المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌فصل: في بقية كبراء الصحابة ‌ ‌157 - عثمان - سير أعلام النبلاء - ط الحديث - جـ ٤

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌فصل: في بقية كبراء الصحابة

‌157 - عثمان بن حنيف

(1)

: " ت، س، ق"

ابن واهب بن عكيم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن حنش بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي القبائي.

أخو سهل بن حنيف، ووالد عبد الله، وحارثة، والبراء، ومحمد، وعبد الله.

وأم سهل من جُلَّة الأنصار.

ابن أبي عروبة عن قتادة عن أبي مجلز: أنَّ عمر وجَّه عثمان بن حنيف على خراج السواد، ورزقه كل يوم ربع شاة وخمسة دراهم، وأمره أن يمسح السواد عامره وغامره

(2)

، ولا يمسح سبخةً ولا تلًا ولا أجمةً، ولا مستنقع ماء.

فمسح كل شيء دون جبل حلوان، إلى أرض العرب، وهو أسفل الفرات، وكتب إلى عمر: إني وجدت كل شيء بلغه الماء غامرًا وعامرًا ستة وثلاثين ألف جريب

(3)

، وكان ذراع عمر الذي ذرع به السواد ذراعًا وقبضة، والإبهام مضجعة.

وكتب إليه: أن افرض الخراج على كل جريب عامر أو غامر درهمًا وقفيزًا

(4)

، وافرض على الكرم على كل جريب عشرة دراهم، وأطعمهم النخل والشجر، وقال: هذا قوة لهم على عمارة بلادهم.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "6/ ترجمة 797"، تهذيب الكمال "19/ ترجمة 3805"، وتاريخ الخطيب "1/ 179"، وأسد الغابة "3/ 371"، تهذيب التهذيب "7/ ترجمة رقم 241"، الإصابة "2/ ترجمة 5435"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة رقم 4724".

(2)

الغامر من الأرض: ما كان في الأرض من خضرة قليلة، إمَّا ريحةً وإمَّا نباتًا. وقيل: هو الأخضر الذي غمره اليبيس.

(3)

الجريب من الأرض: مقدار معلوم الذراع والمساحة، وهو عشرة آلاف ذراع.

(4)

القفيز: مكيال كانوا يكتالون به.

ص: 5

وفرض على الموسِر ثمانية وأربعين درهمًا، وعلى من دون ذلك أربعة وعشرين درهمًا، وعلى من لم يجد شيئًا اثني عشر درهمًا، ورفع عنهم الرق بالخراج الذي وضعه في رقابهم.

فحمل من خراج سواد الكوفة إلى عمر في أوّل سنة ثمانون ألف ألف درهم، ثم حمل من قابل مئة وعشرون ألف ألف درهم، فلم يزل على ذلك.

حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن ميمون قال: جئت فإذا عمر واقف على حذيفة وعثمان بن حنيف، وهو يقول: تخافان أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق. قال عثمان: لو شئت لأضعفت على أرضي. وقال حذيفة: لقد حملت الأرض شيئًا هي له مطيقة. فجعل يقول: انظرا ما لديكما، والله لئن سلمني الله لأدعنَّ أرامل العراق لا يحتجن. فما أتت عليه رابعة حتى أصيب

(1)

.

قال ابن سعد: قتل عثمان وفارق ابن كريز

(2)

البصرة، فبعث عليٌّ عليها عثمان بن حنيف واليًا، فلم يزل حتى قدم عليه طلحة والزبير، فقاتلهما ومعه حكيم بن جبلة العبدي، ثم توادعوا حتى يقدم عليّ.

ثم كانت ليلة ذات ريح وظلمة، فأقبل أصحاب طلحة، فقتلوا حرس عثمان بن حنيف، ودخلوا عليه فنتفوا لحيته وجفون عينيه، وقالوا: لولا العهد لقتلناك. فقال: إن أخي والٍ لعليٍّ على المدينة، ولو قتلتموني لقتلَ من بالمدينة من أقارب طلحة والزبير.

ثم سجن. وأخذوا بيت المال.

وكان يكنَّى أبا عبد الله، توفي في خلافة معاوية، وله عقب.

ولعثمان حديث ليِّن في "مسند أحمد".

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "3700".

(2)

هو: عبد الله بن عامر بن كريز، ابن خال أمير المؤمنين عثمان بن عفان. تأتي ترجمته برقم "228".

ص: 6

‌158 - خباب بن الأرت

(1)

: " ع"

ابن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة، من تميم، أبو يحيى التميمي.

من نجباء السابقين. له عدة أحاديث. وقيل: كنيته أبو عبد الله. شهد بدرًا والمشاهد.

حدَّث عنه: مسروق، وأبو وائل، وأبو معمر، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس، وعدة.

قيل: مات في خلافة عمر، وصلى عليه عمر، وليس هذا بشيء، بل مات بالكوفة سنة سبع وثلاثين، وصلى عليه عليّ.

وقيل: عاش ثلاثًا وسبعين سنة.

نعم، الذي مات سنة تسع عشرة، وصلَّى عليه عمر، هو: خباب مولى عتبة بن غزوان، صحابي مهاجري أيضًا.

قال منصور عن مجاهد: أوّل من أظهر إسلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وخباب، وبلال، وصهيب، وعمَّار.

وأما ابن إسحاق فذكر إسلام خبَّاب بعد تسعة عشر إنسانًا، وأنه كمَّل العشرين.

الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي ليلى الكندي قال: قال عمر لخبَّاب: ادنه، فما أحد أحقّ بهذا المجلس منك إلَّا عمار. قال: فجعل يريه بظهره شيئًا -يعني: من آثار تعذيب قريش له

(2)

.

أبو الضحى، عن مسروق، عن خباب قال: كنت قينًا بمكة، فعملت للعاص بن وائل سيفًا، فجئت اتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد. فقلت: لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث، فقال: إذا بعثت كان لي مال، فسوف أقضيك. فقلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزلت:{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} [مريم: 78]

(3)

.

لخباب -بالمكرر: اثنان وثلاثون حديثًا، ومنها: ثلاثة في "الصحيحين"، وانفرد له البخاري بحديثين، ومسلم بحديث.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 164"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة رقم 730"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 1817"، أسد الغابة "2/ 114"، تهذيب الكمال "8/ ترجمة رقم 1674"، الحلية لأبي نعيم "1/ 143"، تهذيب التهذيب "3/ ترجمة 254"، الإصابة "1/ ترجمة 2210".

(2)

حسن لغيره: أخرجه ابن ماجه "153"، وابن سعد "3/ 165" من طريق وكيع بن الجراح، حدَّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي ليلى الكندي، به.

قلت: إسناده ضعيف، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي، ثقة، لكنَّه مدلس، وقد عنعنه. لكن يشهد للحديث ما رواه أبو نعيم في "الحلية"، "1/ 144" من طريق جرير بن بيان، عن الشعبي قال: سأل عمر بلالًا عمَّا لقي من المشركين

" فذكره.

قلت: إسناده ضعيف، آفته الانقطاع بين الشعبي وعمر، فإنه لم يدركه -كما قال الدارقطني، وأبو حاتم، وأبو زرعة. وهو حسن بمجموع الطريقين.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "2091" من طريق شعبة، وابن سعد "3/ 164" من طريق الأعمش، كلاهما عن أبي الضحى، عن مسروق، به.

ص: 7

‌159 - سهل بن حنيف

(1)

: " ع"

أبو ثابت الأنصاري الأوسي العوفي.

والد أبي أمامة بن سهل، وأخو عثمان بن حنيف، شهد بدرًا والمشاهد.

حدَّث عنه ابناه؛ أبو أمامة وعبد الله، وعبيد بن السباق، وأبو وائل، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ويسير بن عمرو، وآخرون.

وكان من أمراء علي رضي الله عنه.

مات بالكوفة في سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه عليّ.

وحديثه في الكتب الستة.

الحاكم في "مستدركه"، من طريق عبد الواحد بن زياد: حدثنا عثمان بن حكيم، حدثتنا الرباب جدتي، عن سهل بن حنيف: اغتسلت في سيل، فخرجت محمومًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"مروا أبا ثابت فليتصدق"

(2)

.

مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف، فقال: والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة! فَلُبِطَ بسهل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله! هل لك في سهل، والله ما يرفع رأسه، قال:"هل تتهمون به أحدًا"? قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، فدعاه فتغيظ عليه، وقال:"علام يقتل أحدكم أخاه، ألا برَّكت؟ اغتسل له".

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 471" و"6/ 15"، وتاريخ البخاري الكبير "4/ ترجمة 2090"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 840"، أسد الغابة "2/ 470"، تهذيب الكمال "12/ ترجمة رقم 2610"، تهذيب التهذيب "4/ ترجمة 428"، الإصابة "2/ ترجمة 3527"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2793".

(2)

ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 408 - 409" و"4/ 413"، وأبو داود "3888"، وأحمد "3/ 486" من طريق عبد الواحد بن زياد، به.

قلت: إسناده ضعيف، الرباب جدَّة عثمان بن حكيم بن عباد مجهولة، لذا قال الحافظ في "التقريب":"مقبولة" أي: عند المتابعة، وليس ثَمَّ من تابعه.

ص: 8

فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صبَّ عليه، فراح سهل مع الناس ما به بأس

(1)

.

أبو صالح: حدثني أبو شريح، أنه سمع سهل بن أبي أمامة بن سهل يحدث عن أبيه، عن جده: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشددوا على أنفسكم، فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات"

(2)

.

إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن عبد الله بن معقل قال: صلى عليّ على سهل بن حنيف، فكبر ستًّا

(3)

.

رواه الأعمش، عن يزيد، عن ابن معقل، فقال: كبَّر خمسًا، ثم التفت إلينا، فقال: إنه بدريّ.

قال ابن سعد: سهل بن حنيف بن واهب بن عكيم بن ثعلبة بن عمرو بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن حنش بن عوف بن عمرو بن عوف، أبو سعد وأبو عبد الله.

وله من الولد: أبو أمامة أسعد، وعثمان، وسعد، وعقبه اليوم بالمدينة وببغداد.

قال: وقالوا: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سهل وبين عليّ.

شهد بدرًا، وثبت يوم أحد، وبايع على الموت، وجعل ينضح بالنبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله:"نبلوا سهلًا فإنه سهل".

(1)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 938"، والطبراني "5880" عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه "أبا أمامة" يقول: فذكره.

وأخرجه عبد الرزاق "19766"، ومالك "2/ 393"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة""208"، والطبراني "5574 - 5577 و 5579"، والبيهقي "9/ 351 - 352 و 352"، والبغوي "3425" من طرق عن الزهري، حدَّثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف، به.

(2)

ضعيف: في إسناده أبو صالح، عبد الله بن صالح، كاتب الليث، ضعيف لسوء حفظه. وأخرجه أبو داود "4904" من طريق أحمد بن صالح، عن عبد الله بن وهب، قال: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، أنَّ سهل بن أبي أمامة حدَّثه: فذكره.

قلت: إسناده ضعيف، آفتة سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول.

(3)

صحيح: أخرجه ابن سعد "3/ 472"، وعبد الرزاق "6403"، والطحاوي "1/ 287"، والحاكم "3/ 409"، والبيهقي "4/ 36" من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر الشعبي، عن عبد الله بن معقل، به.

ص: 9

قال الزهري: لم يعط رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير أحدًا من الأنصار إلَّا سهل بن حنيف، وأبا دجانة، كانا فقيرين.

الأعمش، عن يزيد بن زياد -مدني، عن عبد الله بن معقل قال: كبَّر علي رضي الله عنه في سلطانه كله أربعًا أربعًا على الجنازة، إلَّا على سهل بن حنيف، فإنه كبَّر عليه خمسًا، ثم التفت إليهم فقال: إنه بدريّ.

أبو نعيم: حدثنا أبو جناب، سمعت عمير بن سعيد يقول: صلى عليّ على سهلٍ فكبَّر خمسًا، فقالوا: ما هذا? فقال: لأهل بدر فضلٌ على غيرهم، فأردت أن أعلمكم فضله.

عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: دخل علي بسيفه على فاطمة وهي تغسل الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: خذيه، فلقد أحسنت به القتال! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن كنت أحسنت، فلقد أحسن سهل بن حنيف".

وروي نحوه مرسلًا.

ص: 10

‌160 - خَوَّات بن جبير

(1)

: " بخ"

ابن النعمان بن أمية بن البرك، وهو امرؤ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي.

أخو عبد الله بن جبير العقبيّ البدريّ، الذي كان أمير الرماة يوم أحد.

ويكنَّى خوَّات: أبا صالح.

قال قيس بن أبي حذيفة: كنيته: أبو عبد الله.

قال ابن سعد: قالوا: وكان خوَّات بن جبير صاحب ذات النحيين

(2)

في الجاهلية، ثم أسلم فحسن إسلامه.

(1)

ترجمة في طبقات ابن سعد "3/ 477"، تاريخ البخاري الكبير "3/ ترجمة 736"، أسد الغابة "2/ 148"، تهذيب الكمال "8/ ترجمة 1734"، تهذيب التهذيب "3/ ترجمة 323"، الإصابة "1/ ترجمة رقم 2298"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1901".

(2)

النحى: الزق فيه السمن، وذات النحيين: هي امرأة من تيم الله بن ثعلبة، وكانت تبيع السمن في الجاهلية، فأتى خوّات بن جبير الأنصاري يبتاع منها سمنًا فساومها، فحَلّت نحيًا مملوءًا، فقال: أمسكيه حتى أنظر غيره، ثم حلَّ آخر، وقال لها: أمسكيه، فلمَّا شغل يديها ساورها حتى قضى ما أراد وهرب. قاله ابن منظور في "اللسان" مادة "نحى".

ص: 10

الواقدي: أخبرني عبد الملك بن أبي سليمان، عن خوات بن صالح، عن أبيه. وأخبرنا ابن أبي سبرة عن المسْوَر بن رفاعة، عن عبد الله بن مكنف، أنَّ خوَّات بن جبير خرج إلى بدر، فلمَّا كان بالروحاء أصابه نصيل

(1)

حجر، فكسر، فردَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وضرب له بسهمه وأجره، فكان كمن شهدها.

قالوا: مات خوَّات بالمدينة سنة أربعين، وهو ابن أربع وسبعين سنة، وكان يخضب، وكان ربعة

(2)

من الرجال.

أخوه:

(1)

النصيل: قال ابن شميل: النصيل حجر طويل رقيق كهيئة الصفيحة المحدّدة، وجمعه: النُّصُل.

(2)

الربعة: هو المربوع الخلق، لا بالطويل ولا بالقصير.

ص: 11

‌161 - عبد الله بن جبير

(1)

:

شهد العقبة مع السبعين، وبدرًا، وأحدًا.

واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على الرماة، وهم خمسون رجلًا، وأمرهم فوقفوا على عينين، فاستشهد يومئذ ومُثِّلَ به. قتله عكرمة بن أبي جهل.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 475"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 118"، أسد الغابة "3/ 194"، الإصابة "2/ ترجمة 4582".

ص: 11

‌162 - قتادة بن النعمان

(1)

: " ع"

ابن زيد بن عامر الأمير، المجاهد، أبو عمر الأنصاري، الظفري، البدري.

من نجباء الصحابة، وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه.

وهو الذي وقعت عينه على خده يوم أحد، فأتى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فغمزها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، فردَّها، فكانت أصحَّ عينيه

(2)

.

له أحاديث.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 452"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 823"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 753"، أسد الغابة "4/ 195"، الإصابة "3/ ترجمة 7076"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5836".

(2)

انظر تعليقنا الآتي.

ص: 11

روى عنه: أخوه؛ أبو سعيد، وابنه؛ عمر، ومحمود بن لبيد، وغيرهم.

وكان على مقدمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما سار إلى الشام، وكان من الرماة المعدودين.

عاش خمسًا وستين سنة.

توفي في سنة ثلاث وعشرين بالمدينة، ونزل عمر يومئذ في قبره.

عبد الرحمن بن الغسيل: حدَّثنا عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جده: أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسألت حدقته على وجنته، فأراد القوم أن يقطعوها، فقالوا: نأتي نبي الله نستشيره، فجاء فأخبره الخبر، فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فرفع حدقته حتى وضعها موضعها، ثم غمزها براحته وقال:"اللهم اكسه جمالًا". فمات وما يدري من لقيه أيّ عينيه أصيبت؟!

(1)

.

قال ابن سعد: بنو ظفر من الأوس. وقيل يكنَّى: أبا عبد الله.

وقال الواقدي: شهد العقبة مع السبعين. وكذا قال: ابن عقبة، وأبو معشر.

ولم يذكره ابن إسحاق فيمن شهد العقبة رضي الله عنه.

(1)

حسن لغيره: في إسناده عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول.

وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" -كما ذكره ابن كثير "2/ 447"- من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، به.

قلت: إسناده موضوع، فيه علتان، الأولى: يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي الحافظ، وثَّقه يحيى بن معين وغيره، وأمَّا أحمد فقال: كان يكذب جهارًا. وقال النسائي: ضعيف. العلة الثانية: عمر بن قتادة، مجهول -كما ذكرنا في التعليق السابق.

وأخرجه الدارقطني وابن شاهين من طريق عبد الرحمن بن يحيى العذري، عن مالك، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن قتادة بن النعمان، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه عبد الرحمن بن يحيى العذري، قال العقيلي: مجهول، لا يقيم الحديث من جهته، والخلاصة: فإنَّ الحديث حسن بمجموع الطريق الأخير والطريق الأوّل، والله تعالى أعلى وأعلم.

ص: 12

‌163 - عامر بن ربيعة

(1)

: " ع"

ابن كعب بن مالك، أبو عبد الله العنزي، عنز بن وائل. من حلفاء آل عمر بن الخطاب؛ العدوي.

من السابقين الأوّلين، أسلم قبل عمر، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا.

قال ابن إسحاق: أوّل من قدم المدينة مهاجرًا أبو سلمة بن عبد الأسد، وبعده: عامر بن ربيعة. له أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر وعمر.

حدَّث عنه: ولده عبد الله، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو أمامة بن سهل، وغيرهم.

وكان الخطاب قد تبنَّاه. وكان معه لواء عمر لما قَدِم الجابية.

قال الواقدي: كان موت عامر بن ربيعة بعد قتل عثمان بأيام، وكان لزم بيته، فلم يشعر الناس إلَّا بجنازته قد أخرجت.

روى يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة: أنَّ أباه رئي في المنام حين طعنوا على عثمان، فقيل له: قم فسل الله أن يعيذك من الفتنة.

توفي عامر: سنة خمس وثلاثين قبل مقتل عثمان بيسير.

جعفر بن عون: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: لما طعنوا على عثمان، صلى أبي في الليل ودعا فقال: اللهم قني من الفتنة بما وقيت به الصالحين من عبادك، فما أخرج ولا أصبح إلَّا بجنازته.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 386"، تاريخ البخاري الكبير "6/ ترجمة 2943"، وتاريخه الصغير "1/ 64"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 1790"، أسد الغابة "3/ 121"، تهذيب التهذيب "5/ 62"، الإصابة "2/ ترجمة 438"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3258".

ص: 13

‌164 - أبو الدرداء

(1)

: " ع"

الإمام القدوة، قاضي دمشق، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الدرداء، عويمر بن زيد بن قيس، ويقال: عويمر بن عامر، ويقال: ابن عبد الله، وقيل: ابن ثعلبة بن عبد الله الأنصاري الخزرجي.

حكيم هذه الأمة، وسيد القراء بدمشق.

وقال ابن أبي حاتم: هو عويمر بن قيس بن زيد بن قيس بن أمية بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج.

قال: ويقال: اسمه عامر بن مالك.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث.

وهو معدود فيمن تلا على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبلغنا أبدًا أنَّه قرأ على غيره.

وهو معدود فيمن جمع القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتصدَّر للإقراء بدمشق في خلافة عثمان، وقبل ذلك.

روى عنه: أنس بن مالك، وفضالة بن عبيد، وابن عباس، وأبو أمامة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وغيرهم من جلة الصحابة، وجبير ابن نفير، وزيد بن وهب، وأبو إدريس الخولاني، وعلقمة بن قيس، وقبيصة بن ذؤيب، وزوجته أم الدرداء العالمة، وابنه بلال بن أبي الدرداء، وسعيد ين المسيب، وعطاء بن يسار، ومعدان بن أبي طلحة، وأبو عبد الرحمن السلمي، وخالد بن معدان، وعبد الله بن عامر اليحصبي.

وقيل: إنه قرأ عليه القرآن ولحقه، فإن صحَّ فلعله قرأ عليه بعض القرآن وهو صبي.

وقرأ عليه عطية بن قيس، وأم الدرداء.

وقال أبو عمرو الداني: عرض عليه القرآن: خليد بن سعد، وراشد بن سعد، وخالد بن معدان، وابن عامر. كذا قال الداني. وولي القضاء بدمشق في دولة عثمان، فهو أوّل من ذكر لنا من قضاتها. وداره بباب البريد، ثم صارت في دولة السلطان صلاح الدين تعرف بدار الغَزِّي.

ويروى له مئة وتسعة وسبعون حديثًا.

واتفقا له على حديثين، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثمانية.

روى سعيد بن عبد العزى، عن مغيث بن سمي: أنَّ أبا الدرداء عويمر بن عامر من بني الحارث بن الخزرج.

وقال ابن إسحاق مرة: هو عويمر بن ثعلبة.

مات قبل عثمان بثلاث سنين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 391"، وتاريخ البخاري الكبير "7/ ترجمة 348"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 146"، أسد الغابة "4/ 158"، تهذيب التهذيب "8/ 175 - 177" الإصابة "3/ ترجمة 6117"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4500".

ص: 14

وقال البخاري: سألت رجلًا من ولد أبي الدرداء فقال: اسمه عامر بن مالك، ولقبه: عويمر.

وقال أبو مسهر: هو عويمر بن ثعلبة. وقال أحمد وابن أبي شيبة، وعدة: عويمر بن عامر.

وآخر من زعم أنه رأى أبا الدرداء شيخٌ عاش إلى دولة الرشيد، فقال أبو إبراهيم الترجماني: حدثنا إسحاق أبو الحارث قال: رأيت أبا الدرداء أقنى أشهل يخضب بالصفرة.

روى الأعمش، عن خيثمة، قال أبو الدرداء: كنت تاجرًا قبل المبعث، فلما جاء الإسلام جمعت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا، فتركت التجارة ولزمت العبادة.

قلت: الأفضل جمع الأمرين مع الجهاد، وهذا الذي قاله هو طريق جماعة من السلف والصوفية، ولا ريب أن أمزجة الناس تختلف في ذلك، فبعضهم يقوى على الجمع؛ كالصدِّيق وعبد الرحمن بن عوف، وكما كان ابن المبارك، وبعضهم يعجز ويقتصر على العبادة، وبعضهم يقوى في بدايته، ثم يعجز، وبالعكس، وكل سائغ، ولكن لا بُدَّ من النهضة بحقوق الزوجة والعيال.

قال سعيد بن عبد العزيز: أسلم أبو الدرداء يوم بدر، ثم شهد أحدًا، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أن يَرُدَّ مَنْ على الجبل، فردَّهم وحده، وكان قد تأخَّر إسلامه قليلًا.

قال شريح بن عبيد الحمصي: لما هزم أصحاب رسول الله يوم أحد، كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله في الناس، فلمَّا أظلهم المشركون من فوقهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم ليس لهم أن يعلونا" فثاب إليه ناس وانتدبوا، وفيهم عويمر أبو الدرداء، حتى أدحضوهم عن مكانهم، وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء، فقال رسول الله:"نعم الفارس عويمر"

(1)

.

وقال: "حكيم أمتي عويمر".

هذا رواه يحيى البابلتي، حدثنا صفوان بن عمرو، عن شريح

(2)

.

(1)

ضعيف: شريح بن عبيد بن شريح الحضرمي الحمصي، ثقة، لكنَّه لم يدرك أبا الدرداء، فقد كان يرسل كثيرًا.

(2)

ضعيف: مرسل كسابقه.

ص: 15

ثابت البناني، وثمامة، عن أنس: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد

(1)

.

وقال زكريا وابن أبي خالد، عن الشعبي: جمع القرآن على عهد رسول الله ستة، وهم من الأنصار: معاذ وأبو الدرداء، وزيد، وأبو زيد، وأُبَيّ، وسعد بن عبيد

(2)

.

وكان بقي على مجمَّع بن جارية سورة أو سورتان حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إسماعيل، عن الشعبي قال: كان ابن مسعود قد أخذ بضعًا وسبعين سورة -يعني من النبي صلى الله عليه وسلم، وتعلم بقيته من مجمَّع، ولم يجمع أحد من الخلفاء من الصحابة القرآن غير عثمان

(3)

.

قال أبو الزاهرية: كان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلامًا، وكان يعبد صنمًا، فدخل ابن رواحة ومحمد بن مسلمة بيته، فكسرا صنمه، فرجع فجعل يجمع الصنم ويقول: ويحك! هلّا امتنعت، ألَا دفعت عن نفسك؟ فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أو يدفع عن أحد دفع عن نفسه ونفعها.

فقال أبو الدرداء: أعدي لي ماء في المغتسل، فاغتسل ولبس حلته، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إليه ابن رواحة مقبلًا، فقال: يا رسول الله، هذا أبو الدرداء، وما أراه إلَّا جاء في طلبنا، فقال:"إنما جاء ليسلم، إن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم"

(4)

.

روى من قوله: "وكان يعبد ........... إلى آخره" معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير.

وروى منه: أبو صالح، عن معاوية، عن أبي الزاهرية، عن جبير، عن أبي الدرداء: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله وعدني إسلام أبي الدرداء فأسلم"

(5)

.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "5004"، حدَّثنا معلَّى بن أسد، حدثنا عبد الله بن المثنَّى، حدثني ثبت البناني، وثمامة، عن أنس قال: فذكره.

(2)

ضعيف لإرساله، الشعبي، عامر بن شراحيل من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين.

(3)

ضعيف: أرسله الشعبي عن ابن مسعود، وقد نصَّ على ذلك الأئمة، حسبك ما أورده الحافظ العلائي في كتابه الفذ "جامع التحصيل في أحكام المراسيل".

(4)

ضعيف: أبو الزاهرية، هو حُدَير بن كريب الحضرمي الحمصي، لم يدرك أبا الدرداء، فروايته عنه مرسلة كما قال أبو حاتم، ونقله الحافظ العلائي.

(5)

ضعيف: في إسناده أبو صالح، هو عبد الله بن صالح، كاتب الليث، ضعيف لسوء حفظه. ومعاوية هو ابن صالح الحضرمي الحمصى، قاضي الأندلس، صدوق.

ص: 16

وروى أبو مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز: أن أبا الدرداء أسلم يوم بدر، وشهد أحدًا، وفرض له عمر في أربع مائة -يعني في الشهر- ألحقه في البدريين.

وقال الواقدي: قيل: لم يشهد أحدًا.

سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول: كانت الصحابة يقولون: أرحمنا بنا أبو بكر، وأنطقنا بالحق عمر، وأميننا أبو عبيدة، وأعلمنا بالحرام والحلال معاذ، وأقرأنا أُبَيّ، ورجل عنده علم ابن مسعود، وتبعهم عويمر أبو الدرداء بالعقل

(1)

.

وقال ابن إسحاق: كان الصحابة يقولون: أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء

(2)

.

وروى عون بن أبي جحيفة، عن أبيه: أن رسول الله آخى بين سلمان وأبي الدرداء، فجاءه سلمان يزوره، فإذا أم الدرداء متبذلة. فقال: ما شأنك? قالت: إن أخاك لا حاجة له في الدنيا، يقوم الليل، ويصوم النهار. فجاء أبو الدرداء فرحَّب به وقرَّب إليه طعامًا، فقال له سلمان: كُلْ. قال: إني صائم. قال: أقسمت عليك لتفطرنَّ، فأكل معه، ثم بات عنده، فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان، وقال: إن لجسدك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، صم وافطر وصل وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه.

فلما كان وجه الصبح قال: قم الآن إن شئت، فقاما فتوضآ، ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله بالذي أمره سلمان، فقال له:"يا أبا الدرداء، إن لجسدك عليك حقًّا مثل ما قال لك سلمان"

(3)

.

(1)

ضعيف: لإرساله، مكحول الشامي كثير الإرسال جدًّا، وهو من الطبقة الخامسة، وهي الطبقة الصغرى من التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة، ولم يثبت لبعضهم السماع منهم. ومكحول منهم، فلم يدرك أُبَيّ بن كعب، وروى عن أنس وثوبان مرسل، وأرسل عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيد وسعد بن أبي وقاص، وأبي ذر، وعائشة، وأبي هريرة، وطائفة آخرين.

(2)

ضعيف: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"، "4/ 1/ 77" من طريق عمرو بن خالد، أخبرنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن مكحول قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء، وأعلمنا بالحلال والحرام معاذ".

قلت: إسناده ضعيف، فقد أرسله مكحول، فقد كان كثير الإرسال جدًّا، وهو من الطبقة الخامسة، الطبقة الصغرى من التابعين. ومحمد بن إسحاق مدلّس، وقد عنعنه.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (1968) من طريق جعفر بن عون، حدثنا أبو العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، به.

ص: 17

البابلتِّي: حدثنا الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية قال: قال أبو الدرداء: لو أنسيت آية لم أجد أحدًا يذكرنيها إلَّا رجلًا ببرك الغماد، رحلت إليه.

الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء، قال: سلوني، فوالله لئن فقدتموني لتفقدنّ رجلًا عظيمًا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

ربيعة القصير، عن أبي إدريس، عن يزيد بن عميرة قال: لما حضرت معاذًا الوفاة قالوا: أوصنا، فقال: العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما -قالها ثلاثًا، فالتمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام، الذي كان يهوديًّا فأسلم.

وعن ابن مسعود: علماء الناس ثلاثة: واحد بالعراق وآخر بالشام -يعني: أبا الدرداء، وهو يحتاج إلى الذي بالعراق -يعني نفسه، وهما يحتاجان إلى الذي بالمدينة -يعني: عليًّا رضي الله عنه.

إسناده ضعيف.

ابن وهب: أخبرني يحيى بن عبد الله، عن عبد الرحمن الحجري، قال: قال أبو ذر لأبي الدرداء: ما حملت ورقاء، ولا أظلت خضراء، أعلم منك يا أبا الدرداء.

منصور، عن رجل، عن مسروق، قال: وجدت علم الصحابة انتهى إلى ستة: عمر، وعليّ وأُبَيّ، وزيد، وأبي الدرداء، وابن مسعود، ثم انتهى علمهم إلى عليٍّ وعبد الله.

وقال خالد بن معدان: كان ابن عمر يقول: حدثونا عن العاقلين، فيقال: من العاقلان? فيقول: معاذ وأبو الدرداء.

وروى سعد بن إسحاق، عن محمد بن كعب قال: جمع القرآن خمسة: معاذ، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وأُبَيّ، وأبو أيوب، فلمَّا كان زمن عمر، كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إنَّ أهل الشام قد كثروا وملئوا المدائن، واحتاجوا إلى مَنْ يعلمهم القرآن ويفقههم، فأعنِّي برجال يعلمونهم، فدعا عمر الخمسة فقال: إن إخوانكم قد استعانوني مَنْ يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين، فأعينوني يرحمكم الله بثلاثة منكم إن أحببتم، وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا.

فقالوا: ما كنا لنتساهم، هذا شيخ كبير -لأبي أيوب، وأما هذا فسقيم -لأُبَيّ، فخرج معاذ، وعبادة، وأبو الدرداء.

ص: 18

فقال عمر: ابدءوا بحمص، فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة، منهم من يلقن، فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس، فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد، وليخرج واحد إلى دمشق، والآخر إلى فلسطين. قال: فقدموا حمص، فكانوا بها حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة بن الصامت، وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين، فمات في طاعون عمواس

(1)

، ثم صار عبادة بعد إلى فلسطين وبها مات، ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات.

الأحوص بن حكيم، عن راشد بن سعد، قال: بلغ عمر أنَّ أبا الدرداء ابتنى كنيفًا بحمص، فكتب إليه: يا عويمر، أما كانت لك كفاية فيما بنت الروم عن تزيين الدنيا، وقد أذن الله بخرابها، فإذا أتاك كتابي فانتقل إلى دمشق.

مالك، عن يحيى بن سعيد، قال: كان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما، فقال: ارجعا إلي، أعيدا علي قضيتكما.

معمر، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، قال: كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد: سلام عليك، أمَّا بعد، فإن العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه الله بغَّضه إلى عباده.

وقال أبو وائل، عن أبي الدرداء: إني لآمركم بالأمر وما أفعله، ولكن لعلَّ الله يأجرني فيه.

شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: أنَّ عمر قال لابن مسعود وأبي ذر وأبي الدرداء: ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب.

سعيد بن عبد العزيز، عن مسلم بن مشكم: قال لي أبو الدرداء: اعدد من في مجلسنا. قال: فجاءوا ألفًا وست مائة ونيفًا، فكانوا يقرءون ويتسابقون عشرة عشرة، فإذا صلى الصبح انفتل وقرأ جزءًا، فيحدقون به يسمعون ألفاظه، وكان ابن عامر مقدَّمًا فيهم.

وقال هشام بن عمار: حدثنا يزيد بن أبي مالك عن أبيه قال: كان أبو الدرداء يصلي ثم يقرئ ويقرأ، حتى إذا أراد القيام قال لأصحابه: هل من وليمة أو عقيقة نشهدها? فإن قالوا: نعم، وإلا قال: اللهم إني أشهدك أني صائم. وهو الذي سنَّ هذه الحلق للقراءة.

(1)

عمواس: قرية على بعد ستة أيام من الرملة على طريق بيت المقدس، وطاعون عمواس كان في "سنة 18 هـ" استشهد فيه أبو عبيدة، ومعاذ بن جبل، وغيرهما.

ص: 19

قال القاسم بن عبد الرحمن: كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلم.

أبو الضحى، عن مسروق، قال: شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت علمهم انتهى إلى عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت

(1)

.

وعن يزيد بن معاوية، قال: إن أبا الدرداء من العلماء والفقهاء الذين يشفون من الداء.

وقال الليث، عن رجل، عن آخر: رأيت أبا الدرداء دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومعه من الأتباع مثل السلطان، فمن سائل عن فريضة، ومن سائل عن حساب، وسائل عن حديث، وسائل عن معضلة، وسائل عن شعر.

قال ربيعة بن يزيد القصير: كان أبو الدرداء إذا حدَّث عن رسول الله قال: اللهم إن لا هكذا وإلا فكشكله.

منصور، عن سالم بن أبي الجعد، قال أبو الدرداء: ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون، تعلموا فإن العالم والمتعلِّم شريكان في الأجر.

وعن أبي الدرداء من وجه مرسل: لن تكون عالمًا حتى تكون متعلمًا، ولا تكون متعلمًا حتى تكون بما علمت عاملًا، إن أخوف ما أخاف إذا وقفت للحساب أن يقال لي: ما عملت فيما علمت?.

جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال أبو الدرداء: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات.

ابن عجلان، عن عون بن عبد الله: قلت لأم الدرداء: أي عبادة أبي الدرداء كانت أكثر? قالت: التفكر والاعتبار.

وعن أبي الدرداء: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.

عمرو بن واقد عن ابن حلبس: قيل لأبي الدرداء -وكان لا يفتر من الذكر: كم تسبح في كل يوم? قال: مائة ألف، إلَّا أن تخطئ الأصابع.

الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: بينا أبو الدرداء يوقد تحت قدر له؛ إذ سمعت في القدر صوتًا ينشج كهيئة صوت الصبي، ثم انكفأت القدر، ثم رجعت إلى

(1)

صحيح: أخرجه ابن سعد "2/ 351".

ص: 20

مكانها، لم ينصب منها شيء، فجعل أبو الدرداء ينادي: يا سلمان، انظر إلى ما لم تنظر إلى مثله أنت ولا أبوك، فقال له سلمان: أما إنك لو سكت لسمعت من آيات ربك الكبرى.

الأوزاعي، عن بلال بن سعد: أنَّ أبا الدرداء قال: أعوذ بالله من تفرقة القلب، قيل: وما تفرقه القلب? قال: أن يجعل لي في كل وادٍ مال.

روي عن أبي الدرداء، قال: لولا ثلاث ما أحببت البقاء: ساعة ظمأ الهواجر، والسجود في الليل، ومجالسة أقوام ينتقون جيد الكلام كما يُنْتَقَى أطايب الثمر.

الأعمش، عن غيلان، عن يعلى بن الوليد قال: لقيت أبا الدرداء، فقلت: ما تحب لمن تحب? قال: الموت. قلت: فإن لم يمت? قال: يقلّ ماله وولده.

قال معاوية بن قرة: قال أبو الدرداء: ثلاثة أحبهن ويكرههنّ الناس: الفقر، والمرض، والموت. أحب الفقر تواضعًا لربي، والموت اشتياقًا لربي، والمرض تكفيرًا لخطيئتي.

الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبيه: أنَّ أبا الدرداء أوجعت عينه حتى ذهبت، فقيل له: لو دعوت الله? فقال: ما فرغت بعد من دعائه لذنوبي، فكيف أدعو لعيني?!

حريز بن عثمان: حدثنا راشد بن سعد قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال: أوصني. قال: اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء، وإذا ذكرت الموتى فاجعل نفسك كأحدهم، وإذا أشرفت نفسك على شيء من الدنيا فانظر إلى ما يصير.

إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث: كان أبو الدرداء يقرئ رجلًا أعجميًّا: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان 43 - 44]، فقال:"طعام اليتيم" فردَّ عليه فلم يقدر أن يقولها، فقال: قل: طعام الفاجر فأقرأه "طعام الفاجر".

منصور، عن عبد الله بن مرة: أنَّ أبا الدرداء قال: اعبد الله كأنك تراه، وعد نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم، واعلم أن قليلًا يغنيك خير من كثير يلهيك، وأن البر لا يبلى، وأن الإثم لا يُنْسَى.

شيبان عن عاصم، عن أبي وائل، عن أبي الدرداء: إياك ودعوات المظلوم، فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات من نار.

وروى لقمان بن عامر، أن أبا الدرداء قال: أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضول أموال ينظرون إليها وننظر إليها معهم، وحسابهم عليها ونحن منها برآء.

ص: 21

وعنه قال: الحمد لله الذي جعل الأغنياء يتمنون أنهم مثلنا عند الموت، ولا نتمنى أننا مثلهم حينئذ، ما أنصفنا إخواننا الأغنياء، يحبوننا على الدين، ويعادوننا على الدنيا.

رواه صفوان بن عمرو الحمصي، عن عبد الرحمن بن جبير.

وروى صفوان، عن ابن جبير، عن أبيه قال: لما فتحت قبرس، مُرَّ بالسبي على أبي الدرداء فبكى، فقلت له: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله! قال: يا جبير، بينا هذه الأمة قاهرة ظاهرة؛ إذ عصوا الله، فلقوا ما ترى، ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه.

بقية، عن حبيب بن عمر، عن أبي عبد الصمد، عن أم الدرداء، قالت: كان أبو الدرداء لا يحدِّث بحديث إلَّا تبسَّم فقلت: إني أخاف أن يحمقك الناس، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدث بحديث إلَّا تبسَّم. أخرجه أحمد في المسند

(1)

.

عكرمة بن عمار، عن أبي قدامة محمد بن عبيد، عن أم الدرداء، قالت: كان لأبي الدرداء ستون وثلاث مائة خليل في الله، يدعو لهم في الصلاة، فقلت له في ذلك، فقال: إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلَّا وَكَّلَ الله له ملكين يقولان: ولك بمثل، أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة.

وقال أبو الزاهرية: قال أبو الدرداء: إنا لنكشِّر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم.

قالت أم الدرداء: لما احتضر أبو الدرداء جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا، من يعمل لمثل مضجعي هذا?

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا محمد بن عمر القاضي، ومحمد بن علي، ومحمد بن أحمد الطرائقي، قالوا: أخبرنا محمد بن أحمد بن المسلمة، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا جعفر الفريابي، حدثنا محمد بن عائذ، حدثنا الهيثم بن حميد، حدثنا الوضين بن عطاء، عن يزيد بن مزيد، قال: ذكر الدجال في مجلس فيه أبو الدرداء، فقال نوف البكالي: إني لغير الدجال أخوف مني من الدجال، فقال أبو الدرداء: وما هو؟ قال: أخاف أن أستَلَب إيماني وأنا لا أشعر. فقال أبو الدرداء: ثكلتك

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 199"، وآفته بقية وهو ابن الوليد، مدلس، يدلس تدليس التسوية، وقد عنعنه.

ص: 22

أمك يا ابن الكندية، وهل في الأرض خمسون يتخوّفون ما تتخوّف. ثم قال: وثلاثون، وعشرون، وعشرة، وخمسة. ثم قال: وثلاثة، كل ذلك يقول: ثكلتك أمك! والذي نفسي بيده، ما أمن عبد على إيمانه إلَّا سلبه أو انتزع منه فيفقده، والذي نفسي بيده، ما الإيمان إلَّا كالقميص يتقمَّصه مرَّة ويضعه أخرى.

قال الواقدي وأبو مسهر، وابن نمير: مات أبو الدرداء سنة اثنتين وثلاثين.

وعن خالد بن معدان، قال: مات سنة إحدى وثلاثين.

فهذا خطأ؛ لأنَّ الثوري روى عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير، قال: لما جاء نعي -يعني ابن مسعود- إلى أبي الدرداء، قال: أما إنه لم يخلف بعده مثله، ووفاة عبد الله في سنة 32.

وروى إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي عبيد الله الأشعري، قال: مات أبو الدرداء قبل مقتل عثمان رضي الله عنهما.

وقيل: الذين في حلقة إقراء أبي الدرداء كانوا أزيد من ألف رجل، ولكل عشرة منهم ملقِّن، وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائمًا، فإذا أحكم الرجل منهم تحوَّل إلى أبي الدرداء -يعني: يعرض عليه.

وعن أبي الدرداء قال: من أكثر ذكر الموت قلَّ فرحه وقلَّ حسده.

ص: 23

‌165 - عياض بن غنم

(1)

:

ابن زهير بن أبي شداد، أبو سعد الفهري.

ممن بايع بيعة الرضوان، واستخلفه قرابته أبو عبيدة بن الجراح لما احتضر على الشام.

حدَّث عنه: جبير بن نفير، وغيره.

وكان خيِّرًا، صالحًا، زاهدًا، سخيًّا، وهو الذي افتتح الجزيرة صلحًا. أقره عمر على الشام، فعاش بعد نحوًا من عامين.

وقيل: عاش ستين سنة، ومات في سنة عشرين بالشام.

قال ابن سعد: شهد الحديبية، وكان أحد الأمراء الخمسة يوم اليرموك.

روى عنه: عياض بن عمرو الأشعري.

قلت: فأما عياض بن زهير الفهري فبدري كبير، وهو عم عياض بن غنم، يكنَّى أيضًا: أبا سعد، لا رواية له، توفي زمن عثمان في سنة ثلاثين رضي الله عنهما.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 84"، أسد الغابة "4/ 327".

ص: 23

‌166 - سلمة بن سلامة

(1)

:

ابن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل، أبو عوف الأشهلي، ابن عمة محمد بن مسلمة.

شهد العقبتين وبدرًا وأحدًا، والمشاهد.

وله حديث في مسند الإمام أحمد من رواية محمود بن لبيد عنه.

قيل: توفي سنة أربع وثلاثين.

وقال ابن سعد: مات سنة خمس وأربعين وهو ابن سبعين سنة، ودفن بالمدينة، وقد انقرض عقبه.

آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي سبرة بن أبي رهم العامري، وقيل: بينه وبين الزبير بن العوام.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ ترجمة 439"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 1986"، أسد الغابة "2/ 428"، الإصابة "2/ ترجمة 3381".

ص: 24

‌167 - النعمان بن مقرن

(1)

:

أبو حكيم وقيل: أبو عمرو المزني الأمير، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان إليه لواء قومه يوم فتح مكة، ثم كان أمير الجيش الذين افتتحوا نهاوند

(2)

، فاستُشْهِدَ يومئذ.

وكان مجاب الدعوة، فنعاه عمر على المنبر إلى المسلمين وبكى.

حدث عنه: ابنه معاوية، ومعقل بن يسار، ومسلم بن الهيضم، وجبير بن حية الثقفي.

وكان مقتله في سنة إحدى وعشرين يوم جمعة رضي الله عنه.

زائدة: حدَّثنا عاصم بن كليب الجرمي: حدَّثني أبي أنه أبطأ على عمر خبر نهاوند وابن مقرن، وأنه كان يستنصر، وأن الناس كانوا مما يرون من استنصاره ليس همهم إلَّا نهاوند وابن مقرن، فجاء إليهم أعرابي مهاجر، فلما بلغ البقيع قال: ما أتاكم عن نهاوند? قالوا: وما ذاك? قال: لا شيء، فأرسل إليه عمر فأتاه فقال: أقبلت بأهلي مهاجرًا حتى وردنا مكان كذا وكذا، فلمَّا صدرنا، إذا نحن براكب على جمل أحمر ما رأيت مثله، فقلت: يا عبد الله، من أين أقبلت? قال: من العراق، قلت: ما خبر الناس؟ قال: اقتتل الناس بنهاوند، ففتحها الله، وقُتِلَ ابن مقرن، والله ما أدري أيّ الناس هو، ولا ما نهاوند? فقال: أتدري أيّ يوم ذاك من الجمعة؟ قال: لا، قال عمر: لكني أدري، عد منازلك. قال: نزلنا مكان كذا، ثم ارتحلنا فنزلنا منزل كذا، حتى عد. فقال عمر: ذاك يوم كذا وكذا من الجمعة، لعلك تكون لقيت بريدًا من برد الجنّ، فإن لهم بردًا.

فلبث ما لبث ثم جاء البشير بأنهم التقوا ذلك اليوم.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 18"، التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2222"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 2035"، أسد الغابة "5/ 342"، تهذيب الكمال "29/ ترجمة 6448"، الكاشف "3/ ترجمة 5951"، تجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 1246"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 826"، الإصابة "3/ ترجمة 8759"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7535".

(2)

نهاوند: مدينة في قبلة همذان بينهما ثلاثة أيام، كان فتحها في خلافة عمر سنة "21"هـ.

ص: 25

بنو عفراء:

‌168 - معاذ بن الحارث

(1)

:

ابن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري النجاري.

أخو عوف، ورافع، ورفاعة.

وأمهم عفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، كان شهد بدرًا.

وله من الولد: عبيد الله، والحارث، وعوف، وسلمى، وإبراهيم، وعائشة، وسارة.

قال الواقدي: يروى أن معاذًا هذا، ورافع بن مالك الزرقي، أوّل من أسلم من الأنصار بمكة، وأمر الستة أثبت.

وشهد معاذ العقبتين جميعًا، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معمر بن الحارث الجمحي، أحد البدريين.

ومات معاذ بعد مقتل عثمان، وله عقب.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 491"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 155"، ثقات ابن حبان "3/ 370"، أسد الغابة "4/ 378"، الإصابة "3/ ترجمة 8039"، تهذيب الكمال "28/ ترجمة 6021"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 348"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7049".

ص: 25

‌169 - معوّذ بن الحارث

(1)

:

ابن رفاعة ابن عفراء، وهو والد الرُّبَيِّع بنت معوذ، وأختها عميرة.

شهد العقبة مع السبعين، عند ابن إسحاق فقط.

وهو الذي قيل: إنه ضرب أبا جهل هو وأخوه عوف حتى أثخناه، وعطف هو عليهما فقتلهما، ثم وقع صريعًا، ثم ذفَّفَ عليه ابن مسعود.

وكان معوذ وعوف قد وقفا يومئذ في الصف بجنب عبد الرحمن بن عوف وقالا له: يا عم، أتعرف أبا جهل، فإنه بلغنا أنه يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدلهما عليه، فشدا معًا عليه

(2)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 492"، أسد الغابة "5/ 240"، الإصابة "3/ ترجمة 8162".

(2)

صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "3/ 115 و 129" وابن أبي شيبة "14/ 373" والبخاري "3962" و"3963" و"4020"، ومسلم "1800"، وأبو يعلى "4063" و"4074"، وأبو عوانة "4/ 228 و 228 - 229"، والبيهقي "9/ 29"، وفي "الدلائل""3/ 86" من طرق عن سليمان التيمي، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "من ينظر ما فعل أبو جهل"؟ انطق ابن مسعود، فوجد ابني عفراء قد ضرباه حتى برَدَ، فأخذ بلحيته فقال: أنت أبا جهل؟! فقال: وهل فوق رجل قتلتموه -أو قتله قومه؟

ص: 26

‌170 - عوف بن الحارث

(1)

:

ابن رفاعة ابن عفراء.

شهد العقبة، وبعضهم عدَّه أحد الستة النفر الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أولًا.

شهد بدرًا، واستشهد.

وأخوهم الرابع:

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 492"، أسد الغابة "4/ 311"، الإصابة "3/ ترجمة 6092".

ص: 26

‌171 - رفاعة

(1)

:

بدري، تفرَّد بذكره ابن إسحاق. فقال الواقدي: ليس ذلك عندنا بثبت.

ولعوف عقب.

قال جرير بن حازم: سمعت محمد بن سيرين يقول في قتل أبي جهل: أقعصه

(2)

ابنا عفراء وذفَّفَ عليه

(3)

ابن مسعود.

وفي رواية صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده: أن اللذين سألاه وقتلا أبا جهل: معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ ابن عفراء

(4)

. وهو أصحّ.

(1)

ترجمته في العبر "1/ 41".

(2)

أقعصه: قتله مكانه.

(3)

ذفَّفَ عليه: أجهز عليه.

(4)

صحيح: أخرجه البخاري "3964" من طريق يوسف بن الماجشون، عن صالح بن إبراهيم، به. وراجع تخريجنا السابق رقم "44".

ص: 27

‌172 - حذيفة بن اليمان

(1)

: " ع"

من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب السر

(2)

.

واسم اليمان: حِسل، ويقال: حسيل ابن جابر العبسي، اليماني، أبو عبد الله، حليف الأنصار، من أعيان المهاجرين.

حدَّث عنه: أبو وائل؛ وزر بن حبيش، وزيد بن وهب، وربعي بن حراش، وصلة بن زفر، وثعلبة بن زهدم، وأبو العالية الرياحي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومسلم بن نذير، وأبو إدريس الخولاني، وقيس بن عباد، وأبو البختري الطائي، ونعيم بن أبي هند، وهمام بن الحارث، وخلق سواهم.

له في "الصحيحين" اثنا عشر حديثًا، وفي البخاري ثمانية، وفي مسلم سبعة عشر حديثًا.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 317"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 332"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 1140"، أسد الغابة "1/ 468"، الإصابة "1/ ترجمة 1647"، تهذيب الكمال "5/ ترجمة 1147"، تهذيب التهذيب "2/ ترجمة 405"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1267".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "3743".

ص: 27

وكان والده حسل قد أصاب دمًا في قومه، فهرب إلى المدينة، وحالف بني عبد الأشهل، فسمَّاه قومه اليمان؛ لحلفه لليمانية، وهم الأنصار.

شهد هو وابنه حذيفة أحدًا، فاستشهد يومئذ، قتله بعض الصحابة غلطًا، ولم يعرفه؛ لأن الجيش يختفون في لأمة الحرب ويسترون وجوههم، فإن لم يكن لهم علامة بينة وإلّا ربما قتل الأخ أخاه ولا يشعر.

ولما شدوا على اليمان يومئذ، بقي حذيفة يصيح: أبي! أبي! يا قوم! فراح خطأ، فتصدق حذيفة عليهم بديته

(1)

.

قال الواقدي: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حذيفة وعمَّار، وكذا قال ابن إسحاق.

إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن حذيفة: أنه أقبل هو وأبوه، فلقيهم أبو جهل قال: إلى أين؟ قالا: حاجة لنا. قال: ما جئتم إلَّا لتمدوا محمدًا، فأخذوا عليهما موثقًا ألَّا يكثرا عليهم، فأتيا رسول الله، فأخبراه

(2)

.

ابن جريج، أخبرني أبو حرب بن أبي الأسود، عن أبي الأسود، قال: وعن رجل، عن زاذان، أنَّ عليًّا سئل عن حذيفة فقال: علم المنافقين، وسأل عن المعضلات، فإن تسألوه تجدوه بها عالمًا.

أبو عوانة، عن سليمان، عن ثابت أبي المقدام، عن أبي يحيى، قال: سأل رجل حذيفة -وأنا عنده- فقال: ما النفاق؟ قال: أن تتكلم بالإسلام ولا تعمل به.

سلام بن مسكين، عن ابن سيرين، أن عمر كتب في عهد حذيفة على المدائن: اسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم، فخرج من عند عمر على حمار موكف، تحته زاده، فلمَّا قدم استقبله الدهاقين وبيده رغيف وعرق من لحم.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "4065"، وابن سعد "2/ 45" من طريق أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"لما كان يوم أحد هزم المشركون، فصرخ إبليس لعنة الله عليه: أي عباد الله، أخراكم، فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم، فبَصُرَ حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان، فقال: أي عباد الله، أبي أبي. قال: قالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه. فقال حذيفة: يغفر الله لكم. قال عروة. فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله".

(2)

ضعيف: فيه عنعنة أبي إسحاق، وهو السبيعي، فقد كان مدلسًا مشهورًا بالتدليس، وفيه إبهام الرجل الذي روى عنه أبو إسحاق السبيعي.

ص: 28

ولي حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان، وتوفي بعد عثمان بأربعين ليلة.

قال حذيفة: ما منعني أن أشهد بدرًا إلَّا أني خرجت أنا وأبي، فأخذنا كفار قريش، فقالوا: إنكم تريدون محمدًا! فقلنا: ما نريد إلَّا المدينة. فأخذوا العهد علينا: لننصرفنَّ إلى المدينة، ولا نقاتل معه. فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم. فقال:"نفي بعهدهم، ونستعين الله عليهم"

(1)

.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أسرَّ إلى حذيفة أسماء المنافقين، وضبط عنه الفتن الكائنة في الأمة

(2)

.

وقد ناشده عمر: أأنا من المنافقين? فقال: لا، ولا أزكي أحدًا بعدك.

وحذيفة هو الذي ندبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب ليجس له خبر العدو

(3)

، وعلى يده فتح الدينور عنوة، ومناقبه تطول رضي الله عنه.

أبو إسحاق، عن مسلم بن نذير، عن حذيفة، قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بعضلة ساقي، فقال:"الائتزار ههنا، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت، فلاحق للإزار فيما أسفل من الكعبين".

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "1787" من طريق أبي أسامة، عن الوليد بن جُميع، حدثنا أبو الطفيل، حدثنا حذيفة بن اليمان، فذكره.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "3606" و"7084"، ومسلم "1847"، "51"، والبيهقي في السنن "8/ 190"، وفي الدلائل "6/ 490"، والبغوي "4222" من طرق عن الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي، أنه سمع أبا إدريس الخولاني، أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم غير الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال:"نعم". قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وبه دخن". قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها". قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال:"هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".

(3)

صحيح: أخرجه مسلم "1788" من طريق الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، به في حديث طويل.

ص: 29

وفي لفظ: "فلاحق للإزار في الكعبين"

(1)

.

عقيل، ويونس، عن الزهري: أخبرني أبو إدريس، سمع حذيفة يقول:"والله، إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة"

(2)

.

قال حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني

(3)

.

الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله مقامًا، فحدثنا بما هو كائن إلى قيام الساعة، فحفظه من حفظه، ونسيه من نسيه

(4)

.

قلت: قد كان صلى الله عليه وسلم يرتل كلامه ويفسره، فلعله قال في مجلسه ذلك ما يكتب في جزء؛ فذكر أكبر الكوائن، ولو ذكر أكثر ما هو كائن في الوجود لما تهيأ أن يقوله في سنة، بل ولا في أعوام، ففكر في هذا.

مات حذيفة بالمدائن، سنة ست وثلاثين، وقد شاخ.

قال ابن سيرين: بعث عمر حذيفة على المدائن، فقرأ عهده عليهم. فقالوا: سل ما شئت. قال: طعامًا آكله، وعلف حماري هذا -ما دمت فيكم- من تبن.

فأقام فيهم ما شاء الله؛ ثم كتب إليه عمر: اقدم.

فلما بلغ عمر قدومه، كمن له على الطريق؛ فلمَّا رآه على الحال التي خرج عليها، أتاه فالتزمه، وقال: أنت أخي، وأنا أخوك.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "3/ 140 و 249 و 256"، والبيهقي في "شعب الإيمان" من طرق عن حميد، عن أنس مرفوعًا.

قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وللحديث شواهد منها: ما رواه ابن حبان "1447"، وأحمد "5/ 382 و 396 و 398 و 400"، والحميدي "445" عن مسلم بن نذير، عن حذيفة.

وتابعه عند ابن حبان "1448" الأغر أبو مسلم عن حذيفة.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "2891"، وأحمد "5/ 388 و 407" من طرق عن ابن شهاب أن أبا إدريس الخولاني كان يقول: قال حذيفة بن اليمان: فذكره.

(3)

صحيح: سبق تخريجنا له قريبا بتعليق رقم "55"، وهو عند البخاري "3606" و"7084" ومسلم "1847""51"، وغيرهما فراجعه ثَمَّتَ.

(4)

صحيح: أخرجه البخاري "6604"، ومسلم "2891".

ص: 30

مالك بن مغول، عن طلحة: قدم حذيفة المدائن على حمار، سادلًا رجليه، وبيده عرق ورغيف.

سعيد بن مسروق الثوري، عن عكرمة: هو ركوب الأنبياء، يسدل رجليه من جانب.

أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق يقول: كان حذيفة يجيء كل جمعة من المدائن إلى الكوفة. قال أبو بكر: فقلت له: يمكن هذا؟ قال: كانت له بغلة فارهة.

ابن سعد: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي، حدثنا عبد الجبار بن العباس، عن أبي عاصم الغطفاني، قال: كان حذيفة لا يزال يحدث الحديث يستفظعونه، فقيل له: يوشك أن تحدثنا أنه يكون فينا مسخ! قال: نعم، ليكوننَّ فيكم مسخ قردة وخنازير.

أبو وائل، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لي من تلفَّظ بالإسلام من الناس" فكتبنا له ألفًا وخمس مائة

(1)

.

سفيان، عن الأعمش، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن أمه قالت: كان في خاتم حذيفة كركيان بينهما: الحمد لله.

عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن موسى، عن أمه، قالت: كان خاتم حذيفة من ذهب، فيه فص ياقوت أسمانجونه، فيه كركيان متقابلان، بينهما: الحمد لله.

حماد بن سلمة، أخبرنا علي بن زيد، عن الحسن، عن جندب: أن حذيفة قال: ما كلام أتكلم به يرد عني عشرين سوطًا إلَّا كنت متكلمًا به.

خالد، عن أبي قلابة، عن حذيفة قال: إني لأشتري ديني بعضه ببعض، مخافة أن يذهب كله.

أبو نعيم، حدثنا سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى قال: بلغني أن حذيفة كان يقول: ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلَّا قد اشترى بعض دينه ببعض. قالوا: وأنت؟ قال: وأنا، والله إني لأدخل على أحدهم -وليس أحد إلَّا فيه محاسن ومساوئ- فأذكر من محاسنه، وأعرض عمَّا سوى ذلك، وربما دعاني أحدهم إلى الغداء فأقول: إني صائم ولست بصائم.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "149"، وابن ماجه "4029"، وأحمد "5/ 384" من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال: فذكره.

ص: 31

جماعة، عن الحسن قال: لما حضر حذيفة الموت قال: حبيب جاء على فاقة؛ لا أفلح من ندم! أليس بعدي ما أعلم؟ الحمد لله الذي سبق بي الفتنة، قادتها وعلوجها.

شعبة: أخبرنا عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة قال: قلت لأبي مسعود الأنصاري، ماذا قال حذيفة عند موته؟ قال: لما كان عند السحر، قال: أعوذ بالله من صباح إلى النار -ثلاثًا، ثم قال: اشتروا لي ثوبين أبيضين؛ فإنهما لن يتركا علي إلَّا قليلًا حتى أبدل بهما خيرًا منهما، أو أسلبهما سلبًا قبيحًا.

شعبة أيضًا، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: ابتاعوا لي كفنًا، فجاءوا بحلة ثمنها ثلاث مائة، فقال: لا، اشتروا لي ثوبين أبيضين.

وعن جُزَى بن بكير قال: لما قُتِلَ عثمان فزعنا إلى حذيفة، فدخلنا عليه.

قال ابن سعد: مات حذيفة بالمدائن بعد عثمان، وله عقب، وقد شهد أخوه صفوان بن اليمان أحدًا.

ص: 32

‌173 - محمد بن مسلمة

(1)

: " ع"

ابن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة، أبو عبد الله -وقيل: أبو عبد الرحمن، وأبو سعيد- الأنصاري الأوسي، من نجباء الصحابة، شهد بدرًا والمشاهد.

وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه مرة على المدينة، وكان رضي الله عنه ممن اعتزل الفتنة، ولا حضر الجمل ولا صفين، بل اتخذ سيفًا من خشب، وتحوَّل إلى الربذة فأقام بها مديدة.

روى جماعة أحاديث.

روى عنه: المسور بن مخرمة، وسهل بن أبي حثمة، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الرحمن الأعرج، وعروة بن الزبير، وأبو بردة بن أبي موسى، وابنه محمود بن محمد.

وهو حارثي، من حلفاء بني عبد الأشهل.

وكان رجلًا طوالًا، أسمر، معتدلًا، أصلع، وقورًا.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 443 - 445"، التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 316"، وأسد الغابة "5/ 112"، الإصابة "3/ ترجمة 7806"، تهذيب الكمال "26/ ترجمة 5610"، تهذيب التهذيب "9/ ترجمة 737"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6658".

ص: 32

وقد استعمله عمر على زكاة جهينة، وقد كان عمر إذا شكي إليه عامل نفذ محمدًا إليهم ليكشف أمره.

خلف من الولد: عشرة بنين؛ وست بنات رضي الله عنه.

وقيل: اسم جده خالد بن عدي بن مجدعة.

وقدم للجابية، فكان على مقدمة جيش عمر.

عباد بن موسى السعدي، حدثنا يونس، عن الحسن، عن محمد بن مسلمة، قال: مررت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا واضعًا يده على يد رجل، فذهبت، فقال:"ما منعك أن تسلِّمَ"? قلت: يا رسول الله، فعلت بهذا الرجل شيئًا ما فعلته بأحد، فكرهت أن أقطع عليك حديثك، من كان يا رسول الله؟ قال:"جبريل، وقال لي: هذا محمد بن مسلمة لم يسلّم، أما إنه لو سلَّمَ رددنا عليه السلام". قلت: فما قال لك يا رسول الله؟ قال: "ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه يأمرني فأورثه"

(1)

.

قال ابن سعد: أسلم محمد بن مسلمة على يد مصعب بن عمير، قبل إسلام سعد بن معاذ، قال: وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة، واستخلفه على المدينة عام تبوك.

حماد بن سلمة، عن ابن جدعان، عن أبي بردة، قال: مررنا بالربذة، فإذا فسطاط محمد بن مسلمة، فقلت: لو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت، فقال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا محمد، ستكون فرقة وفتنة واختلاف، فاكسر سيفك، واقطع وترك، واجلس في بيتك". ففعلت ما أمرني

(2)

.

(1)

صحيح: ورد من حديث أبي هريرة، أخرجه ابن أبي شيبة "8/ 546 - 547"، وأحمد "2/ 514 و 259"، والبزار "1898"، والبغوي في شرح السنة "3488" من طريق شعبة، عن داود بن فراهيج، عن أبي هريرة به.

وورد من حديث عائشة: أخرجه ابن أبي شيبة "6/ 238" و"8/ 545"، وأحمد "6/ 238"، والبخاري "6014"، وفي الأدب المفرد "101 و 106"، ومسلم "2624"، وأبو داود "5151"، والترمذي "1942"، وابن ماجه "3673"، والبيهقي "7/ 27" من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، به.

(2)

ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 493"، حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي بردة، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته علي بن زيد بن جدعان، ضعيف.

ص: 33

شعبة عن أشعث، عن أبي بردة، عن ضبيعة، قال حذيفة: إني لأعرف رجلًا لا تضره الفتنة، قال: فإذا فسطاط لما أتينا المدينة، وإذا محمد بن مسلمة

(1)

.

قال ابن يونس: شهد محمد فتح مصر، وكان فيمن طلع الحصن مع الزبير، قال عباية بن رفاعة: كان محمد بن مسلمة أسود طويلًا عظيمًا.

وفي الصحاح من حديث جابر: مقتل كعب بن الأشرف على يد محمد بن مسلمة

(2)

.

ابن المبارك، أخبرنا ابن عيينة، عن موسى بن أبي عيسى قال: أتى عمر مشربة

(3)

بني حارثة، فوجد محمد بن مسلمة، فقال: يا محمد، كيف تراني؟ قال: أراك كما أحب، وكما يحب من يحب لك الخير، قويًّا على جمع المال، عفيفًا عنه، عدلًا في قسمه، ولو ملت عدّلناك كما يعدل السهم في الثقاف. قال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني

(4)

.

ابن عيينة، عن عمرو بن سعيد، عن أبيه، عن عباية بن رفاعة، قال: بلغ عمر أن سعدًا اتخذ قصرًا، وقال: انقطع الصويت، فأرسل عمر محمد بن مسلمة -وكان عمر إذا أحب أن يؤتى بالأمر كما يريد بعثه- فأتى الكوفة، فقدح، وأحرق الباب على سعد، فجاء سعدًا فقال: إنه بلغ عمر أنك قلت: انقطع الصويت، فحلف أنه لم يقله.

(1)

ضعيف: أخرجه أبو داود "4664"، والحاكم "3/ 433 - 434" من طريق شعبة، وأخرجه أبو داود "4665"، وابن سعد "3/ 444 - 445" من طريق أبي عوانة، كلاهما عن الأشعث بن سليم، عن أبي بردة، عن ثعلبة بن ضبيعة، قال: دخلنا على حذيفة فقال: إني لأعرف رجلًا لا تضره الفتن شيئًا

".

قلت: إسناده ضعيف، ضبيعة -بالتصغير- ابن حصين الثعلبي، ويقال: ثعلبة بن ضبيعة، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة، وليس ثَمَّ من تابعه. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات""4/ 390" على عادته في توثيق المجاهيل والمجروحين.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "4037"، ومسلم "1801" من طريق سفيان، عن عمرو، سمعت جابرًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله". فقال محمد بن مسلمة: يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟ قال:"نعم .... " الحديث.

(3)

المشربة -بفتح الراء من غير ضم: الموضع الذي يشرب منه.

(4)

ضعيف: لانقطاعه بين موسى بن أبي عيسى، وهو الحناط، وعمر بن الخطاب، فإنه لم يدركه، فهو من الطبقة السادسة، وهي طبقة أصاغر التابعين التي لم يثبت لها لقاء أحد من الصحابة.

ص: 34

هشام، عن ابن سيرين، عن حذيفة قال: ما من أحد إلَّا وأنا أخاف عليه الفتنة، إلَّا ما كان من محمد بن مسلمة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تضره الفتنة"

(1)

.

الفسوي في "تاريخه": حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا يحيى بن سعيد، عن موسى بن وردان، عن أبيه، عن جابر، قال: قدم معاوية ومعه أهل الشام، فبلغ رجلًا شقيًّا من أهل الأردن صنيعَ محمد بن مسلمة -جلوسه عن عليّ ومعاوية، فاقتحم عليه المنزل فقتله، فأرسل معاوية إلى كعب بن مالك: ما تقول في محمد بن مسلمة?.

قال يحيى بن بكير، وإبراهيم بن المنذر، وابن نمير، وشباب وجماعة: مات محمد بن مسلمة في صفر، سنة ثلاث وأربعين.

يزيد بن هارون: أخبرنا هشام عن الحسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى محمد بن مسلمة سيفًا فقال:"قاتل به المشركين، فإذا رأيت المسلمين قد أقبل بعضهم على بعض فاضرب به أحدًا حتى تقطعه، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية"

(2)

.

وروي نحوه من مراسيل زيد بن أسلم.

عاش ابن مسلمة سبعًا وسبعين سنة.

(1)

ضعيف: أخرجه أبو داود "4663" من طريق هشام -وهو ابن حسان، عن محمد قال: قال حذيفة: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلّا أنا أخافها عليه، إلا محمد بن مسلمة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تضرك الفتنة".

قلت: إسناده ضعيف؛ لانقطاعه بين محمد بن سيرين وحذيفة الذي مات في أوّل خلافة عليّ رضي الله عنه، لذا فإنه لم يدركه.

(2)

ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 225" من طريق زيد بن الحباب، عن سهل بن أبي الصلت، عن الحسن به. وإسناده منطقع بين الحسن وهو البصري، وبين محمد بن مسلمة، فإنه لم يدركه.

ص: 35

‌174 - عثمان بن أبي العاص

(1)

: " م، (4) "

الأمير، الفاضل، المؤتَمَن، أبو عبد الله الثقفي، الطائفي.

قدم في وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع، فأسلموا، وأمَّره عليهم لما رأى من عقله وحرصه على الخير والدين، وكان أصغر الوفد سنًّا

(2)

.

ثم أقرَّه أبو بكر على الطائف، ثم عمر، ثم استعمله عمر على عمان والبحرين، ثم قدَّمه على جيش فافتتح توج ومصرها، وسكن البصرة.

ذكره الحسن البصري فقال: ما رأيت أحدًا أفضل منه.

قلت: له أحاديث في صحيح مسلم، وفي السنن.

وكانت أمه قد شهدت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدَّث عنه: سعيد بن المسيب ونافع بن جبير بن مطعم، ويزيد ومطرف ابنا عبد الله بن الشخير، وموسى بن طلحة، وآخرون.

سالم بن نوح، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن عثمان بن أبي العاص، أنه بعث غلمانًا له تجارًا، فلما جاءوا قال: ما جئتم به؟ قالوا: جئنا بتجارة يربح الدرهم عشرة. قال: وما هي؟ قالوا: خمر، قال: خمر وقد نهينا عن شربها وبيعها؟! فجعل يفتح أفواه الزقاق ويصبّها.

يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص، فذكر نحوه.

توفي رضي الله عنه سنة إحدى وخمسين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 508"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2195"، أسد الغابة "3/ 579"، تهذيب الكمال "19/ ترجمة 3829"، وتهذيب التهذيب "7/ ترجمة 270"، الإصابة "2/ ترجمة 5441"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4752".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 217"، وأبو داود "531"، والنسائي "2/ 23" من طرق عن حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف بن عبد الله، عن عثمان بن أبي العاص، قال: قلت: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، قال:"أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا".

وأخرجه مسلم "468" من طريق عمرو بن عثمان، حدثنا موسى بن طلحة، حدثني عثمان بن أبي العاص الثقفي؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"أمَّ قومك"، قال: قلت: يا رسول الله، إني أجد في نفسي شيئًا. قال:"أدنه" فجَلَّسَني بين يديه، ثم وضع كفَّه في صدري بين ثديي، ثم قال:"تحوّل" فوضعها في ظهري بين كتفي، ثم قال:"أمَّ قومك، فمن أمَّ قومًا فليخفف، فإن فيهم الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم الضعيف، وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده فليصلّ كيف شاء".

ص: 36

‌175 - عبد الله بن زيد

(1)

: " (4) "

ابن عبد ربه بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، المدني، البدري، من سادة الصحابة، شهد العقبة وبدرًا، وهو الذي أُرِيَ الأذان

(2)

، وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة. له أحاديث يسيرة، وحديثه في السنن الأربعة. وقيل: إن ذكر ثعلبة في نسبه خطأ.

حدَّث عنه: سعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ولم يلقه، ومحمد بن عبد الله ولده.

توفي سنة اثنتين وثلاثين.

إسحاق الفروي، حدثنا عبد الله بن عمر العمري، عن بشر بن محمد بن عبد الله بن زيد، قال: قدمت على عمر بن عبد العزيز فقلت: يا أمير المؤمنين! أنا ابن صاحب العقبة وبدر، وابن الذي أُرِيَ النداء. فقال عمر: يا أهل الشام:

هذي المكارم لا قعبان من لبن

شيبا بماء، فعادا بعد أبوالا

(3)

الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أن عبد الله بن زيد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني رأيت في المنام كأنَّ رجلًا قام على جذم حائط، فأذَّن مثنىً، وأقام مثنى، وقعد قعدة، وعليه بردان أخضران

(4)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 536 - 537"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 19"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 265"، والكاشف "2/ ترجمة 2758"، والعبر "1/ 33"، تهذيب الكمال "14/ ترجمة 3282"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 386"، الإصابة "2/ ترجمة رقم 4686"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3510".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 43"، وأبو داود "499"، والترمذي "189"، والدارمي "1/ 268 - 269"، وابن حبان "281"، وابن ماجه "706"، والدارقطني "1/ 341"، وابن الجارود "158"، والبيهقي "1/ 390 - 391، 415" من طريق ابن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، قال: حدثني أبي عبد الله بن زيد قال: فذكر رؤية الأذان في حديث طويل.

وأخرجه أحمد "4/ 42"، والبيهقي "1/ 414 - 415" من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن زيد، به، وأخرجه عبد الرزاق "1788"، وابن أبي شيبة "1/ 203"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار""1/ 131 - 132 و 134"، والبيهقي "1/ 420" من طريق عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، قال: حدَّثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد قال: فذكره.

(3)

هذا البيت من قصيدة لأبي الصلت، والد أمية بن أبي الصلت، ويمدح فيها سيف بن ذي يزن، ومطلع القصيدة:

ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن

ريم في البحر للأعداء أحوالا

(4)

صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "1/ 23"، والبيهقي "1/ 391" من طريق عمرو بن مرة، به. قوله:"على جذم حائط"، الجذم: الأصل، أراد: بقية حائط، أو قطعة من حائط.

ص: 37

فأمَّا:

‌176 - عبد الله بن زيد المازني النجاري

(1)

: " ع":

صاحب حديث الوضوء

(2)

، فمن فضلاء الصحابة. يعرف بابن أم عمارة، وهو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب، أحد بني مازن بن النجار. ذكر ابن مندة فقط أنه بدري

(3)

.

وقال أبو عمر بن عبد البر وغيره: بل هو أحُديّ، وهو الذي قتل مسيلمة بالسيف مع رمية وحشي له بحربته، وهو عم عباد بن تميم.

قيل: إنه قتل يوم الحرة، سنة ثلاث وستين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 531"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 20"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 266"، أسد الغابة "3/ 250"، تهذيب الكمال "14/ ترجمة 3381"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 385"، الإصابة "2/ ترجمة 4688"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3509".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "185"، ومسلم "235" من طريق عمرو بن يحيى المازن، عن أبيه، أنَّ رجلًا قال لعبد الله بن زيد -وهو جد عمرو بن يحيى: أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بماء، فأفرغ على يديه فغسل مرتين، ثم مضمض واستنثر ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدَّم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه".

(3)

قال الحافظ الذهبي في "تلخيص المستدرك" معلقًا على هذا فقال: هذا خطأ.

ص: 38

‌177 - حارثة بن النعمان

(1)

:

ابن نفع بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الخزرجي، النجاري. ويقال: ابن رافع بدل: ابن نفع.

وله من الولد: عبد الله، وعبد الرحمن، وسودة، وعمرة، وأم كلثوم، يكنَّى أبا عبد الله.

شهد بدرًا والمشاهد، ولا نعلم له رواية، وكان دينًا، خيِّرًا، برًّا بأمه.

وعنه قال: رأيت جبريل من الدهر مرتين: يوم الصورين

(2)

حين خرج رسول الله إلى بني قريظة، مَرَّ بنا في صورة دحية، فأمرنا بلبس السلاح، ويوم موضع الجنائز حين رجعنا من حنين، مررت وهو يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسلّم، فقال جبريل: من هذا يا محمد? قال: حارثة بن النعمان، فقال: أما إنه من المائة الصابرة يوم حنين، الذين تكفَّل الله بأرزاقهم في الجنة، ولو سلَّم لرددنا عليه.

وروي بإسناد منقطع: أن حارثة كُفَّ، فجعل خيطًا من مصلاه إلى حجرته، ووضع عنده مكتلًا فيه تمر وغيره، فكان إذا سلَّم مسكين أعطاه منه، ثم أخذ على الخيط حتى يأتي إلى باب الحجرة فيناول المسكين. فيقول أهله: نحن نكفيك، فيقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مناولة المسكين تقي ميتة السوء"

(3)

.

قال الواقدي: كانت له منازل قرب منازل النبي صلى الله عليه وسلم، فكان كلما أحدث رسول الله أهلًا، تحوّل له حارثة عن منزل، حتى قال:"لقد استحييت من حارثة مما يتحوّل لنا عن منازله".

وبقي إلى خلافة معاوية.

ومن ذريته: المحدِّث أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان الأنصاري، ولد عمرة الفقيهة.

وهو -أعني: حارثة- الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فسمعت قراءة، فقلت: من هذا? قيل: حارثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كذاكم البر" وكان برًّا بأمه رضي الله عنه

(4)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 487"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 323"، أسد الغابة "1/ 429"، الإصابة "1/ ترجمة 1532".

(2)

الصوران: موضع بالمدينة.

(3)

ضعيف: أخرجه ابن سعد "3/ 488"، والطبراني في "الكبير""3228" و"3233"، والبيهقي في "الشعب""3/ 3463" من طرق، عن إسماعيل بن أبي فديك، عن محمد بن عثمان، عن أبيه قال: كان حارثة بن النعمان قد ذهب بصره، فاتخذ خيطًا في مصلاه إلى باب حجرته، ووضع عنده مكتلًا فيه تمر وغيره، فكان إذا جاء المسكين فسلَّم، أخذ من ذلك المكتل، ثم أخذ بطرف الخيط حتى يناوله، وكان أهله يقولون: نحن نكفيك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مناولة المسكين تقي ميتة السوء".

وأورده الهيثمي في "المجمع""3/ 112"، وقال:"رواه الطبراني في الكبير، وفيه من لم أعرفه".

قلت: في إسناده محمد بن عثمان، ذكر البخاري في "التاريخ""1/ 1/ 180" -وذكر الحديث في ترجمته- كما ذكر الحديث ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل""4/ 1/ 24" في ترجمته، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.

أما عثمان والد محمد بن عثمان، فذكره ابن أبي حاتم في ترجمة حارثة بن النعمان "1/ 2/ 253 - 254" فيمن روى عن حارثة، ولم يذكر اسم أبيه، ولم أعرفه، وقد ذكرت الحديث وشواهد له في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة" حديث رقم "317" الطبعة الثانية.

(4)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق "20119"، وأحمد "6/ 151 - 152 و 166 - 167"، والحميدي "285" عن عمرة، عن عائشة، به.

ص: 39

‌178 - أبو موسى الأشعري

(1)

: " ع"

عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب، الإمام الكبير، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو موسى الأشعري التميمي الفقيه المقرئ.

حدَّث عنه: بريدة بن الحصيب، وأبو أمامة الباهلي، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وسعيد بن المسيب، والأسود بن يزيد، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وزيد بن وهب، وأبو عثمان النهدي، وأبو عبد الرحمن النهدي، ومرة الطيب، وربعي بن حراش، وزهدم بن مضرب، وخلق سواهم.

وهو معدود فيمن قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم، أقرأ أهل البصرة وفقَّهَهم في الدين، قرأ عليه حطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو رجاء العطاردي.

ففي "الصحيحين": عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلًا كريمًا"

(2)

.

وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذًا على زبيد وعدن

(3)

، وولي إمرة الكوفة لعمر، وإمرة البصرة، وقدم ليالي فتح خيبر، وغزا وجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل عنه علمًا كثيرًا.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "2/ 344 - 345" و"4/ 105" و"6/ 16"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 35"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 642"، حلية الأولياء "1/ 256 - 264"، أسد الغابة "3/ 367"، الكاشف "2/ ترجمة 2951"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3487" وتذكرة الحفاظ "1/ 23"، تهذيب الكمال "15/ ترجمة 3491"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة رقم 625"، الإصابة "2/ ترجمة 4898"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3739".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "4323"، ومسلم "2498" حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه به، مرفوعًا في حديث طويل.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "3038"، ومسلم "1733" من طريق وكيع، عن شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جدِّه، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا وأبا موسى إلى اليمن، قال:"يسِّرَا ولا تعسِّرا، وبشِّرَا ولا تنفِّرَا، وتطاوعا ولا تختلفا".

ص: 40

قال سعيد بن عبد العزيز: حدثني أبو يوسف حاجب معاوية: أن أبا موسى الأشعري قدم على معاوية، فنزل في بعض الدور بدمشق، فخرج معاوية من الليل ليستمع قراءته.

قال أبو عبيد: أم أبي موسى هي: ظبية بنت وهب، كانت أسلمت وماتت بالمدينة.

وقال ابن سعد: حدثنا الهيثم بن عدي قال: أسلم أبو موسى بمكة، وهاجر إلى الحبشة، وأول مشاهده خيبر، ومات سنة اثنتين وأربعين.

قال أبو أحمد الحاكم: أسلم بمكة ثم قدم مع أهل السفينتين بعد فتح خيبر بثلاث، فقسم لهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولي البصرة لعمر وعثمان، وولي الكوفة وبها مات.

وقال ابن منده: افتتح أصبهان زمن عمر.

وقال العجلي: بعثه عمر أميرًا على البصرة، فأقرأهم وفقههم، وهو فتح تُستَر، ولم يكن في الصحابة أحد أحسن صوتًا منه.

قال حسين المعلم: سمعت ابن بريدة يقول: كان الأشعري قصيرًا، أثط

(1)

، خفيف الجسم.

وأما الواقدي فقال: حدثنا خالد بن إلياس، عن أبي بكر بن أبي جهم قال: ليس أبو موسى من مهاجرة الحبشة، ولا حلف له في قريش، وقد كان أسلم بمكة، ورجع إلى أرضه حتى قدم هو وأناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكره موسى بن عقبة فيمن هاجر إلى الحبشة.

وروى أبو بردة، عن أبي موسى قال: خرجنا من اليمن في بضع وخمسين من قومي، ونحن ثلاثة إخوة: أنا وأبو رهم وأبو عامر، فأخرجتنا سفينتنا إلى النجاشي، وعنده جعفر وأصحابه، فأقبلنا حين افتتحت خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إليَّ"

(2)

.

وفي رواية: أنا وأخواي أبو رهم وأبو بردة، أنا أصغرهم.

أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا يحيى بن أيوب، عن حميد، عن أنس، قال:

(1)

أثطّ: أي: قليل شعر اللحية.

(2)

صحيح: تقدم تخريجنا له في الجزء الأول في ترجمة أسماء بنت عميس، بتخريجنا رقم "1172".

ص: 41

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقدم عليكم غدًا قوم هم أرقّ قلوبًا للإسلام منكم"، فقدم الأشعريون، فلما دنوا جعلوا يرتجزون:

غدًا نلقى الأحبة

محمدًا وحزبه

فلمَّا أن قدموا تصافحوا، فكانوا أوّل من أحدث المصافحة

(1)

.

شعبة، عن سماك، عن عياض الأشعري، قال: لما نزلت: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم قومك يا أبا موسى، وأومأ إليه"

(2)

.

صحَّحه الحاكم، والأظهر: أنَّ لعياض بن عمرو صحبة، ولكن رواه جماعة عن شعبة أيضًا "ح". وعبد الله بن إدريس، عن أبيه، كلاهما عن سماك، عن عياض، عن أبي موسى.

بُرَيْد، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حُنَيْن، بعث أبا عامر الأشعري على جيش أوطاس، فلقي دريد بن الصمّة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه، فرمى رجل أبا عامر في ركبته بسهم فأثبته، فقلت: يا عم! من رماك؟ فأشار إليه، فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولَّى ذاهبًا، فجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألست عربيًّا؟ ألا تثبت؟ قال: فكفَّ، فالتقيت أنا وهو فاختلفنا ضربتين فقتلته، ثم رجعت إلى أبي عامر، فقلت: قد قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء، فقال: يا ابن أخي، انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقرأه منِّي السلام، وقل له: يستغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرًا ثم مات، فلمَّا قدمنا، وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم رفع يديه، ثم قال:"اللهم اغفر لعبيد أبي عامر" حتى رأيت بياض إبطيه، ثم قال: "اللهم اجعله يوم

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "3/ 105 و 155 و 182 و 223 و 251 و 262"، وابن سعد "4/ 106" من طرق عن حميد، عن أنس، به.

(2)

صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 107"، والحاكم "2/ 313" من طرق عن شعبة، عن سماك بن حرب، به.

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي في "تلخيص المستدرك".

قلت: عياض بن عمرو الأشعري، مختلف في صحبته، قال أبو حاتم: تابعي أرسل، وجزم ابن عبد البر بصحبته.

ص: 42

القيامة فوق كثير من خلقك"، فقلت: ولي يا رسول الله، فقال: "اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلًا كريمًا"

(1)

.

وبه، عن أبي موسى، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة

(2)

، فأتى أعرابي، فقال: ألَا تنجز لي ما وعدتني، قال:"أبشر" قال: قد أكثرت من البشرى، فأقبل رسول الله عليَّ وعلى بلال، فقال:"إن هذا قد ردَّ البشرى فاقبلا أنتما" فقالا: قبلنا يا رسول الله، فدعا بقدح فغسل يديه ووجهه فيه، ومجَّ فيه ثم قال:"اشربا منه وأفرغا على رءوسكما ونحوركما"، ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر: أن فضلًا لأمِّكما، فأفضلا لها منه

(3)

.

مالك بن مغول، وغيره، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: خرجت ليلة من المسجد، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم عند باب المسجد قائم، وإذا رجل يصلي، فقال لي:"يا بريدة، أتراه يرائي"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال:"بل هو مؤمن منيب، لقد أعطي مزمارًا من مزامير آل داود"، فأتيته فإذا هو أبو موسى فأخبرته

(4)

.

أنبئونا عن أحمد بن محمد اللبان وغيره: أنَّ أبا علي الحداد أخبرهم، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا ابن فارس، حدَّثنا محمد بن عاصم، حدثنا زيد بن الحباب، عن مالك بن مغول، حدثنا ابن بريدة، عن أبيه قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وأنا على باب المسجد، فأخذ بيدي فأدخلني المسجد، فإذا رجل يصلي يدعو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك الله لا إله إلَّا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.

قال: "والذي نفسي بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب". وإذا رجل يقرأ فقال: "لقد أعطي هذا مزمارًا من مزامير آل داود"، قلت: يا رسول الله، أخبره? قال:"نعم" فأخبرته، فقال لي: لا تزال لي صديقًا، وإذا هو أبو موسى

(5)

.

(1)

صحيح: سبق تخريجنا له بتعليقنا رقم "85"، وهو عند البخاري "4323"، ومسلم "2498" فراجعه ثَمَّ.

(2)

الجعرانة: بين مكة والطائف، وهي إلى مكة أقرب.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "4328"، ومسلم "2497" من طريق أبي أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: فذكره.

(4)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 349"، ومسلم "793" من طريق مالك بن مغول، عن عبد الله بن بريدة به.

(5)

صحيح: أخرجه أبو داود "1494"، والترمذي "2475" من طريق زيد بن الحباب، حدثنا مالك بن مغول، به، وأخرجه أحمد "5/ 349" من طريق عثمان بن عمر، عن مالك، به.

ص: 43

رواه حسين بن واقد، عن ابن بريدة مختصرًا.

وروى أبو سلمة، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لقد أعطي أبو موسى مزمارًا من مزامير آل داود"

(1)

.

خالد بن نافع: حدثنا سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة مرَّا به وهو يقرأ في بيته، فاستمعا لقراءته، فلما أصبح أخبره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لو أعلم بمكانك لحبَّرته لك تحبيرًا

(2)

.

خالد: ضُعِّفَ.

حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن أبا موسى قرأ ليلةً، فقمن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يستمعن لقراءته، فلما أصبح أُخْبِرَ بذلك، فقال: لو علمت لحبَّرت تحبيرًا، ولشوقت تشويقًا

(3)

.

الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: أتينا عليًّا فسألناه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قال: عن أيهم تسألوني? قلنا: عن ابن مسعود، قال: علم القرآن والسنة، ثم انتهى وكفى به علمًا، قلنا: أبو موسى قال: صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه، قلنا:

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 396" من طريق محمد بن أبي حفصة، والنسائي "2/ 180" من طريق عمرو بن الحارث، كلاهما عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، به. وأخرجه أحمد "2/ 450"، وابن سعد "4/ 107"، وابن أبي شيبة "10/ 463"، والدارمي "2/ 473"، وابن ماجه "1341"، والبغوي "1219" من طريق يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، به.

(2)

ضعيف بهذا اللفظ: أخرجه الحاكم "3/ 466" من طريق خالد بن نافع الأشعري، عن سعيد بن أبي بردة، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته خالد بن نافع الأشعري، ضعَّفه أبو زرعة والنسائي، وقال أبو حاتم: ليس بقويّ، وقال أبو داود: متروك الحديث، وردَّه الذهبي في "الميزان"، فقال: هذا تجاوز في الحد، فإن الرجل قد حدَّث عنه أحمد بن حنبل ومسدد، فلا يستحق الترك.

وقد رواه مختصرًا البخاري "5048"، والترمذي "3855" من طريق أبي يحيى الحماني، حدثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"يا أبا موسى، لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود".

وقوله: "حبَّرته لك تحبيرًا" يريد: تحسين الصوت وتحزينه، يقال: حَبَّرت الشيء تحبيرًا إذا حسَّنته.

(3)

صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 108" من طريق يزيد بن هارون، وعفان بن مسلم، كلاهما عن حماد بن سلمة، به.

ص: 44

حذيفة؟ قال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين. قالوا: سلمان؟ قال: أدرك العلم الأول والعلم الآخر؛ بحر لا يدرك قعره، وهو منَّا أهل البيت. قالوا: أبو ذر؟ قال: وعى علمًا عجز عنه فسئل عن نفسه، قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت.

أبو إسحاق، سمع الأسود بن يزيد قال: لم أر بالكوفة أعلم من علي وأبي موسى.

وقال مسروق: كان القضاء في الصحابة إلى ستة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي وزيد، وأبي موسى.

وقال الشعبي: يؤخذ العلم عن ستة: عمر، وعبد الله، وزيد، يشبه علمهم بعضه بعضًا، وكان علي وأُبَيّ وأبو موسى يشبه علمهم بعضه بعضًا، يقتبس بعضهم من بعض.

وقال داود عن الشعبي: قضاة الأمة: عمر، وعلي، وزيد، وأبو موسى.

أسامة بن زيد، عن صفوان بن سليم، قال: لم يكن يفتي في المسجد زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء: عمر وعلي ومعاذ وأبي موسى.

قال أبو بردة: قال: إني تعلمت المعجم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت كتابتي مثل العقارب.

أيوب، عن محمد، قال عمر: بالشام أربعون رجلًا، ما منهم رجل كان يلي أمر الأمة إلَّا أجزأه، فأرسل إليهم، فجاء رهط فيهم أبو موسى، فقال: إني أرسلك إلى قومٍ عَسْكَرَ الشيطان بين أظهرهم، قال: فلا ترسلني. قال: إن بها جهادًا ورباطًا، فأرسله إلى البصرة.

قال الحسن البصري: ما قدمها راكب خير لأهلها من أبي موسى.

قال ابن شوذب: كان أبو موسى إذا صلى الصبح استقبل الصفوف رجلًا رجلًا يقرئهم، ودخل البصرة على جمل أورق، وعليه خرج لما عزل.

قتادة، عن أنس: بعثني الأشعري إلى عمر، فقال لي: كيف تركت الأشعري؟ قلت: تركته يعلم الناس القرآن، فقال أما إنه كيس، ولا تسمعها إياه.

قال أبو بردة: كتبت عن أبي أحاديث، ففطن بي، فمحاها، وقال: خذ كما أخذنا.

أبو هلال، عن قتادة قال: بلغ أبا موسى أن ناسًا يمنعهم من الجمعة أن ليس لهم ثياب، فخرج على الناس في عباءة.

قال الزهري: استخلف عثمان فنزع أبا موسى عن البصرة، وأمَّر عليها عبد الله بن عامر بن كريز.

ص: 45

قال خليفة: ولي أبو موسى البصرة سنة سبع عشرة بعد المغيرة، فلما افتتح الأهواز استخلف عمران بن حصين بالبصرة -ويقال: افتتحها صلحًا، فوظف عليها عشرة آلاف ألف وأربع مائة ألف.

وقيل: في سنة ثمان عشرة افتتح أبو موسى الرها وسُمَيْسَاط، وما والاها عنوة.

زهير بن معاوية: حدثنا حميد، حدثنا أنس، أن الهرمزان نزل على حكم عمر من تُستَر، فبعث به أبو موسى معي إلى أمير المؤمنين، فقدمت به، فقال له عمر: تكلم لا بأس عليك، فاستحياه، ثم أسلم وفرض له.

قال ابن إسحاق: سار أبو موسى من نهاوند، ففتح أصبهان سنة ثلاث وعشرين.

مجالد، عن الشعبي قال: كتب عمر في وصيته: ألَّا يَقِرَّ لي عامل أكثر من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين.

حميد بن هلال، عن أبي بردة: سمعت أبي يقسم ما خرج حين نزع عن البصرة، إلَّا بست مائة درهم.

الزهري، عن أبي سلمة: كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى، ربما قال له: ذكرنا يا أبا موسى، فيقرأ.

وفي رواية تفرَّد بها رشدين بن سعد: فيقرأ ويتلاحن

(1)

.

وقال ثابت، عن أنس: قدمنا البصرة مع أبي موسى، فقام من الليل يتهجّد، فلما أصبح قيل له: أصلح الله الأمير! لو رأيت إلى نسوتك وقرابتك وهم يستمعون لقراءتك، فقال: لو علمت لزيِّنت كتاب الله بصوتي، ولحبَّرته تحبيرًا

(2)

.

قال أبو عثمان النهدي: ما سمعت مزمارًا ولا طنبورًا ولا صنجًا أحسن من صوت أبي موسى الأشعري؛ إن كان ليصلي بنا فنَوَدّ أنه قرأ البقرة من حسن صوته.

هشام بن حسان، عن واصل مولى أبي عيينة، عن لقيط، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: غزونا في البحر، فسرنا حتى إذا كنا في لجة البحر سمعنا مناديًا ينادي: يا أهل

(1)

التَّلاحُن: هو التطريب وترجيع الصوت، وتحسين القراءة.

(2)

صحيح أخرجه ابن سعد "2/ 344 - 335" من طريق عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، به.

ص: 46

السفينة، قفوا أخبركم، فقمت فنظرت يمينًا وشمالًا فلم أر شيئًا، حتى نادى سبع مرار، فقلت: ألا ترى في أي مكان نحن؟ إنا لا نستطيع أن نقف، فقال: ألَا أخبرك بقضاء قضى الله على نفسه: إنه من عطش نفسه لله في يوم حار كان حقًّا على الله أن يرويه يوم القيامة. قال: وكان أبو موسى لا تكاد تلقاه في يوم حار إلَّا صائمًا.

ورواه ابن المبارك في "الزهد"، حدثنا حماد بن سلمة، عن واصل.

الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: خرجنا مع أبي موسى في غزاة، فجننا الليل في بستان خرب، فقام أبو موسى يصلي وقرأ قراءة حسنة، وقال: اللهم أنت المؤمن تحب المؤمن، وأنت المهيمن تحب المهيمن، وأنت السلام تحب السلام.

وروى صالح بن موسى الطلحي، عن أبيه قال: اجتهد الأشعري قبل موته اجتهادًا شديدًا، فقيل له: لو أمسكت ورفقت بنفسك، قال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك.

حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن أبا موسى كان له سراويل يلبسه مخافة أن يتكشّف.

الأعمش، عن شقيق، قال: كنا مع حذيفة جلوسًا، فدخل عبد الله وأبو موسى المسجد، فقال: أحدهما منافق، ثم قال: إن أشبه الناس هديًا ودلًّا وسمتًا برسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله.

قلت: ما أدري ما وجه هذا القول، سمعه عبد الله بن نمير منه، ثم يقول الأعمش: حدثناهم بغضب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فاتخذه دينًا.

قال عبد الله بن إدريس: كان الأعمش به ديانة من خشيته.

قلت: رُمِيَ الأعمش بيسير تشيع، فما أدري.

ولا ريب أن غلاة الشيعة يبغضون أبا موسى رضي الله عنه؛ لكونه ما قاتل مع علي، ثم لما حكمه علي على نفسه عزله، وعزل معاوية، وأشار بابن عمر، فما انتظم من ذلك حال.

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا عيسى بن علقمة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: قلت لعلي يوم الحكمين: لا تحكّم الأشعري؛ فإن معه رجلًا

ص: 47

حذرًا مرسًا قارحًا

(1)

، فلُزَّنِي

(2)

إلى جنبه، فلا يحل عقدة إلَّا عقدتها، ولا يعقد عقدة إلَّا حللتها. قال: يا ابن عباس، ما أصنع؟ إنما أوتَى من أصحابي قد ضعفت نيتهم وكلّوا، هذا الأشعث يقول: لا يكون فيها مضريان أبدًا حتى يكون أحدهما يمان، قال ابن عباس: فعذرته وعرفت أنه مضطهد

(3)

.

وعن عكرمة قال: حكَّم معاوية عمرًا، فقال الأحنف لعلي: حكّم ابن عباس، فإنه رجل مجرب، قال: أفعل. فأبت اليمانية، وقالوا: حتى يكون منّا رجل، فجاء ابن عباس إلى علي فقال: علام تحكّم أبا موسى، لقد عرفت رأيه فينا، فوالله ما نصرنا، وهو يرجو ما نحن فيه، فتدخله الآن في معاقد أمرنا، مع أنه ليس بصاحب ذلك، فإذا أبيت أن تجعلني مع عمرو فاجعل الأحنف بن قيس؛ فإنه مجرب من العرب، وهو قرن لعمرو، فقال: نعم، فأبت اليمانية أيضًا، فلما غلب جعل أبا موسى

(4)

.

قال أبو صالح السمان: قال علي: يا أبا موسى، احكم ولو على حز عنقي.

زيد بن الحباب: حدثنا سليمان بن المغيرة البكري، عن أبي بردة، عن أبي موسى: أنَّ معاوية كتب إليه: أمَّا بعد، فإن عمرو بن العاص قد بايعني على ما أريد، وأقسم بالله لئن بايعتني على الذي بايعني لأستعملنَّ أحد ابنيك على الكوفة، والآخر على البصرة؛ ولا يغلق دونك باب، ولا تقضى دونك حاجة، وقد كتبت إليك بخطي، فاكتب إليّ بخط يدك.

فكتب إليه: أمَّا بعد، فإنك كتبت إليَّ في جسيم أمر الأمة، فماذا أقول لربي إذا قدمت عليه، ليس لي فيما عرضت من حاجة، والسلام عليك.

قال أبو بردة: فلما ولي معاوية أتيته، فما أغلق دوني بابًا، ولا كانت لي حاجة إلَّا قُضِيَت.

(1)

المرس: بكسر الراء- هو الشديد الذي مارس الأمور وجرَّبها.

والقارح من الخيل: هو الذي دخل في السنة الخامسة، وجمعه قُرَّح، وقد شبه الرجل المجرب بالفرس.

(2)

لُزَّنِي إلى جنبه: أي: الزمني إياه. لزبه الشيء: لزق به، كأنه يلتزق بالمطلوب لسرعته.

(3)

ضعيف جدًّا: في إسناده علتان، الأولى: محمد بن عمر، وهو الواقدي، متروك -كما قد ذكرنا مرارًا.

الثانية: داود بن الحصين، قال علي بن المديني: ما رواه عن عكرمة فمنكر، وكذا قال أبو داود: أحاديثه عن عكرمة مناكير، وقال أبو زرعة: لين.

(4)

ضعيف جدًّا: في إسناده الواقدي، وهو متروك.

ص: 48

قلت: قد كان أبو موسى صوَّامًا قوامًا، ربانيًّا، زاهدًا، عابدًا، ممن جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر، لم تغيره الإمارة، ولا اغترَّ بالدنيا.

ومن عواليه:

أخبرنا الفقيهان: يحيى بن أبي منصور، وعبد الرحمن بن محمد كتابه، قالا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا محمد بن محمد بن غيلان، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا إبراهيم بن عبد الله البصري، حدثنا الأنصاري، حدثنا سليمان "ح". وبه إلى الشافعي، حدثنا محمد بن مسلمة -واللفظ له: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري، قال:

كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان القوم يصعدون ثنية أو عقبة، فإذا صعد الرجل قال: لا إله إلَّا الله والله أكبر -أحسبه قال: بأعلى صوته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته يعترضها في الجبل، فقال:"أيها الناس، إنكم لا تنادون أصمّ ولا غائبًا"، ثم قال:"يا عبد الله بن قيس، أو يا أبا موسى، ألَا أدلك على كلمة من كنوز الجنة"، قلت: بلى يا رسول الله، قال:"قل: لا حول ولا قوة إلَّا بالله"

(1)

.

قد مَرَّ أن أبا موسى توفي سنة اثنتين وأربعين.

وقال أبو أحمد الحاكم: توفي سنة اثنتين، وقيل: سنة ثلاث وأربعين.

وقال أبو نعيم، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن نمير، وقعنب بن المحرر: توفي سنة أربع وأربعين.

وأما الواقدي فقال: مات سنة اثنتين وخمسين، وقال المدائني: سنة ثلاث وخمسين بعد المغيرة.

وقد ذكرت في "طبقات القراء": توفي أبو موسى في ذي الحجة، سنة أربع وأربعين على الصحيح.

ابن سعد: أخبرنا يزيد وعفان، قالا: حدثنا حمّاد، عن ثابت، عن أنس، أن أبا موسى

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 402 و 403"، والبخاري "4205" و"6384" و"7386"، ومسلم "2704"، وأبو داود "1527" و"1528"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة""537" و"538"، ابن ماجه "3824" من طرق عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى، به.

ص: 49

كان حلو الصوت، فقام ليلة يصلي، فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقمن يستمعن، فلما أصبح قيل له: إن النساء سمعنك، قال: لو علمت لحبرتكنَّ تحبيرًا، ولشوقتكنّ تشويقًا

(1)

.

قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: كان عمر إذا رأى أبا موسى، قال: ذكرنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده.

شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، قال عمر لأبي موسى: شوقنا إلى ربنا، فقرأ، فقالوا: الصلاة، فقال: أولسنا في صلاة!

(2)

.

روى حميد بن هلال، عن أبي بردة قال: حدثتني أمي قالت: خرج أبو موسى حين نزع عن البصرة، ما معه إلَّا ست مائة درهم عطاءً لعياله.

روى الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد قال: ما كنا نشبه كلام أبي موسى إلَّا بالجزار الذي ما يخطى المفصل

(3)

.

عن بعضهم، أنَّ أبا موسى أتى معاوية، وهو بالنخيلة، وعليه عمامة سوداء، وجبة سوداء، ومعه عصا سوداء.

ثابت، عن أنس قال: كان أبو موسى إذا نام لبس ثبانًا مخافة أن تنكشف عورته.

منصور بن المعتمر، عن أبي عمرو الشيباني، قال: قال أبو موسى: لأن يمتلئ منخري من ريح جيفة، أحب إلي من أن يمتلئ من ريح امرأة.

ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن قزعة، عن عبد الرحمن ابن مولى أم برثن، قال: قدم أبو موسى الأشعري وزياد على عمر رضي الله عنه، فرأى في يد زياد خاتمًا من ذهب، فقال: اتخذتم حلق الذهب، فقال أبو موسى: أمَّا أنا فخاتمي من حديد، فقال عمر: ذاك أنتن أو أخبث، من كان متختمًا فليتختم بخاتم من فضة.

قال ابن بريدة: كان أبو موسى أثط قصيرًا خفيف اللحم رضي الله عنه.

وله في "مسند بقي" ثلاث مائة وستون حديثًا.

(1)

صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 108" من طريق يزيد بن هارون، وعفان بن مسلم، به.

(2)

صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 109" من طريق عمرو بن الهيثم أبي قطن، قال: حدثنا شعبة، عن أبي مسلمة، به.

(3)

صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 111" من طرق، عن حماد بن زيد، عن الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد، به.

ص: 50

وقع له في "الصحيحين" تسعة وأربعون حديثًا، وتفرد البخاري بأربعة أحاديث، ومسلم بخمسة عشر حديثًا، وكان إمامًا ربانيًّا.

جوّد ترجمته ابن سعد وابن عساكر.

قال الواقدي وغيره: قدم أبو موسى مكة، وحالف أبا أحيحة الأموي، وأسلم بمكة، وهاجر إلى الحبشة.

وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي بردة، عن أبيه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر إلى أرض النجاشي، فبعث قريش عمرًا وعمارة بن الوليد، وجمعوا له هدية.

ولم يذكره ابن عقبة وابن إسحاق وأبو معشر فيمن هاجر إلى الحبشة.

قتادة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال لي أبي: لو رأيتنا ونحن نخرج مع نبينا صلى الله عليه وسلم؛ إذ أصابتنا السماء، لوجدت منا ريح الضأن من لباسنا الصوف

(1)

.

قال حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال: حدثتني أمي قالت: خرج أبوك حين نزع عن البصرة، وما معه إلَّا ست مائة درهم عطاء عياله.

سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال: دخلت على معاوية حين أصابته قرحته، فقال: هلمَّ يا ابن أخي، فنظرت فإذا هو قد سبرت

(2)

-يعني: قرحته- فقلت: ليس عليك بأس؛ إذ دخل ابنه يزيد، فقال له معاوية: إن وليت فاستوص بهذا، فإن أباه كان أخًا لي أو خليلًا، غير أني قد رأيت في القتال ما لم ير.

وقال أبو بردة: قال أبي: ائتني بكل شيء كتبته، فمحاه، ثم قال: احفظ كما حفظت.

ابن عون، عن الحسن، قال: كان الحكمان أبا موسى وعمرًا؛ وكان أحدهما يبتغي الدنيا، والآخر يبتغي الآخرة.

حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أبي مجلز: أنَّ أبا موسى قال: إني لأغتسل في البيت المظلم، فأحني ظهري حياءً من ربي.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 419"، وابن سعد "4/ 108"، وأبو داود "4033"، والترمذي "2479"، وابن ماجه "3562" من طرق، عن قتادة، عن سعيد بن أبي بردة، به.

(2)

السَّبْر: مصدر سبر الجرح يسبُرُه، ويسبِرُهُ سبرًا: نظر مقداره وقاسه؛ ليعرف غوره.

ص: 51

زهير بن معاوية، عن عبد الملك بن عمير قال: رأيت أبا موسى داخلًا من هذا الباب وعليه مقطع ومطرف حيريّ

(1)

.

عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن أبي موسى: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم اجعل عبيدًا أبا عامر فوق أكثر الناس يوم القيامة"، فقتل يوم أوطاس، فقتل أبو موسى قاتله.

الجريري، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى قال: أعمقوا لي قبري.

(1)

مطرف حِيري: رداء من خز له أعلام، من الحيرة.

ص: 52

‌179 - أبو أيوب الأنصاري

(1)

: " ع"

الخزرجي، النجاري، البدري، السيد الكبير، الذي خصه النبي صلى الله عليه وسلم بالنزول عليه في بني النجار، إلى أن بنيت له حجرة أم المؤمنين سودة، وبُنِيَ المسجد الشريف.

اسمه: خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج.

حدَّث عنه: جابر بن سمرة، والبراء بن عازب، والمقدام بن معد يكرب، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وجبير بن نفير، وسعيد بن المسيب، وموسى بن طلحة، وعروة بن الزبير، وعطاء بن يزيد الليثي، وأفلح مولاه، وأبو رهم السماعي

(2)

، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وقرثع الضبي، ومحمد بن كعب، والقاسم أبو عبد الرحمن، وآخرون.

وله عدة أحاديث ففي "مسند بقي" له مائة وخمسة وخمسون حديثًا؛ فمنها في "البخاري ومسلم" سبعة. وفي "البخاري" حديث، وفي "مسلم" خمسة أحاديث.

حرملة: حدَّثنا ابن وهب، أخبرنا حيوة، أخبرنا الوليد بن أبي الوليد، حدثنا أيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري، عن أبيه عن جده:

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 484 - 485"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 462"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1484"، والحلية لأبي نعيم "1/ 361"، وتاريخ الخطيب "1/ 153"، وأسد الغابة "2/ 94"، والإصابة "1/ ترجمة 2163"، تهذيب التهذيب "3/ ترجمة رقم 174" وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1760".

(2)

هو أبو رهم السَّمَعي، أحزاب بن أسيد، مختلف في صحبته، والصحيح أنه مخضرم، وهو ثقة، روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

ص: 52

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "اكتم الخطبة، ثم توضأ، ثم صل ما كتب الله لك، ثم احمد ربك ومجِّده، ثم قل: اللهم تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، فإن رأيت لي في فلانة -تسميها- خيرًا في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي، وإن كان غيرها خيرًا لي منها فأمض لي -أو قال: اقدرها لي"

(1)

.

وفي سيرة ابن عباس: أنه كان أميرًا على البصرة لعلي، وأنَّ أبا أيوب الأنصاري وفد عليه، فبالغ في إكرامه، وقال: لأجزينَّك على إنزالك النبي صلى الله عليه وسلم عندك، فوصله بكل ما في المنزل، فبلغ ذلك أربعين ألفًا.

الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أشياخه، عن أبي أيوب أنه قال: ادفنوني تحت أقدامكم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة"

(2)

.

ابن علية، عن أيوب، عن محمد قال: شهد أبو أيوب بدرًا، ثم لم يتخلّف عن غزاة إلَّا عامًا استعمل على الجيش شاب، فقعد، ثم جعل يتلهّف ويقول: ما عليّ من استعمل

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 423"، والحاكم "1/ 314"، والطبراني "4/ 390"، والبيهقي "7/ 147" من طرق عن ابن وهب قال: أخبرني حيوة، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته جهالة خالد بن أبي أيوب الأنصاري، ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، "3/ ترجمة 1443"، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولم يرو عنه إلّا أيوب بن خالد حسب. ولم يوثقه غير ابن حبان في كتابه "الثقات"، "4/ 198"، وذلك على عادته في توثيق المجاهيل والمجروحين.

(2)

صحيح لغيره: أخرجه أحمد "5/ 419 و 423" من طريق الأعمش، عن أبي ظبيان قال: غزا أبو أيوب مع يزيد بن معاوية قال: إذا أنا مت فأدخلوني أرض العدو، فادفنوني تحت أقدامكم حيث تلقون العدو، قال: ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة".

قلت: إسناده ضعيف، ذكره بدون ذكر الأشياخ لأبي ظبيان، وهو حصين بن ندب بن الحارث الجنبي الكوفي، مات سنة "90"، وهو من الطبقة الثانية، ما إخاله أدرك أبا أيوب، إنما روى عنه بواسطة الأشياخ وهم مجهولون، فإن كان أدركه وروى عنه فالإسناد صحيح، فقد ما أبو أيوب سنة "50"، لذا فقد قال الحافظ المزي في ترجمته:"روى عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري، وقيل: عن أشياخ لهم، عن أبي أيوب"، فقد تشكك الحافظ في ثبوت روايته عنه، وأخرجه أحمد "5/ 413 - 414"، والنسائي "7/ 88"، والطبراني "3885" في الكبير من طرق عن بقية بن الوليد، حدثني بحير بن سعيد، عن خالد بن معدان، حدثني أبو رهم السمعي، عن أبي أيوب الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئًا، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويجتنب الكبائر، كان له الجنة".

وأخرجه الحاكم "1/ 23" من طريق أحمد بن النضر بن عبد الوهاب، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، سمع عبيد الله بن سلمان، عن أبيه، عن أبي أيوب الأنصاري، به.

ص: 53

عليَّ، فمرض وعلى الجيش يزيد بن معاوية، فأتاه يعوده، فقال: حاجتك؟ قال: نعم، إذا أنا مت فاركب بي، ثم تبيّغ بي في أرض العدو ما وجدت مساغًا، فإذا لم تجد مساغًا فادفنِّي ثم ارجع.

فلمَّا مات ركب بهو ثم سار به، ثم دفنه، وكان يقول: قال الله: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41]، لا أجدني إلَّا خفيفًا أو ثقيلًا.

