قال أبو محمد القاسم: وكان أبي رحمه الله قد سمع أشياء لم يحصل منها نسخًا اعتمادًا على نسخ رفيقه الحافظ أبي علي بن الوزير، وكان ما حصله ابن الوزير لا يحصله أبي، وما حصله أبي لا يحصله ابن الوزير، فسمعت أبي ليلةً يتحدث مع صاحب له في الجامع، فقال: رحلت وما كأني رحلت، كنت أحسب أن ابن الوزير يقدم بالكتب مثل الصحيحين وكتب البيهقي والأجزاء، فاتفق سكناه بمرو، وكنت أؤمل وصول رفيق آخر له يقال له: يوسف بن فاروا الجياني، ووصول رفيقنا أبي الحسن المرادي، وما أرى أحدًا منهم جاء، فلا بد من الرحلة ثالثةً وتحصيل الكتب والمهمات. قال: فلم يمض إلَّا أيام يسيرة حتى قدم أبو الحسن المرادي، فأنزله أبي في منزلنا، وقدم بأربعة أسفاط كتب مسموعة، ففرح أبي بذلك شديدًا، وكفاه الله مؤنة السفر، وأقبل على تلك الكتب، فنسخ واستنسخ وقابل، وبقي من مسموعاته أجزاء نحو الثلاث مائة، فأعانه عليها أبو سعد السمعاني، فنقل إليه منها جملةً حتى لم يبق عليه أكثر من عشرين جزءًا، وكان كلما حصل له جزء منها كأنه قد حصل على ملك الدنيا.
قال ابن النجار: قرأت بخط معمر بن الفاخر في "معجمه": أخبرني أبو القاسم الحافظ إملاءً بمنى وكان من أحفظ من رأيت وكان شيخنا إسماعيل بن محمد الإمام يفضله على جميع من لقيناهم، قدم أصبهان ونزل في داري، وما رأيت شابًا أحفظ ولا أورع ولا أتقن منه، وكان فقيهًا أديبًا سنيًا، سألته عن تأخره عن الرحلة إلى أصبهان، قال: استأذنت أمي في الرحلة إليها، فما أذنت.
وقال السمعاني: أبو القاسم كثير العلم، غزير الفضل، حافظ متقن، دين خير، حسن السمت، جمع بين معرفة المتون والأسانيد، صحيح القراءة، متثبت محتاط
…
إلى أن قال: جمع ما لم يجمعه غيره، وأربى على أقرانه، دخل نيسابور قبلي بشهر، سمعت منه، وسمع مني، وسمعت منه معجمه، وحصل لي بدمشق نسخة به، وكان قد شرع في التاريخ الكبير لدمشق، ثم كانت كتبه تصل إلي، وأنفذ جوابها.
سمعت الحافظ علي بن محمد يقول: سمعت الحافظ أبا محمد المنذري يقول: سألت شيخنا أبا الحسن علي بن المفضل الحافظ عن أربعة تعاصروا، فقال: من هم? قلت: الحافظ ابن عساكر، والحافظ ابن ناصر، فقال: ابن عساكر أحفظ. قلت: ابن عساكر وأبو موسى المديني? قال: ابن عساكر. قلت: ابن عساكر وأبو طاهر السلفي? فقال: السلفي شيخنا، السلفي شيخنا.
قلت: لوح بأن ابن عساكر أحفظ، ولكن تأدب مع شيخه، وقال لفظًا محتملًا أيضًا لتفضيل أبي طاهر، فالله أعلم.
وبلغنا أن الحافظ عبد الغني المقدسي بعد موت ابن عساكر نفذ من استعار له شيئًا من تاريخ دمشق، فلما طالعه، انبهر لسعة حفظ ابن عساكر، ويقال: ندم على تفويت السماع منه، فقد كان بين ابن عساكر وبين المقادسة واقع، رحم الله الجميع.
ولأبي علي الحسين بن عبد الله بن رواحة يرثي الحافظ ابن عساكر:
ذرا السّعي في نيل العلى والفضائل
…
مضى من إليه كان شدّ الرّواجل
وقولا لساري البرق إني نعيته
…
بنار أسىً أو دمع سحبٍ هواطل
وما كان إلَّا البحر غار ومن يرد
…
سواحله لم يلق غير جداول
وهبكم رويتم علمه عن رواته
…
وليس عوالي صحبه بنوازل
فقد فاتكم نور الهدى بوفاته
…
وعزّ التّقى منه ونجح الوسائل
خلت سنّة المختار من ذبّ ناصر
…
فأقرب ما نخشاه بدعة خاذل
نحا للإمام الشافعيّ مقالةً
…
فأصبح شافي عيّ كلّ مجادل
وسدّ من التجسيم باب ضلالةٍ
…
وردّ من التشبيه شبهة باطل.
قتل ناظمها على عكا سنة خمس وثمانين.
ومن نظم الحافظ أبي القاسم:
ألا إنّ الحديث أجلّ علمٍ
…
وأشرفه الأحاديث العوالي
وأنفع كلّ نوعٍ منه عندي
…
وأحسنه الفوائد والأمالي
فإنك لن ترى للعلم شيئًا
…
تحقّقه كأفواه الرّجال
فكن يا صاح ذا حرصٍ عليه
…
وخذه عن الشّيوخ بلا ملال
ولا تأخذه من صحفٍ فترمى
…
من التصحيف بالداء العضال
وله:
أيا نفس ويحك جاء المشيب
…
فما ذا التّصابي وما ذا الغزل
تولّى شبابي كأن لم يكن
…
وجاء مشيبي كأن لم يزل
كأنّي بنفسي على غرّةٍ
…
وخطب المنون بها قد نزل
فيا ليت شعري ممّن أكون
…
وما قدّر اللّه لي في الأزل.
ولابن عساكر شعر حسن يمليه عقيب كثير من مجالسه، وكان فيه انجماع عن الناس، وخير، وترك للشهادات على الحكام وهذه الرعونات.
توفي في رجب سنة إحدى وسبعين وخمس مائة ليلة الاثنين حادي عشر الشهر، وصلى عليه القطب النيسابوري، وحضره السلطان صلاح الدين، ودفن عند أبيه بمقبرة باب الصغير.
أخبرنا الإمام أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني ببعلبك سنة ثلاث وتسعين، أخبرنا القاضي عبد الواحد بن أحمد بن أبي المضاء في سنة ست وعشرين وست مائة بقراءة الحافظ أبي موسى المقدسي قال: حدثنا علي بن الحسن الشافعي إملاءً ببعلبك سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، أخبرنا الحسين بن عبد الملك بأصبهان، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، ومحمد بن الفيض، والحسين بن عبد الله الرقي قالوا: حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، حدثني أبي، عن عروة بن رويم اللخمي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان ذا وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في تبليغ بر أو تيسير عسير، أعانه الله على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام"
(1)
.
(1)
ضعيف جدا: أخرجه ابن حبان "2069"، والطبراني في "الصغير""451"، وفي "الأوسط""3601"، وفي "مكارم الأخلاق""132"، والقضاعي في "مسند الشهاب""530" و"531" من طرق عن إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، به.
قلت: إسناده ضعيف جدا، آفته إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، قال أبو حاتم وأبو زرعة: كذاب، وذكره ابن حبان في "الثقات" كعادته في توثيق المجاهيل والمجروحين. =
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بقراءتي، أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد، أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن، أخبرنا أبو القاسم النسيب، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن التميمي، أخبرنا يوسف بن القاسم الميانجي، أخبرنا أحمد بن علي التميمي، حدثنا أحمد بن حاتم الطويل، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذات، ونفث، أو نفث عليه
(1)
.
متفق عليه. أما أحمد بن حاتم بن مخشي، عن مالك، فشيخ بصري، وأما الطويل فبغدادي.
=وقد ورد من حديث ابن عمر مرفوعا: عند البيهقي "8/ 167" وإسناده ضعيف جدا، فيه عبد الوهاب بن هشام بن الغاز، قال أبو حاتم: كان يكذب: وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به.
وقد ذكرت الحديث في كتابنا [الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة] المجلد الأول ط. مكتبة الدعوة بالأزهر حديث رقم "175"، وقد خرجته بإسهاب فيه فراجعه ثمت تفد علما ثرا يسرا الله طبع بقية مجلداته الأربع وأكثر النفع به وجعله في ميزان حسناتنا بكرمه ومنه وسعة فضله قوله:"وصله": أي موصلا، وقوله:"ادحض": أي زلق.
(1)
صحيح: أخرجه البخاري "4439"، ومسلم "2192".
5156 - ابن شافع
(1)
:
الإمام الحافظ المفيد، محدث بغداد، أبو الفضل، أحمد بن صالح بن شافع بن صالح بن حاتم، الجيلي، ثم البغدادي المعدل.
ولد سنة عشرين وخمس مائة.
وسمعه أبوه من أبي غالب بن البناء، وهبة الله بن الطبر، وهبة الله بن عبد الله الشروطي، والقاضي أبي بكر، وبدر الشيحي.
ثم طلب هو بنفسه، وتلا بالروايات على أبي محمد سبط الخياط، ولازم الحديث، فأكثر منه، واقتفى أثر ابن ناصر، وحذا حذره، وتخرج به، واستملى له، ثم كان قارئ الحديث بمجلس ابن هبيرة الوزير.
وكان مليح الخط، متقنًا ورعًا دينًا، على سمت السلف، علق "تاريخًا" على السنين ما بيضه.
روى عنه: ابن الأخضر، والحافظ عبد الغني، والشيخ الموفق.
قال الموفق: إمام ثقة حافظ، إمام في السنة، يقرأ قراءةً مليحةً بصوت رفيع.
وقال ابن النجار: كان حافظًا حجةً ثبتًا ورعًا سنيًا، صحيح النقل، وقيل: كان ذا حلم وسؤدد وصفات حميدة.
مات في شعبان سنة خمس وستين وخمس مائة كهلًا، رحمه الله.
ذيل على "تاريخ" الخطيب على السنين إلى بعد الستين وخمس مائة، فذكر الحوادث والوفيات.
قال عمر بن علي القرشي: هو أحد العلماء الأثبات، كتب الكثير، ونال رئاسةً مع علم ودين وتثبت وإتقان، رحمه الله.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 329"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 215".
5157 - أبو الخير
(1)
:
الإمام الحافظ، العالم الكبير، أبو الخير عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمدان بن موسى الأصبهاني.
ولد في صفر سنة خمس مائة.
وروى عن: غانم البرجي، وأبي علي الحداد، وجعفر الثقفي، وعبد الواحد بن محمد الدشتج، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وطبقتهم، وفي الرحلة من ابن الحصين، وأبي العز بن كادش، وخلق.
ثم قدم بغداد بعد الستين وخمس مائة، وأملى بجامع القصر، استملى عليه أبو محمد بن الأخضر.
قال ابن النجار: سألت ابن الأخضر عنه، فأثنى عليه، ووصفه بالحفظ والمعرفة، وقال: كانوا يفضلونه على معمر بن الفاخر.
ثم قال ابن النجار: كان من حفاظ الحديث، سمعت جماعةً يقولون: كان يحفظ "الصحيحين"، وكانوا يفضلونه على الحافظ أبي موسى في الحفظ.
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1092"، ولسان الميزان "4/ 7 - 8"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 228".
قلت: حدث عنه الحافظ عبد الغني، والشيخ موفق الدين.
قال ابن النجار: أخرج إلي شيخنا أبو عبد الله الحنبلي بأصبهان محضرًا في أبي الخير، وفيه خط إسماعيل بن محمد بن الفضل، وأبي نصر الغازي، ومحمد بن أبي نصر اللفتواني، وكوتاه عليه، وكلهم شهدوا أنه لا يحتج بنقله، ولا يقبله قوله، ولا يوثق به في ديانته وسوء سيرته.
وقرأت بخط عبيد الله بن محمد الخجندي سؤالًا سأله الحافظ أبا موسى عن إجازات البغداديين لمسعود الثقفي، وهم الخطيب، وابن المهتدي بالله، وابن المأمون، وتمام العشرة، الذين نقلهم عبد الرحيم بن موسى، وأحال على مواضع طلبت، فلم توجد، وتكلم الناس في ذلك، وسأله أيضًا عن إجازات ابن هاجر، فكتب ما [نصه]: اغترت الأغرار بهذه الإجازات، وضيعوا أوقاتهم في القراءة بها، وبتسويف المدعي لها بإظهارها إلى أن تحقق بطلانها بعد طول المدة، والرجوع إلى الحق أولى، فمن قرأ على الرئيس مسعود بإجازة هؤلاء فقد ضل سعيه، وخاب أمله، وقد أشهد الرئيس على نفسه ببطلان بعضها.
قال الضياء: سمعت الإمام عبد الله الجبائي يقول: كان أبو الخير يحفظ صحيح البخاري، ويقول: من أراد أن يقرأ المتن حتى أقرأ له الإسناد، ومن أراد أن يقرأ الإسناد حتى أقرأ المتن.
وقرأت بخط الشيخ الضياء: سمعت الإمام محمد بن أبي سعيد بأصبهان يقول: أرسل إلي ولد الحافظ أبي العلاء من همذان يسألني عن أبي الخير بن موسى: ما صح عندك فيه? فأرسلت إليه: عندي درج فيه جرحه، ودرج فيه تعديله، والتعديل -والله أعلم- أقرب. ثم قال: لأنه تكلم فيه الحافظ أبو موسى من أجل إجازات مسعود الثقفي.
قلت: توفي في شوال سنة ثمان وستين وخمس مائة.
5158 - الحاجي
(1)
:
الإمام المحدث الحافظ العدل، أبو مسعود، عبد الرحيم بن أبي الوفاء علي بن حمد بن عيسى الأصبهاني الحاجي، سبط الشيخ غانم البرجي.
سمع من: جده غانم، وأبي علي الحداد، وعبد الغفار بن محمد الشيروي -ارتحل إليه- وأبي القاسم بن الحصين، وأبي العز بن كادش، وعدة.
وعنه: السمعاني، وابن عساكر، وعبد القادر الرهاوي، وطائفة، وبالإجازة: ابن اللتي، وكريمة الزبيرية.
وعاش بضعًا وسبعين سنة.
قال السمعاني: شاب كيس متودد، حسن السيرة، له أنسه بالحديث، وهو أحد الشهود المعدلين.
قلت: سمع منه ابن عساكر "المعجم الكبير" للطبراني.
توفي في الثاني والعشرين من شوال سنة ست وستين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 193"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 217" ووقع عنده [علي بن أحمد] بدل [علي بن حمد].
5159 - أبو رشيد
(1)
:
الشيخ الكبير المعمر، عبد الله بن عمر بن عبد الله بن عمر، أبو رشيد، الأصبهاني، من بقايا أصحاب الرئيس الثقفي، وأحمد بن أشتة.
عاش نيفًا وتسعين سنة. توفي في ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وخمس مائة.
أجاز لابن اللتي، وكريمة.
وسمع منه أحاديث: ابن نظيف محمد بن محمود الواعظ الهمذاني، ومحمد بن أبي سعيد الأديب الأصبهاني، ومحمد بن محمد بن محمد بن المقرئ، وأخوه أحمد، ومحمد بن أبي الحسن القصار، والحسين بن الحسن الكوسج، الأصبهانيون.
5160 - البروي
(2)
:
مفتي الشافعية، أبو منصور، محمد بن محمد بن محمد بن سعد، الفقيه الخراساني الواعظ، صاحب التعليقة في الخلاف.
وهو أكبر أصحاب ابن يحيى.
ألف جدلًا مشهورًا، واشتغلوا به.
قدم بغداد، وأقبلوا عليه كثيرًا، فمات بعد أشهر في رمضان سنة سبع وستين وخمس مائة وله خمسون سنة.
وقد درس بالبهائية، وكان أحد الأذكياء.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب "4/ 248".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 338"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 592" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 224"، ووقع في المنتظم [أبو المظفر]، وفي الشذرات [أبو حامد] بدل [أبو منصور].
5161 - الجبريلي
(1)
:
الشيخ المعمر، أبو أحمد، أسعد بن بلدرك ابن أبي اللقاء الجبريلي البواب.
ولد في ربيع الأول سنة سبعين وأربع مائة.
سمع وهو كبير من أبي الخطاب بن الجراح، وأبي الحسن بن العلاف.
وعنه: ابن الأخضر، والشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمن، ومحمد بن المني، وآخرون.
توفي في ربيع الأول سنة أربع وسبعين وخمس مائة.
5162 - ابن العصار
(2)
:
العلامة الأديب، أبو الحسن، علي بن عبد الرحيم بن الحسن السلمي، ثم العباسي الرقي، ثم البغدادي اللغوي، صاحب التصانيف.
ولد سنة ثمان وخمس مائة.
وسمع من: أبي الغنائم محمد بن محمد بن المهتدي بالله، وأبي العز بن كادش.
وطلب الحديث، وقرأ كثيرًا.
حدث عنه: أبو الفتوح بن الحصري وغيره.
وكان عجبًا في اللغة، ثبتًا في النقل.
قال ابن النجار: لم يكن له عيب سوى تقنيطه على نفسه، وله في ذلك حكايات، وخلف مالًا طائلًا.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 246"، ووقع عنده [أحمد بن أسعد] بدل [أبو أحمد أسعد].
(2)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 257"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 175".
قلت: أخذ عن أبي منصور بن الجواليقي، وبمصر عن صاحب الإنشاء أبي الحجاج يوسف بن الخلال.
وكان مليح الخط، أنيق الضبط، سافر في التجارة، ثم تصدر للإفادة، وأقرأ كتب الأدب، وله معرفة قوية بالنحو، وكان يأخذ بمصر النحو عن ابن بري، وكان ابن بري يستفيد منه اللغة، وكان يحفظ من أشعار العرب ما لا يوصف.
وهو خال المحدث أحمد بن طارق الكركي.
مات في ثالث المحرم سنة ست وسبعين وخمس مائة.
وفيها مات: السلفي، وأبو الضياء بدر الجذاداذي راوي "الصحيح"، وشمس الدولة تورانشاه بن أيوب، وأبو المفاخر سعيد بن الحسين المأموني، وأبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن صابر، وعبد الجبار بن يحيى بن الأعرابي، وأبو الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أبي العجائز، وغازي بن مودود صاحب الموصل، وأبو العز محمد بن محمد بن مواهب بن الخراساني.
5163 - الحظيري
(1)
:
أبو المعالي،، سعد بن علي بن قاسم، الأنصاري الوراق الشاعر عرف بدلال الكتب.
صنف كتاب "زينة الدهر وعصرة أهل العصر" ذيل به على "دمية القصر" للباخرزي، وله كتاب "لمح الملح" يدل على سعة اطلاعه.
توفي في صفر سنة ثمان وستين وخمس مائة ببغداد.
والحظيرة: محلة فوق ببغداد.
5164 - ابن الدهان
(2)
:
العلامة أبو محمد، سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي النحوي، صاحب التصانيف. ولد سنة أربع وتسعين وأربع مائة.
وسمع وهو كبير من ابن الحصين، وأبي غالب بن البناء.
وشرح الإيضاح لأبي علي في ثلاثة وأربعين مجلدًا، وشرح "اللمع".
ثم نزل الموصل، وأقبلوا عليه، وبالغ الجواد في إكرامه، وقرر له.
قال القفطي: ذهب إلى أصبهان، واستفاد من كتبها، وقد غرقت كتبه ببغداد في غيبته، ثم نقلت إليه إلى الموصل، فشرع في تبخيرها باللاذن ليقطع ريحها الرديء، فطلع ذلك إلى رأسه، وأحد له العمى.
وله كتاب سرقات المتنبي مجلد، وكتاب "التذكرة" سبع مجلدات.
قال العماد الكاتب: هو سيبويه عصره، ووحيد دهره، لقيته وكان حينئذ يقال: نحاة بغداد أربعة: ابن الجواليقي، وابن الشجري، وابن الخشاب، وابن الدهان.
قال ابن خلكان: لقبه ناصح الدين، توفي سنة تسع وستين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 341"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 259".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 265"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 72"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 233".
5165 - عبد النبي
(1)
:
ابن المهدي علي بن مهدي.
كان أبوه قد وعظ، واشتغل، ودعا إلى نفسه، وجرت له أمور، وغلب على اليمن، وعسف وظلم، وفجر، وشقق بطون الحبالى، وتمرد على الله، وكان من دعاة الباطنية، فقصمه الله سنة نيف وخمسين.
فقام بعده عبد النبي هذا، ففعل كأبيه، وسبى الحريم، وتزندق، وبنى على قبر أبيه المهدي قبةً عظيمةً، وزخرفها، وعمل أستار الحرير عليها وقناديل الذهب، وأمر الناس بالحج إليها، وأن يحمل كل أحد إليها مالًا، ولم يدع أحد زيارتها إلَّا وقتله، ومنعهم من حج بيت الله، فتجمع بها أموال لا تحصى، وانهمك في الفواحش إلى أن أخذه الله على يد شمس الدولة أخي السلطان صلاح الدين، عذبه، ثم قتله، وأخذ خزائنه، فلله الحمد على مصرع هذا الزنديق، وكان ذلك في قرب سنة سبعين وخمس مائة فإن مضي شمس الدولة توران شاه إلى اليمن وأخذها كان في سنة تسع وستين، فأسر هذا المجرم، وشنقه، وتملك زبيد وعدن وصنعاء. ولعبد النبي أخبار في الجبروت والعتو، فلا رحمه الله.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهر لابن تغري بردي "6/ 69 و 72 و 73"وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 234".
5166 - الطاهري:
الشيخ الجليل، أبو المكارم، محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن طاهر بن الحسين، الخزاعي الحريمي.
سمع الحسين بن البسري، وشجاعًا الذهلي، وأبا العز بن المختار وعدة.
وعنه: ابن الأخضر، وأحمد بن البندنيجي، وابن السمعاني.
وكان من أعيان التجار.
حدث بخراسان، وروى عنه الشيخ الموفق.
توفي في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وخمس مائة.
5167 - ابن النعمة
(1)
:
الإمام العلامة، ذو الفنون، أبو الحسن، علي بن عبد الله بن خلف بن محمد بن النعمة، الأنصاري الأندلسي المريي، شيخ بلنسية.
أخذ عن الإمام أبي الحسن بن شفيع، وعباد بن سرحان.
وقدم به أبوه إلى بلنسية سنة ست وخمس مائة، فتلا بها على موسى بن خميس، واختص به. وروى عن أبي بحر بن العاص، وخليص بن عبد الله.
وتفقه بقرطبة على أبي الوليد بن رشد، وأبي عبد الله بن الحاج.
وسمع من أبي محمد بن عتاب، وأبي علي بن سكرة، وعدة.
تصدر لإقراء القراءات والفقه والنحو والحديث.
قال الأبار: كان عالمًا متقنًا، حافظًا للفقه والتفاسير ومعاني الآثار، مقدمًا في علم اللسان، فصيحًا مفوهًا، ورعًا فاضلًا، معظمًا، لين الجانب، ولي الشورى وخطابة بلنسية مدة، وانتهت إليه رئاسة الإقراء والفتوى، له كتاب زي الظمآن في تفسير القرآن، كبير، وشرح سنن النسائي، بلغ فيه الغاية من الاحتفال والإكثار، وأخبرنا عنه جماعة، وهو خاتمة العلماء بشرق الأندلس.
توفي في رمضان سنة سبع وستين وخمس مائة في عشر الثمانين رحمه الله.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 66"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 223".
5168 - البيهقي:
الوزير العلامة، ذو التصانيف، شرف الدين، وحجة الدين أبو الحسن، علي بن أبي القاسم زيد بن أميرك الأنصاري، الأوسي، الخزيمي -نسبة إلى خزيمة بن ثابت- البستي، ثم البيهقي.
مولده سنة تسع وتسعين وأربع مائة. وولي قضاء بيهق سنة 526.
قال أبو النضر الفامي: صدر السيف والقلم، واختار سؤدده كنار في العلم، نادرة الدهر، افتتح ولاية هراة خمس عشرة سنة، وإليه الحل والعقد.
قلت: مدحه الحيص بيص.
وذكره العماد الكاتب، فقال: كان من أعيان الأنام، وأعوان الكرام، وأجواد الورى، وأطواد النهى، حدثني والدي أنه لما مضى إلى الري عقيب النكبة، أصبح وشرف الدين البيهقي قد قصده في موكبه وهو حينئذ والي الري، فنقله إلى منزله، وكان يترشح حينئذ لوزارة السلطان سنجر.
قال: وأظن أنه نكب في واقعة سنجر مع الخطا، وكان أبي يقول: ما رأيت مثله.
قلت: هو القائل:
يا خالق العرش حملت الورى
…
لما طغى الماء على جاريه
وعبدك الآن طغى ماؤه
…
فاحمله يا ربّ على جاريه
وشعره كثير سائر.
قال ياقوت الحموي: له كتاب "إعجاز القرآن"، و"فرائض"، و"أصول فقه"، و"معارج نهج البلاغة"، وكتاب "إيضاح البراهين" في الأصول، و"إثبات الحشر"، و"الوقيعة في منكر الشريعة" و"ديوانه"، وتواليف في الترسل، و"غرر الأمثال"، وكتاب "الانتصار من الأشرار"، و"شرح المقامات"، و"مجامع الأمثال" في أربع مجلدات، و"أطعمة المرضى" وكتاب "المعالجات الاعتبارية"، وكتاب "السموم" و"تفاسير العقاقير"، وفي التنجيم، وفي الأسطرلاب، والكرة، والقرانات، وقصص الأنبياء، وكتاب "الإمارات في شرح الإشارات"، وشرح النحاة، و"تاريخ بيهق" وأشياء عدة ذكرها ياقوت.
مات ببيهق سنة خمس وستين وخمس مائة.
5169 - ابن البلدي
(1)
:
وزير المستنجد بالله، أبو جعفر، أحمد بن محمد بن سعيد، من رجال الدهر سعدًا ودهاءً ونبلًا، فلما توفي المستنجد، طلبوه للعزاء، ولأخذ بيعة المستضيء، فلما دخل أدخل بيتًا، وقتل، وقطع، ورمي في دجلة، وأخذ البيعة الوزير الجديد أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء.
وكانت وزارة ابن البلدي ست سنين، فوجدوا في أوراقه خط الخليفة المستنجد يأمر ابن البلدي بالقبض على ابن رئيس الرؤساء وقطب الدين قيماز، وكتابة الوزير إلى الخليفة ينهاه عن ذلك، فعلما براءة ساحته، وندما على قتله، ثم اقتص الله له من ابن رئيس الرؤساء وقتل.
قتل ابن البلدي في ربيع الآخر سنة ست وستين وخمس مائة.
5170 - شيركوه
(2)
:
الملك المنصور، فاتح الديار المصرية، أسد الدين شيركوه بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني الكردي، أخو الأمير نجم الدين أيوب.
مولده بدوين: بليدة بطرف أذربيجان مما يلي بلاد الكرج -بضم أوله، وكسر ثانيه- ويقال في النسبة إليها: دويني بفتح ثانيه.
نشأ هو وأخوه بتكريت لما كان أبوهما شاذي نقيب قلعتها، وشاذي بالعربي: فرحان، أصلهم من الكرد الروادية فخذ من الهذبانية. وأنكر طائفة من أولاده أن يكونوا أكرادًا، وقالوا: بل نحن عرب نزلنا فيهم، وتزوجنا منهم.
نعم قدم الأخوان الشام، وخدما، وتنقلت بهما الأحوال إلى أن صار شيركوه من أكبر أمراء نور الدين، وصار مقدم جيوشه.
وكان أحد الأبطال المذكورين، والشجعان الموصوفين، ترعب الفرنج من ذكره، ثم جهزه نور الدين في جيش إلى مصر لاختلال أمرها، وطمع الفرنج فيها، فسار إليها غير مرة، فسلك
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 233"، وشذرات الذهب لابن العماد "216 - 217".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 298"، والنجوم الزاهرة "5/ 381 و 387 - 389" وشذرات الذهب "4/ 211".
أولًا على طريق وادي الغزلان، وخرج من عند إطفيح، وجهز ولد أخيه صلاح الدين إلى الإسكندرية، وجرت له أمور يطول شرحها وحروب وحصار، وأقبلت الفرنج، وأحاطوا ببلبيس، واستباحوها في سنة أربع وستين، فاستغاث المصريون بنور الدين، فبعث إليهم أسد الدين، فطرد عنهم العدو، ودخل القاهرة، وتمكن، فعزم شاور وزير مصر على الفتك به، فبادر وبته، واستقل بوزارة العاضد، ودان له الإقليم، فبقى شهرين، وبغته الأجل بالخوانيق شهيدًا في جمادى الآخرة سنة أربع وستين، فقام في الدست بعده صلاح الدين، ولما ضايقت الفرنج شيركوه ما كانوا يقدمون عليه، قتله خانوق في ليلة، وكان يعتل به لكثرة أكله اللحم.
وخلف ولده صاحب حمص ناصر الدين وأبا صاحبها الملك المجاهد شيركوه وجد صاحبها الملك المنصور ناصر الدين إبراهيم.
أخوه الأمير الكبير:
5171 - نجم الدين أيوب
(1)
:
والد الملوك.
ولي نيابة بعلبك للأتابك زنكي، وأنشأ الخانكاه بها، ثم كان من أعيان أمراء دمشق، ولما تملك مصر ولده، أذن له نور الدين، فسار إلى ابنه، فبالغ في ملتقاه، وخرج لتلقيه الخليفة الرافضي العاضد.
وكان من رجال العالم عقلًا وخبرة.
شب به الفرس، فمات بعد أيام في ذي الحجة سنة ثمان وستين وخمس مائة. ثم نقل هو وأخوه إلى تربة بقرب الحجرة النبوية بعد عشر سنين.
ولده عدة بنين وبنات رحمه الله.
5172 - يوسف بن آدم:
ابن محمد بن آدم، المحدث الصالح، أبو يعقوب المراغي، ثم الدمشقي، من مشايخ السنة.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1 ترجمة 107" وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 226 - 227".
سمع من: الحافظ ابن ناصر، وأبي بكر بن الزاغوني، وجماعة.
وحدث بصحيح مسلم عن الفراوي، ما أدري بالسماع -وهو أظهر- أبو بالإجازة? وسمعه منه المحدثان عبد الرزاق الجيلي، ومحمد بن مشق.
وروى عنه: الشيخ سلامة الحداد، وهلال بن محفوظ الرسعني، وطائفة.
وحدث بدمشق وببغداد ونصيبين، ونسخ الكثير.
ولد سنة إحدى عشرة وخمس مائة.
وكان أمارًا بالعرف، داعيًا إلى الأثر بزعارة.
قال ابن النجار: كان كثير الشغب، مثيرًا للفتن بين الطوائف.
قال أبو الحسن القطيعي: كان إذا بلغه أن قاضيًا أشعريًا عقد نكاحًا، فسخ نكاحه، وأفتى بأن الطلاق لا يقع في ذلك النكاح، فأثار فتنًا، فأخرجه صاحب دمشق منها، فسكن حران، ثم تملكها نور الدين، فالتمس منه العود إلى دمشق ليزور أمه، فأذن له بشرط أن لا يدخل البلد، فجاء ونزل بكهف آدم، فخرجت أمه إليه، ثم دخل البلد يوم جمعة، فخاف واليها من فتنه، فأمره بالعود إلى حران، فعاد إليها، لقيته بها، وكتبت عنه.
قال: وبها مات في قرب ربيع الأول سنة تسع وستين وخمس مائة.
قلت: كان في سنة نيف وخمسين قد ضرب السيف البلخي الواعظ أنف يوسف بن آدم بدمشق، فأدماه، فنفى نور الدين بن آدم من دمشق، وكان من عوام المحدثين، مزجي البضاعة.
أنبأني أحمد بن سلامة، عن عبد الغني الحافظ، أخبرنا يوسف بن آدم في سنة أربع وخمسين وخمس مائة، أخبرنا جعفر بن زيد الحموي، أخبرنا أبو الحسن ابن الزاغوني "ح". وقرأت على محمد بن أبي بكر الأسدي، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي بن عبد السلام، أخبرنا جدي، قالا: أخبرنا أبو محمد الصريفيني، أخبرنا الكتاني، أخبرنا البغوي، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن يظهر الرجل أحسن ما عنده.
5173 - ابن عبد
(1)
:
الفقيه العلامة، أبو البركات، الخضر بن شبل بن الحسين بن عبد الواحد، الحارثي الدمشقي الشافعي، مدرس الغزالية والمجاهدية، وخطيب دمشق.
مولده في سنة ست وثمانين وأربع مائة.
وسمع أبا القاسم النسيب، وأبا طاهر الحنائي، وسبيع بن قيراط، وعدة.
وتفقه بجمال الإسلام وغيره.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وابنه بهاء الدين، وأبو نصر بن الشيرازي، وجماعة.
قال ابن عساكر: كتب كثيرًا من الفقه والحديث، ودرس سنة ثماني عشرة، وأفتى، وكان سديد الفتاوى، واسع المحفوظ، ثبتًا، ذا مروءة ظاهرة، يتكلم في الخلاف والأصول، لزمت درسه مدةً. توفي سنة اثنتين وستين وخمس مائة.
5174 - عمارة
(2)
:
العلامة، أبو محمد، عمارة بن علي بن زيدان الحكمي المذحجي اليمني الشافعي الفرضي، الشاعر، صاحب "الديوان" المشهور.
ولد سنة خمس عشرة وخمس مائة.
وتفق بزبيد مدةً، وحج سنة تسع وأربعين، ونفذه أمير مكة قاسم بن فليتة رسولًا إلى الفائز بمصر، فامتدحه بهذه الكلمة:
الحمد للعيس بعد العزم والهمم
…
حمدًا يقوم بما أولت من النّعم
لا أجحد الحقّ عندي للرّكاب يدٌ
…
تمنّت اللّجم فيها رتبة الخطم
قرّبن بعد مزار العزّ من نظري
…
حتى رأيت إمام العصر من أمم
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 375"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 205" ووقع عنده [عبد الحارثي] بدل [عبد الواحد الحارثي].
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 489" ووقع عنده [ريدان] بالراء المهملة بدل [زيدان] بالزاي المعجمة، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 234 - 235".
فهل درى البيت أنّي بعد فرقته
…
ما سرت من حرمٍ إلَّا إلى حرم
حيث الخلافة مضروبٌ سرادقها
…
بين النّقيضين من عفوٍ ومن نقم
وللإمامة أنوار مقدّسةٌ
…
تجلو البغيضين من ظلمٍ ومن ظلم
وللنّبوّة آياتٌ تنصّ لنا
…
على الخفيين من حكمٍ ومن حكم
وللمكارم أعلامٌ تعلّمنا
…
مدح الجزيلين من بأسٍ ومن كرم
وللعلى ألسنٌ تثني محامدها
…
على الحميدين من فعل ومن شيم
منها:
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها
…
عقود مدحٍ فما أرضى لكم كلمي
ثم استوطن بعد مصر.
قال ابن خلكان: كان شديد التعصب للسنة، أديبًا ماهرًا، رائجًا في الدولة، ثم تملك صلاح الدين، فامتدحه، ثم إنه شرع في اتفاق مع رؤساء في إعادة دولة العبيديين، فنقل أمرهم إلى صلاح الدين، فشنق عمارة في ثمانية في رمضان سنة تسع وستين وخمس مائة.
وقد نسب إلى عمارة بيت، فربما وضع عليه، فأفتوا بقتله، وهو:
قد كان أول هذا الأمر من رجلٍ
…
سعى إلى أن دعوه سيّد الأُمم
وهو من بيت إمرة وتقدم من تهائم اليمن من وادي وساع يكون عن مكة أحد عشر يومًا.
قال عمارة: كان القاضي محمد بن أبي عقامة الحفائلي رأس أهل العلم والأدب بزبيد يقول لي: أنت خارجي هذا الوقت وسعيده، لأنك أصبحت تعد من أكابر التجار وأهل الثروة، ومن أعيان الفقهاء الذين أفتوا، ومن أفضل أهل الأدب، فهنيئًا لك.
وحكى عمارة أن الصالح بن رزيك فاوضه، وقال: ما تعتقد في أبي بكر وعمر? قلت: أعتقد أنه لولاهما لم يبق الإسلام علينا ولا عليكم، وأن محبتهما واجبة. فضحك، وكان مرتاضًا حصيفًا، قد سمع كلام فقهاء السنة.
قلت: هذا حلم من الصالح على رفضه.
ولعمارة فيه:
ولو لم يكن يدري بما جهل الورى
…
من الفضل لم تنفق عليه الفضائل
لئن كان منّا قاب قوسٍ فبيننا
…
فراسخ من إجلاله ومراحل
وله:
لي في هوى الرّشإ العذريّ أعذار
…
لم يبق لي مذ أقرّ الدّمع إنكار
لي في القدود وفي لثم الخدود وفي
…
ضمّ النّهود لباناتٌ وأوطار
هذا اختياري فوافق إن رضيت به
…
أو لا فدعني وما أهوى وأختار
لمني جزافًا وسامحني مصارفةً
…
فالناس في درجات الحبّ أطوار
وله بيت كيس في العبيديين:
أفاعيلهم في الجود أفعال سنّةٍ
…
وإن خالفوني في اعتقاد التّشيّع
قلت: يا ليته تشيع فقط، بل يا ليته ترفض، وإنما يقال: هو انحلال وزندقة.
ولعمارة فضائل وأخبار يطول بثها، سقت منها في "تاريخنا الكبير".
وصلب معه داعي الدعاة قاضي الديار المصرية أبو القاسم هبة الله ابن كامل، وكان صاحب فنون.
5175 - العثماني
(1)
:
القاضي، الإمام المحدث، أبو محمد، عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن علي بن محمد بن إسماعيل بن الوليد بن عمرو بن محمد بن خالد بن الديباج محمد بن عبد الله بن عمرو بن الشهيد عثمان بن عفان، الأموي العثماني الديباجي الإسكندراني، صاحب تلك الفوائد التي نرويها.
حدث عن: أبيه، وأبي القاسم بن الفحام، وأبي عبد الله الرازي، وأبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشي، وأبي الفضل جعفر بن إسماعيل بن خلف المقرئ، وعبد الله بن يحيى بن حمود، وعدة. وما علمته رحل.
روى عنه: الحافظ عبد الغني، والحافظ علي بن المفضل، والحافظ عبد القادر، وحماد الحراني، وجعفر بن علي الهمداني، وآخرون.
ويعرف في زمانه بابن أبي اليابس.
قال ابن المفضل: كانت عنده فنون عدة، ولد سنة أربع وثمانين وأربع مائة، ومات في شوال سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة.
قلت: كان ثقةً في نفسه. وقد قال حماد الحراني: رمى أبو طاهر السلفي العثماني بالكذب، فذكر لي جماعة من أعيان أهل الإسكندرية أن العثماني كان صحيح السماعات، ثقةً ثبتًا صالحًا متعففًا، يقرئ النحو واللغة والحديث، وسمعت جماعة يقولون: إنه كان يقول: بيني وبين السلفي وقفة بين يدي الله.
قال الأبار: أكثر أبو عبد الله التجيبي عن أبي الحجاج الثغري، وقال: لم أر أفضل منه، ولم أر بالبلاد المشرقية أفضل من أبي محمد العثماني ولا أزهد ولا أورع منه.
قلت: خرج تلك الفوائد في سنة أربع عشرة وخمس مائة، وحدث بها في ذلك الوقت وهلم جرًا. وكان أبوه من علماء الثغر.
(1)
ترجمته في لسان الميزان "3/ 309"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 80"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 241 - 242".
5176 - ابن بنيمان:
الشيخ العالم الأديب، الصالح المعمر، أبو الفضل، محمد بن بنيمان بن يوسف، الهمذاني المؤذن المؤدب، سبط الحافظ حمد بن نصر الأعمش.
سمع من: جده، وعبدوس بن عبد الله بن عبدوس، والسلار مكي بن منصور الكرجي، والحسن بن ياسين، وسعد بن علي العجلي المفتي، ومحمد بن جامع الجوهري القطان، وعبد الرحمن بن حمد الدوني، وعنده المجتبى وعمل يوم وليلة لابن السني عن الدوني.
وعنه: الحافظ أبو المواهب بن صصرى، ويوسف بن أحمد الشيرازي، وصالح بن المعزم، ومحمد بن محمد بن الكرابيسي، وأحمد ابن آدم الكرابيسي، وآخرون.
قال السمعاني: هو أبو الفضل الأشناني، شيخ أديب فاضل، جميل الطريقة، ثقة، له سمت ووقار وتودد وصلاح، مكثر من الحديث، قرأ الأدب على أبي المظفر الأبيوردي، سمعت من لفظه كتاب "سنن التحديث" لصالح بن أحمد الهمذاني، و"جزء الذهلي".
قلت: توفي بهمذان في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة وله تسع وثمانون سنة وأشهر.
5177 - السلفي
(1)
:
هو الإمام العلامة المحدث الحافظ المفتي، شيخ الإسلام شرف المعمرين، أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرواني.
ويلقب جده أحمد سلفة، وهو الغليظ الشفة، وأصله بالفارسية سلبة، وكثيرًا ما يمزجون الباء بالفاء، فالسلفي مستفاد مع السلفي -بفتحتين- وهو من كان على مذهب السلف، ومنهم: أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله السرخسي يروي عن أبي الفتيان الرواسي.
والسلفي -بضم ثم فتح- قيس بن الحجاج السلفي، ورافع بن عقيب، ومحمد بن خالد بن خلي، وعبد الله بن عبد الأعلى، وأبو الأخيل من ذرية سلف بن يقطن، وهم بطن من الكلاع، والكلاع قبيلة من حمير.
وبكسر وسكون: إسماعيل بن عباد السلفي القطان، عن عباد الرواجني، منسوب إلى درب السلفي، وهو من قطيعة الربيع ببغداد.
وبفتحتين وقاف: أبو عمرو أحمد بن روح السلقي، هجاه البحتري.
وبزيادة ياء: إسماعيل بن علي السيلقي من كبار مشيخة السلفي صاحب الترجمة.
ولد الحافظ أبو طاهر في سنة خمس وسبعين، أو قبلها بسنة، وهذا مطابق لما رواه أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي في "تاريخه"، قال: سمعت الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بعد عوده من عند السلفي يقول: سألته عن مولده، فقال: أنا أذكر قتل نظام الملك -يعني الوزير الذي وقف المدرسة النظامية ببغداد- وكان عمري نحو عشر سنين؛ قتل سنة خمس وثمانين وأربع مائة، وقد كتب عني بأصبهان أول سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة، وأنا ابن سبع عشرة سنةً أو أكثر، أو أقل بقليل، وما في وجهي شعرة، كالبخاري رحمه الله يعني لما كتبوا عنه.
(1)
ترجمته في اللباب لابن الأثير "2/ 126"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 44"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1082"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 610"، ولسان الميزان "1/ ترجمة 880"، وتبصير المنتبه "2/ 738".
وقال الإمام أبو شامة: سمعت شيخنا علم الدين السخاوي يقول: سمعت يومًا أبا طاهر السلفي ينشد لنفسه ما قاله قديمًا:
أنا من أهل الحدي
…
ث وهم خير فئة
جزت تسعين وأر
…
جو أن أجوزنّ المائة
قال: فقيل له: قد حقق الله رجاءك، فعلمت أنه قد جاز المائة، وذلك في سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة.
وقد ذكر غير واحد أن السلفي ممن نيف على المائة عام، حتى إن تلميذه الوجيه عبد العزيز بن عيسى قال: مات وله مائة وست سنين.
وأول سماع حضره السلفي متفرجًا مع الصبيان مجلس رزق الله التميمي الحنبلي، إذ قدم عليهم رسولًا أصبهان، فقال السلفي فيما قرأته على عبد المؤمن الحافظ أخبرنا ابن رواج، أخبرنا السلفي، قال: شاهدت رزق الله يوم دخوله إلى البلد، وكان يومًا مشهودًا كالعيد، بل أبلغ في المزيد، وحضرت مجلسه في الجامع الجورجيري، وقال لي أحمد بن معمر العبدي: قد استجزته لك في جملة من كتبت من صبياننا.
قال السلفي في "معجم أصبهان": الواعظة أروى بنت محمد هي ابنة عم جدتي فاطمة الشعبية مقدمة الواعظات، رأيتها وحضرت عندها كثيرًا، وقد سمعت من أبي سعد الماليني، والنقاش، وماتت سنة ثمانين وأربع مائة.
وقال: أول من سمعت منه وكتبت عنه محمد بن محمد بن عبد الرحمن المديني، سمع في سنة تسع وأربع مائة من أحمد بن عبد الرحمن اليزدي.
وسمع السلفي كثيرًا من الرئيس أبي عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي، وله سماع في سنة ثلاث وأربع مائة. ومات هو والمديني عام تسعة وثمانين. وسمع أيضًا بأصبهان من رئيس المؤذنين أبي مسعود محمد وأحمد ابني عبد الله السوذرجاني رويا له عن علي بن ميلة. وسمع من أبي بكر محمد بن عبد الواحد بن محمد، وقال: لم يمت أحد من شيوخي قبله، ولا حدثنا عن أبي منصور بن مهربزد صاحب أبي علي الصحاف سواه. قال: وأخبرنا محمد بن علي الكاغدي عن علي بن ميلة.
وحدث السلفي عن أبي مطيع محمد بن عبد الواحد الصحاف صاحب ابن مردويه، وعن محمد بن عبد الجبار القوساني، وأبي طالب أحمد بن أبي هاشم الكندلاني، وأحمد بن
عبد الغفار بن أشته، وإسماعيل بن علي السيلقي، وأبي الفضل أحمد بن محمد بن الحسن بن سليم المؤدب، وأبي الفتح أحمد بن محمد الحداد -وتلا عليه إلى الخواتيم- وعبد الرحمن بن محمد بن يوسف النصري السمسار -بقية أصحاب الجرجاني- وسعيد بن محمد بن يحيى الجوهري -صاحب ابن ميلة- ومكي بن منصور الكرجي السلار -صاحب القاضي أبي بكر الحيري- وأبي سعد محمد بن محمد المطرز -وتلا عليه ختمةً- وأبي الفتح محمد بن أحمد بن الحارث الأخرم -صاحب غلام محسن- والحافظ أحمد بن محمد بن الحافظ أبي بكر بن مردويه، والحافظ أحمد بن محمد بن بشرويه -وسمع منه "معجمه"- وأحمد بن محمد بن قولويه، والمقرئ إسماعيل بن الحسن العلوي، والمحدث بندار بن محمد الخلقاني، وأبي القاسم عبد الله بن أحمد بن بليزة الخرقي، وتلا عليه لقنبل عن قراءته في سنة ثلاث وعشرين وأربع مائة على ابن زنجويه، وأبي حفص عمر بن الحسن بن محمد بن سليم المعلم -صاحب غلام محسن- وأبي نصر الفضل بن علي الحنفي -صاحب ابن ميلة- وأبي القاسم الفضل بن علي السكري -صاحب أبي بكر ابن أبي علي الذكواني- وفضلان بن عثمان القيسي -صاحب الذكواني أيضًا- وأبي علي المطهر بن بطة -روى عن الحمال- ولاحق بن محمد التميمي -يروي عن الفضل بن شهريار- وتلا لقالون أيضًا على أبي سعد نصر بن محمد الشيرازي، صاحب أبي الفضل الرازي في خلق كثير من أصحاب أبي نعيم وابن ريذة. ونزل إلى الحافظ إسماعيل بن محمد بن الفضل الطلحي، والفضل بن محمد الديلمي، وعدة.
وسمع من النساء بأصبهان، من أم سعد أسماء بنت أحمد بن عبد الله بن أحمد، تروي عن ابن عبد كويه، والجمال، وابن أبي علي، ومن أمة العزيز بنت محمد بن الجنيد -سمعت الجمال- ومن سارة أخت شيخه أبي طالب الكندلاني، وفاطمة بنت ماجة -تروي عن أبي سعيد بن حسنويه- ومن لامعة بنت سعيد البقال، وقد سمعوا منها في حياة أبي نعيم الحافظ، فعمل معجم شيوخه الأصبهاني في مجلد كبير.
وارتحل، وله أقل من عشرين سنةً، فدخل بغداد ولحق بها أبا الخطاب ابن البطر، وسمع منه نحوًا من عشرين جزءًا، كان يتفرد بها، فتفرد هو بها عنه؛ كالدعاء للمحاملي، والأجزاء المحامليات الثلاثة. وسمع من أبي بكر أحمد بن علي الطريثيثي، والحسين بن علي بن البسري، وثابت بن بندار، وأبي سعد الحسين بن الحسين الفانيدي، وأبي مسلم عبد الرحمن بن عمر السمناني، وعلي بن محمد بن العلاف الحاجب، وعلي بن الحسين الربعي، وأبي الخطاب بن الجراح، وقاضي الموصل أبي نصر محمد بن علي بن ودعان صاحب تيك الأربعين المكذوبة، والمبارك بن عبد الجبار بن الطيوري، وجعفر بن أحمد السراج، والمعمر
ابن محمد الحبال، ومنصور بن بكر بن محمد بن حيد، وأبي الفضل محمد بن محمد بن محمد ابن الصباغ، وأبي طاهر محمد بن أحمد بن قيداس، وأبي البركات محمد بن المنذر بن طيبان، وأبي البركات محمد بن عبد الله الوكيل، وأبي منصور الخياط، وأبي سعد محمد بن عبد الملك الأسدي، وأبي ياسر محمد بن عبد العزيز الخياط، والشريف محمد بن عبد السلام الأنصاري، وأبي سعد محمد بن عبد الملك ابن خشيش، وأبي غالب محمد بن الحسن الباقلاني، وعلي بن الخل البزاز، وأبي تراب عبد الخالق بن محمد بن خلف المؤدب، صاحب هبة الله اللالكائي وأحمد بن سوسن التمار، والحافظ أبي علي البرداني، والحافظ شجاع بن فارس الذهلي، والحافظ مؤتمن بن أحمد الساجي، والمفيد أبي محمد ابن الآبنوسي، والحافظ أبي عامر العبدري، وخلق كثير عمل لهم المعجم في مجلد تام فيهم عدد من أصحاب ابن غيلان والجوهري. ونزل إلى أصحاب أبي الحسين بن النقور.
وجالس في الفقه إلكيا الهراسي، ويوسف بن علي الزنجاني، وأبا بكر الشاشي.
وأخذ الأدب عن أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي.
ولم يتفق له لقي أبي حامد الغزالي فإنه كان قد فارق بغداد. وحج وقدم الشام ثم ارتحل منها إلى خراسان.
لم يسمع ببغداد من النساء سوى ثماني شيخات، وسافر منها بعد أربع سنين. وسمع بالكوفة من أبي البقاء الحبال وجماعة.
وحج فسمع بمكة من أبي شاكر العثماني صاحب أبي ذر الحافظ، ومن الحسين بن علي الطبري الفقيه. وبالمدينة من أبي الفرج القزويني. ورد إلى بغداد فأقام بها عامين مكبًا على العلم والفضائل.
ثم ارتحل سنة خمس مائة فسمع من محمد بن جعفر العسكري وطائفة بالبصرة، ومن المفتي أبي بكر أحمد بن محمد بن زنجويه صاحب أبي علي بن شاذان بزنجان، ومن أبي غالب محمد بن أحمد العدل صاحب ابن شبانة بهمذان، ومن أبي سعيد عبد الرحمن بن عبد العزيز الشافعي بأبهر، ومن أبي نعيم محمد بن علي بن زبزب بواسط، ومن أبي القاسم محمود بن سعادة الهلالي بسلماس، ومن محمد بن الحسن بن محمد بن إسحاق بن فدويه الكوفي بالحلة، ومن أبي سعد أحمد بن الخصيب الخانساري بجرباذقان، ومن أحمد بن إسحاق الأديب بساوة، ومن قاضي الدينور أبي طالب نصر بن الحسين بالدينور، ومن موحد بن محمد بن عبد الواحد القاضي بتستر، ومن أبي طاهر حمد بن محمد بن عمر
الكوسج بالكرج، ومن راشد بن علي المقرئ بالأهواز، ومن أحمد بن عمر بن محمد بن ناتان بتفليس، ومن محمد بن أحمد بن مهدي السرنجي بنصيبين، ومن أبي طاهر أحمد بن علي بشابرخواست، ومن أبي نصر عبد الواحد بن محمد بالكنكور، ومن أبي الفتح أحمد بن محمد بن رشيد الأدمي بشهرستان، ومن أبي تمام محمد بن محمد بن بنبق بالنعمانية، ومن القاضي مسعود بن علي الملحي بأردبيل، ومن القاضي سالم بن محمد العمراني بآمد، ومن القاضي عبد الجبار بن سعد بالأشتر، ومن أبي الفتح أحمد بن محمد بن حامد الحراني بماكسين، ومن القاضي عبد الكريم بن حمد الجرجاني بمأمونية زرند، ومن قاضي نهر الدير عبد الواحد بن أحمد بها، ومن ميمون بن عمر البابي الفقيه بباب الأبواب، ومن أبي صادق المديني بمصر، ومن القاضي أبي المحاسن الروياني بالري، ومن القاضي إسماعيل بن عبد الجبار الماكي بقزوين، ومن أبي علان سعد بن علي المضري بمراغة، ومن أبي عبد الله محمد بن أحمد الرازي بالإسكندرية، ومن خلق كثير بها، ومن أبي طاهر محمد بن الحسين الحنائي بدمشق، ومن أبي منصور محمد بن عبد الواحد بن غزو بنهاوند. وسمع بأبهر من أبي العلاء أحمد بن إسماعيل الطباخي بسماعه من جده لأمه محمد بن عبد العزيز في سنة ثلاث وعشرين وأربع مائة. وسمع بصور من أبي الفضل أحمد بن الحسين الكاملي المستملي عن عمر بن أحمد الآمدي. وسمع بقزوين من الخليل بن عبد الجبار التميمي راوي نسخة فليح. وسمع بصريفين واسط من رجب بن محمد الشروطي، وبميافارقين من مفتيها شريف بن فياض، وبالرحبة من أبي منصور ضبة بن أحمد القضاعي الشروطي، وبالدون من عبد الرحمن بن حمد السفياني، وبالفرك من بدر بن دلف الفركي، وبقرقيسيا علي بن إبراهيم الخطيبي، وبقرميسين علي بن منير الحراني، وبشروان علي بن أحمد بن علي المفضض ولينه، وبزرند عبد الرزاق بن حسن، وبأبهر أيضًا من رئيسها عبد الوارث بن محمد الأسدي بسماعه من أبيه في سنة تسع عشرة وأربع مائة؛ أخبرنا علي بن لؤلؤ الوراق، وبالفاروث من عسكر بن حسن بن سنبر، وبمدينة القضر من غالب بن علي، وبفيد من فرج بن إبراهيم، وبعرابان كلاب بن حواري التنوخي عن رجل عن آخر عن عبد الغافر الفارسي، وبداريا محمد بن علي بن حجيجة، وبعسكر مكرم المبارك بن محمد بن منصور الديباجي، وبحاني مباركة بنت أبي الحسن الحنبلية، وبثغرنشوى مفرج بن أبي عبد الله، وبالدونق نصر بن منصور الدونقي، وبالزز من مانكيل بن محمد، وبتدمر أبياتًا من وهيب التميمي، وبسراي، دار مملكة أزبك خان، من عبد الله بن علي السفني. وسمع بماردين، وسهرورد، ودبيل، وجويث، وخلاط، وقهج، وغير ذلك، وأفرد من ذلك "الأربعين البلدية".
وأملى مجالس بسلماس وهو شاب، وانتخب على غير واحد من المشايخ، وكتب العالي والنازل، ونسخ من الأجزاء ما لا يحصى كثرةً، فكان ينسخ الجزء الضخم في ليلة. وخطه متقن سريع لكنه معلق مغلق.
وبقي في الرحلة ثمانية عشر عامًا، يكتب الحديث والفقه والأدب والشعر. وقدم دمشق سنة تسع وخمس مائة، فأقام بها سنتين، يكتب العلم مقيمًا بالخانقاه. وقد جمعوا له من جزازه وتعاليقه معجم السفر في مجلد كبير. ثم استوطن ثغر الإسكندرية بضعًا وستين سنةً وإلى أن مات، ينشر العلم ويحصل الكتب التي قل ما اجتمع لعالم مثلها في الدنيا.
ارتحل إليه خلق كثير جدًا، ولا سيما لما زالت دولة الرفض عن إقليم مصر وتملكها عسكر الشام، فارتحل إليه السلطان صلاح الدين وإخوته وأمراؤه، فسمعوا منه.
حدث عنه الحافظ محمد بن طاهر المقدسي، والمحدث سعد الخير وهما من شيوخه، وأبو العز محمد بن علي الملقاباذي، وعلي بن إبراهيم السرقسطي، وطيب بن محمد المروزي، وقد روى أبو سعد السمعاني عن الثلاثة عن السلفي. وممن روى عنه يحيى بن سعدون القرطبي، والصائن هبة الله بن عساكر، وحدث عنهما الحافظان: ابن السمعاني وأبو القاسم ابن عساكر عنه.
وروى عنه بالإجازة خلق ماتوا قبله، منهم: القاضي عياض بن موسى.
وحدث عنه من الأئمة: عمر بن عبد المجيد الميانشي، وحماد الحراني، والحافظان: عبد الغني وعبد القادر الرهاوي، وعلي بن المفضل الحافظ، وأبو البركات ابن الجباب، والشهاب ابن راجح، وأبو نزار ربيعة بن الحسن اليمني، وأبو النجم فرقد الكناني، وعبد الرحيم بن أبي الفوارس القيسي، والصائن عبد الواحد بن إسماعيل الأزدي، وأبو النجم بن رسلان الواعظ، والسلطان يوسف بن أيوب وأخوه السلطان أبو بكر العادل، وأبو الفتوح محمد بن محمد البكري وابنه أبو الحسن محمد، ومحمد بن عبد الغفار الهمذاني، والأمير محمد بن محمود الدوني، وظافر ابن عمر بن مقلد الدمشقي، وعبد الله بن عمر الشافعي قاضي اليمن، ومرتضى بن حاتم، وظافر بن شحم، وعلي بن زيد التسارسي، وعلي بن مختار العامير، وجعفر بن علي الهمداني، وعبد الغفار بن شجاع المحلي، والفخر محمد بن إبراهيم الفارسي، والحسن بن محمد الأوقي، ونصر بن جرو، وعبد الصمد الغضاري، وعيسى بن الوجيه بن عيسى، ومحمد بن عماد الحراني، والفخر محمد بن عبد الوهاب، وإبراهيم بن علي المحلي، ودرع بن فارس العسقلاني الشيرجي، وعبد الخالق بن إسماعيل التنيسي،
وعلي بن محمد بن رحال، ومحمد بن محمد بن سعيد المأموني، وعبد الله بن عبد الجبار العثماني، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن الجباب وأخوه محمد، وأبو القاسم عبد الرحمن بن الصفراوي، وعبد الرحيم بن الطفيل، والحسن بن هبة الله بن دينار، ويوسف بن عبد المعطي بن المخيلي، والوجيه محمد بن تاجر عينه، وعلي بن إسماعيل بن جبارة، وحمزة بن أوس الغزال، ويحيى بن عبد العزيز الأغماتي وأخوه ناصر، وحسين بن يوسف الشاطبي، وعبد العزيز بن النقار، ومظفر بن عبد الملك الفوي، ومنصور بن سند بن الدماغ، وعلم الدين علي بن محمد السخاوي، وعلم الدين علي بن محمود بن الصابوني وابن أخيه الشهاب أحمد بن محمد، وفاضل بن ناجي المخيلي، ويوسف بن يعقوب الساوي، وأبو الوفاء عبد الملك بن الحنبلي، وأبو القاسم بن رواحة، وأحمد بن محمد بن الجباب، وعلي بن أبي بكر الديبلي، وعلي بن عبد الرحمن المنبجي، وعمر بن أمير ملك الحنفي، وعبد الواحد بن أبي القاسم الدمشقي، وتمام بن عبد الهادي بن الحنبلي، وعبد العزيز بن عبد الله بن الصواف، وعمر بن الشيخ أبي عمر بن قدامة، وأبو منصور محمد بن عقيل بن الصوفي، ومحمود بن موسك الهذباني، ومحمد بن يحيى بن السدار، وبشارة بن طلائع، وعبد الله بن يوسف القابسي، وصدقة بن عبد الله الأديب، وعلي بن منصور بن مخلوف، وسليمان بن حسن البزاز، وعبد الله بن يحيى المهدوي، وحسان ابن أبي القاسم المهدوي، وعبد الحكيم بن حاتم، وست الحسن بنت الوجيه بن عيسى، وعبد الكافي السلاوي، وعبد الله بن إسماعيل بن رمضان، والحسين بن صادق المقدسي، ونصر الله ابن نقاش السكة، وعبد الكريم بن كليب الحراني، وهبة الله ابن نقاش السكة أخو المذكور، وعبد الوهاب بن رواج الأزدي، وبهاء الدين علي بن الجميزي، وشعيب بن يحيى الزعفراني، وأحمد بن علي بن بدر الدمشقي، وعبد الخالق بن حسن بن هياج، وعبد المحسن السطحي، وعلي بن عبد الجليل الرازي، وقيماز المعظمي، وهبة الله بن محمد بن مفرج بن الواعظ وسبطه أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي، وخلق آخرهم موتًا راوي المسلسل عنه أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد السلام السفاقسي. وبالإجازة تاج الدين أحمد بن محمد بن الشيرازي، والنور البلخي، وعثمان بن علي بن خطيب القرافة، ومحمد بن عبد الواحد المقدسي الحافظ، ومكي بن علان القيسي، ومحمد بن عبد الهادي الجماعيلي، وعدة.
وممن سمع منه أيضًا أبو الحسن محمد بن يحيى بن ياقوت وروى عنه بالإجازة العامة الزين أحمد بن عبد الدائم وطائفة؛ فبين ابن طاهر وبين السفاقسي في الوفاة مائة وسبع وأربعون سنة، وذا ما لم يتفق مثله لأحد في كتاب "السابق واللاحق".
ولقد خرج "الأربعين البلدية" التي لم يسبق إلى تخريجها، وقل أن يتهيأ ذلك إلَّا لحافظ عرف باتساع الرحلة. وله كتاب السفينة الأصبهانية في جزء ضخم، رويناه، و"السفينة البغدادية" في جزءين كبيرين، و"مقدمة معالم السنن"، و"الوجيز في المجاز والمجيز"، و"جزء شرط القراءة على الشيوخ"، و"مجلسان في فضل عاشوراء".
وانتخب على جماعة من كبار المشايخ كجعفر بن أحمد السراج، وأبي الحسين ابن الطيوري، وأبي الحسن ابن الفراء الموصلي، وكان مكبًا على الكتابة والاشتغال والرواية، لا راحة له غالبًا إلَّا في ذلك.
قال الحافظ المنذري: سمعت الحافظ ابن المفضل يقول: عدة شيوخ الحافظ السلفي بأصبهان تزيد على ست مائة نفس، و"مشيخته البغدادية" خمسة وثلاثون جزءًا، وكل من سمع من أبي صادق المديني ومحمد بن أحمد الرازي المعدل من المصريين فأكثره بإفادته.
وله تصانيف كثيرة، وكان يستحسن الشعر، وينظمه، ويثيب من يمدحه.
ورأى عدةً من الحفاظ كأبي القاسم إسماعيل بن محمد، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، ويحيى بن مندة، وأبي نصر اليونارتي بأصبهان، وكأبي علي البراداني، وشجاع الذهلي، والمؤتمن الساجي ببغداد، ومحمد بن طاهر المقدسي، وأبي محمد ابن السمرقندي وعدة.
وأخذ التصوف عن معمر بن أحمد اللنباني، والفقه عن إلكيا أبي الحسن الطبري، وأبي بكر محمد بن أحمد الشاشي، والفقيه يوسف الزنجاني، والأدب عن أبي زكريا التبريزي، وأبي الكرم بن فاخر، وعلي بن محمد الفصيحي.
وأخذ حروف القراءات عن أبي طاهر بن سوار، وأبي منصور الخياط، وأبي الخطاب بن الجراح.
وسمعته يقول: متى لم يكن الأصل بخطي لم أفرح به. وكان جيد الضبط، كثير البحث عما يشكل عليه. قال: وكان أوحد زمانه في علم الحديث وأعرفهم بقوانين الرواية والتحديث، جمع بين علو الإسناد وغلو الانتقاد، وبذلك كان ينفرد عن أبناء جنسه.
قال أبو علي الأوقي: سمعت أبا طاهر السلفي يقول: لي ستون سنةً بالإسكندرية ما رأيت منارتها إلَّا من هذه الطاقة، وأشار إلى غرفة يجلس فيها.
وقال أبو سعد السمعاني في ذيله: السلفي ثقة، ورع، متقن، متثبت، فهم، حافظ،
له حظ من العربية، كثير الحديث، حسن الفهم والبصيرة فيه. روى عنه محمد بن طاهر المقدسي؛ فسمعت أبا العلاء أحمد بن محمد بن الفضل الحافظ بأصبهان يقول: سمعت ابن طاهر يقول: سمعت أبا طاهر الأصبهاني -وكان من أهل الصنعة- يقول: كان أبو حازم العبدوي، إذا روى عن أبي سعد الماليني، يقول: أخبرنا أحمد بن حفص الحديثي، هذا أو نحوه. وقد صحب السلفي والدي مدةً ببغداد، ثم سافر إلى الشام، ومضى إلى صور، وركب البحر إلى مصر، وأجاز لي مروياته في سنة ثمان وخمسين وخمس مائة.
وقال عبد القادر الرهاوي: سمعت من يحكي عن ابن ناصر أنه قال عن السلفي: كان ببغداد كأنه شعلة نار في تحصيل الحديث. وسمعت محمد بن أبي الصقر يقول: كان السلفي إذا دخل على هبة الله ابن الأكفاني يتلقاه، وإذا خرج يشيعه.
ثم قال عبد القادر: كان له عند ملوك مصر الجاه والكلمة النافذة مع مخالفته لهم في المذهب -يريد عبد القادر الملوك الباطنية المتظاهرين بالرفض- وقد بنى الوزير العادل ابن السلار مدرسةً كبيرةً، وجعله مدرسها على الفقهاء الشافعية، وكان ابن السلار له ميل إلى السنة.
قال عبد القادر الحافظ: وكان أبو طاهر لا تبدو منه جفوة لأحد، ويجلس للحديث فلا يشرب ماءً، ولا يبزق، ولا يتورك، ولا تبدو له قدم، وقد جاز المائة. بلغني أن سلطان مصر حضر عنده للسماع، فجعل يتحدث مع أخيه، فزبرهما، وقال: أيش هذا، نحن نقرأ الحديث، وأنتما تتحدثان?! وبلغني أن مدة مقامه بالإسكندرية ما خرج منها إلى بستان ولا فرجة سوى مرة واحدة، بل كان لازمًا مدرسته، وما كنا نكاد ندخل عليه إلَّا ونراه مطالعًا في شيء، وكان حليمًا متحملًا لجفاء الغرباء.
خرج من بغداد سنة خمس مائة إلى واسط والبصرة، ودخل خوزستان وبلاد السيس ونهاوند، ثم مضى إلى الدربند، وهو آخر بلاد الإسلام، ثم رجع إلى تفليس وبلاد أذربيجان، ثم خرج إلى ديار بكر، وعاد إلى الجزيرة ونصيبين وماكسين، ثم صعد إلى دمشق.
ولما دخل الإسكندرية رآه كبراؤها وفضلاؤها، فأستحسنوا علمه وأخلاقه وآدابه، فأكرموه، وخدموه، حتى لزموه عندهم بالإحسان.
وحدثني رفيق لي عن ابن شافع، قال: السلفي شيخ العلماء.
وسمعت بعض فضلاء همذان يقول: السلفي أحفظ الحفاظ.
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في ترجمة السلفي: حدث بدمشق، وسمع منه بعض أصحابنا، ولم أظفر بالسماع منه، وسمعت بقراءته من عدة شيوخ، ثم خرج إلى مصر وسمع بها، واستوطن الإسكندرية، وتزوج بها امرأةً ذات يسار، وحصلت له ثروة بعد فقر وتصوف، وصارت له بالإسكندرية وجاهة، وبنى له أبو منصور علي بن إسحاق بن السلار الملقب بالعادل أمير مصر مدرسةً ووقف عليها. أجاز لي جميع حديثه، وحدثني عنه أخي.
سمعت الإمام أبا الحسين ابن الفقيه يقول: سمعت الحافظ زكي الدين عبد العظيم يقول: سألت الحافظ أبا الحسن علي بن المفضل عن أربعة تعاصروا، فقلت: أيما أحفظ أبو القاسم بن عساكر أو أبو الفضل بن ناصر? فقال: ابن عساكر. قلت: أيما أحفظ ابن عساكر أو أبو موسى المديني? قال: ابن عساكر. قلت: أيما أحفظ ابن عساكر أو، أبو طاهر السلفي? قال: السلفي شيخنا! السلفي شيخنا! قلت: فهذا الجواب محتمل كما ترى، والظاهر أنه أراد بالسلفي المبتدأ وبشيخنا الخبر، ولم يقصد الوصف، وإلا فلا يشك عارف بالحديث أن أبا القاسم حافظ زمانه، وأنه لم ير مثل نفسه.
قال الحافظ عبد القادر: وكان السلفي آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، حتى إنه قد أزال من جواره منكرات كثيرةً. ورأيته يومًا، وقد جاء جماعة من المقرئين بالألحان، فأرادوا أن يقرؤوا فمنعهم من ذلك، وقال: هذه القراءة بدعة، بل اقرؤوا ترتيلًا، فقرؤوا كما أمرهم.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد، ومن خطه نقلت جزءًا فيه نقل خطوط المشايخ للسلفي بالقراءآت، وأنه قرأ بحرف عاصم، على أبي سعد المطرز، وقرأ بروايتي حمزة والكسائي، على محمد بن أبي نصر القصار، وقرأ لقالون على نصر بن محمد الشيرازي، وبرواية قنبل، على عبد الله بن أحمد الخرقي. وقد قرأ على بعضهم في سنة إحدى وتسعين وأربع مائة.
قال الحافظ ابن نقطة: كان السلفي جوالًا في الآفاق، حافظًا، ثقةً، متقنًا، سمع منه أشياخه وأقرانه، وسأل عن أحوال الرجال شجاعًا الذهلي، والمؤتمن الساجي، وأبا علي البراداني، وأبا الغنائم النرسي، وخميسًا الحوزي، سؤال ضابط متقن.
قال: وحدثني عبد العظيم المنذري بمصر، قال: لما أرادوا أن يقرؤوا "سنن النسائي" على أبي طاهر السلفي، أتوه بنسخة سعد الخير وهي مصححة، قد سمعها من الدوني، فقال: اسمي فيها? قالوا: لا، فاجتذبها من يد القارئ بغيظ، وقال: لا أحدث إلَّا من أصل فيه اسمي. ولم يحدث بالكتاب.
قلت: وكان السلفي قد انتخب جزءًا كبيرًا من الكتاب بخطه، سمعناه من أصحاب جعفر الهمذاني، أخبرنا السلفي.
قال ابن نقطة: قال لي عبد العظيم: قال لي أبو الحسن المقدسي: حفظت أسماءً وكنىً، ثم ذاكرت السلفي بها، فجعل يذكرها من حفظه وما قال لي: أحسنت، ثم قال: ما هذا شيء مليح مني، أنا شيخ كبير في هذه البلدة هذه السنين لا يذاكرني أحد، وحفظي هكذا.
قال العماد الكاتب، وسكن السلفي الإسكندرية، وسارت إليه الرجال، وتبرك بزيارته الملوك والأقيال، وله شعر ورسائل ومصنفات. ثم أورد له مقطعات من شعره.
قرأت بخط السيف أحمد بن المجد: سمعت أحمد بن سلامة النجار يقول: إن الحافظين عبد الغني وعبد القادر أرادا سماع كتاب اللالكائي، يعني شرح السنة على السلفي، فأخذ يتعلل عليهما مرةً، ويدافعهم مرةً أخرى بالأصل، حتى كلمته امرأته في ذلك.
قال ابن النجار: عمر السلفي حتى ألحق الصغار بالكبار. سمع منه ببغداد أبو علي البراداني، وعبد الملك بن علي بن يوسف، وهزارسب بن عوض، ومحمود بن الفضل، وأبو الحسن الزعفراني، وروى لي عنه أكثر من مائة شيخ.
قرأت بخط عمر بن الحاجب أن "معجم السفر" للسلفي يشتمل على ألفي شيخ. كذا قال، وما أحسبه يبلغ ذلك.
قال الحسن بن أحمد الأوقي: كانوا يأتون السلفي، ويطلبون منه دعاءً لعسر الولادة، فيكتب لمن يقصده، قال: فلما كثر ذلك نظرت فيما يكتب، فوجدته يكتب: اللهم إنهم قد أحسنوا ظنهم بي، فلا تخيب ظنهم في.
قال: وحضر عنده السلطان صلاح الدين وأخوه الملك العادل لسماع الحديث، فتحدثا، فأظهر لهما الكراهة وقال: أنتما تتحدثان، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ?! فأصغيا عند ذلك.
قلت: وقد حدث السلطان عنه.
قال الحافظ زكي الدين عبد العظيم: كان السلفي مغرىً بجمع الكتب والاستكثار منها، وما كان يصل إليه من المال كان يخرجه في شرائها، وكان عنده خزائن كتب، ولا يتفرغ للنظر فيها، فلما مات وجدوا معظم الكتب في الخزائن قد عفنت، والتصق بعضها ببعض لنداوة الإسكندرية، فكانوا يستخلصونها بالفأس، فتلف أكثرها.
قال السيف أحمد بن المجد الحافظ: سمعت أحمد بن سلامة النجار يقول: أراد عبد
الغني وعبد القادر الحافظان سماع كتاب اللالكائي، يعني "شرح السنة"، على السلفي، فأخذ يتعلل عليهما مرةً، ويدافعهم عنه أخرى بأصل السماع، حتى كلمته امرأته في ذلك.
قلت: ما أظنه حدث بالكتاب. بلى حدث منه بكرامات الأولياء.
قرأت بخط عمر بن الحاجب أن "معجم السفر" للسلفي يشتمل على ألفي شيخ.
أنشدني أبو بكر الدشتي، وإسحاق الأسدي، قالا: أنشدنا ابن رواحة: أنشدني أبو طاهر السلفي لنفسه:
كم جلت طولًا وعرضًا
…
وجبت أرضًا فأرضا
وما ظفرت بخلٍّ
…
من غير غلٍّ فأرضى
أنبأني أحمد بن سلامة، عن الحافظ عبد الغني بن سرور، أنشدنا أبو طاهر السلفي لنفسه في رجب سنة ست وستين وخمس مائة:
دعوني عن أسانيد الضّلال
…
وهاتوا من أسانيدٍ عوالي
رخاصٍ عند أهل الجهل طرًّا
…
وعند العارفين بها غوالي
عن أشياخ الحديث وما رواه
…
إمامٌ في العلوم على الكمال
كمالكٍ أو كمعمرٍ المزكّى
…
وشعبة أو كسفيان الهلالي
وسفيان العراق وليث مصرٍ
…
فقدمًا كان معدوم المثال
والأوزاعيّ فهو له بشرع ال
…
نّبيّ المصطفى أوفى اتّصال
ومسعرٍ الّذي في كلّ علمٍ
…
يشار كذا إليه كالهلال
وزائدةٍ وزد أيضا جريرًا
…
فكلٌّ منهما رجل النّضال
وكأبن مباركٍ أو كأبن وهبٍ
…
وكالقطّان ذي شرفٍ وحال
وحمّادٍ وحمّادٍ جميعا
…
وكأبن الدّستوائي الجمال
وبعدهم وكيعٌ وابن مهديٍّ
…
المهديّ في كلّ الخلال
ومكيٍّ ووهبٍ والحميديّ
…
عبد اللّه ليثٍ ذي صيال
وضحّاكٍ عقيب يزيد أعني
…
ابن هارون المحقّق في الخصال
كذاك طيالسيًّا البصرة اذكر
…
فما روياه من أثرٍ لآلي
وعفّانٌ نعم وأبو نعيمٍ
…
حميدا الحال مرضيّا الفعال
ويحيى شيخ نيسابور ثم ال
…
إمام الشّافعيّ المقتدى لي
كذاكم ابن خالدٍ المكنّى
…
أبا ثورٍ وكان حوى المعالي
وأيضًا فالصّدوق أبو عبيدٍ
…
فأعلامٌ من أرباب المقال
كيحيى وأبن حنبلٍ المعلّى
…
بمعرفة المتون وبالرّجال
وإسحاق التّقي وفتى نجيحٍ
…
وعبد اللّه ذي مدحٍ طوال
إسحاق: هو ابن راهويه، وفتى نجيح: ابن المديني، وعبد الله: ابن أبي شيبة.
وعثمان الرّضيّ أخيه أيضا
…
وكالطّوسيّ ركن الابتهال
وكالنّسويّ أعنيه زهيرًا
…
ويعرف بابن حربٍ في المجال
وكالذّهليّ شمس الشّرق عدلٍ
…
يعدّله المعادي والموالي
وأصحاب الصّحاح الخمسة أعلم
…
رجالٍ في الشّريعة كالجبال
وكابن شجاعٍ البلخيّ ثمّ ال
…
سمرقنديّ من هو رأس مالي
وبو شنجيّهم ثمّ ابن نصرٍ
…
بمرو مقدّمٍ فيهم ثمال
وبالرّيّ ابن وارة ذو افتنانٍ
…
وترباه كذاك على التّوالي
ترباه هما: أبو زرعة وأبو حاتم.
كذاك ابن الفرات وكان سيفًا
…
على البدعيّ يطعن كالألال
كذا الحربيّ أحربه وحرب
…
ابن إسماعيل خيرٌ ذو منال
ويعقوبٌ ويعقوبان أيضا
…
سواه وابن سنجرٍ الثّمال
يعقوب بن شيبة، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ويعقوب الفسوي.
وصالحٌ الرّضى وأخوه منهم
…
كذاك الدّارميّ أخو المعالي
وصالحٌ الملقّب وابن عمروٍ
…
دمشقيٌّ حليمٌ ذو احتمال
ونجل جريرٍ إذ توفي وتربي
…
مناقبه على عدد الرّمال
كذا ابن خزيمة السّلميّ ثمّ اب
…
ن مندة مقتدى مدن الجبال
وخلقٌ تقصر الأوصاف عنهم
…
وعن أحوالهم حال السّؤال
سموا بالعلم حين سما سواهم
…
لدى الجهّال بالرّمم البوالي
ومع هذا المحلّ وما حووه
…
فآلهم كذلك خير آل
مضوا والذّكر من كلٍّ جميلٌ
…
على المعهود في الحقب الخوالي
أطاب الله مثواهم فقدما
…
تعنّوا في طلابهم العوالي
وبعد حصولها لهم تصدّوا
…
كذلك للرّواية والأمالي
وتلفي الكلّ منهم حين يلقى
…
من آثار العبادة كالخلال
وها أنا شارعٌ في شرح ديني
…
ووصف عقيدتي وخفيّ حالي
وأجهد في البيان بقدر وسعي
…
وتخليص العقول من العقال
بشعرٍ لا كشعرٍ بل كسحرٍ
…
ولفظٍ كالشّمول بل الشّمال
فلست الدّهر إمّعةً وما إن
…
أزلّ ولا أزول لذي النّزال
فلا تصحب سوى السّنّيّ دينا
…
لتحمد ما نصحتك في المآل
وجانب كلّ مبتدعٍ تراه
…
فما إن عندهم غير المحال
ودع آراء أهل الزّيغ رأسا
…
ولا تغررك حذلقة الرّذال
فليس يدوم للبدعيّ رأيٌ
…
ومن أين المقرّ لذي ارتحال
يوافى حائرًا في كلّ حالٍ
…
وقد خلّى طريق الإعتدال
ويترك دائبا رأيًا لرأيٍ
…
ومنه كذا سريع الإنتقال
وعمدة ما يدين به سفاها
…
فأحداثٌ من أبواب الجدال
وقول أئمة الزّيغ الذي لا
…
يشابهه سوى الدّاء العضال
كمعبدٍ المضلّل في هواه
…
وواصلٍ أو كغيلان المحال
وجعدٍ ثم جهمٍ وابن حربٍ
…
حميرٌ يستحقّون المخالي
وثورٍ كاسمه أو شئت فاقلب
…
وحفص الفرد قردٍ ذي افتعال
وبشرٍ لا رأى بشرى فمنه
…
تولّد كلّ شرٍّ واختلال
وأتباع ابن كلاّبٍ كلابٌ
…
على التّحقيق هم من شرّ آل
كذاك أبو الهذيل وكان مولىً
…
لعبد القيس قد شان الموالي
ولا تنس ابن أشرسٍ المكنّى
…
أبا معنٍ ثمامة فهو غالي
ولا ابن الحارث البصريّ ذاك ال
…
مضلّ على اجتهادٍ واحتفال
ولا الكوفيّ أعنيه ضرار ب
…
ن عمروٍ فهو للبصريّ تالي
كذاك ابن الأصمّ ومن قفاه
…
من أوباش البهاشمة النّغال
وعمروٌ هكذا أعني ابن بحرٍ
…
وغيرهم من أصحاب الشّمال
فرأي أُولاء ليس يفيد شيئًا
…
سوى الهذيان من قيلٍ وقال
وكلّ هوىً ومحدثةٍ ضلالٌ
…
ضعيفٌ في الحقيقة كالخيال
فهذا ما أدين به إلهي
…
تعالى عن شبيهٍ أو مثال
وما نافاه من خدعٍ وزورٍ
…
ومن بدعٍ فلم يخطر ببالي
صدق الناظم رحمه الله، وأجاد، فلأن يعيش المسلم أخرس أبكم خير له من أن يمتلئ باطنه كلامًا وفلسفةً!
أنشدنا أبو الغنائم بن علان في كتابه عن القاسم بن علي بن الحسن الحافظ، أخبرنا أبي، أنشدنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بدمشق، أنشدنا أبو العز محمد بن علي البستي بملقاباذ "ح". وأنشدنا أبو الحسين اليونيني، أنشدنا جعفر بن علي المقرئ، قالا: أنشدنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد لنفسه:
إنّ علم الحديث علم رجالٍ
…
تركوا الابتداع للاتّباع
فإذا جنّ ليلهم كتبوه
…
وإذا أصبحوا غدوا للسّماع
أنشدنا أبو الفتح القرشي، أنشدنا يوسف الساوي، أنشدنا السلفي لنفسه:
ليس على الأرض في زماني
…
من شانه في الحديث شاني
نظمًا وضبطًا يلي علوًّا
…
فيه على رغم كلّ شاني
أنشدنا أبو الحسين ابن الفقيه، وأبو علي القلانسي، قالا: أنشدنا أبو الفضل الهمداني، أنشدنا أبو طاهر السلفي لنفسه:
ليس حسن الحديث قرب رجالٍ
…
عند أرباب علمه النقّاد
بل علوّ الحديث عند أولي الإت
…
قان والحفظ صحة الإسناد
فإذا ما تجمّعا في حديثٍ
…
فاغتنمه فذاك أقصى المراد
قد مر ذكر مولده وأنه على التقدير، وقد قال المحدث محمد بن عبد الرحمن بن علي التجيبي الأندلسي: سمعت على السلفي ووجدت بخطه مقيدًا: مولدي بأصبهان سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة تخمينًا لا يقينًا. ويقوي هذا ما تقدم عن السخاوي، والأظهر خلافه من قوله لما كتبوا عنه وهو أمرد، ومن قوله وقت قتلة نظام الملك.
وقال القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان: كانت ولادته بأصبهان سنة اثنتين وسبعين تقريبًا. قال: ووجدت العلماء بمصر والمحدثين من جملتهم الحافظ المنذري يقولون في مولد السلفي هذه المقالة. ثم وجدت في كتاب زهر الرياض لأبي القاسم ابن الصفراوي أن السلفي كان يقول: مولدي بالتخمين لا باليقين سنة ثمان وسبعين. فيكون مبلغ عمره على مقتضى ذلك ثمانيًا وتسعين سنةً.
ثم قال ابن خلكان: ورأيت في تاريخ ابن النجار ما يدل على صحة ما قاله الصفراوي، فإنه قال: قال عبد الغني المقدسي: سألت السلفي عن مولده، فقال: أنا أذكر قتل نظام الملك سنة خمس وثمانين ولي نحو عشر سنين، ولو كان مولده في سنة اثنتين وسبعين على ما يقوله أهل مصر ما كان يقول: أذكر قتل نظام الملك، فيكون على ما قالوه عمره ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة، ولم تجر العادة أن من سنه هكذا أن يقول: أذكر القصة الفلانية. قال: فقد ظهر بهذا أن قول الصفراوي تلميذه أقرب إلى الصحة.
قلت: أرى أن القولين بعيدان، وهما سنة اثنتين، وسنة ثمان، فإنه قد حدث في سنة اثنتين وتسعين في أولها، وقد مر أنه قال: كنت ابن سبع عشرة سنةً أكثر أو أقل بقليل، فلو كان مولده سنة اثنتين لكان ابن عشرين سنةً تامةً، ولو كان على ما قال الصفراوي لكان قد كتبوا عنه وهو ابن أربع عشرة، وهذا بعيد جدًا، فتعين أن مولده على هذا يكون في سنة أربع أو خمس وسبعين، وأنه ممن جاوز المائة بلا تردد.
قال ابن خلكان: مع أنا ما علمنا أحدًا منذ ثلاث مائة سنة إلى الآن بلغ المائة -فضلًا عن أنه زاد عليها- سوى القاضي أبي الطيب الطبري: فإنه عاش مائةً وسنتين.
قلت: هذا الكلام لا يدل على نفي تعمير المائة، بل فيه اعتراف في الطبري رحمه الله وما قاله الصفراوي فقاله باجتهاده، وما توبع عليه، بلى خولف.
وقد كنت ألفت جزءًا كبيرًا فيمن جاوز المائة من المشايخ، ومنهم أنس بن مالك، وأبو الطفيل، وغيرهما من الصحابة، وسويد بن غفلة، وأبو رجاء العطاردي، وعدة من التابعين، والحسن بن عرفة العبدي، وأبو القاسم البغوي، وبدر بن الهيثم، وسليمان بن أحمد الطبراني، والفقيه عبد الواحد الزبيري بما وراء النهر، وشيخنا ركن الدين الطاووسي، وبالأمس مسند الدنيا شهاب الدين أحمد بن الشحنة.
قال المحدث وجيه الدين عبد العزيز بن عيسى اللخمي قارئ الحافظ السلفي: توفي الحافظ في صبيحة يوم الجمعة خامس شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمس مائة، وله مائة سنة وست سنين. كذا قال في سنه، فوهم الوجيه.
ثم قال: ولم يزل يقرأ عليه الحديث يوم الخميس إلى أن غربت الشمس من ليلة وفاته، وهو يرد على القارئ اللحن الخفي، وصلى يوم الجمعة الصبح عند انفجار الفجر، وتوفي بعدها فجاءةً.
قلت: وكذا أرخ موته غير واحد رحمه الله وغفر له- وقبره معروف بظاهر الإسكندرية، وكان يطأ أهله ويتمتع وإلى قريب وفاته، وإنما تزوج وقد أسن بعد سنة خمسين وخمس مائة.
قال ابن خلكان: لقبه صدر الدين.
5178 - أبو العلاء الهمذاني
(1)
:
الإمام الحافظ المقرئ العلامة شيخ الإسلام أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل بن سلمة بن عثكل بن إسحاق بن حنبل الهمذاني العطار، شيخ همذان بلا مدافعة.
مولده في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربع مائة.
وأول سماعه في سنة خمس وتسعين، وبعدها سمع من عبد الرحمن بن حمد الدوني، وخلق بهمذان. وسمع ببغداد من أبي القاسم بن بيان، وأبي علي بن نبهان، وأبي علي بن المهدي، وطبقتهم. وبأصبهان من أبي علي الحداد، ومحمود الأشقر، وخلق. وقرأ
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 345"، وشذرات لابن العماد "4/ 231".
بالروايات الكثيرة على الحداد، وعلى أبي عبد الله البارع، وأبي بكر المزرفي، وجماعة.
وارتحل إلى خراسان، فسمع من محمد بن الفضل الفراوي "صحيح مسلم"، وما زال يسمع ويرحل ويسمع أولاده. وآخر قدماته إلى بغداد، وكان بعد الأربعين، فقرأ لأولاده على أبي الفضل الأرموي، وابن ناصر، وابن الزاغوني، فحدث إذ ذاك بها وأقرأ.
فتلا عليه بالعشرة أبو أحمد عبد الوهاب بن سكينة.
وروى عنه هو وأبو المواهب ابن صصرى، وعبد القادر بن عبد الله الرهاوي، ويوسف بن أحمد الشيرازي، ومحمد بن محمود الحمامي، وعتيق بن بدل المكي، وأولاده: أحمد، وعبد البر، وفاطمة، وأسباطه: القاضي علي، ومحمد، وعبد الحميد، بنو عبد الرشيد بن علي بن بنيمان، وآخرون.
وروى عنه بالإجازة أبو الحسن ابن المقير، وغيره.
قال أبو سعد السمعاني: هو حافظ متقن، ومقرئ فاضل، حسن السيرة، جميل الأمر، مرضي الطريقة، عزيز النفس، سخي بما يملكه، مكرم للغرباء، يعرف الحديث والقراءات والآداب معرفةً حسنةً، سمعت منه بهمذان.
وقال الحافظ عبد القادر: شيخنا أشهر من أن يعرف؛ تعذر وجود مثله من أعصار كثيرة، على ما بلغنا من سير العلماء والمشايخ، أربى على أهل زمانه في كثرة السماعات، مع تحصيل أصول ما سمع، وجودة النسخ، وإتقان ما كتبه بخطه؛ فإنه ما كان يكتب شيئًا إلَّا منقوطًا معربًا، وأول سماعه من الدوني سنة 495، وبرع على حفاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير.
ولقد كان يومًا في مجلسه، وجاءته فتوى في أمر عثمان رضي الله عنه، فأخذها، وكتب فيها من حفظه، ونحن جلوس، درجًا طويلًا، ذكر فيه نسبه، ومولده، ووفاته، وأولاده، وما قيل فيه، إلى غير ذلك.
وله التصانيف في الحديث، وفي الزهد والرقائق، وقد صنف كتاب "زاد المسافر" في خمسين مجلدًا، وكان إمامًا في الحديث وعلومه.
وحصل من القراءات ما إنه صنف فيها العشرة والمفردات، وصنف في الوقف والابتداء، وفي التجويد، وكتابًا في ماءات القرآن، وفي العدد، وكتابًا في معرفة القراء في نحو من عشرين مجلدًا، استحسنت تصانيفه، وكتبت، ونقلت إلى خوارزم وإلى الشام، وبرع عنده
جماعة كثيرة في القراءات. وكان إذا جرى ذكر القراء يقول: فلان مات عام كذا وكذا، ومات فلان في سنة كذا وكذا، وفلان يعلو إسناده على فلان بكذا.
وكان عالمًا إمامًا في النحو واللغة. سمعت أن من جملة ما حفظ كتاب الجمهرة. وخرج له تلامذةً في العربية أئمةً يقرؤون بهمذان، وبعض أصحابه رأيته، فكان من محفوظاته كتاب الغريبين لأبي عبيد الهروي، إلى أن قال: وكان مهينًا للمال، باع جميع ما ورثه، وكان من أبناء التجار، فأنفقه في طلب العلم، حتى سافر إلى بغداد وإلى أصبهان مرات ماشيًا يحمل كتبه على ظهره، سمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد، وآكل خبز الدخن.
قال: وسمعت أبا الفضل بن بنيمان الأديب يقول: رأيت أبا العلاء العطار في مسجد من مساجد بغداد يكتب وهو قائم؛ لأن السراج كان عاليًا، إلى أن قال: فعظم شأنه في القلوب؛ حتى إن كان ليمر في همذان فلا يبقى أحد رآه إلَّا قام، ودعا له؛ حتى الصبيان واليهود، وربما كان يمضي إلى بلدة مشكان يصلي بها الجمعة، فيتلقاه أهلها خارج البلد؛ المسلمون على حدة، واليهود على حدة، يدعون له، إلى أن يدخل البلد.
وكان يفتح عليه من الدنيا جمل، فلم يدخرها، بل ينفقها على تلامذته، وكان عليه رسوم لأقوام، وما كان يبرح عليه ألف دينار همذانية أو أكثر من الدين، مع كثرة ما كان يفتح عليه.
وكان يطلب لأصحابه من الناس، ويعز أصحابه ومن يلوذ به، ولا يحضر دعوةً حتى يحضر جماعة أصحابه، وكان لا يأكل من أموال الظلمة، ولا قبل منهم مدرسةً قط ولا رباطًا، وإنما كان يقرئ في داره، ونحن في مسجده سكان.
وكان يقرئ نصف نهاره الحديث، ونصفه القرآن والعلم، ولا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكن أحدًا في محلته أن يفعل منكرًا، ولا سماعًا، وكان ينزل كل إنسان منزلته، حتى تألفت القلوب على محبته وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبلة.
وكان حسن الصلاة لم أر أحدًا من مشايخنا أحسن صلاةً منه، وكان متشددًا في أمر الطهارة؛ لا يدع أحدًا يمس مداسه، وكانت ثيابه قصارًا، وأكمامه قصارًا، وعمامته نحو سبعة أذرع.
وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقادًا وفعلًا، بحيث إنه كان إذا دخل مجلسه رجل، فقدم رجله اليسرى كلفه أن يرجع، فيقدم اليمنى، ولا يمس الأجزاء إلَّا على وضوء، ولا يدع شيئًا قط إلَّا مستقبل القبلة تعظيمًا لها.
قلت: هذا لم يرد فيه ثواب.
إلى أن قال: سمعت من أثق به عن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي أنه قال في الحافظ أبي العلاء، لما دخل نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك. وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول -وذكر رجلًا من أصحابه رحل: إن رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت رحلته.
قلت: كان أبو العلاء الحافظ في القراءات أكبر منه في الحديث، مع كونه من أعيان أئمة الحديث، له عدة رحلات إلى بغداد وأصبهان ونيسابور.
أخبرنا أبو سعية صبيح الأسود، أخبرنا أبو الحسن ابن المقير، أخبرنا أبو العلاء الهمذاني مكاتبةً، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أحمد بن خلاد، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا القعنبي، عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمان، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد، أو عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلَّا ظله؛ إمام عادل .. "، وذكر الحديث
(1)
.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا نصر بن عبد الرزاق، أنبأنا الحافظ أبو العلاء الهمذاني، أخبرنا أبو علي محمد بن محمد الهاشمي، أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو بحر محمد بن الحسن، حدثنا علي بن الفضل الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا أبو مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن ربعي، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المعروف كله صدقة، وإن آخر ما تعلق به الجاهلية من كلام النبوة: إذا لم تستحي فأفعل ما شئت"
(2)
.
(1)
صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "2/ 439"، والبخاري "660" و"1423" و"6479" و"6806" ومسلم "1031""91"، والترمذي في إثر حديث "2391"، وابن خزيمة "358"، والبيهقي "4/ 190" و"8/ 162" من طرق عن عبد الله بن عمر، عن حبيب بن عبد الرحمن، به.
(2)
صحيح: أخرجه أحمد "5/ 405"، والخطيب في "تاريخ بغداد""2/ 135 - 136" من طريق يزيد بن هارون، به، وورد عن أبي مسعود مرفوعا لفظ:"إن مما أدرك الناس من كلام النبوة: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت". أخرجه الطيالسي "621"، وأحمد "4/ 121 و 122"، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند""5/ 273" والبخاري "3484"، وفي "الأدب المفرد""1316"، وأبو داود "4797"، والطبراني=
توفي أبو العلاء الهمذاني بها، في جمادى الأولى، سنة تسع وستين وخمس مائة، وله نيف وثمانون سنةً.
وفيها: مات صاحب الشام الملك نور الدين محمود بن زنكي التركي عن بضع وخمسين سنةً، والمسند أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر العلوي النقيب ببغداد، وأبو الحسن دهبل بن علي بن كاره الحريمي، وشيخ النحو أبو محمد سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي، ومسند المغرب أبو الحسن علي بن أحمد بن حنين الكناني بفاس عن ثلاث وتسعين سنةً، والمسند أبو محمد عبد الله بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن النرسي، وأبو إسحاق بن قرقول الحمزي، وأبو تميم سلمان بن علي الرحبي الخباز، وعبد النبي بن المهدي الخارجي المتغلب على اليمن، والفقيه عمارة بن علي اليمني شاعر وقته، وأبو شجاع محمد بن الحسين المادرائي الحاجب.
وفي أولاد الحافظ أبي العلاء جماعة نجباء؛ أصغرهم الحافظ الرحال مفيد همذان أبو بكر محمد بن الحسن، سمع من أبي الوقت والباغبان، وبأصبهان من أبي رشيد عبد الله بن عمر، والحافظ أبي موسى، وقرأ كثيرًا، وحصل الأصول، روى عنه أبو الحسن ابن القطيعي، مات كهلًا سنة خمس وست مائة.
5179 - الخطيبي:
الفقيه أبو حنيفة محمد بن عبد الله بن علي الأصبهاني الخطيبي الحنفي.
روى عن جده لأمه حمد بن صدقة، وأبي مطيع الصحاف، وأحمد بن محمد بن أحمد بن مردويه، وأبي محمد الدوني، وأبي الفتح الحداد.
وأملى عدة مجالس، وحدث بأصبهان، ومكة، وبغداد.
روى عنه أبو طالب بن عبد السميع، والإمام الموفق بن قدامة، وابن الأخضر، وأبو القاسم ابن صصرى، وآخرون.
وهو من بيت علم ورواية.
توفي بأصبهان سنة إحدى وسبعين وخمس مائة، وله ثلاث وثمانون سنةً.
= "17/ 651"، وأبو نعيم في "الحلية""4/ 370"، والبيهقي في "السنن""10/ 192"، والقضاعي في "مسند الشهاب""1153" و"1156"، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق""83" من طريق شعبة عن منصور، عن ربعي، عن أبي مسعود، به.
5180 - ابن البوقي
(1)
:
شيخ الشافعية بواسط، أبو جعفر هبة الله بن يحيى بن حسن الواسطي، ابن البوقي، العطار.
سمع أبا نعيم الجماري، وأبا نعيم ابن زبزب، وخميسًا الحافظ.
وتفقه وبرع على أبي علي الفارقي، وأستقدمه ابن هبيرة.
روى عنه ابن الأخضر، وإبراهيم الكاشغري، وكان بصيرًا بالخلاف، عليمًا بالفرائض.
مات بواسط في ذي القعدة سنة إحدى وسبعين وخمس مائة في عشر التسعين.
5181 - اليوسفي
(2)
:
الشيخ الصالح أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي الخياط.
روى عن ابن نبهان، وابن بيان، وأبي طالب اليوسفي.
وعنه ابن الأخضر، والشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمان، والشمس البخاري، وكتائب بن مهدي، وعبد الحق الفيالي، وعبد الحق بن خلف، وآخرون.
توفي بمكة قبل أخيه في سنة أربع وسبعين وخمس مائة، وله تسع وستون سنةً، وكان دينًا خيرًا، ذا مروءة تامة.
5182 - العليمي
(3)
:
المحدث العالم الرحال أبو الخطاب عمر بن محمد بن عبد الله بن خضر بن مسافر العليمي الدمشقي السفار، عرف بابن حوشكاش.
سمع من الفقيه نصر الله المصيصي، ونصر بن مطكود، وأبي القاسم ابن البن، وأبي الأسعد ابن القشيري، ونصر بن المظفر البرمكي، وعبد الله بن الفراوي، وهبة الله الدقاق، وعبد الله بن رفاعة، والسلفي، وعدد كثير بخراسان والعراق ومصر والشام. وكتب الكثير، وكان صدوقًا، حميد السيرة، جيد الفهم والمعرفة.
روى عنه: ابن الأخضر، وزين الأمناء، وطائفة.
مات في شوال سنة أربع وسبعين وخمس مائة بدمشق، وله أربع وخمسون سنةً.
(1)
ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "7/ 328".
(2)
ترجمته في العبر "4/ 220"، وشذرات الذهب الذهب لابن العماد "4/ 248".
(3)
ترجمته في العبر "4/ 220"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 248".
5183 - الحديثي
(1)
:
قاضي القضاة أبو طالب روح بن أحمد بن محمد بن أحمد بن صالح الحديثي، ثم البغدادي الشافعي.
ولد سنة اثنتين وخمس مائة.
وسمع إسماعيل بن الفضل الجرجاني، ومحمد بن عبد الباقي البجلي، وهبة الله بن الحصين.
سمع منه: عمر بن علي القرشي.
وروى عنه: إسفنديار ابن الموفق، وبالإجازة ابن مسلمة.
قال ابن النجار: كان متدينًا، حسن الطريقة، عفيفًا نزهًا، ولاه المستضيء القضاء في سنة ست وستين بعد أمتناع منه شديد، ولم يزل على القضاء حتى توفي في المحرم سنة سبعين وخمس مائة.
5184 - ابنه:
الإمام القاضي الزاهد العابد القانت أبو المعالي، عبد الملك بن روح، استنابه أبوه في القضاء بحريم دار الخلافة، وسمع من علي بن الصباغ، ومحمد بن محمد بن السلال، والأرموي.
انتقى له علي بن أحمد الزيدي جزءًا.
وروى عنه عبد الملك بن أبي محمد البرداني.
قال ابن النجار: أخبرنا محمد بن سعيد الحافظ، أخبرنا عبد الملك بن أبي محمد، أخبرنا عبد الملك بن الحديثي، أخبرنا ابن السلال، فذكر حديثًا.
قال ابن النجار: سمعت جارنا علي بن أحمد القواس يقول: كان القاضي عبد الملك بن الحديثي يخرج من دار والده قاضي القضاة راكبًا بالعمامة الكبيرة، والقميص والطيلسان،
والوكلاء والركابية بين يدي فرسه، إلى باب منزله، فإذا نزل ودخل داره، خرج ماشيًا، عليه ثياب قصيرة صغيرة الأكمام، وعمامة لطيفة، والمصلى على كتفه، حتى يأتي مسجد السوق، فيصلي السنة، ثم يخرج، ويقيم الصلاة، ويؤم بالناس، وكان يسحر في ليالي رمضان، وكان يعرف المواقيت.
حج ابن الحديثي سنة تسع وستين، وقدم وقد مات أبوه، فخوطب في أن يلي قضاء القضاة، فلم يجب، وتردد الكلام في ذلك أيامًا، ومرض، فمات في صفر سنة سبعين وخمس مائة رحمه الله عليه.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 351".
5185 - المأموني
(1)
:
العلامة الأديب الأخباري أبو محمد هارون بن العباس بن محمد العباسي المأموني البغدادي، مصنف "التاريخ" على السنين، وله "شرح المقامات"، وكتاب "أخبار الأوائل".
وحدث عن قاضي المارستان.
مات في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة.
5186 - صاحب اليمن
(2)
:
الملك المعظم، شمس الدولة، تورانشاه بن أيوب، أخو السلطان صلاح الدين، هو أسن من السلطان، فكان يحترمه ويرى له. جهزه في سنة ثمان وستين إلى بلاد النوبة، فرجع بغنائم كثيرة، ثم بعثه على اليمن، فظفر بعبد النبي المتغلب عليها، وقتله، وأستولى على معظم اليمن، وكان بطلًا شجاعًا جوادًا ممدحًا. ثم إنه مل من سكنى اليمن، ولم توافقه، فاستناب عليها، وقدم في آخر سنة إحدى وسبعين، فعمل نيابة السلطنة بدمشق، ثم تحول إلى مصر في عام أربعة وسبعين، واتفق موته بالإسكندرية في صفر سنة ست وسبعين، فنقل في تابوت إلى دمشق، ودفن بالمدرسة الشامية عند أخته شقيقته.
ومعنى تورانشاه: ملك الشرق.
وكانت الإسكندرية له إقطاعًا، وكان نوابه باليمن يحملون إليه الأموال من زبيد وعدن، وكان لا يدخر شيئًا، وفيه لعب ولذة محظورة وعسف.
مات وعليه مائةا ألف دينار.
وله إخوة نجباء: صلاح الدين السلطان، وسيف الدين العادل، وشاهنشاه والد فروخشاه صاحب بعلبك، ووالد الملك تقي الدين عمر صاحب حماة، وتاج الملوك بوري الذي قتل على حلب، وسيف الإسلام طغتكين الذي تملك اليمن أيضًا، وربيعة خاتون، وست الشام.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 217"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 245 - 246".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 127"، والعبر "4/ 228".
5187 - ملك الموصل
(1)
:
الملك سيف الدين، غازي ابن صاحب الموصل، قطب الدين مودود ابن الأتابك زنكي ابن قسيم الدولة آقسنقر التركي الموصلي.
تملك بعد أبيه من تحت يد عمه الملك نور الدين، وطالت أيامه، فلما تسلطن صلاح الدين، وحاصر حلب، نفذ غازي جيشه مع أخيه مسعود ينجد ابن عمه، فألتقوا هم وصلاح الدين عند قرون حماة، فانكسر مسعود، فأقبل غازي بنفسه ليأخذ بالثأر، فوقع المصاف على تل السلطان بقرب حلب، فانكسرت ميسرة صلاح الدين، فحمل السلطان بنفسه، فكسر المواصلة، فقبح الله القتال على الملك، ما أردأه.
مات غازي رحمه الله بالسل في صفر سنة ست وسبعين وخمس مائة، وتملك الموصل أخوه الملك عز الدين مسعود.
5188 - خوارزمشاه:
السلطان أرسلان بن خوارزم شاه آتسز ابن الأمير محمد بن نوشتكين.
تملك بعد أبيه. كان جدهم نوشتكين مملوكًا لرجل، فاشتراه أمير من السلجوقية اسمه بلكا بك فكبر نوشتكين، ونشأ نجيبًا عاقلًا، فولد له محمد، فأشغله في العلم والأدب، وطلع نبيلًا كاملًا، وساد، وتأمر، وناب في حدود الخمس مائة بخوارزم، ولقبوه خوارزمشاه، فعدل، وأحسن السياسة، وقرب العلماء، وعظم شأنه عند مخدومه السلطان سنجر، ثم توفي، فقام في ولايته ابنه آطسز خوارزمشاه، ثم بنوه، فولي أرسلان هذا، فكان من كبار الملوك كأبيه.
رجع من محاربة الخطا مريضًا، فمات في سنة ثمان وستين وخمس مائة، فتملك بعده
ابنه سلطان شاه محمود، وكان ابنه الآخر تكش مقيمًا على مدينة جند، فلما سمع، تنمر وأنف من سلطنة أخيه الصغير، وسار إلى ملك الخطا، فأمده بجيش، وأقبل، فتأخر أخوه محمد وأمه إلى صاحب نيسابور المؤيد، واستولى علاء الدين تكش على البلاد، ثم التقى هو والمؤيد، فانحطم جمع المؤيد، وأسر هو، وذبح صبرًا، وهرب محمود وأمه إلى دهستان، ثم حاصرهم تكش، وأفتتح البلد، فهرب محمود وأسرت أمه، فقتلت، والتجأ محمود إلى السلطان غياث الدين صاحب غزنة، فأحترمه، وتملك بعد المؤيد ولده محمد بن أيبة.
وأما تكش، فامتدت أيامه، وقهر الملوك.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 520"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 88" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 257".
5189 - ابن حنين:
الإمام الكبير، مسند المغرب، أبو الحسن علي بن أحمد بن حنين الكناني القرطبي المالكي المقرئ، نزيل مدينة فاس.
مولده في سنة ست وسبعين وأربع مائة.
وقرأ بالروايات على أبي الحسن العبسي صاحب أبي العباس بن نفيس، فكان خاتمة أصحاب العبسي.
وسمع "الموطأ" من محمد بن فرج الطلاعي.
وروى أيضًا عن خازم بن محمد، وأبي الحسن بن شفيع. وتلا بجيان على أبي عامر محمد بن حبيب.
وحج في سنة خمس مائة.
قال الأبار في تاريخه: فلقي أبا حامد الغزالي، وصحبه، وسمع منه كثيرًا من موطأ يحيى بن بكير بسماعه من الفقيه نصر، وأقام تسعة أشهر يقرئ القرآن ببيت المقدس. طال عمره وتصدر للإقراء. روى عنه من شيوخنا أبو القاسم بن بقي، وأبو زكريا التادلي، فأخبرنا التادلي بكتاب الشهاب للقضاعي سماعًا، قال: حدثنا أبو الحسن بن حنين، حدثنا العبسي، حدثنا المؤلف. ثم قال الأبار: توفي في سنة تسع وستين وخمس مائة.
قلت: روى عنه بقوض محمد بن عبد الحميد بن صالح الهسكوري "الموطأ" أو بعضه، فقال صاحب كتاب "الإمام": قرأت على عبد المحسن بن إبراهيم القوصي بها أنه سمع الهسكوري -قدم عليهم- عن ابن الحنين فذكر حديثًا.
5190 - ابن الشهرزوري
(1)
:
الإمام قاضي القضاة، كمال الدين أبو الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم بن مظفر بن علي، ابن الشهرزوري الموصلي الشافعي، بقية الأعلام.
مولده سنة إحدى وتسعين وأربع مائة.
وسمع من جده لأمه علي بن أحمد بن طوق، وأبي البركات بن خميس، وببغداد من نور الهدى الزينبي، وطائفة.
وكان والده أحد علماء زمانه يلقب بالمرتضى، تفقه ببغداد، ووعظ، وله نظم فائق، وفضائل، وولي قضاء الموصل، وهو القائل:
يا ليل ما جئتكم زائرًا
…
إلَّا وجدت الأرض تطوى لي
ولا ثنيت العزم عن بابكم
…
إلاّ تعثّرت بأذيالي
مات سنة إحدى عشرة وخمس مائة كهلًا.
وكمال الدين حدث عنه: ابنا صصرى، والشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمان، وأبو محمد بن الأخضر، والقاضي شمس الدين عمر بن المنجى، وآخرون.
وشيخه في الفقه أسعد الميهني.
ولي قضاء بلده، وذهب في الرسلية من صاحب الموصل زنكي الأتابك، ثم وفد على ولد زنكي نور الدين، فبالغ في احترامه بحلب، ونفذه رسولًا إلى المقتفي.
وقد أنشأ بالموصل مدرسةً وبطيبة رباطًا.
ثم إنه ولي قضاء دمشق لنور الدين، ونظر الأوقاف، ونظر الخزانة، وأشياء، فاستناب ابنه أبا حامد بحلب، وابن أخيه أبا القاسم بحماة، وابنه الآخر في قضاء حمص.
وقال ابن عساكر: ولي قضاء دمشق سنة (555)، وكان أديبًا، شاعرًا، فكه المجلس، يتكلم في الأصول كلامًا حسنًا، ووقف وقوفًا كثيرة، وكان خبيرًا بالسياسة وتدبير الملك.
وقال أبو الفرج ابن الجوزي: كان رئيس أهل بيته، بنى مدرسةً بالموصل، ومدرسةً
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 361"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 598"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 80"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 243".
بنصيبين، وولاه نور الدين القضاء، ثم استوزره. ورد رسولًا، فقيل إنه كتب قصةً عليها محمد بن عبد الله الرسول، فكتب المقتفي: صلى الله عليه وسلم.
وقال سبط ابن الجوزي: لما جاء الشيخ أحمد بن قدامة والد الشيخ أبي عمر إلى دمشق، خرج إليه أبو الفضل، ومعه ألف دينار، فعرضها عليه، فأبى، فاشترى بها الهامة، ووقفها على المقادسة.
قال: وقدم السلطان صلاح الدين سنة سبعين، فأخذ دمشق، ونزل بدار العقيقي، ثم إنه مشى إلى دار القاضي كمال الدين، فانزعج، وأسرع لتلقيه، فدخل السلطان، وباسطه، وقال: طب نفسًا، فالأمر أمرك، والبلد بلدك.
ولما توفي كمال الدين، رثاه ولده محيي الدين بقصيدة أولها -وكان بحلب:
ألمّوا بسفحي قاسيون وسلّموا
…
على جدثٍ بادي السّنا وترحّموا
وأدّوا إليه عن كئيبٍ تحيّةً
…
مكلّفكم إهداءها القلب والفم
قلت: توفي في سادس المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة.
5191 - ابنه
(1)
:
ومات ابنه: قاضي القضاة أبو حامد محمد سنة ست وثمانين.
وكان من تلامذة أبي منصور بن الرزاز.
وولي قضاء حلب، ثم الموصل، ودرس بنظاميتها، وتمكن من صاحبها مسعود جدًا.
وكان سريًا عالمًا أديبًا جوادًا، بذل ببغداد لفقهائها نوبةً عشرة آلاف دينار، وربما أدى عن الغريم الدينار والدينارين.
وله في جرادة:
لها فخذا بكرٍ وساقا نعامةٍ
…
وقادمتا نسرٍ وجؤجؤ ضيغم
حبتها أفاعي الرّمل بطنًا وأنعمت
…
عليها جياد الخيل بالرّأس والفم
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 599".
5192 - الحيص بيص
(1)
:
الشاعر المشهور، الأمير شهاب الدين، أبو الفوارس، سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي الأديب الفقيه الشافعي.
سمع من أبي طالب الزينبي، وأبي المجد محمد بن جهور.
روى عنه: القاضي بهاء الدين بن شداد، ومحمد بن المني.
وله ديوان، وترسل، وبلاغة، وباع في اللغة، ويد في المناظرة، وكان يتحدث بالعربية، ويلبس زي العرب.
مات في شعبان سنة أربع وسبعين وخمس مائة
5193 - أبو المسعودي:
الشيخ الصالح، أبو حامد عبد الرحمن بن محمد بن مسعود بن أحمد المروزي البنجديهي الخمقري.
قال السمعاني في "التحبير": شيخ صالح معمر عفيف، من أهل بنج ديه. تفرد برواية جامع الترمذي عن القاضي أبي سعيد محمد بن علي، البغوي الدباس. سمعت منه، ونشأ له ولد اسمه محمد، فهم الحديث، وبالغ في طلبه، ورحل إلى العراق والشام.
قلت: عنى به التاج المسعودي بن شارح "المقامات".
وقد روى جامع الترمذي القاضي أبو نصر ابن الشيرازي عن أبي حامد هذا بالإجازة.
وأظنه توفي سنة بضع وستين وخمس مائة.
5194 - ابن صيلا:
الشيخ المسند أبو بكر عتيق بن عبد العزيز بن علي بن صيلا الحربي الخباز.
سمع من عبد الواحد بن علوان، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي، وطائفة.
روى عنه: ولداه عبد الرحمان وعبد العزيز، وابن الأخضر، وعبد الرزاق الجيلي، وأحمد بن أحمد البندنيجي، والبهاء عبد الرحمن المقدسي، وأبو القاسم بن أبي الحسن المالحاني، والأنجب بن محمد بن صيلا الحمامي.
مات في ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة، وله خمس وثمانون سنةً.
(1)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 373"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 258"، ولسان الميزان "3/ 19".
5195 - السقلاطوني:
الشيخ أبو شاكر يحيى بن يوسف البغدادي السقلاطوني الخباز، ويعرف بصاحب ابن بالان.
روى عن: ثابت بن بندار، والحسين بن البسري، والمبارك بن الطيوري، وجماعة.
روى عنه: الشيخ الموفق، وابن الأخضر، والبهاء عبد الرحمان، والمبارك بن علي المطرز، وبهاء الدين ابن الجميزي وآخرون.
مات في شعبان سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة عن سن عالية.
5196 - شملة
(1)
:
التركماني السلطان المتغلب على مملكة فارس.
أنشأ قلاعًا، وظلم، وتمرد، وقوي على السلجوقية، وكان يظهر طاعة الخلفاء. ودام ملكه أزيد من عشرين سنةً، وبدع في الأكراد، ثم تجهز لحرب جيش من التركمان، فاستعانوا بالبهلوان صاحب أذربيجان، وعمل مصاف كبير، فوقع في شملة سهم، وانفل جيشه، وأخذ أسيرًا هو وابنه وابن أخيه، وزال ملكه، ومات بعد يومين، وفرح بذلك المسلمون. هلك سنة (570).
5197 - الطوسي:
الفقيه الإمام، ناصح المسلمين، أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أبي القاسم، الطوسي الشافعي.
حدث عن: علي بن أحمد بن الأخرم، ونصر الله الخشنامي، والفضل بن عبد الواحد التاجر، وهم من أصحاب الحيري.
وله أربعون حديثًا سمعناها، خرجها له علي بن عمر الطوسي.
روى عنه: عثمان بن أبي بكر الخبوشاني، ومحمد بن أبي طاهر العطاري، وأبو حامد محمد بن محمد السمناني، والحسن بن عبيد الله القشيري، والحرة زينب الشعرية وابناها: المؤيد وبيبى؛ ولدا النجيب محمد بن علي، والحافظ عبد القادر الرهاوي، وآخرون، وكان أسند من تبقى بنيسابور في وقته.
مات سنة سبعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 352"، والعبر "4/ 211".
5198 - قايماز
(1)
:
مولى المستنجد بالله، ملك الأمراء، قطب الدين، ارتفع شأنه، وعلا محله في دولة أستاذه، فلما استخلف المستضيء، عظم قايماز، وصار هو الكل؛ فلقد رام المستضيء تولية وزير، فمنعه قايماز، وأغلق باب النوبي، وهم بشق العصا، وخرج في جيشه من بغداد، وكان سمحًا كريمًا، طلق المحيا، قليل الظلم، فأتاه الأجل بناحية الموصل، وسكنت النائرة.
مات في ذي الحجة سنة سبعين وخمس مائة.
5199 - صدقة بن الحسين
(2)
:
العلامة أبو الفرج ابن الحداد البغدادي الحنبلي الناسخ الفرضي، المتكلم، المتهم في دينه.
نسخ الكثير بخط منسوب.
وأخذ عن ابن عقيل، وابن الزاغوني، وسمع من ابن ملة، واشتغل مدةً، وأم بمسجد كان يسكنه، وناظر، وأفتى.
قال ابن الجوزي: يظهر من فلتات لسانه ما يدل على سوء عقيدته، وكان لا ينضبط، وله ميل إلى الفلاسفة، قال لي مرةً: أنا الآن أخاصم فلك الفلك. وقال لي القاضي أبو يعلى الصغير: مذ كتب صدقة "الشفاء" لابن سينا تغير. وقال للظهير الحنفي: إني لأفرح بتعثيري لأن الصانع يقصدني.
مات في ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة، وهو في عشر الثمانين.
وكان يطلب من غير حاجة، وخلف ثلاث مائة دينار.
ورويت له منامات نجسة أعاذنا الله من الشقاوة.
(1)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 354"، والعبر "4/ 211".
(2)
ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 365"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 245".
5200 - المستضيء بأمر الله:
الخليفة أبو محمد الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر أحمد بن المقتدي الهاشمي العباسي.
بويع بالخلافة وقت موت أبيه في ربيع الآخر سنة ست وستين وخمس مائة، وقام بأمر البيعة عضد الدين أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء، فاستوزره يومئذ.
ولد سنة ست وثلاثين وخمس مائة. وأمه أرمنية، اسمها: غضة.
وكان ذا حلم وأناة ورأفة وبر وصدقات.
قال ابن الجوزي في "المنتظم": بويع، فنودي برفع المكوس، ورد المظالم، وأظهر من العدل والكرم ما لم نره من أعمارنا، وفرق مالًا عظيمًا على الهاشميين.
قال ابن النجار: بويع وله إحدى وعشرون سنةً -فأظنه وهم- قال: وكان حليمًا، رحيمًا، شفيقًا، لينًا، كريمًا، نقلت من خط أبي طالب بن عبد السميع، قال: كان المستضيء من الأئمة الموفقين، كثير السخاء، حسن السيرة، إلى أن قال: اتصل بي أنه وهب في يوم لحظايا وجهات أزيد من خمسين ألف دينار.
عبد العزيز بن دلف، حدثنا مسعود بن النادر، قال: كنت أنادم أمير المؤمنين المستضيء، وكان صاحب المخزم ابن العطار قد صنع شمعدانًا ثمن ألف دينار، فحضر وفيه الشمعة، فلما قمت، قام الخادم بها بين يدي، فأطلق لي التور.
قال ابن الجوزي: وفرق أموالًا في العلويين والعلماء والصوفية. كان دائم البذل للمال، ليس له عنده وقع. ولما استخلف، خلع على أرباب الدولة، فحكى خياط المخزن لي أنه فصل ألفًا وثلاث مائة قباء إبريسم، وولى قضاء القضاة روح بن الحديثي، وأمر سبعة عشر مملوكًا. قال: واحتجب عن أكثر الناس فلم يركب إلَّا مع الخدم، ولم يدخل عليه غير الأمير قطب الدين قايماز. وفي خلافته زالت دولة العبيدية بمصر، وخطب له بها، وجاء الخبز فغلقت الأسواق للمسرة، وعملت القباب، وصنفت كتابًا سميته "النصر على مصر"، وعرضته على الإمام المستضيء.
قلت: وخطب له باليمن، وبرقة، وتوزر، وإلى بلاد الترك، ودانت له الملوك، وكان يطلب ابن الجوزي، ويأمره أن يعظ بحيث يسمع، ويميل إلى مذهب الحنابلة، وضعف بدولته الرفض ببغداد وبمصر وظهرت السنة، وحصل الأمن، ولله المنة.
وللحيص بيص فيه:
يا إمام الهدى علوت عن الجو
…
د بمالٍ وفضّةٍ ونضار
فوهبت الأعمار والأمن والبل
…
دان في ساعةٍ مضت من نهار
فبماذا نثني عليك وقد جا
…
وزت فضل البحور والأمطار
إنّما أنت معجزٌ مستقلٌّ
…
خارقٌ للعقول والأفكار
جمعت نفسك الشّريفة بالبأ
…
س وبالجود بين ماءٍ ونار
مات المستضيء في شوال سنة خمس وسبعين وخمس مائة وبايعوا بعده ولده الناصر لدين الله.
ومن حوادث أيامه: خرج صلاح الدين بالمصريين، فأغار بغزة وعسقلان على الفرنج، وافتتح قلعة أيلة، وسار إلى الإسكندرية، وسمع من السلفي.
وخرج ملك الخزر من الدربند، وأخذ مدينة دوين، وقتل بها من المسلمين ثلاثين ألفًا.
وظهر بدمشق مغربي شيطان ادعى الربوبية، فقتل.
وفي سنة 67 أمسك الوزير ابن رئيس الرؤساء.
قال ابن الجوزي: وعظت بالحلبة في رمضان، فقطعت شعور مائة وعشرين نفسًا.
وفيها هلك العاضد آخر خلفاء العبيدية بمصر، وخطب قبل موته بثلاث للمستضيء العباسي -ولله الحمد- فزينت بغداد، وعمل صلاح الدين للعاضد العزاء، وأغرب في الحزن والبكاء، وتسلم القصر بما حوى، واحتيط على آل القصر، وأفردوا بموضع، ومنعوا من النساء؛ لئلا يتناسلوا وقدم أستاذ دار المستضيء صندل الخادم رسولًا في جواب البشارة، فلبس نور الدين الخلعة: فرجية، وجبة، وقباء، وطوق ألف دينار، وحصان بسرج مثمن، وسيفان، ولواء، وحصان آخر بجنب وقلد السيفين، إشارة إلى الجمع له بين مصر والشام. ونفذ إلى صلاح الدين تشريف نحو ذلك ودونه، معه خلع سود لخطباء مصر، واتخذ نور الدين الحمام، ودرجت على الطيران.
وقال ابن الجوزي: وفي سنة ثمان وستين جلست يوم عاشوراء بجامع المنصور، فحزر الجمع بمائة ألف، وختن إخوة المستضيء، فذبح ألف شاة، وعمل عشرون ألف خشكنانكة.
وفيها حاصر عسكر مصر أطرابلس المغرب، وأخذوها. وافتتح شمس الدولة أخو صلاح الدين برقة ثم اليمن، وأسر ابن مهدي الأسود، وكان خبيث الاعتقاد. وسار صلاح الدين، فنازل الكرك، ثم ترحل لحصانتها.
وفيها هزم مليح بن لاون الأرمني السيسي عسكر صاحب الروم، وكان مصافيًا لنور الدين، يبالغ في خدمته، ويحارب معه الفرنج، ولما عوتب نور الدين في إعطائه سيس، قال: أستعين به على قتال أهل ملته، وأريح طائفةً من جندي، وهو سد بيني وبين صاحب قسطنطينية.
قلت: وقد هزم مليح عسكر قسطنطينية.
وفيها سار نور الدين إلى الموصل، ثم أفتتح بهسنا ومرعش، وسير قليج رسلان يوادد نور الدين ويخضع له.
وفي سنة 569: وقع بالسواد برد كالنارنج وزنت منه بردة سبعة أرطال، قاله ابن الجوزي. وقال: زادت دجلة أكثر من كل زيادات بغداد بذراع وكسر، وخرج الناس إلى الصحراء وبكوا، وكان آيةً من الآيات، ودام الغرق أيامًا.
5201 - ابن غانية:
الأمير المجاهد، أبو زكريا يحيى بن علي بن غانية البربري، أخو الأمير محمد.
وجه بهما أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين إلى الأندلس على ولاية بعض مدنها، فكان يحيى من حسنات الزمان، قد حصل الفقه والسنة، وفيه دين وورع، وكان ممن يضرب بشجاعته المثل، حتى قيل: كان يعد بخمس مائة فارس، فأصلح الله على يديه أشياء ودفع به مكاره.
ولي بلنسية، ثم قرطبة، وغزا عدة غزوات، وسبى، وغنم. وأكبر غزواته نوبة مدينة سالم لقي فيها جيشًا ضخمًا، فهزمهم، ونازل المدينة، وأقام على قبر المنصور محمد بن أبي عامر سبعة أيام، ورجع سالمًا غانمًا، وبقي إلى آخر دولة المرابطين، ولم يعقب، فاضطرب أمر أخيه محمد، وبقي يجول في الأندلس، ودعوة المصامدة تنتشر. ثم إنه قصد دانية، وعدى منها إلى جزيرة ميورقة، فتملكها، وأخذ الجزيرتين اللتين حولها: منورقة ويابسة. ويقال: إن ابن تاشفين أبعده إليها على طريق الاعتقال، وميورقة هذه طيبة خصبة، نحو ثلاثين فرسخًا، عديمة الهوام والوحوش، فأقام محمد بن غانية بها، وأقام الدعوة لبني العباس على قاعدة المرابطين إلى أن مات، فخلفه ابنه إسحاق، وكثر الداخلون إليه، وأقبل على الغزو في البحر، وكثرت أمواله من الغنائم، وبقي يهادي الموحدين، ويحمل إليهم، ويداريهم إلى أن توفي سنة تسع وسبعين وخمس مائة، استشهد في بلاد الفرنج من طعنة في عنقه، وخلف ثمانية بنين، فولي المملكة بعده بعهد منه ابنه الأمير علي بن إسحاق بن غانية.
5202 - الرصافي
(1)
:
شاعر المغرب، أبو عبد الله محمد بن غالب الأندلسي الرفاء، من رصافة الأندلس.
سار نظمه في الآفاق، وتوفي في رمضان سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة بمالقة.
ورصافة: بليدة بقرب بلنسية، أنشأها عبد الرحمان بن معاوية الداخل.
5203 - عضد الدين
(2)
:
وزير العراق، الأوحد المعظم، عضد الدين أبو الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن مظفر ابن الوزير الكبير رئيس الرؤساء، أبي القاسم، علي بن المسلمة، البغدادي.
ولد سنة أربع عشرة وخمس مائة.
وسمع من هبة الله بن الحصين، وعبيد الله بن محمد بن البيهقي، وزاهر بن طاهر.
حدث عنه: حفيده داود بن علي، وغيره.
وعمل الأستاذ داريةً للمقتفي وللمستنجد، ثم وزر للإمام المستضيء. وكان جوادًا سريًا مهيبًا كبير القدر.
قال الموفق عبد اللطيف: كان إذا وزن الذهب، يرمي تحت الحصر قراضةً كثيرةً ليأخذها الفراشون، ولا يرى صبيًا منا إلَّا وضع في يده دينارًا، وكذا كان ولدان له يفعلان؛ وهما: كمال الدين، وعماد الدين.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 671"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 242".
(2)
ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 369".
قال: وكان والدي ملازمه على قراءة القرآن والحديث. استوزره المستضيء أول ما بويع، واستفحل أمره، وكان المستضيء كريمًا رؤوفًا، وكان الوزير ذا انصباب إلى أهل العلم والتصوف؛ يسبغ عليهم النعم، ويشتغل هو وأولاده بالحديث والفقه والأدب. وكان الناس معهم في بلهنية، ثم وقعت كدورات وإحن بينه وبين قطب الدين قايماز.
قلت: وقد عزل، ثم أعيد، وتمكن، ثم تهيأ للحج، وخرج في رابع ذي القعدة في موكب عظيم، فضربه باطني على باب قطفتا أربع ضربات، ومات ليومه من سنة ثلاث وسبعين، وكان قد هيأ ست مائة جمل، سبل منها مائةً، صاح الباطني: مظلوم! مظلوم! وتقرب، فزجره الغلمان، فقال: دعوه، فتقدم إليه، فضربه بسكين في خاصرته، فصاح الوزير: قتلني، وسقط، وانكشف رأسه، فغطى رأسه بكمه، وضرب الباطني بسيف، فعاد وضرب الوزير، فهبروه بالسيوف، وكان معه اثنان، فأحرقوا، وحمل الوزير إلى دار، وجرح الحاجب، وكان الوزير قد رأى في النوم أنه معانق عثمان رضي الله عنه، وحكى عنه ابنه أنه اغتسل قبل خروجه، وقال: هذا غسل الإسلام، فإنني مقتول بلا شك. ثم مات بعد الظهر، ومات الحاجب بالليل. وعمل عزاء الوزير، فقل من حضر كنحو عزاء عامي؛ إرضاءً لصاحب المخزن، ثم عمل نيابة الوزارة. وقيل: إن الوزير بقي يقول: الله! الله! كثيرًا، وقال: ادفنوني عند أبي.
وفيها -أي سنة ثلاث وسبعين- توفي أبو جعفر أحمد بن أحمد بن القاص المقرئ العابد، وأبو العباس أحمد بن محمد بن بكروس الحنبلي الزاهد، وصدقة بن الحسين ابن الحداد الناسخ الفرضي -مطعون فيه- وأبو بكر عتيق بن عبد العزيز بن صيلا الخباز، وأبو الحسن علي بن الحسين اللواتي الفاسي الفقيه، والمسند محمد بن بنيمان الهمذاني، وأبو الثناء محمد بن محمد بن هبة الله ابن الزيتوني، وهارون بن العباس المأموني الأديب المؤرخ، وأبو محمد لاحق بن علي بن كاره، وأبو شاكر يحيى بن يوسف السقلاطوني، وأبو الغنائم هبة الله بن محفوظ بن صصرى الدمشقي، وآخرون.
5204 - الرفاعي
(1)
:
الإمام، القدوة، العابد، الزاهد، شيخ العارفين، أبو العباس أحمد بن أبي الحسن علي بن أحمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة الرفاعي المغربي ثم البطائحي.
قدم أبوه من المغرب، وسكن البطائح، بقرية أم عبيدة. وتزوج بأخت منصور الزاهد، ورزق منها الشيخ أحمد وإخوته.
وكان أبو الحسن مقرئًا يؤم بالشيخ منصور، فتوفي وابنه أحمد حمل. فرباه خاله، فقيل: كان مولده في أول سنة خمس مائة.
قيل: إنه أقسم على أصحابه إن كان فيه عيب ينبهونه عليه، فقال الشيخ عمر الفاروثي: يا سيدي أنا أعلم فيك عيبًا. قال: ما هو? قال: يا سيدي، عيبك أننا من أصحابك. فبكى الشيخ والفقراء، وقال أي عمر: إن سلم المركب، حمل من فيه.
قيل: إن هرةً نامت على كم الشيخ أحمد، وقامت الصلاة، فقص كمه، وما أزعجها، ثم قعد، فوصله، وقال: ما تغير شيء.
وقيل: توضأ، فنزلت بعوضة على يده، فوقف لها حتى طارت.
وعنه قال: أقرب الطريق الانكسار والذل والافتقار؛ تعظم أمر الله، وتشفق على خلق الله، وتقتدي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل: كان شافعيًا يعرف الفقه. وقيل: كان يجمع الحطب، ويجيء به إلى بيوت الأرامل، ويملأ لهم بالجرة.
قيل له: أيش أنت يا سيدي? فبكى، وقال: يا فقير، ومن أنا في البين، ثبت نسب واطلب ميراث.
وقال: لما اجتمع القوم، طلب كل واحد شيء، فقال هذا اللاش أحمد: أي رب علمك محيط بي وبطلبي فكرر علي القول. قلت: أي مولاي، أريد أن لا أريد، وأختار أن لا يكون لي اختيار، فأجبت، وصار الأمر له وعليه.
وقيل: إنه رأى فقيرًا يقتل قملةً، فقال: لا واخذك الله، شفيت غيظك?!
وعنه أنه قال: لو أن عن يميني جماعةً يروحوني بمراوح الند والطيب، وهم أقرب الناس إلي، وعن يساري مثلهم يقرضون لحمي بمقاريض وهم أبغض الناس إلي، ما زاد هؤلاء عندي، ولا نقص هؤلاء عندي بما فعلوه، ثم تلا:{لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23].
وقيل: أحضر بين يديه طبق تمر، فبقي ينقي لنفسه الحشف يأكله، ويقول: أنا أحق بالدون، فإني مثله دون.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان "1/ ترجمة 70"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 259".