وروى همام، عن عاصم بن بهدلة، عن رجل: أنَّ أبا أيوب قال ليزيد: أقرئ الناس مني السلام؛ ولينطلقوا بي، وليبعدوا ما استطاعوا، قال: ففعلوا.

قال الواقدي: توفي عام غزا يزيد في خلافة أبيه القسطنطينية، فلقد بلغني أنَّ الروم يتعاهدون قبره ويرمونه ويستسقون به، وذكره عروة والجماعة في البدريين.

وقال ابن إسحاق: شهد العقبة الثانية.

قال محمد بن سيرين: النجار، سُمِّيَ بذلك؛ لأنه اختتن بقدوم.

وعن ابن إسحاق: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي أيوب ومصعب بن عمير.

شهد أبو أيوب المشاهد كلها.

وقال أحمد بن البرقي: جاء له نحو من خمسين حديثًا.

قال ابن يونس: قدم مصر في البحر سنة ست وأربعين.

وقال أبو زرعة النصري: قدم دمشق زمن معاوية.

وقال الخطيب: شهد حرب الخوارج مع علي.

جعفر بن جسر بن فرقد: أخبرنا أبي، حدثنا عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، قال: قال أهل المدينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخل المدينة راشدًا مهديًا، فدخلها وخرج الناس ينظرون إليه، كلما مَرَّ على قوم قالوا: يا رسول الله، ههنا، فقال:"دعوها فإنها مأمورة" -يعني الناقة، حتى بركت على باب أبي أيوب

(1)

.

(1)

حسن لغيره: أخرجه ابن عدي في "الكامل "2/ 170" من طريق جعفر بن جسر بن فرقد، به. وإسناده ضعيف، آفته جعفر بن جسر بن فرقد، قال العقيلي: في حفظه اضطراب شديد، وأبوه جسر بن فرقد القصَّاب، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: ضعيف، وقال البخاري: ليس بذاك عندهم وأخرجه البيهقي في "الدلائل"، وإسناده واهٍ بمرة، آفته إبراهيم بن صِرْمَة الأنصاري، ضعَّفه الدارقطني وغيره، وقال ابن عدي: عامَّة أحاديثه منكرة السند والمتن. وقال ابن معين: كذّاب خبيث.

وله طريق آخر عند ابن سعد "1/ 335 - 236 و 237"، وطريق ثالث عند البيهقي في "الدلائل" يرتقي به الحديث إلى الحسن لغيره على أقلّ الأحوال، ولولا ضيق المقام لفصّلت الكلام على طرقه تفصيلًا يروي ظمأ عشّاق الحديث، فالله المستعان.

ص: 54

يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن أبي رهم، أن أبا أيوب حدثه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في بيتنا الأسفل، وكنت في الغرفة، فأهريق ماء في الغرفة، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء، ونزلت فقلت: يا رسول الله، لا ينبغي أن نكون فوقك، انتقل إلى الغرفة، فأمر بمتاعه فنقل ومتاعه قليل، قلت: يا رسول الله، كنت ترسل بالطعام، فأنظر، فإذا رأيت أثر أصابعك وضعت فيه يدي

(1)

.

بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن أبي أيوب قال: أقرعت الأنصار أيُّهم يؤوي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرعهم أبو أيوب، فكان إذا أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعام أهدي لأبي أيوب، فدخل أبو أيوب يومًا، فإذا قصعة فيها بصل، فلم يأكل منها، وقال:"إنه يغشاني ما لا يغشاكم"

(2)

.

الصنعاني، حدثنا محمد بن سابق، حدثنا حشرج بن نباتة، عن إسحاق بن إبراهيم، سمع أبا قلابة يقول: حدثني أبو عبد الله الصنابحي، أن عبادة بن الصامت حدَّثه قال: خلوت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أيّ أصحابك أحبّ إليك، قال:"اكتم علي حياتي" قلت: نعم، قال:"أبو بكر، ثم عمر، ثم علي"، ثم سكت فقلت: ثم مَن، قال:"مَنْ عسى أن يكون بعد هؤلاء إلَّا الزبير وطلحة وسعد وأبو عبيدة، ومعاذ، وأبو طلحة، وأبو أيوب، وأنت، وأُبَيّ بن كعب، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وابن عفان، وابن عوف، ثم هؤلاء الرهط من الموالي: سلمان وصهيب وبلال وسالم مولى أبي حذيفة، هؤلاء خاصَّتي". هذا حديث منكر، رواه الهيثم الشاشي في "مسنده".

(1)

صحيح لغيره: أخرجه أحمد "5/ 420" من طريق يونس، حدثنا ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، به.

قلت: سماع أبي رهم، وهو أحزاب بن أسيد، من أبي أيوب في القلب منه شيء، فإن سمع منه، فالإسناد صحيح، وإلا فهو ضعيف. وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني، ثقة.

وأخرجه مسلم "2053""171" من طريق أبي النعمان، حدثنا ثابت، حدثنا عاصم بن عبد الله بن الحارث، عن أفلح مولى أبي أيوب، عن أبي أيوب، به نحوه.

(2)

ضعيف: أخرجه "5/ 414"، حدثنا زكريا بن عديّ، أخبرنا بقية، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته بقية، وهو مدلِّس، وقد عنعنه.

ص: 55

الواقدي: حدثنا كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة، قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية، بات أبو أيوب على باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح فرأى رسول الله كَبَّر، ومع أبي أيوب السيف، فقال: يا رسول الله، كانت جارية حديثة عهد بعرس، وكنت قتلت أباها وأخاها وزوجها، فلم آمنها عليك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال له خيرًا.

غريب جدًّا، وله شويهد من حديث عيسى بن المحتار، وابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، فذكر قريبًا منه.

وأبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عمر بن أبي بكر، عن عبد الله بن أبي عبيدة، عن أبيه، عن مقسم عن جابر، بنحوه.

وابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، نحوه.

عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم قال: أعرست، فدعا أبي الناس فيهم أبو أيوب، وقد ستروا بيتي بجنادي أخضر، فجاء أبو أيوب فطأطأ رأسه، فنظر فإذا البيت مستر، فقال: يا عبد الله، تسترون الجدر، فقال أبي واستحيى: غلبنا النساء يا أبا أيوب، فقال: من خشيت أن تغلبه النساء، فلم أخش أن يغلبنّك، لا أدخل لكم بيتًا، ولا آكل لكم طعامًا!

غريب، رواه النفيلي عن ابن علية، عنه.

ابن أبي ذئب: عن عبد العزيز بن عباس، عن محمد بن كعب قال: كان أبو أيوب يخالف مروان فقال: ما يحملك على هذا؟ قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات، فإن وافقته وافقناك، وإن خالفته خالفناك.

مروان بن معاوية: عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن أبيه قال: انضمَّ مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري في البحر، وكان معنا رجل مزّاح، فكان يقول لصاحب طعامنا: جزاك الله خيرًا وبرًّا، فيغضب، فقلنا لأبي أيوب: هنا من إذا قلنا له: جزاك الله خيرًا يغضب، فقال: اقلبوه له. فكنَّا نتحدث: إنَّ من لم يصلحه الخير أصلحه الشر.

فقال له المزاح: جزاك الله شرًّا وعرًا، فضحك وقال: ما تدع مزاحك!

(1)

.

ذكر خليفة أن عليًّا استعمل أبا أيوب على المدينة.

(1)

ضعيف: آفته عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، ضعيف في حفظه، قوله "العُرّ": الأمر القبيح المكروه والأذى.

ص: 56

وقال الحاكم: لم يشهد أبو أيوب مع عليٍّ صفين.

الأعمش عن أبي ظبيان: أنَّ أبا أيوب غزا زمن معاوية، فلما احتضر قال: إذا صاففتم العدوّ فادفنوني تحت أقدامكم.

ابن فضيل: حدثنا إبراهيم الهجَري، عن أبي صادق قال: قدم أبو أيوب الأنصاري العراق، فأهدت له الأزد جزرًا معي، فسلّمت وقلت: يا أبا أيوب، قد أكرمك الله بصحبة نبيه، وبنزوله عليك، فمالي أراك تستقبل الناس تقاتلهم بسيفك؟ قال: إن رسول الله عهد إلينا أن نقاتل مع عليٍّ الناكثين، فقد قاتلناهم، والقاسطين، فهذا وجهنا إليهم، -يعني: معاوية والمارقين- فلم أرهم بعد. هذا خبر واهٍ

(1)

.

إسحاق بن سليمان الرازي: حدثنا أبو سنان، عن حبيب بن أبي ثابت: أنَّ أبا أيوب قدم على ابن عباس البصرة، ففرغ له بيته، وقال: لأصنعنَّ بك كما صنعت برسول الله صلى الله عليه وسلم، كم عليك? قال: عشرون ألفًا، فأعطاه أربعين ألفًا، وعشرين مملوكًا، ومتاع البيت.

ابن عون: حدثنا محمد، وحدثنا عمر بن كثير بن أفلح، وهذا حديثه قال: قدم أبو أيوب على معاوية فأجلسه معه على السرير، وحادثه وقال: يا أبا أيوب، من قتل صاحب الفرس البلقاء التي جعلت تجول يوم كذا وكذا? قال: أنا؛ إذ أنت وأبوك على الجمل الأحمر، معكما لواء الكفر، فنكس معاوية، وتنمر أهل الشام وتكلموا، فقال معاوية: مَهْ، وقال: ما نحن عن هذا سألناك.

أبو إسحاق الفزاري، عن إبراهيم بن كثير: سمعت عمارة بن غزية قال: دخل أبو أيوب على معاوية فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول:"يا معشر الأنصار، إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا"

(2)

. فبلغت معاوية فصدَّقه فقال: ما أجرأه، لا أكلمه أبدًا، ولا يئويني وإياه سقف. وخرج من فوره إلى الغزو، فمرض فعاده يزيد بن معاوية،

(1)

ضعيف: آفته إبراهيم بن مسلم الهجريّ، ضعَّفه ابن معين، والنسائي، وقال أبو حاتم: ليس بقوي.

(2)

صحيح لغيره: إسناده ضعيف لانقطاعه، عمارة بن غزية هو ابن الحارث الأنصاري، من الطبقة السادسة، وهي طبقة لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة.

وأخرجه البخاري "3792"، ومسلم "1845"، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة، عن أنس بن مالك، عن أسيد بن حضير رضي الله عنهم، أن رجلًا من الأنصار قال: يا رسول الله، ألا تستعملني كما استعملت فلانًا؟ قال:"ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".

ص: 57

وهو على الجيش، فقال: هل لك من حاجة? قال: ما ازددت عنك وعن أبيك إلَّا غنًى، إن شئت أن تجعل قبري مما يلي العدو

الحديث. الأعمش، عن أبي ظبيان قال: غزا أبو أيوب، فمرض فقال: إذا مت فاحملوني، فإذا صاففتم العدو فارموني تحت أقدامكم، أما إني سأحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول:"من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة"

(1)

. إسناده قوي.

جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه قال: أتيت مصر، فرأيت الناس قد قفلوا من غزوهم، فأخبروني أنهم لما كانوا عند انقضاء مغزاهم؛ حيث يراهم العدو، حضر أبا أيوب الموت، فدعا الصحابة والناس فقال: إذا قبضت فلتركب الخيل ثم سيروا حتى تلقوا العدو فيردوكم، فاحفروا لي وادفنوني، ثم سووه، فلتطأ الخيل والرجال عليه حتى لا يعرف، فإذا رجعتم فأخبروا الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني:"أنه لا يدخل النار أحد يقول: لا إله إلَّا الله"

(2)

.

قال الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز: أغزى معاوية ابنه في سنة خمس وخمسين في البر والبحر حتى أجاز بهم الخليج وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل.

وعن الأصمعي عن أبيه: أن أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية، وبني عليه فلما أصبحوا، قالت الروم: يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة شأن. قالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا والله لئن نبش لا ضرب بناقوس في بلاد العرب. فكانوا إذا قحطوا، كشفوا عن قبره فأمطروا.

قال الواقدي: مات أبو أيوب سنة اثنتين وخمسين، وصلى عليه يزيد ودفن بأصل حصن القسطنطينية. فلقد بلغني أن الروم يتعاهدون قبره ويستسقون به

(3)

.

وقال خليفة: مات سنة خمسين. وقال يحيى بن بكير: سنة اثنتين وخمسين.

(1)

صحيح لغيره: تقدم تخريجنا له برقم تعليق "115".

(2)

صحيح لغيره: في إسناده قابوس بن أبي ظبيان، قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوى. قال أحمد: ليس بذلك.

لكن الحديث يشهد له ما قبله.

(3)

ضعيف جدًّا: آفته محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا مرارًا.

ص: 58

‌180 - عبد الله بن سلام

(1)

: " ع"

ابن الحارث، الإمام الحبر، المشهود له بالجنة، أبو الحارث الإسرائيلي، حليف الأنصار، من خواصِّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

حدَّث عنه: أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن معقل، وعبد الله بن حنظلة بن الغسيل، وابناه: يوسف ومحمد، وبشر بن شغاف، وأبو سعيد المقرئ، وأبو بردة بن أبي موسى، وقيس بن عباد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار، وزرارة بن أوفى، وآخرون.

وكان فيما بلغنا ممن شهد فتح بيت المقدس. نقله الواقدي.

قال محمد بن سعد: اسمه الحصين، فغيِّره النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله.

وروى قيس بن الربيع -وهو ضعيف- عن عاصم، عن الشعبي قال: أسلم عبد الله بن سلام قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامين. فهذا قول شاذّ مردود بما في "الصحيح" من أنه أسلم وقت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقدومه.

قال ابن سعد: هو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وهو حليف القواقلة.

قال: وله إسلام قديم بعد أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهو من أحبار اليهود.

قال عوف الأعرابي: حدَّثنا زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن سلام، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، انجفل الناس عليه، وكنت فيمن انجفل، فلمَّا رأيته عرفت أنَّ وجهه ليس بوجه كذاب. فكان أول شيء سمعته يقول:"يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنَّة بسلام"

(2)

.

وروى حميد، عن أنس: أنَّ عبد الله بن سلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه إلى المدينة، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمها إلَّا نبي، ما أوّل أشراط الساعة? وما أوّل ما يأكل أهل الجنة? ومن أين يشبه الولد أباه وأمه?

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "2/ 352"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 29"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 288"، أسد الغابة "3/ 264"، الإصابة "2/ ترجمة 3557"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 437"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3557".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 451"، والترمذي "2487"، وابن ماجه "3251"، والدارمي "1/ 340" من طريق عوف بن أبي جميلة، عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن سلام.

ص: 59

فقال: "أخبرني بهنَّ جبريل آنفًا" قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة. قال: "أما أوّل أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق، فتحشر الناس إلى المغرب، وأمَّا أول ما يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما الشبه: فإذا سبق ماء الرجل نزع إليه الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزع إليها" قال: أشهد أنك رسول الله.

وقال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بُهْت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي بهتوني، فأرسل إليهم فسلهم عنِّي.

فأرسل إليهم فقال: "أيّ رجل ابن سلام فيكم"؟ قالوا: حبرنا وابن حبرنا وعالمنا وابن عالمنا. قال: "أرأيتم إن أسلم تسلمون"؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. قال: فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله، فقالوا: شرّنا وابن شرِّنا؛ وجاهلنا وابن جاهلنا، فقال: يا رسول الله، ألم أخبرك أنَّهم قوم بهت

(1)

.

عبد الوارث: حدَّثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: أقبل نبيّ الله إلى المدينة، فقالوا: جاء نبي الله. فاستشرفوا ينظرون، وسمع ابن سلام -وهو في نخل يخترف- فعجل قبل أن يضع التي يخترف فيها، فسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى أهله.

فلما خلا نبي الله، جاء فقال: أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق، ولقد علمت اليهود أني سيدهم، وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فسلهم عنِّي قبل أن يعلموا أنِّي قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيَّ ما ليس فيّ، فأرسل إليهم فجاءوا فقال:"يا معشر اليهود، ويلكم! اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنِّي رسول الله حقًّا، وأني جئتكم بحق فأسلموا". قالوا: ما نعلمه. قال: "فأي رجل فيكم ابن سلام"؟ قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال:"أفرأيتم إن أسلم"؟ قالوا: حاشى لله، ما كان ليسلم، فقال:"اخرج عليهم". فخرج عليهم وقال: ويلكم، اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقًّا. قالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، عن ابن

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "3/ 108"، والبخاري "3329" و"3938" و"4480"، والبيهقي في "الدلائل""2/ 528 - 529"، والبغوي "3769" من طريق عن حميد، عن أنس بن مالك، به.

قوله: "بُهْت": البهت: الكذب والافتراء، والمراد أنهم كذَّابون مفترون.

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "3/ 211"، والبخاري "3911"، والبيهقي "2/ 526 - 528" من طريق عبد الوارث بن سعيد العنبري، عن عبد العزيز بن صهيب، به. قوله:"يخترف": أي يجتني.

ص: 60

عباس: إنَّ هذه الآية نزلت في ابن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسد بن عبيد:{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ}

(1)

[آل عمران: 113 - 114].

مالك، عن سالم أبي النضر، عن عامر بن سعد، عن أبيه: قال: ما سمعت رسول الله يقول لأحد: إنه من أهل الجنة إلَّا لعبد الله بن سلام، وفيه نزلت:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10]

(2)

.

حماد: حدثنا عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل من هذا الفجّ رجل من أهل الجنة"، فجاء ابن سلام

(3)

.

وجاء من غير وجه: أنه رأى رؤيا، فقصَّها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له:"تموت وأنت مستمسك بالعروة الوثقى"

(4)

إسنادها قوي.

قال ابن سعد: أخبرنا حماد بن عمرو، حدثنا زيد بن رفيع، عن معبد الجهني، عن يزيد بن عميرة، أنه لما احتضر معاذ قعد يزيد عند رأسه يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: أبكي لما فاتني من العلم، قال: إن العلم كما هو لم يذهب، فاطلبه عند أربعة، فسمَّاهم، وفيهم: عبد الله بن سلام، الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه:"هو عاشر عشرة في الجنة"

(5)

.

(1)

ضعيف: أخرجه ابن جرير في "تفسيره""7644" و "7645" من طريق ابن إسحاق، به. وإسناده ضعيف، آفته ابن إسحاق، وهو مدلّس، وقد عنعنه.

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 169"، والبخاري "3812"، ومسلم "2483" من طريق مالك، عن أبي النضر سالم، به.

(3)

حسن: أخرجه أحمد "1/ 169 و 183"، والبزار "2712"، والحاكم "3/ 416"، من طرق، عن حمَّاد ابن سلمة، به.

قلت: إسناده حسن، عاصم بن بهدلة هو ابن أبي النجود الأسدي، صدوق، وحديثه في الصحيحين مقرون.

(4)

صحيح: أخرجه البخاري "7014" من طريق ابن عون، عن محمد بن سيرين، حدثنا قيس بن عبد، عن عبد الله بن سالم، قال: رأيت كأنِّي في روضة، ووسط الروضة عمود، في أعلى العمود عروة، فقيل لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، فأتاني وصيف فرفع ثيابي فرقيت، فاستمسكت بالعروة، فانتبهت وأنا مستمسك بها، فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة العروة الوثقى، لا تزال مستمسكًا بالإسلام حتى تموت".

(5)

صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف جدًّا، أخرجه ابن سعد "2/ 352 - 353"، وآفته حمَّاد بن عمرو، وهو أبو إسماعيل النصيبي، قال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" "3/ ترجمة 634" وقال: منكر الحديث، ضعيف الحديث جدًّا. لكن الحديث يصح بالطريق الآتي.

ص: 61

البخاري في "تاريخه": حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة الزبيدي، قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: أوصنا يا أبا عبد الرحمن، قال: التمسوا العلم عند أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام، الذي أسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إنه عاشر عشرة في الجنة"

(1)

.

{وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43] قال مجاهد: هو عبد الله بن سلام.

قال إبراهيم بن أبي يحيى: حدثنا معاذ بن عبد الرحمن، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني قد قرأت القرآن والتوراة، فقال:"اقرأ بهذا ليلة، وبهذا ليلة". إسناده ضعيف

(2)

.

فإن صحَّ ففيه رخصة في التكرار على التوراة التي لم تبدل، فأمَّا اليوم فلا رخصة في ذلك؛ لجواز التبديل على جميع نسخ التوراة الموجودة، ونحن نعظّم التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام ونؤمن بها، فأمَّا هذه الصحف التي بأيدي هؤلاء الضلّال، فما ندري ما هي أصلًا. ونقف فلا نعاملها بتعظيم ولا بإهانة، بل نقول: آمنَّا بالله وملائكته وكتبه ورسله، ويكفينا في ذلك الإيمان المجمل، ولله الحمد.

عكرمة بن عمار، عن محمد بن القاسم، قال: زعم عبد الله بن حنظلة أنَّ عبد الله بن سلام مَرَّ في السوق عليه حزمة من حطب، فقيل له: أليس أغناك الله? قال: بلى، ولكن أردت أن أقمع الكبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر"

(3)

.

اتفقوا على أن ابن سلام توفي سنة ثلاث وأربعين.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 242 - 243"، والبخاري في تاريخه الصغير "1/ 73"، والترمذي "3804"، والنسائي في فضائل الصحابة "149"، والحاكم "3/ 270 و 416"، والطبراني "8514" و"20/ 229" من طريق معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني به.

قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات.

(2)

موضوع: آفته إبراهيم بن أبي يحيى، قال فيه ابن معين ويحيى القطان: كذَّاب، وقال أحمد بن حنبل: تركوا حديثه، وقال البخاري: تركه ابن المبارك والناس، وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك.

(3)

صحيح لغيره: أخرجه الحاكم "3/ 416" من طريق سالم بن إبراهيم صاحب المصاحف، عن عكرمة ابن عمار، به.

وقال الحاكم: صحيح. وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: سالم واهٍ" والحديث صحيح دون القصة، فقد ورد عن عبد الله بن مسعود، أخرجه ابن أبي شيبة "9/ 89"، وأحمد "1/ 412 و 416"، ومسلم "91""148"، وأبو داود "4091"، والترمذي "1998"، والطبراني "10000 و 10001"، وأبو عوانة في "مسنده"، "1/ 17"، وابن منده "542" من طرق عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، به.

ص: 62

وقد ساق الحافظ ابن عساكر ترجمته في بضع عشرة ورقة.

الواقدي، عن أبي معشر، عن المقبري، وآخر: أنَّ ابن سلام كان اسمه: الحصين، فغيِّره النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله.

يزيد بن هارون، وجماعة قالوا: حدثنا حميد، عن أنس، أنَّ عبد الله بن سلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة .... الحديث، وفيه قالوا: شرنا وابن شرنا ........... ، ونحو ذلك.

قال: يقول عبد الله: يا رسول الله، هذا الذي كنت أخاف

(1)

.

حمَّاد بن سلمة، عن ثابت وحميد، عن أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه ابن سلام، فقال: سائلك عن أشياء لا يعلمها إلَّا نبي، فإن أخبرتني بها آمنت بك

الحديث

(2)

.

هوذة: حدثنا عوف، عن الحسن قال: عبد الله بن سلام قال: أشهد أن اليهود يجدونك عندهم في التوراة، ثم أرسل إلى فلان وفلان نفر سمَّاهم، فقال:"ما عبد الله بن سلام فيكم وما أبوه"؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وعالمنا وابن عالمنا. قال:"أرأيتم إن أسلم أتسلمون"؟. قالوا: إنه لا يسلم، فدعاه فخرج عليهم وتشهَّد، فقالوا: يا عبد الله، ما كنَّا نخشاك على هذا، وخرجوا.

وأنزل الله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف: 10].

إسحاق الأزرق: حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن قيس بن عباد قال: كنت في مسجد المدينة، فجاء رجل بوجهه أثر من خشوع، فقال القوم: هذا من أهل الجنة، فصلى ركعتين فأوجز فيهما، فلما خرج اتبعته حتى دخل منزله، فدخلت معه، فحدثته، فلما

(1)

صحيح: تقدَّم تخريجنا له برقم "127" و"128".

(2)

صحيح: سبق تخريجه له برقم "127".

ص: 63

استأنس، قلت: إنهم قالوا لما دخلت المسجد: كذا، وكذا. قال: سبحان الله، ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك: إني رأيت رؤيا فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم، رأيت كأنِّي في روضة خضراء، وسطها عمود حديد، أسفله في الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: اصعد عليه، فصعدت حتى أخذت بالعروة، فقيل: استمسك بالعروة، فاستيقظت وإنها لفي يدي، فلمَّا أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصصتها عليه، فقال:"أما الروضة فروضة الإسلام، وأما العمود فعمود الإسلام، وأما العروة فهي العروة الوثقى، أنت على الإسلام حتى تموت". قال: وهو عبد الله بن سلام

(1)

.

حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن المسيب بن رافع، عن خرشة بن الحر، قال: قدمت المدينة فجلست إلى شيخة في المسجد، فجاء شيخ يتوكأ على عصا له، فقال رجل: هذا رجل من أهل الجنة، فقام خلف سارية فصلَّى ركعتين، فقمت إليه، فقلت: زعم هؤلاء أنك من أهل الجنة، فقال: الجنة لله يدخلها من يشاء، إني رأيت على عهد رسول الله رؤيا؛ رأيت كأنَّ رجلًا أتاني فقال: انطلق، فسلك بي في منهج عظيم، فبينا أنا أمشي؛ إذ عرض لي طريق عن شمالي، فأردت أن أسلكها، فقال: إنك لست من أهلها، ثم عرضت لي طريق عن يميني، فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل زلق، فأخذ بيدي، فرحل بي، فإذا أنا على ذروته، فلم أتقارّ ولم أتماسك، وإذا عمود من حديد، في أعلاه عروة من ذهب، فأخذ بيدي، فرحل بي حتى أخذت بالعروة، فقال لي: استمسك بالعروة. فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"رأيت خيرًا، أما المنهج العظيم فالمحشر، وأما الطريق التي عرضت عن شمالك فطريق أهل النار، ولست من أهلها، وأما التي عن يمينك فطريق أهل الجنة، وأما الجبل الزلق فمنزل الشهداء، وأما العروة فعروة الإسلام، فاستمسك بها حتى تموت" وهو عبد الله بن سلام

(2)

.

جرير، عن الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة، قال: كنت جالسًا في حلقة فيهم ابن سلام يحدثهم؛ فلمَّا قام قالوا: من سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فتبعته فسألته

فذكر الحديث بطوله

(3)

. وهو صحيح.

(1)

صحيح: مَرَّ تخريجنا له برقم "132".

(2)

حسن: أخرجه أحمد "5/ 452 - 453"، وابن ماجه "3920" من طريق حمَّاد بن سلمة، به. وإسناده حسن، عاصم بن بهدلة هو ابن أبي النجود، صدوق. قوله:"أتقارّ" أي: استقر.

(3)

صحيح: أخرجه مسلم "2484""150" من طريق جرير، عن الأعمش، به.

ص: 64

وروى بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام: أنه شهد فتح نهاوند.

قال أيوب، عن ابن سيرين، قال: نُبِّئتُ أن عبد الله بن سلام قال: إن أدركني، وليس لي ركوب فاحملوني، حتى تضعوني بين الصفين -يعني: قبال الأعماق.

محمد بن مصعب: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: كان عبد الله بن سلام إذا دخل المسجد سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم افتح لنا أبواب رحمتك، وإذا خرج سلّم على النبي صلى الله عليه وسلم وتعوّذ من الشيطان

(1)

.

حفص بن غياث: عن أشعث، عن أبي بردة بن أبي موسى قال: أتيت المدينة، فإذا عبد الله بن سلام جالس في حلقة متخشعًا، عليه سيماء الخير، فقال: يا أخي، جئت ونحن نريد القيام، فأذنت له، أو قلت: إذا شئت، فقام فاتبعته، فقال: من أنت? قلت: أنا ابن أخيك، أنا أبو بردة ابن أبي موسى، فرحَّب بي وسألني وسقاني سويقًا، ثم قال: إنكم بأرض الريف، وإنكم تسالفون الدهاقين، فيهدون لكم حملان القت والدواخل، فلا تقربوها، فإنها نار.

قد مَرَّ موت عبد الله في سنة ثلاث وأربعين بالمدينة، وأرَّخه جماعة.

أخبرنا عمر بن محمد العمريّ، وجماعة قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو الوقت السجزي، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو محمد بن حموية، أخبرنا عيسى بن عمر، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن الدرامي، أخبرنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله لعملنا، فأنزل الله:{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1 - 2]. حتى ختمها، قال: فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها، قال أبو سلمة: فقرأها علينا عبد الله بن سلام، قال يحيى: فقرأها علينا أبو سلمة،

(1)

ضعيف: آفته محمد بن مصعب القرقساني، قال صالح جزرة: عامَّة أحاديثه عن الأوزاعي مقلوبة، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال النسائي: ضعيف.

والصحيح الثابت من حديث أبي حميد، أو عن أبي أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك".

أخرجه مسلم "713" واللفظ له، وأبو داود "465"، وابن ماجه "772" عن أبي حميد، أو عن أبي أسيد، به.

ص: 65

فقرأها علينا يحيى، فقرأها علينا الأوزاعي، فقرأها علينا محمد، فقرأها علينا الدارمي، فقرأها علينا عيسى، فقرأها علينا ابن حموية، فقرأها علينا الداودي، فقرأها علينا أبو الوقت، فقرأها علينا عبد الله بن عمر.

قلت: فقرأها علينا شيوخنا.

صفوان بن عمرو الحمصي: حدثنا عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن عوف بن مالك قال: انطلق نبي الله وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود، فقال:"أروني يا معشر يهود اثني عشر رجلًا يشهدون أن محمدًا رسول الله، يحط الله عنكم الغضب" فأسكتوا، ثم أعاد عليهم فلم يجبه أحد.

قال: "فوالله، لأنا الحاشر، وأنا العاقب

(1)

، وأنا المصطفى، آمنتم أو كذَّبتم"، فلمَّا كاد يخرج، قال رجل: كما أنت يا محمد، أيّ رجل تعلمونني فيكم? قالوا: ما فينا أعلم منك، قال: فإني أشهد بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة، فقالوا: كذبت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبتم".

قال: فخرجنا ونحن ثلاثة، وأنزلت:{أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ} [الأحقاف: 10].

وفي الصحيح نحوه من حديث أنس بن مالك، وهو عبد الله -يعني: ابن سلام.

(1)

الحاشر: أي الذي يحشر الناس خلفه، وعلى ملته دون ملة غيره. العاقب: هو آخر الأنبياء.

ص: 66

‌181 - زيد بن ثابت

(1)

: " ع"

ابن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة.

الإمام الكبير، شيخ المقرئين والفرضيين

(2)

، مفتي المدينة، أبو سعيد، وأبو خارجة الخزرجي، النجاري الأنصاري، كاتب الوحي رضي الله عنه.

حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن صاحبيه، وقرأ عليه القرآن بعضه أو كله، ومناقبه جمة.

حدَّث عنه: أبو هريرة، وابن عباس -وقرآ عليه، وابن عمر، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد، وأبو أمامة بن سهل، وعبد الله بن يزيد الخطمي، ومروان بن الحكم، وسعيد بن المسيب، وقبيصة بن ذؤيب، وابناه: الفقيه خارجة وسليمان، وأبان بن عثمان، وعطاء بن يسار وأخوه سليمان بن يسار، وعبيد بن السباق، والقاسم بن محمد، وعروة، وحجر المدري، وطاوس، وبسر بن سعيد، وخلق كثير.

وتلا عليه ابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، وغير واحد.

وكان من حملة الحجة، وكان عمر بن الخطاب يستخلفه -إذا حج- على المدينة.

وهو الذي تولَّى قسمة الغنائم يوم اليرموك، وقد قُتِلَ أبوه قبل الهجرة يوم بعاث، فربِّيَ زيد يتيمًا، وكان أحد الأذكياء، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم أسلم زيد وهو ابن إحدى عشرة سنة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلَّم خط اليهود ليقرأ له كتبهم، قال:"فإني لا آمنهم".

قال ابن سعد: ولد زيد بن ثابت سعيدًا، وبه كان يكنَّى، وأمه أم جميل.

وولد لزيد: خارجة، وسليمان، ويحيى، وعمارة، وإسماعيل، وأسعد، وعبادة، وإسحاق، وحسنة، وعمرة، وأم إسحاق، وأم كلثوم، وأمَّ هؤلاء أم سعد ابنة سعد بن الربيع أحد البدريين.

وولد له: إبراهيم، ومحمد، وعبد الرحمن، وأمّ حسن، من عمرة بنت معاذ بن أنس، وولد له: زيد، وعبد الرحمن، وعبيد الله، وأم كلثوم، لأم ولد. وسليط، وعمران، والحارث، وثابت، وصفية، وقريبة، وأم محمد لأمّ ولد.

قال البخاري ومسلم والنسائي: زيد يكنَّى أبا سعيد، ويقال: أبو خارجة.

وقال محمد بن أحمد المقدمي: له كنيتان.

روى خارجة عن أبيه، قال: قدم النبي -عليه الصلاة السلام- المدينة وأنا ابن إحدى عشرة سنة، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلّم كتابة يهود، قال: وكنت أكتب فأقرأ إذا كتبوا إليه.

ابن أبي الزناد: عن أبيه، عن خارجة، عن أبيه قال: أتي بي النبي صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة، فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، وقد قرأ مما أنزل عليك سبع عشرة سورة، فقرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعجبه ذلك، وقال:"يا زيد، تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمنهم على كتابي".

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "2/ 358"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 1278"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 2524"، وأسد الغابة "2/ 278"، الإصابة "1/ ترجمة 2880" تهذيب التهذيب "3/ ترجمة 731"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2245".

(2)

الفرضي: هو العالم بالفرائض والمواريث.

ص: 67

قال: فتعلمته، فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته، وكنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كتب إليهم

(1)

.

الأعمش، عن ثابت بن عبيد، قال زيد: قال لي رسول الله: "أتحسن السريانية". قلت: لا، قال:"فتعلمها" فتعلمتها في سبعة عشر يومًا

(2)

.

الوليد بن أبي الوليد: حدثنا سليمان بن خارجة بن زيد، عن أبيه، عن جده، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي بعث إلي فكتبته

(3)

.

يرويه الليث، عنه.

أبو إسحاق، عن البراء، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ادع لي زيدًا، وقل له يجيء بالكتف والدواة" قال: فقال: "اكتب {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 84] ........... ، وذكر الحديث

(4)

.

أخبرنا محمد بن عبد السلام، عن زينب بنت عبد الرحمن الشعرية، أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن زينب وعبد المعز الهروي قالا: أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو أحمد الحاكم، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي -هو ابن الجعد، أخبرنا ابن أبي ذئب، عن شرحبيل -يعني: ابن سعد- قال: كنت مع زيد بن ثابت بالأسواف، فأخذ طيرًا، فدخل زيد قال: فدفعوا في يدي وفروا، فأخذ الطير فأرسله، ثم ضرب في قفاي وقال: لا أمَّ لك، ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّم ما بين لابتيها

(5)

.

شرحبيل: فيه لين ما.

(1)

حسن: أخرجه أحمد "5/ 186"، وأبو داود "3645"، والترمذي "2716"، والطبراني "4856" و"4857" من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، به.

قلت: إسناده حسن، عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق.

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 182"، والحاكم "3/ 422"، والطبراني "4928" من طريق جرير، عن الأعمش، به.

(3)

ضعيف: أخرجه الطبراني "4882" من طريق عبد الله بن صالح، عن الليث، به. وإسناده ضعيف، آفته عبد الله بن صالح، وهو ابن محمد بن مسلم الجهني، أبو صالح المصري، كاتب الليث، سيئ الحفظ.

(4)

صحيح: أخرجه البخاري "4990"، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، به.

(5)

صحيح لغيره: أخرجه أحمد "5/ 181 و 192"، والطبراني "4910"، والبيهقي "5/ 199"، وآفته شرحبيل بن سعد، قال ابن معين: ضعيف، وقال مالك: ليس بثقة، لكن للحديث شاهد عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ:"ما بين لابتيها حرام" أخرجه مسلم "1372".

ص: 68

وقال عبيد بن السباق: حدثني زيد أن أبا بكر قال له: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه.

فقلت: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم!.

قال: هو -والله- خير.

فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فكنت أتتبع القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال

(1)

.

قال أنس: جَمعَ القرآن على عهد رسول الله أربعة كلهم من الأنصار: أُبَيّ، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد

(2)

.

خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أفرض أمتي زيد بن ثابت"

(3)

.

وجاء نحوه من حديث ابن عمر.

مندل بن علي، عن ابن جريج، عن محمد بن كعب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفرض أمتي زيد بن ثابت".

وقال الترمذي: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن داود العطار، عن معمر، عن قتادة، عن أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر"، الحديث وفيه:"وأفرضهم زيد بن ثابت".

هذا غريب، وحديث الحذاء صحَّحه الترمذي

(4)

.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "4986" من طريق ابن شهاب، عن عبيد السباق، عن زيد بن ثابت، به في حديث طويل.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "5003"، حدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام، حدثنا قتادة قال: سألت أنس ابن مالك رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فذكره.

(3)

صحيح: أخرجه ابن سعد "2/ 359"، أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا خالد الحذاء، به.

(4)

صحيح: أخرجه الترمذي "3790" من طريق سفيان بن وكيع، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته سفان بن وكيع بن الجراح، قال البخاري: يتكلمون فيه لأشياء لقَّنوه إياها. وقال أبو زرعة: يتهم بالكذب، قال أبو أحمد: له حديث كثير، وإنما بلاؤه أنه كان يتلقَّن ما لقّن.

ولكن قد أخرجه الترمذي "3791"، وابن ماجه "154" من طريق عبد الوهاب الثقفي، حدثنا خالد، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك، به، وأخرجه أحمد "3/ 184"، وابن ماجه "155"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار""1/ 351"، وأبو نعيم في "الحلية""3/ 122"، والبيهقي "6/ 210"، والبغوي "3930" من طريق سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، به.

ص: 69

قلت: بتقدير صحة: "أفرضهم زيد وأقرأهم أبيّ" لا يدل على تحتّم تقليده في الفرائض، كما لا يتعين تقليد أُبَيّ في قراءته، وما انفرد به.

روى عاصم عن الشعبي قال: غلب زيد الناس على اثنتين: الفرائض، والقرآن.

ويروى عن زيد قال: أجازني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، وكساني قبطية

(1)

.

وعنه قال: أجزت في الخندق، وكانت وقعة بعاث وأنا ابن ست سنين.

داود بن أبي هند: عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: لما توفي رسول الله قام خطباء الأنصار، فتكلموا، وقالوا: رجل منَّا ورجل منكم، فقام زيد بن ثابت فقال: إن رسول الله كان من المهاجرين، ونحن أنصاره، وإنما يكون الإمام من المهاجرين، ونحن أنصاره.

فقال أبو بكر: جزاكم الله خيرًا يا معشر الأنصار، وثبت قائلكم، لو قلتم غير هذا ما صالحناكم.

هذا إسناد صحيح. رواه الطيالسي في "مسنده". عن وهيب عنه.

روى الشعبي، عن مسروق، قال: كان أصحاب الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر، وعلي، وابن مسعود وزيد، وأُبَيّ، وأبو موسى.

مجالد عن الشعبي، قال: القضاة أربعة: عمر، وعلي، وزيد، وابن مسعود.

وعن القاسم بن محمد: كان عمر يستخلف زيدًا في كل سفر.

وعن سالم: كنا مع ابن عمر يوم مات زيد بن ثابت، فقلت: مات عالم الناس اليوم، فقال ابن عمر: يرحمه الله، فقد كان عالم الناس في خلافة عمر وحبرها، فرقهم عمر في البلدان، ونهاهم أن يفتوا برأيهم، وحبس زيد بن ثابت بالمدينة يفتي أهلها.

وعن سليمان بن يسار، قال: ما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحدًا في الفرائض والفتوى والقراءة والقضاء.

(1)

القبطية: الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء، وكأنه منسوب إلى القبط، وهم أهم مصر. والحديث أخرجه الطبراني "4743، وهو ضعيف، آفته إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد، وهو ضعيف. قال البخاري: منكر الحديث. وضعَّفه النسائي وغيره.

ص: 70

وعن يعقوب بن عتبة: أنَّ عمر استخلف زيدًا، وكتب إليه من الشام: إلى زيد بن ثابت من عمر.

قال خارجة بن زيد: كان عمر يستخلف أبي، فقلَّمَا رجع إلَّا أقطعه حديقة من نخل.

الواقدي: حدَّثنا الضحاك بن عثمان، عن الزهري قال: قال ثعلبة ابن أبي مالك: سمعت عثمان يقول: من يعذرني من ابن مسعود؟ غضب إذ لم أُوَلِّه نسخ المصاحف! هلّا غضب على أبي بكر وعمر؛ إذ عزلاه عن ذلك ووليَّا زيدًا، فاتبعت فعلهما

(1)

.

مغيرة عن الشعبي قال: تنازع أبي وعمر في جداد نخل، فبكى أبي ثم قال: أفي سلطانك يا عمر؟ قال: اجعل بيني وبينك رجلًا، قال أبي: زيد. فانطلقا حتى دخلا عليه فتحاكما إليه، فقال: بينتك يا أبي، قال: ما لي بينة، قال: فأعف أمير المؤمنين من اليمين، فقال عمر: لا تعف أمير المؤمنين من اليمين إن رأيتها عليه.

وتابعه سيار، عن الشعبي.

عبد الواحد بن زياد: حدَّثنا حجاج، عن نافع قال: استعمل عمر زيدًا على القضاء، وفرض له رزقًا.

الواقدي: حدَّثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، وآخر قالا: لما حصر عثمان، أتاه زيد بن ثابت، فدخل عليه الدار. فقال له عثمان: أنت خارج الدار أنفع لي منك ههنا، فذُبَّ عنِّي، فخرج فكان يذُبُّ الناس ويقول لهم فيه، حتى رجع أناس من الأنصار، وجعل يقول: يا للأنصار، كونوا أنصار لله مرتين، انصروه، والله إنَّ دمه لحرام.

فجاء أبو حية المازني مع ناس من الأنصار، فقال: ما يصلح معك أمر، فكان بينهما كلام وأخذ بتلبيب زيد هو وأناس معه، فمرَّ به ناس من الأنصار، فلمَّا رأوهم أرسلوه، وقال رجل منهم لأبي حية: أتصنع هذا برجل لو مات الليلة، ما دريت ما ميراثك من أبيك

(2)

.

قال الزهري: لو هلك عثمان وزيد في بعض الزمان لهلك علم الفرائض، لقد أتى على الناس زمان وما يعلمها غيرهما.

أخرجه الدارمي.

(1)

ضعيف جدًّا: آفته الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا مرارًا.

(2)

ضعيف جدًّا: آفته محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك.

ص: 71

وقال جعفر بن برقان: سمعت الزهري يقول: لولا أن زيد بن ثابت كتب الفرائض؛ لرأيت أنها ستذهب من الناس.

وروى سعيد بن عامر، عن حميد بن الأسود، قال: قال مالك: كان إمام الناس عندنا بعد عمر زيد بن ثابت، وكان إمام الناس عندنا بعد زيد ابن عمر.

قال أحمد بن عبد الله العجلي: الناس على قراءة زيد، وعلى فرض زيد.

وعن ابن عباس قال: لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنَّ زيد بن ثابت من الراسخين في العلم.

الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله، أنه كان يقول في أخوات لأب وأم، وإخوة وأخوات لأب: للأخوات للأب والأم الثلثان، فما بقي فللذكور دون الإناث.

فقَدِمَ مسروق المدينة، فسمع قول زيد فيها فأعجبه، فقال له بعض أصحابه: أتترك قول عبد الله فقال: أتيت المدينة، فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم -يعني: كان زيد يشرك بين الباقين.

محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، أنَّ ابن عباس قام إلى زيد بن ثابت، فأخذ له بركابه فقال: تنحَّ يا ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا.

قال علي بن المديني: لم يكن من الصحابة أحد له أصحاب حفظوا عنه وقاموا بقوله في الفقه إلَّا ثلاثة: زيد وعبد الله وابن عباس.

شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري: بلغنا أنَّ زيد بن ثابت كان يقول إذا سُئِلَ عن الأمر: أكان هذا؟ فإن قالوا نعم، حدَّث فيه بالذي يعلم، وإن قالوا: لم يكن، قال: فذروه حتى يكون.

موسى بن علي بن رباح، عن أبيه قال: كان زيد بن ثابت إذا سأله رجل عن شيء قال: آلله كان هذا؟ فإن قال نعم تكلَّم فيه، وإلّا لم يتكلم.

الثوري، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي، أنَّ مروان دعا زيد بن ثابت وأجلس له قومًا خلف ستر، فأخذ يسأله وهم يكتبون، ففطن زيد فقال: يا مروان! أغدرًا؟ إنما أقول برأيي.

رواه إبراهيم بن حميد الرؤاسي، عن ابن أبي خالد نحوه، "وزاد": فمحوه.

ص: 72

هشام، عن ابن سيرين، قال: حجَّ بنا أبو الوليد، ونحن ولد سيرين سبعة، فمرَّ بنا على المدينة، فأدخلنا على زيد بن ثابت، فقال: هؤلاء بنو سيرين، فقال زيد: هؤلاء لأم، وهذان لأم، وهذان لأم، قال: فما أخطأ، وكان محمد ومعبد ويحيى لأم.

وروى الأعمش، عن ثابت بن عبيد، قال: كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في أهله، وأزمته عند القوم.

هشام، عن ابن سيرين قال: خرج زيد بن ثابت يريد الجمعة، فاستقبل الناس راجعين، فدخل دارًا فقيل له: فقال: إنه من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله.

حمَّاد بن زيد، عن يحيى بن سعيد قال: لما مات زيد بن ثابت، قال أبو هريرة: مات حبر الأمة، ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفًا

(1)

.

حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، قال: لما مات زيد، جلسنا إلى ابن عباس في ظلٍّ فقال: هكذا ذهاب العلماء، دُفِنَ اليوم علم كثير.

الواقدي، حدَّثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: لما مات زيد بن ثابت، وصلى عليه مروان، ونزل نساء العوالي، وجاء نساء الأنصار، فجعل خارجة يذكرهنَّ الله: لا تبكين عليه، فقلن: لا نسمع منك، ولنبكينَّ عليه ثلاثًا، وغلبنه.

قال الواقدي: وأرسل مروان بجزر فنحرت، وأطعموا الناس.

وفيه يقول حسان بن ثابت:

فمن للقوافي بعد حسّان وابنه

ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت

وقال جرير بن حازم: حدَّثنا قيس به سعد، عن مكحول: أنَّ عبادة ابن الصامت دعا نبطيًّا يمسك دابته عند بيت المقدس فأبى، فضربه فشجَّه، فاستعدى عليه عمر، فقال: ما دعاك إلى ما صنعت بهذا، قال: أمرته فأبى، وأنا في حدة فضربته، فقال: اجلس للقصاص، فقال زيد بن ثابت: أتقيد لعبدك من أخيك? فترك عمر القود، وقضى عليه بالدية.

ومن جلالة زيد أنَّ الصديق اعتمد عليه في كتابة القرآن العظيم في صحف، وجمعه من

(1)

ضعيف: أخرجه ابن سعد "2/ 362"، من طريق عارم، عن حمَّاد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، به. وإسناده ضعيف لانقطاعٍ بين يحيى بن سعيد، وأبي هريرة.

ص: 73

أفواه الرجال، ومن الأكتاف والرقاع، واحتفظوا بتلك الصحف مدة، فكانت عند الصديق، ثم تسلَّمها الفاروق، ثم كانت بعد عند أم المؤمنين حفصة، إلى أن ندب عثمان زيد بن ثابت ونفرًا من قريش إلى كتاب هذا المصحف العثمانيّ الذي به الآن في الأرض أزيد من ألفي ألف نسخة، ولم يبق بأيدي الأمة قرآن سواه، ولله الحمد.

وقد اختلفوا في وفاة زيد رضي الله عنه على أقوال: فقال الواقدي -وهو إمام المؤرخين: مات سنة خمس وأربعين عن ست وخمسين سنة، وتبعه على وفاته يحيى بن بكير، وشباب، ومحمد بن عبد الله بن نمير.

وقال أبو عبيد: مات سنة خمس وأربعين، ثم قال: وسنة ست وخمسين أثبت.

وقال أحمد بن حنبل، وعمرو بن علي: سنة إحدى وخمسين.

وقال المدائني، والهيثم، ويحيى بن معين: سنة خمس وخمسين.

وقال أبو الزناد: سنة خمس وأربعين -فالله أعلم.

حفص

(1)

، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن قال: لم أخالف عليًّا في شيء من قراءته، وكنت أجمع حروف عليّ فألقى بها زيدًا في المواسم بالمدينة، فما اختلفا إلَّا في التابوت، كان زيد يقرأ بالهاء، وعلي بالتاء.

(1)

حفص: هو ابن سليمان، وهو حفص بن أبي داود، أبو عمر الأسدي، صاحب القراءة، وابن امرأة عاصم، روى عن شيخه في القراءة عاصم. قال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: متروك الحديث. وقال أبو حاتم: متروك لا يصدق. وقال ابن خراش: كذّاب يضع الحديث. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة. وقال ابن جبان: يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل.

ص: 74

‌182 - تميم الداري

(1)

: " م، (4) "

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو رقية تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة اللخمي، الفلسطيني.

والدار: بطن من لخم، ولخم فخذ من يعرب بن قحطان.

وَفَدَ تميم الداري سنة تسع، فأسلم، فحدَّث عنه النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر بقصة الجساسة في أمر الدجال

(2)

.

ولتميم عدة أحاديث، وكان عابدًا، تلَّاءً لكتاب الله.

حدَّث عنه: ابن عباس، وابن موهب عبد الله، وأنس بن مالك، وكثير ابن مرة، وعطاء بن يزيد الليثي، وزرارة بن أوفى، وشهر بن حوشب، وآخرون.

قال ابن سعد: لم يزل بالمدينة حتى تحوّل بعد قتل عثمان إلى الشام.

قال البخاري: هو أخو أبي هند الداري، قال ابن سعد: كان وفد الداريين عشرة، فيهم تميم.

قال ابن جريج: قال عكرمة: لما أسلم تميم قال: يا رسول الله، إن الله مظهرك على الأرض كلها، فهب لي قريتي من بيت لحم، قال:"هي لك" وكتب له بها.

قال: فجاء تميم بالكتاب إلى عمر، فقال: أنا شاهد ذلك فأمضاه، وذكر الليث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"ليس لك أن تبيع".

قال: فهي في أيدي أهله إلى اليوم.

قال الواقدي: ليس للنبي صلى الله عليه وسلم قطيعة سوى: حبرى، وبيت عينون، أقطعهما تميمًا وأخاه نعيمًا.

وفي "الصحيح" من حديث ابن عباس قال: خرج سهمي مع تميم الداري، وعدي بن بداء، فمات بأرض كفر، فقدما بتركته، ففقدوا جامًا من فضة، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وجدوا الجام بمكة، فقيل: اشتريناه من تميم وعدي.

فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا: لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأنَّ الجام لصاحبهم، وفيهم نزلت آية:{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 110]

(3)

.

قال قتادة: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 45] قال: سلمان، وابن سلّام، وتميم الداري.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 408"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2016"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 1754"، أسد الغابة "1/ 256"، والإصابة "1/ ترجمة 837"، وتهذيب "1/ ترجمة 951".

(2)

صحيح: حديث الجسَّاسة أخرجه مسلم "2942" في حديث طويل.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "2780" من طريق يحيى بن آدم، حدثنا ابن أبي زائدة، عن محمد بن أبي القاسم، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس، به.

ص: 75

وروى قرة، عن ابن سيرين، قال: جمع القرآن على عهد رسول الله: أُبَيّ وعثمان وزيد وتميم الداري.

وروى أبو قلابة، عن أبي المهلب: كان تميم يختم القرآن في سبع.

وروى عاصم الأحول، عن ابن سيرين: إن تميمًا الداري كان يقرأ القرآن في ركعة.

وروى أبو الضحى، عن مسروق: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري، صلى ليلة حتى أصبح، أو كاد يقرأ آية يرددها ويبكي:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: 20].

أبو نباتة يونس بن يحيى، عن المنكدر بن محمد، عن أبيه: إن تميمًا الداري نام ليلة لم يقم يتهجَّد، فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع.

سعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن رجل قال: أتيت تميمًا الداري فحدَّثنا، فقلت: كم جزؤك؟ قال: لعلك من الذين يقرأ أحدهم القرآن ثم يصبح فيقول: قد قرأت القرآن في هذه الليلة، فوالذي نفسي بيده، لأن أصلي ثلاث ركعات نافلة أحبَّ إليَّ من أن أقرأ القرآن في ليلة، ثم أصبح فأخبر به، فلما أغضبني، قلت: والله إنكم -معاشر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بقي منكم- لجدير أن تسكتوا فلا تعلموا، وأن تعنفوا من سألكم.

فلما رآني قد غضبت لان وقال: ألَا أحدثك يا ابن أخي? أرأيت إن كنت أنا مؤمنًا قويًّا وأنت مؤمن ضعيف، فتحمل قوتي على ضعفك، فلا تستطيع، فتنبت، أو رأيت إن كنت أنت مؤمنًا قويًّا، وأنا مؤمن ضعيف، حين أحمل قوتك على ضعفي، فلا أستطيع، فأنبت، ولكن خذ من نفسك لدينك، ومن دينك لنفسك، حتى يستقيم لك الأمر على عبادة تطيقها.

حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن معاوية بن حرمل، قال: قدمت المدينة، فلبثت في المسجد ثلاثًا لا أطعم، فأتيت عمر فقلت: تائب من قبل أن تقدر عليه، قال: من أنت؟ قلت: معاوية بن حرمل، قال: اذهب إلى خير المؤمنين فانزل عليه.

قال: وكان تميم الداري إذا صلَّى ضرب بيديه على يمينه وشماله، فذهب برجلين، فصليت إلى جنبه، فأخذني، فأتينا بطعام، فبينا نحن ذات ليلة؛ إذ خرجت نار بالحرة، فجاء عمر إلى تميم فقال: قم إلى هذه النار، فقال: يا أمير المؤمنين! ومن أنا، وما أنا.

ص: 76

فلم يزل به حتى قام معه، وتبعتهما، فانطلقا إلى النار، فجعل تميم يحوشها بيده حتى دخلت الشعب، ودخل تميم خلفها، فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير -قالها ثلاثًا.

سمعها عفان من حماد، وابن حرمل: لا يعرف.

قتادة عن ابن سيرين، وقتادة أيضًا عن أنس: أنَّ تميمًا الداري اشترى رداء بألف درهم، يخرج فيه إلى الصلاة.

وروى حماد، عن ثابت أنَّ تميمًا أخذ حُلَّة بألف، يلبسها في الليلة التى ترجى فيها ليلة القدر.

وروى الزهري، عن السائب بن يزيد قال: أوّل من قصَّ تميم الداري، استأذن عمر فأذن له، فقصَّ قائمًا.

أسامة بن زيد، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن: إنَّ تميمًا استأذن عمر في القصص سنين، ويأبى عليه، فلمَّا أكثر عليه قال: ما تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن، وآمرهم بالخير، وأنهاهم عن الشر. قال عمر: ذاك الربح. ثم قال: عظ قبل أن أخرج للجمعة.

فكان يفعل ذلك، فلما كان عثمان استزاده، فزاده يومًا آخر.

خالد بن عبد الله، عن بيان، عن وبرة، قال: رأى عمر تميمًا الداري يصلي بعد العصر، فضربه بدرته على رأسه، فقال له تميم: يا عمر، تضربني على صلاة صليتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا تميم، ليس كل الناس يعلم ما تعلم

(1)

.

وأخرج ابن ماجه بإسناد ضعيف، عن أبي سعيد، قال: أول من أسرج في المساجد تميم الداري

(2)

.

يقال: وجد على بلاطة قبر تميم الداري: مات سنة أربعين، وحديثه يبلغ ثمانية عشر حديثًا. منها في "صحيح مسلم" حديث واحد.

(1)

صحيح: وهذا إسناد صحيح، خالد بن عبد الله هو الواسطي، وبيان هو ابن بشر الأحمسي، أبو بشر الكوفي، وأخرجه الطبراني في "الكبير""1281" من طريق عبد الله بن صالح، حدَّثني الليث، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، عن تميم الداري، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته عبد الله بن صالح، كاتب الليث، ضعَّفه أحمد وغيره.

(2)

ضعيف جدًّا: أخرجه ابن ماجه "760" من طريق أبي معاوية، عن خالد بن إياس، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبي سعيد الخدري، قال: فذكره.

وأخرجه الطبراني في "الكبير""2/ 1247" من طريق معاوية بن هشام، عن خالد بن إياس، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: فذكره. وفي إسنادهما خالد بن إياس، قال أحمد والنسائي: متروك، وقال البخاري: ليس بشيء.

ص: 77

‌183 - أبو قتادة الأنصاري السلمي

(1)

: " ع"

فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد أحدًا والحديبية، وله عدة أحاديث.

اسمه: الحارث بن ربعي على الصحيح، وقيل: اسمه النعمان. وقيل: عمرو.

حدَّث عنه: أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار، وعلي بن رباح، وعبد الله بن رباح الأنصاري، وعبد الله بن معبد الزماني، وعمرو بن سليم الزرقي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومعبد بن كعب بن مالك، وابنه عبد الله بن أبي قتادة، ومولاه نافع، وآخرون.

روى إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع"

(2)

.

الواقدي: حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أمه، عن أبيه، قال: قال أبو قتادة: إني لأغسل رأسي، قد غسلت أحد شقيه؛ إذ سمعت فرسي جروة تصهل وتبحث بحافرها، فقلت: هذه حرب قد حضرت.

فقمت ولم أغسل شق رأسي الآخر، فركبت وعليَّ بردة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح: الفزع الفزع!

قال: فأدرك المقداد، فسايرته ساعة، ثم تقدمه فرسي، وكان أجود من فرسه، وأخبرني

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 15"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2387"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 340"، أسد الغابة "6/ 250"، الإصابة "4/ ترجمة 921"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 646".

(2)

صحيح: أخرجه الطبراني في "الكبير""3/ 3270" من طريق أبي الوليد الطيالسي، حدَّثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، به.

وأخرجه أحمد "4/ 52 - 53"، ومسلم "1807" من طرق، عن عكرمة بن عمار، به.

ص: 78

المقداد بقتل مسعدة محرزًا -يعني: ابن نضلة- فقلت للمقداد: إما أن أموت، أو أقتل قاتل محرز.

فضرب فرسه فلحقه أبو قتادة، فوقف له مسعدة، فنزل أبو قتادة فقتله، وجنب فرسه معه.

قال: فلما مَرَّ الناس، تلاحقوا ونظروا إلى بردي فعرفوها، وقالوا: أبو قتادة قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا، ولكنه قتيل أبي قتادة، عليه برده، فخلوا بينه وبين سلبه وفرسه".

قال: فلما أدركني قال: "اللهم بارك له في شعره وبشره، أفلح وجهك، قتلت مسعدة"؟ قلت: نعم قال: "فما هذا الذي بوجهك" قلت: سهم رميت به، قال:"فادن منِّي" فبصق عليه، فما ضرب عليّ قط، ولا قاح.

فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة، وكأنَّه ابن خمس عشرة سنة.

قال: وأعطاني فرس مسعدة وسلاحه.

مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير، عن أبي محمد مولى أبي قتادة، عن أبي قتادة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا رأيت رجلًا قد علا المسلمين، فاستدرت له من ورائه، فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربةً قطعت منها الدرع، فأقبل عليّ وضمَّني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أرسلني ومات. إلى أن قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلًا له بينة فله سلبه". فقمت، فقلت: من يشهد لي، وقصصت عليه، فقال رجل: صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي، فأرضه منه. فقال أبو بكر: لا ها الله، إذًا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صدق"، فأعطانيه، فبعث الدرع وابتعت به مخرفًا في بني سلمة، فإنه لأوّل مال تأثلته في الإسلام

(1)

.

قال ابن سعد: كانت سرية أبي قتادة إلى حضرة، وهي بنجد، سنة ثمان وكان في خمسة عشر رجلًا، فغنموا مائتي بعير، وألفيّ شاة، وسبوا سبيًا، ثم سرية أبي قتادة إلى بطن إضم بعد شهر.

(1)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 454 - 455"، ومن طريقه أخرجه البخاري "2100" و"3142" و"4321"، ومسلم "1751"، وأبو داود "2717"، والترمذي "1652"، وابن الجارود "1076"، والبيهقي "6/ 306"، والبغوي "2724" عن يحيى بن سعيد، به.

ص: 79

الدراوردي، عن أسيد بن أبي أسيد، عن أبيه: قلت لأبي قتادة: مالك لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث عنه الناس? فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كذب عليَّ فليشهد لجنبه مضجعًا من النار"

(1)

.

وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ويمسح الأرض بيده.

سمعه قتيبة منه.

شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أخبرني من هو خير منِّي أبو قتادة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمَّار: "تقتلك الفئة الباغية"

(2)

.

ابن سعد، حدثنا أبو الوليد، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني عبد الله ابن عبيد بن عمير: أنَّ عمر بعث أبا قتادة فقتل ملك فارس بيده وعليه منطقة قيمتها خمسة عشر ألفًا، فنفلها إياه عمر.

قال خليفة: استعمل عليٌّ على مكة أبا قتادة الأنصاري، ثم عزله بقثم ابن العباس.

معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل: أنَّ معاوية قدم المدينة، فلقيه أبو قتادة فقال: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار، فما منعكم? قالوا: لم يكن لنا دوابّ، قال: فأين النواضح?

(3)

قال أبو قتادة: عقرناها في طلب أبيك يوم بدر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

(1)

صحيح: ورد من حديث أنس بن مالك، وعقبة بن عامر، ابن عمرو، وغيرهم رضي الله عنهم، أما حديث أنس بن مالك: أخرجه ابن أبي شيبة "8/ 763"، وأحمد "3/ 116 و 166 و 176"، وفي زوائد المسند "3/ 278"، والدارمي "1/ 77" من طرق عن سليمان التيمي، عن أنس، به.

وأخرجه أحمد "3/ 203 و 209"، وفي زوائد المسند "3/ 278"، والدارمي "1/ 77" من طرق عن حماد ابن أبي سليمان، عن أنس، به. وأخرجه أحمد "3/ 98"، ومسلم "2" في "مقدمة صحيحه" من طرق عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، به.

وعن عقبة بن عامر: أخرجه أحمد "4/ 159"، والطبراني في "الكبير""17/ 843" من طريق ابن لهيعة، عن أبي عشانة، عن عقبة بن عامر، به. وأخرجه أحمد "4/ 156"، وأبو يعلى "1751"، والطحاوي "4/ 247"، والطبراني "1/ 904" من طرق عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن هشام بن أبي رقية، عن مسلمة بن مخلد، عن عقبة بن عامر، به.

وقد روى الحديث جمّ غفير من الصحابة، فهو حديث متواتر، نجتزئ بما ذكرنا لضيق المقام.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "2915" من حديث أبي قتادة، به.

(3)

النواضح: جمع ناضح، وهي الإبل يُسْتَقى عليها.

ص: 80

لنا: "إنكم ستلقون بعدي أثرة". قال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر، قال: فاصبروا

(1)

.

وروي أن عليًّا كبَّر على أبي قتادة سبعًا. فقال أبو بكر البيهقي: هذا غلط، فإن أبا قتادة تأخَّر عن علي.

وقال الواقدي: لم أر بين ولد أبي قتادة وأهل البلد عندنا اختلاف أنه توفي بالمدينة.

قال: وروى أهل الكوفة أنه توفي بها، وأن عليًّا صلى عليه.

قال يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة والمدائني، وسعيد بن عفير، وابن بكير، وشباب، وابن نمير: مات أبو قتادة سنة أربع وخمسين.

معمر عن قتادة، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره؛ إذ تأخَّر عن الراحلة، فدعمته بيدي حتى استيقظ، فقال:"اللهم احفظ أبا قتادة كما حفظني منذ الليلة، ما أرانا إلَّا قد شققنا عليك"

(2)

.

قال ابن سعد: أبو قتادة بن ربعي بن بلدمة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة.

قال: وقد اختلف علينا في اسمه، فقال ابن إسحاق: الحارث، وقال ابن عمارة والواقدي: النعمان، وقيل: عمرو.

(1)

صحيح لغيره: أخرجه عبد الرزاق "19909"، ومن طريقه أخرجه أحمد "5/ 304" وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، ضعَّفه ابن معين وأبو حاتم. وقال ابن حبان: رديء الحفظ. وقال ابن خزيمة: لا أحتجّ به.

وله شاهد من حديث أنس بن مالك: أخرجه البخاري "2377" تعليقًا و"3163" و"3794" وأحمد "3/ 111 و 182 - 183"، والحميدي "1195"، وأبو يعلى "3649"، والبغوي "2192" من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار ليكتب لهم بالبحرين، فقالوا: لا والله، حتى تكتب لإخواننا من قريش بمثلها، فقال: ذاك لهم، ما شاء الله على ذلك، يقولون له. قال:"فإنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".

وأخرجه البخاري "2376"، والبيهقي "6/ 143 - 144" من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، به.

(2)

صحيح: أخرجه الطبراني "3271" من طريق عبد الرزاق، عن معمر، به.

وأخرجه مسلم "861" في المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة، من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، به. وقوله "دعمته": أي أسندته.

ص: 81

وله أولاد وهم: عبد الله، وعبد الرحمن، وثابت، وعبيد، وأم البنين، وأم أبان.

شهد أحدًا والخندق.

أيوب، عن محمد، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أبي قتادة، فقيل: يترجّل، ثم أرسل إليه فقيل: يترجل، ثم أرسل إليه فقيل: يترجل، فقال:"احلقوا رأسه".

فجاء فقال: يا رسول الله، دعني هذه المرة، فوالله لأعتبنَّك

(1)

، فكان أوَّل ما لقي قتل رأس المشركين مسعدة

(2)

.

معن القزاز: حدثنا محمد بن عمرو، عن محمد بن سيرين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أبا قتادة يصلي ويتقي شعره، فأراد أن يجزه، فقال: يا رسول الله، إن تركته لأرضينك، فتركه، فأغار مسعدة الفزاري على سرح أهل المدينة، فركب أبو قتادة فقتله وغشَّاه ببردته

(3)

.

حماد بن سلمة: أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قتل كافرًا فله سلبه"، فقال أبو قتادة: يا رسول الله، إني ضربت رجلًا على حبل عاتقه، وعليه درع له، فأجهضت عنه، فقال رجل: أنا أخذتها، فأرضه منها وأعطنيها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئًا إلَّا أعطاه، أو سكت فسكت. فقال عمر: لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"صدق عمر"

(4)

.

وروى مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد مولى أبي قتادة، أنّ أبا قتادة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين .... الحديث بنحو منه. وفيه: فقال أبو بكر: لا ها الله! إذًا لا يعمد إلى أسد من أسد الله فيعطيك سلبه، فأعطاني الدرع فبعته. قال: فابتعت به مخرفًا، فإنه لأول مال تأثلته

(5)

.

الواقدي: حدثنا أسامة بن زيد الليثي، عن الأعرج، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: لما كان يوم حنين، قتلت رجلًا، فجاء رجل فنزع عنه درعه، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى لي بها، فبعتها بسبع أواقي من حاطب بن أبي بلتعة.

قال قتادة: كان أبو قتادة يلبس الخز.

قال الواقدي: لم أر بين ولد أبي قتادة وأهل بلدنا اختلافًا أنَّ أبا قتادة توفي بالمدينة.

ابن نمير: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي، قال: صلى عليٌّ على أبي قتادة، فكبَّر عليه سبعًا.

(1)

قوله: "لأعتبنَّك": أي لأسترضينَّك.

(2)

ضعيف لإرساله، محمد بن سرين من التابعين، بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مفاوز تتقطع دونها أعناق المطيّ.

(3)

ضعيف لإرساله كما سبق.

(4)

صحيح: أخرجه أحمد "3/ 190 و 279" من طريق حماد بن سلمة، به. قوله:"أجهضت عنه" أي: أزلته.

(5)

صحيح: تقدَّم تخريجنا برقم "167".

ص: 82

‌184 - عمرو بن عبسة

(1)

: " م. (4) "

ابن خالد بن حذيفة، الإمام الأمير، أبو نجيح السلمي البجلي، أحد السابقين، ومن كان يقال: هو ربع الإسلام. روى أحاديث.

روى عنه: أبو أمامة الباهلي، وسهل بن سعد، وجبير بن نفير، وكثير ابن مرة، وضمرة بن حبيب، والصنابحي، وعديّ بن أرطاة، وحبيب بن عبيد، وعدة.

وقيل: إنَّ ابن مسعود روى عنه.

وكان من أمراء الجيش يوم وقعة اليرموك.

قال عمرو بن أبي سلمة التِّنِّيسي: حدَّثنا صدقة بن عبد الله، عن نصر بن علقمة، عن أخيه، عن ابن عائذ، عن جبير بن نفير، قال: كان أبو ذر الغفاري، وعمرو بن عبسة، كلاهما يقول: لقد رأيتني ربع الإسلام مع رسول الله، لم يسلم قبلي إلَّا النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وبلال، كلاهما حتى لا يدرى متى أسلم الآخر

(2)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 214"، التاريخ الكبير "6/ 2474، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1339"، حلية الأولياء "2/ 15 - 16"، أسد الغابة "4/ 251"، الإصابة "3/ ترجمة 5903"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة 107"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5336".

(2)

ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 341 - 342" وصححه "! "، ووافقه الذهبي "! "، وفي إسناده صدقة بن عبد الله السمين، أبو معاوية الدمشقي، ضعَّفه أحمد والبخاري والنسائي والدارقطني، ونقل هذه الأقوال الحافظ الذهبي في "الميزان"، وذهب عنه هنا، فوافق الحاكم على تصحيح إسناده، وهذا من تساهله، وقد ذكرت كثيرًا نماذج من هذا التساهل في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة" وقد طبع المجلد الأول منه في مكتبة الدعوة بالأزهر الشريف، يسَّر الله طبع بقية مجلداته، وجعله وسائر أعمالي في ميزان حسناتي يوم القيامة.

ص: 83

نزل عمرو حمص باتفاق، ويقال: شهد بدرًا، وما تابع أحد عبد الصمد بن سعيد، وأحمد بن محمد بن عيسى على ذا.

وبنو بجيلة: رهط من سليم.

عكرمة بن عمار: حدثنا شداد أبو عمار، ويحيى بن أبي كثير، عن أبي أمامة -وقد لقي شداد أبا أمامة- قال: قال عمرو بن عبسة: قدمت مكة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حراء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه، فقلت: ما أنت? قال: "نبي"، قلت: وما نبي؟ قال: "أرسلني الله"، قلت: بِمَ أرسلك؟ قال: "بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحّد الله". قلت: من معك على هذا؟ قال: "حر وعبد". قال: ومعه أبو بكر وبلال، فقلت: إني متبعك، قال:"إنك لا تستطيع ذاك يومك هذا، ألَا ترى حالي، فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني".

فذهبت إلى أهلي، وجعلت أتخبر الأخبار، حتى قدم على أهل يثرب، فقدمت المدينة فأتيته

وذكر الحديث

(1)

.

أبو صالح: حدثني معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر وضمرة بن حبيب وآخر: سمعوا أبا أمامة، سمع عمرو بن عبسة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بعكاظ، فقلت: من معك؟ قال: "أبو بكر وبلال" فأسلمت، فلقد رأيتني ربع الإسلام.

لم يؤرخوا موته.

حريز: حدثنا سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعكاظ، فقلت: من تبعك؟ قال: "حر وعبد، انطلق حتى يمكّن الله لرسوله"

(2)

.

معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة، قال: أسلمت، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:"الحق بقومك" ثم أتيته قبل الفتح

(3)

.

الواقدي: حدثنا حجّاج بن صفوان، عن ابن أبي حسين، عن شهر، عن عمرو بن عبسة، قال: رغبت عن آلهة قومي، فلقيت يهوديًّا من أهل تيماء، فقلت: إني ممن يعبد الحجارة، فيترك الحي، فينزل الرجل فيأتي بأربعة حجارة فينصب ثلاثة لقِدْرِه، ويجعل أحسنها إلهًا يعبده.

فقال: يخرج من مكة رجل يرغب عن الأصنام، فإذا رأيته فاتبعه، فإنه يأتي بأفضل دين.

إلى أن قال: فأتيت مكة فوجدته مستخفيًا، ووجدت قريشًا عليه أشداء

وذكر الحديث بطوله.

لعله مات بعد سنة ستين -فالله أعلم.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "832".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 385"، وابن سعد "4/ 215" من طريق حريز بن عثمان.

(3)

حسن: معاوية بن صالح، صدوق.

ص: 84

‌185 - شداد بن أوس

(1)

: " ع"

ابن ثابت بن المنذر بن حرام، أبو يعلى، وأبو عبد الرحمن الأنصاري، النجاري، الخزرجي، أحد بني مغالة، وهم بنو عمرو بن مالك بن النجار.

وشداد: هو ابن أخي حسان بن ثابت، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من فضلاء الصحابة وعلمائهم، نزل بيت المقدس.

حدَّث عنه: ابنه يعلى، وأبو إدريس الخولاني، وأبو أسماء الرحبي، وأبو الأشعث الصنعاني، وعبد الرحمن بن غنم، وجبير بن نفير، وكثير بن مرة، وبشير بن كعب، وآخرون.

قال عبد الحميد بن بهرام، عن شهر: سمع عبد الرحمن بن غنم يقول: لما دخلنا مسجد الجابية

(2)

أنا وأبو الدرداء، لقينا عبادة بن الصامت، فأخذ بشماله يميني، وبيمينه شمال أبي الدرداء، فقال: إن طال بكما عمر أحدكما أو كلاكما، فيوشك أن تريا الرجل من ثبج

(3)

المسلمين قد قرأ القرآن أعاده وأبداه، وأحلّ حلاله، وحرَّم حرامه، ونزل عند منازله، أو قرأ به على لسان أحد لا يحور فيكم إلَّا كما يحور رأس الحمار الميت

(4)

.

فبينا نحن كذلك؛ إذ طلع علينا شداد بن أوس، وعوف بن مالك، فجلسا إلينا، فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس، لما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في الشهوة

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 401"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2951" الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1434"، حلية الأولياء "1/ 264 - 270"، أسد الغابة "2/ 387"، الإصابة "2/ ترجمة 2847"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2915".

(2)

الجابية: قرية من أعمال دمشق.

(3)

الثبح: الوسط.

(4)

قال ابن الأثير في "النهاية""1/ 458": أي لا يرجع فيكم بخير، ولا ينتفع بما حفظه من القرآن، كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه.

ص: 85

الخفية والشرك. فقال عبادة وأبو الدرداء: اللهم غفرًا، أو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدَّثنا أنَّ الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب، فأمَّا الشهوة الخفية فقد عرفناها، فهي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها، فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد؟

قال: أرأيتكم لو رأيتم أحدًا يصلي لرجل، أو يصوم له، أو يتصدق له، أترون أنه قد أشرك? قالوا: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدَّق يرائي فقد أشرك".

فقال عوف: أَوَلَا يعمد الله إلى ما ابتُغِيَ فيه وجهه من ذلك العمل كله، فيقبل منه ما خلص له، ويدع ما أشرك به فيه؟ قال شداد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن الله، قال:"أنا خير قسيم فمن أشرك بي شيئًا، فإن جسده وعمله، قليله وكثيره، لشريكه الذي أشرك به، أنا عنه غني"

(1)

.

شداد، كنَّاه مسلم، وأحمد، والنسائي: أبا يعلى.

ابن جوصاء

(2)

، حدثني محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عمرو بن محمد بن شداد بن أوس الأنصاري، حدثنا أبي، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، قال: كنية شداد بن أوس أبو يعلى.

وكان له خمسة أولاد، منهم: بنته خزرج، وتزوجت في الأزد، وكان أكبرهم يعلى، ثم محمد، ثم عبد الوهاب، والمنذر.

فمات شداد، وخلّف عبد الوهاب، والمنذر صغيرين، وأعقبوا سوى يعلى.

ونسأ لابنته نسل إلى سنة ثلاثين ومائة.

وكانت الرجفة التي كانت بالشام في هذه السنة، وكان أشدها ببيت المقدس، ففني كثير ممن كان فيها من الأنصار وغيرهم، ووقع منزل شداد عليهم، وسلم محمد، وقد ذهبت رجله تحت الردم.

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 125 - 126"، وأبو نعيم في "الحلية""1/ 268 - 269" وفي إسناده شهر ابن حوشب، سيئ الحفظ.

(2)

ابن جوصاء، هو الإمام الحافظ الأوحد، محدث الشام، أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن موسى بن جَوْصَا، مولى بني هاشم، وُلِدَ في حدود الثلاثين ومائتين. قال الطبراني: ابن جوصا ثقة. وقال الدارقطني: تفرَّد بأحاديث ولم يكن بالقوي. توفى في جمادى الأولى سنة عشرين وثلاث مائة.

ص: 86

وكانت النعل زوجًا، خلفها شداد عند ولده، فصارت إلى محمد بن شداد، فلمَّا أن رأت أخته خزرج ما نزل به وبأهله جاءت، فأخذت فرد النعلين، وقالت: يا أخي، ليس لك نسل، وقد رزقت ولدًا، وهذه مكرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحب أن تشرك فيها ولدي، فأخذتها منه.

وكان ذلك في أول أوان الرجفة، فمكثت النعل عندها حتى أدرك أولادها، فلمَّا جاء المهدي إلى بيت المقدس، أتوه بها وعرَّفوه نسبها من شداد، فعرف ذلك وقبله، وأجاز كل واحد منهما بألف دينار، وأمر لكل واحد منهما بضيعة، وبعث إلى محمد بن شداد فأُتِيَ به يحمل لزمانته

(1)

، فسأله عن خبر النعل فصدق مقالة الرجلين، فقال له المهدي: ائتني بالأخرى، فبكى، وناشده الله، فرَقَّ له، وخلاها عنده.

معان بن رفاعة، عن أبي يزيد الغوثي، عمَّن حدثه، عن أبي الدرداء، قال: إن لكل أمة فقيهًا، وإن فقيه هذه الأمة شداد بن أوس. لم يصح.

وقال سفيان بن عيينة: قال أبو الدرداء: إن شداد بن أوس أوتي علمًا وحلمًا.

وقال سعيد بن عبد العزيز: فَضُلَ شداد بن أوس الأنصار بخصلتين: ببيان إذا نطق، وبكظم إذا غضب.

عن شداد أبي عمار، عن شداد بن أوس، وكان بدريًّا، ........... فذكر حديثًا.

وقال البخاري: شداد له صحبة، قال: وقال بعضهم: شهد بدرًا. ولم يصح.

وقال ابن سعد: نزل فلسطين وله عقب. مات سنة ثمان وخمسين وهو ابن خمس وسبعين سنة، وكانت له عبادة واجتهاد.

وقال أحمد بن البرقي: كان أبوه أوس بن ثابت بدريًّا، واستشهد يوم أحد.

ابن سعد: أخبرني من سمع ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان قال: لم يبق بالشام أحد كان أوثق ولا أفقه ولا أرضى من عبادة بن الصامت وشداد بن أوس.

قال المفضل الغلابي: زهَّاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وعمير بن سعد، وشداد بن أوس.

(1)

الزمانة: العاهة. ورجل زَمِنٌ، أي: مبتلى بَيِّنُ الزمانة.

ص: 87

علي بن المديني: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن رجل، عن مطرف بن الشخير، عن رجل -أحسبه من بني مجاشع- قال: انطلقنا نؤمّ البيت، فإذا نحن بأخبية بينها فسطاط، فقلت لصاحبي: عليك بصاحب الفسطاط فإنَّه سيد القوم، فلما انتهينا إلى باب الفسطاط سلَّمنا فرَدَّ السلام، ثم خرج إلينا شيخ، فلما رأيناه هبناه مهابة لم نهبها والدًا قط ولا سلطانًا، فقال: ما أنتما؟ قلنا: فتية نؤمّ البيت، قال: وأنا قد حدثتني نفسي بذلك، وسأصحبكم، ثم نادى، فخرج إليه من تلك الأخبية شباب، فجمعهم ثم خطبهم، وقال: إني ذكرت بيت ربي، ولا أراني إلَّا زائره.

فجعلوا ينتحبون عليه بكاءً، فالتفت إلى شاب منهم، فقلت: من هذا الشيخ؟ قال: شداد بن أوس، كان أميرًا، فلمَّا أن قتل عثمان اعتزلهم.

قال: ثم دعا لنا بسويق، فجعل يبس

(1)

لنا ويطعمنا ويسقينا.

ثم خرجنا معه، فلمَّا علونا في الأرض، قال لغلام له: اصنع لنا طعامًا يقطع عنا الجوع -يصغره، كلمة قالها فضحكنا، فقال: ما أراني إلَّا مفارقكما، قلنا: رحمك الله، إنك كنت لا تكاد تتكلم بكلمة، فلما تكلمت لم نتمالك أن ضحكنا، فقال: أزودكما حديثًا، كان رسول الله يعلمنا في السفر والحضر، فأملى علينا وكتبناه:

"اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك يقينًا صادقًا، وقلبًا سليمًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب"

(2)

.

وروي الدعاء بإسناد آخر.

قتيبة: حدثنا فرج بن فضالة، عن أسد بن وداعة، عن شداد بن أوس، أنه كان إذا دخل

(1)

قوله "يَبُسُّ": بَسَّ السويق والدقيق وغيرهما يَبُسُّه بَسًّا: خلطه بسمن أو زيت، وهي البسيسة، قال اللحياني: هي التي تُلَتُّ بسمن أو زيت ولا تُبَلُّ.

(2)

ضعيف: في سنده مجهولان، أخرجه الطبراني "7178"، وأخرجه أحمد "4/ 125"، والترمذي "3407"، والطبراني في "الكبير""7175" و"7176" و"7177" من طرق عن سعيد الجريري، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن الحنظلي، أو عن رجل من بني حنظلة، عن شداد بن أوس، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته جهالة الرجل من بين حنظلة.

ص: 88

الفراش يتقلّب على فراشه، لا يأتيه النوم، فيقول: اللهم إن النار أذهبت مني النوم، فيقوم فيصلي حتى يصبح

(1)

. رواه جماعة، عن فرج، عن أسد.

قال سلام بن مسكين: حدثنا قتادة أنَّ شداد بن أوس خطب فقال: أيها الناس! إن الدنيا أجل حاضر، يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة أجل مستأخر، يحكم فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، وإن الشر كله بحذافيره في النار.

اتفقوا على موته كما قلنا في سنة ثمان وخمسين، إلَّا ما يروى عن بعض أهل بيته، أنه في سنة أربع وستين.

خرجوا له في الكتب الستة.

وعدد أحاديثه في "مسند بقيّ" خمسون حديثًا، أعني: بالمكرر.

(1)

ضعيف: أخرجه أبو نعيم في "الحلية""1/ 264"، وفي إسناده فرج بن فضالة، قال أبو حاتم: لا يحتج به، وضعَّفه النسائي والدارقطني.

ص: 89

‌186 - عقبة بن عامر الجهني

(1)

: " ع"

الإمام المقرئ، أبو عبس -ويقال: أبو حماد، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو الأسد- المصري، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.

حدَّث عنه: أبو الخير مرثد اليزني، وجبير بن نفير، وسعيد بن المسيب، وأبو إدريس الخولاني، وعلي بن رباح، وأبو عمران أسلم التجيبي، وعبد الرحمن بن شماسة، ومشرح بن هاعان، وأبو عشانة حي بن يؤمن، وأبو قبيل المعافري، وسعيد المقبري، وبعجة الجُهَنيّ، وخلق سواهم.

وكان عالمًا مقرئًا، فصيحًا فقيهًا، فرضيًا شاعرًا، كبير الشأن، وهو كان البريد إلى عمر بفتح دمشق. وله دار بخط باب توما

(2)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 343 - 344"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2885"، الجرح والتعديل "6/ 1741"، أسد الغابة "4/ 53"، الإصابة "2/ ترجمة 5601"، تهذيب التهذيب "7/ ترجمة 439"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4897".

(2)

باب توما: أحد أبواب مدينة دمشق من الجانب الشرقي.

ص: 89

علي بن رباح، عن عقبة، قال: خرجت من الشام يوم الجمعة، ودخلت المدينة يوم الجمعة، فقال لي عمر: هل نزعت خفيك؟ قلت: لا، قال: أصبت السنة.

قال ابن سعد: شهد صفين مع معاوية.

وقال ابن يونس: شهد فتح مصر واختط بها، وولي الجند بمصر لمعاوية، ثم عزله بعد ثلاث سنين، وأغزاه البحر، وكان يخضب بالسواد.

وقبره بالمقطم، مات سنة ثمان وخمسين.

وعن عقبة قال: بايعت رسول الله على الهجرة، وأقمت معه.

وقال عقبة: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة

(1)

، وكنت من أصحاب الصُّفَّة، وكان عقبة من الرماة المذكورين.

وعن أبي عبد الرحمن الحبلي: أن عقبة كان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، فقال له عمر: اعرض علي، فقرأ فبكى عمر.

ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عقبة بن عامر: وكان من رفعاء أصحاب محمد.

قلت: ولي إمرة مصر، وكان يخضب بالسواد.

مات سنة ثمان وخمسين.

له في "مسند بقيّ" خمسة وخمسون حديثًا.

(1)

الصُّفّة: هو الموضع الذي كان يأوي إليه فقراء المهاجرين في مسجد المدينة، ولم يكن لهم مكان يأويهم غيره.

ص: 90

‌187 - بريدة بن الحصيب

(1)

: " ع"

ابن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن سعد، أبو عبد الله -وقيل: أبو سهل، وأبو ساسان، وأبو الحصيب- الأسلمي.

قيل: إنه أسلم عام الهجرة؛ إذ مَرَّ به النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرًا، وشهد غزوة خيبر والفتح، وكان معه اللواء، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقة قومه.

وكان يحمل لواء الأمير أسامة حين غزا أرض البلقاء، إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

له جملة أحاديث، نزل مرو ونشر العلم بها.

حدث عنه: ابناه سليمان وعبد الله، وأبو نضرة العبدي، وعبد الله بن مولة، والشعبي، وأبو المليح الهذلي، وطائفة.

وسكن البصرة مدَّة.

ثم غزا خراسان زمن عثمان، فحكى عنه من سمعه يقول وراء نهر جيحون:

لا عيش إلَّا طراد الخيل بالخيل

قال عاصم الأحول: قال مورق: أوصى بريدة أن يوضع في قبره جريدتان، وكان مات بخراسان، فلم توجدا إلَّا في جوالق حمار.

وروى مقاتل بن حيان، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: شهدت خيبر، وكنت فيمن صعد الثلمة، فقاتلت حتى رئي مكاني، وعليَّ ثوب أحمر، فما أعلم أني ركبت في الإسلام ذنبًا أعظم عليّ منه -أي: الشهرة.

قلت: بلى، جهال زماننا يعدون اليوم مثل هذا الفعل من أعظم الجهاد، وبكل حال فالأعمال بالنيات، ولعل بريدة رضي الله عنه بإزرائه على نفسه يصير له عمله ذلك طاعة وجهادًا، وكذلك يقع في العمل الصالح، ربما افتخر به الغر، ونوه به، فيتحول إلى ديوان الرياء، قال الله تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].

وكان بريدة من أمراء عمر بن الخطاب في نوبة سرغ.

وقال ابن سعد وأبو عبيد: مات بريدة سنة ثلاث وستين.

وقال آخر: توفي سنة اثنتين وستين، وهذا أقوى.

روي لبريدة نحو من مائة وخمسين حديثًا.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 241 - 243"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة رقم 1977"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 1984"، أسد الغابة "1/ 209"، الإصابة "1/ ترجمة رقم 632".

ص: 91

‌188 - عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق

(1)

: " ع"

شقيق أم المؤمنين عائشة.

حضر بدرًا مع المشركين؛ ثم إنه أسلم وهاجر قبيل الفتح، وأما جده أبو قحافة فتأخَّر إسلامه إلى يوم الفتح

(2)

.

وكان هذا أسنّ أولاد الصديق، وكان من الرماة المذكورين، والشجعان، قَتَل يوم اليمامة سبعةً من كبارهم.

له أحاديث نحو الثمانية، اتفق الشيخان على ثلاثة منها.

روى عنه ابناه: عبد الله وحفصة، وابن أخيه القاسم بن محمد، وأبو عثمان النهدي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعمرو بن أوس الثقفي، وابن أبي مليكة، وآخرون.

وهو الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أن يُعْمِرَ أخته عائشة من التنعيم

(3)

.

له ترجمة في "تاريخ دمشق".

توفي في سنة ثلاث وخمسين.

هكذا ورَّخوه، ولا يستقيم؛ فإن في "صحيح مسلم" أنه دخل على عائشة يوم موت سعد فتوضأ، فقالت له: أسبغ الوضوء، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ويل للأعقاب من النار"

(4)

.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 795"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1180"، أسد الغابة "3/ 466"، الإصابة "2/ ترجمة 5088 و 5151"، تهذيب التهذيب "6/ ترجمة رقم 298"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4040".

(2)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق "20179"، ومسلم "2102".

(3)

التنعيم: موضع بين مكة وسرف، على فرسخين من مكة. والحديث أخرجه مالك "1/ 361"، والبخاري "1556"، ومسلم "1211" من طريق ابن شهاب، عن عروة، عائشة.

(4)

صحيح: أخرجه مسلم "240" من طريق ابن وهب، عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن سالم مولى شداد قال: دخلت على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يوم توفي سعد بن أبي وقاص، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر فتوضأ عندها، فقالت: يا عبد الرحمن، أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ويل للأعقاب من النار"، وقد ورد الحديث عن أبي هريرة مرفوعًا عند ابن أبي شيبة "1/ 26"، وأحمد "4/ 430 و 498"، والبخاري "165"، ومسلم "242""29"، والنسائي "1/ 77"، والدرامي "1/ 179"، والطحاوي "1/ 38" من طرق عن شعبة، عن محمد بن زيادة، عن أبي هريرة مرفوعًا.

ص: 92

وقد هوي ابنة الجودي، وتغَزَّل فيها بقوله:

تذكرت ليلى والسماوة دونها

فما لابنة الجودي ليلى وماليا

وأنَّى تعاطى قلبه حارثية

تدمن بُصرى أو تحل الجوابيا

وأنَّى تلاقيها بلى ولعلها

إن الناس حجوا قابلًا أن توافيا

فقال عمر لأمير عسكره: إن ظفرت بهذه عنوةً فادفعها إلى ابن أبي بكر، فظفر بها، فدفعها إليه، فأعجب بها، وآثرها على نسائه حتَّى شكونه إلى عائشة، فقالت له: لقد أفرطت، فقال: والله إني لأرشف من ثناياها حب الرمان، فأصابها وجع فسقطت أسنانها، فجفاها حتى شكته إلى عائشة، فكلمته، قال: فجهزها إلى أهلها، وكانت من بنات الملوك.

قال ابن أبي مليكة: توفي عبد الرحمن بالصفاح، وحمل، فدفن بمكة.

وقد صحَّ في "مسلم" في الوضوء، أنَّ عبد الرحمن خرج إلى جنازة سعد ابن أبي وقاص، فهذا يدل على أنه عاش بعد سعد.

ص: 93

‌189 - الحكم بن عمرو الغفاري

(1)

: " خ. (4) "

الأمير، أخو رافع بن عمرو، وهما من بني ثعيلة، وثعيلة أخو غفار.

نزل الحكم البصرة، وله صحبة ورواية، وفضل وصلاح، ورأي وإقدام.

حدَّث عنه: أبو الشعثاء جابر بن زيد، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسوادة بن عاصم؛ وآخرون.

روايته في الكتب سوى "صحيح البخاري"

(2)

.

روى هشام، عن الحسن، أنَّ زياد بن أبيه بعث الحكم بن عمرو على خراسان، فغنموا، فكتب إليه: أمَّا بعد: فإنَّ أمير المؤمنين كتب إليَّ أن أصطفي له الصفراء والبيضاء، لا تقسم

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 28"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2646"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 551"، أسد الغابة "2/ 40"، الإصابة "1/ ترجمة 1784"، تهذيب التهذيب "2/ ترجمة 759"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1557".

(2)

الصواب أن يقول: سوى مسلم؛ فإن المؤلف قد رمز إلى أنه قد روى له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، ولم يرو له مسلم. وهذا ذهول من المؤلف -رحمه الله تعالى.

ص: 93

بين الناس ذهبًا ولا فضة، فكتب إليه الحكم: أقسم بالله، لو كانت السماوات والأرض رتقًا على عبد، فاتقى الله، يجعل له من بينهما مخرجًا، والسلام. ثم قال للناس: اغدوا على فيئكم فاقسموه.

ويروى أنَّ عمر نظر إلى الحكم بن عمرو وقد خضَّب بصفرة، فقال: هذا خضاب الإيمان.

معتمر بن سليمان: حدثنا أبي، عن أبي حاجب قال: كنت عند الحكم الغفاري؛ إذ جاءه رسول علي رضي الله عنه فقال: إن أمير المؤمنين يقول: إنك أحق من أعاننا، قال: إني سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان الأمر هكذا اتخذ سيفًا من خشب"

(1)

.

أبو إسحاق الفزاري، عن هشام، عن الحسن قال: بعث زياد الحكم، فأصابوا غنائم كثيرة، فكتب زياد: إن أمير المؤمنين أمر أن تصطفي له الصفراء والبيضاء.

فكتب إليه: إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين. وأمر مناديًا فنادى: أن اغدوا على فيئكم، فقسَمَه بينهم.

فوجَّه معاوية من قيده وحبسه، فمات فدفن في قيوده، وقال: إني مخاصم.

حمَّاد بن سلمة: حدثنا حميد ويونس، عن الحسن أنَّ زيادًا استعمل الحكم بن عمرو، فلقيه عمران بن حصين، فقال: أما تذكر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما بلغه الذي قال له أميره: قع في النار، فقام ليقع فيها، فأدركه فأمسكه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو وقع فيها لدخل النار، لا طاعة لمخلوق في معصية الله".

قال الحكم: بلى قال: إنما أردت أن أذكرك هذا الحديث

(2)

.

(1)

ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 442" من طريق محمد بن أبي السَّري العسقلاني، حدثنا بن سليمان، به.

قلت: إسناده ضعيف، محمد بن أبي السريّ، وهو محمد بن المتوكل العسقلاني، قال أبو حاتم: لين الحديث، وقال ابن عدي: كثير الغلط.

(2)

صحيح: أخرجه الحاكم "3/ 433" وصححه، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب، أخرجه أحمد "1/ 94"، والبخاري "7257"، ومسلم "1840"، وأبو داود "2625"، والنسائي "7/ 159" من طرق عن شعبة، عن زبيد، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب، به.

ص: 94

جميل بن عبيد الطائي: حدثنا أبو المعلى، عن الحسن قال: قال الحكم بن عمرو: يا طاعون خذني إليك، فقيل له: لم تقول هذا? وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنينَّ أحدكم الموت" قال: أبادر ستًا: بيع الحكم، وكثرة الشرط، وإمارة الصبيان، وسفك الدماء، وقطيعة الرحم، ونشأً يكونون في آخر الزمان يتخذون القرآن مزامير

(1)

.

قال أحمد بن سيار: كان سبب موت والي خراسان الحكم، أنَّه دعا على نفسه وهو بمرو، لكتاب ورد إليه من زياد، ومات قبله بريدة الأسلمي، فدفِنَا جميعًا.

قال خليفة: مات بخراسان واليًا سنة إحدى وخمسين.

وقال الواقدي: سنة خمسين رضي الله عنه.

(1)

حسن لغيره: أخرجه الحاكم "3/ 443"، والطبراني "3162" من طريق جميل بن عبيد الطائي، حدثنا المعلى، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته المعلى، فإنه مجهول لا يعرف.

وأخرجه أحمد "3/ 493" من حديث عابس، وإسناده ضعيف، فيه علتان:

الأولى: شريك بن عبد الله، وهو النخعي القاضي، سيئ الحفظ.

والعلة الثانية: عثمان بن عمير، أبو اليقظان، وهو ضعيف، اختلط وكان يدلس.

وأخرجه أحمد "6/ 22 - 23" من حديث عوف بن مالك، وفي سنده النَّهاس بن قهم، وهو ضعيف. فالحديث حسن بمجموع طرقه -والله أعلم.

ص: 95

أخوه:

‌190 - رافع بن عمرو الغفاري

(1)

: " م، د، ت، ق"

الكناني: له صحبة وحديثان.

نزل البصرة.

حدث عنه: عبد الله بن الصامت؛ وغيره.

خرَّج له مسلم وأبو داود، وأبو عيسى، وابن ماجه.

له حديث في نعت الخوارج.

وقال معتمر بن سليمان: حدثني ابن أبي الحكم، عن عمه رافع قال: كنت أرمي نخلًا للأنصار وأنا غلام، فرآني النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"يا غلام، لم ترمي النخل"؟ قلت: آكل، قال:"كل ما يسقط" ثم مسح رأسي وقال: "اللهم أشبع بطنه"

(2)

.

ويروى نحوه عن رافع بإسناد آخر، ذكره الحاكم في "مستدركه".

وقال خليفة: مات بالبصرة سنة خمسين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 29"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1025"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 2151"، أسد الغابة "2/ 194"، الإصابة "1 ترجمة رقم 2539"، وتهذيب التهذيب "3/ ترجمة 445"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1999".

(2)

ضعيف: أخرجه أبو داود "2622"، وابن ماجه "2299"، والحاكم "3/ 444"، والطبراني "4459" من طرق عن المعتمر بن سليمان، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته جهالة ابن أبي الحكم الغفاري.

ص: 95

‌191 - رافع بن عمرو المزني البصري

(1)

: " د، س"

أخو عائذ، فآخر، ولهما صحبة.

روى لهذا أبو داود، والنسائي.

يروي عنه: عمرو بن سليم المزني.

ذكرته للتمييز.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1026"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 2152"، وأسد الغابة "2/ 94"، الإصابة "1/ ترجمة 2540"، تهذيب التهذيب "3/ ترجمة 446" وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2000".

ص: 96

‌192 - الأرقم بن أبي الأرقم

(1)

:

ابن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة المخزومي.

صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، من السابقين الأولين، اسم أبيه: عبد مناف.

كان الأرقم أحد من شهد بدرًا، وقد استخفى النبي صلى الله عليه وسلم في داره، وهي عند الصفا. وكان من عقلاء قريش، عاش إلى دولة معاوية.

أبو مصعب الزهري: حدَّثنا يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم، عن عمه عبد الله وأهل بيته، عن جده، عن الأرقم، أنَّه تجهَّز يريد بيت المقدس؛ فلما فرغ من جهازه، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يودّعه فقال:"ما يخرجك؟ حاجة أو تجارة" قال: لا والله يا نبي الله، ولكن أردت الصلاة في بيت المقدس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الصلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه إلَّا المسجد الحرام" فجلس الأرقم، ولم يخرج.

وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الأرقم يوم بدر سيفًا

(2)

، واستعمله على الصدقة.

وقد وهم أحمد بن زهير في قوله: إن أباه أبا الأرقم أسلم.

وغلط أبو حاتم إذ قال: إن عبد الله بن الأرقم هو ابن هذا، ذاك زهري، ولي بيت المال لعثمان، وهذا مخزومي.

قيل: الأرقم عاش بضعًا وثمانين سنة.

توفي بالمدينة، وصلى عليه سعد بن أبي وقاص بوصيته إليه.

وقال عثمان بن الأرقم: توفي أبي سنة ثلاث وخمسين، وله ثلاث وثمانون سنة.

له رواية في "مسند أحمد بن حنبل".

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 242"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1636"، الجرح والتعديل: 2/ ترحمة 1159"، أسد الغابة "1/ 74"، الإصابة "1/ ترجمة 73".

(2)

ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 504" من طريق أبي مصعب الزهري، عن يحيى بن عمران بن عثمان، عن جده، عن أبيه الأرقم، وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي، والإسناد ضعيف، يحيى بن عمران مجهول كما قال أبو حاتم، ونقله الحافظ الذهبي في "الميزان"، وذهل عنه هنا فصحَّح إسناده موافقة للحاكم. وقد ذكرنا كثيرًا من تساهله هذا في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة" طبع المجلد الأول منه في مكتبة الدعوة بالأزهر الشريف، يسَّر الله طبع بقية المجلدات، وتقبله منا بكرمه ومَنّه وسعة فضله.

ص: 97

‌193 - أبو حميد الساعدي

(1)

: " ع"

الأنصاري، المدني، قيل: اسمه عبد الرحمن، وقيل: المنذر بن سعد.

من فقهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

روى عنه: جابر بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعمرو بن سليم الزرقي، وعباس بن سهل بن سعد، وخارجة بن زيد، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وغيرهم.

توفي سنة ستين، وقيل: توفي سنة بضع وخمسين.

وله حديث في وصفه هيئة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

وقع له في "مسند بقي" ستة وعشرون حديثًا.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1124"، وتهذيب التهذيب "6/ ترجمة 371" وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4405".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "828".

ص: 98

‌194 - عبد الله بن الأرقم

(1)

: " (4) "

ابن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري، الكاتب.

من مسلمة الفتح، وكان ممن حَسُنَ إسلامه، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم كتب لأبي بكر، ولعمر.

وولَّاه عمر بيت المال، وولي بيت المال أيضًا لعثمان مدة، وكان من جلة الصحابة وصلحائهم.

قال مالك: إنه أجازه عثمان رضي الله عنه وهو على بيت المال بثلاثين ألفًا، فأبى أن يقبلها.

وروي عن عمرو بن دينار أنها كانت ثلاث مائة ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: إنما عملت لله تعالى، وإنما أجري على الله.

وروي عن عمر أنه قال لعبد الله بن الأرقم: لو كانت لك سابقة ما قدمت عليك أحدًا، وكان يقول: ما رأيت أخشى لله من عبد الله بن الأرقم.

وروى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه، قال: والله ما رأيت رجلًا قط كان أخشى لله من عبد الله بن الأرقم.

قلت: له حديث في "السنن".

روى عنه عروة وغيره.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 56"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة رقم 4"، أسد الغابة "3/ 172"، والإصابة "2/ ترجمة 4525"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 249"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3381".

ص: 98

‌195 - عبد الله بن مغفل

(1)

: " ئ"

ابن عبد نهم بن عفيف المزنيّ، صحابي جليل، من أهل بيعة الرضوان

(2)

، تأخَّر.

وكان يقول: إني لممَّنْ رفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أغصان الشجرة يومئذ

(3)

.

سكن المدينة ثم البصرة، وله عدة أحاديث.

حدَّث عنه: الحسن البصري، ومطرف بن الشخير، وابن بريدة، وسعيد بن جبير، ومعاوية بن قرة، وحميد بن هلال، وثابت البناني؛ وغيرهم.

وقال أبو داود: لم يسمع منه سعيد بن جبير.

قال الحسن البصري: كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر بن الخطاب يفقِّهون الناس.

قلت: توفي سنة ستين، وكان أبوه من الصحابة، فتوفِّي عام الفتح في الطريق.

وقيل: كان عبد الله من البكَّائين.

قال عوف الأعرابي، عن خزاعي بن زياد المزني، قال: أُرِيَ عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أنَّ الساعة قد قامت، وأن الناس حشروا، وثَمَّ مكان مَنْ جازه فقد نجا، وعليه عارض، فقال لي قائل: أتريد أن تنجو وعندك ما عندك؟ فاستيقظت فزعًا.

قال: فأيقظ أهله، وعنده عيبة مملوءة دنانير، ففرقها كلها.

كنيته: أبو سعيد، وقيل: أبو زياد.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 13 - 14"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 36"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 687"، أسد الغابة "3/ 398"، الإصابة "2/ ترجمة 4972"، تهذيب التهذيب "6/ ترجمة رقم 74"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3840".

(2)

وهي في غزوة الحديبية: وهي قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بويع الرسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها، وهي على تسعة أميال من مكة، وكانت في سنة ست في ذي القعدة، وكان معه ألف وخمسمائة -هكذا في الصحيحين عن جابر. وقيل غير ذلك في العدد.

(3)

أخرجه أحمد "5/ 54" عن عبد الله بن مغفل: إني لآخذ بغصن من أغصان الشجرة أظلّ بها النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبايعونه، فقالوا: نبايعك على الموت؟ قال: لا، ولكن لا تفرّوا. قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو جعفر الرازي، واسمه: عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان، سيئ الحفظ، لكن أخرجه أحمد "5/ 25"، ومسلم "1858" عن معقل بن يسار قال: لقد رأيتني يوم الشجرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنًا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة، لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على ألّا نفر" واللفظ لمسلم، فروياه عن معقل بن يسار، وليس عن عبد الله بن مغفل، والراوية عنه وردت بإسناد ضعيف -كما علمت.

ص: 99

‌196 - خزيمة بن ثابت

(1)

: " م، (4) "

ابن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة الفقيه، أبو عمارة الأنصاري الخطمي المدني، ذو الشهادتين.

قيل: إنه بدري، والصواب: أنه شهد أحدًا وما بعدها. وله أحاديث.

وكان من كبار جيش علي فاستُشْهِدَ معه يوم صفين.

حدَّث عنه: ابنه عمارة، وأبو عبد الله الجدلي، وعمرو بن ميمون الأودي، وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص؛ وجماعة.

قُتِلَ رضي الله عنه سنة سبع وثلاثين، وكان حامل راية بني خطمة، وشهد مؤتة.

فقال الواقدي: حدَّثنا بكير بن مسمار، عن عمارة بن خزيمة، عن أبيه قال: حضرت مؤتة، فبارزت رجلًا فأصبته، وعليه بيضة فيها ياقوتة، فلم يكن همي إلَّا الياقوتة، فأخذتها، فلمَّا انكشفنا وانهزمنا رجعت بها إلى المدينة، فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فنفلنيها، فبعتها زمن عمر بمائة دينار.

وقال خارجة بن زيد، عن أبيه، قال: لما كتبنا المصاحف فقدت آية كنت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدتها عند خزيمة بن ثابت:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]، قال: وكان خزيمة يدعى: ذا الشهادتين، أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين

(2)

.

قال قتادة، عن أنس، قال: افتخر الحيان من الأنصار، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة: حنظلة بن الراهب؛ ومنَّا من اهتزَّ له العرش: سعد، ومنَّا من حمته الدبر: عاصم بن أبي الأقلح، ومنا من أجيزت شهادته بشهادتين: خزيمة بن ثابت.

وروى أبو معشر، عن محمد بن عمارة بن خزيمة، قال: ما زال جدي كافًّا سلاحه حتى قُتِلَ عمَّار، فسَلَّ سيفه، وقاتل حتى قتل.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 378"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 704"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1744"، وأسد الغابة "2/ 133"، الإصابة "1/ ترجمة 2251"، تهذيب التهذيب "3/ ترجمة 267"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1836".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "4784".

ص: 100

‌197 - عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني

(1)

: " ع"

ممن شهد فتح مكة، وله جماعة أحاديث.

في كنيته أقوال: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد الله، وأبو محمد، وأبو عمرو، وأبو حماد.

وكان من نبلاء الصحابة.

حدَّث عنه: أبو هريرة، وأبو مسلم الخولاني -وماتا قبله بمدة، وجبير ابن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وراشد بن سعد، ويزيد بن الأصم، وشريح بن عبيد، والشعبي، وسالم أبو النضر، وسليم بن عامر. وشداد أبو عمار.

وشهد غزوة مؤتة، وقال: رافقني مددي من أهل اليمن، ليس معه غير سيفه .... ، الحديث بطوله، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:"هل أنتم تاركو لي أمرائي"

(2)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 280"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 256"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 61"، الإصابة "3/ ترجمة 6101"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة رقم 303"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5488".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "6/ 27 - 28"، ومن طريقه أخرجه أبو داود "2719" و"2720"، حدَّثنا الوليد بن مسلم قال: حدثني صفوان عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة من المسلمين في غزوة مؤتة، ووافقني مددي من اليمن، ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزورًا، فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدرق، ومضَيْنَا فلقينا جمع الروم، وفيهم رجل على فرسٍ له أشقر، عليه سرج مذهب، فجعل الرومي يغري بالمسلمين، وقعد له المددي خلف صخرة، فمرَّ به الرومي، فعقرب فرسه، فخَرَّ فقتله، وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ منه السلب، قال عوف: فأتيته فقلت: يا خالد، أما علمت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل، قال: بلى، ولكني استكثرته، قلت: لتردنَّه إليه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يردَّ عليه، قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصصت عليه قصة المددي وما فعله خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا خالد، ما حملك على ما صنعت"؟ قال: يا رسول الله، استكثرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا خالد، ردَّ عليه ما أخذت منه"، قال عوف: فقال: دونك يا خالد، لم أف لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وما ذاك"؟ فأخبرته، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"يا خالد، لا ترده عليه، هل أنتم تاركو لي أمراء لي، لكم صفوة أمرهم، وعليهم كدره".

قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، والوليد بن مسلم مدلس، يدلس تدليس التسوية، لكنه قد صرَّح بالتحديث، فأَمِنَّا شر تدليسه.

ص: 101

وقال ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي مسلم قال: حدثني الحبيب الأمين: "أما هو إليّ فحبيب، وأما هو عندي فأمين" عوف بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أو ثمانية أو تسعة فقال: "ألا تبايعون"?

الحديث

(1)

.

قال الواقدي. كانت راية أشجع يوم الفتح مع عوف بن مالك.

بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، حدثني عوف، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في خيمة من أدم، فتوضأ وضوءًا مكيثًا، قلت: يا رسول الله، أدخل؟ قال:"نعم"، قلت: كلي قال: "كلك" ثم قال: "يا عوف، اعدد ستًا بين يدي الساعة

" وذكر الحديث

(2)

.

ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف قال: عرَّس بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوسَّد كل إنسان منَّا ذراع راحلته، فانتبهت في بعض الليل، فإذا أنا لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند راحلته، فأفزعني ذلك، فانطلقت ألتمسه، فإذا معاذ وأبو موسى يلتمسانه، فبينا نحن على ذلك؛ إذ سمعنا هزيزًا بأعلى الوادي كهزيز الرحى. قال: فأخبرناه بما كان من أمرنا. فقال: "أتاني الليلة آتٍ من ربي، فخيَّرني بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة".

فقلت: أنشدك الله، والصحبة يا نبي الله، لم جعلتنا من أهل شفاعتك؟ قال:"فإنكم من أهل شفاعتي"

(3)

.

جعفر بن برقان، حدثنا ثابت بن الحجاج الكلابي قال: شتونا في حصن دون القسطنطينية، وعلينا عوف بن مالك، فأدركنا رمضان، فقال عوف:

فذكر حديثًا.

قال الواقدي وخليفة وأبو عبيد: مات عوف سنة ثلاث وسبعين.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "1043" من طريق مروان بن محمد الدمشقي، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، به.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "3176" من طريق الحميدي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، قال: سمعت بسر بن عبيد الله، أنه سمع أبا إدريس قال: سمعت عوف بن مالك قال: فذكره.

وذكر قصة الدخول أبو داود "5000"، وابن ماجه بتمامه "4042" من طريق الوليد بن مسلم، به.

(3)

صحيح: أخرجه الطيالسي "998"، وأحمد "6/ 28 و 29"، والترمذي "2441"، والطبراني "18/ 134"، وابن خزيمة في "التوحيد""ص 264 - 265"، وابن منده في "الإيمان""925" من طرق عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف بن مالك قال: فذكره.

وأخرجه عبد الرزاق "20865"، والطبراني في "الكبير""18/ 136 و 137 و 138" من طرق عن أبي قلابة، عن عوف بن مالك، به.

التعريس: هو نزول المسافر آخر الليل نزلةً للنوم والاستراحة. يقال منه: عرَّس يعرِّس تعريسًا، ويقال فيه: أَعْرَس، والمعرَّس: موضع التعريس.

ص: 102

‌198 - معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي

(1)

: " ع"

من المهاجرين، ومن حلفاء بني عبد شمس.

وكان أمينًا على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استعمله أبو بكر على الفيء، وولي بيت المال لعمر.

روى حديثين.