وكان لا يجمع بين لبس قميصين، ولا يأكل إلَّا بعد يومين أو ثلاثة أكلةً، وإذا غسل ثوبه، ينزل في الشط كما هو قائم يفركه، ثم يقف في الشمس حتى ينشف، وإذا ورد ضيف، يدور على بيوت أصحابه يجمع الطعام في مئزر.
وعنه قال: الفقير المتمكن إذا سأل حاجةً، وقضيت له، نقص تمكنه درجةً.
وكان لا يقوم للرؤساء، ويقول: النظر إلى وجوههم يقسي القلب.
وكان كثير الاستغفار، عالي المقدار، رقيق القلب، غزير الإخلاص.
توفي سنة ثمان وسبعين وخمس مائة في جمادى الأولى رحمه الله.
5205 - الكشميهني:
الإمام الخطيب، أبو عبد الرحمن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر محمد بن أبي توبة، الكشميهني، المروزي، الشافعي، الواعظ.
سمع أبا بكر السمعاني، والنعمان بن أبي حرب، وعلي بن حسان المنيعي، وأبا منصور الكراعي، وأبا نصر محمد بن محمد الماهاني، وإسماعيل ابن البيهقي.
وسمع ببغداد أبا غالب ابن البناء، وطبقته، وبنيسابور أبا عبد الله الفراوي، وعدةً، وبالكوفة عمر الزيدي، وبمكة عتيق بن أحمد الأزدي، وبهمذان أبا جعفر بن أبي علي.
ثم قدم بغداد سنة سبع وخمسين بآله، فسكنها، وحدث بـ"صحيح مسلم" عند الوزير ابن هبيرة.
وروى بحلب، وعاد إلى مرو.
روى عنه أحمد ابن البندنيجي، وابن الحصري، وأبو محمد بن علوان، وإبراهيم بن عثمان الكاشغري، وآخرون.
وكان أبوه كبير الصوفية.
قال السمعاني: أبو عبد الرحمن واعظ، ورع، دين، كتبت عنه، وقال لي: إنه ولد سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة.
قلت: توفي في المحرم، سنة ثمان وسبعين وخمس مائة.
5206 - ابن مواهب:
العلامة الأديب، أبو العز محمد بن محمد بن مواهب بن محمد البغدادي، ابن الخراساني، النحوي الشاعر.
ولد سنة أربع وتسعين وأربع مائة.
وسمع من الحسين ابن البسري، وأبي سعد بن خشيش، وأبي الحسين ابن الطيوري، وابن سوسن التمار.
حدث عنه: ابن الأخضر، وأبو الفتوح ابن الحصري، ومحمد بن رجب الخازن، والبهاء عبد الرحمن، وأبو عبد الله ابن الدبيثي، وآخرون.
قال العماد الكاتب: هو علامة الزمان في الأدب والنحو، متبحر في علم الشعر، قادر على النظم، له خاطر كالماء الجاري، وديوانه في خمسة عشر مجلدًا، وكان واسع العبارة، غزير العلم، ذكيًا.
وقال ابن الدبيثي: هو صاحب العروض والنوادر المنسوبة إلى حدة الخاطر. أخذ الأدب عن ابن الجواليقي، ومدح الخلفاء والوزراء. سمعنا منه في آخر عمره، إلَّا أنه تغير تغير سهو وغفلة.
توفي في رمضان سنة ست وسبعين وخمس مائة.
ومات أخوه أبو الحسن محمد بن محمد في سنة ثلاث وستين، فكان الأسن، حدث عن أبي الحسين ابن الطيوري.
5207 - الدوشابي
(1)
:
الشيخ المعمر، أبو هاشم عيسى بن أحمد الهاشمي الدوشابي العباسي البغدادي الهراس.
روى عن الحسين بن علي ابن البسري.
قال أبو سعد السمعاني: كتبت عنه حديثين.
قلت: روى عنه البهاء عبد الرحمن، وقاضي حران أبو بكر عبد الله بن نصر، وحمد بن صديق، وأبو الحسن ابن المقير، وآخرون.
توفي في رجب سنة خمس وسبعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 252"، والنجوم الزاهرة "6/ 86".
5208 - ابن العطار:
الصاحب الوزير، ظهير الدين أبو بكر منصور بن نصر ابن العطار الحراني ثم البغدادي.
كان أبوه من كبراء التجار.
نشأ أبو بكر، وتفقه، وسمع من ابن ناصر وابن الزاغوني.
ولما مات أبوه، خلف له نعمةً، فبسط يده، وخالط الدولة والأعيان، وبذل، واتصل بالمستضيء قبل الخلافة، فلما بويع، ولاه أولًا مشارفة الخزانة، ثم نظرها مع وكالته، فلما قتل الوزير عضد الدين، رد المستضيء مقاليد الأمور إلى هذا، وصار يولي، ويعزل، وكان ذا سطوة وجبروت، وشدة وطأة، فلما مات المستضيء، خلاه الناصر في نظر الخزانة قليلًا، ثم أخذه، وسجنه أيامًا، فمات عن اثنتين وأربعين سنة، فحمل إلى بيت أخته، فكفن، وأخرج بعد الصبح، فعلم به الناس، فرجموه، ثم رمي، فطرح من تابوته، ومزق الكفن، وسحب بحبل، والصبيان يصيحون: باسم الله يا مولانا حتى ألقي في المدبغة. إلَّا أنه كان نقمةً وعذابًا على الرافضة.
مات سنة خمس وسبعين وخمس مائة.
5209 - حفيد الشاشي
(1)
:
العلامة أبو نصر أحمد بن عبد الله ابن شيخ الشافعية أبي بكر محمد بن أحمد الشافعي الشاشي، ثم البغدادي مدرس النظامية وأحد المصنفين.
تفقه على أبيه، وعلى أبي الحسن ابن الخل، وسمع من أبي الوقت.
مات قبل الكهولة سنة ست وسبعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "6/ 22".
5210 - ابن خير
(1)
:
الشيخ الإمام البارع الحافظ المجود المقرئ الأستاذ أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة اللمتوني الإشبيلي عالم الأندلس.
ولد سنة اثنتين وخمس مائة.
أخذ القراءات عن شريح ولازمه، وهو أنبل أصحابه وسمع منه، ومن أبي مروان الباجي، والقاضي أبي بكر ابن العربي، وارتحل إلى قرطبة، فأخذ عن أبي جعفر بن عبد العزيز، وأبي القاسم ابن بقي، وابن مغيث، وابن أبي الخصال وخلق، حتى سمع من رفاقه.
قال الأبار: كان مكثرًا إلى الغاية، وسمع من أكثر من مائة نفس، ولا نعلم أحدًا من طبقته مثله. تصدر بإشبيلية للإقراء والإسماع، وكان مقرئًا مجودًا، ومحدثًا متقنًا، أديبًا لغويًا، واسع المعرفة، رضىً مأمونًا، ولما مات، بيعت كتبه بأغلى ثمن لصحتها، ولم يكن له نظير في هذا الشأن، مع الحظ الأوفر من علم اللسان، أكثر عنه شيخنا ابن واجب.
مات في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وخمس مائة، وكانت له جنازة مشهودة.
ولي إمامة جامع قرطبة، وتلا عليه ابن أخته المعمر أبو الحسين ابن السراج بروايات، وسمع منه "التفسير" للنسائي، وكتاب "الخصائص" له.
5211 - خطيب الموصل
(2)
:
الشيخ الإمام، العالم، الفقيه، المحدث، مسند العصر، خطيب الموصل، أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هشام الطوسي، ثم البغدادي، ثم الموصلي الشافعي.
ولد في صفر سنة سبع وثمانين وأربع مائة.
واعتنى به أبوه؛ فسمع حضورًا من: أبي عبد الله بن طلحة النعالي وطراد الزينبي، وسمع من نصر ابن البطر، وأبي بكر الطريثيثي، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي، ومحمد بن عبد السلام الأنصاري، وأبي الحسن بن أيوب، وجعفر السراج، ومنصور بن حيد، والحسين بن علي ابن البسري، وأبي غالب الباقلاني، وأبي منصور الخياط.
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1108"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 252".
(2)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1341"، والنجوم الزاهرة "6/ 94".
وسمع بأصبهان من أبي علي الحداد، وبنيسابور من أبي نصر ابن القشيري، وبترمذ من ميمون بن محمود. وبالموصل من أبيه وعمه، وولي خطابتها زمانًا، وقصده الرحالون، وكان ثقةً في نفسه.
وكان أبو بكر الحازمي إذا روى عنه، قال: أخبرنا من أصله العتيق، يحترز بذلك مما زور له وغيره محمد بن عبد الخالق اليوسفي، فلما بين المحدثون للخطيب ذلك، رجع عما رواه بنقل محمد، وخرج لنفسه تلك "المشيخة" من أصوله.
حدث عنه: أبو سعد السمعاني، وعبد القادر الرهاوي، والشيخ موفق الدين عبد الله، والبهاء عبد الرحمان، والقاضي يوسف بن شداد، وهبة الله بن باطيش، وأبو الحسن بن القطيعي، والشيخ عز الدين علي ابن الأثير، والموفق يعيش بن علي النحوي، وعبد الكريم بن الترابي، وأبو الخير إياس الشهرزوري، وإبراهيم بن يوسف بن ختة الموصلي، وآخرون.
قال ابن قدامة: كان شيخًا حسنًا لم نر منه إلَّا الخير.
وقال ابن النجار: ولد ببغداد، وقرأ الفقه والأصول على إلكيا أبي الحسن الهراسي، وأبي بكر الشاشي، والأدب على أبي زكريا التبريزي، وأبي محمد الحريري.
قلت: توفي في شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمس مائة.
وله شعر حسن، وفيه سؤدد ودين، قصده الرحالون، وتفرد. وآخر من روى عنه بالإجازة ابن عبد الدائم.
وفيها مات القدوة الشيخ أحمد ابن الرفاعي، وأبو علي الحسن بن علي بن شيرويه، والخضر بن هبة الله بن طاوس المقرئ، والحافظ خلف بن بشكوال، وأبو طالب أحمد بن المسلم بن رجاء الاسكندراني، وعبد الله بن أحمد بن محمد بن حمتيس السراج، وصاحب بعلبك عز الدين فروخشاه بن شاهنشاه بن أيوب، والإمام قطب الدين مسعود بن محمد النيسابوري الشافعي بدمشق، وهبة الله بن محمد ابن الشيرازي إمام مشهد علي.
5212 - ابن حمكا:
الشيخ أبو الوفاء محمود بن أبي القاسم بن عمر بن حمكا الأصبهاني، ابن أخت الحافظ أبي سعد ابن البغدادي.
شيخ صدوق معمر.
تفرد بإجازة أبي عبد الله ابن طلحة النعالي، وطراد بن محمد الزينبي.
وسمع من أبي الفتح أحمد بن عبد الله السوذرجاني.
وحدث ببغداد سنة ست وخمسين.
وروى عنه: أبو الفتوح ابن الحصري، والحافظ عبد الغني، ومحمد بن محمد بن محمد بن واقا.
مات في ربيع الآخر سنة ثمانين وخمس مائة، عن إحدى وتسعين سنة.
5213 - الخرقي
(1)
:
الشيخ الجليل الصالح المعمر، مسند أصبهان، رحلة الوقت، أبو الفتح عبد الله بن أحمد بن أبي الفتح بن محمد بن أحمد القاسمي الأصبهاني الخرقي.
سمع أباه أبا العباس، وأبا مطيع محمد بن عبد الواحد الصحاف، وأبا الفتح أحمد بن عبد الله السوذرجاني، وأبا الفتح أحمد بن محمد الحداد، وبندار بن محمد الخلقاني، وعبد الرحمن بن حمد الدوني، وحمد بن حنة، وعمر بن محمد بن عمر بن علويه، وعبد الرحمن بن أبي عثمان الصابوني، وطائفةً.
ولد يوم الأضحى سنة تسعين وأربع مائة.
وسمع حضورًا في سنة اثنتين وتسعين وبعدها من ابن علويه.
حدث عنه: الحافظ عبد الغني، ومحمد بن مكي، وعبد الله بن أبي الفرج الجبائي، والمهذب ابن زينة، وأبو الفضل ابن سلامة العطار، ومحمد بن خليل بن بدر الراراني، وعدة.
وبالإجازة: كريمة، والحافظ الضياء، والرشيد العراقي وغيرهم.
مات في يوم الثلاثاء بعد فراغه من صلاة الصبح السابع والعشرين من رجب سنة تسع وسبعين وخمس مائة، وصلى عليه الحافظ أبو موسى المديني.
وفيها مات إسماعيل بن قاسم الزيات بمصر، وتقية الأرمنازية الشاعرة، وشاعر العراق محمد بن بختيار الأبله، وأبو العلاء محمد بن جعفر بن عقيل المقرئ، ومحتسب واسط أبو طالب محمد بن علي الكتاني، وأبو المجد محمود بن نصر بن الشعار والد المحدث إبراهيم.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 237"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 266".
5214 - الصفاري:
العلامة، قوام الدين، أبو المحامد حماد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إسحاق بن شيث الوائلي، البخاري، الحنفي، ابن الصفاري.
سمع من أبيه، وإسماعيل ابن البيهقي.
روى عنه: إسماعيل بن محمد البيلقي، وإبراهيم بن سالار الخوارزمي، وعبيد الله بن إبراهيم المحبوبي، والحسين بن عمر الترمذي الأديب، وبرهان الإسلام عمر بن مازة، وتاج الإسلام محمد بن طاهر الخداباذي، نبأني بهذا أبو العلاء الفرضي.
توفي سنة ست وسبعين وخمس مائة.
5215 - أبوه:
العلامة ركن الدين أبو إسحاق إبراهيم.
سمع من والده الإمام إسماعيل، وعلي بن عمر بن خنب البزاز، وعبد العزيز بن المستقر الكرميني، وعدة.
روى عنه: ولده، وأبو الفتح محمد بن محمود النسفي الأديب، وشيخ الإسلام أحمد بن عثمان العاصمي البلخي، وبقي إلى سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة.
وأبوه: إسماعيل بن إسحاق الوائلي: روى عن عمر بن عبد العزيز الشروطي، وعبد الغافر بن محمد الفارسي، وأبي عاصم محمد بن علي البلخي. ما ذكر له أبو العلاء وفاةً. بقي إلى نحو سنة خمس مائة، وحدث عنه ولده.
5216 - ابن صابر
(1)
:
الشيخ أبو المعالي عبد الله ابن المحدث عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر السلمي الدمشقي، ابن سيدة.
ولد سنة تسع وتسعين وأربع مائة.
وسمعه أبوه من الشريف النسيب، وأبي طاهر الحنائي، وعلي ابن الموازيني، وعدة.
قال السمعاني: أبو المعالي شاب قدم من بغداد للتجارة، سمعت منه "المروءة" للضراب.
وقال ابن صصرى: باع كتب أبيه وعمه بثمن بخس، وأعرض في وسط عمره عن الخير، ثم أقلع، توفي في رجب سنة ست وسبعين وخمس مائة.
قلت: روى عنه: عبد الغني الحافظ، والشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمن، والحافظ الضياء، وعبد الحق بن خلف، وعمر بن المنجى، وسالم ويحيى ابنا عبد الرزاق، وآخرون.
ولأبيه فيه:
بأبي كلّ أزرق العينين
…
أبيض الوجه لونه كاللّجين
ما تأمّلت حسن عينيه إلاّ
…
زادني فرحةً وقرة عين
سمعهما منه السلفي.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 229"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 256".
5217 - ابن أبي العجائز
(1)
:
الشيخ أبو الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن أبي العجائز، الأزدي، الدمشقي. من بيت حديث ورواية.
حدث عن أبي طاهر الحنائي.
وعنه: ابن عساكر، وابنه البهاء، وابن صصرى، وإبراهيم ابن الخشوعي، ومكي بن علان، وآخرون.
وكان ملازمًا لحلقة الحافظ ابن عساكر.
مات في جمادى الآخرة سنة ست وسبعين عن ثمانين عامًا.
5218 - تقية
(2)
:
بنت المحدث غيث بن علي الأرمنازي، ثم الصوري.
شاعرة، محسنة، مشهورة.
وهي والدة المحدث علي بن فاضل بن صمدون.
مدحت السلفي، وتقي الدين صاحب حماة.
روى عنها أبو القاسم بن رواحة من شعرها.
توفيت سنة تسع وسبعين وخمس مائة، ولها ست وسبعون سنة.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 229"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 257".
(2)
ترجمته وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 123"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 265".
5219 - أبو طالب:
الإمام الأصولي، أبو طالب أحمد بن المسلم بن رجاء اللخمي، ويسمى أيضًا خليفة، وغلب عليه أحمد.
من علماء أهل الإسكندرية.
سمع من أبي بكر الطرطوشي، وأبي عبد الله بن الخطاب الرازي، وعبد المعطي بن مسافر.
روى عنه: أبو الحسن بن المفضل، والحافظ عبد الغني، وابن رواحة، وابن رواج، والعلم السخاوي، وأبو علي الأوقي، ونبأ بن هجام، وجعفر الهمداني.
قال ابن المفضل: فيه لين في ما يرويه، إلَّا أنا لم نسمع منه إلَّا من أصوله. وكان عارفًا بالفقه والأصول، ماهرًا في علم الكلام.
توفي في شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمس مائة.
أنشدني محمد بن عبد الكريم المقرئ، أنشدنا أبو الحسن علي بن محمد سنة خمس وثلاثين، أنشدنا أبو طالب بن مسلم اللخمي الأصولي لنفسه:
أوما عجيبٌ جيفةٌ مسمومةٌ
…
وكلابها قد غالهم داء الكلب
يتذابحون على اعتراق عظامها
…
فالسيّد المرهوب فيهم من غلب
هذي هي الدّنيا ومع علمي بها
…
لم أستطع تركًا لها يا للعجب
5220 - الرافعي:
الإمام العلامة، مفتي الشافعية، أبو الفضل محمد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعي القزويني.
تفقه بنيسابور على محمد بن يحيى، وببغداد على أبي منصور ابن الرزاز، وبقزوين على ملكداد بن علي، وأبي علي بن شافعي.
وسمع من أبي البركات ابن الفراوي، وعبد الخالق ابن الشحامي، وطائفة.
وبرع في المذهب.
تفقه به ولده الإمام مصنف الشرح أبو الفضائل محمد بن محمد، وغيره.
توفي في شهر رمضان سنة ثمانين وخمس مائة.
5221 - ابن المطلب:
المولى الصاحب أبو المظفر حسن ابن الوزير هبة الله بن محمد بن علي بن المطلب البغدادي.
صدر معظم، دين صين، معمر.
ولد بعد التسعين وأربع مائة.
وسمع من أبي الحسن ابن العلاف، وابن نبهان.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وأبو أحمد ابن سكينة، والموفق عبد اللطيف.
طلب للوزارة فامتنع، وكان ذا أموال كثيرة. أنشأ الجامع الكبير بالجانب الغربي، ومدرسةً للشافعية، ورباطًا، ومسجدًا، ووقف عدة قرىً. وكان كثير المجاورة، فيه خير وعبادة، يأتيه الكبراء، ولا يذهب إلى أحد. يلقب بفخر الدولة.
توفي في شوال سنة ثمان وسبعين وخمس مائة.
5222 - ابن عبد المؤمن:
السلطان الكبير، أبو يعقوب يوسف ابن السلطان عبد المؤمن بن علي، صاحب المغرب.
تملك بعد أخيه المخلوع محمد لطيشه، وشربه الخمر، فخلع بعد شهر ونصف، وبويع أبو يعقوب، وكان شابًا مليحًا، أبيض بحمرة، مستدير الوجه، أفوه، أعين، تام القامة، حلو الكلام فصيحًا، حلو المفاكهة، عارفًا باللغة والأخبار والفقه، متفننًا، عالي الهمة، سخيًا، جوادًا، مهيبًا، شجاعًا، خليقًا للملك.
قال عبد الواحد بن علي التميمي: صح عندي أنه كان يحفظ أحد "الصحيحين"، أظنه البخاري. قال: وكان سديد الملوكية، بعيد الهمة، جوادًا، استغنى الناس في أيامه. ثم إنه نظر في الطب والفلسفة، وحفظ أكثر كتاب "الملكي"، وجمع كتب الفلاسفة، وتطلبها من
الأقطار، وكان يصحبه أبو بكر محمد بن طفيل الفيلسوف، فكان لا يصبر عنه، وسمعت أبا بكر بن يحيى الفقيه، سمعت الحكم أبا الوليد بن رشد الحفيد يقول: لما دخلت على أمير المؤمنين أبي يعقوب، وجدته هو وابن طفيل فقط، فأخذ ابن طفيل يطريني، فكان أول ما فاتحني أن قال: ما رأيهم في السماء? أقديمة أم حادثة? فخفت، وتعللت، وأنكرت الفلسفة، ففهم، فالتفت إلى ابن طفيل، وذكر قول أرسطو فيها، وأورد حجج أهل الإسلام، فرأيت منه غزارة حفظ، لم أكن أظنها في عالم، ولم يزل يبسطني حتى تكلمت، ثم أمر لي بخلعة ومال ومركوب.
وزر له أخوه عمر أيامًا، ثم رفع منزلته عن الوزارة، وولى إدريس بن جامع، إلى أن استأصله سنة 577، ثم وزر له ولده يعقوب الذي تسلطن، وكان له من الولد ستة عشر ابنًا.
وفي وسط أيامه خرج عليه سبع بن حيان ومززدغ في غمارة، فحاربهما، وأسرهما، ودخل الأندلس في سنة سبع وستين للجهاد، ويضمر الاستيلاء على باقي الجزيرة، فجهز الجيش إلى محمد بن سعد بن مردنيش، فالتقوا بقرب مرسية، فانكسر محمد، ثم ضايقه الموحدون بمرسية مدةً، فمات، وأخذ أبو يعقوب بلاده، ثم سار، فنازل مدينة وبذى، فحاصرها أشهرًا، وكادوا أن يسلموها من العطش، ثم استسقوا -لعنهم الله- فسقوا، وامتلأت صهاريجهم، فرحل، وهادن الفنش، وأقام بإشبيلية سنتين ونصفًا، ودانت له الأندلس، ثم رجع إلى السوس سنة 571 لتسكن فتن وقعت بين البربر، ثم سار في سنة 75 حتى أتى مدينة قفصة، فحاصرها، وقبض على ابن الرند. وهادن صاحب صقلية، على أن يحمل كل سنة ضريبة على الفرنج، فبعث إلى أبي يعقوب تحفًا، منها قطعة ياقوت معدومة بقدر استدارة حافر فرس، فكللوا المصحف العثماني بها.
قال الحافظ أبو بكر ابن الجد: كنا عنده، فسألنا: كم بقي النبي صلى الله عليه وسلم مسحورًا? فشكينا. فقال: بقي شهرًا كاملًا، صح ذلك. وكان فقيهًا يتكلم في المذاهب، ويقول: قول فلان صواب، ودليله من الكتاب والسنة كذا وكذا.
قال عبد الواحد: لما تجهز لغزو الروم، أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث في الجهاد تملى على الجند، وكان هو يملي بنفسه، وكبار الموحدين يكتبون في ألواحهم. وكان يسهل عليه بذل الأموال سعة الخراج، كان يأتيه من إفريقية في العام مائة وخمسون وقر بغل. وأستنفر في سنة تسع وسبعين أهل السهل والجبل والعرب، فعبر إلى الأندلس، وقصد شنترين بيد ابن الريق -لعنه الله- فحاصرها مدةً، وجاء البرد، فقال: غدًا نترحل، فكان أول من قوض
مخيمه علي ابن القاضي الخطيب، فلما رآه الناس، قوضوا أخبيتهم، فكثر ذلك، وعبر ليلتئذ العسكر النهر، وتقدموا خوف الازدحام، ولم يدر بذلك أبو يعقوب، وعرفت الروم، فانتهزوا الفرصة، وبرزوا، فحملوا على الناس، فكشفوهم، ووصلوا إلى مخيم السلطان، فقتل على بابه خلق من الأبطال، وخلص إلى السلطان، فطعن تحت سرته طعنةً مات بعد أيام منها، وتدارك الناس، فهزموا الروم إلى البلد، وهرب الخطيب، ودخل إلى صاحب شنترين، فأكرمه، واحترمه، ثم أخذ يكاتب المسلمين، ويدل على عورة العدو، فأحرقوه، ولم يسيروا بأبي يعقوب إلَّا ليلتين، وتوفي، وصلي عليه، وصبر في تابوت، وبعث إلى تينمل، فدفن مع أبيه وابن تومرت.
مات في سابع رجب سنة ثمانين وخمس مائة، وبايعوا ابنه يعقوب.
وفيها مات أحمد بن المبارك بن درك الضرير، وصدر الدين عبد الرحيم بن شيخ الشيوخ إسماعيل بن أبي سعد، وأبو الفرج محمد بن أحمد ابن الشيخ أبي علي بن نبهان الأديب، وشيخ النحو أبو بكر محمد بن أحمد الخدب، ومحمد بن حمزة بن أبي الصقر القرشي المعدل، ومحمود بن حمكا الأصبهاني.
5223 - السلماسي
(1)
:
العلامة ذو الفنون سديد الدين محمد بن هبة الله السلماسي الشافعي، معيد النظامية.
قال ابن خلكان: هو الذي شهر طريقة الشريف بالعراق. تخرج به أئمة كالعماد والكمال ابني يونس، والشرف محمد بن علوان بن مهاجر. وكان مسددًا في الفتوى.
مات في شعبان سنة أربع وسبعين وخمس مائة وأتقن عدة فنون.
5224 - ابن الصائغ
(2)
:
الإمام المفتي، أبو الفتح أحمد بن أبي الوفاء بن عبد الرحمن بن عبد الصمد البغدادي الحنبلي، ابن الصائغ.
عرف بغلام أبي الخطاب، لأنه خدمه، واشتغل عليه.
ولد سنة تسعين وأربع مائة.
وحدث بحران وحلب عن أبي القاسم بن بنان "بجزء ابن عرفة".
حدث عنه: يوسف بن أحمد الشيرازي، والحافظ عبد الغني، وأبو القاسم بن صصرى، وإبراهيم بن أبي الحسن الزيات، وأخواه: بركات ومحمد، وعلي بن سلامة الخياط، وعمار بن عبد المنعم، والفقيه سليمان بن أحمد المقدسي وولده عبد الرزاق بن أحمد.
قال ابن النجار: درس بحران، وأفتى، وتوفي سنة ست وسبعين وخمس مائة.
قلت: وقيل سنة خمس.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 595"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 23".
(2)
ترجمته في العبر "4/ 222"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 249".
5225 - الزيدي
(1)
:
الإمام القدوة، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الهاشمي العلوي الحسيني، ثم الزيدي، البغدادي، الشافعي، الزاهد الحافظ.
مولده سنة تسع وعشرين وخمس مائة.
وسمع من ابن الزاغوني، وابن ناصر، ونصر بن نصر العكبري، وأبي الوقت، وهلم جرًا.
وخرج لنفسه أجزاء رواها.
أخذ عنه العليمي، وأبو المواهب بن صصرى، وأقرانه.
قال ابن الدبيثي: كان أحد الأعيان والزهاد والنساك، حفظ القرآن، والفقه، وكتب الكثير، وجمع. وكان نبيلًا، جامعًا لصفات الخير، سمعت ابن الأخضر يعظم شأنه، ويصف زهده ودينه. وكان ثقةً.
وقيل: إن الوزير عضد الدين ابن رئيس الرؤساء بعث إليه بألف دينار، فعلم المستضيء، فبعث بألف أخرى، فبعثت أم الخليفة بنفشا بألف أخرى، فما تصرف فيها، بل بنى بها مسجدًا، واشترى كتبًا وقفها، فانتفع بها الناس.
توفي الزيدي في شوال سنة خمس وسبعين وخمس مائة في حياة أبويه. ودفن بداره رحمه الله.
(1)
ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "7/ 212"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 86".
5226 - القرشي
(1)
:
القاضي أبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر، القرشي، الزبيري، الدمشقي، الحافظ، عم كريمة.
قال ابن الدبيثي: فقيه، حافظ، عالم، عني بالحديث، وسمع بدمشق، وحلب، وحران، والموصل، والكوفة، وبغداد، والحرمين، ورزق الفهم.
سمع أبا الدر الرومي، وابن البن، وأبا الوقت، وأبا محمد بن المادح، وخلائق.
ونفذ رسولًا إلى الشام. وولي قضاء الحريم.
روى عنه ابنه عبد الله، وابن الحصري.
مات في ذي الحجة سنة خمس وسبعين وخمس مائة، وله خمسون سنة.
5227 - القطب
(2)
:
الإمام العلامة، شيخ الشافعية، قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود الطريثيثي النيسابوري.
ولد سنة خمس وخمس مائة.
وتفقه على أبيه، ومحمد بن يحيى تلميذ الغزالي، وعمر بن علي، عرف بسلطان.
وتفقه بمرو على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد.
وسمع من هبة الله بن سهل السيدي، وعبد الجبار الخواري.
وتأدب على أبيه، وبرع، وتقدم، وأفتى، ووعظ في أيام مشايخه، ودرس بنظامية نيسابور نيابةً، وصار من فحول المناظرين، وبلغ رتبة الإمامة.
وقدم بغداد في سنة (538)، فوعظ وناظر، ثم سكن دمشق، وقد رأى أبا نصر القشيري. وكان صاحب فنون، أقبلوا عليه بدمشق في أيام أبي الفتح المصيصي، ودرس بالمجاهدية، فلما توفي أبو الفتح، ولي بعده تدريس الغزالية، ثم انفصل إلى حلب، فولي
(1)
ترجمته في العبر "4/ 224"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 252".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 718"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 94"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 263".
تدريس المدرستين اللتين أنشأهما نور الدين وأسد الدين، ثم سار إلى همذان، ودرس بها مدةً، ثم عاد إلى دمشق، ودرس بالغزالية ثانيًا، وتفقه به الأصحاب. وكان حسن الأخلاق، متوددًا، قليل التصنع. ثم سار إلى بغداد رسولًا.
روى عنه: أبو المواهب بن صصرى، وأخوه الحسين، والتاج ابن حمويه، وطائفة.
وأجاز للحافظ الضياء.
قال ابن عساكر: كان أبوه من طريثيث. كان أديبًا يقرئ الأدب، قدم ووعظ، وحصل له قبول، وكان حسن النظر مواظبًا على التدريس، وقد تفرد برئاسة أصحاب الشافعي.
قال ابن النجار: قدم بغداد رسولًا، وتزوج بابنة أبي الفتوح الإسفراييني. أنشدني أبو الحسن القطيعي، أنشدني أبو المعالي مسعود بن محمد الفقيه:
يقولون: أسباب الفراغ ثلاثةٌ
…
ورابعها خلّوه وهو خيارها
وقد ذكروا أمنًا ومالًا وصحةً
…
ولم يعلموا أنّ الشباب مدارها
قلت: كان فصيحًا، مفوهًا، مفسرًا، فقيهًا، خلافيًا، درس أيضًا بالجاروخية، وقيل: إنه وعظ بدمشق، وطلب من الملك نور الدين أن يحضر مجلسه، فحضره، فأخذ يعظه، ويناديه: يا محمود، كما كان يفعل البرهان البلخي شيخ الحنفية، فأمر الحاجب، فطلع، وأمره أن لا يناديه باسمه، فقيل فيما بعد للملك، فقال: إن البرهان كان إذا قال: يا محمود قف شعري هيبةً له، ويرق قلبي، وهذا إذا قال، قسا قلبي، وضاق صدري. حكى هذه سبط ابن الجوزي، وقال: كان القطب غريقًا في بحار الدنيا.
قال القاسم ابن عساكر: مات في سلخ رمضان سنة ثمان وسبعين وخمس مائة، ودفن يوم العيد في مقبرة أنشأها جوار مقبرة الصوفية غربي دمشق.
قلت: وبنى مسجدًا، ووقف كتبه رحمه الله.
5228 - ابن أبي الصقر
(1)
:
المحدث العدل، أبو عبد الله محمد بن حمزة بن محمد بن أحمد بن سلامة بن أبي جميل، القرشي، الشروطي، الدمشقي، ويعرف بابن أبي الصقر.
محدث، ثقة، مفيد.
ولد سنة تسع وتسعين وأربع مائة.
وسمع من: هبة الله ابن الأكفاني، وعلي بن قبيس الغساني، وجمال الإسلام السلمي.
وارتحل، فسمع من هبة الله ابن الطبري، وقاضي المارستان. وسمع ولده مكرمًا من أبي يعلى ابن الحبوبي وجماعة. وكان شروطي البلد.
روى عنه: أبو المواهب التغلبي، وعبد القادر الرهاوي، والبهاء عبد الرحمن، وأبو الحسن ابن القطيعي، والشيخ الضياء وآخرون.
توفي سنة ثمانين وخمس مائة.
5229 - أبو الكرم:
مسند همذان، الشيخ أبو الكرم علي بن عبد الكريم بن أبي العلاء، العباسي، الهمذاني، العطار.
حدث في سنة خمس وثمانين بهمذان عن أبي غالب أحمد بن محمد العدل صاحب ابن شبانة، وعن فيد بن عبد الرحمن الشعراني وطائفة.
حدث عنه: علي بن اسفهسلار الرازي، وشمس الدين أحمد بن عبد الواحد المقدسي البخاري، والحافظ عبد القادر الرهاوي وجماعة.
وسماعاته في سنة نيف وخمس مائة رحمه الله.
5230 - صاحب حلب:
الملك الصالح، أبو الفتح إسماعيل ابن صاحب الشام نور الدين محمود ابن الأتابك.
عمل له أبوه ختانًا لم يسمع بمثله، وأطعم أهل دمشق حتى سائر أهل الغوطة، وبقي الهناء أسبوعًا، وفي الأسبوع الآتي انتقل نور الدين إلى الله، ووصى بمملكته لهذا، وهو ابن إحدى عشرة سنةً، فملكوه بدمشق، وكذا حلفوا له بحلب، فأقبل من مصر صلاح الدين، وأخذ منه دمشق، فترحل إلى حلب، وكان شابًا، دينًا، خيرًا، عاقلًا، بديع الجمال، محببًا إلى الرعية وإلى الأمراء، فنمت فتنة، وجرت بحلب بين السنة والرافضة، فسار السلطان صلاح الدين، وحاصر حلب مديدةً، ثم ترحل، ثم حاصرها، فصالحوه، وبذلوا له المعرة
(1)
ترجمته في العبر "4/ 239"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 268".
وغيرها، ثم نازل حلب ثالثًا، فبذل أهلها الجهد في نصرة الصالح، فلما ضجر السلطان، صالحهم، وترحل وأخرجوا إليه بنت نور الدين، فوهبها عزاز، وكان تدبير مملكة حلب إلى أم الصالح وإلى شاذبخت الخادم وابن القيسراني.
تعلل الملك الصالح بقولنج خمسة عشر يومًا، وتوفي في رجب سنة سبع وسبعين وخمس مائة، وتأسفوا عليه.
قيل: عرض عليه طبيبه خمرًا للتداوي، فأبى، وقال: قد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها"
(1)
، ولعلي أموت وهو في جوفي. عاش عشرين سنةً سوى أشهر.
(1)
صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "7/ 23"، والطبراني "9714" من طريق منصور، عن أبي وائل أن رجلا أصابه الصفر، فنعت له السكر، فسأل عبد الله عن ذلك، فقال:"إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه أحمد في "كتاب الأشربة""130"، والطبراني في "الكبير""9716"، والحاكم "4/ 218"، والبيهقي "10/ 5" من طريق أبي وائل نحوه، وأخرجه الطبراني "23/ 749"، وأحمد في "الأشربة""159"، والبيهقي "10/ 5"، وابن حزم "1/ 175" من طريق جرير، عن الشيباني، عن حسان بن مخارق، عن أم سلمة، به نحوه.
5231 - صاحب أذربيجان:
الأتابك شمس الدين إلدكز صاحب أذربيجان وهمذان.
كان من غلمان الوزير السميرمي، فصار بعد قتله للسلطان مسعود، فأمره، ثم ولاه مسعود مملكة أرانية، ثم تمكن، وعظم شأنه، واستولى على إقليم أذربيجان، وعلى الري وهمذان وأصبهان، وكان يخطب معه لابن زوجته السلطان أرسلان بن طغرل، وبلغ عدد جيش إلدكز خمسين ألفًا، وكان جيد السيرة، حازمًا، فارسًا، شجاعًا.
مات سنة سبعين، وقيل: سنة ثمان وستين وخمس مائة وقد شاخ.
ابنه السلطان شمس الدين بهلوان بن إلدكز صاحب أذربيجان وعراق العجم. تملك بعد أبيه، وعظم سلطانه، واتسعت دنياه إلى أن مات في سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.
وقيل: إنه كان له خمسة آلاف مملوك، ومن الخيل والعدد ما لا يعبر عنه.
تملك بعده أخوه لأمه قزل.
وقيل: مات في أول سنة اثنتين وثمانين. وكان قد أقام في اسم السلطنة طغرل بن أرسلان آخر الملوك السلجوقية والتصرفات للبهلوان، ثم بعده تمكن طغرل، وتحارب هو وقزل بن إلدكز إلى أن قتل قزل في شعبان سنة سبع وثمانين وخمس مائة.
5232 - الكمال الأنباري
(1)
:
الإمام القدوة، شيخ النحو كمال الدين أبو البركات عبد الرحمان بن محمد بن عبيد الله الأنباري، نزيل بغداد.
تفقه بالنظامية على أبي منصور الرزاز وغيره، وبرع في مذهب الشافعي، وقرأ الخلاف، وأعاد بالنظامية، ووعظ، ثم إنه تأدب بابن الجواليقي، وأبي السعادات ابن الشجري، وشرح عدة دواوين، وتصدر، وأخذ عنه أئمة، وسمع بالأنبار من أبيه، وخليفة بن محفوظ، وببغداد من أبي منصور بن خيرون، وعبد الوهاب الأنماطي، والقاضي أبي بكر محمد بن القاسم الشهرزوري، وعدة، روى كتبًا من الأدبيات.
قال ابن النجار: روى لنا عنه أبو بكر المبارك بن المبارك النحوي، وابن الدبيثي، وعبد الله بن أحمد الخباز. قال: وكان إمامًا كبيرًا في النحو، ثقةً، عفيفًا، مناظرًا، غزير العلم، ورعًا، زاهدًا، عابدًا، تقيًا، لا يقبل من أحد شيئًا، وكان خشن العيش جشب
(2)
المأكل والملبس، لم يتلبس من الدنيا بشيء، مضى على أسد طريقة. وله كتاب "هداية الذاهب في معرفة المذاهب"، كتاب "بداية الهداية"، كتاب "في أصول الدين"، كتاب "النور اللامح، في اعتقاد السلف الصالح"، كتاب "منثور العقود في تجريد الحدود"، كتاب "التنقيح في الخلاف"، كتاب "الجمل في علم الجدل"، كتاب "ألفاظ تدور بين النظار"، كتاب "الإنصاف في الخلاف بين البصريين والكوفيين"، كتاب "أسرار العربية"، كتاب "عقود الإعراب"، كتاب "مفتاح المذاكرة"، كتاب "كلا وكلتا"، كتاب "لو وما"، كتاب "كيف"، كتاب "الألف واللام"، كتاب "في يعفون"، كتاب "حلية العربية"، كتاب "لمع الأدلة"، كتاب "الوجيز في التصريف"، كتاب "إعراب القرآن"، كتاب "ديوان اللغة"، "شرح المقامات"، "شرح ديوان المتنبي"، "شرح الحماسة"، "شرح السبع"، كتاب "نزهة الألباء في طبقات الأدباء"، كتاب "تاريخ الأنبار"، كتاب في "التصوف"، كتاب في "التعبير". سرد له ابن النجار أسماء تصانيف جمة.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 369"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 258".
(2)
الجشب: هو الغليظ الخشن من الطعام. وقيل غير المأدوم. وكل بشع الطعم جشب.
وقال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا الكمال، أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، أخبرنا علي ابن البسري، فذكر حديثًا، وعلاه. وله شعر حسن.
مولده في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة وخمس مائة.
ومات في تاسع شعبان سنة سبع وسبعين عن بضع وستين سنةً.
وفيها توفي الصالح إسماعيل بن نور الدين صاحب حلب، وأبو الفتح عمر بن علي بن محمد بن حمويه الجويني بدمشق، وأبو طاهر هاشم بن أحمد ابن عبد الواحد، خطيب حلب، وهبة الله بن أبي الكرم بن الجلخت الواسطي عن نيف وتسعين سنةً.
قال الموفق عبد اللطيف: الكمال شيخنا؛ لم أر في العباد المنقطعين أقوى منه في طريقه، ولا أصدق منه في أسلوبه، جد محض، لا يعتريه تصنع، ولا يعرف الشرور، ولا أحوال العالم، كان له دار يسكنها، وحانوت ودار يتقوت بأجرتهما، سير له المستضيء خمس مائة دينار فردها، وكان لا يوقد عليه ضوءًا، وتحته حصير قصب، وثوبا قطن، وله مائة وثلاثون مصنفًا رحمه الله تعالى.
5233 - الكتاني
(1)
:
الشيخ الجليل، العالم الصالح، الخير المعمر، محتسب واسط، أبو طالب محمد بن أبي الأزهر علي بن أحمد بن محمد بن علي بن يوسف، الواسطي الكتاني المعدل.
كان على حسبة واسط هو وأبوه.
مولده في سنة خمس وثمانين وأربع مائة.
سمع من محمد بن علي بن أبي الصقر الشاعر، وأبي نعيم الجماري وأبي نعيم بن زبزب، وهبة الله ابن السقطي، وطائفة.
وسمع ببغداد من: أبي الحسن علي بن محمد العلاف، وأبي القاسم ابن بيان، ونور الهدى. وتفرد بإجازة أبي طاهر أحمد بن الحسن الباقلاني، وأبي منصور عبد المحسن الشيحي، وأبي الحسن بن أيوب البزاز، ذكرهم له ابن الدبيثي، وقال: كان ثقةً، صحيح السماع، متخشعًا، يرجع إلى دين وصلاح. رحل الناس إليه. وتوفي بواسط في ثاني المحرم سنة تسع وسبعين وخمس مائة.
قلت: حدث عنه: أبو المواهب بن صصرى، ويوسف الشيرازي، وأبو بكر الحازمي، وعبد القادر الرهاوي، وأبو الفتح المندائي وابنه، وأبو طالب بن عبد السميع، والمرجى بن الشقير، وأبو عبد الله الدبيثي، وقال: نعم الشيخ كان، سمعت منه في سنة أربع وسبعين بقراءتي.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 238"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 267".
5234 - ابن شاتيل
(1)
:
الشيخ الجليل، المسند، المعمر، أبو الفتح عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا بن شاتيل، البغدادي، الدباس.
سمع أباه، والحسين بن علي بن البسري، وأبا غالب الباقلاني، وأبا الحسن ابن العلاف، وأبا القاسم الربعي، وأبا سعد بن خشيش، وأحمد بن المظفر بن سوسن، وأبا علي بن نبهان، وأبا الغنائم النرسي، وعدةً.
وعمر دهرًا، وتفرد، ورحلوا إليه.
وقد وجد سماعه بخط أبي بكر بن كامل على حديث الإفك للآجري من أبي الخطاب ابن البطر في سنة إحدى وتسعين وأربع مائة، وحدث به. فإما تاريخ السماع خطأ، وإما أنه ما سمعه، وهو أرجح، أو لعل الاسم لأخ له باسمه مات قديمًا.
قال ابن النجار: أكثر أهل الحديث أبطلوا سماعه من ابن البطر، فإنه ذكر أن مولده في سنة إحدى وتسعين وأربع مائة.
وقال بعضهم: بل ولد سنة تسع وثمانين.
انتهى إليه علو الإسناد.
حدث عنه: السمعاني، وابن الأخضر، والشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمن، ومحمد ابن الحافظ عبد الغني، وسالم بن صصرى، ومحمد بن أبي بكر الحمامي، ومحمد بن علي بن السباك، وفضل الله الجيلي وخلق، وآخر من روى عنه بالإجازة ابن عبد الدائم.
قال أبو الحسن ابن القطيعي: قال لي: ولدت في ذي الحجة سنة (491)، ومات في رجب سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.
قلت: من يقول: إني ولدت في ذي الحجة سنة إحدى وتسعين، كيف يتصور أن يسمع في تلك السنة? وقد قرأ هذا الجزء عليه المبارك بن كامل فيما شاهدته بخطه في سنة إحدى وأربعين. ونقلت من خط أبي محمد بن الخشاب النحوي أنه قرأه على أبي الفتح في سنة ست وأربعين. ونقلت من خط عبد العزيز بن دلف أنه قرأه عليه في ربيع الأول سنة إحدى عام موته، فسمعه محمد بن علي بن بقاء ابن السباك، وقرأه التوزري على ابن عبد الدائم إجازةً.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 244"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 272".
5235 - ابن حبيش
(1)
:
القاضي الإمام، العالم الحافظ، الثبت، أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن يوسف الأنصاري الأندلسي المريي، نزيل مرسية، ابن حبيش، وحبيش هو خاله، فينسب إليه.
ولد بالمرية سنة أربع وخمس مائة.
تلا بالروايات على أحمد بن عبد الرحمن القصبي، وابن أبي رجاء البلوي، وطائفة.
وتفقه بأبي القاسم بن ورد، وأبي الحسن بن نافع.
وسمع من خلق، منهم: أبو عبد الله بن وضاح، وعبد الحق بن غالب، وعلي بن إبراهيم الأنصاري، وأبو الحسن بن موهب.
ولقي بقرطبة يونس بن مغيث، وجعفر بن محمد بن مكي، وقاضي الجماعة محمد بن أصبغ، والقاضي أبا بكر ابن العربي، وعدةً.
روى عنه: أحمد بن محمد الطرسوسي، وأبو سليمان بن حوط الله، ومحمد بن وهب، ومحمد بن إبراهيم بن صلتان، وعلي بن أبي العافية، ونذير بن وهب، والحافظ عبد الله بن الحسن ابن القرطبي، وأبو الخطاب ابن دحية، وعلي بن الشريك، ومحمد بن محمد بن أبي السداد، وخلق كثير، وقصد من البلاد.
وأخذ الأدب عن محمد بن أبي زيد النحوي، وبرع في العربية.
ولما تغلبت الروم على المرية سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة، خرج إلى مرسية، ثم سكن جزيرة شقر، فولي القضاء والخطابة بها. وكان في خلقه ضيق، وكان من فرسان الحديث
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1101"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 108"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 280".
بالأندلس، بارعًا في لغته، لم يكن أحد يجاريه في معرفة الرجال، وله خطب حسان، وتصانيف، وسعة علم كثير جدًا.
توفي في صفر سنة أربع وثمانين وخمس مائة.
قال أبو جعفر بن الزبير: هو أعلم أهل طبقته بصناعة الحديث، وأبرعهم في ذلك، مع مشاركته في علوم، وكان من العلماء العاملين، أمعن الناس في الأخذ عنه.
وقال أبو عبد الله بن عياد: كان عالمًا بالقرآن، إمامًا في علم الحديث، واقفًا على رجاله، لم يكن بالأندلس من يجاريه فيه، أقر له بذلك أهل عصره، مع تقدمه في اللغة والأدب، واستقلاله بغير ذلك من جميع الفنون.
قال: وكان له حظ من البلاغة والبيان، صارمًا في أحكامه، جزلًا في أموره، تصدر للإقراء والتسميع والعربية، وكانت الرحلة إليه في زمانه، وطال عمره، وله كتاب المغازي في خمس مجلدات، حمله عنه الناس.
قال أبو عبد الله الأبار: مات بمرسية في رابع عشر صفر سنة أربع وثمانين وخمس مائة، وله ثمانون سنةً، وكاد الناس أن يهلكوا من الزحمة على نعشه.
قلت: حمل عنه: محمد بن الحسن اللخمي الداني أيضًا، ومحمد بن أحمد بن حبون المصري، وعبد الله بن الحسن المالقي، وأبو الخطاب بن دحية، وأخوه، والعلامة أبو علي الشلوبين، وخلق.
فقال أبو الربيع الكلاعي في شيوخه: القاضي العلامة ابن حبيش آخر أئمة المحدثين بالمغرب، والمسلم له في حفظ أغربة الحديث ولسان العرب مع متانة الدين، لقيته بمرسية، وأخذت عنه معظم ما عنده، وقرأت عليه صحيح البخاري، وسمعه من ابن مغيث سنة 530.
قال: سمعته على أبي عمر ابن الحذاء، حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد سنة 395، حدثنا ابن السكن سنة 343، حدثنا الفربري، عن البخاري، وقرأت عليه مصنف النسائي بسماعه من ابن مغيث، قال: قرأته على مولى ابن الطلاع، وأخبرنا به ابن الحذاء، حدثنا أبو محمد بن أسد، أخبرنا حمزة الكناني، حدثنا النسائي.
5236 - ابن عوف
(1)
:
الشيخ الإمام، صدر الإسلام، شيخ المالكية، إسماعيل بن مكي بن إسماعيل بن عيسى بن عوف بن يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك بن حميد ابن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، القرشي الزهري العوفي الإسكندري المالكي، من ذرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
ولد سنة خمس وثمانين وأربع مائة.
وتفقه على الأستاذ أبي بكر الطرطوشي، وبرع، وفاق الأقران، وتخرج به الأصحاب. وروى عن الطرطوشي الموطأ، وعن أبي عبد الله الرازي.
كتب عنه الحافظ السلفي وهو من شيوخه، والحافظون: عبد الغني وابن المفضل وعبد القادر، والسلطان صلاح الدين، وأولاد ابنه عبد الوهاب، وهم: الحسن وعبد الله وعبد العزيز، وحدث بـ"الموطأ" مرات.
توفي في الخامس والعشرين من شعبان سنة إحدى وثمانين وخمس مائة، بالإسكندرية وله ست وتسعون سنةً رحمه الله.
قال ابن الجميزي في "مشيخته": هو إمام عصره، وفريد دهره في الفقه، وعليه مدار الفتوى مع الورع والزهادة وكثرة العبادة.
5237 - أبو المحاسن:
محمد بن عبد الخالق بن أبي شكر الأصبهاني.
سمع "المجتبى" كله للنسائي من عبد الرحمن بن حمد الدوني بقراءة عبد الجليل كوتاه سنة (499).
وسمع "الحلية" و"المستخرج على الصحيحين"، و"تاريخ أصبهان" من أبي علي الحداد، وسمع "المعجم الكبير" من المجسد بن محمد الإسكاف: أخبرنا ابن فاذشاه، أخبرنا الطبراني.
توفي سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في الحفاظ "4/ 1336"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 268".
5238 - الترك
(1)
:
الشيخ الصالح، المعمر، مسند عصره، أبو العباس أحمد بن أبي منصور أحمد بن محمد بن ينال، الأصبهاني، الصوفي شيخ الطائفة.
سمع أبا مطيع محمد بن عبد الواحد المصري، وعبد الرحمن بن حمد الدوني. وببغداد أبا علي بن نبهان، وأبا طاهر اليوسفي.
وانتقى عليه الحافظ أبو موسى المديني. وانتهى إليه علو الإسناد.
حدث عنه: الحافظ ابن عساكر، والحافظ أبو بكر الحازمي، وأبو المجد القزويني، وعدة.
وقد روى عنه أبو المنجى ابن اللتي، والرشيد العراقي وغيرهما بالإجازة.
وهو خاتمة من روى عن أبي مطيع والدوني.
مات في شعبان سنة خمس وثمانين وخمس مائة، وله نيف وتسعون سنةً.
وفيها مات: أبو الحسين أحمد بن حمزة بن أبي الحسن ابن الموازيني الدمشقي، والفقيه أبو الفضل محمد بن عبد الرحمان بن محمد بن منصور الحضري بالثغر، وقاضي القضاة أبو سعد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون التميمي، وعبد المجيد بن الحسين بن دليل الإسكندراني، وأبو بكر محمد بن خلف بن صاف الإشبيلي، وشيخ الشافعية أبو طالب المبارك، ابن المبارك تلميذ ابن الخل، وأبو المعالي منجب بن عبد الله المرشدي راوي الصحيح، والحافظ يوسف بن أحمد الشيرازي ثم البغدادي.
5239 - ابن أبي عصرون
(2)
:
الشيخ الإمام العلامة، الفقيه البارع، المقرئ الأوحد، شيخ الشافعية، قاضي القضاة، شرف الدين، عالم أهل الشام، أبو سعد عبد الله بن محمد بن هبة الله ابن المطهر بن علي بن أبي عصرون بن أبي السري التميمي الحديثي الأصل، الموصلي، الشافعي.
ولد سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 110"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 283".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 335"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 110"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 283".
وتفقه على المرتضى الشهرزوري والد القاضي كمال الدين، وأبي عبد الله الحسين بن خميس الموصلي، وتلقن على المسلم السروجي.
وتلا بالسبع على أبي عبد الله الحسين بن محمد البارع، وبالعشر على أبي بكر المزرفي، ودعوان بن علي، وسبط الخياط.
وتفقه بواسط مدةً على القاضي أبي علي الفارقي، وتلا بالروايات على أبي العز القلانسي، قاله ابن النجار.
وعلق ببغداد عن أسعد الميهني، وأخذ الأصول عن أبي الفتح أحمد بن برهان، وسمع من أبي القاسم بن الحصين، وأبي البركات ابن البخاري، وإسماعيل بن أبي صالح، وفي سنة ثمان وخمس مائة من أبي الحسن بن طوق، وحصل علمًا جمًا.
ورجع إلى بلده، فدرس بالموصل في سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة، ثم سكن سنجار مدةً، وقدم حلب سنة خمس وأربعين فدرس بها، وأقبل عليه صاحبها نور الدين محمود بن زنكي، ثم قدم معه دمشق إذ تملكها، ودرس بالغزالية، وولي نظر الأوقاف، ثم رجع إلى حلب، ثم ولي قضاء حران وسنجار وديار ربيعة، وتفقه عليه أئمة، ثم عاد إلى دمشق سنة سبعين، ثم ولي قضاءها سنة ثلاث وسبعين وصنف التصانيف، وأقرأ القراءات والفقه، واشتهر ذكره، وعظم قدره.
ألف كتاب "صفوة المذهب في نهاية المطلب" وهو سبع مجلدات، وكتاب "الانتصار" في أربع مجلدات، وكتاب "المرشد" في مجلدين، وكتاب "الذريعة في معرفة الشريعة"، وكتاب "التيسير في الخلاف" أربعة أجزاء، وكتاب "مآخذ النظر"، وكتاب "الفرائض"، وكتاب "الإرشاد" في نصرة المذهب، وما كمل.
وبنى له نور الدين مدارس بحلب وحماة وحمص وبعلبك، وبنى لنفسه مدرسةً بحلب ومدرسةً بدمشق، وقبره بها.
من تآليفه: كتاب "التنبيه في معرفة الأحكام"، وكتاب "فوائد المهذب" مجلدان، وصنف جزءًا في صحة قضاء الأعمى لما أضر، وهو خلاف المذهب، وفي ذلك وجه قوي.
ولما ولي قضاء دمشق، ناب عنه القاضي محيي الدين محمد ابن الزكي، وأوحد الدين داود، وكتب لهما تقليد من السلطان صلاح الدين بالنيابة، ولما فقد بصره، قلد السلطان القضاء ولده محيي الدين من غير أن يعزل الوالد، واستقل محيي الدين ابنه إلى سنة سبع وثمانين، ثم صرف بمحيي الدين ابن الزكي.
حدث عن أبي سعد جماعة، منهم: الشيخ موفق الدين ابن قدامة، وأبو القاسم بن صصرى، والقاضي أبو نصر بن الشيرازي، وعبد اللطيف ابن سيما، ومحمود بن علي بن قرقين، وصديق بن رمضان، والعماد أبو بكر عبد الله بن النحاس، والإمام بهاء الدين ابن الجميزي.
ولأبي سعد نظم جيد، منه:
أمستخبري عن حنيني إليه
…
وعن زفراتي وفرط اشتياقي
لك الخير إنّ بقلبي إليك
…
ظمًا لا يروّيه إلَّا التلاقي
وله:
يا سائلي كيف حالي بعد فرقته
…
حاشاك ممّا بقلبي من تنائيكا
قد أقسم الدّمع لا يجفو الجفون أسىً
…
والنّوم لا زارها حتّى أُلاقيكا
وقرأت بخط الشيخ الموفق، قال: سمعنا درسه مع أخي أبي عمر وانقطعنا، فسمعت أخي يقول: دخلت عليه بعد، فقال: لم انقطعتم عني? قلت: إن ناسًا يقولون: إنك أشعري، فقال: والله ما أنا أشعري. هذا معنى الحكاية.
وتلا عليه بالعشر ابن الجميزي.
توفي في حادي عشر رمضان سنة خمس وثمانين وخمس مائة.
5240 - الصائغ
(1)
:
الإمام المحدث المفيد، الحافظ المسند، أبو سعد محمد بن عبد الواحد بن عبد الوهاب بن حسين الأصبهاني الصائغ.
ولد سنة سبع وتسعين وأربع مائة.
وسمع من غانم البرجي، وأبي علي الحداد، وحمزة بن العباس العلوي، وجعفر بن عبد الواحد الثقفي، وصاعد بن سيار الدهان، ويحيى بن مندة، وأبي عدنان محمد بن أبي نزار، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وإسماعيل الحافظ، وخلق. وبهمذان من أبي جعفر محمد بن أبي علي الحافظ، وطبقته. وبشيراز من أبي منصور عبد الرحيم بن محمد الخطيب، وهبة الله بن الحسن. وبالأهواز من عبد العزيز بن الحسين.
وكتب وجمع وأملى، وكان ثقةً عالمًا.
روى عنه: السمعاني، وعبد الغني المقدسي، وأبو نزار ربيعة اليمني، وجماعة. وبالإجازة كريمة، وطائفة.
مات في الثاني والعشرين من ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.
وفيها توفي: الشيخ حياة بحران، وبهلوان بن الأتابك صاحب العجم، وكاتب السر أبو اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي، والحافظ عبد الحق، والإمام أبو القاسم السهيلي، وعبد الرحمن بن محمد السبيي الجيار بمصر، والشيخ عبد الرزاق بن نصر النجار، وأبو الفتح بن شاتيل، وأبو الجيوش عساكر بن علي المقرئ، والمفضل بن الحسين الحميري البانياسي، وصاحب حمص محمد بن أسد الدين، والحافظ أبو موسى المديني، وأبو الفتح محمود بن أحمد ابن الصابوني.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 273".
5241 - الحلاوي
(1)
:
الشيخ الإمام المقرئ المعمر، أبو عبد الله محمد بن أبي السعود المبارك بن الحسين بن طالب الحربي الحلاوي.
شيخ معمر عتيق هرم، ظهر له بعد موته السماع من جعفر بن أحمد السراج في سنة تسع وتسعين وأربع مائة، وفي سنة ست وخمس مائة من علي بن محمد الأنباري. وظهر له قبل موته بأربعين ليلة إجازة أبي الفضل محمد بن عبد السلام، والحسن بن محمد التككي، وأبي الحسين الطيوري، وطائفة. فأكب عليه طلبة الحديث يقرؤون عليه بالإجازة، وازدحموا عليه.
وقال ابن النجار: سمع من أبيه، والقاضي أبي الحسين محمد ابن الفراء، حدثونا عنه.
قال الدبيثي: مات في التاسع والعشرين من ذي القعدة سنة ست وثمانين وخمس مائة، وعاش بضعًا وتسعين سنة، وقيل: مولده كان بمكة سنة أربع وتسعين وأربع مائة في جمادى الآخرة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 287".
5242 - الأبله
(1)
:
شاعر العراق، أبو عبد الله محمد بن بختيار الجوهري، عرف بالأبله لغفلة فيه.
مدح الخلفاء والوزراء.
روى عنه: علي بن نصر الأديب، وأبو الحسن القطيعي المؤرخ.
وكان شابًا ظريفًا، متهجدًا، رائق النظم، و"ديوانه" مشهور.
مات في جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين وخمس مائة، لم يبلغ الستين.
5243 - القزاز
(2)
:
الشيخ الصالح المعمر، مسند بغداد، أبو السعادات نصر الله، ابن الشيخ المسند أبي منصور عبد الرحمن، ابن المسند أبي غالب محمد بن عبد الواحد الشيباني البغدادي القزاز، ابن زريق الحريمي.
سمع جده، وأبا سعد بن خشيش، وأبا القاسم الربعي، وأبا الحسين ابن الطيوري، وعلي بن محمد ابن العلاف، وابن بيان، وابن نبهان، وشجاعًا الذهلي، وأبا العز محمد بن المختار، وعدةً. وانتهى إليه علو الإسناد.
حدث عنه: أبو سعد السمعاني، وابن الأخضر، والعز محمد ابن الحافظ، والبهاء عبد الرحمن، والتقي ابن باسويه، وأبو عبد الله ابن الدبيثي، والجمال أبو حمزة المقدسي، وسالم بن صصرى، وفضل الله ابن الجيلي، ومحمد بن علي ابن السباك، ومحمد بن أبي الفتوح ابن الحصري، وعبد الله بن عمر البندنيجي، وخلق. وتفرد بإجازته ابن عبد الدائم.
قال الدبيثي: أراني مولده بخط جده في جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وأربع مائة، وتوفي في تاسع عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة.
وفيها مات: عبد الجبار بن يوسف شيخ الفتوة، والمحدث عبد المغيث بن زهير، وقاضي القضاة علي بن أحمد ابن الدامغاني، ومحمد بن يحيى أبو الفتح البرداني، وكبير الأمراء شمس الدين محمد ابن المقدم قتل بعرفة، وشيخ المالكية أبو القاسم مخلوف بن جارة الإسكندراني، وشيخ الحنابلة ناصح الدين أبو الفتح ابن المني، والصدر مجد الدين هبة الله ابن علي ابن الصاحب.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 679"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 266".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 106"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 276".
5244 - الثقفي
(1)
:
الشيخ المسند الجليل العالم، أبو الفرج يحيى بن محمود بن سعد، الثقفي، الأصبهاني، الصوفي.
ولد سنة أربع عشرة.
وسمع من أبي علي الحداد كثيرًا وهو حاضر في السنة الأولى، ومن حمزة بن العباس العلوي حضورًا، وأبي عدنان محمد بن أحمد بن أبي نزار حضورًا، وسمع من فاطمة الجوزدانية، وحمزة بن محمد بن طباطبا، وجده لأمه الحافظ إسماعيل التيمي -وعنده عنه كتاب "الترغيب والترهيب"- ومن الحسين بن عبد الملك الخلال، وعبد الكريم بن عبد الرزاق الحسناباذي، وجعفر بن عبد الواحد الثقفي، وعدة.
وارتحل لما شاخ ناشرًا لرواياته بأصبهان، وحلب والموصل، ودمشق.
وله أصول وأجزاء اقتناها له والده.
حدث عنه: الشيخ أبو عمر، وأخوه الشيخ الموفق وأولادهما، وبدل التبريزي، والخطيب علي بن محمد المعافري، والرضي عبد الرحمن، والقاضي زين الدين ابن الأستاذ، ومحمد بن طرخان، ويوسف بن خليل، والحسن بن سلام، وسالم بن عبد الرزاق، وخطيب عقرباء، وإسحاق بن صصرى، والشيخ الضياء، والعماد عبد الحميد بن عبد الهادي، وأخوه محمد، وخطيب مردا، والضياء صقر الحلبي، وإبراهيم بن خليل، والزين ابن عبد الدائم، وعدة.
وله قصيدة مدح بها القاضي الفاضل منها:
فمالي من مولى ومولٍ وموئلٍ
…
ومالٍ ومأمولٍ سواكم وعاصم
توفي بقرب همذان غريبًا في سنة أربع وثمانين وخمس مائة. وقيل: في آخر سنة ثلاث.
ومات أبوه أبو الرجاء في حدود الأربعين وخمس مائة.
قال السمعاني: قرأت عليه ثلاثة أجزاء انتقاها له حموه الحافظ إسماعيل، فيها عن ابن عم جده الرئيس الثقفي، وأبي نصر السمسار، وأبي القاسم بن بيان الرزاز، وكان حريصًا على طلب الحديث وجمعه، وحصل الكتب الكبار.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 109"، وشذرات الذهب "4/ 282".
5245 - ابن بري
(1)
:
الإمام العلامة، نحوي وقته، أبو محمد عبد الله بن بري بن عبد الجبار بن بري، المقدسي، ثم المصري، النحوي، الشافعي.
ولد في رجب سنة تسع وتسعين وأربع مائة.
وقرأ الأدب على أبي بكر محمد بن عبد الملك، وسمع من مرشد بن يحيى المديني، ومحمد بن أحمد الرازي، وعبد الجبار بن محمد المعافري، وعلي بن عبد الرحمن الحضرمي، وأبي البركات محمد بن حمزة العرقي، وابن الحطيئة، وعدة.
وتصدر بجامع مصر للعربية، وتخرج به أئمة، وقصد من الآفاق.
قال الجمال القفطي: كان عالمًا بكتاب سيبويه وعلله، قيمًا باللغة وشواهدها، وإليه كان التصفح في ديوان الإنشاء، لا يصدر كتاب إلى الملوك إلَّا بعد تصفحه، وكان فيه غفلة، وقد تصدر تلامذته في حياته، وقل ما صنف. وله "جواب المسائل العشر"، و"حواش على الصحاح" جودها، جاءت في ست مجلدات، وكان ثقةً دينًا.
روى عنه: عبد الغني المقدسي، وابن المفضل، وأبو عمر الزاهد، وأبو المعالي عبد الرحمن بن علي المغيري، ومصطفى بن محمود، ونبأ ابن أبي المكارم، وأبو العباس القسطلاني، وابن الجميزي، وخلق.
وكان يتحدث ملحونًا، ويتبرم بمن يتفاصح.
مات في شوال سنة اثنتين وثمانين وخمس مائة.
وفيها مات: الحسن بن علي بن عبيدة الكرخي المقرئ، وعبد الله بن محمد بن جرير الأموي الناسخ، وعبد الغني ابن الحافظ أبي العلاء الهمذاني.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 353"، والعبر "4/ 247".
5246 - ابن المني
(1)
:
الشيخ الإمام العلامة المفتي، شيخ الحنابلة، ناصح الإسلام، أبو الفتح نصر بن فتيان بن مطر ابن المني النهرواني الحنبلي.
ولد سنة إحدى وخمس مائة.
وتفقه على أبي بكر الدينوري، ولازمه، حتى برع في الفقه، وسمع من هبة الله بن الحصين، وأبي عبد الله البارع، والحسين بن عبد الملك الخلال، وأبي الحسن ابن الزاغوني، وعدة.
وتصدر للعلم، وتكاثر عليه الطلبة.
تفقه عليه الشيخ موفق الدين، والبهاء عبد الرحمن، والفخر إسماعيل.
وحدث عنه: أبو صالح نصر بن عبد الرزاق، ومحمد بن مقبل ابن المني ولد أخيه، وجماعة.
قال ابن النجار: كان ورعًا عابدًا، حسن السمت، على منهاج السلف، أضر بأخرة، وثقل سمعه، ولم يزل يدرس إلى حين وفاته بمسجده بالمأمونية.
توفي في خامس رمضان سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة، وحمل على الرؤوس، وتولى حفظ جنازته جماعة من الترك، لازدحام الخلق، ثم دفن بداره رحمه الله.
5247 - ابن بشكوال
(2)
:
الإمام العالم الحافظ، الناقد المجود، محدث الأندلس، أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى بن بشكوال بن يوسف بن داحة الأنصاري، الأندلسي القرطبي، صاحب "تاريخ الأندلس".
ولد سنة أربع وتسعين وأربع مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 106"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 276 - 277".
(2)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1097"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 217"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 261".
وسمع أباه، وأبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب فأكثر عنه، وهو أعلى شيخ له، وأبا بحر سفيان بن العاص، وأبا الوليد بن رشد الكبير، وأبا الوليد بن طريف، وأبا القاسم بن بقي، وأبا الحسن شريح بن محمد، والقاضي أبا بكر ابن العربي، وأبا جعفر أحمد بن عبد الرحمن البطروجي، وخلقًا كثيرًا.
وأجاز له أبو علي بن سكرة الصدفي، وأبو القاسم بن منظور، وطائفة. ومن بغداد هبة الله بن أحمد الشبلي -ولو استجيز له في صغره من بغداد لأدرك الحسين بن علي البسري- وأبا بكر أحمد بن علي الطريثيثي، وجعفر بن أحمد السراج، والرواية رزق مقسوم.
وقد صنف معجمًا لنفسه.
قال أبو عبد الله الأبار: كان متسع الرواية، شديد العناية بها، عارفًا بوجوهها، حجةً، مقدمًا على أهل وقته، حافظًا، حافلًا، أخباريًا، تاريخيًا، ذاكرًا لأخبار الأندلس. سمع العالي والنازل، وأسند عن مشايخه أزيد من أربع مائة كتاب، من بين كبير وصغير. رحل الناس إليه، وأخذوا عنه، وحدثنا عنه جماعة، ووصفوه بصلاح الدخلة، وسلامة الباطن، وصحة التواضع، وصدق الصبر للطلبة، وطول الاحتمال، وألف خمسين تأليفًا في أنواع العلم. وولي بإشبيلية قضاء بعض جهاتها نيابةً عن ابن العربي. وعقد الشروط، ثم اقتصر على إسماع العلم، وعلى هذه الصناعة، وهي كانت بضاعته، والرواة عنه لا يحصون؛ منهم: أبو بكر بن خير، وأبو القاسم القنطري، وأبو بكر بن سمجون، وأبو الحسن بن الضحاك، وكلهم مات قبله.
قلت: ومن الرواة عنه: أبو القاسم أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد، وأحمد بن عبد المجيد المالقي، وأحمد بن محمد بن الأصلع، وأبو القاسم أحمد بن يزيد بن بقي، وأحمد بن عياش المرسي، وأحمد بن أبي حجة القيسي، وثابت بن محمد الكلاعي، ومحمد بن إبراهيم بن صلتان، ومحمد بن عبد الله ابن الصفار، وموسى بن عبد الرحمن الغرناطي، وأبو الخطاب بن دحية، وأخوه أبو عمرو اللغوي، وعدد كثير.
وممن روى عنه بالإجازة: أبو الفضل جعفر بن علي الهمداني، وأبو القاسم سبط السلفي. ولم يخرج من الأندلس.
ومن تصانيفه كتاب "صلة تاريخ أبي الوليد ابن الفرضي" في مجلدتين، وكتاب "غوامض الأسماء المبهمة" في مجلد ينبئ عن إمامته، وكتاب "معرفة العلماء الأفاضل" مجلدان، "طرق حديث المغفر" ثلاثة أجزاء، كتاب "الحكايات المستغربة" مجلد، كتاب
"القربة إلى الله بالصلاة على نبيه"، كتاب "المستغيثين بالله"، كتاب "ذكر من روى الموطأ عن مالك" جزآن، كتاب "أخبار الأعمش" ثلاثة أجزاء، "ترجمة النسائي" جزء، "ترجمة المحاسبي" جزء، "ترجمة إسماعيل القاضي" جزء، "أخبار ابن وهب" جزء، "أخبار أبي المطرف القنازعي" جزء، "قضاة قرطبة" مجلد، "المسلسلات" جزء، "طرق حديث من كذب علي" جزء، "أخبار ابن المبارك" جزآن، "أخبار ابن عيينة" جزء ضخم.
وقد ذكره الحافظ أبو جعفر بن الزبير، فاستوفى ترجمته، فمن ذلك قال: كان رحمه الله يؤثر الخمول والقنوع بالدون من العيش، لم يتدنس بخطة تحط من قدره، حتى يجد أحد إلى الكلام فيه من سبيل، إلى أن قال: وآخر من روى عنه بالسماع شيخنا أبو الحسين ابن السراج، وبالإجازة المجردة أبو القاسم أحمد بن محمد البلوي.
قلت: وقع له حديث سباعي الإسناد عن ابن عتاب، عن حكم بن محمد، عن شيخ، عن أبي خليفة الجمحي.
توفي إلى رحمة الله في ثامن شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمس مائة، وله أربع وثمانون سنةً، ودفن بمقبرة قرطبة بقرب قبر يحيى بن يحيى الليثي الفقيه.
وفي هذه السنة مات شيخ العراق الزاهد القدوة أحمد بن علي ابن الرفاعي وقد قارب الثمانين، ومسند وقته خطيب الموصل عبد الله بن أحمد الطوسي عن اثنتين وتسعين عامًا، وعالم دمشق الإمام قطب الدين مسعود بن محمد النيسابوري الشافعي، والمسند أبو طالب الخضر بن هبة الله بن طاووس المقرئ.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المقرئ، أخبرنا عبد العظيم الحافظ، أخبرنا محمد بن الحسن المالقي، أخبرنا خلف بن عبد الملك، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن عتاب بقراءتي، أخبرنا حاتم بن محمد، أخبرنا أحمد بن فراس المكي، حدثنا إبراهيم بن رحمون السنجاري، أخبرنا محمد بن مسلمة، أخبرنا موسى الطويل، حدثنا مولاي أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن رآني، ومن رأى من رآني، ومن رأى من رأى من رآني"
(1)
.
وقع لنا حديث موسى الطويل بعلو درجتين في "جزء طلحة الكتاني"، ولكن موسى غير ثقة، عاش بعد المائتين، وزعم أنه رأى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
(1)
موضوع: آفته موسى بن عبد الله الطويل، قال ابن حبان: روى عن أنس أشياء موضوعة، وقال ابن عدي: روى عن أنس مناكير، وهو مجهول. وقد ذكر الذهبي الحديث في ترجمته في "ميزان الاعتدال" مع أحاديث أخرى من بلاياه.
5248 - صاحب حمص
(1)
:
الملك القاهر، ناصر الدين، محمد ابن وزير الديار المصرية الملك أسد الدين شيركوه بن شاذي بن مروان، ابن عم السلطان صلاح الدين.
كانت حمص لوالده الملك المجاهد، ثم أعطاها نور الدين لابنه هذا، فاستقل بها هو وأولاده مائة سنة.
وكان ناصر الدين ذا شهامة وشجاعة، بحيث أن السلطان لما مرض بحران في شوال، عظم مرضه، وأوصى، فسار من عنده ناصر الدين، ومر بحب، وأخذ خلقًا من الأحداث، وأنفق فيهم، وقدم حمص، فراسل أهل دمشق بأن يتملكها، فلما عوفي السلطان، خنس، ثم لم ينشب أن مات، فيقال: سقي، وقيل: مات في الخمر. والمشهور أنه مرض مرضًا حادًا، فمات يوم عرفة سنة إحدى وثمانين وخمس مائة، ثم نقلته زوجته، وهي بنت عمه، ست الشام، أخت السلطان إلى تربتها في مدرستها الشامية، فدفنته عند أخيها الملك شمس الدولة توارنشاه.
قال ابن واصل: سكر، فأصبح ميتًا، وتملك بعد ابنه شيركوه، وبلغت تركته نحو ألف ألف دينار.
5249 - البهلوان:
ابن الأتابك إلدكز، صاحب أذربيجان وعراق العجم، من كبار الملوك كوالده.
مات أبوه هو وسلطانه رسلان شاه بن طغريل بن محمد بن ملكشاه في سنة واحدة عام سبعين وخمس مائة، فتملك البهلوان، وأقام في السلطنة معه طغريل بن رسلان شاه المذكور خاتمة بقايا السلجوقية، وكان من تحت حكم البهلوان. وكانت أيامه إحدى عشرة سنةً، وخلف البهلوان خمسة آلاف مملوك، ومن الدواب ثلاثين ألف رأس، ومن الأموال ما لا يعبر عنه، فلما مات، قوي شأن طغريل، وعمل مصافًا مع الذي قام بعد البهلوان وهو أخوه لأمه قزل، وكانت دولة قزل سبع سنين.
مات البهلوان في سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 99 - 100"، وشذرات الذهب "4/ 273".
5250 - أبو اليسر
(1)
:
الصاحب البليغ البارع شاكر بن عبد الله بن محمد التنوخي المعري، ثم الدمشقي، كاتب السر للملك نور الدين صاحب الشام.
أخذ الأدب عن جده أبي المجد محمد بن عبد الله بحماة، وسمع وروى شيئًا.
حدث عنه: الحافظ ابن عساكر، وأبو القاسم بن صصرى، وإبراهيم ولده والد الشيخ تقي الدين ابن أبي اليسر.
مولده بشيزر سنة ست وتسعين وأربع مائة، وعاش خمسًا وثمانين سنة.
5251 - الباقداري
(2)
:
المحدث الحافظ الذكي، أبو بكر محمد بن أبي غالب بن أحمد بن مرزوق الباقداري، البغدادي الأعمى.
قدم من قرية باقدار، وتلا على غير واحد، وسمع من سبط الخياط، وأبي بكر ابن الزاغوني، وابن ناصر، وخلق.
قال الدبيثي: انتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه، وعليه كان المعتمد، سمعت غير واحد من شيوخنا يصفونه بالحفظ ومعرفة الرجال والمتون مع ضرره. وقيل: كان ابن ناصر يراجعه في أشياء، ويرجع إليه.
قلت: مات كهلًا في سنة خمس وسبعين وخمس مائة في آخرها، وعمرت بنته عجيبة، وانتهى إليها علو الإسناد.
5252 - ابن زرقون
(3)
:
الشيخ الفقيه، الإمام، المعمر، المقرئ، بقية السلف أبو عبد الله محمد بن أبي الطيب سعيد بن أحمد بن سعيد بن عبد البر بن مجاهد ابن زرقون الأنصاري الأندلسي الإشبيلي المالكي.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 270".
(2)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 252".
(3)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1360 - 1361"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 112".
أجاز له عام اثنتين وخمس مائة أبو عبد الله أحمد بن محمد الخولاني راوي الموطأ، وفيها ولد، وتفرد في وقته عنه. وسمع بمراكش من أبي عمران موسى بن أبي تليد، فتفرد عنه أيضًا.
وسمع بسبتة من القاضي عبد الله بن أحمد الوحيدي، وسمع من عبد المجيد بن عيذون، وخلف بن يوسف الأبرش، والقاضي عياض بن موسى، وحدث عنهم، وعن أبي بحر بن العاص، ومحمد بن شبرين، وأبي الحسن شريح بن محمد.
وقرأ التقصي على ابن أبي تليد، أخبرنا أبو عمر مؤلفه.
وسمع الموطأ من عياض، ولازمه زمانًا.
قال الأبار: ولي قضاء سبتة فشكر. وكان من سروات الرجال، فقيهًا، مبرزًا، وأديبًا كاملًا، حسن البزة، لين الجانب، جمع بين "سنن أبي داود"، و"جامع الترمذي"، وارتحل الناس إليه لعلوه.
حدث عنه: أبو العباس أحمد ابن الرومية النباتي، وإبراهيم بن قسوم، وأبو سليمان بن حوط الله، ومحمد بن عبد النور، والحافظ ابن خلفون، وابن دحية وأخوه، وخلق.
مات في رجب سنة ست وثمانين وخمس مائة.
قال أبو الربيع بن سالم الحافظ: ومن شيوخي: الفقيه المشاور الحافظ ابن زرقون -وزرقون: لقب لسعيد أبي جده، لقب به لشدة حمرته- كان شيخنا أبو عبد الله من جلة العلماء الحافظين للمذهب، مع متانة الأدب، وجلالة القدر، وكرم الخلق، وسعة الصدر، واتساع جانب البر، لقيته بإشبيلية وقت لقائي لابن الجد، فقرأت عليه الموطأ عن الخولاني إجازةً بسماعه من عثمان بن أحمد اللخمي، عن أبي عيسى الليثي، وقرأته عليه بسماعه سنة عشرين على القاضي عبد الله بن أحمد بن عمر القيسي الوحيدي بسماعه من مولى الطلاع، وقرأت عليه التقصي لابن عبد البر بسماعه بمراكش سنة 516 من موسى بن أبي تليد. قال: سمعته منه سنة ستين وأربع مائة، وقرأت عليه "المنتقى" لابن الجارود، عن الخولاني، عن أبي عمر الطلمنكي، عن أبي جعفر بن عبد الله بن محمد بن نافع الخزاعي، عنه، و"التيسير" قرأته عليه، عن الخولاني، عن المؤلف إجازةً، و"النوادر" للقالي قرأته عليه بقراءته على ابن عيذون، وخلف بن فرتون، عن الوزير أبي بكر عاصم بن أيوب، عن ابن العزاب، عن هارون بن موسى، عنه، وبإجازته من الخولاني، أنبأنا الحسن بن أيوب الحداد الفقيه، عن القالي، وهذا نهاية في العلو.
وقرأت على ابن زرقون: أنبأكم أبو عبد الله الخولاني سنة اثنتين وخمس مائة، حدثنا علي بن إبراهيم الشيرازي بإشبيلية سماعًا -أظن في سنة 423 - أخبرنا أبو بكر بن سلم، حدثنا الكجي، حدثنا الأنصاري، حدثنا ابن عون فذكر حديث:"الحلال بين والحرام بين"
(1)
.
ومات معه المحدث الرئيس أبو المواهب بن صصرى، وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن غالب ابن الشراط القرطبي، والمقرئ أبو الطيب عبد المنعم بن يحيى بن الخلوف الغرناطي، وأبو عبد الله محمد بن جعفر بن حميد بن مأمون البلنسي، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن الجد الإشبيلي، وأبو عبد الله محمد بن المبارك بن أبي السعود الحلاوي الحربي في عشر المائة، ومسعود بن علي بن النادر، وأبو الفتح نصر الله بن علي ابن الكيال مقرئ واسط.
(1)
صحيح: أخرجه أحمد "4/ 267 و 269 و 270 و 271"، والبخاري "52" و"2051"، ومسلم "1599"، وأبو داود "3330"، والترمذي "1205"، والنسائي "7/ 241"، وابن ماجه "3984"، والدارمي "2/ 245"، وأبو نعيم في "الحلية""4/ 270 و 336"، والبيهقي "5/ 264" من طرق عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، به مرفوعا.
5253 - ابن مغاور
(1)
:
الإمام العلامة الفقيه، الكاتب البليغ، أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن مغاور بن حكم بن مغاور، السلمي، الشاطبي.
ولد سنة اثنتين وخمس مائة.
وسمع من: أبيه، وأبي علي بن سكرة الصدفي، وهو خاتمة أصحابه. وسمع صحيح البخاري من أبي جعفر بن غزلون صاحب أبي الوليد الباجي، وسمع من أحمد بن جحدر الأنصاري.
روى عنه: أبو الربيع بن سالم، وابنا حوط الله، وهانئ بن هانئ، وأبو القاسم الطيب المرسي، وقال: هو رئيس البلاغة.
وقال الأبار: كان بقية مشيخة الكتاب والأدباء مع الثقة والكرم، بليغًا مفوهًا، مدركًا، له حظ وافر من قرض الشعر، وصدق اللهجة، طال عمره، وعلت روايته، حدث بشاطبة.
توفي في صفر سنة سبع وثمانين وخمس مائة.
قال ابن سالم: لقيته ببلنسية في أول سنة ثمانين وخمس مائة، فسمعت منه، وأجاز لي، وسمعت منه بشاطبة في سنة ست وثمانين فوائد أبي علي الصدفي وجزء ابن عرفة وعوالي أبي الفضل بن خيرون، حدثني ابن مغاور، أخبرنا أبو علي الصدفي، أخبرنا أبو القاسم بن فهد العلاف وآخرون، قالوا: أخبرنا أبو الحسن بن مخلد، فذكر حديث:"أن تصدق وأنت صحيح شحيح .... "
(2)
.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 261"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 289"، ووقع عنده [ابن مفاوز] بالفاء والزاي المعجمتين. بدل [ابن مغاور] بالغين والراء المهملة.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري "2748"، ومسلم "1032" من طريق عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله: أي الصدقة أعظم؟ فقال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا. ولفلان كذا ألا وقد كان لفلان" واللفظ لمسلم.
5254 - أبو موسى المديني
(1)
:
الإمام العلامة، الحافظ الكبير، الثقة، شيخ المحدثين، أبو موسى محمد بن أبي بكر عمر بن أبي عيسى أحمد بن عمر بن محمد بن أحمد بن أبي عيسى المديني الأصبهاني الشافعي صاحب التصانيف.
مولده في ذي القعدة سنة إحدى وخمس مائة.
ومولد أبيه المقرئ أبي بكر في سنة خمس وستين وأربع مائة.
حرص عليه أبوه، وسمعه حضورًا، ثم سماعًا كثيرًا من أصحاب أبي نعيم الحافظ، وطبقتهم.
وعمل أبو موسى لنفسه معجمًا روى فيه عن أكثر من ثلاث مائة شيخ.
روى عن: أبي سعد محمد بن محمد بن محمد المطرز حضورًا وإجازة، وعن أبي منصور محمد بن عبد الله بن مندويه، وغانم بن أبي نصر البرجي، وأبي علي الحداد -فأكثر جدًا- والحافظ هبة الله بن الحسن الأبرقوهي، والحافظ يحيى بن مندة، والحافظ محمد بن
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1095"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 101"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 273".
طاهر المقدسي، وأبي العباس أحمد بن الحسين بن أبي ذر، ومحمد بن إبراهيم الصالحاني وابن عمه أبي بكر محمد بن علي بن أبي ذر -خاتمة من روى عن أبي طاهر بن عبد الرحيم- وأبي غالب أحمد بن العباس بن كوشيذ، وإبراهيم بن أبي الحسين بن أبرويه، سبط الصالحاني، وعبد الواحد بن محمد الصباغ الدشتج، وأبي الفتح إسماعيل بن الفضل السراج، والحافظ أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن أبي الفضل التيمي -لازمه مدةً، وتخرج به- وأبي طاهر إسحاق بن أحمد الراشتيناني، والواعظ تميم بن علي القصار، والرئيس جعفر بن عبد الواحد الثقفي، وأبي محمد حمزة ابن العباس العلوي، وأبي شكر حمد بن علي الحبال، وأبي الطيب حبيب بن أبي مسلم الطهراني، وأبي الفتح رجاء بن إبراهيم الخباز، وطلحة بن الحسين بن أبي ذر الصالحاني، وأبي القاسم طاهر بن أحمد البزار، والحافظ أبي الخير عبد الله بن مرزوق الهروي، وأبي بكر عبد الجبار بن عبيد الله بن فورويه الدلال -من أصحاب أبي نعيم- وأبي نهشل عبد الصمد بن أحمد العنبري، ومحمود بن إسماعيل الصيرفي الأشقر، والهيثم بن محمد بن الهيثم الأشعري، وخجستة بنت علي بن أبي ذر الصالحانية، وأم الليث دعجاء بنت أبي سهل الفضل بن محمد، وفاطمة بنت عبد الله الجوزدانية.
وارتحل، فسمع من أبي القاسم بن الحصين، وهبة الله بن أحمد ابن الطبر، وقاضي المارستان أبي بكر، وأبي الحسن ابن الزاغوني، وأبي العز بن كادش، وخلق سواهم.
وصنف كتاب الطوالات في مجلدين، يخضع له في جمعه، وكتاب "ذيل معرفة الصحابة" جمع فأوعى، وألف كتاب "القنوت" في مجلد، وكتاب "تتمة الغريبين" يدل على براعته في اللغة، وكتاب "اللطائف في رواية الكبار ونحوهم عن الصغار"، وكتاب "عوالي" ينبئ بتقدمه في معرفة العالي والنازل، وكتاب تضييع العمر في اصطناع المعروف إلى اللئام وأشياء كثيرةً.
وحفظ "علوم الحديث" للحاكم، وعرضه على إسماعيل التيمي.
حدث عنه: أبو سعد السمعاني، وأبو بكر محمد بن موسى الحازمي، وأبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، وأبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي، ومحمد بن مكي الأصبهاني، وأبو نجيح محمد بن معاوية، والناصح عبد الرحمن ابن الحنبلي.
ولو سلمت أصبهان من سيف التتار في سنة اثنتين وثلاثين وست مائة، لعاش أصحاب أبي موسى إلى حدود نيف وستين وست مائة.
وقد روى عنه بالإجازة عبد الله بن بركات الخشوعي، وطائفة.
قال ابن الدبيثي: عاش أبو موسى حتى صار أوحد وقته، وشيخ زمانه إسنادًا وحفظًا.
وقال أبو سعد السمعاني: سمعت من أبي موسى، وكتب عني، وهو ثقة صدوق.
وقال عبد القادر الحافظ: حصل أبو موسى من المسموعات بأصبهان ما لم يحصل لأحد في زمانه، وأنضم إلى ذلك الحفظ والإتقان، وله التصانيف التي أربى فيها على المتقدمين، مع الثقة، والعفة، كان له شيء يسير يتربح به، وينفق منه، ولا يقبل من أحد شيئًا قط، أوصى إليه غير واحد بمال، فيرده، فكان يقال له: فرقه على من ترى، فيمتنع، وكان فيه من التواضع بحيث أنه يقرئ الصغير والكبير، ويرشد المبتدئ، رأيته يحفظ الصبيان القرآن في الألواح، وكان يمنع من يمشي معه، فعلت ذلك مرةً، فزجرني، وترددت إليه نحوًا من سنة ونصف، فما رأيت منه، ولا سمعت عنه سقطةً تعاب عليه.
وكان أبو مسعود كوتاه يقول: أبو موسى كنز مخفي.
قال الحسين بن يوحن الباوري: كنت في مدينة الخان، فسألني سائل عن رؤيا، فقال: رأيت كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي، فقال: إن صدقت رؤياك، يموت إمام لا نظير له في زمانه؛ فإن مثل هذا المنام رئي حال وفاة الشافعي والثوري وأحمد بن حنبل، قال: فما أمسينا حتى جاءنا الخبر بوفاة الحافظ أبي موسى المديني.
وعن عبد الله بن محمد الخجندي، قال: لما مات أبو موسى، لم يكادوا أن يفرغوا منه، حتى جاء مطر عظيم في الحر الشديد، وكان الماء قليلًا بأصبهان، فما انفصل أحد عن المكان مع كثرة الخلق إلَّا قليلًا، وكان قد ذكر في آخر إملاء أملاه: أنه متى مات من له منزلة عند الله، فإن الله يبعث سحابًا يوم موته علامةً للمغفرة له، ولمن صلى عليه.
سمعت شيخنا العلامة أبا العباس بن عبد الحليم يثني على حفظ أبي موسى ويقدمه على الحافظ ابن عساكر باعتبار تصانيفه ونفعها.
وقال محمد بن محمود الرويدشتي: توفي أبو موسى في تاسع جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.
قلت: كان حافظ المشرق في زمانه.
وفيها مات حافظ المغرب أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي مصنف الأحكام، وعالم الأندلس الحافظ أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن إصبغ الخثعمي السهيلي المالقي الضرير صاحب الروض الأنف، ومسند الوقت أبو الفتح عبيد الله
بن عبد الله بن شاتيل الدباس ببغداد، وحافظ أصبهان الإمام أبو سعد محمد بن عبد الواحد الصائغ، ومسند دمشق أبو محمد عبد الرزاق بن نصر النجار، وأبو المجد الفضل بن الحسين البانياسي، وشيخ حران الزاهد الشيخ حياة بن قيس الأنصاري، وشيخ الإسكندرية الفقيه أبو الطاهر إسماعيل بن عوف الزهري عن ست وتسعين سنةً، ومحدث مكة أبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانشي.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن فضل الحنبلي بقراءتي، أخبرنا عبد الرحمن بن نجم الواعظ، أخبرنا محمد بن أبي بكر المديني الحافظ، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو إسحاق بن حمزة، حدثنا عبدان وبه إلى أبي نعيم، وحدثنا الحسين بن محمد بن رزين الخياط، حدثنا محمد بن محمد بن سليمان، قالا: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن جابر، حدثنا عطية بن قيس، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: أخبرني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري -والله ما كذبني، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم سارحة، فيأتيهم رجل لحاجة، فيقولون له: ارجع إلينا غدًا، فيبيتهم الله تعالى، ويضع العلم عليهم، ويمسخ آخرون قردةً وخنازير".
رواه البخاري عن هشام تعليقًا
(1)
، فقال: وقال هشام. وأخرجه أبو داود من طريق بشر بن بكر التنيسي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بنحوه.
المعازف: اسم لكل آلات الملاهي التي يعزف بها، كالزمر، والطنبور، والشبابة، والصنوج.
أخبرنا محمد بن أبي العز بطرابلس، أخبرنا عبد الرحمن بن نجم الواعظ سنة ثمان وعشرين وست مائة، أخبرنا محمد بن أبي بكر الحافظ بأصبهان، أخبرنا محمد بن عبد الواحد القاضي، أخبرنا أحمد بن عبد الله، حدثنا أحمد بن يوسف العطار، حدثنا الحارث بن محمد التميمي، حدثنا عبد الله بن بكر، حدثنا حميد عن أنس قال: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، فلما دنوا من المدينة، قال: "إن بالمدينة لأقوامًا ما قطعتم من واد، ولا سرتم
(1)
صحيح: أخرجه البخاري "5590" معلقا عن هشام بن عمار، به. لكن قد وصله البيهقي "10/ 221" من طريق أبي بكر بن عبد الله أنبأنا الحسن بن سفيان، حدثنا هشام بن عمار، به.
وأخرجه أبو داود "4039" حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به. وإسناده صحيح.
من مسير إلَّا كانوا معكم فيه". قالوا: يا رسول الله! وهم بالمدينة? قال: "نعم، خلفهم العذر"
(1)
.
قال ابن النجار: انتشر علم أبي موسى في الآفاق، ونفع الله به المسلمين، واجتمع له ما لم يجتمع لغيره من الحفظ والعلم والثقة والإتقان والصلاح وحسن الطريقة وصحة النقل. قرأ القرآن بالروايات، وتفقه للشافعي، ومهر في النحو واللغة، وكتب الكثير، رحل إلى بغداد، وحج سنة أربع وعشرين وسنة اثنتين وأربعين.
قال إسماعيل التيمي لطالب: الزم الحافظ أبا موسى؛ فإنه شاب متقن.
وقال محمد بن محمود الرويدشتي: صنف الأئمة في مناقب شيخنا أبي موسى تصانيف كثيرةً.
(1)
صحيح: أخرجه البخاري "4423"، وأبو داود "2508".
5255 - عبد المغيث
(1)
:
ابن زهير بن زهير بن علوي، الشيخ الإمام المحدث، الزاهد الصالح، المتبع، بقية السلف، أبو العز بن أبي حرب، البغدادي الحربي.
ولد سنة خمس مائة.
وعني بالآثار، وقرأ الكتب، ونسخ، وجمع وصنف، مع الورع والدين والصدق والتمسك بالسنن، والوقع في النفوس والجلالة.
سمع أبا القاسم بن الحصين، وأبا العز بن كادش، وهبة الله بن الطبر، وأبا غالب ابن البناء، وقاضي المارستان، وعددًا كثيرًا. وروى الكثير، وأفاد الطلبة.
حدث عنه: الشيخ الموفق، والحافظ عبد الغني، وحمد بن صديق، والبهاء عبد الرحمن، والحافظ محمد ابن الدبيثي، وطائفة.
وقد ألف "جزءًا" في فضائل يزيد أتى فيه بعجائب وأوابد، لو لم يؤلفه، لكان خيرًا، وعمله ردًا على ابن الجوزي، ووقع بينهما عداوة.
ولعبد المغيث غلطات تدل على قلة علمه: قال مرةً: مسلم بن يسار صحابي، وصحح حديث الاستلقاء، وهو منكر، فقيل له في ذلك، فقال: إذا رددناه، كان فيه إزراء على من رواه! وقد حفر له قبرًا بقرب الإمام أحمد، وكان قد قدم دمشق تاجرًا بمال لسعد الخير، فحدث بها، وذكره ابن عساكر في "تاريخه".
حكى ابن تيمية شيخنا قال: قيل: إن الخليفة الناصر لما بلغه نهي عبد المغيث عن سب يزيد، تنكر، وقصده، وسأله عن ذلك، فتباله عنه، وقال: يا هذا إنما قصدت كف الألسنة عن لعن الخلفاء، وإلا فلو فتحنا هذا لكان خليفة الوقت أحق باللعن؛ لأنه يفعل كذا، ويفعل كذا، وجعل يعدد خطاياه، قال: يا شيخ ادع لي، وقام.
توفي عبد المغيث في المحرم سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 106"، وشذرات الذهب "4/ 275".
5256 - ابن الموازيني
(1)
:
الشيخ العالم، المحدث المسند، أبو الحسين أحمد بن حمزة ابن المحدث أبي الحسن علي بن الحسن بن الحسين ابن الموازيني، الدمشقي، المعدل.
ولد في ربيع الأول سنة ست وخمس مائة.
سمع من جده أبي الحسن، ووالدته شكر بنت سهل بن بشر الإسفراييني.
وأجاز له من أصبهان أبو علي الحداد.
وارتحل، فسمع من أبي بكر ابن الزاغوني، ومحمد بن عبيد الله الرطبي، وأبي الكرم الشهرزوري، وسعيد ابن البناء، وطائفة.
وخرج، وجمع، وسكن بسفح قاسيون، وأنشأ زاويةً، وكان مقبلًا على شأنه، مؤثرًا للعزلة، مواسيًا للفقراء، خرج لنفسه مشيخةً حسنةً، فيها عن أبي الفضل الأرموي، وابن الطلاية وعدة.
روى عنه: الحافظ الضياء، وابن خليل، وعبد الحق بن خلف والبهاء عبد الرحمن، ومحمد بن سعد، وخطيب مردا، والعماد ابن عبد الهادي، والعماد عبد الله ابن النحاس، والزين ابن عبد الدائم، وخلق.
قال الضياء: كان دينًا، خيرًا، قد انحنى. سمعنا منه أكثر "الحلية".
مات في المحرم سنة خمس وثمانين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 110"، وشذرات الذهب "4/ 283".
الطبقة الحادية والثلاثون:
5257 - ابن الصابوني:
الإمام بقية المشايخ، أبو الفتح محمود بن أحمد بن علي المحمودي الجعفري ابن الصابوني. نسب إلى جد والدته شيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني الصوفي المقرئ، وكان يسكن بالجعفرية ببغداد، فنسب إليها.
ولد سنة خمس مائة تقريبًا.
وتلا بالروايات على أبي العز القلانسي.
وسمع هبة الله بن الحصين، وجماعةً، وصحب حمادًا الدباس، وعلي بن مهدي البصري، وكان له زاوية ببغداد.
روى عنه: ابنه علم الدين، وابن المفضل الحافظ، وطائفة.
وكان يلقب جمال الدين. وقيل لجده علي بن أحمد: المحمودي، لاتصاله بالسلطان محمود السلجوقي.
قدم أبو الفتح، فزاره نور الدين، وسأله الإقامة بدمشق، فقال: قصدي زيارة ضريح الشافعي، فجهزه سنة بضع وستين، في صحبة الأمير نجم الدين أيوب، وصار صديقًا له، فكان ولداه السلطانان صلاح الدين وسيف الدين يحترمان أبا الفتح، ويرعيانه.
وبعث الشيخ عمر الملاء زاهد الموصل إلى أبي الفتح هذا يطلب منه الدعاء.
مات في شعبان سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.
5258 - ابن الصاحب
(1)
:
المولى الكبير، مجد الدين، هبة الله ابن الصاحب أستاذ دار المستضيء.
أحد من بلغ أعلى الرتب، وصار يولي، ويعزل، وأظهر الرفض، ثم ولي حجابة باب النوبي، ولم يزل في ارتقاء حتى قتل، وعلق رأسه ببغداد.
خلف تركة ضخمةً فيها من العين ألف ألف دينار، ومن الفضة جملة، ومن الأمتعة والعقار ما لا يوصف، فتركت الأملاك لأولاده.
طلب إلى دار الخلافة، فوثب عليه الشحنة ياقوت في الدهليز، فقتله، وكان قد تمرد، وسفك الدماء، وسب الصحابة، وعزم على قلب الدولة، فقصمه الله.
(1)
ترجمته في العبر "4/ 251"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 275".
5259 - ابن منقذ
(1)
:
الأمير الكبير العلامة، فارس الشام، مجد الدين، مؤيد الدولة، أبو المظفر أسامة ابن الأمير مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني، الشيزري.
ولد بشيزر سنة ثمان وثمانين وأربع مائة.
وسمع في سنة (499) نسخة أبي هدبة من علي بن سالم السنبسي.
روى عنه: ابن عساكر، وابن السمعاني، وأبو المواهب، والحافظ عبد الغني، والبهاء عبد الرحمن، وابنه الأمير مرهف، وعبد الصمد بن خليل الصائغ، وعبد الكريم بن أبي سراقة، ومحمد بن عبد الكافي الصقلي.
وله نظم في الذروة كأبيه.
قال السمعاني: ذكر لي أنه يحفظ من شعر الجاهلية عشرة آلاف بيت.
قلت: سافر إلى مصر: وكان من أمرائها الشيعة، ثم فارقها، وجرت له أمور، وحضر حروبًا ألفها في مجلد فيه عبر.
قال يحيى بن أبي طيء في "تاريخه": كان إماميًا حسن العقيدة، إلَّا أنه كان يداري عن منصبه، ويتاقي، وصنف كتبًا منها "التاريخ البدري"، وله "ديوان" كبير.
قلت: عاش سبعًا وتسعين سنةً، ومات بدمشق في رمضان سنة أربع وثمانين وخمس مائة.
وله:
مع الثّمانين عاث الضّعف في جسدي
…
وساءني ضعف رجلي واضطراب يدي
إذا كتبت فخطّي خطّ مضطربٍ
…
كخطّ مرتعش الكفّين مرتعد
فاعجب لضعف يدي عن حملها قلما
…
من بعد حطم القنا في لبّة الأسد
فقل لمن يتمنّى طول مدّته:
…
هذي عواقب طول العمر والمدد
ومات ابنه الأمير الكبير عضد الدولة مرهف بن أسامة في سنة ثلاث عشرة وست مائة عن ثلاث وتسعين سنةً، وله شعر رائق. روى عنه الزكي المنذري، والقوصي، وجمع من الكتب ما لا يوصف.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 107"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 279".
5260 - الحازمي
(1)
:
الإمام الحافظ، الحجة الناقد، النسابة البارع، أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن موسى بن عثمان بن حازم الحازمي الهمذاني.
مولده في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
سمع من أبي الوقت السجزي حضورًا وله أربع سنين، وسمع من شهردار بن شيرويه الديلمي، وأبي زرعة بن طاهر المقدسي الحافظ، وأبي العلاء العطار، ومعمر بن الفاخر، وأبي الحسين عبد الحق اليوسفي، وعبد الله بن الصمد العطار، وشهدة الكاتبة، وأبي الفضل عبد الله بن أحمد خطيب الموصل، وأبي طالب محمد بن علي الكتاني الواسطي، ومحمد بن طلحة البصري المالكي بها، وأبي العباس أحمد بن ينال الترك، وأبي الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي، وأبي موسى محمد بن أبي عيسى المديني، وأقرانهم بالعراق وأصبهان والجزيرة والشام والحجاز.
وجمع، وصنف، وبرع في فن الحديث خصوصًا في النسب. واستوطن بغداد.
قال أبو عبد الله الدبيثي: تفقه ببغداد في مذهب الشافعي، وجالس العلماء، وتميز، وفهم، وصار من أحفظ الناس للحديث ولأسانيده ورجاله، مع زهد، وتعبد، ورياضة، وذكر. صنف في الحديث عدة مصنفات، وأملى عدة مجالس، وكان كثير المحفوظ حلو المذاكرة، يغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام. أملى طرق الأحاديث التي في "المهذب" للشيخ أبي إسحاق، وأسندها، ولم يتمه.
وقال أبو عبد الله بن النجار في "تاريخه": كان الحازمي من الأئمة الحفاظ العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله. ألف كتاب "الناسخ والمنسوخ"، وكتاب "عجالة المبتدئ في النسب"، وكتاب "المؤتلف والمختلف في أسماء البلدان". وأسند أحاديث "المهذب"، وكان
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 625"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1106"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 109"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 282".
ثقةً، حجةً، نبيلًا، زاهدًا، عابدًا، ورعًا، ملازمًا للخلوة والتصنيف وبث العلم أدركه الأجل شابًا، وسمعت محمد بن محمد بن محمد بن غانم الحافظ يقول: كان شيخنا الحافظ أبو موسى المديني يفضل أبا بكر الحازمي على عبد الغني المقدسي، ويقول: ما رأينا شابًا أحفظ من الحازمي، له كتاب في "الناسخ والمنسوخ" دال على إمامته في الفقه والحديث ليس لأحد مثله.
قال ابن النجار: وسمعت بعض الأئمة يذكر أن الحازمي كان يحفظ كتاب الإكمال في المؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة، كان يكرر عليه، ووجدت بخط الإمام أبي الخير القزويني وهو يسأل الحازمي: ماذا يقول سيدنا الإمام الحافظ في كذا وكذا? وقد أجاب أبو بكر الحازمي بأحسن جواب.
ثم قال ابن النجار: سمعت أبا القاسم المقرئ جارنا يقول -وكان صالحًا: كان الحازمي رحمه الله في رباط البديع، فكان يدخل بيته في كل ليلة، ويطالع، ويكتب إلى طلوع الفجر، فقال البديع للخادم: لا تدفع إليه الليلة بزرًا للسراج لعله يستريح الليلة. قال: فلما جن الليل، اعتذر إليه الخادم لأجل انقطاع البزر، فدخل بيته، وصف قدميه يصلي، ويتلو، إلى أن طلع الفجر، وكان الشيخ قد خرج ليعرف خبره، فوجده في الصلاة.
مات أبو بكر الحازمي في شهر جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وخمس مائة، وله ست وثلاثون سنة.
قرأت على أبي الحمد أقش الافتخاري، أخبركم عبد الله بن الحسن الدمياطي الخطيب سنة ست وأربعين وست مائة، أخبرنا محمد بن موسى الحافظ، أخبرنا محمد بن ذاكر بقراءتي، أخبركم حسن بن أحمد القارئ، أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب، أخبرنا علي بن عمر، حدثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز، حدثنا العباس بن يزيد، حدثنا غسان بن مضر، حدثنا أبو مسلمة، قال: سألت أنس بن مالك: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين? فقال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه، وما سألني عنه أحد قبلك، قلت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين? قال: نعم.
هذا حديث حسن غريب، وهو ظاهر في أن أبا مسلمة سعيد بن يزيد سأل أنسًا عن الصلوات الخمس، أكان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح -يعني أول ما يحرم بالصلاة- بدعاء الاستفتاح أم بالاستعاذة، أم بالحمد لله رب العالمين? فأجابه أنه لا يحفظ في ذلك شيئًا.
فأما الجهر وعدمه بالبسملة، فقد صح عنه من حديث قتادة وغيره عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم
(1)
.
وقد روى عن الحازمي المقرئ تقي الدين ابن باسويه الواسطي، والفقيه عبد الخالق النشتبري، وجلال الدين عبد الله بن الحسن الدمياطي الخطيب، وآخرون.
ومات معه في سنة أربع الأمير الكبير مؤيد الدولة مجد الدين أبو المظفر أسامة بن مرشد بن منقذ الكناني الشيزري الشاعر عن سبع وتسعين سنةً، وأبو المقيم ظاعن بن محمد الزبيري الخياط، وأبو محمد عبد الله بن علي بن سويدة التكريتي، وأبو القاسم بن حبيش الأنصاري، وأبو القبائل عشير بن علي الجبلي بمصر، وشمس الأئمة عماد الدين عمر بن بكر الأنصاري البخاري شيخ الحنفية، وتاج الدين محمد بن عبد الرحمن المسعودي المحدث، وشاعر العراق أبو الفتح محمد بن عبيد الله ابن التعاويذي، وأبو عبد الله محمد بن علي بن صدقة الحراني السفار، وأبو الفتوح محمد بن المطهر بن يعلى الفاطمي الهروي، والعبد الصالح محمد بن أبي المعالي بن قايد الأواني، ويحيى بن محمود الثقفي، والمبارك بن أبي بكر بن النقور.
(1)
صحيح: أخرجه البخاري "743"، ومسلم "399".
5261 - الجابري:
شيخ الحنفية، نعمان الزمان، القاضي عماد الدين، أبو العلاء عمر ابن العلامة شيخ المذهب شمس الأئمة أبي الفضل بكر بن محمد الأنصاري الجابري البخاري الزرنجري.
وزرنجرى من قرى بخارى.
تفقه بأبيه، وببرهان الأئمة ابن مازة، وسمع "صحيح البخاري" من أبيه، عن أبي سهل الأبيوردي، عن ابن حاجب الكاشاني.
تفقه به: شمس الأئمة أبو الوحدة محمد بن عبد الستار الكردي، والمفتي جمال الدين عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي، وصدر العالم محمد بن عبد العزيز بن مازة.
وعمر نحو التسعين، وانتهت إليه رئاسة الحنفية.
مات في شوال سنة أربع وثمانين وخمس مائة.
5262 - المسعودي
(1)
:
الإمام المحدث، الفقيه، اللغوي، المتفنن، تاج الدين، أبو سعيد وأبو عبد الله محمد بن المسند عبد الرحمن بن محمد بن مسعود المسعودي البنجديهي المروزي، الصوفي.
ولد سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة.
وسمع أباه، وعبد السلام بن أحمد بكبره، ومسعود بن محمد الغانمي، وأبا النضر الفامي، وأبا الوقت عبد الأول، وأبا المظفر التريكي البغدادي، وابن رفاعة السعدي، ومسعود الثقفي، وعبد الصبور بن عبد السلام، والحافظ السلفي، وعدةً.
وأملى بمصر مجالس في سنة خمس وسبعين.
وأدب الملك الأفضل ابن السلطان.
وعمل شرحًا كبيرًا للمقامات، واقتنى كتبًا كثيرةً، ولينه المحدثون.
قال المنذري: كتب عنه السلفي أناشيد، وحدثنا عنه ابن المفضل وآخرون.
قلت: وزين الأمناء، والتاج القرطبي، والنور البلخي، وأمثالهم.
قال الحافظ ابن خليل: لم يكن في نقله بثقة ولا مأمون.
وقال ابن النجار: كان من الفضلاء في كل فن، ومن أظرف المشايخ، وأحسنهم هيئةً، وأجملهم لباسًا. سمع بدمشق من عبد الرحمن ابن أبي الحسن الداراني، وطائفة، وأجاز له أبو العز بن كادش.
قلت: مات في ربيع الأول سنة أربع وثمانين وخمس مائة ووقف كتبه بالسميساطية.
5263 - ابن التعاويذي
(2)
:
رئيس الشعراء، أبو الفتح محمد بن عبيد الله التعاويذي، البغدادي، الأديب، سبط المبارك بن المبارك التعاويذي.
كان والده من غلمان بني المظفر، وكان هو كاتبًا بديوان المقاطعات. و"ديوانه" مجلدان.
روى عنه: علي بن المبارك بن وارث.
أضر بأخرة، ورثى عينيه وأيام شبابه، ونظمه فائق.
عاش خمسًا وستين سنةً، ومات في شوال سنة أربع وثمانين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في لسان الميزان "5/ ترجمة 784"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 280 - 281".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 105"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 281" ووقع عنده [ابن عبد الله] بدل [ابن عبيد الله].
5264 - ابن الدهان
(1)
:
العلامة، مهذب الدين، أبو الفرج عبد الله بن أسعد بن علي الموصلي، الشافعي، الشاعر المدرس بحمص.
له "ديوان" صغير، ونظمه بديع.
دخل إلى مصر، ومدح ابن رزيك بقصيدة منها:
أأمدح التّرك أبغي الفضل عندهم
…
والشّعر ما زال عند التّرك متروكا
السلطان صلاح الدين بقصيدة طنانة منها:
قل للبخيلة بالسّلام تورّعا
…
كيف استبحت دمي ولم تتورّعي
وزعمت أن تصلي لعامٍ قابلٍ
…
هيهات أن أبقى إلى أن ترجعي
أبديعة الحسن التي في وجهها
…
دون الوجوه عنايةٌ للمبدع
ما كان ضرّك لو غمزت بحاجبٍ
…
يوم التّفرّق أو أشرت بأُصبع
فتيقّني أنّي بحبّك مغرمٌ
…
ثمّ أصنعي ما شئت بي أن تصنعي
وله:
يضحي يجانبني مجانبة العدى
…
ويبيت وهو إلى الصّباح نديم
ويمرّ بي يخشى الرّقيب فلفظه
…
شتمٌ، وغنج لحاظه تسليم
توفي في شعبان سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 336"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 270".
5265 - ابن الجد
(1)
:
الشيخ الإمام، العلامة، الحافظ، الفقيه، الخطيب الأفوه، أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن فرج بن الجد الفهري اللبلي، ثم الإشبيلي المالكي.
ولد سنة ست وتسعين وأربع مائة.
وسمع بقرطبة أبا محمد بن عتاب، وأبا بحر بن العاص، وأبا الوليد بن رشد في سنة خمس عشرة وخمس مائة. وبإشبيلية أبا بكر بن العربي، وأبا الحسن شريح بن محمد، لكنه امتنع من الرواية عنهما. وبحث "سيبويه" على أبي الحسن ابن الأخضر، وأخذ عنه كتب اللغة.
وسمع "صحيح مسلم" من أبي القاسم الهوزني.
حدث عنه: محمد بن عبيد الله الشريشي، وأبو الحسين محمد بن محمد بن زرقون، ومحمد بن علي بن الغزال، وأبو علي الشلوبين، وأبو الخطاب بن دحية، ويحيى بن أحمد السكوني اللبلي، وعدد كثير.
وكان كبير الشأن، انتهت إليه رئاسة الحفظ في الفتيا، وقدم للشورى من سنة إحدى وعشرين، وعظم جاهه، ونال دنيا عريضةً، ولم يكن يدري فن الحديث، لكنه عالي الإسناد فيه. وكان أحد الفصحاء البلغاء، امتحن في كائنة لبلة، وقيد وسجن. وكان فقيه عصره، تخرج به أئمة.
مات في شوال سنة ست وثمانين وخمس مائة.
قال أبو الربيع بن سالم: ومن أعيان شيوخي الإمام الحافظ الصدر الكبير أبو بكر بن الجد، فقيه الأندلس، وحافظها، وزعيمها غير منازع، ولا مدافع، انتهت إليه رئاسة الفقه أزيد من ستين سنةً مع الجلالة التي تجاوز مداها، والخلال التي التزم أهداها، وكان في غزارة الحفظ، ومتانة مادة العلم عبرةً من العبر، وآيةً من الآيات، سمعت عليه "جامع الترمذي"، وأشياء، رحمه الله.
وذكره ابن رشيد، فقال: بحر الفقه وحبره، وفقيه الأندلس في وقته، وحافظ المذهب، لا يدانيه أحد، مع الذهن الثاقب وسرعة الجواب، والبراعة في العربية، وقد حلف أبو بكر محمد بن علي التجيبي أن ابن الجد أحفظ من ابن القاسم، وقد أكثر عن أبي الحسن ابن الأخضر، ومع إمامته قل ما صنف.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 112"، ووقع عنده [ابن الفرح] بدل [ابن الفرج] بالجيم المعجمة لا بالحاء المهملة، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 286 - 287".
5266 - ابن الفراوي
(1)
:
الشيخ العالم المعمر الأصيل، مسند خراسان، أبو المعالي عبد المنعم بن عبد الله ابن فقيه الحرم أبي عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي الصاعدي النيسابوري الشافعي.
ولد سنة سبع وتسعين وأربع مائة.
وسمع من جده، وعبد الغفار بن محمد الشيروئي، وأبي نصر ابن القشيري، والعباس بن أحمد الشقاني، وظريف بن محمد الحيري، وطائفة.
وحج في آخر عمره.
حدث بنيسابور، وبغداد، والحرمين، وانتهى إليه علو الإسناد. وله أربعون حديثًا سمعناها، وهو من بيت الرواية والعدالة.
حدث عنه: مكرم بن مسعود، والفقيه أحمد بن عبد الواحد الملقب بالبخاري، والتقي بن باسويه، وأبو عبد الله محمد بن عمر القرطبي، والنفيس محمد بن رواحة، وعبد الله بن عبد الجبار الأموي، وأبو عبد الله محمد بن سعيد الدبيثي، والتاج محمد بن أبي جعفر، وآخرون.
وهو والد المسند أبي الفتح منصور ابن الفراوي، وجد محمد بن منصور.
وفراوة بالضم والفتح بليدة من ناحية خوارزم.
توفي عبد المنعم في أواخر شعبان سنة سبع وثمانين وخمس مائة، وله تسعون عامًا، ونزل الناس بموته درجةً.
وفيها مات عبد الحق بن عبد الملك بن بونه العبدري بالمنكب، وأبو محمد عبد الرحمن بن علي ابن الخرقي اللخمي الفقيه، وصاحب حماة تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، ونجم الدين محمد ابن الموفق الخبوشاني الشافعي بمصر، وقتل الشهاب السهروردي الفيلسوف، وشيخ القراء يعقوب بن يوسف الحربي.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 289".
5267 - ابن عياد
(1)
:
الإمام شيخ القراء والمحدثين، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن سعيد بن أبي زيد ابن عياد الأندلسي اللريي.
تلا على أبي عبد الله بن أبي إسحاق، وابن هذيل، وأبي مروان ابن الصيقل.
وسمع من أبي الوليد ابن الدباغ، وطارق بن يعيش، وعدة.
وكان حجةً ثبتًا معنيًا بصناعة الحديث، مكثرًا إلى الغاية، بصيرًا بتراجم الرجال.
وله تصانيف منها: "شرح المنتقى لابن الجارود"، و"شرح كتاب الشهاب"، وكتاب "الكفاية في مراتب الرواية" و"الأربعين في الحشر" و"الأربعين في العبادات".
روى عنه: ابنه محمد، وأبو الحجاج بن عبدة، وأبو محمد بن غلبون.
استشهد في كائنة لرية عن سبعين سنة، وذلك يوم العيد سنة خمس وسبعين وخمس مائة.
5268 - حياة
(2)
:
الشيخ القدوة الزاهد العابد، شيخ حران، وزاهدها، حياة بن قيس ابن رجال بن سلطان الأنصاري الحراني.
صاحب أحوال وكرامات وتأله وإخلاص وتعفف وانقباض.
كانت الملوك يزورونه، ويتبركون بلقائه، وكان كلمة وفاق بين أهل بلده.
قيل: إن السلطان نور الدين زاره، فقوى عزمه على جهاد الفرنج، ودعا له، وإن السلطان صلاح الدين زاره، وطلب منه الدعاء، فأشار عليه بترك قصد الموصل، فلم يقبل، وسار إليها فلم يظفر بها.
وكان الشيخ حياة قد صحب الشيخ حسينًا البواري تلميذ مجلي بن ياسين، وكان ملازمًا لزاويته بحران منذ خمسين سنة، لم تفته جماعة إلَّا من عذر شرعي.
وقيل: إنه كان بشوش الوجه، لين الجانب، رحيم القلب، سخيًا كريمًا، صاحب ليل وتبتل، لم يخلف بحران بعده مثله، وله سيرة في مجلد كانت عند ذريته.
توفي في ليلة الأربعاء سلخ جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وخمس مائة وله ثمانون سنة رحمه الله تعالى.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 254" ووقع عنده [ابن عباد] بالموحدة التحتية، بدل [ابن عياد] بالمثناة التحتية، ووقع أيضا [ابن سعد] بدل [ابن سعيد].
(2)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 269".
5269 - سنان:
راشد الدين، كبير الإسماعيلية وطاغوتهم، أبو الحسن سنان بن سلمان بن محمد البصري الباطني، صاحب الدعوة النزارية.
كان ذا أدب وفضيلة، ونظر في الفلسفة وأيام الناس، وفيه شهامة ودهاء ومكر وغور، فذكر رسول له وهو سعد الدين عبد الكريم، قال: حكى الشيخ سنان: قال: وردت الشام، فاجتزت بحلب، فصليت العصر بمشهد على ظاهر باب الجنان، وثم شيخ مسن، فقلت: من أين الشيخ? قال: من صبيان حلب.
قلت: الدعوة النزارية نسبة إلى نزار ابن خليفة العبيدية المستنصر، صيره أبوه ولي عهده، وبث له الدعاة، فمنهم صباح جد أصحاب الألموت، أحد شياطين الإنس، ذو سمت، وذلق، وتخشع، وتنمس، وله أتباع. دخل الشام والسواحل في حدود ثمانين وأربع مائة، فلم يتم له مرامه، فسار إلى العجم، وخاطب الغتم الصم، فاستجاب له خلق، وسلخهم، وحلهم، وكثروا، وأظهروا شغل السكين والوثوب على الكبار، ثم قصد قلعة الألموت بقزوين، وهي منيعة بأيدي قوم شجعان، لكنهم جهلة فقراء، فقال لهم: نحن قوم عباد مساكين، فأقاموا مدةً، فمالوا إليهم، ثم قال: بيعونا نصف قلعتكم بسبعة آلاف دينار، ففعلوا، فدخلوها، وكثروا، واستولى صباح على القلعة، ومعه نحو الثلاث مائة، واشتهر بأنه يفسد الدين، ويحل من الإيمان، فنهد له ملك تلك الناحية، وحاصر القلعة مع اشتغاله بلعبه وسكره، فقال علي اليعقوبي من خواص صباح: أيش يكون لي عليكم إن قتلته? قالوا: يكون لك ذكران في تسابيحنا، قال: رضيت، أمرهم بالنزول ليلًا، وقسمهم أرباعًا في نواحي ذلك الجيش، ورتب مع كل فرقة طبولًا، وقال: إذا سمعتم الصيحة، فاضربوا الطبول، فاختبط الجيش، فانتهز الفرصة، وهجم على الملك فقتله، وقتل، وهرب العسكر، فحوت الصباحية الخيام بما حوت، واستغنوا، وعظم البلاء بهم، ودامت الألموت لهم مائةً وستين عامًا، فكان سنان من نوابهم.
فأما نزار، فإن عمته عملت عليه، وعاهدت الأمراء أن تقيم أخاه صبيًا، فخاف نزار، فهرب إلى الإسكندرية، وجرت له أمور وحروب، ثم قتل، وصار صباح يقول: لم يمت، بل اختفى، وسيظهر، ثم أحبل جاريةً، وقال لهم: سيظهر من بطنها، فأذعنوا له، واغتالوا أمراء وعلماء خبطوا عليهم، وخافتهم الملوك، وصانعوهم بالأموال.
وبعث صباح الداعي أبا محمد إلى الشام، ومعه جماعة، فقوي أمره، واستجاب له الجبلية الجاهلية، واستولوا على قلعة من جبل السماق.
ثم هلك هذا الداعي، وجاء بعده سنان، فكان سخطةً وبلاءً، متنسكًا، متخشعًا، واعظًا، كان يجلس على صخرة كأنه صخرة لا يتحرك منه سوى لسانه، فربطهم، وغلوا فيه، واعتقد منهم له الإلهية، فتبًا له ولجهلهم، فاستغواهم بسحر وسيمياء، وكان له كتب كثيرة ومطالعة، وطالت أيامه.
وأما الألموت فوليها بعد صباح ابنه محمد، ثم بعده حفيده الحسن بن محمد الذي أظهر شعار الإسلام، ونبذ الانحلال تقيةً، وزعم أنه رأى الإمام عليًا، فأمره بإعادة رسوم الدين، وقال لخواصه: أليس الدين لي? قالوا: بلى، قال: فتارةً أضع عليكم التكاليف، وتارةً أرفضها، قالوا: سمعنا وأطعنا، واستحضر فقهاء وقراء ليعلموهم، وتخلصوا بهذا من صولة خوارزمشاه.
نعم، وكان سنان قد عرج من حجر وقع عليه في الزلزلة الكبيرة زمن نور الدين، فاجتمع إليه محبوه على ما حكى الموفق عبد اللطيف ليقتلوه، فقال: ولم تقتلوني? قالوا: لتعود إلينا صحيحًا، فشكر لهم، ودعا، وقال: اصبروا علي، يعني ثم قتلهم بحيلة. ولما أراد أن يحلهم من الإسلام، نزل في رمضان إلى مقثأة، فأكل منها، فأكلوا معه.
قال ابن العديم في "تاريخه": أخبرني شيخ أدرك سنانًا أنه كان بصريًا يعلم الصبيان، وأنه مر وهو طالع إلى الحصون على حمار، فأراد أهل إقميناس أخذ حماره، فبعد جهد تركوه، ثم آل أمره إلى أن تملك عدة قلاع. أوصى يومًا أتباعه، فقال: عليكم بالصفاء بعضكم لبعض، لا يمنعن أحدكم أخاه شيئًا له، فأخذ هذا بنت هذا، وأخذ هذا أخت هذا سفاحًا، وسموا نفوسهم الصفاة، فاستدعاهم سنان مرةً، وقتل خلقًا منهم.
قال ابن العديم: تمكن في الحصون، وانقادوا له. وأخبرني علي بن الهواري أن صلاح الدين سير رسولًا إلى سنان يتهدده، فقال للرسول: سأريك الرجال الذين ألقاه بهم، فأشار إلى جماعة أن يرموا أنفسهم من أهل الحصن من أعلاه، فألقوا نفوسهم، فهلكوا.
قال: وبلغني أنه أحل لهم وطء أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم، وأسقط عنهم صوم رمضان.
قال: وقرأت بخط أبي غالب بن الحصين أن في محرم سنة تسع وثمانين هلك سنان صاحب الدعوة بحصن الكهف، وكان رجلًا عظيمًا خفي الكيد، بعيد الهمة، عظيم المخاريق، ذا قدرة على الإغواء، وخديعة القلوب، وكتمان السر، واستخدام الطغام والغفلة في أغراضه الفاسدة. وأصله من قرى البصرة، خدم رؤساء الإسماعيلية بألموت، وراض نفسه بعلوم الفلاسفة، وقرأ كثيرًا من كتب الجدل والمغالطة ورسائل إخوان الصفاء، والفلسفة الإقناعية المشوقة لا المبرهنة، وبنى بالشام حصونًا، وتوثب على حصون، ووعر مسالكها، وسالمته الأنام، وخافته الملوك من أجل هجوم أتباعه بالسكين. دام له الأمر نيفًا وثلاثين سنةً، وقد سير إليه داعي الدعاة من قلعة ألموت جماعةً غير مرة ليقتلوه لاستبداده بالرئاسة، فكان سنان يقتلهم، وبعضهم يخدعه، فيصير من أتباعه.
قال: وقرأت على حسين الرازي في "تاريخه" قال: حدثني معين الدين مودود الحاجب أنه حضر عند الإسماعيلية في سنة اثنتين وخمسين، فخلا بسنان، وسأله فقال: نشأت بالبصرة، وكان أبي من مقدميها، فوقع هذا الأمر في قلبي، فجرى لي مع إخوتي أمر، فخرجت بغير زاد ولا ركوب، فتوصلت إلى الألموت، وبها إلكيا محمد بن صباح، وله ابنان حسن وحسين، فأقعدني معهما في المكتب، وكان يبرني برهما، ويساويني بهما، ثم مات، وولي حسن بن محمد، فنفذني إلى الشام، فخرجت مثل خروجي من البصرة، وكان قد أمرني بأوامر، وحملني رسائل، فدخلت مسجد التمارين بالموصل، ثم سرت إلى الرقة، فأديت رسالته إلى رجل، فزودني، واكترى لي بهيمةً إلى حلب، ولقيت آخر برسالته، فزودني إلى الكهف، وكان الأمر أن أقيم هنا، فأقمت حتى مات الشيخ أبو محمد صاحب الأمر، فولي بعده خواجا علي بغير نص، بل باتفاق جماعة، ثم اتفق الرئيس أبو منصور ابن الشيخ أبي محمد والرئيس فهد، فبعثوا من قتل خواجا، وبقي الأمر شورى، فجاء الأمر من الألموت بقتل قاتله وإطلاق فهد، وقرئت الوصية على الجماعة، وهي:
هذا عهد عهدناه إلى الرئيس ناصر الدين سنان، وأمرناه بقراءته على الرفاق والإخوان، أعاذكم الله من الاختلاف واتباع الأهواء، إذ ذاك فتنة الأولين، وبلاء الآخرين، وعبرة للمعتبرين، من تبرأ من أعداء الله وأعداء وليه ودينه، عليه موالاة أولياء الله، والاتحاد بالوحدة سنة جوامع الكلم، كلمة الله والتوحيد والإخلاص. لا إله إلَّا الله عروة الله الوثقى، وحبله المتين، إلَّا فتمسكوا به، واعتصموا به، فبه صلاح الأولين، وفلاح الآخرين،
أجمعوا آراءكم لتعليم شخص معين بنص من الله ووليه، فتلقوا ما يلقيه إليكم من أوامره ونواهيه بقبول، فلا وربك لا تؤمنون حتى تحكموه فيما شجر بينكم ثم لا تجدوا في أنفسكم حرجًا مما قضى وتسلموا تسليمًا، فذلك الاتحاد بالوحدة التي هي آية الحق المنجية من المهالك، المؤدية إلى السعادة، إذ الكثرة علامة الباطل المؤدية إلى الشقاوة المخزية، فنعوذ بالله من زواله، وبالواحد من آلهة شتى، وبالوحدة من الكثرة، وبالنص والتعليم من الأدواء والأهواء، وبالحق من الباطل، وبالآخرة الباقية من الدنيا الملعونة، إلَّا ما أريد به وجه الله، فتزودوا منها للأخرى، وخير الزاد التقوى، أطيعوا أميركم ولو كان عبدًا حبشيًا.
قال ابن العديم: كتب سنان إلى صاحب شيزر يعزيه بأخيه:
إنّ المنايا لا تطا بمنسمٍ
…
إلاّ على أكتاف أهل السّؤدد
فلئن صبرت فأنت سيد معشرٍ
…
صبروا وإن تجزع فغير مفنّد
هذا التّناصر باللسان ولو أتى
…
غير الحمام أتاك نصري باليد
وهي لأبي تمام.
وكتب سنان إلى صلاح الدين:
يا للرجال لأمرٍ هال مقطعه
…
ما مرّ قطّ على سمعي توقّعه
فإذا الذي بقراع السيف هدّدنا
…
لا قام مصرع جنبي حين تصرعه
قام الحمام إلى البازي يهدّده
…
واستيقظت لأُسود البرّ أضبعه
وقفت على تفصيل كتابكم وجمله، وعلمنا ما هددنا به من قوله وعمله، فيا لله العجب من ذبابة تطن في أذن فيل، وبعوضة تعد في التماثيل، ولقد قالها من قبلك قوم، فدمرنا عليهم، وما كان لهم من ناصرين. أللحق تدحضون، وللباطل تنصرون?! وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. ولئن صدر قولك في قطع رأسي، وقلعك لقلاعي من الجبال الرواسي، فتلك أماني كاذبة، وخيالات غير صائبة، فإن الجواهر لا تزول بالأعراض، كما أن الأرواح لا تضمحل بالأمراض. وإن عدنا إلى الظاهر، وعدلنا عن الباطن فلنا في رسول الله أسوة حسنة:"ما أوذي نبي ما أوذيت"
(1)
وقد علمت ما جرى على عترته وشيعته، فالحال
(1)
صحيح على شرط مسلم: ورد عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: "لقد أوذيت في الله، وما يؤذى أحد، وأخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أتت عليَّ ثلاثة من بين يوم وليلة، ومالي وبلال طعام يأكله ذو كبد، إلا ما يواري إبط بلال".
أخرجه ابن أبي شيبة "11/ 464" و"14/ 300"، وأحمد "3/ 120"، واللفظ له، وعبد بن حميد "1317"، والترمذي "2472"، وفي "الشمائل""137"، وابن ماجه "151"، وأبو يعلى "3423"، والبيهقي في "الشعب""1632"، والضياء في "المختارة""1633" و"1634" من طرق عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، به. وإسناده صحيح على شرط الشيخين خلا حماد بن سلمة فإنه على شرط مسلم.
ما حال، والأمر ما زال، وقد علمتم ظاهر حالنا، وكيفية رجالنا، وما يتمنونه من الفوت، ويتقربون به من حياض الموت، وفي المثل: أو للبط تهدد بالشط? فهيئ للبلايا أسبابًا، وتدرع للرزايا جلبابًا، فلأظهرن عليك منك، وتكون كالباحث عن حتفه بظلفه، وما ذلك على الله بعزيز، فكن لأمرنا بالمرصاد، واقرأ أول النحل وآخر ص.
قال النجم ابن إسرائيل: أخبرني المنتجب بن دفترخوان، قال: أرسلني صلاح الدين إلى سنان حين قفزوا على صلاح الدين المرة الثالثة، ومعي القطب النيسابوري يهدده، فكتب على طرة كتابه: جاء الغراب إلى البازي يهدده
…
وذكر الأبيات، وقال: هذا جوابه، إن صاحبك يحكم على ظاهر جنده، وأنا أحكم على باطن جندي، وسترى دليله، فدعا عشرةً من صبيان القاعة، فألقى سكينًا في الخندق، وقال: من أراد هذه، فليقع خلفها، فتبادروا جميعًا خلفها وثبًا، فتقطعوا، فعدنا، فصالحه صلاح الدين.
وذكر قطب الدين في "تاريخه": أن سنانًا سير رسولًا إلى صلاح الدين، فلم يجد معه ما يخافه، فأخلى له المجلس سوى نفر، فامتنع من أداء الرسالة حتى يخرجوا، فأخرجهم كلهم سوى مملوكين، فقال: أمرت أن لا أؤدي إلَّا خلوةً، قال: هذان ما يخرجان، فإن أديت، وإلا فقم، فهما مثل أولادي، فالتفت إليهما، وقال: إذا أمرتكما عن مخدومي بقتل هذا السلطان، أتقتلانه? قالا: نعم، وجذبا سيفهما، فبهت السلطان، وخرج أحدهما مع الرسول، فدخل السلطان في مرضاة سنان، ومن شعره:
ما أكثر الناس وما أقلّهم
…
وما أقلّ في القليل النّجبا
ليتهم إذ يكونوا خلقوا
…
مهذّبين صحبوا مهذّبا
مات سنان كما قلنا في سنة تسع وثمانين وخمس مائة.