وذكر أبو عبد الله بن منده -وحده: إنه شهد بدرًا. ولا يصح هذا.

روى عنه: حفيده إياس بن الحارث بن معيقيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن.

وله هجرة إلى الحبشة، وقيل: إنه قدم مع جعفر ليالي خيبر، وكان مبتلىً بالجذام.

ابن سعد: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم: حدثنا ابن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد قال: أمَّرني يحيى بن الحكم على جرش فقدمتها، فحدثوني أن عبد الله بن جعفر حدَّثهم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لصاحب هذا الوجع -الجذام:"اتقوه كما يتقى السبع إذا هبط واديًا فاهبطوا غيره".

فقدمت المدينة، فسألت عبد الله بن جعفر، فقال: كذبوا، والله ما حدثتهم هذا، ولقد رأيت عمر بن الخطاب يؤتى بالإناء فيه الماء، فيعطيه معيقيبًا، وكان رجلًا قد أسرع فيه ذاك الداء، فيشرب منه ويناوله عمر، فيضع فمه موضع فمه حتى يشرب منه، فعرفت أنه يفعله فرارًا من العدوى.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 116"، التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2123"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1938"، أسد الغابة "5/ 240"، الإصابة "3/ ترجمة 8164"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 456"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7425".

ص: 103

وكان يطلب الطب من كل من سمع له بطب، حتى قدم عليه رجلان من أهل اليمن، فقال: هل عندكما من طب لهذا الرجل الصالح؟ فقالا: أمَّا شيء يذهبه فلا نقدر عليه، ولكنَّا سنداويه دواء يوقفه فلا يزيد. فقال عمر: عافية عظيمة، فقالا: هل تنبت أرضك الحنظل، قال: نعم. قالا: فاجمع لنا منه، فأمر فجمع له ملء مكتلين عظيمين، فشَقَّا كل واحدة نصفين، ثم أضجعا معيقيبًا، وأخذ كل واحد منهما برجل، ثم جعلا يدلكان بطون قدميه بالحنظلة، حتى إذا محقت أخذا أخرى، حتى إذا رأيا معيقيبًا يتنخمه أخضر مرًّا أرسلاه.

ثم قالا لعمر: لا يزيد وجعه بعد هذا أبدًا، قال: فوالله، ما زال معيقيب متماسكًا، لا يزيد وجعه حتى مات.

صالح بن كيسان: قال أبو زناد: حدثني خارجة بن زيد أنَّ عمر دعاهم لغدائه فهابوا، وكان فيهم معيقيب -وكان به جذام- فأكل معيقيب معهم، فقال له عمر: كل مما يليك ومن شقك، فلو كان غيرك ما آكلني في صحفة، ولكان بيني وبينه قيد رمح.

وروى الواقدي، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة نحوه.

عاش معيقيب إلى خلافة عثمان.

وقيل: عاش إلى سنة أربعين رضي الله عنه.

والفرار من المجذوم وترك مؤاكلته جائز، لكن ليكن ذلك بحيث لا يكاد يشعر المجذوم، فإن ذلك يحزنه. ومن واكله -ثقة بالله وتوكلًا عليه- فهو مؤمن

(1)

.

(1)

يقول محمد أيمن الشبراوي: الصواب أنه مؤمن، ولكنه قد أثم بترك الالتزام بالثابت الصحيح المرفوع "فر من المجذوم فرارك من الأسد" وهو حديث صحيح، أمَّا ما ورد عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة، وقال: كل ثقة بالله وتوكلًا عليه" فقد أخرجه أبو داود "3925"، والترمذي "1817"، وابن ماجه "3542" من طرق، عن يونس بن محمد، حدثنا مفضل بن فضالة، عن حبيب بن الشهيد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، به مرفوعًا.

قلت: إسناده ضعيف، آفته مفضل بن فضالة البصري لا المصري، قال النسائي: ليس بالقوى. وقال ابن معين: ليس بذلك.

ص: 104

‌199 - أبو مسعود البدري

(1)

: " ع"

ولم يشهد بدرًا على الصحيح، وإنما نزل ماءً ببدر، فشهر بذلك.

وكان ممن شهد بيعة العقبة، وكان شابًّا من أقران جابر في السنّ.

روى أحاديث كثيرة، وهو معدود في علماء الصحابة، نزل الكوفة.

واسمه: عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة الأنصاري.

وقيل: يسيرة بن عسيرة -بضمهما- بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج.

حدَّث عنه ولده بشير، وأوس بن ضمعج، وعلقمة، وأبو وائل، وقيس بن أبي حازم، وربعي بن حراش، وعبد الرحمن بن يزيد، وعمرو بن ميمون، والشعبي، وعدة.

قال الواقدي: شهد العقبة ولم يشهد بدرًا.

وقال الدارقطني: جده نسيرة -بنون- فخولف.

وقال موسى بن عقبة: إنما نزل بموضع يقال له: بدر.

وروى شعبة، عن سعد بن إبراهيم قال: لم يكن بدريًّا، وقال الحكم: كان بدريًّا.

وروى شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سليمان عمَّن لا يُتَّهَم، أنَّه سمع أبا مسعود الأنصاري، وكان قد شهد بدرًا.

وقال حبيب، عن ابن سيرين: قال عمر لأبي مسعود: نبئت أنك تفتي الناس ولست بأمير! فولّ حارّها من تولى قارّها

(2)

. يدل على أن مذهب عمر أن يمنع الإمام من أفتى بلا إذن.

وقال خليفة: استعمل علي -لما حارب معاوية- على الكوفة أبا مسعود.

وكذا نقل مجالد عن الشعبي قال: فكان يقول: ما أود أن تظهر إحدى الطائفتين على الأخرى، قيل: فمه قال: يكون بينهم صلح.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 16"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2884"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 1740"، أسد الغابة "4/ 57" و"6/ 286"، الإصابة "2/ ترجمة 5606"، تهذيب التهذيب "7/ ترجمة 446"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4903".

(2)

ضعيف لانقطاعه بين محمد سيرين وعمر بن الخطاب، والمراد: ولّ شرها من تولّى خيرها.

ص: 105

فلما قدم عليّ أخبر بقوله، فقال: اعتزل عملنا، قال: وممه، قال: إنا وجدناك لا تعقل عقله، قال: أما أنا فقد بقي من عقلي أنَّ الآخر شر.

حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، قال أبو مسعود: كنت رجلًا عزيز النفس، حمي الأنف، لا يستقل مني أحد شيئًا سلطان ولا غيره، فأصبح أمرائي يخيرونني بين أن أقيم على ما أرغم أنفي وقبح وجهي، وبين أن آخذ سيفي فأضرب فأدخل النار.

وقال بشير بن عمرو: قلنا لأبي مسعود: أوصنا، قال: عليكم بالجماعة، فإن الله لن يجمع الأمة على ضلالة حتى يستريح بر، أو يُستراح من فاجر.

قال خليفة: مات أبو مسعود قبل الأربعين، وقال ابن قانع: سنة تسع وثلاثين، وقال المدائني وغيره: سنة أربعين.

وقيل: له وفادة على معاوية.

وعن خيثمة بن عبد الرحمن قال: لما خرج علي استخلف أبا مسعود على الكوفة، وتخبأ رجال لم يخرجوا مع علي، فقال أبو مسعود على المنبر: أيها الناس، من كان تخبأ فليظهر، فلعمري لئن كان إلى الكثرة إن أصحابنا لكثير، وما نعده قبحًا أن يلتقي هذان الجبلان غدًا من المسلمين، فيقتل هؤلاء هؤلاء؛ وهؤلاء هؤلاء، حتى إذا لم يبق إلَّا رجرجة

(1)

من هؤلاء وهؤلاء؛ ظهرت إحدى الطائفتين، ولكن نعد قبحًا أن يأتي الله بأمر من عنده يحقن به دماءهم ويصلح به ذات بينهم.

قال يحيى القطان: مات أبو مسعود أيام قتل علي بالكوفة.

وقال الواقدي: مات بالمدينة في خلافة معاوية.

(1)

الرجرجة: بقية الماء في الحوض الكدرة المختلطة بالطين، والمراد هنا: أرذال الناس ورعاعهم.

ص: 106

‌200 - أسامة بن زيد

(1)

: " ع"

ابن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس، المولى الأمير الكبير.

حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه، وابن مولاه.

أبو زيد، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حارثة، وقيل: أبو يزيد.

استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على جيشٍ لغزو الشام، وفي الجيش عمر والكبار، فلم يسر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبادر الصديق ببعثهم، فأغاروا على أبنى من ناحية البلقاء، وقيل: إنه شهد يوم مؤتة مع والده، وقد سكن الِمزة مدة، ثم رجع إلى المدينة فمات بها، وقيل: مات بوادي القرى.

حدَّث عنه: أبو هريرة، وابن عباس، وأبو وائل، وأبو عثمان النهدي، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة، وأبو سعيد المقبري، وعامر بن سعد، وأبو ظبيان، وعطاء بن أبي رباح، وعدة، وابناه: حسن ومحمد.

ثبت عن أسامة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن فيقول: "اللهم إني أحبهما فأحبهما"

(2)

.

قلت: هو كان أكبر من الحسن بأزيد من عشر سنين.

وكان شديد السواد، خفيف الروح، شاطرًا شجاعًا، رباه النبي صلى الله عليه وسلم وأحبه كثيرًا.

وهو ابن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم أم أيمن، وكان أبوه أبيض، وقد فرح له رسول الله بقول مجزز المدلجي: إن هذه الأقدام بعضها من بعض

(3)

.

أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، أخبرني أسامة بن زيد، أنَّ عليًّا قال: يا رسول الله، أيّ أهلك أحبّ إليك؟ قال:"فاطمة" قال: إنما أسألك عن الرجال? قال: "من أنعم الله عليه وأنعمت عليه، أسامة بن زيد"، قال: ثم مَنْ، قال:"ثم أنت"

(4)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 61 - 72"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1552"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 1020"، أسد الغابة "1/ 79"، الإصابة "1/ ترجمة 89"، تهذيب التهذيب "1/ ترجمة 391".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "3735" و"2747"، وابن سعد "4/ 62" من طريق معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسن ويقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما".

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "3731"، ومسلم "1459" من طريق ابن شهاب، عن عرو عن عائشة قالت: دخل على قائف والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، قال: فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأعجبه، فأخبر به عائشة".

(4)

ضعيف: أخرجه الترمذي "3819"، والحاكم "3/ 596"، والطبراني "369" وآفته عمر بن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، ضعفه شعبة، وابن معين. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم في رواية: لا يحتج به.

ص: 107

وروى مغيرة، عن الشعبي، أن عائشة قالت: ما ينبغي لأحد أن يبغض أسامة بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة"

(1)

.

وقالت عائشة في شأن المخزومية التي سرقت فقالوا: من يجترئ على رسول الله يكلمه فيها إلَّا أسامة حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

موسى بن عقبة وغيره، عن سالم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إليّ أسامة، ما حاشا فاطمة ولا غيرها"

(3)

.

قال زيد بن أسلم، عن أبيه قال: فرض عمر لأسامة ثلاثة آلاف وخمس مائة، وفرض لابنه عبد الله ثلاثة آلاف، فقال: لِمَ فَضَّلته عليَّ، فوالله ما سبقني إلى مشهد? قال: لأنَّ أباه كان أحبَّ إلى رسول الله من أبيك، وهو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فآثرت حب رسول الله على حبي. حسنه الترمذي

(4)

.

قال ابن عمر: أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة، فطعنوا في إمارته فقال: "إن يطعنوا في

(1)

ضعيف لانقطاعه بين عامر بن شراحيل الشعبي وعائشة، قال ابن معين: ما روى الشعبي عن عائشة فهو مرسل.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "3475" و"6887" و"6788"، ومسلم "1988""8"، وأبو داود "4373"، والترمذي "1430"، والنسائي "8/ 73 - 74"، وابن ماجه "2547"، وابن الجارود "805"، والبيهقي "8/ 253 - 254"، والبغوي "2603" من طرق عن الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، به.

(3)

صحيح: أخرجه الطبراني في "الكبير""372"، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني هدبة بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسامة أحبّ الناس إليّ" دون قوله: "ما حاشا فاطمة ولا غيرها"، وأخرجه البخاري "4469"، ومسلم "2426" من طريق عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما به. دون قوله:"ما حاشا فاطمة ولا غيرها".

(4)

ضعيف: أخرجه الترمذي "3813"، حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عن زيد بن أسلم، به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

قلت: إسناده ضعيف، آفته ابن جريج، فهو مدلس، وقد عنعنه. قال الدارقطني: سر التدليس تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلّا فيما سمعه من مجروح.

ص: 108

إمارته، فقد طعنوا في إمارة أبيه، وايم الله، إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإن ابنه هذا لمن أحبّ الناس إليَّ بعده"

(1)

.

قلت: لما أمَّره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الجيش كان عمره ثماني عشرة سنة.

ابن سعد: حدثنا يزيد، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخَرَّ الإفاضة من عرفة من أجل أسامة ينتظره، فجاء غلام أسود أفطس. فقال أهل اليمن: إنما جلسنا لهذا، فلذلك ارتدوا -يعني: أيام الردة

(2)

.

قال وكيع: سلم من الفتنة من المعروفين: سعد وابن عمر وأسامة ابن زيد ومحمد بن مسلمة.

قلت: انتفع أسامة من يوم النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ يقول له: "كيف بلا إله إلَّا الله يا أسامة" فكفَّ يده ولزم منزله فأحسن

(3)

.

عائشة قالت: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسح مخاط أسامة، فقلت: دعني حتى أكون أنا التي أفعل، فقال:"يا عائشة، أحبيه فإني أحبه"

(4)

.

قلت: كان سنّه في سنها.

مجالد، عن الشعبي، عن عائشة: أمرني رسول الله أن أغسل وجه أسامة وهو صبي، قالت: وما ولدت ولا أعرف كيف يغسل الصبيان، فآخذه، فأغسله غسلًا ليس بذاك، قالت: فأخذه فجعل يغسل وجهه ويقول: "لقد أحسن بنا أسامة؛ إذ لم يكن جارية، ولو كنت جارية لحليتك وأعطيتك"

(5)

.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "4469"، ومسلم "2426" من طريق عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما به.

(2)

ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 63" لإرساله.

(3)

صحيح: أخرجه مسلم "97".

(4)

حسن: أخرجه الترمذي "3818" حدثنا الحسين بن حريث، حدثنا الفضل بن موسى، عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: فذكرته.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

قلت: إسناده حسن، طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله القرشي، التيمي، المدني صدوق.

(5)

ضعيف: في إسناده مجالد، وهو ابن سعيد، ضعيف.

ص: 109

وفي "المسند" عن البهي، عن عائشة: قال رسول الله: "لو كان أسامة جارية لكسوته، وحلَّيته حتى أنفقه"

(1)

.

ومن غير وجه عن عمر، أنَّه لم يلق أسامة قط إلَّا قال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت عليَّ أمير.

جرير بن حازم: حدَّثنا ابن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله قال: رأيت أسامة بن زيد مضطجعًا عند باب حجرة عائشة، رافعًا عقيرته يتغنَّى، ورأيته يصلي عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فمَرَّ به مروان، فقال: أتصلي عند قبر، وقال له قولًا قبيحًا، فقال: يا مروان، إنك فاحش متفحِّش، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله يبغض الفاحش المتفحّش"

(2)

.

وقال قيس بن أبي حازم: إن رسول الله حين بلغه أنَّ الراية صارت إلى خالد قال: "فهلا إلى رجل قُتِلَ أبوه"? يعني: أسامة.

إبراهيم بن طهمان، عن عتبة بن عبد الله، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم، قال: دخلت على فاطمة بنت قيس وقد طلَّقها زوجها

الحديث. فلما حلت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل ذكرك أحد"؟ قالت: نعم، معاوية وأبو الجهم، فقال:"أمَّا أبو الجهم فشديد الخلق، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، ولكن أنكحك أسامة". فقلت: أسامة تهاونًا بأمر أسامة، ثم قلت: سمعًا وطاعة لله ولرسوله، فزوجينه فكرمني الله بأبي زيد، وشرَّفني الله ورفعني به

(3)

.

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد "6/ 139 و 222"، وابن ماجه "1976"، وابن سعد "4/ 61 - 62" من طريق شريك القاضي، عن العباس بن ذريح، عن البهي، عن عائشة، به.

قلت: إسناده ضعيف، شريك هو ابن عبد الله النخعي القاضي، سيئ الحفظ، والبهي هو عبد الله بن يسار، لم يسمع من عائشة -كما قال أحمد بن حنبل.

(2)

حسن: أخرجه الطبراني في "الكبير""405" من طريق وهب بن جرير قال: حدثنا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث، عن صالح بن يسان، عن عبيد الله بن عبد الله، به.

قلت: إسناده حسن، محمد بن إسحاق صدوق، وقد صرَّح بالتحديث، فأَمِنَّا شر تدليسه.

وأخرجه الطبراني في "الكبير""399" و"404"، وفي "الأوسط""330"، والخطيب في "تاريخ بغداد""13/ 188" من طريق عثمان بن حكيم، عن محمد بن أفلح مولى أبي أيوب، عن أسامة.

(3)

صحيح: أخرجه مسلم "1480""49" من طريق أبي عاصم، حدَّثنا سفيان الثوري، حدثني أبو بكر بن أبي الجهم، قال: فذكره.

ص: 110

وروى معناه مالك، عن عبد الله بن يزيد، عن أبي سلمة عنها

(1)

.

قال عروة بن الزبير: قال أبو بكر: والله، لأن تخطفني الطير أحبّ إليَّ من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث أسامة واستأذنه في عمر أن يتركه عنده.

قال: فلمَّا بلغوا الشام أصابتهم ضبابة شديدة، فسترتهم حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم، فقدم على هرقل موت النبي صلى الله عليه وسلم، وإغارة أسامة على أرضه في آنٍ واحد، فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم وأن أغاروا على أرضنا!

ابن إسحاق، عن سعيد بن عبيد بن السباق، عن محمد بن أسامة، عن أبيه قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هبطت وهبط الناس المدينة، فدخلت عليه، وقد أصمت فلا يتكلم، فجعل يضع يديه عليَّ ثم يرفعهما، فأعرف أنه يدعو لي

(2)

.

أحمد في مسنده: حدَّثنا حجاج، أخبرنا شريك، عن العباس بن ذريح، عن البهي، عن عائشة: أن أسامة عثر بأسكفة الباب فشجَّ في جبهته، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمصه ثم يمجه، وقال:"لو كان أسامة جارية لكسوته وحلَّيته حتى أنفقه"

(3)

.

شريك، عن أبي إسحاق، عن جبلة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يغز أعطى سلاحه عليًّا أو أسامة

(4)

.

الزبير بن بكار، حدثنا محمد بن سلام، عن يزيد بن عياض، قال: أهدى حكيم بن حزام للنبي صلى الله عليه وسلم في الهدنة حلة ذي يزن، اشتراها بثلاث مائة دينار، فردَّها وقال:"لا أقبل هدية مشرك"، فباعها حكيم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من اشتراها له، فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه حكيم فيها، قال:

(1)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 580 - 581"، ومسلم "1480"، وأبو داود "2284" عن عبد الله بن يزيد، به.

(2)

حسن: أخرجه أحمد "5/ 201"، والترمذي "3817"، والطبراني "377" من طريق محمد بن إسحاق، به.

قلت: إسناده حسن، محمد بن إسحاق صدوق، وقد صرَّح بالتحديث عند أحمد، فأَمِنَّا شر تدليسه.

(3)

ضعيف: تقدَّم تخريجنا له بتعليق رقم "242"، وهو عند أحمد "6/ 139 و 222"، وابن ماجه "1976"، وابن سعد "4/ 61 - 62".

(4)

ضعيف: شريك هو ابن عبد الله النخعي القاضي، سيئ الحفظ.

ص: 111

ما ينظر الحكام بالفضل بعدما

بدا سابق ذو غرة وحجول

(249)

فكساها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد.

فرآها عليه حكيم فقال: بخ بخ يا أسامة عليك حلة ذي يزن.

فقال له رسول الله: "قل له: وما يمنعني وأنا خير منه وأبي خير من أبيه".

(250)

معمر عن الزهري قال: لقي علي أسامة بن زيد فقال: ما كنا نعدك إلا من أنفسنا يا أسامة فلم لا تدخل معنا؟ قال: يا أبا حسن إنك والله لو أخذت بمشفر الأسد لأخذت بمشفره الآخر معك حتى نهلك جميعاً أو نحيا جميعاً فأما هذا الأمر الذي أنت فيه فوالله لا أدخل فيه أبداً.

روى نحوه عمرو بن دينار عن أبي جعفر عن حرملة مولى أسامة قال: بعثني أسامة إلى علي .... فذكر نحوه.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن العدل: أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه: أخبرنا محمد بن عبد الباقي: أخبرنا علي بن الحسين البزار: أخبرنا أبو علي بن شاذان: أخبرنا أبو سهل بن زياد: حدثنا أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة عن أبيه عن جده أسامة بن زيد قال: أدركت رجلاً أنا ورجل من الأنصار فلما شهرنا عليه السيف قال: لا إله إلا الله فلم ننزع عنه حتى قتلناه. فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبرناه خبره. فقال: "يا أسامة من لك بلا إله إلا الله". فقلنا: يا رسول الله إنما قالها تعوذاً من القتل. قال: "من لك يا أسامة بلا إله إلا الله"؟ فما زال يرددها حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن وأني أسلمت يومئذ ولم أقتله.

(249)

الغُرَّة: البياض في وجه الفرس. والحُجول: جمع حجل. قال أبو عُبيدة: المُحَجَّل من الخيل أن تكون قوائمه الأربع بيضًا، يبلُغُ البياض منها ثُلثُ الوظيف أو نصفَهُ أو ثلثيه بعد أن يتجاوز الأرساغ ولا يبلغ الركبتين والعُرقوبين فيُقالُ مُحَجَّل القوائم.

(250)

ضعيف جدًا: آفته يزيد بن عياض، قال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال على: ضعيف. ورماهُ مالك بالكذب. وقال النسائي وغيره: متروك وقال ابن معين في رواية عنه كان يكذب.

ص: 112

فقلت: إني أعطي الله عهداً ألا أقتل رجلاً يقول: لا إله إلا الله أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بعدي يا أسامة"؟ قال: بعدك

(251)

.

رواه شيخ آخر عن أحمد بن عبد الجبار: فزاد فيه: قال: أدركته يعني مرداس بن نهيك أنا ورجل فلما شهرنا عليه السيف قال: أشهد أن لا إله إلا الله.

هشام الدستوائي: حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني عمر بن الحكم ابن ثوبان أن مولى قدامة بن مظعون حدثه: أن مولى أسامة قال: كان أسامة يركب إلى مال له بوادي القرى فيصوم الاثنين والخميس في الطريق. فقلت له: تصوم الاثنين والخميس في السفر وقد كبرت وضعفت أو رققت! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس وقال: "إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس"

(252)

.

يونس بن بكير: حدثنا ابن إسحاق عن ابن ابن أسامة بن زيد عن جده أسامة قال: كنت أصوم شهراً من السنة فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أين أنت عن شوال"! فكان أسامة إذا أفطر أصبح الغد صائماً من شوال حتى يتم على آخره.

ابن أبي الدنيا: أخبرنا عمرو بن بكير عن أبي عبد الرحمن الطائي قال: قدم أسامة على معاوية فأجلسه معه وألطفه فمد رجله. فقال معاوية: يرحم الله أم أيمن كأني أنظر إلى ظنبوب ساقها بمكة كأنه ظنبوب نعامة خرجاء. فقال: فعل الله بك يا معاوية هي والله خير منك! قال: يقول معاوية: اللهم غفراً.

الظنبوب: هو العظم الظاهر. والخرجاء: فيها بياض وسواد.

له في مسند بقي مئة وثمانية عشر حديثاً منها في البخاري مسلم خمسة عشر وفي البخاري حديث. وفي مسلم حديثان.

(251)

صحيح: أخرجه أحمد (5/ 200)، والبخاري (4269) و (6872)، ومسلم (96)(159)، والواحدي في "أسباب النزول"(ص 117) من طريق هشيم، قال أخبرنا حُصين قال أخبرنا أبو ظبيان قال سمعت أسامة بن زيد يقول: فذكره.

قلت: أبو ظبيان هو حصين بن جندب.

(252)

صحيح: أخرجه أبو داود (2436)، والنسائي (4/ 201 - 202)، وأحمد (5/ 200) وورد من حديث أبي هريرة: أخرجه مالك (2/ 908)، وأحمد (2/ 39)، ومسلم (2565)، والترمذي (747)، وابن ماجه (1740)، والدارمي (2/ 20) من طرق عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُفتح أبوابُ الجنة كلَّ اثنين وخميس، وتُعرضُ الأعمالُ في كل اثنين وخميس".

ص: 113

قال الزهري: مات أسامة بالجرف.

وعن المقبري قال: شهدت جنازة أسامة فقال ابن عمر: عجلوا بحب رسول الله قبل أن تطلع الشمس.

قال ابن سعد: مات في آخر خلافة معاوية.

‌201 - عمران بن حصين

(253)

ابن عبيد بن خلف. القدوة الإمام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبو نجيد الخزاعي.

أسلم هو وأبوه وأبو هريرة في وقت سنة سبع. وله عدة أحاديث.

وولي قضاء البصرة وكان عمر بعثه إلى أهل البصرة ليفقههم فكان الحسن يحلف: ما قدم عليهم البصرة خير لهم من عمران بن الحصين.

حدث عنه مطرف بن عبد الله بن الشخير وأبو رجاء العطاردي وزهدم الجرمي. وزرارة بن أوفى والحسن وابن سيرين وعبد الله بن بريدة والشعبي وعطاء مولى عمران بن حصين والحكم بن الأعرج وعدة.

قال زرارة: رأيت عمران بن حصين يلبس الخز.

وقال مطرف بن عبد الله: قال لي عمران بن حصين: أحدثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة ولم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه وأنه كان يسلم علي يعني الملائكة قال: فلما اكتويت أمسك ذلك فلما تركته عاد إلي

(254)

.

وقد غزا عمران مع النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة وكان ينزل ببلاد قومه ويتردد إلى المدينة.

قال أبو خشينة عن الحكم بن الأعرج عن عمران بن حصين قال: ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم

(255)

.

(253)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 287)، التاريخ الكبير (6/ترجمة 2804)، الجرح والتعديل (6/ ترجمة 1641)، وأسد الغابة (4/ 281)، الإصابة (3/ترجمة 6010)، خلاصة الخزرجي (2/ترجمة 5424).

(254)

صحيح: أخرجه مسلم (1626)(167)، وأحمد (4/ 427).

(255)

صحيح: أخرجه أحمد (4/ 439)، وابن سعد (4/ 287)، والحاكم (3/ 472) من طريق أبي خُشَينة حاجب بن عمر، عن الحكم، يعنى ابن الأعرج، عن عمرو بن الحصين، به. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.

ص: 114

وروى هشام عن محمد قال: ما قدم البصرة أحد يفضل على عمران بن حصين.

قال قتادة: بلغني أن عمران قال: وددت أني رماد تذروني الرياح.

قلت: وكان ممن اعتزل الفتنة ولم يحارب مع علي.

أيوب عن حميد بن هلال عن أبي قتادة: قال لي عمران بن حصين: الزم مسجدك. قلت: فإن دخل علي قال: الزم بيتك قلت: فإن دخل علي؟ قال: لو دخل علي رجل يريد نفسي ومالي لرأيت أن قد حل لي أن أقتله.

ثابت البناني: عن مطرف عن عمران قال: اكتوينا فما أفلحن ولا أنجحن يعني المكاوي.

قتادة عن مطرف: قال لي عمران في مرضه: إنه قد كان يسلم علي فإن عشت فاكتم علي.

حميد بن هلال عن مطرف قلت لعمران: ما يمنعني من عيادتك إلا ما أرى من حالك. قال: فلا تفعل فإن أحبه إلي أحبه إلى الله.

يزيد بن هارون: أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران عن أبيه أن عمران قضى على رجل بقضية فقال: والله قضيت علي بجور وما ألوت. قال: وكيف؟ قال: شهد علي بزور. قال: فهو في مالي ووالله لا أجلس مجلسي هذا أبداً.

وكان نقش خاتم عمران تمثال رجل.

عن أبي رجاء قال: خرج علينا عمران في مطرف خز لم نره قط فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن ترى عليه"

(256)

.

قال ابن سيرين: سقى بطن عمران بن حصين ثلاثين سنة كل ذلك يعرض عليه الكي فيأبى حتى كان قبل موته بسنتين فاكتوى.

عمران بن حدير عن أبي مجلز قال: كان عمران ينهى عن الكي فابتلى فاكتوى فكان يعج!

(256)

صحيح: أخرجه أحمد (4/ 438)، وابن سعد (4/ 291) من طريق شعبة، عن الفضيل بن فضالة، عن أبي رجاء العطاردي عمران بن ملحان، عن عمران بن حصين، به.

وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو: عند الترمذي (2819).

وله شاهد ثانٍ من حديث أبي هريرة: عند أحمد (2/ 311).

ص: 115

قال مطرف: قال لي عمران: أشعرت أن التسليم عاد إلي؟ قال: ثم لم يلبث إلا يسيراً حتى مات.

ابن علية عن مسلمة بن علقمة عن الحسن: أن عمران بن حصين أوصى لأمهات أولاده بوصايا وقال: من صرخت علي فلا وصية لها.

توفي عمران سنة اثنتين وخمسين. رضي الله عنه.

مسنده: مئة وثمانون حديثاً.

اتفق الشيخان له على تسعة أحاديث وانفرد البخاري بأربعة أحاديث ومسلم بتسعة.

‌202 - حسان بن ثابت

(257)

ابن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك ابن النجار. سيد الشعراء المؤمنين المؤيد بروح القدس. أبو الوليد ويقال: أبو الحسام. الأنصاري الخزرجي النجاري المدني ابن الفريعة.

شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه.

حدث عنه ابنه عبد الرحمن والبراء بن عازب وسعيد بن المسيب وأبو سلمة وآخرون. وحديثه قليل.

قال ابن سعد: عاش ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام.

قال ابن سعد: عن الواقدي: لم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهداً. كان يجبن وأمه الفريعة بنت خنيس.

قال مسلم: كنيته أبو عبد الرحمن وقيل أبو الوليد.

وقال ابن منده: حدث عنه عمر وعائشة وأبو هريرة.

قال ابن إسحاق: سألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان: ابن كم كان حسان وقت الهجرة؟ قال: ابن ستين سنة وهاجر رسول الله ابن ثلاث وخمسين.

(257)

ترجمته في التاريخ الكبير (3/ترجمة 120)، الجرح والتعديل (3/ترجمة 1026) أسد الغابة (2/ 5)، الإصابة (1/ ترجمة 1704)، تهذيب التهذيب (2/ترجمة 450)، وخلاصة الخزرجي (1/ ترجمة 1301).

ص: 116

الزهري عن ابن المسيب قال: كان حسان في حلقة فيهم أبو هريرة فقال: أنشدك الله يا أبا هريرة هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أجب عني أيدك الله بروح القدس"؟ فقال: اللهم نعم

(258)

.

وروى عدي بن ثابت عن البراء: أن رسول الله قال لحسان: "اهجهم وهاجهم وجبريل معك"

(259)

.

وقال سعيد بن المسيب: مر عمر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظه. فقال حسان: قد كنت أنشد فيه وفيه خير منك. قال: صدقت

(260)

.

ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن عائشة قالت: كان حسان يضع له النبي صلى الله عليه وسلم منبراً في المسجد يقوم عليه قائماً ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله يقول: "إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".

أخرجه أبو داود والترمذي

(261)

.

مجالد عن عامر عن جابر قال: لما كان يوم الأحزاب قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يحمي أعراض المسلمين"؟ قال كعب بن مالك: أنا. وقال ابن رواحة: أنا وقال حسان: أنا قال: "نعم اهجهم أنت وسيعينك عليهم روح القدس"

(262)

.

(258)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق (1716) و (20509) و (20510)، وأحمد (5/ 222)، والحميدي (1105)، والبخاري (3212)، ومسلم (2485)، والنسائي (2/ 48) وفي "عمل اليوم والليلة" له (171)، والبيهقي (2/ 448)، و (10/ 337)، والبغوي (3406) من طريق الزهري، به.

(259)

صحيح: أخرجه البخاري (3213) و (4123) و (4124) و (6153)، ومسلم (2486)، وأحمد (4/ 299) من طريق عدى بن ثابت، به

(260)

صحيح: تقدَّم تخريجنا في التعليق قبل السابق برقم (258).

(261)

صحيح: أخرجه أحمد (6/ 72)، وأبو داود (5015)، والترمذي (2746)، وفي "الشمائل"(249)، والحاكم (3/ 487)، والطبراني (3580) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، وهشام بن عروة، عن عائشة، به.

وأخرجه مسلم (2490)، والطبراني (3582)، والبيهقي (10/ 238) من طريق الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، به.

(262)

ضعيف: في إسناده مجالد، وهو ابن سعيد. ضعيف.

ص: 117

وعن عروة قال: سببت ابن فريعة عند عائشة فقالت: يا ابن أخي أقسمت عليك لما كففت عنه فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(263)

.

عمر بن حوشب عن عطاء بن أبي رباح سمعه يقول: دخل حسان على عائشة بعدما عمي فوضعت له وسادة فدخل أخوها عبد الرحمن فقال: أجلستيه على وسادة وقد قال ما قال؟ يريد: مقالته نوبة الإفك فقالت: إنه تعني أنه كان يجيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشفي صدره من أعدائه وقد عمي وإني لأرجو ألا يعذب في الآخرة.

وروي عن عائشة قالت: قدم رسول الله المدينة فهجته قريش وهجوا معه الأنصار. فقال لحسان: "اهجهم وإني أخاف أن تصيبني معهم بهجو بني عمي".

قال: لأسلنك منهم سل الشعرة من العجين ولي مقول يفري مالا تفريه الحربة. ثم أخرج لسانه فضرب به أنفه كأنه لسان شجاع

(264)

بطرفه شامة سوداء ثم ضرب به ذقنه.

يحيى بن أيوب: حدثنا عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة: أن حسان قال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني هذا. ثم أطلع لسانه كأنه لسان حية.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لي فيهم نسباً فائت أبا بكر فإنه أعلم قريش بأنسابها فيخلص لك نسبي". قال: والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم ونسبك سل الشعرة من العجين. فهجاهم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد شفيت واشتفيت"

(265)

.

محمد بن السائب بن بركة عن أمه: أنها طافت مع عائشة ومعها نسوة فوقعن في حسان فقالت: لا تسبوه قد أصابه ما قال الله: "أولئك لهم عذاب أليم" وقد عمي والله إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بكلمات قالهن لأبي سفيان بن الحارث:

هجوت محمداً فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

أتهجوه ولست له بكفء

فشركما لخيركما الفداء

(263)

صحيح: أخرجه مسلم (2487) من طريق أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، أن حسان بن ثابت كان ممن كثَّر على عائشة، فَسّببتُهُ، فقالت يا ابن أختى دعه، فإنه كان يُنافحُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(264)

الشُّجاع: بالضم والكسر: الحيَّة الذكر، وقيل: هو الحيَّة مطلقًا وقيل: هو ضربٌ من الحيَّات، وقيل: هو ضربٌ منها صغير، والجمع أشْجِعَةٌ وشُجعان وشِجْعان.

(265)

صحيح: أخرجه مسلم (2490).

ص: 118

عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اهج قريشاً فإنه أشد عليهم من رشق النبل".

وسمعته يقول: "هجاهم حسان فشفى".

قال حسان: هجوت محمداً فذكر أبياته ومنها.

ثكلت بنيتي إن لم تروها

تثير النقع موعدها كداء

ينازعن الأعنة مصعدات

على أكتافها الأسل الظماء

تظل جيادها متمطرات

يلطمهن بالخمر النساء

فإن أعرضتم عنا اعتمرنا

وكان الفتح وانكشف الغطاء

وإلا فاصبروا لضراب يوم

يعز الله فيه من يشاء

وقال الله قد أرسلت عبداً

يقول الحق ليس به خفاء

وقال الله قد سيرت جنداً

هم الأنصار عرضتها اللقاء

يلاقوا كل يوم من معد

سبابا أو قتالاً أو هجاء

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

وجبريل رسول الله فينا

وروح القدس ليس له كفاء

(266)

أبو الضحى عن مسروق قال: كنت عند عائشة فدخل حسان بعد ما عمي فقال:

حصان رزان ما تزن بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

(266)

الأبيات ذكرها مسلم (2490) بتمامها.

وقوله (كنفى كداء): أي جانبى كداء. وكداء ثنية على باب مكة. وقوله (يُبارين الأعنَّة) ويروى (يُبارعن الأعنة) قال القاضى عياض: الأول هو رواية الأكثرين، ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفوسها تضاهى أعنتها بقوة جبذها لها، وهى منازعتها لها أيضًا. و (الأسل): الرماح. (والظماء): الرقاق.

وقوله: "مُصعدات": أي مُقبلات إليكم ومتوجهات.

(تظل جنودنا متمطرات): أي تظل خيولنا مسرعات يسبق بعضها بعضًا، (تلطمهن بالخمر النساء) الخمر جمع خمار وهو ما تغطى به المرأة رأسها. أي يزلن عنهن الغبار. وهذا لعزتها وكرامتها عندهم.

"سيرت جندًا" أي هيأتهم وأرصدتهم.

(عرضتها اللقاء) أي مقصودها ومطلوبها.

(ليس له كفاء) أي ليس له مماثل ولا مقاوم.

ص: 119

فقالت: لكن أنت لست كذاك. فقلت لها: تأذنين له وقد قال الله: "والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم" النور 11 فقالت: وأي عذاب أشد من العمى.

وقالت: إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(267)

.

وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حسان: "لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق".

هذا حديث منكر من مسند الروياني من رواية أبي ثمامة مجهول عن عمر بن إسماعيل إسماعيل مجهول عن هشام بن عروة. وله شويهد رواه الواقدي عن سعيد بن أبي زيد الأنصاري عن رجل عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة سمع حمزة بن عبد الله بن عمر سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "حسان حجاز بين المؤمنين والمنافقين لا يحبه منافق ولا يبغضه مؤمن".

فهذا اللفظ أشبه. ويبقى قسم ثالث وهو حبه سكت عنه.

حديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير قال: قيل لابن عباس: قدم حسان اللعين! فقال ابن عباس: ما هو بلعين قد جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ولسانه.

قلت: هذا دال على أنه غزا.

عبدة بن سليمان عن أبي حيان التيمي عن حبيب بن أبي ثابت قال: أنشد حسان النبي صلى الله عليه وسلم.

شهدت بإذن الله أن محمداً

رسول الذي فوق السماوات من عل

وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما

له عمل من ربه متقبل

وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم

يقول بذات الله فيهم ويعدل

(268)

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأنا". هذا مرسل.

وروى أبو غسان النهدي: حدثنا عمر بن زياد عن عبد الملك بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشده حسان فذكرها وزاد:

(267)

صحيح: أخرجه مسلم (2488).

(268)

هذه الأبيات في ديوان حسان (186).

ص: 120

وأن الذي عادى اليهود ابن مريم

نبي أتى من عند ذي العرش مرسل

(269)

قال ابن إسحاق عن عاصم بن عمر وعبد الله بن حزم: إن حسان لما قال هذه الأبيات:

منع النوم بالعشاء الهموم

وخيال إذا تغور النجوم

من حبيب أصاب قلبك منه

سقم فهو داخل مكتوم

يا لقوم هل يقتل المرء مثلي

واهن البطش والعظام سؤوم

شأنها العطر والفراش ويعلو

ها لجين ولؤلؤ منظوم

لو يدب الحولي من ولد الذ

ر عليها لأندبتها الكلوم

لم تفقها شمس النهار بشيء

غير أن الشباب ليس يدوم

زاد بعضهم:

رب حلم أضاعه عدم الما

ل وجهل غطى عليه النعيم

نادى بأعلى صوته على أطمة فارع: يا بني قيلة فلما اجتمعوا قالوا: مالك ويلك؟ قال: قلت قصيدة لم يقل أحد من العرب مثلها ثم أنشدها لهم فقالوا: ألهذا جمعتنا فقال: وهل يصبر من به وحر الصدر.

الأصمعي وغيره عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد قال: كان الغناء يكون في العريسات ولا يحضره شيء من السفه كاليوم كان في بني نبيط مدعاة كان فيها حسان بن ثابت وابنه وقد عمي وجاريتان تنشدان:

انظر خليلي بباب جلق هل

تؤنس دون البلقاء من أحد

أجمال شعثاء إذ ظعن من ال

محبس بين الكثبان والسند

فجعل حسان يبكي وهذا شعره وابنه يقول للجارية زيدي وفيه:

يحملن حور العيون ترفل في الر

يط حسان الوجوه كالبرد

من دون بصرى وخلفها جبل الثل

ج عليه السحاب كالقدد

(269)

راجع ديوان حسان (186).

ص: 121

والبدن إذ قربت لمنحرها

حلفة بر اليمين مجتهد

ما حلت عن عهد ما علت ولا

أحببت حبي إياك من أحد

أهوى حديث الندمان في وضح الفج

ر وصوت المسامر الغرد

فطرب حسان وبكى.

قال ابن الكلبي: كان حسان لسناً شجاعاً فأصابته علة أحدثت فيه الجبن.

قال سليمان بن يسار: رأيت حسان له ناصية قد سدلها بين عينيه.

إسحاق الفروي وآخر عن أم عروة بنت جعفر بن الزبير بن العوام عن أبيها عن جدها قال: لما خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه يوم أحد خلفهن في فارع

(270)

وفيهن صفية بنت عبد المطلب وخلف فيهن حسان فأقبل رجل من المشركين ليدخل عليهن. فقالت صفية لحسان: عليك الرجل فجبن وأبى عليها فتناولت السيف فضربت به المشرك حتى قتلته. فأخبر بذلك فضرب لها بسهم.

وزاد الفروي فيه: أنه قال لو كان ذاك في لكنت مع رسول الله.

قالت: فقطعت رأسه وقلت لحسان: قم فاطرحه على اليهود وهم تحت الحصن. قال: والله ما ذاك في. فأخذت رأسه فرميت به عليهم فقالوا: قد علمنا والله إن هذا لم يكن ليترك أهله خلوفاً ليس معهم أحد فتفرقوا.

فقوله: يوم أحد وهم.

وروى نحوه ابن إسحاق: حدثنا يحيى بن عباد عن أبيه وفيه: فقالت لحسان: قم فاسلبه فإني امرأة وهو رجل. فقال: ما لي بسلبه يا بنت عبد المطلب من حاجة.

وروى يونس بن بكير عن هشام عن أبيه عن صفية مثله.

قال ابن إسحاق: توفي حسان سنة أربع وخمسين.

وأما الهيثم بن عدي والمدائني فقالا: توفي سنة أربعين.

قلت: له وفادة على جبلة بن الأيهم وعلى معاوية.

قال ابن سعد: توفي زمن معاوية.

(270)

هو: حصن حسان.

ص: 122

‌203 - كعب بن مالك

(271)

ابن أبي كعب عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب ابن سلمة الأنصاري الخزرجي العقبي الأحدي.

شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وأحد الثلاثة الذين خلفوا فتاب الله عليهم.

شهد العقبة وله عدة أحاديث تبلغ الثلاثين اتفقا على ثلاثة منها وانفرد البخاري بحديث ومسلم بحديثين.

روى عنه بنوه: عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن ومحمد ومعبد بنو كعب وجابر وابن عباس وأبو أمامة وعمر بن الحكم وعمر بن كثير بن أفلح وآخرون وحفيده عبد الرحمن بن عبد الله.

وقيل: كانت كنيته في الجاهلية أبا بشير.

وقال ابن أبي حاتم: كان كعب من أهل الصفة وذهب بصره في خلافة معاوية.

وقد ذكره عروة في السبعين الذين شهدوا العقبة.

وروى صدقة بن سابق عن ابن إسحاق قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك.

وقيل: بل آخى بين كعب والزبير.

حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير وكعب بن مالك فارتث

(272)

كعب يوم أحد فجاء به الزبير يقوده ولو مات يومئذ لورثه الزبير فأنزل الله: "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله" الأنفال 75.

وعن كعب: لما انكشفنا يوم أحد كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرت به المؤمنين حياً سوياً وأنا في الشعب. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم كعباً بلأمته وكانت صفراء فلبسها كعب وقاتل يومئذ قتالاً شديداً حتى جرح سبعة عشر جرحاً.

(271)

ترجمته في التاريخ الكبير (7/ ترجمة 953)، والجرح والتعديل (7/ ترجمة 902)، وحلية الأولياء (3/ 173)، أسد الغابة (4/ 487)، الإصابة (3/ترجمة 7433)، تهذيب التهذيب (8/ترجمة 794)، خلاصة الخزرجي (2/ ترجمة 5965).

(272)

ارتُثَّ: أي جُرح.

ص: 123

قال ابن سيرين: كان شعراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك.

قال عبد الرحمن بن كعب عن أبيه: أنه قال: يا رسول الله قد أنزل الله في الشعراء ما أنزل قال: "إن المجاهد مجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل"

(273)

.

قال ابن سيرين: أما كعب فكان يذكر الحرب يقول: فعلنا ونفعل ويتهددهم وأما حسان فكان يذكر عيوبهم وأيامهم. وأما ابن رواحة فكان يعيرهم بالكفر.

وقد أسلمت دوس فرقاً من بيت قاله كعب:

نخيرها ولو نطقت لقالت

قواطعهن دوساً أو ثقيفاً

عن ابن المنكدر عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن مالك: "ما نسي ربك لك وما كان ربك نسياً بيتاً قلته". قال: ما هو قال: "أنشده يا أبا بكر" فقال:

زعمت سخينة

(274)

أن ستغلب ربها

وليغلبن مغالب الغلاب

عن الهيثم والمدائني: أن كعباً مات سنة أربعين.

وروى الواقدي: أنه مات سنة خمسين.

وعن الهيثم بن عدي أيضاً: أنه توفي سنة إحدى وخمسين.

وقصة توبة الثلاثة في الصحيح

(275)

وشعره منه في السيرة.

(273)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق (11/ 20500)، ومن طريقه أخرجه أحمد (6/ 387) عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، به.

قلت: إسناده صحيح. رجاله ثقات.

(274)

السَّخينة: هى طعام يتخذ من الدقيق دون العصيدة في الرقة وفوق الحساء، وإنما يأكلون السَّخينة والنّفيتة في شدَّة الدهر وغلاء السِّعْر وعَجَف المال. وكانت قريش تكثر من أكلها حتى لقبوا بها "سخينة".

(275)

صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (14/ 540 - 545)، والبخاري (4418)، ومسلم (2769)، وابن جرير في "جامع البيان"(17447)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(5/ 273 - 279) من طرق عن الزهري؛ عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن عبد الله بن كعب بن مالك، به في حديث طويل.

ص: 124

الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزبير وبين كعب بن مالك

(276)

.

قال الزبير: فلقد رأيت كعباً أصابته الجراحة بأحد فقلت: لو مات فانقلع عن الدنيا لورثته حتى نزلت: "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله" الأنفال 75. فصارت المواريث بعد للأرحام والقرابات وانقطعت حين نزلت: "وأولو الأرحام" تلك المواريث بالمواخاة.

وفي رواية ابن إسحاق: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين كعب وطلحة.

وقد أنشد كعب علياً قوله في عثمان رضي الله عنهم:

فكف يديه ثم أغلق بابه

وأيقن أن الله ليس بغافل

وقال لمن في داره لا تقاتلوا

عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل

فكيف رأيت الله صب عليهم ال

عداوة والبغضاء بعد التواصل

وكيف رأيت الخير أدبر عنهم

وولى كإدبار النعام الجوافل

فقال علي: استأثر عثمان فأساء الأثرة وجزعتم أنتم فأسأتم الجزع.

الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه: سمعت كعباً يقول: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حتى كانت تبوك إلا بدراً وما أحب أني شهدتها وفاتتني بيعتي ليلة العقبة وقلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة إلا ورى بغيرها. فأراد في غزوة تبوك أن يتأهب الناس أهبة وكنت أيسر ما كنت وأنا في ذلك أصغو إلى الظلال وطيب الثمار فلم أزل كذلك حتى خرج. فقلت: أنطلق غداً فأشتري جهازي ثم ألحق بهم. فانطلقت إلى السوق فعسر علي فرجعت فقلت: أرجع غداً فلم أزل حتى التبس بي الذنب وتخليت فجعلت أمشي في أسواق المدينة فيحزنني أني لا أرى إلا مغموصاً عليه في النفاق أو ضعيفاً. وكان جميع من تخلف عن رسول الله بضعة وثمانين رجلاً.

ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم تبوك ذكرني وقال: "ما فعل كعب"؟ فقال رجل من قومي: خلفه يا نبي الله برداه والنظر في عطفيه. فقال معاذ: بئس ما قلت! والله ما نعلم إلا خيراً.

إلى أن قال: فلما رآني صلى الله عليه وسلم تبسم تبسم المغضب وقال: "ألم تكن ابتعت ظهرك"

(276)

ضعيف جدًا: في إسناده الواقدي، متروك كما ذكرنا مرارًا. وهو مرسل.

ص: 125

قلت: بلى قال: "فما خلفك"؟ قلت: والله لو بين يدي أحد غيرك جلست لخرجت من سخطه علي بعذر لقد أوتيت جدلاً ولكن قد علمت يا نبي الله أني أخبرك اليوم بقول تجد علي فيه وهو حق فإني أرجو فيه عقبى الله.

إلى أن قال: والله ما كنت قط أيسر ولا أخف حاذاً مني حين تخلفت عنك فقال: "أما هذا فقد صدقكم قم حتى يقضي الله فيك" فقمت.

إلى أن قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامنا أيها الثلاثة.

فجعلت أخرج إلى السوق فلا يكلمني أحد وتنكر لنا الناس حتى ما هم بالذين نعرف وتنكرت لنا الحيطان والأرض. وكنت أطوف وآتي المسجد فأدخل وآتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه فأقول: هل حرك شفتيه بالسلام! واستكان صاحباي فجعلا يبكيان الليل والنهار لا يطلعان رؤوسهما! فبينا أنا أطوف في السوق إذا بنصراني جاء بطعام يقول: من يدل على كعب فدلوه علي! فأتاني بصحيفة من ملك غسان فإذا فيها: أما بعد فإنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك ولست بدار مضيعة ولا هوان فالحق بنا نواسك. فسجرت لها التنور وأحرقتها.

إلى أن قال: إذ سمعت نداء من ذروة سلع: أبشر يا كعب بن مالك. فخررت ساجداً. ثم جاء رجل على فرس يبشرني فكان الصوت أسرع من فرسه فأعطيته ثوبي بشارة ولبست غيرهما.

ونزلت توبتنا على النبي صلى الله عليه وسلم ثلث الليل فقالت أم سلمة: يا نبي الله ألا نبشر كعباً؟ قال: "إذاً يحطمكم الناس ويمنعونكم النوم".

قال: فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون وهو يستنير كاستنارة القمر فقال: أبشر يا كعب بخير يوم أتى عليك ثم تلا عليهم: "لقد تاب الله على النبي". التوبة 117. الآيات.

وفينا نزلت أيضاً: "اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" التوبة 119.

فقلت: يا نبي الله إن من توبتي ألا أحدث إلا صادقاً وأن أنخلع من مالي كله صدقة. فقال: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ..... الحديث".

ص: 126

وفي لفظ: فقام إلي طلحة يهرول حتى صافحني وهنأني. فكان لا ينساها لطلحة

(277)

.

‌204 - جرير بن عبد الله

(278)

ابن جابر بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن حشم بن عوف الأمير النبيل الجميل أبو عمرو وقيل: أبو عبد الله البجلي القسري وقسر من قحطان.

من أعيان الصحابة.

حدث عنه: أنس وقيس بن أبي حازم وأبو وائل والشعبي وهمام ابن حارث وأولاده الأربعة: المنذر وعبيد الله وإبراهيم لم يدركه وأيوب وشهر بن حوشب وزياد بن علاقة وحفيده أبو زرعة بن عمرو بن جرير وأبو إسحاق السبيعي وجماعة.

وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم.

أحمد: حدثنا إسحاق الأزرق: حدثنا يونس عن المغيرة بن شبل قال: قال جرير: لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي وحللت عيبتي ولبست حلتي ثم دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فرماني الناس بالحدق. فقلت لجليسي: يا عبد الله هل ذكر رسول الله من أمري شيئاً؟ قال: نعم ذكرك بأحسن الذكر بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته فقال: "إنه سيدخل عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن ألا وإن على وجهه مسحة ملك". قال: فحمدت الله

(279)

.

قلت: كان بديع الحسن كامل الجمال.

ابن عيينة: حدثنا إسماعيل عن قيس: سمعت جرير بن عبد الله يقول: ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم

(277)

صحيح: تقدم تخريجنا له في التعليق قبل السابق برقم (275).

(278)

ترجمته في طبقات ابن سعد (6/ 22)، التاريخ الكبير (2/ترجمة رقم 2225)، الجرح والتعديل (2 /ترجمة 2064)، أسد الغابة (1/ 333)، الإصابة (1/ترجمة 136)، تهذيب التهذيب (2/ترجمة 115).

(279)

حسن: أخرجه أحمد (4/ 359 - 360 و 364)، والطبراني (2483) من طرق عن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، به.

قلت: إسناده حسن، يونس بن أبي إسحاق، صدوق. والمغيرة بن شبل ثقة.

ص: 127

إلا تبسم في وجهي وقال: "يطلع عليكم من هذا الباب رجل من خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك"

(280)

.

سوار بن مصعب عن مجالد عن الشعبي. عن عدي بن حاتم قال: لما دخل يعني جريراً على النبي صلى الله عليه وسلم ألقى له وسادة فجلس على الأرض. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أشهد أنك لا تبغي علواً في الأرض ولا فساداً" فأسلم. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه"

(281)

.

الواقدي: حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: قدم جرير البجلي المدينة في رمضان سنة عشر ومعه من قومه خمسون ومئة. فقال رسول الله: "يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن". فطلع جرير على راحلته ومعه قومه فأسلموا

(282)

.

أبو العباس السراج: حدثنا أبو بكر بن خلف: حدثنا يزيد بن نصر بصري ثقة: حدثنا حفص بن غياث عن معبد بن خالد بن أنس بن مالك عن أبيه عن جده: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل جرير بن عبد الله فضن الناس بمجالسهم فلم يوسع له أحد فرمى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردة كانت معه حباه بها وقال: دونكها يا أبا عمرو فاجلس عليها. فتلقاها بصدره ونحره وقال: أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه"

(283)

.

ورواه جعفر بن أحمد بن بسام عن أبي صفوان المدني عن حفص بهذا.

وروى نحوه مسلم بن إبراهيم عن عون بن عمرو عن الجريري عن ابن بريدة عن يحيى بن معمر عن جرير.

وروى إبراهيم النخعي عن همام أنه رأى جريراً بال ثم توضأ ومسح على خفيه فسألته فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.

(280)

صحيح: أخرجه الحميدي (800)، ومسلم (2475) من طريق بيان، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله، به.

(281)

ضعيف جدًا: في إسناده سَوَّار بن مصعب، متروك كما قال النسائي وغيره وقال البخاري: منكر الحديث. ومجالد هو ابن سعيد، ضعيف.

(282)

ضعيف جدًا: في إسناده الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا مرارًا.

(283)

ضعيف: فيه معبد بن خالد بن أنس، مجهول. وكذا أبوه.

ص: 128

ثم قال إبراهيم فكان يعجبهم هذا لأن جريراً من آخر من أسلم

(284)

.

ابن أبي خالد عن قيس عن جرير: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ألا تريحني من ذي الخلصة بيت خثعم". وكان يسمى الكعبة اليمانية.

قال: فخربناه أو حرقناه حتى تركناه كالجمل الأجرب. وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره فبرك على خيل أحمس ورجالها خمس مرات.

قال: وقلت: يا رسول الله إني رجل لا أثبت على الخيل. فوضع يده على وجهي وفي لفظ يحيى القطان: فوضع يده في صدري وقال: "اللهم اجعله هادياً مهدياً".

وفيه: فانطلقت في خمسين ومئة فارس من أحمس

(285)

.

أبو غسان النهدي: حدثنا سليمان بن إبراهيم بن جرير عن أبان بن عبد الله البجلي عن أبي بكر بن حفص عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جرير منا أهل البيت ظهراً لبطن قالها ثلاثاً"

(286)

.

هذا منكر وصوابه من قول علي.

الزيادي وغيره قالا: حدثنا خالد بن عمرو الأموي: حدثنا مالك بن مغول عن أبي زرعة عن جرير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتيه وفود العرب فيبعث إلي فألبس حلتي ثم أجيء فيباهي بي

(287)

.

وروي عن جرير: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك امرؤ قد حسن الله خلقك فحسن خلقك".

وعن عيسى بن يزيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجب من عقل جرير وجماله.

(284)

صحيح: أخرجه البخاري (387)، ومسلم (272)، وأبو داود (154)، والترمذي (93)، والنسائي (1/ 81).

(285)

صحيح: أخرجه البخاري (4357)، ومسلم (2476)، وأحمد (4/ 360 و 362 و 365).

(286)

منكر: أخرجه ابن عدى في "الكامل"(1/ 388)، والطبراني (2211)، وفي إسناده انقطاع بين أبي بكر بن حفص وعلى بن أبي طالب، فإنه لم يدركه. وسليمان بن إبراهيم بن جرير لم أجد من ترجمه. وهو من قول عليٍّ كما قال الحافظ الذهبي، ورفعه منكر.

(287)

موضوع: آفته خالد بن عمرو الأموي السعيدي، قال أحمد: ليس بثقة. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال صالح جزرة: يضع الحديث.

ص: 129

خالد بن عبد الله عن بيان عن قيس عن جرير قال: رآني عمر بن الخطاب متجرداً فناداني: خذ رداءك خذ رداءك فأخذت ردائي ثم أقبلت إلى القوم فقلت: ماله قالوا: لما رآك متجرداً قال: ما أرى أحداً من الناس صور صورة هذا إلا ما ذكر من يوسف عليه السلام.

عمر بن إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن بيان عن قيس عن جرير: أنه مشى في إزار بين يدي عمر فقال: خذ رداءك وقال للقوم ما رأيت رجلاً أحسن من هذا إلا ما بلغنا من صورة يوسف

(288)

.

أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير: حدثني إبراهيم بن جرير: أن عمر قال: جرير يوسف هذه الأمة

(289)

.

مغيرة عن الشعبي عن جرير قال: كنت عند عمر فتنفس رجل يعني: أحدث فقال عمر: عزمت على صاحب هذه لما قام فتوضأ. فقال جرير: اعزم علينا جميعاً فقال: عزمت علي وعليكم لما قمنا فتوضأنا ثم صلينا.

ورواه يحيى القطان عن مجالد عن الشعبي وله طرق وزاد بعضهم فقال عمر: يرحمك الله نعم السيد كنت في الجاهلية ونعم السيد كنت في الإسلام.

مجالد عن الشعبي: كان على ميمنة سعد بن أبي وقاص يوم القادسية جرير بن عبد الله.

قال ابن عساكر: سكن جرير الكوفة ثم سكن قرقيسياء وقدم رسولاً من علي إلى معاوية.

الزبير بن بكار: حدثني محمد بن يحيى حدثني عمران بن عبد العزيز الزهري قال: بلغني أن جريراً قال: بعثني علي إلى معاوية يأمره بالمبايعة فخرجت لا أرى أحداً سبقني إليه فإذا هو يخطب والناس يبكون حول قميص عثمان وهو معلق في رمح

(290)

.

(288)

ضعيف جدًا: في إسناده عمر بن إسماعيل بن مجالد، كذبه ابن معين. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال ابن عدى: يسرق الحديث.

(289)

ضعيف: لانقطاعه بين إبراهيم بن جرير، وعمر بن الخطاب. كما أن إبراهيم بن جرير لم يسمع من أبيه.

(290)

ضعيف جدًا: لإعضاله بين الزهري وجرير. كما أن عمران بن عبد العزيز الزهري: منكر الحديث كما قال يحيى بن معين والبخاري.

ص: 130

قال ابن سعد: قال محمد بن عمر: لم يزل جرير معتزلاً لعلي ومعاوية بالجزيرة ونواحيها حتى توفي بالشراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة.

أبو نعيم والفريابي: حدثنا أبان بن عبد الله البجلي: حدثني إبراهيم ابن جرير عن أبيه قال: بعث علي إلي ابن عباس والأشعث وأنا بقرقيسياء فقالا: أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول: نعم ما رأيت من مفارقتك معاوية وإني أنزلك بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أنزلكها. فقال جرير: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني إلى اليمن أقاتلهم حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوا حرمت دماؤهم وأموالهم. فلا أقاتل من يقول: لا إله إلا الله

(291)

.

قال الهيثم بن عدي: ذهبت عين جرير بهمدان إذ وليها لعثمان.

قال الهيثم وخليفة ومحمد بن مثنى: توفي جرير سنة إحدى وخمسين.

وقال ابن الكلبي: مات سنة أربع وخمسين.

ومسند جرير نحو من مئة حديث بالمكرر. اتفق له الشيخان على ثمانية أحاديث وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بستة.

‌205 - أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري

(292)

السلمي المدني البدري العقبي الذي أسر العباس رضي الله عنهما يوم بدر.

شهد العقبة وله عشرون سنة.

وهو الذي انتزع راية المشركين يوم بدر ومناقبه كثيرة.

حدث عنه: صيفي مولى أبي أيوب وعبادة بن الوليد الصامتي وموسى بن طلحة وحنظلة بن قيس وغيرهم. له أحاديث قليلة.

(291)

ضعيف: في إسناده علتان: الأولى أبان بن عبد الله البجلي، في حفظه لين كما قال الحافظ في "التقريب". الثانية: الانقطاع بين إبراهيم بن جرير، وأبيه، فإنه لم يسمع منه كما قال الحافظ في "التقريب".

(292)

ترجمته في طبقات ابن سعد (3/ 581)، التاريخ الكبير (7/ترجمة 955)، الجرح والتعديل (7/ ترجمة 901)، أسد الغابة (4/ 484)، الإصابة (3/ترجمة 7422) تهذيب التهذيب (8/ترجمة 791).

ص: 131

وقيل كان دحداحاً قصيراً مدملكاً

(293)

ذا بطن.

وقد شهد صفين مع علي وكان من بقايا البدريين.

مات بالمدينة في سنة خمس وخمسين.

وبعضهم يقول: هو آخر من مات ممن شهد بدراً. فالله أعلم.

خرج له مسلم دون البخاري.

‌206 - أبو أسيد الساعدي

(294)

من كبراء الأنصار شهد بدراً والمشاهد.

واسمه: مالك بن ربيعة بن البدن له أحاديث.

وقد ذهب بصره في أواخر عمره.

حدث عنه بنوه: المنذر وحمزة والزبير وعباس بن سهل بن سعد وعبد الملك بن سعيد وأنس بن مالك وأبو سلمة بن عبد الرحمن ومولاه علي بن عبيد الساعدي وطائفة.

مات سنة أربعين وهو قول ابن سعد وخليفة.

وقال المدائني: توفي سنة ستين وهذا بعيد وأشذ منه قول أبي القاسم ابن مندة سنة خمس وستين وقال أبو حفص الفلاس: مات سنة ثلاثين.

قال ابن سعد: وكانت مع أبي أسيد راية بني ساعدة يوم الفتح

(295)

.

وعن عباس بن سهل بن سعد قال رأيت أبا أسيد بعد أن ذهب بصره قصيراً دحداحاً أبيض الرأس واللحية كثير الشعر. مات سنة ستين.

وروى ابن عجلان عن عبيد الله بن أبي رافع قال: رأيت أبا أسيد يحفي شاربه كأخي الحلق.

(293)

الدَّحْداح: هو القصير السمين. والمدملك: المفتول المعصوب.

(294)

ترجمته في طبقات ابن سعد (3/ 557 - 558)، التاريخ الكبير (7/ ترجمة 1279) أسد الغابة (5/ 23)، الإصابة (3/ ترجمة 7628)، تهذيب التهذيب (10/ ترجمة 16) وخلاصة الخزرجي (3/ ترجمة 6808).

(295)

صحيح: أخرجه ابن سعد (3/ 558).

ص: 132

وقال ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله قال: رأيت أبا هريرة وأبا أسيد وأبا قتادة وابن عمر يمرون بنا ونحن في الكتاب فنجد منهم ريح العبير. وهو الخلوق يصفرون به لحاهم.

وقد كان أبو أسيد له خاتم من ذهب فكأنه لم يبلغه التحريم.

وقيل إنه عاش ثمانياً وسبعين سنة رحمه الله وله عقب بالمدينة وبغداد.

وقع له في مسند بقي ثمانية وعشرون حديثاً.

وشهد بدراً ابن عمه مالك بن مسعود بن البدن.

حماد بن زيد عن يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار: أصيب أبو أسيد ببصره قبل قتل عثمان فقال: الحمد لله الذي لما أراد الفتنة في عباده كف بصري عنها.

‌207 - حويطب بن عبد العزى القرشي

(296)

العامري المعمر. من الصحابة الذين أسلموا يوم الفتح.

يروي عن عبد الله بن السعدي عن عمر حديث العمالة

(297)

.

رواه عنه السائب بن يزيد الصحابي ولا نعلم حويطباً يروي سواه.

وهو أحد الذين أمرهم عمر بتجديد أنصاب حدود حرم الله وأحد من دفن عثمان ليلاً.

وقد باع من معاوية داراً له بالمدينة بأربعين ألف دينار فيما بلغنا.

وكان حميد الإسلام.

(296)

ترجمته في طبقات ابن سعد (5/ 454)، التاريخ الكبير (3/ ترجمة 426)، الجرح والتعديل (3/ ترجمة 1398)، أسد الغابة (2/ 75)، الإصابة (1/ ترجمة 1882)، تهذيب التهذيب (3/ ترجمة 126)، خلاصة الخزرجي (1/ ترجمة 1728).

(297)

صحيح: أخرجه البخاري (7163) حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرنى السائب ابن يزيد ابن أخت نَمِر أن حُويطب بن عبد العُزَّى أخبره أن عبد الله بن السَّعدى أخبره أنه قدم على عمر في خلافته فقال له عمر: ألم أحدِّث أنك تلى من أعمال الناس أعمالًا فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت: بلى، فقال عمر: ما تريدُ إلى ذلك؟ قلتُ إنَّ لى أفراسًا وأعبدًا وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتى صدقة على المسلمين. قال عمر: لا تفعل، فإنى كنتُ أردتُ الذي أردت، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعطينى العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه منى، حتى أعطانى مرة مالًا فقُلتُ: أعطه أفقرَ إليه منى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خُذهُ فتمولهُ وتصدَّقَ به، فما جاءك من هذه المال -وأنت غير مشرف ولا سائل- فخذهُ، وإلَّا فلا تُتبعه نفسك".

ص: 133

عاش مئة وعشرين سنة. مات سنة أربع وخمسين وقيل: سنة اثنتين وخمسين.

وله ترجمة في تاريخ ابن عساكر.

وسار إلى الشام مجاهداً وقد حضر بدراً فقال: رأيت الملائكة تقتل وتأسر فقلت: هذا رجل ممنوع.

واستقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين أربعين ألفاً وأعطاني من غنائم حنين مئة من الإبل

(298)

. رواه الواقدي.

‌208 - سعيد بن يربوع القرشي

(299)

شيخ بني مخزوم. من مسلمة الفتح.

عاش أيضاً مئة وعشرين سنة. وكذلك حكيم بن حزام وحسان بن ثابت.

عند سعيد حديث أخرجه أبو داود

(300)

رواه عنه ابنه عبد الرحمن.

وقد تألفه النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين بعيراً من غنائم حنين.

وكان ممن يجدد أنصاب الحرم.

أضر بأخرة وتوفي سنة أربع وخمسين.

(298)

ضعيف جدًا: أخرجه الحاكم (3/ 493) من طريق الواقدي، وهو متروك.

(299)

ترجمته في التاريخ الكبير (3/ ترجمة 1511)، والجرح والتعديل (4/ ترجمة 304)، أسد الغابة (2/ 401)، الإصابة (2/ ترجمة 3291)، تهذيب التهذيب (4/ ترجمة 167)، خلاصته الخزرجي (1/ ترجمة 2561).

(300)

أخرجه أبو داود (2684) من طريق عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي، حدثنى جدى. عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة أربعة لا أؤمنهم في حل ولا حرم" فسماهم، قال: وقينتين كانتا لمِقْيَس فقتلت إحداهما وأفلتت الأخرى فأسلمت".

قلت: إسناده ضعيف، فيه جهالة عمر بن عثمان بن عبد الرحمن، قال الحافظ في "التقريب" مجهول.

ص: 134

‌209 - مخرمة بن نوفل

(301)

ابن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. أبو المسور القرشي الزهري الصحابي من الطلقاء وكان كبير بني زهرة.

كساه النبي صلى الله عليه وسلم حلة فاخرة

(302)

باعها بأربعين أوقية. وكان من المؤلفة قلوبهم.

أبو عامر الخزاز عن أبي يزيد المدني عن عائشة قالت: جاء مخرمة بن نوفل فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم به قال: "بئس أخو العشيرة". فلما دخل بش به. قالت: فلما خرج كلمته في ذلك فقال: "يا عائشة أعهدتني فحاشاً إن شر الناس من يتقى شره"

(303)

.

بقي مخرمة إلى بعد الخمسين فمات في سنة أربع وخمسين وله مئة عام وخمسة عشر عاماً.

وكان والده نوفل ابن عم آمنة بنت وهب بن عبد مناف الزهرية والدة النبي صلى الله عليه وسلم. فلهذا أكرمه النبي صلى الله عليه وسلم وبش به وخلع عليه حلة مثمنة.

وكان ولده المسور بن مخرمة من صغار الصحابة ومن أشراف قريش وعلمائهم.

‌210 - أبو الغادية الصحابي

(304)

من مزينة وقيل: من جهينة.

من وجوه العرب وفرسان أهل الشام يقال شهد الحديبية.

(301)

ترجمته في التاريخ الكبير (8/ ترجمة 1982)، الجرح والتعديل (8/ ترجمة 1656) أسد الغابة (5/ 125)، الإصابة (3/ ترجمة 7840).

(302)

صحيح: أخرجه البخاري (2599)، ومسلم (1058)، وأبو داود (4028)، والترمذي (2818)، والنسائي (8/ 205) عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما أنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبيةً ولم يُعْط مَخرمة منها شيئًا، فقال مخرمة: يا بُنى انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت معه فقال: ادخُل فادعُه لى، قال فدعوتُه له، فخرج إليه وعليه قَباءٌ منها فقال: خبأنا هذا لك. قال: فنظر إليه فقال: رضى مَخْرمة".

(303)

صحيح: أخرجه الحميدي (249)، وأحمد (6/ 38)، والبخاري (6054) و (6131) ومسلم (2591)(73)، وأبو داود (4791)، والترمذي (1996)، والبيهقي (10/ 245)، والبغوي (3563) من طرق عن سفيان بن عيينة، قال: سمعت محمد بن المنكدر، يقول: حدثنى عروة بن الزبير، أنه سمع عائشة تقول: فذكره.

(304)

ترجمته في أسد الغابة (6/ 237)، الإصابة (4/ ترجمة 881).

ص: 135

وله أحاديث مسندة. وروى له الإمام أحمد في المسند.

حدث عنه: ابنه سعد وكلثوم بن جبر وحيان بن حجر وخالد بن معدان والقاسم أبو عبد الرحمن. قال البخاري وغيره له صحبة.

روى حماد بن سلمة عن كلثوم بن جبر عن أبي غادية قال: سمعت عماراً يشتم عثمان فتوعدته بالقتل فرأيته يوم صفين يحمل على الناس فطعنته فقتلته وأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قاتل عمار وسالبه في النار"

(305)

.

إسناده فيه انقطاع.

قال عثمان بن أبي العاتكة: رمى العدو الناس بالنفط فقال معاوية: أما إذ فعلوها فافعلوا فكانوا يترامون بها. فتهيأ رومي لرمي سفينة أبي الغادية في طنجير

(306)

. فرماه أبو الغادية بسهم فقتله. وخر الطنحير في سفينتهم فاحترقت بأهلها. كانوا ثلاث مئة. فكان يقال: رمية سهم أبي الغادية قتلت ثلاث مئة نفس.

لم أجد لأبي الغادية وفاة.

‌211 - صفوان بن المعطل

(307)

ابن رحضة بن المؤمل. أبو عمرو السلمي ثم الذكواني المذكور بالبراءة من الإفك.

وفي قصة الإفك قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "ما علمت إلا خيراً".

وكان يسير في ساقة الجيش فمر فرأى سواد إنسان فقرب فإذا هو بأم المؤمنين عائشة قد ذهبت لحاجتها فانقطع لها عقد فردت تفتش عليه وحمل الناس فحملوا هودجها يظنونها فيه وكانت صغيرة لها اثنا عشر عاماً وساروا فردت إلى المنزلة فلم

(305)

ضعيف: أخرجه أحمد (4/ 198) حدثنا عفان، قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا أبو حفص وكلثوم بن جبر، عن أبي غادية، به.

قلت: إسناده منقطع بين كلثوم وأبى حفص، وأبى الغادية.

(306)

الطنجير: قدر فارسي معرب.

(307)

ترجمته في التاريخ الكبير (4/ ترجمة 2922)، الجرح والتعديل (4/ ترجمة 1844)، أسد الغابة (3/ 30)، الإصابة (2/ ترجمة 4089).

ص: 136

تلق أحداً فقعدت وقالت: سوف يفقدونني. فلما جاء صفوان رآها وكان يراها قبل الحجاب وكان الحجاب قد نزل من نحو سنة. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون لم ينطق بغيرها وأناخ بعيره وركبها وسار يقود بها حتى لحق الناس نازلين في المضحى فتكلم أهل الإفك وجهلوا حتى أنزل الله الآيات في براءتها

(308)

. ولله الحمد.

وقال صفوان: إن كشفت كنف أنثى قط. وقد روي له حديثان.

حدث عنه: سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وسعيد المقبري وسلام أبو عيسى. وروايتهم عنه مرسلة لم يلحقوه فيما أرى إن كان مات سنة تسع عشرة.

قال ابن سعد: أسلم صفوان بن المعطل قبل المريسيع

(309)

وكان على ساقة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: مات بسميساط

(310)

في آخر خلافة معاوية حدثني بذلك محمد بن عمر.

وقال خليفة: مات بناحية سميساط من الجزيرة وقبره هناك.

القواريري وعلي بن حجر حدثنا عبد الله بن جعفر المديني: أخبرنا محمد بن يوسف عن عبد الله بن الفضل عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن صفوان بن المعطل السلمي قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرمقت صلاته ليلة فصلى العشاء الآخرة ثم نام فلما كان نصف الليل استنبه فتلا العشر من آخر آل عمران ثم نام ثم قام ثم تسوك ثم توضأ وصلى ركعتين فلا أدري: أقيامه أم ركوعه أم سجوده كان أطول ثم انصرف فنام ثم استيقظ فتلا ذلك العشر ثم تسوك وتوضأ وصلى ركعتين.

قال: فلم يزل يفعل كما فعل أول مرة حتى صلى إحدى عشرة ركعة

(311)

.

(308)

صحيح: تقدَّم تخريجنا له في الجزء السابق بتعليقنا رقم (958). وهو عند أحمد (6/ 194 - 197)، والبخاري (2661) و (4141) و (4750)، ومسلم (2770)، وغيرهم.

(309)

المُرَيْسيع: هو ماء لبنى خزاعة بينه وبين الفُرع (موضع من ناحية المدينة) مسيرة يوم، وتُسمَّى غزوة بنى المُصطلق، وهو لقب لجُذيمة بن سعد بن عمرو بطن من بنى خزاعة. وكانت الغزوة في شعبان سنة خمس.

(310)

هي: مدينة على شاطئ الفرات في غربية في طرف بلاد الروم.

(311)

ضعيف: أخرجه أحمد (5/ 312)، والطبراني (7343)، وفي إسناده عبد الله بن جعفر المدينى، والد على بن المدينى. قال يحيى: ليس بشئ. وقال ابن المديني: أبي ضعيف وقال أبو حاتم: منكر الحديث جدًا، وقال النسائي: متروك الحديث. وقال الجوزجاني: واهٍ.

ص: 137

وبإسناد غير متصل في تاريخ دمشق أن صفوان بن المعطل حمل بداريا

(312)

على رجل من الروم عليه حلية الأعاجم فطعنه فصرعه فصاحت امرأته وأقبلت نحوه فقال صفوان:

ولقد شهدت الخيل يسطع نقعها

ما بين داريا دمشق إلى نوى

فطعنت ذا حلي فصاحت عرسه

يا ابن المعطل ما تريد بما أرى

فأجبتها أني سأترك بعلها

بالدير منعفر المضاحك بالثرى

وإذا عليه حلية فشهرتها

إني كذلك مولع بذوي الحلى

وفي مسند الهيثم بن كليب من طريق عامر بن صالح بن رستم عن أبيه عن الحسن عن سعد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: شكي صفوان بن المعطل إلى رسول الله قال: وكان يقول هذا الشعر.

فقال: "دعوا صفوان فإنه خبيث اللسان طيب القلب"

(313)

.

وفيه عن سعد قال وكنا في مسير لنا ومعنا تمر فجاءني صفوان ابن المعطل فقال أطعمني من ذلك التمر قلت إنما هو تمر قليل ولست آمن أن يدعو به أظنه: أراد النبي صلى الله عليه وسلم فإذا نزلوا فأكلوا أكلت معهم قال أطعمني فقد أصابني الجهد فلم يزل بي حتى أخذ السيف فعقر الراحلة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "قولوا لصفوان: فليذهب".

فلما نزلوا لم يبت تلك الليلة يطوف في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى علياً فقال: أين أذهب أذهب إلى الكفر فدخل علي على رسول الله فقال: إن هذا لم يدعنا نبيت هذه الليلة قال: أين يذهب؟ إلى الكفر قال: "قولوا لصفوان فليحلق".

روى نحوه القواريري عن سليم بن أخضر عن ابن عون عن الحسن عن صاحب زاد النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

عروة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك حمد الله ثم قال: "أما بعد: أشيروا

(312)

داريًّا: من قرى دمشق جنوب غربيها تبعد عنها أربعة أميال تقريبًا.

(313)

ضعيف: في إسناده علتان: الحسن البصري، مدلس، وقد عنعنه. العلة الثانية: عامر بن صالح بن رستم، سيئ الحفظ.

ص: 138

علي في أناس أبنوا أهلي وايم الله إن علمت على أهلي من سوء قط وأبنوهم بمن والله إن علمت عليه سوءاً قط"

(314)

.

ابن يونس: أخبرنا يونس عن الزهري عن ابن المسيب عن صفوان ابن المعطل قال: ضرب حسان بن ثابت بالسيف في هجاء هجاه به فأتى حسان النبي صلى الله عليه وسلم فاستعداه عليه فلم يقده منه وعقل له جرحه وقال: "إنك قلت قولاً سيئاً".

رواه معمر فلم يذكر ابن المسيب.

قلت الذي قاله حسان.

أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا

وابن الفريعة أمسى بيضة البلد

(315)

فغضب صفوان وقال: يعرض بي ووقف له ليلة حتى مر حسان فيضربه بالسيف ضربة كشط جلدة رأسه. فكلم النبي صلى الله عليه وسلم حسان ورفق به حتى عفا فأعطاه صلى الله عليه وسلم سيرين أخت مارية لعفوه فولدت له ابنه عبد الرحمن.

وقد روي: أن صفوان شكته زوجته أنه ينام حتى تطلع الشمس فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال: إنا أهل بيت معروفون بذلك

(316)

.

فهذا بعيد من حال صفوان أن يكون كذلك وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم على ساقة الجيش فلعله آخر باسمه.

(314)

صحيح: تقدَّم تخريجنا له في الجزء السابق بتعليق رقم (958)، وهو عند البخاري (2661) و (4141)، ومسلم (2770)، وأحمد (6/ 194 - 197) فراجعه ثمَّ.

(315)

الجَلابيبُ: هم سفلة الناس. وابن الفُريعة: هو حسان بن ثابت. والفُريعة هى أمُّه. وبيضة البلد: هي الوحيدة شبهت بذلك لأن النعامة تبيض وتتركها في الفلاة فلا تحضنها.

(316)

ضعيف: أخرجه أبو داود (2459)، وأحمد (3/ 80) من طريق عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجى صفوان بن المعطل يضربنى إذا صليت ويفطرنى إذا صمت، ولا يصلى صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله، أما قولها يضربنى إذا صليت فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها، قال: فقال: "لو كانت سورة واحدة لكفت الناس". وأما قولها يفطرنى فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ "لا تصوم امرأة إلَّا بإذن زوجها" وأما قولها إنى لا أصلى حتى تطلع الشمس فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: فإذا استيقظت فَصَلِّ".

قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو صالح، باذام، مولى أم هانئ، ضعيف، ومدلس وقد عنعنه.

ص: 139

قال الواقدي: مات صفوان بن المعطل سنة ستين بسميساط.

وقال خليفة: مات بالجزيرة وكان على ساقة النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاعراً.

وقال ابن إسحاق: قتل في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة قال: وكان أحد الأمراء يومئذ.

قلت: فهذا تباين كثير في تاريخ موته فالظاهر أنهما اثنان. والله أعلم.

‌212 - دحية الكلبي

(317)

ابن خليفة بن فروة بن فضالة: الكلبي القضاعي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ورسوله بكتابه إلى عظيم بصرى ليوصله إلى هرقل.

روى أحاديث.

حدث عنه: منصور بن سعيد الكلبي ومحمد بن كعب القرظي وعبد الله بن شداد بن الهاد وعامر الشعبي وخالد بن يزيد بن معاوية.

وقد شهد اليرموك وكان على كردوس

(318)

وسكن المزة

(319)

.

أحمد: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا عمر من آل حذيفة عن الشعبي عن دحية الكلبي: قلت: يا رسول الله ألا أحمل لك حماراً على فرس فينتج لك بغلة تركبها؟ قال: "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون"

(320)

.

(317)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 249)، التاريخ الكبير (3/ ترجمة 878)، الجرح والتعديل (3/ ترجمة 1996)، أسد الغابة (2/ 158)، الإصابة (1/ ترجمة 2390)، وتهذيب التهذيب (3/ ترجمة 394)، خلاصة الخزرجي (1/ ترجمة 1962).

(318)

الكردوس: الكتيبة.

(319)

المِزَّة. قرية من أعمال دمشق في الجنوب الغربي منها.

(320)

صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، فلا يمكن أن يكون عامر الشعبي قد سمع من دحية الكلبى وإن بقى إلى خلافة معاوية فالإسناد منقطع، أخرجه أحمد (4/ 311) وللحديث شاهد من حديث على بن أبي طالب قال: أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة، فأعجبته، فقلنا: يا رسول الله لو أنزينا الحُمُر على خيلنا، فجاءت مثل هذه، فقال:"إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون". أخرجه أحمد (1/ 100)، وأبو داود (2565)، والنسائي (6/ 224)، والطحاوي في "شرح معانى الآثار"(3/ 271)، والبيهقي (10/ 22 - 23) من طرق عن الليث قال: حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير (مرثد بن عبد الله اليزني المصرى)، عن عبد الله بن زُرَير، عن على بن أبي طالب قال: فذكره. =

ص: 140

رواه عيسى بن يونس عن عمر عن الشعبي مرسلاً: أن حذيفة قال ذلك.

قال ابن سعد: أسلم دحية قبل بدر ولم يشهدها. وكان يشبه بجبريل. بقي إلى زمن معاوية.

وقال دحيم: ذريته بالبقاع.

وقيد ابن ماكولا في أجداده الخرج وهو العظيم البطن.

الهيثم بن عدي عن الكلبي عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه عن دحية: قدمت من الشام فأهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاكهة يابسة من فستق ولوز وكعك الحديث

(321)

.

إسناده واه.

وعن جابر الجعفي عن الشعبي عن دحية الكلبي قال: أهديت لرسول الله جبة صوف وخفين. فلبسهما حتى تخرقا

(322)

. جابر واه.

وعن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن شداد عن دحية قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معي بكتاب إلى قيصر فقمت بالباب فقلت: أنا رسول رسول الله ففزعوا لذلك. فدخل عليه الآذن فأدخلت وأعطيته الكتاب. "من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم".

= وورد من طريق آخر عن على عند أحمد (1/ 98)، والبيهقي (10/ 23).

قال الطحاوي في "شرح معانى الآثار"(3/ 273): فإن قال قائل: فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون؟ " قيل له: قد قال أهل العلم في ذلك: معناه أن الخيل قد جاء في ارتباطها، واكتسابها، وعلفها الأجر، وليس ذلك في البغال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما ينزى فرس على فرس، حتى يكون عنهما ما فيه الأجر، ويحمل حمارًا على فرس فيكون عنهما بغل لا أجر فيه". الذين لا يعلمون أي: لأنهم يتركون بذلك إنتاج ما في ارتباطه الأجر، وينتجون ما لا أجر في ارتباطه.

وقال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" حديث رقم (218): أن الحُمُر إذ حملت على الخيل كان ما يكونُ بينهما بغالات وبغال لا ثوب في ارتباطها ولا سُهمان لها في الغنائم لمن غزا عليها، وإذا حُملت الخيل على الخيل، كانت عنها خيلًا، في ارتباطها الثوابُ الذي وعَدَ الله على لسان رسوله مرتبطيها.

(321)

ضعيف جدًا: في إسناده محمد بن السائب الكلبي، متروك ورواه الطبراني (4200)، وفيه علتان: عنبة بن سعيد، لا يعرف. والعلة الثانية: جابر بن يزيد الجُعفي، قال النسائي وغيره: متروك. وقال يحيى: لا يكتب حديثه ولا كرامة. وقال أبو داود: ليس عندى بالقوى في حديثه.

(322)

ضعيف جدًا: في إسناده جابر بن يزيد الجعفي، متروك كما ذكرنا في التعليق السابق.

ص: 141

فإذا ابن أخ له أحمر أزرق قد نخر ثم قال: لم لم يكتب ويبدأ بك لا تقرأ كتابه اليوم. فقال لهم: اخرجوا.

فدعا الأسقف وكانوا يصدرون عن رأيه فلما قرئ عليه الكتاب قال: هو والله رسول الله الذي بشرنا به عيسى وموسى. قال: فأي شيء ترى قال: أرى أن نتبعه قال قيصر: وأنا أعلم ما تقول ولكن لا أستطيع أن أتبعه يذهب ملكي ويقتلني الروم

(323)

.

رواه اثنان عن يحيى بن سلمة عن أبيه.

عبد الله بن أبي يحيى عن مجاهد: قال: بعث رسول الله دحية سرية وحده.

معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان النهدي قالت أم سلمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث رجلاً فلما قام قال: "يا أم سلمة من هذا"؟ فقلت: دحية الكلبي فلم أعلم أنه جبريل حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه ما كان بيننا.

فقلت لأبي عثمان: من حدثك بهذا قال: أسامة.

عفير بن معدان عن قتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: يأتيني جبريل في صورة دحية وكان دحية جميلاً

(324)

.

روى نحوه يحيى بن يعمر عن ابن عمر.

قال عبد الله بن صالح العجلي قال رجل لعوانة بن الحكم: أجمل الناس جرير بن عبد الله البجلي فقال: بل أجمل الناس من نزل جبريل على صورته يعني دحية.

ويروى حديث منكر: أن دحية أسلم زمن أبي بكر.

(323)

ضعيف جدًا: أخرجه الطبراني (4/ 4198) من طريق يحيى الحمانى، حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن عبد الله بن شداد، به.

قلت: إسناده ضعيف جدًا، فيه علتان: الأولى: يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال أحمد: كان يكذب جهارًا. وقال محمد بن عبد الله بن نمير: ابن الحماني كذاب. وقال النسائي: ضعيف. العلة الثانية: يحيى بن سلمة بن كهيل، قال أبو حاتم وغيره: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك.

(324)

صحيح لغيره: أخرجه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عفير بن معدان، قال أبو داود: ضعيف الحديث.

وقال يحيى: ليس بشئ. وقال أحمد: منكر الحديث ضعيف.

وأخرجه أحمد (2/ 107) حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر، عن بن عمر قال: كان جبريل عليه السلام يأتى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دِحْية".

قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم.

ص: 142

قال أبو محمد بن قتيبة في حديث ابن عباس. كان دحية إذا قدم لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه.

المعصر: التي دنا حيضها كما قيل للغلام: مراهق أي راهق الاحتلام.

ولا ريب أن دحية كان أجمل الصحابة الموجودين بالمدينة وهو معروف فلذا كان جبريل ربما نزل في صورته.

فأما جرير فإنما وفد إلى المدينة قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بقليل.

ومن الموصوفين بالحسن: الفضل بن عباس وقدم المدينة بعد الفتح.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجمل قريش وكان ريحانته الحسن بن علي يشبهه.

الليث عن يزيد عن أبي الخير عن منصور الكلبي: أن دحية خرج من المزة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط وذلك ثلاثة أميال في رمضان ثم أفطر وأفطر معه ناس وكره الفطر آخرون فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت اليوم أمراً ما كنت أظن أني أراه إن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقول ذلك للذين صاموا ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك.

أخرجه أبو داود.

وصح أن صفية وقعت يوم خيبر في سهم دحية فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم منه وعوضه بسبعة أرؤس

(325)

.

قال خليفة بن خياط: في سنة خمس بعث النبي صلى الله عليه وسلم دحية إلى قيصر.

قلت: كذا قال: وإنما كان ذلك بعد الحديبية في زمن الصلح كما ذكره أبو سفيان في الحديث الطويل الذي في الصحيح

(326)

.

ولد حية في مسند بقي ثلاثة أحاديث غرائب.

(325)

صحيح: تقدَّم تخريجنا له في الجزء السابق بتعليق رقم (1073)، وهو عند أحمد (3/ 23 و 246)، ومسلم (1365)(87) من حديث أنس بن مالك. فراجعه ثمَّ.

(326)

صحيح: أخرجه البخاري (7)، ومسلم (1773).

ص: 143

‌213 - أبو جهم بن حذيفة القرشي

(327)

العدوي المذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا بهذه الخميصة وائتوني بأنبجانية أبي جهم"

(328)

.

قيل: اسمه عبيد وهو من مسلمة الفتح.

وكان ممن بنى البيت في الجاهلية ثم عمر حتى بنى فيه مع ابن الزبير وبين العمارتين أزيد من ثمانين سنة. وكان علامة بالنسب أحضر يوم الحكمين وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم مرة مصدقاً

(329)

ولا رواية له.

وكان قوي النفس. سر بمصاب عمر لكونه أخافه وكف من بسط لسانه رضي الله عنه.

وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس إذ خطبها أما أبو جهم فإنه ضراب للنساء وأما معاوية فصعلوك

(330)

.

ولما وفد على معاوية أقعده معه على السرير ووصله بمئة ألف فاستقلها.

‌214 - عمير بن سعد

(331)

ابن شهيد بن قيس بن النعمان بن عمرو الأنصاري الأوسي العبد الصالح الأمير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدث عنه: أبو طلحة الخولاني وراشد بن سعد وحبيب بن عبيد.

(327)

ترجمته في طبقات ابن سعد (5/ 451)، أسد الغابة (6/ 57)، الإصابة (4/ ترجمة 207).

(328)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق (1389)، وأحمد (6/ 37 و 199)، والحميدي (172) والبخاري (373) و (752) و (5817)، ومسلم (556)(61)، وأبو داود (914) و (4052) و (4053)، والنسائي (2/ 72)، وابن ماجه (3550)، وابن خزيمة (928)، والبيهقي (2/ 423)، والبغوي (523) و (738) من طرق عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، به قوله "وائتونى بأنبجانيته" بفتح الهمزة وخفة الجيم: كساء غليظ لا عَلَم له.

(329)

المُصَدِّق: هو عامل الزكاة الذى يجبيها.

(330)

صحيح: مرَّ تخريجنا له في هذا الجزء بتعليق رقم (244). وهو عند مسلم (1480)(49).

(331)

سبق لنا ترجمته في الجزء السابق بتعليق رقم (856) فراجعه ثمَّ.

ص: 144

وكان ممن شهد فتح دمشق مع أبي عبيدة.

وولي دمشق وحمص لعمر.

في مسند أبي يعلى: حدثنا إبراهيم بن الحجاج: حدثنا حماد ابن سلمة عن أبي سنان عن أبي طلحة الخولاني قال: أتينا عمير بن سعد في نفر من أهل فلسطين وكان يقال له: نسيج وحده فقعدنا له على دكان له عظيم في داره فقال: يا غلام أورد الخيل وفي الدار تور

(332)

من حجارة قال: فأوردها فقال: أين فلانة قال: هي جربة تقطر دماً. قال: أوردها فقال أحد القوم إذاً تجرب الخيل كلها قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ألم تر إلى البعير يكون بالصحراء ثم يصبح وفي كركرته أو في مراقه نكتة لم تكن فمن أعدى الأول"

(333)

.

وكذلك رواه حجاج بن منهال والتبوذكي عن حماد.

قال عبد الله بن محمد القداح عمير بن سعد لم يشهد شيئاً من المشاهد. وهو الذي رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلام الجلاس بن سويد وكان يتيماً. في حجره. واستعمله عمر على حمص وكان من الزهاد.

وقد وهم ابن سعد فقال: هو عمير بن سعد بن عبيد.

وقال ابن أبي حاتم: عمير بن سعد بن شهيد الأنصاري له صحبة روى عنه أبو طلحة الخولاني. مرسل قاله أبي.

وقال عبد الصمد بن سعيد: كانت ولايته حمص بعد سعيد بن عامر بن حذيم.

ابن لهيعة عن يونس عن ابن شهاب قال: توفي سعيد بن عامر وقام مكانه عمير بن سعد.

وقال الزهري: فكان على الشام معاوية وعمير بن سعد ثم استخلف عثمان فجمع الشام لمعاوية ولما توفي أبو عبيدة استخلف ابن عمه عياض بن غنم فأقره عمر فمات عياض فولي سعيد المذكور.

(332)

التور: إناء من صُفْر أو حجارة كالإجَّانة، ذكره ابن الأثير في "النهاية"(1/ 198).

(333)

صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، آفته أبو سنان، وهو عيسى بن سنان الحنفي القسملي، ضعيف بالاتفاق. وقد تقدَّم تخريجنا للحديث في الجزء السابق بتعليق رقم (857) وهو عند أحمد (1/ 180)، وابن أبي عاصم في "السنة"(266)، وأبى يعلى (798)، وغيرهم من حديث سعد بن أبي وقاص، به فراجعه ثمَّت. والكركرة: زَوْرُ البعير الذي إذا برك أصاب الأرض.

ص: 145

قال صفوان بن عمرو: خطب معاوية على منبر حمص وهو أمير على الشام كله فقال: والله ما علمت يا أهل حمص إن الله ليسعدكم بالأمراء الصالحين أول من ولي عليكم عياض بن غنم وكان خيراً مني ثم ولي عليكم سعيد بن عامر وكان خيراً مني ثم ولي عليكم عمير ولنعم العمير كان ثم ها أناذا قد وليتكم فستعلمون.

ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن عمير ابن سعد قال لي ابن عمر: ما كان من المسلمين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من أبيك

(334)

.

وروى هشام عن ابن سيرين: كان عمير بن سعد يعجب عمر فكان من عجبه به يسميه: نسيج وحده.

وبعثه مرة على جيش من قبل الشام فوفد فقال: يا أمير المؤمنين إن بيننا وبين عدونا مدينة يقال لها: عرب السوس تطلع عدونا على عوراتنا ويفعلون ويفعلون فقال عمر: خيرهم بين أن ينتقلوا من مدينتهم ونعطيهم مكان كل شاة شاتين ومكان كل بقرة بقرتين ومكان كل شيء شيئين فإن فعلوا فأعطهم ذلك وإن أبوا فانبذ إليهم على سواء ثم أجلهم سنة.

فقال: اكتب لي يا أمير المؤمنين عهدك بذلك فعرض عمير عليهم فأبوا فأجلهم سنة ثم نابذهم.

فقيل لعمر: إن عميراً قد خرب عرب السوس وفعل. فتغيظ عليه. فلما قدم علاه بالدرة وقال: خربت عرب السوس وهو ساكت. فلما دخل عمر بيته استأذن عليه فدخل وأقرأه عهده فقال عمر: غفر الله لك.

عرب السوس: خراب اليوم وهي خلف درب الحدث.

عبد الملك بن هارون بن عنترة: حدثنا أبي عن جدي أن عمير بن سعد بعثه عمر على حمص فمكث حولاً لا يأتيه خبره فكتب إليه: أقبل بما جبيت من الفيء فأخذ جرابه وقصعته وعلق إدواته وأخذ عنزته

(335)

وأقبل راجلاً فدخل المدينة وقد شحب

(334)

ضعيف: في إسناده عبد الرحمن بن عمير بن سعد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(5/ ترجمة 1290)، وأورده البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ ق 1/ 328) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. فهو مجهول.

(335)

العَنزة. عصا مثل نصف الرُّمح أو أكبر.

ص: 146

واغبر وطال شعره فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال: ما شأنك قال: ألست صحيح البدن معي الدنيا فظن عمر أنه جاء بمال فقال: جئت تمشي قال: نعم قال: أما كان أحد يتبرع لك بدابة قال: ما فعلوا ولا سألتهم قال: بئس المسلمون قال: يا عمر إن الله قد نهاك عن الغيبة فقال: ما صنعت قال: الذي جبيته وضعته مواضعه ولو نالك منه شيء لأتيتك به قال: جددوا لعمير عهداً قال: لا عملت لك ولا لأحد قلت لنصراني: أخزاك الله.

وذهب إلى منزله على أميال من المدينة فقال عمر: أراه خائناً فبعث رجلاً بمئة دينار وقال: انزل بعمير كأنك ضيف فإن رأيت أثر شيء فأقبل وإن رأيت حالاً شديدة فادفع إليه هذه المئة. فانطلق فرآه يفلي قميصه فسلم فقال له عمير: انزل فنزل فساءله وقال: كيف أمير المؤمنين قال: ضرب ابناً له على فاحشة فمات.

فنزل به ثلاثاً ليس إلا قرص شعير يخصونه به ويطوون. ثم قال: إنك قد أجعتنا فأخرج الدنانير فدفعها إليه. فصاح وقال: لا حاجة لي بها ردها عليه قالت المرأة: إن احتجت إليها وإلا ضعها مواضعها. فقال: ما لي شيء أجعلها فيه فشقت المرأة من درعها فأعطته خرقة فجعلها فيها ثم خرج يقسمها بين أبناء الشهداء.

وأتى الرجل عمر فقال: ما فعل بالذهب قال: لا أدري فكتب إليه عمر يطلبه. فجاء فقال: ما صنعت الدنانير قال: وما سؤالك قدمتها لنفسي. فأمر له بطعام وثوبين فقال: لا حاجة لي في الطعام وأما الثوبان فإن أم فلان عارية فأخذهما ورجع.

فلم يلبث أن مات وذكر سائر القصة

(336)

.

وروى نحوها كاتب الليث عن سعيد بن عبد العزيز بلغه عن الحسن البصري أن عمر فذكرها.

وروى أبو حذيفة في المبتدأ نحواً منها عن شيخ عن آخر.

ويقال: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء وشداد بن أوس وعمير بن سعد.

(336)

موضوع: في إسناده علتان: الأولى: عبد الملك بن هارون بن عنترة قال الدارقطني: ضعيف. وقال أبو حاتم: متروك، ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: يضع الحديث، العلة الثانية: هارون بن عنترة، والد عبد الملك، قال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: لا يجوز أن يُحتج به. منكر الحديث جدًا.

ص: 147

‌215 - صفوان بن أمية

(337)

ابن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لؤي بن غالب القرشي الجمحي المكي.

أسلم بعد الفتح وروى أحاديث وحسن إسلامه وشهد اليرموك أميراً على كردوس.

ويقال: إنه وفد على معاوية وأقطعه زقاق صفوان.

حدث عنه: ابنه عبد الله وابن أخته حميد وسعيد بن المسيب، وطاووس، وعبد الله بن الحارث بن نوفل وعطاء بن أبي رباح وجماعة.

وكان من كبراء قريش. قتل أبوه مع أبي جهل.

مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان: أن صفوان يعني جده قيل له: من لم يهاجر هلك. فقدم المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق فأخذه فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به أن يقطع. فقال صفوان: إني لم أرد: هذا هو عليه صدقة قال: فهلا قبل أن تأتيني به

(338)

.

محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن صفوان بن عبد الله عن أبيه قال: يعني

(337)

ترجمته في طبقات ابن سعد (5/ 449)، التاريخ الكبير (4/ ترجمة 2920)، والجرح والتعديل (4/ ترجمة 1846)، أسد الغابة (3/ 23)، الإصابة (2/ ترجمة 4073)، تهذيب التهذيب (4/ ترجمة 723)، خلاصة الخزرجي (1/ ترجمة 3096).

(338)

صحيح لغيره: أخرجه مالك (2/ 834)، وعنه الشافعي (562)، والبيهقي (8/ 265)، والطبراني (7325)، عن ابن شهاب، به.

قلت: رجاله ثقات لكنه مرسل، ورواه النسائي (8/ 68) من طريق يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن عطاء، عن صفوان، به. ورواه النسائي (8/ 70) من طريق أسد بن موسى. عن حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن صفوان بن أمية، به.

ورواه الدارقطني (3/ 205 - 206)، والحاكم (3/ 380) من طرق عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، أن صفوان بن أمية

" وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

قلت: وهو كما قالا رجال إسناده رجال الشيخين، ورواه أبو داود (4394)، والنسائي (8/ 69)، وابن الجارود (828)، والحاكم (4/ 380) والبيهقي (8/ 265) من طرق عن عمرو بن حماد بن طلحة القناد، حدثنا أسباط بن نصر الهمداني عن سماك، عن حميد بن أخت صفوان بن أمية، عن صفوان بن أمية، به.

ص: 148

أباه أتيت فقلت: يا رسول الله من لم يهاجر هلك قال: "لا يا أبا وهب فارجع إلى أباطح مكة"

(339)

.

قلت: ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"

(340)

.

وخرج الترمذي من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: "اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام اللهم العن صفوان بن أمية".

فنزلت: "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم" آل عمران 127. فتاب عليهم فأسلموا فحسن إسلامهم

(341)

.

قلت: أحسنهم إسلاماً الحارث.

(339)

صحيح: أخرجه أحمد (3/ 401) و (6/ 465) حدثنا روح، حدثنا محمد بن أبي حفصة، به. وراجع تعليقنا السابق.

(340)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق (9713)، وأحمد (1/ 226 و 266 و 315 - 316 و 355) والبخاري (1834) و (2783) و (2825) و (3077)، ومسلم (1353)، وأبو داود (2480) والترمذي (1590)، والنسائي (7/ 164)، وابن الجارود (1030)، والبيهقي (5/ 195) و (9/ 16) والطبراني (10944)، والبغوي (2003)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(844) من طرق عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس، به.

وورد عن عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري (3080) و (3900) و (4312)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(3/ 254)، والبيهقي (9/ 17).

(341)

صحيح لغيره: أخرجه الترمذي (3004) من طريق أحمد بن بشير، عن عمر بن حمزة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، به.

قلت: إسناده ضعيف آفته عمر بن حمزة، وهو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب".

وله شاهد عند البخاري (4069) من طريق معمر عن الزهري، حدثنى سالم، عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر يقول: اللَّهم العن فلانًا وفلانًا وفلانًا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إلى قوله {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} [آل عمران: 128].

وشاهد آخر أخرجه البخاري (4070) من طريق حنظلة بن أبي سفيان سمعت سالم بن عبد الله يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام فنزلت {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إلى قوله {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} [آل عمران: 128].

ص: 149

وروى الزهري عن بعض آل عمر عن عمر: أنه لما كان يوم الفتح أرسل رسول الله إلى صفوان بن أمية وأبي سفيان والحارث بن هشام. قال عمر فقلت: لئن أمكنني الله منهم لأعرفنهم. حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم". يوسف 92. فانفضخت حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم

(342)

.

مالك عن ابن شهاب: بلغه أن نساء أسلمن وأزواجهن كفار منهن بنت الوليد بن الغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب هو. فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمه بردائه أماناً لصفوان ودعاه إلى الإسلام وأن يقدم فإن رضي أمراً وإلا سيره شهرين.

فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ناداه على رؤوس الناس: يا محمد هذا جاءني بردائك ودعوتني إلى القدوم عليك فإن رضيت وإلا سيرتني شهرين. فقال: "انزل أبا وهب" فقال: لا والله حتى تبين لي. قال: لك تسيير أربعة أشهر.

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن بحنين فأرسل إلى صفوان يستعيره أداة وسلاحاً كان عنده فقال: طوعاً أو كرهاً قال: "لا بل طوعاً".

ثم خرج معه كافراً فشهد حنيناً والطائف كافراً وامرأته مسلمة فلم يفرق بينهما حتى أسلم واستقرت عنده بذلك النكاح

(343)

.

وفي مغازي ابن عقبة: فر صفوان عامداً للبحر وأقبل عمير بن وهب بن خلف إلى رسول الله فسأله أماناً لصفوان وقال: قد هرب وأخشى أن يهلك وإنك قد أمنت الأحمر والأسود. قال: "أدرك ابن عمك فهو آمن".

وعن ابن الزبير: أن صفوان أعار النبي صلى الله عليه وسلم مئة درع بأداتها فأمره رسول الله بحملها إلى حنين إلى أن رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة.

فبينا هو يسير ينظر إلى الغنائم ومعه صفوان فجعل ينظر إلى شعب ملأى نعماً وشاءً ورعاء فأدام النظر ورسول الله يرمقه فقال: "أبا وهب يعجبك هذا"؟ قال: نعم قال: "هو لك" فقال: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.

(342)

ضعيف: لجهالة (بعض آل عمر).

(343)

ضعيف: أخرجه مالك (2/ 543 - 544) عن ابن شهاب معضلًا.

ص: 150

وروى الواقدي عن رجاله: أن النبي صلى الله عليه وسلم استقرض من صفوان بن أمية بمكة خمسين ألفاً فأقرضه

(344)

.

شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن أمية بن صفوان عن أبيه أن النبي استعار منه أدرعاً فهلك بعضها. فقال: "إن شئت غرمتها لك" قال: لا أنا أرغب في الإسلام من ذلك

(345)

.

الزهري عن ابن المسيب عن صفوان قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاني فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي

(346)

.

وعن أبي الزناد قال: اصطف سبعة يطعمون الطعام وينادون إليه كل يوم عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة وآباؤه.

وقيل: كان إلى صفوان الأزلام

(347)

في الجاهلية وكان سيد بني جمح.

(344)

ضعيف جدًا: آفتة الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا مرارًا. وجهالة رجاله.

(345)

صحيح لغيره: أخرجه أحمد (3/ 401) و (6/ 465)، وأبو داود (3562) والدارقطني (3/ 39) والحاكم (2/ 47) والبيهقي (6/ 89) من طريق شريك، به. وإسناده ضعيف، آفته شريك بن عبد الله النخعي القاضي فإنه ضعيف لسوء حفظه.

ورواه أبو داود (3564)، ومن طريقه أخرجه الدارقطني (3/ 40)، ورواه البيهقى (6/ 89) كلهم من طريق مُسَدَّد بن مُسرهد، حدثنا أبو الأحوص، حدثنا عبد العزيز بن رُفيع، عن عطاء بن أبي رباح، عن ناس من آل صفوان بن أمية قالوا: استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية سلاحًا .. " فذكره بنحوه.

قلت: وهو ضعيف لإرساله، ورواه ابن أبي شيبة (6/ 143 - 144)، ومن طريقه أخرجه أبو داود (3563)، والدارقطني (3/ 40) والبيهقي (6/ 89) عن جرير بن عبد الحميد، عن عبد العزيز بن رُفيع، عن أناس من آل عبد الله بن صفوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا صفوان، هل عندك من سلاح؟ قال: عارية أم غصبًا؟ قال: لا بل عارية

" فذكره بنحوه.

قلت: إسناده ضعيف أيضًا لإرساله.

(346)

صحيح: ذكره في مختصر تاريخ دمشق (11/ 19). وأخرجه مسلم (2313) والترمذي (666)، وأحمد (6/ 465) من طريق يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن صفوان بن أمية قال: أعطانى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنين وإنه لأبغض الخلق إلىَّ. فما زال يُعطينى حتى إنه لأحبُّ الخلق إلىَّ".

(347)

الأزلام: واحدتها الزُّلّم والزَّلم: وهى القِدَاح التى كانت في الجاهلية عليها مكتوبٌ الأمر والنهى، وافعل ولا تفعل، كان الرجل منهم يضعُها في وعاء له، فاذا أراد سفرًا أو زواجًا أو أمرًا مهمًا أدخل يده فأخرج منها زلمّا، فإن خرج الأمر مضى لشأنه، وإن خرج النهىُّ كفَّ عنه ولم يفعله.

ص: 151

وقال أبو عبيدة: قالوا: إن صفوان بن أمية قنطر في الجاهلية إلى أن صار له قنطار من الذهب وكذلك أبوه.

قال الهيثم والمدائني: توفي سنة إحدى وأربعين.

‌216 - أبو ثعلبة الخشني

(348)

صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.

روى عدة أحاديث وله عن معاذ بن جبل وأبي عبيدة.

حدث عنه: أبو إدريس الخولاني وجبير بن نفير وأبو رجاء العطاردي وأبو أسماء الرحبي وسعيد بن المسيب وأبو الزاهرية ومكحول إن كان سمع منه وعمير بن هانئ وآخرون.

نزل الشام وقيل: سكن داريا وقيل قرية البلاط وله بها ذرية.

اختلف في اسمه فقيل: جرهم بن ناشم. قاله أحمد بن حنبل وابن معين وابن المديني وابن سعد وأبو بكر بن زنجويه.

وقال سعيد بن عبد العزيز: جرثوم بن لاشر.

وقال هشام بن عمار: جرثوم بن عمرو.

وقال ابن سميع: اسمه جرثوم.

وقال الحافظ عبد الغني الأزدي: جرثوم بن ناشر.

وقال البخاري: اسمه: جرهم ويقال: جرثوم بن ناشم. ويقال: ابن ناشب. ويقال: ابن عمرو.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: اسمه لاشر بن حمير واعتمده الدولابي.

وقال بقية بن الوليد: لاشومة بن جرثومه.

وقال خليفة بن خياط: اسمه لاشق بن جرهم قال ويقال: جرثومة بن ناشج. ويقال جرهم.

(348)

ترجمته في طبقات ابن سعد (7/ 416)، أسد الغابة (6/ 44)، الإصابة (4/ترجمة رقم 177)، تهذيب التهذيب (12/ ترجمة رقم 198).

ص: 152

وقال البردنجي في الأسماء المفردة اسمه: جرثومة.

وقيل غير ذلك ولا يكاد يعرف إلا بكنيته.

وقال الدارقطني وغيره: هو من أهل بيعة الرضوان وأسهم له النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر وأرسله إلى قومه وأخوه عمرو بن جرهم أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

أحمد في مسنده: حدثنا عبد الرزاق: حدثنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي ثعلبة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله اكتب لي بأرض كذا وكذا بالشام لم يظهر عليها النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ فقال: "ألا تسمعون ما يقول هذا"؟ فقال أبو ثعلبة: والذي نفسي بيده لنظهرن عليها فكتب له بها

(349)

.

ورواه أبو عبيد في الأموال: حدثنا ابن علية عن أيوب عن أبي قلابة أن أبا ثعلبة قال. فذكر نحوه ورواه سعيد بن أبي عروبة عن أيوب نحوه.

عمر بن عبد الواحد الدمشقي عن ابن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله قال: بينا أبو ثعلبة الخشني وكعب جالسين إذ قال أبو ثعلبة: يا أبا إسحاق ما من عبد تفرغ لعبادة الله إلا كفاه الله مؤونة الدنيا.

قال كعب: فإن في كتاب الله المنزل: من جعل الهموم هماً واحداً فجعله في طاعة الله كفاه الله ما همه وضمن السماوات والأرض فكان رزقه على الله وعمله لنفسه. ومن فرق همومه فجعل في كل واد هماً لم يبال الله في أيها هلك.

قلت: من التفرغ للعبادة السعي في السبب ولا سيما لمن له عيال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أفضل ما أكل الرجل من كسب يمينه"

(350)

.

(349)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق (8503)، ومن طريقه أخرجه أحمد (4/ 193 - 194) عن معمر، به.

(350)

صحيح: أخرجه أحمد (6/ 31 و 127 و 193)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 406 - 407)، وأبو داود (3528)، والنسائي (7/ 240 - 241)، والحاكم (2/ 46)، والبيهقي (7/ 479 - 480) من طرق عن سفيان، عن منصور عن إبراهيم، عن عمارة بن عُمير، عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها: في حجرى يتيم أفآكل من ماله؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أطيب ما أكل الرجُلُ من كسبه، وولدُهُ من كسبه".

وأخرجه أحمد (6/ 42)، وابن ماجه (2137)، والبيهقي (7/ 480) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه".

ص: 153

أما من يعجز عن السبب لضعف أو لقلة حيلة فقد جعل الله له حظاً في الزكاة.

ابن أبي عاصم: حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبي: حدثنا خالد بن محمد الكندي وهو والد أحمد بن خالد الوهبي: سمع أبا الزاهرية سمعت أبا ثعلبة يقول: إني لأرجو ألا يخنقني الله كما أراكم تخنقون.

فبينا هو يصلي في جوف الليل قبض وهو ساجد. فرأت بنته أن أباها قد مات فاستيقظت فزعة فنادت أمها: أين أبي قالت: في مصلاه. فنادته فلم يجبها فأنبهته فوجدته ميتاً.

قال أبو حسان الزيادي وأبو عبيد: توفي سنة خمس وسبعين.

‌217 - عبد الرحمن بن سمرة

(351)

ابن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب أبو سعيد القرشي العبشمي الأمير.

كذا نسبه هشام بن الكلبي وابن معين والبخاري وأبو عبيد وجماعة.

وزاد في نسبه الزبير بن بكار وعمه مصعب فقالا: ابن سمرة بن حبيب بن ربيعة بن عبد شمس.

أسلم عبد الرحمن يوم الفتح وكان أحد الأشراف.

نزل البصرة وغزا سجستان أميراً على الجيش.

وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة"

(352)

.

(351)

ترجمته في طبقات ابن سعد (7/ 15 و 366)، التاريخ الكبير (5/ ترجمة 796)، والجرح والتعديل (5 /ترجمة 1126)، تاريخ بغداد (1/ 181)، الكاشف (2/ترجمة 3252)، تجريد أسماء الصحابة (1/ ترجمة 3794)، أسد الغابة (3/ 454)، الإصابة (2/ ترجمة 5132) تهذيب التهذيب (6/ ترجمة 383)، تقريب التهذيب (1/ 483)، خلاصة الخزرجي (2/ترجمة رقم 4117).

(352)

صحيح: أخرجه أحمد (5/ 62 و 62 - 63 و 63)، والبخاري (6622) و (6722) و (7146) و (7147)، ومسلم (1652)، وأبو داود (2929)، والترمذي (1529)، والنسائي (8/ 225)، والدارمي (2/ 186)، وابن الجارود (998)، والبيهقي (10/ 100) من طرق عن الحسن، عن عبد الرحمن بن سَمُرة، قال: قال لى النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبد الرحمن بن سَمُرة لا تسأل الإمارة، فإنك إذا أعطيتها عن مسألة وُكِلِّتَ فيها إلى نفسك، وإن أعطيَّتها عن غير مسألة أعِنْتَ عليها".

ص: 154

حدث عنه: ابن عباس وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وحيان بن عمير وابن سيرين والحسن وأخوه سعيد بن أبي الحسن وحميد بن هلال.

وقيل: كان اسمه عبد كلال فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وله في مسند بقي أربعة عشر حديثاً.

مات بالبصرة سنة خمسين. وقيل توفي سنة إحدى وخمسين.

‌218 - وائل بن حجر بن سعد

(353)

أبو هنيدة الحضرمي أحد الأشراف كان سيد قومه. له وفادة وصحبة ورواية.

ونزل العراق. فلما دخل معاوية الكوفة أتاه وبايع.

حدث عنه: ابناه علقمة وعبد الجبار ووائل بن علقمة وكليب بن شهاب وآخرون.

ويقال: كان على راية قومه يوم صفين مع علي.

وروى سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن أبيه: أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعه أرضاً وأرسل معه معاوية بن أبي سفيان ليعرفه بها.

قال فقال لي معاوية: أردفني خلفك قلت: إنك لا تكون من أرداف الملوك قال: أعطني نعلك فقلت: انتعل ظل الناقة.

قال: فلما استخلف أتيته فأقعدني معه على السرير فذكرني الحديث.

فقلت في نفسي: ليتني كنت حملته بين يدي

(354)

.

قلت: روى له الجماعة سوى البخاري.

(353)

ترجمته في طبقات ابن سعد (6/ 26)، التاريخ الكبير (8/ترجمة 2607)، الجرح والتعديل (9/ ترجمة 179)، تاريخ بغداد (1/ 197)، أسد الغابة (5/ 435)، الإصابة (3/ ترجمة 9100)، تهذيب التهذيب (11/ ترجمة 189)، تقريب التهذيب (2/ 329).

(354)

حسن: أخرجه أحمد (6/ 399) من طريق حجاج، عن شعبة، عن سماك بن حرب، به. قلت: إسناده حسن، سماك بن حرب، صدوق.

ص: 155

‌219 - أبو واقد الليثي

(355)

صاحب النبي صلى الله عليه وسلم سماه البخاري وغيره الحارث بن عوف.

وقال البخاري وأبو أحمد الحاكم شهد بدراً.

وله عدة أحاديث.

وحدث أيضاً عن أبي بكر وعمر.

وشهد الفتح وسكن مكة.

حدث عنه: عطاء بن يسار وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعبيد الله بن عتبة وبسر بن سعيد وأبو مرة مولى عقيل.

عداده في أهل المدينة. وعاش خمساً وسبعين فيما قيل.

والظاهر أنه عاش نحواً من ثمانين سنة إن كان شهد بدراً. فالله أعلم.

قال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: حدثني أبي عن رجل من مازن عن أبي واقد قال: إني لأتبع رجلاً من المشركين يوم بدر فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أن غيري قتله

(356)

.

إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سنان بن أبي سنان الدؤلي: أن أبا واقد الليثي أسلم يوم الفتح.

قلت: على هذا يكون أبو واقد صحابيين.

قال يحيى بن بكير والفلاس: توفي أبو واقد الليثي سنة ثمان وستين.

وقال الواقدي: توفي سنة خمس وستين.

قلت: حديثه في الكتب الستة.

(355)

ترجمته في التاريخ الكبير (2/ترجمة 2384)، الجرح والتعديل (3/ترجمة 379)، أسد الغابة (6/ 325)، الإصابة (1/ ترجمة 1461) و (4/ ترجمة 1211)، تهذيب التهذيب (12/ ترجمة 1235)، تقريب التهذيب (2/ 486).

(356)

ضعيف: آفته جهالة الرجل من مازن.

ص: 156

‌220 - معقل بن يسار

(357)

المزني البصري رضي الله عنه من أهل بيعة الرضوان.

له عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن النعمان بن مقرن.

حدث عنه: عمران بن حصين مع تقدمه والحسن البصري وأبو المليح بن أسامة ومعاوية بن قرة المزني وعلقمة بن عبد الله المزني وآخرون.

قال محمد بن سعد: لا نعلم في الصحابة من يكنى أبا علي سواه.

مات بالبصرة في آخر خلافة معاوية.

‌221 - معقل بن سنان الأشجعي

(358)

له صحبة ورواية حمل لواء أشجع يوم الفتح وهو راوي قصة بروع

(359)

.

حدث عنه: مسروق وعلقمة والأسود وسالم بن عبد الله والحسن البصري وغيرهم.

وكان يكون بالكوفة فوفد على يزيد فرأى منه أموراً منكرة فسار إلى المدينة وخلع يزيد.

وكان من كبار أهل الحرة.

(357)

ترجمته في طبقات ابن سعد (7/ 14)، التاريخ الكبير (7/ ترجمة 1705)، الجرح والتعديل (8/ ترجمة 1306)، أسد الغابة (5/ 232)، الإصابة (3/ترجمة 8138)، تهذيب التهذيب (10/ترجمة 430)، التقريب (2/ 265)، خلاصة الخزرجي (3/ترجمة 7116).

(358)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 282)، التاريخ الكبير (7/ترجمة 1704)، الجرح والتعديل (8/ ترجمة 1305)، أسد الغابة (5/ 230)، الإصابة (3/ترجمة 8136)، تهذيب التهذيب (10/ترجمة 426)، تقريب التهذيب (2/ 264)، خلاصة الخزرجي (3/ترجمة 7112).

(359)

صحيح: أخرجه أبو داود (2114)، والنسائي (6/ 122)، وابن ماجه (1891) من طريق الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق، فقال لها الصداق كاملًا، وعليها العدة ولها الميراث، فقال معقل بن سنان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في برُوع بنت واشق" وإسناده صحيح.

وأخرجه أبو داود (2115)، والترمذي (1145)، والنسائي (6/ 122)، وابن ماجه (1891) من طريق سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، مثله.

ص: 157

قيل كنيته: أبو سنان وقيل أبو عبد الرحمن وقيل: أبو محمد وقيل أبو يزيد.

أسر فذبح صبراً يوم الحرة رضي الله عنه وله نيف وسبعون سنة. قتل في سنة ثلاث وستين.

‌222 - أبو هريرة

(360)

الإمام الفقيه المجتهد الحافظ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو هريرة الدوسي اليماني. سيد الحفاظ الأثبات.

اختلف في اسمه على أقوال جمة أرجحها: عبد الرحمن بن صخر وقيل: ابن غنم وقيل كان اسمه: عبد شمس وعبد الله وقيل: سكين وقيل عامر وقيل: برير وقيل عبد بن غنم وقيل عمرو وقيل سعيد.

وكذا في اسم أبيه أقوال.

قال هشام بن الكلبي: هو عمير بن عامر بن ذي الشرى ين طريف بن عيان بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد.

وهذا بعينه قاله خليفة بن خياط في نسبه لكنه قال: عتاب في عيان وقال: منبه في هنية.

ويقال: كان في الجاهلية اسمه عبد شمس أبو الأسود فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله وكناه أبا هريرة.

والمشهور عنه أنه كني بأولاد هرة برية. قال: وجدتها فأخذتها في كمي فكنيت بذلك.

قال الطبراني: وأمه رضي الله عنها هي ميمونة بنت صبيح.

حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه لم يلحق في كثرته وعن أبي وأبي بكر وعمر وأسامة وعائشة والفضل وبصرة بن أبي بصرة وكعب الحبر.

(360)

ترجمته في طبقات ابن سعد (2/ 362 - 364)، حلية الأولياء (1/ 376 - 385) أسد الغابة (6/ 318)، الإصابة (4/ترجمة 1190)، تهذيب الكمال (34/ترجمة 768) تهذيب التهذيب (12/ترجمة 1216).

ص: 158

حدث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين فقيل: بلغ عدد أصحابه ثمان مئة فاقتصر صاحب التهذيب فذكر من له رواية عنه في كتب الأئمة الستة وهم.

إبراهيم بن إسماعيل وإبراهيم بن عبد الله بن حنين وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ الزهري ويقال: عبد الله بن إبراهيم وإسحاق مولى زائدة وأسود بن هلال وأغر بن سليك والأغر أبو مسلم وأنس بن حكيم وأنس بن مالك وأوس بن خالد.

وبسر بن سعيد وبشير بن نهيك وبشير بن كعب وبعجة بن عبد الله الجهني وبكير بن فيروز.

وثابت بن عياض وثابت بن قيس الزرقي وثور بن عفير.

وجابر بن عبد الله وجبر بن عبيدة وجعفر بن عياض وجمهان الأسلمي والجلاس.

والحارث بن مخلد وحريث بن قبيصة والحسن البصري وحصين ابن اللجلاج ويقال: خالد ويقال: قعقاع وحصين بن مصعب وحفص بن عاصم بن عمر وحفص بن عبد الله بن أنس والحكم بن ميناء وحكيم بن سعد وحميد بن عبد الرحمن الزهري وحميد بن عبد الرحمن وحميد بن مالك وحنظلة بن علي وحيان بن بسطام والد سليم.

وخالد بن عبد الله وخالد بن غلاق وخباب صاحب المقصورة وخلاس وخيثمة بن عبد الرحمن. وذهيل بن عوف.

وربيعة الجرشي ورميح الجذامي.

وزرارة بن أوفى وزفر بن صعصعة بخلف وزياد بن ثويب وزياد ابن رياح وزياد بن قيس وزياد الطائي وزيد بن أسلم مرسل وزيد ابن أبي عتاب.

وسالم العمري وسالم بن أبي الجعد وسالم أبو الغيث وسالم مولى النصريين وسحيم الزهري وسعد بن هشام وسعيد بن الحارث وسعيد بن أبي الحسن وسعيد بن حيان وسعيد المقبري وسعيد بن سمعان وسعيد بن عمرو الأشدق وسعيد بن مرجانة وسعيد بن المسيب وسعيد بن أبي هند وسعيد بن يسار وسلمان الأغر وسلمة بن الأزرق وسلمة الليثي وسليمان بن حبيب المحاربي وسليمان بن سنان وسليمان بن يسار وسنان بن أبي سنان.

ص: 159

وشتير وقيل: سمير بن نهار وشداد أبو عمار وشريح بن هانئ وشفي بن ماتع وشقيق بن سلمة وشهر بن حوشب.

وصالح بن درهم وصالح بن أبي صالح وصالح مولى التوأمة وصعصعة بن مالك وصهيب العتواري.

والضحاك بن شرحبيل والضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم وضمضم بن جوس.

وطارق بن محاسن وطاووس اليماني.

وعامر بن سعد بن أبي وقاص وعامر بن سعد البجلي وعامر الشعبي وعياد أخو سعيد المقبري وعباس الجشمي وعبد الله بن ثعلبة بن صعير وأبو الوليد عبد الله بن الحارث وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة وأبو سلمة عبد الله بن رافع الحضرمي وعبد الله بن رباح الأنصاري وعبد الله بن سعد مولى عائشة وعبد الله بن أبي سليمان وعبد الله بن شقيق وعبد الله بن ضمرة وابن عباس وابن ابن عمر عبيد الله وقيل عبد الله وعبد الله بن عبد الرحمن الدوسي وعبد الله بن عتبة الهذلي وعبد الله بن عمرو بن عبد القاري وعبد الله بن فروخ وعبد الله ابن يامين وعبد الحميد بن سالم وعبد الرحمن بن آدم وعبد الرحمن بن أذينة وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الرحمن بن حجيرة وعبد الرحمن بن أبي حدرد وعبد الرحمن بن خالد بن ميسرة وعبد الرحمن بن سعد مولى الأسود وعبد الرحمن بن سعد المقعد وعبد الرحمن بن الصامت وابن الهضهاض وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وعبد الرحمن بن أبي عمرة وعبد الرحمن بن غنم وعبد الرحمن بن أبي كريمة والد السدي وعبد الرحمن بن مهران مولى أبي هريرة وعبد الرحمن بن أبي نعم البجلي وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج وعبد الرحمن ابن يعقوب الحرقي وعبد العزيز بن مروان وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بخلف وعبد الملك بن يسار وعبيد الله بن أبي رافع النبوي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعبيد الله بن عبد الله بن موهب وعبيد بن حنين وعبيد بن سلمان وعبيد بن أبي عبيد وعبيد بن عمير الليثي وعبيدة بن سفيان وعثمان بن أبي سودة وعثمان بن شماس بخلف وعثمان بن عبد الله بن موهب وعجلان والد محمد وعجلان مولى المشمعل وعراك بن مالك وعروة بن الزبير وعروة بن تميم وعطاء بن أبي رباح وعطاء بن أبي علقمة وعطاء بن أبي مسلم الخراساني ولم يدركه وعطاء بن مينا وعطاء بن يزيد وعطاء بن يسار وعطاء مولى ابن أبي أحمد وعطاء مولى أم صبية وعطاء الزيات

ص: 160

إن صح وعكرمة بن خالد وما أظنه لحقه وعكرمة العباسي وعلقمة بن بجالة وعلي بن الحسين وعلي بن رباح وعلي بن شماخ إن صح وعمار بن أبي عمار مولى بني هاشم وعمارة وقيل: عمرو ابن أكيمة الليثي وعمر بن الحكم بن ثوبان وعمر بن الحكم بن رافع وعمر بن خلدة قاضي المدينة وعمرو بن دينار وعمرو بن أبي سفيان وعمرو بن سليم الزرقي وعمرو بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي وعمرو بن عمير وعمرو بن قهيد وعمرو بن ميمون الأودي وعمير بن الأسود العنسي وعمير بن هانئ العنسي وعنبسة ابن سعيد بن العاص وعوف بن الحارث رضيع عائشة والعلاء بن زياد العدوي وعيسى بن طلحة.

والقاسم بن محمد وقبيصة بن ذؤيب وقسامة بن زهير والقعقاع ابن حكيم ولم يلقه وقيس بن أبي حازم.

وكثير بن مرة وكعب المدني وكليب بن شهاب وكميل بن زياد وكنانة مولى صفية.

ومالك بن أبي عامر الأصبحي ومجاهد والمحرر بن أبي هريرة ومحمد بن إياس بن البكير ومحمد بن ثابت ومحمد بن زياد ومحمد ابن سيرين ومحمد بن شرحبيل ومحمد بن أبي عائشة ومحمد بن عباد بن جعفر ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ومحمد بن عمار القرظ ومحمد بن عمرو بن عطاء بخلف ومحمد بن عمير ومحمد بن قيس بن مخرمة ومحمد بن كعب القرظي ومحمد بن مسلم الزهري ولم يلحقه ومحمد بن المنكدر ومروان بن الحكم ومضارب بن حزن والمطلب بن عبد الله ابن حنطب والمطوس ويقال: أبو المطوس ومعبد بن عبد الله بن هشام والد زهرة والمغيرة بن أبي بردة ومكحول ولم يره والمنذر أبو نضرة العبدي وموسى بن طلحة وموسى بن وردان وموسى بن يسار وميمون بن مهران ومينا مولى عبد الرحمن بن عوف.

ونافع بن جبير ونافع بن عباس مولى أبي قتادة ونافع بن أبي نافع مولى أبي أحمد ونافع العمري والنضر بن سفيان ونعيم المجمر. وهمام بن منبه وهلال بن أبي هلال والهيثم بن أبي سنان.

وواثلة بن الأسقع والوليد بن رباح.

ويحيى بن جعدة ويزيد بن الأصم ويحيى بن أبي صالح ويحيى ابن النضر الأنصاري ويحيى بن يعمر ويزيد بن رومان ولم يلحقه ويزيد بن عبد الله بن الشخير

ص: 161

ويزيد بن عبد الله بن قسيط ويزيد بن عبد الرحمن الأودي والد إدريس ويزيد بن هرمز ويزيد مولى المنبعث ويعلى بن عقبة ويعلى بن مرة ويوسف بن ماهك.

وأبو إدريس الخولاني وأبو إسحاق مولى بني هاشم وأبو أمامة بن سهل وأبو أيوب المراغي وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبو تميمة الهجيمي وأبو ثور الأزدي وأبو جعفر المدني فإن كان الباقر فمرسل وأبو الجوزاء الربعي وأبو حازم الأشجعي وأبو الحكم البجلي وأبو الحكم مولى بني ليث وأبو حميد فيقال: هو عبد الرحمن بن سعد المقعد وأبو حي المؤذن وأبو خالد البجلي والد إسماعيل وأبو خالد الوالبي وأبو خالد مولى آل جعدة وأبو رافع الصائغ وأبو الربيع المدني وأبو رزين الأسدي وأبو زرعة البجلي وأبو زيد وأبو السائب مولى هشام بن زهرة وأبو سعد الخير حمصي ويقال: أبو سعيد وأبو سعيد بن أبي المعلى وأبو سعيد الأزدي وأبو سعيد المقبري. وأبو سعيد مولى ابن عامر وأبو سفيان مولى ابن أبي أحمد وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو السليل القيسي وأبو الشعثاء المحاربي وأبو صالح الأشعري وأبو صالح الحنفي وأبو صالح الخوزي وأبو صالح السمان وأبو صالح مولى ضباعة وأبو الصلت وأبو الضحاك وأبو العالية الرياحي وأبو عبد الله الدوسي وأبو عبد الله القراظ وأبو عبد الله مولى الجندعيين وأبو عبد العزيز وأبو عبد الملك مولى أم مسكين وأبو عبيد مولى ابن أزهر وأبو عثمان التبان وأبو عثمان النهدي وأبو عثمان الطنبذي وأبو عثمان آخر وأبو علقمة مولى بني هاشم وأبو عمر الغداني وأبو غطفان المري وأبو قلابة الجرمي مرسل وأبو كباش العيشي وأبو كثير السحيمي وأبو المتوكل الناجي وأبو مدلة مولى عائشة وأبو مرة مولى عقيل وأبو مريم الأنصاري وأبو مزاحم مدني وأبو مزرد وأبو المهزم البصري وأبو ميمونة مدني وأبو هاشم الدوسي وأبو الوليد مولى عمرو بن حريث وأبو يحيى مولى آل جعدة وأبو يحيى الأسلمي هو وأبو يونس مولى أبي هريرة.

وابن حسنة الجهني وابن سيلان وابن مكرز شامي وابن وثيمة النصري.

وكريمة بنت الحسحاس وأم الدرداء الصغرى.

قال البخاري: روى عنه ثمان مئة أو أكثر.

وقال غيره: كان مقدمه وإسلامه في أول سنة سبع عام خيبر.

وقال الواقدي: كان ينزل ذا الحليفة وله بها دار فتصدق بها على مواليه فباعوها من عمرو بن مربع.

ص: 162

وقال بلد الرحمن بن لبينة رأيت أبا هريرة رجلاً آدم بعيد ما بين المنكبين أفرق الثنيتين ذا ضفيرتين.

وقال ابن سيرين: كان أبو هريرة أبيض ليناً لحيته حمراء.

وقد حدث بدمشق فروى محمد بن كثير عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله عن كريمة بنت الحسحاس قالت: سمعت أبا هريرة في بيت أم الدرداء يقول: "ثلاث هن كفر النياحة وشق الجيب والطعن في النسب"

(361)

.

ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عبد شمس قواه ابن خزيمة وقال: هذه دلالة أن اسمه كان عبد شمس.

وهو أحسن إسناداً من حديث سفيان بن حسين عن الزهري إلا أن يكون له اسمان قبل.

عمر بن علي: حدثنا سفيان بن حسين عن الزهري عن المحرر قال: كان اسم أبي: عبد عمرو بن عبد غنم.

وقال الذهلي: هذا أوقع الروايات عندي على القلب واعتمده النسائي.

أبو إسماعيل المؤدب: عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة: واسمه عبد الرحمن بن صخر.

أبو معشر نجيح عن محمد بن قيس قال: كان أبو هريرة يقول: لا تكنوني أبا هريرة كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هر فقال: "ثكلتك أمك أبا هر" والذكر خير من الأنثى

(362)

.

(361)

صحيح: أخرجه مسلم (67) من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت" وورد عن عبد الله بن مسعود مرفوعا: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية". أخرجه البخاري (1297) و (1298) و (3519)، ومسلم (103)، وابن ماجه (1584)، والبغوي (1533)، والبيهقي (4/ 63 و 64)، وأحمد (1/ 432 و 456 و 465) من طرق عن الأعمش، عن عبد الله بن مُرَّة، عن مسروق، عن عبد الله رضي الله عنه قال: فذكره.

وأخرجه البخاري (1294) و (3519)، والترمذي (999)، والنسائي (4/ 20)، وابن ماجه (1584)، والبيهقي (4/ 64)، وابن الجارود (516)، وأبو نعيم (5/ 39)، وأحمد (1/ 386 و 442) من طريق سفيان، عن زُبيد اليامى، عن إبراهيم، عن مسروق، به. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

(362)

ضعيف: آفته أبو معشر نجيح، وهو ابن عبد الرحمن السندي، ضعيف.

ص: 163

وعن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح أن أبا هريرة كان يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوني أبا هر

(363)

.

روح بن عبادة: حدثنا أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع: قلت لأبي هريرة: لم كنوك أبا هريرة قال: أما تفرق مني قلت: بلى إني لأهابك قال: كنت أرعى غنماً لأهلي فكانت لي هريرة ألعب بها فكنوني بها

(364)

.

وقال عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن لبينة الطائفي أنه وصف لي أبا هريرة فقال: كان رجلاً آدم بعيد المنكبين أفرق الثنيتين ذا ضفيرتين.

وقال قرة بن خالد: قلت لابن سيرين: أكان أبو هريرة مخشوشناً قال: بل كان ليناً وكان أبيض لحيته حمراء يخضب.

وروى أبو العالية عن أبي هريرة: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "ممن أنت"؟ قلت: من دوس قال: "ما كنت أرى أن في دوس أحداً فيه خير".

وقال أبو هريرة: شهدت خيبر هذه رواية ابن المسيب.

وروى عنه قيس بن أبي حازم: جئت يوم خيبر بعد ما فرغوا من القتال.

الدراوردي: حدثنا خثيم بن عراك عن أبيه عن أبي هريرة قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وقدمت المدينة مهاجراً فصليت الصبح خلف سباع بن عرفطة كان استخلفه فقرأ في السجدة الأولى بسورة مريم وفي الآخرة "ويل للمطففين".

فقلت: ويل لأبي قل رجل كان بأرض الأزد إلا وكان له مكيالان: مكيال لنفسه وآخر يبخس به الناس

(365)

.

وقال ابن أبي خالد: حدثنا قيس قال لنا أبو هريرة: صحبت رسول الله ثلاث سنين

(366)

.

(363)

حسن: أخرجه الحاكم (3/ 506) من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثنا سفيان بن حمزة الأسلمى، عن كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة، به.

قلت: إسناده حسن، كل راوٍ في الإسناد صدوق كما ذكر الحافظ في "التقريب".

(364)

حسن: أخرجه الترمذي (3840)، وابن سعد (4/ 329) من طريق روح بن عبادة، به.

(365)

حسن: خثيم بن عراك، لا بأس به.

(366)

صحيح: أخرجه أحمد (2/ 475) حدثنا يحيى بن إسماعيل -يعنى ابن أبي خالد- قال حدثنى قيس بن أبي حازم، قال أتينا أبا هريرة، نُسلِّم عليه، قال: قلنا: حدّثنا فقال: فذكره.

ص: 164

وأما حميد بن عبد الرحمن الحميري فقال: صحب أربع سنين.

وهذا أصح: فمن فتوح خيبر إلى الوفاة أربعة أعوام وليال.

وقد جاع أبو هريرة واحتاج ولزم المسجد.

ولما هاجر كان معه مملوك له فهرب منه.

قال ابن سيرين: قال أبو هريرة: لقد رأيتني أصرع بين القبر والمنبر من الجوع حتى يقولوا: مجنون! هشام عن محمد قال: كنا عند أبي هريرة فتمخط فمسح بردائه وقال: الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منزل عائشة والمنبر مغشياً علي من الجوع فيمر الرجل فيجلس على صدري فأرفع رأسي فأقول: ليس الذي ترى إنما هو الجوع

(367)

.

قلت: كان يظنه من يراه مصروعاً فيجلس فوقه ليرقيه أو نحو ذلك.

عطاء بن السائب عن عامر عن أبي هريرة قال: كنت في الصفة فبعث إلينا رسول الله بتمر عجوة فكنا نقرن التمرتين من الجوع وكان أحدنا إذا قرن يقول لصاحبه: قد قرنت فاقرنوا.

عمر بن ذر: حدثنا مجاهد عن أبي هريرة قال: والله إن كنت لأعتمد على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت على طريقهم فمر بي أبو بكر فسألته عن آية في كتاب الله ما أسأله إلا ليستتبعني فمر ولم يفعل فمر عمر فكذلك حتى مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف ما في وجهي من الجوع فقال: "أبو هريرة" قلت: لبيك يا رسول الله. فدخلت معه البيت فوجد لبناً في قدح فقال: "من أين لكم هذا"؟ قيل: أرسل به إليك فلان فقال: "يا أبا هريرة انطلق إلى أهل الصفة فادعهم" وكان أهل الصفة

(367)

صحيح: أخرجه البخاري (7324)، والترمذي (2367)، وابن سعد (4/ 327).

ص: 165

أضياف الإسلام لا أهل ولا مال إذا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها شيئاً وإذا جاءته هدية أصاب منها وأشركهم فيها فساءني إرساله إياي فقلت: كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها وما هذا اللبن في أهل الصفة.

ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد فأتيتهم فأقبلوا مجيبين فلما جلسوا قال: "خذ يا أبا هريرة فأعطهم". فجعلت أعطي الرجل فيشرب حتى يروى حتى أتيت على جميعهم وناولته رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلي متبسماً وقال: "بقيت أنا وأنت" قلت: صدقت يا رسول الله قال: "فاشرب" فشربت فقال: "اشرب" فشربت فما زال يقول: اشرب فأشرب حتى قلت: والذي بعثك بالحق ما أجد له مساغاً فأخذ فشرب من الفضلة

(368)

.

القعنبي: حدثنا محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة قال: خرجت يوما من بيتي إلى المسجد فوجدت نفراً فقالوا: ما أخرجك قلت الجوع فقالوا: ونحن والله ما أخرجنا إلا الجوع.

فقمنا فدخلنا على رسول الله فقال: "ما جاء بكم هذه الساعة" فأخبرناه فدعا بطبق فيه تمر فأعطى كل رجل منا تمرتين فقال: "كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليهما من الماء فإنهما ستجزيانكم يومكم هذا".

فأكلت تمرة وخبأت الأخرى فقال: "يا أبا هريرة لم رفعتها"؟ قلت: لأمي. قال: "كلها فسنعطيك لها تمرتين".

عكرمة بن عمار: حدثنا أبو كثير السحيمي واسمه: يزيد بن عبد الرحمن حدثني أبو هريرة قال: والله ما خلق الله مؤمناً يسمع بي إلا أحبني قلت: وما علمك بذلك قال: إن أمي كانت مشركة وكنت أدعوها إلى الإسلام وكانت تأبى علي فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره. فأتيت رسول الله وأنا أبكي فأخبرته وسألته أن يدعو لها فقال: "اللهم اهد أم أبي هريرة". فخرجت أعدوا أبشرها فأتيت فإذا الباب مجاف وسمعت خضخضة الماء وسمعت حسي فقالت: كما أنت ثم فتحت وقد لبست درعها وعجلت عن خمارها فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.

قال: فرجعت إلى رسول الله أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن فأخبرته وقلت: ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين. فقال: "اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين وحببهم إليهما"

(369)

.

إسناده حسن.

(368)

صحيح: أخرجه البخاري (6246)، والترمذي (2477)، وأحمد (2/ 515) من طريق عمر بن ذر، عن مجاهد، عن أبي هريرة، به.

(369)

حسن: أخرجه أحمد (2/ 219 - 220)، ومسلم (2491)، عكرمة بن عمار، صدوق.

ص: 166

الجريري عن أبي نضرة عن الطفاوي قال: نزلت على أبي هريرة بالمدينة ستة أشهر فلم أر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف من أبي هريرة.

فدخلت عليه ذات يوم وهو على سريره ومعه كيس فيه نوى أو حصى أسفل منه سوداء فيسبح ويلقي إليها فإذا فرغ منها ألقى إليها الكيس فأوعته فيه ثم ناولته فيعيد ذلك

(370)

.

وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العلاء بن الحضرمي وبعث معه أبا هريرة مؤذناً.

وكان حفظ أبي هريرة الخارق من معجزات النبوة.

قال محمد بن المثنى الزمن: حدثنا أبو بكر الحنفي: حدثنا عبد الله بن أبي يحيى: سمعت سعيد بن أبي هند عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك" قلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله. فنزع نمرة كانت على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى النمل يدب عليها فحدثني حتى إذا استوعبت حديثه قال: "اجمعها فصرها إليك" فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني

(371)

.

ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة: أن أبا هريرة قال: إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثله وإن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكان إخواني من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم وكنت امرأ مسكيناً من مساكين الصفة ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني فأحضر حين يغيبون وأعي حين ينسون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه يوماً: "إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول".

فبسطت نمرة علي حتى إذا قضى مقالته جمعتها إلى صدري. فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء

(372)

.

الزهري أيضاً عن الأعرج عن أبي هريرة قال: تزعمون أني أكثر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله الموعد إني كنت امرأ مسكيناً أصحب رسول الله على ملء بطني وإنه حدثنا

(370)

ضعيف: أخرجه أحمد (2/ 540 - 541)، وأبو داود (2174). وآفته الطُّفاوي، مجهول.

(371)

صحيح: أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(1/ 381) من طريق محمد بن المثنى، حدثنا أبو بكر الحنفي، به. وإسناده صحيح، رجاله ثقات.

(372)

صحيح: أخرجه البخاري (2047)، ومسلم (2492) من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، به.

ص: 167

يوماً وقال: "من يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي ثم قبضه إليه لم ينس شيئاً سمع مني أبداً". ففعلت فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئاً سمعته منه

(373)

.

والحديثان صحيحان محفوظان.

قرأت على ابن عساكر عن أبي روح: أخبرنا محمد بن إسماعيل: أخبرنا أبو مضر محلم بن إسماعيل: أخبرنا الخليل بن أحمد: حدثنا السراج حدثنا قتيبة: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن المقبري عن أبي هريرة قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك قال: "لقد ظننت يا أبا هريرة لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث: إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من نفسه"

(374)

.

أبو الأحوص عن زيد العمي عن أبي الصديق عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو هريرة وعاء من العلم"

(375)

.

ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: فأما أحدهما فبثثته في الناس وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم

(376)

.

الأعمش عن أبي صالح قال: كان أبو هريرة من أحفظ الصحابة.

محمد بن راشد عن مكحول قال: كان أبو هريرة يقول: رب كيس عند أبي هريرة لم يفتحه. يعني: من العلم.

قلت: هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول أو الفروع أو المدح والذم أما حديث يتعلق بحل أو حرام فلا يحل كتمانه بوجه فإنه من البينات والهدى وفي صحيح البخاري: قول الإمام علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون

(373)

صحيح: أخرجه البخاري (118) و (2350) و (7354)، ومسلم (2492) من طريق الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به.

(374)

صحيح: أخرجه البخاري (99)، وأحمد (2/ 373) من طريق عمرو بن أبي عمرو، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة.

(375)

ضعيف: آفته زيد العمى أبو الحوارى، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب".

(376)

صحيح: أخرجه البخاري (120) من طريق ابن أبي ذئب، به.

ص: 168

ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله

(377)

وكذا لو بث أبو هريرة ذلك الوعاء لأوذي بل لقتل. ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديث الفلاني إحياء للسنة فله ما نوى وله أجر وإن غلط في اجتهاده.

روى عوف الأعرابي عن سعيد بن أبي الحسن قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثاً من أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن مروان زمن هو على المدينة أراد أن يكتب حديثه كله فأبى وقال: ارو كما روينا.

فلما أبى عليه تغفله مروان وأقعد له كاتباً ثقفاً ودعاه فجعل أبو هريرة يحدثه ويكتب ذاك الكاتب حتى استفرغ حديثه أجمع.

ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع قال: وقد فعلت قال: نعم قال فاقرؤوه علي فقرؤوه فقال أبو هريرة: أما إنكم قد حفظتم وإن تطعني تمحه قال: فمحاه.

سمعه هوذة بن خليفة منه.

حماد بن زيد: حدثني عمرو بن عبيد الأنصاري: حدثني أبو الزعيزعة كاتب مروان: أن مروان أرسل إلى أبي هريرة فجعل يسأله وأجلسني خلف السرير وأنا أكتب حتى إذا كان رأس الحول دعا به فأقعده من وراء الحجاب فجعل يسأله عن ذلك الكتاب فما زاد ولا نقص ولا قدم ولا أخر.

قلت: هكذا فليكن الحفظ.

قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره.

الوليد: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن مكحول قال: تواعد الناس ليلة إلى قبة من قباب معاوية فاجتمعوا فيها فقام فيهم أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح.

كهمس بن الحسن عن عبد الله بن شقيق قال: قال أبو هريرة: لا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفظ لحديثه مني.

سفيان بن عيينة عن عمرو عن وهب بن منبه عن أخيه همام: سمعت أبا هريرة

(377)

رواه البخاري تعليقًا (1/ 225) باب من خصَّ بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا. ورواهُ مسلم في "مقدمة صحيحه"(1/ 11).

ص: 169

يقول: ما أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثاً مني عنه إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب

(378)

.

الطيالسي: حدثنا عمران القطان عن بكر بن عبد الله عن أبي رافع عن أبي هريرة: أنه لقي كعبا فجعل يحدثه ويسأله فقال كعب: ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة

(379)

.

حماد بن شعيب عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن قيس بن مخرمة: أن رجلاً جاء إلى زيد بن ثابت فسأله عن شيء فقال: عليك بأبي هريرة فإنه بينا أنا وهو وفلان في المسجد ندعو خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقال: "عودوا إلى ما كنتم". قال زيد: فدعوت أنا وصاحبي ورسول الله يؤمن. ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سألاك وأسألك علماً لا ينسى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمين.

فقلنا: ونحن نسأل الله علماً لا ينسى. فقال: "سبقكما بها الدوسي".

أخرجه الحاكم في مستدركه لكن حماد ضعيف

(380)

.

سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله عن السائب بن يزيد: سمع عمر يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس! وقال لكعب: لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة.

يحيى بن أيوب عن ابن عجلان: أن أبا هريرة كان يقول: إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمن عمر لشج رأسي.

قلت: هكذا هو كان عمر رضي الله عنه يقول: أقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزجر غير واحد من الصحابة عن بث الحديث وهذا مذهب لعمر ولغيره.

(378)

صحيح: أخرجه البخاري (113).

(379)

ضعيف: آفته عمران القطان، وهو عمران بن دَاوَر، أبو العوَام القطان العمِّى البصري، ضعفه النسائي، وأبو داود.

(380)

ضعيف: أخرجه الحاكم (3/ 508) من طريق الحسين بن حفص حدثنا حماد بن شعيب، به وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي في "التلخيص" بقوله: - قلت: حماد ضعيف.

قلت: بلى إسناده ضعيف، آفته حماد بن شعيب الحماني الكوفي. ضعفه ابن معين وغيره. وقال يحيى -مرة-: لا يكتب حديثه. وقال البخاري: فيه نظر. وقال النسائي: ضعيف.

ص: 170

فبالله عليك إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر كانوا يمنعون منه مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد بل هو غض لم يشب فما ظنك بالأكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا مع طول الأسانيد وكثرة الوهم والغلط فبالحري أن نزجر القوم عنه فيا ليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف بل يروون والله الموضوعات والأباطيل والمستحيل في الأصول والفروع والملاحم والزهد نسأل الله العافية.

فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه وغر المؤمنين فهذا ظالم لنفسه جان على السنن والآثار يستتاب من ذلك فإن أناب وأقصر وإلا فهو فاسق كفى به إثماً أن يحدث بكل ما سمع وإن هو لم يعلم فليتورع وليستعن بمن يعينه على تنقية مروياته. نسأل الله العافية فلقد عم البلاء وشملت الغفلة ودخل الداخل على المحدثين الذين يركن إليهم المسلمون فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام.

قال محمد بن يحيى الذهلي: حدثنا محمد بن عيسى: أخبرنا يزيد بن يوسف عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض عمر رضي الله عنه كنا نخاف السياط

(381)

.

خالد بن عبد الله: حدثنا يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال: بلغ عمر حديثي فأرسل إلي فقال: كنت معنا يوم كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت فلان قلت: نعم وقد علمت لأي شيء سألتني. قال: ولم سألتك قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" قال: أما لا فاذهب فحدث.

يحيى ضعيف

(382)

.

عبد الواحد بن زياد وغيره: حدثنا عاصم بن كليب حدثنا أبي: سمع أبا هريرة وكان يبتدئ حديثه بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"

(383)

.

(381)

ضعيف: آفته يزيد بن يوسف الصنعاني الشامي، قال ابن معين: ليس بثقة. وقال النسائي متروك. وقال صالح جزرة: تركوا حديثه.

(382)

يحيى بن عبيد الله بن موهب، قال ابن موهب: ليس بشئ وقال أحمد: أحاديثه مناكير. وإن كان الإسناد ضعيفًا فالحديث متواتر.

(383)

هو حديث متواتر. وهذا حديث حسن: أخرجه أحمد (2/ 413) من طريق عبد الواحد بن زياد، به.

قلت: إسناده حسن، كليب بن شهاب، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب".

ص: 171

مغيرة عن الشعبي قال: حدث أبو هريرة فرد عليه سعد حديثاً فوقع بينهما كلام حتى أرتجت الأبواب بينهما.

هشيم عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن ابن عمر أنه قال: يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه.

وعن نافع: كنت مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة فبقي يكثر الترحم عليه ويقول: كان ممن يحفظ حديث رسول الله على المسلمين.

في إسنادها الواقدي.

محمد بن كناسة الأسدي عن إسحاق بن سعيد عن أبيه قال: دخل أبو هريرة على عائشة فقالت له: أكثرت يا أبا هريرة عن رسول الله! قال: إي والله يا أماه ما كانت تشغلني عنه المرآة ولا المكحلة ولا الدهن قالت: لعله.

ورواه بشر بن الوليد عن إسحاق وفيه: ولكني أرى ذلك شغلك عما استكثرت من حديثي. قالت: لعله.

ولما أرادوا أن يدفنوا الحسن في الحجرة النبوية وقع خصام.

قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر: حدثنا كثير بن زيد عن الوليد بن رباح: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: والله ما أنت وال وإن الوالي لغيرك فدعه يعني: حين أرادوا دفن الحسن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنك تدخل فيما لا يعنيك إنما تريد بها إرضاء من هو غائب عنك يعني: معاوية.

فأقبل عليه مروان مغضباً وقال: يا أبا هريرة إن الناس قد قالوا: أكثر الحديث عن رسول الله وإنما قدم قبل وفاته بيسير.

فقال: قدمت والله ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات وأقمت معه حتى توفي أدور معه في بيوت نسائه وأخدمه وأغزو وأحج معه وأصلي خلفه فكنت والله أعلم الناس بحديثه.

ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي أنس مالك بن أبي عامر قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله فقال: يا أبا محمد أرأيت هذا اليماني يعني: أبا هريرة أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟ نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم أم هو يقول على رسول الله ما لم يقل؟ قال: أما أن يكون سمع ما لم نسمع فلا أشك سأحدثك عن ذلك: إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل كنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار وكان مسكيناً ضيفاً على باب رسول الله يده مع يده فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع ولا تجد أحداً فيه خير يقول على رسول الله ما لم يقل.

ص: 172

شعبة عن أشعث بن سليم عن أبيه قال: أتيت المدينة فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة عن النبي الله عليه وسلم. فقلت: وأنت صاحب رسول الله قال: إنه قد سمع وأن أحدث عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد قال: اتقوا الله وتحفظوا من الحديث فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثنا عن كعب ثم يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب ويجعل حديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر: حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن زياد بن مينا قال: كان ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وجابر مع أشباه لهم يفتون بالمدينة ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا

(384)

.

قال: وهؤلاء الخمسة إليهم صارت الفتوى.

الشافعي: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري: أنه كان جالساً مع ابن الزبير فجاء محمد بن إياس بن البكير فسأل عن رجل طلق ثلاثاً قبل الدخول. فبعثه إلى أبي هريرة وابن عباس وكانا عند عائشة فذهب فسألهما.

فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة. فقال: الواحدة تبينها والثلاث تحرمها. وقال ابن عباس مثله.

وقد كان أبو هريرة يجلس إلى حجرة عائشة فيحدث ثم يقول: يا صاحبة الحجرة أتنكرين مما أقول شيئاً؟ فلما قضت صلاتها لم تنكر ما رواه لكن قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث سردكم.

(384)

ضعيف جدًا: آفته محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك. وقد أخرجه ابن سعد (2/ 372).

ص: 173

وكذلك قيل لابن عمر: هل تنكر مما يحدث به أبو هريرة شيئاً؟ فقال: لا ولكنه اجترأ وجبنا.

فقال أبو هريرة: فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا.

قال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: كان أبو هريرة يدلس.

قلت: تدليس الصحابة كثير ولا عيب فيه فإن تدليسهم عن صاحب أكبر منهم والصحابة كلهم عدول.

شريك عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة.

وروى حسين بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم نحوه.

الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: ما كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة إلا ما كان حديث جنة أو نار.

قلت: هذا لا شيء بل احتج المسلمون قديماً وحديثاً بحديثه لحفظه وجلالته وإتقانه وفقهه وناهيك أن مثل ابن عباس يتأدب معه ويقول: أفت يا أبا هريرة.

وأصح الأحاديث ما جاء عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.

وما جاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

وما جاء عن ابن عون وأيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة.

وأين مثل أبي هريرة في حفظه وسعة علمه.

حماد بن زيد عن عباس الجريري: سمعت أبا عثمان النهدي قال: تضيفت أبا هريرة سبعاً فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثاً يصلي هذا ثم يوقظ هذا ويصلي هذا ثم يوقظ هذا.

قلت: يا أبا هريرة كيف تصوم قال: أصوم من أول الشهر ثلاثاً.

ابن سعد: حدثنا يحيى بن عباد: حدثنا حماد بن سلمة عن هشام ابن سعيد بن زيد الأنصاري عن شرحبيل: أن أبا هريرة كان يصوم الأثنين والخميس.

عبد العزيز بن المختار عن خالد عن عكرمة: أن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة يقول: أسبح بقدر ديتي.

ورواه عبد الوارث عن خالد.

ص: 174

أخبرنا أحمد بن هبة الله: عن المؤيد الطوسي: أخبرنا هبة الله السندي: أخبرنا سعيد بن محمد: أخبرنا زاهر بن أحمد: أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي: أخبرنا أبو مصعب الزهري: حدثنا مالك عن محمد ابن عمرو بن حلحلة عن حميد بن مالك بن خثيم قال: كنت جالساً عند أبي هريرة في أرضه بالعقيق فأتاه قوم فنزلوا عنده. قال حميد: فقال: اذهب إلى أمي فقل إن ابنك يقرئك السلام ويقول: أطعمينا شيئاً قال: فوضعت ثلاثة أقراص في الصحفة وشيئاً من زيت وملح ووضعتها على رأسي فحملتها إليهم.

فلما وضعته بين أيديهم كبر أبو هريرة وقال: الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين. التمر والماء.

فلم يصب القوم من الطعام شيئاً فلما انصرفوا قال: يا ابن أخي أحسن إلى غنمك وامسح عنها الرعام وأطب مراحها وصل في ناحيتها فإنها من دواب الجنة. والذي نفسي بيده يوشك أن يأتي على الناس زمان تكون الثلة من الغنم أحب إلى صاحبها من دار مروان.

أخرجه البخاري في كتاب الأدب عن ابن أبي أويس عن مالك. ووثق النسائي حميداً.

هشيم عن يعلى بن عطاء عن ميمون بن ميسرة قال: كانت لأبي هريرة صيحتان في كل يوم: أول النهار وآخره يقول: ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار. فلا يسمعه أحد إلا استعاذ بالله من النار.

جعفر بن برقان: حدثنا الوليد بن زوران: حدثني عبد الوهاب المدني قال: بلغني أن رجلاً دخل على معاوية فقال: مررت بالمدينة فإذا أبو هريرة جالس في المسجد حوله حلقة يحدثهم فقال: حدثني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم. ثم استعبر فبكى ثم عاد فقال: حدثني خليلي صلى الله عليه وسلم نبي الله أبو القاسم. ثم استعبر فبكى. ثم قام.

ابن لهيعة عن أبي يونس عن أبي هريرة: أنه صلى بالناس يوماً فلما سلم رفع صوته فقال: الحمد لله الذي جعل الدين قواماً وجعل أبا هريرة إماماً بعد أن كان أجيراً لابنة غزوان على شبع بطنه وحمولة رجله.

ابن علية عن الجريري عن مضارب بن حزن قال: بينا أنا أسير تحت الليل إذا رجل يكبر فألحقه بعيري. فقلت: من هذا قال: أبو هريرة قلت: ما هذا التكبير قال: شكر قلت: على مه قال: كنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بعقبة رجلي وطعام بطني وكانوا إذا ركبوا سقت بهم وإذا نزلوا خدمتهم فزوجنيها الله فهي امرأتي.

ص: 175

معمر عن أيوب عن محمد: أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين فقدم بعشرة آلاف. فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه.

فقال أبو هريرة: فقلت: لست بعدو الله وعدو كتابه ولكني عدو من عاداهما.

قال: فمن أين هي لك قلت: خيل نتجت وغلة رقيق لي وأعطية تتابعت.

فنظروا فوجدوه كما قال.

فلما كان بعد ذلك دعاه عمر ليوليه فأبى. فقال: تكره العمل وقد طلب العمل من كان خيراً منك: يوسف عليه السلام فقال: يوسف نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة بن أميمة. وأخشى ثلاثاً واثنتين. قال: فهلا قلت خمساً قال: أخشى أن أقول بغير علم وأقضي بغير حلم وأن يضرب ظهري وينتزع مالي ويشتم عرضي.

رواه سعد بن الصلت عن يحيى بن العلاء عن أيوب متصلاً بأبي هريرة.

أخبرني إبراهيم بن يوسف: أخبرنا ابن رواحة: أخبرنا السلفي: أخبرنا ابن البسري: أخبرنا عبد الله بن يحيى: أخبرنا إسماعيل الصفار: حدثنا الرمادي: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن محمد بن زياد قال: كان معاوية يبعث أبا هريرة على المدينة فإذا غضب عليه بعث مروان وعزله: قال: فلم يلبث أن نزع مروان وبعث أبا هريرة فقال لغلام أسود قف على الباب فلا تمنع إلا مروان ففعل الغلام ودخل الناس ومنع مروان. ثم جاء نوبة فدخل وقال: حجبنا عنك فقال: إن أحق من لا أنكر هذا لأنت.

رواه الحافظ أبو القاسم في تاريخه عن السلفي إجازة.

قلت: كان أبو هريرة طيب الأخلاق ربما ناب في المدينة عن مروان أيضاً

(385)

.

حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع قال: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة فيركب حماراً ببرذعة وفي رأسه خلبة من ليف فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق قد جاء الأمير.

(385)

صحيح: أخرجه مسلم (877) من طريق سليمان (وهو ابن بلال)، عن جعفر، عن أبيه، عن ابن أبي رافع قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة. فصلى لنا أبو هريرة الجمعة، فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة: إذا جاءك المنافقون. قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف. فقُلتُ له: إنك قرأت بسورتين كان علىّ بن أبي طالب يقرأ بهما بالكوفة. فقال أبو هريرة: إنى سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة".

ص: 176

وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب. فلا يشعرون حتى يلقي نفسه بينهم ويضرب برجليه فيفزع الصبيان فيفرون. وربما دعاني إلى عشائه فيقول: دع العراق للأمير فأنظر فإذا هو ثريدة بزيت.

عمرو بن الحارث عن يزيد بن زياد القرظي: حدثني ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان فقال: أوسع الطريق للأمير.

يحيى بن سعيد عن ابن المسيب قال: كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت فإذا أمسك عنه تكلم.

هشام بن عروة عن رجل عن أبي هريرة: قال: درهم يكون من هذا وكأنه يمسح العرق عن جبينه أتصدق به أحب إلي من مئة ألف ومئة ألف ومئة ألف من مال فلان.

وقال حزم القطعي: سمعت الحسن يقول: كان أبو هريرة إذا مرت به جنازة قال: اغدوا فإنا رائحون وروحوا فإنا غادون.

يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة فذكر حديث بسط ثوبه قال: فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئاً حدثت به

(386)

.

أبو هلال عن الحسن: قال أبو هريرة: لو حدثتكم بكل ما في كيسي لرميتموني بالبعر ثم قال الحسن: صدق والله لو حدثهم أن بيت الله يهدم أو يحرق ما صدقوه.

الفضل بن العلاء: حدثنا إسماعيل بن أمية: أخبرني محمد بن قيس ابن مخرمة: أن رجلاً أتى زيد بن ثابت فسأله عن شيء فقال: عليك بأبي هريرة فإني بينما أنا وهو وفلان في المسجد خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ندعو ونذكر ربنا. فجلس إلينا فسكتنا فقال "عودوا للذي كنتم فيه". فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة. فجعل رسول الله يؤمن. ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك ما سألك صاحباي هذان وأسألك علماً لا ينسى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "آمين".

فقلنا: يا رسول الله ونحن نسأل الله علما لا ينسى قال: "سبقكما الغلام الدوسي".

(386)

صحيح: تقدَّم تخريجنا له قريبًا بتعليق رقم (371) و (372) و (373) فراجع تخريجنا له ثمَّت.

ص: 177

تفرد به الفضل بن العلاء وهو صدوق.

هشيم عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن ابن عمر أنه مر بأبي هريرة وهو يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تبع جنازة فله قيراط". فقال: انظر ما تحدث عن رسول الله فقام أبو هريرة فأخذ بيده إلى عائشة فقال لها: أنشدك بالله هل سمعت رسول الله يقول: "من تبع جنازة

". الحديث فقالت: اللهم نعم.

فقال أبو هريرة: لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودي ولا صفق في الأسواق وإنما كنت أطلب من رسول الله كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها.

فقال ابن عمر: كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه.

رواته ثقات.

ابن أبي الزناد عن أبيه عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم: أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلاً فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث فلا يعرفه بعضهم ثم يتراجعون فيه فيعرفه بعضهم ثم يحدثهم بالحديث فلا يعرفه بعضهم ثم يعرفه حتى فعل ذلك مراراً.

قال: فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه البخاري في تاريخه.

همام بن يحيى: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أن عمر قال لأبي هريرة: كيف وجدت الإمارة قال: بعثتني وأنا كاره ونزعتني وقد أحببتها وأتاه بأربع مئة ألف من البحرين. فقال ما جئت به لنفسك قال: عشرين ألفاً قال من أين أصبتها قال كنت أتجر قال انظر رأس مالك ورزقك فخذه واجعل الآخر في بيت المال.

وكان أبو هريرة يجهر في صلاته: "ببسم الله الرحمن الرحيم"

(387)

.

قال الحافظ أبو سعد السمعاني: سمعت أبا المعمر المبارك بن أحمد سمعت أبا القاسم يوسف بن علي الزنجاني الفقيه: سمعت الفقيه أبا إسحاق الفيروزابادي: سمعت القاضي أبا الطيب يقول: كنا في مجلس النظر بجامع المنصور فجاء شاب خراساني فسأل عن مسألة

(387)

الثابت عنه أنه لم يجهر بها، وكذلك كان كبار الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان كما في فتح البارى (2/ 188) ومسلم (399).

ص: 178

المصراة

(388)

فطالب بالدليل حتى استدل بحديث أبي هريرة الوارد فيها.

فقال وكان حنفياً: أبو هريرة غير مقبول الحديث.

فما استتم كلامه حتى سقط عليه حية عظيمة من سقف الجامع فوثب الناس من أجلها وهرب الشاب منها وهي تتبعه.

فقيل له: تب تب فقال: تبت فغابت الحية فلم ير لها أثر.

إسنادها أئمة.

وأبو هريرة إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول عليه السلام وأدائه بحروفه وقد أدى حديث المصراة بألفاظه فوجب علينا العمل به وهو أصل برأسه.

وقد ولي أبو هريرة البحرين لعمر وأفتى بها في مسألة المطلقة طلقة ثم يتزوج بها آخر ثم بعد الدخول فارقها فتزوجها الأول. هل تبقى عنده على طلقتين كما هو قول عمر وغيره من الصحابة ومالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه أو تلغى تلك التطليقة وتكون عنده على الثلاث كما هو قول ابن عباس وابن عمر وأبي حنيفة ورواية عن عمر بناء على أن إصابة الزوج تهدم ما دون الثلاث كما هدمت إصابته لها الثلاث.

فالأول مبني على أن إصابة الزوج الثاني إنما هي غاية التحريم الثابت بالطلاق الثلاث فهو الذي يرتفع والمطلقة دون الثلاث لم تحرم فلا ترفع الإصابة منها شيئاً. وبهذا أفتى أبو هريرة فقال له عمر: لو أفتيت بغيره لأوجعتك ضرباً.

وكذلك أفتى أبو هريرة في دقاق المسائل مع مثل ابن عباس وقد عمل الصحابة فمن بعدهم بحديث أبي هريرة في مسائل كثيرة تخالف القياس كما عملوا كلهم بحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها"

(389)

.

(388)

المُصَرَّاة: هى الناقة أو البقرة أو الشاة تُصَرُّ ضُروع الحلوبات إذ أرسلوها إلى المرعى سارحة، ويُسمُّون ذلك الرباط صرارًا، فاذا راحت عشيًا حُلَّت تلك الأصرَّة وحُلِبت، فهى مَصْرورة ومُصَرَّرَة.

(389)

صحيح: أَخرجه عبد الرزاق (10753)، وأحمد (2/ 432 و 474 و 489 و 508 و 516) ومسلم (1408)(38)، والترمذي (1125)، والنسائي (6/ 98)، وابن ماجه (1929)، والبيهقي (5/ 345) و (7/ 165) من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح المرأة على عمتها، وعلى خالتها، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحيفتها، فان لها ما كُتب لها".

وأخرجه البخاري (5110)، ومسلم (1408)(35) و (36)، وأبو داود (2066)، والنسائي (6/ 96 - 97)، والبيهقي (7/ 165) من طريق قبيصة بن ذؤيب، عن أبي هريرة، به.

ص: 179

وعمل أبو حنيفة والشافعي وغيرهما بحديثه: "أن من أكل ناسياً فليتم صومه"

(390)

. مع أن القياس عند أبي حنيفة: أنه يفطر فترك القياس لخبر أبي هريرة.

وهذا مالك عمل بحديث أبي هريرة في غسل الإناء سبعاً من ولوغ الكلب

(391)

. مع أن القياس عنده: أنه لا يغسل لطهارته عنده.

بل قد ترك أبو حنيفة القياس لما هو دون حديث أبي هريرة في مسألة القهقهة لذاك الخبر المرسل.

وقد كان أبو هريرة وثيق الحفظ ما علمنا أنه أخطأ في حديث.

بقي بن مخلد: حدثنا أبو كامل حدثنا عبد الوارث: سمعت محمد ابن المنكدر يحدث عن أبي هريرة قال: إذا كان أحدكم جالساً في الشمس فقلصت عنه فليتحول عن مجلسه.

(392)

بقي: حدثنا طالوت بن عباد حدثنا أبو هلال: حدثنا ابن سيرين عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو آمن بي عشرة من أحبار يهود لأمن بي كل يهودي على الأرض"

(393)

.

إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن أبي هريرة قال: لما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق:

يا ليلة من طولها وعنائها

على أنها من دارة الكفر نجت

قال: وأبق لي غلام فلما قدمت وبايعت إذ طلع الغلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا غلامك يا أبا هريرة"؟ قلت هو حر لوجه الله فأعتقته

(394)

.

(390)

صحيح: أخرجه البخاري (1923)، ومسلم (1155) من طريق هشام الفردوسي عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نسى وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتمَّ صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" واللفظ لمسلم.

(391)

صحيح: أخرجه مالك (1/ 34)، ومن طريق مالك أخرجه الشافعي (1/ 21)، وأحمد (2/ 460)، والبخاري (172)، ومسلم (279)(90)، والنسائي (1/ 52)، وابن ماجه (364)، وابن الجارود (50)، وأبو عوانة (1/ 207)، والبغوي (288)، والبيهقي (1/ 240) عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فاغسلوه سبع مرات".

(392)

صحيح: أخرجه أحمد (2/ 383) من طريق عفان حدثنا عبد الوارث، حدثنا محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة، به.

(393)

صحيح: أخرجه البخاري (3941).

(394)

صحيح: أخرجه أحمد (2/ 286)، والبخاري (2531)، وابن سعد (4/ 325) من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، عن إسماعيل بن أبي خالد، به

ص: 180

وروى أيوب عن ابن سيرين: أن أبا هريرة قال لبنته: لا تلبسي الذهب فإني أخشى عليك اللهب

(395)

.

الزهري: عن سالم سمع أبا هريرة يقول: سألني قوم محرمون عن محلين أهدوا لهم صيداً. فأمرتهم بأكله. ثم لقيت عمر بن الخطاب فأخبرته فقال: لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعتك

(396)

.

زيد بن الحباب عن عبد الواحد بن موسى: أخبرنا نعيم بن المحرر بن أبي هريرة عن جده: أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة لا ينام حتى يسبح به.

(395)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق (11/ 19938) عن معمر، عن أيوب، به.

وهو تورع من أبي هريرة رضي الله عنه ولبس النساء للذهب محلقًا وغير محلق مباح وقد شذَّ الشيخ الألبانى -رحمه الله تعالى- فحرَّم لبس المحلق منه على النساء، وخالف به النصوص الوادة من الكتاب والسنة الصحيحة، وإجماع الأمة. فقد قال - تعالى:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)} [الزخرف: 18]، وحيث ذكر سبحانه أن الحلية من صفات النساء وهى عامة في الذهب وغيره. وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي بسند جيد عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا فجعله في يمينه وأخذ ذهبًا فجعله في شماله ثم قال:"إن هذين حرام على ذكور أمتى" زاد ابن ماجه في روايته "حل لإناثهم"، وروى أحمد، والنسائي، والترمذي، والحاكم وصححه، والطبراني عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أحل الذهب والحرير للإناث من أمتى وحرم على ذكورها" وهو حديث صحيح لغيره، وقال الكيا الهراس في "أحكام القرآن" (ج 4 ص 391) عند تفسيره لقوله - تعالى:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [الزخرف: 18]، "فيه دليل على إباحة الحلى للنساء، والإجماع المعقد عليه والأخبار في ذلك لا تحصى"، وقال البيهقي في السنن الكبرى لما ذكر بعض الأحاديث الدالة على حل الذهب والحرير للنساء من غير تفصيل ما نصه:"فهذه الأخبار وما في معناها تدل على إباحة المحمى بالذهب للنساء واستدللنا بحصول الإجماع على إباحته لهن على نسخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهن خاصة". اهـ. راجع في السنن الكبرى له (ج 4 ص 142).

وقال النووى في المجموع (ج 4 ص 442): (يجوز للنساء لبس الحرير والتحلى بالفضة وبالذهب بالإجماع للأحاديث الصحيحة"، وقال أيضًا في "المجموع" (ج 6 ص 40): (أجمع المسلمون على أنه يجوز للنساء لبس أنواع الحلى من الفضة والذهب جميعًا كالطوق والعقد والخاتم والسوار والخلخال والدمالج والقلائد والمخانق وكل ما يتخذ في العنق وغيره وكل ما يعتدن لبسه ولا خلاف في شئ من هذا). وقال في شرح صحيح مسلم في باب تحريم خاتم الذهب على الرجال ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام: (أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذهب للنساء). اهـ، وفيما ذكرنا كفاية ولولا ضيق المقام لذكرت كثيرًا من أقوال الأئمة في إباحة الذهب للنساء محلقًا كان أو غير محلق.

(396)

صحيح: أخرجه مالك (1/ 352 حديث رقم 81) عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، به.

ص: 181

شبابة بن سوار: حدثنا عاصم بن محمد عن أبيه: رأيت أبا هريرة يخرج يوم الجمعة فيقبض على رمانتي المنبر قائماً ويقول: حدثنا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق. فلا يزال يحدث حتى يسمع فتح باب المقصورة لخروج الإمامة فيجلس.

أخبرني أحمد بن إسحاق: أخبرنا الفتح بن عبد السلام: أخبرنا محمد ابن علي ومحمد بن أحمد ومحمد بن عمر القاضي قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن أبي يونس عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويل للعرب من شر قد اقترب. فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل. المتمسك منهم على دينه كالقابض على خبط الشوك أو جمر الغضى"

(397)

.

أبو يونس: هذا اسمه: سليم بن جبير من موالي أبي هريرة صدوق وهذا أعلى شيء يقع لنا من حديث أبي هريرة.

أخبرنا أحمد بن سلام والخضر بن حمويه إجازة عن أبي الفرج بن كليب: أخبرنا ابن بيان: أخبرنا محمد بن مخلد: أخبرنا إسماعيل الصفار: حدثنا الحسن بن عرفة: حدثنا عمار بن محمد عن الصلت بن قويد الحنفي: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى لا تنطح ذات قرن جماء"

(398)

.

الصلت هذا كناه النسائي أبا الأحمر وقال: لا أدري كيف هو ثم ذكر له هذا الحديث وقال: قاله أحمد بن علي يعني المروزي: حدثنا عبد الله بن عون الخراز عن عمار.

قلت: ويروي عنه علي بن ثابت الجزري.

(397)

ضعيف: هذا إسناد ضعيف، آفته ابن لهيعة، فإنه سيئ الحفظ وقد صح عن أبي هريرة مرفوعًا:"ويل للعرب من شر قد اقترب من فتنة عمياء صمَّاء بكماء، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشى، والماشى فيها خير من الساعى، ويلٌ للساعى فيها من الله يوم القيامة". أخرجه أحمد (2/ 282)، والبخاري (3601) و (7081) و (7082) ومسلم (2886)، والبغوي (4229) من طرق عن أبي هريرة.

(398)

منكر: أخرجه أحمد (2/ 442) من طريق عمار بن محمد، عن الصلت بن قويد، عن أبي هريرة، به.

قلت: إسناده واهٍ بمرة، آفته الصلت بن قويد أورده الحافظ في "تعجيل المنفعة ترجمة" (447) وقال: قال النسائي: منكر الحديث. ووثقه ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل والمجروحين.

ص: 182

وقال بعضهم: الصلت عن أبي الأحمر عن أبي هريرة.

قال يحيى بن معين: الصلت بن قويد يحدث عن أبي هريرة: حدثني عنه عمار بن محمد وعلي بن ثابت الجزري.

ابن المبارك عن وهيب بن الورد عن سلم بن بشير أن أبا هريرة بكى في مرضه: فقيل: ما يبكيك قال: ما أبكي على دنياكم هذه ولكن على بعد سفري وقلة زادي وإني أمسيت في صعود ومهبطة على جنة أو نار فلا أدري أيهما يؤخذ بي.

مالك عن المقبري قال: دخل مروان على أبي هريرة في شكواه فقال: شفاك الله يا أبا هريرة فقال: اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي.

قال: فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات.

الواقدي: حدثنا ثابت بن قيس عن ثابت بن مسحل قال: كتب الوليد إلى معاوية بموت أبي هريرة. فكتب إليه: انظر من ترك فأعطهم عشرة ألاف درهم وأحسن جوارهم فإنه كان ممن نصر عثمان وكان معه في الدار.

قال عمير بن هانئ العنسي: قال أبو هريرة: اللهم لا تدركني سنة ستين فتوفي فيها أو قبلها بسنة.

قال الواقدي: كان ينزل ذا الحليفة وله بالمدينة دار تصدق بها على مواليه ومات سنة تسع وخمسين. وله ثمان وسبعون سنة. وهو صلى على عائشة في رمضان سنة ثمان وخمسين قال: وهو صلى على أم سلمة في شوال سنة تسع وخمسين.

قلت: الصحيح خلاف هذا.

وروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة: أن عائشة وأبا هريرة ماتا سنة سبع وخمسين قبل معاوية بسنتين.

تابعه يحيى بن بكير وابن المديني وخليفة والمدائني والفلاس.

وقال أبو معشر وضمرة وعبد الرحمن بن مغراء والهيثم وغيرهم: سنة ثمان وخمسين.

وقال ابن إسحاق وأبو عمر الضرير وأبو عبيد ومحمد بن عبد الله ابن نمير: سنة تسع. كالواقدي.

ص: 183

وقيل: صلى على أبي هريرة الأمير الوليد بن عتبة بعد العصر وشيعه ابن عمر وأبو سعيد ودفن بالبقيع.

وقد ذكرته في طبقات القراء وأنه قرأ على أبي بن كعب.

أخذ عنه: الأعرج وأبو جعفر وطائفة.

وذكرته في تذكرة الحفاظ فهو رأس في القرآن وفي السنة وفي الفقه.

قال أبو القاسم النحاس: سمعت أبا بكر بن أبي داود يقول: رأيت في النوم وأنا بسجستان أصنف حديث أبي هريرة أبا هريرة كث اللحية أسمر عليه ثياب غلاظ فقلت له: إني أحبك فقال: أنا أول صاحب حديث كان في الدنيا.

في الكنى لأبي أحمد: أبو بكير إبراهيم عن رجل: أن أبا هريرة رضي الله عنه كان إذا استثقل رجلاً قال: اللهم اغفر له وأرحنا منه.

حدث بهذا بشر بن المفضل عن محمد صاحب الساج عن أبي بكير: قال ابن سيرين: تمخط أبو هريرة وعليه ثوب كتان فقال: بخ بخ أبو هريرة يتمخط في الكتان لقد رأيتني أخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة يجيء الرجل يظن بي جنوناً.

شعبة عن محمد بن زياد: رأيت على أبي هريرة كساء خز.

قال أبو هريرة: نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً.

قيس بن الربيع عن أبي حصين عن خباب بن عروة: رأيت أبا هريرة وعليه عمامة سوداء.

وفي سنن النسائي: أن أبا هريرة دعا لنفسه: اللهم إني أسألك علماً لا ينسى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "آمين".

قال الداني: عرض أبو هريرة القرآن على أبي بن كعب.

قرأ عليه: الأعرج.

قال سليمان بن مسلم بن جماز: سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة أبي هريرة في "إذا الشمس كورت". يحزنها شبه الرثاء.

ص: 184

معمر عن أيوب عن محمد: أن أبا هريرة قال لابنته: لا تلبسي الذهب فإني أخشى عليك اللهب

(399)

.

هذا صحيح عن أبي هريرة. وكأنه كان يذهب إلى تحريم الذهب على النساء أيضاً أو أن المرأة إذا كانت تختال في لبس الذهب وتفخر فإنه يحرم كما فيمن جر ثوبه خيلاء.

معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي عن أبيه عن جده عن أبي بن كعب قال: كان أبو هريرة جريئاً على النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن أشياء لا نسأله عنها

(400)

.

وعن ابن عمر قال: يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه.

قال ابن حزم في كتاب الإحكام في أصول الأحكام: المتوسطون فيما روي عنهم من الفتاوى: عثمان أبو هريرة عبد الله بن عمرو بن العاص أم سلمة أني أبو سعيد أبو موسى عبد الله بن الزبير سعد بن أبي وقاص سلمان جابر معاذ أبو بكر الصديق.

فهم ثلاثة عشر فقط يمكن أن يجمع من فتيا كل امرئ منهم جزء صغير.

ويضاف إليهم الزبير طلحة عبد الرحمن عمران بن حصين أبو بكر الثقفي عبادة بن الصامت معاوية.

ثم باقي الصحابة مقلون في الفتيا لا يروى عن الواحد إلا المسألة والمسألتان.

ثم سرد ابن حزم عدة من الصحابة منهم: أبو عبيدة وأبو الدرداء وأبو ذر وجرير وحسان.

‌مزود أبي هريرة

حماد بن زيد: حدثنا المهاجر مولى آل أبي بكرة عن أبي العالية عن أبي هريرة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت: ادع لي فيهن يا رسول الله بالبركة. فقبضهن ثم دعا فيهن بالبركة ثم قال: "خذهن فاجعلهن في مزود فإذا أردت أن تأخذ منهن فأدخل يدك فخذ ولا تنثرهن نثراً".

(399)

صحيح: تقدَّم تخريجنا له قريبًا برقم (395). وهو عند عبد الرزاق في "المصنف"(11/ 19938)، وراجع تعليقنا عليه ثمَّت.

(400)

ضعيف: لجهالة معاذ بن محمد بن معاذ وأبيه.

ص: 185

فقال: فحملت من ذلك التمر كذا وكذا وسقاً في سبيل الله وكنا نأكل نطعم وكان المزود معلقاً بحقوي لا يفارق حقوي فلما قتل عثمان انقطع

(401)

.

قال الترمذي: حسن غريب.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن: أخبرنا أبو محمد بن قدامة: أخبرنا أبو الفضل الطوسي وشهدة وتجني الوهبانية قالوا: أخبرنا طراد الزينبي: أخبرنا هلال الحفار: حدثنا ابن عياش: حدثنا حفص بن عمرو: حدثنا سهل بن زياد أبو زياد حدثنا أيوب السختياني عن محمد عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصابهم عوز من الطعام فقال: "يا أبا هريرة عندك شيء"؟ قلت: شيء من تمر في مزود لي قال: "جئ به". فجئت بالمزود فقال: "هات نطعاً". فجئت بالنطع فبسطه. فأدخل يده فقبض على التمر فإذا هو إحدى وعشرون تمرة. قال ثم قال: بسم الله فجعل يصنع كل تمرة ويسمي حتى أتى على التمر فقال به هكذا فجمعه فقال: ادعوا فلاناً وأصحابه فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا ثم قال: "ادعوا فلاناً وأصحابه" فأكلوا وشبعوا وخرجوا ثم قال: "ادعوا فلاناً وأصحابه" فأكلوا وشبعوا وخرجوا وفضل تمر فقال لي: اقعد فقعدت فأكلت وفضل تمر فأخذه فأدخله في المزود فقال: "يا أبا هريرة إذا أردت شيئاً فأدخل يدك فخذ ولا تكفأ فيكفأ عليك"

(402)

.

قال: فما كنت أريد تمراً إلا أدخلت يدي فأخذت منه خمسين وسقاً في سبيل الله عز وجل. فكان معلقا خلف رحلي فوقع في زمان عثمان بن عفان فذهب.

هذا حديث غريب تفرد به سهل وهو صالح إن شاء الله. وهو في أمالي ابن شمعون عن أحمد بن محمد بن سلم عن حفص الربالي.

مسنده: خمسة آلاف وثلاث مئة وأربعة وسبعون حديثاً.

المتفق في البخاري ومسلم منها ثلاث مئة وستة وعشرون. وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين حديثاً ومسلم بثمانية وتسعين حديثاً.

(401)

ضعيف: أخرجه أحمد (2/ 352)، والترمذي (3839) من طريق حماد بن زيد، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته المهاجر مولى آل أبي بكرة الثقفي، وهو المهاجر بن مخلد، قال أبو حاتم: لين الحديث.

(402)

منكر: في إسناده سهل بن زياد أبو زياد، ذكره الذهبي في "الميزان". وقال ما ضعفوه له ترجمة في تاريخ الإسلام. وقال الحافظ في لسان "الميزان": منكر الحديث.

ص: 186

جاء في آخر المجلد الثالث من الأصل الذي اعتمدناه ما نصه:

تم الجزء الثالث من كتاب سير أعلام النبلاء للشيخ الإمام الناقد البارع شيخ المحدثين شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي أمتع الله بحياته ونفع المسلمين ببركته ويتلوه في الجزء الرابع ترجمة أبي بكرة الثقفي مولى النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان الفراغ من نسخه ليلة الجمعة مستهل شهر شعبان المبارك سنة تسع وثلاثين وسبع مئة.

والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.

سيبقى الخط بعدي في الكتاب

وتبلى اليد مني في التراب

فيا ليت الذي يقرأ كتابي

دعا لي بالخلاص من الحساب

كتبت هذه النسخة المباركة من نسخة بخط المصنف الشيخ الإمام الأوحد الحجة إمام المحدثين مؤرخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. فسح الله في مدته ونفع المسلمين ببركته بمحمد وآله وعترته.

‌223 - أبو بكرة الثقفي الطائفي

(403)

مولى النبي صلى الله عليه وسلم اسمه نفيع بن الحارث وقيل نفيع بن مسروح تدلى في حصار الطائف ببكرة وفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم على يده وأعلمه أنه عبد فأعتقه

(404)

.

روى جملة أحاديث. حدث عنه بنوه الأربعة: عبيد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز ومسلم وأبو عثمان النهدي والحسن البصري ومحمد بن سيرين وعقبة بن صهبان وربعي بن حراش والأحنف بن قيس وغيرهم. سكن البصرة. وكان من فقهاء الصحابة ووفد على معاوية وأمه سمية فهو أخو زياد بن أبيه لأمه قال ابن المديني اسمه نفيع بن الحارث وكذا سماه ابن سعد.

قال ابن عساكر: أبو بكرة بن الحارث بن كلدة بن عمرو وقيل كان عبداً للحارث بن كلدة فاستلحقه وسمية: هي مولاة الحارث تدلى من الحصن ببكرة فمن يومئذ كني بأبي بكرة.

وممن روى عنه: ولداه رواد وكيسة وكان أبو بكرة ينكر أنه ولد الحارث ويقول أنا أبو بكرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أبى الناس إلا أن ينسبوني فأنا نفيع بن مسروح.

وقصة عمر مشهورة في جلده أبا بكرة ونافعاً وشبل بن معبد لشهادتهم على المغيرة بالزنى ثم استتابهم فأبى أبو بكرة أن يتوب وتاب الآخران فكان إذا جاءه من يشهده يقول: قد فسقوني

(405)

.

(403)

ترجمته في طبقات ابن سعد (7/ 15)، التاريخ الكبير (8/ترجمة 2388)، الجرح والتعديل (8/ ترجمة 2239)، أسد الغابة (5/ 38 و 151)، الكاشف (3/ترجمة 5967)، الإصابة (4/ترجمة 8793) تهذيب التهذيب (10/ترجمة 846)، تقريب التهذيب (2/ 306)، خلاصة الخزرجي (3/ ترجمة 7552).

(404)

صحيح: أخرجه البخاري (4326) و (4327) عن أبي عثمان -وهو النهدى، عن سعد- وهو أوَّل من رمى بسهم في سبيل الله - وأبا بكرة وكان تَسَوَّرَ حصْنَ الطائف في أناسٍ فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ادَّعى إلى غير أبيه وهو يعلّم فالجنة عليه حرام.

(405)

أخرجه البخاري تعليقًا في كتاب الشهادات باب شهادة القاذف والسارق والزانى قال: وجلد عمر أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعًا بقَذف المغيرة، ثم استتابهم وقال: من تاب قبلت شهادته. =

ص: 187

قال البيهقي إن صح هذا فلأنه امتنع من التوبة من قذفه وأقام على ذلك قلت كأنه يقول لم أقذف المغيرة وإنما أنا شاهد فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد إذ نصاب الشهادة لو تم بالرابع لتعين الرجم ولما سموا قاذفين.

قال أبو كعب صاحب الحرير: حدثنا عبد العزيز بن أبي بكرة أن أباه تزوج امرأة فماتت فحال إخوتها بينه وبين الصلاة عليها فقال أنا أحق بالصلاة عليها قالوا صدق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إنه دخل القبر فدفعوه بعنف فغشي عليه فحمل إلى أهله فصرخ عليه عشرون من ابن وبنت وأنا أصغرهم فأفاق فقال: لا تصرخوا فوالله ما من نفس تخرج أحب إلي من نفسي ففزع القوم وقالوا لم يا أبانا؟ قال: إني أخشى أن أدرك زماناً لا أستطيع أن آمر بمعروف ولا أنهى عن منكر وما خير يومئذ.

هذا من معجم الطبراني.

ابن مهدي: حدثنا أبو خشينة عن عمه الحكم بن الأعرج قال جلب رجل خشباً فطلبه زياد فأبى أن يبيعه فغصبه إياه وبنى صفة مسجد البصرة قال فلم يصل أبو بكرة فيها حتى قلعت.

إبن إسحاق: عن الزهري عن سعيد أن عمر جلد أبا بكرة ونافع ابن الحارث وشبلاً فتابا فقبل عمر شهادتهما وأبى أبو بكرة فلم يقبل شهادته وكان أفضل القوم.

سفيان بن عيينة: عن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال: لما جلد أبو بكرة أمرت جدتي أم كلثوم بنت عقبة بشاة فسلخت ثم ألبس مسكها

(406)

فهل ذا إلا من ضرب شديد؟ بقية: عن سليمان الأنصاري عن الحسن عن الأحنف قال بايعت علياً رضي الله عنه فرآني أبو بكرة وأنا متقلد السيف فقال ما هذا يا ابن أخي؟ قلت: بايعت علياً. قال لا تفعل إنهم يقتتلون على الدنيا وإنما أخذوها بغير مشورة

(407)

.

= وأسنده الشافعي في "الأم"(6/ 157) ومن طريقه البيهقي (10/ 157) أنبأنا سفيان بن عيينة. قال سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة المحدود لا تجوز، فأشهد لأخبرنى فلان أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة، تب وأقبل شهادتك. قال سفيان سمَّى الزهري الذي أخبره فحفظته، ثم نسيته، فقال لى عمرو بن قيس: هو ابن المسيب. وأخرجه أيضًا من طريق بن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، به.

(406)

المَسْك، بسكون السين: الجِلْد.

(407)

إسناده ضعيف، فيه علتان: بقية بن الوليد، مدلس، يدلس تدليس التسوية وقد عنعنه. والعلة الثانية: الحسن، وهو ابن أبي الجسن البصري، مدلس، وقد عنعنه.

ص: 188

هوذة: حدثنا عوف عن أبي عثمان النهدي قال كنت خليلاً لأبي بكرة فقال لي: أيرى الناس أني إنما عتبت على هؤلاء للدنيا وقد استعملوا ابني عبيد الله على فارس واستعملوه رواداً على دار الرزق واستعملوا عبد الرحمن على بيت المال أفليس في هؤلاء دنيا؟ إني إنما عتبت عليهم لأنهم كفروا.

هوذة: وحدثنا هشام عن الحسن قال مر بي أنس وقد بعثه زياد بن أبيه إلى أبي بكرة يعاتبه فانطلقت معه فدخلنا عليه وهو مريض وذكر له أنه استعمل أولاده فقال هل زاد على أنه أدخلهم النار؟ فقال أنس: إني لا أعلمه إلا مجتهداً. قال أهل حروراء

(408)

اجتهدوا أفأصابوا أم أخطؤوا؟ فرجعنا مخصومين.

ابن علية: عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: لما اشتكى أبو بكرة عرض عليه بنوه أن يأتوه بطبيب فأبى فلما نزل به الموت قال أين طبيبكم؟ ليردها إن كان صادقاً! وقيل: إن أبا بكرة أوصى فكتب في وصيته: هذا ما أوصى به نفيع الحبشي وساق الوصية.

قال ابن سعد: مات أبو بكرة في خلافة معاوية بن أبي سفيان بالبصرة.

فقيل: مات سنة إحدى وخمسين وقيل: مات سنة اثنتين وخمسين قاله خليفة بن خياط وصلى عليه أبو برزة الأسلمي الصحابي.

وروينا عن الحسن البصري قال: لم ينزل البصرة أفضل من أبي بكرة وعمران بن حصين.

مغيرة: عن شباك عن رجل أن ثقيفاً سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم أبا بكرة عبداً فقال" "لا هو طليق الله وطليق رسوله"

(409)

.

(408)

حَرُوراء: موضع على بعد ميلين من الكوفة، اجتمع به الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين على رضي الله عنه حين جرى أمر المحكمين. فسُمُّوا حرورية نسبة إلى هذا الموضع.

(409)

ضعيف: أخرجه أحمد (4/ 168)، وابن سعد (7/ 15) من طريق المغيرة، به.

وفيه علتان: الأولى: المغيرة، وهو ابن مقسم بكسر الميم، الضبى، أبو هشام الكوفي الأعمى، ثقة متقن، إلَّا أنه كان يُدلِّس، وقد عنعنه.

العلة الثانية: شِباك الضبى الكوفي الأعمى، ثقة، وكان يدلس، وقد عنعنه. وقوله "عن رجل من ثقيف" إبهام الصحابى لَا يضر لو لم يكن في الإسناد علة.

ص: 189

يزيد بن هارون: أخبرنا عيينة بن عبد الرحمن أخبرني أبي أنه رأى أبا بكرة رضي الله عنه عليه مطرف خز سداه حرير

(410)

.

‌224 - عثمان بن طلحة

(411)

ابن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزي بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري الحجبي.

حاجب البيت الحرام وأحد المهاجرين. هاجر مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص إلى المدينة.

له رواية خمسة أحاديث منها واحد في "صحيح مسلم"

(412)

ثم دفع إليه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح.

حدث عنه: ابن عمر وعروة بن الزبير وابن عمه شيبة بن عثمان الحاجب.

قالت صفية بنت شيبة: أخبرتني امرأة من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من الكعبة أمر عثمان بن طلحة أن يغيب قرني الكبش يعني كبش الذبيح وقال: "لا ينبغي للمصلي أن يصلي وبين يديه شيء يشغله "

(413)

.

(410)

حسن: أخرجه ابن سعد (7/ 16) قال: أخبرنا يزيد بن هارون ومحمد بن عبد الله الأنصاري قالا أخبرنا عيينة بن عبد الرحمن، به.

قلت: إسناده حسن، عيينة بن عبد الرحمن بن جَوْشن الغطفاني، صدوق. وأبوه ثقة.

(411)

ترجمته في طبقات ابن سعد (5/ 448)، التاريخ الكبير (6/ترجمة 2194)، الجرح والتعديل (6/ ترجمة 851)، أسْد الغابة (3/ 372)، الإصابة (2/ ترجمة 5440)، الكاشف (2/ترجمة 3757)، تجريد أسماء الصحابة (1/ ترجمة 3994)، تهذيب التهذيب (7/ ترجمة 267)، خلاصة الخزرجي (2/ ترجمة 4748).

(412)

هو عند مسلم برقم (1329)(394).

(413)

صحيح: أخرجه أحمد (4/ 68) و (5/ 380) والحميدي (565) وأبو داود (2030)، والطبراني (8396) من طريق سفيان، عن منصور، عن خاله مُسافع، عن صفية بنت شيبة، به.

قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، ومُسافع، هو ابن عبد الله بن شيبة بن عثمان العبدي، ثقة من الطبقة الثالثة. قيل قتل يوم الجمل، ولا يصح ذلك، بل تأخر إلى خلافة الوليد. وصفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية، لها رؤية، من الصحابة، حدثت عن عائشة وغيرها. وفي البخاري التصريح بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم. وأنكر الدارقطني إدراكها.

ص: 190

وقد قتل أبوه طلحة يوم أحد مشركاً.

وروى عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لاينزعها منكم إلا ظالم"" يعني الحجابة

(414)

.

قال الهيثم والمدائني: توفي سنة إحدى وأربعين.

وقال خليفة: توفي سنة اثنتين وأربعين.

‌225 - شيبة بن عثمان

(415)

ابن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى القرشي العبدري المكي الحجبي حاجب الكعبة رضي الله عنه.

كان مشاركاً لابن عمه عثمان الحجبي في سدانة بيت الله تعالى. وهو أبو صفية وقيل كنيته أبو عثمان وكان مصعب بن عمير العبدري الشهيد خاله.

وحجبة البيت بنو شيبة من ذريته. قتل أبوه يوم أحد كافراً قتله علي رضي الله عنه.

فلما كان عام الفتح من النبي صلى الله عليه وسلم على شيبة وأمهله وخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين على شركه. وقيل: إنه نوى أن يغتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم من الله عليه بالإسلام وحسن إسلامه وقاتل يوم حنين وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر. روى عنه ابناه: مصعب بن شيبة وصفية بنت شيبة وأبو وائل وعكرمة مولى ابن عباس وحفيده مسافع بن عبد الله بن شيبة.

(414)

ضعيف: آفته عبد الله بن المؤمّل المخزومي المكي، ضعفوه. قال أحمد: أحاديثه مناكير. وقال يحيى ابن معين في رواية عنه، والنسائي والدارقطني: ضعيف.

(415)

ترجمته في طبقات ابن سعد (5/ 248)، التاريخ الكبير (4/ترجمة 2789)، الجرح والتعديل (4/ ترجمة 1470)، أسد الغابة (3/ 7)، الإصابة (2/ترجمة 3945)، الكاشف (2/ترجمة 2338)، تجريد أسماء الصحابة (1/ترجمة 2753)، تهذيب التهذيب (4/ ترجمة 633) خلاصة الخزرجي (1/ ترجمة 2989).

ص: 191

وله حديث في "صحيح البخاري" عن عمر بن الخطاب

(416)

وروى له أيضاً أبو داود وابن ماجه.

وكانت وفاته في سنة تسع وخمسين وقيل في سنة ثمان وخمسين بمكة. وصفية بنته ولدت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويقال لها صحبة ولم يثبت ذلك

(417)

.

‌226 - أبو رفاعة العدوي

(418)

تميم بن أسيد رضي الله عنه بن عدي بن عبد مناة بن أد بن طابحة المضري. عداده فيمن نزل البصرة. له أحاديث روى عنه محمد بن سيرين وصلة بن أشيم وحميد ابن هلال وآخرون.

قال خليفة: هو من فضلاء الصحابة وقال: هو عبد الله بن الحارث من بني عدي الرباب.

روى غيلان بن جرير عن حميد بن هلال عن رجل -كأنه أبو رفاعة- قال: كان لي رئي من الجن

(419)

فأسلمت ففقدته فوقفت بعرفة فسمعت حسه فقال: أشعرت أني أسلمت؟ قال: فلما سمع أصوات الناس يرفعونها قال عليك الخلق الأسد فإن الخير ليس بالصوت الأشد

(420)

.

(416)

أخرجه البخاري (1594) من طريق خالد بن الحارث، حدثنا سفيان، حدثنا واصل الأحدب، عن أبي وائل قال: جئت إلى شيبة وحدثنا قبيصة حدثنا سفيان، عن واصل، عن أبي وائل قال: جلستُ مع شيبة على الكرسى في الكعبة فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر رضي الله عنه فقال: لقد هَمَتُ أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلَّا قسَمْتُه قلتُ: إن صاحبيك لم يفعلا. قال: هما المرآن أقتدى بهما".

(417)

راجع تعليقنا السابق برقم (413) ففي البخاري التصريح بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم.

(418)

ترجمته في طبقات ابن سعد (7/ 68)، التاريخ الكبير (2/ ترجمة 2017)، الجرح والتعديل (2/ ترجمة 1755)، أسد الغابة (1/ 214) و (5/ 193)، الإصابة (4/كنى ترجمة 410) تهذيب التهذيب (12/ ترجمة 431).

(419)

قال الأثير في "النهاية"(2/ 178): يُقال للتابع من الجن رَئيٌّ بوزن كَمِىّ وهو فَعِيل، أو فعُول، سُمِّى به لأنه يَتَراءَى لمتبوعه، أو هو من الرَّأى، من قولهم فلانٌ رَئىٌّ قومِهِ إذ كان صاحَبَ رأيهم، وقد تُكسَرُ راؤهٌ لاتباعها مَا بعدها.

(420)

صحيح: أخرجه ابن سعد (7/ 68 - 69) قال أخبرنا عبيد الله بن محمد بن حفص القرشي التيمي قال: حدثنا مهدى بن ميمون قال حدثنا غَيلان، عن حميد بن هلال، به وقد تحرَّف فيه رَئى إلى "زى"، و "الخلق الأسد" إلى "الخلق الأشد". وعبيد الله بن محمد هو ابن عائشة، نسبة إلى عائشة بنت طلحة، لأنه من ذريتها، وهو ثقة.

ص: 192

سليمان بن المغيرة: عن حميد بن هلال قال: كان أبو رفاعة العدوي يقول ما عزبت عني سورة البقرة منذ علمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت معها ما أخذت من القرآن وما وجع ظهري من قيام الليل قط

(421)

. وكان أبو رفاعة ذا تعبد وتهجد.

قال حميد بن هلال خرج أبو رفاعة في جيش عليهم عبد الرحمن بن سمرة فبات تحت حصن يصلي ليله ثم توسد ترسه فنام وركب أصحابه وتركوه نائماً فبصر به العدو فنزل ثلاثة أعلاج فذبحوه رضي الله عنه

(422)

.

قال حميد: قال صلة: رأيت كأني أرى أبا رفاعة على ناقة سريعة وأنا على جمل

(423)

قطوف فأنا على أثره فأولت أني على طريقه وأنا أكد العمل بعده كداً.

‌227 - ثوبان النبوي

(424)

مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي من أرض الحجاز فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه فلزم النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وحفظ عنه كثيراً من العلم وطال عمره واشتهر ذكره. يكنى أبا عبد الله ويقال أبا عبد الرحمن وقيل هو يماني واسم أبيه جحدر وقيل: بجدد.

حدث عنه شداد بن أوس وجبير بن نفير ومعدان بن طلحة وأبو الخير اليزني وأبو أسماء الرحبي وأبو إدريس الخولاني وأبو كبشة السلولي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وخالد بن معدان وراشد بن سعد.

(421)

صحيح: أخرجه ابن سعد (7/ 69) قال: أخبرنا عفان بن مسلم وعمرو بن عاصم قالا: حدثنا سليمان ابن المغيرة، عن حميد بن هلال، به.

(422)

حسن: أخرجه ابن سعد (7/ 69) قال: أخبرنا عمرو بن عاصم، قال حدثنا سليمان بن المغيرة قال سمعت حميد بن هلال قال: فذكره في حديث طويل.

قلت: إسناده حسن، عمرو بن عاصم، هو الكلاب القيسي، أبو عثمان البصري، صدوق.

(423)

القطوف من الدواب: البطئ.

(424)

ترجمته في طبقات ابن سعد (7/ 400)، التاريخ الكبير (2/ترجمة 2128)، الجرح والتعديل (2/ترجمة 1907)، أسْد الغابة (1/ 250)، الإصابة (1/ ترجمة 967)، تهذيب التهذيب (2/ترجمة 54)، تقريب التهذيب (1/ 120).

ص: 193

نزل حمص. وقال مصعب الزبيري: سكن الرملة وله بها دار ولم يعقب وكان من ناحية اليمن. وقال ابن سعد نزل حمص وله بها دار وبها مات سنة أربع وخمسين يذكرون أنه من حمير.

وذكر عبد الصمد بن سعيد في تاريخ حمص: أنه من ألهان وقبض بحمص وداره بها حبساً على فقراء ألهان. وقال ابن يونس شهد فتح مصر واختط بها. وقال ابن مندة: له بحمص دار وبالرملة دار وبمصر دار.

عاصم الأحول: عن أبي العالية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تكفل لي أن لا يسأل أحداً شيئاً وأتكفل له بالجنة"؟ فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحداً شيئاً

(425)

.

إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة قال شريح بن عبيد: مرض ثوبان بحمص وعليها عبد الله بن قرط فلم يعده فدخل على ثوبان رجل يعوده فقال له ثوبان: أتكتب؟ قال نعم قال اكتب فكتب للأمير عبد الله بن قرط من ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد: فإنه لو كان لموسى وعيسى مولى بحضرتك لعدته. فأتي بالكتاب فقرأه وقام فزعا قال الناس: ما شأنه أحضر أمر؟ فأتاه فعاده وجلس عنده ساعة ثم قام فأخذ ثوبان بردائه وقال: اجلس حتى أحدثك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفاً ".

أخرجه أحمد في "مسنده"

(426)

.

(425)

صحيح: أخرجه أحمد (5/ 276)، وأبو داود (1643) من طريق شعبة، عن عاصم، به.

وأخرجه أحمد (5/ 277)، وابن ماجه (1837) من طريق ان أبي ذئب، عن محمد بن قيس، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يتقبل لى بواحدة وأتقبل له بالجنة. قال: قلت: أنا. قال لا تسأل الناس شيئًا. فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد ناولنيه حتى ينزل فيتناوله"، وأخرجه أحمد (5/ 281) من طريق ابن أبي ذئب عن محمد بن قيس، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ثوبان، به، وأخرجه أحمد (5/ 279) من طريق محمد بن عثمان، عن العباس ابن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن يزيد عن ثوبان، به.

(426)

صحيح لغيره: أخرجه أحمد (5/ 280 - 281)، والطبراني في "الكبير"(2/ 1413) من طريق إسماعيل بن عياش، به.

قلت: إسناده حسن، وقد روى إسماعيل بن عياش عن أهل بلده؛ فإن ضمضم بن زُرْعة حمصى، وضمضم صدوق، وله شاهد من حديث أبي هريرة: عند أحمد (2/ 359). =

ص: 194

عن ثور بن يزيد أن ثوبان مات بحمص سنة أربع وخمسين.

‌228 - عبد الله بن عامر

(427)

ابن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأمير أبو عبد الرحمن القرشي العبشمي الذي افتتح إقليم خراسان.

رأى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه حديثاً في: "من قتل دون ماله"

(428)

رواه عنه حنظلة بن قيس.

وهو ابن خال عثمان وأبوه عامر هو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء بنت عبد المطلب.

ولي البصرة لعثمان ثم وفد على معاوية فزوجه بابنته هند وداره بدمشق بالحويرة هي دار ابن الحرستاني.

قال الزبير بن بكار: استعمل عثمان على البصرة ابن عامر وعزل أبا موسى فقال أبو موسى: قد أتاكم فتى من قريش كريم الأمهات والعمات والخالات يقول بالمال فيكم هكذا وهكذا.

وهو الذي دعا طلحة والزبير إلى البصرة وقال إن لي فيها صنائع. وهو الذي افتتح خراسان وقتل كسرى في ولايته وأحرم من نيسابور شكراً لله وعمل السقايات بعرفة وكان سخياً كريماً.

= وله شاهد من حديث أبي أمامة: عند أحمد (5/ 250)، والطبراني (7672).

وله شاهد عن أنس، عند البزار، وعن حذيفة عند أحمد.

(427)

ترجمته في طبقات ابن سعد (5/ 44)، أسْد الغابة (3/ 191)، الإصابة (3/ترجمة 6179) تهذيب التهذيب (5/ترجمة 468).

(428)

صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف رواه الحاكم (3/ 639) من طريق مصعب بن عبد لله، عن أبيه، عن جده مصعب بن ثابت بن عبد لله بن الزبير، عن حنظلة بن قيس، عن عبد الله بن عامر مرفوعًا. وهذا إسناد ضعيف، آفته والد مصعب بن عبد الله، وجده فإنهما ضعيفان لكنه ورد عن سعيد بن زيد عند أحمد (1/ 187)، والحميدي (83)، والنسائي (7/ 115 و 115 - 116) وأبى يعلى (949) و (953) والبيهقي (3/ 266) من طرق عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن سعيد بن زيد، به. ولفظه "من قتل دون ماله فهو شهيد".

ص: 195

قال ابن سعد: أسلم أبوه عامر يوم الفتح وبقي إلى زمن عثمان وعقبه بالبصرة والشام كثير قدم على ولده عبد الله وهو والي البصرة وقيل ولد عبد الله بعد الهجرة فلما قدم رسول الله معتمراً عمرة القضاء حمل إليه ابن عامر وهو ابن ثلاث سنين فحنكه وولد له عبد الرحمن وهو ابن ثلاث عشرة سنة.

وأما ابن مندة فقال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ولابن عامر ثلاث عشرة سنة.

قال مصعب الزبيري: يقال: إنه كان لا يعالج أرضاً إلا ظهر له الماء. وقال الأصمعي: أرتج عليه يوم أضحى بالبصرة فمكث ساعة ثم قال: والله لا أجمع عليكم عياً ولؤماً من أخذ شاة من السوق فثمنها علي. أبو داود الطيالسي: حدثنا حميد بن مهران عن سعد بن أوس عن زياد بن كسيب قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق فقال أبو بلال: انظروا إلى أميركم يلبس ثياب الفساق فقال أبو بكرة: اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله"

(429)

.

أبو بلال: هو مرداس بن أدية من الخوارج. قال خليفة: وفي سنة تسع وعشرين عزل عثمان أبا موسى عن البصرة وعثمان بن أبي العاص عن فارس وجمعهما لابن عامر.

وعن الحسن قال: غزا ابن عامر وعلى مقدمته ابن بديل فأتى أصبهان فصالحوه وتوجه إلى خراسان على مقدمته الأحنف فافتتحها يعني بعضها عنوة وبعضها صلحاً.

وقال الزهري: خرج يزدجرد في مئة ألف فنزل مرو واستعمل على إصطخر رجلاً فأتاها ابن عامر فافتتحها. قال: وقتل يزدجرد ومن كان معه بمرو ونزل ابن عامر بأبرشهر وبها بنتا كسرى فحاصرها فصالحوه. وبعث الأحنف فصالحه أهل هراة وبعث حاتم بن النعمان الباهلي إلى مرو فصالحوه ثم سار معتمراً من نيسابور إلى مكة شكراً لله. وقد افتتح كرمان وسجستان.

(429)

حسن: أخرجه أحمد (5/ 42 و 48 - 49)، والطيالسي (2/ 167)، والترمذي (2224)، وابن حبان في "الثقات"(4/ 259) من طريق حميد بن مهران، حدثنا سعد بن أومن عن زياد بن كسيب العدوي، عن أبي بكرة، به.

قلت: في إسناده زياد بن كسيب لم يوثقه غير ابن حبان، وفي ترجمته ساق الحديث وقد توبع عند بن أبي عاصم في "السنة"(1025)، وفي إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف. فالحديث حسن إن شاء الله.

ص: 196

وكان من كبار ملوك العرب وشجعانهم وأجوادهم. وكان فيه رفق وحلم ولاه معاوية البصرة.

توفي قبل معاوية في سنة تسع وخمسين. فقال معاوية: بمن نفاخر وبمن نباهي بعده؟!

‌229 - المغيرة بن شعبة

(430)

ابن ابي عامر بن مسعود بن معتب الأمير أبو عيسى ويقال أبو عبد الله وقيل أبو محمد.

من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة. شهد بيعة الرضوان كان رجلاً طوالاً مهيباً ذهبت عينه يوم اليرموك وقيل يوم القادسية.

روى مغيرة بن الريان عن الزهري قالت عائشة: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام المغيرة بن شعبة ينظر إليها فذهبت عينه.

قال ابن سعد كان المغيرة أصهب الشعر جداً يفرق رأسه فروقاً أربعة أقلص الشفتين مهتوماً ضخم الهامة عبل الذراعين بعيد ما بين المنكبين وكان داهية يقال له: مغيرة الرأي.

وعن الشعبي أن المغيرة سار من دمشق إلى الكوفة خمساً.

حدث عنه بنوه عروة وحمزة وعقار والمسور بن مخرمة وأبو أمامة الباهلي وقيس بن أبي حازم ومسروق وأبو وائل وعروة بن الزبير والشعبي وأبو إدريس الخولاني وعلي بن ربيعة الوالبي وطائفة خاتمتهم زياد بن علاقة.

الوليد بن مسلم: أخبرنا أبو النضر حدثنا يونس بن ميسرة سمع أبا إدريس قال قدم المغيرة بن شعبة دمشق فسألته فقال: وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح على خفيه

(431)

.

(430)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 284) و (6/ 20)، التاريخ الكبير (7/ترجمة 1347) والجرح والتعديل (8/ترجمة 1005)، أسد الغابة (4/ 406)، (3/ترجمة 8179)، الكاشف (3/ترجمة 5687)، تجريد أسماء الصحابة (2/ترجمة 1027)، تهذيب التهذيب (10/ترجمة رقم 471)، تقريب التهذيب (2/ 269)، خلاصة الخزرجي (3/ترجمة 7155).

(431)

صحيح: أخرجه مالك (1/ 36)، والبخاري (182)، ومسلم (274)، وأبو داود (149) و (151)، والترمذي (97) و (98) و (99) و (100)، والنسائي (1/ 82) من طرق عن المغيرة بن شعبة، بألفاظ متقاربة.

ص: 197

معمر عن الزهري قال: كان دهاة الناس في الفتنة خمسة فمن قريش عمرو ومعاوية ومن الأنصار قيس بن سعد ومن ثقيف: المغيرة ومن المهاجرين: عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي فكان مع علي قيس وابن بديل واعتزل المغيرة بن شعبة.

زيد بن أسلم عن أبيه عن المغيرة قال: كناني النبي صلى الله عليه وسلم بأبي عيسى

(432)

.

وروى حبيب بن الشهيد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر قال لابنه عبد الرحمن: ما أبو عيسى؟ قال: يا أمير المؤمنين! اكتنى بها المغيرة بن شعبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حماد بن سلمة عن زيد بن أسلم أن عمر غير كنية المغيرة بن شعبة وكناه أبا عبد الله وقال هل لعيسى من أبٍ.

وعن أبي موسى الثقفي قال: كان المغيرة رجلاً طوالاً أعور أصيبت عينه يوم اليرموك.

وعن غيره: ذهبت عينه يوم القادسية وقيل: بالطائف ومر أنها ذهبت من كسوف الشمس.

وروى الواقدي عن محمد بن يعقوب بن عتبة عن أبيه وعن جماعة قالوا: قال المغيرة بن شعبة: كنا متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس وإهداء هدايا له فأجمعت الخروج معهم فاستشرت عمي عروة بن مسعود فنهاني وقال ليس معك من بني أبيك أحد فأبيت وسرت معهم وما معهم من الأحلاف غيري حتى دخلنا الإسكندرية فإذا المقوقس في مجلسٍ مطل على البحر فركبت زورقاً حتى حاذيت مجلسه فأنكرني وأمر من يسألني فأخبرته بأمرنا وقدومنا فأمر أن ننزل في الكنيسة وأجرى علينا ضيافةً ثم أدخلنا عليه فنظر إلي رأس بني مالك فأدناه وأجلسه معه ثم سأله أكلكم من بني مالك؟ قال: نعم سوى رجلٍ واحد فعرفه بي فكنت أهون القوم عليه وسر بهداياهم وأعطاهم الجوائز وأعطاني شيئاً لا ذكر له وخرجنا فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم ولم يعرض علي أحد منهم مواساة وخرجوا وحملوا معهم الخمر فكنا نشرب فأجمعت على قتلهم فتمارضت وعصبت رأسي فوضعوا شرابهم فقلت: رأسي

(432)

حسن: أخرجه أبو داود (4963)، وفيه هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، وفيه هشام بن سعد المدني، أبو عباد أو أبو سعد، صدوق أيضًا.

ص: 198

يصدع ولكني أسقيكم فلم ينكروا فجعلت أصرف لهم

(433)

وأترع لهم الكأس فيشربون ولا يدرون حتى ناموا سكراً فوثبت وقتلتهم جميعاً وأخذت ما معهم فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأجده جالساً في المسجد مع أصحابه وعلي ثياب سفري فسلمت فعرفني أبو بكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداك للإسلام قال أبو بكر: أمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم قال ما فعل المالكيون؟ قلت: قتلتهم وأخذت أسلابهم وجئت بها إلى رسول الله ليخمسها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إسلامك فنقبله ولا آخذ من أموالهم شيئاً لأن هذا غدر ولا خير في الغدر". فأخذني ما قرب وما بعد وقلت: إنما قتلتهم وأنا على دين قومي ثم أسلمت الساعة قال: "فإن الإسلام يجب ما كان قبله ".

وكان قتل منهم ثلاثة عشر فبلغ ثقيفاً بالطائف فتداعوا للقتال ثم اصطلحوا على أن يحمل عني عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية. وأقمت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى اعتمر عمرة الحديبية فكانت أول سفرة خرجت معه فيها وكنت أكون مع الصديق وألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يلزمه.

قال وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكلمه فأتاه فكلمه وجعل يمس لحيته وأنا قائم على رأس رسول الله مقنع في الحديد فقال المغيرة لعروة: كف يدك قبل أن لاتصل إليك فقال: من ذا يا محمد؟ ما أفظه وأغلظه قال: ابن أخيك فقال: يا غدر والله ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس

(434)

.

ابن إسحاق عن عامر بن وهب قال: خرج المغيرة في ستة من بني مالك إلى مصر تجاراً حتى إذا كانوا ببزاق

(435)

عدا عليهم فذبحهم واستاق العير وأسلم.

هشيم: حدثنا مجالد عن الشعبي عن المغيرة قال: أنا آخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم لما دفن خرج علي بن أبي طالب من القبر فألقيت خاتمي فقلت: يا أبا الحسن خاتمي! قال انزل فخذه قال فمسحت يدي على الكفن ثم خرجت. ورواه محاضر عن عاصم الأحول عن الشعبي.

(433)

أصْرفُ لهم: أي يسقيهم الخمر صِرفًا من غير مزج بالماء.

(434)

ضعيف جدًا: في إسناده الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا ذلك مرارًا. وجملة:"الإسلام يجبُّ ما قبله" حديث صحيح أخرجه أحمد (4/ 199 و 204 و 205)، ومسلم (121) من حديث عمرو بن العاص.

(435)

بُزاق: موضع قريب من مكة.

ص: 199

قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده قال علي لما ألقى المغيرة خاتمه: لا يتحدث الناس أنك نزلت في قبر نبي الله ولا يتحدثون أن خاتمك في قبره ونزل علي فناوله إياه. حسين بن حفص عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين فكرهوه فعزله عمر فخافوا أن يرده. فقال دهقانهم: إن فعلتم ما آمركم لم يرده علينا قالوا: مرنا قال: تجمعون مئة ألف حتى أذهب بها إلى عمر فأقول إن المغيرة اختان هذا فدفعه إلي قال فجمعوا له مئة ألف وأتى عمر فقال ذلك فدعا المغيرة فسأله قال كذب أصلحك الله إنما كانت مئتي ألف: قال فما حملك على هذا؟ قال: العيال والحاجة فقال عمر للعلج: ما تقول؟ قال: لا والله لأصدقنك ما دفع إلي قليلاً ولا كثيراً. فقال عمر للمغيرة: ما أردت إلى هذا؟ قال الخبيث كذب علي فأحببت أن أخزيه.

سلمة بن بلال عن أبي رجاء العطاردي قال: كان فتح الأبلة

(436)

على يد عتبة بن غزوان فلما خرج إلى عمر قال للمغيرة بن شعبة صل بالناس فلما هلك عتبة كتب عمر إلى المغيرة بإمرة البصرة فبقي عليها ثلاث سنين.

عبد الوهاب بن عطاء: أخبرنا سعيد عن قتادة أن أبا بكرة ونافع بن الحارث وشبل بن معبد شهدوا على المغيرة أنهم رأوه يولجه ويخرجه وكان زياد رابعهم وهو الذي أفسد عليهم فأما الثلاثة فشهدوا فقال أبو بكرة: والله لكأني بأير جدري في فخذها. فقال عمر حين رأى زياداً: إني لأرى غلاماً لسناً لا يقول إلا حقاً ولم يكن ليكتمني فقال لم أر ما قالوا لكني رأيت ريبة وسمعت نفساً عالياً فجلدهم عمر وخلاه وهو زياد بن أبيه.

ذكر القصة سيف بن عمر وأبو حذيفة النجاري مطولة بلا سند. وقال أبو عتاب الدلال: حدثنا أبو كعب صاحب الحرير عن عبد العزيز بن أبي بكرة قال: كنا جلوساً وأبو بكرة وأخوه نافع وشبل فجاء المغيرة فسلم على أبي بكرة فقال: أيها الأمير! ما أخرجك من دار الإمارة؟ قال أتحدث إليكم. قال بل تبعث إلى من تشاء ثم دخل فأتى باب أم جميل العشية فدخل فقال أبو بكرة ليس على هذا صبر وقال لغلام ارتق غرفتي فانظر من الكوة فانطلق فنظر وجاء فقال وجدتهما في لحاف

(436)

الأُبلَّة: بلدة على شاطئ دجلة قريبة من البصرة.

ص: 200

فقال للقوم قوموا معي فقاموا فنظر أبو بكرة فاسترجع ثم قال لأخيه انظر فنظر فقال رأيت الزنى محضاً؟ قال وكتب إلى عمر بما رأى فأتاه أمر فظيع فبعث على البصرة أبا موسى وأتوا عمر فشهدوا حتى قدموا زياداً فقال رأيتهما في لحاف واحد وسمعت نفساً عالياً ولا أدري ما وراءه فكبر عمر وضرب القوم إلا زياداً.

شعبة عن مغيرة عن سماك بن سلمة قال: أول من سلم عليه بالإمرة المغيرة بن شعبة.

يعني: قول المؤذن عند خروج الإمام إلى الصلاة: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته.

عن ابن سيرين كان الرجل يقول للآخر: غضب الله عليك كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة عزله عن البصرة فولاه الكوفة.