5270 - الطالقاني
(1)
:
الشيخ الإمام، العلامة، الواعظ، ذو الفنون، رضي الدين، أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني القزويني الشافعي.
مولده بقزوين في سنة اثنتي عشرة وخمس مائة.
وتفقه على ملكداذ بن علي العمركي، ثم ارتحل إلى نيسابور، فتفقه بمحمد بن محمد الفقيه، وبرع في المذهب.
وسمع من أبي عبد الله الفراوي، وعبد الغافر بن إسماعيل، وهبة الله السيدي، وزاهر الشحامي، وعبد المنعم ابن القشيري، وعبد الجبار الخواري. وسمع الكتب الكبار.
ودرس بقزوين وببغداد.
وسمع من ابن البطي. ووعظ، ونفق سوقه، ثم درس بالنظامية.
قال ابن النجار: كان إمامًا في المذهب والأصول والتفسير والخلاف والتذكير، وحدث "بصحيح مسلم"، و"مسند ابن راهويه"، و"تاريخ الحاكم"، و"السنن الكبير"، و"دلائل النبوة"، و"البعث"، للبيهقي، وأملى مجالس، ووعظ، وأقبلوا عليه لحسن سمته، وحلاوة منطقه، وكثرة محفوظاته، وكثر التعصب له من الأمراء والخواص، وأحبه العوام، وكان يجلس بجامع القصر، وبالنظامية، وتحضره أمم، ثم عاد سنة ثمانين إلى بلده. وكان كثير العبادة والصلاة، دائم الذكر، قليل المأكل، يشتمل مجلسه على التفسير والحديث والفقه وحكايات الصالحين بلا سجع ولا تزويق ولا شعر. وهو ثقة في روايته، وقيل: كان يختم كل يوم مع دوام الصوم، ويفطر على قرص واحد.
وقال ابن الدبيثي: أملى عدة مجالس، وكان مقبلًا على الخير، كثير الصلاة، له يد باسطة في النظر، واطلاع على العلوم، ومعرفة بالحديث، كان جماعةً للفنون رحمه الله رد إلى بلده، فأقام مشتغلًا بالعبادة إلى أن توفي في المحرم سنة تسعين وخمس مائة.
وقال الحافظ عبد العظيم: حكى غير واحد أنه كان لا يزال لسانه رطبًا من ذكر الله. مات في الثالث والعشرين من المحرم.
وأنبأنا محفوظ ابن البزوري في "تاريخه"، قال: أبو الخير، هو أول من وعظ بباب بدر الشريف.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 134".
قلت: هذا موضع كان ربما حضر فيه وعظه الخليفة المستضيء من وراء الستر، وتحضر الأمم، فكان هو يعظ مرةً وابن الجوزي مرةً.
حدث عنه: أبو البقاء إسماعيل بن محمد المؤدب، والموفق عبد اللطيف، وبالغ في تعظيمه، وأبو عبد الله ابن الدبيثي، ومحمد بن علي بن أبي السهل، وآخرون.
قال الموفق: كان يعمل في اليوم والليلة ما يعجز المجتهد عنه في شهر، وظهر التشيع في زمانه بسبب ابن الصاحب، فالتمس العامة منه على المنبر يوم عاشوراء أن يلعن يزيد، فامتنع، فهموا بقتله مرات، فلم يرع، ولا زل، وسار إلى قزوين، وضجع لهم
(1)
ابن الجوزي.
ولأبي الخير ولدان متخلفان دخلا في الكذب والزوكرة والغربة.
(1)
ضج لهم: أي مال إليهم.
5271 - ابن صدقة
(1)
:
الشيخ الصالح الصدوق، أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن حسن بن صدقة الحراني، البزاز، السفار، المعروف قديمًا بابن الوحش.
شيخ معمر، معتبر، دين، تردد إلى خراسان وغيرها في التجارة.
وسمع في كهولته سنة ثمان وعشرين وخمس مائة من الفراوي الصحيح وغيره، وله إحدى وأربعون سنةً.
روى عنه: أبو عمر الزاهد، وأخوه الشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمن، والضياء الحافظ، والحسن بن سلام، وابن خليل، وأبو المعالي ابن الشيرازي وابن سعد، وخطيب مردا، ومحمد بن عبد الهادي، والعماد عبد الله ابن النحاس، ومحمد بن سليمان الصقلي، وابن عبد الدائم، وآخرون.
وروى ابن الدبيثي، عن ابن الأخضر، عنه.
وقال ابن النجار: بنى بدمشق مدرسةً، ووقفها على الحنابلة.
مات في ربيع الأول، وقيل: مات في ربيع الآخر سنة أربع وثمانين وخمس مائة بدمشق، وله أربع وتسعون سنةً.
قلت: لا وجود للمدرسة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 109"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 282".
5272 - ابن قائد:
القدوة العارف، أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي بن قايد الأواني.
زاهد، خاشع، ذو كرامات، وتأله، وأوراد، أقعد مدةً.
قدم أوانا واعظ باطني، فنال من الصحابة، فحمل هذا في محفته، وصاح به: يا كلب انزل، ورجمته العامة، فهرب، وحدث سنانًا بما تم عليه، فندب له اثنين فأتياه، وتعبدا معه أشهرًا، ثم قتلاه، وقتلا خادمه، وهربا في البساتين، فنكرهما فلاح، فقتلهما بمره، ثم ندم لما رآهما بزيق الفقر، ثم تيقن أنهما اللذان قتلا الشيخ بصفتهما، ثم أحرقا، فقيل: إن الشيخ عبد الله الأرموي شاهد ذلك.
5273 - الخرقي
(1)
:
الإمام الصالح، معيد الأمينية، أبو محمد عبد الرحمن بن علي بن المسلم اللخمي الدمشقي، ابن الخرقي، الشافعي.
مولده سنة تسع وتسعين مع الحافظ ابن عساكر.
وسمع أبا الحسن ابن الموازيني، وعبد الكريم بن حمزة، وابن قبيس، وطاهر بن سهل، وعدةً.
وعنه: الشيخ الموفق، والضياء، والبهاء، وابن خليل، وأخوه إبراهيم الآدمي، وخطيب مردا، وابن سعد، وابن عبد الدائم، وخلق.
ابن الحاجب، عن ابن نقطة، عن ابن الأنماطي: أن الخرقي راوي نسخة أبي مسهر، لم يوجد بها أصله، إنما سمعت بقوله عن ابن الموازيني.
قال ابن الحاجب: كان فقيهًا عدلًا صالحًا، يتلو كل يوم وليلة ختمةً، وقال أبو حامد ابن الصابوني في كتابه إلي: أعاد بالأمينية لجمال الإسلام أبي الحسن، وأضر في الآخر، وأقعد، فاحتاج إلى وضوء في الليل وما عنده أحد، فذكر أنه قال: بينا أنا أتفكر إذا بنور من السماء دخل البيت، فبصرت بالماء، فتوضأت، حدث بعض إخوانه بهذا، وأوصاه أن لا يخبر به إلَّا بعد موته.
توفي في ذي القعدة سنة سبع وثمانين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 116"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 289".
5274 - قزل
(1)
:
السلطان أرسلان قزل، واسمه عثمان ابن الملك إلدكز صاحب أذربيجان بعد أخيه البهلوان. ثم تملك همذان وأصبهان والري، وقوي على سلطانه طغرل، وأخذه وحبسه، وسار إلى أصبهان، وصلب جماعةً من الشافعية، وخطب لنفسه بالسلطنة، وتمكن. وكانت دولته سبع سنين، ثم قتل غيلةً على فراشه، وما عرف من قتله، وذلك في شعبان سنة سبع وثمانين وخمس مائة.
5275 - عبد الحق
(2)
:
الإمام الحافظ البارع المجود العلامة، أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين بن سعيد الأزدي الأندلسي الإشبيلي المعروف في زمانه بابن الخراط.
مولده فيما قيده أبو جعفر بن الزبير سنة أربع عشرة وخمس مائة.
حدث عن: أبي الحسن شريح بن محمد وأبي الحكم بن برجان، وعمر بن أيوب، وأبي بكر بن مدير، وأبي الحسن طارق بن يعيش، والمحدث طاهر بن عطية، وطائفة.
سكن مدينة بجاية وقت الفتنة التي زالت فيها الدولة اللمتونية بالدولة المؤمنية، فنشر بها علمه، وصنف التصانيف، واشتهر اسمه، وسارت بـ"أحكامه الصغرى" و"الوسطى" الركبان. وله "أحكام كبرى" قيل هي بأسانيده، فالله أعلم.
وولي خطابة بجاية.
ذكره الحافظ أبو عبد الله البلنسي الأبار، فقال: كان فقيهًا، حافظًا، عالمًا بالحديث وعلله، عارفًا بالرجال، موصوفًا بالخير والصلاح والزهد والورع ولزوم السنة والتقلل من الدنيا، مشاركًا في الأدب وقول الشعر، قد صنف في الأحكام نسختين كبرى وصغرى، وسبقه إلى مثل ذلك الفقيه أبو العباس بن أبي مروان الشهيد بلبلة، فحظي الإمام عبد الحق دونه.
قلت: وعمل الجمع بين الصحيحين بلا إسناد على ترتيب مسلم، وأتقنه، وجوده.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 289 - 290". ووقع عنده [الزكر بالزاى المعجمة والراء المهملة بدل [الدكز] بالدال المهملة والزاى المعجمة.
(2)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1100"، وشذرات الذهب "4/ 271".
قال الأبار: وله مصنف كبير جمع فيه بين الكتب الستة، وله كتاب "المعتل من الحديث" وكتاب "الرقاق" ومصنفات أخر.
قلت: وله كتاب "العاقبة" في الوعظ والزهد.
وقال الأبار: وله في اللغة كتاب حافل ضاهى به كتاب "الغريبين" لأبي عبيد الهروي. حدثنا عنه جماعة من شيوخنا.
وقال: ولد سنة عشر وخمس مائة، وتوفي ببجاية بعد محنة نالته من قبل الدولة في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.
قلت: روى عنه خطيب بيت المقدس أبو الحسن علي بن محمد المعافري، وأبو الحجاج ابن الشيخ، وأبو عبد الله بن نقيمش، ومحمد بن أحمد بن غالب الأزدي، وأبو العباس العزفي، وآخرون، وصنف الحافظ القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك الحميري الكتامي الفاسي المشهور بابن القطان كتابًا نفيسًا في مجلدتين سماه "الوهم والإيهام فيما وقع من الخلل في الأحكام الكبرى لعبد الحق" يناقشه فيه فيما يتعلق بالعلل وبالجرح والتعديل، طالعته، وعلقت منه فوائد جليلةً.
ومن مسموع الحافظ عبد الحق "صحيح مسلم" يحمله عن أبي القاسم بن عطية، قال: أخبرنا محمد بن بشر، قال: أخبرنا أبو علي بن سكرة الصدفي، أخبرنا أبو العباس بن دلهاث العذري، أخبرنا الرازي بإسناده. فهذا نزول بحيث أن ابن سكرة في إزاء المؤيد الطوسي، وشيخنا القاسم الاربلي في طبقة ابن بشر هذا، وصاحبه ابن عطية ونحن في العدد سواء، فكأن عبد الحق سمعه من المزي والبرزالي والله أعلم.
وقد أنبأنا "بالأحكام الصغرى": الإمام أبو محمد بن هارون في كتابه إلينا من المغرب، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي نصر بسماعه من المصنف أبي محمد عبد الحق.
قال ابن الزبير في ترجمة عبد الحق: كان يزاحم فحول الشعراء، ولم يطلق عنانه في نطقه.
قلت: ما أحلى قوله وأوعظه إذ قال:
إنّ في الموت والمعاد لشغلًا
…
وادّكارًا لذي النّهى وبلاغا
فاغتنم خطتين قبل المنايا
…
صحة الجسم يا أخي والفراغا
أخبرنا محمد بن عبد الكريم التبريزي، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد السخاوي سنة خمس وثلاثين وست مائة، أخبرنا مجد الدين محمد بن أحمد بن غالب الأزدي سنة ست وثمانين وخمس مائة، أخبرنا أبو محمد عبد الحق الأزدي أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو علي الصدفي، أخبرنا عبد الله بن طاهر التميمي، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله النيسابوري المقرئ وغيره، قالوا: أخبرنا علي بن أحمد الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب الشاشي ببخارى، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة عن قتادة، سمعت عبد الله ابن أبي عتبة يحدث عن أبي سعيد، قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئًا، عرفناه في وجهه"
(1)
وأنبأناه عاليًا أحمد بن محمد، أخبرنا عبد المطلب بن هاشم، أخبرنا أبو شجاع عمر بن محمد وجماعة قالوا: أخبرنا أحمد بن محمد الخليلي، أخبرنا علي بن أحمد الخزاعي، فذكره.
(1)
صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "8/ 523 - 524"، والطيالسي "2222" وابن سعد في "الطبقات""1/ 368"، وأحمد "3/ 71 و 79 و 88 و 91 و 92"، والبخاري "3562" و"6102" و"6119"، وفي "الأدب المفرد، "467"، والترمذي في "الشمائل" "351"، وابن ماجه "4180"، والبيهقي "10/ 192"، وفي "دلائل النبوة" "1/ 316"، وفي "الآدب" "200"، من حديث أبي سعيد الخدري، به.
5276 - صاحب حماة
(1)
:
الملك المظفر، تقي الدين عمر ابن الأمير نور الدولة شاهنشاه بن أيوب بن شاذي صاحب حماة، وأبو أصحابها.
كان بطلًا شجاعًا مقدامًا جوادًا ممدحًا، له مواقف مشهودة مع عمه السلطان صلاح الدين، وكان قد استنابه على مصر، وله وقوف بمصر والفيوم.
وسمع من السلفي وابن عوف. وروى شيئًا من شعره.
وكان لما مرض السلطان بحران، قد هم بتملك مصر، فلما عوفي، طلبه إلى الشام، فامتنع، وعزم على اللحوق بمملكة قراقوش وبوزبا اللذين تملكا أطراف المغرب، وشرع في السفر، فأتاه الفقيه المقدم عيسى الهكاري، فثنى عزمه، وأخرجه إلى الشام، فصفح عنه عمه، ولاطفه، وأعطاه حماة، ثم المعرة، وسلمية وكفرطاب، وميافارقين، وحران، والرها، وسار إلى ميافارقين ليتسلمها في سبع مائة فارس.
وكان ملكًا عالي الهمة، فقصد حاني، فحاصرها، وأخذها، فغضب صاحب خلاط بكتمر، وسار لحربه في أربعة آلاف، فالتقوا، فانهزم بكتمر، وساق المظفر، فنازل خلاط، فلم ينل شيئًا، لقلة جنده، فترحل، فأتى منازكرد، فحاصرها مدةً، فأتاه أجله عليها في رمضان سنة سبع وثمانين وخمس مائة شابًا، ونقل، فدفن بحماة، وكان من أعيان ملوك زمانه.
وتملك حماة بعدها ابنه الملك المنصور محمد، وكان له صيت كبير في الشجاعة.
ومات معه في اليوم الأمير حسام الدين محمد بن لاجين ابن أخت السلطان، ودفن بالشامية مدرسة أمه.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 501"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 113"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 289".
5277 - الخبوشاني
(1)
:
الفقيه الكبير، الزاهد، نجم الدين، أبو البركات محمد بن موفق بن سعيد، الخبوشاني، الشافعي، الصوفي.
تفقه على محمد بن يحيى، وبرع.
قال ابن خلكان: فكان يستحضر كتابه المحيط وهو ستة عشر مجلدًا.
وقال المنذري: ولد سنة عشر وخمس مائة، وحدث عن هبة الرحمن ابن القشيري. وقدم مصر فأقام بمسجد مدةً، ثم بتربة الشافعي، وتبتل لإنشائها، ودرس بها، وأفتى وصنف. وخبوشان من قرى نيسابور.
قال ابن خلكان: كان السلطان صلاح الدين يقربه، ويعتقد فيه، ورأيت جماعةً من أصحابه، فكانوا يصفون فضله ودينه وسلامة باطنه.
وقال الموفق عبد اللطيف: سكن السميساطية، وعرف الأمير نجم الدين أيوب، وأخاه، وكان قشفًا في العيش، يابسًا في الدين، وكان يقول: أصعد إلى مصر، وأزيل ملك بني عبيد اليهودي، إلى أن قال: فنزل بالقاهرة، وصرح بثلب أهل القصر، وجعل سبهم تسبيحه، فحاروا فيه، فنفذوا إليه بمال عظيم قيل: أربعة آلاف دينار، فقال للرسول: ويلك، ما هذه
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 597"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 288".
البدعة?! فأعجله، فرمى الذهب بين يديه، فضربه، وصارت عمامته حلقًا، وأنزله من السلم. ومات العاضد، وتهيبوا الخطبة لبني العباس، فوقف الخبوشاني بعصاه قدام المنبر، وأمر الخطيب بذلك، ففعل، ولم يكن إلَّا الخير، وزينت بغداد. ولما بنى مكان الشافعي، نبش عظام ابن الكيزاني، وقال: لا يكون صديق وزنديق معًا، فشد الحنابلة عليه، وتألبوا، وصار بينهم حملات حربية وغلبهم.
وجاء العزيز إلى زيارته وصافحه، فطلب ماءً، وغسل يده، وقال: يا ولدي إنك تمس العنان، ولا يتوقى الغلمان، قال: فاغسل وجهك، فإنك مسحت وجهك. قال: نعم، وغسله.
وكان أصحابه يأكلون بسببه الدنيا، ولا يسمع فيهم، وهم عنده معصومون.
وكان متى رأى ذميًا راكبًا، قصد قتله، فظفر بواحد طبيب يعرف بابن شوعة، فأندر عينه بعصاه، فذهبت هدرًا.
وقيل: التمس من السلطان إسقاط ضرائب لا يمكن إسقاطها، وساء خلقه، فقال: قم لا نصرك الله! ووكزه بعصاه، فوقعت قلنسوته، فوجم لذلك، ثم حضر وقعةً، فكسر، فظن أنه بدعائه، فجاء وقبل يديه، وسأله العفو.
وجاءه حاجب نائب مصر المظفر تقي الدين عمر، وقال له: تقي الدين يسلم عليك. فقال الخبوشاني قل: بل شقي الدين لا سلم الله عليه، قال: إنه يعتذر، ويقول: ليس له موضع لبيع المزر
(1)
. قال: يكذب. قال: إن كان ثم مكان، فأرناه. قال: ادن. فدنا، فأمسك بشعره، وجعل يلطم على رأسه، ويقول: لست مزارًا فأعرف مواضع المزر، فخلصوه منه.
وعاش عمره لم يأخذ درهمًا لملك، ولا من وقف، ودفن في الكساء الذي صحبه من بلده، وكان يأكل من تاجر صحبه من بلده.
وأتاه القاضي الفاضل لزيارة الشافعي، فرآه يلقي الدرس، فجلس وجنبه إلى القبر، فصاح: قم قم، ظهرك إلى الإمام?! فقال: إن كنت مستدبرة بقالبي، فأنا مستقبله بقلبي. فصاح فيه، وقال: ما تعبدنا بهذا، فخرج وهو لا يعقل.
قلت: مات الخبوشاني في ذي القعدة سنة سبع وثمانين وخمس مائة.
(1)
المزر: نبيذ يتخذ من الذرة. وقيل: من الشعير أو الحنطة.
5278 - السهروردي
(1)
:
العلامة، الفيلسوف السيماوي المنطقي، شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي، من كان يتوقد ذكاءً، إلَّا أنه قليل الدين.
وقال ابن أبي أصيبعة: اسمه عمر، وكان أوحد في حكمة الأوائل، بارعًا في أصول الفقه، مفرط الذكاء، فصيحًا، لم يناظر أحدًا إلَّا أربى عليه.
قال الفخر المارديني: ما أذكى هذا الشاب وأفصحه، إلَّا أني أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره.
قال: ثم إنه ناظر فقهاء حلب، فلم يجاره أحد، فطلبه الظاهر، وعقد له مجلسًا، فبان فضله، فقربه الظاهر، واختص به، فشنعوا، وعملوا محاضر بكفره، وبعثوها إلى السلطان، وخوفوه أن يفسد اعتقاد ولده، فكتب إلى ولده بخط الفاضل يأمره بقتله حتمًا، فلما لم يبق إلَّا قتله، اختار لنفسه أن يمات جوعًا، ففعل ذلك في أواخر سنة ست وثمانين بقلعة حلب، وعاش ستًا وثلاثين سنةً.
قال ابن أبي أصيبعة: وحدثني إبراهيم بن صدقة الحكيم، قال: خرجنا من باب الفرج معه، فذكرنا السيمياء، فقال: ما أحسن هذه المواضع! فنظرنا من ناحية الشرق جواسق مبيضةً كبيرة مزخرفةً، وفي طاقاتها نساء كالأقمار ومغاني، فتعجبنا، وانذهلنا، فبقينا ساعةً، وعدنا إلى ما كنا نعهده، إلَّا أني عند رؤية ذلك بقيت أحس من نفسي كأنني في سنة خفية، ولم يكن إدراكي كالحالة التي أتحققها مني. وحدثني عجمي قال: كنا مع السهروردي بالقابون، فقلنا: يا مولانا! نريد رأس غنم، فأعطانا عشرة دراهم، فاشترينا بها رأسًا، ثم تنازعنا نحن والتركماني، فقال الشيخ: روحوا بالرأس، أنا أرضيه، ثم تبعنا الشيخ، فقال التركماني: أرضني، فما كلمه، فجاء، وجذب يده، فإذا بيد الشيخ قد انخلعت من كتفه، وبقيت في يد ذاك، ودمها يشخب، فرماها، وهرب، فأخذ الشيخ يده باليد الأخرى، وجاء، فرأينا في يده منديله لا غير.
قال الضياء صقر: في سنة تسع وسبعين قدم السهروردي، ونزل في الحلاوية، ومدرسها الافتخار الهاشمي، فبحث، وعليه دلق وله إبريق وعكاز، فأخرج له الافتخار ثوب عتابي، وبقيارًا، وغلالةً، ولباسًا مع ابنه إليه، فقال: اقض لي حاجةً، وأخرج فصًا كالبيضة، وقال:
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 813"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 114"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 290".
ناد لي عليه، قال: فجاب خمسةً وعشين ألفًا، فطلع به العريف إلى الظاهر، فدفع فيه ثلاثين ألفًا، فجاء وشاوره، فغضب، وأخذ الفص، وضربه بحجر فتته، وقال: خذ الثياب، وقبل يد والدك، وقل له: لو أردنا الملبوس ما غلبنا، وأما السلطان، فطلب العريف، وقال: أريد الفص، قال: هو لابن الافتخار، فنزل السلطان إلى المدرسة، ثم اجتمع بالسهروردي، وأخذه معه، وصار له شأن عظيم، وبحث مع الفقهاء، وعجزهم. إلى أن قال: فأفتوا في دمه، فقيل: خنق، ثم بعد مدة حبس الظاهر جماعةً ممن أفتى، وصادرهم. وحدثني السديد محمود بن زقيقة، قال: كنت أتمشى مع السهروردي في جامع ميافارقين، وعليه جبة قصيرة، وعلى رأسه فوطة، وهو بزربول كأنه خربندا.
وللشهاب شعر جيد.
وله كتاب "التلويحات اللوحية: و"العرشية"، وكتاب "اللمحة"، وكتاب "هياكل النور"، وكتاب "المعارج والمطارحات"، وكتاب "حكمة الإشراق"، وسائرها ليست من علوم الإسلام.
وكان قد قرأ على المجد الجيلي بمراغة، وكان شافعيًا، ويلقب بالمؤيد بالملكوت.
قال ابن خلكان: وكان يتهم بالانحلال والتعطيل، ويعتقد مذهب الأوائل اشتهر ذلك عنه، وأفتى علماء حلب بقتله، وأشدهم الزين والمجد ابنا جهبل.
قلت: أحسنوا وأصابوا.
قال الموفق يعيش النحوي: لما تكلموا فيه، قال له تلميذه: إنك تقول: النبوة مكتسبة، فانزح بنا، قال: حتى نأكل بطيخ حلب، فإن بي طرفًا من السل، ثم خرج إلى قرية بها بطيخ، فأقمنا أيامًا، فجاء يومًا إلى محفرة لتراب الرأس، فحفر حتى ظهر له حصىً، فدهنه بدهن معه، ولفه في قطن، وحمله في وسطه أيامًا، ثم ظهر كله ياقوتًا أحمر، فباع منه، ووهب أصحابه، ولما قتل كان معه منه.
قلت: كان أحمق طياشًا منحلًا.
حكى السيف الآمدي عنه أنه قال: لا بد لي أن أملك الدنيا. قلت من أين لك هذا? قال: رأيت كأني شربت ماء البحر، قلت: لعل يكون اشتهار علمك، فلم يرجع عما في نفسه. ووجدته كثير العلم، قليل العقل. وله عدة مصنفات.
قلت: قتل في أوائل سنة سبع وثمانين وخمس مائة.
5279 - صاحب الروم:
السلطان عز الدين قلج أرسلان ابن السلطان مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش بن إسرائيل بن بيغو بن سلجوق، السلجوقي، التركماني ملك الروم.
فيه عدل في الجملة وسداد وسياسة.
امتدت أيامه. وهو والد الست السلجوقية زوجة الإمام الناصر.
كانت دولته تسعًا وعشرين سنةً -وقيل بضعًا وثلاثين سنةً- وشاخ، وقوي عليه بنوه.
قال ابن الأثير: كان له من البلاد قونية، وأقصرا، وسيواس، وملطية، وكان ذا سياسة وعدل، وهيبة عظيمة، وغزوات كثيرة. ولما كبر، فرق بلاده على أولاده، ثم حجر عليه ابنه قطب الدين، ففر منه إلى ابنه الآخر، فتبرم به، ثم خدمه ولده كيخسرو، وندم هو على تفريق بلاده.
وكانت وفاته بقونية سنة ثمان وثمانين وخمس مائة في منتصف شعبان.
قلت: ويقال: إنه قتل سرًا، ولم يصح.
وتسلطن بعده ابنه غياث الدين كيخسرو.
ومات ملكشاه بن قلج أرسلان بعد أبيه بيسير، وتمكن كيخسرو. وهو والد السلطان كيكاوس.
5280 - النميري
(1)
:
الأمير الأديب، أبو المرهف نصر بن منصور بن حسن النميري.
وأمه بنة بنت سالم بن مالك ابن صاحب الموصل بدران بن مقلد العقيلي.
ولد بالرافقة بعد الخمس مائة.
وقال الشعر وهو مراهق. وله "ديوان".
ضعف بصره بالجدري.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 761"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 118"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 295 - 296".
ثم اختلفت عشيرته، واختل نظامهم، فقدم بغداد، وحفظ القرآن، وتفقه لأحمد، وأخذ النحو عن ابن الجواليقي. وسمع من هبة الله بن الحصين وجماعة.
وصحب الصالحين، ومدح الخلفاء، وأضر بأخرة.
روى عنه: عثمان بن مقبل، والبهاء عبد الرحمن، وابن الدبيثي، وابن خليل، وعلي بن يوسف الحمامي، وكانت لأبيه قلعة نجم.
وهو القائل:
يزهّدني في جميع الأنام
…
قلّة إنصاف من يصحب
وهل عرف النّاس ذو نهيةٍ
…
فأمسى له فيهم مأرب
هم النّاس ما لم يجرّبهم
…
وطلس الذّئاب إذا جرّبوا
وليتك تسلم حال البعاد
…
منهم، فكيف إذا قرّبوا?
وله:
أُحبّ عليًّا والبتول وولدها
…
ولا أجحد الشّيخين حقّ التّقدّم
وأبرأُ ممّن نال عثمان بالأذى
…
كما أتبرّا من ولاء ابن ملجم
ويعجبني أهل الحديث لصدقهم
…
مدى الدّهر في أفعالهم والتّكلّم
مات في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وخمس مائة.
5281 - ابن مجبر
(1)
:
شاعر زمانه الأوحد، البليغ، أبو بكر يحيى بن عبد الجليل بن مجبر، الفهري المرسي، ثم الإشبيلي.
مدح الملوك، وشهد له بقوة عارضته، وسلامة طبعه، وفحولة نظمه قصائده التي سارت أمثالًا، وبعدت منالًا.
أخذ عنه أبو القاسم بن حسان، وغيره.
بالغ ابن الأبار في وصفه.
ومات بمراكش ليلة النحر سنة ثمان وثمانين وخمس مائة كهلًا، وقيل: سنة سبع. وله هذه:
أتراه يترك العذلا
…
وعليه شبّ واكتهلا
كلفٌ بالغيد ما علقت
…
نفسه السّلوان مذ عقلا
غير راضٍ عن سجيّة من
…
ذاق طعم الحبّ ثمّ سلا
نظرت عيني لشقوتها
…
نظراتٍ وافقت أجلا
غادةً لمّا مثلت لها
…
تركتني في الهوى مثلا
خشيت أنّي سأُحرقها
…
إذ رأت رأسي قد اشتعلا
ليتنا نلقى السّيوف ولم
…
نلق تلك الأعين النّجلا
أشرعوا الأعطاف مائسةً
…
حين أشرعنا القنا الذّبلا
نصروا بالحسن فانتهبوا
…
كلّ قلبٍ بالهوى خذلا
منها:
ثم قالوا سوف نتركها
…
سلبًا للحبّ أو نفلا
قلت أوما وهي عالقةٌ
…
بأمير المؤمنين فلا
وله:
دعا الشّوق قلبي والركائب والركبا
…
فلبّوا جميعًا وهو أوّل من لبّى
ومنها:
يقولون داو القلب يسل عن الهوى
…
فقلت لنعم الرأي لو أنّ لي قلبا
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان "7/ 13".
5282 - الحضرمي
(1)
:
قاضي الإسكندرية، أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن محمد بن الفضل الحضرمي العلائي، نسبةً إلى العلاء بن الحضرمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصقلي، ثم الإسكندراني، المالكي، الفقيه.
ولد سنة أربع عشرة وخمس مائة.
وسمع من أبي عبد الله الرازي عدة أجزاء.
روى عنه: ابن المفضل الحافظ، وعبد الغني الحافظ، وابن رواج، وعبد الرحمن بن علاس القصديري، وعلي بن عمر بن ركاب، وآخرون.
مات سنة تسع وثمانين وخمس مائة.
5283 - أخوه:
الإمام الفقيه أبو الفضل أحمد بن عبد الرحمن الحضرمي المالكي، من كبار الفقهاء.
روى عن: أبي عبد الله الرازي، وأبي الوليد بن خيرة، ويوسف بن محمد الأموي، وأبي عبد الله بن رفاعة.
ودرس. وسماعه من الرازي حضور، فإنه قال: ولدت في أول سنة اثنتين وعشرين.
روى عنه جماعة، وهو أقدم شيخ لقيه التقي ابن الأنماطي.
مات سنة خمس وثمانين وخمس مائة.
وكان أبوهما الشيخ أبو القاسم آخر من حدث بالإجازة عن الحبال.
وكان جدهما من مشايخ السلفي، فهم بيت علم ورواية.
5284 - سلطان شاه
(2)
:
صاحب مرو، محمود بن خوارزمشاه أرسلان بن أتسز بن محمد بن نوشتكين الخوارزمي، أخو السلطان علاء الدين خوارزمشاه تكش.
تملك بعد أبيه سنة (548)، وجرت له حروب وخطوب. وكان أخوه قد ملكه أبوه بعض خراسان، فحشد، وأقبل، وحارب أخاه، وكان كفرسي رهان في الحزم والعزم والشجاعة والرأي.
حضر محمود غير مصاف، واستعان بالخطا، وافتتح مدنًا، وقد أسر أخوه تكش والدة محمود، وذبحها، واستولى على خزائن أبيه.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 297".
(2)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 297".
ولهم سير وأحوال.
وقيل: إن محمودًا طرد الغز عن مرو، وتملكها، ثم تحزبوا عليه، وكسروه، وقتلوا فرسانه، فاستنجد بالخطا، وأقبل بعسكر عظيم، وأخرج الغز عن سرخس، ونسا، ومرو، وأبيورد، وتملك ذلك.
ثم إنه كاتب غياث الدين الغوري، ليسلم إليه هراة، وبعث إليه الغياث يأمره أن يخطب له، فأبى، وشن الغارات، وظلم، وتمرد، فأقبل الغوري لحرب محمود، فتقهقر، وجمع، فتحزب له غياث الدين، وأخوه صاحب الهند شهاب الدين، ثم التقى الجمعان، فتفلل جمع محمود، وتحصن هو بمرو، فبادر أخوه تكش، وآذى محمودًا، وضايقه حتى كل، وخاطر، وسار إلى خدمة الغياث، فبالغ في احترامه، وأنزله معه، فبعث تكش إلى الغياث يأمره باعتقال أخيه، فأبى، فبعث يتوعده، فتهيأ الغياث لقصده. وأما محمود، فمات في سلخ رمضان سنة تسع وثمانين وخمس مائة، فأحسن الغياث إلى أجناد محمود، واستخدمهم.
5285 - أبو مدين:
شعيب بن حسين الأندلسي الزاهد، شيخ أهل المغرب، كان من أهل حصن منتوجت من عمل إشبيلية.
جال وساح، واستوطن بجاية مدةً، ثم تلمسان.
ذكره الأبار بلا تاريخ وفاة، وقال: كان من أهل العمل والاجتهاد، منقطع القرين في العبادة والنسك. قال: وتوفي بتلمسان في نحو التسعين وخمس مائة، وكان آخر كلامه: الله الحي، ثم فاضت نفسه.
قال محيي الدين ابن العربي: كان أبو مدين سلطان الوارثين، وكان جمال الحفاظ عبد الحق الأزدي قد آخاه ببجاية، فإذا دخل عليه، ويرى ما أيده الله به ظاهرًا وباطنًا، يجد في نفسه حالةً سنيةً لم يكن يجدها قبل حضور مجلس أبي مدين، فيقول عند ذلك: هذا وارث على الحقيقة.
قال محيي الدين: كان أبو مدين يقول: من علامات صدق المريد في بدايته انقطاعه عن الخلق، وفراره، ومن علامات صدق فراره عنهم وجوده للحق، ومن علامات صدق وجوده للحق رجوعه إلى الخلق، فأما قول أبي سليمان الداراني لو وصلوا ما رجعوا فليس بمناقض لقول أبي مدين، فإن أبا مدين عنى رجوعهم إلى إرشاد الخلق، والله أعلم.
5286 - ابن بنان
(1)
:
المولى الفاضل الأثير، ذو الرياستين، أبو الفضل محمد بن محمد بن أبي الطاهر محمد بن بنان الأنباري الأصل، المصري الكاتب، ولد القاضي الأجل أبي الفضل.
ولد بالقاهرة سنة سبع وخمس مائة.
وسمع من أبي صادق مرشد المديني، ووالده، وأبي البركات محمد ابن حمزة العرقي، والقاضي محمد بن هبة الله بن عرس.
وتلا على أبي العباس بن الحطيئة.
حدث عنه: الشريف محمد بن عبد الرحمن الحسيني الحلبي، والرشيد أبو الحسين العطار، وجماعة سواهما.
قال الدبيثي: قدم بغداد رسولًا من صاحب اليمن سيف الإسلام، فحدث بـ"السيرة" عن والده عن الحبال. وحدث بـ"صحاح الجوهري"، وكتبوا عنه من شعره.
وقال المنذري: سمع منه جماعة من رفقائنا، وكتب الكثير، وخطه في غاية الجودة. ولي ديوان النظر في الدولة المصرية، وتقلب في الخدم، وعاش تسعًا وثمانين سنةً.
قال الموفق عبد اللطيف: كان أسمر طوالًا رقيقًا، له أدب وترسل، وكان صاحب الديوان، والقاضي الفاضل، ممن يغشى بابه ويمتدحه، ويفخر بالوصول إليه، فلما جاءت الدولة الصلاحية، قال الفاضل: هذا رجل كبير القدر ينبغي أن يجري عليه ما يكفيه، ويجلس في بيته، ففعل ذلك، ثم توجه إلى اليمن، ووزر بها، وترسل إلى بغداد، فعظم وبجل، ولما صرت إلى مصر، وجدت ابن بنان في ضنك، وعليه دين ثقيل أدى أمره إلى أن حبسه الحاكم بالجامع، وكان ينتقص بالقاضي الفاضل، ويراه بالعين الأولى، فقصر الفاضل في حقه، وكان الدين لأعجمي، فصعد إليه إلى سطح الجامع، وسفه عليه، وقبض على لحيته وضربه، ففر، وألقى نفسه من السطح، فتهشم، فحمل إلى داره، ومات بعد أيام، فسير الفاضل لتجهيزه خمسة عشر دينارًا مع ولده، ثم إن الفاضل مات بعد ثلاثة أيام فجاءةً.
مات ابن بنان في ثالث ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمس مائة.
وكان فيها القحط بمصر والفناء، وخرب الإقليم، وجلا أهله، وأكلوا الميتة والآدميين، وهلكوا؛ لأن النيل كسر من ثلاثة عشر ذراعًا وأصابع، وقيل: ما كمل الثلاثة عشر فلله الأمر.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 327" ووقع عنده [بيان] بالمثناة التحتية بدل [بنان] بالموحدة الفوقية.
5287 - ابن حيدرة
(1)
:
الشريف، أبو المعمر محمد بن أبي المناقب حيدرة ابن الإمام عمر بن إبراهيم الزيدي، العلوي، الكوفي.
عاش تسعين سنةً.
وهو آخر من روى عن أبي الغنائم النرسي، وروى عن جده، وعن سعيد بن محمد الثقفي.
روى عنه: أحمد بن طارق، وابن خليل.
قال تميم البندنيجي: كان رافضيًا.
قلت: مات سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة.
وفيها مات ابن بوش، وصاحب اليمن سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، ومقرئ واسط ابن الباقلاني، والوزير جلال الدين عبيد الله بن يونس الأزجي، وقاضي القضاة أبو طالب علي بن علي بن أبي البركات هبة الله ابن البخاري الشافعي، والشيخ عمر الكميماتي الزاهد، ومحمد بن سيدهم الدمشقي ابن الهراس، وأبو الفتح ناصر بن محمد بن أبي الفتح الويرج القطان.
5288 - أبو طالب الكرخي
(2)
:
الإمام الأوحد، شيخ الشافعية، وصاحب الخط المنسوب، أبو طالب المبارك بن المبارك بن المبارك الكرخي، صاحب أبي الحسن ابن الخل، وهو المبارك بن أبي البركات.
ولد سنة نيف وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 143"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 315".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 110 - 111"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 284".
وسمع من: هبة الله بن الحصين، وقاضي المارستان.
حدث عنه: أحمد بن أحمد البندنيجي، وغيره.
كان ذا جاه وحشمة لكونه أدب أولاد الناصر لدين الله.
قال ابن النجار: شهد عند قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي في سنة ثلاثين وخمس مائة، ثم درس بمدرسة شيخه ابن الخل بعده، ثم ولي النظامية في سنة إحدى وثمانين. وكان إمام وقته في العلم والدين والزهد والورع، لازم ابن الخل حتى برع في المذهب والخلاف .... ، إلى أن قال: وكان من الورع والزهد والعفة والنزاهة والسمت على طريقة اشتهر بها، وكان أكتب أهل زمانه لطريقة ابن البواب، وعليه كتب الظاهر بأمر الله.
قال: وكان ضنينًا بخطه، حتى إنه كان إذا شهد، وكتب في فتيا، كسر القلم، وكتب به خطًا رديًا.
قلت: درس، وأفتى، ودرس بالنظامية بعد أبي الخير القزويني.
وروى عنه أبو بكر الحازمي.
وعاش نيفًا وثمانين سنةً.
قال الموفق عبد اللطيف بن يوسف: كان رب علم وعمل وعفاف ونسك، وكان ناعم العيش، يقوم على نفسه وبدنه قيامًا حكيمًا، رأيته يلقي الدرس، فسمعت منه فصاحةً رائعةً، ونغمةً رائقة، فقلت: ما أفصح هذا الرجل! فقال شيخنا ابن عبيدة النحوي: كان أبوه عوادًا، وكان هو معي في المكتب، فضرب بالعود، وأجاد، وحذق حتى شهدوا له أنه في طبقة معبد، ثم أنف، واشتغل بالخط إلى أن شهد له أنه أكتب من ابن البواب، ولا سيما في الطومار والثلث، ثم أنف منه، واشتغل بالفقه، فصار كما ترى، وعلم ولدي الناصر لدين الله، وأصلحا مداسه.
قال ابن النجار: توفي في ثامن ذي القعدة سنة خمس وثمانين وخمس مائة، وكان قد خرج في عصر هذا اليوم للصلاة بالجماعة بالرباط، فلما توجه للصلاة، عرضت له سعلة، وتتابعت، فسقط، وحمل إلى منزله، فمات في وقته، وحضره خلق كثير، رحمة الله عليه.
5289 - القاضي الفاضل
(1)
:
هو العلامة، صاحب الطريقة، أبو طالب محمود بن علي بن أبي طالب التميمي، الأصبهاني الشافعي، تلميذ محيي الدين محمد بن يحيى الشهيد.
له تعليقة في الخلاف باهرة جدًا، وكان عجبًا في إلقاء الدروس.
تخرج به أئمة، وكان آيةً في الوعظ، صاحب فنون.
أرخ ابن خلكان موته في شوال سنة خمس وثمانين وخمس مائة.
5290 - ابن أبي حبة
(2)
:
الشيخ الكبير، أبو ياسر عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي ياسر عبد الوهاب بن علي بن أبي حبة البغدادي، الطحان، راوي المسند بحران.
سمع: هبة الله بن الحصين، وأبا غالب ابن البناء، وأبا الحسين محمد ابن القاضي أبي يعلى، وهبة الله ابن الطبر، وزاهر بن طاهر، ومحمد بن الحسين المزرفي، وعدةً.
وكان فقيرًا، قانعًا، متعففًا.
حدث عنه: البهاء عبد الرحمن، وعبد العزيز بن صديق، وأحمد بن سلامة النجا، وأهل حران.
قال ابن النجار: كان لا بأس به، صبورًا على فقره.
وقال ابن الدبيبثي: كان فقيرًا، صبورًا، صحيح السماع.
ولد سنة ست عشرة وخمس مائة، وأدركه الأجل بحران في الحادي والعشرين من ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وخمس مائة.
وفيها مات: أبو العباس أحمد بن الحسين العراقي الحنبلي المقرئ، أحد الأئمة بدمشق، وإسماعيل الجنزوي الشروطي، ومفتي واسط أبو علي الحسن ابن الإمام أبي جعفر هبة الله ابن البوقي الشافعي، والمحدث الصالح أبو عبد الله الحسين بن يوحن اليماني عن نيف وثمانين سنة، والوزير المنشئ موفق الدين خالد بن محمد بن نصر ابن القيسراني الحلبي بها، والمسند أبو منصور طاهر بن مكارم الموصلي المؤدب راوي "مسند المعافى"، والشيخ أبو جعفر عبيد الله بن أحمد ابن السمين، والأمير الكبير سيف الدين علي بن أحمد ابن الملك أبي الهيجا الهكاري، المشطوب، وقاسم بن إبراهيم المقدسي بمصر، وأبو محمد فارس بن أبي القاسم بن فارس الحفار الحربي، عن بضع وتسعين سنةً، وصاحب الروم عز الدين قليج أرسلان بن مسعود السلجوقي، والنسابة أبو علي محمد بن أسعد الجواني الشريف بمصر، وآخرون.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 712"، وشذرات الذهب "4/ 284".
(2)
ترجمته في شذرات الذهب "4/ 293".
5291 - رجب:
ابن مذكور بن أرنب، الشيخ الأمي أبو الحرم الأزجي الأكاف.
شيخ، صحيح السماع، عالي الرواية، عري من الفضيلة.
سمع: أبا العز بن كادش، وقراتكين بن أسعد، وهبة الله بن الحصين، وأبا غالب ابن البناء، وعلي بن الموحد وعدةً، وتفرد بأجزاء.
سمع منه: عمر بن علي القرشي، ومات قبله بمدة.
وروى عنه: سالم بن صصرى، والبهاء عبد الرحمن، وابن الدبيثي، وابن خليل، وآخرون.
قال ابن النجار: لا بأس به، وهو أخو ثعلب.
مات في رمضان سنة تسع وثمانين وخمس مائة.
وفيها مات: سلطان الوقت صلاح الدين، والشيخ سنان صاحب حصون الإسماعيلية، وطغدي بن ختلغ الأميري المقرئ، وأبو منصور بن عبد السلام، وأبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن كوثر المحاربي الغرناطي، وصاحب الموصل عز الدين مسعود الأتابكي، والمكرم بن هبة الله بن مكرم الصوفي.
5292 - والد كريمة
(1)
:
العدل أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن خضر الأسدي، الزبيري، الدمشقي، الشروطي، ويعرف بالحبقبق، وهو أخو الحافظ أبي المحاسن عمر بن علي القرشي، وأبو الشيختين كريمة وصفية.
مولده سنة خمس عشرة.
وسمع من: جمال الإسلام علي بن المسلم، وياقوت الرومي، ونصر بن محمد المصيصي، وطائفة.
روى عنه: أخوه، وولداه علي وكريمة، وأبو المواهب بن صصرى، وأبو الحجاج بن خليل.
مات في ثالث صفر سنة تسعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب "4/ 301".
5293 - قاضي خان
(1)
:
هو العلامة شيخ الحنفية، أبو المحاسن حسن بن منصور بن محمود البخاري الحنفي، الأوزجندي، صاحب التصانيف.
سمع الكثير من الإمام ظهير الدين الحسن بن علي بن عبد العزيز. ومن إبراهيم بن عثمان الصفاري وطائفة.
وأملى مجالس كثيرةً رأيتها.
روى عنه: العلامة جمال الدين محمود بن أحمد الحصيري، أحد تلامذته.
بقي إلى سنة تسع وثمانين وخمس مائة، فإنه أملى في هذا العام.
5294 - المرغيناني
العلامة، عالم ما وراء النهر، برهان الدين، أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني الحنفي، صاحب كتابي "الهداية" و"البداية" في المذهب.
كان في هذا الحين، لم تبلغنا أخباره، وكان من أوعية العلم رحمه الله.
5295 - الجويني
(2)
:
الكاتب المجود الأوحد، أبو علي حسن بن علي الجويني، الأديب الشاعر، ويعرف: بابن اللعيبة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب "4/ 308".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 180".
قال العماد: هو من أهل بغداد، له الخط الرائق، والفضل الفائق، واللفظ الشائق، والمعنى اللائق، له فصاحة ولسن، وخط كاسمه حسن، من ندماء الأتابك زنكي، ثم ابنه، ثم سافر إلى مصر، وليس بها من يكتب مثله.
قلت: مدح صلاح الدين والفاضل.
قال العماد: حدثني سعد الكاتب بمصر، قال: كان الجويني صديقي، وكان يشرب الخمر، فحدثني أنه كان يكتب مصحفًا، وبين يديه مجمرة وقنينة خمر، ولم يكن بقربي ما أندي به الدواة، فصببت من القنينة في الدواة، وكتبت وجهةً، ونشفتها على المجمرة، فصعدت شرارة أحرقت الخط دون بقية الورقة، فرعبت، وقمت، وغسلت الدواة والأقلام، وتبت إلى الله.
مات سنة ست وثمانين وخمس مائة.
5296 - الجنزوي
(1)
:
الشيخ الفاضل، المحدث، الفرضي، الشروطي، العدل، أبو الفضل إسماعيل بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم الجنزوي الأصل، الدمشقي، الكاتب، ويقال فيه: الجنزي والكنجي.
مولده في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين، فهو أسن من الحافظ ابن عساكر بسنة.
تفقه على جمال الإسلام، وأبي الفتح المصيصي.
وسمع من الأمين هبة الله ابن الأكفاني، وعبد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل، ويحيى بن بطريق، وطبقتهم.
واعتنى بالرواية، وكتب، ورحل، فسمع بغداد من أبي البركات هبة الله ابن البخاري، وأبي الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني، والحافظ أبي محمد ابن السمرقندي، والحسن بن إسحاق الباقرحي، وهبة الله بن الطبر، وعدة.
روى عنه: أبو المواهب بن صصرى، والقاسم بن عساكر، وابن الأخضر، وعبد القادر الرهاوي، وابن خليل، والشيخ الضياء، والبهاء عبد الرحمن، والتاج القرطبي، وعبد الله ابن الخشوعي، وإبراهيم بن خليل، والعماد بن عبد الهادي، وابن عبد الدائم، وخلق.
وجنزة من مدن أران، وهو إقليم صغير، بين أذربيجان وأرمينية.
كان من كبار الشهود والمحدثين.
مات في سلخ جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وخمس مائة، وله تسعون عامًا وشهران. رحمه الله.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 119"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 293" ووقع عنده [الخبزوي] بدل [الجنزوي].
5297 - ابن عبد السلام:
الشيخ الجليل المعمر، المسند، أبو منصور، عبد الله بن محمد بن أبي الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام البغدادي الكاتب.
من بيت الرواية والكتابة.
ولد في ربيع الآخر -أو جمادى الأولى- سنة ست وخمس مائة.
وسمع من: أبي القاسم بن بيان، ومن أبي علي بن نبهان -وهو في الخامسة- ومحمد بن عبد الباقي الدوري، وأبي طالب بن يوسف، وجعفر بن المحسن السلماسي، وجده، وطائفة.
حدث عنه: الشيخ موفق الدين المقدسي، ويوسف بن خليل، والجلال عبد الله بن الحسن قاضي دمياط، وعلي بن عبد اللطيف ابن الخيمي، ومحمد بن نفيس الزعيمي، وأحمد بن شكر الكندي، وعدة.
قال أبو محمد بن الأخضر: سمعت منه، ومن أبيه، وجده.
قلت: مات في تاسع ربيع الأول سنة تسع وثمانين وخمس مائة.
روى عنه ابن خليل جزء ابن عرفة. وهو والد مسند وقته الفتح بن عبد السلام.
وقال فيه الحافظ ابن النجار: كان شيخًا نبيلًا، وقورًا، من ذوي الهيئات وأولاد الرؤساء والمحدثين. حدث بالكثير. وسمعت محمد بن النفيس بن منجب يقول: كان ثقةً يتشيع.
5298 - صاحب الموصل
(1)
:
الملك عز الدين أبو المظفر مسعود ابن الملك مودود بن الأتابك زنكي بن آقسنقر، الأتابكي، التركي، الذي عمل المصاف مع صلاح الدين على قرون حماة، فانكسر مسعود سنة سبعين، ثم ورث حلب، أوصى له بها ابن عمه الصالح إسماعيل، فساق، وطلع إلى القلعة، وتزوج بوالدة الصالح، فحاربه صلاح الدين، وحاصر الموصل ثلاث مرات، وجرت أمور، ثم تصالحا، وكان موتهما متقاربًا.
تعلل مسعود، وبقي عشرة أيام لا يتكلم إلَّا بالشهادة والتلاوة، وإن تكلم بشيء، استغفر، وختم له بخير. وكان يزور الصالحين، وفيه حلم وحياء ودين وقيام ليل، وفيه عدل.
مات في شعبان سنة تسع وثمانين وخمس مائة.
قال ابن خلكان في ترجمة صاحب الموصل عز الدين مسعود بن مودود: لما سار السلطان صلاحا لدين من مصر، وأخذ دمشق بعد موت نور الدين، خاف منه صاحب الموصل غازي، فجهز أخاه مسعودًا هذا ليرد صلاح الدين عن البلاد، فترحل صلاح الدين عن حلب في رجب سنة سبعين، وأخذ حمص، فانضم الحلبيون مع مسعود، وعرف بذلك صلاح الدين، فسار، فوافاهم على قرون حماة، فتراسلوا في الصلح، فأبى مسعود، وظن أنه يهزم صلاح الدين، فالتقوا، فانكسر مسعود، وأسر عدة من أمرائه في رمضان، وأطلقوا، وعاد صلاح الدين، فنزل على حلب، فصالح ابن نور الدين على بذل المعرة وكفرطاب وبارين، فترحل، ثم تسلطن بالموصل مسعود، فلما احتضر ولد نور الدين، أوصى بحلب لمسعود ابن عمه، واستخلف له الأمر، فبادر إليها مسعود، فدخلها في شعبان سنة (77)، وتمكن، وتزوج بأم الصالح، وأقام بها نحو شهرين، ثم خاف من صلاح الدين، وألح عليه الأمراء بطلب إقطاعات، ففارق حلب، واستناب عليها مظفر الدين ابن صاحب إربل، ثم اجتمع بأخيه زنكي، فقايضه عن حلب بسنجار، وتحالفا، وقدم زنكي، فتملك حلب في المحرم سنة (78)، ورد صلاح الدين إلى مصر، فبلغته الأمور، فكر راجعًا، وبلغه أن مسعودًا راسل الفرنج يحثهم على حرب صلاح الدين، فغضب وسار، فنازل حلب في جمادى الأولى سنة ثمان، ثم ترحل بعد ثلاث، فانحاز إليه مظفر الدين ابن صاحب إربل، وقوى عزمه على قصد ممالك الجزيرة، فعدى الفرات، وأخذ الرقة، والرها، ونصيبين، وسروج، ثم نازل الموصل في
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 721"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 297 - 298".
رجب، فرآها منيعةً، فنزل على سنجار أيامًا، وافتتحها، فأعطاها لتقي الدين عمر صاحب حماة، ثم نازل الموصل في سنة إحدى وثمانين، فنزلت إليه أم مسعود في نسوة، فما أجابهن، ثم ندم، وبذلت المواصلة نفوسهم في القتال ليالي، فأتاه موت صاحب خلاط شاه أرمن، وتملك مملوكه بكتمر، فلان بكتمر أن يملك صلاح الدين خلاط، ويكون من دولته، وترددت الرسل، وأقبل بهلوان صاحب أذربيجان ليأخذ خلاط، فراوغ بكتمر الملكين، ونزل صلاح الدين على ميافارقين، فجد في حصارها إلى أن فتحها، وأخذها من قطب الدين الأرتقي، وكر إلى الموصل، فتمرض مدةً، ورق، وصالح أهل الموصل، وحلف لهم، وتمكن حينئذ مسعود، واطمأن، إلى أن مات بعد صلاح الدين بأشهر بعلة الإسهال، ودفن بمدرسته الكبرى، وتملك بعده ابنه نور الدين مدةً، ثم مات عن ابنين: القاهر مسعود، والمنصور زنكي.
5299 - الشيرازي
(1)
:
الشيخ الإمام، المحدث، الحافظ، الرحال، أبو يعقوب يوسف بن أحمد بن إبراهيم، الشيرازي، ثم البغدادي، الصوفي، صاحب "الأربعين البلدية".
ولد سنة تسع وعشرين وخمس مائة ببغداد.
فسمعه أبوه من أبي القاسم ابن السمرقندي، ويحيى بن علي الطراح، وأبي الحسن بن عبد السلام، وأبي سعد بن البغدادي الحافظ.
ثم طلب بنفسه، فسمع من عبد الملك الكروخي، وابن ناصر، وبالكوفة من أبي الحسن بن غبرة، وبكرمان من أبي الوقت السجزي، وبالبصرة من عبد الله بن سليخ، وبواسط من أحمد بن بختيار المندائي، وبهراة من المعمر عبد الجليل بن أبي سعد، وبنيسابور من محمد بن علي الطوسي، وببلخ من أبي شجاع البسطامي، وبأصبهان من إسماعيل الحمامي، وبهمذان من نصر البرمكي، وبدمشق من أبي المكارم بن هلال.
وكان ذا رحلة واسعة، ومعرفة جيدة، وصدق وإتقان.
وثقه ابن الدبيثي.
وكتب عنه أبو المواهب بن صصرى.
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1103"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 111"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 284".
وكان حلو المحاضرة، ظريفًا، دمث الأخلاق.
توصل وساد وذهب رسولًا عن ديوان العزيز إلى الملوك، وكثر ماله، وروى شيئًا يسيرًا.
توفي في شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمس مائة.
وقد أجاد تأليف "الأربعين"، وهي في مجلد.
أخبرنا أبو اليمن في كتابه، أخبرنا محمد بن أبي جعفر، أخبرنا يوسف بن أحمد بمكة، أخبرنا إسماعيل بن أحمد، أخبرنا أحمد بن محمد، حدثنا ابن حبابة، حدثنا البغوي، حدثنا هدبة، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلًا قد صار مثل الفرخ .. الحديث
(1)
.
(1)
صحيح: أخرجه مسلم "2688"، والترمذي "3487" من طريق حميد، عن ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟ قال: نعم. كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله لي في الدنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سبحان الله لا تطيقه -أولا تستطيعه- أفلا قلت: اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"؟ قال: فدعا الله له فشفاه". واللفظ لمسلم.
5300 - ابن الفخار
(1)
:
الشيخ الإمام، الحافظ البارع، المجود، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن خلف، الأندلسي، المالقي، ابن الفخار.
ولد سنة إحدى عشرة وخمس مائة.
سمع شريح بن محمد الرعيني، وأبا جعفر البطروجي، والقاضي أبا بكر ابن العربي، وأبا مروان بن مسرة، ومحمد بن محمد بن عبد الرحمان القرشي، وطبقتهم.
قال أبو عبد الله الأبار: كان صدرًا في الحفاظ، مقدمًا، معروفًا بسرد المتون والأسانيد، مع معرفة بالرجال وحفظ للغريب. سمع منه جلة، وحدثني عنه أئمة. سمعت أبا سليمان بن حوط الله يذكر عن ابن الفخار أنه حفظ في شبيبته "سنن أبي داود"، فأما في مدة لقائي إياه، فكان يذكر "صحيح مسلم". وكان موصوفًا بالورع والفضل، مسلمًا له في جلالة القدر، ومتانة العدالة، طلب إلى حضرة السلطان بمراكش ليسمع عليه بها، فتوفي هناك في شعبان سنة تسعين وخمس مائة.
قال أبو الربيع بن سالم: ومن شيوخي ابن الفخار، مسلم له في جلالة القدر، ومتانة الأمانة والعدالة، اختص بابن العربي، وأكثر عنه، لقيته برباط الفتح، قرأت عليه وعلى ابن حبيش، وابن عبيد الله، قالوا: أخبرنا ابن العربي، أخبرنا طراد، فذكر حديثًا.
وفيها مات الشاطبي، وأبو الخير القزويني، وأبو المظفر عبد الخالق بن فيروز الجوهري، ووالد كريمة، ومحمد بن عبد الملك بن بونه أخو عبد الحق.
وله إجازة من ابن سكرة.
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1102"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 303".
5301 - ابن بوش
(1)
:
الشيخ المعمر، الرحلة، أبو القاسم يحيى بن أسعد بن يحيى بن محمد بن بوش، البغدادي الأزجي الخباز.
سمع بإفادة خاله من أبي طالب بن يوسف، وأبي الغنائم محمد بن محمد، والحسن بن محمد الباقرحي، وأبي سعد بن الطيوري، وأبي غالب عبيد الله بن عبد الملك الشهرزوري، وأبي البركات هبة الله ابن البخاري، وأبي نصر أحمد بن هبة الله ابن النرسي، وأبي العز بن كادش، وعلي بن عبد الواحد الدينوري، وهبة الله بن الحصين، وأبي عبيد الله البارع، وعدة.
وأجاز له أبو القاسم بن بيان، وأبو علي الحداد، وأبو الغنائم النرسي، وجماعة.
قال ابن الدبيثي: كان سماعه صحيحًا، وبورك في عمره، وأحتيج إليه، وحدث أربعين سنةً، ولم يكن عنده علم.
قلت: من سماعه المسند كله على ابن الحصين.
حدث عنه: الشيخ موفق الدين، والبهاء عبد الرحمن، والتقي بن باسويه، ومحمد بن عبد العزيز الصواف، ومحمد بن عبد القادر البندنيجي، وتميم بن منصور الرصافي، وجعفر بن ثناء ابن القرطبان، وداود بن شجاع، وعلي بن فائزة، وعلي بن الأخضر، وفضل الله الجيلي، وعلي بن معالي الرصافي، ومحيي الدين ابن الجوزي، وابن خليل، واليلداني، وابن المهير الحراني، وعدة.
وأجاز لشيخنا أحمد بن أبي الخير. وكان يعطى على الرواية لفقره في بعض الوقت.
مات في ثالث ذي القعدة فجاءةً، غص بلقمة، سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة، وله بضع وثمانون سنةً.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 143"، وشذرات الذهب "4/ 315".
5302 - الطرسوسي
(1)
:
الشيخ الجليل، مسند أصبهان، أبو جعفر محمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي الفتح، الطرسوسي، ثم الأصبهاني، الحنبلي، الفقيه.
ولد سنة اثنتين وخمس مائة، في صفرها.
وسمع من: أبي علي الحداد، ومحمد بن طاهر، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، ومحمود بن إسماعيل الأشقر، وأبي نهشل عبد الصمد العنبري.
حدث عنه: أبو موسى عبد الله بن عبد الغني، ويوسف بن خليل، وطائفة.
وأجاز لأحمد بن أبي الخير.
مات في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وخمس مائة.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن محمد بن إسماعيل، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أبو زرعة، حدثنا يحيى بن صالح، حدثنا معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو قال:"كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي بالصلاة جامعة"
(2)
.
أخرجه البخاري عن ابن راهويه عن يحيى به.
5303 - الكاغدي
(3)
:
القاضي الإمام المعمر، الخطيب، أبو الفضائل، عبد الرحيم بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد، الأصبهاني، الكاغدي، المعدل.
ولد في سنة إحدى وخمس مائة.
سمع أبا علي الحداد، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وإسماعيل الإخشيذ، وفاطمة الجوزدانية.
حدث عنه: يوسف بن خليل، وهو أحد العشرة الذين أدركهم من أصحاب الحداد.
أجاز لشيخنا أحمد بن سلامة.
وتوفي في ذي القعدة سنة أربع وتسعين.
وفيها مات أبو طاهر علي بن سعيد بن فاذشاه بأصبهان، وهو أحد العشرة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 154"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 320 - 321".
(2)
صحيح: أخرجه البخاري "1045"، ومسلم "910".
(3)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 317".
5304 - ابن الباقلاني
(1)
:
الشيخ الإمام، المقرئ البارع، مسند القراء، أبو بكر عبد الله بن منصور بن عمران بن ربيعة، الربعي، الواسطي، ابن الباقلاني.
ولد في أول سنة خمس مائة.
وتلا بالعشر على أبي العز القلانسي، وعلي بن علي بن شيران، وسبط الخياط.
وسمع من خميس الحوزي، وأبي عبد الله البارع، وهبة الله بن الحصين، وأبي العز بن كادش، وأبي علي الفارقي، وأبي بكر المزرفي، وأبي الكرم نصر الله بن الجلخت، وجماعة.
روى عنه: السمعاني، وابن عساكر أناشيد، وكان شاعرًا محسنًا.
وحدث عنه، وتلا عليه بالعشر: التقي ابن باسويه، والمرجى بن شقيرة، وأبو عبد الله بن الدبيثي، والحسين بن أبي الحسن بن ثابت الطيبي، والإمام أبو الفرج ابن الجوزي، وولده محيي الدين يوسف، والشريف الداعي، وقصد من الآفاق لعلو الإسناد.
قال الدبيثي: انفرد بالعشرة عن أبي العز، وادعى رواية شيء من الشواذ، فتكلم الناس فيه، ووقفوا في ذلك، وكان عارفًا بوجوه القراءات. وسمعت عبد المحسن بن أبي العميد الصوفي يقول: رأيت في المنام بعد وفاة ابن الباقلاني كأن من يقول لي: صلى عليه سبعون وليًا لله.
وقال ابن نقطة: حدث بسنن أبي داود عن الفارقي، وسماعه منه سنة ثماني عشرة.
وقال المحدث محمد بن أحمد بن الحسن الواسطي: قرأ ابن الباقلاني على أبي العز بالإرشاد وما سوى ذلك، فإنه كان يزوره.
توفي ابن الباقلاني في سلخ ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 142"، وشذرات الذهب "4/ 314".
5305 - النوقاني:
العلامة المفتي، أبو المفاخر، محمد بن أبي علي بن أبي نصر، النوقاني، الشافعي.
تفقه بمحمد بن يحيى، وبرع في المذهب والخلاف، ثم سكن بغداد، وأخذوا عنه طريقته، ثم درس بمدرسة أم الخليفة الناصر، وله معرفة تامة بالتفسير.
تخرج به أئمة، وكان ذا صلاح وصيانة وملازمة للعلم مع سخاء ومروءة وبذل وقناعة.
حدث "بالأربعين" التي لابن يحيى، وكان شيخًا مهيبًا.
روى عنه: عبد الرحمن بن عمر الغزال، وغيره.
قال ابن النجار: سمعت الفقيه نصر بن عبد الرزاق غير مرة يثني على النوقاني ثناءً كثيرًا، ويصف خلقه وبذله لتلامذته، وغزارة علمه وسعة فهمه.
قال ابن النجار: وسمعت الفقيه محمد بن أبي بكر بن الدباس يثني على النوقاني، ويقول: كان وليًا لله.
مولده سنة ست عشرة وخمس مائة بنوقان.
وتوفي قافلًا من حجه بالكوفة في صفر سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة.
5306 - ذاكر بن كامل:
ابن أبي غالب محمد بن حسين، الشيخ المعمر، المسند، أبو القاسم البغدادي الخفاف.
سمعه أخوه المبارك الحافظ من الحسن محمد بن إسحاق الباقرحي، وأبي علي ابن المهدي، والمعمر بن محمد البيع، وأبي سعد ابن الطيوري، وعبد الله ابن السمرقندي، وأبي طالب بن يوسف، وأبي العز القلانسي، ومحمد بن عبد الباقي الدوري، وعدة.
وأجاز له أبو القاسم بن بيان، وعبد الغفار الشيرويي، وأبو الغنائم النرسي، وأبو علي الحداد، وأبو طاهر الحنائي الدمشقي، وأبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب، وعدة.
وروى الكثير، وتفرد، وكان صالحًا خيرًا، قليل الكلام، ذاكرًا الله، يسرد الصوم، ويتقوت من عمله، وكان أميًا لا يكتب.
حدث عنه: سالم بن صصرى، وأبو عبد الله الدبيثي، وابن خليل، ومحمد بن عبد الجليل، وعلي بن معالي الرصافي، وعدة.
وقد سمع منه معمر بن الفاخر، وأبو سعد السمعاني، لمكان اسمه.
وآخر من روى عنه بالإجازة مسند بغداد محمد بن الدينة.
توفي في سادس رجب سنة إحدى وتسعين وخمس مائة.