قال الليث: وقعة أذربيجان كانت سنة اثنتين وعشرين وأميرها المغيرة ابن شعبة وقيل افتتح المغيرة همذان عنوة. قال الليث: وحج بالناس المغيرة سنة أربعين.

جرير بن عبد الحميد: عن مغيرة أن المغيرة بن شعبة قال لعلي حين قتل عثمان اقعد في بيتك ولا تدع إلى نفسك فإنك لو كنت في جحر بمكة لم يبايعوا غيرك وقال لعلي إن لم تطعني في هذه الرابعة لأعتزلنك ابعث إلي معاوية عهده ثم اخلعه بعد فلم يفعل فاعتزله المغيرة باليمن فلما شغل علي ومعاوية فلم يبعثوا إلى الموسم أحداً جاء المغيرة فصلى بالناس ودعا لمعاوية.

سعيد بن داود الزنبري: حدثنا مالك عن عمه أبي سهيل عن أبيه قال لقي عمار المغيرة في سكك المدينة وهو متوشح سيفاً فناداه يا مغيرة! فقال: ما تشاء؟ قال: هل لك في الله؟ قال وددت والله أني علمت ذلك إني والله ما رأيت عثمان مصيباً ولا رأيت قبله صواباً فهل لك يا أبا اليقظان أن تدخل بيتك وتضع سيفك حتى تنجلي هذه الظلمة ويطلع قمرها فنمشي مبصرين؟ قال: أعوذ بالله أن أعمى بعد إذ كنت بصيراً قال: يا أبا اليقظان إذا رأيت السيل فاجتنب جريته.

حجاج بن أبي منيع: حدثنا جدي عن الزهري قال: دعا معاوية عمرو بن العاص بالكوفة فقال: أعني على الكوفة قال كيف بمصر؟ قال أستعمل عليها ابنك عبد الله بن

ص: 201

عمرو قال فنعم فبيناهم على ذلك جاء المغيرة بن شعبة -وكان معتزلاً بالطائف- فناجاه معاوية فقال المغيرة تؤمر عمراً على الكوفة وابنه على مصر وتكون كالقاعد بين لحيي الأسد. قال ما ترى قال أنا أكفيك الكوفة. قال: فافعل. فقال معاوية لعمرو حين أصبح: إني قد رأيت كذا ففهم عمرو فقال ألا أدلك على أمير الكوفة؟ قال بلى قال المغيرة واستغن برأيه وقوته عن المكيدة واعزله عن المال قد كان قبلك عمر وعثمان ففعلا ذلك قال نعم ما رأيت فدخل عليه المغيرة فقال إني كنت أمرتك على الجند والأرض ثم ذكرت سنة عمر وعثمان قبلي قال: قد قبلت.

قال الليث: كان المغيرة قد اعتزل فلما صار الأمر إلى معاوية كاتبه المغيرة.

طلق بن غنام: حدثنا شريك عن عبد الملك بن عمير قال: كتب المغيرة إلى معاوية فذكر فناء عمره وفناء أهل بيته وجفوة قريش له فورد الكتاب على معاوية وزياد عنده فقال يا أمير المؤمنين ولني إجابته فألقى إليه الكتاب فكتب أما ما ذكرت من ذهاب عمرك فإنه لم يأكله غيرك وأما فناء أهل بيتك فلو أن أمير المؤمنين قدر أن يقي أحداً لوقى أهله وأما جفوة قريش فأنى يكون ذاك وهم أمروك. قال ابن شوذب: أحصن المغيرة أربعاً من بنات أبي سفيان وكان آخر من تزوج منهن بها عرج.

ابن عيينة عن مجالد عن الشعبي: سمعت قبيصة بن جابر يقول صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها.

يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قيل للمغيرة إنك تحابي قال: إن المعرفة تنفع عند الجمل الصؤول والكلب العقور

(437)

فكيف بالمسلم.

عاصم الأحول عن بكر بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة قال: لقد تزوجت سبعين امرأة أو أكثر.

أبو إسحاق الطالقاني: حدثنا ابن مبارك قال: كان تحت المغيرة بن شعبة أربع نسوة قال فصفهن بين يديه وقال أنتن حسنات الأخلاق طويلات الأعناق ولكني رجل مطلاق فأنتن الطلاق.

(437)

الجمل الصَّؤول: هو الذي يأكل راعيه، ويواثب الناس فيأكلهم. والكلب العقور: هو كل سبع يجرح ويقتل الناس.

ص: 202

ابن وهب: حدثنا مالك قال كان المغيرة نكاحاً للنساء ويقول صاحب الواحدة إن مرضت مرض وإن حاضت حاض وصاحب المرأتين بين نارين تشعلان وكان ينكح أربعاً جميعاً ويطلقهن جميعاً.

شعبة عن زياد بن علاقة سمعت جريراً يقول حين مات المغيرة بن شعبة: أوصيكم بتقوى الله وأن تسمعوا وتطيعوا حتى يأتيكم أمير استغفروا للمغيرة غفر الله له فإنه كان يحب العافية.

وفي لفظ أبي عوانة عن زياد: فإنه كان يحب العفو.

أبو بكر بن عياش عن حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم قال: كان المغيرة ينال فيخطبته من علي وأقام خطباء ينالون منه، وذكر الحديث في العشرة المشهود لهم بالجنة لسعيد بن زيد. حجاج الصواف: حدثني إياس بن معاوية عن أبيه قال لما كان يوم القادسية ذهب المغيرة بن شعبة في عشرة إلى صاحب فارس فقال إنا قوم مجوس وإنا نكره قتلكم لأنكم تنجسون علينا أرضنا فقال إنا كنا نعبد الحجارة حتى بعث الله إلينا رسولاً فاتبعناه ولم نجئ لطعام بل أمرنا بقتال عدونا فجئنا لنقتل مقاتلتكم ونسبي ذراريكم وأما ما ذكرت من الطعام فما نجد ما نشبع منه فجئنا فوجدنا في أرضكم طعاماً كثيراً وماء فلا نبرح حتى يكون لنا ولكم فقال العلج: صدق قال وأنت تفقأ عينك غداً ففقئت عينه بسهم.

قال عبد الملك بن عمير: رأيت زياداً واقفاً على قبر المغيرة يقول:

إن تحت الأحجار حزماً وعزماً

وخصيماً ألد ذا معلاق

(438)

حية في الوجار أربد لا ين

فع منه السليم نفثة راق

وقال الجماعة: مات أمير الكوفة المغيرة في سنة خمسين في شعبان وله سبعون سنة.

وله في "الصحيحين" اثنا عشر حديثاً وانفرد له البخاري بحديث ومسلم بحديثين.

(438)

الألدُّ: الشديد الخصومة، وكذا المِعْلاق.

ص: 203

‌230 - عبد الله بن سعد

(439)

ابن أبي سرح بن الحارث الأمير قائد الجيوش أبو يحيى القرشي العامري من عامر بن لؤي بن غالب. هو أخو عثمان من الرضاعة له صحبة ورواية حديث. روى عنه الهيثم بن شفي.

ولي مصر لعثمان. وقيل شهد صفين. والظاهر أنه اعتزل الفتنة وانزوى إلى الرملة.

قال مصعب بن عبد الله: استأمن عثمان لابن أبي سرح يوم الفتح من النبي صلى الله عليه وسلم وكان أمر بقتله. وهو الذي فتح إفريقية.

قال الدارقطني: ارتد فأهدر النبي دمه ثم عاد مسلماً واستوهبه عثمان.

قال ابن يونس: كان صاحب ميمنة عمرو بن العاص وكان فارس بني عامر المعدود فيهم غزا إفريقية نزل بأخرة عسقلان فلم يبايع علياً ولا معاوية. قال أبو نعيم: قيل توفي سنة تسع وخمسين.

الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال كان ابن أبي سرح يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل فاستجار له عثمان

(440)

.

علي بن جدعان عن ابن المسيب أن رسول الله أمر بقتل ابن أبي سرح يوم الفتح فشفع له عثمان.

أبو صالح عن الليث قال: كان عبد الله بن سعد والياً لعمر على الصعيد ثم ولاه عثمان مصر كلها وكان محموداً غزا إفريقية فقتل جرجير صاحبها وبلغ السهم للفارس ثلاثة آلاف دينار وللراجل ألف دينار. ثم غزا ذات الصواري فلقوا ألف مركب للروم فقتلت الروم مقتلة لم يقتلوا مثلها قط ثم غزوة الأساود.

(439)

ترجمته في طبقات ابن سعد (7/ 496)، التاريخ الكبير (5/ترجمة 29)، الجرح والتعديل (5/ ترجمة 292)، أسد الغابة (3/ 173)، الإصابة (2/ترجمة 4711).

(440)

حسن: أخرجه أبو داود (4358)، والنسائي (7/ 107) من طريق على بن الحُسين بن واقد، عن أبيه، به.

قلت: إسناده حسن، على بن الحسين بن واقد، صدوق، كما قال الحافظ في "التقريب".

ص: 204

وقيل: إن عبد الله أسلم يوم الفتح ولم يتعد ولا فعل ما ينقم عليه بعدها وكان أحد عقلاء الرجال وأجوادهم.

الواقدي: حدثنا أسامة بن زيد عن بن أبي حبيب قال: كان عمرو بن العاص على مصر لعثمان فعزله عن الخراج وأقره على الصلاة والجند واستعمل عبد الله ابن أبي سرح على الخراج فتداعيا. فكتب ابن أبي سرح إلى عثمان: إن عمراً كسر الخراج علي. وكتب عمرو: إن ابن سعد كسر علي مكيدة الحرب فعزل عمرا وأضاف الخراج إلى ابن أبي سرح.

وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: أقام عبد الله بن سعد بعسقلان بعد قتل عثمان وكره أن يكون مع معاوية وقال لم أكن لأجامع رجلاً قد عرفته إن كان ليهوى قتل عثمان قال فكان بها حتى مات.

سعيد بن أبي أيوب: حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: لما احتضر ابن أبي سرح وهو بالرملة وكان خرج إليها فاراً من الفتنة فجعل يقول من الليل: آصبحتم؟ فيقولون لا فلما كان عند الصبح قال: يا هشام! إني لأجد برد الصبح فانظر. ثم قال اللهم اجعل خاتمة عملي الصبح فتوضأ ثم صلى فقرأ في الأولى بأم القرآن والعاديات وفي الأخرى بأم القرآن وسورة وسلم عن يمينه وذهب يسلم عن يساره فقبض رضي الله عنه.

ومر أنه توفي سنة تسع وخمسين. والأصح وفاته في خلافة علي رضي الله عنه.

‌231 - رويفع بن ثابت

(441)

الأنصاري النجاري المدني ثم المصري الأمير له صحبة ورواية. حدث عنه: بسر بن عبيد الله وحنش الصنعاني وزياد بن عبيد الله وأبو الخير مرثد اليزني ووفاء بن شريح وآخرون.

نزل مصر واختط بها. وولي طرابلس المغرب لمعاوية في سنة ست وأربعين فغزا إفريقية في سنة سبع ودخلها ثم انصرف.

(441)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 354)، التاريخ الكبير (3/ ترجمة 1147)، أسد الغابة (2/ 191)، الإصابة (1/ترجمة 2699)، تهذيب التهذيب (3/ترجمة 558).

ص: 205

قال أحمد بن البرقي توفي رويفع ببرقة وهو أمير عليها وقد رأيت قبره بها. وقال أبو سعيد بن يونس: توفي ببرقة أميراً عليها لمسلمة بن مخلد في سنة ست وخمسين قال: وقبره معروف إلى اليوم رضي الله عنه.

وأول ما غزيت إفريقية في سنة سبع وعشرين وكان على البربر جرجير في مئتي ألف.

ابن لهيعة عن أبي الأسود حدثني أبو إدريس: أنه غزا مع عبد الله ابن سعد إفريقية فافتتحها فأصاب كل إنسان ألف دينار.

‌232 - معاوية بن حديج

(442)

ابن جفنة بن قتيرة الأمير قائد الكتائب أبو نعيم وأبو عبد الرحمن الكندي ثم السكوني.

له صحبة ورواية قليلة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى أيضاً عن عمر وأبي ذر ومعاوية.

حدث عنه: ابنه عبد الرحمن وعلي بن رباح وعبد الرحمن بن شماسة المهري وسويد بن قيس التجيبي وعرفطة بن عمرو وعبد الرحمن بن مالك الشيباني وصالح بن حجير وسلمة بن أسلم.

وولي مصر إمرة لمعاوية وغزو المغرب وشهد وقعة اليرموك. روى أحمد بن الفرات في جزئه: أخبرنا عبد الله بن يزيد عن سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن كان في شيء شفاء فشربة عسل أو شرطة محجم أو كية بنار وما أحب أن أكتوي "

(443)

.

حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت عن صالح بن حجير عن معاوية بن حديج -وكانت له صحبة- قال: "من غسل ميتاً وكفنه وتبعه وولي جنته رجع مغفوراً له ".

(442)

ترجمته في طبقات ابن سعد (7/ 503)، التاريخ الكبير (7/ترجمة 1407)، الجرح والتعديل (8/ ترجمة 1724)، أسد الغابة (4/ 384)، الإصابة (3/ ترجمة 8062). تهذيب التهذيب (10/ ترجمة 377).

(443)

صحيح: أخرجه البخاري (5702)، ومسلم (2205) من طريق عاصم بن عمر بن قتادة عن جابر بن عبد الله مرفوعًا بلفظ "إن كان في شئ من أدويتكم خير ففي شربة عسل، أو شرْطة مِحْجم، أو لَذْعة من نار، وما أحِبُّ أن أكتوى".

ص: 206

هذا موقوف أخرجه أحمد في "مسنده"

(444)

هكذا عن عفان عنه. جرير بن حازم: حدثنا حرملة بن عمران عن عبد الرحمن بن شماسة قال: دخلت على عائشة فقالت: ممن أنت؟ قلت من أهل مصر. قالت: كيف وجدتم ابن حديج في غزاتكم هذه؟ قلت: خير أمير ما يقف لرجل منا فرس ولا بعير إلا أبدل مكانه بعيراً ولا غلام إلا أبدل مكانه غلاماً قالت إنه لا يمنعني قتله أخي أن أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم إني سمعته يقول: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ومن شق عليهم فاشقق عليه "

(445)

.

أخبرنا ابن عساكر عن أبي روح الهروي أخبرنا تميم أخبرنا الكنجروذي أخبرنا ابن حمدان أبو يعلى حدثنا إسماعيل بن موسى السدي حدثنا سعيد بن خثيم عن الوليد بن يسار الهمداني عن علي ابن أبي طلحة مولى بني أمية قال حج معاوية ومعه معاوية بن حديج وكان من أسب الناس لعلي فمر في المدينة والحسن جالس في جماعة من أصحابه فأتاه رسول فقال أجب الحسن فأتاه فسلم عليه فقال له أنت معاوية بن حديج؟ قال: نعم قال فأنت الساب علياً رضي الله عنه قال: فكأنه استحيى. فقال: أما والله لئن وردت عليه الحوض -وما أراك ترده- لتجدنه مشمر الإزار على ساق يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل قول الصادق المصدوق " وقد خاب من افترى ".

وروى نحوه قيس بن الربيع عن بدر بن الخليل عن مولى الحسن ابن علي قال: قال الحسن أتعرف معاوية بن حديج؟ قلت نعم فذكره.

قلت: كان هذا عثمانياً وقد كان بين الطائفتين من أهل صفين ما هو أبلغ من السب السيف فإن صح شيء فسبيلنا الكف والاستغفار للصحابة ولا نحب ما شجر بينهم ونعوذ بالله منه ونتولى أمير المؤمنين علياً.

وفي كتاب "الجمل" لعبد الله بن أحمد من طريق ابن لهيعة: حدثنا أبو قبيل قال: لما قتل

(444)

ضعيف: أخرجه أحمد (6/ 401 - 402)، وابن سعد (7/ 503) من طريق عفان، عن حماد بن سلمة، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته صالح بن حجير، ذكره البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 2/ 276) وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(2/ 1/ 398)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، فهو مجهول.

(445)

صحيح: أخرجه مسلم (1828) من طريق جرير بن حازم، به.

ص: 207

حجر وأصحابه بلغ معاوية بن حديج بإفريقية فقام في أصحابه وقال يا أشقائي وأصحابي وخيرتي! أنقاتل لقريش في الملك حتى إذا استقام لهم وقعوا يقتلوننا؟ والله لئن أدركتها ثانية بمن أطاعني من اليمانية لأقولن لهم: اعتزلوا بنا قريشاً ودعوهم يقتل بعضهم بعضاً فمن غلب اتبعناه.

قلت: قد كان ابن حديج ملكاً مطاعاً من أشراف كندة غضب لحجر بن عدي لأنه كندي.

قال ابن يونس: مات بمصر في سنة اثنتين وخمسين وولده إلى اليوم بمصر.

قلت: ذكر الجمهور أنه صحابي. وقال ابن سعد له صحبة وذكره في بقعة أخرى في الطبقة الأولى بعد الصحابة فقال معاوية بن حديج الكندي لقي عمر.

‌233 - أبو برزة الأسلمي

(446)

صاحب النبي صلى الله عليه وسلم نضلة بن عبيد على الأصح وقيل نضلة بن عمرو وقيل نضلة بن عائذ ويقال ابن عبد الله وقيل عبد الله بن نضلة ويقال خالد بن نضلة. روى عدة أحاديث روى عنه ابنه المغيرة وحفيدته منية بنت عبيد وأبو عثمان النهدي وأبو المنهال سيار وأبو الوضيء عباد بن نسيب وكنانة بن نعيم وأبو الوازع جابر بن عمرو وعبد الله بن بريدة وآخرون.

نزل البصرة وأقام مدة مع معاوية. قال ابن سعد: أسلم قديماً وشهد فتح مكة. قلت: وشهد خيبر وكان آدم ربعة وحضر حرب الحرورية مع علي. قال أبو نعيم: هو الذي قتل عبد العزى بن خطل تحت أستار الكعبة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم.

(446)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 298) و (7/ 9 و 366)، التاريخ الكبير (8/ترجمة رقم 2414)، الجرح والتعديل (3/ترجمة 1602) و (8/ترجمة 2283)، الحلية (2/ 32)، تاريخ بغداد (1/ 182)، أسد الغابة (2/ 93) و (3/ 268) و (5/ 19 و 146)، الإصابة (3/ترجمة 8716).

ص: 208

يحيى الحماني حدثنا حماد عن الأزرق بن قيس قال كنا على شاطئ نهر بالأهواز فجاء أبو برزة يقود فرساً فدخل في صلاة العصر فقال رجل انظروا إلى هذا الشيخ وكان انفلت فرسه فاتبعها في القبلة حتى أدركها فأخذ بالمقود ثم صلى قال فسمع أبو برزة قول الرجل فجاء فقال ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ذلك إني شيخ كبير ومنزلي متراخ ولو أقبلت على صلاتي وتركت فرسي ثم ذهبت أطلبها لم آت أهلي إلا في جنح الليل لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت من يسره. فأقبلنا نعتذر مما قال الرجل.

وكذا رواه شعبة عن الأزرق قال: كنت مع أبي برزة بالأهواز فقام يصلي العصر وعنان فرسه بيده فجعلت ترجع وجعل أبو برزة ينكص معها قال ورجل من الخوارج يشتمه فلما فرغ قال إني غزرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستاً أو سبعاً وشهدت تيسيره.

همام عن ثابت البناني أن أبا برزة كان يلبس الصوف فقيل له: إن أخاك عائذ بن عمرو يلبس الخز قال ويحك ومن مثل عائذ فانصرف الرجل فأخبر عائذاً فقال: ومن مثل أبي برزة!؟ قلت: هكذا كان العلماء يوقرون أقرانهم. عن أبي برزة قال: كنا نقول في الجاهلية من أكل الخمير سمن فأجهضنا القوم

(447)

يوم خيبر عن خبزة لهم فجعل أحدنا يأكل منه الكسرة ثم يمس عطفيه هل سمن. وقيل: كانت لأبي برزة جفنة من ثريد غدوة وجفنة عشية للأرامل واليتامى والمساكين.

وكان يقوم إلى صلاة الليل فيتوضأ ويوقظ أهله رضي الله عنه. وكان يقرأ بالستين إلى المئة.

يقال: مات أبو برزة بالبصرة. وقيل: بخراسان وقيل بمفازة بين هراة وسجستان وقيل شهد صفين مع علي.

يقال: مات قبل معاوية في سنة ستين. وقال الحاكم توفي سنة أربع وستين.

وقال ابن سعد: مات بمرو. قيل: كان أبو برزة وأبو بكرة متواخيين.

(447)

أجْهَضْنا القوم: أي نحيناهم وأزلناهم وأعجلناهم وغلبناهم.

ص: 209

الأنصاري: حدثنا عوف حدثنا أبو المنهال قال: لما فر ابن زياد ورتب مروان بالشام وابن الزبير بمكة اغتم أبي وقال انطلق معي إلى أبي برزة الأسلمي فانطلقنا إليه في داره فقال يا أبا برزة ألا ترى؟ فقال: إني أحتسب عند الله أني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش وذكر الحديث.

‌234 - حكيم بن حزام

(448)

ابن خويلد بن أسد الأسدي بن عبد العزي بن قصي بن كلاب أبو خالد القرشي الأسدي.

أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه. وغزا حنيناً والطائف. وكان من أشراف قريش وعقلائها ونبلائها وكانت خديجة عمته وكان الزبير ابن عمه.

حدث عنه: ابناه هشام الصحابي وحزام وعبد الله بن الحارث بن نوفل وسعيد بن المسيب وعروة وموسى بن طلحة ويوسف بن ماهك وآخرون. وعراك بن مالك ومحمد بن سيرين وعطاء بن أبي رباح فأظن رواية هؤلاء عنه مرسلة. وقدم دمشق تاجراً.

قيل: إنه كان إذا اجتهد في يمينه قال لا والذي نجاني يوم بدر من القتل. قال إبراهيم بن المنذر: عاش مئة وعشرين سنة وولد قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة.

وقال أحمد بن البرقي: كان من المؤلفة أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مئة بعير فيما ذكر ابن إسحاق.

وأولاده هم: هشام وخالد وحزام وعبد الله ويحيى وأم سمية وأم عمرو وأم هشام.

وقال البخاري في "تاريخه": عاش ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام.

قلت: لم يعش في الإسلام إلا بضعاً وأربعين سنة.

(448)

ترجمته في التاريخ الكبير (3/ ترجمة 42)، الجرح والتعديل (3/ ترجمة 786)، وأسد الغابة (2/ 41)، الإصابة (1/ ترجمة 1800)، تهذيب التهذيب (2/ترجمة 775)، خلاصته الخزرجي (1/ ترجمة 1572).

ص: 210

قال عروة عمن حدثه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا حكيم إن الدنيا خضرة حلوة"

(449)

قال فما أخذ حكيم من أبي بكر ولا ممن بعده ديواناً ولا غيره. وقيل: قتل أبوه يوم الفجار الأخير

(450)

. قال ابن مندة: ولد حكيم في جوف الكعبة وعاش مئة وعشرين سنة مات سنة أربع وخمسين.

روى الزبير عن مصعب بن عثمان قال: دخلت أم حكيم في نسوة الكعبة فضربها المخاض فأتيت بنطع

(451)

حين أعجلتها الولادة فولدت في الكعبة. وكان حكيم من سادات قريش قال الزبير: كان شديد الأدمة خفيف اللحم.

مسند أحمد: حدثنا عتاب بن زياد حدثنا ابن المبارك أخبرنا الليث حدثني عبيد الله بن المغيرة عن عراك بن مالك أن حكيم بن حزام قال كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلي في الجاهلية فلما نبئ وهاجر شهد حكيم الموسم كافراً فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين ديناراً ليهديها إلى رسول الله فقدم بها عليه المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى قال عبيد الله حسبته قال: "إنا لا نقبل من المشركين شيئاً ولكن إن شئت بالثمن" قال: فأعطيته حين أبى علي الهدية

(452)

.

رواه الطبراني: حدثنا مطلب بن شعيب حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث فالطبراني وأحمد فيه طبقة.

وفي رواية ابن صالح زيادة: فلبسها فرأيتها عليه على المنبر فلم أر شيئاً أحسن منه

(449)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق (20041)، والبخاري (1472) و (2750) و (3143) و (6441)، ومسلم (1035)، والترمذي (2463)، والنسائي (5/ 101 - 102)، والطبراني (3078) و (3080 - 3083)، والبيهقي (4/ 196)، والبغوي (1619) من طرق عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير وسعيد ابن المسيب، عن حكيم بن حزام، به.

(450)

الفجار: حرب كانت بين قيْس عيلان وقريش في الشهر الحرام، ففجروا فيه جميعًا، فسُمِّى الفِجار.

(451)

النِّطع: قطعة من الجلد.

(452)

صحيح: أخرجه أحمد (3/ 402 - 403) حدثنا عتاب بن زيد، به، وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(592) من طريق نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، به، وأخرجه الطبراني في "الكبير"(3125)، والحاكم (3/ 484 - 485) من طريق عبد الله بن صالح، عن الليث، به.

ص: 211

يومئذ فيها ثم أعطاها أسامة فرآها حكيم على أسامة فقال يا أسامة أتلبس حلة ذي يزن؟ قال نعم والله لأنا خير منه ولأبي خير من أبيه فانطلقت إلى مكة فأعجبتهم بقوله.

الواقدي عن الضحاك بن عثمان عن أهله قالوا: قال حكيم كنت تاجراً أخرج إلى اليمن وآتي الشام فكنت أربح أرباحاً كثيرة فأعود على فقراء قومي وابتعت بسوق عكاظ زيد بن حارثة لعمتي بست مئة درهم فلما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته زيداً فأعتقه فلما حج معاوية أخذ معاوية مني داري بمكة بأربعين ألف دينار فبلغني أن ابن الزبير قال: ما يدري هذا الشيخ ما باع فقلت: والله ما ابتعتها إلا بزقٍّ من خمر. وكان لا يجيء أحد يستحمله في السبيل إلا حمله.

الزبير: أخبرنا إبراهيم بن حمزة قال: كان مشركو قريش لما حصروا بني هاشم في الشعب كان حكيم تأتيه العير بالحنطة فيقبلها الشعب ثم يضرب أعجازها فتدخل عليهم فيأخذون ما عليها.

عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما قرب من مكة: "أربعة أربأ بهم عن الشرك عتاب بن أسيد وجبير بن مطعم وحكيم بن حزام وسهيل بن عمرو"

(453)

.

قلت: أسلموا وحسن إسلامهم.

حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن ومن دخل دار بديل بن ورقاء فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن"

(454)

.

ابن أبي خيثمة: حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن سلمة عن هشام ابن عروة عن أبيه أن أبا سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء أسلموا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثهم إلى أهل مكة يدعونهم إلى الإسلام

(455)

.

(453)

ضعيف: فيه علتان: الأولى: ابن جريج، مدلس، وقد عنعنه. العلة الثانية: الإرسال.

(454)

صحيح: وهذا إسناد ضعيف، لإرساله. وقد أخرجه مسلم (1780) (86) في حديث طويل من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: من دخل دار أبي سفيان فهو أمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن".

(455)

ضعيف: لإرساله. وأبو سلمة هو موسى بن إسماعيل المِنُقَرى، بكسر الميم، وسكون النون وفتح القاف التبوذكي، ثقة ثبت، من صغار الطبقة التاسعة.

ص: 212

معمر عن الزهري عن سعيد وعروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى حكيماً يوم حنين فاستقله فزاده فقال يا رسول الله! أي عطيتك خير؟ قال: "الأولى". وقال: "يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس وحسن أكلة بورك له فيه ومن أخذه باستشراف نفس وسوء أكلة لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع". قال: ومنك يا رسول الله؟ قال: "ومني" قال: فوالذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً قال فلم يقبل ديواناً ولا عطاء حتى مات فكان عمر يقول: اللهم إني أشهدك على حكيم أني أدعوه لحقه وهو يأبى. فمات حين مات وإنه لمن أكثر قريش مالاً.

رواه هكذا عبد الرزاق

(456)

ورواه الواقدي عن معمر وفيه: قالا حدثنا حكيم.

هشام بن عروة عن أبيه عن حكيم: أعتقت في الجاهلية أربعين محرراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما سلف لك من خير"

(457)

. لفظ ابن عيينة.

أبو معاوية عن هشام بهذا وفيه: "أسلمت على صالح ما سلف لك". فقلت: يا رسول الله لا أدع شيئاً صنعته في الجاهلية إلا صنعت لله في الإسلام مثله وكان أعتق في الجاهلية مئة رقبة وأعتق في الإسلام مثلها وساق في الجاهلية مئة بدنة وفي الإسلام مثلها.

الزبير: أخبرنا مصعب بن عثمان سمعتهم يقولون: لم يدخل دار الندوة للرأي أحد حتى بلغ أربعين سنة إلا حكيم بن حزام فإنه دخل للرأي وهو ابن خمس عشرة وهو أحد النفر الذين دفنوا عثمان ليلاً.

يحيى بن بكير: حدثنا عبد الحميد بن سليمان سمعت مصعب بن ثابت يقول: بلغني والله أن حكيم بن حزام حضر يوم عرفة ومعه مئة رقبة ومئة بدنة ومئة بقرة ومئة شاة فقال: الكل لله.

(456)

صحيح: مرَّ تخريجنا له قريبًا بتعليق رقم (449)، وهو عند عبد الرزاق (20041)، والبخاري (1472) و (2750) و (3143)، وغيرهما فراجعه ثمَّ.

(457)

صحيح: أخرجه الحميدي (554)، وأحمد (3/ 434)، والبخاري (2538)، ومسلم (123)(195) و (196)، وأبو عوانة (1/ 73)، والطبراني (3076) و (3084)، والبيهقي (10/ 316) من طريق هشام ابن عروة، عن أبيه، به، وأخرجه عبد الرزاق (19685)، وأحمد (3/ 402)، والبخاري (1436)، ومسلم (123)(195)، والطبراني في "الكبير"(3086)، والبيهقي (9/ 123) و (10/ 316)، والبغوي (27) من طريق معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، به.

ص: 213

وعن أبي حازم قال: ما بلغنا أنه كان بالمدينة أكثر حملاً في سبيل الله من حكيم.

وقيل: إن حكيماً باع دار الندوة من معاوية بمئة ألف. فقال له ابن الزبير: بعت مكرمة قريش فقال: ذهبت المكارم يا ابن أخي إلا التقوى إني اشتريت بها داراً في الجنة أشهدكم أني قد جعلتها لله.

الوليد بن مسلم: حدثنا شعبة قال: لما توفي الزبير لقي حكيم عبد الله بن الزبير فقال كم ترك أخي من الدين؟ قال ألف ألف قال علي خمس مئة ألف.

مصعب بن عبد الله عن أبيه قال ابن الزبير قتل أبي وترك ديناً كثيراً فأتيت حكيم بن حزام أستعين برأيه فوجدته يبيع بعيراً

الحديث.

الأصمعي: حدثنا هشام بن سعد صاحب المحامل عن أبيه قال قال حكيم بن حزام ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها.

قال الهيثم والمدائني وأبو عبيد وشباب: مات سنة أربع وخمسين رضي الله عنه.

وقيل: إنه دخل على حكيم عند الموت وهو يقول: لا إله إلا الله قد كنت أخشاك وأنا اليوم أرجوك.

وكان حكيم علامة بالنسب فقيه النفس كبير الشأن. يبلغ عدد مسنده أربعين حديثاً له في "الصحيحين" أربعة أحاديث متفق عليها.

‌235 - وهشام بن حكيم ابنه

(458)

له صحبة ورواية. حدث عنه جبير بن نفير وعروة بن الزبير وغيرهما. قال ابن سعد: كان صليباً مهيباً.

(458)

ترجمته في طبقات خليفة (14)، والتاريخ الكبير (8/ ترجمة 2664)، الجرح والتعديل (9/ ترجمة 226)، أسد الغابة (5/ 61)، الإصابة (3/ترجمة 8963)، الكاشف (3/ترجمة 6060)، تجريد أسماء الصحابة (2/ترجمة 1362)، تهذيب التهذيب (11/ترجمة رقم 76)، وخلاصة الخزرجي (3/ترجمة 7672).

ص: 214

وقال الزهري: كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فكان عمر إذا رأى منكراً قال أما ما عشت أنا وهشام بن حكيم فلا يكون هذا. وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم صارعه مرة فصرعه. قال ابن سعد توفي في أول خلافة معاوية.

‌236 - كعب بن عجرة

(459)

الأنصاري السالمي المدني من أهل بيعة الرضوان له عدة أحاديث روى عنه بنوه: سعد ومحمد وعبد الملك وربيع وطارق بن شهاب ومحمد بن سيرين وأبو وائل وعبد الله بن معقل وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وآخرون. حدث بالكوفة وبالبصرة فيما أرى. مات سنة اثنتين وخمسين.

قال كعب: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد صده المشركون فكانت لي وفرة

(460)

فجعلت الهوام تساقط على وجهي فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أتؤذيك هوام رأسك"؟ قلت: نعم فأمر أن يحلق ونزلت في آية الفدية

(461)

.

قال ابن سعد: هو بلوي من حلفاء الخزرج.

(459)

ترجمته في طبقات خليفة بن خياط (136)، التاريخ الكبير (7/ ترجمة 954)، الجرح والتعديل (7/ ترجمة 897)، حلية الأولياء (1/ 68)، الكامل في التاريخ (3/ 191 و 492) أسد الغابة (4/ 243) الإصابة (3/ ترجمة 7419)، الكاشف (3/ ترجمة 4724)، تجريد أسماء الصحابة (2/ ترجمة 343)، تهذيب التهذيب (8/ ترجمة 788)، خلاصة الخزرجي (2/ ترجمة 5959).

(460)

الوفرة: شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن.

(461)

صحيح: أخرجه الطيالسي (1065)، وأحمد (4/ 242)، والبخاري (1817) و (1818) و (4159) و (4191)، وابن خزيمة (2677) و (2678)، وابن جرير الطبري (3347)، والدارقطني (2/ 298)، والطبراني (19/ 224 - 227 و 229)، والبيهقي (5/ 87) من طرق عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، به، وأخرجه الحميدي (709)، ومسلم (1201)(83)، والترمذي (953)، وابن خزيمة (2677) وابن جرير الطبري في "جامع البيان"(3346)، والدارقطني (2/ 298 و 298 - 299)، والطبراني (19/ 233 و 237)، والبيهقي (5/ 55) من طرق عن سفيان قال: حدثنا أيوب السختياني، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، به.

ص: 215

وقال الواقدي: هو من أنفسهم. وذكر عن رجاله قالوا: استأخر إسلام كعب بن عجرة وكان له صنم يكرمه ويمسحه فكان يدعى إلى الإسلام فيأبى وكان عبادة بن الصامت له خليلاً فرصده يوماً فلما خرج دخل عبادة ومعه قدوم فكسره فلما أتى كعب قال من فعل هذا قالوا عبادة فخرج مغضباً ثم فكر في نفسه وأتى عبادة فأسلم.

ضمام بن إسماعيل: حدثني يزيد بن أبي حبيب وموسى بن وردان عن كعب بن عجرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فرأيته متغيراً قلت بأبي وأمي مالي أراك متغيراً؟ قال: "ما دخل جوفي شيء منذ ثلاث" فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلاً له فسقيت له على كل دلو بتمرة فجمعت تمراً فأتيته به فقال: "أتحبني يا كعب"؟ قلت: -بأبي أنت- نعم قال: "إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى معادنه وإنك سيصيبك بلاء فأعد له تجفافاً " قال: ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: مريض فأتاه فقال له: "أبشر يا كعب" فقالت أمه: هنيئاً لك الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من هذه المتألية على الله؟ " قال: هي أمي. قال: "ما يدريك يا أم كعب لعل كعباً قال ما لاينفعه أو منع ما لا يغنيه". رواه الطبراني

(462)

.

مسعر عن ثابت بن عبيد قال: بعثني أبي إلى كعب بن عجرة فإذا هو أقطع فقلت لأبي: بعثتني إلى رجل أقطع! قال إن يده قد دخلت الجنة وسيتبعها إن شاء الله.

‌237 - عمرو بن العاص

(463)

ابن وائل الإمام أبو عبد الله ويقال أبو محمد السهمي. داهية قريش ورجل العالم ومن يضرب به المثل في الفطنة والدهاء والحزم.

(462)

ضعيف: فهو منقطع بين موسى بن وردان وكعب بن عجرة، فموسى بن وردان توفى سنة سبع عشرة ومائة ومولده بعد الأربعين بثلاث أو أربع وقد مات كعب بن عجرة سنة إحدى وخمسين، فإن كان قد أدركه فانه لم يكن سنه سن تحمل لأن سنه حين مات كعب كان ثمانى أو تسع سنين. وكذا يزيد بن أبي حبيب من الطبقة الخامسة لم يسمع منه. وقد رواه الطبراني في "الأوسط"(7157).

(463)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 254) و (7/ 493)، وطبقات خليفة ترجمة (147) و (970) و (2820)، وتاريخ البخاري الكبير (6/ترجمة 2475)، والجرح والتعديل (6/ترجمة 1342)، وأسد الغابة (4/ 115)، الإصابة (3/ترجمة 5882)، الكاشف (3/ترجمة 4338)، وتجريد أسماء الصحابة (1 /ترجمة 4448)، وتهذيب التهذيب (8/ ترجمة رقم 84)، خلاصة الخزرجي (2/ ترجمة 5318).

ص: 216

هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً في أوائل سنة ثمان مرافقاً لخالد بن الوليد وحاجب الكعبة عثمان بن طلحة ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بقدومهم وإسلامهم وأمر عمراً على بعض الجيش وجهزه للغزو.

له أحاديث ليست كثيرة تبلغ بالمكرر نحو الأربعين اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة أحاديث منها وانفرد البخاري بحديث ومسلم بحديثين وروى أيضاً عن عائشة.

حدث عنه: ابنه عبد الله ومولاه أبو قيس وقبيصة بن ذؤيب وأبو عثمان النهدي وعلي بن رباح وقيس بن أبي حازم وعروة بن الزبير وجعفر بن المطلب بن أبي وداعة وعبد الله بن منين والحسن البصري مرسلاً وعبد الرحمن بن شماسة المهري وعمارة بن خزيمة بن ثابت ومحمد بن كعب القرظي وأبو مرة مولى عقيل وأبو عبد الله الأشعري وآخرون.

قال الزبير بن بكار: هو أخو عروة بن أثاثة لأمه وكان عروة ممن هاجر إلى الحبشة.

وقال أبو بكر بن البرقي: كان عمرو قصيراً يخضب بالسواد أسلم قبل الفتح سنة ثمان وقيل: قدم هو وخالد وابن طلحة في أول صفر منها. قال البخاري: ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل

(464)

. نزل المدينة ثم سكن مصر وبها مات.

روى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ابنا العاص مؤمنان عمرو وهشام"

(465)

.

وروى عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة قال طلحة: ألا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ إني سمعته يقول: "عمرو بن العاص من صالحي قريش نعم أهل البيت أبو عبد الله وأم عبد الله وعبد الله "

(466)

.

(464)

صحيح: أخرجه البخاري (3662)، ومسلم (2384) من طريق خالد الحَّذاء، حدثنا عن أبي عثمان، قال: حدثنى عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل.

(465)

حسن: أخرجه أحمد (2/ 304 و 327 و 353)، وابن سعد (4/ 191)، والحاكم (3/ 240)، والطبراني في "الكبير"(22/ 461) من طريق حماد بن سلمة، أخبرنا محمد بن عمرو، به.

قلت: إسناده حسن، محمد بن عمرو هو ابن علقمة الليثي، صدوق.

(466)

ضعيف: أخرجه أحمد (1/ 161)، ومن طريقه الجورقاني في "الأباطيل والمناكير"(173) عن وكيع، حدثنا نافع بن عمرو عبد الجبار بن وَرْد، عن ابن أبي مُلَيْكة، به. =

ص: 217

الثوري: عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي قال عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء لعمرو على أبي بكر وعمر وسراة أصحابه قال الثوري: أراه قال في غزوة ذات السلاسل

(467)

.

مجالد عن الشعبي عن قبيصة بن جابر: قد صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلاً أبين أو أنصع رأياً ولا أكرم جليساً منه ولا أشبه سريرة بعلانية منه.

قال محمد بن سلام الجمحي: كان عمر إذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد!.

روى موسى بن علي عن أبيه سمع عمراً يقول لا أمل ثوبي ما وسعني ولا أمل زوجتي ما أحسنت عشرتي ولا أمل دابتي ما حملتني إن الملال من سيء الأخلاق.

وروى أبو أمية بن يعلى عن علي بن زيد بن جدعان قال رجل لعمرو بن العاص: صف لي الأمصار قال أهل الشام أطوع الناس لمخلوق وأعصاه للخالق وأهل مصر أكيسهم صغاراً وأحمقهم كباراً وأهل الحجاز أسرع الناس إلى الفتنة وأعجزهم عنها وأهل العراق أطلب الناس للعلم وأبعدهم منه

(468)

.

روى مجالد عن الشعبي قال: دهاة العرب أربعة: معاوية وعمرو والمغيرة وزياد فأما معاوية فللأناة والحلم وأما عمرو فللمعضلات والمغيرة للمبادهة وأما زياد فللصغير والكبير.

وقال أبو عمر بن عبد البر: كان عمرو من فرسان قريش وأبطالهم في الجاهلية مذكوراً بذلك فيهم. وكان شاعراً حسن الشعر حفظ عنه منه الكثير في مشاهد شتى وهو القائل:

إذا المرء لم يترك طعاماً يحبه

ولم ينه قلباً غاوياً حيث يمما

قضى وطراً منه وغادر سبة

إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما

= قلت: إسناده ضعيف؛ لانقطاعه، ابنُ أبي مُليكة -هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مُليكة- لم يُدْرك طلحة بن عبيد الله.

(467)

ضعيف: لإرساله. وغزوة ذات السلاسل، هى وراء وادى القُرى بضم السين الأولى وفتحها لغتان، وبينها وبين المدينة عشرة أيام، وكانت في جُمادى الآخرة سنة ثمان. قال ابن اسحاق: كان نزولهم على ماء لجُذام يُقال له: السلسل، وبذلك سُمِّيت ذات السلاسل.

(468)

ضعيف: فيه أبو أمية بن يعلى، وعلى بن زيد بن جُدعان، ضعيفان.

ص: 218

وكان أسن من عمر بن الخطاب فكان يقول: إني لأذكر الليلة التي ولد فيها عمر رضي الله عنه.

وقد سقنا من أخبار عمرو في المغازي وفي مسيره إلى النجاشي وفي سيرة عمر بن الخطاب وفي الحوادث وأنه افتتح إقليم مصر وولي إمرته زمن عمر وصدراً من دولة عثمان ثم أعطاه معاوية الإقليم وأطلق له مغله ست سنين لكونه قام بنصرته فلم يل مصر من جهة معاوية إلا سنتين ونيفاً ولقد خلف من الذهب قناطير مقنطرة.

وقد سقت من أخباره في "تاريخ الإسلام" جملة وطول الحافظ ابن عساكر ترجمته.

وكان من رجال قريش رأياً ودهاء وحزماً وكفاءة وبصراً بالحروب ومن أشراف ملوك العرب ومن أعيان المهاربين والله يغفر له ويعفو عنه ولولا حبه للدنيا ودخوله في أمور لصلح للخلافة فإن له سابقة ليست لمعاوية وقد تأمر على مثل أبي بكر وعمر لبصره بالأمور ودهائه.

ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن راشد مولى حبيب عن حبيب بن أوس قال حدثني عمرو بن العاص قال: لما انصرفنا من الخندق جمعت رجالاً من قريش فقلت والله إن أمر محمد يعلو علواً منكراً والله ما يقوم له شيء وقد رأيت رأياً قالوا: وما هو؟ قلت أن نلحق بالنجاشي على حاميتنا فإن ظفر قومنا فنحن من قد عرفوا نرجع إليهم وإن يظهر محمد فنكون تحت يدي النجاشي أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد قالوا أصبت قلت فابتاعوا له هدايا وكان من أعجب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا له أدماً كثيراً وقدمنا عليه فوافقنا عنده عمرو بن أمية الضمري قد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في أمر جعفر وأصحابه فلما رأيته قلت لعلي أقتله وأدخلت الهدايا فقال مرحباً وأهلاً بصديقي وعجب بالهدية فقلت أيها الملك! إني رأيت رسول محمد عندك وهو رجل قد وترنا وقتل أشرافنا فأعطنيه أضرب عنقه فغضب وضرب أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره فلو انشقت لي الأرض دخلت فيها وقلت لو ظننت أنك تكره هذا لم أسألكه فقال: سألتني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس

(469)

الذي كان يأتي موسى الأكبر تقتله؟! فقلت وإن ذاك لكذلك؟ قال نعم والله إني لك ناصح فاتبعه فوالله

(469)

الناموس: صاحبُ سرِّ الخير، والجاسوس صاحب سرِّ الشَّرَّ، وأراد به جبريل عليه السلام -لأن لله- تعالى خصَّهُ بالوحى وَالغيب اللذين لا يطَّلع عليهما غيره. ومنه حديث ورقة: "لئن كان ما تقولين حقًا فانه ليأتيه الناموس الذي كان يأتى موسى، عليه السلام.

ص: 219

ليظهرن كما ظهر موسى وجنوده قلت: أيها الملك فبايعني أنت له على الإسلام فقال نعم فبسط يده فبايعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام وخرجت على أصحابي وقد حال رأي فقالوا ما وراءك؟ فقلت خير فلما أمسيت جلست على راحلتي وانطلقت وتركتهم فوالله إني لأهوي إذ لقيت خالد بن الوليد فقلت: إلى أين يا أبا سليمان؟ قال أذهب والله أسلم إنه والله قد استقام الميسم إن الرجل لنبي ما أشك فيه فقلت وأنا والله فقدمنا المدينة فقلت: يا رسول الله أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ولم أذكر ما تأخر فقال لي: "يا عمرو بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله"

(470)

.

ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن قيس ابن سمي أن عمرو بن العاص قال: يا رسول الله؟! أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي؟ قال: "إن الإسلام والهجرة يجبان ما كان قبلهما" قال: فوالله إني لأشد الناس حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما ملأت عيني منه ولا راجعته

(471)

.

ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر حدثنا عبد الله بن جعفر عن أبي عمير الطائي عن الزهري قال: لما رأى عمرو بن العاص أمر النبي صلى الله عليه وسلم يظهر خرج إلى النجاشي وأهدى له فوافق عنده عمرو بن أمية في تزويج أم حبيبة فلقي عمرو عمراً فضربه وخنقه ثم دخل على النجاشي فأخبره فغضب وقال: والله لو قتلته ما أبقيت منكم أحداً أتقتل رسول رسول الله؟ فقلت: أتشهد أنه رسول الله قال نعم فقلت وأنا أشهد ابسط يدك أبايعك ثم خرجت إلى عمرو بن أمية فعانقته وعانقني وانطلقت سريعاً إلى المدينة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي

(472)

.

النضر بن شميل: أخبرنا ابن عون عن عمير بن إسحاق: استأذن جعفر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ائذن لي أن آتي أرضاً أعبد الله فيها لا أخاف أحداً فأذن له فأتى النجاشي.

(470)

ضعيف: أخرجه أحمد (4/ 198 - 199) من طريق يزيد بن أبي حبيب، به. آفته حبيب بن أوس، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة- لكن قد ورد عند مسلم (121) من حديث عمرو بن العاص أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ابْسُط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال: فقبضبتُ يدى. قال: مالك يا عمرو؟ قال: قلتُ: أردتُ أن أشترط قال: تشترط بماذا؟ قلتُ: أن يُغفر لى. قال: أما علمتَّ أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدمُ ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ ".

(471)

راجع تخريجنا السابق، فقد أخرجه مسلم (121) من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شَماسة المهرى، عن عمرو بن العاص، به في حديث طويل.

(472)

ضعيف جدًا: آفته محمد بن عمر الواقدي، فهو متروك كما ذكرنا مرارًا.

ص: 220

قال عمير: فحدثني عمرو بن العاص قال: لما رأيت مكانه حسدته فقلت للنجاشي: إن بأرضك رجلاً ابن عمه بأرضنا وإنه يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد وإنك والله إن لم تقتله وأصحابه لا أقطع هذه النطفة إليك أبداً. قال: ادعه قلت إنه لا يجيء معي فأرسل إليه معي رسولاً فجاء فلما انتهينا إلى الباب ناديت: ائذن لعمرو بن العاص ونادى هو: ائذن لحزب الله فسمع صوته فأذن له ولأصحابه ثم أذن لي فدخلت فإذا هو جالس فلما رأيته جئت حتى قعدت بين يديه فجعلته خلفي قال: وأقعدت بين كل رجلين من أصحابه رجلاً من أصحابي فقال النجاشي: نخروا فقلت إن ابن عم هذا بأرضنا يزعم أن ليس إلا إله واحد قال: فتشهد فإني أول ما سمعت التشهد ليومئذ وقال صدق هو ابن عمي وأنا على دينه قال فصاح صياحاً وقال أوه حتى قلت: ما لابن الحبشية؟ فقال: ناموس مثل ناموس موسى. ما يقول في عيسى؟ قال يقول هو روح الله وكلمته فتناول شيئاً من الأرض فقال: ما اخطأ من أمره مثل هذه وقال لولا ملكي لاتبعتكم. وقال لعمرو: ما كنت أبالي أن لا تأتيني أنت ولا أحد من أصحابك أبداً وقال لجعفر اذهب فأنت آمن بأرضي من ضربك قتلته. قال فلقيت جعفراً خالياً فدنوت منه. فقلت نعم إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وعبده فقال هداك الله فأتيت أصحابي فكأنما شهدوه معي فأخذوني فألقوا علي قطيفة وجعلوا يغموني وجعلت أخرج رأسي من هنا ومن هنا حتى أفلت وما علي قشرة فلقيت حبشية فأخذت قناعها فجعلته على عورتي فقالت كذا وكذا وأتيت جعفراً فقال مالك قلت: ذهب بكل شيء لي فانطلق معي إلى باب الملك فقال ائذن لحزب الله. فقال اذنه إنه مع أهله. قال: استأذن لي فأذن له. فقال: إن عمراً قد بايعني على ديني فقال: كلا. قال بلى فقال لإنسان: اذهب فإن كان فعل فلا يقولن لك شيئاً إلا كتبته. قال فجاء فجعل يكتب ما أقول حتى ما تركنا شيئاً حتى القدح ولو أشاء أن آخذ من أموالهم إلى مالي لفعلت

(473)

.

وعن عمرو قال: حضرت بدراً مع المشركين ثم حضرت أحداً. فنجوت ثم قلت: كم أوضع؟ فلحقت بالوهط

(474)

ولم أحضر صلح الحديبية.

(473)

ضعيف: فيه علتان: الأولى: عمير بن إسحاق، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول.

العلة الثانية: الانقطاع بين عمير وجعفر فإنه لم يدركه.

(474)

الوَهْط: قرية بالطائف على ثلاثة أميال من وج كانت لعمرو بن العاص.

ص: 221

سليمان بن أيوب الطلحي: حدثنا أبي عن إسحاق بن يحيى عن عمه موسى بن طلحة عن أبيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن عمرو ابن العاص لرشيد الأمر "

(475)

.

أحمد: حدثنا المقرئ حدثنا ابن لهيعة حدثني مشرح سمعت عقبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص"

(476)

.

عمرو بن حكام: حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ابنا العاص مؤمنان"

(477)

.

أحمد: حدثنا ابن مهدي عن موسى بن علي عن أبيه عن عمرو بن العاص قال: كان فزع بالمدينة فأتيت سالماً مولى أبي حذيفة وهو محتب بحمائل سيفه فأخذت سيفاً فاحتبيت بحمائله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله ألا فعلتم كما فعل هذان المؤمنان "

(478)

.

الليث: حدثنا يزيد عن ابن يخامر السكسكي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم صل على عمرو بن العاص فإنه يحبك ويحب رسولك"

(479)

منقطع.

أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق أخبرنا الليث عن يزيد عن سويد بن قيس عن زهير بن قيس البلوي عن علقمة بن رمثة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص إلى البحرين فخرج رسول الله في سرية وخرجنا معه فنعس وقال: يرحم الله عمراً فتذاكرنا كل من اسمه عمرو قال فنعس رسول الله صلى الله عيله وسلم ثم قال "رحم الله عمراً " ثم نعس الثالثة فاستيقظ فقال "رحم الله عمراً " قلنا يا رسول الله من عمرو هذا؟ قال:

(475)

ضعيف: فيه إسحاق بن يحيى، ضعيف. وأيوب الطلحي، مجهول.

(476)

حسن: أخرجه أحمد (4/ 155) من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ والترمذي (3844) من طريق قتيبة كلاهما عن ابن لهيعة، به.

قلت: إسناده حسن، عبد الله بن لهيعة، صدوق، وقد حدث عنه عبد الله بن يزيد المقرئ قبل الاختلاط.

(477)

حسن لغيره: أخرجه ابن سعد (4/ 192) وإسناده ضعيف لضعف عمرو بن حكام لكن له شاهد سبق لنا تخريجه من حديث أبي هريرة بتعليقنا رقم (465) وإسناده حسن فراجعه ثمَّ.

(478)

حسن: أخرجه أحمد (4/ 304)، وفي إسناده موسى بن عُلَىّ -بالتصغير- ابن رباح اللخمي، أبو عبد الرحمن البصري، صدوق، وأبوه هو عُلى بن رباح بن قصير اللخمي، أبو عبد الله البصري، ثقة.

(479)

ضعيف: فيه علتان: الأولى: الانقطاع بين يزيد وهو ابن أبي حبيب، ومالك بن يخامر السكسكي الألهاني. العلة الثانية: الإرسال.

ص: 222

"عمرو بن العاص" قلنا وما شأنه؟ قال: "كنت إذا ندبت الناس إلى الصدقة جاء فأجزل منها فأقول: يا عمرو! أنى لك هذا؟ فقال من عند الله قال وصدق عمرو إن له عند الله خيراً كثيراً

(480)

.

الوليد بن مسلم: عن يحيى بن عبد الرحمن عن حبان بن أبي جبلة عن عمرو بن العاص قال ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد منذ أسلمنا أحداً من أصحابه في حربه.

موسى بن علي عن أبيه سمع عمراً يقول: بعث الي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني". فأتيته وهو يتوضأ فصعد في البصر وصوبه فقال: "إني أريد أن أبعثك على جيش فيسلمك الله ويغنمك وأرغب لك رغبة صالحة من المال" قلت: يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال ولكني أسلمت رغبة في الإسلام ولأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عمرو: "نعما بالمال الصالح للرجل الصالح"

(481)

.

إسماعيل بن أبي خالد: عن قيس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمراً في غزوة ذات السلاسل فأصابهم برد فقال لهم عمرو: لا يوقدن أحد ناراً فلما قدم شكوه قال يا نبي الله! كان فيهم قلة فخشيت أن يرى العدو قلتهم ونهيتهم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون لهم كمين فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم

(482)

.

وكيع: عن منذر بن ثعلبة عن ابن بريدة قال عمر لأبي بكر: لم يدع عمرو بن العاص الناس أن يوقدوا ناراً ألا ترى إلى ما صنع بالناس يمنعهم منافعهم؟ فقال أبو بكر دعه فإنما ولاه رسول الله لعلمه بالحرب

(483)

.

(480)

ضعيف: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ ترجمة 174) في ترجمة علقمة بن رمثة البلوى - من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن زهير بن قيس البلوى، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته زهير بن قيس البلوى، ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 1/ 428)، وترجمه كذلك ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(1/ 2/ 586) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، فهو مجهول العين، فقد روى عنه راوٍ واحد حَسْب وهو سويد بن قيس. وأخرجه الفسوي في "المعرفة والتاريخ"(2/ 512) من طريق الليثّ بن سعد، به.

(481)

حسن: أخرجه أحمد (4/ 197 و 202)، والبخاري في "الأدب المفرد"(299) والحاكم (2/ 2) من طرق عن موسى بن عُلَىّ، عن أبيه، عن عمرو بن العاص، به.

قلت: إسناده حسن، موسى بن عُلىّ، صدوق.

(482)

ضعيف: لإرساله

(483)

ضعيف: لانقطاعه، عبد الله بن بريدة من الطبقة الثالثة لم يدرك عمر وأبا بكر.

ص: 223

وكذا رواه يونس بن بكير عن منذر وصح عن أبي عثمان النهدي عن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على جيش ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر

(484)

.

يزيد بن أبي حبيب: عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص أن عمراً كان على سرية فأصابهم برد شديد لم يروا مثله فخرج لصلاة الصبح فقال: احتلمت البارحة ولكني والله ما رأيت برداص مثل هذا فغسل مغابنه وتوضأ للصلاة ثم صلى بهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: "كيف وجدتم عمراً وصحابته فأثنوا عليه خيراً وقالوا: يا رسول الله صلى بنا وهو جنب فأرسل إلى عمرو فسأله فأخبره بذلك بالذي لقي من البرد وقال: إن الله قال: " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً " النساء 29 ولو اغتسلت مت. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم

(485)

.

جرير بن حازم حدثنا الحسن: قال رجل لعمرو بن العاص أرأيت رجلاً مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبه أليس رجلاً صالحاً؟ قال بلى قال قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبك وقد استعملك قال بلى فوالله ما أدري أحباً كان لي منه أو استعانة ولكن سأحدثك برجلين مات وهو يحبهما ابن مسعود وعمار فقال: ذاك قتيلكم بصفين قال قد والله فعلنا

(486)

.

(484)

صحيح: مرَّ تخريجنا له بتعليقنا رقم (464)، وهو عند البخاري (3662)، ومسلم (2384) من طريق خالد الحذَّاء. حدثنا عن أبي عثمان، قال: حدثنى عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل.

(485)

صحيح: أخرجه أبو داود (335)، والدارقطني (1/ 179)، والحاكم (1/ 177) وابن حبان (202) موارد والبيهقي (1/ 226) من طريق ابن وهب، قال: أخبرنى عمرو بن وهب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، به.

وأخرجه أبو داود (334)، والدارقطني (1/ 178) من طريق يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، به.

قوله: "المغابن": الأرْفاغ، وهى بواطِن الأفخاذ عند الحَوَالِب، جمع مَغْبن من غَبْن الثوب إذا ثَناهُ وعَطَفه، وهى مَعاطف الجلد أيضًا.

(486)

ضعيف: أخرجه أحمد (4/ 203) من طريق الأسود بن عامر، عن جرير بن حازم، به.

قلت: إسناده ضعيف، الحسن، وهو ابن أبي الحسن البصري لم يسمع من عمرو بن العاص.

ص: 224

معتمر: حدثنا عوف عن شيخ من بكر بن وائل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج شقة خميصة سوداء

(487)

فعقدها في رمح ثم هز الراية فقال: "من يأخذها بحقها"؟ فهابها المسلمون من أجل الشرط فقام رجل فقال يا رسول الله وما حقها؟ قال: "لا تقاتل بها مسلماً ولا تفر بها من كافر". قال فأخذها فنصبها علينا يوم صفين فما رأيت راية كانت أكسر أو أقصم لظهور الرجال منها وهو عمرو بن العاص سمعه منه أمية بن بساطم

(488)

.

ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان عمرو على عمان فأتاه كتاب أبي بكر بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الليث: عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد بن نشيط أن قرة بن هبيرة قدم على رسول الله صلى الله وعليه وسلم فأسلم .... الحديث. وفيه فبعث عمراً على البحرين فتوفي وهو ثم. قال عمرو: فأقبلت حتى مررت على مسيلمة فأعطاني الأمان ثم قال إن محمداً أرسل في جسيم الأمور وأرسلت في المحقرات قلت اعرض علي ما تقول فقال يا ضفدع نقي فإنك نعم ما تنقين لا زاداً تنقرين ولا ماء تكدرين ثم قال يا وبر يا وبر ويدان وصدر وبيان خلقه حفر ثم بأناس يختصمون في نخلات قطعها بعضهم لبعض فتسجى قطيفة ثم كشف رأسه ثم قال والليل الأدهم والذئب الأسحم ما جاء ابن أبي مسلم من مجرم ثم تسجى الثانية فقال والليل الدامس والذئب الهامس ما حرمته رطباً إلا كحرمته يابس قوموا فلا أرى عليكم فيما صنعتم بأساً قال عمرو أما والله إنك كاذب وإنك لتعلم إنك لمن الكاذبين فتوعدني

(489)

.

روى ضمرة عن الليث بن سعد قال: نظر عمر إلى عمرو بن العاص فقال ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميراً.

وشهد عمرو يوم اليرموك وأبلى يومئذ بلاءً حسناً وقيل بعثه أبو عبيدة فصالح أهل حلب وأنطاكية وافتتح سائر قنسرين عنوة.

(487)

الخميصة: هى ثوب خَزّ أو صُوف مُعْلَم. وقيل لا تُسمَّى خميصةً إلَّا أن تكون سوداء مُعْلَمة، وكانت من لباس الناس قديمًا، وجمعها الخَمائصُ.

(488)

ضعيف: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: إبهام الشيخ من بكر بن وائل الثانية الإرسال، وعوف، هو ابن أبي جميلة الأعرابي، من الطبقة السادسة، وهي طبقة صغار التابعين. فلا يمكن أن يكون الشيخ من بكر بن وائل إلَّا من كبار التابعين على إبهامه فالحديث مرسل.

(489)

ضعيف: في إسناده سعيد بن نشيط، قال الحافظ الذهبي في "الميزان": لا يعرف مجهول. وسعيد بن أبي هلال الليثي، أبو العلاء المصري حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط.

ص: 225

وقال خليفة: ولى عُمر عَمراً فلسطين والأردن ثم كتب إليه عمر فسار إلى مصر وافتتحها وبعث عمر الزبير مدداً له.

وقال ابن لهيعة: فتح عمرو بن العاص الإسكندرية سنة إحدى وعشرين ثم انتقضوا في سنة خمس وعشرين. وقال الفسوي: كان فتح ليون

(490)

سنة عشرين وأميرها عمرو. وقال خليفة: افتتح عمرو طرابلس الغرب سنة أربع وعشرين وقيل سنة ثلاث.

خالد بن عبد الله: عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده قال قال عمرو بن العاص خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا الإسكندرية فقال عظيم منهم أخرجوا إلي رجلاً أكلمه ويكلمني فقلت لا يخرج إليه غيري فخرجت معي ترجماني ومعه ترجمان حتى وضع لنا منبران. فقال: ما أنتم قلت نحن العرب ومن أهل الشوك والقرظ ونحن أهل بيت الله كنا أضيق الناس أرضاً وشره عيشاً نأكل الميتة والدم ويغير بعضنا على بعض كنا بشر عيش عاش به الناس حتى خرج فينا رجل ليس بأعظمنا يومئذ شرفاً ولا أكثرنا مالاً قال أنا رسول الله إليكم يأمرنا بما لا نعرف وينهانا عما كنا عليه فشنفنا له وكذبناه ورددنا عليه حتى خرج إليه قوم من غيرنا فقالوا نحن نصدقك ونقاتل من قاتلك فخرج إليهم وخرجنا إليه وقاتلناه فظهر علينا وقاتل من يليه من العرب فظهر عليهم فلو تعلم ما ورائي من العرب ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلا جاءكم فضحك ثم قال: إن رسولكم قد صدق وقد جاءتنا رسل بمثل ذلك وكنا عليه حتى ظهرت فينا ملوك فعملوا فينا بأهوائهم وتركوا أمر الأنبياء فإن أنتم أخذتم بأمر نبيكم لم يقاتلكم أحد إلا غلبتموه وإذا فعلتم مثل الذي فعلنا فتركتم أمر نبيكم لم تكونوا أكثر عدداً منا ولا أشد منا قوة.

قال الزهري: استخلف عثمان فنزع عن مصر عمراً وأمر عليها عبد الله بن أبي سرح.

جويرية بن أسماء: حدثني عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله بن الزبير حدثنا أشياخنا: أن الفتنة لما وقعت ما زال عمرو بن العاص معتصماً بمكة حتى كانت وقعة الجمل فلما كانت بعث إلى ولديه عبد الله ومحمد فقال قد رأيت رأياً ولستما باللذين ترداني عنه ولكن أشيرا علي إني رأيت العرب صاروا غارين

(491)

يضطربان فأنا طارح نفسي بين

(490)

ليون: قرية بمصر.

(491)

غاران: هى مثنى غار، والغاران الجيشان.

ص: 226

جزاري مكة ولست أرضى بهذه المنزلة فإلى أي الفريقين أعمد؟ قال عبد الله إن كنت لا بد فاعلاً فإلى علي قال: ثكلتك أمك إني إن أتيته قال لي إنما أنت رجل من المسلمين وإن أتيت معاوية خلطني بنفسه وشركني في أمره فأتى معاوية.

وقيل: إنه قال لعبد الله: إنك أشرت علي بالقعود وهو خير لي في آخرتي وأما أنت يا محمد فأشرت علي بما هو أنبه لذكري ارتحلا فأتى معاوية فوجده يقص ويذكر أهل الشام في دم الشهيد. فقال له: يا معاوية قد أحرقت كبدي بقصصك أترى إن خالفنا علياً لفضل منا عليه لا والله! إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها أما والله لتقطعن لي من دنياك أو لأنابذنك فأعطاه مصر وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى علي.

الطبراني: حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا سعيد بن عفير حدثنا سعيد ابن عبد الرحمن عن أبيه عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه: أنه دخل على معاوية وعمرو بن العاص معه فجلس شداد بينهما وقال: هل تدريان ما يجلسني بينكما؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اذا رأيتموهما جميعاً ففرقوا بينهما فوالله ما اجتمعا إلا على غدرة"

(492)

.

وقيل: كتب علي إلى عمرو فأقرأه معاوية وقال: قد ترى ما كتب إلي علي فإما أن ترضيني وإما أن ألحق به قال ما تريد؟ قال مصر فجعلها له.

الواقدي: حدثني مفضل بن فضالة عن يزيد بن أبي حبيب وحدثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون قالا: لما صار الأمر في يد معاوية استكثر مصر طعمة لعمرو ما عاش ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره وظن أن معاوية سيزيده الشام فلم يفعل فتنكر له عمرو فاختلفا وتغالظا فأصلح بينهما معاوية بن حديج وكتب بينهما كتاباً بأن: لعمرو ولاية مصر سبع سنين وأشهد عليهما شهوداً وسار عمرو إلى مصر سنة تسع وثلاثين فمكث نحو ثلاث سنين ومات

(493)

.

المدائني: عن جويرية بن أسماء أن عمرو بن العاص قال لابن عباس يا بني هاشم

(492)

ضعيف: فيه سعيد بن عبد الرحمن، وأبوه، فهما مجهولان. وفيه سعيد بن كثير بن عُفير المصري، قال الحافظ أبو سعيد بن يونس: أنكر عليه أحاديث. وقال الجوزجاني: كان مخلطًا غير ثقة، فيه غير لون من البدع فهذه ثلاث علل في الإسناد يرزح بها الحديث في أسر الضعف، حتى يأتى ما يشد أزره من متابعات أو شواهد وليس ثمَّ.

(493)

ضعيف جدًا: أخرجه ابن سعد (4/ 258)، وآفته الواقدي متروك كما ذكرنا مرارًا.

ص: 227

لقد تقلدتم بقتل عثمان فرم الإماء العوارك

(494)

أطعتم فساق العراق في عيبه وأجزرتموه مراق (494 م) أهل مصر وآويتم قتلته. فقال ابن عباس: إنما تكلم لمعاوية إنما تكلم عن رأيك وإن أحق الناس أن لا يتكلم في أمر عثمان لأنتما أما أنت يا معاوية فزينت له ما كان يصنع حتى إذا حصر طلب نصرك فأبطأت عنه وأحببت قتله وتربصت به وأما أنت يا عمرو فأضرمت عليه المدينة وهربت إلى فلسطين تسأل عن أنبائه فلما أتاك قتله أضافتك عداوة علي أن لحقت بمعاوية فبعت دينك بمصر. فقال معاوية: حسبك عرضني لك عمرو وعرض نفسه.

قال محمد بن سلام الجمحي: كان عمر إذا رأى من يتلجلج في كلامه قال هذا خالقه خالق عمرو بن العاص. مجالد: عن الشعبي عن قبيصة بن جابر صحبت عمر فما رأيت أقرأ لكتاب الله منه ولا أفقه ولا أحسن مداراة منه. وصحبت طلحة فما رأيت أعطى لجزيل من غير مسألة منه. وصحبت معاوية فما رأيت أحلم منه وصحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلاً أبين -أو قال- أنصع طرفاً منه ولا أكرم جليساص منه وصحبت المغيرة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها.

موسى بن علي: حدثنا أبي حدثني أبو قيس مولى عمرو بن العاص أن عمراً كان يسرد الصوم وقلما كان يصيب من العشاء أول الليل وسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن فصلاً بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر"

(495)

.

ابن عيينة: حدثنا عمرو أخبرني مولى لعمرو بن العاص أن عمراً أدخل في تعريش الوهط -بستان بالطائف- ألف ألف عود كل عود بدرهم.

وقال ابن عيينة: قال عمرو بن العاص: ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ولكن هو الذي يعرف خير الشرين.

أبو هلال: عن قتادة قال لما احتضر عمرو بن العاص قال كيلوا مالي فكالوه

(494)

العوارك: الحُيَّض.

(494 م) أجزرتموه مُرَّاق أهل مصر: أي جعلتم فساق أهل مصر يذبحونه.

(495)

صحيح: أخرجه أحمد (4/ 197)، ومسلم (1096)، وأبو داود (2343)، والترمذي (708)، والنسائي (4/ 146) من طرق عن موسى بن عُلَىّ، به.

ص: 228

فوجدوه اثنين وخمسين مداً فقال: من يأخذه بما فيه؟ يا ليته كان بعراً قال والمد ست عشرة أوقية الأوقية مكوكان.

أشعث: عن الحسن قال لما احتضر عمرو بن العاص نظر إلى صناديق فقال من يأخذها بما فيها؟ يا ليته كان بعراً ثم أمر الحرس فأحاطوا بقصره فقال بنوه ما هذا؟ فقال ما ترون هذا يغني عني شيئاً.

ابن سعد: أخبرنا ابن الكلبي عن عوانة بن الحكم قال قال عمرو ابن العاص عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه؟ فلما نزل به الموت ذكره ابنه بقوله وقال: صفه قال يا بني! الموت أجل من أن يوصف ولكني سأصف لك اجدني كأن جبال رضوى على عنقي وكأن في جوفي الشوك وأجدني كأن نفسي يخرج من إبرة.

يونس: عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو أن أباه قال حين احتضر: اللهم إنك أمرت بأمور ونهيت عن أمور تركنا كثيراً مما أمرت ورتعنا في كثير مما نهيت اللهم لا إله إلا أنت. ثم أخذ بإبهامه فلم يزل يهلل حتى فاض رضي الله عنه.

أحمد: حدثنا عفان حدثنا الأسود بن شيبان حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب قال جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعاً شديداً فقال ابنه عبد الله ما هذا الجزع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنيك ويستعملك! قال: أي بني! قد كان ذلك وسأخبرك إي والله ما أدري أحباً كان أم تألفاً ولكن أشهد على رجلين أنه فارق الدنيا وهو يحبهما ابن سمية وابن أم عبد فلما جد به وضع يده موضع الأغلال من ذقنه وقال: اللهم أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا مغفرتك فكانت تلك هجيراه حتى مات

(496)

.

وعن ثابت البناني قال كان عمرو على مصر فثقل فقال لصاحب شرطته: أدخل وجوه أصحابك فلما دخلوا نظر إليهم وقال ها قد بلغت هذه الحال ردوها عني فقالوا: مثلك أيها الأمير يقول هذا؟ هذا أمر الله الذي لا مرد له. قال قد عرفت ولكن أحببت أن تتعظوا لا إله إلا الله فلم يزل يقولها حتى مات.

روح: حدثنا عوف

(497)

عن الحسن قال: بلغني أن عمرو بن العاص دعا حرسه عند

(496)

صحيح: أخرجه أحمد (4/ 199 - 200).

(497)

هو عوف بن أبي جميلة، الأعرابي العبدي، البصري، ثقة، من الطبقة السادسة وهى طبقات صغار التابعين.

ص: 229

الموت فقال امنعوني من الموت قالوا: ما كنا نحسبك تكلم بهذا قال قد قلتها وإني لأعلم ذلك ولأن أكون لم أتخذ منكم رجلاً قط يمنعني من الموت أحب إلي من كذا وكذا فيا ويح ابن أبي طالب إذ يقول: حرس امرءاً أجله. ثم قال: اللهم لا بريء فأعتذر ولا عزيز فأنتصر وإن لا تدركني منك رحمة أكن من الهالكين.

إسرائيل: عن عبد الله بن المختار عن معاوية بن قرة حدثني أبو حرب بن أبي الأسود عن عبد الله بن عمرو أن أباه أوصاه إذا مت فاغسلني غسلة بالماء ثم جففني في ثوب ثم اغسلني الثانية بماء قراح ثم جففني ثم اغسلني الثالثة بماء فيه كافور ثم جففني وألبسني الثياب وزر علي فإني مخاصم ثم إذا أنت حملتني على السرير فامش بي مشياً بين المشيتين وكن خلف الجنازة فإن مقدمها للملائكة وخلفها لبني أدم فإذا أنت وضعتني في القبر فسن

(498)

علي التراب سناً ثم قال: اللهم إنك أمرتنا فأضعنا ونهيتنا فركبنا فلا بريء فأعتذر ولا عزيز فأنتصر ولكن لا إله إلا أنت وما زال يقولها حتى مات.

قالوا: توفي عمرو ليلة عيد الفطر فقال الليث والهيثم بن عدي والواقدي وغيرهم سنة ثلاث وأربعين. وقال محمد بن عبد الله بن نمير وغيره سنة اثنتين وقال يحيى بن بكير سنة ثلاث وله نحو من مئة سنة. وقال العجلي: وسنة تسع وتسعون.

وأما الواقدي فروى عن عبد الله بن أبي يحيى عن عمرو بن شعيب أن عمراً مات وهو ابن سبعين سنة سنة ثلاث وأربعين.

ويروى عن الهيثم: أنه توفي سنة إحدى وخمسين وهذا خطأ.

وعن طلحة القناد قال: توفي سنة ثمان وخمسين وهذا لا شيء.

قلت: كان أكبر من عمر بنحو خمس سنين كان يقول أذكر الليلة التي ولد فيها عمر وقد عاش بعد عمر عشرين عاماً فينتج هذا أن مجموع عمره بضع وثمانون سنة ما بلغ التسعين رضي الله عنه.

(498)

سُنَّ علىَّ: أي صُبَّ علىَّ.

ص: 230

وخلف أموالاً كثيرة وعبيداً وعقاراً يقال خلف من الذهب سبعين رقبة جمل مملوءة ذهباً.

‌238 - أخوه هشام بن العاص

(499)

السهمي الرجل الصالح المجاهد ابن أخت أبي جهل وهي أم حرملة المخزومية وقد مضى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ابنا العاص مؤمنان "

(500)

.

قال ابن سعد: كان هشام قديم الإسلام بمكة وهاجر إلى الحبشة ثم رد إلى مكة إذ بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر ليلحق به فحبسه قومه بمكة. ثم قدم بعد الخندق مهاجراً وشهد ما بعدها وكان عمرو أكبر منه لم يعقب.

عمرو بن حكام: حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن حزم عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ابنا العاص مؤمنان "

(501)

.

القعنبي: حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن ابني العاص قالا: ما جلسنا مجلساً كنا به أشد اغتباطاً من مجلس جئنا يوماً فإذا أناس عند الحجر يتراجعون في القرآن فاعتزلناهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلف الحجر يسمع كلامهم فخرج علينا مغضباً فقال: "أي قوم! بهذا ضلت الأمم قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتاب بعضه ببعض"

(502)

.

(499)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 191)، الجرح والتعديل (9/ ترجمة 247)، أسد الغابة (5/ 401 - 402)، الإصابة (3/ترجمة 8965).

(500)

حسن: تقدَّم تخريجنا له بتعليق رقم (465)، وهو عند أحمد (2/ 304 و 327 و 353)، وابن سعد (4/ 191)، والحاكم (3/ 240)، والطبراني في "الكبير"(22/ 461).

(501)

حسن لغيره: تقدَّم تخريجنا بتعليقنا رقم (477). وهذا إسناد ضعيف لضعف عمرو بن حكام لكن له شاهد سبق لنا تخريجه من حديث أبي هريرة بتعليقنا رقم (465) وإسناده حسن فراجعه ثمَّ.

(502)

حسن: أخرجه ابن سعد (4/ 192) قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قَعْنب، قال: حدثنا عبد العزيز ابن أبي حازم، به وتمامه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أي قوم، بهذا ضلَّت الأمم قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتاب بعضَه بِبَعْضٍ، إن القرآن لم يُنِزَّل لتضربوا بعضه ببعض ولكن يُصَدِّق بعضه بعضًا فما عرفتم منه فاعملوا به وما تشابه عليكم فآمنوا به. ثم التفت إلىَّ وإلى أخى فغبطنا أنفسنا أن لا يكون رآنا معهم".

قلت: إسناده حسن، فيه عبد العزيز بن أبي حازم، وشعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص كلاهما صدوق. =

ص: 231

قال ابن عيينة: قالوا لعمرو بن العاص: أنت خير أم أخوك هشام؟ قال أخبركم عني وعنه عرضنا أنفسنا على الله فقبله وتركني قال سفيان: قتل يوم اليرموك أو غيره شهيداً رضي الله عنه.

‌239 - عبد الله بن عمرو بن العاص

(503)

ابن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب.

الإمام الحبر العابد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن صاحبه أبو محمد وقيل: أبو عبد الرحمن وقيل أبو نصير القرشي السهمي.

وأمه هي رائطة بنت الحجاج بن منبه السهمية وليس أبوه أكبر منه إلا بإحدى عشرة سنة أو نحوها. وقد أسلم قبل أبيه فيما بلغنا ويقال كان اسمه العاص فلما أسلم غيره النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله. وله مناقب وفضائل ومقام راسخ في العلم والعمل حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً جماً.

يبلغ ما أسند سبع مئة حديث اتفقا له على سبعة أحاديث وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بعشرين.

وكتب الكثير بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وترخيصه له في الكتابة بعد كراهيته للصحابة أن يكتبوا عنه

= وأخرجه أحمد (4/ 195 - 196) واللفظ له، وابن ماجه (85) من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، قال: وكأنَّما تفقَّأ في وجهه حَبُّ الرُّمَّان من الغضب، قال: فقال لهم: ما لكم تضربون كتاب اللَّه بعضَهُ ببعض؟! بهذا هلك من كان قبلكم، قال: فما غَبَطْتُ نفسى بمجلس فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم أشْهَدْهُ، بما غَبَطْتُ نفسى بذلك المجلس، أنِّى لم أشْهَدْه".

(503)

ترجمته في طبقات ابن سعد (2/ 373) و (4/ 261 - 268) و (7/ 494 - 496)، التاريخ الكبير (5/ ترجمة 6)، والجرح والتعديل (5/ترجمة 529)، حلية الأولياء (1/ 283 - 292)، أسد الغابة (3/ 349 - 351)، الإصابة (2/ترجمة 4847)، تهذيب التهذيب (5/ترجمة 575)، خلاصة الخزرجي (2 /ترجمة 3688).

ص: 232

سوى القران

(504)

وسوغ ذلك صلى الله عليه وسلم ثم انعقد الإجماع بعد اختلاف الصحابة رضي الله عنهم على الجواز والاستحباب لتقييد العلم بالكتابة.

والظاهر أن النهي كان أولاً لتتوفر هممهم على القرآن وحده وليمتاز القرآن بالكتابة عما سواه من السنن النبوية فيؤمن اللبس فلما زال المحذور واللبس ووضح أن القرآن لا يشتبه بكلام الناس أذن في كتابة العلم

(505)

والله أعلم.

وقد روى عبد الله أيضاً عن أبي بكر وعمر ومعاذ وسراقة بن مالك وأبيه عمرو وعبد الرحمن بن عوف وأبي الدرداء وطائفة وعن أهل الكتاب وأدمن النظر في كتبهم واعتنى بذلك.

حدث عنه: ابنه محمد على نزاع في ذلك ورواية محمد عنه في أبي داود والترمذي والنسائي ومولاه أبو قابوس وحفيده شعيب بن محمد فأكثر عنه وخدمه ولزمه وتربى في حجره لأن أباه محمداً مات في حياة والده عبد الله وحدث عنه أيضاً: مولاه إسماعيل ومولاه سالم وأنس بن مالك وأبو أمامة بن سهل وجبير بن نفير وسعيد بن المسيب وعروة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وزر بن حبيش وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وخيثمة بن عبد الرحمن الجعفي وأبو العباس السائب بن فروخ الشاعر والسائب الثقفي والد عطاء وطاووس والشعبي وعكرمة وعطاء والقاسم ومجاهد ويزيد بن الشخير وأبو المليح بن أسامة والحسن البصري وأبو الجوزاء أوس الربعي وعيسى بن طلحة وابن أخيه إبراهيم بن محمد بن طلحة وبشر بن شغاف وجنادة بن أبي أمية وربيعة بن سيف وريحان بن يزيد العامري وسالم بن أبي الجعد وأبو السفر سعيد بن يحمد وسلمان الأغر وشفعة السمعي وشفي بن ماتع وشهر بن

(504)

صحيح: أخرجه أحمد (3/ 12 و 21 و 39 و 56)، ومسلم (3004)، والنسائي في "فضائل القرآن"(33)، والدارمي (1/ 119)، والخطيب في "تقييد العلم"(ص 29 و 30 و 31) من طرق عن همام، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تكتبوا عنِّى، ومن كتب عنى غير القرآن فَليمحُهُ وحدِّثوا عنى ولا حرج. ومن كذب علىَّ -قال همام أحْسِبُهُ قال:- متعمدًا فليتبوأ مقعدَهُ من النار".

(505)

صحيح: فقد صَرَّح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في الحديث الطويل "اكتبوا لأبي شاة" أخرجه أحمد (2/ 238)، والبخاري (2434)، ومسلم (1355)، وأبو داود (2017) والترمذي (1405) و (2667) من طرق عن الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنى يحيى بن أبي كثير، قال: حدثنى أبو سلمة ابن عبد الرحمن قال: حدثنى أبو هريرة رضي الله عنه به في حديث طويل.

ص: 233

حوشب وطلق بن حبيب وعبد الله بن باباه وعبد الله بن بريدة وعبد الله بن رباح الأنصاري وعبد الله بن صفوان بن أمية وابن أبي مليكة وعبد الله بن فيروز الديلمي وأبو عبد الرحمن الحبلي وعبد الرحمن بن جبير وعبد الرحمن بن حجيرة وعبد الرحمن بن رافع قاضي إفريقية وعبد الرحمن بن شماسة وعبد الرحمن بن عبد رب الكعبة وعبدة بن أبي لبابة ولم يدركه وعطاء بن يسار وعطاء العامري وعقبة بن أوس وعقبة بن مسلم وعمارة بن عمرو بن حزم وعمر بن الحكم بن رافع وأبو عياض عمرو بن الأسود العنسي وعمرو بن أوس الثقفي وعمرو بن حريش الزبيدي وعمرو بن دينار وعمرو بن ميمون الأودي وعمران بن عبد المعافري وعيسى بن هلال الصدفي والقاسم ابن ربيعة الغطفاني والقاسم بن مخيمرة وقزعة بن يحيى وكثير بن مرة ومحمد بن هدية الصدفي وأبو الخير اليزني ومسافع بن شيبة الحجبي ومسروق بن الأجدع وأبو يحيى مصدع وناعم مولى أم سلمة ونافع بن عاصم بن عروة بن مسعود الطائفي وأخوه يعقوب وأبو العريان الهيثم النخعي والوليد بن عبدة ووهب بن جابر الخيواني ووهب بن منبه ويحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية ويوسف بن ماهك وأبو أيوب المراغي وأبو بردة بن أبي موسى وأبو حازم الأعرج ولم يلقه وأبو حرب ابن أبي الأسود وأبو راشد الحبراني وأبو الزبير المكي وأبو زرعة بن عمرو بن حريز وأبو سالم الجيشاني وأبو فراس مولى والده عمرو وأبو قبيل المعافري وأبو كبشة السلولي وأبو كثير الزبيدي وأبو المليح بن أسامة وخلق سواهم.

قال قتادة: كان رجلاً سميناً.

وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن العريان بن الهيثم قال وفدت مع أبي إلى يزيد فجاء رجل طوال أحمر عظيم البطن فجلس فقلت: من هذا؟ قيل عبد الله بن عمرو

(506)

.

أحمد: حدثنا وكيع حدثنا نافع بن عمر وعبد الجبار بن ورد عن ابن أبي مليكة قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله "

(507)

.

(506)

ضعيف: فيه على بن زيد، وهو ابن جُدعان، ضعيف، وهو عند ابن سعد (4/ 265 - 266).

(507)

ضعيف: سبق تخريجنا له قريبًا بتعليق رقم (466)، وهو عند أحمد (1/ 161)، ومن طريقه الجوزقاني في "الأباطيل"(173) عن وكيع، حدثنا نافع بن عمر، وعبد الجبار بن الورد، به. فراجعه ثمَّ.

ص: 234

وروى ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر مرفوعاً نحوه.

ابن جريج: حدثنا ابن أبي مليكة عن يحيى بن حكيم بن صفوان عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القران فقرأته كله في ليلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأه في شهر" قلت يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي قال: "اقرأه في عشرين قلت يا رسول دعني أستمتع قال: "اقرأه في سبع ليال". قلت: دعني يا رسول الله أستمتع قال: فأبى

(508)

. رواه النسائي.

وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نازله إلى ثلاث ليال ونهاه أن يقرأه في أقل من ثلاث وهذا كان في الذي نزل من القرآن ثم بعد هذا القول نزل ما بقي من القرآن فأقل مراتب النهي أن تكره تلاوة القران كله في أقل من ثلاث فما فقه ولا تدبر من تلى في أقل من ذلك ولو تلا ورتل في أسبوع ولازم ذلك لكان عملاً فاضلاً فالدين يسر فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الراتبة والضحى وتحية المسجد مع الأذكار المأثورة الثابتة والقول عند النوم واليقظة ودبر المكتوبة والسحر مع النظر في العلم النافع والاشتغال به مخلصاً لله مع الأمر بالمعروف وإرشاد الجاهل وتفهيمه وزجر الفاسق ونحو ذلك مع أداء الفرائض في جماعة بخشوع وطمأنينة وانكسار وإيمان مع أداء الواجب واجتناب الكبائر وكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة وصلة الرحم والتواضع والإخلاص في جميع ذلك لشغل عظيم جسيم ولمقام أصحاب اليمين وأولياء الله المتقين فإن سائر ذلك مطلوب فمتى تشاغل العابد بختمة في كل يوم فقد خالف الحنيفية السمحة ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه ولا تدبر ما يتلوه

(509)

.

هذا السيد العابد الصاحب كان يقول لما شاخ: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم

(510)

(508)

صحيح: فقد ورد في البخاري (5054)، ومسلم (1159) (184) من طريق أبي سلمة عن عبد اللَّه ابن عمرو قال قال لى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"اقرأ القرآن في شهر، قلت: إنِّي أجدُ قوَّةَ، حتى قال: فاقرأهُ في سبع ولا تزد على ذلك".

(509)

صحيح: أخرجه أبو داود (1394)، والترمذي (2950)، وابن ماجه (1347) والدارمي (1/ 350) وأحمد (2/ 195) من طرق عن قتادة، عن أبي العلاء يزيد بن عبد للَّه بن الشِّخِّير، عن عبد اللَّه بن عمرو قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث".

(510)

صحيح: أخرجه البخاري (1975) من طريق يحيى بن أبي كثير قال: حدثنى أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثنى عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما به في حديث طويل.

ص: 235

وكذلك قال له عليه السلام في الصوم وما زال يناقصه حتى قال له: "صم يوماً وأفطر يوماً صوم أخي داود عليه السلام"

(511)

. وثبت أنه قال: "أفضل الصيام صيام داود"

(512)

. ونهى عليه السلام عن صيام الدهر

(513)

. وأمر عليه السلام بنوم قسط من الليل وقال: "لكني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني "

(514)

.

وكل من لم يزم نفسه في تعبده وأوراده بالسنة النبوية يندم ويترهب ويسوء مزاجه ويفوته خير كثير من متابعة سنة نبيه الرؤوف الرحيم بالمؤمنين الحريص على نفعهم وما زال صلى الله عليه وسلم معلماً للأمة أفضل الأعمال وآمراً بهجر التبتل والرهبانية التي لم يبعث بها فنهى عن سرد الصوم ونهى عن الوصال وعن قيام أكثر الليل إلا في العشر الأخير ونهى عن العزبة للمستطيع ونهى عن ترك اللحم إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي فالعابد بلا معرفة لكثير من ذلك معذور مأجور والعابد العالم بالآثار المحمدية المتجاوز لها مفضول مغرور وأحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل ألهمنا الله وإياكم حسن المتابعة وجنبنا الهوى والمخالفة.

(511)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق (7862)، ومن طريقه أحمد (2/ 187 - 188)، والبخاري (1976) و (3418)، وأبو داود (2427)، والطحاوي في "شرح معانى الآثار"(2/ 86)، والبغوي في "شرح السنة"(1808) من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن عمرو، به. وأخرجه الطيالسى (2255)، والبخاري (1979) و (3419)، ومسلم (1159)(187)، والترمذي (70) والطحاوي في "شرح معانى الآثار"(2/ 87)، والبيهقي في "السنن"(4/ 299)، والبغوي (1807) من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن أبي العباس الشاعر السائب بن فروخ، عن عبد اللَّه ابن عمرو، به.

(512)

صحيح: راجع تخريجنا السابق، فهو ضمن الحديث السابق.

(513)

صحيح: فقد ورد عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "لا صام من صام الأبد" مرتين أخرجه البخاري (1977) ومسلم (1159)(186) من طريق ابن جريج، سمعت عطاءً أن أبا العباس الشاعر أخبره أنه سمع عبد اللَّه بن عمرو يقول: فذكره.

(514)

صحيح: أخرجه أحمد (3/ 241 و 259 و 285)، ومسلم (1401)، والنسائي (6/ 60) والبيهقي (7/ 77) من طرق عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، به.

وأخرجه البخاري (5063)، والبيهقي (7/ 77)، والبغوي (96) من طريق محمد بن جعفر، عن حميد الطويل، عن أنس، به.

وقوله: "فمن رغب عن سنتى، فليس منى" المراد بالسنة الطريقة، لا التي تقابل الغرض، والمراد من ترك طريقتى، وأخذ بطريقة غيرى، فليس منى.

ص: 236

قال أحمد في "مسنده": حدثنا قتيبة ابن لهيعة عن واهب بن عبد الله المعافري عن عبد الله بن عمرو قال: رأيت فيما يرى النائم كأن في أحد أصبعي سمناً وفي الأخرى عسلاً فأنا ألعقهما فلما أصبحت ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "تقرأ الكتابين التوراة والفرقان" فكان يقرأهما

(515)

.

ابن لهيعة ضعيف الحديث وهذا خبر منكر ولا يشرع لأحد بعد نزول القران أن يقرأ التوراة ولا أن يحفظها لكونها مبدلة محرفة منسوخة العمل قد اختلط فيها الحق بالباطل فلتجتنب فأما النظر فيها للاعتبار وللرد على اليهود فلا بأس بذلك للرجل العالم قليلاً والإعراض أولى.

فأما ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعبد الله أن يقوم بالقران ليلة وبالتوراة ليلة فكذب موضوع قبح الله من افتراه وقيل: بل عبد الله هنا هو ابن سلام. وقيل إذنه في القيام بها أي يكرر على الماضي لا أن يقرأ بها في تهجده.

كامل بن طلحة: حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو عن شفي عن عبد الله بن عمرو قال حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل

(516)

.

يحيى بن أيوب عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو قال كنا عند رسول الله نكتب ما يقول.

هذا حديث حسن غريب رواه سعيد بن عفير عنه. وهو دال على أن الصحابة كتبوا عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض أقواله وهذا علي رضي الله عنه كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في صحيفة صغيرة قرنها بسيفه وقال عليه السلام: "اكتبوا لأبي شاه"

(517)

. وكتبوا عنه كتاب الديات وفرائض الصدقة وغير ذلك.

ابن إسحاق: عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال قلت يا رسول الله أكتب ما أسمع منك؟ قال: "نعم" قلت: في الرضى والغضب؟ قال: "نعم فإني لا أقول إلا حقاً "

(518)

(515)

منكر: أخرجه أحمد (2/ 222)، وفيه ابن لهيعة، ضعيف، سيئ الحفظ، والخبر منكر ظاهر النكارة كما قال الحافظ الذهبي رحمه الله.

(516)

ضعيف: فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف.

(517)

صحيح: مرَّ تخريجنا له قريبًا بتعليق رقم (505)، وهو عند أحمد (2/ 238) والبخاري (2434) ومسلم (1355)، وغيرهم فراجعه ثمَّت.

(518)

صحيح: أخرجه أحمد، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(ص 89) من طريق ابن إسحاق، به. =

ص: 237

يحيى بن سعيد القطان وهو في المسند عنه عن عبيد الله بن الأخنس عن الوليد بن عبد الله عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو نحوه

(519)

. وقد روي عن عقيل بن خالد وغيره عن عمرو بن شعيب نحوه. وثبت عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه عن أخيه همام سمع أبا هريرة يقول: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثاً مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه يكتب ولا أكتب

(520)

. وهو في صحيفة معمر عن همام.

ويرويه ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن مجاهد وآخر عن أبي هريرة مثله.

أبو النضر هاشم بن القاسم وسعدويه قالا: حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة عن مجاهد قال دخلت على عبد الله بن عمرو فتناولت صحيفة تحت رأسه فتمنع علي. فقلت: تمنعني شيئاً من كتبك؟ فقال إن هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه أحد فإذا سلم لي كتاب الله وهذه الصحيفة والوهط لم أبال ما ضيعت الدنيا

(521)

.

الوهط: بستان عظيم بالطائف غرم مرة على عروشه ألف ألف درهم.

قتيبة: حدثنا الليث وآخر عن عياش بن عباس عن أبي عبد الرحمن الحبلي سمعت

= وأخرجه الحاكم (1/ 105) من طريق عُقيل بن خالد الأيلى، عن عمرو بن شعيب، به.

وأخرجه أحمد (2/ 207 و 215)، وأبو داود (3646)، والدارمي (1/ 125)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(ص 89 - 90)، والخطيب في "تقييد العلم"(ص 80)، والحاكم (1/ 105 - 106) من طريق يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن الأخنس، أخبرنا الوليد بن عبد اللَّه، عن يوسف بن ماهك، عن عبد اللَّه بن عمرو قال: فذكره.

(519)

صحيح: راجع تخريجنا السابق.

(520)

صحيح: أخرجه البخاري (113) من طريق سفيان قال: حدثنا عمرو قال: أخبرنى وهب بن مُنبِّه، عن أخيه، قال: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره.

وتابعه معمر، عن همام، عن أبي هريرة.

(521)

ضعيف جدًا: في إسناده إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد اللَّه، قال القطان: شبه لا شيء. وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال أحمد والنسائي: متروك الحديث. وقد أخرجه ابن سعد (2/ 273) و (4/ 262).

ص: 238

عبد الله بن عمرو يقول لأن أكون عاشر عشرة مساكين يوم القيامة أحب إلي من أن أكون عاشر عشرة أغنياء فإن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا يقول: يتصدق يميناً وشمالاً.

هشيم: عن مغيرة وحصين عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال زوجني أبي امرأة من قريش فلما دخلت علي جعلت لا أنحاش لها مما بي من قوة على العبادة فجاء أبي إلى كنته فقال كيف وجدت بعلك؟ قالت خير رجل من رجل لم يفتش لها كنفاً ولم يقرب لها فراشاً قال فأقبل علي وعضني بلسانه ثم قال أنكحتك امرأة ذات حسب فعضلتها وفعلت ثم انطلق فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلبني فأتيته فقال لي: "أتصوم النهار وتقوم الليل"؟ قلت نعم قال: "لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأمس النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "

(522)

.

قلت: ورث عبد الله من أبيه قناطير مقنطرة من الذهب المصري فكان من ملوك الصحابة.

الأسود بن عامر: حدثنا يعلى بن عطاء عن أبيه قال كنت أصنع الكحل لعبد الله بن عمرو وكان يطفئ السراج بالليل ثم يبكي حتى رسعت عيناه

(523)

.

محمد بن عمرو: عن أبي سلمة: عن عبد الله بن عمرو قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي هذا فقال: "يا عبد الله! ألم أخبر أنك تكلفت قيام الليل وصيام النهار". قلت: إني لأفعل فقال: "إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فالحسنة بعشر أمثالها فكأنك قد صمت الدهر كله". قلت: يا رسول الله إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني فقال "فخمسة أيام" قلت: إني أجد قوة قال "سبعة أيام" فجعل يستزيده ويزيده

(522)

صحيح: أخرجه أحمد (2/ 158)، والنسائي (4/ 209)، وفي "الكبرى"(2696) والطحاوي في "شرح معانى الآثار"(2/ 87)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 285 - 286) من طريق هشيم، به.

وأخرجه النسائي في "المجتبى"(4/ 210)، وفي "الكبرى"(2698)، وابن خزيمة (2105) من طريق حصيني، به. وأخرجه البخاري (5052) من طريق مغيرة، به.

وأخرجه البخاري (1980)، ومسلم (1159)(191)، والنسائي في "المجتبى"(4/ 215 - 216)، وفي "الكبرى"(2710)، والطحاوي في "شرح معانى الآثار"(2/ 86) من طريق أبي قلابة، عن أبي المليح، عن عبد اللَّه بن عمرو، به.

(523)

رَسَعت عينُه: أي تغيَّرت وفَسَدت والتصقت أجفانها، وتُفتحُ سينُها وتُكسَر وتُشدَّد أيضًا. ويُروى بالصاد.

ص: 239

حتى بلغ النصف وأن يصوم نصف الدهر: إن لأهلك عليك حقاً وإن لعبدك عليك حقاً وإن لضيفك عليك حقاً " فكان بعد ما كبر وأسن يقول: ألا كنت قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أهلي ومالي

(524)

.

وهذا الحديث له طرق مشهورة. وقد أسلم عبد الله وهاجر بعد سنة سبع وشهد بعض المغازي.

قال أبو عبيد: كان على ميمنة معاوية يوم صفين. وذكره خليفة بن الخياط في تسمية عمال معاوية على الكوفة. قال ثم عزله وولى المغيرة بن شعبة.

وفي "مسند أحمد" حدثنا يزيد أنبأنا العوام حدثني أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد العنبري قال بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار رضي الله عنه فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال عبد الله بن عمرو ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تقتله الفئة الباغية" فقال معاوية: يا عمرو! ألا تغني عنا مجنونك فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أطع أباك ما دام حياً " فأنا معكم ولست أقاتل

(525)

.

وروى نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه مالي ولصفين مالي ولقتال المسلمين لوددت أني مت قبلها بعشرين سنة -أو قال بعشر سنين- أما والله على ذلك ما ضربت بسيف ولا رميت بسهم وذكر أنه كانت الراية بيده.

(524)

صحيح لغيره: أخرجه أحمد (2/ 200) حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، أخبرنى محمد بن عمرو، عن أبي سلمة به.

قلت: إسناده حسن، محمد بن عمرو، هو ابن وقاص الليثي، صدوق، وأخرجه البخاري (1976) و (3418)، ومسلم (1159)(181)، والنسائي في "الكبرى"(2700)، وابن سعد (4/ 263)، والطحاوي في "شرح معانى الآثار"(2/ 85 - 86)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 283) من طرق عن الزهري، عن ابن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، به نحوه.

(525)

صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (15/ 291)، وأحمد (2/ 164)، والنسائي في "خصائص على"(164)، وابن سعد (3/ 253)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(3/ ترجمة 157)، من طريق يزيد بن هارون، به.

قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات.

ص: 240

يزيد بن هارون: حدثنا عبد الملك بن قدامة حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن أباه عمراً قال له يوم صفين: اخرج فقاتل. قال يا أبه! كيف تأمرني أخرج فأقاتل وقد سمعت من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي ما سمعت؟! فقال نشدتك بالله! أتعلم أن آخر ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك أن أخذ بيدك فوضعها في يدي فقال: "أطع عمرو بن العاص ما دام حياً " قال: نعم. قال فإني آمرك أن تقاتل

(526)

. عبد الملك ضعف.

عفان: حدثنا همام حدثنا قتادة عن ابن بريدة عن سليمان بن الربيع قال: انطلقت في رهط من نساك أهل البصرة إلى مكة فقلنا لو نظرنا رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدللنا على عبد الله بن عمرو فأتينا منزله فإذا قريب من ثلاث مئة راحلة. فقلنا: على كل هؤلاء حج عبد الله بن عمرو؟ قالوا نعم هو ومواليه وأحباؤه قال: فانطلقنا إلى البيت فإذا نحن برجل أبيض الرأس واللحية بين بردين قطريين عليه عمامة وليس عليه قميص.

رواه حسين المعلم عن ابن بريدة فقال عن سليمان بن ربيعة الغنوي: أنه حج زمن معاوية في عصابة من القراء فحدثنا أن عبد الله في أسفل مكة فعمدنا إليه فإذا نحن بثقل عظيم يرتحلون ثلاث مئة راحلة منا مئة راحلة ومئتا زاملة

(527)

وكنا نحدث أنه أشد الناس تواضعاً. فقلنا: ما هذا؟ قالوا لإخوانه يحملهم عليها ولمن ينزل عليه فعجبنا فقالوا إنه رجل غني ودلونا عليه أنه في المسجد الحرام فأتيناه فإذا هو رجل قصير أرمص

(528)

بين بردين وعمامة قد علق نعليه في شماله.

مسلم الزنجي: عن ابن خثيم عن عبيد بن سعيد: أنه دخل مع عبد الله بن عمرو المسجد الحرام والكعبة محترقة حين أدبر جيش حصين بن نمير والكعبة تتناثر حجارتها فوقف وبكى حتى إني لأنظر إلى دموعه تسيل على وجنتيه فقال أيها الناس! والله لو أن أبا هريرة أخبركم أنكم قاتلو ابن نبيكم ومحرقو بيت ربكم لقلتم: ما أحد أكذب من أبي هريرة فقد فعلتم فانتظروا نقمة الله فليلبسنكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض.

شعبة: عن يعلى بن عطاء عن أمه أنها كانت تصنع الكحل لعبد الله بن عمرو وكان يكثر من البكاء يغلق عليه بابه ويبكي حتى رمصت عيناه.

(526)

ضعيف: فيه عبد الملك بن قدامة، ضعيف، أجمعوا على ضعفه.

(527)

الراحلة من الإبل: البعيرُ القويُّ على الأسفار والأحمال، والذكر والأنثى فيه سواء، والهاء فيها للمبالغة، وهي التى يختارها الرجل لمركبه ورَحْله على النَّجابة وتمام الخلق وحُسْن المنظر، فإذا كانت في جماعة الإبل عُرفت. والزاملة: البعير الذي يُحمل عليه الطعام والمتاع، كأنها فاعلة من الزَّمْل: الحَمْل.

(528)

الرمص: هو البياض أو القذي الذي تقطعه العين ويجتمع في زوايا الأجفان.

ص: 241

قال أحمد بن حنبل: مات عبد الله ليالي الحرة سنة ثلاث وستين.

وقال يحيى بن بكير: توفي عبد الله بن عمرو بمصر ودفن بداره الصغيرة سنة خمس وستين وكذا قال في تاريخ موته: خليفة وأبو عبيد والواقدي والفلاس وغيرهم.

وقال خليفة مات بالطائف ويقال بمكة. وقال ابن البرقي أبو بكر: فأما ولده فيقولون: مات بالشام.

‌240 - جبير بن مطعم

(529)

ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي. شيخ قريش في زمانه أبو محمد ويقال: أبو عدي القرشي النوفلي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم.

من الطلقاء الذين حسن إسلامهم وقد قدم المدينة في فداء الأسارى من قومه وكان موصوفاً بالحلم ونبل الرأي كأبيه.

وكان أبوه هو الذي قام في نقض صحيفة القطيعة. وكان يحنو على أهل الشعب ويصلهم في السر. ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "لو كان المطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له"

(530)

. وهو الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من الطائف حتى طاف بعمرة.

ثم كان جبير شريفاً مطاعاً وله رواية أحاديث.

روى عنه ولداه الفقيهان محمد ونافع وسليمان بن صرد وسعيد ابن المسيب وآخرون وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن أزهر وعبد الله بن باباه ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. ووفد على معاوية في أيامه.

ابن وهب: حدثنا أسامة بن زيد عن ابن شهاب أن محمد بن جبير أخبره عن أبيه

(529)

ترجمته في "التاريخ الكبير"(2/ترجمة 2274)، الجرح والتعديل (2/ترجمة 2113)، أسد الغابة (1/ 323)، الإصابة (1/ ترجمة 1091)، تهذيب التهذيب (2/ ترجمة 102).

(530)

صحيح: أخرجه الحميدي (558)، وأحمد (4/ 80)، والبخاري (3139) و (4024)، وأبو داود (2689)، وأبو يعلى (7416)، والطبراني (1505) و (1506) و (1507) و (1508) والبيهقي في "السنن"(9/ 67)، وفي "دلائل النبوة"(1/ 359) من طريق الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره.

ص: 242

أنه جاء في فداء أسارى بدر. قال: فوافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب " والطور. وكتاب مسطور " الطور 1 - 2 فأخذني من قراءته كالكرب

(531)

.

ابن لهيعة: عن يزيد بن أبي حبيب عن عامر بن يحيى عن علي بن رباح عن جبير بن مطعم قال: كنت أكره أذى قريش لوسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ظننا أنهم سيقتلونه لحقت بدير من الديارات فذهب أهل الدير إلى رأسهم فأخبروه فاجتمعت به فقصصت عليه أمري فقال تخاف أن يقتلوه؟ قلت نعم قال: وتعرف شبهه لو رأيته مصوراً؟ قلت نعم قال فأراه صورة مغطاة كأنها هو وقال والله لا يقتلوه ولنقتلن من يريد قتله وإنه لنبي فمكثت عندهم حيناً وعدت إلى مكة وقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فتنكر لي أهل مكة وقالوا: هلم أموال الصبية التي عندك استودعها أبوك. فقلت ما كنت لأفعل حتى تفرقوا بين رأسي وجسدي ولكن دعوني أذهب فأدفعها إليهم فقالوا إن عليك عهد الله وميثاقه أن لا تأكل من طعامه فقدمت المدينة وقد بلغ رسول الله الخبر فدخلت عليه فقال لي فيما يقول: "إني لأراك جائعاً هلموا طعاماً " قلت: لا آكل خبزك فإن رأيت أن آكل أكلت وحدثته قال: "فأوف بعهدك"

(532)

.

ابن اسحاق: حدثنا عبد الله بن أبي بكر وغيره قالوا أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم. فأعطى جبير بن مطعم مئة من الإبل.

قال مصعب بن عبد الله: كان جبير من حلماء قريش وسادتهم وكان يؤخذ عنه النسب.

ابن إسحاق: حدثنا يعقوب بن عتبة عن شيخ قال لما قدم على عمر بسيف النعمان بن المنذر دعا جبير بن مطعم بن عدي فسلحه إياه وكان جبير أنسب العرب للعرب وكان يقول: إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق وكان أبو بكر أنسب العرب.

عد خليفة جبيراً في عمال عمر على الكوفة. وأنه ولاه قبل المغيرة بن شعبة.

قال ابن سعد: أم أم جبير هي جدته أم حبيب بنت العاص بن أمية ابن عبد شمس.

(531)

صحيح: أخرجه مالك (1/ 99)، وعبد الرزاق (2692)، والبخاري (765)، ومسلم (463) وأبو داود (811)، والنسائي (2/ 169)، وابن ماجه (832) من طريق الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، به.

(532)

ضعيف: أخرجه الطبراني (1609)، وفي إسناده ابن لهيعة، ضعيف لسوء حفظه.

ص: 243

ومات أبوه المطعم بمكة قبل بدر وله نيف وتسعون سنة فرثاه حسان بن ثابت فيما قيل فقال:

فلو كان مجد يخلد اليوم واحداً

من الناس أنجى مجده اليوم مطعما

أجرت رسول الله منهم فأصبحوا

عبيدك ما لبى ملب وأحرما

الزبير: حدثنا المؤملي عن زكريا بن عيسى عن الزهري أن عمرو بن العاص قال لأبي موسى لما رأى كثرة مخالفته له هل أنت مطيعي؟ فإن هذا الأمر لا يصلح أن ننفرد به حتى نحضره رهطاً من قريش نستشيرهم فإنهم أعلم بقومهم. قال نعم ما رأيت فبعثا إلى خمسة ابن عمرو وأبي جهم بن حذيفة وابن الزبير وجبير بن مطعم وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقدموا عليهم.

قال محمد بن عمرو: عن أبي سلمة أن جبير بن مطعم تزوج امرأة فسمى لها صداقها ثم طلقها قبل الدخول فتلا هذه الآية " إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح " البقرة 237. فقال أنا أحق بالعفو منها فسلم إليها الصداق كاملاً.

قال الهيثم بن عدي وخليفة وغيرهما: توفي جبير بن مطعم سنة تسع وخمسين وقال المدائني: سنة ثمان وخمسين.

‌241 - عقيل بن أبي طالب الهاشمي

(533)

ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو يزيد وأبو عيسى.

قد ذكرته وكان أسن من أخيه علي بعشرين سنة ومن أخيه جعفر الطيار بعشر سنين.

هاجر في مدة الهدنة وشهد غزوة مؤتة وله جماعة أحاديث. روى عنه ابنه محمد وحفيده عبد الله بن محمد بن عقيل وموسى ابن طلحة وعطاء والحسن وأبو صالح السمان.

وعمر بعد أخيه الإمام علي. ثم وفد على معاوية وكان بساماً مزاحاً علامة بالنسب

(533)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 42)، التاريخ الكبير (7/ ترجمة رقم 230)، الجرح والتعديل (6/ ترجمة 1201)، أسد الغابة (3/ 423)، الإصابة (2/ ترجمة 5628)، تهذيب التهذيب (7/ ترجمة 463).

ص: 244

وأيام العرب شهد بدراص مع قومه مكرهاً فأسر يومئذ وكان لا مال له ففداه عمه العباس.

وقد مرض مدة فلم نسمع له بذكر في المغازي بعد مؤتة وأطعمه النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر كل عام مئة وأربعين وسقاً.

وروي من وجوه مرسلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إني أحبك لقرابتك مني ولحب أبي طالب لك"

(534)

.

قال حميد بن هلال: سأل عقيل علياً وشكى حاجته قال اصبر حتى يخرج عطائي فألح عليه فقال: انطلق فخذ ما في حوانيت الناس قال: تريد أن تتخذني سارقاً؟ قال: وأنت تريد أن تتخذني سارقاً وأعطيك أموال الناس؟ فقال: لآتين معاوية قال أنت وذاك فسار إلى معاوية فأعطاه مئة ألف وقال اصعد على المنبر فاذكر ما أولاك علي وما أوليتك فصعد وقال يا أيها الناس! إني أردت علياً على دينه فاختار دينه علي وأردت معاوية على دينه فاختارني على دينه فقال معاوية: هذا الذي تزعم قريش أنه أحمق.

وقيل إن معاوية قال لهم هذا عقيل وعمه أبو لهب فقال هذا معاوية وعمته حمالة الحطب.

‌242 - يعلى بن أمية

(535)

ابن أبي عبيدة التميمي المكي حليف قريش. وهو يعلى بن منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان.

أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه وشهد الطائف وتبوك وله عدة أحاديث.

حدث عنه: بنوه صفوان وعثمان ومحمد وأخوه عبد الرحمن وابن أخيه صفوان بن عبد الله وعبد الله بن بابيه ومجاهد وعطاء وعكرمة وآخرون.

له نحو من عشرين حديثاً وحديثه في "الصحيحين".

(534)

ضعيف: أخرجه ابن سعد (4/ 44)، وهو ضعيف لإرساله.

(535)

ترجمته في طبقات ابن سعد (5/ 456)، التاريخ الكبير (8/ ترجمة 3535)، الجرح والتعديل (9/ ترجمة 1293)، أسد الغابة (5/ 128)، الإصابة (3/ ترجمة 9358)، تهذيب التهذيب (11/ ترجمة رقم 772).

ص: 245

قال ابن سعد: كان يعلى بن منية يفتي بمكة. وقيل ولي نجران لعمر وكان من أجواد الصحابة ومتموليهم.

روح بن عبادة: عن زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار قال كان أول من أرخ الكتب يعلى بن أمية وهو باليمن.

قلت: ولي اليمن لعثمان وكان ممن خرج مع عائشة وطلحة والزبير نوبة الجمل في الطلب بدم عثمان الشهيد. فأنفق أموالاً جزيلة في العسكر كما ينفق الملوك فلما هزموا هرب يعلى إلى مكة ثم أقبل على شأنه.

بقي إلى قريب الستين فما أدري أتوفي قبل معاوية أو بعده.

‌243 - قيس بن سعد

(536)

ابن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأمير المجاهد أبو عبد الله سيد الخزرج وابن سيدهم أبي ثابت الأنصاري الخزرجي الساعدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن صاحبه. له عدة أحاديث.

روى عنه: عبد الله بن مالك الجيشاني وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو عمار الهمداني وعروة والشعبي وميمون بن أبي شبيب وعريب ابن حميد الهمداني والوليد بن عبدة وآخرون.

ووفد على معاوية فاحترمه وأعطاه مالاً. وقد حدث بالكوفة والشام ومصر.

وقال الواقدي: كنيته أبو عبد الملك لم يزل مع علي فلما قتل علي رجع قيس إلى وطنه.

قال أحمد بن البرقي: كان صاحب لواء النبي في بعض مغازيه وكان بمصر والياً عليها لعلي.

(536)

ترجمته في طبقات ابن سعد (6/ 52)، التاريخ الكبير (7/ ترجمة 636)، الجرح والتعديل (7/ ترجمة 560)، تاريخ بغداد (1/ 177)، أسد الغابة (4/ 215)، الإصابة (3/ ترجمة 7177) تهذيب التهذيب (8/ ترجمة 700)، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجى (2/ ترجمة 5879).

ص: 246

وقال ابن يونس: شهد فتح مصر واختط بها داراً ووليها لعلي سنة ست وعزله عنها سنة سبع.

وقال عمرو بن دينار: كان قيس بن سعد رجلاً ضخماً جسيماً صغير الرأس ليست له لحية إذا ركب حماراً خطت رجلاه الأرض فقدم مكة فقال قائل من يشتري لحم الجزور يعرض بقيس أنه لا يأكل لحم الجزور.

أبو إسحاق عن يريم أبي العلاء: قال قيس بن سعد: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين.

ثمامة: عن أنس قال: كان قيس بن سعد من النبي صلىالله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير فكلم أبوه النبي صلى الله عليه وسلم في قيس فصرفه عن الموضع الذي وضعه مخافة أن يتقدم على شيء فصرفه

(537)

.

لفظ أبي حاتم عن الأنصاري عن أبيه عن ثمامة.

الزهري: أخبرني ثعلبة بن أبي مالك أن قيس بن سعد -وكان صاحب لواء النبي صلى الله عليه وسلم -أراد الحج فرجل أحد شقي رأسه فقام غلام له فقلد هديه فأهل وما رجل شقه الآخر.

وذكر عاصم بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل قيس بن سعد على الصدقة.

وجاء في بعض طرق حديث الحوت الذي يقال له: العنبر عن جابر أن أميرهم كان قيس بن سعد وإنما المحفوظ أبو عبيدة.

وروى عمر بن دينار سمع أبا صالح السمان يذكر أن قيس بن سعد نحر لهم -يعني في تلك الغزوة عدة جزائر. وقد جود ابن عساكر طرقه.

وقال الواقدي: حدثنا داود بن قيس ومالك وطائفة قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة في سرية فيها المهاجرون والأنصار وهم ثلاث مئة إلى ساحل البحر إلى حي من جهينة فأصابهم جوع شديد فأمر أبو عبيدة بالزاد فجمع حتى كانوا يقتسمون التمرة. فقال قيس بن سعد: من يشتري مني تمراً بجزر يوفيني الجزر ها هنا وأوفيه التمر بالمدينة فجعل عمر يقول: يا عجباً لهذا الغلام يدين في مال غيره فوجد رجلاً من جهينة فساومه فقال ما أعرفك قال أنا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم. فقال: ما أعرفني

(537)

صحيح: أخرجه البخاري (7155).

ص: 247

بنسبك أما إن بيني وبين سعد خلة سيد أهل يثرب فابتاع منه خمس جزائر كل جزور بوسق من تمر وأشهد له نفراً فقال عمر لا أشهد هذا يدين ولا مال له إنما المال لأبيه. فقال الجهني: والله ما كان سعد ليخني بابنه

(538)

في شقة من تمر وأرى وجهاً حسناً فنحرها لهم في ثلاثة مواطن فلما كان في اليوم الرابع نهاه أميره وقال: تريد أن تخرب ذمتك ولا مال لك.

قال: فحدثني محمد بن يحيى بن سهل عن أبيه عن رافع بن خديج قال بلغ سعداً ما أصاب القوم من المجاعة فقال إن يك قيس كما أعرف فسوف ينحر للقوم فلما قدم قص على أبيه وكيف منعوه آخر شيء من النحر فكتب له أربع حوائط

(539)

أدنى حائط منها يجد خمسين وسقاً فقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه قال: "أما إنه في بيت جود ".

أبو عاصم: حدثنا جويرية قال: كان قيس يستدين ويطعم فقال أبو بكر وعمر: إن تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه فمشيا في الناس فقام سعد عند النبي صلى الله عليه وسلم وقال: من يعذرني من ابن أبي قحافة وابن الخطاب يبخلان علي ابني.

وقيل: وقفت على قيس عجوز فقالت أشكو إليك قلة الجرذان فقال ما أحسن هذه الكناية املؤوا بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمراً.

مالك: عن يحيى بن سعيد قال: كان قيس بن سعد يطعم الناس في أسفاره مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا نفد ما معه تدين وكان ينادي في كل يوم هلموا إلى اللحم والثريد.

قال ابن سيرين: كان سعد ينادي على أطمه

(540)

: من أحب شحماً ولحماً فليأت ثم أدركت ابنه مثل ذلك.

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: باع قيس بن سعد مالاً من معاوية بتسعين ألفاً فأمر من نادى في المدينة من أراد القرض فليأت. فأقرض أربعين ألفاً وأجاز بالباقي وكتب على من أقرضه فمرض مرضاً قل عواده فقال لزوجته قريبة أخت الصديق: لم قل عوادي؟ قالت للدين فأرسل إلى كل رجل بصكه وقال: اللهم ارزقني مالاً وفعالاً فإنه لا تصلح الفعال إلا بالمال.

(538)

ليخنى بابنه: أي يُسلمه ويخفر ذمته.

(539)

الحوائط: جمع حائط وهو البستان من النخيل إذا كان عليه حائط.

(540)

الأطم: البناء المرتفع القوى، وجمعه أطام.

ص: 248

عمرو بن دينار عن أبي صالح أن سعداً قسم ماله بين ولده وخرج إلى الشام فمات وولد له ولد بعد فجاء أبو بكر وعمر إلى ابنه قيس فقالا: نرى أن ترد على هذا فقال ما أنا بمغير شيئاً صنعه سعد ولكن نصيبي له. وجاءت هذه عن ابن سيرين وعن عطاء.

قال مسعر: عن معبد بن خالد قال: كان قيس بن سعد لا يزال هكذا رافعاً أصبعه المسبحة يعني: يدعو. وجود قيس يضرب به المثل وكذلك دهاؤه.

روى الجراح بن مليح البهراني عن أبي رافع عن قيس بن سعد قال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المكر والخديعة في النار".

(541)

لكنت من أمكر هذه الأمة.

ابن عيينة: حدثني عمرو قال: قال قيس: لولا الإسلام لمكرت مكراً لا تطيقه العرب.

وعن الزهري: كانوا يعدون قيساً من دهاة العرب وكان من ذوي الرأي وقالوا: دهاة العرب حين ثارت الفتنة خمسة: معاوية وعمرو وقيس والمغيرة وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي

(542)

.

(541)

صحيح بطرقه: أخرجه ابن عدى في "الكامل"(2/ 162) من حديث قيس بن سعد، به وفي إسناده الجراح بن مليح البهراني، قال الحافظ في "الفتح" (4/ 298):"لا بأس به، وبرواياته" وقال الدارقطني: ليس بشئ. وقال ابن معين: صدوق له مناكير.

وأخرجه الحاكم (4/ 607) من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد، عن أنس، به.

قلت: إسناده حسن، سعد بن سنان، أو سنان بن سعد، صدوق، كما قال الحافظ في "التقريب".

وأخرجه ابن حبان (1107)، والطبراني في "المعجم الصغير"(1/ 261)، وفي "الكبير"(10234) وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 188) من طرق عن أبي خليفة الفضل بن الحباب، حدثنا عثمان بن الهيثم المؤذن، حدثنا أبي، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار".

قلت: إسناده حسن، عاصم، هو ابن بهدلة بن أبي النجود، صدوق. والهيثم بن جهم ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 2/ 83) وقال: سألت أبي عنه فقال: لم أر في حديثه مكروهًا".

(542)

عبد اللَّه بن بُديل بن وَرْقَاء، الخزاعي، أسلم مع أبيه يوم الفتح، وصحبا، وكانا سيدا خزاعة، وشهد حنينًا، والطائف، وتبوك، واستشهد عبد اللَّه بصفين.

ص: 249

وكان قيس وابن بديل مع علي وكان عمرو بن العاص مع معاوية وكان المغيرة معتزلاً بالطائف حتى حكم الحكمان.

عوف عن محمد قال: كان محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة بن عتبة من أشدهم على عثمان فأمر علي قيس بن سعد على مصر وكان حازماً فنبئت أنه كان يقول: لولا أن المكر فجور لمكرت مكراً تضطرب منه أهل الشام بينهم فكتب معاوية وعمرو إليه يدعوانه إلى مبايعتهما. فكتب إليهما كتاباً فيه غلظ فكتبا إليه بكتاب فيه عنف فكتب إليهما بكتاب فيه لين فلما قرآه علما أنهما لا يدان لهما بمكره فأذاعا بالشام أنه فد تابعنا فبلغ ذلك علياً فقال له أصحابه: أدرك مصر فإن قيساً قد بايع معاوية. فبعث محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة إلى مصر وأمر ابن أبي بكر فلما قدما على قيس بنزعه علم أن علياً قد خدع فقال لمحمد يا ابن أخي احذر يعني أهل مصر فإنهم سيسلمونكما فتقتلان. فكان كما قال.

وعن يزيد بن أبي حبيب: قال: ضبط قيس مصر وكان ممتنعاً بالمكيدة والدهاء من معاوية وعمرو أدر الأرزاق عليهم ولم يحمل إلى أهل الشام طعاماً قال فمكرا بعلي وكتب معاوية كتاباً من قيس إليه يذكر فيه ما أتى إلى عثمان من الأمر العظيم وإني على السمع والطاعة ثم نادى معاوية "الصلاة جامعة" فخطب وقال يا أهل الشام إن الله ينصر خليفته المظلوم ويخذل عدوه أبشروا. هذا قيس بن سعد ناب العرب قد أبصر الأمر وعرفه على نفسه ورجع إلى الطلب بدم خليفتكم وكتب إلي فأمر بالكتاب فقرئ وقد أمر بحمل الطعام إليكم فادعوا الله لقيس وارفعوا أيديكم فعجوا وعج معاوية ورفعوا أيديهم ساعة فقال معاوية لعمرو: تحين خروج العيون ففي سبع أو ثمان يصل الخبر إلى علي فيعزل قيساً وكل من ولى مصر كان أهون علينا فلما ورد على علي الخبر دخل عليه محمد بن أبي بكر والأشتر وذماً قيساً وجعل علي لا يقبل ثم عزله وولى الأشتر فمات قبل أن يصل إليها.

قلت: فقيل: سم وولى محمد بن أبي بكر فقتل بها وغلب عليها عمرو.

قال ضمرة بن ربيعة: جعل معاوية يقول: ادعوا لصاحبكم -يعني قيساً - فإنه على رأيكم فعزله علي وولاها محمد بن أبي بكر. وتقدم إليه أن لا يعرض لابن حديج وأصحابه وكانوا أربعة آلاف قد نزلوا بنخيلة

(543)

وتنحوا عن الفريقين بعد صفين فعبث

(543)

نُخيلة: موضع قرب الكوفة على طريق الشام.

ص: 250

بهم قال: ورحل قيس إلى المدينة وعبثت به بنو أمية فلحق بعلي. فكتب معاوية إلى مروان: ماذا صنعتم من إخراجكم قيساً إليه؟ قال: وكتب ابن حديج وأصحابه إلى معاوية: ابعث إلينا أميراً فبعث عمرو بن العاص إليهم فلجأ محمد بن أبي بكر إلى عجوز فأقر عليه ابنها فقتلوه وأحرق في بطن حمار وهرب محمد بن أبي حذيفة فقتل أيضاً.

وعن الزهري قال: قدم قيس المدينة فتوامر فيه الأسود بن أبي البختري ومروان أن يبيتاه وبلغ ذلك قيساً فقال والله إن هذا لقبيح أن أفارق علياً وإن عزلني والله لألحقن به فلحق به وحدثه بما كان يعتمد بمصر. فعرف علي أن قيساً كان يداري أمراً عظيماً بالمكيدة فأطاع علي قيساً في الأمر كله وجعله على مقدمة جيشه فبعث معاوية يؤنب مروان والأسود وقال: أمددتما علياً بقيس؟ والله لو أمددتماه بمئة ألف مقاتل ما كان بأغيظ علي من إخراجكما قيساً إليه.

وروي نحوه عن معمر أيضاً عن الزهري.

هشام بن عروة: عن أبيه كان قيس مع علي في مقدمته ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم بعدما مات علي فلما دخل الحسن في بيعة معاوية أبى قيس أن يدخل وقال لأصحابه: إن شئتم جالدت بكم أبداً حتى يموت الأعجل وإن شئتم أخذت لكم أماناً فقالوا: خذ لنا فأخذ لهم ولم يأخذ لنفسه خاصة. فلما ارتحل نحو المدينة ومعه أصحابه جعل ينحر لهم كل يوم جزوراً حتى بلغ صراراً

(544)

.

ابن عيينة عن أبي هارون المدني قال: قال معاوية لقيس بن سعد إنما أنت حبر من أحبار يهود إن ظهرنا عليك قتلناك وإن ظهرت علينا نزعناك فقال إنما أنت وأبوك صنمان من أصنام الجاهلية دخلتما في الإسلام كرهاً وخرجتما منه طوعاً. هذا منقطع.

المدائني: عن أبي عبد الرحمن العجلاني عن سعيد بن عبد الرحمن ابن حسان قال دخل قيس بن سعد في رهط من الأنصار على معاوية فقال يا معشر الأنصار! بما تطلبون ما قبلي؟ فوالله لقد كنتم قليلاً معي كثيراً علي وأفللتم حدي يوم صفين حتى رأيت المنايا تلظى في أسنتكم وهجوتموني حتى إذا أقام الله ما حاولتم ميله قلتم ارع فينا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم هيهات يأبى الحقين العذرة

(545)

فقال قيس: نطلب ما قبلك بالإسلام

(544)

صرار: موضع على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق.

(545)

العذرة: مثل يضرب للرجل يعتذر ولا عذر له.

ص: 251

الكافي به الله ما سواه لا بما تمت به إليك الأحزاب فأما عداوتنا لك فلو شئت كففتها عنك وأما الهجاء فقول يزول باطله ويثبت حقه وأما استقامة الأمر عليك فعلى كره منا وأما فلنا حدك فإنا كنا مع رجل نرى طاعته لله وأما وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا فمن أبه رعاها.

وأما قولك: يأبى الحقين العذرة فليس دون الله يد تحجزك فشأنك فقال معاوية سوءة ارفعوا حوائجكم.

أبو تميلة -يحيى بن واضح-: أنبأنا رجل من ولد الحارث بن الصمة يكنى أبا عثمان أن قيصر بعث إلى معاوية: ابعث إلي سراويل أطول رجل من العرب فقال لقيس بن سعد: ما أظننا إلا قد احتجنا إلى سراويلك فقام فتنحى وجاء فألقاها فقال ألا ذهبت إلى منزلك ثم بعثت بها؟ فقال:

أردت بها كي يعلم الناس أنها

سراويل قيس والوفود شهود

وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه

سراويل عادي نمته ثمود

وإني من الحي اليماني سيد

وما الناس إلا سيد ومسود

فكدهم بمثلي إن مثلي عليهم

شديد وخلقي في الرجال مديد

فأمر معاوية بأطول رجل في الجيش فوضعت على أنفه قال: فوقفت بالأرض.

ورويت بإسناد آخر. قال الواقدي وغيره: توفي قيس في آخر خلافة معاوية.

‌244 - عبد المطلب بن ربيعة

(546)

ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي والد محمد. له صحبة وحديث يرويه عنه عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي وروى عن علي حديثاً آخر.

قال مصعب الزبيري: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن الحارث أن يزوج بنته بعبد المطلب بن ربيعة ففعل. سكن الشام في أيام عمر.

(546)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 57)، التاريخ الكبير (6/ترجمة 1937)، الجرح والتعديل (6/ ترجمة 357)، الكاشف (2/ترجمة 3481)، تهذيب التهذيب (6/ترجمة 723)، الإصابة (2/ترجمة 5254)، خلاصة الخزرجي (2/ترجمة 5630).

ص: 252

وقال شباب: توفي عبد المطلب في دولة يزيد.

وقال الطبراني: توفي سنة إحدى وستين.

قلت: له بدمشق دار كبيرة والله أعلم.

‌245 - فضالة بن عبيد

(547)

ابن نافذ بن قيس بن صهيب بن أصرم بن جحجبى القاضي الفقيه أبو محمد الأنصاري الأوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بيعة الرضوان.

ولي الغزو لمعاوية ثم ولي له قضاء دمشق وكان ينوب عن معاوية في الإمرة إذا غاب.

وله عدة أحاديث وله عن عمر وعن أبي الدرداء. حدث عنه. حنش الصنعاني وعبد الله بن محيريز وعبد الرحمن ابن جبير وعمرو بن مالك الجنبي وعبد العزيز بن أبي الصعبة والقاسم أبو عبد الرحمن وعلي بن رباح وميسرة مولى فضالة وطائفة.

قال الواقدي: شهد فضالة أحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى الشام فسكنها وكان قاضياً بالشام.

وقال ابن يونس: شهد فتح مصر وولي بها القضاء والبحر لمعاوية فروى عنه من أهلها: أبو خراش الصحابي والهيثم بن شفي وعبد الرحمن بن جحدم وسمى جماعة.

وقال سعيد بن عبد العزيز: كان فضالة أصغر من شهد بيعة الرضوان. قلت: إن ثبت شهوده أحداً فما كان يوم الشجرة صغيراً. قال: وقال معاوية حين هلك فضالة وهو يحمل نعشه لابنه عبد الله ابن معاوية: تعال اعقبني فإنك لن تحمل مثله أبداً.

قال الوليد: في سنة إحدى وخمسين غزا فضالة الشاتية.

(547)

ترجمته في طبقات ابن سعد (7/ 401)، التاريخ الكبير (7/ ترجمة 556)، الجرح والتعديل (7/ ترجمة 433)، حلية الأولياء (2/ 17)، أسَّد الغابة (4/ 182)، الكاشف (2/ترجمة 4524)، تجريد أسماء الصحابة (2/ 73)، تهذيب التهذيب (8/ترجمة 498)، الإصابة (3/ترجمة 6992) خلاصة الخزرجي (2/ ترجمة 5704).

ص: 253

أيوب بن سويد: عن ابن جابر حدثنا القاسم أبو عبد الرحمن قال: غزونا مع فضالة بن عبيد- ولم يغز فضالة في البر غيرها- فبينا نحن نسرع في السير وهو أمير الجيش وكانت الولاة إذ ذاك يسمعون ممن استرعاهم الله عليه فقال قائل: أيها الأمير! إن الناس قد تقطعوا قف حتى يلحقوا بك فوقف في مرج عليه قلعة فإذا نحن برجل أحمر ذي شوارب فأتينا به فضالة فقلنا: إنه هبط من الحصن بلا عهد فسأله فقال: إني البارحة أكلت الخنزير وشربت الخمر فأتاني في النوم رجلان فغسلا بطني وجاءتني امرأتان فقالتا: أسلم فأنا مسلم فما كانت كلمته أسرع من أن رمينا بالزبار

(548)

فأصابه فدق عنقه فقال فضالة: الله أكبر! عمل قليلاً وأجر كثيراً فصلينا عليه ثم دفناه.

الوليد بن مسلم: حدثنا خالد بن يزيد عن أبيه أن أبا الدرداء كان يقضي على دمشق وإنه لما احتضر أتاه معاوية عائداً فقال من ترى للأمر بعدك؟ قال فضالة بن عبيد فلما توفي قال معاوية لفصالة إني قد وليتك القضاء فاستعفى منه فقال: والله ما حابيتك بها ولكني استترت بك من النار فاستتر منها ما استطعت.

قال سعيد بن عبد العزيز: لما سار معاوية إلى صفين استعمل على دمشق فضالة.

إبراهيم بن هشام الغساني: حدثني أبي عن جدي قال: وقعت من رجل مئة دينار فنادى: من وجدها فله عشرون ديناراً فأقبل الذي وجدها فقال هذا مالك فأعطني الذي جعلت لي فقال كان مالي عشرين ومئة دينار فاختصما إلى فضالة فقال لصاحب المال أليس كان مالك مئة وعشرين ديناراً كما تذكر؟ قال بلى وقال للآخر: أنت وجدت مئة؟ قال: نعم. قال: فاحبسها ولا تعطه فليس هو بماله حتى يجيء صاحبه.

وعن فضالة قال: لأن أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة أحب إلي من الدنيا وما فيها لأنه تعالى يقول: " إنما يتقبل الله من المتقين ". المائدة 27.

أحمد بن يونس اليربوعي: حدثنا معاوية بن حفص عن داود بن مهاجر عن ابن محيريز سمع فضالة بن عبيد وقلت له أوصني قال خصال ينفعك الله بهن إن استطعت أن تعرف ولا تعرف فافعل وإن استطعت أن تسمع ولا تكلم فافعل وإن استطعت أن تجلس ولا يجلس إليك فافعل.

قد عد فضالة في كبار القراء. وقيل: لكن ابن عامر تلا عليه.

(548)

بالزَّبار: بالحجارة.

ص: 254

سفيان: عن منصور عن هلال بن يساف عن نعيم بن ذي جناب عن فضالة بن عبيد قال ثلاث من الفواقر إمام إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر. وجار إن رأى حسنة دفنها وإن رأى سيئة أفشاها وزوجة إن حضرت آذتك وإن غبت خانتك في نفسها وفي مالك.

قال ابن معين: دفن فضالة بباب الصغير.

وقال المدائني وغيره: مات سنة ثلاث وخمسين وقال خليفة: توفي سنة تسع وخمسين.

‌246 - أبو محذورة الجمحي

(549)

مؤذن المسجد الحرام وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم أوس بن معير بن لوذان ابن ربيعة بن سعد بن جمح. وقيل: اسمه سمير بن عمير بن لوذان بن وهب ابن سعد بن جمح وأمه خزاعية.

حدث عنه ابنه عبد الملك وزوجته والأسود بن يزيد وعبد الله بن محيريز وابن أبي مليكة وآخرون. كان من أندى الناس صوتا وأطيبه.

قال ابن جريج: أخبرني عثمان بن السائب عن أم عبد الملك بن أبي محذورة عن أبي محذورة قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حنين خرجت عاشر عشرة من مكة نطلبهم فسمعتهم يؤذنون للصلاة فقمنا نؤذن نستهزئ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت". فأرسل إلينا فأذناً رجلاً رجلاً فكنت آخرهم فقال حين أذنت: "تعال" فأجلسني بين يديه فمسح على ناصيتي وبارك علي ثلاث مرات ثم قال: "اذهب فأذن عند بيت الحرام" قلت: كيف يا رسول الله؟ فعلمني الأولى كما يؤذنون بها وفي الصبح "الصلاة خير من النوم" وعلمني الإقامة مرتين مرتين. الحديث

(550)

.

(549)

ترجمته في طبقات ابن سعد (5/ 450)، أسد الغابة (1/ 150) و (5/ 292)، الإصابة (4/ترجمة 1018)، تهذيب التهذيب (12/ ترجمة 1019).

(550)

صحيح بطرقه: أخرجه عبد الرزاق (1779)، وأحمد (3/ 408)، وأبو داود (501)، والنسائي (2/ 7)، والطحاوي (1/ 130 و 134)، والبيهقي (1/ 393 - 394 و 417) من طريق ابن جريج، عن عثمان ابن السائب، عن أبيه السائب مولى أبي محذورة، وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة أنهما سمعا من أبي محذورة قال: فذكره. =

ص: 255

ابن جريج: أنبأنا عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره -وكان يتيماً في حجر أبي محذورة -حين جهزه إلى الشام فعلمه الأذان.

قال الواقدي: كان أبو محذورة يؤذن بمكة إلى أن توفي سنة تسع وخمسين فبقي الأذان في ولده وولد ولده إلى اليوم بمكة.

وأنشد مصعب بن عبد الله لبعضهم:

أما ورب الكعبة المستوره

وما تلا محمد من سوره

والنغمات من أبي محذوره

لأفعلن فعلة منكوره

حاتم بن أبي صغيرة عن ابن أبي مليكة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا محذورة الأذان فقدم عمر فنزل دار الندوة فأذن وأتى يسلم فقال عمر ما أندى صوتك! أما تخشى أن ينشق مريطاؤك

(551)

من شدة صوتك؟ قال: يا أمير المؤمنين قدمت فأحببت أن أسمعك صوتي قال يا أبا محذورة إنك بأرض شديدة الحر فأبرد عن الصلاة! ثم أبرد عنها ثم أذن ثم أقم تجدني عندك.

أبو حذيفة النهدي: حدثنا أيوب بن ثابت عن صفية بنت بحرة: أن أبا محذورة كانت له قصة في مقدم رأسه فإذا قعد أرسلها فتبلغ الأرض.

قال ابن جريج: سمعت أصحابنا يقولون عن ابن أبي مليكة قال أذن مؤذن معاوية فاحتمله أبو محذورة فألقاه في زمزم.

= وأخرجه الشافعي (1/ 57 - 59)، وأحمد (3/ 409)، وأبو داود (503)، والنسائي (2/ 5 - 6)، وابن ماجه (708)، والطحاوي في "شرح معانى الآثار"(1/ 130)، والدارقطني (1/ 233)، والبيهقي (1/ 393)، والبغوي (407) من طرق عن ابن جريج، قال: أخبرنى عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، أن عبد الله بن محيريز أخبره، عن أبي محذورة، به.

وأخرجه أبو داود (505) عن محمد بن داود الإسكندراني، عن زياد بن يونس، عن نافع بن عمر الجمحي، عن عبد الملك بن أبي محذرة، عن ابن محيريز، به.

(551)

المريطاء: أسفل البطن ما بين السرة والعانة.

ص: 256

‌247 - معاوية بن أبي سفيان

(552)

صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب أمير المؤمنين ملك الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي الأموي المكي.

وأمه هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي.

قيل: إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء وبقي يخاف من اللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم من أبيه ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح.

حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له مرات يسيرة وحدث أيضاً عن أخته أم المؤمنين أم حبيبة وعن أبي بكر وعمر.

روى عنه: ابن عباس وسعيد بن المسيب وأبو صالح السمان وأبو إدريس الخولاني وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير وسعيد المقبري وخالد بن معدان وهمام بن منبه وعبد الله بن عامر المقرئ والقاسم أبو عبد الرحمن وعمير بن هانئ وعبادة بن نسي وسالم بن عبد الله ومحمد بن سيرين ووالد عمرو بن شعيب وخلق سواهم.

وحدث عنه من الصحابة أيضاً: جرير بن عبد الله وأبو سعيد والنعمان بن بشير وابن الزبير.

ذكر ابن أبي الدنيا وغيره: أن معاوية كان طويلاً أبيض جميلاً إذا ضحك انقلبت شفته العليا وكان يخضب.

روى سعيد بن عبد العزيز: عن أبي عبد رب: رأيت معاوية يخضب بالصفرة كأن لحيته الذهب.

قلت: كان ذلك لائقاً في ذلك الزمان واليوم لو فعل لاستهجن وروى عبد الجبار بن عمر عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ: سمع معاوية على منبر المدينة يقول: أين فقهاؤكم يا أهل المدينة؟ سمعت رسول

(552)

ترجمته في طبقات ابن سعد (3/ 32)، و (7/ 406)، التاريخ الكبير (7/ترجمة 1405) الجرح والتعديل (8/ترجمة 1723)، تاريخ الخطيب (1/ 207)، أسد الغابة (4/ 385)، الكاشف (3/ترجمة 5617)، تجريد أسماء الصحابة (2/ ترجمة 927)، تهذيب التهذيب (10/ ترجمة 385)، الإصابة (3/ ترجمة 8068)، خلاصة الخزرجي (3/ ترجمة 7078).

ص: 257

الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذه القصة ثم وضعها على رأسه. فلم أر على عروس ولا على غيرها أجمل منها على معاوية

(553)

.

وعن أبان بن عثمان: كان معاوية وهو غلام يمشي مع أمه هند فعثر فقالت: قم لارفعك الله وأعرابي ينظر فقال لم تقولين له؟ فوالله إني لأظنه سيسود قومه قالت: لارفعه إن لم يسد إلا قومه.

قال أسلم مولى عمر: قدم علينا معاوية وهو أبض الناس وأجملهم.

ابن إسحاق: عن أبيه: رأيت معاوية بالأبطح أبيض الرأس واللحية كأنه فالج

(554)

.

قال مصعب الزبيري: كان معاوية يقول أسلمت عام القضية.

ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر حدثني أبو بكر بن أبي سبرة عن عمر بن عبد الله العنسي قال معاوية: لما كان عام الحديبية وصدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت وكتبوا بينهم القضية وقع الإسلام في قلبي فذكرت لأمي فقالت إياك أن تخالف أباك فأخفيت إسلامي فوالله لقد رحل رسول الله من الحديبية وإني مصدق به ودخل مكة عام عمرة القضية وأنا مسلم وعلم أبو سفيان بإسلامي فقال لي يوماً: لكن أخوك خير منك وهو على ديني فقلت لم آل نفسي خيراً وأظهرت إسلامي يوم الفتح فرحب بي النبي صلى الله عليه وسلم وكتبت له.

ثم قال الواقدي: وشهد معه حنيناً فأعطاه من الغنائم مئة من الإبل وأربعين أوقية.

قلت: الواقدي لا يعي ما يقول فإن كان معاوية كما نقل قديم الإسلام فلماذا يتألفه النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولو كان أعطاه لما قال عندما خطب فاطمة بنت قيس: "أما معاوية فصعلوك لا مال له "

(555)

.

(553)

صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، آفته عبد الجبار بن عمر الأيْلى، ضعيف والحديث صحيح دون قوله: "

ثم وضعها على رأسه" فأخرجه البخاري (3468)، ومسلم (2127) وأبو داود (4167)، والترمذي (2781)، وأحمد (4/ 95) من طرق عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان، عام حَجَّ، وهو على المنبر، وتناول قُصَّةً من شَعَرٍ كانت في يد حَّرَسٍّ -أي غلام الأمير- يقول: يا أهل المدينة أين عُلماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه. ويقول: "إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتَّخذ هذه نساؤهم" وقوله: "قصة" قال الأصمعي وغيره: هى شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة وقيل شعر الناصية.

(554)

الفالج: البعير ذو السَّنامين، سُمِّى به لأنَّ سناميْه يختلف مَيْلُهما.

(555)

صحيح: تقدَّم تخريجنا له.

ص: 258

ونقل المفضل الغلابي عن أبي الحسن الكوفي قال كان زيداً ابن ثابت كاتب الوحي وكان معاوية كاتباً فيما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين العرب.

عمرو بن مرة: عن عبد الله بن الحارث عن زهير بن الأقمر عن عبد الله بن عمرو قال: كان معاوية يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم

(556)

.

أبو عوانة: عن أبي حمزة عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الغلمان فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "ادع لي معاوية" وكان يكتب الوحي.

رواه أحمد في "مسنده"

(557)

وزاد فيه الحاكم: حدثنا علي بن حمشاد حدثنا هشام بن علي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة قال: فدعوته فقيل: إنه يأكل. فأتيت فقلت: يا رسول الله هو يأكل. قال: "اذهب فادعه" فأتيته الثانية فقيل: إنه يأكل فأتيت رسول الله فأخبرته فقال في الثالثة: "لا أشبع الله بطنه" قال فما شبع بعدها.

رواه الطيالسي: حدثنا أبو عوانة وهشيم وفيه: "لا أشبع الله بطنه"

(558)

.

فسره بعض المحبين قال: لا أشبع الله بطنه حتى لا يكون ممن يجوع يوم القيامة لأن الخبر عنه أنه قال: "أطول الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة "

(559)

.

(556)

حسن لغيره: وهذا إسناد ضعيف، آفته زهير بن الأقمر أبو كثير، مجهول لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول. ويشهد له الحديث الآتى بالتعليق الآتى.

(557)

حسن: أخرجه أحمد (1/ 240 و 335 و 338) من طريق أبي حمزة، عن ابن عباس، به.

قلت: إسناده حسن، أبو حمزة، هو عمران بن أبي عطاء القصاب، صدوق.

(558)

حسن: أخرجه الطيالسى (2746)، ومسلم (2604) من طريق أبي حمزة القصاب، عن ابن عباس، به.

قلت: إسناده حسن، أبو حمزة القصاب، هو عمران بن أبي عطاء، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب".

(559)

حسن لغيره: ورد من حديث ابن عمر قال: "تجشَّأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال كفَّ جُشاءكَ فإن أكثرهم شبعًا في الدنيا أطولُهم جوعًا يوم القيامة". أخرجه الترمذي (2478)، وابن ماجه (3350) من طريق عبد العزيز بن عبد الله القرشي، حدثنا يحيى البكاء، عن ابن عمر، به.

وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه.

قلت: إسناده واه، فيه علتان: الأولى: عبد العزيز بن عبد الله القرشي، قال أبو حاتم: منكر الحديث، روى عن يحيى البكاء عن ابن عمر ثلاثة أحاديث أو أربعة منكرة. =

ص: 259

قلت: هذا ما صح والتأويل ركيك وأشبه منه قوله عليه السلام: "اللهم من سببته أو شتمته من الأمة فاجعلها له رحمة"

(560)

أو كما قال. وقد كان معاوية معدوداً من الأكلة.

جماعة: عن معاوية بن صالح عن يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عن أبي رهم السماعي عن العرباض سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو إلى السحور في شهر رمضان: هلم إلى الغداء المبارك. ثم سمعته يقول: "اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب"

(561)

.

رواه ابن مهدي وأسد السنة وأبو صالح وبشر بن السري عنه. وهذا في جزء ابن عرفة معضل

(562)

سقط منه العرباض وأبو رهم وللحديث شاهد قوي.

= العلة الثانية: يحيى بن مسلم البكاء، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب"، وأخرجه الطبراني في "الكبير"(22/ 327) من طريق محمد بن خالد الكوفي، حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي رجاء، عن أبي جحيفة، به، وأورده الهيثمي في "المجمع" (5/ 31) قال: وفيه محمد بن خالد الكوفي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات". ورواه الطبراني في الأوسط من طريق مقدام بن داود، عن أسد بن موسى، عن على بن ثابت عن الوليد بن عمرو بن ساج، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، به. وكذا رواه البيهقي في "الآداب" (ص 116) من طريق مقدام، به. ومقدام ضعيف.

وفيه على بن ثابت، وهو الجزري، ضعفه يحيى والنسائي. وقال الجوزجاني: ضعيف الأمر جدًا.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(22/ 351) من طريق فهد بن عوف، حدثنا شيخ لنا يقال له الفضل بن أبي الفضل الأزدي، قال: أخبرنى على بن موسى، قال أنا على بن الأقمر، عن أبي جحيفة، به.

قلت: إسناده موضوع، فيه فهد بن عوف، وهو كذاب، والفضل بن أبي الفضل، مجهول، فقد ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، والبخاري في "التاريخ الكبير" ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا والخلاصة فإن الحديث حسن بمجموع طريقى أبي جحيفة عند الطبراني في "الكبير" والأوسط والبيهقي والله -تعالى- أعلى وأعلم.

(560)

صحيح: أخرجد مسلم (2600) من حديث عائشة، وأخرجه مسلم (2601) من حديث أبي هريرة، و (2602) من حديث جابر بن عبد الله.

(561)

حسن لغيره: أخرجه أحمد (4/ 127) حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، عن معاوية يعنى ابن صالح عن يونس ين سيف، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته الحارث بن زياد الشامى، قال الحافظ في "التقريب": لين الحديث.

(562)

المعضل: هو الذي سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالى.

ص: 260

أبو مسهر: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني -وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي قال لمعاوية: "اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب"

(563)

.

أبو هلال محمد بن سليم: حدثنا جبلة بن عطية عن رجل عن مسلمة بن مخلد أنه قال لعمرو بن العاص ومعاوية يأكل: إن ابن عمك هذا لمخضد أما إني أقول هذا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم علمه الكتاب ومكن له في البلاد وقه العذاب"

(564)

.

فيه رجل مجهول وجاء نحوه من مراسيل الزهري ومراسيل عروة بن رويم وحريز بن عثمان.

مروان بن محمد: حدثنا سعيد بن عبد العزيز حدثني ربيعة بن يزيد سمعت عبد الرحمن بن أبي عميرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية: "اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به"

(565)

. حسنه الترمذي صفوان بن صالح: حدثنا الوليد ومروان بن محمد حدثنا سعيد نحوه.

وقال أبو زرعة النصري وعباس الترقفي: حدثنا أبو مسهر حدثنا سعيد نحوه وفيه سمعت رسول الله

أحمد بن المعلى: حدثنا محمود حدثنا عمر بن عبد الواحد عن سعيد عن ربيعة: أن بعثاً من أهل الشام كانوا مرابطين بآمد وأن عمير بن سعد كان على حمص فعزله عثمان وولى معاوية فبلغ ذلك أهل حمص فشق عليهم فقال عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية: "اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به واهده"

(566)

.

(563)

حسن لغيره: رجاله ثقات خلا سعيد بن عبد العزيز، اختلط في آخر عمره، ويشهد له ما تقدم وهو ما رواه أحمد (4/ 127)، كما في تعليقنا رقم (561)، وتعليقنا الآتى رقم (564).

(564)

حسن لغيره: فيه جهالة الرجل، لكن يشهد له ما قبله.

(565)

حسن لغيره: أخرجه أحمد (4/ 216)، والترمذي (3842) من طريق سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة ابن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الأزدي، به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

قلت: إسناده ضعيف، فيه سعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي، اختلط في آخر عمره.

لكن يشهد له الطريق الآتى بتعليقنا رقم (569)

(566)

حسن لغيره: فيه سعيد بن عبد العزيز، وقد اختلط في آخر عمره، وله شاهد بتعليقنا (569).

ص: 261

أبو بكر بن أبي داود: حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد وعمر بن عبد الواحد عن سعيد عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عبد الرحمن بن أبي عميرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية: "اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به "

(567)

.

عمرو بن واقد: عن يونس بن حلبس عن أبي إدريس قال: لما عزل عمر عمير بن سعد عن حمص ولى معاوية فقال الناس في ذلك فقال عمير لا تذكروا معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اهد به "

(568)

. رواه عن الذهلي عن النفيلي عنه.

هشام بن عمار حدثنا عبد العزيز بن الوليد بن سليمان سمعت أبي يقول: إن عمر ولى معاوية فقالوا: ولاه حديث السن. فقال تلومونني وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به". هذا منقطع

(569)

.

محمد بن شعيب: حدثنا مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن أبا بكر وعمر في أمر فقالا الله ورسوله أعلم فقال: "أشيرا علي" ثم قال: "ادعوا معاوية" فقال: "أحضروه أمركم وأشهدوه أمركم فإنه قوي أمين".

ورواه نعيم بن حماد عن ابن شعيب فوصله بعبد الله بن بسر.

أبو مسهر وابن عائذ: عن صدقة بن خالد عن وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده قال: أردف النبي صلى الله عليه وسلم معاوية خلفه فقال: "ما يليني منك"؟ قال: بطني يا رسول الله. قال: "اللهم املأه علماً ". زاد فيه أبو مسهر: وحلماً. قال صالح جزرة: لا يشتغل بوحشي ولا بأبيه.

بقية: عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان

(567)

حسن لغيره: فيه سعيد بن عبد العزيز، اختلط بأخرة، لكنه يشهد له تعليقنا رقم (569).

(568)

ضعيف جدًا: فيه عمرو بن واقد الدمشقي، أبو حفص، متروك، لكن الحديث حسن لغيره كما ذكرنا في تعليقنا السابق، وتعليقنا الآتى.

(569)

حسن لغيره: فيه الانقطاع بين الوليد بن سليمان وعمر، فإنه لم يدركه، لكن يشهد له تعليقنا رقم (565) والله -تعالى- أعلى وأعلم.

ص: 262

يسير ومعه جماعة فذكروا الشام فقال رجل كيف نستطيع الشام وفيه الروم؟ قال: ومعاوية في القوم وبيده عصا -فضرب بها كتف معاوية وقال: "يكفيكم الله بهذا ".

هذا مرسل قوي. فهذه أحاديث مقاربة.

وقد ساق ابن عساكر في الترجمة أحاديث واهية وباطلة طول بها جداً.

وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ويفضلوه إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء وإما قد ولدوا في الشام على حبه وتربى أولادهم على ذلك. وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة وعدد كثير من التابعين والفضلاء وحاربوا معه أهل العراق ونشؤوا على النصب نعوذ بالله من الهوى كما قد نشأ جيش علي رضي الله عنه ورعيته -إلا الخوارج منهم- على حبه والقيام معه وبغض من بغى عليه والتبري منهم وغلا خلق منهم في التشيع. فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا غالياً في الحب مفرطاً في البغض ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق واتضح من الطرفين وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين وتبصرنا فعذرنا واستغفرنا وأحببنا باقتصاد وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة أو بخطأ إن شاء الله مغفور وقلنا كما علمنا الله "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا " الحشر 10 وترضينا أيضاً عمن اعتزل الفريقين كسعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسعيد بن زيد وخلق وتبرأنا من الخوارج المارقين الذين حاربوا علياً وكفروا الفريقين فالخوارج كلاب النار قد مرقوا من الدين ومع هذا فلا نقطع لهم بخلود النار كما نقطع به لعبدة الأصنام والصلبان.

فمن الأباطيل المختلقة: عن واثلة مرفوعاً: "كاد معاوية أن يبعث نبياً من حلمه وائتمانه على كلام ربي ".

وعن عثمان مرفوعاً: "هنيئاً لك يا معاوية لقد أصبحت أميناً على خبر السماء".

عن أبي موسى: نزل عليه الوحي فلما سري عنه طلب معاوية فلما كتبها -يعني آية الكرسي -قال: "غفر الله لك يا معاوية ما تقدم إلى يوم القيامة".

ص: 263

عن مري الحوراني عن رجل: نزل جبريل فقال: يا محمد ليس لك أن تغزل من اختاره الله لكتابة وحيه فأقره إنه أمين.

عن سعد مرفوعاً: "يحشر معاوية وعليه حلة من نور ".

عن أنس: هبط جبريل بقلم من ذهب فقال يا محمد: إن العلي الأعلى يقول: قد أهديت القلم من فوق عرشي إلى معاوية فمره أن يكتب آية الكرسي به ويشكله ويعجمه فذكر خبراً طويلاً.

وعن ابن عباس قال: لما أنزلت آية الكرسي دعا معاوية فلم يجد قلماً وذلك أن الله أمر جبريل أن يأخذ الأقلام من دواته فقام ليجيء بقلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذ القلم من أذنك فإذا قلم ذهب مكتوب عليه لا إله إلا الله هدية من الله إلى أمينه معاوية.

وعن عائشة مرفوعاً: كأني أنظر إلى سويقتي معاوية ترفلان في الجنة.

عن علي قال: لأخرجن ما في عنقي لمعاوية قد استكتبه نبي الله وأنا جالس فعلمت أن ذلك لم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن من الله.

عن جابر مرفوعاً: "الأمناء عند الله سبعة القلم وجبريل وأنا ومعاوية واللوح وإسرافيل وميكائيل". عن زيد بن ثابت: دخل النبي عليه السلام على أم حبيبة ومعاوية نائم على فخذها فقال: أتحبينه؟ قالت: نعم. قال: "لله أشد حباً له منك له كأني أراه على رفارف الجنة ".

عن جعفر: أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم سفرجل فأعطى معاوية منه ثلاثاً وقال "القني بهن في الجنة". قلت: وجعفر قد استشهد قبل قدوم مسلماً.

وعن حذيفة مرفوعاً: "يبعث معاوية وعليه رداء من نور الإيمان ".

عن أبي سعيد مرفوعاً: "يخرج معاوية من قبره عليه رداء من سندس مرصع بالدر والياقوت".

عن علي: "أن جبريل نزل فقال: استكتب معاوية فإنه أمين".

أبو هريرة مرفوعاً: "الأمناء ثلاثة أنا وجبريل ومعاوية".

ص: 264

وعن واثلة: بنحوه. أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ناول معاوية سهماً وقال: "خذه حتى توافيني به في الجنة".

أنس مرفوعاً: "لا أفتقد أحداً غير معاوية لا أراه سبعين عاماً فإذا كان بعد أقبل على ناقة من المسك فأقول أين كنت يقول في روضة تحت العرش

الحديث".

وعن بعضهم: "جاء جبريل بورقة آس عليها: لا إله إلا الله حب معاوية فرض على عبادي".

ابن عمر مرفوعاً: "يا معاوية أنت مني وأنا منك لتزاحمني على باب الجنة ".

فهذه الأحاديث ظاهرة الوضع والله أعلم. ويروى في فضائل معاوية أشياء ضعيفة تحتمل منها: فضيل بن مرزوق: عن رجل عن أنس مرفوعاً: "دعوا لي أصحابي وأصهاري ".

أحمد في "المسند": حدثنا روح حدثنا أبو أمية عمرو بن يحيى بن سعيد حدثنا جدي: أن معاوية أخذ الإداوة وتبع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إليه وقال يا معاوية إن وليت أمراً فاتق الله واعدل" فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ابتليت.

ولهذا طرق مقاربة: يحيى بن أبي زائدة عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير قال معاوية والله ما حملني على الخلافة إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم لي يا معاوية: "إن ملكت فأحسن". ابن مهاجر ضعيف والخبر مرسل.

الأصم: حدثنا أبي سمعت ابن راهويه يقول: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية شيء.

ابن فضيل: حدثنا يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبي برزة كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت غناء فقال: انظروا ما هذا؟ فصعدت فنظرت فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان فجئت فأخبرته فقال: "اللهم أركسهما في الفتنة ركساً ودعهما في النار دعاً ". هذا مما أنكر على يزيد.

ص: 265

ابن لهيعة عن يونس عن ابن شهاب: قدم عمر الجابية فبقى على الشام أميرين أبا عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان ثم توفي يزيد فنعاه عمر إلى أبي سفيان فقال: ومن أمرت مكانه؟ قال: معاوية فقال: وصلتك يا أمير المؤمنين رحم.

وقال خليفة: ثم جمع عمر الشام كلها لمعاوية وأقره عثمان.

قلت: حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم -وهو ثغر- فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضي الناس بسخائه وحلمه وإن كان بعضهم تألم مرة منه وكذلك فليكن الملك. وإن كان غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً منه بكثير وأفضل وأصلح فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه وسعة نفسه وقوة دهائه ورأيه وله هنات وأمور والله الموعد.

وكان محبباً إلى رعيته عمل نيابة الشام عشرين سنة والخلافة عشرين سنة ولم يهجه أحد في دولته بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك.

عن إسماعيل بن أمية: أن عمر أفرد معاوية بالشام ورزقه في الشهر ثمانين ديناراً. والمحفوظ أن الذي أفرد معاوية بالشام عثمان.

وعن رجل قال: لما قدم عمر الشام تلقاه معاوية في موكب عظيم وهيئة فلما دنا منه قال: أنت صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم. قال: مع ما بلغني عنك من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك. قال: نعم. قال ولم تفعل ذلك؟ قال نحن بأرض جواسيس العدو بها كثير فيجب أن نظهر من عز السلطان ما يرهبهم فإن نهيتني انتهيت قال يا معاوية! ما أسألك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس لئن كان ما قلت حقاً إنه لرأي أريب وإن كان باطلاً فإنه لخدعة أديب قال فمرني قال: لا آمرك ولا أنهاك. فقيل: يا أمير المؤمنين! ما أحسن ما صدر عما أوردته قال: لحسن مصادره وموارده جشمناه ما جشمناه.

ورويت بإسنادين عن العتبي نحوها. مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر قال: قدم معاوية وهو أبض الناس وأجملهم فخرج مع عمر إلى الحج وكان عمر ينظر إليه فيعجب ويضع أصبعه على متنه ثم يرفعها عن مثل الشراك فيقول: بخ بخ نحن إذا خير الناس إن جمع لنا خير الدنيا والآخرة. قال: يا أمير المؤمنين! سأحدثك إنا بأرض الحمامات والريف. قال عمر: سأحدثك ما بك إلا

ص: 266

إلطافك نفسك بأطيب الطعام وتصبحك حتى تضرب الشمس متنيك وذوو الحاجات وراء الباب. قال: فلما جئنا ذا طوى أخرج معاوية حلة فلبسها فوجد عمر منها طيباً فقال يعمد أحدكم يخرج حاجاً تفلاً حتى إذا جاء أعظم بلد لله حرمة أخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فلبسهما قال: إنما لبستهما لأدخل فيهما على عشيرتي والله لقد بلغني أذاك هنا وبالشام والله يعلم أني قد عرفت الحياء فيه. ونزع معاوية الثوبين ولبس ثوبي إحرامه.

قال المدائني: كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال هذا كسرى العرب.

ابن أبي ذئب عن المقبري قال عمر: تعجبون من دهاء هرقل وكسرى وتدعون معاوية؟ عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده قال: دخل معاوية على عمر وعليه حلة خضراء فنظر إليها الصحابة قال: فوثب إليه عمر بالدرة وجعل يقول: الله الله يا أمير المؤمنين فيم فيم؟ فلم يكلمه حتى رجع. فقالوا: لم ضربته وما في قومك مثله؟ قال: ما رأيت وما بلغني إلا خيراً ولكنه رأيته وأشار بيده فأحببت أن أضع منه.

قال أحمد بن حنبل: فتحت قيسارية سنة تسع عشرة وأميرها معاوية.

قال يزيد بن عبيدة: غزا معاوية قبرص سنة خمس وعشرين.

وقال الزهري: نزع عثمان عمير بن سعد وجمع الشام لمعاوية.

وعن الزهري قال: لم ينفرد معاوية بالشام حتى استخلف عثمان.

سعيد بن عبد العزيز: عن إسماعيل بن عبيد الله عن قيس بن الحارث عن الصنابحي عن أبي الدرداء قال ما رأيت أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من أميركم هذا يعني معاوية.

وكيع: عن الأعمش عن أبي صالح قال: كان الحادي يحدو بعثمان:

إن الأمير بعده علي

وفي الزبير خلف رضي

فقال كعب: بل هو صاحب البغلة الشهباء يعني: معاوية. فبلغ ذلك معاوية فأتاه فقال يا أبا إسحاق تقول هذا وها هنا علي والزبير وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: أنت صاحبها.

قال الواقدي: لما قتل عثمان بعثت نائلة بنت الفرافصة امرأته إلى معاوية كتاباً بما جرى وبعثت بقميصه بالدم فقرأ معاوية الكتاب وطيف بالقميص في أجناد الشام وحرضهم على الطلب بدمه. فقال ابن عباس لعلي: اكتب إلى معاوية فأقره على الشام وأطمعه

ص: 267

يكفك نفسه وناحيته. فإذا بايع لك الناس أقررته أو عزلته. قال: إنه لا يرضى حتى أعطيه عهد الله وميثاقه أن لا أعزله وبلغ معاوية فقال: والله لا ألي له شيئاً ولا أبايعه. وأظهر بالشام أن الزبير قادم عليكم ونبايعه فلما بلغه مقتله ترحم عليه وبعث علي جريراً إلى معاوية فكلمه وعظم علياً فأبى أن يبايع فرد جرير وأجمع على المسير إلى صفين فبعث معاوية أبا مسلم الخولاني إلى علي بأشياء يطلبها منه وأن يدفع إليه قتلة عثمان فأبى ورجع أبو مسلم وجرت بينهما رسائل وقصد كل منهما الآخر فالتقوا لسبع بقين من المحرم سنة سبع.

وفي أول صفر شبت الحرب وقتل خلق وضجروا فرفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص فاصطلحوا وكتبوا بينهم كتاباً على أن يوافوا أذرح ويحكموا حكمين.

قال: فلم يقع اتفاق ورجع علي إلى الكوفة بالدغل من أصحابه والاختلاف. فخرج منهم الخوارج وأنكروا تحكيمه وقالوا لا حكم إلا لله ورجع معاوية بالألفة والاجتماع وبايعه أهل الشام بالخلافة في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين فكان يبعث الغارات فيقتلون من كان في طاعة علي أو من أعان على قتل عثمان وبعث بسر بن أبي أرطاة إلى الحجاز واليمن يستعرض الناس فقتل باليمن عبد الرحمن وقثماً ولدي عبيد الله بن عباس ثم استشهد علي في رمضان سنة أربعين.

وصالح الحسن بن علي معاوية وبايعه وسمي عام الجماعة فاستعمل معاوية على الكوفة المغيرة بن شعبة وعلى البصرة عبد الله بن عامر بن كريز وعلى المدينة أخاه عتبة ثم مروان وعلى مصر عمرو بن العاص وحج بالناس سنة خمسين وكان على قضائه بالشام فضالة بن عبيد.

ثم اعتمر سنة ست وخمسين في رجب وكان بينه وبين الحسين وابن عمر وابن الزبير وابن أبي بكر كلام في بيعة العهد ليزيد ثم قال: إني متكلم بكلام فلا تردوا علي أقتلكم فخطب وأظهر أنهم قد بايعوا وسكتوا ولم ينكروا ورحل على هذا وادعى زياداً أنه أخوه فولاه الكوفة بعد المغيرة فكتب إليه في حجر بن عدي وأصحابه وحملهم إليه فقتلهم بمرج عذراء ثم ضم الكوفة والبصرة إلى زياد فمات فولاهما ابنه عبيد الله بن زياد.

عن عبد المجيد بن سهيل عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال استعملني

ص: 268

عثمان على الحج ثم قدمت وقد بويع لعلي فقال لي: سر إلى الشام فقد وليتكها. قلت: ما هذا برأي معاوية أموي وهو ابن عم عثمان وعامله على الشام ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني قال علي ولم؟ قلت لقرابة ما بيني وبينك وأن كل من حمل عليك حمل علي ولكن اكتب إليه فمنه وعده فأبى علي وقال: لا والله لا كان هذا أبداً.

مجالد: عن الشعبي قال: أرسلت أم حبيبة إلى أهل عثمان: أرسلوا إلي بثياب عثمان التي قتل فيها فبعثوا بقميصه بالدم وبالخصلة التي نتفت من لحيته ودعت النعمان بن بشير فبعثت به إلى معاوية فصعد معاوية المنبر ونشر القميص وجمع الناس ودعا إلى الطلب بدمه فقام أهل الشام وقالوا: هو ابن عمك وأنت وليه ونحن الطالبون معك بدمه.

ابن شوذب: عن مطر الوراق عن زهدم الجرمي قال: كنا في سمر ابن عباس فقال: لما كان من أمر هذا الرجل ما كان يعني عثمان قلت لعلي: اعتزل الناس فلو كنت في جحر لطلبت حتى تستخرج فعصاني وايم الله ليتأمرن عليكم معاوية وذلك أن الله يقول: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً ". الإسراء 33.

يونس: عن ابن شهاب قال: لما بلغ معاوية هزيمة يوم الجمل وظهور علي دعا أهل الشام للقتال معه على الشورى والطلب بدم عثمان فبايعوه على ذلك أميراً غير خليفة.

وفي كتاب صفين ليحيى بن سليمان الجعفي بإسناد له: أن معاوية قال لجرير البجلي لما قدم عليه رسولاً بعد محاورة طويلة: اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام وأنا أبايع له ما عاش فكتب بذلك إلى علي ففشا كتابه فكتب إليه الوليد بن عقبة:

معاوي إن الشام شامك فاعتصم

بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا

وحام عليها بالقنابل والقنا

ولا تك مخشوش الذراعين وانيا

فإن علياً ناظر ما تجيبه

فأهد له حرباً بشيب النواصيا

ثم قال الجعفي: حدثنا يعلى بن عبيد عن أبيه قال: جاء أبو مسلم الخولاني وأناس إلى معاوية وقالوا: أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: لا والله إني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر مني ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً وأنا ابن عمه والطالب بدمه فائتوه فقولوا له فليدفع إلي قتلة عثمان وأسلم له فأتوا علياً فكلموه فلم يدفعهم إليه.

ص: 269

عمرو بن شمر: عن جابر الجعفي عن الشعبي أو أبي جعفر قال: لما ظهر أمر معاوية دعا علي رجلاً وأمره أن يسير إلى دمشق فيعقل راحلته على باب المسجد ويدخل بهيئة السفر ففعل وكان وصاه فسأله أهل الشام فقال: من العراق قالوا وما وراءك؟ قال تركت علياً قد حشد إليكم ونهد في أهل العراق فبلغ معاوية فبعث أبا الأعور يحقق أمره فأتاه فأخبره فنودي: الصلاة جامعة. وامتلأ المسجد فصعد معاوية وتشهد ثم قال إن علياً قد نهد إليكم فما الرأي؟ فضرب الناس بأذقانهم على صدورهم ولم يرفع أحد إليه طرفه فقام ذو الكلاع الحميري فقال: عليك الرأي وعلينا أم فعال يعني الفعال فنزل معاوية ونودي: من تخلف عن معسكره بعد ثلاث أحل بنفسه فرد رسول علي حتى وافاه فأخبره فأمر فنودي الصلاة جامعة واجتمع الناس فصعد المنبر وقال إن رسولي قد قدم وأخبرني أن معاوية قد نهد إليكم فما الرأي؟ فأضب أهل المسجد يقولون: الرأي كذا الرأي كذا فلم يفهم علي من كثرة من تكلم فنزل وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب بها ابن أكالة الأكباد.

الأعمش: عمن رأى علياً يوم صفين يصفق بيديه ويعض عليها ويقول يا عجباً! أعصى ويطاع معاوية.

أبو حاتم السجستاتي: عن أبي عبيدة قال: قال معاوية: لقد وضعت رجلي في الركاب وهممت يوم صفين بالهزيمة فما منعني إلا قول ابن الإطنابة:

أبت لي عفتي وأبى بلائي

وأخذي الحمد بالثمن الربيح

وإكراهي على المكروه نفسي

وضربي هامة البطل المشيح

وقولي كلما جشأت وجاشت

مكانك تحمدي أو تستريحي

قال الأوزاعي: سأل رجل الحسن البصري عن علي وعثمان فقال: كانت لهذا سابقة ولهذا سابقة ولهذا قرابة ولهذا قرابة وابتلي هذا وعوفي هذا. فسأله عن علي ومعاوية فقال كان لهذا قرابة ولهذا قرابة ولهذا سابقة وليس لهذا سابقة وابتليا جميعاً.

قلت: قتل بين الفريقين نحو من ستين ألفاً وقيل سبعون ألفاً وقتل عمار مع علي وتبين للناس قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقتله الفئة الباغية"

(570)

.

الفسوي: حدثنا حجاج بن أبي منيع حدثنا جدي عن الزهري عن أنس قال

(570)

صحيح: تقدم تخريجنا له.

ص: 270

تعاهد ثلاثة من أهل العراق على قتل معاوية وعمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وأقبلوا يعد بيعة معاوية بالخلافة حتى قدموا إيلياء فصلوا من السحر في المسجد فلما خرج معاوية لصلاة الفجر كبر فلما سجد انبطح أحدهم على ظهر الحرسي الساجد بينه وبين معاوية حتى طعن معاوية في مأكمته فانصرف معاوية وقال: أتموا صلاتكم وأمسك الرجل فقال الطبيب: إن لم يكن الخنجر مسموماً فلا بأس عليك فأعد الطبيب عقاقيره ثم لحس الخنجر فلم يجده مسموما فكبر وكبر من عنده وقيل: ليس بأمير المؤمنين بأس.

قلت: هذه المرة غير المرة التي جرح فيها وقتما قتل علي رضي الله عنه فإن تلك فلق أليته وسقي أدوية خلصته من السم لكن قطع نسله.

أيوب بن جابر: عن أبي إسحاق عن الأسود قلت لعائشة: ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب محمد في الخلافة؟ قالت: وما يعجب؟ هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر وقد ملك فرعون مصر أربع مئة سنة.

زيد بن أبي الزرقاء: عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم قال قال علي قتلاي وقتلى معاوية في الجنة.

صدقة بن خالد: عن زيد بن واقد عن أبيه عن أشياخهم: أن معاوية لما بويع وبلغه قتال علي أهل النهروان كاتب وجوه من معه مثل الأشعث ومناهم وبذل لهم حتى مالوا إلى معاوية وتثاقلوا عن المسير مع علي فكان يقول فلا يلتفت إلى قوله وكان معاوية يقول لقد حاربت علياً بعد صفين بغير جيش ولا عتاد.

شعبة: أنبأنا محمد بن عبيد الله الثقفي سمع أبا صالح يقول: شهدت علياً وضع المصحف على رأسه حتى سمعت تقعقع الورق فقال: اللهم إني سألتهم ما فيه فمنعوني اللهم إني قد مللتهم وملوني وأبغضتهم وأبغضوني وحملوني على غير أخلاقي فأبدلهم بي شرا مني وأبدلني بهم خيراً منهم ومث قلوبهم ميثة الملح في الماء.

مجالد: عن الشعبي عن الحارث عن علي قال: لا تكرهوا إمرة معاوية فلو قد فقدتموه لرأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها.

لما قتل أمير المؤمنين علي بايع أهل العراق ابنه الحسن وتجهزوا لقصد الشام في كتائب أمثال الجبال وكان الحسن سيداً كبير القدر يرى حقن الدماء ويكره الفتن ورأى من العراقيين ما يكره.

ص: 271

قال جرير بن حازم: بايع أهل الكوفة الحسن بعد أبيه وأحبوه أكثر من أبيه.

وقال ابن شوذب: سار الحسن يطلب الشام وأقبل معاوية في أهل الشام فالتقوا فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن جعل له العهد بالخلافة من بعده فكان أصحاب الحسن يقولون له يا عار المؤمنين فيقول: العار خير من النار.

وعن عوانة بن الحكم قال: سار الحسن حتى نزل المدائن وبعث على المقدمة قيس بن سعد في اثني عشر ألفاً فبينا الحسن بالمدائن إذ صاح صائح ألا إن قيساً قد قتل فاختبط الناس وانتهب الغوغاء سرادق الحسن حتى نازعوه بساطاً تحته وطعنه خارجي من بني أسد بخنجر فقتلوا الخارجي فنزل الحسن القصر الأبيض وكاتب معاوية في الصلح.

وروى نحواً من هذا الشعبي وأبو إسحاق. وتوجع من تلك الضربة أشهراً وعوفي.

قال هلال بن خباب: قال الحسن بن علي: يا أهل الكوفة! لو لم تذهل نفسي عليكم إلا لثلاث لذهلت لقتلكم أبي وطعنكم في فخذي وانتهابكم ثقلي.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن: "إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"

(571)

ثم إن معاوية أجاب إلى الصلح وسر بذلك ودخل هو والحسن الكوفة راكبين وتسلم معاوية الخلافة في آخر ربيع الآخر وسمي عام الجماعة لاجتماعهم على إمام وهو عام أحد وأربعين.

وقال ابن إسحاق: بويع معاوية بالخلافة في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين لما دخل الكوفة.

وقال أبو معشر: بايعه الحسن بأذرح في جمادى الأولى وهو عام الجماعة.

قال المدائني: أقبل معاوية إلى العراق في ستين ألفاً واستخلف على الشام الضحاك بن قيس فلما بلغ الحسن أن معاوية عبر جسر منبج عقد لقيس بن سعد على اثني عشر ألفاً فسار إلى مسكن وأقبل معاوية إلى الأخنونية في عشرة أيام معه القصاص يعظون ويحضون أهل الشام فنزلوا بإزاء عسكر قيس وقدم بسر بن أبي أرطاة إليهم فكان بينهم مناوشة ثم تحاجزوا.

قال الزهري: عمل معاوية عامين ما يخرم عمل عمر ثم إنه بعد.

(571)

صحيح: يأتى تخريجنا له في مناقب الحسن بتعليقنا رقم (646).

ص: 272

الأعمش: عن عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد قال: صلى بنا معاوية في النخيلة الجمعة في الضحى ثم خطب وقال: ما قاتلنا لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا أو تزكوا قد عرفت أنكم تفعلون ذلك ولكن إنما قاتلناكم لأتأمر عليكم فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون.

السري بن إسماعيل عن الشعبي حدثني سفيان بن الليل قلت للحسن لما رجع إلى المدينة من الكوفة يا مذل المؤمنين: قال لا تقل ذلك فإني سمعت أبي يقول: لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك معاوية فعلمت أن أمر الله واقع فكرهت القتال.

السري تالف.

شعيب: عن الزهري عن القاسم بن محمد أن معاوية لما قدم المدينة حاجاً دخل على عائشة فلم يشهد كلامهما إلا ذكوان مولاها فقالت له: أمنت أن أخبأ لك رجلاً يقتلك بأخي محمد قال صدقت ثم وعظته وحضته على الاتباع فلما خرج اتكأ على ذكوان وقال والله ما سمعت خطيباً -ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ من عائشة.

محمد بن سعد: حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثني علقمة بن أبي علقمة عن أمه قالت: قدم معاوية فأرسل إلى عائشة أن أرسلي إلي بأنبجانية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره فأرسلت به معي أحمله حتى دخلت عليه فأخذ الأنبجانية فلبسها ودعا بماء فغسل الشعر فشربه وأفاض على جلده.

أبو بكر الهذلي: عن الشعبي قال: لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة تلقته قريش فقالوا: الحمد لله الذي أعز نصرك وأعلى أمرك فسكت حتى دخل المدينة وعلا المنبر فحمد الله وقال: أما بعد فإني والله وليت أمركم حين وليته وأنا أعلم أنكم لا تسرون بولايتي ولا تحبونها وإني لعالم بما في نفوسكم ولكن خالستكم بسيفي هذا مخالسة ولقد أردت نفسي على عمل أبي بكر وعمر فلم أجدها تقوم بذلك ووجدتها عن عمل عمر أشد نفوراً وحاولتها على مثل سنيات عثمان فأبت علي وأين مثل هؤلاء هيهات أن يدرك فضلهم غير أني سلكت طريقاً لي فيه منفعة ولكم فيه مثل ذلك ولكل فيه مواكلة حسنة ومشاربة جميلة ما استقامت السيرة فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه ومهما تقدم مما قد علمتموه فقد جعلته دبر أذني وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فارضوا ببعضه فإنها ليست بقائبة قوبها وإن السيل إن جاء تترى -وإن قل- أغنى إياكم والفتنة فلا تهموا بها فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة وتورث الاستئصال وأستغفر الله لي ولكم ثم نزل.

ص: 273

"القائبة": البيضة "والقوب": الفرخ يقال قابت البيضة إذا انفلقت عن الفرخ.

محمد بن بشر العبدي: حدثنا مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد مرفوعاً: "إذا رأيتم فلاناً يخطب على منبري فاقتلوه ".

رواه جندل بن والق عن محمد بن بشر فقال بدل "فلاناً " معاوية وتابعه الوليد بن القاسم عن مجالد.

وقال حماد وجماعة: عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعاً: "إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه".

الحكم بن ظهير -واه- عن عاصم عن زر عن عبد الله مرفوعاً نحوه.

وجاء عن الحسن مرسلاً. وروي بإسناد مظلم عن جابر مرفوعاً: "إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه فإنه أمين مأمون ".

هذا كذب. ويقال: هو معاوية بن تابوه المنافق.

قال سعيد بن عبد العزيز: لما قتل عثمان ووقع الاختلاف لم يكن للناس غزو حتى اجتمعوا على معاوية فأغزاهم مرات. ثم أغزى ابنه في جماعة من الصحابة براً وبحراً حتى أجاز بهم الخليج وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها ثم قفل.

الليث عن بكير عن بسر بن سعيد أن سعد بن أبي وقاص قال ما رأيت أحداً بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب يعني معاوية.

أبو بكر بن أبي مريم: عن ثابت مولى سفيان سمعت معاوية وهو يقول: إني لست بخيركم وإن فيكم من هو خير مني: ابن عمر وعبد الله ابن عمرو وغيرهم ولكني عسيت أن أكون أنكاكم في عدوكم وأنعمكم لكم ولاية وأحسنكم خلقاً.

عقيل ومعمر عن الزهري حدثني عروة أن المسور بن مخرمة أخبره أنه وفد على معاوية فقضى حاجته ثم خلا به فقال يا مسور! ما فعل طعنك على الأئمة؟ قال دعنا من هذا وأحسن قال لا والله لتكلمني بذات نفسك بالذي تعيب علي قال مسور فلم أترك شيئاً أعيبه عليه إلا بينت له فقال لا أبرأ من الذنب فهل تعد لنا يا مسور مانلي من الإصلاح في أمر العامة فإن الحسنة بعشر أمثالها أم تعد الذنوب وتترك الإحسان قال ما تذكر إلا الذنوب قال معاوية فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه فهل لك يا مسور ذنوب في

ص: 274

خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم تغفر؟ قال نعم قال فما يجعلك الله برجاء المغفرة أحق مني فوالله ما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي ولكن والله لا أخير بين أمرين بين الله وبين غيره إلا اخترت الله على ما سواه وإني لعلى دين يقبل فيه العمل ويجزى فيه بالحسنات ويجزى فيه بالذنوب إلا أن يعفو الله عنها قال فخصمني قال عروة فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه.

عمرو بن واقد: حدثنا يونس بن ميسرة: سمعت معاوية يقول على منبر دمشق: تصدقوا ولا يقل أحدكم: إني مقل فإن صدقة المقل أفضل من صدقة الغني.

الشافعي: أنبأنا عبد المجيد عن ابن جريج أخبرني عتبة بن محمد أخبرني كريب مولى ابن عباس أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة واحدة لم يزد فأخبر ابن عباس فقال أصاب أي بني! ليس أحد منا أعلم من معاوية. هي واحدة أو خمس أو سبع أو أكثر.

أبو اليمان: حدثنا ابن أبي مريم عن عطية بن قيس قال: خطبنا معاوية فقال: إن في بيت مالكم فضلاً عن عطائكم وأنا قاسمه بينكم.

هشام بن عمار: حدثنا عمرو بن واقد عن يونس بن حلبس قال: رأيت معاوية في سوق دمشق على بغلة خلفه وصيف قد أردفه عليه قميص مرقوع الجيب.

قال أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال: كان معاوية وما رأينا بعده مثله.

ابن عيينة: حدثنا ابن أبي خالد عن الشعبي سمعت معاوية يقول لو أن علياً لم يفعل ما فعل ثم كان في غار لذهب الناس إليه حتى يستخرجوه منه.

العوام بن حوشب: عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر قال ما رأيت أحداً أسود من معاوية قلت: ولا عمر قال كان عمر خيراً منه وكان معاوية أسود منه.

وروي عن أبي يعقوب عن ابن عمر نحوه.

وروى ابن إسحاق عن نافع: عن ابن عمر مثله ولفظه ما رأيت أحداً قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أسود من معاوية فقلت كان أسود من أبي بكر؟ فقال كان أبو بكر خيراً منه وهو كان أسود. قلت كان أسود من عمر؟

الحديث.

معمر: عن همام بن منبه سمعت ابن عباس يقول: ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من

ص: 275

معاوية كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب لم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب يعني ابن الزبير.

أيوب: عن أبي قلابة قال كعب بن مالك: لن يملك أحد هذه الأمة ما ملك معاوية.

مجالد: عن الشعبي عن قبيصة بن جابر قال: صحبت معاوية فما رأيت رجلاً أثقل حلماً ولا أبطأ جهلاً ولا أبعد أناة منه.

ويروى عن معاوية قال: إني لأرفع نفسي أن يكون ذنب أوزن من حلمي.

مجالد: عن الشعبي قال: أغلظ رجل لمعاوية فقال أنهاك عن السلطان فإن غضبه غضب الصبي وأخذه أخذ الأسد.

الأصمعي: حدثنا ابن عون قال: كان الرجل يقول لمعاوية: والله لتستقيمن بنا يا معاوية أو لنقومنك فيقول بماذا؟ فيقولون بالخشب فيقول: إذاً أستقيم.

عن ابن عباس قال: علمت بما كان معاوية يغلب الناس كان إذا طاروا وقع وإذا وقعوا طار.

مجالد: عن الشعبي عن زياد بن أبيه قال ما غلبني معاوية في شيء إلا باباً واحداً استعملت فلاناً فكسر الخراج فخشي أن أعاقبه ففر مني إلى معاوية فكتبت إليه إن هذا أدب سوء لمن قبلي فكتب إلي: إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة أن نلين جميعاً فيمرح الناس في المعصية ولا نشتد جميعاً فنحمل الناس على المهالك ولكن تكون للشدة والفظاظة وأكون أنا للين والألفة.

أبو مسهر: عن سعيد بن عبد العزيز قال: قضى معاوية عن عائشة ثمانية عشر ألف دينار.

وقال عروة: بعث معاوية مرة إلى عائشة بمئة ألف فوالله ما أمست حتى فرقتها.

حسين بن واقد: عن ابن بريدة دخل الحسن بن علي على معاوية فقال: لأجيزنك بجائزة لم يجزها أحد كان قبلي فأعطاه أربع مئة ألف.

جرير: عن مغيرة قال بعث الحسن وابن جعفر إلى معاوية يسألانه فأعطى كلّاً منهما مئة ألف فبلغ ذلك علياً فقال لهما: ألا تستحيان؟ رجل نطعن في عيبه غدوة وعشية تسألانه المال!؟ قالا: لأنك حرمتنا وجاد هو لنا.

ص: 276

أبو هلال عن قتادة قال معاوية: واعجباً للحسن! شرب شربة من عسل بماء رومة فقضى نحبه ثم قال لابن عباس: لا يسوؤك الله ولا يحزنك في الحسن قال أما ما أبقى الله لي أمير المؤمنين فلن يسوءني الله ولن يحزنني قال فأعطاه ألف ألف من بين عروض وعين قال: اقسمه في أهلك.

روى العتبي قال: قيل لمعاوية أسرع إليك الشيب قال: كيف لا ولا أعدم رجلاً من العرب قائماً على رأسي يلقح لي كلاماً يلزمني جوابه فإن أصبت لم أحمد وإن أخطأت سارت به البرد.

قال مالك: إن معاوية قال لقد نتفت الشيب مدة قال وكان يخرج إلى مصلاه ورداؤه يحمل من الكبر ودخل عليه إنسان وهو يبكي فقال: ما يبكيك؟ قال هذا الذي كنتم تمنون لي.

محمد بن الحسن بن أبي يزيد: عن مجالد عن الشعبي قال: لما أصاب معاوية اللقوة بكى فقال له مروان: ما يبكيك؟ قال: راجعت ما كنت عنه عزوفاً كبرت سني ورق عظمي وكثر دمعي ورميت في أحسني وما يبدو مني ولولا هواي في يزيد لأبصرت قصدي.

هشام بن عمار: حدثنا عبد المؤمن بن مهلهل حدثني رجل قال حج معاوية فاطلع في بئر عادية بالأبواء فضربته اللقوة فدخل داره بمكة وأرخى حجابه واعتم بعمامة سوداء على شقه الذي لم يصب ثم أذن للناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس! إن ابن آدم بعرض بلاء إما مبتلى ليؤجر أو معاقب بذنب وإما مستعتب ليعتب وما أعتذر من واحدة من ثلاث فإن ابتليت فقد ابتلي الصالحون قبلي وإن عوقبت فقد عوقب الخاطئون قبلي وما آمن أن أكون منهم وإن مرض عضو مني فما أحصي صحيحي ولو كان الأمر إلى نفسي ما كان لي على ربي أكثر مما أعطاني فأنا ابن بضع وستين فرحم الله من دعا لي بالعافية فوالله لئن عتب علي بعض خاصتكم لقد كنت حدباً على عامتكم فعج الناس يدعون له وبكى.

مغيرة: عن الشعبي قال أول من خطب جالساً معاوية حين سمن.

أبو المليح: عن ميمون بن مهران قال: أول من جلس على المنبر واستأذن الناس معاوية فأذنوا له.

ص: 277

وعن عبادة بن نسي: خطبنا معاوية بالصنبرة فقال لقد شهد معي صفين ثلاث مئة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي منهم غيري. إسناده لين يوسف بن عبدة سمعت ابن سيرين يقول: أخذت معاوية قرة فاتخذ لحفاً خفافاً تلقى عليه فلم يلبث أن يتأذى بها فإذا رفعت سأل أن ترد عليه فقال: قبحك الله من دار مكثت فيك عشرين سنة أميراً وعشرين سنة خليفة وصرت إلى ما أرى.

قال الزبير بن بكار: كان معاوية أول من اتخذ الديوان للختم وأمر بالنيروز والمهرجان واتخذ المقاصير في الجامع وأول من قتل مسلماً صبراً وأول من قام على رأسه حرس وأول من قيدت بين يديه الجنائب وأول من اتخذ الخدام الخصيان في الإسلام وأول من بلغ درجات المنبر خمس عشرة مرقاة وكان يقول أنا أول الملوك.

قلت: نعم. فقد روى سفينة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً "

(572)

. فانقضت خلافة النبوة ثلاثين عاماً وولي معاوية فبالغ في التجمل والهيئة وقل أن بلغ سلطان إلى رتبته وليته لم يعهد بالأمر إلى ابنه يزيد وترك الأمة من اختياره لهم.

علي بن عاصم: عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاووس عن ابن عباس قال: لما احتضر معاوية قال إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا وإني دعوت بمشقص فأخذت من شعره وهو في موضع كذا وكذا فإذا أنا مت فخذوا ذلك الشعر فاحشوا به فمي ومنخري.

وروي بإسناد عن ميمون بن مهران نحوه.

محمد بن مصفى: حدثنا بقية عن بحير عن خالد بن معدان قال: وفد المقدام بن معدي كرب وعمرو بن الأسود ورجل من الأسد له صحبة إلى معاوية فقال معاوية للمقدام توفي الحسن فاسترجع فقال أتراها مصيبة؟ قال: ولم لا؟ وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره وقال: هذا مني وحسين من علي. فقال للأسدي: ما تقول أنت؟

(572)

حسن: أخرجه الطيالسي (1107)، وأحمد (5/ 221)، وأبو داود (4646) و (4447) والترمذي (2226)، والنسائي في "فضائل الصحابة"(52)، والطبراني في "الكبير"(6442) و (6443) و (6444)، والبيهقي في "الدلائل"(6/ 341) من طريق سعيد بن جُمْهان، عن سفينة، به.

قلت: إسناده حسن، سعيد بن جُمهان، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب".

ص: 278

قال جمرة أطفئت. فقال المقدام: أنشدك الله! هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن لبس الذهب والحرير وعن جلود السباع والركوب عليها؟ قال نعم قال فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك فقال معاوية: عرفت أني لا أنجو منك. إسناده قوي ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم وما هو ببريء من الهنات والله يعفو عنه.

المدائني: عن أبي عبيد الله عن عبادة بن نسي قال خطب معاوية فقال إني من زرع قد استحصد وقد طالت إمرتي عليكم حتى مللتكم ومللتموني ولا يأتيكم بعدي خير مني كما أن من كان قبلي خير مني اللهم قد أحببت لقاءك فأحب لقائي.

الواقدي: حدثنا ابن أبي سبرة عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال قال معاوية ليزيد وهو يوصيه: اتق الله فقد وطأت لك الأمر ووليت من ذلك ما وليت فإن يك خيراً فأنا أسعد به وإن كان غير ذلك شقيت به فارفق بالناس وإياك وجبه أهل الشرف والتكبر عليهم.

وقيل: إن معاوية قال ليزيد إن أخوف ما أخافه شيء عملته في أمرك شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً قلم أظفاره وأخذ من شعره فجمعت ذلك فإذا مت فاحش به فمي وأنفي.

عبد الأعلى بن ميمون بن مهران: عن أبيه أن معاوية أوصى فقال: كنت أوضئ رسول الله صلى الله علي وسلم فنزع قميصه وكسانيه فرفعته وخبأت قلامة أظفاره فإذا مت فألبسوني القميص على جلدي واجعلوا القلامة مسحوقة في عيني فعسى الله أن يرحمني ببركتها.

حميد بن هلال عن أبي بردة قال دخلت على معاوية حين أصابته قرحته فقال هلم يا ابن أخي فانظر فنظرت فإذا هي قد سرت.

قال أبو عمرو بن العلاء: لما احتضر معاوية قيل له: ألا توصي؟ فقال اللهم أقل العثرة واعف عن الزلة وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك فما وراءك مذهب وقال:

هو الموت لا منجى من الموت والذي

نحاذر بعد الموت أدهى وأفظع

قال أبو مسهر: صلى الضحاك بن قيس الفهري على معاوية ودفن بين باب الجبية وباب الصغير فيما بلغني.

ص: 279

قال أبو عبيدة: عن أبي يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير قال: لما ثقل معاوية قال احشوا عيني بالإثمد وأوسعوا رأسي دهناً ففعلوا وبرقوا وجهه بالدهن ثم مهد له وأجلس وسند ثم قال ليدن الناس فليسلموا قياماً فيدخل الرجل ويقول يقولون هو لما به وهو أصح الناس فلما خرجوا قال معاوية:

وتجلدي للشامتين أريهم

أني لريب الدهر لا أتضعضع

وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع

إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: أخرج معاوية يديه كأنهما عسيبا نخل فقال هل الدنيا إلا ما ذقنا وجربنا والله لوددت أني لم أغبر فيكم إلا ثلاثاً ثم ألحق بالله قالوا إلى مغفرة الله ورضوانه قال إلى ما شاء الله قد علم الله أني لم آل ولو أراد الله أن يغير غير.

وعن عمرو بن ميمون قال: مات معاوية وابنه يزيد بحوارين.

أبو مسهر: حدثنا خالد بن يزيد حدثني سعيد بن حريث قال: مات معاوية ففزع الناس إلى المسجد فأتيت فلما ارتفع النهار وهم يبكون في الخضراء وابنه يزيد في البرية وهو ولي عهده وكان مع أخواله بني كلب فقدم في زيهم فتلقيناه وهو على بختي له زجل قال وليس عليه عمامة ولا سيف وكان عظيم الجسم سميناً فسار إلى باب الصغير فنزل ومشى بين يديه الضحاك الفهري إلى قبر معاوية فصفنا خلفه وكبر أربعاً ثم ركب بغلته إلى الخضراء ثم نودي وقت الظهر: الصلاة جامعة فاغتسل وخرج فجلس على المنبر وعجل العطاء وأعفاهم من غزو البحر فافترقوا وما يفضلون عليه أحداً.

قال الليث وأبو معشر وعدة: مات معاوية في رجب سنة ستين. فقيل: في نصف رجب وقيل: لثمان بقين منه. وعاش سبعاً وسبعين سنة.

مسنده في "مسند بقي" مئة وثلاثة وستون حديثاً وقد عمل الأهوازي مسنده في مجلد واتفق له البخاري ومسلم على أربعة أحاديث وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة.

ص: 280

‌248 - عدي بن حاتم

(573)

ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي الأمير الشريف أبو وهب وأبو طريف الطائي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ولد حاتم طي الذي يضرب بجوده المثل وفد عدي على النبي صلى الله عليه وسلم في وسط سنة سبع فأكرمه واحترمه. له أحاديث روى عنه: الشعبي ومحل بن خليفة وسعيد بن جبير وخيثمة بن عبد الرحمن وتميم بن طرفة وعبد الله بن معقل المزني ومصعب بن سعد وهمام بن الحارث وأبو إسحاق السبيعي وآخرون.

وكان أحد من قطع برية السماوة مع خالد بن الوليد إلى الشام وقد وجهه خالد بالأخماس إلى الصديق نزل الكوفة مدة ثم قرقيسيا من الجزيرة.

أيوب السختياني: عن ابن سيرين عن أبي عبيدة بن حذيفة قال: كنت أسأل الناس عن حديث عدي بن حاتم وهو إلى جنبي لا آتيه ثم أتيته فسألته فقال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم فكرهته ثم كنت بأرض الروم فقلت لو أتيت هذا الرجل فإن كان صادقاً تبعته فلما قدمت المدينة استشرفني الناس فقال لي: يا عدي! أسلم تسلم قلت إن لي ديناً قال أنا أعلم بدينك منك ألست ترأس قومك؟ قلت بلى قال ألست ركوسياً تأكل المرباع قلت بلى قال فإن ذلك لا يحل لك في دينك فتضعضعت لذلك. ثم قال يا عدي أسلم تسلم فأظن مما يمنعك أن تسلم خصاصة تراها بمن حولي وأنك ترى الناس علينا إلباً واحداً هل أتيت الحيرة؟ قلت لم آتها وقد علمت مكانها قال توشك الظعينة أن ترتحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت ولتفتحن علينا كنوز كسرى قلت: كسرى بن هرمز! قال كسرى بن هرمز وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة.

قال عدي: فلقد رأيت اثنتين وأحلف بالله لتجيئن الثالثة يعني فيض المال.

(573)

ترجمته في طبقات ابن سعد (6/ 22)، التاريخ الكبير (7/ ترجمة 189)، والجرح والتعديل (7/ ترجمة رقم 1)، تاريخ بغداد (1/ 189) أسد الغابة (3/ 392)، الكاشف (2/ترجمة 3814)، تجريد أسماء الصحابة (1/ ترجمة 4029) الإصابة (2/ ترجمة رقم (5475)، تهذيب التهذيب (7/ ترجمة رقم 330)، خلاصة الخزرجي (2/ترجمة 4810).

ص: 281

روى قيس بن أبي حازم أن عدي بن حاتم جاء إلى عمر فقال: أما تعرفني؟ قال: أعرفك أقمت إذ كفروا ووفيت إذ غدروا وأقبلت إذ أدبروا.

قال ابن عيينة: حدثت عن الشعبي عن عدي قال: ما دخل وقت صلاة حتى أشتاق إليها.

وعنه: ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء.

قال أبو عبيدة: كان عدي بن حاتم على طيء يوم صفين مع علي.

وروى سعيد بن عبد الرحمن عن ابن سيرين قال لما قتل عثمان قال عدي لا ينتطح فيها عنزان ففقئت عينه يوم صفين فقيل له: أما قلت لا ينتطح فيها عنزان قال بلى وتفقأ عيون كثيرة وقيل قتل ولده يومئذ.

قال أبو إسحاق: رأيت عدياً رجلاً جسيماً أعور يسجد على جدار ارتفاعه نحو ذراع.

قال أبو حاتم السجستاني: قالوا: عاش عدي بن حاتم مئة وثمانين سنة.

جرير: عن مغيرة قال خرج عدي وجرير البجلي وحنظلة الكاتب من الكوفة فنزلوا قرقيسياء وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان.

قال ابن الكلبي: مات عدي سنة سبع وستين وله مئة وعشرون سنة.

وقال ابن سعد: سنة ثمان وستين وقيل سنة ست وستين.

‌249 - زيد بن أرقم

(574)

ابن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج أبو عمرو ويقال أبو عامر ويقال أبو سعيد ويقال أبو سعد ويقال أبو أنيسة الأنصاري الخزرجي نزيل الكوفة من مشاهير الصحابة. شهد غزوة مؤتة وغيرها وله عدة أحاديث.

(574)

ترجمته في طبقات ابن سعد (6/ 18)، التاريخ الكبير (3/ ترجمة 1283)، الجرح والتعديل (3/ ترجمة 2508)، مشاهير علماء الأمصار (ترجمة 296)، أسد الغابة (2/ 219) تهذيب الأسماء واللغات (1/ 199)، والكاشف (1/ترجمة 1738)، الإصابة (1/ترجمة 2873) خلاصة الخزرجي (1/ترجمة 2241).

ص: 282

حدث عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو عمرو الشيباني وطاووس والنضر بن أنس ويزيد بن حيان التيمي وأبو إسحاق الشيباني وعطاء بن أبي رباح وعدة.

قال ابن إسحاق: أنبأنا عبد الله بن أبي بكر عن بعض قومه عن زيد ابن أرقم قال كنت يتيماً في حجر ابن رواحة فخرج بي معه إلى مؤتة مردفي على حقيبة رحله.

وعن عروة قال: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفراً يوم أحد استصغرهم منهم: أسامة وابن عمر والبراء وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت وجعلهم حرساً للذرية.

يونس بن أبي إسحاق: عن أبيه قال زيد بن أرقم: رمدت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أرأيت يا زيد إن كانت عيناك لما بهما كيف تصنع؟ " قلت: أصبر وأحتسب قال: "إن فعلت دخلت الجنة". وفي لفظ "إذاً تلقى الله ولا ذنب لك".

وفي "مسند أبي يعلى" من طريق أنيسة أن أباها زيد بن أرقم عمي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ثم رد الله عليه بصره.

قال أبو المنهال: سألت البراء عن الصرف فقال: سل زيد بن أرقم فإنه خير مني وأعلم.

أبو إسحاق: عن زيد بن أرقم: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فسمعت عبد الله بن أبي ابن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من عنده ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فحدثت به عمي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فدعاني رسول الله فأخبرته فبعث إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فجاؤوا فحلفوا بالله ما قالوا فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني فدخلني من ذلك هم وقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله ومقتك فأنزل الله " إذا جاءكم المنافقون " فدعاهم رسول الله فقرأها عليهم ثم قال: "إن الله قد صدقك يا زيد ".

وروى شعبة عن الحكم عن محمد بن كعب القرظي عن زيد بن أرقم نحواً منه.

قال المدائني وخليفة: توفي زيد بن أرقم سنة ست وستين.

وقال الواقدي وإبراهيم بن المنذر الحزامي مات بالكوفة سنة ثمان وستين.

وقد طول ترجمته أبو القاسم ابن عساكر.

ص: 283

‌250 - أبو سعيد الخدري

(575)

الإمام المجاهد مفتي المدينة سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج واسم الأبجر خدرة وقيل بل خدرة هي أم الأبجر.

وأخو أبي سعيد لأمه هو قتادة بن النعمان الظفري أحد البدريين.

استشهد أبوه مالك يوم أحد وشهد أبو سعيد الخندق وبيعة الرضوان.

وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر وأطاب وعن أبي بكر وعمر وطائفة وكان أحد الفقهاء المجتهدين.

حدث عنه: ابن عمر وجابر وأنس وجماعة من أقرانه وعامر ابن سعد وعمرو بن سليم وأبو سلمة بن عبد الرحمن ونافع العمري وبسر بن سعيد وبشر بن حرب الندبي وأبو الصديق الناجي وأبو الوداك وأبو المتوكل الناجي وأبو نضرة العبدي وأبو صالح السمان وسعيد بن المسيب وعبد الله بن خباب وعبيد الرحمن بن أبي سعيد الخدري وعبد الرحمن بن أبي نعم وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعطاء بن يزيد الليثي وعطاء بن يسار وعطية العوفي وأبو هارون العبدي وعياض بن عبد الله وقزعة بن يحيى ومحمد بن علي الباقر وأبو الهيثم سليمان بن عمرو العتواري وسعيد بن جبير والحسن البصري وأبو سلمة بن عبد الرحمن وخلق كثير.

وعن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال: عرضت يوم أحد على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث عشرة فجعل أبي يأخذ بيدي ويقول: يا رسول الله! إنه عبل العظام وجعل نبي الله يصعد في النظر ويصوبه ثم قال: رده فردني.

إسماعيل بن عياش: أنبأنا عقيل بن مدرك يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: عليك بتقوى الله فإنه رأس كل شيء وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن فإنه روحك في أهل السماء وذكرك في أهل الأرض وعليك بالصمت إلا في حق فإنك تغلب الشيطان.

(575)

ترجمته في طبقات خليفة (96)، التاريخ الكبير (4/ ترجمة 1910)، الجرح والتعديل (4 /ترجمة 406)، حلية الأولياء (1/ 369)، تاريخ بغداد (1/ 180)، الاستيعاب (2/ 602) و (4/ 1671)، والإكمال لابن ماكولا (3/ 296)، وأنساب السمعاني (5/ 58)، أسد الغابة (2/ 289) و (5/ 211)، تذكرة الحفاظ (1/ 44)، الكاشف (1/ترجمة 1859)، الإصابة (2/ترجمة 3196)، تهذيب التهذيب (3/ترجمة 894)، خلاصة الخزرجي (1/ترجمة 2397).

ص: 284

وروى حنظلة بن أبي سفيان عن أشياخه: أنه لم يكن أحد من أحداث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من أبي سعيد الخدري.

قال أبو عقيل الدورقي: سمعت أبا نضرة يحدث قال: دخل أبو سعيد يوم الحرة غاراً فدخل عليه فيه رجل ثم خرج فقال لرجل من أهل الشام: أدلك على رجل تقتله؟ فلما انتهى الشامي إلى باب الغار وفي عنق أبي سعيد السيف قال لأبي سعيد اخرج قال لا أخرج وإن تدخل أقتلك فدخل الشامي عليه فوضع أبو سعيد السيف وقال بؤ بإثمي وإثمك وكن من أصحاب النار قال أنت أبو سعيد الخدري قال نعم قال فاستغفر لي غفر الله لك.

عبد الله بن عمر: عن وهب بن كيسان قال: رأيت أبا سعيد الخدري يلبس الخز.

ابن عجلان: عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال رأيت أبا سعيد يحفي شاربه كأخي الحلق.

وقد روى بقي بن مخلد في "مسنده الكبير" لأبي سعيد الخدري بالمكرر ألف حديث ومئة وسبعين حديثاً.

قال الواقدي وجماعة: مات سنة أربع وسبعين.

ولابن المديني مع جلالته في وفاة أبي سعيد قولان شذ بهما ووهم فقال إسماعيل القاضي: سمعته يقول: مات سنة ثلاث وستين. وقال البخاري: قال علي: مات بعد الحرة بسنة.

أخبرنا إسحاق بن طارق أخبرنا يوسف بن خليل أخرنا اللبان أخبرنا الحداد أخبرنا أبو نعيم حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو أخبرنا أبو حصين أخبرنا يحيى بن عبد الحميد أخبرنا حماد بن زيد عن المعلى بن زياد عن العلاء بن بشير عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد قال: أتى علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أناس من ضعفة المسلمين ما أظن رسول الله يعرف أحداً منهم وإن بعضهم ليتوارى من بعض من العري فقال رسول الله بيده فأدارها شبه الحلقة قال فاستدارت له الحلقة فقال: "بما كنتم تراجعون"؟ قالوا هذا رجل يقرأ لنا القرآن ويدعو لنا قال: "فعودوا لما كنتم فيه" ثم قال: "الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم" ثم قال: "ليبشر فقراء المؤمنين بالفوز يوم القيامة قبل الأغنياء بمقدار خمس مئة عام هؤلاء في الجنة يتنعمون وهؤلاء يحاسبون".

تابعه جعفر بن سليمان عن المعلى أخرجه أبو داود وحده.

ص: 285

مسند أبي سعيد ألف ومئة وسبعون حديثاً ففي البخاري ومسلم ثلاثة وأربعون وانفرد البخاري بستة عشر حديثاً ومسلم باثنين وخمسين

‌251 - سفينة

(576)

مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبد الرحمن. كان عبداً لأم سلمة فأعتقته وشرطت عليه خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاش.

روي له في "مسند بقي" أربعة عشر حديثاً وحديثه مخرج في الكتب سوى صحيح البخاري.

حدث عنه: ابناه عمر وعبد الرحمن والحسن البصري وسعيد بن جمهان ومحمد بن المنكدر وأبو ريحانة عبد الله بن مطر وسالم بن عبد الله وصالح أبو الخليل وغيرهم.

وسفينة لقب له واسمه مهران وقيل: رومان وقيل قيس.

قيل: إنه حمل مرة متاع الرفاق فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنت إلا سفينة" فلزمه ذلك.

وروى أسامة بن زيد عن محمد بن المنكدر عن سفينة: أنه ركب البحر فانكسر بهم المركب فألقاه البحر إلى الساحل فصادف الأسد فقال: أيها الأسد! أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدله الأسد على الطريق. قال: ثم همهم فظننت أنه يعني السلام.

توفي بعد سنة سبعين.

‌252 - جندب

(577)

ابن عبد الله بن سفيان الإمام أبو عبد الله البجلي العلقي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.

(576)

ترجمته في طبقات خليفة (190)، التاريخ الكبير (4/ترجمة 2524)، الجرح والتعديل (4/ترجمة 1392)، حلية الأولياء (1/ 368)، الاستيعاب (2/ 684)، تجريد أسماء الصحابة (1/ترجمة 2380)، الكاشف (1/ترجمة 2026)، تهذيب التهذيب (4/ترجمة 212)، الإصابة (2/ترجمة 3335)، خلاصة الخزرجي (1/ ترجمة 2883).

(577)

ترجمته في طبقات ابن سعد (6/ 35)، التاريخ الكبير (2/ترجمة 2266)، الجرح والتعديل (2/ ترجمة 2102)، الاستيعاب (1/ 256)، تاريخ الخطيب (7/ 249) أسد الغابة (1/ 304)، تهذيب التهذيب (2/ترجمة 188)، الإصابة (1/ترجمة 1223)، خلاصة الخزرجي (1/ترجمة 1074).

ص: 286

نزل الكوفة والبصرة. وله عدة أحاديث.

روى عنه: الحسن وابن سيرين وأبو عمران الجوني وأنس بن سيرين وعبد الملك بن عمير والأسود بن قيس وسلمة بن كهيل وأبو السوار العدوي وآخرون.

شعبة وهشام: عن قتادة عن يونس بن جبير قال: شيعنا جندباً فقلت له أوصنا قال أوصيكم بتقوى الله وأوصيكم بالقرآن فإنه نور بالليل المظلم وهدى بالنهار فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة فإن عرض بلاء فقدم مالك دون دينك فإن تجاوز البلاء فقدم مالك ونفسك دون دينك فإن المخروب من خرب دينه والمسلوب من سلب دينه واعلم أنه لا فاقة بعد الجنة ولا غنى بعد النار.

حماد بن نجيح: عن أبي عمران الجوني عن جندب قال كنا غلماناً حزاورة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً.

عاش جندب البجلي -وقد ينسب إلى جده- وبقي إلى حدود سنة سبعين. وهو غير.

‌253 - جندب الأزدي

(578)

فذاك جندب بن عبد الله ويقال: جندب بن كعب أبو عبد الله الأزدي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. روى عن النبي وعن علي وسلمان الفارسي.

حدث عنه: أبو عثمان النهدي والحسن البصري وتميم بن الحارث وحارثه بن وهب.

قدم دمشق ويقال له: جندب الخير وهو الذي قتل المشعوذ.

روى خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي: أن ساحراً كان يلعب عند الوليد بن عقبة الأمير فكان يأخذ سيفه فيذبح نفسه ولا يضره فقام جندب إلى السيف فأخذه فضرب عنقه ثم قرأ " أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ". الأنبياء 3.

(578)

ترجمته في التاريخ الكبير (2/ ترجمة 2268)، الجرح والتعديل (2/ ترجمة 2107)، أسد الغابة (1/ 305)، الإصابة (1/ترجمة 1227)، تهذيب التهذيب (2/ ترجمة 190)، خلاصة الخزرجي (1/ ترجمة 1076).

ص: 287

إسماعيل بن مسلم: عن الحسن عن جندب الخير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حد الساحر ضربه بالسيف "

(579)

.

ابن لهيعة عن أبي الأسود أن الوليد كان بالعراق فلعب بين يديه ساحر فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيقوم خارجاً فيرتد إليه رأسه فقال الناس سبحان الله سبحان الله ورآه رجل من صالحي المهاجرين فلما كان من الغد اشتمل على سيفه فذهب ليلعب فاخترط الرجل سيفه فضرب عنقه وقال إن كان صادقاً فليحي نفسه فسجنه الوليد فهربه السجان لصلاحه.

وعن أبي مخنف لوط عن خاله عن رجل قال: جاء ساحر من بابل فأخذ يري الناس الأعاجيب يريهم حبلاً في المسجد وعليه فيل يمشي ويري حماراً يشتد حتى يجيء فيدخل من فمه ويخرج من دبره ويضرب عنق رجل فيقع رأسه ثم يقول له قم فيعود حياً فرأى جندب بن كعب ذلك فأخذ سيفاً وأتى والناس مجتمعون على الساحر فدنا منه فضربه فأذرى رأسه وقال أحي نفسك فأراد الوليد بن عقبة قتله فلم يستطع وحبسه

(580)

.

وجندب بن عبد الله بن زهير وقيل: جندب بن زهير بن الحارث الغامدي الأزدي الكوفي قيل له صحبة وما روى شيئاً شهد صفين مع علي أميراً كان على الرجالة فقتل يومئذ.

وقال أبو عبيد: جندب الخير هو جندب بن عبد الله بن ضبة وجندب بن كعب هو قاتل الساحر وجندب بن عفيف وجندب بن زهير قتل بصفين وكان على الرجالة فالأربعة من الأزد.

وجندب بن جندب بن عمرو بن حممة الدوسي الأزدي قتل يوم صفين مع معاوية نقله ابن عساكر وأن جده من المهاجرين.

(579)

ضعيف: فيه إسماعيل بن مسلم المكي، ضعيف. وهو عند الترمذي (1460)، والحاكم (4/ 360)، والدارقطني (3/ 114) من طريقه.

(580)

ضعيف جدًا: فيه أبو مخنف لوط بن يحيى، متروك.

ص: 288

‌254 - النابغة الجعدي

(581)

أبو ليلى شاعر زمانه له صحبة ووفادة ورواية وهو من بني عامر بن صعصعة.

يقال: عاش مئة وعشرين سنة. وكان يتنقل في البلاد ويمتدح الأمراء وامتد عمره قيل عاش إلى حدود سنة سبعين.

قال محمد بن سلام: اسمه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة.

وقيل: إنه قال في ابن الزبير:

حكيت لنا الصديق لما وليتنا

عثمان والفاروق فارتاح معدم

وسويت بين الناس في الحق فاستووا

فعاد صباحاً حالك الليل مظلم

في أبيات فأمر له بسبع قلائص وتمر وبر. وقد حدث عنه يعلى بن الأشدق ولم يصح ذلك.

ويقال: عاش مئة وثمانين سنة وقيل أكثر من ذلك. وشعره سائر كثير. وقيل: اسمه حيان بن قيس وكان فيه دين وخير.

‌255 - عمرو بن أمية

(582)

ابن خويلد بن عبد الله بن إياس أبو أمية الضمري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هارون الحمال: شهد مع المشركين بدراً وأحداً.

قلت: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وحده وبعثه رسولاً إلى النجاشي وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم وروى أحاديث.

(581)

ترجمته في طبقات خليفة ترجمة (410)، أسد الغابة (4/ 223) و (5/ 2)، الإصابة (3/ترجمة 8639).

(582)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 248)، طبقات خليفة ترجمة (182)، التاريخ الكبير (6/ترجمة 2485)، الجرح والتعديل (6/ترجمة 1216)، الاستيعاب (3/ 1162)، أسد الغابة (4/ 86)، تجريد أسماء الصحابة (1/ترجمة 4324)، الكاشف (2/ترجمة 4193) الإصابة (2/ترجمة 5765)، تهذيب التهذيب (8/ ترجمة رقم 6)، خلاصة الخزرجي (2/ ترجمة 5256).

ص: 289

حدث عنه: ابناه جعفر وعبد الله وابن أخيه الزبرقان بن عبد الله.

الزهري: عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من كتف يحتز منها ثم صلى ولم يتوضأ

(583)

.

قال ابن سعد: أسلم حين انصرف المشركون عن أحد قال وكان شجاعاً مقداماً أول مشاهده بئر معونة.

ابن حميد: حدثنا سلمة حدثنا ابن إسحاق عن عيسى بن معمر عن عبد الله بن علقمة بن الفغواء الخزاعي عن أبيه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم بمال إلى أبي سفيان يفرقه في فقراء قريش وهم مشركون يتألفهم فقال لي التمس صاحباً فلقيت عمرو بن أمية الضمري فقال أنا أخرج معك فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لي دونه: "يا علقمة إذا بلغت بني ضمرة فكن من أخيك على حذر فإني قد سمعت قول القائل: "أخوك البكري ولا تأمنه" فخرجنا حتى إذا جئنا الأبواء وهي بلاد بني ضمرة قال عمرو بن أمية إني أريد أن آتي بعض قومي ها هنا لحاجة لي قلت لا عليك فلما ولى ضربت بعيري وذكرت ما أوصاني به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو والله قد طلع بنفر منهم معه معهم القسي والنبل فلما رأيتهم ضربت بعيري فلما رآني قد فت القوم أدركني فقال جئت قومي وكانت لي إليهم حاجة فقلت أجل فلما قدمت مكة دفعت المال إلى أبي سفيان فجعل أبو سفيان يقول: من رأى أبر من هذا وأوصل إنا نجاهده ونطلب دمه وهو يبعث إلينا بالصلات

(584)

.

حاتم بن إسماعيل: عن يعقوب عن جعفر بن عمرو بن أمية قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية إلى النجاشي فوجد لهم باباً صغيراً يدخلون منه مكفرين فدخل منه القهقرى فشق عليهم وهموا به فقال له النجاشي ما منعك؟ قال إنا لا نصنع هذا بنبينا قال صدق دعوه فقيل للنجاشي إنه يزعم أن عيسى عبد قال ما تقولون في عيسى؟ قال كلمة الله وروحه قال: ما استطاع عيسى أن يعدو ذلك. توفي عمرو بن أمية زمن معاوية.

(583)

صحيح: أخرجه البخاري (207)، ومسلم (355)، والترمذي (1836).

(584)

ضعيف: أخرجه أبو داود (4861)، وآفته محمد بن إسحاق، مدلس، مشهور بالتدليس، وقد عنعنه.

ص: 290

‌256 - رافع بن خديج

(585)

ابن رافع بن عدي بن تزيد الأنصاري الخزرجي المدني صاحب النبي صلى الله عليه وسلم استصغر يوم بدر وشهد أحداً والمشاهد وأصابه سهم يوم أحد فانتزعه فبقي النصل في لحمه إلى أن مات وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أشهد لك يوم القيامة ".

روى جماعة أحاديث وكان صحراوياً عالماً بالمزارعة والمساقاة.

حدث عنه: بشير بن يسار وحنظلة بن قيس والسائب بن يزيد وعطاء بن أبي رباح ومجاهد ونافع العمري وابنه رفاعة بن رافع وحفيده عباية بن رفاعة وآخرون.

وقيل: إنه ممن شهد وقعة صفين مع علي.

قال خالد بن يزيد الهدادي -وهو ثقة-: أخبرنا بشر بن حرب قال: كنت في جنازة رافع بن خديج ونسوة يبكين ويولولن على رافع فقال ابن عمر: إن رافعاً شيخ كبير لا طاقة له بعذاب الله وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الميت يعذب ببكاء أهله عليه ".

شعبة: عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك قال: رأيت ابن عمر أخذ بعمودي جنازة رافع بن خديج فجعله على منكبه يمشي بين يدي السرير حتى انتهى إلى القبر وقال: إن الميت يعذب ببكاء الحي.

قلت: كان رافع بن خديج ممن يفتي بالمدينة في زمن معاوية وبعده.

توفي في سنة أربع أو ثلاث وسبعين وله ست وثمانون سنة رضي الله عنه وله عدة بنين.

حماد بن زيد: عن بشر بن حرب قال لما مات رافع بن خديج قيل لابن عمر أخروه ليلته ليؤذنوا أهل القرى قال: نعم ما رأيتم.

هشام بن سعد: عن عثمان بن عبيد الله بن رافع قال توفي رافع فأتي بجنازته وعلى المدينة رجل أعرابي زمن الفتنة فأتي به قبل أن تطلع الشمس فقال ابن عمر: لا تصلوا عليه حتى تطلع الشمس.

(585)

ترجمته في طبقات خليفة ترجمة (519)، التاريخ الكبير (3/ترجمة 1024)، الجرح والتعديل (3/ ترجمة 2150)، أسد الغابة (1/ 151)، الإصابة (1/ ترجمة 2526)، تهذيب التهذيب (3/ ترجمة 440)، خلاصة الخزرجي (1/ ترجمة 1994).

ص: 291

وروى الواقدي عن بعض ولد رافع بن خديج عن بشير بن يسار قال: مات رافع بن خديج في أول سنة أربع وسبعين وهو ابن ست وثمانين.

‌257 - سمرة بن جندب

(586)

ابن هلال الفزاري من علماء الصحابة نزل البصرة له أحاديث صالحة.

حدث عنه: ابنه سليمان وأبو قلابة الجرمي وعبد الله بن بريدة وأبو رجاء العطاردي وأبو نضرة العبدي والحسن البصري وابن سيرين وجماعة.

وبين العلماء -فيما روى الحسن بن سمرة اختلاف في الاحتجاج بذلك وقد ثبت سماع الحسن من سمرة ولقيه بلا ريب صرح بذلك في حديثين.

معاذ بن معاذ: حدثنا شعبة عن أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعشرة -في بيت- من أصحابه: "آخركم موتاً في النار" فيهم سمرة بن جندب. قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتاً.

هذا حديث غريب جداً ولم يصح لأبي نضرة سماع من أبي هريرة وله شويهد.

روى إسماعيل بن حكيم عن يونس عن الحسن عن أنس بن حكيم قال كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فلا يبدأ بشيء حتى يسألني عن سمرة فإذا أخبرته بحياته فرح فقال إنا كنا عشرة في بيت فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوهنا ثم قال: "آخركم موتاً في النار" فقد مات منا ثمانية فليس شيء أحب إلي من الموت

(587)

.

وروى نحوه حماد بن سلمة عن علي بن جدعان عن أوس بن خالد قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة فقلت لأبي محذورة في ذلك فقال: إني كنت أنا وهو وأبو هريرة في بيت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "آخركم موتاً في النار" فمات أبو هريرة ثم مات أبو محذورة

(588)

.

(586)

ترجمته في طبقات ابن سعد (6/ 34) و (7/ 49)، طبقات خليفة ترجمة (423) و (1404)، التاريخ الكبير (4/ ترجمة 2400)، الجرح والتعديل (4/ ترجمة 677)، الاستيعاب (2/ 653)، أسد الغابة (2/ 354)، تجريد أسماء الصحابة (1/ ترجمة 2501)، الكاشف (1/ ترجمة 2167)، تهذيب التهذيب (4/ ترجمة رقم 401)، خلاصة الخزرجي (1/ ترجمة رقم 2772).

(587)

ضعيف: آفته الحسن وهو ابن أبي الحسن البصرى، وهو مدلس، وقد عنعنه.

(588)

ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير"(6748)، وآفته على بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، وفيه أوس بن خالد، قال البخاري في "الضعفاء": عامة ما يرويه في سمرة مرسل.

ص: 292

معمر: عن ابن طاووس وغيره قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وسمرة بن جندب وآخر: "آخركم موتاً في النار" فمات الرجل قبلهما فكان إذا أراد الرجل أن يغيظ أبا هريرة يقول مات سمرة فيغشى عليه ويصعق. فمات قبل سمرة

(589)

.

وقتل سمرة بشراً كثيراً.

سليمان بن حرب: حدثنا عامر بن أبي عامر قال كنا في مجلس يونس بن عبيد فقالوا: ما في الأرض بقعة نشفت من الدم ما نشفت هذه يعنون دار الإمارة قتل بها سبعون ألفاً فسألت يونس فقال: نعم من بين قتيل وقطيع قيل: من فعل ذلك؟ قال: زياد وابنه وسمرة.