وفيها مات أبو العباس أحمد بن أبي منصور بن الزبرقان الأصبهاني في عشر المائة، وشيخ القراء شجاع بن محمد بن سيدهم المدلجي بمصر، ومقرئ بغداد أبو جعفر عبد الله بن أحمد بن جعفر الواسطي، وأبو محمد عبيد الله الحجري، وأبو المحاسن محمد بن الحسن الأصفهبذ بأصبهان، وأبو الحسن نجبة بن يحيى الرعيني المقرئ، وأبو منصور يحيى بن علي ابن الخراز الحريمي من شيوخ ابن خليل، سمع أبا علي ابن المهدي.
5307 - الحجري
(1)
:
الشيخ الإمام، العلامة المعمر، المقرئ المجود، المحدث الحافظ، الحجة، شيخ الإسلام، أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله بن سعيد بن محمد بن ذي النون، الرعيني، الحجري، الأندلسي، المريي، المالكي، الزاهد، نزيل سبتة.
ولد سنة خمس وخمس مائة.
وسمع "صحيح مسلم" من أبي عبد الله بن زغيبة، وسمع من أبي القاسم بن ورد، وأبي الحسن بن موهب، و [لقي] أبا الحسن بن مغيث -لقيه بقرطبة- وأبا القاسم بن بقي، وأبا عبد الله بن مكي، وأبا جعفر البطروجي -سمع منه "سنن النسائي" عاليًا- وأبا بكر ابن العربي، وأبا الحسن شريحًا، وتلا عليه بالسبع، وقرأ عليه "صحيح البخاري" سنة أربع وثلاثين، وعني بالحديث، وتقدم فيه.
قال الأبار: كان غايةً في الورع والصلاح والعدالة. ولي خطابة المرية، ودعي إلى القضاء، فأبى، ولما تغلب العدو، نزح إلى مرسية، وضاقت حاله، فتحول إلى فاس، ثم إلى
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1111"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 307".
سبتة، فتصدر بها، وبعد صيته، ورحل إليه الناس، وطلب إلى السلطان بمراكش ليأخذ عنه، فبقي بها مدةً، ورجع، حدثنا عنه عالم من الجلة، سمعت أبا الربيع بن سالم يقول: صادف وقت وفاته قحط، فلما وضعت جنازته، توسلوا به إلى الله، فسقوا، وما اختلف الناس إلى قبره مدة الأسبوع إلَّا في الوحل.
قال: وهو رأس الصالحين، ورسيس الأثبات الصادقين، حالف عمره الورع، وسمع من العلم الكثير، وأسمع، وكان ابن حبيش شيخنا كثيرًا ما يقول: لم تخرج المرية أفضل منه، وكان زمانًا يخبر أنه يموت في المحرم لرؤيا رآها، فكان كل سنة يتهيأ، قرأت عليه "صحيح مسلم" في ستة أيام وكتبًا، ثم سماها.
قلت: تلا بالسبع أيضًا على يحيى بن الخلوف، وأبي جعفر بن الباذش.
تلا عليه أبو الحسن علي بن محمد الشاري، وأكثر عنه.
وقال ابن فرتون: ظهرت لأبي محمد بن عبيد الله كرامات، حدثنا شيخنا الراوية محمد بن الحسن بن غاز، عن بنت عمه -وكانت صالحةً، وكانت استحيضت مدةً- قالت: حدثت بموت ابن عبيد الله، فشق علي أن لا أشهده، فقلت: اللهم إن كان وليًا من أوليائك، فأمسك عني الدم حتى أصلي عليه، فانقطع عني لوقته، ثم لم أره بعد.
قلت: وحدث عنه: ابن غازي المذكور، وأبو عمرو محمد بن محمد بن عيشون، ومحمد بن أحمد اليتيم الأندرشي، ومحمد بن محمد اليحصبي، ومحمد بن عبد الله بن الصفار القرطبي، وشرف الدين محمد بن عبيد الله المرسي، وأبو الخطاب بن دحية، وأخوه أبو عمرو، وأبو بكر محمد بن أحمد بن محرز الزهري، وعبد الرحمن بن القاسم السراج، وأبو الحسن علي بن الفخار الشريشي، وأبو الحسن علي بن فطرال، وأبو الحجاج يوسف بن محمد الأزدي، وإبراهيم بن عامر الطوسي -بفتح الطاء- ومحمد بن إبراهيم بن الجرج، ومحمد بن عبد الله الأزدي الذي بقي إلى سنة ستين وست مائة.
أخبرني عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أخبرنا محمد بن إبراهيم الأنصاري، أخبرنا الحافظ عبد الله بن محمد الحجري، أخبرنا أحمد بن محمد بن بقي، وأحمد بن عبد الرحمن البطروجي، قالا: حدثنا محمد بن الفرج الفقيه، حدثنا يونس بن عبد الله القاضي، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله، أخبرنا عم أبي عبيد الله بن يحيى بن يحيى، أخبرنا أبي، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله"
(1)
.
مات ابن عبيد الله في المحرم -وقيل: في أول صفر- سنة إحدى وتسعين وخمس مائة، وكانت جنازته مشهودةً بسبتة.
وقيل: بل ولد في سنة ثلاث وخمس مائة.
قال طلحة بن محمد: ثلاثة من أعلام المغرب في هذا الشأن: ابن بشكوال، وأبو بكر بن خير، وابن عبيد الله.
وقال ابن سالم: إذا ذكر الصالحون، فحي هلا بابن عبيد الله.
وقال ابن رشيد: كان يجمع إلى الزهد والحفظ المشاركة في أنواع من العلم رحمه الله.
وقال ابن رشيد: وقيل: مكث أربعين سنةً لا يحضر الجمعة لعذر به، ثم أنكر ابن رشيد هذا، وقال: لم ينقطع هذه المدة كلها عن الجمعة.
قلت: كأنه انقطع بعض ذلك لكبره وسنه، وكان أهل سبتة يتغالون فيه، ويتبركون برؤيته، رحمه الله.
(1)
صحيح على شرط الشيخين: أخرجه مالك "1/ 11 - 12"، وعبد الرزاق "2075"، وابن أبي شيبة "1/ 342"، وأحمد "2/ 13 و 27 و 48 و 54 و 64 و 75 و 76 و 102 و 124"، والبخاري "552"، ومسلم "626"، وأبو داود "414"، والترمذي "175"، والنسائي "1/ 255"، والدارمي "1/ 280"، والبيهقي "1/ 444"، والبغوي "370" و"371"، من طرق عن نافع، عن ابن عمر، به.
5308 - المجير
(1)
:
الشيخ الإمام العلامة، الأصولي، كبير الشافعية، مجير الدين أبو القاسم محمود بن المبارك بن علي بن المبارك، الواسطي، ثم البغدادي.
تفقه على أبي منصور الرزاز، وغيره.
وأخذ الكلام عن أبي الفتوح محمد بن الفضل الإسفراييني، وعبد السيد الزيتوني. وبرع، وتقدم، وفاق الأقران، وكان يضرب بذكائه المثل.
ولد سنة" (517) ".
وسمع من ابن الحصين، والقاضي أبي بكر وجماعة.
وقدم دمشق، فدرس، وناظر، وتخرج به الأصحاب، ثم سار إلى شيراز، فدرس بها، وبعسكر مكرم، وواسط، ثم درس بالنظامية ببغداد، وخلع عليه بطرحة، ثم بعث رسولًا إلى همذان، فأدركه الأجل.
قال ابن الدبيثي: برع في الفقه حتى صار أوحد زمانه، وتفرد بمعرفة الأصول، قرأت عليه، وما رأيت أجمع لفنون العلم منه، مع حسن العبارة. نفذ رسولًا إلى خوارزمشاه، فمات في طريقه بهمذان في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة.
قلت: حدث عنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، وروى ابن النجار عن ابن خليل عنه.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان طوالًا، ذكيًا، دقيق الفهم، غواصًا على المعاني، يشتغل سرًا بالمنطق وفنون الحكمة على أبي البركات صاحب المعتبر، وكان بين المجير وبين ابن فضلان مناظرة كمحاربة، وكان المجير يقطعه كثيرًا. وله بنيت بدمشق الجاروخية.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 140"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 311".
5309 - ابن فضلان
(1)
:
شيخ الشافعية، أبو القاسم يحيى الواثق بن علي بن الفضل بن هبة الله بن بركة، البغدادي.
قال له ابن هبيرة: لا يحسن أن تكتب بخطك إلى الخليفة: الواثق، لأنه لقب خليفة. قال: فكتبت يحيى.
مولده سنة سبع عشرة وخمس مائة.
سمع أبا غالب ابن البناء، وإسماعيل بن السمرقندي، ومن أبي الفضل الأرموي.
روى عنه: ابن خليل في "معجمه"، فسماه واثقًا، وابن الدبيثي، وجماعة.
وكان بارعًا في الخلاف والنظر، بصيرًا بالقواعد، ذكيًا، يقظًا، لبيبًا، عذب العبارة، وجيهًا، معظمًا، كثير التلامذة، ارتحل إلى ابن يحيى صاحب الغزالي مرتين، ووقع في السفر، فانكسر ذراعه، وصارت كفخذه، ثم أدته الضرورة إلى قطعها من المرفق، وعمل محضرًا بأنها لم تقطع في ريبة. فلما ناظر المجير مرةً، وكان كثيرًا ما ينقطع في يد المجير، فقال: يسافر أحدهم في قطع الطريق، ويدعي أنه كان يشتغل، فأخرج ابن فضلان المحضر، وأخذ يشنع على المجير بالفلسفة.
وكان ابن فضلان ظريف المناظرة، ذا نغمات موزونة، يشير بيده بوزن مطرب أنيق، يقف على أواخر الكلم خوفًا من اللحن. قاله الموفق عبد اللطيف، ثم قال: وكان يداعبني كثيرًا، ثم رمي بالفالج في أواخر عمره رحمه الله.
قلت: وتفقه ببغداد على أبي منصور الرزاز، وتخرج به أئمة، وسمع بخراسان من أبي الأسعد القشيري، وعمر بن أحمد بن الصفار.
درس بمدرسة دار الذهب، وقد تلا بالروايات على محمد ابن العالمة، وكان على دروسه إخبات وجلالة.
مات في شعبان سنة خمس وتسعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 153"، وشذرات الذهب "4/ 321".
5310 - ابن كليب
(1)
:
الشيخ الجليل الأمين، مسند العصر، أبو الفرج، عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد بن صدقة بن خضر بن كليب، الحراني، ثم البغدادي، الحنبلي، التاجر، الآجري؛ لسكناه في درب الآجر.
ولد في صفر سنة خمس مائة.
وسمع: أبا القاسم بن بيان، وأبا علي بن نبهان، وأبا بكر بن بدران، وأبا عثمان بن ملة، وأبا منصور محمد بن أحمد بن طاهر الخازن، وأبا الخطاب الفقيه، وصاعد بن سيار، ونور الهدى أبا طالب الزينبي.
ولقي بالإجازة: أبا علي بن المهدي، وأبا العز محمد بن المختار، ومحمد بن عبد الباقي الدوري، وأبا طاهر بن يوسف، والمبارك بن الحسين الغسال، وابن بيان، وابن نبهان أيضًا.
وله "مشيخة" مروية.
حدث عنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، وابن النجار، وعمر بن بدر، وأبو موسى بن الحافظ، واليلداني، وأحمد بن سلامة الحراني، ومحيي الدين بن الجوزي، وشيخ الشيوخ عبد العزيز بن محمد الأنصاري، وشمس الدين أبو المظفر سبط بن الجوزي، وابن عبد الدائم، والنجيب عبد اللطيف، وخلق كثير.
وبالإجازة: ابن أبي اليسر، والقطب ابن عصرون، والخضر بن حمويه، وأحمد بن أبي الخير، والعز عبد العزيز بن الصيقل، ومحمد بن أبي الدينة.
وانتهى إليه علو الإسناد، ومتع بحواسه وذهنه، وكان صبورًا محبًا للرواية.
دخل مصر مع أبيه، وسكن دمياط مدةً، وحج سبع مرات، وفاتته عرفة في الثامنة، تعوق بالبحر.
قال المنذري في "الوفيات": سمعت قاضي القضاة أبا محمد الكناني، سمعت ابن كليب يقول: تسريت بمائة وثمان وأربعين جاريةً، قال: وكان يخاصم أولاده في ذلك السن، فيقول: اشتروا لي جاريةً.
قال ابن النجار: ألحق الصغار بالكبار، ومتع بصحته، وذهنه، وحسن صورته، وحمرة وجهه، وكان لا يمل من السماع، كتب "جزء ابن عرفة" بخطه، وله بضع وتسعون سنةً بخط مليح، وحدث به من لفظه، وكان من أعيان التجار، ذا ثروة واسعة، ثم تضعضع، واحتاج إلى الأخذ، وبقي لا يحدث "بجزء ابن عرفة" إلَّا بدينار، وكان صدوقًا قرأت عليه كثيرًا.
توفي ليلة السابع والعشرين من ربيع الأول سنة ست وتسعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 404"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 327".
5311 - جاكير:
الزاهد، من كبار مشايخ العراق، صاحب أحوال وتأله وتعبد. صحب الشيخ عليًا الهيتي وغيره.
وجاكير لقب، واسمه محمد بن دشم الكردي الحنبلي، لم يتزوج، وتذكر عنه كرامات، وله زاوية كبيرة بقرية راذان، على بريد من سامراء. وجلس في المشيخة بعده أخوه أحمد، وبعد أحمد ولده الغرس، وبعد الغرس ابنه محمد.
5312 - الشاطبي
(1)
:
الشيخ الإمام، العالم العامل، القدوة، سيد القراء، أبو محمد، وأبو القاسم القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرعيني، الأندلسي، الشاطبي، الضرير، ناظم "الشاطبية" و"الرائية".
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 537"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 301 - 302".
من كناه أبا القاسم كالسخاوي وغيره، لم يجعل له اسمًا سواها. والأكثرون على أنه أبو محمد القاسم.
وذكره أبو عمرو بن الصلاح في "طبقات الشافعية".
ولد سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة.
وتلا ببلده بالسبع على أبي عبد الله بن أبي العاص النفري، ورحل إلى بلنسية، فقرأ القراءات على أبي الحسن بن هذيل، وعرض عليه "التيسير"، وسمع منه الكتب، ومن أبي الحسن ابن النعمة، وأبي عبد الله ابن سعادة، وأبي محمد بن عاشر، وأبي عبد الله بن عبد الرحيم، وعليم بن عبد العزيز. وارتحل للحج، فسمع من أبي طاهر السلفي، وغيره.
وكان يتوقد ذكاءً. له الباع الأطول في فن القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث، وله النظم الرائق، مع الورع والتقوى والتأله والوقار.
استوطن مصر، وتصدر، وشاع ذكره.
حدث عنه: أبو الحسن بن خيرة، ومحمد بن يحيى الجنجالي، وأبو بكر بن وضاح، وأبو الحسن علي بن الجميزي، وأبو محمد بن عبد الوارث قارئ مصحف الذهب.
وقرأ عليه بالسبع: أبو موسى عيسى بن يوسف المقدسي، وعبد الرحمن بن سعيد الشافعي، وأبو عبد الله محمد بن عمر القرطبي، وأبو الحسن السخاوي، والزين أبو عبد الله الكردي، والسديد عيسى بن مكي، والكمال علي بن شجاع، وآخرون.
قال أبو شامة: أخبرنا السخاوي: أن سبب انتقال الشاطبي من بلده أنه أريد على الخطابة، فاحتج بالحج، وترك بلده، ولم يعد إليه تورعًا مما كانوا يلزمون الخطباء من ذكرهم الأمراء بأوصاف لم يرها سائغةً، وصبر على فقر شديد، وسمع من السلفي، فطلبه القاضي الفاضل للإقراء بمدرسته، فأجاب على شروط، وزار بيت المقدس سنة سبع وثمانين وخمس مائة.
قال السخاوي: أقطع بأنه كان مكاشفًا، وأنه سأل الله كف حاله.
قال الأبار: تصدر بمصر، فعظم شأنه، وبعد صيته، انتهت إليه رياسة الإقراء، وتوفي بمصر في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسعين وخمس مائة.
قلت: وله أولاد رووا عنه منهم أبو عبد الله محمد.
أخبرنا أبو الحسين الحافظ ببعلبك، أخبرنا علي بن هبة الله، أخبرنا الشاطبي، أخبرنا ابن هذيل بحديث ذكرته في "التاريخ الكبير".
وجاء عنه قال: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلَّا وينفعه الله، لأنني نظمتها لله.
وله قصيدة دالية نحو خمس مائة بيت، من قرأها، أحاط علمًا بـ"التمهيد" لابن عبد البر.
وكان إذا قرئ عليه "الموطأ"، و"الصحيحان"، يصحح النسخ من حفظه، حتى كان يقال: إنه يحفظ وقر بعير من العلوم.
قال ابن خلكان: قيل: اسمه وكنيته واحد، ولكن وجدت إجازات أشياخه له: أبو محمد القاسم. وكان نزيل القاضي الفاضل فرتبه بمدرسته لإقراء القرآن، ولإقراء النحو واللغة، وكان يتجنب فضول الكلام، ولا ينطق إلَّا لضرورة، ولا يجلس للإقراء إلَّا على طهارة.
5313 - ابن صصرى
(1)
:
الإمام العالم، الحافظ، المجود، البارع، الرئيس النبيل، أبو المواهب، الحسن بن العدل أبي البركات هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسين بن صصرى، التغلبي، البلدي الأصل، الدمشقي، الشافعي.
ولد سنة سبع وثلاثين وخمس مائة.
وكان اسمه نصر الله، فغيره.
سمع من: جده، والفقيه نصر الله بن محمد المصيصي -فهو أكبر شيخ له- ومن: عبدان بن زرين، وعلي بن حيدرة، ونصر بن مقاتل، والحسين بن البن، وأبي يعلى بن الحبوبي، وحمزة بن كروس، وحمزة بن أسد القلانسي، وعدة.
ولازم الحافظ ابن عساكر، وأكثر عنه، وتخرج به، وعني بهذا الشأن جدًا.
وارتحل، وسمع بحماة محمد بن ظفر الحجة، وبحلب من أبي طالب بن العجمي، وبالموصل الحسن بن علي الكعبي، ويحيى بن سعدون، وسليمان بن خميس، وببغداد هبة
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمته 1104"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 112"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 285".
الله الدقاق، وابن البطي، وعدةً، وبهمذان أبا العلاء العطار وغيره، وبأصبهان محمد بن أحمد بن ماشاذه، وأبا رشيد عبد الله بن عمر، وعدةً، وبتبريز حفدة العطاري.
وجمع "المعجم"، وصنف التصانيف، وصنف في "فضائل الصحابة" و"عوالي ابن عيينة" و"فضائل القدس" و"رباعيات التابعين"، وقد احترقت كتبه بالكلاسة، ثم إنه وقف خزانةً أخرى.
وثقه أبو عبد الله الدبيثي، وقال: كتب إلينا بالإجازة.
مات سنة ست وثمانين وخمس مائة وله تسع وأربعون سنةً.
أخبرنا القاسم بن محمد الحافظ، أخبرنا إسماعيل بن إسحاق، أخبرنا جدي الحسين بن هبة الله بن محفوظ، أخبرنا أخي أبو المواهب، أخبرنا أبو الفتح المصيصي، أخبرنا محمد بن أحمد، أخبرنا محمد بن إبراهيم اليزدي، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا إبراهيم بن الحارث، حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي جويرية، قال:
"والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمةً ولا شيئًا إلَّا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضًا جعلها صدقةً
(1)
.
رواه البخاري عن إبراهيم.
(1)
صحيح: أخرجه البخاري "2739"، والنسائي "6/ 229".
5314 - أبوه الرئيس أبو البركات:
تفقه، وقرأ القرآن، وله صدقة وبر. كان يختم في رمضان ثلاثين ختمةً.
روى عن: جمال الإسلام، ويحيى بن بطريق.
روى عنه: ابناه، وشهد على القضاء.
مات سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة، وله اثنتان وستون سنةً.
5315 - جده محفوظ:
قيل: يكنى أبا البركات، من رؤساء البلد وعدولهم.
سمع جزءًا في سنة ست وثمانين وأربع مائة من نصر بن أحمد الهمذاني.
سمع منه: الحافظ ابن عساكر، وابنه البهاء، وولده أبو المواهب.
توفي في ذي الحجة سنة خمس وأربعين وخمس مائة، وله ثمانون سنةً، ودفن بباب توما.
5316 - طغرل
(1)
:
الملك طغرل شاه بن أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملكشاه التركي، آخر ملوك السلجوقية الملكشاهية.
خرج على الخليفة الناصر، فالتقاه الجيش، عليهم ابن يونس الوزير، فانهزموا، وأسر الوزير، ثم ندب الناصر خوارزمشاه لحربه، فالتقاه على الري، فقتل طغرل في المصاف، وكان من ملاح زمانه وشجعانهم.
قتل سنة تسعين، ودخلوا إلى بغداد برأسه وسناجقه المنكسة. وكان حاكمًا على أذربيجان وهمذان وعدة مدائن، ملكوه وهو صبي.
5317 - الجمال
(2)
:
الشيخ المعمر، مسند أصبهان، أبو الحسن، مسعود بن أبي منصور بن محمد بن حسن، الأصبهاني، الجمال، الخياط.
ولد سنة ست وخمس مائة.
سمع: أبا علي الحداد، ومحمود بن إسماعيل، وأبا نهشل عبد الصمد، وحمزة بن العباس العلوي.
وسمع حضورًا من غانم البرجي، وأجاز له من نيسابور عبد الغفار الشيرويي صاحب أبي بكر الحيري. وعمر دهرًا، وتفرد، ورحل.
حدث عنه: محمد بن عمر العثماني، وأبو موسى بن عبد الغني، وأبو الحجاج بن خليل، وآخرون. وأجاز لأحمد بن سلامة.
مات في الخامس والعشرين من شوال سنة خمس وتسعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 301" ووقع عنده [ابن طغرليك] بدل [ابن طغرل].
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 154" ووقع عنده [ابن أبي مسعود] بدل [أبي منصور]. وشذرات الذهب "4/ 321".
5318 - الراراني
(1)
:
الشيخ الجليل المسند، شيخ الشيوخ، أبو سعيد، خليل بن أبي الرجاء بدر بن أبي الفتح ثابت بن روح بن محمد بن عبد الواحد، الأصبهاني، الراراني، الصوفي.
ولد سنة خمس مائة.
سمع: أبا علي الحداد، ومحمود بن إسماعيل الأشقر، وجعفر بن عبد الواحد، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق.
حدث عنه: أبو موسى بن عبد الغني، ويوسف بن خليل، وعبد العزيز بن علي الواعظ، وولده محمد بن خليل وحفيدته ليلة البدر بنت محمد، وجماعة.
وأجاز لأحمد بن أبي الخير، وكان من مريدي حمزة بن العباس العلوي.
مات في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمس مائة.
5319 - ابن ياسين
(2)
:
الشيخ المسند الصالح العابد، أبو الطاهر، إسماعيل بن أبي التقى صالح بن ياسين بن عمران، المصري، الشارعي الشفيقي، نسبةً إلى خدمة شفيق الملك، الجبلي، نسبةً إلى سكنى جبل مصر، البناء.
ولد سنة أربع عشرة وخمس مائة.
وسمع من: أبي عبد الله الرازي "مشيخته" بإفادة الرديني الزاهد.
وهو آخر من حدث بمصر عن الرازي.
حدث عنه: الحافظ عبد الغني، والحافظ الضياء، وابن خليل، وأخوه يونس، وأبو الحسن السخاوي، وأبو عمرو بن الحاجب، والشهاب القوصي، والرضي عبد الرحمن بن محمد، وخطيب مردا، والزين أحمد بن عبد الملك، وإسماعيل بن ظفر، والمعين أحمد بن علي بن يوسف، وعبد الله بن علاق، والرشيد يحيى العطار، وإسماعيل بن عزون، وخلق سواهم.
توفي في ثاني عشر ذي الحجة سنة ست وتسعين وخمس مائة.
لم يجز لابن أبي الخير.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 158 - 159"، وشذرات الذهب "4/ 323 - 324".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 158"، وشذرات الذهب "6/ 323".
5320 - أحمد بن طارق
(1)
:
ابن سنان، المحدث العالم، أبو الرضا، الكركي، ثم البغدادي، التاجر، الشيعي.
ولد سنة سبع وعشرين وخمس مائة.
وسمع من: أبي الفضل الأرموي، وموهوب بن الجواليقي، وهبة الله بن أبي شريك، ومحمد بن طراد، وابن ناصر، وسعد الخير، وعدة.
وسمع بدمشق من ناصر بن عبد الرحمن النجار، وأبي القاسم بن البن، وطائفة، وبالثغر من السلفي، وبمصر من ابن رفاعة، وعدة.
وحدث في هذه البلاد، وكتب الكثير.
قال ابن الدبيثي: كان حريصًا على السماع، وعلى تحصيل الأجزاء، مع قلة معرفته، وكان ثقةً.
قلت: أبوه من كرك نوح، قيده بالسكون ابن نقطة، والمنذري. وأما كرك الشوبك، فبالتحريك.
روى عنه: الدبيثي، وابن خليل، وقبلهما الحافظ ابن المفضل.
وأجاز لأحمد بن أبي الخير.
قال الشيخ الضياء: كان شيعيًا غاليًا.
وقال ابن النجار: لم يزل يطلب، وكان يوادني، وكان صديقًا طيب المعاشرة، إلَّا أنه غال في التشيع، شحيح مقتر، يشتري من لقم المكديين، ويتبع المحدثين ليأكل معهم، ولا يوقد ضوءًا، خلف تجارةً بثلاثة آلاف دينار، ومات وحده، ولم يعلم به.
وقال عبد الرزاق الجيلي: كان ثقةً ثبتًا، مع فساد دينه.
وقال ابن نقطة: خبيث الاعتقاد، رافضي.
(1)
ترجمته في لسان الميزان "1/ ترجمة 597"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 140"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 308".
وقيل: أكلت الفأر أنفه وأذنيه.
مات في ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة.
وكان جده قاضي كرك نوح.
وفيها مات قاضي قرطبة أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن حريث اللخمي عن نحو الثمانين، وأبو طاهر إبراهيم بن محمد بن أحمد بن حمدية العكبري أخو عبد الله من أصحاب بن الحصين، وبلقيس بنت سليمان بن النظام، وعبد الخالق بن عبد الوهاب الصابوني الخفاف، ومحمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني المهاد، ومحمد بن أبي بكر بن محمد الجلالي البغدادي عن مائة عام، وشاعر وقته أبو الغنائم محمد بن علي بن فارس بن المعلم الواسطي في عشر المائة، ووزير العراق مؤيد الدين أبو الفضل محمد بن علي بن القصاب، وأبو محمد محمد بن معالي بن شدقيني، والإمام فخر الدين محمد بن أبي علي النوقاني صاحب الغزالي، والإمام مجير الدين محمود بن المبارك بن علي البغدادي صاحب أبي منصور الرزاز، ويوسف بن معالي الكتاني المقرئ.
5321 - ابن حمدية:
الشيخ المسند، أبو منصور، عبد الله بن محمد بن أحمد بن حمدية، العكبري، ثم البغدادي.
سمع أبا العز بن كادش، وأبا عبد الله البارع، وزاهر بن طاهر، وأبا علي بن السبط، وأبا بكر المزرفي، وعدةً.
وعنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، وطائفة.
مات في صفر سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة عن أربع وثمانين سنة.
ومات معه في صفر بعد أيام أخوه:
5322 - أبو طاهر إبراهيم بن محمد:
وكان قد كتب بخطه، وروى الكثير عن ابن الحصين، وزاهر، وهبة الله الشروطي، وأبي غالب الماوردي.
روى عنه أيضًا: ابن الدبيثي وابن خليل.
ونيف هذا على الثمانين. ولم أرهما أجازا لأحمد بن سلامة.
5323 - الصابوني
(1)
:
الإمام المقرئ، المسند، أبو محمد عبد الخالق بن الشيخ أبي الفتح عبد الوهاب بن محمد بن الحسين بن الصابوني، البغدادي، الخفاف.
ولد في جمادى الآخرة سنة سبع وخمس مائة.
وسمعه أبوه من علي بن عبد الواحد الدينوري، وأحمد بن محمد بن البخاري، وهبة الله بن الحصين، وقراتكين بن أسعد، وأبي العز بن كادش، وأحمد بن أحمد المتوكلي، وزاهر بن طاهر، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وهبة الله بن الطبر، وعدة.
وعنه: ابن الأخضر، وولده علي، وابن خليل، وجماعة.
قال ابن النجار: كان شيخًا صدوقًا لا بأس به، عسرًا في الرواية.
مات في ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة.
5324 - ابن بونه:
الشيخ الفاضل، المحدث، المعمر، أبو محمد، عبد الحق بن عبد الملك بن بونه بن سعيد، العبدري، المالقي، المعروف بابن البيطار، نزيل مدينة المنكب من مدائن الأندلس.
حدث عن: أبيه، وأبي محمد بن عتاب، وأبي بحر بن العاص، وغالب بن عطية، وابن مغيث، وأبي الحسن بن الباذش.
وأجاز له أبو علي الصدفي.
روى عنه: هانئ بن هانئ، وابنا حوط الله، وأبو الربيع بن سالم، وابن دحية، وآخرون.
قال الأبار: سمعه أبوه صغيرًا، ورحل به، فأورثه ذلك نباهةً.
وقال ابن سالم: هو الشيخ الراوية العدل الثقة أبو محمد الغرناطي، أخذت عنه.
توفي بالمنكب سنة سبع وثمانين وخمس مائة. عاش ثلاثًا وثمانين سنةً.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 309".
5325 - ابن مأمون:
الإمام، المقرئ المجود، النحوي، المحدث، قاضي بلنسية، أبو عبد الله محمد بن جعفر بن أحمد بن حميد بن مأمون، الأموي، مولاهم، البلنسي، ثم الغرناطي.
أخذ القراءات عن ابن هذيل، وأبي الحسن بن ثابت، وأبي الحسن شريح بن محمد، وأبي عبد الله بن أبي سمرة.
وأخذ بجيان علوم اللسان عن أبي بكر بن مسعود الخشني، وسمع بالمرية من القاضي أبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية المحاربي، وطائفة.
حمل عنه أبو الربيع بن سالم، وقال: أتقن "كتاب سيبويه" تفقهًا وتفهمًا على ابن أبي ركب الخشني، ثم تصدر بمرسية للإقراء والعربية، وكان في النحو إمامًا مقدمًا، سمعت منه في سنة إحدى وثمانين "صحيح البخاري" وغيره عن شريح بفوت، و"التيسير"، و"الكافي"، و"التلخيص" لأبي معشر سمعه من ابن ثعبان، بسماعه من أبي معشر.
قلت: وأجاز له أبو الحسن بن مغيث.
قال ابن سالم: توفي بمرسية صادرًا عن حضرة الملك، في سابع عشر جمادى الأولى، سنة ست وثمانين وخمس مائة، ودفن إلى جنب أبي القاسم بن حبيش. وكان مولده سنة ثلاث عشرة وخمس مائة.
5326 - بكتمر
(1)
:
صاحب خلاط، الملك سيف الدين، مملوك الملك ظهير الدين شاه أرمن.
استولى على أرمينية، وكان محاربًا للسلطان صلاح الدين، فلما بلغه موته، أمر بضرب البشائر، وعمل تختًا، فجلس عليه، وسمى نفسه عبد العزيز، وتلقب بالسلطان المعظم صلاح الدين، فما أمهله الله، وقتل غيلةً بعد شهر في أول جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وخمس مائة، خرج عليه خشداشه، وزوج بنته الأمير هزار ديناري، ثم تملك بعده، ولقبه بدر الدين، فبقي خمس سنين، ومات، فملكوا محمد بن بكتمر، ثم قبض على نائبه شجاع الدين، ثم ثار أمراء، وخنقوا محمدًا، وتملك بلبان سنةً، ثم تسلمها الأوحد بن الملك العادل.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب "4/ 297".
5327 - صلاح الدين وبنوه
(1)
:
السلطان الكبير، الملك الناصر، صلاح الدين، أبو المظفر، يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب، الدويني، ثم التكريتي المولد.
ولد في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة إذ أبوه نجم الدين متولي تكريت نيابةً.
ودوين: بليدة بطرف أذربيجان من جهة أران والكرج، أهلها أكراد هذبانية.
سمع من أبي طاهر السلفي، والفقيه علي ابن بنت أبي سعد، وأبي الطاهر بن عوف، والقطب النيسابوري. وحدث.
وكان نور الدين قد أمره، وبعثه في عسكره مع عمه أسد الدين شيركوه، فحكم شيركوه على مصر، فما لبث أن توفي، فقام بعده صلاح الدين، ودانت له العساكر، وقهر بني عبيد، ومحا دولتهم، واستولى على قصر القاهرة بما حوى من الأمتعة والنفائس، منها الجبل الياقوت الذي وزنه سبعة عشر درهمًا؛ قال مؤلف الكامل ابن الأثير: أنا رأيته ووزنته.
وخلا القصر من أهله وذخائره. وأقام الدعوة العباسية.
وكان خليقًا للإمارة، مهيبًا، شجاعًا حازمًا، مجاهدًا كثير الغزو، عالي الهمة، كانت دولته نيفًا وعشرين سنةً.
وتملك بعد نور الدين، واتسعت بلاده.
ومنذ تسلطن، طلق الخمر واللذات، وأنشأ سورًا على القاهرة ومصر، وبعث أخاه شمس الدين في سنة ثمان وستين، فافتتح برقة، ثم افتتح اليمن، وسار صلاح الدين، فأخذ دمشق من ابن نور الدين.
وفي سنة إحدى وسبعين حاصر عزاز، ووثبت عليه الباطنية، فجرحوه.
وفي سنة ثلاث كسرته الفرنج على الرملة، وفر في جماعة، ونجا.
وفي سنة خمس التقاهم وكسرهم.
وفي سنة ست أمر ببناء قلعة الجبل.
وفي سنة ثمان عدى الفرات، وأخذ حران، وسروج، والرقة، والرها، وسنجار،
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 3 - 119"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 219 - 220".
والبيرة، وآمد، ونصيبين، وحاصر الموصل، ثم تملك حلب، وعوض عنها صاحبها زنكي بسنجار، ثم إنه حاصر الموصل ثانيًا وثالثًا، ثم صالحه صاحبها عز الدين مسعود، ثم أخذ شهرزور والبوازيج.
وفي سنة ثلاث وثمانين فتح طبرية، ونازل عسقلان، ثم كانت وقعة حطين بينه وبين الفرنج، وكانوا أربعين ألفًا، فحال بينهم وبين الماء على تل، وسلموا نفوسهم، وأسرت ملوكهم، وبادر، فأخذ عكا وبيروت وكوكب، وسار فحاصر القدس، وجد في ذلك فأخذها بالأمان.
وسار عسكر لابن أخيه تقي الدين عمر فأخذوا أوائل المغرب، وخطبوا بها لبني العباس.
ثم إن الفرنج قامت قيامتهم على بيت المقدس، وأقبلوا كقطع الليل المظلم برًا وبحرًا وأحاطوا بعكا ليستردوها وطال حصارهم لها، وبنوا على نفوسهم خندقًا، فأحاط بهم السلطان، ودام الحصار لهم وعليهم نيفًا وعشرين شهرًا، وجرى في غضون ذلك ملاحم وحروب تشيب النواصي، وما فكوا حتى أخذوها، وجرت لهم وللسلطان حروب وسير. وعندما ضرس الفريقان، وكل الحزبان، تهادن الملتان.
وكانت له همة في إقامة الجهاد، وإبادة الأضداد ما سمع بمثلها لأحد في دهر.
قال ابن واصل في حصار عزاز: كانت لجاولي خيمة كان السلطان يحضر فيها، ويحض الرجال، فحضر باطنية في زي الأجناد، فقفز عليه واحد ضربه بسكين لولا المغفر الزرد الذي تحت القلنسوة، لقتله فأمسك السلطان يد الباطني بيديه، فبقي يضرب في عنق السلطان ضربًا ضعيفًا، والزرد تمنع، وبادر الأمير بازكوج، فأمسك السكين، فجرحته، وما سيبها الباطني حتى بضعوه، ووثب آخر، فوثب عليه ابن منكلان، فجرحه الباطني في جنبه، فمات، وقتل الباطني، وقفز ثالث، فأمسكه الأمير علي بن أبي الفوارس، فضمه تحت إبطه، فطعنه صاحب حمص، فقتله، وركب السلطان إلى مخيمه، ودمه يسيل على خده، واحتجب في بيت خشب، وعرض جنده، فمن أنكره، أبعده.
قال الموفق عبد اللطيف: أتيت، وصلاح الدين بالقدس، فرأيت ملكًا يملأ العيون روعةً، والقلوب محبةً، قريبًا بعيدًا، سهلًا، محببًا، وأصحابه يتشبهون به، يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} [الحجر: 47]، وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حفلًا بأهل العلم يتذاكرون، وهو يحسن الاستماع والمشاركة، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار، وحفر الخنادق، ويأتي بكل معنىً بديع، وكان مهتمًا في بناء
سور بيت المقدس وحفر خندقه، ويتولى ذلك بنفسه، وينقل الحجارة على عاتقه، ويتأسى به الخلق حتى القاضي الفاضل، والعماد إلى وقت الظهر، فيمد السماط، ويستريح، ويركب العصر، ثم يرجع في ضوء المشاعل، قال له صانع: هذه الحجارة التي تقطع من أسفل الخندق رخوة، قال: كذا تكون الحجارة التي تلي القرار والنداوة، فإذا ضربتها الشمس، صلبت. وكان يحفظ "الحماسة"، ويظن أن كل فقيه يحفظها، فإذا أنشد، وتوقف، استطعم فلا يطعم، وجرى له ذلك مع القاضي الفاضل، ولم يكن يحفظها، وخرج، فما زال حتى حفظها، وكتب لي صلاح الدين بثلاثين دينارًا في الشهر، وأطلق أولاده لي رواتب، فأشغلت بجامع دمشق.
وكان أبوه ذا صلاح، ولم يكن صلاح الدين بأكبر أولاده.
وكان صلاح الدين شحنة دمشق، فكان يشرب الخمر، ثم تاب، وكان محببًا إلى نور الدين يلاعبه بالكرة.
وكانت وقعته بمصر مع السودان، وكانوا نحو مائتي ألف، فنصر عليهم، وقتل أكثرهم. وفي هذه الأيام استولى ملك الخزر على دوين، وقتل من المسلمين ثلاثين ألفًا.
حم صلاح الدين، ففصده من لا خبرة له، فخارت القوة، ومات، فوجد الناس عليه شبيهًا بما يجدونه على الأنبياء، وما رأيت ملكًا حزن الناس لموته سواه، لأنه كان محببًا، يحبه البر والفاجر، والمسلم والكافر، ثم تفرق أولاده وأصحابه أيادي سبأ، وتمزقوا. ولقد صدق العماد في مدحه حيث يقول:
وللنّاس بالملك النّاصر الصّلا
…
ح صلاحٌ ونصرٌ كبير
هو الشّمس أفلاكه في البلا
…
د ومطلعه سرجه والسّرير
إذا ما سطا أو حبا واحتبى
…
فما اللّيث من حاتمٍ ما ثبير
قال ابن خلكان: بلغني أن صلاح الدين قدم به أبوه وهو رضيع، فناب أبوه ببعلبك إلى آخذها أتابك زنكي، وقيل: إنهم خرجوا من تكريت في ليلة مولد صلاح الدين، فتطيروا به، فقال شيركوه أو غيره: لعل فيه الخير وأنتم لا تعلمون. إلى أن قال: وكان شيركوه أرفع منزلةً عند نور الدين، فإنه كان مقدم جيوشه.
وولي صلاح الدين وزارة العاضد، وكانت كالسلطنة، فولي بعد عمه سنة 564، ثم مات العاضد سنة 67، فاستقل بالأمر مع مداراة نور الدين ومراوغته، فإن نور الدين عزم على
قصد مصر؛ ليقيم غير صلاح الدين، ثم فتر، ولما مات نور الدين، أقبل صلاح الدين ليقيم نفسه أتابكًا لولد نور الدين، فدخل البلد بلا كلفة، واستولى على الأمور في ربيع الأول سنة سبعين، ونزل بدار العقيقي، ثم تسلم القلعة، وشال الصبي من الوسط ثم سار، فأخذ حمص، ثم نازل حلب، وهي الوقعة الأولى، فجهز السلطان غازي من الموصل أخاه عز الدين مسعودًا في جيش، فرحله، وقدم حمص، فأقبل مسعود ومعه الحلبيون، فالتقوا على قرون حماة، فانهزم مسعود، وأسر أمراؤه، وساق صلاح الدين، فنازل حلب ثانيًا، فصالحوه ببذل المعرة وكفرطاب، وبلغ غازي كسرة أهله وأخيه، فعبر الفرات، وقدم حلب، فتلقاه ابن عمه الملك الصالح، ثم التقوا هم وصلاح الدين، فكانت وقعة تل السلطان، ونصر صلاح الدين أيضًا، ورجع صاحب الموصل. ثم أخذ صلاح الدين منبج وعزاز، ونازل حلب ثالثًا، فأخرجوا إليه بنت نور الدين، فوهبها عزاز. ورد إلى مصر، واستناب على دمشق أخاه صاحب اليمن تورانشاه، ثم خرج من مصر سنة ثلاث وسبعين، فالتقى الفرنج، فانكسر.
ثم في سنة تسع وسبعين نازل حلب، وأخذها، وعوض عنها عماد الدين زنكي بسنجار وسروج، ورتب بحلب ولده الملك الظاهر. ثم حاصر الكرك، وجاءت إمدادات الفرنج.
وفي شعبان سنة إحدى وثمانين نازل صلاح الدين الموصل، وترددت الرسل بينه وبين صاحبها عز الدين، وتمرض، وتأخر إلى حران، واشتد مرضه، وحلفوا لأولاده بأمره، وأوصى عليهم أخاه العادل، ثم مر بحمص، وقد مات صاحبها ناصر الدين محمد، ابن عمه، فأعطاها لولده المجاهد شيركوه وله ثنتا عشرة سنةً.
وفي سنة ثلاث وثمانين افتتح صلاح الدين بلاد الفرنج، وقهرهم، وأباد خضراءهم، وأسر ملوكهم على حطين. وكان قد نذر أن يقتل أرناط صاحب الكرك، فأسره يومئذ، كان قد مر به قوم من مصر في حال الهدنة، فغدر بهم، فناشدوه الصلح، فقال ما فيه استخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقتلهم، فاستحضر صلاح الدين الملوك، ثم ناول الملك جفري شربة جلاب ثلج، فشرب، فناول أرناط، فشرب، فقال السلطان للترجمان: قل لجفري: أنت الذي سقيته، وإلا أنا فما سقيته، ثم استحضر البرنس أرناط في مجلس آخر، وقال: أنا أنتصر لمحمد صلى الله عليه وسلم منك، ثم عرض عليه الإسلام، فأبى، فحل كتفه بالنيمجاه
(1)
. وافتتح عامه ما لم يفتحه ملك، وطار صيته في الدنيا، وهابته الملوك.
(1)
النيمجاء: خنجر مقوس.
ثم وقع النوح والمأتم في جزائر البحر وإلى رومية، ونودي بالنفير إلى نصرة الصليب، فأتى السلطان من عساكر الفرنج ما لا قبل له به، وأحاطوا بعكا.
وقال آخر: أول فتوحاته الإسكندرية في سنة اثنتين وستين، وقاتل معه أهلها لما حاصرتهم الفرنج أربعة أشهر، ثم كشفهم عنه عمه أسد الدين، فتركها، وقدما الشام. ثم تملك وزارة العاضد، واستتب له الأمر، وأباد آل عبيد وعبيدهم، وتملك دمشق ثم حمص، وحماة، وحلب، وآمد، وميافارقين، وعدة بلاد بالجزيرة. وديار بكر. وبعث أخاه، فافتتح له اليمن، وسار بعض عسكره. فافتتح له بعض المغرب، ولم يزل سلطانه في ارتقاء إلى أن كسر الفرنج نوبة حطين. ثم افتتح عكا، وبيروت، وصيدا، ونابلس، وقيسارية، وصفورية، والشقيف، والطور، وحيفا، وطبرية، وتبنين، وجبيل، وعسقلان، وغزة، والقدس، وحاصر صور مدةً، وافتتح أنطرطوس، وهونين، وكوكب، وجبلة، واللاذقية، وصهيون، وبلاطنس والشغر، وبكاس، وسرمانية، وبرزية، ودربسان، وبغراس، ثم هادن برنس أنطاكية، ثم افتتح الكرك بالأمان، والشوبك وصفد وشقيف أرنون، محضر عدة وقعات.
وخلف من الأولاد: صاحب مصر الملك العزيز عثمان، وصاحب حلب الظاهر غازيًا، وصاحب دمشق الأفضل عليًا، والملك المعز فتح الدين إسحاق، والملك المؤيد مسعودًا، والملك الأعز يعقوب، والملك المظفر خضرًا، والملك الزاهر مجير الدين داود، والملك المفضل قطب الدين موسى، والملك الأشرف عزيز الدين محمدًا، والملك المحسن جمال المحدثين ظهير الدين أحمد، والمعظم فخر الدين تورانشاه، والملك الجواد ركن الدين أيوب، والملك الغالب نصير الدين ملكشاه، وعماد الدين شاذي، ونصرة الدين مروان، والملك المظفر أبا بكر، والسيدة مؤنسة زوجة الملك الكامل.
وحدث عنه: يونس الفارقي، والقاضي العماد الكاتب.
مرض بحمى صفراوية، واحتد المرض، وحدث به في التاسع رعشة وغيبة، ثم حقن مرتين، فاستراح، وسرب، ثم عرق حتى نفذ من الفراش، وقضى في الثاني عشر.
توفي بقلعة دمشق بعد الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة تسع وثمانين وخمس مائة.
محاسن صلاح الدين جمة، لا سيما الجهاد، فله فيه اليد البيضاء ببذل الأموال والخيل المثمنة لجنده. وله عقل جيد، وفهم، وحزم، وعزم.
قال العماد: أطلق في مدة حصار عكا اثني عشر ألف فرس. قال: وما حضر اللقاء إلَّا استعار فرسًا، ولا يلبس إلَّا ما يحل لبسه كالكتان والقطن، نزه المجالس من الهزل، ومحافله آهلة بالفضلاء، ويؤثر سماع الحديث بالأسانيد، حليمًا، مقيلًا للعثرة، تقيًا نقيًا، وفيًا صفيًا، يغضي ولا يغضب، ما رد سائلًا، ولا خجل قائلًا، كثير البر والصدقات، أنكر علي تحلية دواتي بفضة، فقلت: في جوازه وجه ذكره أبو محمد الجويني. وما رأيته صلى إلَّا في جماعة.
قلت: وحضر وفاته القاضي الفاضل.
وذكر أبو جعفر القرطبي إمام الكلاسة: إنني انتهيت في القراءة إلى قوله -تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحشر: 22]، فسمعت صلاح الدين، وهو يقول: صحيح. وكان ذهنه قبل ذلك غائبًا، ثم مات، وغسله الخطيب الدولعي، وأخرج في تابوت، فصلى عليه القاضي محيي الدين بن الزكي، وأعيد إلى الدار التي في البستان التي كان متمرضًا فيهًا، ودفن في الصفة، وارتفعت الأصوات بالبكاء، وعظم الضجيج، حتى إن العاقل ليخيل له أن الدنيا كلها تصيح صوتًا واحدًا، وغشي الناس ما شغلهم عن الصلاة عليه، وتأسف الناس عليه حتى الفرنج لما كان من صدق وفائه. ثم بنى ولده الأفضل قبةً شمالي الجامع، ونقله إليها بعد ثلاث سنين، فجلس هناك للعزاء ثلاثًا.
وكان شديد القوى، عاقلًا، وقورًا، مهيبًا، كريمًا، شجاعًا.
وفي "الروضتين" لأبي شامة: أن السلطان لم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلَّا سبعةً وأربعين درهمًا، ودينارًا صوريًا، ولم يخلف ملكًا ولا عقارًا رحمه الله، ولم يختلف عليه في أيامه أحد من أصحابه، وكان الناس يأمنون ظلمه، ويرجون رفده، وأكثر ما كان يصل عطاؤه إلى الشجعان، وإلى العلماء، وأرباب البيوتات، ولم يكن لمبطل ولا لمزاح عنده نصيب.
قال الموفق: وجد في خزانته بعد موته دينار وثلاثون درهمًا، وكان إذا نازل بلدًا، وأشرف على أخذه، ثم طلبوا منه الأمان، آمنهم، فيتألم لذلك جيشه، لفوات حظهم.
قال القاضي بهاء الدين ابن شداد: قال لي السلطان في بعض محاوراته في عقد الصلح: أخاف أن أصالح، وما أدري أيش يكون مني، فيقوى هذا العدو، وقد بقيت لهم بلاد، فيخرجون لاستعادة ما في أيدي المسلمين، وترى كل واحد من هؤلاء يعني أخاه وأولادهم قد قعد في رأس تله يعني قلعته ويقول: لا أنزل، ويهلك المسلمون.
قال ابن شداد: فكان -والله- كما قال، اختلفوا، واشتغل كل واحد بناحيته، وبعد، فكان الصلح مصلحةً.
قلت: من لطف الله لما تنازع بنو أيوب، واختلفوا يسر الله بنقص همة الأعداء، وزالت تلك الشهامة منهم.
وكتب القاضي الفاضل تعزيةً إلى صاحب حلب: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]، كتبت إلى مولانا الملك الظاهر أحسن الله عزاءه، وجبر مصابه، وجعل فيه الخلف من السلف في الساعة المذكورة، وقد زلزل المسلمون زلزالًا شديدًا، وقد حضرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر، وقد ودعت أباك ومخدومي وداعًا لا تلاقي بعده، وقبلت وجهه عني وعنك، وأسلمته إلى الله وحده مغلوب الحيلة، ضعيف القوة، راضيًا عن الله، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله. وبالباب من الجنود المجندة، والأسلحة المعمدة ما لم يدفع البلاء، ولا ما يرد القضاء، تدمع العين، ويخشع القلب، ولا نقول إلَّا ما يرضي الرب، وإنا بك يا يوسف لمحزونون. وأما الوصايا، فما تحتاج إليها، والآراء، فقد شغلني المصاب عنها، وأما لائح الأمر، فإنه إن وقع اتفاق، فما عدمتم إلَّا شخصه الكريم، وإن كان غير ذلك، فالمصائب المستقبلة أهونها موته.
وللعلم الشاتاني فيه قصيدة مطلعها:
أرى النّصر مقرونًا برايتك الصّفرا
…
فسر وأملك الدّنيا فأنت بها أحرى
وبعث إليه ابن التعاويذي بقصيدته الطنانة التي أولها:
إن كان دينك في الصّبابة ديني
…
فقف المطيّ برملتي يبرين
والثم ثرىً لو شارفت بي هضبه
…
أيدي المطيّ لثمته بجفوني
وانشد فؤادي في الظّباء معرّضًا
…
فبغير غزلان الصّريم جنوني
ونشيدتي بين الخيام وإنّما
…
غالطت عنها بالظّباء ألعين
للّه ما اشتملت عليه فتاتهم
…
يوم النّوى من لؤلؤٍ مكنون
من كلّ تائهةٍ على أترابها
…
في الحسن غانيةٍ عن التّحسين
خودٍ يرى قمر السماء إذا رنت
…
ما بين سالفةٍ لها وجبين
يا سلم إن ضاعت عهودي عندكم
…
فأنا الذي استودعت غير أمين
هيهات ما للبيض في ودّ امرئٍ
…
أربٌ وقد أربى على الخمسين
ليت البخيل على المحبّ بوصله
…
لقن السّماحة من صلاح الدّين
5328 - العزيز
(1)
:
السلطان، الملك العزيز، أبو الفتح، عماد الدين، عثمان ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، صاحب مصر.
ولد في سنة سبع وستين وخمس مائة في جمادى الأولى.
وحدث عن: أبي طاهر السلفي، وابن عوف.
وتملك بعد أبيه، وكان لا بأس بسيرته. قدم دمشق، وحاصر أخاه الأفضل.
نقلت من خط الضياء الحافظ، قال: خرج إلى الصيد، فجاءته كتب من دمشق في أذية أصحابنا الحنابلة، يعني في فتنة الحافظ عبد الغني، فقال: إذا رجعنا من هذه السفرة، كل من كان يقول بمقالتهم أخرجناه من بلدنا، قال: فرماه فرس، ووقع عليه، فخسف صدره، كذا حدثني يوسف ابن الطفيل، وهو الذي غسله.
وقال المنذري: عاش ثمانيًا وعشرين سنةً. مات في العشرين من المحرم سنة خمس وتسعين وخمس مائة.
قلت: دفن بقبة الشافعي رحمه الله تعالى.
وأقيم بعده ولد له صبي فلم يتم ذلك.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان العزيز شابًا، حسن الصورة، ظريف الشمائل، قويًا، ذا بطش، وأيد، وخفة حركة، حييًا، كريمًا، عفيفًا عن الأموال والفروج، بلغ من كرمه أنه لم تبق له خزانة، ولا خاص، ولا برك، ولا فرس. وبيوت أمرائه تفيض بالخيرات، وكان شجاعًا مقدامًا، بلغ من عفته أنه كان له غلام تركي بألف دينار يقال له أبو شامة، فوقف، فراعه حسنه، فأمره أن ينزع ثيابه، وجلس منه مجلس الخنا، فأدركه توفيق، فأسرع إلى سرية له، فقضى وطره. إلى أن قال: وأما عفته عن المال، فلا أقدر أن أصف حكاياته في ذلك.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 146"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 319".
وقال ابن واصل: كانت الرعية يحبونه محبةً عظيمةً شديدةً، وكانت الآمال متعلقةً بأنه يسد مسد أبيه. ولما سار أخوه الأفضل مع العادل، ونازلا بلبيس، وتزلزل، بذلت له الرعية أموالها، فامتنع.
قال ابن واصل: وحكي عنه أن عبد الكريم بن البيساني أخا القاضي الفاضل كان يتولى البحيرة مدةً، وحصل، ووقع بينه وبين أخيه، فعزل، وكان مزوجًا ببنت ابن ميسر، فأساء عشرتها لسوء خلقه، فتوجه أبوها، وأثبت عند قاضي الإسكندرية ضررها، وأنه قد حصرها في بيت، فمضى القاضي بنفسه، ورام أن يفتح عنها، فلم يقدر، فأحضر نقابًا، فنقب البيت، وأخرجها، ثم سد النقب، فهاج عبد الكريم، وقصد الأمير جهاركس بمصر، وقال: هذه خمسة آلاف دينار لك، وأربعون ألف دينار للسلطان، وأولى قضاء الإسكندرية. فأتى العزيز ليلًا، وأحضر الذهب، فسكت، ثم قال: رد عليه ماله، وقل له: إياك والعود إلى مثلها، فما كل ملك يكون عادلًا، أنا ما أبيع أهل الإسكندرية بهذا المال. قال جهاركس: فوجمت، وظهر علي، فقال: أراك أخذت شيئًا، قلت: نعم خمسة آلاف دينار، قال: أعطاك مالًا ينفع مرةً، وأنا أعطيك ما تنتفع به مرات، ثم وقع لي بإطلاق طنبذة، كنت أستغلها سبعة آلاف دينار.
قلت: تملك دمشق، وأنشأ بها العزيزية إلى جانب تربة أبيه.
وخلف ولده الناصر محمدًا، فحلفوا له، فامتنع عماه المؤيد والمعز إلَّا أن يكون لهما الأتابكية، ثم حلفا، واختلفت الآراء، ثم كاتبوا الملك الأفضل من مصر، فخرج من صرخد إليهم في عشرين راكبًا. ثم جرت أمور، وأقبل العادل، وتمكن، وأجلس ابنه الكامل، وضعف حال الأفضل، وعزل الناصر، وانضم إلى عمه بحلب.
5329 - الأفضل
(1)
:
أبو الحسن علي بن يوسف.
تملك دمشق، ثم حاربه العزيز أخوه، وقهره، ثم لما مات العزيز، أسرع الأفضل إلى مصر، وناب في الملك، وسار بالعسكر المصري، فقصد دمشق، وبها عمه العادل، قد بادر إليها من ماردين قبل مجيء الأفضل بيومين، فحصره الأفضل، وأحرق الحواضر والبساتين، وعمل كل قبيح، ودخل البلد، وضجت الرعية بشعاره، وكان محبوبًا، فكاد العادل أن
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 262"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 101".
يستسلم، فتماسك، وشد أصحابه على أصحاب الأفضل، فأخرجوهم، ثم قدم الظاهر ومعه صاحب حمص، وهموا بالزحف، فلم يتهيأ أمر، ثم سفل أمر الأفضل، وعاد إلى صرخد، ثم تحول إلى سميساط، وقنع بها، وفيه تشيع بلا رفض.
وله نظم وفضيلة، وإليه عهد أبوه بالسلطنة لما احتضر، وكان أسن إخوته، وهو القائل في عمه العادل:
ذي سنّةٍ بين الأنام قديمةٍ
…
أبدًا أبو بكرٍ يجور على عليّ
وقد كتب من نظمه إلى الخليفة الناصر، وفي الناصر تشيع:
مولاي إنّ أبا بكرٍ وصاحبه
…
عثمان قد غصبا بالسيف حقّ علي
وهو الذي كان قد ولاّه والده
…
عليهما واستقام الأمر حين ولي
فخالفاه وحلاّ عقد بيعته
…
والأمر بينهما والنّصّ فيه جلي
فانظر إلى حظّ هذا الاسم كيف لقي
…
من الأواخر ما لاقى من الأُول
فأجابوه من الديوان:
وافى كتابك يا ابن يوسف معلنا
…
بالودّ يخبر أنّ أصلك طاهر
غصبوا عليًّا حقّه إذ لم يكن
…
بعد الرسول له بطيبة ناصر
فابشر فإنّ غدًا عليه حسابهم
…
واصبر، فناصرك الإمام النّاصر
مات الأفضل فجاءةً بسميساط في صفر سنة اثنتين وعشرين وست مائة، فتملك بعده أخوه موسى، ولقب بلقبه، وعاش إلى سنة نيف وثلاثين وست مائة، وهي قلعة على الفرات قريبة من الكختا، وقد دثرت الآن.
عاش ستًا وخمسين سنةً، وله ترسل وفضيلة وخط منسوب.
قال عز الدين بن الأثير: وكان من محاسن الدنيا، لم يكن له في الملوك مثل. كان خيرًا، عادلًا، فاضلًا، حليمًا، كريمًا، رحمه الله تعالى.
ومن شعره:
يا من يسوّد شيبه بخضابه
…
لعساه في أهل الشّبيبة يحصل
ها فأختضب بسواد حظّي مرّةً
…
ولك الأمان بأنّه لا ينصل
5330 - الظاهر
(1)
:
سلطان حلب، الملك الظاهر، غياث الدين، أبو منصور، غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب.
مولده بمصر في سنة ثمان وستين وخمس مائة.
وسمع من: أبي الطاهر بن عوف، وعبد الله بن بري النحوي، والفضل ابن البانياسي. وحدث.
تملك حلب ثلاثين سنةً.
وكان بديع الحسن في صباه، مليح الشكل في رجوليته، له عقل وغور ودهاء وفكر صائب.
كان يصادق ملوك الأطراف ويباطنهم، ويوهمهم أنه لولاه، لقصدهم عمه العادل، ويوهم عمه أنه لولاه، لتعامل عليه الملوك، ولشقوا العصا.
وكان كريمًا معطاءً، يتحف الملوك بالهدايا السنية، ويكرم الرسل والشعراء والقصاد.
وكان عمه يرعى له لمكان بنته، فماتت، فزوجه بأختها والدة ابنه الملك العزيز، فلما ولدت، زينت حلب مدة شهرين، وأنفق على ولادته كرائم الأموال، وكان قد انضم إليه إخوته وأولادهم، فزوج ذكرانهم بإناثهم، بحيث أنه عقد بينهم في يوم نيفًا وعشرين عقدًا.
وعمر أسوار حلب أكمل عمارة.
ويقال: إنه عبث بالشاعر الحلي، وألح عليه، فقال الحي: أنظم? يعرض بالهجاء. فقال الظاهر: أنثر? وقبض على السيف.
قال سبط الجوزي: كان مهيبًا سائسًا، فطنًا، دولته معمورة بالعلماء، مزينة بالملوك والأمراء، وكان محسنًا إلى الرعية، وشهد معظم غزوات والده، وكان يزور الصالحين، ويتفقدهم، وله ذكاء مفرط، مات بعلة الذرب.
قال أبو شامة: أوصى في موته بالملك لولده من بنت العادل، وأراد أن يراعيها إخوتها، ثم من بعده لأحمد، ثم للمنصور محمد ابن أخيه الملك العزيز، وفوض القلعة إلى طغريل الخادم الرومي. توفي سنة ثلاث عشرة وست مائة عن خمس وأربعين سنةً.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 217 - 218"، وشذرات الذهب "5/ 55 - 56".
قلت: كان يفيق، ويتشهد، ويقول: اللهم بك أستجير.
ورثاه شاعره راجح الحلي، فقال:
سل الخطب إن أصغى إلى من يخاطبه
…
بمن علقت أنيابه ومخالبه
نشدتك عاتبه على نائباته
…
وإن كان لا يلوي على من يعاتبه
إلى الله أرمي بطرفي ضلالةً
…
إلى أُفق مجدٍ قد تهاوت كواكبه
فمالي أرى الشّهباء قد حال صبحها
…
عليّ دجىً لا تستنير غياهبه
أحقًّا حمى الغازي الغياث بن يوسفٍ
…
أُبيح وعادت خائباتٍ مواكبه
وهل مخبري عن ذلك الطّود هل وهت
…
قواعده أم لان للخطب جانبه
5331 - ابن يونس:
الوزير الكبير، جلال الدين، أبو المظفر، عبيد الله بن يونس بن أحمد البغدادي الأزجي الفقيه.
تفقه على أبي حكيم النهرواني، وقرأ الأصول والكلام على صدقة بن الحسين، وتلا بالروايات بهمذان على أبي العلاء العطار.
وسمع من نصر بن نصر العكبري، وجماعة.
ثم داخل الكبراء إلى أن توكل لأم الناصر، ثم ترقى أمره إلى أن وزر في سنة ثلاث وثمانين. ثم سار بالجيوش لحرب طغريل آخر السلجوقية، فعمل معه مصافًا، فانكسر الوزير، وتفلل جمعه، وأسر هو وأخذ إلى توريز، ثم هرب إلى الموصل، وجاء بغداد متسترًا، ولزم بيته مدةً، ثم ظهر، فولي نظر الخزانة، ثم الأستاذ دارية في سنة سبع وثمانين، فلما وزر المؤيد بن القصاب عام تسعين، قبض على ابن يونس، وسجنه، فلما مات ابن القصاب عام اثنتين، رمي ابن يونس في مطمورة، فكان آخر العهد به.
قال ابن النجار: كان يدري الكلام، صنف كتابًا في الأصول، فسمعه منه الفضلاء.
وروى عنه: أبو الحسن القطيعي، وابن دلف، ولم يكن في ولايته محمودًا.
قيل: مات في السرداب في صفر سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة.
5332 - الفراتي:
شيخ الشافعية، أبو القاسم، يعيش بن صدقة، الفراتي الضرير، صاحب ابن الخل.
تلا بالروايات على الشريف أبي البركات عمر بن إبراهيم.
وسمع من إسماعيل بن السمرقندي، وجماعة.
روى عنه: التقي بن باسويه، وابن الدبيثي، وابن خليل، واليلداني، وبالإجازة أحمد بن أبي الخير.
وهو منسوب إلى نهر الفرات.
وكان إمامًا صالحًا، رأسًا في المذهب والخلاف، تخرج به الفقهاء، ودرس بالثقتية، وبالكمالية، وكان سديد الفتاوى، قوي المناظرة، كبير القدر.
مات في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة وقد شاخ وأسن.
5333 - الفارسي
(1)
:
الزاهد العابد، شيخ العراق، أبو علي، الحسن بن مسلم بن أبي الجود، الفارسي، العراقي، من أهل قرية الفارسية.
قرأ القرآن، وتفقه على أبي البدر الكرخي.
حدث عنه: ابن باسويه، وابن الدبيثي، وابن خليل، واليلداني، وآخرون.
وكان منقطع القرين، صوامًا، قوامًا، متبتلًا، خاشعًا، صحب الشيخ عبد القادر، وكان يقصد بالزيارة، زاره الخليفة الناصر بقريته، بالغ في تعظيمه وتوقيره ابن الجوزي.
مات في المحرم سنة أربع وتسعين وخمس مائة، وكان من أبناء التسعين، وكان يدري الفقه والفرائض، وتذكر عنه كرامات وتأله رحمه الله.
5334 - طاهر بن مكارم:
ابن أحمد بن سعد، الشيخ المعمر، أبو منصور الموصلي القلانسي، البقال، المؤدب.
سمع "مسند" المعافى بن عمران من أبي القاسم نصر بن أحمد بن صفوان سنة اثنتي عشرة وخمس مائة.
روى عنه: عز الدين علي بن الأثير، وشمس الدين بن خليل، وغيرهما.
توفي بالموصل في رمضان سنة ثمان وثمانين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب "4/ 316".
5335 - مسلم بن علي:
ابن محمد، الشيخ أبو منصور، ابن السيحي، الموصلي.
آخر من حدث عن أبي البركات محمد بن محمد بن خميس.
روى عنه: ابن خليل، والتقي اليلداني، وجماعة لقيهم الدمياطي.
توفي في منتصف المحرم سنة خمس وتسعين وخمس مائة.
5336 - أبو جعفر القرطبي
(1)
:
الإمام، المقرئ، المحدث، أحمد بن علي بن أبي بكر عتيق بن إسماعيل، الأندلسي، الفنكي، الشافعي، نزيل دمشق، وإمام الكلاسة، وأبو إمامها.
مولده سنة ثمان وعشرين وخمس مائة.
سمع بقرطبة من الحافظ أبي الوليد بن الدباغ كتاب الموطأ بقراءة والده بعد الأربعين وخمس مائة بسماعه من الخولاني بسماعه من القبحطالي.
وتلا بالسبع على ابن صاف، وبمكة على رجل من تلامذة أبي العز القلانسي، وبالموصل على ابن سعدون.
وسمع الكثير من ابن عساكر، وأبي نصر اليوسفي، ويحيى الثقفي، وخلق. ونسخ شيئًا كثيرًا.
وكان دينًا صالحًا، قانتًا لله، بصيرًا بالقراءات.
روى عنه: ابناه: تاج الدين محمد، وإسماعيل، وابن خليل، والشهاب القوصي، وعدة.
وأجاز لأحمد بن أبي الخير.
وفنك من أعمال قرطبة.
مات في رمضان سنة ست وتسعين وخمس مائة رحمه الله.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 158"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 323".