قال أبو بكر البيهقي: نرجو له بصحبته.

وعن ابن سيرين قال: كان سمرة عظيم الأمانة صدوقاً.

وقال هلال بن العلاء: حدثنا عبد الله بن معاوية عن رجل أن سمرة استجمر فغفل عن نفسه حتى احترق فهذا إن صح فهو مراد النبي صلى الله عليه وسلم يعني نار الدنيا.

مات سمرة سنة ثمان وخمسين وقيل: سنة تسع وخمسين.

ونقل ابن الأثير: أنه سقط في قدر مملوءة ماء حاراً كان يتعالج به من الباردة فمات فيها.

وكان زياد بن أبيه يستخلفه على البصرة إذا سار إلى الكوفة ويستخلفه على الكوفة إذا سار إلى البصرة.

وكان شديداً على الخوارج قتل منهم جماعة. وكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه رضي الله عنه.

‌258 - جابر بن سمرة

(590)

ابن جنادة بن جندب أبو خالد السوائي ويقال: أبو عبد الله.

(589)

ضعيف: لإرساله.

(590)

ترجمته في طبقات ابن سعد (6/ 24)، التاريخ الكبير (2/ترجمة 2204)، الجرح والتعديل (2/ ترجمة 2025)، تاريخ بغداد (1/ 186)، أسد الغابة (1/ 254)، الإصابة (1/ ترجمة 1018) تهذيب التهذيب (2/ترجمة 63).

ص: 293

له صحبة مشهورة ورواية أحاديث. وله أيضاً عن عمر وسعد وأبي أيوب ووالده شهد الخطبة بالجابية وسكن الكوفة حدث عنه الشعبي وتميم بن طرفة وسماك بن حرب وعبد الملك بن عمير وأبو خالد الوالبي وزياد بن علاقة وحصين بن عبد الرحمن وأبو إسحاق السبيعي وأبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي وابن خاله عامر بن سعد ابن أبي وقاص.

وهو وأبوه من حلفاء زهرة. وله بالكوفة دار وعقب. وشهد فتح المدائن وخلف من الأولاد خالداً وطلحة وسالماً.

شعبة: عن سماك عن جابر بن سمرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بنا فيمسح خدودنا فمر ذات يوم فمسح خدي فكان الخد الذي مسحه أحسن.

قال ابن سعد: مات جابر بن سمرة في ولاية بشر بن مروان على العراق.

وقال خليفة: توفي سنة ست وسبعين.

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: مات سنة ست وستين والأول أصح.

وبكل حال مات قبل جابر بن عبد الله يقع لي من عواليهما.

‌259 - حبيب بن مسلمة

(591)

ابن مالك الأمير أبو عبد الرحمن وقيل أبو مسلمة القرشي الفهري. له صحبة ورواية يسيرة.

حدث عنه: جنادة بن أبي أمية وزياد بن جارية وقزعة بن يحيى وابن أبي مليكة ومالك بن شرحبيل.

وجاهد في خلافة أبي بكر وشهد اليرموك أميراً وسكن دمشق وكان مقدم ميسرة معاوية نوبة صفين.

(591)

ترجمته في طبقات ابن سعد (7/ 409)، التاريخ الكبير (2/ ترجمة 2583)، الجرح والتعديل (3/ ترجمة 497)، أسد الغابة (1/ 374)، تهذيب التهذيب (2/ترجمة 349)، الإصابة (1/ترجمة رقم 1600)، خلاصة الخزرجي (1/ ترجمة 1218).

ص: 294

وهو القائل: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الثلث

(592)

.

وكان في غزوة تبوك ابن إحدى عشرة سنة. وقيل: كان يقال له: حبيب الروم لكثرة دخوله بغزوهم وولي أرمينية لمعاوية فمات بها سنة اثنتين وأربعين وله نكاية قوية في العدو.

له أخبار في "تاريخ دمشق".

‌260 - جابر بن عبد الله

(593)

ابن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الإمام الكبير المجتهد الحافظ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبد الله وأبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي السلمي المدني الفقيه.

من أهل بيعة الرضوان وكان آخر من شهد ليلة العقبة الثانية موتاً. روى علماً كثيراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر وعلي وأبي بكر وأبي عبيدة ومعاذ بن جبل والزبير وطائفة.

حدث عنه: ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح وسالم بن أبي الجعد والحسن البصري والحسن بن محمد بن الحنفية وأبو جعفر الباقر ومحمد بن المنكدر وسعيد بن ميناء وأبو الزبير وأبو سفيان طلحة بن نافع ومجاهد والشعبي وسنان بن أبي سنان الديلي وأبو المتوكل الناجي ومحمد بن عباد بن جعفر ومعاذ بن رفاعة ورجاء بن حيوة ومحارب بن

(592)

صحيح: أخرجه أحمد (4/ 160)، وابن ماجه (2853)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 239) والطبراني (3528) و (3529) و (3530)، والبيهقي (6/ 313) من طرق عن سليمان بن موسى حدثنا مكحول، عن زياد بن جارية، عن حبيب بن مسلمة أنه قال: نفل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث".

وأخرجه عبد الرزاق (9331) و (9333)، وأحمد (4/ 159 - و 159 - 160 و 160)، وأبو داود (2748) و (2749) و (2750)، وابن ماجه (2851)، وابن الجارود (1078) و (1079)، والطحاوي (3/ 240) والطبراني (3518 - 3527) و (3531)، والبيهقي (6/ 313 - 314)، والحاكم (2/ 133) من طرق عن مكحول، به.

(593)

ترجمته في طبقات ابن سعد (3/ 574)، التاريخ الكبير (2/ترجمة 2208)، الجرح والتعديل (2/ ترجمة رقم 2019)، أسد الغابة (1/ 256)، تذكرة الحفاظ (1/ 40)، الإصابة (1/ترجمة 1026)، تهذيب التهذيب (2/ ترجمة 67).

ص: 295

دثار وسليمان بن عتيق وشرحبيل بن سعد وطاووس وعاصم بن عمر بن قتادة وعبيد الله بن مقسم وعبد الله بن محمد بن عقيل وعمرو بن دينار ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبو بكر المدني وطلحة بن خراش وعثمان بن سراقة وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار وعبد الله بن أبي قتادة وخلق.

وكان مفتي المدينة في زمانه. عاش بعد ابن عمر أعواماً وتفرد شهد ليلة العقبة مع والده وكان والده من النقباء البدريين استشهد يوم أحد وأحياه الله تعالى وكلمه كفاحاً

(594)

وقد انكشف عنه قبره إذ أجرى معاوية عيناً عند قبور شهداء أحد فبادر جابر إلى أبيه بعد دهر فوجده طرياً لم يبل وكان جابر قد أطاع أباه يوم أحد وقعد لأجل أخواته ثم شهد الخندق وبيعة الشجرة وشاخ وذهب بصره وقارب التسعين.

روى حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر قال: استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمساً وعشرين مرة وقد ورد أنه شهد بدراً.

قال محمد بن عبيد: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: كنت أمتح لأصحابي يوم بدر.

قال ابن عيينة: لقي عطاء وعمرو جابر بن عبد الله سنة جاور بمكة.

وقيل: إنه عاش أربعاً وتسعين سنة فعلى هذا كان عمره يوم بدر ثماني عشرة سنة.

الواقدي: أخبرنا إبراهيم بن جعفر عن أبيه عن جابر قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة لم أقدر أن أغزو حتى قتل أبي بأحد كان يخلفني على أخواتي وكن تسعاً فكان أول ما غزوت معه حمراء الأسد

(595)

.

وروى ابن عجلان عن عبيد الله بن مقسم قال: رحل جابر بن عبد الله في آخر عمره إلى مكة في أحاديث سمعها ثم انصرف إلى المدينة.

ويروى أن جابراً رحل في حديث القصاص إلى مصر ليسمعه من عبد الله بن أنيس.

سليمان بن داود المنقري: أخبرنا محمد بن عمر حدثني خارجة بن الحارث قال مات جابر بن عبد الله سنة ثمان وسبعين وهو ابن أربع وتسعين سنة. وكان قد ذهب بصره ورأيت على سريره برداً وصلى عليه أبان بن عثمان وهو والي المدينة.

(594)

كفاحًا: أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول.

(595)

ضعيف جدًا: فيه محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك.

ص: 296

وروي عن جابر قال: كنت في جيش خالد في حصار دمشق.

قال ابن سعد: شهد جابر العقبة مع السبعين وكان أصغرهم. وقال جابر: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: "أنتم اليوم خير أهل الأرض" وكنا ألفاً وأربع مئة

(596)

.

وقال جابر: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لا أعقل فتوضأ وصب علي من وضوئه فعلقت

(597)

.

وقال زيد بن أسلم: كف بصر جابر.

وروى الواقدي عن أبي بن عباس عن أبيه قال كنا بمنى فجعلنا نخبر جابراً بما نرى من إظهار قطف الخز والوشي يعني السلطان وما يصنعون فقال ليت سمعي قد ذهب كما ذهب بصري حتى لا أسمع من حديثهم شيئاً ولا أبصره.

ويروى أن جابراً دخل على عبد الملك بن مروان لما حج فرحب به فكلمه في أهل المدينة أن يصل أرحامهم فلما خرج أمر له بخمسة آلاف درهم فقبلها.

وعن أبي الحويرث قال: هلك جابر بن عبد الله فحضرنا في بني سلمة فلما خرج سريره من حجرته إذا حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب بين عمودي السرير فأمر به الحجاج أن يخرج من بين العمودين فيأبى عليهم فسأله بنو جابر إلا خرج فخرج وجاء الحجاج حتى وقف بين العمودين حتى وضع فصلى عليه ثم جاء إلى القبر فإذا حسن بن حسن قد نزل في القبر فأمر به الحجاج أن يخرج فأبى فسأله بنو جابر بالله فخرج فاقتحم الحجاج الحفرة حتى فرغ منه.

هذا حديث غريب رواه محمد بن عباد المكي عن حنظلة بن عمرو الأنصاري عن أبي الحويرث

(598)

.

وقال عاصم بن عمر: أتانا جابر وعليه ملاءتان -وقد عمي- مصفراً لحيته ورأسه بالورس وفي يده قدح.

الواقدي: أخبرنا سلمة بن وردان رأيت جابراً أبيض الرأس واللحية رضي الله عنه.

وفي وقت وفاة جابر كان الحجاج على إمرة العراق فيمكن أن يكون قد وفد حاجاً أو زائراً.

(596)

صحيح: أخرجه مسلم (1856)(71).

(597)

صحيح: أخرجه البخاري (194)، ومسلم (1616)

(598)

منكر: أخرجه الطبراني (1788). وفيه أبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية. قال ابن معين وغيره: لا يحتجُّ به. وقال مالك: ليس بثقة. أورده الذهبي في "تاريخ الإسلام"(3/ 145) وقال: هذا حديث منكر، فإن جابرًا توفى والحجاج على إمرة العراق.

ص: 297

وكان آخر من شهد العقبة موتاً رضي الله عنه. قال الواقدي ويحيى بن بكير وطائفة مات سنة ثمان وسبعين. وقال أبو نعيم سنة سبع وسبعين. قيل: إنه عاش أربعاً وتسعين سنة وأضر بأخرة.

مسنده بلغ ألفاً وخمس مئة وأربعين حديثاً اتفق له الشيخان على ثمانية وخمسين حديثاً وانفرد له البخاري بستة وعشرين حديثاً ومسلم بمئة وستة وعشرين حديثاً.

التبوذكي: حدثنا محمد بن دينار عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة قال: كان جابر بن عبد الله عريفاً عرفه عمر.

يعلى بن عبيد: حدثنا أبو بكر المدني قال: كان جابر لا يبلغ إزاره كعبه وعليه عمامة بيضاء رأيته قد أرسلها من ورائه.

وقال عاصم بن عمر: أتانا جابر وعليه ملاءتان -وقد عمي- مصفراً لحيته ورأسه بالورس وفي يده قدح.

الواقدي: أخبرنا سلمة بن وردان رأيت جابراً أبيض الرأس واللحية رضي الله عنه.

‌261 - البراء بن عازب

(599)

ابن الحارث الفقيه الكبير أبو عمارة الأنصاري الحارثي المدني نزيل الكوفة من أعيان الصحابة.

روى حديثاً كثيراً وشهد غزوات كثيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم واستصغر يوم بدر وقال: كنت أنا وابن عمر لدة وروى أيضاً عن أبي بكر الصديق وخاله أبي بردة بن نيار.

حدث عنه: عبد الله بن يزيد الخطمي وأبو جحيفه السوائي الصحابيان وعدي بن ثابت وسعد بن عبيدة وأبو عمر زاذان وأبو إسحاق السبيعي وطائفة سواهم.

توفي سنة اثنتين وسبعين وقيل: توفي سنة إحدى وسبعين عن بضع وثمانين سنة.

وأبوه من قدماء الأنصار قال الواقدي: لم نسمع له بذكر في المغازي.

(599)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 364) و (6/ 17)، التاريخ الكببر (2/ترجمة 1888) الجرح والتعديل (2/ترجمة 1566)، تاريخ بغداد (1/ 177)، تهذيب التهذيب (1/ 425) أسد الغابة (1/ 171)، والإصابة (1/ ترجمة 618).

ص: 298

وروى أبو إسحاق عن البراء قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة

(600)

.

الأعمش: حدثنا أبو إسحاق رأيت على البراء خاتماً من ذهب فيه ياقوتة.

مسنده ثلاث مئة وخمسة أحاديث له في "الصحيحين" اثنان وعشرون حديثاً وانفرد البخاري بخمسة عشر حديثاً ومسلم بستة.

(600)

صحيح: أخرجه البخاري (4472).

ص: 299

‌ومن بقايا صغار الصحابة:

‌262 - عبد الله بن يزيد

(1)

: " ع"

ابن زيد بن حصين الأمير العالم الأكمل، أبو موسى الأنصاري الأوسي، الخطمي المدني، ثم الكوفي.

أحد من بايع بيعة الرضوان، وكان عمره يومئذ سبع عشرة سنة.

له أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن زيد بن ثابت، وحذيفة بن اليمان.

حدَّث عنه: سبطه عدي بن ثابت، والشعبي، ومحارب بن دثار، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون.

مسعر، عن ثابت بن عبيد قال: رأيت على عبد الله بن يزيد خاتمًا من ذهب، وطليسانًا مدبجًا.

الواقدي: حدثنا جحاف بن عبد الرحمن، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، أن الفيل لما برك على أبي عبيد الثقفي يوم الجسر فقتله، هرب الناس، فسبقهم عبد الله بن يزيد الخطمي، فقطع الجسر، وقال: قاتلوا عن أميركم، ثم ساق مسرعًا، فأخبر عمر الخبر.

وقد كان والده من الصحابة الذين توفوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد شهد عبد الله مع الإمام عليّ صفين والنهروان، وولي إمرة الكوفة لابن الزبير، فجعل الشعبي كاتب سره، في سنة خمس وستين، ثم عزل بعبد الله بن مطيع.

مات قبل السبعين، وله نحو من ثمانين سنة رضي الله عنه.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 18"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 916" أسد الغابة "3/ 274"، الإصابة "2/ ترجمة 5033"، تهذيب التهذيب "6/ ترجمة 155".

ص: 299

‌263 - الربيع بنت معوذ

(1)

: " ع"

ابن عفراء الأنصارية، من بني النجار، لها صحبة ورواية، وقد زارها النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة عرسها صلةً لرحمها، عمَّرت دهرًا، وروت أحاديث.

حدَّث عنها: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعبادة بن الوليد بن عبادة، وعمرو بن شعيب، وخالد بن ذكوان، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وآخرون.

وأبوها من كبار البدريين، قَتَل أبا جهل.

توفيت في خلافة عبد الملك، سنة بضع وسبعين رضي الله عنها، وحديثها في الكتب الستة.

الواقدي، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، وآخر، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار، عن الربيع قالت: أخذت طيبًا من أسماء بنت مخربة أمّ أبي جهل، فقالت: اكتبي لي عليك، فقلت: نعم، أكتب على ربيع بنت معوذ، فقالت: حلقى، وإنك لابنة قاتل سيده، قلت: بل ابنة قاتل عبده، قالت: والله لا أبيعك شيئًا أبدًا

(2)

.

والربيع: هي والدة محمد بن إياس بن البكير.

قال حماد بن سلمة: عن خالد بن ذكوان، قال: دخلنا على الربيع بنت معوذ، فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في يوم عرسي، فقعد على موضع فراشي هذا، وعندنا جاريتان تضربان بدف، وتندبان آبائي الذين قتلوا يوم بدر، وقالتا فيما تقولان:

وفينا نبي يعلم ما في غد

فقال: "أما هذا فلا تقولاه"

(3)

.

ابن سعد، حدثنا يحيى بن عباد، حدثنا فليح بن سليمان، حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ قالت: كان بيني وبين ابن عمي كلام -وهو زوجها، فقلت له: لك كل شيء لي، وفارقني قال: قد فعلت، قالت: فأخذ -والله- كل شيء لي حتى فراشي، فجئت عثمان رضي الله عنه، فذكرت ذلك له، وقد حصر، فقال: الشرط أملك، خذ كل شيء لها حتى عقاص رأسها إن شئت.

(1)

ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 447"، أسد الغابة "5/ 451"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2790"، الإصابة "4/ ترجمة 415".

(2)

ضعيف جدًّا: فيه الواقدي، وهو متروك كما قد ذكرنا مرارًا.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "5147".

ص: 300

‌264 - زينب بنت أبي سلمة

(1)

: " ع"

ابن عبد الأسد بن هلال المخزومية، ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخت عمر، ولدتهما أم المؤمنين بالحبشة.

روت أحاديث، ولها عن عائشة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة، وجماعة.

حدَّث عنها: عروة، وعلي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وأبو قلابة الجرمي، وكليب بن وائل، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعراك بن مالك، وابنها أبو عبيدة بن عبيد الله بن زمعة، وآخرون.

ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، حدثتني زينب بنت أبي سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أم سلمة، فجعل الحسن من شقٍّ، والحسين من شقٍّ، وفاطمة في حجره، فقال:"رحمة الله، وبركاته عليكم أهل البيت"

(2)

.

توفيت قريبًا من سنة أربع وسبعين.

(1)

ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 461"، أسد الغابة "5/ 468"، الإصابة "4/ ترجمة رقم 484"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2802".

(2)

ضعيف: آفته ابن لهيعة، وهو سيئ الحفظ، لكن قد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم "2424" عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة، وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].

ص: 301

‌265 - عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي

(1)

: " ع":

له صحبة، ورواية، وفقه، وعلم.

وهو مولى نافع بن عبد الحارث، كان نافع مولاه، استنابه على مكة حين تلقى عمر بن الخطاب إلى عسفان، فقال له: من استخلفت على أهل الوادي? يعني: مكة- قال: ابن أبزى. قال: ومن ابن أبزى? قال: إنه عالم بالفرائض، قارئ لكتاب الله، قال: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا القرآن يرفع الله به أقوامًا، ويضع به آخرين"

(2)

.

وحدَّث عبد الرحمن أيضًا، عن أبي بكر، وعمر، وأُبَيّ بن كعب، وعمار بن ياسر.

حدث عنه: ابناه؛ عبد الله وسعيد، والشعبي، وعلقمة بن مرثد، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون.

سكن الكوفة، ونقل ابن الأثير في "تاريخه" أن عليًّا رضي الله عنه، استعمل عبد الرحمن بن أبزى على خراسان.

ويروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: ابن أبزى ممن رفعه الله بالقرآن.

قلت: عاش إلى سنة نيف وسبعين -فيما يظهر لي.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 462"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة رقم 800"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 985"، أسد الغابة "3/ 278"، تهذيب التهذيب "6/ ترجمة 275"، الإصابة "2/ ترجمة 5075".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "817".

ص: 302

‌266 - أبو جحيفة السُّوائي الكوفي

(1)

: " ع"

صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، واسمه: وهب بن عبد الله، ويقال له: وهب الخير، من صغار الصحابة.

ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان وهب مراهقًا، هو من أسنان ابن عباس، وكان صاحب شرطة علي رضي الله عنه.

حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن علي، والبراء.

روى عنه علي بن الأقمر، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، وولده عون بن أبي جحيفة، وإسماعيل بن أبي خالد، وآخرون.

وقيل: إن عليّ بن أبي طالب كان إذا خطب يقوم أبو جحيفة تحت منبره.

اختلفوا قي موته، والأصح موته في سنة أربع وسبعين، ويقال: عاش إلى ما بعد الثمانين، فالله أعلم.

حديثه في الكتب الستة، وآخر من حدَّث عنه ابن أبي خالد.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 63"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 99"، تاريخ بغداد "1/ 199"، أسد الغاة "5/ 95 و 157"، الإصابة "3/ ترجمة 9166".

ص: 302

‌267 - عبد الله بن عمر

(1)

: " ع"

ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو عبد الرحمن القرشي، العدوي المكي، ثم المدني.

أسلم وهو صغير، ثم هاجر مع أبيه لم يحتلم، واستصغر يوم أحد، فأوّل غزواته الخندق، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وأمه و [أم] أم المؤمنين حفصة: زينب بنت مظعون؛ أخت عثمان بن مظعون الجمحي.

روى علمًا كثيرًا نافعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه، وأبي بكر، وعثمان، وعلي، وبلال، وصهيب، وعامر بن ربيعة، وزيد بن ثابت، وزيد عمه، وسعد، وابن مسعود، وعثمان بن طلحة، وأسلم، وحفصة أخته، وعائشة، وغيرهم.

ورى عنه: آدم بن علي، وأسلم مولى أبيه، وإسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب، وأمية بن عبد الله الأموي، وأنس بن سيرين، وبسر بن سعيد، وبشر بن حرب، وبشر بن عائذ، وبشر بن المحتفز، وبكر المزني، وبلال بن عبد الله ابنه، وتميم بن عياض، وثابت البناني، وثابت بن عبيد، وثابت بن محمد، وثوير بن أبي فاختة، وجبلة بن سحيم، وجبير بن أبي سليمان، وجبير بن نفير، وجميع بن عمير، وجنيد، وحبيب بن أبي ثابت، وحبيب بن أبي مليكة، والحر بن الصياح، وحرملة مولى أسامة، وحريز أو أبو حريز، والحسن البصري، والحسن بن سهيل، وحسين بن الحارث الجدلي، وابن أخيه حفص بن عاصم، والحكم بن ميناء، وحكيم بن أبي حرة، وحمران مولى العبلات، وابنه حمزة بن عبد الله، وحميد بن عبد الرحمن الزهري، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، وخالد بن أسلم، وأخوه زيد، وخالد بن دريك -وهذا لم يلقه، وخالد بن أبي عمران الإفريقي -ولم يلحقه، وخالد بن كيسان، وداود بن سليك، وذكوان السمان، ورزين بن سليمان الأحمري، وأبو عمر زاذان، والزبير بن عربي، والزبير بن الوليد شامي، وأبو عقيل زهرة بن معبد، وزياد بن جبير الثقفي، وزياد بن صبيح الحنفي، وأبو الخصيب زياد القرشي، وزيد بن جبير

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "2/ 373" و"4/ 142 - 188"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 4"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 429"، تاريخ بغداد "1/ 171"، أسد الغابة "3/ 227"، الكاشف "2/ ترجمة 2901"، تذكرة الحفاظ "1/ 37"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 565"، الإصابة "2/ ترجمة رقم 4834"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3678".

ص: 303

الطائي، وابنه زيد، وابنه سالم، وسالم بن أبي الجعد، والسائب والد عطاء، وسعد بن عبيدة، وسعد مولى أبي بكر، وسعد مولى طلحة، وسعيد بن جبير، وسعيد بن الحارث الأنصاري، وسعيد بن حسان، وسعيد بن عامر، وسعيد بن عمرو الأشدق، وسعيد بن مرجانة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن وهب الهمداني، وسعيد بن يسار، وسليمان بن أبي يحيى، وسليمان بن يسار، وشهر بن حوشب، وصدقة بن يسار، وصفوان بن محرز، وطاوس، والطفيل بن أبي، وطيسلة بن علي، وطيسلة بن مياس، وعامر بن سعد، وعباس بن جليد، وعبد الله بن بدر اليمامي، وعبد الله بن بريدة، وأبو الوليد عبد الله بن الحارث، وعبد الله بن دينار، وعبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وعبد الله بن شقيق، وعبد الله بن عبد الله بن جبر، وابنه عبد الله، وابن أبي مليكة، وعبد الله بن عبيد بن عمير، وعبد الله بن عصم، وعبد الله بن أبي قيس، وعبد الله بن كيسان، وعبد الله بن مالك الهمداني، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعبد الله بن مرة الهمداني عبد الله بن موهب الفلسطيني، وحفيده عبد الله بن واقد العمري، وعبد الرحمن بن التيلماني، وعبد الرحمن بن سعد مولاه، وعبد الرحمن بن سمير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن أبي نُعْم، وعبد الرحمن بن هنيدة، وعبد الرحمن بن يزيد الصنعاني، وعبد العزيز بن قيس، وعبد الملك بن نافع، وعبدة بن أبي لبابة، وابنه عبيد الله بن عبد الله، وعبيد الله بن مقسم، وعبيد بن جريج، وعبيد بن حنين، وعبيد بن عمير، وعثمان بن الحارث، وعثمان بن عبد الله بن موهب، وعراك بن مالك، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، وعطية العوفي، وعقبة بن حريث، وعكرمة بن خالد، وعكرمة العباسي، وعلي بن عبد الله البارقي، وعلي بن عبد الرحمن المعاوي، وابنه عمر بن عبد الله إن صحَّ، وعمرو بن دينار، وعمران بن الحارث، وعمران بن حطان، وعمران الأنصاري، وعمير بن هانئ، وعنبسة بن عمار، وعون بن عبد الله بن عتبة، والعلاء بن عرار، والعلاء بن اللجاج، وعلاج بن عمرو، وغطيف أو أبو غطيف الهذلي، والقاسم بن ربيعة، والقاسم بن عوف، والقاسم بن محمد، وقدامة بن إبراهيم، وقزعة بن يحيى، وقيس بن عباد، وكثير بن جمهان، وكثير بن مرة، وكليب بن وائل، ومجاهد بن جبر، ومجاهد بن رياح، ومحارب بن دثار، وحفيده محمد بن زيد، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن عباد بن جعفر، وأبو جعفر الباقر، وابن شهاب الزهري، ومحمد بن المنتشر، ومروان بن سالم المقفع، ومروان الأصفر، ومسروق، ومسلم بن جندب، ومسلم بن المثنى، ومسلم بن أبي مريم، ومسلم بن يناق، ومصعب بن سعد، والمطلب بن عبد الله بن حنطب، ومعاوية بن قرة، ومغراء العبدي، ومغيث بن سُمَيّ،

ص: 304

ومغيث الحجازي، والمغيرة بن سلمان، ومكحول الأزدي، ومنقذ بن قيس، ومهاجر الشامي، ومورق العجلي، وموسى بن دهقان، وموسى بن طلحة، وميمون بن مهران، ونابل صاحب العباء، ونافع مولاه، ونسير بن ذعلوق، ونعيم المجمر، ونميلة أبو عيسى، وواسع بن حبان، ووبرة بن عبد الرحمن، والوليد الجرشي، وأبو مجلز لاحق، ويحنس مولى آل الزبير، ويحيى بن راشد، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ويحيى بن وثاب، ويحيى بن يعمر، ويحيى البكاء، ويزيد بن أبي سمية، وأبو البزري يزيد بن عطارد، ويسار مولاه، ويوسف بن ماهك، ويونس بن جبير، وأبو أمامة التيمي، وأبو البختري الطائي، وأبو بردة بن أبي موسى، وأبو بكر بن حفص، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وحفيده أبو بكر بن عبد الله، وأبو تيمية الهجيمي، وأبو حازم الأعرج -ولم يلحقه، وأبو حية الكلبي، وأبو الزبير، وأبو سعيد بن رافع، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو سهل، وأبو السوداء، وأبو الشعثاء المحاربي، وأبو شيخ الهنائي، وأبو الصديق الناجي، وأبو طعمة، وأبو العباس الشاعر، وأبو عثمان النهدي، وأبو العجلان المحاربي، وأبو عقبة، وأبو غالب، وأبو الفضل، وأبو المخارق إن كان محفوظًا، وأبو المنيب الجرشي، وأبو نجيح المكي، وأبو نوفل بن أبي عقرب، وأبو الوليد البصري، وأبو يعفور العبدي، ورقية بنت عمرو بن سعيد.

قدم الشام والعراق والبصرة وفارس غازيًا.

روى حجاج بن أرطاة، عن نافع، أن ابن عمر بارز رجلًا في قتال أهل العراق، فقتله وأخذ سلبه

(1)

.

وروى عبيد الله بن عمر، عن نافع، أنَّ ابن عمر كان يصفِّر لحيته

(2)

.

سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، أن ابن عمر كان يصفِّر حتى يملأ ثيابه منها، فقيل له: تصبغ بالصفرة? فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها

(3)

.

شريك، عن محمد بن زيد: رأى ابن عمر يصفر لحيته بالخلوق والزعفران.

ابن عجلان، عن نافع: كان ابن عمر يعفي لحيته إلَّا في حج أو عمرة.

وقال هشام بن عروة: رأيت شعر ابن عمر يضرب منكبيه، وأتي بي إليه، فقبَّلني.

(1)

ضعيف: آفته حجاج بن أرطاة، مدلّس وقد عنعنه، وهو عند ابن سعد "4/ 170".

(2)

صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 179".

(3)

صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 179".

ص: 305

قال أبو بكر بن البرقي: كان ربعة، يخضب بالصفرة، توفي بمكة.

وقال ابن يونس: شهد ابن عمر فتح مصر واختط بها، وروى عنه أكثر من أربعين نفسًا من أهلها.

الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: توفي صاحب لي غريبًا، فكنا على قبره أنا وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وكانت أسامينا ثلاثتنا العاص، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم:"انزلوا قبره، وأنتم عبيد الله"، فقبرنا أخانا وصعدنا، وقد أبدلت أسماؤنا.

هكذا رواه عثمان بن سعيد الدارمي، حدثنا يحيى بن بكير، عنه.

ومع صحة إسناده هو منكر من القول، وهو يقتضي أن اسم ابن عمر ما غير إلى ما بعد سنة سبع من الهجرة، وهذا ليس بشيء.

قال عبد الله بن عمر، عن ابن شهاب: إن حفصة وابن عمر أسلما قبل عمر، ولما أسلم أبوهما كان عبد الله ابن نحو من سبع سنين. وهذا منقطع.

قال أبو إسحاق السبيعي: رأيت ابن عمر آدم جسيمًا، إزاره إلى نصف الساقين، يطوف.

وقال هشام بن عروة: رأيت ابن عمر له جمة.

وقال علي بن جدعان: عن أنس، وابن المسيب: شهد ابن عمر بدرًا

(1)

.

فهذا خطأ وغلط، ثبت أنه قال: عُرِضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني

(2)

.

وقال أبو إسحاق، عن البراء قال: عرضت أنا وابن عمر يوم بدر، فاستصغرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

.

وقال مجاهد: شهد ابن عمر الفتح، وله عشرون سنة.

(1)

ضعيف: آفته علي بن زيد بن جدعان، ضعيف.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "4097"، ومسلم "1868"، وأبو داود "4406".

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "3955".

ص: 306

وروى سالم، عن أبيه قال: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت غلامًا عزبًا شابًّا، فكنت أنام في المسجد، فرأيت كأنّ ملكين أتياني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، ولها قرون كقرون البئر، فرأيت فيها ناسًا قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، فلقينا ملك فقال: لن تراع، فذكرتها لحفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل". قال: فكان بعد لا ينام من الليل إلَّا القليل

(1)

.

وروى نحوه نافع، وفيه:"إن عبد الله رجل صالح".

سعيد بن بشير، عن قتادة، عن ابن سيرين، عن ابن عمر قال: كنت شاهد النبي صلى الله عليه وسلم، في حائط نخل، فاستأذن أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ائذنوا له، وبشِّروه بالجنة"، ثم عمر كذلك، ثم عثمان، فقال:"بشروه بالجنة على بلوى تصيبه"، فدخل يبكي ويضحك، فقال عبد الله: فأنا يا نبي الله? قال: "أنت مع أبيك"

(2)

.

تفرَّد به محمد بن بكار بن بلال، عنه.

قال إبراهيم: قال ابن مسعود: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر.

ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله: لقد رأيتنا ونحن متوافرون، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من ابن عمر.

أبو سعد البقال، عن أبي حصين، عن شقيق، عن حذيفة قال: ما منَّا أحد يفتش إلَّا يفتش عن جائفة أو منقلة إلَّا عمر وابنه.

وروى سالم بن أبي الجعد، عن جابر: ما منا أحد أدرك الدنيا إلَّا وقد مالت به إلَّا ابن عمر.

وعن عائشة: ما رأيت أحدًا ألزم للأمر الأوّل من ابن عمر.

قال أبو سفيان بن العلاء المازني، عن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة لابن عمر: ما

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "1121"، ومسلم "2478"، والترمذي "3825".

(2)

ضعيف: آفته سعيد بن بشير، ضعيف. لكن قد صحَّ الحديث فأخرجه مسلم "2403"، والترمذي "3711" من حديث أبي موسى الأشعري، به.

ص: 307

منعك أن تنهاني عن مسيري? قال: رأيت رجلًا قد استولى عليك، وظننت أنك لن تخالفيه -يعني: ابن الزبير.

قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: مات ابن عمر وهو في الفضل مثل أبيه.

وقال أبو اسحاق السبيعي: كنا نأتي ابن أبي ليلى، وكانوا يجتمعون إليه، فجاءه أبو سلمة بن عبد الرحمن، فقال: أعمر كان أفضل عندكم أم ابنه? قالوا: بل عمر، فقال: إن عمر كان في زمان له فيه نظراء، وإنَّ ابن عمر بقي في زمان ليس له فيه نظير.

وقال ابن المسيب: لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة لشهدت لابن عمر.

رواه ثقتان عنه.

وقال قتادة: سمعت ابن المسيب يقول: كان ابن عمر يوم مات خير من بقي.

وعن طاوس: ما رأيت أورع من ابن عمر.

وكذا يروى عن ميمون بن مهران.

وروى جويرية، عن نافع: ربما لبس ابن عمر المطرف الخز، ثمنه خمس مائة درهم.

وبإسناد وسط عن ابن الحنفية: كان ابن عمر خير هذه الأمة.

قال عمرو بن دينار: قال ابن عمر: ما غرست غرسًا منذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال موسى بن دهقان: رأيت ابن عمر يتزر إلى أنصاف ساقيه.

العمري، عن نافع: إن ابن عمر اعتمَّ وأرخاها بين كتفيه.

وكيع، عن النضر أبي لؤلؤة قال: رأيت على ابن عمر عمامة سوداء.

وقال ابن سيرين: كان نقش خاتم ابن عمر: "عبد الله بن عمر".

وقال أبو جعفر الباقر: كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لا يزيد ولا ينقص، ولم يكن أحد في ذلك مثله.

أبو المليح الرقي، عن ميمون، قال ابن عمر: كففت يدي فلم أندم، والمقاتل على الحق أفضل.

قال: ولقد دخلت على ابن عمر فقومت كل شيء في بيته من أثاث، ما يسوى مائة درهم.

ص: 308

ابن وهب، عن مالك، عمَّن حدثه: إن ابن عمر كان يتبع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآثاره وحاله، ويهتم به، حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك.

خارجة بن مصعب، عن موسى بن عقبة، عن نافع قال: لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت: هذا مجنون.

عبد الله بن عمر، عن نافع: إن ابن عمر كان يتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل مكان صلى فيه، حتى إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة، فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس.

وقال نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تركنا هذا الباب للنساء" قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات.

قال الشعبي: جالست ابن عمر سنة، فما سمعته يحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا حديثًا واحدًا.

قال مجاهد: صحبت ابن عمر إلى المدينة، فما سمعته يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا حديثًا.

وروى عاصم بن محمد العمري، عن أبيه قال: ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا بكى.

وقال يوسف بن ماهك: رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير، وعبيد يقص، فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق.

عكرمة بن عمار، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، أنه تلا:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النساء: 40]. فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه، فأراد رجل أن يقول لأبي: أقصر، فقد آذيت الشيخ.

وروى عثمان بن واقد، عن نافع: كان ابن عمر إذا قرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16]، بكى حتى يغلبه البكاء.

قال حبيب بن الشهيد: قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله? قال: لا تطيقونه، الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما.

رواه أبو شهاب الحناط، عن حبيب.

وروى عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع: إنَّ ابن عمر كان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا بقية ليلته.

ص: 309

ابن المبارك: أخبرنا عمر بن محمد بن زيد، أخبرنا أبي، أن ابن عمر كان له مهراس فيه ماء، فيصلي فيه ما قدر له، ثم يصير إلى الفراش، فيغفي إغفاءة الطائر، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي، يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمسة.

قال نافع: كان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولا يكاد يفطر في الحضر.

وقال ابن شهاب، عن سالم: ما لعن ابن عمر خادمًا له إلَّا مرة، فأعتقه.

روى أبو الزبير المكي، عن عطاء مولى ابن سباع، قال: أقرضت ابن عمر ألفي درهم، فوفانيها بزائد مائتي درهم.

أبو بكر بن عياش، عن عاصم، أنَّ مروان قال لابن عمر -يعني بعد موت يزيد: هلمَّ يدك نبايعك، فإنك سيد العرب، وابن سيدها، قال: كيف أصنع بأهل المشرق? قال: نضربهم حتى يبايعوا. قال: والله ما أحب أنها دانت لي سبعين سنة، وأنه قتل في سيفي رجل واحد.

قال: يقول مروان:

إني أرى فتنة تغلي مراجلها

والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا

أبو ليلى: معاوية بن يزيد بايع له أبوه الناس، فعاش أيامًا.

أبو حازم المديني، عن عبد الله بن دينار، قال: خرجت مع ابن عمر إلى مكة فعرسنا، فانحدر علينا راع من جبل، فقال له ابن عمر: أراع? قال: نعم، قال: بعني شاة من الغنم. قال: إني مملوك، قال: قل لسيدك: أكلها الذئب، قال: فأين الله عز وجل? قال ابن عمر: فأين الله! ثم بكى، ثم اشتراه بعد، فأعتقه!

أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر نحوه.

وفي رواية ابن أبي رواد، عن نافع: فأعتقه، واشترى له الغنم.

عبيد الله، عن نافع قال: ما أعجب ابن عمر شيء من ماله إلَّا قدمه، بينا هو يسير على ناقته إذ أعجبته، فقال: إخ إخ، فأناخها، وقال: يا نافع، حط عنها الرحل، فجللها، وقلدها، وجعلها في بدنه.

عمر بن محمد بن زيد، عن أبيه: إن ابن عمر كاتب غلامًا له بأربعين ألفًا، فخرج إلى الكوفة، فكان يعمل على حمر له حتى أدَّى خمسة عشر ألفًا، فجاءه إنسان، فقال: أمجنون أنت? أنت ههنا تعذب نفسك، وابن عمر يشتري الرقيق يمينًا وشمالًا، ثم يعتقهم؛ ارجع

ص: 310

إليه فقل: عجزت. فجاء إليه بصحيفة، فقال: يا أبا عبد الرحمن، قد عجزت، وهذه صحيفتي فامحها، فقال: لا، ولكن امحها أنت إن شئت، فمحاها ففاضت عينا عبد الله، وقال: اذهب فأنت حر، قال: أصلحك الله، أحسِن إلى ابنيّ، قال: هما حران، قال: أصلحك الله، أحسن إلى أميّ ولديّ، قال: هما حرتان. رواه ابن وهب، عنه.

عاصم بن محمد العمري، عن أبيه، قال: أعطى عبد الله بن جعفر ابن عمر بنافع عشرة آلاف، فدخل على صفية امرأته، فحدثها، قالت: فما تنتظر? قال: فهلّا ما هو خير من ذلك، هو حر لوجه الله. فكان يخيل إليَّ أنه كان ينوي قول الله:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92].

وقال ابن شهاب: أراد ابن عمر أن يلعن خادمًا، فقال: اللهم الع، فلم يتمَّها، وقال: ما أحب أن أقول هذه الكلمة.

جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن نافع: أتي ابن عمر ببضعة وعشرين ألفًا، فما قام حتى أعطاها.

رواها عيسى بن كثير، عن ميمون، وقال: باثنين وعشرين ألف دينار.

وقال أبو هلال: حدثنا أيوب بن وائل قال: أُتِيَ ابن عمر بعشرة آلاف ففرقها، وأصبح يطلب لراحلته علفًا بدرهم نسيئة.

برد بن سنان، عن نافع، قال: إن كان ابن عمر ليفرق في المجلس ثلاثين ألفًا، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم.

عمر بن محمد العمري، عن نافع، قال: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان، أو زاد.

إسنادها صحيح.

أيوب، عن نافع، قال: بعث معاوية إلى ابن عمر بمائة ألف، فما حال عليه الحول وعنده منها شيء.

معمر، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله، قال: لو أنَّ طعامًا كثيرًا كان عند أبي، ما شبع منه بعد أن يجد له آكلًا، فعاده ابن مطيع، فرآه قد نحل جسمه، فكلمه، فقال: إنه ليأتي

ص: 311

عليَّ ثمان سنين ما أشبع فيها شبعة واحدة. أو قال: إلَّا شبعة، فالآن تريد أن أشبع حين لم يبق من عمري إلَّا ظمء حمار.

إسماعيل بن عياش: حدثني مطعم بن المقدام، قال: كتب الحجاج إلى ابن عمر: بلغني أنك طلبت الخلافة، وإنها لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور، فكتب إليه: أمَّا ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها، وما هي من بالي، وأمَّا ما ذكرت من العي، فمن جمع كتاب الله فليس بعييّ، ومن أدَّى زكاته فليس ببخيل، وإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري.

هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن مجاهد، قال لي ابن عمر: لأن يكون نافع يحفظ حفظك، أحب إليَّ من أن يكون لي درهم زيف، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، ألَا جعلته جيدًا!! قال: هكذا كان في نفسي.

الأعمش وغيره، عن نافع قال: مرض ابن عمر، فاشتهى عنبًا أوَّل ما جاء، فأرسلت امرأته بدرهم، فاشترت به عنقودًا، فاتبع الرسول سائل، فلمَّا دخل قال: السائل السائل، فقال ابن عمر: أعطوه إياه، ثم بعثت بدرهم آخر، قال: فاتبعه السائل، فلمَّا دخل، قال: السائل السائل، فقال ابن عمر: أعطوه إياه، فأعطوه، وأرسلت صفية إلى السائل تقول: والله لئن عدت لا تصيب مني خيرًا، ثم أرسلت بدرهم آخر، فاشترت به.

مالك بن مغول، عن نافع قال: أتي ابن عمر بجوارش، فكرهه، وقال: ما شبعت منذ كذا وكذا.

إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن نافع: أنَّ المختار بن أبي عبيد كان يرسل إلى ابن عمر بالمال فيقبله، ويقول: لا أسأل أحدًا شيئًا، ولا أرد ما رزقني الله.

الثوري، عن أبي الوازع، قلت لابن عمر: لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، فغضب وقال: إني لأحسبك عراقيًّا، وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابه.

أبو جعفر الرازي، عن حصين، قال ابن عمر: إني لأخرج وما لي حاجة إلَّا أن أسلّم على الناس، ويسلمون عليّ.

وروى معمر، عن أبي عمرو الندبي قال: خرجت مع ابن عمر، فما لقي صغيرًا ولا كبيرًا إلَّا سلَّم عليه.

قال عثمان بن إبراهيم الحاطبي: رأيت ابن عمر يحفي شاربه، حتى ظننت أنه ينتفه، وما

ص: 312

رأيته إلَّا محلل الأزرار، وإزاره إلى نصف ساقه، وقيل: كان يتزر على القميص في السفر، ويختم الشيء بخاتمه، ولا يكاد يلبسه، ويأتي السوق فيقول: كيف يباع ذا? ويصفر لحيته.

وروى ابن أبي ليلى، وعبد الله بن عمر، عن نافع، أنَّ ابن عمر كان يقبض على لحيته، ويأخذ ما جاوز القبضة.

قال مالك: كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر، مكث ستين سنة يفتي الناس.

مالك، عن نافع، كان ابن عمر وابن عباس يجلسان للناس عند مقدم الحاجّ، فكنت أجلس إلى هذا يومًا، وإلى هذا يومًا، فكان ابن عباس يجيب ويفتي في كل ما سئل عنه، وكان ابن عمر يرد أكثر مما يفتي.

قال الليث بن سعد، وغيره: كتب رجل إلى ابن عمر أن اكتب إليَّ بالعلم كله، فكتب إليه: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافّ اللسان عن أعراضهم، لازمًا لأمر جماعتهم، فافعل.

منصور بن زاذان: عن ابن سيرين أن رجلًا قال لابن عمر: أعمل لك جوارش? قال: وما هو؟ قال: شيء إذا كظك الطعام، فأصبت منه، سهل. فقال: ما شبعت منذ أربعة أشهر، وما ذاك أن لا أكون له واجدًا، ولكن عهدت قومًا يشبعون مرة، ويجوعون مرة.

وروى الحارث بن أبي أسامة، عن رجل: بعثت أم ولد لعبد الملك بن مروان إلى وكيلها تستهديه غلامًا، وقالت: يكون عالمًا بالسنة، قارئًا لكتاب الله، فصيحًا عفيفًا، كثير الحياء، قليل المراء، فكتب إليها: قد طلبت هذا الغلام، فلم أجد غلامًا بهذه الصفة إلَّا عبد الله بن عمر، وقد ساومت به أهله، فأبوا أن يبيعوه.

روى بقية، عن ابن حذيم، عن وهب بن أبان القرشي، أنَّ ابن عمر خرج، فبينما هو يسير إذا أسد على الطريق قد حبس الناس، فاستخفَّ ابن عمر راحلته، ونزل إلى الأسد، فعرك أذنه وأخره عن الطريق، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"لو لم يخف ابن آدم إلَّا الله لم يسلط عليه غيره". لم يصح هذا.

أسامة بن زيد، عن عبد الله بن واقد قال: رأيت ابن عمر يصلي، فلو رأيته مقلوليًا، ورأيته يفت المسك في الدهن يدهن به.

عبد الملك بن أبي جميلة، عن عبد الله بن موهب، أن عثمان قال لابن عمر: اذهب،

ص: 313

فاقض بين الناس، قال: أَوَتعفيني من ذلك؟ قال: فما تكره من ذلك، وقد كان أبوك يقضي? قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان قاضيًا فقضى بالعدل، فبالحري أن ينفلت كفافًا" فما أرجو بعد ذلك?!

(1)

.

السري بن يحيى، عن زيد بن أسلم، عن مجاهد قال: قال ابن عمر: لقد أعطيت من الجماع شيئًا ما أعلم أحدًا أعطيه إلَّا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تفرَّد به يحيى بن عباد، عنه.

أبو أسامة: حدَّثنا عمر بن حمزة، أخبرني سالم، عن ابن عمر، قال: إني لأظنّ قسم لي منه ما لم يقسم لأحد إلَّا للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: كان ابن عمر يفطر أول شيء على الوطء.

ليث بن أبي سليم، عن نافع قال: لما قُتِلَ عثمان جاء عليّ إلى ابن عمر، فقال: إنك محبوب إلى الناس، فسِرْ إلى الشام، فقال: بقرابتي وصحبتي والرحم التي بيننا، قال: فلم يعاوده

(2)

.

ابن عيينة، عن عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: بعث إليَّ علي فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنك رجل مطاع في أهل الشام، فسر فقد أمَّرتك عليهم، فقلت: أذكرك الله وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحبتي إياه، إلَّا ما أعفيتني، فأبى علي، فاستعنت عليه بحفصة، فأبى، فخرجت ليلًا إلى مكة، فقيل له: إنه قد خرج إلى الشام، فبعث في أثري، فجعل الرجل يأتي المربد، فيخطم بعيره بعمامته ليدركني، قال: فأرسلت حفصة: إنه لم يخرج إلى الشام، إنما خرج إلى مكة، فسكن.

الأسود بن شيبان، عن خالد بن سمير قال: هرب موسى بن طلحة من المختار، فقال: رحم الله ابن عمر! إني لأحسبه على العهد الأوّل لم يتغير، والله ما استفزته قريش، فقلت في نفسي: هذا يزري على أبيه في مقتله، وكان علي غدا على ابن عمر فقال: هذه كتبنا، فاركب بها إلى الشام، قال: أنشدك الله والإسلام، قال: والله لتركبنّ، قال: أذكرك الله واليوم الآخر، قال: لتركبن، والله طائعًا أو كارهًا، قال: فهرب إلى مكة.

العوام بن حوشب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر قال يوم دومة جندل: جاء معاوية على بختي عظيم طويل، فقال: ومن الذي يطمع في هذا الأمر ويمد إليه عنقه? فما

(1)

ضعيف: أخرجه الترمذي "1322"، وآفته عبد الملك بن أبي جميلة، مجهول.

(2)

ضعيف: فيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف.

ص: 314

حدَّثت نفسي بالدنيا إلَّا يومئذ، هممت أن أقول: يطمع فيه من ضربك وأباك عليه، ثم ذكرت الجنة ونعيمها، فأعرضت عنه.

حمَّاد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، أنَّ معاوية بعث إلى ابن عمر بمائة ألف، فلمَّا أراد أن يبايع ليزيد قال: أرى ذاك، أراد: إن ديني عندي إذًا لرخيص.

وقال محمد بن المنكدر: بويع يزيد، فقال ابن عمر لما بلغه: إن كان خيرًا رضينا، وإن كان بلاء صبرنا.

ابن علية، عن أبي عون، عن نافع قال: حلف معاوية على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلنَّ ابن عمر، يعني: وكان ابن عمر بمكة، فجاء إليه عبد الله بن صفوان، فدخلا بيتًا وكنت على الباب، فجعل ابن صفوان يقول: أفتتركه حتى يقتلك?! والله لو لم يكن إلَّا أنا وأهل بيتي لقاتلته دونك، فقال: ألَا أصير في حرم الله? وسمعت نحيبه مرتين، فلمَّا دنا معاوية تلقَّاه ابن صفوان فقال: إيهًا، جئت لتقتل ابن عمر. قال: والله لا أقتله.

مسعر، عن أبي حصين، قال معاوية: من أحق بهذا الأمر منَّا? وابن عمر شاهد قال: فأردت أن أقول: أحق به منك من ضربك عليه وأباك، فخفت الفساد.

معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وابن طاوس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عمر قال: دخلت على حفصة ونوساتها تنطف، فقلت: قد كان من الناس ما ترين، ولم يجعل لي من الأمر شيء، قالت: فالحق بهم، فإنهم ينتظرونك، وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فلم يرعه حتى ذهب، قال: فلمَّا تفرق الحكمان خطب معاوية فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إليَّ قرنه، فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه -يعرِّض بابن عمر.

قال حبيب بن مسلمة: فهلّا أجبته -فداك أبي وأمي? فقال ابن عمر: حللت حبوتي، فهممت أن أقول: أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع، ويسفك فيها الدم، فذكرت ما أعدَّ الله في الجنان

(1)

.

وقال سلام بن مسكين: سمعت الحسن يقول: لما كان من أمر الناس ما كان زمن الفتنة، أتوا ابن عمر، فقالوا: أنت سيد الناس وابن سيدهم، والناس بك راضون، اخرج نبايعك، فقال: لا، والله لا يهراق في محجمة من دم، ولا في سببي ما كان في روح.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "4108".

ص: 315

جرير بن حازم، عن يعلى، عن نافع قال: قال أبو موسى يوم التحكيم: لا أرى لهذا الأمر غير عبد الله بن عمر، فقال عمرو بن العاص لابن عمر: إنا نريد أن نبايعك، فهل لك أن تُعْطَى مالًا عظيمًا على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك? فغضب وقام، فأخذ ابن الزبير بطرف ثوبه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنما قال: لتعطي مالًا على أن أبايعك، فقال: والله لا أعطي عليها ولا أُعْطَى، ولا أقبلها إلَّا عن رضىً من المسلمين.

قلت: كاد أن تنعقد البيعة له يومئذ مع وجود مثل الإمام عليّ، وسعد بن أبي وقاص، ولو بويع لما اختلف عليه اثنان، ولكن الله حماه وخار له.

مسعر، عن علي بن الأقمر قال: قال مروان لابن عمر: ألَا تخرج إلى الشام فيبايعوك? قال: فكيف أصنع بأهل العراق? قال: تقاتلهم بأهل الشام. قال: والله ما يسرني أن يبايعني الناس كلهم إلَّا أهل فدك، وأن أقاتلهم، فيقتل منهم رجل، فقال مروان:

إني أرى فتنة تغلي مراجلها

والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا

وروى عاصم بن أبي النجود نحوًا منها.

وهذا قاله وقت هلاك يزيد بن معاوية، فلمَّا اطمأنَّ مروان من جهة ابن عمر بادر إلى الشام وحارب، وتملّك الشام ثم مصر.

أبو عوانة، عن مغيرة، عن فطر قال: أتى رجل ابن عمر فقال: ما أحد شر للأمة منك، قال: لم? قال: لو شئت ما اختلف فيك اثنان، قال: ما أحب أنها -يعني: الخلافة- أتتني، ورجل يقول لا، وآخر يقول بلى.

أبو المليح الرقي، عن ميمون بن مهران قال: دسَّ معاوية عمرًا وهو يريد أن يعلم ما في نفس ابن عمر، فقال: يا أبا عبد الرحمن! ما يمنعك أن تخرج تبايعك الناس، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن أمير المؤمنين، وأنت أحق الناس بهذا الأمر، فقال: قد اجتمع الناس كلهم على ما تقول? قال: نعم، إلَّا نفر يسير. قال: لو لم يبق إلَّا ثلاثة أعلاج بهجر لم يكن لي فيها حاجة. قال: فعلم أنه لا يريد القتال، فقال: هل لك أن تبايع من قد كاد الناس أن يجتمعوا عليه، ويكتب لك من الأرضين، والأموال? فقال: أفٍّ لك? اخرج من عندي، إن ديني ليس بديناركم ولا درهمكم.

يونس بن عبيد، عن نافع قال: كان ابن عمر يسلِّم على الخشبية والخوارج وهم يقتتلون، وقال: من قال "حيَّ على الصلاة" أجبته، ومن قال:"حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله" فلا.

ص: 316

قال نافع: أتى رجل ابن عمر، فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما يحملك على أن تحج عامًا وتعتمر عامًا، وتترك الجهاد، فقال: بُنِيَ الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، وصلاة الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت. فقال: يا أبا عبد الرحمن، ألَا تسمع قوله:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 8]. فقال: لأن أعتبر بهذه الآية، فلا أقاتل أحبَّ إلي من أن أعتبر بالآية التي يقول فيها:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 92]. فقال: ألَا ترى أن الله يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]. قال: قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان الإسلام قليلًا، وكان الرجل يفتن في دينه؛ إمَّا أن يقتلوه، وإمَّا أن يسترقوه، حتى كثر الإسلام، فلم تكن فتنة، قال: فلما رأى أنه لا يوافقه قال: فما قولك في عثمان وعلي? قال: أمَّا عثمان: فكان الله عفا عنه، وكرهتم أن يعفو الله عنه، وأمَّا علي: فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه، وأشار بيده- هذا بيته حيث ترون.

الزهري، عن حمزة بن عبد الله، قال: أقبل ابن عمر علينا، فقال: ما وجدت في نفسي شيئًا من أمر هذه الأمة ما وجدت في نفسي من أن أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله.

قلنا: ومن ترى الفئة الباغية? قال: ابن الزبير بغى على هؤلاء القوم، فأخرجهم من ديارهم، ونكث عهدهم.

أيوب، عن نافع قال: أصابت ابن عمر عارضة محمل بين أصبعيه عند الجمرة، فمرض، فدخل عليه الحجاج، فلمَّا رآه ابن عمر غمض عينيه، فكلمه الحجاج، فلم يكلمه، فغضب وقال: إن هذا يقول أني على الضرب الأول.

عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو، أخبرنا جدي، أنَّ ابن عمر قدم حاجًّا، فدخل عليه الحجاج وقد أصابه زجّ رمح، فقال: من أصابك? قال: أصابني من أمرتموه بحمل السلاح في مكان لا يحل فيه حمله

(1)

.

أحمد بن يعقوب المسعودي، حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي، عن أبيه، عن ابن عمر أنه قام إلى الحجَّاج وهو يخطب، فقال: يا عدو الله! استُحِلَّ حرم الله، وخُرِّبَ بيت الله، فقال: يا شيخًا قد خرف، فلمَّا صدر الناس أمر الحجاج بعض مسوَّدته، فأخذ

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "967".

ص: 317

حربة مسمومة، وضرب بها رجل ابن عمر، فمرض ومات منها، ودخل عليه الحجَّاج عائدًا، فسلم فلم يرد عليه، وكلمه فلم يجبه.

هشام، عن ابن سيرين، أنَّ الحجاج خطب فقال: إن ابن الزبير بدَّل كلام الله، فعلم ابن عمر، فقال: كذب، لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدّل كلام الله، ولا أنت، قال: إنك شيخ قد خرفت الغد، قال: أما إنك لو عدت عدت.

قال الأسود بن شيبان: حدثنا خالد بن سمير قال: خطب الحجاج، فقال: إن ابن الزبير حرَّف كتاب الله، فقال ابن عمر: كذبت كذبت، ما يستطيع ذلك، ولا أنت معه، قال: اسكت، فقد خرفت وذهب عقلك، يوشك شيخ أن يضرب عنقه فيخر، قد انتفخت خصيتاه، يطوف به صبيان البقيع

(1)

.

الثوري، عن عبد الله بن دينار قال: لما اجتمعوا على عبد الملك، كتب إليه ابن عمر: أما بعد، فإني قد بايعت لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت، وإن بنيّ قد أقروا بذلك.

شعبة، عن ابن أبي رواد، عن نافع، أنَّ ابن عمر أوصى رجلًا يغسِّله، فجعل يدلكه بالمسك.

وعن سالم بن عبد الله: مات أبي بمكة، ودفن بفخ سنة أربع وسبعين، وهو ابن أربع وثمانين، وأوصاني أن أدفنه خارج الحرم فلم نقدر، فدفناه بفخ في الحرم، في مقبرة المهاجرين.

حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: ما آسى على شيء إلَّا أني لم أقاتل الفئة الباغية. هكذا رواه الثوري، عنه، وقد تقدَّم نحوه مفسرًا.

وأما عبد العزيز بن سياه فرواه عنه ثقتان، عن حبيب بن أبي ثابت، أن ابن عمر قال: ما آسى على شيء فاتني إلَّا أني لم أقاتل مع عليّ الفئة الباغية. فهذا منقطع.

وقال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، قال ابن عمر حين احتضر: ما أجد في نفسي شيئًا إلَّا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع عليّ بن أبي طالب.

(1)

صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 184".

ص: 318

وروى أبو أحمد الزبيري، حدثنا عبد الجبار بن العباس، عن أبي العنبس، عن أبي بكر بن أبي الجهم، عن ابن عمر ........... ، فذكر نحوه.

ولابن عمر أقوال وفتاوى يطول الكتاب بإيرادها، وله قول ثالث في الفئة الباغية.

فقال روح بن عبادة: حدثنا العوام بن حوشب، عن عياش العامري، عن سعيد بن جبير قال: لما احتضر ابن عمر قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلَّا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا -يعني: الحجاج.

قال ضمرة بن ربيعة: مات ابن عمر سنة ثلاث وسبعين.

وقال مالك: بلغ ابن عمر سبعًا وثمانين سنة.

وقال أبو نعيم، والهيثم بن عدي، وأبو مسهر، وعدة: مات سنة ثلاث وسبعين.

وقال سعيد بن عفير، وخليفة، وغيرهما: مات سنة أربع وسبعين.

والظاهر أنه توفي في آخر سنة ثلاث.

قال أبو بكر بن البرقي: توفي بمكة، ودفن بذي طوى. وقيل: بفخ مقبرة المهاجرين سنة أربع.

قلت: هو القائل كنت يوم أحد ابن أربع عشرة سنة

(1)

، فعلى هذا يكون عمره خمسًا وثمانين سنة رضي الله عنه وأرضاه.

أخبرنا أيوب بن طارق، وأحمد بن محمد بقراءتي قالا: أخبرنا أبو القاسم بن رواحة، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أحمد بن علي الطريثيثي، وأبو ياسر محمد بن عبد العزيز، وأبو القاسم الربعي، وأبو منصور الخياط، قالوا: أخبرنا عبد الملك بن محمد، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الفاكهي بمكة (353)، حدثنا أبو يحيى عبد الله بن أبي مسرة، حدثنا يعقوب بن إسحاق -وهو ابن بنت حميد الطويل- قال: سمعت عبد الله بن أبي عثمان يقول: رأيت ابن عمر يحفي شاربه، ورأيته ينحر البدن قيامًا يجأ في لباتها.

أخبرنا إسحاق الأسدي، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا اللبان، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أحمد بن جعفر، أخبرنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبو كامل، حدثنا أبو عوانة، عن هلال بن خباب، عن قزعة قال: رأيت على ابن عمر ثيابًا خشنة -أو

(1)

صحيح: تقدَّم تخريجنا له بتعليق رقم "615"، وهو عند البخاري "4097"، ومسلم "1868".

ص: 319

جشبة، فقلت له: إني قد أتيتك بثوب ليِّن مما يصنع بخراسان، وتقر عيناي أن أراه عليك. قال: أرنيه، فلمسه، وقال: أحرير هذا? قلت: لا، إنه من قطن. قال: إني أخاف أن ألبسه، أخاف أكون مختالًا فخورًا، والله لا يحب كل مختال فخور.

قلت: كل لباس أوجد في المرء خيلاء وفخرًا فتركه متعيّن، ولو كان من غير ذهب ولا حرير، فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية الصوف بفروٍ من أثمان أربع مائة درهم ونحوها، والكبر والخيلاء على مشيته ظاهر، فإن نصحته ولمته برفق كابر، وقال: ما في خيلاء ولا فخر، وهذا السيد ابن عمر يخاف ذلك على نفسه، وكذلك ترى الفقيه المترف إذا ليم في تفصيل فرجية تحت كعبيه، وقيل له: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار" يقول: إنما قال هذا فيمن جر إزاره خيلاء، وأنا لا أفعل خيلاء. فتراه يكابر ويبرئ نفسه الحمقاء، ويعمد إلى نصٍّ مستقل عام فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء، ويترخَّص بقول الصديق: إنه يا رسول الله، يسترخي إزاري، فقال:"لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء"، فقلنا: أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يشد إزاره مسدولًا على كعبيه أولًا، بل كان يشده فوق الكعب، ثم فيما بعد يسترخي، وقد قال عليه السلام:"إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين"، ومثل هذا في النهي لمن فصَّل سراويل مغطيًا لكعابه، ومنه طول الأكمام زائدًا، وتطويل العذبة، وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس، وقد يعذر الواحد منهم بالجهل، والعالم لا عذر له في تركه الإنكار على الجهلة، فإن خلع على رئيس خلعة سيراء من ذهب وحرير وقندس، يحرمه ما ورد في النهي عن جلود السباع، ولبسها الشخص يسحبها، ويختال فيها، ويخطر بيده، ويغضب ممن لا يهنِّيه بهذه المحرمات، ولا سيما إن كانت خلعة وزارة وظلم، ونظر مكس أو ولاية شرطة، فليتهيأ للمقت وللعزل والإهانة والضرب، وفي الآخرة أشد عذابًا وتنكيلًا، فرضي الله عن ابن عمر، وأبيه، وأين مثل ابن عمر في دينه وورعه وعلمه وتألهه، وخوفه من رجل تعرض عليه الخلافة فيأباها، والقضاء من مثل عثمان فيرده، ونيابة الشام لعلي فيهرب منه، فالله يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب.

الوليد بن مسلم: عن عمر بن محمد، عن نافع، عن ابن عمر قال: لولا أن معاوية بالشام لسرني أن آتي بيت المقدس، فأهلُّ منه بعمرة، ولكن أكره أن آتي الشام فلا آتيه، فيجد عليّ أو آتيه، فيراني تعرضت لما في يديه.

روى عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، أن ابن عمر كان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا ليلته.

ص: 320

الوليد بن مسلم: حدثنا ابن جابر، حدثني سليمان بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يحيي الليل صلاة، ثم يقول: يا نافع أسحرنا? فأقول: لا. فيعاود الصلاة إلى أن أقول: نعم، فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح.

قال طاوس: ما رأيت مصليًا مثل ابن عمر أشد استقبالًا للقبلة بوجهه وكفيه وقدميه.

وروى نافع أنَّ ابن عمر كان يحيي بين الظهر إلى العصر.

هشام الدستوائي، عن القاسم بن أبي بزة، أن ابن عمر قرأ فبلغ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6]، فبكى حتى خر، وامتنع من قراءة ما بعدها.

معمر، عن أيوب، عن نافع أو غيره، أن رجلًا قال لابن عمر: يا خير الناس -أو ابن خير الناس، فقال: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكنِّي عبد من عباد الله، أرجو الله وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه.

عبيد الله بن عمر، عن نافع، كان ابن عمر يزاحم على الركن حتى يرعف.

أخبرنا أحمد بن سلامة، عن أبي المكارم التيمي، أخبرنا أبو علي، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، حدثنا حرملة، حدثني أبو الأسود، سمع عروة يقول: خطبت إلى ابن عمر ابنته ونحن في الطواف، فسكت ولم يجبني بكلمة، فقلت: لو رضي لأجابني، والله لا أراجعه بكلمة، فقدر له أنه صدر إلى المدينة قبلي، ثم قدمت، فدخلت مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه، وأديت إليه حقه، فرحَّب بي، وقال: متى قدمت? قلت: الآن. فقال: كنت ذكرت لي سودة ونحن في الطواف نتخايل الله بين أعيننا، وكنت قادرًا أن تلقاني في غير ذلك الموطن، فقلت: كان أمرًا قدر، قال: فما رأيك اليوم? قلت: أحرص ما كنت عليه قط، فدعا ابنيه سالمًا وعبد الله، وزوجني.

وبه إلى بشر: حدثنا خلَّاد بن يحيى، حدثنا هارون بن أبي إبراهيم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن عمر قال: إنما مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم يسيرون على جادة يعرفونها، فبينا هم كذلك؛ إذ غشيتهم سحابة وظلمة، فأخذ بعضهم يمينًا وشمالًا فأخطأ الطريق، وأقمنا حيث أدركنا ذلك، حتى جلا الله ذلك عنَّا، فأبصرنا طريقنا الأول، فعرفناه فأخذنا فيه، إنما هؤلاء فتيان قريش يقتتلون على هذا السلطان، وعلى هذه الدنيا، ما أبالي أن لا يكون لي ما يقتل عليه بعضهم بعضًا بنعلي هاتين الجرداوين.

ص: 321

عبد الله بن نمير، عن عاصم الأحول، عمَّن حدثه، قال: كان ابن عمر إذا رآه أحد ظنَّ به شيئًا مما يتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم.

وكيع، عن أبي مودود، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان في طريق مكة يقول برأس راحلته يثنيها، ويقول: لعلَّ خفًّا يقع على خفِّ -يعني: خف راحلة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حزم في كتاب "الإحكام" في الباب الثامن والعشرين: المكثرون من الفتيا من الصحابة عمر، وابنه عبد الله، علي، عائشة، ابن مسعود، ابن عباس، زيد بن ثابت، فهم سبعة فقط يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم سفر ضخم. وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن بعقوب بن أمير المؤمنين المأمون، فتيا ابن عباس في عشرين كتابًا، وأبو بكر هذا أحد أئمة الإسلام.

عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عثمان بن موسى، عن نافع: إنَّ ابن عمر تقلَّد سيف عمر يوم قتل عثمان، وكان محلَّى، كانت حليته أربع مائة.

أبو حمزة السكري، عن إبراهيم الصائغ، عن نافع، أنَّ ابن عمر كان له كتب ينظر فيها قبل أن يخرج إلى الناس. هذا غريب.

ولابن عمر في "مسند بقي" ألفان وست مائة وثلاثون حديثًا بالمكرَّر، واتفقا له على مائة وثمانية وستين حديثًا، وانفرد له البخاري بأحد وثمانين حديثًا، ومسلم بأحد وثلاثين.

وأولاده من صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي: أبو بكر، وواقد، وعبد الله، وأبو عبيدة، وعمر، وحفصة، وسودة.

ومن أم علقمة المحاربية: عبد الرحمن، وبه يكنَّى.

ومن سرية له: سالم، وعبيد الله، وحمزة.

ومن سرية أخرى: زيد، وعائشة.

ومن أخرى: أبو سلمة، وقلابة.

ومن أخرى: بلال، فالجملة: ستة عشر.

وعن أبي مجلز، عن ابن عمر، قال: إليكم عني، فإني كنت مع من هو أعلم مني، ولو علمت أني أبقى حتى تفتقروا إليّ؛ لتعلمت لكم.

ص: 322

هشام بن سعد، عن أبي جعفر القارئ: خرجت مع ابن عمر من مكة، وكان له جفنة من ثريد، يجتمع عليها بنوه وأصحابه وكل من جاء، حتى يأكل بعضهم قائمًا، ومعه بعير له عليه مزادتان فيهما نبيذ وماء، فكان لكل رجل قدح من سويق بذلك النبيذ.

وعن ابن عمر أنَّه كان يأكل الدجاج والفراخ والخبيص.

معن، عن مالك، بلغه أنَّ ابن عمر قال: لو اجتمعت عليَّ الأمة إلَّا رجلين ما قاتلتهما.

سلام بن مسكين: سمعت الحسن يحدث قال: لما قُتِلَ عثمان، قالوا لابن عمر: إنك سيد الناس وابن سيدهم، فاخرج يبايع لك الناس، فقال: لئن استطعت لا يهراق فيَّ محجمة. قالوا: لتخرجن أو لتقتلنَّ على فراشك، فأعاد قوله.

قال الحسن: أطمعوه وخوفوه فيما قدروا على شيء منه.

وترجمة هذا الإمام في طبقات ابن سعد مطوّلة في ثمان وثلاثين ورقة.

يحول إلى نظرائه

ص: 323

‌ومن صغار الصحابة:

‌268 - الضحاك بن قيس

(1)

: " س"

ابن خالد الأمير، أبو أمية، وقيل: أبو أنيس، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو سعيد الفهري القرشي.

عداده في صغار الصحابة، وله أحاديث.

خرَّج له النسائي، وقد روى عن حبيب بن مسلمة أيضًا.

حدَّث عنه: معاوية بن أبي سفيان -ووصفه بالعدالة، وسعيد بن جبير، والشعبي، ومحمد بن سويد الفهري، وعمير بن سعد، وسماك بن حرب، وأبو إسحاق السبيعي.

قال أبو القاسم ابن عساكر: شهد فتح دمشق وسكنها، وكان على عسكر دمشق يوم صفين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 410"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 3018"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 2019"، أسد الغابة "3/ 37"، الكاشف "2/ ترجمة 2458"، تجريد أسماء الصحابة "1/ 2851"، تهذيب التهذيب "4/ ترجمة 781"، الإصابة "2/ ترجمة رقم 4169"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3144".

ص: 323

حجاج بن محمد، عن ابن جريج، حدثني محمد بن طلحة، عن معاوية، أنه قال على المنبر: حدثني الضحاك بن قيس -وهو عدل على نفسه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزال والٍ من قريش على الناس".

وقال علي بن جدعان: عن الحسن، أنَّ الضحاك بن قيس كتب إلى قيس بن الهيثم -حين مات يزيد: أما بعد، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه"، وإن يزيد قد مات، وأنتم إخواننا، فلا تسبقونا بشيء حتى نختار لأنفسنا

(1)

.

قال الزبير بن بكار: كان الضحاك بن قيس مع معاوية، فولاه الكوفة، وهو الذي صلى على معاوية، وقام بخلافته حتى قدم يزيد، ثم بعده دعا إلى ابن الزبير، وبايع له، ثم دعا إلى نفسه، وفي بيت أخته فاطمة اجتمع أهل الشورى، وكانت نبيلة.

وذكره مسلم أنه بدريّ، فغلط.

وقال شباب: مات زياد بن أبيه سنة ثلاث وخمسين بالكوفة، فولاها معاوية الضحاك، ثم صرفه، وولاه دمشق، وولَّى الكوفة ابن أم الحكم، فبقي الضحاك على دمشق حتى هلك يزيد.

وقيل: إن الضحاك خطب بالكوفة قاعدًا.

وكان جوادًا، لبس بردًا تساوي ثلاث مائة دينار، فساومه رجل به، فوهبه له، وقال: شحّ بالمرء أن يبيع عطافه.

قال الليث: أظهر الضحاك بيعة ابن الزبير بدمشق، ودعا له، فسار عامَّة بني أمية وحشمهم، فلحقوا بالأردن، وسار مروان وبنو بحدل إلى الضحاك.

ابن سعد: أخبرنا المدائني، عن خالد بن يزيد، عن أبيه، وعن مسلمة بن محارب، عن حرب بن خالد، وغيره، أن معاوية بن يزيد لما مات دعا النعمان بن بشير بحمص إلى ابن الزبير، ودعا زفر بن الحارث أمير قنسرين إلى ابن الزبير، ودعا إليه بدمشق الضحّاك سرًّا لمكان بني أمية وبني كلب. وبلغ حسان بن بحدل وهو بفلسطين، وكان هواه في خالد بن يزيد، فكتب إلى الضحاك يعظم حق بني أمية، ويذم ابن الزبير، وقال للرسول: إن قرأ الكتاب،

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 453"، وابن سعد "7/ 410" وفيه: علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.

ص: 324

وإلا فاقرأه على الناس. وكتب إلى بني أمية، فلم يقرأ الضحاك كتابه، فكان في ذلك اختلاف، فسكتهم خالد بن يزيد، ودخل الضحاك داره أيامًا، ثم صلى بالناس، وذكر يزيد فشتمه، فقام رجل من كلب فضربه بعصًا، فاقتتل الناس بالسيوف، ودخل الضحاك دار الإمارة فلم يخرج، وتفرَّق الناس، ففرقة زبيرية، وأخرى بحدلية، وفرقة لا يبالون، ثم أرادوا أن يبايعوا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان فأبى، ثم توفِّي، وطلب الضحاك مروان، فأتاه هو وعمه والأشدق، وخالد بن يزيد وأخوه، فاعتذر إليهم، وقال: اكتبوا إلى ابن بحدل حتى ينزل الجابية ونسير إليه، ويستخلف أحدكم، فقدم ابن بحدل، وسار الضحاك وبنو أمية يريدون الجابية، فلما استقلت الرايات موجَّهة قال معن بن ثور، والقيسية للضحاك: دعوت إلى بيعة رجل أحزم الناس رأيًا وفضلًا وبأسًا، فلمَّا أجبناك سرت إلى هذا الأعرابي تبايع لابن أخته! قال: فما العمل? قالوا: تصرف الرايات وتنزل، فتظهر البيعة لابن الزبير، ففعل وتبعه الناس، فكتب ابن الزبير إليه بإمرة الشام، وطرد الأموية من الحجاز.

وخاف مروان فسار إلى ابن الزبير ليبايع، فلقيه بأذرعات عبيد الله بن زياد مقبلًا من العراق، فقال: أنت شيخ بني عبد مناف، سبحان الله! أرضيت أن تبايع أبا خبيب، ولأنت أولى، قال: فما ترى? قال ادع إلى نفسك، وأنا أكفيك قريشًا، ومواليها، فرجع ونزل بباب الفراديس، وبقي يركب إلى الضحاك كل يوم، فيسلم عليه ويرجع إلى منزله، فطعنه رجل بحربة في ظهره، وعليه درع فأثبت الحربة، فردَّ إلى منزله، وعاده الضحاك، وأتاه بالرجل فعفا عنه، ثم قال للضحاك: يا أبا أنيس! العجب لك، وأنت شيخ قريش تدعو لابن الزبير، وأنت أرضى منه! لأنك لم تزل متمسكًا بالطاعة، وهو، ففارق الجماعة. فأصغى إليه، ودعا إلى نفسه ثلاثة أيام، فقالوا: أخذت عهودنا وبيعتنا لرجل، ثم تدعوا إلى خلعه من غير حدث!، وأبوا، فعاود الدعاء لابن الزبير، فأفسده ذلك عند الناس، فقال له ابن زياد: من أراد ما تريد لم ينزل المدائن والحصون، بل يبرز ويجمع إليه الخيل، فاخرج وضم الأجناد، ففعل ونزل المرج، فانضمَّ إلى مروان وابن زياد جمع. وتزوج مروان بوالدة خالد بن يزيد، وهي ابنة هاشم بن عتبة بن ربيعة، وانضمَّ إليهم عباد بن زياد في مواليه، وانضمَّ إلى الضحاك زفر بن الحارث الكلابي أمير قنسرين، وشرحبيل بن ذي الكلاع، فصار في ثلاثين ألفًا، ومروان في ثلاثة عشر ألفًا، أكثرهم رجالة، وقيل: لم يكن مع مروان سوى ثمانين فرسًا، فالتقوا بالمرج أيامًا، فقال ابن زياد: لا تنال من هذا إلَّا بمكيدة، فادع إلى الموادعة، فإذا أمن فكُرْ عليهم، فراسله، فأمسكوا عن الحرب، ثم شدَّ مروان بجمعه على الضحاك، ونادى الناس: يا أبا أنيس! أعجزًا بعد كيس? فقال الضحاك: نعم لعمري، والتحم الحرب، وقتل الضحاك، وصبرت قيس، ثم انهزموا، فنادى منادي مروان: لا تتبعوا موليًا.

قال الواقدي: قتلت قيس بمرج راهط مقتلة لم تقتلها قط، في نصف ذي الحجة سنة أربع وستين.

وقيل: إن مروان لما أُتِيَ برأس الضحاك كره قتله، وقال: الآن حين كبرت سني، واقترب أجلي، أقبلت بالكتائب أضرب بعضها ببعض.

ص: 325

‌269 - الحسن بن علي بن أبي طالب

(1)

: " ع"

ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، الإمام السيد، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبطه، وسيد شباب أهل الجنة، أبو محمد القرشي الهاشمي المدني، الشهيد.

مولده: في شعبان سنة ثلاث من الهجرة، وقيل: في نصف رمضانها، وعقَّ عنه جده بكبش

(2)

.

وحفظ عن جده أحاديث، وعن أبيه وأمه.

حدَّث عنه: ابنه الحسن بن الحسن، وسويد بن غفلة، وأبو الحوراء

(3)

السعدي، والشعبي، وهبيرة بن يريم، وأصبغ بن نباتة، والمسيب بن نجبة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2491"، حلية الأولياء "2/ 35"، والاستيعاب "1/ 383"، تاريخ بغداد "1/ 138"، وأسد الغابة "2/ 9"، تهذيب الأسماء واللغات "1/ 158 - 160"، وفيات الأعيان "2/ 65 - 69"، تهذيب التهذيب "2/ ترجمة 528"، الإصابة "1/ ترجمة 1719"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة "1361".

(2)

صحيح: ورد من حديث ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسن كبشًا كبشًا". أخرجه أبو داود "2841"، والنسائي "7/ 166"، والطحاوي في "المشكل" "1/ 457"، والطبراني "11838"، وابن الجارود "911"، وورد من حديث أنس بن مالك قال: "عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن وحسين بكبشين" أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" "1/ 456"، وأبو يعلى "2945"، والبزار "1235"، والبيهقي "9/ 299" من طرق عن ابن وهب، أخبرني جرير بن حازم، عن قتادة عن أنس بن مالك به، وورد من حديث عائشة قالت: عقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن وحسين يوم السابع، وسماهما، وأمر أن يماط عن رءوسهما الأذى". أخرجه الحاكم "4/ 237"، والبيهقي "9/ 299 - 300" من طريق ابن وهب، أخبرني محمد من عمرو اليافعي، عن جريج، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة به.

(3)

أبو الحوراء: هو ربيعة بن شيبان السعدي -بمهلتين- البصري، ثقة، من الطبعة الثالثة، روى له أصحاب السنن الأربعة.

ص: 326

وكان يشبه جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله أبو جحيفة

(1)

.

أحمد: حدثنا غندر، حدثنا شعبة، سمعت بريد بن أبي مريم يحدث عن أبي الحوراء، قلت للحسن: ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة، فجعلتها في فيَّ، فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابها، فجعلها في التمر، فقيل: يا رسول الله! وما كان عليك من هذه التمرة لهذا الصبي? قال: "إنا آل محمد لا تحلّ لنا الصدقة"، قال: وكان يقول: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة"، وكان يعلمنا هذا الدعاء: "اللهم اهدني فيمن هديت

" الحديث

(2)

.

ابن سعد: أخبرنا عبيد الله، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء، عن الحسن قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في القنوت: "اللهم اهدني فيمن هديت"

(3)

.

إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ، عن علي قال: لما وُلِدَ الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أروني ابني ما سميتموه"؟ قلت: حرب، قال: "بل هو حسن

"، وذكر الحديث

(4)

.

(1)

أبو جحيفة: هو وهب بن عبد الله السوائي، والحديث أخرجه البخاري "3543"، ومسلم "2243"، والترمذي "3802"، وأحمد "4/ 307".

(2)

صحيح: أخرجه بتمامه عبد الرزاق "4984"، والطبراني في "الكبير""2708"، و"2711"، وأبو نعيم في "الحلية""8/ 264" من طريق بُريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء السعدي، به.

وقوله: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والشرّ ريبة" أخرجه الطيالسي "1178"، والترمذي "2518"، والحاكم "2/ 13" و"4/ 99" من طريق شعبة، حدثنا بُريد بن أبي مريم، به.

(3)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق "4984، والطيالسي "1177" و"1179"، وأحمد "1/ 200"، والدارمي "1/ 373"، والطبراني "2711" من طريق بريد بن أبي مريم، به.

وأخرجه أبو داود "1425"، والترمذي "464"، والنسائي "3/ 248"، والدارمي "1/ 373"، والطبراني "2705"، والبغوي "640" من طريق عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق السبيعي، عن بريد، به.

وأخرجه أحمد "1/ 199"، والطبراني "2712"، وابن الجارود "272"، وابن نصر "ص 135" في "مختصر قيام الليل" من طريق وكيع، عن يونس بن أبي إسحاق، عن بريد، به.

(4)

حسن: أخرجه أحمد "1/ 98 و 118"، والبخاري في "الأدب المفرد""823"، والبزار "742"، والطبراني في "الكبير""2773"، والحاكم "3/ 165 و 180"، والبيهقي "6/ 166" من طرق عن إسرائيل، به. وأخرجه الطبراني "2774" و"2776"، والحاكم "3/ 168" من طريق أبي إسحاق، به.

قلت: إسناده حسن، هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي، قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات".

ص: 327

يحيى بن عيسى التميمي: حدَّثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، قال علي: كنت رجلًا أحب الحرب، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حربًا، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن، فلمَّا ولد الحسين هممت أن أسميه حربًا، فسمَّاه الحسين، وقال:"إنني سميت ابنيَّ هذين باسم ابني هارون شبر وشبير"

(1)

.

عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي، عن أبيه، أنه سمَّى ابنه الأكبر حمزة، وسمَّى حسينًا بعمه جعفر، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"قد غيرت اسم ابنيَّ هذين" فسمَّى حسنًا وحسينًا

(2)

.

ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة قال: لما ولدت فاطمة حسنًا، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فسماه حسنًا، فلما ولدت الآخر سماه حسينًا، وقال:"هذا أحسن من هذا" فشقَّ له من اسمه.

ذكر الزبير بن بكار: أنه -أعني: الحسن- ولد في نصف رمضان سنة ثلاث، وفي شعبان أصحّ.

السفيانان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أذَّن في أذن الحسن بالصلاة حين ولد

(3)

.

أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا

(4)

.

شريك، عن ابن عقيل، عن علي بن الحسين، عن أبي رافع، قال: لما ولدت فاطمة

(1)

ضعيف: أخرجه الطبراني في الكبير "2777" من طريق عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا يحيى بن عيسى الرملي التميمي، به.

قلت: إسناده ضعيف؛ لانقطاعه بين سالم بن أبي الجعد وعليّ بن أبي طالب، فهو مشهور كثير الإرسال عن كبار الصحابة كعمر وعلي وعائشة وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم.

(2)

حسن: أخرجه أحمد "1/ 159"، والطبراني في الكبير "3/ 2780" من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، به.

قلت: إسناده حسن، عبد الله بن محمد بن عقيل، صدوق، في حديثه لين.

(3)

حسن لغيره: أخرجه أحمد "6/ 9 و 392"، وأبو داود "5105"، والترمذي "1514"، والطبراني "2578"، والبيهقي "9/ 305"، وفيه عاصم بن عبيد الله، ضعيف، وله شاهد عند البيهقي في "الشعب" من حديث ابن عباس، به.

(4)

صحيح: تقدَّم تخريجنا له قريبًا بتعليقنا رقم "627"، وهو عند أبي داود "2841"، والنسائي "7/ 166"، والطحاوي في "المشكل""1/ 457"، والطبراني "11838" وغيرهم، فراجعه ثَمَّتَ.

ص: 328

حسنًا، قالت: يا رسول الله! ألَا أعق عن ابني بدم? قال: "لا، لكن احلقي رأسه، وتصدَّقي بوزن شعره فضةً على المساكين" ففعلت

(1)

.

جعفر الصادق، عن أبيه قال: وزنت فاطمة شعر حسن وحسين وأم كلثوم، فتصدقت بزنته فضة.

حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث قال: صلى بنا أبو بكر العصر، ثم قام وعلي يمشيان، فرأى الحسن يلعب مع الغلمان، فأخذه أبو بكر فحمله على عنقه، وقال:

بأبي شبيه النبي

ليس شبيه بعلي

وعليّ يتبسَّم

(2)

.

علي بن عابس، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن البهيّ قال: دخل علينا ابن الزبير فقال: رأيت الحسن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، يركب على ظهره، ويأتي وهو راكع، فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر

(3)

.

وقال الزهري: قال أنس: كان أشبههم بالنبي -عليه الصلاة السلام- الحسن بن علي

(4)

.

إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ، عن علي قال: الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه به ما كان أسفل من ذلك

(5)

.

(1)

حسن: أخرجه أحمد "6/ 390"، والطبراني في "الكبير""1/ 917" و"3/ 2576" من طريق شريك، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته شريك، وهو ابن عبد الله النخعي القاضي، سيئ الحفظ، وابن عقيل: هو عبد الله بن محمد بن عقيل، صدوق، في حديثه لين. وتابع شريكًا زكريا بن عدي عند أحمد "6/ 392" قال: حدثنا زكريا بن عدي قال: أنا عبيد الله بن عمر، وعن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن علي بن الحسين، به.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "3542".

(3)

ضعيف: فيه علي بن عابس، ضعيف، أجمعوا على ضعفه، وفيه يزيد بن أبي زياد الهاشمي، مولاهم، الكوفي، ضعيف، كبر فتغيِّر، صار يتلقَّن.

(4)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق "20984"، ومن طريقه البخاري "3752"، والترمذي "3778" والطبراني "2543" عن معمر، عن الزهري، عن أنس، به.

(5)

حسن: أخرجه أحمد "1/ 99 و 108"، وفي "فضائل الصحابة له "1366"، والترمذي "3779" وابن حبَّان "2235" موارد من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي، به.

قلت: إسناده حسن، هانئ بن هانئ، قال النسائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في "الثقات".

ص: 329

عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس، أنه شبَّه الحسن بالنبي صلى الله عليه وسلم.

قال أسامة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن، ويقول:"اللهمَّ إني أحبهما فأحبهما"

(1)

.

وفي "الجعديات" لفضيل بن مرزوق، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن:"اللهم إني أحبه فأحبه، وأحبّ من يحبه" صححه الترمذي

(2)

.

أحمد، حدثنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن نافع بن جبير، عن أبي هريرة، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن:"اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه"

(3)

.

ورواه نعيم المجمر، عن أبي هريرة، فزاد: قال: فما رأيت الحسن إلَّا دمعت عيني.

وروى نحوه ابن سيرين عنه، وفي ذلك عدة أحاديث، فهو متواتر.

قال أبو بكرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن إلى جنبه، وهو يقول:"إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"

(4)

.

يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد مرفوعًا:"الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"

(5)

. صححه الترمذي.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "3747".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "3749"، ومسلم "2422" من طريق شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء، به.

(3)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 249 و 331".

(4)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 37 - 38 و 49"، والبخاري "3704" و"3629" و"3746" و"7109"، وأبو داود "4662"، والترمذي "2953"، والنسائي "3/ 107"، وفي "عمل اليوم والليلة" له "251"، وفي "فضائل الصحابة""63"، والطبراني "2590" و"2592" من طريق الحسن، أخبرني أبي بكرة، به.

قلت: الإسناد صحيح متصل، فرواية الحسن البصري عن أبي بكرة في البخاري.

(5)

صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "12/ 96"، وأحمد "3/ 3 و 62 و 64 و 82"، وفي "فضائل الصحابة" له "1360" و"1368" و"1384"، والترمذي "3768"، وأبو يعلى "1169"، والحاكم "3/ 166 - 167"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار""2/ 393"، والطبراني "2610" و"2611" و"2612" و"2613"، والخطيب في "تاريخه""4/ 207" وأبو نعيم في "الحلية""5/ 71" من طرق عن عبد الرحمن ابن أبي نعم، حدثني أبي سعيد الخدري، به.

ص: 330

وحسَّن الترمذي من حديث أسامة بن زيد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وهو مشتمل على شيء، قلت: ما هذا? فكشف، فإذا حسن وحسين على وركيه، فقال:"هذان ابناي، وابنا بنتي، اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما"

(1)

.

تفرَّد به عبد الله بن أبي بكر بن زيد بن المهاجر المدني، عن مسلم بن أبي سهل النبال، عن الحسن بن أسامة، عن أبيه، ولم يروه غير موسى بن يعقوب الزمعيّ، عن عبد الله، فهذا مما ينتقد تحسينه على الترمذي.

وحسن أيضًا ليوسف بن إبراهيم، عن أنس: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ أهل بيتك أحبّ إليك? قال: "الحسن والحسين"، وكان يشمهما ويضمهما إليه

(2)

.

ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن زر، عن حذيفة، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"هذا ملك لم ينزل قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يسلّم عليَّ ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"

(3)

. حسَّنه الترمذي.

وصحَّح للبراء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أبصر الحسن والحسين فقال: "اللهم إني أحبهما، فأحبهما"

(4)

.

قال قابوس بن أبي ظبيان: عن أبيه، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم، فرج بين فخذي الحسن، وقبَّل زبيبه

(5)

.

وقد كان هذا الإمام سيدًا وسيمًا جميلًا، عاقلًا رزينًا، جوادًا ممدحًا، خيرًا دينًا،

(1)

صحيح: أخرجه الترمذي "3769".

(2)

ضعيف: أخرجه الترمذي "3772"، وفيه يوسف بن إبراهيم التميمي، أبو شيبة الجوهري الواسطي، ضعيف.

(3)

صحيح: أخرجه الترمذي "3781"، وفيه المنهال بن عمرو، صدوق.

وأخرجه أحمد "5/ 391"، والخطيب "6/ 372"، والحاكم "3/ 151".

(4)

صحيح: هو عند الترمذي "3782"، وتقدَّم تخريجنا له قريبًا بتعليقنا رقم "644".

(5)

ضعيف: أخرجه الطبراني "2658"، وفيه قابوس بن أبي ظبيان، قال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال أحمد: ليس بذلك، لم يكن من النقد الجيد. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبَّان في "المجروحين""2/ 216": "كان رديء الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، ربما رفع المراسيل وأسند الموقوف".

ص: 331

ورعًا محتشمًا، كبير الشأن، وكان منكاحًا مطلاقًا، تزوَّج نحوًا من سبعين امرأة، وقلَّما كان يفارقه أربع ضرائر.

عن جعفر الصادق أنَّ عليًّا قال: يا أهل الكوفة، لا تزوجوا الحسن، فإنه مطلاق، فقال رجل: والله لنزوجنَّه، فما رضي أمسك، وما كره طلق.

قا ل ابن سيرين: تزوَّج الحسن امرأة، فأرسل إليها بمائة جارية، مع كل جارية ألف درهم.

وكان يعطي الرجل الواحد مائة ألف.

وقيل: إنه حجَّ خمس عشرة مرة، وحجَّ كثيرًا منها ماشيًا من المدينة إلى مكة، ونجائبه تقاد معه.

الحاكم في "مستدركه": من طريق عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن زهير بن الأقمر البكري قال: قام الحسن بن علي يخطبهم، فقام رجل من أزد شنوءة فقال: أشهد، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واضعه في حبوته، وهو يقول:"من أحبني فليحبه، وليبلغ الشاهد الغائب".

وفي "جامع الترمذي" من طريق علي بن الحسن بن علي، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الحسن والحسين، فقال:"من أحبّ هذين وأباهما وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة". إسناده ضعيف، والمتن منكر.

"المسند": حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن زهير بن الأقمر قال: بينما الحسن يخطب بعد ما قُتِلَ علي؛ إذ قام رجل من الأزد، آدم طوال، فقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعه في حبوته يقول: "من أحبني فليحبه، فليبلغ الشاهد الغائب"، ولولا عزمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدَّثتكم

(1)

.

علي بن صالح، وأبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذان ابناي، من أحبهما فقد أحبني".

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 366"، وفيه زهير بن الأقمر، أبو كثير، مجهول، لذا قال الحافظ في التقريب: مقبول.

ص: 332

جماعة، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل حسنًا وحسينًا وفاطمة بكساء، ثم قال:"اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا"

(1)

.

إسرائيل، عن ابن أبي السفر، عن الشعبي، عن حذيفة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا حذيفة، جاءني جبريل فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".

وروي نحوه، عن قيس بن أبي حازم، وزر عن حذيفة.

إسماعيل بن عياش: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أحدهما قبل الآخر، فجعل يده في رقبته، ثم ضمَّه إلى إبطه، ثم قبَّل هذا، ثم قبَّل هذا، وقال:"إني أحبهما فأحبهما"، ثم قال:"أيها الناس إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة".

معمر، عن ابن خثيم، عن محمد بن الأسود بن خلف، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حسنًا فقبَّله، ثم أقبل عليه فقال:"إن الولد مبخلة مجبنة".

كامل أبو العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة

(1)

فيه شهر بن حوشب، ضعيف، سيئ الحفظ. وقد ورد بهذا اللفظ عن أم سلمة عند الترمذي "3205" و"3787" حدثنا قتيبة، حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني، عن يحيى بن عبيد، عن عطاء بن أبي رياح، عن عمر بن أبي سلمة، ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، عن أمَّه في قصة.

قلت: إن كان يحيى بن عبيد هو المكي، مولى بني مخزوم، فهو ثقة، والإسناد حسن، وإلّا فهو مجهول. ويضعف الإسناد به، وهذا الراوي لم يتبين للحافظ المزي، وللحافظ ابن حجر العسقلاني لم يتبين لهما من هو، فقال: يحتمل أن يكون يحيى بن عبيد المكي، وإلّا فهو مجهول، وإن كنت أرجّح أن الحديث ضعيف بهذا اللفظ لجهالة هذا الرجل، لماذا؟ لأنَّ الترمذي قال في إثر الحديث:"هذا حديث غريب من حديث عطاء، عن عمر بن أبي سلمة".

يقو ل محمد أيمن الشبراوي: اصطلاح الترمذي هذا: "هذا حديث غريب" معروف عند الأكابر بله أصاغر طلاب علم الحديث أنَّ الحديث ضعيف عنده، فيحيى بن عبيد ليس المكي، وإنما هو رجل مجهول والله -تعالى- أعلم.

لكن قد ورد الحديث عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء ا لحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].

أخرجه مسلم "2424" بإسناد عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، به.

ص: 333

العشاء، فكان إذا سجد ركب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه رفعهما رفعًا رفيقًا، ثم إذا سجد عادا، فلمَّا صلى قلت: ألَا أذهب بهما إلى أمهما? قال: فبرقت برقة، فلم يزالا في ضوئها حتى دخلا على أمهما.

رواه أبو أحمد الزبيري، وأسباط بن محمد عنه.

زيد بن الحباب، عن حسين بن واقد: حدَّثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما، فوضعهما بين يديه، ثم قال:"صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]. رأيت هذين، فلم أصبر" ثم أخذ في خطبته.

أبو شهاب، مسروح، عن الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع، وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول:"نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما". مسروح ليِّن.

جرير بن حازم: حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن عبد الله بن شداد، عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حامل حسنًا أو حسينًا، فتقدَّم فوضعه، ثم كبَّر في الصلاة، فسجد سجدة أطالها، فرفعت رأسي، فإذا الصبي على ظهره، فرجعت في سجودي، فلمَّا قضى صلاته قالوا: يا رسول الله، إنك أطلت! قال:"إن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته".

قلت: أين الفقيه المتنطع عن هذا الفعل?

عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الحسن على عاتقه، فقال رجل: يا غلام! نعم المركب ركبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ونعم الراكب هو". رواه أبو يعلى في "مسنده".

أحمد في "مسنده": حدثنا تليد بن سليمان، حدثنا أبو الجحاف، حدثنا أبو حازم، عن أبي هريرة قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وابنيه وفاطمة، فقال:"أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم".

الطيالسي في "مسنده": حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبي فاختة، قال عليّ: زارنا رسول

ص: 334

الله صلى الله عليه وسلم، فبات عندنا، والحسن والحسين نائمان، فاستسقى الحسن، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قربة وسقاه، فتناول الحسين ليشرب، فمنعه وبدأ بالحسن، فقالت فاطمة: يا رسول الله! كأنَّه أحبهما إليك، قال:"لا، ولكن هذا استسقى أولًا"، ثم قال:"إني وإياك وهذين يوم القيامة في مكان واحد"، وأحسبه قال:"وعليًّا".

بقية، عن بحير، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسن مني، والحسين من علي".

رواه ثلاثة عنه، وإسناده قوي.

ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: كنت مع الحسن، فلقينا أبو هريرة، فقال: أرني أقبّل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل، فقال بقميصه، فقبَّل سرته.

رواه عدة عنه.

حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي، عن معاوية قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمصّ لسانه أو شفته -يعني: الحسن، وإنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد.

يحيى بن معين: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للحسن:"إن ابني هذا سيد، يصلح الله به فئتين من المسلمين".

ومثله من حديث الحسن، عن أبي بكرة

(1)

.

رواه يونس، ومنصور بن زاذان، وإسرائيل أبو موسى، وهشام بن حسان، وأشعث بن سوار، ومبارك بن فضالة، وغيرهم، عنه.

الواقدي: حدثني موسى بن محمد التيمي، عن أبيه، أن عمر لما دوَّن الديوان، ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما؛ لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرض لكلٍّ منهما خمسة آلاف درهم.

أبو المليح الرقي: حدثنا هاشم الجعفي قال: فاخر يزيد بن معاوية الحسن بن علي،

(1)

صحيح: تقدَّم تخريجنا له قريبًا بتعليقنا رقم "646".

ص: 335

فقال له أبوه: فاخرت الحسن? قال: نعم، قال: لعلك تظن أن أمك مثل أمه، أو جدَّك كجده، فأمَّا أبوك وأبوه فقد تحاكما إلى الله، فحكم لأبيك على أبيه.

زهير بن معاوية: حدثنا عبيد الله بن الوليد، حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير، قال ابن عباس: ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلَّا أنِّي لم أحجّ ماشيًا، ولقد حجَّ الحسن بن علي خمسًا وعشرين حجة ماشيًا، وإن النجائب لتقاد معه، ولقد قاسم الله ماله ثلاث مرات، حتى إنه يعطي الخف ويمسك النعل.

روى نحوًا منه محمد بن سعد، حدثنا علي بن محمد، حدثنا خلاد بن عبيد، عن ابن جدعان، لكن قال: خمس عشرة مرة.

روى مغيرة بن مقسم، عن أم موسى، كان الحسن بن علي إذا أوى إلى فراشه قرأ الكهف.

قال سعيد بن عبد العزيز: سمع الحسن بن علي رجلًا إلى جنبه يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف فبعث بها إليه.

رجاء، عن الحسن، أنَّه كان مبادرًا إلى نصرة عثمان، كثير الذبّ عنه، بقي في الخلافة بعد أبيه سبعة أشهر.

إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي، أنه خطب وقال: إن الحسن قد جمع مالًا، وهو يريد أن يقسمه بينكم، فحضر الناس، فقام الحسن، فقال: إنما جمعته للفقراء، فقام نصف الناس.

القاسم بن الفضل الحداني: حدثنا أبو هارون قال: انطلقنا حجَّاجًا، فدخلنا المدينة، فدخلنا على الحسن، فحدثناه بمسيرنا وحالنا، فلمَّا خرجنا بعث إلى كلِّ رجل منا بأربع مائة، فرجعنا فأخبرناه بيسارنا، فقال: لا تردوا عليّ معروفي، فلو كنت على غير هذه الحال كان هذا لكم يسيرًا، أما إني مزودكم: إن الله يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة.

قال المدائني: أحصن الحسن تسعين امرأة.

الواقدي: حدَّثنا ابن أبي سبرة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرجنا إلى الجمل ست مائة، فأتينا الربذة، فقام الحسن فبكى، فقال علي: تكلّم ودع عنك أن تحنّ حنين الجارية، قال: إني كنت أشرت عليك بالمقام، وأنا أشيره الآن، إن للعرب جولة، ولو قد رجعت إليها عوازب أحلامها قد ضربوا إليك آباط الإبل حتى

ص: 336

يستخرجوك، ولو كنت في مثل جحر ضب. قال: أتراني -لا أبا لك- كنت منتظرًا كما ينتظر الضبع اللدم؟.

إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، قال: قيل لعلي: هذا الحسن في المسجد يحدّث الناس، فقال: طحن إبل لم تعلَّم طحنًا.

شعبة، عن أبي إسحاق، عن معد يكرب، أن عليًّا مَرَّ على قوم قد اجتمعوا على رجل، فقال: من ذا? قالوا: الحسن، قال: طحن إبل لم تعوّد طحنًا، إن لكل قوم صدادًا، وإن صدادنا الحسن.

جعفر بن محمد، عن أبيه؛ قال علي: يا أهل الكوفة! لا تزوجوا الحسن، فإنه رجل مطلاق، قد خشيت أن يورثنا عداوة في القبائل.

عن سويد بن غفلة، قال: كانت الخثعمية تحت الحسن، فلمَّا قتل علي وبويع الحسن، دخل عليها، فقالت: لتهنك الخلافة، فقال: أظهرت الشماتة بقتل علي، أنت طالق ثلاثًا، فقالت: والله ما أردت هذا، ثم بعث إليها بعشرين ألفًا، فقالت:

متاع قليل من حبيب مفارق

شريك، عن عاصم، عن أبي رزين قال: خطبنا الحسن بن علي يوم جمعة، فقرأ سورة إبراهيم على المنبر حتى ختمها.

منصور بن زاذان، عن ابن سيرين، قال: كان الحسن بن علي لا يدعو أحدًا إلى الطعام، يقول: هو أهون من أن يدعى إليه أحد.

قال المبرد: قيل للحسن بن علي: إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتَّكل على حسن اختيار الله له لم يتمَّن شيئًا، وهذا حد الوقوف على الرضى بما تصرف به القضاء.

عن الحرمازي: خطب الحسن بن علي بالكوفة، فقال: إن الحلم زينة، والوقار مروءة، والعجلة سفه، والسفه ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شين، ومخالطة الفساق ريبة.

زهير، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الأصم، قلت للحسن: إن الشيعة تزعم أن عليًّا مبعوث قبل يوم القيامة، قال: كذبوا، والله ما هؤلاء بالشيعة، لو علمنا أنه مبعوث ما زوَّجنا نساءه، ولا اقتسمنا ماله.

قال جرير بن حازم: قتل علي، فبايع أهل الكوفة الحسن، وأحبوه أشد من حب أبيه.

ص: 337

وقال الكلبي: بويع الحسن، فوليها سبعة أشهر وأحد عشر يومًا، ثم سلّم الأمر إلى معاوية.

وقال عوانة بن الحكم: سار الحسن حتى نزل المدائن، وبعث قيس بن سعد على المقدمات، وهم اثنا عشر ألفًا، فوقع الصائح: قُتِلَ قيس، فانتهب الناس سرادق الحسن، ووثب عليه رجل من الخوارج فطعنه بالخنجر، فوثب الناس على ذلك فقتلوه، فكتب الحسن إلى معاوية في الصلح.

ابن سعد: حدثنا محمد بن عبيد، عن مجالد، عن الشعبي، وعن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه: إنَّ أهل العراق لما بايعوا الحسن قالوا له: سِرْ إلى هؤلاء الذين عصوا الله ورسوله، وارتكبوا العظائم، فسار إلى أهل الشام، وأقبل معاوية حتى نزل جسر منبج، فبينا الحسن بالمدائن؛ إذ نادى منادٍ في عسكره: ألَا إن قيس بن سعد قد قُتِل، فشدَّ الناس على حجرة الحسن، فنهبوها حتى انتهبت بسطه، وأخذوا رداءه، وطعنه رجل من بني أسد في ظهره بخنجر مسموم في أليته، فتحوّل ونزل قصر كسرى الأبيض، وقال: عليكم لعنة الله من أهل قرية، قد علمت أن لا خير فيكم، قتلتم أبي بالأمس، واليوم تفعلون بي هذا، ثم كاتب معاوية في الصلح على أن يسلّم له ثلاث خصال: يسلم له بيت المال، فيقضي منه دينه، ومواعيده ويتحمّل منه هو وآله، ولا يسب علي وهو يسمع، وأن يحمل إليه خراج، فسا ودرابجرد كل سنة إلى المدينة، فأجابه معاوية، وأعطاه ما سأل.

ويقال: بل أرسل عبد الله بن الحارث بن نوفل إلى معاوية حتى أخذ له ما سأل، فكتب إليه الحسن: أن أقبل، فأقبل من جسر منبج إلى مسكن في خمسة أيام، فسلّم إليه الحسن الأمر، وبايعه حتى قدما الكوفة، ووفَّى معاوية للحسن ببيت المال، وكان فيه يومئذ سبعة آلاف ألف درهم، فاحتملها الحسن، وتجهّز هو وأهل بيته إلى المدينة، وكفَّ معاوية عن سب علي والحسن يسمع، وأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم، وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين.

وأخبرنا عبد الله بن بكر، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن عمرو بن دينار، أن معاوية كان يعلم أن الحسن أكره الناس للفتنة، فلمَّا توفي علي بعث إلى الحسن، فأصلح ما بينه وبينه سرًّا، وأعطاه معاوية عهدًا إن حدث به حدث، والحسن حي ليسمينه، وليجعلنَّ الأمر إليه، فلمَّا توثق منه الحسن، قال ابن جعفر: والله إني لجالس عند الحسن؛ إذ أخذت لأقوم، فجذب بثوبي، وقال: يا هناه اجلس! فجلست، فقال: إني قد رأيت رأيًا، وإني أحب أن تتابعني عليه! قلت: ما هو؟ قال: قد رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها، وأخلي بين معاوية

ص: 338

وبين هذا الحديث، فقد طالت الفتنة، وسفكت الدماء، وقطعت الأرحام والسبل، وعطلت الفروج.

قال ابن جعفر: جزاك الله خيرًا عن أمة محمد، فأنا معك، فقال: ادع لي الحسين! فأتاه فقال: أي أخي! قد رأيت كيت وكيت، فقال: أعيذك بالله أن تكذب عليًّا، وتصدق معاوية، فقال الحسن: والله ما أردت أمرًا قط إلَّا خالفتني، والله لقد هممت أن أقذفك في بيت، فأطينه عليك حتى أقضي أمري، فلمَّا رأى الحسين غضبه قال: أنت أكبر ولد علي، وأنت خليفته، وأمرنا لأمرك تبع، فقام الحسن فقال: أيها الناس! إني كنت أكره الناس لأوّل هذا الأمر، وأنا أصلحت آخره، إلى أن قال: إن الله قد ولاك يا معاوية هذا الحديث لخير يعلمه عندك، أو لشر يعلمه فيك {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأنبياء: 111]. ثم نزل.

شريك، عن عاصم، عن أبي رزين قال: خطبنا الحسن بن علي يوم جمعة، فقرأ إبراهيم على المنبر حتى ختمها.

قال أبو جعفر الباقر: كان الحسن والحسين لا يريان أمهات المؤمنين، فقال ابن عباس: إن رؤيتهنّ حلال لهما.

قلت: الحلّ متيقّن.

ابن عون، عن محمد، قال الحسن: الطعام أدق من أن نقسم عليه.

وقال قرة: أكلت في بيت ابن سيرين، فلمَّا رفعت يدي قال: قال الحسن بن علي: إن الطعام أهون من أن يقسم عليه.

روى جعفر بن محمد، عن أبيه: إن الحسن والحسين كانا يقبلان جوائز معاوية.

أبو نعيم: حدثنا مسافر الجصاص، عن رزيق بن سوار قال: كان بين الحسن ومروان كلام، فأغلظ مروان له، والحسن ساكت، فامتخط مروان بيمينه، فقال الحسن: ويحك، أما علمت أن اليمين للوجه، والشمال للفرج? أفٍّ لك! فسكت مروان.

وعن محمد بن إبراهيم التيمي، أنَّ عمر ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر؛ لقرابتهما برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ابن سعد: أخبرنا علي بن محمد، عن حمَّاد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن

ص: 339

عباس، قال: اتحد الحسن والحسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول:"هي يا حسن خذ يا حسن"، فقالت عائشة: تعين الكبير? قال: "إن جبريل يقول: خذ يا حسين".

شيبان، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، سمع الحسن يقول: والله لا أبايعكم إلَّا على ما أقول لكم.

قالوا: ما هو? قال: تسالمون من سالمت، وتحاربون من حاربت.

قال علي بن محمد المدائني: عن خلاد بن عبيدة، عن علي بن جدعان قال: حجَّ الحسن بن علي خمس عشرة حجة ماشيًا، وإن النجائب لتقاد معه، وخرج من ماله مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرات.

الواقدي: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال علي: ما زال حسن يتزوج ويطلق حتى خشيت أن يكون يورثنا عداوة في القبائل، يا أهل الكوفة! لا تزوجوه، فإنه مطلاق، فقال رجل من همدان: والله لنزوجنَّه، فما رضي أمسك، وما كره طلق.

قال المدائني: أحصن الحسن تسعين امرأة.

شريك: عن عاصم، عن أبي رزين، قال: خطبنا الحسن بن علي وعليه ثياب سود، وعمامة سوداء.

زهير بن معاوية: حدثنا مخول، عن أبي سعيد، أن أبا رافع أتى الحسن بن علي وهو يصلي عاقصًا رأسه، فحله، فأرسله، فقال الحسن: ما حملك على هذا? قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصلي الرجل عاقصًا رأسه".

وروى نحوه ابن جريج، عن عمران بن موسى، أخبرني سعيد المقبري، أن أبا رافع مَرَّ بحسن وقد غرز ضفيرته في قفاه، فحلها، فالتفت مغضبًا. قال: أقبل على صلاتك ولا تغضب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ذلك كفل الشيطان". يعني: مقعد الشيطان.

حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن الحسن والحسين كانا يتختَّمان في اليسار.

الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن قيس مولى خباب، رأيت الحسن يخضّب بالسواد.

حجاج بن نصير: حدثنا يمان بن المغيرة، حدثني مسلم بن أبي مريم، قال: رأيت الحسن بن علي يخضب بالسواد.

ص: 340

أبو الربيع السمان، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: رأيت الحسن بن علي قد خضَّب بالسواد.

مجالد، عن الشعبي، وعن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، وعن غيرهما قالوا: بايع أهل العراق الحسن، وقالوا له: سر إلى هؤلاء، فسار إلى أهل الشام، وعلى مقدمته قيس بن سعد، في اثني عشر ألفًا.

وقال غيره: فنزل المدائن، وأقبل معاوية؛ إذ نادى منادٍ في عسكر الحسن: قُتِلَ قيس، فشدَّ الناس على حجرة الحسن، فانتهبوها حتى انتهبوا جواريه، وسلبوا رداءه، وطعنه ابن أقيصر بخنجر مسموم في أليته، فتحوّل، ونزل قصر كسرى، وقال: عليكم اللعنة، فلا خير فيكم.