5337 - العراقي
(1)
:
العلامة، أبو إسحاق، إبراهيم بن منصور بن المسلم، المصري الشافعي، الخطيب المشهور بالعراقي.
ولد بمصر سنة عشر وخمس مائة.
وارتحل، فتفقه، وبرع في المذهب على أبي بكر محمد بن الحسين الأرموي تلميذ الشيخ أبي إسحاق، ثم تفقه على أبي الحسن بن الخل، وتفقه بمصر على القاضي مجلي بن جميع، وتصدر، وتخرج به الأصحاب، وولي خطابة جامع مصر.
وصنف شرحًا "للمهذب" مفيدًا.
وهو جد العلامة العلم العراقي لأمه.
وكان على سداد وأمر جميل.
توفي سنة ست وتسعين وخمس مائة في جمادى الأولى. وله نظم وفضائل.
5338 - الساوي:
الإمام، أبو محمد عبيد الله بن محمد بن عبد الجليل ابن الشيخ أبي الفتح، الساوي، ثم البغدادي، الحنفي، نائب الحكم ببغداد. وكان حميد السيرة.
حدث عن: ابن الحصين، وهبة الله بن الطبر، وجماعة.
وعنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، والبغداديون.
مات في المحرم سنة ست وتسعين وخمس مائة وله ثلاث وثمانون سنةً.
5339 - الويرج
(2)
:
الشيخ المسند، أبو الفتح ناصر بن محمد بن أبي الفتح الأصبهاني المقرئ القطان، المعروف بالويرج.
صدوق ومكثر.
سمع من ابن الإخشيذ، وجعفر بن عبد الواحد الثقفي، وابن أبي ذر، وفاطمة الجوزدانية، وسعيد بن أبي الرجاء.
وعنه: أبو الجناب الخيوقي، وأبو رشيد الغزال، وابن خليل، وآخرون.
أنبأني أبو العلاء الفرضي أن ناصرًا سمع "مسند أبي حنيفة" لابن المقرئ، وكتاب معاني الآثار للطحاوي من إسماعيل بن الإخشيذ بسماعه للأول من ابن عبد الرحيم، وللكتاب الثاني من منصور بن الحسين، عن ابن المقرئ عنه، وسمع "المعجم الكبير" من فاطمة الجوزدانية.
قلت: توفي في ثامن ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب "4/ 323".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 143" ووقع عنده [الوترح] بالمثناة الفوقية والحاء المهملة بدل [الويرج] بالمثناة التحتية والجيم المعجمة. وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 315".
5340 - ابن رشد الحفيد
(1)
:
العلامة. فيلسوف الوقت، أبو الوليد، محمد بن أبي القاسم أحمد ابن شيخ المالكية أبي الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي.
مولده قبل موت جده بشهر سنة عشرين وخمس مائة.
عرض "الموطأ" على أبيه.
وأخذ عن أبي مروان بن مسرة وجماعة، وبرع في الفقه، وأخذ الطب عن أبي مروان بن حزبول، ثم أقبل على علوم الأوائل وبلاياهم، حتى صار يضرب به المثل في ذلك.
قال الأبار: لم ينشأ بالأندلس مثله كمالًا وعلمًا وفضلًا، وكان متواضعًا، منخفض الجناح، يقال عنه: إنه ما ترك الاشتغال مذ عقل سوى ليلتين: ليلة موت أبيه، وليلة عرسه، وإنه سود في ما ألف وقيد نحوًا من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الحكماء، فكانت له فيها الإمامة. وكان يفزع إلى فتياه في الطب، كما يفزع إلى فتياه في الفقه، مع وفور العربية، وقيل: كان يحفظ "ديوان أبي تمام"، و"المتنبي".
وله من التصانيف: "بداية المجتهد" في الفقه، و"الكليات" في الطب، و"مختصر المستصفى" في الأصول، ومؤلف في العربية.
وولي قضاء قرطبة، فحمدت سيرته.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 154"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 320".
قال ابن أبي أصيبعة في "تاريخ الحكماء": كان أوحد في الفقه والخلاف، وبرع في الطب، وكان بينه وبين أبي مروان بن زهر مودة، وقيل: كان رث البزة، قوي النفس، لازم في الطب أبا جعفر بن هارون مدةً، ولما كان المنصور صاحب المغرب بقرطبة، استدعى ابن رشد، واحترمه كثيرًا، ثم نقم عليه بعد -يعني لأجل الفلسفة- وله "شرح أرجوزة ابن سينا" في الطب، و"المقدمات" في الفقه، كتاب "الحيوان"، كتاب "جوامع كتب أرسطوطاليس"، "شرح كتاب النفس"، كتاب "في المنطق"، كتاب "تلخيص الإلاهيات" لنيقولاوس، كتاب "تلخيص ما بعد الطبيعة" لأرسطو، كتاب "تلخيص الاستقصات" لجالينوس، ولخص له كتاب "المزاج"، وكتاب "القوى"، وكتاب "العلل"، وكتاب "التعريف"، وكتاب "الحميات"، وكتاب "حيلة البرء" ولخص كتاب "السماع الطبيعي"، وله كتاب "تهافت التهافت"، وكتاب "منهاج الأدلة" أصول، وكتاب "فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال"، كتاب "شرح القياس" لأرسطو، "مقالة في العقل"، "مقالة في القياس"، كتاب "الفحص في أمر العقل"، "الفحص عن مسائل في الشفاء"، "مسألة في الزمان"، "مقالة فيما يعتقده المشاؤون وما يعتقده المتكلمون في كيفية وجود العالم"، "مقالة في نظر الفارابي في المنطق ونظر أرسطو"، "مقالة في اتصال العقل المفارق للإنسان"، "مقالة في وجود المادة الأولى"، "مقالة في الرد على ابن سينا"، "مقالة في المزاج"، "مسائل حكمية"، "مقالة في حركة الفلك"، كتاب "ما خالف فيه الفارابي أرسطو".
قال شيخ الشيوخ ابن حمويه: لما دخلت البلاد، سألت عن ابن رشد، فقيل: إنه مهجور في بيته من جهة الخليفة يعقوب، لا يدخل إليه أحد؛ لأنه رفعت عنه أقوال ردية، ونسبت إليه العلوم المهجورة، ومات محبوسًا بداره بمراكش في أواخر سنة أربع.
وقال غيره: مات في صفر، وقيل: ربيع الأول سنة خمس.
ومات السلطان بعده بشهر.
وقد روى عنه: أبو محمد بن حوط الله، وسهل بن مالك، ولا ينبغي أن يروى عنه.
5341 - ابن ملاح الشط
(1)
:
الشيخ الصالح المسند، أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن هبة الله بن محمد بن عيسى، القصري، البواب، ويعرف بابن ملاح الشط.
كان يسكن بقصر علي بن عيسى الهاشمي.
سمع الكثير من: أبي القاسم بن الحصين، وأبي غالب بن البناء، وأبي البركات يحيى بن حبيش الفارقي، وأبي الحسن علي بن الزاغوني، وعدة.
قال ابن النجار: كتبت عنه كثيرًا، وكان شيخًا صالحًا، حسن الأخلاق، محبًا للرواية، لا يسأم، ولا يضجر، وكان بوابًا بمدرسة أم الخليفة. سالت عن مولده، فقال: أذكر خلافة المستظهر. مات شيخنا في صفر سنة سبع وتسعين وخمس مائة.
قلت: لعله جاوز التسعين.
وروى عنه: ابن خليل، والضياء، وابن عبد الدائم، والنجيب الحراني، وآخرون. وبالإجازة ابن أبي الخير، والقطب ابن أبي عصرون، والفخر ابن البخاري.
وفيها مات ابن الجوزي، وأبو المكارم اللبان، والمحدث تميم ابن البندنيجي، وعبد الله بن المبارك بن الطويلة، وأبو محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم بن الفرس الأنصاري الغرناطي، شيخ المالكية، والواعظ عمر بن علي الحربي، ومحمد بن أبي زيد الكراني، والعماد الكاتب، وشيخ المالكية أبو المنصور ظافر بن الحسين الأزدي بمصر، والأمير بهاء الدين قراقوش الخادم الأبيض مولى شيركوه الذي بنى سور مصر وقلعة الجبل، وأبو عبد الله محمد بن أحمد الفارفاني أخو عفيفة، والمقرئ محمد بن محمد بن الكال الحلي، وأبو شجاع محمد بن أبي محمد المقرون اللوزي المقرئ.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب "4/ 331".
5342 - صاحب المغرب
(1)
:
السلطان الكبير، الملقب بأمير المؤمنين المنصور، أبو يوسف، يعقوب ابن السلطان يوسف ابن السلطان عبد المؤمن بن علي، القيسي، الكومي، المغربي، المراكشي، الظاهري، وأمه أمة رومية اسمها سحر. عقدوا له بالأمر سنة ثمانين وخمس مائة عند مهلك أبيه، فكان سنه يومئذ ثنتين وثلاثين سنةً.
وكان تام القامة، أسمر، صافيًا، جميل الصورة، أعين، أفوه، أقنى، أكحل، سمينًا، مستدير اللحية، جهوري الصوت، جزل العبارة، صادق اللهجة، فارسًا، شجاعًا، قوي الفراسة، خبيرًا بالأمور، خليقًا للإمارة، ينطوي على دين وخير وتأله ورزانة.
عمل الوزارة لأبيه، وخبر الخير والشر، وكشف أحوال الدواوين.
وزر له عمر بن أبي زيد، ثم أبو بكر بن عبد الله بن الشيخ عمر إينتي، ثم ابن عم هذا محمد الذي تزهد، وأختفى، ثم أبو زيد الهنتاني، وزير ولده من بعده. وكتب له السر ابن محشوة، ثم ابن عياش الأديب. وقضى له ابن مضاء، ثم الوهراني، ثم أبو القاسم بن بقي.
ولما تملك، كان حوله منافسون له من عمومته وإخوته، ثم تحول إلى سلا، وبها تمت بيعته، وأرضى آله بالعطاء، وبنى مدينةً تلي مراكش على البحر، فما عتم أن خرج عليه علي ابن غانية الملثم، فأخذ بجاية، وخطب للناصر العباسي، فكان الخطيب بذلك عبد الحق مصنف "الأحكام"، ولولا حضور أجله، لأهلكه المنصور.
ثم تملك ابن غانية قلعة حماد، فسار المنصور، واسترد بجاية، وجهز جيشه، فالتقاهم ابن غانية فمزقهم، فسار المنصور بنفسه، فكسر ابن غانية، وذهب مثخنًا بالجراح، فمات في خيمة أعرابية، وقدم جيشه عليهم أخاه يحيى، فانحاز بهم إلى الصحراء مع العرب، وجرت له حروب طويلة، واسترد المنصور قفصة، وقتل في أهلها، فأسرف، ثم قتل عميه سليمان وعمر صبرًا، ثم ندم، وتزهد، وتقشف، وجالس الصلحاء والمحدثين، ومال إلى الظاهر، وأعرض عن المالكية، وأحرق ما لا يحصى من كتب الفروع.
قال عبد الواحد بن علي: كنت بفاس، فشهدت الأحمال يؤتى بها، فتحرق، وتهدد على الاشتغال بالفروع، وأمر الحفاظ بجمع كتاب في الصلاة من "الكتب الخمسة"، و"الموطأ"، و"مسند ابن أبي شيبة"، و"مسند البزار"، و"سنن الدارقطني"، و"سنن البيهقي"، كما جمع ابن تومرت في الطهارة. ثم كان يملي ذلك بنفسه على كبار دولته، وحفظ ذلك خلق، فكان لمن يحفظه عطاء وخلعة. إلى أن قال: وكان قصده محو مذهب مالك من البلاد، وحمل الناس على الظاهر، وهذا المقصد بعينه كان مقصد أبيه وجده، فلم يظهراه، فأخبرني غير واحد أن ابن الجد أخبرهم قال: دخلت على أمير المؤمنين يوسف، فوجدت بين يديه كتاب ابن يونس، فقال: أنا أنظر في هذه الآراء التي أحدثت في الدين، أرأيت المسألة فيها أقوال، ففي أيها الحق? وأيها يجب أن يأخذ به المقلد? فافتتحت أبين له، فقطع كلامي، وقال: ليس إلَّا هذا، وأشار إلى المصحف، أو هذا، وأشار إلى سنن أبي داود، أو هذا، وأشار إلى السيف.
قال يعقوب: يا معشر الموحدين، أنتم قبائل، فمن نابه أمر، فزع إلى قبيلته، وهؤلاء -يعني طلبة العلم- لا قبيل لهم إلَّا أنا، قال: فعظموا عند الموحدين.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ ترجمة 829".
وفي سنة خمس وثمانين: غزا الفرنج، ثم رجع، فمرض، وتكلم أخوه أبو يحيى في الملك، فلما عوفي، قتله، وتهدد القرابة.
وفي سنة تسعين انتقضت الهدنة، فتجهز، وعرض جيوشه بإشبيلية، وأنفق الأموال، فقصده ألفنش فالتقوا، وكان نصرًا عزيزًا، ما نجا ألفنش إلَّا في شريذمة، واستشهد من الكبار جماعة، واستولى يعقوب على قلاع، ونازل طليطلة، ثم رجع، ثم غزا، ووغل، بحيث انتهى إلى أرض ما وصلت إليها الملوك، فطلب ألفنش المهادنة، فعقدت عشرًا، ثم رد السلطان إلى مراكش بعد سنتين، وصرح بقصد مصر.
وكان يتولى الصلاة بنفسه أشهرًا، فتعوق يومًا، ثم خرج، وهم ينتظرونه، فلامهم، وقال: قد قدم الصحابة عبد الرحمن بن عوف للعذر، ثم قرر إمامًا عنه. وكان يجلس للحكم، حتى اختصم إليه اثنان في نصف، فقضى، ثم أدبهما، وقال: أما كان في البلد حكام?
وكان يسمع حكم ابن بقي من وراء الستر، ويدخل إليه أمناء الأسواق، فيسألهم عن الأمور.
وتصدق في الغزوة الماضية بأربعين ألف دينار.
وكان يجمع الأيتام في العام، فيأمر للصبي بدينار وثوب ورغيف ورمانة.
وبنى مارستان ما أظن مثله، غرس فيه من جميع الأشجار، وزخرفه وأجرى فيه المياه، ورتب له كل يوم ثلاثين دينارًا للأدوية، وكان يعود المرضى في الجمعة.
وورد عليه أمراء من مصر، فأقطع واحدًا تسعة آلاف دينار.
وكان لا يقول بالعصمة في ابن تومرت.
وسأل فقيهًا: ما قرأت? قال: تواليف الإمام، قال: فزورني، وقال: ما كذا يقول الطالب! حكمك أن تقول: قرأت كتاب الله، وقرأت من السنة، ثم بعد ذا قل ما شئت.
قال تاج الدين ابن حمويه: دخلت مراكش في أيام يعقوب، فلقد كانت الدنيا بسيادته مجملةً، يقصد لفضله ولعدله ولبذله وحسن معتقده، فأعذب موردي، وأنجح مقصدي، وكانت مجالسه مزينةً بحضور العلماء والفضلاء، تفتتح بالتلاوة ثم بالحديث، ثم يدعو هو، وكان يجيد حفظ القرآن، ويحفظ الحديث، ويتكلم في الفقه، ويناظر، وينسبونه إلى مذهب الظاهر. وكان فصيحًا، مهيبًا، حسن الصورة، تام الخلقه، لا يرى منه اكفهرار، ولا عن
مجالسه إعراض، بزي الزهاد والعلماء، وعليه جلالة الملوك، صنف في العبادات، وله "فتاو"، وبلغني أن السودان قدموا له فيلًا فوصلهم، ورده، وقال: لا نريد أن نكون أصحاب الفيل، ثم طول التاج في عدله وكرمه، وكان يجمع الزكاة، ويفرقها بنفسه، وعمل مكتبًا للأيتام، فيه نحو ألف صبي، وعشرة معلمون. حكى لي بعض عماله: أنه فرق في عيد نيفًا وسبعين ألف شاة.
وقال عبد الواحد: كان مهتمًا بالبناء، كل وقت يجدد قصرًا أو مدينةً، وأن الذين أسلموا كرهًا أمرهم بلبس كحلي وأكمام مفرطة الطول، وكلوتات ضخمة بشعة، ثم ألبسهم ابنه العمائم الصفر، حمل يعقوب على ذلك شكه في إسلامهم، ولم تنعقد عندنا ذمة ليهودي ولا نصراني منذ قام أمر المصامدة، ولا في جميع المغرب كنيسة، وإنما اليهود عندنا يظهرون الإسلام، ويصلون، ويقرئون أولادهم القرآن جارين على ملتنا.
قلت: هؤلاء مسلمون، والسلام.
وكان ابن رشد الحفيد قد هذب له كتاب "الحيوان" وقال: الزرافة رأيتها عند ملك البربر، كذا قال غير مهتبل، فأحنقهم هذا، ثم سعى فيه من يناوئه عند يعقوب، فأروه بخطه حاكيًا عن الفلاسفة أن الزهرة أحد الآلهة، فطلبه، فقال: أهذا خطك? فأنكر، فقال: لعن الله من كتبه، وأمر الحاضرين بلعنه، ثم أقامه مهانًا، وأحرق كتب الفلسفة سوى الطب والهندسة. وقيل: لما رجع إلى مراكش، أحب النظر في الفلسفة، وطلب ابن رشد ليحسن إليه، فحضر، ومات، ثم بعد يسير مات يعقوب.
وقد كتب صلاح الدين إلى يعقوب يستنجد به في حصار عكا، ونفذ إليه تقدمةً، وخضع له، فما رضي لكونه ما لقبه بأمير المؤمنين، ولقد سمح بها، فامتنع منها كاتبه القاضي الفاضل.
وقيل: إن يعقوب أبطل الخمر في ممالكه، وتوعد عليها فعدمت، ثم قال لأبي جعفر الطبيب: ركب لنا ترياقًا، فأعوزه خمر، فأخبره بذلك، فقال: تلطف في تحصيله سرًا، فحرص، فعجز، فقال الملك: ما كان لي بالترياق حاجة، لكن أردت اختبار بلادي.
قيل: إن الأدفنش كتب إليه يهدده، ويعنفه، ويطلب منه بعض البلاد، ويقول: وأنت تماطل نفسك، وتقدم رجلًا، وتؤخر أخرى، فما أدري الجبن بطأ بك، أو التكذيب بما وعدك نبيك? فلما قرأ الكتاب، تنمر، وغضب، ومزقه، وكتب على رقعة منه: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا
…
} الآية [النمل: 37]، الجواب ما ترى لا ما تسمع.
ولا كتب إلَّا المشرفيّة عندنا
…
ولا رسل إلَّا للخميس العرمرم
ثم استنفر سائر الناس، وحشد، وجمع، حتى احتوى ديوان جيشه على مائة ألف، ومن المطوعة مثلهم، وعدى إلى الأندلس، فتمت الملحمة الكبرى، ونزل النصر والظفر، فقيل: غنموا ستين ألف زردية.
قال ابن الأثير: قتل من العدو مائة ألف وستة وأربعون ألفًا، ومن المسلمين عشرون ألفًا.
وذكره أبو شامة، وأثنى عليه، ثم قال: وبعد هذا فاختلفت الأقوال في أمره، فقيل: إنه ترك ما كان فيه، وتجرد، وساح، حتى قدم المشرق متخفيًا، ومات خاملًا، حتى قيل: إنه مات ببعلبك. ومنهم من يقول: رجع إلى مراكش، فمات بها، وقيل: مات بسلا، وعاش بضعًا وأربعين سنةً.
قلت: إليه تنسب الدنانير اليعقوبية.
قال ابن خلكان: حكى لي جمع كبير بدمشق أن بالبقاع بالقرب من المجدل قريةً يقال لها: حمارة، بها مشهد يعرف بقبر الأمير يعقوب ملك المغرب، وكل أهل تلك الناحية متفقون على ذلك.
قيل: الأظهر موته بالمغرب، فقيل: مات في أول جمادى الأولى، وقيل: في ربيع الآخر، وقيل: مات في صفر سنة خمس وتسعين.
وقد يقال: لو مات مثل هذا السلطان في مقر عزه، لم يختلف هكذا في وفاته -فالله أعلم- لكن بويع في هذا الحين ولده محمد بن يعقوب المؤمني.
5343 - صاحب غزنة
(1)
:
السلطان الكبير، غياث الدين، أبو الفتح محمد بن سام بن حسين الغوري، أخو السلطان شهاب الدين الغوري.
قال عز الدين ابن البزوري: كان ملكًا عادلًا، وللمال باذلًا، فكان محسنًا إلى الرعية، رؤوفًا بهم، كانت به ثغور الأيام باسمةً، وكلها بوجوده مواسم. قرب العلماء، وأحب الفضلاء، وبنى المساجد والربط والمدارس، وأدر الصدقات، وبنى الخانات.
قلت: كان ابتداء دولتهم محاربتهم لسلطانهم بهرام شاه بن مسعود السبكتكيني، وكان رأس أهل الغور علاء الدين الحسين بن الحسن، فهزمه بهرام شاه غير مرة، وقتل إخوته، ثم تمكن علاء الدين، وتسلطن، وأمر ابني أخيه غياث الدين وشهاب الدين ابني سام، ثم قاتلاه، وأسراه، ثم تأدبا معه، ورداه إلى ملكه، فخضع، وصاهرهما على بنيه، وجعلهما وليي عهده، فلما مات في سنة ست وخمسين، تسلطن غياث الدين المذكور، واستولى على غزنة، ثم قهره الغز، واستولوا على غزنة خمس عشرة سنةً. ثم نهض شهاب الدين، وهزم الغز، وقتل منهم خلائق، وافتتح البلاد الشاسعة، وقصد لها، ورد بها خسرو شاه بن بهرام شاه آخر ملوك الهند السبكتكينية، فأخذها سنة تسع وسبعين، وأمن خسرو شاه، ثم بعثه مع ولده، وأسلمهما إلى أخيه، فسجنهما، وكان آخر العهد بهما، وكان دولتهم أزيد من مائتي عام.
ويقال: بل مات خسرو كما قدمنا في حدود سنة خمسين، وتسلطن بعده ابنه ملكشاه، فيحرر هذا.
وحكم الغوري على الهند والأقاليم، وتلقب بقسيم أمير المؤمنين، ثم سار الأخوان، وافتتحا هراة وبوشنج وغير ذلك، ثم حشدت ملوك الهند، وعملوا المصاف، وانكسر المسلمون، وجرح شهاب الدين، وسقط، ثم جمع، والتقى الهند، فاستأصلهم، وطوى الممالك.
نعم، وكان غياث الدين واسع البلاد مظفرًا في حروبه، وفيه دهاء، ومكر، وشجاعة، وإقدام.
وتمرض بالنقرس.
وقيل: إنه أسقط مكوس بلاده. وكان يرجع إلى فضيلة وأدب.
وكان يقول: التعصب في المذاهب قبيح.
وقد امتدت أيامه، وتملك بعد عمه، وله غزوات وفتوحات.
مات في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وخمس مائة، فتملك بعده أخوه السلطان شهاب الدين مدةً، ثم قتل غيلةً، وتسلطن بعده ابن أخيه السلطان غياث الدين محمود بن محمد، ثم تملك غلامهم السلطان تاج الدين إلدز، واستولى على مدائن، وعظم أمره، ثم قتل في مصاف.
ولهذه المملكة جيوش عظيمة جدًا.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 184 - 185"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 342".
5344 - أخوه السلطان شهاب الدين
(1)
:
أبو المظفر محمد بن سام. قتلته الباطنية في شعبان سنة اثنتين وست مائة.
قال ابن الأثير: قتل صاحب الهند شهاب الدين بمخيمه بعد عوده من لهاوور، وذلك أن نفرًا من الكفار الكوكرية لزموا عسكره ليغتالوه، لما فعل بهم من القتل والسبي، فتفرق خواصه عنه ليلةً، وكان معه من الخزائن ما لا يوصف؛ لينفقها في العساكر لغزو الخطا، فثار به أولئك، فقتلوا من حرسه رجلًا، فثارت إليه الحرس عن مواقفهم، فخلا ما حول السرادق، فاغتنم أولئك الوقت، وهجموا عليه، فضربوه بسكاكينهم، ونجوا، ثم ظفر بهم، وقتلوا، وحفظ الوزير والأمراء والأموال، وصيروا السلطان في محفة، وداروا حولها بالحشم والصناجق، وكانت خزائنه على ألفي جمل ومائةين، فقدموا كرمان، فخرج إليهم الأمير تاج الدين إلدز، فشق ثيابه، وبكى، وكان يومًا مشهودًا، وتطلع تاج الدين إلى السلطنة، ودفن شهاب الدين بتربة له بغزنة، وكان بطلًا شجاعًا مهيبًا جيد السيرة، يحكم بالشرع.
بلغنا أن فخر الدين الرازي وعظ مرةً عنده، فقال: يا سلطان العالم، لا سلطانك يبقى، ولا تلبيس الرازي يبقى، {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر]. قال: فانتحب السلطان بالبكاء.
وكان شافعيًا كأخيه. وقيل: كان حنفيًا.
5345 - ابن القصاب
(2)
:
الوزير الكبير، مؤيد الدين، أبو الفضل محمد بن علي بن أحمد ابن القصاب، البغدادي.
من رجال الدهر شهامةً، وهيبةً، وحزمًا، وغورًا، ودهاءً، مع النظم والنثر والبلاغة.
ناب في الوزارة، وخدم في ديوان الإنشاء، وسار في العساكر، فافتتح همذان وأصبهان، وحاصر الري، ورجع، فولي الوزارة، وسار في جيش عظيم إلى همذان، فجاءه الموت في شعبان سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة، وقد جاوز سبعين سنةً. وكان أبوه قصابًا عجميًا بسوق الثلاثاء، ثم نبشه خوارزمشاه من قبره، وقطع به، وطاف به على رمح بخراسان.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 191"، وشذرات الذهب "5/ 7 - 8".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 139"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 311".
5346 - ابن المقرون
(1)
:
الإمام القدوة العابد، شيخ القراء، أبو شجاع محمد بن أبي محمد بن أبي المعالي بن المقرون، البغدادي، اللوزي، من محلة اللوزية.
ولد سنة بضع عشرة وخمس مائة.
وجود القراءات على أبي محمد سبط الخياط، وأبي الكرم الشهرزوري.
وسمع من أبي الحسن بن عبد السلام كتاب الجعديات بكماله.
وقرأه عليه الزين بن عبد الدائم.
وسمع من علي بن الصباغ، وأبي الفتح البيضاوي، وسبط الخياط، وأبي الفضل الأرموي، وعدة.
وروى الكثير، وأقرأ الكتاب العزيز ستين عامًا، وكان محققًا لحروفه، عاملًا بحدوده، يأكل من كسب يده، ويتعفف ويتعبد، ويأمر بالمعروف، ولا يخاف في الله لومة لائم.
لقن الأولاد والآباء والأجداد.
قرأ عليه بالروايات خلق، منهم: أبو عبد الله بن الدبيثي، وقال: نعم الشيخ.
كان دفنه بصفة بشر الحافي.
قلت: وحدث عنه: الشيخ الضياء، وابن خليل، والتقي اليلداني، والنجيب الحراني، وابن عبد الدائم، وآخرون.
قال ابن النجار: لقن خلقًا لا يحصون، وحملت جنازته على الرؤوس، ما رأيت جمعًا أكثر من جمع جنازته.
قال: وكان مستجاب الدعوة، وقورًا. مات في سابع عشر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين وخمس مائة.
قلت: ومن مروياته: "الجمع بين الصحيحين" للحميدي، تحمله عن أبي إسحاق الغنوي عن المؤلف، قرأه عليه العز محمد بن عبد الغني سنة ست. أجاز مروياته لأحمد بن سلامة، وعلي بن البخاري، وجماعة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب "4/ 333".
5347 - ابن زهر
(1)
:
العلامة، جالينوس زمانه، أبو بكر محمد بن عبد الملك بن زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر، الإيادي، الإشبيلي.
أخذ الطب عن جده أبي العلاء، وعن أبيه، وبلغ الغاية والحظ الوافر من اللغة والآداب والشعر وعلو المرتبة في العلاج عند الدولة، مع السخاء والجود والحشمة.
أخذ عنه: ابن دحية، وأبو علي الشلوبين.
قال الأبار: كان أبو بكر بن الجد يزكيه، ويحكي عنه أنه يحفظ "صحيح البخاري" متنًا وإسنادًا. مات بمراكش في ذي الحجة سنة خمس وتسعين وخمس مائة، وولد سنة سبع وخمس مائة.
قال ابن دحية: مكانه مكين في اللغة، ومورده معين في الطب، كان يحفظ شعر ذي الرمة وهو ثلث اللغة، مع الإشراف على جميع أقوال أهل الطب، مع سمو النسب، وكثرة النشب، صحبته زمانًا، وله أشعار حلوة، وقد رحل أبو جده إلى المشرق، وولي رياسة الطب ببغداد، ثم بمصر، ثم بالقيروان، ثم نزل دانية، وطار ذكره.
قلت: كان أبو بكر هذا يقال له: الحفيد، كما يقال لصديقه ابن رشد: الحفيد، وكان في رتبة الوزراء، وقيل: كان دينًا عدلًا، قوي النفس، مليح الشكل، يجر قوسًا قويًا، وله نظم رائق، فمنه:
للّه ما فعل الغرام بقلبه
…
أودى له به لما ألمّ بلبّه
يأبى الذي لا يستطيع لعجبه
…
ردّ السّلام وإن شككت فعج به
ظبيٌ من الأتراك ما تركت ضنىً
…
ألحاظه من سلوةٍ لمحبّه
إن كنت تنكر ما جنى بلحاظه
…
في سلبه يوم الغوير فسل به
يا ما أُميلحه وأعذب ريقه
…
وأعزّه وأذلّني في حبّه
بل ما أُليطف وردةً في خدّه
…
وأرقّها وأشدّ قسوة قلبه
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 672"، وشذرات الذهب "4/ 320".
5348 - ابن زريق الحداد
(1)
:
الإمام، شيخ المقرئين، أبو جعفر، المبارك بن الإمام أبي الفتح المبارك بن أحمد بن زريق، الواسطي، ابن الحداد، إمام جامع واسط بعد والده.
مولده سنة تسع وخمس مائة.
تلا على أبيه، ومهر، ثم سافر معه إلى بغداد في سنة (532)، فقرأ بها بالمبهج وغيره على أبي محمد سبط الخياط.
وسمع من: قاضي المارستان، وإسماعيل بن السمرقندي، وطائفة، وبواسط من علي بن علي بن شيران، والقاضي أبي علي الفارقي، وجماعة، وتفرد عن ابن شيران الفارقي، وتفرد بإجازة خميس الحوزي، وأبي الحسين محمد بن غلام الهراس أبي علي، ورزين بن معاوية العبدري، وأجاز له أيضًا أبو طالب بن يوسف، وعبد الله بن السمرقندي.
حدث عنه: محمد بن النفيس بن منجب، ويوسف بن خليل، وإبراهيم بن محاسن، وابن الدبيثي وآخرون.
وتلا عليه بالروايات: الشريف محمد بن عمر الداعي، وغيره.
قال ابن النجار: كان من أعيان القراء الموصوفين بجودة القراءة، وحسن الأداء، وطيب الصوت، وكان بقية الأكابر، وهو صدوق متدين.
مات في رمضان سنة ست وتسعين وخمس مائة.
وزريق أوله زاي.
5349 - البندار
(2)
:
الشيخ الصالح القدوة، أبو محمد، عبد الخالق بن هبة الله بن القاسم بن منصور، الحريمي، البندار، أخو عبد الجبار.
سمع هبة الله بن الحصين، وأبا المواهب بن ملوك، وهبة الله الحريري، وقاضي المارستان. وسمع بالري عبد الرحمن بن أبي القاسم الحصيري.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 328".
(2)
ترجمته في شذرات الذهب "4/ 319 - 320".
روى عنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، وابن النجار، وجماعة.
قال ابن النجار: كان صالحًا، زاهدًا، كثير العبادة، حسن السمت، على منهاج السلف، كأن النور يلوح على وجهه، ويجد الناظر إليه روحًا في نفسه. مات في ذي القعدة سنة خمس وتسعين وخمس مائة، وله أربع وثمانون سنة.
وفيها ماتت أسماء بنت محمد ابن البزاز الدمشقية، وأختها آمنة والدة القاضي محيي الدين محمد بن الزكي، والمحدث أبو الفرج ثابت بن محمد المديني، ودلف بن أحمد بن قوفا، وطرخان بن ماضي الشاغوري الذي أم بالملك نور الدين، وصاحب مصر الملك العزيز بن صلاح الدين، وأتابك الموصل مجاهد الدين قيماز الرومي الخادم، والفيلسوف أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي الحفيد صاحب المصنفات، وأبو جعفر محمد بن إسماعيل الطرسوسي، وطبيب الوقت أبو بكر محمد بن عبد الملك بن زهر الإشبيلي، ومسلم بن علي السيحي الموصلي، ومنصور بن أبي الحسن الطبري الواعظ، وشيخ الشافعية جمال الدين يحيى بن علي بن فضلان البغدادي، ويعقوب صاحب المغرب.
5350 - خوارزمشاه
(1)
:
السلطان علاء الدين، تكش بن أرسلان بن أتسز بن محمد بن نوشتكين.
قال أبو شامة: هو من ولد طاهر بن الحسين الأمير. قال: وكان جوادًا شجاعًا، تملك الدنيا من السند والهند وما وراء النهر إلى خراسان إلى بغداد، فإنه كان نوابه في حلوان، وكان جنده مائة ألف، هزم مملوكه عسكر الخليفة، وأزال هو دولة السلاجقة، وكان حاذقًا بلعب العود. هم به باطني، فأرعد، فأخذه، وقرره، فأقر، فقتله، وكان يباشر الحرب بنفسه، وذهبت عينه بسهم. عزم على قصد بغداد، ووصل دهستان، فمات، ثم قام بعده ابنه محمد، ولقب علاء الدين بلقبه.
قال لنا ابن البزوري: كان تكش عنده آداب ومعرفة بمذهب أبي حنيفة. بنى مدرسةً بخوارزم، وله المقامات المشهورة. حارب طغريل، وقتله، ثم وقع بينه وبين ابن القصاب الوزير، فكان قد نفذ إليه تشريفًا من الديوان، فرده، ثم ندم، واعتذر، وبعث إليه بتشريف، فلبسه.
مات في رمضان سنة ست وتسعين بشهر ستانة، فحمله ولده محمد، فدفنه بمدرسته بخوارزم. وقيل: مات بالخوانيق.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 324".
5351 - العجلي
(1)
:
رأس الشيعة، وعالم الرافضة، العلامة أبو عبد الله محمد بن إدريس بن أحمد بن إدريس، العجلي، الحلي.
صاحب التصانيف، منها كتاب الحاوي لتحرير الفتاوي، وكتاب السرائر، وكتاب خلاصة الاستدلال، ومناسك وأشياء في الأصول والفروع.
أخذ عن الفقيه راشد، والشريف شرف شاه.
وله بالحلة شهرة كبيرة وتلامذة، ولبعض الجهلة فيه قصيدة يفضله فيها على محمد بن إدريس إمامنا.
مات في سنة سبع وتسعين وخمس مائة.
5352 - صاحب اليمن
(2)
:
سيف الإسلام، طغتكين بن أيوب بن شاذي.
كان أخوه الملك المعظم تورانشاه قد افتتح اليمن سنة تسع وستين، ثم رجع بعد عامين، واستناب عنه، وقدم دمشق، ثم بعث صلاح الدين أخاه سيف الإسلام إلى اليمن سنة تسع وسبعين، فتملك اليمن كله، وحارب الزيدية، وبعد أعوام أخذ صنعاء، وكانت دولته أربع عشرة سنةً، فلما احتضر، سلطن مملوكه بوزبا، ومات في شوال سنة ثلاث وتسعين، ثم تملك ولده المعز، وقتل بوزبا وجماعةً من مماليك أبيه، وحارب رأس الزيدية، وهزمه، وأنشأ بزبيد مدرسةً، وادعى أنه أموي، ورام الخلافة، وله "ديوان شعر"، فقتله أمراؤه الأكراد، وملكوا أخاه الناصر أيوب بن طغتكين.
(1)
ترجمته في لسان الميزان "5/ ترجمة 215".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 141 - 142"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 311 - 313"، وقد توفى في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.
5353 - عبد اللطيف
(1)
:
ابن أبي البركات إسماعيل بن الشيخ أبي سعد محمد بن دوست شيخ الشيوخ، أبو الحسن النيسابوري الأصل البغدادي الصوفي، أخو شيخ الشيوخ صدر الدين عبد الرحيم الذي مات بالرحبة.
كان أبو الحسن شيخًا عاميًا بليدًا عريًا من العلم.
سمع من القاضي أبي بكر، وإسماعيل بن السمرقندي، وعلي بن علي الأمين، وأبي الحسن بن عبد السلام، وطائفة.
وتمشيخ برباط جده بعد أخيه في سنة ثمانين، وقد حج، وركب البحر، وقدم مصر وبيت المقدس زائرًا ودمشق. وحدث، فأدركته المنية بدمشق في رابع عشر ذي الحجة سنة ست وتسعين وخمس مائة، وله ثلاث وسبعون سنةً.
ذكر هذا أو معناه ابن النجار، وروى عنه هو وابن خليل، واليلداني، وعثمان بن خطيب القرافة، وفرج الحبشي، وعبد الله وعبد الرحمن ابنا أحمد بن طعان، والقاضي صدر الدين ابن سني الدولة، وابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، والكمال بن عبد، وعدد كثير. وبالإجازة أحمد بن أبي الخير.
قال ابن الدبيثي: كان بليدًا لا يفهم، قال مرةً -فيما بلغني- لمن قصده في سماع جزء: امض به إلى ابن سكينة يسمعك عني، فإني مشغول.
وفيها مات ابن كليب، والإمام أبو جعفر أحمد بن علي القرطبي، وأحمد بن محمد بن أحمد ابن البخيل، والعلامة أبو إسحاق إبراهيم بن منصور العراقي الخطيب، وإسماعيل بن صالح بن ياسين الشارعي، وأبو علي الحسن بن عبد الرحمان الفارسي الزاهد، وخليل بن أبي الرجاء الراراني، وخوارزمشاه تكش، والقاضي الفاضل، والوجيه عبد العزيز بن عيسى اللخمي بالثغر، والقاضي عبيد الله بن محمد بن عبد الجليل الساوي، والفقيه عسكر بن خليفة الحموي، والنظام محمد بن عبد الله ابن الظريف البلخي، والأمير ابن بنان، والشهاب محمد بن محمود الطوسي شيخ الشافعية بمصر.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري "6/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 327".
5354 - ابن زبادة
(1)
:
الصاحب الأثير، رئيس ديوان الإنشاء، قوام الدين، أبو طالب يحيى بن سعيد بن هبة الله بن علي بن علي بن زبادة الواسطي ثم البغدادي.
كان رب فنون: فقه، وأصول، وكلام، ونظم، ونثر. سارت الركبان بترسله المؤنق.
ولي المناصب الجليلة.
وروى عن: أبي الحسن بن عبد السلام، وأبي القاسم علي ابن الصباغ، وأبي بكر أحمد بن محمد الأرجاني الشاعر، وأبي منصور ابن الجواليقي، وأخذ عنه العربية.
ولي نظر واسط، وولي حجابة الحجاب، ثم الأستاذدارية، ثم نقل إلى كتابة السر.
روى عنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، وغيرهما.
وكان دينًا صينًا، حميد السيرة، وهو القائل:
لا تغبطنّ وزيرًا للملوك وإن
…
أناله الدهر منهم فوق همّته
واعلم بأنّ له يومًا تمور به ال
…
أرض الوقور كما مارت بهيبته
هارون وهو أخو موسى الشقيق له
…
لولا الوزارة لم يأخذ بلحيته
أنبؤونا عن ابن الدبيثي، أنشدنا أبو طالب بن زبادة، أنشدني القاضي الأرجاني لنفسه:
ومقسومة العينين من دهش النّوى
…
وقد راعها بالعيس رجع حداء
تجيب بإحدى مقلتيها تحيّتي
…
وأُخرى تراعي أعين الرّقباء
ولما بكت عيني غداة رحيلهم
…
وقد روّعتني فرقة القرناء
بدت في محيّاها خيالات أدمعي
…
فغاروا وظنّوا أن بكت لبكائي
توفي ابن زبادة في سابع عشر ذي الحجة سنة أربع وتسعين وخمس مائة، وله اثنتان وسبعون سنةً وأشهر.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 808"، وشذرات الذهب "4/ 318"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 144 - 145".
5355 - القاضي الفاضل
(1)
:
المولى الإمام العلامة البليغ، القاضي الفاضل، محيي الدين، يمين المملكة، سيد الفصحاء، أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن الحسن بن أحمد بن المفرج، اللخمي، الشامي، البيساني الأصل، العسقلاني المولد، المصري الدار، الكاتب، صاحب ديوان الإنشاء الصلاحي.
ولد سنة تسع وعشرين وخمس مائة.
سمع في الكهولة من أبي طاهر السلفي، وأبي محمد العثماني، وأبي القاسم بن عساكر، وأبي الطاهر بن عوف، وعثمان بن فرج العبدري.
وروى اليسير.
وفي انتسابه إلى بيسان تجوز، فما هو منها، بل قد ولي أبوه القاضي الأشرف أبو الحسن قضاءها.
انتهت إلى القاضي الفاضل براعة الترسل وبلاغة الإنشاء، وله في ذلك الفن اليد البيضاء، والمعاني المبتكرة، والباع الأطول، لا يدرك شأوه، ولا يشق غباره، مع الكثرة.
قال ابن خلكان: يقال إن مسودات رسائله ما يقصر عن مائة مجلد، وله النظم الكثير. أخذ الصنعة عن الموفق يوسف بن الخلال صاحب الإنشاء للعاضد، ثم خدم بالثغر مدةً، ثم طلبه ولد الصالح بن رزيك، واستخدمه في ديوان الإنشاء.
قال العماد: قضى سعيدًا، ولم يبق عملًا صالحًا إلَّا قدمه، ولا عهدًا في الجنة إلَّا أحكمه، ولا عقد بر إلَّا أبرمه، فإن صنائعه في الرقاب، وأوقافه متجاوزة الحساب، لا سيما أوقافه لفكاك الأسرى، وأعان المالكية والشافعية بالمدرسة، والأيتام بالكتاب، كان للحقوق قاضيًا، وفي الحقائق ماضيًا، والسلطان له مطيع، ما افتتح الأقاليم إلَّا بأقاليد آرائه، ومقاليد غناه وغنائه، وكنت من حسناته محسوبًا، وإلى آلائه منسوبًا، وكانت كتابته كتائب النصر، ويراعته رائعة الدهر، وبراعته باريةً للبر، وعبارته نافثةً في عقد السحر، وبلاغته للدولة مجملةً، وللمملكة مكملةً، وللعصر الصلاحي على سائر الأعصار مفضلةً. نسخ أساليب القدماء بما أقدمه من الأساليب، وأعربه من الإبداع، ما ألفيته كرر دعاءً في مكاتبة، ولا ردد
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 374"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 156 - 158" وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 324 - 327".
لفظًا في مخاطبة. إلى أن قال: فإلى من بعده الوفادة? وممن الإفادة? وفيمن السيادة? ولمن السعادة?
وقال ابن خلكان: وزر للسلطان صلاح الدين بن أيوب، فقال هبة الله بن سناء الملك قصيدةً منها:
قال الزّمان لغيره لو رامها
…
تربت يمينك لست من أربابها
اذهب طريقك لست من أربابها
…
وارجع وراءك لست من أترابها
وبعزّ سيّدنا وسيّد غيرنا
…
ذلّت من الأيّام شمس صعابها
وأتت سعادته إلى أبوابه
…
لا كالذي يسعى إلى أبوابها
فلتفخر الدّنيا بسائس ملكها
…
منه ودارس علمها وكتابها
صوّامها قوّامها علاّمها
…
عمّالها بذّالها وهّابها
وبلغنا أن كتبه التي ملكها بلغت مائة ألف مجلد، وكان يحصلها من سائر البلاد.
حكى القاضي ضياء الدين ابن الشهرزوري أن القاضي الفاضل لما سمع أن العادل أخذ مصر، دعا بالموت خشية أن يستدعيه وزيره ابن شكر، أو يهينه، فأصبح ميتًا، وكان ذا تهجد ومعاملة.
وللعماد في "الخريدة": وقبل شروعي في أعيان مصر أقدم ذكر من جميع أفاضل العصر كالقطرة في بحره المولى القاضي الفاضل. إلى أن قال: فهو كالشريعة المحمدية نسخت الشرائع، يخترع الأفكار، ويفترع الأبكار، هو ضابط الملك بآرائه، ورابط السلك بآلائه، إن شاء، أنشأ في يوم ما لو دون، لكان لأهل الصناعة خير بضاعة، أين قس من فصاحته، وقيس في حصافته، ومن حاتم وعمرو في سماحته وحماسته، لا من في فعله، ولا مين في قوله، ذو الوفاء والمروءة والصفاء والفتوة، وهو من الأولياء الذين خصوا بالكرامة، لا يفتر مع ما يتولاه من نوافل صلاته ونوافل صلاته، يتلو كل يوم .. إلى أن قال: وأنا أوثر أن أفرد لنظمه ونثره كتابًا.
قيل: كان القاضي أحدب، فحدثني شيخنا أبو إسحاق الفاضلي أن القاضي الفاضل ذهب في الرسلية إلى صاحب الموصل، فأحضرت فواكه، فقال بعض الكبار منكتًا: خياركم أحدب، يوري بذلك، فقال الفاضل: خسنا خير من خياركم.
قال الحافظ المنذري: ركن إليه السلطان ركونًا تامًا، وتقدم عنده كثيرًا، وكان كثير البر، وله آثار جميلة. توفي ليلة سابع ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمس مائة.
وقال الموفق عبد اللطيف: كانوا ثلاثة أخوة:
أحدهم: خدم بالاسكندرية، وخلف من الخواتيم صناديق، ومن الحصر والقدور بيوتًا مملوءةً، وكان متى سمع بخاتم، سعى في تحصيله.
وأما الآخر: فكان له هوس مفرط في تحصيل الكتب، عنده نحو مائتي ألف كتاب.
والثالث: القاضي الفاضل كان ذا غرام بالكتابة وبالكتب أيضًا، له الدين، والعفاف، والتقى، مواظب على أوراد الليل والصيام والتلاوة. لما تملك أسد الدين، أحضره، فأعجب به، ثم استخلصه صلاح الدين لنفسه، وكان قليل اللذات، كثير الحسنات، دائم التهجد، يشتغل بالتفسير والأدب، وكان قليل النحو، لكنه له دربة قوية، كتب من الإنشاء ما لم يكتبه أحد، أعرف عند ابن سناء الملك من إنشائه اثنين وعشرين مجلدًا، وعند ابن القطان عشرين مجلدًا، وكان متقللًا في مطعمه ومنكحه وملبسه، لباسه البياض، ويركب معه غلام وركابي، ولا يمكن أحدًا أن يصحبه، ويكثر تشييع الجنائز، وعيادة المرضى، وله معروف معروف في السر والعلانية، ضعيف البنية، رقيق الصورة، له حدبة يغطيها الطيلسان، وكان فيه سوء خلق يكمد به نفسه، ولا يضر أحدًا به، ولأصحاب العلم عنده نفاق، يحسن إليهم، ولم يكن له انتقام من أعدائه إلَّا بالإحسان أو الإعراض عنهم، وكان دخله ومعلومه في العام نحوًا من خمسين ألف دينار سوى متاجر الهند والمغرب. توفي مسكوتًا، أحوج ما كان إلى الموت عند تولي الإقبال وإقبال الإدبار، وهذا يدل على أن لله به عنايةً.
قال العماد: تمت الرزية بانتقال القاضي الفاضل من دار الفناء إلى دار البقاء في منزله بالقاهرة في سادس ربيع الآخر، وكان ليلتئذ صلى العشاء، وجلس مع مدرس مدرسته، وتحدث معه ما شاء، وانفصل إلى منزله صحيحًا، وقال لغلامه: رتب حوائج الحمام، وعرفني حتى أقضي منى المنام، فوافاه سحرًا، فما اكترث بصوته، فبادر إليه ولده، فألفاه وهو ساكت باهت، فلبث يومه لا يسمع له إلَّا أنين خفي، ثم قضى رحمه الله.
قيل: وقف منجم على طالع القاضي، فقال: هذه سعادة لا تسعها عسقلان.
حفظ القرآن، وكتب ختمةً، ووقفها، وقرأ "الجمع بين الصحيحين" على ابن فرح، عن رجل، عن الحميدي، وصحب أبا الفتح محمود بن قادوس المنشئ، وكان موت أبيه سنة 46، وكان لما جرى على أبيه نكبة اتصلت بموته، ضرب، وصودر حتى لم يبق له شيء، ومضى إلى الإسكندرية، وصحب بني حديد، فاستخدموه.
قال جماد الدين ابن نباتة: رأيت في بعض تعاليق القاضي: لما ركبت البحر من عسقلان إلى الإسكندرية، كانت معي رزمة فيها ثياب، ورزمة فيها مسودات، فاحتاج الركاب أن يخففوا، فأردت أن أرمي رزمة المسودات، فغلطت، ورميت رزمة القماش.
وذكر القاضي ابن شداد أن دخل القاضي كان في كل يوم خمسين دينارًا.
5356 - العماد
(1)
:
القاضي الإمام، العلامة المفتي، المنشئ البليغ، الوزير، عماد الدين، أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمود بن هبة الله بن أله الأصبهاني الكاتب، ويعرف بابن أخي العزيز.
ولد سنة تسع عشرة وخمس مائة بأصبهان.
وقدم بغداد، فنزل بالنظامية، وبرع في الفقه على أبي منصور سعيد بن الرزاز. وأتقن العربية والخلاف، وساد في علم الترسل، وصنف التصانيف، واشتهر ذكره.
وسمع من: أبي منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون، وأبي الحسن بن عبد السلام، وعلي بن عبد السيد ابن الصباغ، والمبارك بن علي السمذي، وأبي بكر ابن الأشقر.
وأجاز له الفراوي من نيسابور، وابن الحصين من بغداد، ورجع إلى أصبهان مكبًا على العلم، وتنقلت به الأحوال.
حدث عنه: يوسف بن خليل، والخطير فتوح بن نوح، والعز عبد العزيز بن عثمان الإربلي، والشهاب القوصي، وجماعة. وأجاز مروياته لشيخنا أحمد بن أبي الخير.
وأله: فارسي معناه عقاب، وهو بفتح أوله وضم ثانيه وسكون الهاء.
اتصل بابن هبيرة، ثم تحول إلى دمشق سنة اثنتين وستين، واتصل بالدولة، وخدم بالإنشاء الملك نور الدين. وكان ينشئ بالفارسي أيضًا، فنفذه نور الدين رسولًا إلى المستنجد، وولاه تدريس العمادية سنة سبع وستين، ثم رتبه في إشراف الديوان. فلما توفي نور الدين، أهمل، فقصد الموصل، ومرض، ثم عاد إلى حلب، وصلاح الدين محاصر لها سنة سبعين،
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان "5/ ترجمة 705"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 332 - 333".
فمدحه، ولزم ركابه، فاستكتبه، وقربه، فكان القاضي الفاضل ينقطع بمصر لمهمات، فيسد العماد في الخدمة مسده.
صنف كتاب "خريدة القصر وجريدة العصر" ذيلًا على زينة الدهر للحظيري، وهي ذيل على "دمية القصر وعصرة أهل العصر" للباخرزي التي ذيل بها على "يتيمة الدهر" للثعالبي التي هي ذيل على "البارع" لهارون بن علي المنجم، فالخريدة مشتمل على شعراء زمانه من بعد الخمس مائة، وهو عشر مجلدات.
وله "البرق الشامي" سبع مجلدات، و"الفتح القسي في الفتح القدسي" مجلدان، وكتاب "السيل والذيل" مجلدان، و"نصرة الفترة" في أخبار بني سلجوق، و"ديوان رسائل" كبير، و"ديوانه" في أربع مجلدات.
وكان بينه وبين الفاضل مخاطبات ومكاتبات. قال مرةً للفاضل مما يقرأ منكوسًا: سر فلا كبا بك الفرس، فأجابه بمثله فقال: دام علا العماد.
قال ابن خلكان: ولم يزل العماد على مكانته إلى أن توفي صلاح الدين، فاختلت أحواله، فلزم بيته، وأقبل على تصانيفه.
قال الموفق عبد اللطيف: حكى لي العماد، قال: طلبني كمال الدين لنيابته في الإنشاء، فقلت: لا أعرف الكتابة، قال: إنما أريد منك أن تثبت ما يجري، فتخبرني به، فصرت أرى الكتب تكتب إلى الأطراف، فقلت: لو طلب مني أن أكتب مثل هذا، ما كنت أصنع? فأخذت أحفظ الكتب، وأحاكيها، وأروض نفسي، فكتبت إلى بغداد كتبًا، ولم أطلع عليها أحدًا، فقال كمال الدين يومًا: ليتنا وجدنا من يكتب إلى بغداد، ويريحنا، فقلت: أنا، فكتبت، وعرضت عليه، فأعجبه، واستكتبني، فلما توجه أسد الدين إلى مصر المرة الثالثة، صحبته.
قال الموفق: وكان فقهه على طريقة أسعد الميهني. ويوم تدريسه تسابق الفقهاء لسماع كلامه، وحسن نكته، وكان بطيء الكتابة، لكنه دائم العمل، وله توسع في اللغة لا النحو. توفي بعد ما قاس مهانات ابن شكر، وكان فريد عصره نظمًا ونثرًا، وقد رأيته في مجلس ابن شكر مزحومًا في أخريات الناس.
وقال زكي الدين المنذري: كان العماد جامعًا للفضائل: الفقه، والأدب، والشعر الجيد، وله اليد البيضاء في النثر والنظم. صنف تصانيف مفيدةً، وللسلطان الملك الناصر معه من الإغضاء والتجاوز والبسط وحسن الخلق ما يتعجب من وقوع مثله. توفي في أول رمضان سنة سبع وتسعين وخمس مائة، ودفن بمقابر الصوفية رحمه الله.
أنبأني محفوظ ابن البزوري في "تاريخه"، قال: العماد إمام البلغاء، شمس الشعراء، وقطب رحى الفضلاء، أشرقت أشعة فضائله وأنارت، وأنجدت الركبان بأخباره وأغارت، هو في الفصاحة قس دهره، وفي البلاغة سحبانه عصره، فاق الأنام طرًا، نظما ونثرًا.
أخبرنا أحمد بن سلامة في كتابه، عن محمد بن محمد الكاتب، أخبرنا علي بن عبد السيد، أخبرنا أبو محمد الصريفيني، أخبرنا ابن حبابة، حدثنا البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن أبي ذبيان -هو خليفة بن كعب- قال: سمعت ابن الزبير يقول: لا تلبسوا نساءكم الحرير، فإني سمعت عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"
(1)
.
ومن نظمه فيما أجاز لنا ابن سلامة عنه:
يا مالكا رق قلبي
…
أراك مالك رقه
ها مهجتي خذها
…
فإنها مستحقه
فدتك نفسي برفق
…
فما أطيق المشقه
ويا رشيقا أتاني
…
من سهم عينيه رشقه
لصارم الجفن منه
…
في مهجتي ألف مشقه
وخصره مثل معنى
…
بلاغي فيه دقه
وله من قصيدة:
كالنجم حين هدا كالدهر حين عدا
…
كالصبح حين بدا كالعضب حين بري
في الحكم طودعلا في الحلم بحر نهى
…
في الجود غيث ندا في الباس ليث شرا
وله من أخرى:
وللناس بالملك الناصر الصلاح
…
صلاح ونصر كبير
(1)
صحيح: أخرجه البخاري "5834" ومسلم "2069""11" والنسائي "8/ 200" من طريق ابن الزبير، به.
أخرجه أحمد "3/ 101 و 281"، وابن أبي شيبة "8/ 345"، والبخاري "5832"، ومسلم "2073"، وابن ماجه "3588"، وأبو يعلى "3930"، والطحاوي "4/ 246 - 247 و 247"، والبيهقي "2/ 422"، من طريق عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، به.
هو الشمس أفلاكه في البلاد
…
ومطلعه سرجه والسرير
إذا ما سطا أو حبا واحتبى
…
فما الليث؟ من حاتم؟ ما ثبير؟
وارتحل في موكب فقال في القاضي الفاضل:
أما الغبار فإنه
…
مما أثارته السنابك
فالجو منه مظلم
…
لكن تباشير السنابك
يا دهر لي عبد الرحيم
…
فلست أخشى مس نابك
5357 - الدولعي
(1)
:
الشيخ الإمام العالم المفتي، خطيب دمشق، ضياء الدين، عبد الملك بن زيد بن ياسين بن زيد بن قائد التغلبي، الأرقمي، الموصلي، الدولعي، الشافعي.
وله سنة سبع وخمس مائة.
سمع ببغداد من: أبي الفتح عبد الملك الكروخي "جامع أبي عيسى الترمذي"، وسمع:"سنن النسائي" من علي بن أحمد بن محمويه اليزدي. وثفقه ببغداد، وبرع وسكن دمشق، وسمع بها من: الفقيه فضل الله بن محمد المصيصي، وعمر دهرا.
حدث عنه: أبو الطاهر بن الأنماطي، وأبو الحجاج بن خليل، ولي خطابة دمشق دهرا، ودرس بالغزالية، وكان متصونا، حميد الطريقة.
مات في ثاني عشر ربيع الأول، سنة ثمان وتسعين وخمس مائة وله إحدى وتسعون سنة.
والدولعية: من قرى الموصل.
وولى خطابة دمشق بعده ابن أخيه وتلميذه الإمام جمال الدين محمد بن أبي الفضل الدولعي، واقف المدرسة التي يجيرون، وبها دفن عام خمسة وثلاثين وست مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 181" ووقع عنده [الدولغي] بالغين المعجمة بدل [الدولعي] بالعين المهملة. وشذرات الذهب لان العماد "4/ 336".
5358 - السبط
(1)
:
الشيخ المسند المعمر، أبو القاسم، هبة الله بن الحسن بن أبي سعد المظفر بن الحسن الهمذاني الأصل البغدادي المراتبي.
ولد في حدود سنة عشر وخمس مائة.
وسمع من: أبيه أبي علي، وأبي نصر أحمد بن عبد الله بن رضوان، وأبي العز بن كادش، وأبي القاسم بن الحصين، وأبي بكر المزرفي، وأبي الحسين بن الفراء، وأبي غالب بن البناء، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وطائفة.
قال ابن الدبيثي: هو صحيح السماع، فيه تسامح في الأمور الدينية.
وقال ابن نقطة: كان غير مرضي السيرة في دينه.
قلت: حدث عنه: ابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل، والشيخ الضياء اليلداني، والنجيب الحراني، وابن عبد الدائم، وعدة.
وبالإجازة: الفخر علي، وأحمد بن أبي الخير.
توفي في العشرين من المحرم سنة ثمان وتسعين وخمس مائة.
وقيل: كان مولده في رجب سنة ثلاث عشرة.
قال ابن النجار: كان فهمًا ذكيًا، حفظةً للنوادر، عمل مرةً شطرنجًا وزنه خروبتان، ورزة من عاج وأبنوس، ثم كبر وساء خلقه، وكان يتعاسر، ويسب أباه الذي سمعه، وفيه قلة دين، الله يسامحه.
5359 - الطاووسي:
العلامة، ركن الدين، أبو الفضل، العراقي بن محمد بن العراقي القزوني الطاووسي، المتكلم، صاحب الطريقة المشهورة في الجدل.
كان رأسًا في الخلاف والنظر، مفحمًا للخصوم.
أخذ عن الرضي النيسابوري الحنفي صاحب الطريقة.
صنف ثلاث تعاليق، وبعد صيته، ورحلوا إليه.
مات سنة ست مائة بهمذان.
ومن تلامذته القاضي نجم الدين ابن راجح.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 181"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 338".
5360 - الحربي
(1)
:
الإمام الواعظ، المسند، الأديب، أبو علي عمر بن علي بن عمر الحربي، ابن النوام.
سمع هبة الله بن الحصين، والقاضي أبا الحسين بن أبي يعلى.
حدث عنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، والضياء، وابن النجار، وابن عبد الدائم، وجماعة.
وبالإجازة: أحمد بن سلامة، والفخر علي.
مات في شوال سنة سبع وتسعين وخمس مائة، وولد سنة أربع عشرة وخمس مائة.
5361 - ابن الزينبي:
الرئيس الصالح الخاشع، أبو الحسن، محمد ابن قاضي القضاة أبي القاسم علي ابن الإمام قاضي القضاة نور الهدى أبي طالب الزينبي.
سمع من قاضي المارستان، وأبي بكر محمد بن القاسم الشهرزوري.
قال ابن النجار: سمعنا منه، وكان صالحًا متدينًا، صدوقًا، خاشعًا، افتقر في الآخر فقرًا مدقعًا، فصبر، واحتسب، ولم يكن يعرف شيئًا من العلم.
مات في المحرم سنة ثمان وتسعين وخمس مائة.
5362 - الخشوعي
(2)
:
الشيخ العالم، المحدث، المعمر، مسند الشام، أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر بن بركات بن إبراهيم الدمشقي الخشوعي الأنماطي الرفاء الذهبي، نسبةً إلى محلة حجر الذهب.
ولد في صفر سنة عشر وخمس مائة.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 331".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 181"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 335".
وسمع من: هبة الله بن الأكفاني، فأكثر، ومن: عبد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل، وابن قبيس المالكي، وابن طاووس، وجمال الإسلام أبي الحسن، وعدة.
أجاز له أبو علي الحداد من أصبهان، وأبو صادق المديني، والفراء من مصر، ومحمد بن بركات السعيدي، وأبو القاسم ابن الفحام، والرازي، وعدة.
وأجاز له الحريري صاحب المقامات في سنة اثنتي عشرة، وأبو طالب اليوسفي، وأبو علي بن المهدي، وعدة.
وروى الكثير، وتفرد، وتكاثروا عليه.
حدث عنه: أولاده: إبراهيم وعبد العزيز وعبد الله، وست العجم، وستهم، والشيخ الموفق، وعبد القادر الرهاوي، والبهاء عبد الرحمن، والضياء، واليلداني، وأحمد بن يوسف التلمساني، والزين ابن عبد الدائم، والشهاب القوصي، وحفيد الشيخ بركات بن إبراهيم، والخطيب داود بن عمر، وعبيد الله بن أحمد بن طعان وأخوه عبد الرحمن، وعلي بن المظفر النشبي وابنه محمد، والخطيب عماد الدين عبد الكريم بن الحرستاني، وفرج الحبشي، وفراس بن العسقلاني، والشيخ الفقيه محمد اليونيني، والتاج مظفر ابن الحنبلي وابن عمه يحيى بن الناصح، ويوسف بن يعقوب الإربلي، ويوسف بن مكتوم الحبال، وأيوب بن أبي بكر الحمامي، وعلي بن عبد الواحد الأنصاري، والمجد محمد بن عساكر، والتقي ابن أبي اليسر، وعبد الوهاب بن محمد القنبيطي، والكمال عبد العزيز بن عبد، وخلق كثير.
وبالإجازة القطب بن عصرون، وأحمد بن أبي الخير، وأبو الغنائم بن علان، والفخر علي، وعدة.
قال القوصي: كان أعلاهم إسنادًا مع تواضع وافر، ودين ظاهر، ومروءة تدل على أصل طاهر، لازمته إلى حين موته.
قال ابن نقطة: سماعاته وإجازاته صحيحة.
قلت: ما ظهرت له إجازة الحداد إلَّا بعد موته، وقد خبط القوصي، وزعم أنه سمع عليه بها جملةً.
وقال الحافظ المنذري في نسب الخشوعي: الفرشي يعني بالفاء، وقال: قال والده إبراهيم: كان جدنا الأعلى يؤم بالناس، فمات في المحراب، والفرشي: نسبة إلى بيع الفرش.
قلت: وقد ضبطه بالقاف ابن خليل والضياء، وترك جماعة هذه النسبة للخلف الواقع فيها.
وقد روى عدة من آبائه وأولاده.
مات في صفر سنة ثمان وتسعين وخمس مائة.
وقد روى كتبًا كبارًا بالسماع وبالإجازة.
5363 - ابن الزكي
(1)
:
قاضي دمشق، محيي الدين، أبو المعالي، محمد ابن القاضي علي ابن محمد بن يحيى بن الزكي القرشي الدمشقي الشافعي.
من بيت كبير، صاحب فنون وذكاء، وفقه وآداب وخطب ونظم.
ولي القضاء والده زكي الدين، وجده مجد الدين، وجد أبيه الزكي، وولي القضاء ولداه زكي الدين الطاهر، ومحيي الدين يحيى بن محمد.
وكان صلاح الدين يعزه ويحترمه، ثم ولاه القضاء سنة ثمان وثمانين وخمس مائة، وقد مدحه بقصيدة في سنة تسع وسبعين منها ذلك:
وفتحك القلعة الشّهباء في صفرٍ
مبشّرًا بفتوح القدس في رجب
فاتفق فتح القدس في رجب بعد أربع سنين، وذكر أنه أخذ ذلك من تبشير ابن برجان في:{الم، غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1، 2].
قال ابن خلكان: وجدته حاشية لا أصلًا.
توفي في شعبان سنة ثمان وتسعين وخمس مائة عن ثمان وأربعين سنةً.
5364 - ابن أبي المجد
(2)
:
الشيخ المعمر، الثقة، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أبي المجد بن غنائم الحربي العتابي الإسكاف.
راوي "مسند الإمام أحمد" عن أبي القاسم بن الحصين، ويروي أيضًا عن أبي الحسين بن الفراء.
حدث عنه: الضياء، وابن الدبيثي، وابن خليل، وشرف الدين عبد العزيز الأنصاري، وابن عبد الدائم، والنجيب عبد اللطيف، وعدد كثير من مشيخة الدمياطي.
حدث بـ"المسند" غير مرة ببغداد، وبالموصل، وقد أجاز لسعد الدين الخضر بن حمويه، ولقطب الدين بن عصرون، وللفخر بن البخاري. واسم جده صاعد.
مات أبو محمد بالموصل في ثاني عشر المحرم سنة ثمان وتسعين وخمس مائة رحمه الله.
ومات أبوه أحمد بن صاعد في سنة إحدى وخمسين وخمس مائة وله سبعون سنة، وهو أخو المقرئ عمر بن عبد الله الحربي لأمه، وقد سمعا من ابن طلحة النعالي، والمبارك بن الطيوري.
قال ابن النجار: وهم ابن السمعاني، فجعله أحمد بن عبد الله بن علي الحربي، وظنه أخًا لعمر من أبيه.
قال ابن النجار: روى لنا عنه ابن الأخضر، ومحمد بن محمد بن ياسين البزاز، وكان صالحًا ورعًا، حافظًا لكتاب الله، كثير البكاء، يؤم بالناس، ويغسل الموتى حسبةً، مكث على ذلك زمانًا.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 181 - 182"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 337 - 338".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 181"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 335".
5365 - اللبان
(1)
:
القاضي العالم، مسند أصبهان، أبو المكارم، أحمد بن أبي عيسى محمد بن محمد ابن الإمام عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن المحدث عبد الله بن محمد بن النعمان بن عبد السلام، التيمي الأصبهاني الشروطي، ابن اللبان.
ولد في صفر سنة سبع، وقال مرةً: سنة ست وخمس مائة.
وهو من تيم الله بن ثعلبة.
وقيل: بل ولد سنة أربع وخمس مائة، حكاه الحافظ الضياء.
وهو مكثر عن أبي علي الحداد، وتفرد بإجازة عبد الغفار الشيروبي الراوي عن أصحاب الأصم.
حدث عنه: العز محمد، وأبو موسى ولد الحافظ عبد الغني، وإسماعيل بن ظفر، ويوسف بن خليل، وأبو رشيد الغزال، وعدة.
وبالإجازة أحمد بن سلامة، والفخر ابن البخاري، وطائفة.
مات في السابع والعشرين من ذي الحجة سنة سبع وتسعين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 179"، وشذرات الذهب "4/ 329".
5366 - الكراني
(1)
:
الشيخ المعمر، الصدوق، مسند أصبهان، أبو عبد الله، محمد بن أبي زيد بن حمد بن أبي نصر الكراني الأصبهاني، الخباز.
ولد سنة سبع وتسعين وأربع مائة، وعاش مائة عام.
سمع الحداد، ومحمودًا الأشقر، وفاطمة الجوزدانية.
حدث عنه: بَدَلٌ التبريزي، وأبو موسى ابن الحافظ، وابن خليل، وابن ظفر، وعدة.
وأجاز لابن أبي الخير، وابن البخاري.
مات في ثالث شوال سنة سبع.
وكران: محلة بأصبهان.
5367 - ابن الفرس
(2)
:
الشيخ الإمام، شيخ المالكية بغرناطة في زمانه، أبو محمد بن الفرس، واسمه عبد المنعم ابن الإمام محمد بن عبد الرحيم بن أحمد الأنصاري الخزرجي.
سمع أباه وجده العلامة أبا القاسم، وبرع في الفقه والأصول، وشارك في الفضائل، وعاش بضعًا وسبعين سنة.
وسمع أبا الوليد بن بقوة، وأبا الوليد بن الدباغ، وتلا بالسبع على ابن هذيل، وأجاز له أبو عبد الله بن مكي، وأبو الحسن بن موهب. بلغ الغاية في الفقه.
قال أبو الربيع بن سالم: سمعت أبا بكر بن الجد -وناهيك به- يقول غير مرة: ما أعلم بالأندلس أحفظ لمذهب مالك من عبد المنعم بن الفرس بعد أبي عبد الله بن زرقون.
قال الأبار: ألف في أحكام القرآن كتابًا من أحسن ما وضع في ذلك. قيل: أصابه فالج وخدر غير حفظه قبل موته بعامين، فترك الأخذ عنه إلى أن مات في جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وخمس مائة.
قلت: حدث عنه: إسماعيل بن يحيى العطار، وعبد الغني بن محمد، وأبو الحسين يحيى بن عبد الله الداني الكاتب، والشرف المرسي؛ سمع منه "الموطأ".
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 180"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 332".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 180".
5368 - أبو الفرج بن الجوزي
(1)
:
الشيخ الإمام العلامة، الحافظ المفسر، شيخ الإسلام، مفخر العراق، جمال الدين، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله ابن الفقيه عبد الرحمن ابن الفقيه القاسم بن محمد ابن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق، القرشي التيمي البكري البغدادي، الحنبلي، الواعظ، صاحب التصانيف.
ولد سنة تسع أو عشر وخمس مائة. وأول شيء سمع في سنة ست عشرة.
سمع من أبي القاسم بن الحصين، وأبي عبد الله الحسين بن محمد البارع، وعلي بن عبد الواحد الدينوري، وأحمد بن أحمد المتوكلي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، والفقيه أبي الحسن بن الزاغوني، وهبة الله بن الطبر الحريري، وأبي غالب بن البناء، وأبي بكر محمد بن الحسين المزرفي، وأبي غالب محمد بن الحسن الماوردي،، وأبي القاسم عبد الله بن محمد الأصبهاني الخطيب، والقاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، وإسماعيل بن السمرقندي، ويحيى بن البناء، وعلي بن الموحد، وأبي منصور بن خيرون، وبدر الشيحي، وأبي سعد أحمد بن محمد الزوزني، وأبي سعد أحمد بن محمد البغدادي الحافظ، وعبد الوهاب بن المبارك الأنماطي الحافظ، وأبي السعود أحمد بن علي بن المجلي، وأبي منصور عبد الرحمن بن زريق القزاز، وأبي الوقت السجزي، وابن ناصر، وابن البطي، وطائفة مجموعهم نيف وثمانون شيخًا قد خرج عنهم مشيخة في جزءين.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 370"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1098"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 174 - 176"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 329 - 331".
ولم يرحل في الحديث، لكنه عنده "مسند الإمام أحمد" و"الطبقات لابن سعد"، و"تاريخ الخطيب"، وأشياء عالية، و"الصحيحان"، والسنن الأربعة، و"الحلية" وعدة تواليف وأجزاء يخرج منها.
وكان آخر من حدث عن الدينوري والمتوكلي.
وانتفع في الحديث بملازمة ابن ناصر، وفي القرآن والأدب بسبط الخياط، وابن الجواليقي، وفي الفقه بطائفة.
حدث عنه: ولده الصاحب العلامة محيي الدين يوسف أستاذ دار المستعصم بالله، وولده الكبير علي الناسخ، وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن قزغلي الحنفي صاحب مرآة الزمان، والحافظ عبد الغني، والشيخ موفق الدين ابن قدامة، وابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل، والضياء، واليلداني، والنجيب الحراني، وابن عبد الدائم، وخلق سواهم.
وبالإجازة الشيخ شمس الدين عبد الرحمن، وابن البخاري، وأحمد بن أبي الخير، والخضر بن حمويه، والقطب ابن عصرون.
وكان رأسًا في التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق، والنثر الفائق بديهًا، ويسهب، ويعجب، ويطرب، ويطنب، لم يأت قبله ولا بعده مثله، فهو حامل لواء الوعظ، والقيم بفنونه، مع الشكل الحسن، والصوت الطيب، والوقع في النفوس، وحسن السيرة، وكان بحرًا في التفسير، علامةً في السير والتاريخ، موصوفًا بحسن الحديث، ومعرفة فنونه، فقيهًا، عليمًا بالإجماع والاختلاف، جيد المشاركة في الطب، ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار، وإكباب على الجمع والتصنيف، مع التصون والتجمل، وحسن الشارة، ورشاقة العبارة، ولطف الشمائل، والأوصاف الحميدة، والحرمة الوافرة عند الخاص والعام، ما عرفت أحدًا صنف ما صنف.
توفي أبوه وله ثلاثة أعوام، فربته عمته. وأقاربه كانوا تجارًا في النحاس، فربما كتب اسمه في السماع عبد الرحمن بن علي الصفار.
ثم لما ترعرع، حملته عمته إلى ابن ناصر، فأسمعه الكثير، وأحب الوعظ، ولهج به، وهو مراهق، فوعظ الناس وهو صبي، ثم ما زال نافق السوق معظمًا متغاليًا فيه، مزدحمًا عليه، مضروبًا برونق وعظه المثل، كماله في ازدياد واشتهار، إلى أن مات رحمه الله وسامحه- فليته لم يخض في التأويل، ولا خالف إمامه.
صنف في التفسير "المغني" كبير، ثم اختصره في أربع مجلدات، وسماه:"زاد المسير" وله "تذكرة الأريب" في اللغة مجلد، "الوجوه والنظائر" مجلد، "فنون الأفنان" مجلد، "جامع المسانيد" سبع مجلدات وما استوعب ولا كاد، "الحدائق" مجلدان، "نقي النقل" مجلدان، "عيون الحكايات" مجلدان، "التحقيق في مسائل الخلاف" مجلدان، "مشكل الصحاح" أربع مجلدات، "الموضوعات" مجلدان، "الواهيات" مجلدان. "الضعفاء" مجلد، "تلقيح الفهوم" مجلد، "المنتظم في التاريخ" عشرة مجلدات، "المذهب في المذهب" مجلد، "الانتصار في الخلافيات" مجلدان، "مشهور المسائل" مجلدان، "اليواقيت" وعظ، مجلد، "نسيم السحر" مجلد، "المنتخب" مجلد، "المدهش" مجلد، "صفوة الصفوة" أربع مجلدات، "أخبار الأخيار" مجلد، "أخبار النساء" مجلد، "مثير العزم الساكن" مجلد، "المقعد المقيم" مجلد، "ذم الهوى" مجلد، "تلبيس إبليس" مجلد، "صيد الخاطر" ثلاث مجلدات، "الأذكياء" مجلد، "المغفلين" مجلد، "منافع الطب" مجلد، "صبا نجد" مجلد، "الظرفاء" مجلد، "الملهب" مجلد، "المطرب" مجلد، "منتهى المشتهى" مجلد، "فنون الألباب" مجلد، "المزعج" مجلد، "سلوة الأحزان" مجلد، "منهاج القاصدين" مجلدان، "الوفا بفضائل المصطفى" مجلدان، "مناقب أبي بكر" مجلد، "مناقب عمر" مجلد، "مناقب علي" مجلد، "مناقب إبراهيم بن أدهم" مجلد، "مناقب الفضيل" مجلد، "مناقب بشر الحافي" مجلد، "مناقب رابعة" جزء، "مناقب عمر بن عبد العزيز" مجلد، "مناقب سعيد بن المسيب" جزءان، "مناقب الحسن" جزءان، "مناقب الثوري" مجلد، "مناقب أحمد" مجلد، "مناقب الشافعي" مجلد، "موافق المرافق" مجلد، مناقب غير واحد جزء جزء، "مختصر فنون ابن عقيل" في بضعة عشر مجلدًا، "مناقب الحبش" مجلد، "لباب زين القصص"، "فضل مقبرة أحمد"، "فضائل الأيام"، "أسباب البداية"، "واسطات العقود"، "شذور العقود في تاريخ العهود"، "الخواتيم"، "المجالس اليوسفية"، "كنوز العمر"، "إيقاظ الوسنان بأحوال النبات والحيوان"، "نسيم الروض"، "الثبات عند الممات"، "الموت وما بعده" مجلد، "ديوانه" عدة مجلدات، "مناقب معروف"، "العزلة"، "الرياضة"، "النصر على مصر"، "كان وكان" في الوعظ "خطب اللآلئ"، "الناسخ والمنسوخ"، "مواسم العمر"، "أعمار الأعيان" وأشياء كثيرة تركتها، ولم أرها.
وكان ذا حظ عظيم وصيت بعيد في الوعظ، يحضر مجالسه الملوك والوزراء وبعض الخلفاء والأئمة والكبراء، لا يكاد المجلس ينقص عن ألوف كثيرة، حتى قيل في بعض مجالسه: إن حزر الجمع بمائة ألف. ولا ريب أن هذا ما وقع، ولو وقع، لما قدر أن يسمعهم، ولا المكان يسعهم.
قال سبطه أبو المظفر: سمعت جدي على المنبر يقول: بأصبعي هاتين كتبت ألفي مجلدة، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفًا. وكان يختم في الأسبوع، ولا يخرج من بيته إلَّا إلى الجمعة أو المجلس.
قلت: فما فعلت صلاة الجماعة?!
ثم سرد سبطه تصانيفه، فذكر منها كتاب "المختار في الأشعار" عشر مجلدات، "درة الإكليل" في التاريخ، أربع مجلدات، "الأمثال" مجلد، "المنفعة في المذاهب الأربعة" مجلدان، "التبصرة في الوعظ"، ثلاث مجلدات، "رؤوس القوارير" مجلدان، ثم قال: ومجموع تصانيفه مائتان ونيف وخمسون كتابًا.
قلت: وكذا وجد بخطه قبل موته أن تواليفه بلغت مائتين وخمسين تأليفًا.
ومن غرر ألفاظه:
عقارب المنايا تلسع، وخدران جسم الآمال يمنع، وماء الحياة في إناء العمر يرشح.
يا أمير: اذكر عند القدرة عدل الله فيك، وعند العقوبة قدرة الله عليك، ولا تشف غيظك بسقم دينك.
وقال لصديق: أنت في أوسع العذر من التأخر عني لثقتي بك، وفي أضيقه من شوقي إليك.
وقال له رجل: ما نمت البارحة من شوقي إلى المجلس قال: لأنك تريد الفرجة، وإنما ينبغي الليلة أن لا تنام.
وقام إليه رجل بغيض، فقال: يا سيدي: نريد كلمةً ننقلها عنك، أيما أفضل أبو بكر أو علي? فقال: اجلس، فجلس، ثم قام، فأعاد مقالته، فأقعده، ثم قام، فقال: اقعد، فأنت أفضل من كل أحد.
وسأله آخر أيام ظهور الشيعة، فقال: أفضلهما من كانت بنته تحته.
وهذه عبارة محتملة ترضي الفريقين.
وسأله آخر: أيما أفضل: أسبح أو أستغفر? قال: الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور.
وقال في حديث: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين"
(1)
: إنما طالت أعمار الأوائل لطول البادية فلما شارف الركب بلد الإقامة، قيل: حثوا المطي.
وقال: من قنع، طاب عيشه، ومن طمع، طال طيشه.
وقال يومًا في وعظه:
يا أمير المؤمنين، إن تكلمت، خفت منك، وإن سكت، خفت عليك، وأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك، فقول الناصح: اتق الله خير من قول القائل: أنتم أهل بيت مغفور لكم.
وقال: يفتخر فرعون مصر بنهر ما أجراه، ما أجرأه!
وهذا باب يطول، ففي كتبه النفائس من هذا وأمثاله.
وجعفر الذي هو جده التاسع: قال ابن دحية: جعفر هو الجوزي، نسب إلى فرضة من فرض البصرة يقال لها: جوزة. وقيل: كان في داره جوزة لم يكن بواسط جوز سواها. وفرضة النهر ثلمته، وفرضة البحر محط السفن.
قال أبو المظفر: جدي قرأ القرآن، وتفقه على أبي بكر الدينوري الحنبلي، وابن الفراء.
قلت: وقرأ القرآن على سبط الخياط.
وعني بأمره شيخه ابن الزاغوني، وعلمه الوعظ، واشتغل بفنون العلوم، وأخذ اللغة عن أبي منصور بن الجواليقي، وربما حضر مجلسه مائة ألف، وأوقع الله له في القلوب القبول والهيبة.
قال: وكان زاهدًا في الدنيا، متقللًا منها، وكان يجلس بجامع القصر والرصافة وبباب بدر وغيرها. إلى أن قال: وما مازح أحدًا قط، ولا لعب مع صبي، ولا أكل من جهة لا يتيقن حلها.
(1)
حسن: أخرجه الترمذي "3550"، وابن ماجه "4236"، والحاكم "2/ 427"، والبيهقي "3/ 370"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "6/ 397" والقضاعي في "مسند الشهاب "252" من طرق عن الحسن بن عرفة قال: حدثنا المحاربي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به.
قلت: إسناده حسن، محمد بن عمرو، هو ابن علقمة الليثي، صدوق، روى له البخاري مقرونا بغيره. وروى له مسلم في المتابعات. والمحاربي هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد، وأخرجه الترمذي "2331" من طريق محمد بن ربيعة عن كامل أبي العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، به.
وقال أبو عبد الله ابن الدبيثي في "تاريخه": شيخنا جمال الدين صاحب التصانيف في فنون العلوم من التفسير والفقه والحديث والتواريخ وغير ذلك. وإليه انتهت معرفة الحديث وعلومه، والوقوف على صحيحه من سقيمه، وكان من أحسن الناس كلامًا، وأتمهم نظامًا، وأعذبهم لسانًا، وأجودهم بيانًا. تفقه على الدينوري، وقرأ الوعظ على أبي القاسم العلوي، وبورك له في عمره وعلمه، وحدث بمصنفاته مرارًا، وأنشدني بواسط لنفسه:
يا ساكن الدّنيا تأهّب
…
وانتظر يوم الفراق
وأعدّ زادًا للرّحيل
…
فسوف يحدى بالرّفاق
وابك الذّنوب بأدمعٍ
…
تنهلّ من سحب المآقي
يا من أضاع زمانه
…
أرضيت ما يفنى بباق
وسألته عن مولده غير مرة، ويقول: يكون تقريبًا في سنة عشر، وسألت أخاه عمر، فقال: في سنة ثمان وخمس مائة تقريبًا.
ومن تواليفه "التيسير في التفسير" مجلد، "فنون الأفنان في علوم القرآن" مجلد، "ورد الأغصان في معاني القرآن" مجلد، "النبعة في القراءات السبعة" مجلد، "الإشارة في القراءات المختارة" جزء، "تذكرة المنتبه في عيون المشتبه"، "الصلف في المؤتلف والمختلف" مجلدان، "الخطأ والصواب من أحاديث الشهاب" مجلد، "الفوائد المنتقاة" ستة وخمسون جزءًا، "أسود الغابة في معرفة الصحابة"، "النقاب في الألقاب" مجيليد، "المحتسب في النسب" مجلد، "المدبج" مجلد، "المسلسلات" مجيليد، "أخاير الذخاير" مجلد، "المجتنى" مجلد، "آفة المحدثين" جزء، "المقلق" مجلد، "سلوة المحزون في التاريخ" مجلدان، "المجد العضدي" مجلد، "الفاخر في أيام الناصر" مجلد، "المضيء بفضل المستضيء" مجيليد، "الأعاصر في ذكر الإمام الناصر" مجلد، "الفجر النوري" مجلد، "المجد الصلاحي" مجلد، "فضائل العرب" مجلد، "كف التشبيه بأكف أهل التنزيه" مجيليد، "البدايع الدالة على وجود الصانع" مجيليد، "منتقد المعتقد" جزء، "شرف الإسلام" جزء، "مسبوك الذهب في الفقه" مجلد، "البلغة في الفقه" مجلد، "التلخيص في الفقه" مجلد، "الباز الأشهب" مجلد، "لقطة العجلان" مجلد، "الضيا في الرد على إلكيا" مجلد، "الجدل" ثلاثة أجزاء، "درء الضيم في صوم يوم الغيم" جزء، "المناسك" جزء، "تحريم الدبر" جزء، "تحريم المتعة" جزء، "العدة في أصول الفقه" جزء، "الفرائض" جزء، "قيام الليل" ثلاثة أجزاء، "مناجزة العمر" جزء، "الستر الرفيع" جزء، "ذم الحسد" جزء، "ذم المسكر" جزء، "ذكر القصاص" مجلد، "الحفاظ"
مجلد، "الآثار العلوية" مجلد، "السهم المصيب" جزآن، "حال الحلاج" جزآن، "عطف الأمراء على العلماء" جزآن، "فتوح الفتوح" جزآن، "إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء" جزآن، "الحث على العلم" مجلد، "المستدرك على ابن عقيل" جزء، "لفتة الكبد" جزء، "الحث على طلب الولد" جزء، "لقط المنافع في الطب" مجلدان، "طب الشيوخ" جزء، "المرتجل في الوعظ" مجلد، "اللطائف" مجلد، "التحفة" مجلد، "المقامات" مجلد، "شاهد ومشهود" مجلد، "الأرج" مجلد، "مغاني المعاني" مجيليد، "لقط الجمان" جزآن، "زواهر الجواهر" مجيليد، "المجالس البدرية" مجيليد، "يواقيت الخطب" جزآن، "لآلئ الخطب" جزآن، "خطب الجمع" ثلاثة أجزاء، "المواعظ السلجوقية"، "اللؤلؤة"، "الياقوتة"، "تصديقات رمضان"، "التعازي الملوكية"، "روح الروح"، "كنوز الرموز". وقيل: نيفت تصانيفه على الثلاث مائة.
ومن كلامه: ما اجتمع لامرئ أمله، إلَّا وسعى في تفريطه أجله.
وقال عن واعظ: احذروا جاهل الأطباء، فربما سمى سمًا، ولم يعرف المسمى.
وكان في المجلس رجل يحسن كلامه، ويزهزه له، فسكت يومًا، فالتفت إليه أبو الفرج، وقال: هارون لفظك معين لموسى نطقي، فأرسله معي ردءًا.
وقال يومًا: أهل الكلام يقولون: ما في السماء رب، ولا في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، ثلاث عورات لكم.
وحضر مجلسه بعض المخالفين، فأنشد على المنبر:
ما للهوى العذريّ في ديارنا
…
أين العذيب من قصور بابل
وقال -وقد تواجد رجل في المجلس- واعجبًا، كلنا في إنشاد الضالة سواء، فلم وجدت أنت وحدك:
قد كتمت الحبّ حتّى شفّني
…
وإذا ما كتم الداء قتل
بين عينيك علالات الكرى
…
فدع النّوم لربّات الحجل
وقد سقت من أخبار الشيخ أبي الفرج كراسةً في "تاريخ الإسلام".
وقد نالته محنة في أواخر عمره، ووشوا به إلى الخليفة الناصر عنه بأمر اختلف في حقيقته، فجاء من شتمه، وأهانه، وأخذه قبضًا باليد، وختم على داره، وشتت عياله، ثم أقعد في سفينة إلى مدينة واسط، فحبس بها في بيت حرج، وبقي هو يغسل ثوبه، ويطبخ
الشيء، فبقي على ذلك خمس سنين ما دخل فيها حمامًا. قام عليه الركن عبد السلام بن عبد الوهاب ابن الشيخ عبد القادر، وكان ابن الجوزي لا ينصف الشيخ عبد القادر، ويغض من قدره، فأبغضه أولاده، ووزر صاحبهم ابن القصاب، وقد كان الركن رديء المعتقد، متفلسفًا، فأحرقت كتبه بإشارة ابن الجوزي، وأخذت مدرستهم، فأعطيت لابن الجوزي، فانسم الركن، وقد كان ابن القصاب الوزير يترفض، فأتاه الركن، وقال: أين أنت عن ابن الجوزي الناصبي? وهو أيضًا من أولاد أبي بكر، فصرف الركن في الشيخ، فجاء، وأهانه، وأخذه معه في مركب، وعلى الشيخ غلالة بلا سراويل، وعلى رأسه تخفيفة، وقد كان ناظر واسط، شيعيًا أيضًا، فقال له الركن: مكني من هذا الفاعل لأرميه في مطمورة، فزجره، وقال: يا زنديق، أفعل هذا بمجرد قولك? هات خط أمير المؤمنين، والله لو كان على مذهبي، لبذلت روحي في خدمته، فرد الركن إلى بغداد. وكان السبب في خلاص الشيخ أن ولده يوسف نشأ واشتغل، وعمل في هذه المدة الوعظ وهو صبي، وتوصل حتى شفعت أم الخليفة، وأطلقت الشيخ، وأتى إليه ابنه يوسف، فخرج، وما رد من واسط حتى قرأ هو وابنه بتلقينه بالعشر على ابن الباقلاني، وسن الشيخ نحو الثمانين، فانظر إلى هذه الهمة العالية.
نقل هذا الحافظ ابن نقطة عن القاضي محمد بن أحمد بن حسن.
قال الموفق عبد اللطيف في تأليف له: كان ابن الجوزي لطيف الصورة، حلو الشمائل، رخيم النغمة، موزون الحركات والنغمات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون، لا يضيع من زمانه شيئًا، يكتب في اليوم أربع كراريس، وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كاف، وأما السجع الوعظي، فله فيه ملكة قوية، وله في الطب كتاب "اللقط" مجلدان.
قال: وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقله قوةً، وذهنه حدةً. جل غذائه الفراريج والمزاوير، ويعتاض عن الفاكهة بالأشربة والمعجونات، ولباسه أفضل لباس: الأبيض الناعم المطيب، وله ذهن وقاد، وجواب حاضر، ومجون ومداعبة حلوة، ولا ينفك من جارية حسناء، قرأت بخط محمد بن عبد الجليل الموقاني أن ابن الجوزي شرب البلاذر، فسقطت لحيته، فكانت قصيرةً جدًا، وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات.
قال: وكان كثير الغلط فيما يصنفه، فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره.
قلت: هكذا هو له أوهام وألوان من ترك المراجعة، وأخذ العلم من صحف، وصنف شيئًا لو عاش عمرًا ثانيًا، لما لحق أن يحرره ويتقنه.
قال سبطه: جلس جدي تحت تربة أم الخليفة عند معروف الكرخي، وكنت حاضرًا، فأنشد أبياتًا، قطع عليها المجلس وهي:
اللّه أسأل أن يطوّل مدّتي
…
لأنال بالإنعام ما في نيّتي
لي همّةٌ في العلم ما إن مثلها
…
وهي التي جنت النّحول هي التي
خلقت من العلق العظيم إلى المنى
…
دعيت إلى نيل الكمال فلبّت
كم كان لي من مجلسٍ لو شبّهت
…
حالاته لتشبّهت بالجنّة
أشتاقه لمّا مضت أيّامه
…
عطلًا وتعذر ناقةٌ إن حنّت
يا هل لليلاتٍ بجمعٍ عودةٌ
…
أم هل على وادي منىً من نظرة
قد كان أحلى من تصاريف الصّبا
…
ومن الحمام مغنّيًا في الأيكة
فيه البديهات التي ما نالها
…
خلقٌ بغير مخمّر ومبيّت
في أبيات.
ونزل، فمرض خمسة أيام، وتوفي ليلة الجمعة بين العشاءين الثالث عشر من رمضان سنة سبع وتسعين وخمس مائة في داره بقطفتا. وحكت لي أمي أنها سمعته يقول قبل موته: أيش أعمل بطواويس? -يرددها- قد جبتم لي هذه الطواويس.
وحضر غسله شيخنا ابن سكينة وقت السحر، وغلقت الأسواق، وجاء الخلق، وصلى عليه ابنه أبو القاسم علي اتفاقًا، لأن الأعيان لم يقدروا من الوصول إليه، ثم ذهبوا به إلى جامع المنصور، فصلوا عليه، وضاق بالناس، وكان يومًا مشهودًا، فلم يصل إلى حفرته بمقبرة أحمد إلى وقت صلاة الجمعة، وكان في تموز، وأفطر خلق، ورموا نفوسهم في الماء. إلى أن قال: وما وصل إلى حفرته من الكفن إلَّا قليل، -كذا قال- والعهدة عليه، وأنزل في الحفرة، والمؤذن يقول الله أكبر، وحزن عليه الخلق، وباتوا عند قبره طول شهر رمضان يختمون الختمات، بالشمع والقناديل، ورآه في تلك الليلة المحدث أحمد بن سلمان السكر في النوم، وهو على منبر من ياقوت، وهو جالس في مقعد صدق والملائكة بين يديه. وأصبحنا يوم السبت عملنا العزاء، وتكلمت فيه، وحضر خلق عظيم، وعملت فيه المراثي، ومن العجائب أنا كنا بعد انقضاء العزاء يوم السبت عند قبره، وإذا بخالي محيي الدين قد صعد من الشط، وخلفه تابوت، فقلنا: نرى من مات، وإذا بها خاتون أم محيي الدين، وعهدي بها ليلة وفاة
جدي في عافية، فعد الناس هذا من كراماته، لأنه كان مغرىً بها. وأوصى جده أن يكتب على قبره:
يا كثير العفو عمّن
…
كثر الذّنب لديه
جاءك المذنب يرجو ال
…
صّفح عن جرم يديه
أنا ضيفٌ وجزاء ال
…
ضّيف إحسانٌ إليه
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد، حدثنا أبو الفرج عبد الرحمن بن علي، أخبرنا يحيى بن ثابت، أخبرنا أبي، حدثنا أبو بكر البرقاني، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، أخبرنا ابن عبد الكريم الوزان، حدثنا الحسن بن علي الأزدي، حدثنا علي بن المديني، حدثني أحمد بن حنبل، حدثنا علي بن عياش الحمصي، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وأبعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له الشفاعة"
(1)
.
وأنبأناه عاليًا بدرجات عبد الرحمان بن محمد، أخبرنا عمر بن طبرزد، أخبرنا هبة الله بن الحصين، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا أبو بكر الشافعي، أخبرنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، حدثنا علي بن عياش مثله، لكن زاد فيه:"إلَّا حلت له الشفاعة يوم القيامة" فكأن شيخي سمعه من أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الفقيه.
وكتب إلي أبو بكر بن طرخان، أخبرنا الإمام موفق الدين، قال: ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنةً، وكان صاحب فنون، كان يصنف في الفقه، ويدرس، وكان حافظًا للحديث، إلَّا أننا لم نرض تصانيفه في السنة، ولا طريقته فيها، وكانت العامة يعظمونه، وكانت تنفلت منه في بعض الأوقات كلمات تنكر عليه في السنة، فيستفتى عليه فيها، ويضيق صدره من أجلها.
(1)
صحيح: أخرجه أحمد "3/ 354"، والبخاري "614" و"4719"، وفي "خلق أفعال العباد""ص 29"، وأبو داود "529"، والترمذي "211"، والنسائي "2/ 26 - 28"، وفي "عمل اليوم والليلة""46"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار""1/ 146"، وابن خزيمة "420"، والطبراني في "الصغير""1/ 420"، والبيهقي "1/ 410"، وابن أبي عاصم في "السنة""826"، والبغوي "420"، من طرق عن علي بن عياش قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، به مرفوعا.
وقال الحافظ سيف الدين ابن المجد: هو كثير الوهم جدًا، فإن في مشيخته مع صغرها أوهامًا: قال في حديث: أخرجه البخاري، عن محمد بن المثنى، عن الفضل بن هشام، عن الأعمش، وإنما هو عن الفضل بن مساور، عن أبي عوانة، عن الأعمش. وقال في آخر: أخرجه البخاري، عن عبد الله بن منير، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وبينهما أبو النضر، فأسقطه. وقال في حديث: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد الأثرم، وإنما هو محمد بن أحمد. وقال في آخر: أخرجه البخاري عن الأويسي، عن إبراهيم، عن الزهري، وإنما هو عن إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن الزهري. وقال في آخر: حدثنا قتيبة، حدثنا خالد بن إسماعيل، وإنما هو حدثنا حاتم. وفي آخر: حدثنا أبو الفتح محمد بن علي العشاري، وإنما هو أبو طالب. وقال: حميد بن هلال، عن عفان بن كاهل، وإنما هو هصان بن كاهل. وقال: أخرجه البخاري، عن أحمد بن أبي إياس، وإنما هو آدم. وفي وفاة يحيى بن ثابت، وابن خضير، وابن المقرب ذكر ما خولف فيه.
قلت: هذه عيوب وحشة في جزئين.
قال السيف: سمعت ابن نقطة يقول: قيل لابن الأخضر: إلَّا تجيب عن بعض أوهام ابن الجوزي? قال: إنما يتتبع على من قل غلطه، فأما هذا، فأوهامه كثيرة.
ثم قال السيف: ما رأيت أحدًا يعتمد عليه في دينه وعلمه وعقله راضيًا عنه.
قلت: إذا رضي الله عنه، فلا اعتبار بهم.
قال: وقال جدي: كان أبو المظفر ابن حمدي ينكر على أبي الفرج كثيرًا كلمات يخالف فيها السنة.
قال السيف: وعاتبه أبو الفتح بن المني في أشياء، ولما بان تخليطه أخيرًا، رجع عنه أعيان أصحابنا وأصحابه.
وكان أبو إسحاق العلثي يكاتبه، وينكر عليه.
أنبأني أبو معتوق محفوظ بن معتوق ابن البزوري في "تاريخه" في ترجمة ابن الجوزي يقول: فأصبح في مذهبه إمامًا يشار إليه، ويعقد الخنصر في وقته عليه، درس بمدرسة ابن الشمحل، وبمدرسة الجهة بنفشا، وبمدرسة الشيخ عبد القادر، وبنى لنفسه مدرسةً بدرب دينار، ووقف عليها كتبه، برع في العلوم، وتفرد بالمنثور والمنظوم، وفاق على أدباء مصره، وعلا على فضلاء عصره، تصانيفه تزيد على ثلاث مائة وأربعين مصنفًا ما بين عشرين مجلدًا إلى كراس، وما أظن الزمان يسمح بمثله، وله كتاب "المنتظم"، وكتابنا ذيل عليه.
قال سبطه أبو المظفر: خلف من الولد عليًا، وهو الذي أخذ مصنفات والده، وباعها بيع العبيد، ولمن يزيد، ولما أحدر والده إلى واسط، تحيل على الكتب بالليل، وأخذ منها ما أراد، وباعها ولا بثمن المداد، وكان أبوه قد هجره منذ سنين، فلما امتحن، صار ألبًا عليه. وخلف يوسف محيي الدين، فولي حسبة بغداد في سنة أربع وست مائة، وترسل عن الخلفاء إلى أن ولي في سنة أربعين أستاذ دارية الخلافة. وكان لجدي ولد أكبر أولاده اسمه عبد العزيز، سمعه من الأرموي وابن ناصر، ثم سافر إلى الموصل، فوعظ بها، وبها مات شابًا، وكان له بنات: رابعة أمي، وشرف النساء، وزينب، وجوهرة، وست العلماء الصغيرة.
5369 - لؤلؤ العادلي
(1)
:
الحاجب من أبطال الإسلام، وهو كان المندوب لحرب فرنج الكرك الذين ساروا لأخذ طيبة، أو فرنج سواهم ساروا في البحر المالح، فلم يسر لؤلؤ إلَّا ومعه قيود بعددهم، فأدركهم عند الفحلتين، فأحاط بهم، فسلموا نفوسهم، فقيدهم، وكانوا أكثر من ثلاث مائة مقاتل، وأقبل بهم إلى القاهرة، فكان يومًا مشهودًا.
وكان شيخًا أرمنيًا من غلمان العاضد، فخدم مع صلاح الدين، وعرف بالشجاعة والإقدام، وفي آخر أيامه أقبل على الخير والإنفاق في زمن قحط مصر، وكان يتصدق في كل يوم باثني عشر ألف رغيف مع عدة قدور من الطعام. وقيل: إن الملاعين التجؤوا منه إلى جبل، فترجل، وصعد إليهم في تسعة أجناد، فألقي في قلوبهم الرعب، وطلبوا منه الأمان، وقتلوا بمصر، تولى قتلهم العلماء والصالحون.
توفي لؤلؤ رحمه الله بمصر في صفر سنة ثمان وتسعين وخمس مائة.
5370 - حماد بن هبة الله
(2)
:
ابن حماد بن الفضل، الإمام المحدث، الصادق، أبو الثناء الحراني التاجر السفار.
رحل إلى مصر والعراق وخراسان، وكتب، وخرج وأفاد. وله نظم، وأدب، وسيرة حميدة.
روى عن: إسماعيل بن السمرقندي، -وهو أكبر شيوخه- وأبي بكر بن الزاغوني،
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 336 - 337".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 181"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 335".
وسعيد بن البناء، وأبي النضر الفامي، وسالم بن عبد الله العمري، وعبد السلام بن أحمد الإسكاف، وابن رفاعة، والسلفي، وابن البطي، وخلق.
حدث عنه: عمر بن محمد العليمي، وابن أخته محمد بن عماد، والتاج بن أبي جعفر، وطائفة.
وأجاز لأحمد بن أبي الخير.
وكان له عمل جيد في الحديث.
قال ابن النجار: قرأت بخط حماد الحراني: مولدي بعد ستين يومًا من سنة إحدى عشرة وخمس مائة، وتوفي بحران في ذي الحجة سنة ثمان وتسعين وخمس مائة.
وفيها: توفي أحمد بن تزمش الخياط، وأسعد بن أحمد بن أبي غانم الثقفي الفقيه، أخو زاهر، عن ثلاث وثمانين سنةً، وأبو طاهر الخشوعي، والمحدث الشريف جعفر بن محمد بن جعفر العباسي شابًا، وسعد بن طاهر المزدقاني الأمير، وأبو بحر صفوان بن إدريس المرسي الكاتب أحد البلغاء الكبار، وعبد الله بن أبي المجد الحربي راوي المسند، والقاضي عبد الرحمن بن أحمد ابن العمري عن بضع وثمانين سنةً. وزين القضاة عبد الرحمن بن سلطان القرشي الزكوي، وعبد الرحيم بن أبي القاسم الجرجاني الشعري أخو زينب، وخطيب دمشق ضياء الدين الدولعي، وعلي بن محمد بن علي بن يعيش البغدادي، وقاضي القضاة محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن الزكي، وأبو الهمام محمود بن عبد المنعم التميمي، وهبة الله بن الحسن بن السبط، وأبو القاسم هبة الله البوصيري.
5371 - الشهاب الطوسي
(1)
:
الشيخ الإمام، العالم العلامة، شيخ الشافعية، شهاب الدين، أبو الفتح، محمد بن محمود بن محمد الخراساني الطوسي صاحب الفقيه محمد بن يحيى.
ولد سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة.
وحدث عن أبي الوقت السجزي، وغيره.
وقدم بغداد، وعظم قدره، وصاهر قاضي القضاة أبا البركات بن الثقفي، ثم حج، وأتى مصر سنة تسع وسبعين، ونزل بالخانقاه، وتردد إليه الفقهاء.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 327 - 328".
وروى عنه: الإمام بهاء الدين ابن الجميزي، وشهاب الدين القوصي.
ثم درس بمنازل العز، وتخرج به أئمة، وكان جامعًا للفنون، غير محتفل بأبناء الدنيا. وعظ بجامع مصر مدة.
قال الإمام أبو شامة: قيل: إنه قدم بغداد، فكان يركب بالسنجق والسيوف المسللة والغاشية والطوق في عنق البغلة، فمنع من ذلك، فسافر إلى مصر، ووعظ، وأظهر مقالة الأشعري، فثارت الحنابلة، وكان يجري بينه وبين زين الدين ابن نجية كبيرهم العجائب والسب.
قال: وبلغني أنه سئل: أيما أفضل دم الحسين، أو دم الحلاج? فاستعظم ذلك، قالوا: فدم الحلاج كتب على الأرض: الله، الله، ولا كذلك دم الحسين?! قال: المتهم يحتاج إلى تزكية!
قلت: لم يصح هذا عن دم الحلاج، وليسا سواءً: فالحسين رضي الله عنه شهيد قتل بسيف أهل الشر، والحلاج فقتل على الزندقة بسيف أهل الشرع.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان طوالًا، مهيبًا، مقدامًا، ساد الجواب في المحافل، أقبل عليه تقي الدين عمر، وبنى له مدرسةً، وكان يلقي الدرس من كتاب، وكان يرتاعه كل أحد، وهو يرتاع من الخبوشاني، ويتضاءل له، وكان يحمق بظرافة، ويتيه على الملوك بلباقة، ويخاطب الفقهاء بصرامة، عرض له جدري بعد الثمانين عم جسده، وجاء يوم عيد، والسلطان بالميدان، فأقبل الطوسي وبين يديه مناد ينادي: هذا ملك العلماء، والغاشية على الأصابع، فإذا رآها المجان، قرأوا:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1]، الغاشية فتفرق الأمراء غيظًا منه. وجرى له مع العادل ومع ابن شكر قضايا عجيبة، لما تعرضوا لأوقاف المدارس، فذب عن الناس، وثبت.
قال ابن النجار: مات بمصر في ذي القعدة سنة ست وتسعين وخمس مائة وحمله أولاد السلطان على رقابهم، رحمه الله.
5372 - السديد
(1)
:
إمام الطب، بقراط العصر، شرف الدين، أبو المنصور عبد الله بن علي بن داود بن مبارك.
أخذ الفن عن أبيه الشيخ السديد، وعدلان بن عين زربي.
وسمع بالثغر من ابن عوف، وصار رئيس الأطباء بمصر، وخدم ملوكها، وأخذ عنه الأطباء، وأقبلت عليه الدنيا، وخدم العاضد صاحب مصر، وطال عمره.
أخذ عنه شيخ الأطباء النفيس بن الزبير، فروى عنه أنه دخل مع أبيه على الآمر العبيدي.
وحكى ابن أبي أصيبعة عن أسعد الدين أن السديد حصل له في نهار ثلاثون ألف دينار.
ونقل عنه ابن الزبير أنه ختن ولدي الحافظ لدين الله، فحصل له من ذلك نحو خمسين ألف دينار.
وكان السلطان صلاح الدين يحترمه، ويعتمد على طبه.
مات سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة. وقيل: اسمه داود.
5373 - البوصيري
(2)
:
الشيخ العالم المعمر، مسند الديار المصرية، أمين الدين، أبو القاسم، سيد الأهل، هبة الله بن علي بن سعود بن ثابت بن هاشم بن غالب الأنصاري الخزرجي، المنستيري الأصل البوصيري المصري، الأديب الكاتب.
ولد سنة ست وخمس مائة.
وسمع مع السلفي من أبي صادق مرشد بن يحيى المديني، ومحمد بن بركات السعيدي، وأبي الحسن علي بن الفراء، والفقيه سلطان بن إبراهيم المقدسي، والخفرة بنت فاتك، وجماعة.
وأجاز له أبو عبد الله بن الحطاب الرازي، وأبو الحسن بن الفراء.
وسمع من الرازي أيضًا، ومن السلفي، وحدث واشتهر اسمه، ورحل إليه.
حدث عنه: الحفاظ: عبد الغني، وابن المفضل، والضياء، وابن خليل، وأبو الحسن
(1)
ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 309".
(2)
ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 778"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 182"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 338" ووقع عنده [ابن مسعود] بدل [ابن سعود].
السخاوي، وأبو سليمان بن الحافظ، وخطيب مردا، وأبو بكر بن مكارم، وأبو عمرو بن الحاجب، وإسماعيل بن عزون، وإسماعيل بن صارم، وعبد الله بن علاق، وعبد الغني بن بنين، وعدد كثير.
وأجاز لشيخنا أحمد بن أبي الخير، بل وأجاز لمن أدرك حياته، نقل ذلك المحدث حسن بن عبد الباقي الصقلي فيما قرأه بخطه المحدث أحمد بن الجوهري.
وقال الشيخ الضياء: كان قد ثقل سمعه، وكان يسمع بأذنه اليسرى أجود، وكان شرسًا، شاهدته وشيخنا عبد الغني يقرأ عليه من البخاري حديث:"لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له"
(1)
فقال: ليس فيها "يحيي ويميت".
توفي البوصيري في ثاني صفر سنة ثمان وتسعين وخمس مائة.
(1)
صحيح: أخرجه البخاري "844"، ومسلم "593"، وأبو داود "1505"، والنسائي "3/ 70".
5374 - ابن موقى
(1)
:
الشيخ الفقيه، المعمر، مسند الإسكندرية، أبو القاسم، عبد الرحمن بن مكي بن حمزة بن موقى بن علي الأنصاري السعدي الثغري المالكي التاجر، ويعرف بابن علاس.
ولد سنة خمس وخمس مائة.
وسمع من أبي عبد الله الرازي "مشيخته" وأجاز له، وهو خاتمة أصحابه.
حدث عنه: علي بن المفضل، والزين محمد بن أحمد بن النحوي، وأبو الفتح محمد بن الحسن اللخمي، وأحمد بن عبد الله بن النحاس، وأخوه منصور، وجعفر بن تمام، والحسين وعبد الله ابنا أحمد بن خليد الكناني، والحسن بن عثمان المحتسب، وهبة الله بن روين، وعثمان بن هبة الله بن عوف، وآخرون آخرهم ابن عوف.
قال الحافظ عبد العظيم المنذري: لم يزل صحيح السمع والبصر والجسد إلى أن مات، وتصدق من ثلثه بألف دينار بعد موته.
توفي في سلخ ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وخمس مائة، وله أربع وتسعون سنةً.
وفيها توفي أبو علي الحسن بن إبراهيم بن قحطبة الفرغاني ثم البغدادي بن أشنانة، وأبو محمد عبد الله بن دهبل بن كاره الحريمي، وقاضي فاس أبو محمد عبد الله بن محمد بن
عيسى التادلي الفاسي، وعبد الله بن محمد بن عليان الحربي، والواعظ زين الدين علي بن إبراهيم بن نجا الحنبلي بالشارع، وعلي بن حمزة الكاتب بمصر، وعلي بن خلف بن معزوز بالمنية، والسلطان غياث الدين محمد بن سام بن حسين الغوري، وقاضي القضاة ببغداد ضياء الدين القاسم بن يحيى الشهروزي، ثم قاضي حماة، والزاهد الكبير أبو عبد الله محمد بن أحمد القرشي الأندلسي، وأبو بكر بن أبي جمرة مولى بني أمية، وشهاب الدين محمد بن يوسف الغزنوي بالقاهرة، والمبارك بن المعطوش، ومحمود بن أحمد العبدكوي، ومسعود بن عبد الله بن غيث الدقاق، ويوسف بن الطفيل الدمشقي.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 183".
5375 - ابن نجية
(1)
:
الشيخ الإمام العالم الرئيس الجليل الواعظ، الفقيه، زين الدين، أبو الحسن، علي بن إبراهيم بن نجا بن غنائم الأنصاري الدمشقي الحنبلي نزيل الشارع بمصر، ويعرف بابن نجية.
ولد بدمشق في سنة ثمان وخمس مائة.
وسمع من علي بن أحمد بن قبيس المالكي، ومن خاله شرف الإسلام، عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الحنبلي، وسمع ببغداد من أحمد بن علي الأشقر، وأبي سعيد أحمد بن محمد البغدادي، وابن ناصر، وموهوب بن الجواليقي، وسمع ببغداد جامع أبي عيسى من عبد الصبور بن عبد السلام الهروي، وسمع من الحافظ عبد الخالق اليوسفي، وسعد الخير الأنصاري، وتزوج بابنته المسندة فاطمة.
كتب عنه أبو طاهر السلفي حكايةً.
ووعظ بجامع القرافة مدةً.
حدث عنه: ابن خليل، والشيخ الضياء، ومحمد بن البهاء، وأبو سليمان ابن الحافظ، والزكي المنذري، وعبد الغني بن بنين، والحافظ عبد الغني أيضًا.
وبالإجازة: أحمد بن أبي الخير، وغيره.
وكان صدرًا محتشمًا نبيلًا، ذا جاه ورياسة وسؤدد وأموال وتجمل وافر، واتصال بالدولة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 183 - 184".
ترسل لنور الدين إلى الديوان العزيز سنة أربع وستين وخمس مائة.
قال ابن النجار: كان مليح الوعظ، لطيف الطبع، حلو الإيراد، كثير المعاني، متدينًا، حميد السيرة، ذا منزلة رفيعة، وهو سبط الشيخ أبي الفرج.
قال أبو شامة: كان كبير القدر، معظمًا عند صلاح الدين، وهو الذي نم على الفقيه عمارة اليمني وأصحابه بما كانوا عزموا عليه من قلب الدولة، فشنقهم صلاح الدين وكان صلاح الدين يكاتبه، ويحضره مجلسه، وكذلك ولده الملك العزيز من بعده، وكان واعظًا مفسرًا، سكن مصر، وكان له جاه عظيم، وحرمة زائدة، وكان يجري بينه وبين الشهاب الطوسي العجائب، لأنه كان حنبليًا، وكان الشهاب أشعريًا واعظًا. جلس ابن نجية يومًا في جامع القرافة، فوقع عليه وعلى جماعة سقف، فعمل الطوسي فصلًا ذكر فيه:{فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 26]. جاء يومًا كلب يشق الصفوف في مجلس ابن نجية، فقال: هذا من هناك، وأشار إلى جهة الطوسي.
قال أبو المظفر السبط: اقتنى ابن نجية أموالًا عظيمةً، وتنعم تنعمًا زائدًا، بحيث أنه كان في داره عشرون جاريةً للفراش، تساوي كل واحدة ألف دينار وأكثر، وكان يعمل له من الأطعمة ما لا يعمل للملوك، أعطاه الخلفاء والملوك أموالًا جزيلةً. قال: ومع هذا مات فقيرًا كفنه بعض أصحابه.
قال المنذري: مات في سابع رمضان سنة تسع وتسعين وخمس مائة. وماتت بعده زوجته فاطمة بسنة.
5376 - علي بن حمزة
(1)
:
ابن علي بن طلحة بن علي، الشيخ الجليل أبو الحسن بن أبي الفتوح، الكاتب البغدادي. ولد سنة خمس عشرة.
وسمع من هبة الله بن الحصين، وولي الحجابة بباب النوبي، وكان يكتب خطًا بديعًا، وسكن مصر.
حدث عنه: ابن خليل، والضياء، وخطيب مردا، وجماعة.
وكان أبوه وكيلًا للمسترشد بالله.
مات علي في غرة شعبان سنة تسع وتسعين وخمس مائة بمصر.
كان أبوه أخا المسترشد من الرضاعة، فبلغه أعلى المراتب، وبعده تزهد، ولزم العبادة، وبنى مدرسةً للشافعية، وحدث عن ابن بيان الرزاز. توفي سنة ست وخمسين وخمس مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 184"، وشذرات الذهب "4/ 342".
5377 - ابن المارستانية
(1)
:
الصدر الكبير، الأديب البليغ، أبو بكر عبيد الله بن علي بن نصر بن حمزة التيمي.
قرأ الفقه والآداب، وصنف وساد، إلَّا إنه زور لنفسه، وزعم أنه سمع من الأرموي.
وقد سمع من ابن البطي وطبقته، وقرأ الكثير، وحصل، وقرأ الطب والفلسفة، وعمل الكتابة، ثم نفذ رسولًا إلى ابن البهلوان، فمات بتفليس في آخر سنة تسع وتسعين وخمس مائة عن تسع وخمسين سنةً. وكان كذابًا.
5378 - ابن أبي جمرة
(2)
:
الشيخ الإمام المعمر، مسند المغرب، أبو بكر، محمد بن أحمد بن عبد الملك بن موسى بن عبد الملك بن وليد بن أبي جمرة الأموي، مولاهم، الأندلسي المرسي.
سمع الكثير من والده، من ذلك: التيسير لأبي عمرو الداني، بإجازته من الداني.
وسمع من أبي بكر بن أسود، ومن أبي محمد بن أبي جعفر، وأجاز له أبو بحر سفيان بن العاص، والفقيه أبو الوليد بن رشد، وأبو الحسن شريح، وخلق. وقد عرض "المدونة" على أبيه.
قال الأبار: عني بالرأي وحفظه، وولي خطة الشورى وهو ابن نيف وعشرين سنةً، وذلك في سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، وتقلد قضاء مرسية وشاطبة مرات، وكان بصيرًا بمذهب مالك، عاكفًا على نشره، فصيحًا، حسن البيان، عدلًا، جزلًا، عريقًا في النباهة والوجاهة.
صنف كتاب "نتائج الأفكار في معاني الآثار" ألفه عندما أوقع السلطان بالمالكية، وأمر بإحراق "المدونة"، وله "إقليد الإقليد المؤدي إلى النظر السديد".
قرأ عليه أبو محمد بن حوط الله "الموطأ" بسماعه من أبيه عن جده قراءةً. وتكلم فيه بعض الناس بكلام لا يقدح فيه.
وحدث عنه أبو عمر بن عات وأبو علي بن زلال. وكتب إلي بالإجازة، وأنا ابن عامين، وهو أعلى شيوخي إسنادًا.
مات بمرسية في المحرم سنة تسع وتسعين وخمس مائة عن نيف وثمانين سنةً.
وقال أبو الربيع بن سالم: ظهر منه في باب الرواية اضطراب طرق الظنة إليه، وأطلق الألسنة عليه.
قلت: وقد سمع ابن الزبير التيسير من أبي عبد الله بن جوبر بسماعه منه.
(1)
ترجمته في لسان الميزان "4/ ترجمة 218"، وشذرات الذهب "4/ 339".
(2)
ترجمه في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 342".
5379 - الهاشمي
(1)
:
القدوة الرباني، أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي الهاشمي الأندلسي، من الجزيرة الخضراء، له كرامات فيما يقال وأحوال.
نزل بيت المقدس، وصحبه الصالحون.
صحب جماعةً، وله جلالة عجيبة وشهرة.
مات في ذي الحجة سنة تسع وتسعين وخمس مائة رحمه الله.
5380 - ابن المعطوش
(2)
:
الشيخ العالم الثقة، المعمر، أبو طاهر، المبارك بن المبارك بن هبة الله بن المعطوش الحريمي البغدادي العطار، أخو أبي القاسم المبارك.
ولد في رجب سنة سبع وخمس مائة.
وسمع من: أبي علي محمد بن محمد بن المهدي، وأبي الغنائم محمد بن محمد بن المهتدي بالله، وهبة الله بن الحصين وحدث عنه بجميع "المسند"، وأبي المواهب أحمد بن ملوك، والقاضي أبي بك، وهو آخر من سمع من ابن المهدي وابن المهتدي.
حدث عنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، وابن النجار، وأبو موسى بن الحافظ، واليلداني، وابن عبد الدائم، والنجيب، وآخرون.
وبالإجازة ابن أبي الخير، والفخر بن البخاري.
قال ابن الدبيثي: سماعه في سنة أربع عشرة، وكان يقظًا فطنًا صحيح السماع.
وقال ابن نقطة: توفي في عاشر جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وخمس مائة، وكان سماعه صحيحًا.
قال ابن النجار: قرأت عليه كثيرًا. وكان شيخًا متيقظًا، لطيف الطبع، مليح النادرة، سريع الجواب، من محاسن الناس، قرأ القرآن، وطلب الحديث بنفسه، وقرأ على المشايخ، وكتب بخطه، وعمر حتى تفرد بأكثر مروياته. وحدث بمسند أحمد بن حنبل مرات، وكانت الرحلة إليه. ومتعه الله بسمعه وبصره وعقله إلى حين وفاته، وكان مكرمًا لمن يقصده من الطلبة، بسامًا، مزاحًا.
(1)
ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 632"، والنجوم الزاهرة "6/ 184"، وشذرات الذهب "4/ 342".
(2)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 184"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 343" ووقع عنده [ابن المعطوس] بالسين المهملة بدل [ابن المعطوش] بالشين المعجمة.
5381 - العجلي
(1)
:
الإمام العلامة، مفتي العجم، منتخب الدين، أبو الفتوح، أسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف بن أحمد العجلي الأصبهاني الفقيه الشافعي الواعظ.
ولد سنة خمس عشرة وخمس مائة.
وسمع من فاطمة الجوزدانية "المعجم الصغير" وبعض "الكبير" أو جميعه، وإسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ، وغانم بن أحمد وجماعةً. وسمع ببغداد في الكهولة من ابن البطي.
حدث عنه: أبو نزار ربيعة اليمني، والحافظ الضياء، وابن خليل، وجماعة. وأجاز لابن أبي الخير وابن البخاري.
وكان من أئمة الشافعية. له تصانيف.
قال ابن الدبيثي: كان زاهدًا، له معرفة تامة بالمذهب، وكان يأكل من النسخ، وعليه كان المعتمد في الفتوى بأصبهان.
وقال القاضي ابن خلكان: هو أحد الفقهاء الأعيان، له كتاب في شرح مشكلات "الوجيز" و"الوسيط" للغزالي، وكتاب "تتمة التتمة". توفي بأصبهان في الثاني والعشرين من صفر سنة ست مائة.
وقال الحافظ الضياء: شيخنا هذا كان إمامًا مصنفًا، أملى ووعظ، ثم ترك الوعظ، جمع كتابًا سماه "آفات الوعاظ"، سمعت منه "المعجم الصغير" للطبراني.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 186"، ووقع عند [أبو الفتح] بدل [أبو الفتوح] وشذرات الذهب "4/ 344".
5382 - الصفار
(1)
:
الشيخ الإمام العلامة، المعمر، فخر الإسلام، أبو سعد، عبد الله ابن العلامة أبي حفص عمر بن أحمد بن منصور ابن فقيه خراسان محمد بن القاسم بن حبيب ابن الصفار النيسابوري الشافعي.
ولد سنة ثمان وخمس مائة.
وسمع من جده لأمه الإمام أبي نصر بن القشيري، فكان آخر من روى عنه، وسمع من الفراوي "صحيح مسلم"، ومن عبد الجبار بن محمد الخواري، وزاهر بن طاهر، والحافظ عبد الغافر بن إسماعيل، وسهل بن إبراهيم، والفضل الأبيوردي، ومحمد بن أحمد بن صاعد، ومن أبيه، وجماعة.
حدث عنه: بدل التبريزي، ونجم الدين أبو الجناب الخيوقي، وأبو رشيد الغزال، وإسماعيل بن ظفر، والقاسم بن أبي سعد الصفار ولده، وجماعة.
وبالإجازة: الشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر، وابن البخاري، وطائفة.
وكان من الأئمة العلماء الأثبات.
ومن مسموعاته: "سنن الدارقطني" بفويت معلوم على أبي القاسم الفضل بن محمد الأبيوردي بسماعه من أبي منصور النوقاني، بسماعه منه، وسمع "السنن الكبير" من زاهر بن طاهر، وسمع "سنن أبي داود" من عبد الغافر: أخبرنا نصر بن علي الحاكمي، وسمع "السنن" و"الآثار" من عبد الجبار.
أنبأني أبو العلاء الفرضي قال: مجد الدين أبو سعد بن الصفار إمام عالم بالأصول،
فقيه، ثقة، سمع أباه وعمته عائشة وجدته دردانة أخت عبد الغافر، وهبة الله السيدي، وسهل بن إبراهيم المسجدي، وعدةً.
قال المنذري: مات في سابع عشر رمضان سنة ست مائة.
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 186"، وشذرات الذهب "4/ 345".
5383 - القاسم
(1)
:
الإمام المحدث، الحافظ، العالم الرئيس، بهاء الدين، أبو محمد، القاسم ابن الحافظ الكبير محدث العصر ثقة الدين أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي المعروف بابن عساكر، وما علمت هذا الاسم في أجداده ولا من لقب به منهم.
مولده في سنة سبع وعشرين وخمس مائة.
وأجاز له: الفراوي، وزاهر، وقاضي المارستان، والحسين بن عبد الملك، وعبد المنعم بن القشيري، وابن السمرقندي، وهبة الله بن الطبر، ومحمد بن إسماعيل الفارسي، وهبة الله بن سهل السيدي، وعبد الجبار الخواري، وخلق كثير من البلاد، لقيهم والده ولم أجد له حضورًا ولا لأبيه وعمه الصائن.
سمع في سنة اثنتين وثلاثين من جمال الإسلام أبي الحسن السلمي، وجد أبيه القاضي الزكي يحيى بن علي القرشي، ويحيى بن بطريق، ونصر الله بن محمد المصيصي، وأبي الدر ياقوت الرومي، وهبة الله بن طاووس، وأبي طالب علي بن أبي عقيل، وأبي الفتوح أسامة بن محمد بن زيد العلوي، وأبي الكرم يحيى بن عبد الغفار عن رزق الله، وخال أبيه أبي المعالي محمد بن يحيى بن علي، وناصر بن عبد الرحمن القرشي، وأبي القاسم بن البن الأسدي، والخضر بن الحسين بن عبدان، وعبدان بن زرين الدويني، ويحيى بن سعدون القرطبي، والحافظ أبي سعد ابن السمان، وأبيه أبي القاسم الحافظ، فأكثر إلى الغاية؛ فإنني ما علمت أحدًا سمع من أبيه أكثر من هذا الابن حتى ولا ابن الإمام أحمد، لعل القاسم سمع من أبيه ثلاثة آلاف جزء، وسمع من عمه الصائن، ومن أبي يعلى بن الحبوبي، وحمزة بن كروس، وعبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني، وإبراهيم بن طاهر الخشوعي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن بن أبي الحديد، وأبي البركات الخضر بن عبد الحارثي، ونصر بن أحمد بن مقاتل وأخيه علي بن أحمد، ومحمد بن إبراهيم بن جعفر، وفضائل بن الحسن، وأبي العشائر محمد بن خليل، والوزير الفلكي، وأبي نصر غالب بن أحمد، ونصر بن قاسم
(1)
ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1368"، والنجوم الزاهرة "6/ 186"، وشذرات الذهب "4/ 347".
المقدسي الملقن، وحفاظ بن الحسن الغساني، ومحفوظ بن صصرى التغلبي، ومحمد بن كامل بن ديسم، وعلي بن الحسين بن أشليها، وحمزة بن الحسن بن مفرج الأزدي، وأبي طاهر راشد بن محمد، وأبي الحسن محمد بن عبد الله بن النبيه، وعلي بن زيد، وعلي بن هبة الله بن خلدون، وهبة الله بن المسلم الرحبي، وعلي بن أحمد الحرستاني، وخلق سواهم.
وهو أوسع روايةً وسماعًا من أبي الفرج بن الجوزي، وله عمل جيد، ولكن ابن الجوزي أعلم منه بكثير بالرجال والمتون وبعدة فنون، وكل منهما لم يرحل، بل قنع أبو محمد ببلده ووالده، وناهيك بذلك، وقنع أبو الفرج ببغداد.
نعم، وحج أبو محمد في سنة 555، فسمع بمكة من مسعود بن الحصين، وأحمد بن المقرب، وأبي النجيب السهروردي، وفخر النساء شهدة. وسمع بمصر، وحدث بها، وبالحجاز، وبيت المقدس، ودمشق.
وكتب ما لا يوصف كثرةً بخطه العديم الجودة، وأملى، وصنف، ونعت بالحفظ والفهم، ولكن خطه نادر النقط والشكل.
جمع كتابًا كبيرًا في الجهاد، وما قصر فيه، ومجلدًا في فضائل القدس، ومجلدًا في المناسك، وكتابًا في من حدث بمدائن الشام وقراها، وخرج لنفسه موافقات وأبدالًا وسباعيات، وأملى عدة مجالس، وروى الكثير، وتفرد بأشياء عالية.
ذكره العز النسابة فقال: كان أحب ما إليه المزاح.
وقال ابن نقطة: هو ثقة، لكن خطه لا يشبه خط أهل الضبط.
وذكر المحدث عبد الرحمن بن مقرب عن ندى العرضي، قال:
قرأت على بهاء الدين القاسم، فقلت: عن ابن لهيعة، فرد علي بالضم!
قلت: ذكر محدث أنه اجتمع بالمدينة ببهاء الدين القاسم، فسأله أن يحدثه، فروى له من حفظه أحاديث، ثم ذكر أنه قابل تلك الأحاديث بأصلها، فوافقت، وبمثل هذا يوصف المحدث في زماننا بالحفظ.
وبلغني أن الحافظ بهاء الدين ولي بعد أبيه مشيخة النورية فما تناول من الجامكية شيئًا، بل كان يعطيه لمن يرحل في طلب الحديث.
حدث عنه: أبو المواهب بن صصرى، وأبو الحسن بن المفضل، وعبد القادر الرهاوي، ويوسف بن خليل، وولده عماد الدين علي بن القاسم، وأبو الطاهر بن الأنماطي، والتاج القرطبي، وفتاه فرج، والتقي اليلداني، والشهاب القوصي، وعبد الغني بن بنين، وبدل بن أبي المعمر التبريزي، والزين خالد بن يوسف، والمجد محمد بن عساكر، والتقي إسماعيل بن أبي اليسر، والنشبي وولده أبو بكر، والكمال عبد العزيز بن عبد، وعبد الوهاب بن زين الأمناء، وفراس بن علي العسقلاني، وعماد الدين عبد الكريم بن الحرستاني، وآخرون.
وبالإجازة: أحمد بن سلامة الحداد، وأبو الغنائم بن علان، وطائفة.
أخبرنا ابن علان، وابن سلامة، كتابةً، عن القاسم بن علي الحافظ، أخبرنا أبو المفضل يحيى بن علي، أخبرنا حيدرة بن علي المعبر، أخبرنا عبد الرحمن بن عثمان، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن حذلم، حدثنا أبو زرعة، حدثني عقبة بن مكرم، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن علي بن حسين، عن مروان بن الحكم: شهدت عليًا وعثمان بين مكة والمدينة، وعثمان ينهى عن المتعة، وأن لا يجمع بينهما، وأبى علي ذلك، أهل بهما، فقال: لبيك بعمرة وحجة معًا، فقال عثمان: أنهى الناس، وأنت تفعله? فقال: لم أكن أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس
(1)
.
أخرجه النسائي، وفيه أن مذهب الإمام علي كان يرى مخالفة ولي الأمر لأجل متابعة السنة، وهذا حسن لمن قوي، ولم يؤذه إمامه، فإن آذاه، فله ترك السنة، وليس له ترك الفرض، إلَّا أن يخاف السيف.
أخبرني ابن رافع أنه قرأ بخط عماد الدين علي بن القاسم الحافظ ترجمةً لأبيه فقال: كان والدي بهاء الدين من الأئمة والعلماء حين بلغ حد السمع، سمعه عماه الحافظ أبو الحسين، وأبو عبد الله محمد من المشايخ الأعيان، ثم قدم أبوه -يعني من الرحلة- سنة ثلاث وثلاثين، فأسمعه. إلى أن قال: فتقرب عدة مشايخه من مائة شيخ، تفرد بالرواية عن أكثرهم، ولم يزل يسمع، ويكتب، ويؤلف. قال: وحج في سنة خمس وخمسين، فسمع بمكة. إلى أن قال: ولولا تبييضه لكتاب التاريخ، ونقله من المسودة، لما قدر الشيخ الكبير يعني والده على إتقانه، ولا جوده، فإنه حين فرغ من تسويده، عجز عن نقله، وتجديده، وضبط ما فيه من المشكل، وتحديده، كأن نظره قد كل، وبصره قد قل، فلم يزل
(1)
صحيح: أخرجه البخاري "1563" من طريق محمد بن بشار، حدثنا غندر به.
وأخرجه النسائي "5/ 148"، من طريق أبي عامر حدثنا شعبة، به.
والدي يكتب، وينقله من الأوراق الصغار والظهور، ويهذب إلى أن نجز منه نحو مائة وخمسين جزءًا، وكان بينهما نفرة، فكان لا يحضر السماع تلك المدة، فحكى لي والدي، قال: ضاق صدري، فأتيت الوالد ليلة النصف في المنارة الشرقية، وزال ما في قلبه. وسمعت أبا جعفر القرطبي كثيرًا يقول عند غيبة والدك عنه: جزاه الله عني خيرًا، فلولاه ما تم التاريخ، هذا أو معناه.
قلت: يقال: إن الحافظ أبا القاسم حلف أنه لا يكلم ابنه حتى يكتب التاريخ، فكتبه، ولما عمل بهاء الدين كتاب "الجهاد"، سمعه منه كله السلطان صلاح الدين في سنة ست وسبعين، قال: فدعوت في أوله وآخره بفتح بيت المقدس، فاستجاب الله ذلك، وله الحمد، وفتح بيت المقدس في السادس والعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة وأنا حاضر فتحه.
توفي الحافظ بهاء الدين في تاسع صفر سنة ست مائة، وكانت جنازته مشهودةً.
تم الجزء الخامس عشر ويليه:
الجزء السادس عشر، وأوله: شميم