ابن أبي شيبة: حدثنا زيد بن الحباب، عن حسين بن واقد، حدثني عبد الله بن بريدة، أن الحسن دخل على معاوية، فقال: لأجيزنَّك بجائزة لم أجز بها أحدًا، فأجازه بأربع مائة ألف، أو أربع مائة ألف ألف، فقبلها.

وفي "مجتنى" ابن دريد: قام الحسن بعد موت أبيه، فقال: والله ما ثنانا عن أهل الشام شكّ ولا ندم، وإنما كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في منتدبكم إلى صفين، دينكم أمام دنياكم، فأصبحتم ودنياكم أمام دينكم، ألَا وإنا لكم كما كنا، ولستم لنا كما كنتم، ألَا وقد أصبحتم بين قتيلين؛ قتيل بصفين تبكون عليه، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره، فأمَّا الباقي فخاذل، وأما الباكي فثائر، ألَا وإنَّ معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددنا عليه، وإن أردتم الحياة قبلناه. قال: فناداه القوم من كل جانب: التقية التقية، فلمَّا أفردوه أمضى الصلح.

يزيد: أخبرنا العوام بن حوشب، عن هلال بن يساف، سمعت الحسن يخطب ويقول: يا أهل الكوفة! اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم، وإنا أضيافكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله فيهم:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33]. قال: فما رأيت قط باكيًا أكثر من يومئذ.

أبو عوانة، عن حصين [بن عبد الرحمن]، عن أبي جميلة [ميسرة بن يعقوب]، أنَّ الحسن بينما هو يصلي؛ إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر، قال حصين: وعمِّي أدرك ذاك، فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه، فمرض منها أشهرًا، فقعد على المنبر فقال: اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وأضيافكم الذي قال الله فينا. قال: فما أرى في المسجد إلَّا من يحنّ بكاءً.

ص: 341

حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان، عن أبي موسى، سمع الحسن يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب مثل الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها، فقال له معاوية -وكان والله خير رجلين- أي: عمرو، إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور المسلمين، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم?! فبعث إليهم برجلين من قريش؛ عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه، فأتياه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها، قالا: فإنا نعرض عليك كذا وكذا، ونطلب إليك، ونسألك، قال: فمن لي بهذا? قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئًا إلَّا قالا: نحن لك به، فصالحه، قال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن ابني هذا سيد

"، وذكر الحديث

(1)

.

ابن أبي عدي، عن ابن عون، عن أنس بن سيرين قال: قال الحسن بن علي: ما بين جابرس، وجابلق رجل جده نبي، غيري وغير أخي، وإني رأيت أن أصلح بين الأمة، ألَا وإنا قد بايعنا معاوية، ولا أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.

قال معمر: جابلق وجابرس: المشرق والمغرب.

هشيم، عن مجالد، عن الشعبي، أن الحسن خطب فقال: إن أكيس الكيس التقى، وإن أحمق الحمق الفجور، ألَا وإنَّ هذه الأمور التي اختلفت فيها أنا ومعاوية، تركت لمعاوية إرادة إصلاح المسلمين، وحقن دمائهم.

هوذة، عن عوف عن محمد، قال: لما ورد معاوية الكوفة، واجتمع عليه الناس، قال له عمرو بن العاص: إن الحسن مرتفع في الأنفس؛ لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه حديث السنّ، عيي، فمره فليخطب، فإنه سيعيى، فيسقط من أنفس الناس، فأبى، فلم يزالوا به حتى أمره، فقام على المنبر دون معاوية: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: لو ابتغيتم بين جابلق وجابرس رجلًا جده نبي غيري وغير أخي لم تجدوه، وإنَّا قد أعطينا معاوية بيعتنا، ورأينا أن حقن الدماء خير:{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأنبياء: 111]. وأشار بيده إلى معاوية، فغضب معاوية، فخطب بعده خطبة عيية فاحشة، ثم نزل، وقال: ما أردت بقولك: فتنة لكم، ومتاع? قال: أردت بها ما أراد الله بها.

(1)

صحيح: تقدَّم تخريجنا له قريبًا برقم "646" فراجعه ثَمَّ.

ص: 342

القاسم بن الفضل الحداني، عن يوسف بن مازن قال: عرض للحسن رجل، فقال: يا مسود وجوه المؤمنين! قال: لا تعذلني، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أريهم يثبون على منبره رجلًا رجلًا، فأنزل الله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]. قال: ألف شهر يملكونه بعدي -يعني: بني أمية.

سمعه منه أبو سلمة التبوذكي، وفيه انقطاع.

وعن فضيل بن مرزوق قال: أتى مالك بن ضمرة الحسن، فقال: السلام عليك يا مسخِّم وجوه المؤمنين، فقال: لا تقل هذا، وذكر كلامًا يعتذر به رضي الله عنه، وقال له آخر: يا مذل المؤمنين! فقال: لا، ولكن كرهت أن أقتلكم على الملك.

عاصم بن بهدلة، عن أبي رزين، قال: خطبنا الحسن بن علي، وعليه ثياب سود، وعمامة سوداء.

محمد بن ربيعة الكلابي، عن مستقيم بن عبد الملك، قال: رأيت الحسن والحسين شابا ولم يخضِّبا، ورأيتهما يركبان البراذين بالسروج المنمرة.

جعفر بن محمد، عن أبيه، أنَّ الحسن والحسين كانا يتختَّمان في يسارهما، وفي الخاتم ذكر الله.

وعن قيس مولى خباب، قال: رأيت الحسن يخضّب بالسواد.

شعبة، عن أبي إسحاق، عن العيزار: إنَّ الحسن كان يخضِّب بالسواد.

وعن عبيد الله بن أبي يزيد: رأيت الحسن خضب بالسواد.

ابن علية، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: دخلنا على الحسن بن علي نعوده، فقال لصاحبي: يا فلان، سلني، ثم قام من عندنا، فدخل كنيفًا، ثم خرج، فقال: إني والله قد لفظت طائفة من كبدي قلبتها بعود، وإني قد سقيت السمّ مرارًا، فلم أسق مثل هذا، فلمَّا كان الغد أتيته وهو يسوق، فجاء الحسين، فقال: أي أخي! أنبئني من سقاك? قال: لِمَ! لتقتله? قال: نعم، قال: ما أنا محدثك شيئًا إن يكن صاحبي الذي أظنّ، فالله أشد نقمة، وإلّا -فوالله- لا يقتل بي بريء.

عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، قلت للحسن: يقولون: إنك تريد الخلافة، فقال: كانت جماجم العرب في يدي، يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها لله، ثم أبتزها بأتياس الحجاز.

ص: 343

رواه الطيالسي في "مسنده"، عن شعبة، عن يزيد بن خمير، فقال مرة: عن عبد الرحمن بن نمير، عن أبيه.

قال ابن أبي حاتم في "العلل"، وهذا أصحّ.

قال قتادة: قال الحسن للحسين: قد سقيت السمّ غير مرة، ولم أسق مثل هذه، إني لأضع كبدي. فقال من فعله? فأبى أن يخبره.

قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن حسن قال: كان الحسن كثير النكاح، وقلَّ من حظيت عنده، وقلَّ من تزوجها إلَّا أحبَّته، وصبت به، فيقال: إنه كان سقي، ثم أفلت، ثم سقي، فأفلت، ثم كانت الآخرة، وحضرته الوفاة، فقال الطبيب: هذا رجل قد قطَّع السم أمعاءه، وقد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد تلطَّف لبعض خدمه أن يسقيه سمًّا.

أبو عوانة، عن مغيرة، عن أم موسى، أنَّ جعدة بنت الأشعث بن قيس سقت الحسن السمَّ، فاشتكى، فكان توضع تحته طشت، وترفع أخرى نحوًا من أربعين يومًا.

ابن عيينة، عن رقبة بن مصقلة: لما احتضر الحسن بن علي قال: أخرجوا فراشي إلى الصحن، فأخرجوه، فقال: اللهمَّ إني أحتسب نفسي عندك، فإنها أعزّ الأنفس عليّ.

الواقدي: حدثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: حضرت موت الحسن، فقلت للحسين: اتق الله ولا تثر فتنة، ولا تسفك الدماء، ادفن أخاك إلى جنب أمه، فإنه قد عهد بذلك إليك.

أبو عوانة، عن حصين، عن أبي حازم قال: لما حضر الحسن قال للحسين: ادفني عند أبي -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، إلَّا أن تخافوا الدماء، فادفنِّي في مقابر المسلمين، فلمَّا قبض تسلّح الحسين، وجمع مواليه، فقال له أبو هريرة: أنشدك الله ووصية أخيك، فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء، فدفنه بالبقيع، فقال أبو هريرة: أرأيتم لو جيء بابن موسى ليدفن مع أبيه، فمنع، أكانوا قد ظلموه? فقالوا: نعم، قال: فهذا ابن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد جيء ليدفن مع أبيه.

وعن رجل قال: قال أبو هريرة مرة يوم دفن الحسن: قاتل الله مروان، قال: والله ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دفن عثمان بالبقيع.

الواقدي: حدثنا عبيد الله بن مرداس، عن أبيه، عن الحسن بن محمد بن الحنفية، قال:

ص: 344

جعل الحسن يوعز للحسين: يا أخي، إياك أن تسفك دمًا، فإن الناس سراع إلى الفتنة، فلمَّا توفي ارتجَّت المدينة صياحًا، فلا تلقى إلَّا باكيًا. وأبرد مروان إلى معاوية بخبره، وإنهم يريدون دفنه مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصلون إلى ذلك أبدًا وأنا حي، فانتهى حسين إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: احفروا، فنكب عنه سعيد بن العاص -يعني: أمير المدينة، فاعتزل، وصاح مروان في بني امية، ولبسوا السلاح، فقال له حسين: يا ابن الزرقاء، ما لك ولهذا؟ أوالٍ أنت؟ فقال: لا تخلص لهذا وأنا حيّ، فصاح الحسين بحلف الفضول، فاجتمعت هاشم وتيم وزهرة وأسد في السلاح، وعقد مروان لواء، وكانت بينهم مراماة، وجعل عبد الله بن جعفر يلحّ على الحسين، ويقول: يا ابن عم! ألم تسمع إلى عهد أخيك? أذكرك الله أن تسفك الدماء، وهو يأبى.

قال الحسن بن محمد: فسمعت أبي يقول: لقد رأيتني يومئذ، وإني لأريد أن أضرب عنق مروان، ما حال بيني وبين ذلك إلَّا أن أكون أراه مستوجبًا لذلك، ثم رفقت بأخي، وذكرته وصية الحسن، فأطاعني.

قال جويرية بن أسماء: لما أخرجوا جنازة الحسن حمل مروان سريره، فقال الحسين: تحمل سريره! أما والله لقد كنت تجرعه الغيظ، قال: كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.

ويروى أنَّ عائشة قالت: لا يكون لهم رابع أبدًا، وإنه لبيتي أعطانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حياته. إسناده مظلم.

الثوري، عن سالم بن أبي حفصة؛ سمع أبا حازم يقول: إني لشاهد يوم مات الحسن، فرأيت الحسين يقول لسعيد بن العاص، ويطعن في عنقه: تقدَّم، فلولا أنها سنة ما قدمت -يعني: في الصلاة، فقال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني"

(1)

.

(1)

حسن: أخرجه عبد الرزاق "6369"، وأحمد "2/ 531"، وفي "فضائل الصحابة" له "1378"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار""3961"، والطبراني في "الكبير""2646"، والحاكم "3/ 171"، والبيهقي "4/ 28 - 29" من طريق عن سفيان الثوري، به.

قلت: إسناده حسن، سالم بن أبي حفصة، صدوق.

وأخرجه أبو يعلى "6215" من طريق محمد بن فضيل، والطبراني في "الكبير""2648" من إسرائيل بن يونس، كلاهما عن سالم بن أبي حفصة، به.

ص: 345

ابن إسحاق: حدَّثني مساور السعدي قال: رأيت أبا هريرة قائمًا على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات الحسن يبكي، وينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس! مات اليوم حِبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابكوا.

قال جعفر الصادق: عاش الحسن سبعًا وأربعين سنة.

قلت: وغلط من نقل عن جعفر أنَّ عمره ثمان وخمسون سنة غلطًا بينًا.

قال الواقدي، وسعيد بن عفير، وخليفة: مات سنة تسع وأربعين.

وقال المدائني، والغلابي، والزبير، وابن الكلبي، وغيرهم: مات سنة خمسين، وزاد بعضهم: في ربيع الأول. وقال البخاري: سنة إحدى وخمسين، وغلط أبو نعيم الملائي وقال: سنة ثمان وخمسين.

ونقل ابن عبد البر أنَّهم لما التمسوا من عائشة أن يدفن الحسن في الحجرة، قالت: نعم، وكرامة، فردَّهم مروان، ولبسوا السلاح، فدفن عند أمه بالبقيع إلى جانبها.

ومن "الاستيعاب" لأبي عمر، قال: سار الحسن إلى معاوية، وسار معاوية إليه، وعلم أنه لا تغلب طائفة الأخرى حتى تذهب أكثرها، فبعث إلى معاوية أنه يصير الأمر إليك بشرط أن لا تطلب أحدًا بشيء كان في أيام أبي، فأجابه، وكاد يطير فرحًا، إلَّا أنه قال: أما عشرة أنفس فلا، فراجعه الحسن فيهم، فكتب إليه: إني آليت متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده، فقال: لا أبايعك. فبعث إليه معاوية برق أبيض، وقال: اكتب ما شئت فيه، وأنا ألتزمه، فاصطلحا على ذلك، واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر من بعده، فالتزم ذلك كله معاوية، فقال له عمرو: إنه قد انفلّ حدهم، وانكسرت شوكتهم. قال: أما علمت أنه بايع عليًّا أربعون ألفًا على الموت، فوالله لا يقتلون حتى يقتل أعدادهم منا وما والله في العيش خير بعد ذلك.

قال أبو عمر: وسلم في نصف جمادى الأول الأمر إلى معاوية، سنة إحدى وأربعين، قال: ومات فيما قيل: سنة تسع وأربعين. وقيل: في ربيع الأول سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين.

قال: وروينا من وجوه أنَّ الحسن لما احتضر قال للحسين: يا أخي، إن أباك لما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم استشرف لهذا الأمر، فصرفه الله عنه، فلمَّا احتضر أبو بكر تشرَّف أيضًا لها، فصرفت عنه إلى عمر، فلما احتضر عمر جعلها شورى أبي أحدهم، فلم يشكّ أنها

ص: 346

لا تعدوه، فصرفت عنه إلى عثمان، فلمَّا قتل عثمان بويع ثم نوزع حتى جرد السيف وطلبها، فما صفا له شيء منها، وإني -والله- ما أرى أن يجمع الله فينا -أهل البيت- النبوة والخلافة، فلا أعرفنَّ ما استخفك سفهاء أهل الكوفة، فأخرجوك. وقد كنت طلبت إلى عائشة أن أدفن في حجرتها، فقالت: نعم، وإني لا أدري لعلَّ ذلك كان منها حياء، فإذا ما مت فاطلب ذلك إليها، وما أظنَّ القوم إلَّا سيمنعونك، فإن فعلوا فادفنِّي في البقيع، فلمَّا مات قالت عائشة: نعم، وكرامة، فبلغ ذلك مروان، فقال: كذب وكذبت، والله لا يدفن هناك أبدًا، منعوا عثمان من دفنه في المقبرة، ويريدون دفن حسن في بيت عائشة، فلبس الحسين ومن معه السلاح، واستلأم مروان أيضًا في الحديد، ثم قام في إطفاء الفتنة أبو هريرة.

أعاذنا الله من الفتن، ورضي عن جميع الصحابة، فترضّ عنهم يا شيعي تفلح، ولا تدخل بينهم، فالله حكم عدل، يفعل فيهم سابق علمه، ورحمته وسعت كل شيء، وهو القائل:"إن رحمتي سبقت غضبي"

(1)

، و {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، فنسأل الله أن يعفو عنا، وأن يثبتنا بالقول الثابت، آمين.

فبنوا الحسن هم: الحسن، وزيد، وطلحة، والقاسم، وأبو بكر، وعبد الله -فقتلوا بكربلاء مع عمهم الشهيد، وعمرو، وعبد الرحمن، والحسين، ومحمد، ويعقوب، وإسماعيل، فهؤلاء الذكور من أولاد السيد الحسن. ولم يعقّب منهم سوى الرجلين الأولين: الحسن وزيد، فلحسن خمسة أولاد أعقبوا، ولزيد ابن، وهو الحسن بن زيد، فلا عقب له إلَّا منه، ولي إمرة المدينة، وهو والد الست نفيسة، والقاسم، وإسماعيل، وعبد الله، وإبراهيم، وزيد، وإسحاق، وعلي رضي الله عنهم.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "7453"، ومسلم "2751""15"، والترمذي "3554"، وابن ماجه "4295" من حديث أبي هريرة، به.

ص: 347

‌270 - الحسين الشهيد

(1)

: " ع"

الإمام الشريف، الكامل، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته من الدنيا، ومحبوبه، أبو عبد الله، الحسين ابن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي، الهاشمي.

حدَّث عن جده، وأبويه، وصهره عمر، وطائفة.

حدَّث عنه: ولداه؛ علي وفاطمة، وعبيد بن حنين، وهمَّام الفرزدق، وعكرمة، والشعبي، وطلحة العقيلي، وابن أخيه زيد بن الحسن، وحفيده؛ محمد بن علي الباقر -ولم يدركه، وبنته سكينة، وآخرون.

قال الزبير: مولده في خامس شعبان سنة أربع من الهجرة.

قال جعفر الصادق: بين الحسن والحسين في الحمل طهر واحد.

قد مَرَّت في ترجمة الحسن عدة أحاديث متعلقة بالحسين.

روى هانئ بن هانئ، عن علي قال: الحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من صدره إلى قدميه

(2)

وقال حمَّاد بن زيد، عن هشام، عن محمد، عن أنس قال: شهدت ابن زياد حيث أتى برأس الحسين، فجعل ينكت بقضيب معه، فقلت: أما إنه كان أشبههما بالنبي صلى الله عليه وسلم

(3)

ورواه جرير بن حازم، عن محمد.

وأما النضر بن شميل، فرواه عن هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، حدثني أنس، وقال: ينكت بقضيب في أنفه.

ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: رأيت الحسين بن علي أسود الرأس واللحية، إلَّا شعرات في مَقْدِم لحيته.

ابن جريج، عن عمر بن عطاء، رأيت الحسين يصبغ بالوسمة

(4)

، كان رأسه ولحيته شديدي السواد.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2846"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 249"، تاريخ بغداد "1/ 141"، أسد الغابة "2/ 18"، الوافي بالوفيات "4/ 202"، الإصابة "1/ ترجمة 1724"، تهذيب التهذيب "2/ ترجمة 615".

(2)

حسن: سبق تخريجنا له قريبًا بتعليقنا رقم "642"، وهو عند أحمد "1/ 99 و 108"، وفي "فضائل الصحابة" له "1366"، والترمذي "3779"، وابن حبان "2235" موارد فراجعه ثَمَّ.

(3)

صحيح: أخرجه القطيعي في زوائده على "فضائل الصحابة""1395" من طريق حماد بن زيد، عن هشام بن حسان، به. وأخرجه القطيعي في "زوائده" على "فضائل الصحابة""1394"، والترمذي "3778"، والطبراني "2879" من طرق النضر بن شميل، حدثنا هشام بن حسان، به.

وأخرجه أحمد "3/ 261"، والبخاري "3748"، وأبو يعلى "2841" من طريق حسن بن محمد، عن جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، به.

(4)

الوسمة -بكسر السين أو بسكوها: نبت، وقيل: شجر باليمن، يخضب بورقه الشعر، أسود.

ص: 348

محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن ابن أبي نعم، قال: كنت عند ابن عمر، فسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت? فقال: من أهل العراق. قال: انظر إلى هذا يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سمعت -رسول الله عليه وسلم- يقول:"هما ريحانتاي من الدنيا"

(1)

. رواه جرير بن حازم، ومهدي بن ميمون، عنه.

عن أبي أيوب الأنصاري، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين يلعبان على صدره، فقلت: يا رسول الله! أتحبهما?! قال: "كيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا". رواه الطبراني في "المعجم"

(2)

.

وعن الحارث، عن علي، مرفوعًا:"الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"

(3)

.

ويروى عن شريح، عن علي، وفي الباب، عن ابن عمر، وابن عباس، وعمر، وابن مسعود، ومالك بن الحويرث، وأبي سعيد، وحذيفة، وأنس، وجابر من وجوه يقوي بعضها بعضًا.

موسى بن عثمان الحضرمي -شيعي واهٍ، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كان الحسين عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحبه حبًّا شديدًا، فقال:"اذهب إلى أمك"، فقلت: أذهب معه? فقال: "لا"، فجاءت برقة، فمشى في ضوئها حتى بلغ إلى أمه

(4)

.

وكيع: حدثنا ربيع بن سعد، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر، أنه قال -وقد دخل

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 85 و 93 و 114 و 153"، والقطيعي في "زوائد فضائل الصحابة""1390"، والطيالسي "1927"، وابن أبي شيبة "12/ 100"، والبخاري "3753" و"5994"، وفي "الأدب المفرد""85"، والترمذي "3770"، والنسائي في "خصائص علي""145"، وأبو نعيم في "الحلية""7/ 165"، والطبراني "2884"، والبغوي "3935" من طريق محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، به.

(2)

ضعيف: أخرجه الطبراني "3890"، وفيه الحسن بن عنبسة، قال الذهبي في "الميزان": لا أعرفه. وضعَّفه ابن قانع.

(3)

صحيح: وهذا إسناد ضعيف، آفته الحارث، وهو ابن عبد الله الأعور الهمداني، ضعيف. لكن الحديث صحيح، تقدَّم تخريجنا له بتعليقنا رقم "647" من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا.

(4)

ضعيف جدًّا: أورده الهيثمي في "المجمع""9/ 186" وقال: رواه الطبراني، وفيه موسى بن عثمان، وهو متروك".

ص: 349

الحسين المسجد: "من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا". سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

تابعه عبد الله بن نمير، عن ربيع الجعفي، أخرجه أحمد في "مسنده".

وقال شهر، عن أم سلمة: إن النبي صلى الله عليه وسلم جلل عليًّا وفاطمة وابنيهما بكساء، ثم قال:"اللهم هؤلاء أهل بيت بيتي وحامتي، اللهمّ أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا"، فقلت: يا رسول الله! أنا منهم? قال: "إنك إلى خير"

(2)

.

إسناد جيد، روي من وجوه عن شهر، وفي بعضها يقول: دخلت عليها أعزيها على الحسين.

وروى نحوه الأعمش، عن جعفر بن عبد الرحمن، عن حكيم بن سعد، عن أم سلمة.

وروى شداد أبو عمار، عن واثلة بن الأسقع قصة الكساء.

أحمد: حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى العامري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحب حسينًا"، وفي لفظ:"أحب الله من أحب حسينًا"

(3)

.

أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد

(1)

ضعيف: أورده الهيثمي في "المجمع""9/ 187" وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح، غير الربيع بن سعد، وقيل: ابن سعيد، وهو ثقة".

قلت: هو ضعيف، وليس بثقة، وهو الربيع بن سعد الجعفي الكوفي، قال الذهبي في "الميزان": لا يكاد يعرف، وذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته، وقال: حدثنا أبو يعلى، حدثنا ابن نمير، حدثنا أبي، حدثنا الربيع بن سعد الجعفي -كوفي، عن عبد الرحمن بن سابط، به.

(2)

راجع تخريجنا له الذي سبق قريبًا رقم "654".

وقوله: "حامتي" أي خاصتي.

(3)

حسن: أخرجه أحمد "4/ 172"، والترمذي "3775"، وابن ماجه "144"، والحاكم "3/ 177" من طرق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، به.

وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وإنما نعرفه من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم.

وصحَّحه الحاكم، ووافقه الذهبي.

قلت: إسناده حسن، عبد الله بن عثمان بن خثيم، صدوق -كما قال الحافظ في "التقريب".

ص: 350

الحسن والحسين، ويقول:"هذان ابناي، فمن أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني"

(1)

.

وروى مثله أبو الجحاف، وسالم بن أبي حفصة، وغيرهما، عن أبي حازم الأشجعي، عن أبي هريرة مرفوعًا.

وفي الباب، عن أسامة، وسليمان الفارسي، وابن عباس، وزيد بن أرقم.

عبد العزيز الدراوردي وغيره، عن عليّ بن أبي علي اللَّهبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع الجنائز، فطلع الحسن والحسين، فاعتركا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إيهًا حسن"، فقال علي: يا رسول الله! أعلى حسين تواليه? فقال: "هذا حبريل يقول: إيهًا حسين"

(2)

.

ويروى عن أبي هريرة مرفوعًا، نحوه.

وفي مراسيل يزيد بن أبي زياد، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمع حسينًا يبكي، فقال لأمه:"ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني"

(3)

.

حماد بن زيد: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبيد بن حنين، عن الحسين قال: صعدت المنبر إلى عمر، فقلت: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك، فقال: إن أبي لم يكن له منبر!، فأقعدني معه، فلما نزل قال: أي بني! من علمك هذا? قلت: ما علمنيه أحد، قال: أي بني، وهل أنبت على رءوسنا الشعر إلَّا الله، ثم أنتم، ووضع يده على رأسه، وقال: أي بني، لو جعلت تأتينا وتغشانا.

إسناده صحيح.

روى جعفر بن محمد، عن أبيه، أنَّ عمر جعل للحسين مثل عطاء علي خمسة آلاف.

حماد بن زيد، عن معمر، عن الزهري، أنَّ عمر كسا أبناء الصحابة؛ ولم يكن في ذلك ما يصلح للحسن والحسين؛ فبعث إلى اليمن، فأتي بكسوة لهما، فقال: الآن طابت نفسي.

(1)

حسن: تقدَّم تخريجنا له بتعليق رقم "657"، وهو عند عبد الرزاق "6369"، وأحمد "2/ 531" وفي "فضائل الصحابة" له "1378"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار""3961" وغيرهم، فراجعه ثَمَّت.

(2)

ضعيف جدًّا: فيه علتان؛ الأولى: علي بن أبي علي اللهبي، متروك، والعلة الثانية: الإرسال.

(3)

ضعيف: أخرجه الطبراني "2847" وهو مرسل، بل معضل.

ص: 351

الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، أنَّ عمر ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما؛ لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكل واحد خمسة الآف.

يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث قال: بينا عمرو بن العاص في ظل الكعبة؛ إذ رأى الحسين، فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.

فقال أبو إسحاق: بلغني أن رجلًا جاء إلى عمرو، فقال: عليّ رقبة من ولد إسماعيل، فقال: ما أعلمها إلَّا الحسن والحسين.

قلت: ما فهمته.

إبراهيم بن نافع، عن عمرو بن دينار قال: كان الرجل إذا أتى ابن عمر، فقال: إن عليَّ رقبة من بني إسماعيل، قال: عليك بالحسن والحسين.

هوذة: حدثنا عوف، عن الأزرق بن قيس قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقف نجران والعاقب، فعرض عليهما الإسلام، فقالا: كنَّا مسلمين قبلك، قال:"كذبتما! إنه منع الإسلام منكما ثلاث؛ قولكما: اتخذ الله ولدًا، وأكلكما الخنزير، وسجودكما للصنم"، قالا: فمن أبو عيسى? فما عرف حتى أنزل الله عليه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} ........... ، إلى قوله:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران: 59 - 63] فدعاهما إلى الملاعنة، وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين، وقال:"هؤلاء بنيَّ" قال: فخلا أحدهما بالآخر، فقال: لا تلاعنه، فإن كان نبيًّا فلا بقية، فقالا: لا حاجة لنا في الإسلام، ولا في ملاعنتك، فهل من ثالثة? قال: نعم، الجزية، فأقرّا بها ورجعا.

معمر، عن قتاده قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباهل أهل نجران، أخذ بيد الحسن والحسين، وقال لفاطمة: اتبعينا، فلمَّا رأى ذلك أعداء الله رجعوا

(1)

.

أبو عوانة، عن سليمان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي إدريس، عن المسيب بن نجبة، سمع عليًّا يقول: ألَا أحدثكم عني وعن أهل بيتي? أمَّا عبد الله بن جعفر فصاحب لهو، وأما الحسن فصاحب جفنة من فتيان قريش، لو قد التقت حلقتا البطان لم يغن في الحرب عنكم، وأمَّا أنا وحسين، فنحن منكم، وأنتم منَّا. إسناده قويّ.

(1)

ضعيف: لإرساله، قتادة هو ابن دعامة السدوسي، رأس الطبقة الرابعة، والمباهلة هي الملاعنة.

ص: 352

وعن سعيد بن عمرو، أن الحسن قال للحسين: وددت أن لي بعض شدة قلبك، فيقول الحسين: وأنا وددت أن لي بعض ما بسط من لسانك.

عن أبي المهزم قال: كنا في جنازة، فأقبل أبو هريرة ينفض بثوبه التراب عن قدم الحسين.

وقال مصعب الزبيري: حجَّ الحسين خمسًا وعشرين حجة ماشيًا.

وكذا روى عبيد الله الوصافي، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، وزاد: ونجائبه تقاد معه، لكن اختلفت الرواية عن الوصافي، فقال يعلى ابن عبيد عنه: الحسن، وروى عنه زهير نحوه، فقال فيه: الحسن.

قال أبو عبيدة بن المثنى: كان على الميسرة يوم الجمل الحسين.

أحمد في "مسنده": أخبرنا محمد بن عبيد، حدثنا شرحبيل بن مدرك، عن عبد الله بن نجي، عن أبيه، أنه سار مع علي، وكان صاحب مطهرته، فلمَّا حاذى نينوى وهو سائر إلى صفين، ناداه علي: اصبر أبا عبد الله بشط الفرات، قلت، وما ذاك? قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، فقال:"قام من عندي جبريل فحدَّثني أن الحسين يقتل، وقال: هل لك أن أشمّك من تربته? قلت: نعم، فمدَّ يده، فقبض قبضة من تراب، قال: فأعطانيها، فلم أملك عيني".

هذا غريب، وله شويهد.

يحيى بن أبي زائدة، عن رجل، عن الشعبي، أنَّ عليًّا قال وهو بشط الفرات: صبرًا أبا عبد الله.

عمارة بن زاذان: حدثنا ثابت، عن أنس قال: استأذن ملك القطر على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أم سلمة! احفظي علينا الباب"، فجاء الحسين فاقتحم، وجعل يتوثّب على النبي صلى الله عليه وسلم، ورسول الله يقبّله، فقال الملك: أتحبه? قال: "نعم". قال: إن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، قال:"نعم". فجاءه بسهلة أو تراب أحمر.

قال ثابت: كنا نقول: إنها كربلاء.

علي بن الحسين بن واقد: حدثنا أبي، حدثنا أبو غالب، عن أبي أمامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه:"لا تبكوا هذا" يعني -حسينًا: فكان يوم أم سلمة، فنزل جبريل، فقال رسول الله لأم سلمة:"لا تدعي أحدًا يدخل" فجاء حسين، فبكى؛ فخلته يدخل، فدخل

ص: 353

حتى جلس في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل: إن أمتك ستقتله، قال:"يقتلونه، وهم مؤمنون"؟ قال: نعم، وأراه تربته.

إسناده حسن.

خالد بن مخلد: حدثنا موسى بن يعقوب، عن هاشم بن هاشم، عن عبد الله بن وهب بن زمعة، عن أم سلمة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم، فاستيقظ وهو خاثر، ثم رقد، ثم استيقظ خاثرًا، ثم رقد، ثم استيقظ وفي يده تربة حمراء، وهو يقلبها.

قلت: ما هذه? قال: "أخبرني جبريل أنَّ هذا يقتل بأرض العراق، للحسين، وهذه تربتها".

ورواه إبراهيم بن طهمان، عن عباد بن إسحاق، عن هاشم، ولم يذكر: اضطجع.

أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة أو أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "لقد دخل عليَّ البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال: إن حسينًا مقتول، وإن شئت أريتك التربة

" الحديث.

ورواه عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله مثله، وقال: أم سلمة ولم يشك.

ويروى عن أبي وائل، وعن شهر بن حوشب، عن أم سلمة.

ورواه ابن سعد من حديث عائشة، وله طرق أخر.

وعن حماد بن زيد، عن سعيد بن جمهان، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل بتراب من التربة التي يقتل بها الحسين. وقيل: اسمها كربلاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كرب وبلاء"

(1)

.

إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: ليقتلن الحسين قتلًا، وإني لأعرف تراب الأرض التي يقتل بها

(2)

.

أبو نعيم: حدثنا عبد الجبار بن العباس، عن عمَّار الدهني، أن كعبًا مَرَّ على عليّ، فقال: يقتل من ولد هذا رجل في عصابة، لا يجف عرق خيلهم حتى يردوا على محمد صلى الله عليه وسلم، فمَرَّ حسن، فقيل: هذا? قال: لا. فمَرَّ حسين، فقيل: هذا? قال: نعم.

(1)

ضعيف: لإرساله.

(2)

ضعيف: فيه أبو إسحاق وهو السبيعي، مدلس، وقد عنعنه.

ص: 354

حصين بن عبد الرحمن، عن العلاء بن أبي عائشة، عن أبيه، عن رأس الجالوت قال: كنا نسمع أنه يقتل بكربلاء ابن نبي.

المطلب بن زياد، عن السدي قال: رأيت الحسين وله جمَّة خارجة من تحت عمامته.

وقال العيزار بن حريث: رأيت على الحسين مطرفًا من خز.

وعن الشعبي قال: رأيت الحسين يتختم في شهر رمضان.

وروى جماعة أنَّ الحسين كان يخضِّب بالوسمة، وأن خضابه أسود.

بلغنا أنَّ الحسين لم يعجبه ما عمل أخوه الحسن من تسليم الخلافة إلى معاوية، بل كان رأيه القتال، ولكنه كظم وأطاع أخاه وبايع، وكان يقبل جوائز معاوية، ومعاوية يرى له ويحترمه ويجعله، فلما أن فعل معاوية ما فعل بعد وفاة السيد الحسن من العهد بالخلافة إلى ولده يزيد، تألم الحسين، وحقَّ له، وامتنع هو وابن أبي بكر وابن الزبير من المبايعة، حتى قهرهم معاوية، وأخذ بيعتهم مكرهين، وغلبوا وعجزوا عن سلطان الوقت، فلمَّا مات معاوية تسلَّم الخلافة يزيد، وبايعه أكثر الناس، ولم يبايع له ابن الزبير، ولا الحسين، وأنفوا من ذلك، ورام كل واحد منهما الأمر لنفسه، وسارا في الليل من المدينة.

سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عباس قال: استشارني الحسين في الخروج. فقلت: لولا أن يزرى بي وبك لنشبت يدي في رأسك، فقال: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إليَّ من أن أستحلَّ حرمتها -يعني مكة، وكان ذلك الذي سلَّى نفسي عنه.

يحيى بن إسماعيل البجلي: حدثنا الشعبي، قال: كان ابن عمر قدم المدينة، فأخبر أنَّ الحسين قد توجَّه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ليلتين، فقال: أين تريد? قال: العراق، ومعه طوامير وكتب، فقال: لا تأتهم. قال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: إن الله خيّر نبيه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه لا يليها أحد منكم أبدًا، وما صرفها الله عنكم إلَّا للذي هو خير لكم، فارجعوا، فأبى، فاعتنقه ابن عمر، وقال: أستودعك الله من قتيل.

زاد فيه الحسن بن عيينة، عن يحيى بن إسماعيل، عن الشعبي: ناشده، وقال: إن أهل العراق قوم مناكير، قتلوا أباك، وضربوا أخاك، وفعلوا، وفعلوا.

ابن المبارك، عن بشر بن غالب، أنَّ الزبير قال للحسين: إلى أين تذهب؟ إلى قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك، فقال: لأن أقتل أحبّ إلي من أن تستحلّ -يعني: مكة.

ص: 355

أبو سلمة المنقري: حدثنا معاوية بن عبد الكريم، عن مروان الأصفر، حدثني الفرزدق قال: لما خرج الحسين لقيت عبد الله بن عمرو، فقلت: إن هذا قد خرج، فما ترى؟ قال: أرى أن تخرج معه، فإنك إن أردت دنيا أصبتها، وإن أردت آخرة أصبتها، فرحلت نحوه، فلمَّا كنت في بعض الطريق بلغني قتله، فرجعت إلى عبد الله، وقلت: أين ما ذكرت? قال: كان رأيًا رأيته.

قلت: هذا يدل على تصويب عبد الله بن عمرو للحسين في مسيره، وهو رأي ابن الزبير، وجماعة من الصحابة شهدوا الحرة.

ابن سعد: أخبرنا الواقدي، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثني عبد الله بن عمير "ح" وأخبرنا ابن أبي الزناد، عن أبي وجزة "ح"، ويونس بن أبي إسحاق، عن أبيه -وسمَّى طائفة- ثم قال: فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين، قال: كان أهل الكوفة يكتبون إلى الحسين يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية، كل ذلك يأبى، فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية، وطلبوا إليه المسير معهم، فأبى، وجاء إلى الحسين فأخبره، وقال: إن القوم يريدون أن يأكلوا بنا، ويشيطوا دماءنا، فأقام حسين على ما هو عليه متردِّد العزم، فجاءه أبو سعيد الخدري، فقال: يا أبا عبد الله، إني لك ناصح ومشفق، وقد بلغني أنَّه كاتبك قوم من شيعتك، فلا تخرج إليهم، فإني سمعت أباك يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وما بلوت منهم وفاءً، ولا لهم ثبات ولا عزم، ولا صبر على السيف.

قال: وقدم المسيب بن نجبة وعدة إلى الحسين بعد وفاة الحسن، فدعوه إلى خلع معاوية، وقالوا: قد علمنا رأيك ورأي أخيك، فقال: أرجو أن يعطي الله أخي على نيته، وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين.

وكتب مروان إلى معاوية: إني لست آمن أن يكون الحسين مرصدًا للفتنة، وأظنّ يومكم منه طويلًا.

فكتب معاوية إلى الحسين: إن من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير أن يفي، وقد أنبئت بأن قومًا من الكوفة دعوك إلى الشقاق، وهم من قد جرَّبت قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله، واذكر الميثاق، فإنك متى تكدني أكدك.

فكتب إليه الحسين: أتاني كتابك، وأنا بغير الذي بلغك جدير، وما أردت لك محاربة ولا خلافًا، وما أظن لي عذرًا عند الله في ترك جهادك، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك. فقال معاوية: إن أثرنا بأبي عبد الله إلَّا أسدًا.

ص: 356

وعن جويرية بن أسماء، عن مسافع بن شيبة قال: لقي الحسين معاوية بمكة عند الردم، فأخذ بخطام راحلته، فأناخ به، ثم ساره طويلًا، وانصرف، فزجر معاوية الراحلة، فقال له ابنه يزيد: لا يزال رجل قد عرض لك، فأناخ بك، قال: دعه، لعله يطلبها من غيري، فلا يسوغه فيقتله.

رجع الحديث إلى الأول:

قالوا: ولما حضر معاوية دعا يزيد فأوصاه، وقال: انظر حسينًا، فإنه أحبّ الناس إلى الناس، فصل رحمه، وارفق به، فإن يك منه شيء، فسيكفيك الله بمن قتل أباه وخذل أخاه.

ومات معاوية في نصف رجب، وبايع الناس يزيد، فكتب إلى والي المدينة؛ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، أن ادع الناس وبايعهم، وابدأ بالوجوه، وارفق بالحسين، فبعث إلى الحسين وابن الزبير في الليل، ودعاهما إلى بيعة يزيد، فقالا: نصبح وننظر فيما يعمل الناس، ووثبا فخرجا، وقد كان الوليد أغلظ للحسين، فشتمه حسين، وأخذ بعمامته فنزعها، فقال الوليد: إن هجنا بهذا إلَّا أسدًا، فقال له مروان -أو غيره: اقتله، قال: إن ذلك لدم مصون.

وخرج الحسين، وابن الزبير لوقتهما إلى مكة، ونزل الحسين بمكة دار العباس، ولزم عبد الله الحجر، ولبس المعافري

(1)

، وجعل يحرض على بني أمية، وكان يغدو ويروح إلى الحسين، ويشير عليه أن يقدم العراق، ويقول: هم شيعتكم، وكان ابن عباس ينهاه.

وقال له عبد الله بن مطيع: فداك أبي وأمي، متعنا بنفسك ولا تسر، فوالله لئن قتلت ليتخذونا خولًا وعبيدًا.

ولقيهما عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة منصرفين من العمرة، فقال لهما: أذكر كما الله إلَّا رجعتما، فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس، وتنظران، فإن اجتمع عليه الناس لم تشذا، وإن افترق عليه كان الذي تريدان.

وقال ابن عمر للحسين: لا تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خُيِّر بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه، ولا تنالها، ثم اعتنقه وبكى وودَّعه، فكان ابن عمر يقول: غلبنا بخروجه، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك.

(1)

المعافري: برود يمنيه منسوبة إلى قبيلة معافر.

ص: 357

وقال له ابن عباس: أين تريد يا ابن فاطمة? قال: العراق وشيعتي، قال: إني كاره لوجهك هذا، تخرج إلى قوم قتلوا أباك ....

إلى أن قال: وقال له أبو سعيد: اتق الله، والزم بيتك.

وكلمه جابر، وأبو واقد الليثي، وقال ابن المسيب: لو أنه لم يخرج لكان خيرًا له.

قال: وكتبت إليه عمرة تعظم ما يريد أن يصنع، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه، وتقول: حدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقتل حسين بأرض بابل"، فلما قرأ كتابها قال: فلا بُدَّ إذًا من مصرعي.

وكتب إليه عبد الله بن جعفر يحذره، ويناشده الله، فكتب إليه: إني رأيت رؤيا؛ رأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرني بأمر أنا ماضٍ له.

وأبى الحسين على كل من أشار عليه إلَّا المسير إلى العراق، وقال له ابن عباس: إني لأظنك ستقتل غدًا بين نسائك وبناتك كما قُتِلَ عثمان، وإني لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

قال: أبا العباس! إنك شيخ قد كبرت.

فقال: لولا أن يُزْرَى بي وبك لنشبت يدي في رأسك، ولو أعلم أنك تقيم إذًا لفعلت، ثم بكى وقال: أقررت عين ابن الزبير، ثم قال بعد لابن الزبير: قد أتى ما أحببت، أبو عبد الله يخرج إلى العراق ويتركك والحجاز:

يا لك من قنبرة بمعمر

خلا لك البر فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري

وقال أبو بكر بن عياش: كتب الأحنف إلى الحسين {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60].

عوانة بن الحكم، عن لبطة بن الفرزدق، عن أبيه قال: لقيت الحسين، فقلت: القلوب معك، والسيوف مع بني أمية.

ابن عيينة، عن لبطة، عن أبيه، قال: لقيني الحسين وهو خارج من مكة في جماعة عليهم يلامق الديباج، فقال: ما وراءك? قال -وكان في لسانه ثقل من برسام عرض له، وقيل: كان مع الحسين وجماعته اثنان وثلاثون فرسًا.

ص: 358

وروى ابن سعد بأسانيده، قالوا: وأخذ الحسين طريق العُذيب حتى نزل قصر أبي مقاتل، فخفق خفقة ثم استرجع، وقال: رأيت كأنَّ فارسًا يسايرنا، ويقول: القوم يسيرون، والمنايا تسري إليهم، ثم نزل كربلاء، فسار إليه عمر بن سعد كالمكره

، إلى أن قال: وقتل أصحابه حوله، وكانوا خمسين، وتحوَّل إليه من أولئك عشرون، وبقي عامة نهاره لا يقدم عليه أحد، وأحاطت به الرجالة، وكان يشد عليهم فيهزمهم، وهم يكرهون الإقدام عليه، فصرخ بهم شمر: ثكلتكم أمهاتكم، ماذا تنتظرون به? وطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته، ثم طعنه في صدره فخَرَّ، واحتزَّ رأسه خولى الأصبحي -لا رضي الله عنهما.

ذكر ابن سعد بأسانيد له، قالوا: قدم الحسين مسلمًا، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة، ويكتب إليه بخبر الناس، فقدم الكوفة مستخفيًا، وأتته الشيعة فأخذ بيعتهم، وكتب إلى الحسين: بايعني إلى الآن ثمانية عشر ألفًا، فعجّل، فليس دون الكوفة مانع، فأغذَّ السير حتى انتهى إلى زبالة، فجاءت رسل أهل الكوفة إليه بديوان فيه أسماء مائة ألف، وكان على الكوفة النعمان بن بشير، فخاف يزيد أن لا يقدم النعمان على الحسين، فكتب إلى عبيد الله وهو على البصرة، فضَمَّ إليه الكوفة، وقال له: إن كان لك جناحان فطر إلى الكوفة، فبادر متعممًا متنكرًا، ومرَّ في السوق، فلمَّا رآه السفلة اشتدوا بين يديه يظنونه الحسين، وصاحوا: يا ابن رسول الله! الحمد لله الذي أراناك، وقَبَّلوا يده ورجله، فقال: ما أشد ما فسد هؤلاء، ثم دخل المسجد فصلى ركعتين، وصعد المنبر، وكشف لثامه، وظفر برسول الحسين -وهو عبد الله بن بقطر- فقتله، وقدم مع عبيد الله؛ شريك بن الأعور -شيعي، فنزل على هانئ بن عروة، فمرض، فكان عبيد الله يعوده، فهيئوا لعبيد الله ثلاثين رجلًا ليغتالوه، فلم يتم ذلك، وفهم عبيد الله، فوثب وخرج، فنَمَّ عليهم عبد لهانئ، فبعث إلى هانئ -وهو شيخ، فقال: ما حملك على أن تجير عدوي? قال: يا ابن أخي، جاء حق هو أحق من حقك، فوثب إليه عبيد الله بالعنزة حتى غرز رأسه بالحائط.

وبلغ الخبر مسلمًا، فخرج في نحو الأربع مائة، فما وصل القصر إلَّا في نحو الستين، وغربت الشمس فاقتتلوا، وكثر عليهم أصحاب عبيد الله، وجاء الليل فهرب مسلم، فاستجار بامرأة من كندة، ثم جيء به إلى عبيد الله فقتله، فقال: دعني أوص. قال: نعم. فقال لعمر بن سعد: يا هذا! إن لي إليك حاجة، وليس هنا قرشي غيرك، وهذا الحسين قد أظلك، فأرسل إليه لينصرف، فإن القوم قد غروه وكذبوه، وعليَّ دين فاقضه عني، ووار جثتي، ففعل ذلك، وبعث رجلًا على ناقة إلى الحسين، فلقيه على أربع مراحل، فقال له ابنه علي الأكبر: ارجع يا أبه، فإنهم أهل العراق وغدرهم، وقلة وفائهم، فقالت بنو عقيل: ليس

ص: 359

بحين رجوع، وحرَّضوه، فقال حسين لأصحابه: قد ترون ما أتانا، وما أرى القوم إلَّا سيخذلوننا، فمن أحبَّ أن يرجع فليرجع، فانصرف عنه قوم.

وأما عبيد الله فجمع المقاتلة، وبذل لهم المال، وجهَّز عمر بن سعد في أربعة آلاف، فأبى وكره قتال الحسين، فقال: لئن لم تسر إليه لأعزلنَّك، ولأهدمنّ دارك، وأضرب عنقك، وكان الحسين في خمسين رجلًا؛ منهم تسعة عشر من أهل بيته، وقال الحسين: يا هؤلاء! دعونا نرجع من حيث جئنا، قالوا: لا. وبلغ ذلك عبيد الله، فهَمَّ أن يخلي عنه، وقال: والله ما عرض لشيء من عملي، وما أراني إلَّا مخل سبيله يذهب حيث يشاء، فقال شمر: إن فعلت وفاتك الرجل لا تستقيلها أبدًا، فكتب إلى عمر:

الآن حيث تعلقته حبالنا

يرجو النجاة ولات حين مناص

فناهضه، وقال لشمر: سر، فإن قاتل عمر وإلا فاقتله، وأنت على الناس، وضبط عبيد الله الجسر، فمنع من يجوزه لما بلغه أن ناسًا يتسللون إلى الحسين.

قال: فركب العسكر وحسين جالس، فراهم مقبلين، فقال لأخيه عباس: القهم، فسلهم ما لهم? فسألهم، قالوا: أتانا كتاب الأمير يأمرنا أن نعرض عليك النزول على حكمه أو نناجزك، قال: انصرفوا عنَّا العشية حتى ننظر الليلة، فانصرفوا.

وجمع حسين أصحابه ليلة عاشوراء، فحمد الله وقال: إني لا أحسب القوم إلَّا مقاتليكم غدًا، وقد أذنت لكم جميعًا، فأنتم في حِلٍّ مني، وهذا الليل قد غشيكم، فمن كانت له قوة فليضمَّ إليه رجلًا من أهل بيتي، وتفرقوا في سوادكم، فإنهم إنما يطلبونني، فإذا رأوني لهوا عن طلبكم، فقال أهل بيته: لا أبقانا الله بعدك، والله لا نفارقك، وقال أصحابه كذلك.

الثوري، عن أبي الجحاف، عن أبيه، أن رجلًا قال للحسين: إن عليَّ دينًا. قال: لا يقاتل معي من عليه دين.

رجع الحديث إلى الأول:

فلما أصبحوا قال الحسين: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت فيما نزل بي ثقة، وأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، وقال لعمر وجنده: لا تعجلوا، والله ما أتيتكم حتى أتتني كتب أماثلكم بأن السنة قد أميتت، والنفاق قد نجم، والحدود قد عطلت، فاقدم، لعلَّ الله يصلح بك الأمة، فأتيت، فإذا كرهتم ذلك فأنا راجع، فارجعوا

ص: 360

إلى أنفسكم؛ هل يصلح لكم قتلي، أو يحل دمي? ألست ابن بنت نبيكم، وابن ابن عمه? أوليس حمزة والعباس وجعفر عمومتي? ألم يبلغكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيَّ وفي أخي:"هذان سيدا شباب أهل الجنة"? فقال شمر: هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول، فقال عمر: لو كان أمرك إليّ لأجبت، وقال الحسين: يا عمر! ليكوننَّ لما ترى يوم يسوؤك، اللهمَّ إن أهل العراق غروني وخدعوني، وصنعوا بأخي ما صنعوا، اللهمَّ شتت عليهم أمرهم، وأحصهم عددًا.

فكان أوَّل من قاتل مولى لعبيد الله بن زياد، فبرز له عبد الله بن تميم الكلبي فقتله، والحسين جالس عليه جبة خز دكناء، والنبل يقع حوله، فوقعت نبلة في ولدٍ له ابن ثلاث سنين، فلبس لأمته وقاتل، حوله أصحابه حتى قتلوا جميعًا، وحمل ولده عليّ يرتجز:

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

فجاءته طعنة، وعطش حسين، فجاء رجل بماء فتناوله، فرماه حصين ابن تميم بسهم، فوقع في فيه، فجعل يتلقَّى الدم بيده، ويحمد الله، وتوجَّه نحو المسناة يريد الفرات، فحالوا بينه وبين الماء، ورماه رجل بسهم، فأثبته في حنكه، وبقي عامَّة يومه لا يقدم عليه أحد حتى أحاطت به الرجالة، وهو رابط الجأش، يقاتل قتال الفارس الشجاع، إن كان ليشد عليهم فينكشفون عنه انكشاف المعزى شدّ فيها الأسد، حتى صاح بهم شمر: ثكلتكم أمهاتكم! ماذا تنتظرون به? فانتهى إليه زرعة التميمي فضرب كتفه، وضربه الحسين على عاتقه فصرعه، وبرز سنان النخعي فطعنه في ترقوته وفي صدره فخَرَّ، ثم نزل ليحتزَّ رأسه، ونزل خولي الأصبحي، فاحتزّ رأسه، وأتى به عبيد الله بن زياد، فلم يعطه شيئًا.

قال: ووجد بالحسين ثلاث وثلاثون جراجة، وقتل من جيش عمر بن سعد ثمانية وثمانون نفسًا.

قال: ولم يفلت من أهل بيت الحسين سوى ولده عليّ الأصغر -فالحسينية من ذريته- كان مريضًا، وحسن بن حسن بن علي، وله ذرية، وأخوه عمرو، ولا عقب له، والقاسم بن عبد الله بن جعفر، ومحمد بن عقيل، فقدم بهم، وبزينب، وفاطمة بنتَيْ علي، وفاطمة وسكينة بنتي الحسين، وزوجته الرباب الكلبية والدة سكينة، وأمّ محمد بنت الحسن بن علي وعبيد، وإماء لهم.

قال: وأخذ ثقل الحسين، وأخذ رجل حليّ فاطمة بنت الحسين، وبكى، فقالت: لم تبكي? فقال: أأسلب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبكي? قالت: فدعه، قال: أخاف أن يأخذه غيري.

ص: 361

وأقبل عمر بن سعد فقال: ما رجع رجل إلى أهله بشر مما رجعت به، أطعت ابن زياد وعصيت الله، وقطعت الرحم، وورد البشير على يزيد، فلمَّا أخبره دمعت عيناه، وقال: كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. وقالت سكينة: يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا? قال: يا بنت أخي، هو والله عليّ أشد منه عليك، أقسمت لو أنَّ بين ابن زياد وبين حسين قرابة ما أقدم عليه، ولكن فرقت بينه وبينه سمية، فرحم الله حسينًا، عجل عليه ابن زياد، أما والله لو كنت صاحبه، ثم لم أقدر على دفع القتل عنه إلَّا بنقص بعض عمري لأحببت أن أدفعه عنه، ولوددت أن أتيت به سلمًا.

ثم أقبل على عليّ بن الحسين، فقال: أبوك قطع رحمي، ونازعني سلطاني. فقام رجل فقال: إن سباءهم لنا حلال، قال علي: كذبت، إلَّا أن تخرج من ملتنا، فأطرق يزيد، وأمر بالنساء فأدخلن على نسائه، وأمر نساء آل أبي سفيان فأقمن المأتم على الحسين ثلاثة أيام .... ، إلى أن قال: وبكت أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر، فقال يزيد -وهو زوجها: حق لها أن تعول على كبير قريش وسيدها.

جرير بن حازم، عن الزبير بن الخريت، سمع الفرزدق يقول: لقيت الحسين بذات عرق، فقال: ما ترى أهل الكوفة صانعين معي? فإنَّ معي حملًا من كتبهم، قلت: يخذلونك، فلا تذهب.

وكتب يزيد إلى ابن عباس يذكر له خروج الحسين، ويقول: نحسب أنه جاءه رجال من المشرق، فمنّوه الخلافة، وعندك منهم خبره، فإن فعل فقد قطع القرابة والرحم، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة.

فكتب إليه ابن عباس: إني لأرجو أن لا يكون خروجه لأمر تكره، ولست أدَّع النصيحة له.

وبعث حسين إلى المدينة، فلحق به خف من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلًا ونساء وصبيان، وتبعهم أخوه محمد، فأدركه بمكة، وأعلمه أن الخروج يومه هذا ليس برأي، فأبى، فمنع محمد ولده، فوجد عليه الحسين، وقال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه.

وبعث أهل العراق رسلًا وكتبًا إليه، فسار في آله وفي ستين شيخًا من أهل الكوفة، في عشر ذي الحجة.

ص: 362

فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد بن أبيه: أما بعد، فإن الحسين قد توجَّه إليك، وتالله ما أحد يسلمه الله أحبّ إلينا من الحسين، فإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء.

وكتب إليه عمرو بن سعيد الأشدق: أما بعد، فقد توجّه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق أو تسترق.

الزبير، حدثنا محمد بن الضحاك، عن أبيه قال: خرج الحسين، فكتب يزيد إلى ابن زياد نائبه: إن حسينًا صائر إلى الكوفة، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وأنت من بين العمّال، وعندها تعتق أو تعود عبدًا، فقتله ابن زياد، وبعث برأسه إليه.

ابن عيينة: حدثني أعرابي يقال له: بجير، من أهل الثعلبية، له مائة وست عشرة سنة، قال: مَرَّ الحسين وأنا غلام، وكان في قلة من الناس، فقال له أخي: يا ابن بنت رسول الله، أراك في قلة من الناس، فقال: بالسوط -وأشار إلى حقيبة الرحل: هذه خلفي مملوءة كتبًا.

ابن عيينة: حدثنا شهاب بن خراش، عن رجل من قومه قال: كنت في الجيش الذين جهَّزهم عبيد الله بن زياد إلى الحسين، وكانوا أربعة آلاف، يريدون الديلم، فصرفهم عبيد الله إلى الحسين، فلقيته، فقلت: السلام عليك يا أبا عبد الله، قال: وعليك السلام، وكانت فيه غنة.

قال شهاب: فحدثت به زيد بن علي، فأعجبه؛ وكانت فيه غنة.

جعفر بن سليمان، عن يزيد الرِّشك، قال: حدثني من شافه الحسين قال: رأيت أبنية مضروبة للحسين، فأتيت، فإذا شيخ يقرأ القرآن والدموع تسيل على خديه، فقلت: بأبي وأمي يا ابن رسول الله! ما أنزلك هذه البلاد والفلاة؟ قال: هذه كتب أهل الكوفة إليّ، ولا أراهم إلَّا قاتلي، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلَّا انتهكوها، فيسلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة -يعني: مقنعتها.

المدائني، عن الحسن بن دينار، عن معاوية بن قرة قال: قال الحسين: والله ليعتدينَّ عليَّ كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت.

أحمد بن جناب المصيصي: حدثنا خالد بن يزيد القسري، حدثنا عمار الدهني، قلت لأبي جعفر الباقر: حدثني بقتل الحسين، فقال: مات معاوية، فأرسل الوليد بن عتبة والي المدينة إلى الحسين ليبايع، فقال: أخِّرني، ورفق به فأخَّره، فخرج إلى مكة، فأتاه رسل أهل

ص: 363

الكوفة، وعليها النعمان بن بشير، فبعث الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل: أن سر فانظر ما كتبوا به، فأخذ مسلم دليلين، وسار، فعطشوا في البرية، فمات أحدهما، وكتب مسلم إلى الحسين يستعفيه، فكتب إليه: امض إلى الكوفة، ولم يعفه، فقدمها، فنزل على عوسجة، فدبَّ إليه أهل الكوفة، فبايعه اثنا عشر ألفًا، فقام عبيد الله بن مسلم فقال للنعمان: إنك لضعيف! قال: لأن أكون ضعيفًا أحبّ إلي من أن أكون قويًّا في معصية الله، وما كنت لأهتك سترًا ستره الله، وكتب بقوله إلى يزيد، وكان يزيد ساخطًا على عبيد الله بن زياد، فكتب إليه برضاه عنه، وأنَّه ولاه الكوفة مضافًا إلى البصرة، وكتب إليه أن يقتل مسلمًا، فأسرع عبيد الله في وجوه أهل البصرة إلى الكوفة متلثمًا، فلا يمر بمجلس فيسلِّم عليهم إلَّا قالوا: وعليك السلام يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم يظنونه الحسين، فنزل القصر، ثم دعا مولى له، فأعطاه ثلاثة آلاف درهم، وقال: اذهب حتى تسأل عن الذي يبايع أهل الكوفة، فقل: أنا غريب جئت بهذا المال يتقوَّى به، فخرج وتلطَّف حتى دخل على شيخ يلي البيعة، فأدخله على مسلم، وأعطاه الدراهم، وبايعه ورجع، فأخبر عبيد الله.

وتحوّل مسلم إلى دار هانئ بن عروة المرادي، فقال عبيد الله: ما بال هانئ لم يأتنا? فخرج إليه محمد بن الأشعث وغيره، فقالوا: إن الأمير قد ذكرك، فركب معهم وأتاه، وعنده شريح القاضي، فقال عبيد الله:"أتتك بحائن رجلاه"

(1)

، فلما سلَّم، قال: يا هانئ، أين مسلم؟ قال: ما أدري، فخرج إليه صاحب الدراهم، فلمَّا رآه قطع به، وقال: أيها الأمير، والله ما دعوته إلى منزلي، ولكنه جاء فرمى نفسه عليَّ، قال: ائتني به، قال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه، فضربه بعصًا، فشجَّه، فأهوى هانئ إلى سيف شرطي يستله، فمنعه، وقال: قد حلّ دمك، وسجنه، فطار الخبر إلى مذحج، فإذا على باب القصر جلبة، وبلغ مسلمًا الخبر، فنادى بشعاره، فاجتمع إليه أربعون ألفًا، فعبأهم، وقصد القصر، فبعث عبيد الله إلى وجوه أهل الكوفة، فجمعهم عنده، وأمرهم فأشرفوا من القصر على عشائرهم، فجعلوا يكلمونهم، فجعلوا يتسللون حتى بقي مسلم في خمس مائة، وقد كان كتب إلى الحسين ليسرع، فلمَّا دخل الليل ذهب أولئك حتى بقي مسلم وحده يتردد في الطرق، فأتى بيتًا، فخرجت إليه امرأة، فقال: اسقني، فسقته، ثم دخلت ومكثت ما شاء الله، ثم خرجت، فإذا به على الباب، فقالت: يا هذا، إن مجلسك مجلس ريبة، فقم، فقال: أنا مسلم بن عقيل، فهل مأوىً؟ قالت: نعم. فأدخلته، وكان ابنها مولى لمحمد بن

(1)

مثل يضرب للرجل يسعى إلى المكروه حتى يقع فيه. والحين هو الهلاك.

ص: 364

الأشعث، فانطلق إلى مولاه، فأعلمه، فبعث عبيد الله الشرط إلى مسلم، فخرج وسلَّ سيفه وقاتل، فأعطاه ابن الأشعث أمانًا، فسلَّم نفسه، فجاء به إلى عبيد الله فضرب عنقه، وألقاه إلى الناس، وقتل هانئًا، فقال الشاعر:

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هانئ في السوق وابن عقيل

أصابهما أمر الأمير فأصبحا

أحاديث من يسعى بكل سبيل

أيركب أسماء الهماليج آمنًا

وقد طلبته مذحج بقتيل

يعني: أسماء بن خارجة.

قال: وأقبل حسين على كتاب مسلم، حتى إذا كان على ساعة من القادسية لقيه رجل؛ فقال للحسين: ارجع، لم أدع لك ورائي خيرًا، فهَمَّ أن يرجع، فقال إخوة مسلم: والله لا نرجع حتى نأخذ بالثأر أو نقتل، فقال: لا خير في الحياة بعدكم، وسار فلقيته خيل عبيد الله، فعدل إلى كربلاء، وأسند ظهره إلى قصميًا حتى لا يقاتل إلَّا من وجه واحد، وكان معه خمسة وأربعون فارسًا، ونحو من مائة راجل.

وجاء عمر بن سعد بن أبي وقاص -وقد ولاه عبيد الله بن زياد على العسكر، وطلب من عبيد الله أن يعفيه من ذلك فأبى، فقال الحسين: اختاروا واحدة من ثلاث؛ إمَّا أن تدعوني فألحق بالثغور، وإمَّا أن أذهب إلى يزيد، أو أرد إلى المدينة. فقبل عمر ذلك، وكتب به إلى عبيد الله، فكتب إليه: لا، ولا كرامة حتى يضع يده في يدي. فقال الحسين: لا والله، وقاتل فقتل أصحابه منهم بضعة عشر شابًّا من أهل بيته.

قال: ويجيء سهم فيقع بابن له صغير، فجعل يمسح الدم عنه، ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قومنا، دعونا لينصرونا ثم يقتلوننا، ثم قاتل حتى قُتِل، قتله رجل مذحجي، وجزَّ رأسه، ومضى به إلى عبيد الله، فقال:

أوقر ركابي ذهبا

فقد قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أمًا وأبا

فوفده إلى يزيد ومعه الرأس، فوضع بين يديه، وعنده أبو برزة الأسلمي؛ فجعل يزيد ينكت بالقضيب على فيه، ويقول:

نفلِّق هامًا من الناس أعزة

علينا، وهم كانوا أعقَّ وأظلما

ص: 365

كذا قال أبو برزة، وإنما المحفوظ أنَّ ذلك كان عند عبيد الله.

قال: فقال أبو برزة: ارفع قضيبك، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاه على فيه.

قال: وسرح عمر بن سعد بحريمه وعياله إلى عبيد الله، ولم يكن بقي منهم إلَّا غلام كان مريضًا مع النساء، فأمر به عبيد الله ليقتل، فطرحت عمته زينب نفسها عليه، وقالت: لا يقتل حتى تقتلوني، فرقَّ لها، وجهَّزهم إلى الشام، فلمَّا قدموا على يزيد جمع من كان بحضرته، وهنئوه، فقام رجل أحمر أزرق، ونظر إلى صبية منهم، فقال: هبها لي يا أمير المؤمنين، فقالت زينب: لا، ولا كرامة لك، إلَّا أن تخرج من دين الله، فقال له يزيد: كف، ثم أدخلهم إلى عياله، فجهزهم وحملهم إلى المدينة.

إلى هنا عن أحمد بن جناب.

الزبير: حدثنا محمد بن حسن: لما نزل عمر بن سعد بالحسين خطب أصحابه، وقال: قد نزل بنا ما ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرئت حتى لم يبق منها إلَّا كصبابة الإناء، وإلّا خسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألَا ترون الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه? ليرغب المؤمن في لقاء الله. إنِّي لا أرى الموت إلَّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلَّا ندمًا.

خالد بن عبد الله، عن الجريجي، عن رجل، أنَّ الحسين لما أرهقه السلاح قال: ألَا تقبلون مني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل من المشركين? كان إذا جنح أحدهم قبل منه، قالوا: لا، قال: فدعوني أرجع، قالوا: لا، قال: فدعوني آتي أمير المؤمنين، فأخذ له رجل السلاح، فقال له: أبشر بالنار، فقال: بل إن شاء الله برحمة ربي وشفاعة نبيي، فقتل وجيء برأسه، فوضع في طست بين يدي ابن زياد، فنكته بقضيبه، وقال: لقد كان غلامًا صبيحًا، ثم قال: أيكم قاتله? فقام الرجل فقال: وما قال لك? .... ، فأعاد الحديث

قال: فاسودَّ وجهه.

أبو معشر، عن رجاله قال: قال الحسين حين نزلوا كربلاء: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال: كرب وبلاء، وبعث عبيد الله لحربه عمر بن سعد، فقال: يا عمر! اختر مني إحدى ثلاث، إمَّا أن تتركني أرجع، أو فسيِّرني إلى يزيد فأضع يدي في يده، فإن أبيت فسيرني إلى الترك فأجاهد حتى الموت، فبعث بذلك إلى عبيد الله، فهمَّ أن يسيره إلى يزيد، فقال له شمر بن ذي الجوشن: لا، إلَّا أن ينزل على حكمك، فأرسل إليه بذلك، فقال

ص: 366

الحسين: والله لا أفعل، وأبطأ عمر عن قتاله، فبعث إليه عبيد الله شمر بن ذي الجوشن، فقال: إن قاتل وإلا فاقتله، وكن مكانه.

وكان من جند عمر ثلاثون من أهل الكوفة، فقالوا: يعرض عليكم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث خصال، فلا تقبلون واحدة!، وتحوَّلوا إلى الحسين فقاتلوا.

عباد بن العوام، عن حصين قال: أدركت مقتل الحسين، فحدثني سعد بن عبيدة قال: رأيت الحسين وعليه جبة برود، رماه رجل يقال له: عمرو بن خالد الطهوي بسهم، فنظرت إلى السهم في جنبه.

هشام بن الكلبي، عن أبيه قال: رمى زرعة الحسين بسهم فأصاب حنكه، فجعل يتلقَّى الدم، ثم يقول: هكذا إلى السماء، ودعا بماء ليشرب، فلمَّا رماه حال بينه وبين الماء، فقال: اللهم ظمِّه، قال: فحدَّثني من شهده وهو يموت، وهو يصيح من الحر في بطنه، والبرد في ظهره، وبين يديه المراوح والثلج، وهو يقول: اسقوني، أهلكني العطش، فانقدَّ بطنه.

الكلبي رافضي متَّهم.

قال الحسن البصري: أقبل مع الحسين ستة عشر رجلًا من أهل بيته.

وعن ابن سيرين: لم تبك السماء على أحد بعد يحيى عليه السلام إلَّا على الحسين.

عثمان بن أبي شيبة: حدثنا أبي، عن جدي، عن عيسى بن الحارث الكندي قال: لما قتل الحسين مكثنا أيامًا سبعة، إذا صلينا العصر فنظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة، ونظرنا إلى الكواكب يضرب بعضها بعضًا.

المدائني، عن علي بن مدرك، عن جده الأسود بن قيس قال: احمرَّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر تُرَى كالدم.

هشام بن حسان، عن محمد قال: تعلم هذه الحمرة في الأفق مِمّ? هو من يوم قتل الحسين.

الفسوي: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثتنا أم سوق العبدية قالت: حدثتني نضرة الأزدية قالت: لما أن قتل الحسين مطرت السماء ماء، فأصبحت وكل شيء لنا ملآن دمًا.

جعفر بن سليمان الضبعي: حدثتني خالتي قالت: لما قتل الحسين مطرنا مطرًا كالدم.

يحيى بن معين: حدثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد قال: قتل الحسين ولي أربع عشرة

ص: 367

سنة، وصار الورس الذي كان في عسكرهم رمادًا، واحمرَّت آفاق السماء، ونحروا ناقة في عسكرهم، فكانوا يرون في لحمها النيران.

ابن عيينة: حدثتني جدتي قالت: لقد رأيت الورس عاد رمادًا، ولقد رأيت اللحم كأنَّ فيه النار حين قتل الحسين.

حماد بن زيد: حدثني جميل بن مرة قال: أصابوا إبلًا في عسكر الحسين يوم قتل، فطبخوا منها، فصارت كالعلقم.

قرة بن خالد: سمعت أبا رجاء العطاردي قال: كان لنا جار من بلهجيم، فقدم الكوفة فقال: ما ترون هذا الفاسق ابن الفاسق قتله الله -يعني الحسين رضي الله عنه، فرماه الله بكوكبين من السماء، فطمس بصره.

قال عطاء بن مسلم الحلبي: قال السدي: أتيت كربلاء تاجرًا، فعمل لنا شيخ من طي طعامًا، فتعشينا عنده، فذكرنا قتل الحسين، فقلت: ما شارك أحد في قتله إلَّا مات ميتة سوء، فقال: ما أكذبكم، أنا ممن شرك في ذلك، فلم نبرح حتى دنا من السراج وهو يتَّقد بنفط، فذهب يخرج الفتيلة بأصبعه، فأخذت النار فيها، فذهب يطفئها بريقه، فعلقت النار في لحيته، فعدا فألقى نفسه في الماء، فرأيته كأنه حُمَمَة.

ابن عيينة: حدثتني جدتي أم أبي قالت: أدركت رجلين ممن شهد قتل الحسين، فأمَّا أحدهما فطال ذكره حتى كان يلفه، وأما الآخر فكان يستقبل الراوية فيشربها كلها.

حماد بن زيد، عن معمر قال: أول ما عرف الزهري أنه تكلم في مجلس الوليد، فقال الوليد: أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين، فقال الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر إلَّا وجد تحته دم عبيط.

حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس قال: لما قُتِلَ الحسين جيء برأسه إلى ابن زياد، فجعل ينكت بقضيب على ثناياه، وقال: إن كان لحسن الثغر، فقلت: أما -والله- لأسوءنّك، فقلت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل موضع قضيبك من فيه

(1)

.

الحاكم في "الكنى": حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حدثنا أحمد بن محمد بن عمر الحنفي، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا سليمان بن أبي سليمان الزهري، حدثنا يحيى بن أبي كثير،

(1)

ضعيف: فيه علي بن زيد جدعان، ضعيف. وهو عند الطبراني "2878". وراجع تخريجنا رقم "661" حديث أنس، وهو عند أحمد "3/ 261"، والبخاري "3748"، وأبو يعلى "2841"، وغيرهم.

ص: 368

حدثنا عبد الرحمن بن عمرو، حدَّثني شداد بن عبد الله، سمعت واثلة بن الأسقع، وقد جيء برأس الحسين، فلعنه رجل من أهل الشام، فغضب واثلة وقام، وقال: والله لا أزال أحب عليًّا وولديه، بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل أم سلمة، وألقى علي فاطمة وابنيها وزوجها كساءً خيبريًّا، ثم قال:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].

سليمان: ضعَّفوه، والحنفي متَّهم.

ويروى عن أبي داود السبيعي، عن زيد بن أرقم قال: كنت عند عبيد الله، فأُتِيَ برأس الحسين، فأخذ قضيبًا فجعل يفتر به عن شفتيه، فلم أر ثغرًا كان أحسن منه، كأنه الدر، فلم أملك أن رفعت صوتي بالبكاء، فقال: ما يبكيك أيها الشيخ؟ قلت: يبكيني ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته يمص موضع هذا القضيب ويلثمه، ويقول:"اللهم إني أحبه فأحبه".

حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم نصف النهار أشعث أغبر، وبيده قارورة فيها دم، قلت: يا رسول الله، ما هذا? قال:"هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل منذ اليوم ألتقطه". فأحص ذلك اليوم، فوجدوه قتل يومئذ.

ابن سعد، عن الواقدي، والمدائني، عن رجالهما، أنَّ محفز بن ثعلبة العائذي قَدِمَ برأس الحسين على يزيد، فقال: أتيتك يا أمير المؤمنين برأس أحمق الناس وألأمهم. فقال يزيد: ما ولدت أم محفز أحمق وألأم، لكن الرجل لم يتدبَّر كلام الله:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26]. ثم بعث يزيد برأس الحسين إلى متولي المدينة، فدُفِنَ بالبقيع عند أمه.

وقال عبد الصمد بن سعيد القاضي: حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهرائي، سمعت أبا أمية الكلاعي قال: سمعت أبا كرب قال: كنت فيمن توثَّب على الوليد بن يزيد بدمشق، فأخذت سفطًا، وقلت: فيه غنائي، فركبت فرسي، وخرجت به من باب توما، قال: ففتحته، فإذا فيه رأس مكتوب عليه: هذا رأس الحسين بن علي، فحفرت له بسيفي، فدفنته.

أبو خالد الأحمر: حدثنا رزين، حدثتني سلمى قالت: دخلت على أمِّ سلمة وهي تبكي، قلت: ما يبكيك? قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله? قال: "شهدت قتل الحسين آنفًا".

ص: 369

رزين هو ابن حبيب، وثَّقه ابن معين.

حماد بن سلمة، عن عمَّار بن أبي عمار؛ سمعت أم سلمة تقول: سمعت الجن يبكين على الحسين، وتنوح عليه.

سويد بن سعيد: حدثنا عمرو بن ثابت، حدثنا حبيب بن أبي ثابت، أنَّ أم سلمة سمعت نَوْح الجن على الحسين.

عبيد بن جناد: حدثنا عطاء بن مسلم، عن أبي جناب الكلبي قال: أتيت كربلاء، فقلت لرجل من أشراف العرب: بلغني أنَّكم تسمعون نَوْح الجن، قال: ما تلقى حرًّا ولا عبدًا إلَّا أخبرك أنه سمع ذلك. قلت: فما سمعت أنت? قال: سمعتهم يقولون:

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عُلْيَا قري

ش، وجده خير الجدود

محمد بن جرير: حدثث عن أبي عبيدة، حدثنا يونس بن حبيب قال: لما قتل عبيد الله الحسين وأهله، بعث برءوسهم إلى يزيد، فسُرَّ بقتلهم أولًا، ثم لم يلبث حتى ندم على قتلهم، فكان يقول: وما علي لو احتملت الأذى، وأنزلت الحسين معي، وحكمته فيما يريد، وإن كان علي في ذلك وهن، حفظًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورعاية لحقه، لعن الله ابن مرجانة -يعني عبيد الله، فإنه أحرجه واضطره، وقد كان سأل أن يخلي سبيله أن يرجع من حيث أقبل، أو يأتيني فيضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من الثغور، فأبى ذلك عليه وقتله، فأبغضني بقتله المسلمون، وزرع لي في قلوبهم العداوة.

جرير، عن الأعمش قال: تغوّط رجل من بني أسد على قبر الحسين، فأصاب أهل ذلك البيت خبل، وجنون، وبرص، وفقر، وجذام.

قال هشام بن الكلبي: لما أجري الماء على قبر الحسين انمحى أثر القبر، فجاء أعرابي فتتبعه، حتى وقع على أثر القبر، فبكى، وقال:

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه

فطيب تراب القبر دلَّ على القبر

سفيان بن عيينة: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين. ومات لها حسن، وقتل لها حسين.

قلت: قوله: مات لها حسن: خطأ، بل عاش سبعًا وأربعين سنة.

ص: 370

قال الجماعة: مات يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين، زاد بعضهم يوم السبت، وقيل: يوم الجمعة، وقيل: يوم الاثنين.

ومولده: في شعبان، سنة أربع من الهجرة.

عبد الحميد بن بهرام، وآخر ثقة، عن شهر بن حوشب، قال: كنت عند أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاها قتل الحسين، فقالت: قد فعلوها?! ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا، ووقعت مغشية عليها، فقمنا.

ونقل الزبير لسليمان بن قتة يرثي الحسين:

وإن قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقابًا من قريش فذلت

فإن يتبعوه عائذ البيت يصبحوا

كعاد تعمَّت عن هداها فضلت

مررت على أبيات آل محمد

فألفيتها أمثالها حين حلت

وكانوا لنا غنمًا فعادوا رزية

لقد عظمت تلك الرزايا وجَلَّت

فلا يبعد الله الديار وأهلها

وإن أصبحت منهم برغمي تخلَّت

ألم تر أن الأرض أضحت مريضة

لفقد حسين والبلاد اقشعرت

قوله: أذلّ رقابًا، أي: لا يرعون عن قتل قرشي بعده.

أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة: حدثني أبي، عن أبيه قال: أخبرني أبي حمزة بن يزيد الحضرمي قال: رأيت امرأة من أجمل النساء وأعقلهنَّ، يقال لها: ريا؛ حاضنة يزيد، يقال: بلغت مائة سنة، قالت: دخل رجل على يزيد، فقال: أبشر، فقد أمكنك الله من الحسين، وجيء برأسه، قال: فوضع في طست، فأمر الغلام فكشف، فحين رآه خمر وجهه كأنه شمَّ منه، فقلت لها: أقرع ثناياه بقضيب? قالت: إي والله.

ثم قال حمزة: وقد حدثني بعض أهلنا أنه رأى رأس الحسين مصلوبًا بدمشق ثلاثة أيام.

وحدثتني ريا أنَّ الرأس مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان، فبعث فجيء به، وقد بقي عظمًا أبيض، فجعله، في سفط وطيبه، وكفَّنه ودفنه في مقابر المسلمين، فلما دخلت المسوَّدة سألوا عن موضع الرأس، فنبشوه وأخذوه، فالله أعلم ما صنع به.

وذكر باقي الحكاية، وهي قوية الإسناد.

ص: 371

يحيى بن بكير: حدثني الليث، قال: أبى الحسين أن يستأسر حتى قتل بالطف، وانطلقوا ببنيه علي وفاطمة وسكينة إلى يزيد، فجعل سكينة خلف سريره لئلَّا ترى رأس أبيها، وعليّ في غل، فضرب على ثنيتي الحسين، وتمثَّل بذاك البيت، فقال علي:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ} [الحديد: 22]، الآية، فثقل على يزيد أن تمثَّل ببيت، وتلا عليّ آية، فقال بل:{فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُم} [الشورى: 30]. فقال: أما -والله- لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبَّ أن يخلينا، قال: صدقت، فخلوهم، قال: ولو وقفنا بين يديه لأحبَّ أن يقربنا، قال: صدقت، قربوهم، فجعلت سكينة وفاطمة تتطاولان لتريا الرأس، وبقي يزيد يتطاول في مجلسه ليستره عنهما، ثم أمر لهم بجهاز، وأصلح آلتهم، وخرجوا إلى المدينة.

كثير بن هشام: حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن أبي زياد قال: لما أُتِيَ يزيد برأس الحسين جعل ينكت سنّه ويقول: ما كنت أظن أبا عبد الله بلغ هذا السن، وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب.

وممن قتل مع الحسين إخوته الأربعة: جعفر، وعتيق، ومحمد، والعباس الأكبر، وابنه الكبير علي، وابنه عبد الله، وكان ابنه علي زين العابدين مريضًا فسلم، وكان يزيد يكرمه ويرعاه.

وقتل مع الحسين ابن أخيه القاسم بن الحسن، وعبد الله وعبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب، ومحمد وعون ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

المدائني، عن إبراهيم بن محمد، عن عمرو بن دينار، حدثنا محمد بن علي، عن أبيه قال: قتل الحسين، وأدخلنا الكوفة، فلقينا رجل، فأدخلنا منزله، فألحفنا، فنمت، فلم أستيقظ إلَّا بحسّ الخيل في الأزقة، فحملنا إلى يزيد، فدمعت عينه حين رآنا، وأعطانا ما شئنا، وقال: إنه سيكون في قومك أمور، فلا تدخل معهم، فلمَّا كان يوم الحرة ما كان، كتب مع مسلم بن عقبة بأماني، فلما فرغ من القتال مسلم بعث إليّ فجئته، فرمى إلي بالكتاب، وإذا فيه: استوص بعلي بن الحسين خيرًا، وإن دخل معهم في أمرهم، فأمَّنه واعف عنه، وإن لم يكن معهم فقد أصاب وأحسن.

فأولاد الحسين هم: علي الأكبر الذي قتل مع أبيه، وعلي زين العابدين، وذريته عدد كثير، وجعفر، وعبد الله، ولم يعقبا.

فولد لزين العابدين الحسن، والحسين -ماتا صغيرين، ومحمد الباقر، وعبد الله، وزيد، وعمر، وعلي، ومحمد الأوسط -ولم يعقب، وعبد الرحمن، وحسين الصغير، والقاسم -ولم يعقب.

ص: 372

‌271 - عبد الله بن حنظلة

(1)

: " د"

الغسيل بن أبي عامر الراهب، عبد عمرو بن صيفي بن النعمان، أبو عبد الرحمن الأنصاري، الأوسي، المدني، من صغار الصحابة.

استشهد أبوه يوم أحد، فغسَّلته الملائكة لكونه جنبًا

(2)

، فلو غسل الشهيد الذي يكون جنبًا استدلالًا بهذا لكان حسنًا.

حدَّث عن عبد الله: عبد الله بن يزيد الخطمي -رفيقه، وابن أبي مليكة، وضمضم بن جوس، وأسماء بنت زيد العدوية.

قد روى أيضًا عن عمر، وعن كعب الأحبار.

وكان رأس الثائرين على يزيد نوبة الحرة

(3)

.

وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على ناقة. إسناده حسن.

وهو ابن جميلة بنت عبد الله بن أُبَيّ بن سلول.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 65"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 168"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 131"، الاستيعاب "3/ 892"، أسد الغابة "3/ 218"، الإصابة "2/ ترجمة رقم 4637"، تهذيب التهذيب "5/ 193"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3461".

(2)

حسن: أخرجه الحاكم "3/ 204 - 205" وعنه البيهقي "4/ 15" عن أبي الحسين بن يعقوب، عن محمد بن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده مرفوعًا بلفظ:"إن صاحبكم حنظلة تغسله الملائكة"، فسألوا صاحبته فقالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهوجنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لذلك غسلته الملائكة". وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

قلت: إسناده حسن، محمد بن إسحاق، مدلّس، ولكن قد صرَّح بالتحديث فأمِنَّا شر تدليسه.

وأخرجه ابن إسحاق في "السيرة""ص 312" عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد رضي الله عنه به. وله شاهد عند الطبراني "12094" من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا شريك، عن حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: لما أصيب حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنبان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رأيت الملائكة تغسلهما" وأورده الهيثمي في "المجمع""3/ 23"، رواه الطبراني في "الكبير" وإسناده حسن.

(3)

الحرة: أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كثيرة.

ص: 373

وفد في بنيه الثمانية على يزيد، فأعطاهم مائتي ألف وخلعًا، فلمَّا رجع قال له كبراء المدينة: ما وراءك? قال: جئت من عند رجل لو لم أجد إلَّا بني لجاهدته بهم، قالوا: إنه أكرمك وأعطاك، قال: وما قبلت إلَّا لأتقوَّى به عليه، وحضَّ الناس فبايعوه، وأمَّر على الأنصار، وأمَّر على قريش عبد الله بن مطيع العدوي، وعلى باقي المهاجرين معقل بن سنان الأشجعي، ونفوا بني أمية.

فجهز يزيد لهم جيشًا، عليهم مسلم بن عقبة -ويدعى مسرفًا المري- في اثني عشر ألفًا، فكلمه عبد الله بن جعفر في أهل المدينة، فقال: دعني أشتفي، لكني آمر مسلم بن عقبة أن يتخذ المدينة طريقه إلى مكة، فإن هم لم يحاربوه وتركوه فيمضي لحرب ابن الزبير، وإن حاربوه قاتلهم، فإن نصر قتل وأنهب المدينة ثلاثًا، ثم يمضي إلى ابن الزبير.

وكتب عبد الله بن جعفر إليهم ليكفوا، فقدم مسلم فحاربوه، ونالوا من يزيد، فأوقع بهم وأنهبها ثلاثًا، وسار، فمات بالشلل، وعهد إلى حصين بن نمير في أول سنة أربع وستين، وذمَّهم ابن عمر على شق العصا.

قال زيد بن أسلم: دخل ابن مطيع على ابن عمر ليالي الحرة، فقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من نزع يدًا من طاعة لم يكن له حجة يوم القيامة"

(1)

.

قال المدائني: توجه إليهم مسلم بن عقبة في اثني عشر ألفًا، وأنفق فيهم يزيد، في الرجل أربعين دينارًا، فقال له النعمان بن بشير: وجهني أكفك. قال: لا. ليس لهم إلَّا هذا الغشمة، والله لا أقيلهم بعد إحساني إليهم، وعفوي عنهم مرة بعد مرة، فقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين في عشيرتك، وأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلمه عبد الله بن جعفر، فقال: إن رجعوا فلا سبيل عليهم، فادعهم يا مسلم ثلاثًا، وامض إلى الملحد ابن الزبير، قال: واستوص بعلي بن الحسين خيرًا.

جرير، عن الحسن قال: والله ما كاد ينجو منهم أحد، لقد قتل ولدا زينب بنت أم سلمة.

قال مغيرة بن مقسم: أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثًا، وافتُضَّ بها ألف عذراء.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 70 و 83 و 123 و 133 و 154"، ومسلم "1851" من حديث عبد الله بن عمر مرفوعًا بلفظ:"من خلع يدًا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية" واللفظ لمسلم.

ص: 374

قال السائب بن خلاد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله"

(1)

. رواه مسلم بن أبي مريم، وجماعة، عن عطاء بن يسار، عنه.

وروى جويرية بن أسماء، عن أشياخه قالوا: خرج أهل المدينة يوم الحرة بجموع وهيئة لم ير مثلها، فلما رآهم عسكر الشام كرهوا قتالهم، فأمر مسرف بسريره فوضع بين الصفين، ونادى مناديه: قاتلوا عني أو دعوا، فشدوا، فسمعوا التكبير خلفهم من المدينة، وأقحم عليهم بنو حارثة، فانهزم الناس، وعبد الله بن الغسيل متساند إلى ابنه نائم، فنبهه، فلمَّا رأى ما جرى أمر أكبر بنيه فقاتل حتى قتل، ثم لم يزل يقدِّمهم واحدًا واحدًا حتى قتلوا، وكسر جفن سيفه، وقاتل حتى قُتِل.

وروى الواقدي بإسناد قال: لما وثب أهل الحرة، وأخرجوا بني أمية من المدينة، بايعوا ابن الغسيل على الموت، فقال: يا قوم، والله ما خرجنا حتى خفنا أن نرجم من السماء، رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة.

قال: وكان يبيت تلك الليالي في المسجد، وما يزيد في إفطاره على شربة سويق، ويصوم الدهر ولا يرفع رأسه إلى السماء، فخطب وحرَّض على القتال، وقال: اللهم إنا بك واثقون، فقاتلوا أشد قتال، وكبَّر أهل الشام، ودخلت المدينة من النواحي كلها، وقتل الناس، وبقي لواء ابن الغسيل ما حوله خمسة، فلمَّا رأى ذلك رمى درعه، وقاتلهم حاسرًا حتى قتل، فوقف عليه مروان وهو مادّ إصبعه السبابة، فقال: أما والله لئن نصبتها ميتًا لطالما نصبتها حيًّا.

قال أبو هارون العبدي: رأيت أبا سعيد الخدري ممعط اللحية، فقال: هذا ما لقيت من ظلمة أهل الشام، أخذوا ما في البيت، ثم دخلت طائفة فلم يجدوا شيئًا، فأسفوا، وأضجعوني، فجعل كل واحد منهم يأخد من لحيتي خصلة.

قال خليفة: أصيب من قريش، والأنصار يومئذ ثلاث مائة وستة رجال، ثم سماهم.

وعن أبي جعفر الباقر قال: ما خرج فيها أحد من بني عبد المطلب، لزموا بيوتهم، وسأل مسرف، عن أبي، فجاءه ومعه ابنا محمد بن الحنفية، فرحَّب بأبي، وأوسع له، وقال: إن أمير المؤمنين أوصاني بك.

كانت الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، وأصيب يومئذ عبد الله بن زيد بن عاصم حاكي وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، ومعقل بن سنان، ومحمد بن أُبَيّ بن كعب، وعدة من أولاد كبراء الصحابة، وقتل جماعة صبرًا.

وعن مالك بن أنس قال: قتل يوم الحرة من حملة القرآن سبع مائة.

قلت: فلما جرت هذه الكائنة اشتدَّ بغض الناس ليزيد مع فعله بالحسين وآله، ومع قلة دينه، فخرج عليه أبو بلال مرداس به أدية الحنظلي، وخرج نافع بن الأزرق، وخرج طواف السدوسي، فما أمهله الله، وهلك بعد نيف وسبعين يومًا.

(1)

صحيح: ورد في حديث السائب بن خلاد، عند أحمد "4/ 55 و 56"، والطبراني في "الكبير""6631 - 6637"، وهو صحيح.

ورد في حديث جابر بن عبد الله عند أحمد "3/ 354 و 393"، وإسناده صحيح.

ص: 375

‌272 - سلمة بن الأكوع

(1)

: " ع"

هو سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع: سنان بن عبد الله أبو عامر، وأبو مسلم، ويقال: أبو إياس الأسلمي الحجازي المدني.

قيل: شهد مؤتة، وهو من أهل بيعة الرضوان.

روى عدة أحاديث.

حدَّث عنه: ابنه إياس، ومولاه يزيد بن أبي عبيد، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والحسن بن محمد بن الحنفية، ويزيد بن خصيفة.

قال مولاه يزيد: رأيت سلمة يصفّر لحيته، وسمعته يقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، وغزوت معه سبع غزوات

(2)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 305"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 1987"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 729"، معجم البلدان "4/ 55"، الاستيعاب "2/ 639"، أسد الغابة "2/ 423"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 2404"، الكاشف "1/ ترجمة 2062"، الوافي بالوفيات "15/ 321"، تهذيب التهذيب "4/ 150"، الإصابة "2/ ترجمة 3389"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2640".

(2)

صحيح أخرجه البخاري "2960" و"4169"، ومسلم "1860"، والترمذي "1952"، والنسائي (7/ 141" من طريق يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة: على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت. وأخرجه مسلم "1815" من طريق يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع عزوات، مرة علينا أبو بكر، ومرة علينا أسامة بن زيد.

ص: 376

ابن مهدي: حدثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: بيَّتَنا هوازن مع أبي بكر الصديق، فقتلت بيدي ليلتئذ سبعة أهل أبيات.

عكرمة بن عمار: حدثنا إياس، عن أبيه، قال: خرجت أنا ورباح غلام النبي صلى الله عليه وسلم بظهر النبي صلى الله عليه وسلم، وخرجت بفرس لطلحة، فأغار عبد الرحمن بن عيينة على الإبل، فقتل راعيها، وطرد الإبل هو وأناس معه في خيل، فقلت: يا رباح! اقعد على هذا الفرس، فألحقه بطلحة، وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقمت على تلٍّ، ثم ناديت ثلاثًا: يا صباحاه! واتبعت القوم، فجعلت أرميهم وأعقر بهم، وذلك حين يكثر الشجر، فإذا رجع إلي فارس قعدت له في أصل شجرة، ثم رميته، وجعلت أرميهم، وأقول:

أنا ابن الأكوع

واليوم يوم الرضّع

وأصبت رجلًا بين كتفيه، وكنت إذا تضايقت الثنايا، علوت الجبل، فردأتهم بالحجارة، فما زال ذلك شأني وشأنهم، حتى ما بقي شيء من ظهر النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا خلفته وراء ظهري، واستنقذته، ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحًا، وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون منها، ولا يلقون شيئًا إلَّا جعلت عليه حجارة، وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا امتدَّ الضحى أتاهم عيينة بن بدر مددًا لهم، وهم في ثنية ضيقة، ثم علوت الجبل، فقال عيينة: ما هذا? قالوا: لقينا من هذا البرح ما فارقنا بسحر إلى الآن، وأخذ كل شيء كان في أيدينا، فقال عيينة: لو لا أنه يرى أن وراءه طلبًا، لقد ترككم ليقم إليه نفر منكم، فصعد إليّ أربعة، فلمَّا أسمعتهم الصوت قلت: أتعرفوني? قالوا: ومن أنت? قلت: أنا ابن الأكوع، والذي أكرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني، فقال رجل منهم: إني أظن، فما برحت ثَمَّ، حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر، وإذا أولهم الأخرم الأسدي وأبو قتادة، والمقداد، فولَّى المشركون، فأنزل فأخذت بعنان فرس الأخرم لا آمن أن يقتطعوك، فاتئد حتى يلحقك المسلمون، فقال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنَّ الجنة حق، والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة، فخليت عنان فرسه، ولحق بعبد الرحمن بن عيينة، فاختلفا طعنتين، فعقر الأخرم بعبد الرحمن فرسه، ثم قتله عبد الرحمن، وتحوَّل عبد الرحمن على فرس الأخرم، فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن، فاختلفا طعنتين، [فعقر بأبي قتادة]، فقتله أبو قتادة، وتحوّل على فرسه.

وخرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار أصحابنا شيئًا، ويعرضون قبيل المغيب

ص: 377

إلى شعب فيه ماء، يقال له:"ذو قرد"

(1)

، فأبصروني أعدو وراءهم، فعطفوا عنه وأسندوا في الثنية، وغربت الشمس، فألحق رجلًا فأرميه؛ فقلت:

خذها وأنا ابن الأكوع

واليوم يوم الرضَّع

فقال: يا ثكل أمي، أكوعي بكرة? قلت: نعم يا عدو نفسه، وكان الذي رميته بكرة، فأتبعته سهمًا آخر، فعلق به سهمان. ويخلفون فرسين، فسقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على الماء الذي حليتهم عنه "ذو قرد"، وهو في خمس مائة، وإذا بلال نحر جزورًا مما خلفت، فهو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! خلني، فأنتخب من أصحابك مائة، فآخذ عليهم بالعشوة، فلا يبقى منهم مخبر، قال:"أكنت فاعلًا يا سلمة"؟ قلت: نعم. فضحك حتى رأيت نواجذه في ضوء النار، ثم قال:"إنهم يقرون الآن بأرض غطفان".

قال: فجاء رجل فأخبر أنهم مروا على فلان الغطفاني، فنحر لهم جزورًا، فلمَّا أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة، فهربوا، فلمَّا أصبحنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة"، وأعطاني سهم الراجل والفارس جميعًا، ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة.

فلما كان بيننا وبينها قريبًا من ضحوة، وفي القوم رجل كان لا يسبق، جعل ينادي: ألَا رجل يسابق إلى المدينة? فأعاد ذلك مرارًا. فقلت: ما تكرم كريمًا، ولا تهاب شريفًا? قال: لا، إلَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، بأبي وأمي، خلني أسابقه، قال: إن شئت، وقلت: امض، وصبرت عليه شرفًا أو شرفين حتى استبقيت نفسي، ثم إني عدوت حتى ألحقه، فأصك بين كتفيه، وقلت: سبقتك والله، أو كلمة نحوها، فضحك وقال: إن أظنّ حتى قدمنا المدينة.

أخرجه مسلم مطوَّلًا

(2)

.

العطاف بن خالد، عن عبد الرحمن بن رزين قال: أتينا سلمة بن الأكوع بالربذة، فأخرج إلينا يدًا ضخمة كأنها خف البعير، فقال: بايعت بيدي هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأخذنا يده، فقبَّلناها

(3)

.

(1)

ذو قَرَد: ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1807".

(3)

حسن: أخرجه ابن سعد "4/ 306"، وفيه العطاف بن خالد، صدوق، وكذا عبد الرحمن بن رزين، صدوق -كما قال الحافظ في "التقريب".

ص: 378

الحميدي: حدثنا علي بن يزيد الأسلمي، حدثنا إياس بن سلمة، عن أبيه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارًا، ومسح على وجهي مرارًا، واستغفر لي مرارًا، عدد ما في يدي من الأصابع

(1)

.

قال يزيد بن أبي عبيد؛ عن سلمة: أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم، في البدو، فأذن له

(2)

.

رواه أحمد في "مسنده" عن حماد بن مسعدة، عنه.

ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن زياد بن ميناء قال: كان ابن عباس، وأبو هريرة، وجابر، ورافع بن خديج، وسلمة بن الأكوع، مع أشباهٍ لهم يفتون بالمدينة، ويحدّثون من لدن توفي عثمان إلى أن تُوفُّوا.

وعن عبادة بن الوليد، أنَّ الحسن بن محمد بن الحنفية قال: اذهب بنا إلى سلمة بن الأكوع فلنسأله، فإنه من صالحي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم القدم، فخرجنا نريده، فلقيناه يقوده قائده، وكان قد كُفَّ بصره.

وعن يزيد بن أبي عبيد قال: لما قتل عثمان خرج سلمة إلى الربذة، وتزوّج هناك امرأة، فولدت له أولادًا، وقبل أن يموت بليالٍ نزل إلى المدينة.

قال الواقدي، وجماعة: توفي سنة أربع وسبعين.

قلت: كان من أبناء التسعين، وحديثه من عوالي "صحيح البخاري".

(1)

ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير""6267" من طريق الحميدي، به. وفيه علي بن يزيد بن أبي حكيمة، مجهول، لذا فقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير""3/ ق 2/ 301"، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل""3/ ق 1/ 209" ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "7087"، ومسلم "1862"، والنسائي "7/ 151 - 152"، وأحمد "47 و 54".

ص: 379

‌273 - عبد الله بن عباس البحر

(1)

: " ع"

حبر الأمة، وفقيه العصر، وإمام التفسير، أبو العباس عبد الله، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب شيبة بن هاشم، واسمه: عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، القرشي الهاشمي المكي، الأمير رضي الله عنه.

مولده بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين.

صحب النبي صلى الله عليه وسلم نحوًا من ثلاثين شهرًا، وحدَّث عنه بجملة صالحة، وعن عمر، وعلي، ومعاذ، ووالده، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي سفيان صخر بن حرب، وأبي ذر، وأُبَيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وخلق.

وقرأ على أُبَيّ، وزيد.

قرأ عليه: مجاهد، وسعيد بن جبير، وطائفة.

روى عنه: ابنه علي، وابن أخيه عبد الله بن معبد، ومواليه؛ عكرمة ومقسم وكريب، وأبو معبد نافذ، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل، وأبو أمامة بن سهل، وأخوه كثير بن العباس، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله، وطاوس، وأبو الشعثاء جابر، وعليّ بن الحسين، وسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، والقاسم بن محمد، وأبو صالح السمَّان، وأبو رجاء العطاردي، وأبو العالية، وعبيد بن عمير، وابنه عبد الله، وعطاء بن يسار، وإبراهيم بن عبد الله بن معبد، وأربدة التميمي صاحب التفسير، وأبو صالح باذام، وطليق بن قيس الحنفي، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي، والحسن، وابن سيرين، ومحمد بن كعب القرظي، وشهر بن حوشب، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وعبيد الله بن أبي يزيد، وأبو جمرة نصر بن عمران الضبعي، والضاحك بن مزاحم، وأبو الزبير المكي، وبكر بن عبد الله المزني، وحبيب بن أبي ثابت، وسعيد بن أبي الحسن، وإسماعيل السدي، وخلق سواهم.

وفي "التهذيب": من الرواة عنه مائتان سوى ثلاثة أنفس.

وأمه: هي أمّ الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية، من هلال بن عامر.

وله جماعة أولاد؛ أكبرهم العباس -وبه كان يكنَّى، وعلي أبو الخلفاء، وهو أصغرهم، والفضل، ومحمد، وعبيد الله، ولبابة، وأسماء.

وكان وسيمًا جميلًا، مديد القامة، مهيبًا، كامل العقل، ذكي النفس، من رجال الكمال.

وأولاده: الفضل ومحمد وعبيد الله، ماتوا ولا عقب لهم، ولبابة، ولها أولاد،

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "2/ 365"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 5"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 527"، تاريخ بغداد "1/ 173"، والاستيعاب "3/ 933"، أسد الغابة "3/ 290"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 338"، الكاشف "2/ ترجمة 2829"، الإصابة "2/ ترجمة 4781"، تهذيب التهذيب "5/ 286 - 279"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3589".

ص: 380

وعقب من زوجها علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وبنته الأخرى أسماء، وكانت عند ابن عمِّها عبد الله بن عبيد الله بن العباس، فولدت له حسنًا وحسينًا.

انتقل ابن عباس مع أبويه إلى دار الهجرة سنة الفتح، وقد أسلم قبل ذلك، فإنه صحَّ عنه أنه قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان، وأمي من النساء.

روى خالد الحذاء عن عكرمة، عن ابن عباس قال: مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسي، ودعا لي بالحكمة

(1)

.

شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المخرج وخرج، فإذا تور مغطى قال:"من صنع هذا"؟، فقلت: أنا. فقال: "اللهم علمه تأويل القرآن"

(2)

.

قال ابن شهاب: عن عبيد الله، عن ابن عباس قال: أقبلت على أتان، وقد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى

(3)

.

وروى أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن عشر

(4)

. رواه شعبة له، وغيره عنه.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "75"، ومسلم "2477"، والترمذي "3824"، وابن ماجه "166"، الطبراني "10588" من طريق خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس: ضمَّني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم علمه الكتاب".

(2)

حسن: أخرجه الحاكم "3/ 537" من طريق شبيب بن بشر، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس، به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي في "التلخيص" بقوله: قلت: "شبيب فيه لين، وأخرجه أحمد "1/ 266 و 314 و 328 و 335"، وفي "فضائل الصحابة" "1856" و"1856" و"1858" و"1882"، والطبراني "10587" من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفي أو على منكبي -شك سعيد، ثم قال: "اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل".

قلت: إسناده حسن، عبد الله بن عثمان بن خثيم، صدوق -كما قال الحافظ في "التقريب".

(3)

صحيح: أخرجه مالك "1/ 155"، والبخاري "493"، ومسلم "504" عن ابن عباس قال: أقبلت راكبًا على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي الصف فنزلت، فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر عليّ أحد".

قوله: ناهزت الاحتلام، أي: قاربت البلوغ.

(4)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 253 و 287 و 337 و 357" من طرق عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به.

ص: 381

وقال هشيم: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد، عنه: جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقُبِضَ وأنا ابن عشر حجج

(1)

.

وقال شعبة: عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن خمس عشرة سنة، وأنا ختين

(2)

.

قال الواقدي: لا خلاف أنه وُلِدَ في الشعب، وبنو هاشم محصورون، فوُلِدَ قبل خروجهم منه بيسير، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، ألَا تراه يقول: وقد راهقنا الاحتلام، وهذا أثبت مما نقله أبو بشر في سنه.

قال أحمد بن حنبل، فيما رواه ابنه عبد الله عنه: حديث أبي بشر عندي واهٍ، قد روى أبو إسحاق، عن سعيد، فقال: خمس عشرة، وهذا يوافق حديث عبيد الله بن عبد الله

(3)

.

قال الزبير بن بكار: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولابن عباس ثلاث عشرة سنة.

قال أبو سعيد بن يونس: غزا ابن عباس إفريقية مع ابن أبي سرح، وروى عنه من أهل مصر خمسة عشر نفسًا.

(1)

صحيح: أخرجه الطيالسي "2639"، والطبراني "10577" من طريق شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين مختون، وقد قرأت المحكم من القرآن. قال شعبة: قلت لأبي بشر: أيّ شيء المحكم من القرآن؟ قال: المفصَّل.

وأخرجه البخاري "5035" من طريق أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم، قال: وقال ابن عباس: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم".

(2)

صحيح: أخرجه الطيالسي "2640"، وأحمد "1/ 373"، والحاكم "3/ 533"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثانى""372" و"373"، والطبراني "10578" من طرق عن شعبة، به.

قال الحافظ في "الفتح""11/ 90": المحفوظ الصحيح أنه وُلِدَ بالشعب، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، فيكون له عند الوفاة النبوية ثلاث عشرة سنة، وبذلك قطع أهل السير، وصحَّحه ابن عبد البر، وأورد بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال:"ولدت وبنو هاشم في الشعب"، وهذا لا ينافي قوله:"ناهزت الاحتلام" أي: قاربته، ولا قوله:"وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك"؛ لاحتمال أن يكون أدرك فختن قبل الوفاة النبوية وبعد حجة الوداع، وأمَّا قوله:"وأنا ابن عشر" فمحمول على إلغاء الكسر، وراية أحمد من طريق أخرى، عن ابن عباس أنه كان حينئذ ابن خمس عشرة، ويمكن رده إلى رواية ثلاثة عشرة بأن يكون ابن ثلاث عشرة وشيء، وولد في أثناء السنة، فجبر الكسرين بأن يكون ولد مثلًا في شوال، فله من السنة الأولى ثلاثة أشهر، فأطلق عليها سنة، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع، فله من السنة الأخيرة ثلاثة أخرى، وأكمل بينهما ثلاث عشرة، فمن قال ثلاث عشرة ألغى الكسرين، ومن قال خمس عشرة جبرهما والله أعلم.

(3)

راجع تعليقنا السابق.

ص: 382

قال أبو عبد الله بن مندة: أمه هي: أم الفضل، أخت أم المؤمنين ميمونة، وُلِدَ قبل الهجرة بسنتين.

وكان أبيض طويلًا، مشربًا صفرة، جسيمًا وسيمًا، صبيح الوجه، له وفرة، يخضب بالحناء، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة.

قلت: وهو ابن خالة خالد بن الوليد المخزومي.

سعيد بن سالم: حدَّثنا ابن جريج قال: كنا جلوسًا مع عطاء في المسجد الحرام، فتذاكرنا ابن عباس، فقال عطاء: ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة إلَّا ذكرت وجه ابن عباس.

إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن عكرمة قال: كان ابن عباس إذا مَرَّ في الطريق قلن النساء على الحيطان: أمَرَّ المسك أم مَرَّ ابن عباس?

الزبير: حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني، عن داود بن عطاء، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، أن عمر دعا ابن عباس فقرَّبه، وكان يقول: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يومًا، فمسح رأسك، وتفل في فيك، وقال:"اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل"

(1)

.

داود: مدني ضعيف.

حماد بن سلمة، وغيره، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله قال: بت في بيت خالتي ميمونة، فوضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلًا، فقال:"من وضع هذا"? قالوا: عبد الله. فقال: "اللهمَّ علمه التأويل، وفقهه في الدين"

(2)

.

أخبرنا إسحاق الأسدي، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا اللبان، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن جعفر بن الهيثم، حدثنا ابن أبي العوام، حدثنا عبد الله بن بكر، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن عمرو بن دينار: أن كريبًا أخبره، عن ابن عباس قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فجعلني حذاءه، فلمَّا انصرفت قلت: وينبغي لأحد أن يصلي حذاءك، وأنت رسول الله? فدعا الله أن يزيدني فهمًا وعلمًا.

حاتم بن أبي صغيرة،. عن عمرو بن دينار، عن كريب، عن ابن عباس: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له أن يزيده الله فهمًا وعلمًا.

(1)

منكر: في إسناده داود بن عطاء المدني، أبو سليمان، قال أحمد: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث.

(2)

حسن: مَرَّ تخريجنا له قريبًا بتعليق رقم "693" فراجعه ثَمَّتَ.

ص: 383

ورقاء، سمعت عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس: وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءًا، فقال:"اللهمَّ فقهه في الدين، وعلمه التأويل".

وعن ابن عباس: دعا لي رسول الله بالحكمة مرتين.

كوثر بن حكيم -واهٍ، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا:"إن حبر هذه الأمة ابن عباس".

تفرَّد به عنه محمد بن يزيد الرهاوي.

عبد المؤمن بن خالد، عن ابن بريدة، عن ابن عباس: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل، فقال له جبريل: إنه كائن هذا حبر الأمة، فاستوصِ به خيرًا.

حديث منكر، تفرَّد به سعدان بن جعفر، عن عبد المؤمن.

حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس قال: كنت مع أبي عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كالمعرض عن أبي، فخرجنا من عنده، فقال: ألم تر ابن عمك كالمعرض عني? فقلت: إنه كان عنده رجل يناجيه، قال: أو كان عنده أحد? قلت: نعم، فرجع إليه، فقال: يا رسول الله، هل كان عندك أحد? فقال لي:"هل رأيته يا عبد الله"? قال: نعم. قال: "ذاك جبريل، فهو الذي شغلني عنك". أخرجه أحمد في "مسنده".

المنهال بن بحر: حدثنا العلاء بن محمد، عن الفضل بن حبيب، عن فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثياب بيض نقية، وهو يناجي دحية بن خليفة الكلبي، وهو جبريل، وأنا لا أعلم، فقال: من هذا? فقال: ابن عمي، قال: ما أشد وسخ ثيابه، أما إن ذريته ستسود بعده، ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رأيت من يناجيني"؟ قلت: نعم، قال:"أما إنه سيذهب بصرك".

إسناده ليّن.

ثور بن زيد الديلي، عن موسى بن ميسرة، أن العباس بعث ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فوجد عنده رجلًا، فرجع ولم يكلمه، فلقي العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فقال: أرسلت إليك ابني، فوجد عندك رجلًا، فلم يستطع أن يكلمه، فقال:"يا عم! تدري من ذاك الرجل"؟ قال: لا، قال:"ذاك جبريل لقيني، لن يموت ابنك حتى يذهب بصره، ويؤتى علمًا".

ص: 384

روى سليمان بن بلال، والدراوردي، عن ثور نحوه، وقد رواه محمد بن زياد الزيادي، عن الدراوردي، فقال: عن أيوب، عن موسى بن ميسرة، عن بعض ولد العباس، فذكره.

زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي: دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ير عنده أحدًا، فقال له ابنه عبد الله: لقد رأيت عنده رجلًا، فسأل العباس النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"ذاك جبريل".

هذا مرسل.

حبان بن علي، عن رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس قال: أتيت خالتي ميمونة، فقلت إني أريد أن أبيت الليلة عندكم، فقالت: وكيف تبيت، وإنما الفراش واحد? فقلت: لا حاجة لي به، أفرش إزاري، وأمَّا الوساد فأضع رأسي مع رءوسكما من وراء الوسادة. قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فحدَّثته ميمونة بما قال ابن عباس، فقال:"هذا شيخ قريش".

إسناده ضعيف.

قرأت على إسحاق بن طارق: أخبركم ابن خليل، أخبرنا اللبان، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا حبيب، حدثنا عبد الله البغوي، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: سئل ابن عباس: ما بلغ من هم يوسف? قال: جلس يحل هميانه، فصيح به يا يوسف! لا تكن كالطير له ريش، فإذا زنى قعد ليس له ريش.

صالح بن رستم الخزاز، عن ابن أبي مليكة: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان إذا نزل قام شطر الليل. فسأله أيوب: كيف كانت قراءته? قال قرأ: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19]، فجعل يرتّل ويكثر في ذلك النشيج.

ابن جريج، عن ابن أبي مليكة: قال ابن عباس: ذهب الناس وبقي النسناس، قيل: ما النسناس? قال: الذين يشبهون الناس وليسوا بالناس.

ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال لي معاوية: أنت على ملة عليّ? قلت: ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن طاوس قال: ما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا لحرمات الله من ابن عباس.

جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لرجل من الأنصار: هلمَّ نسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي

ص: 385

عليه الصلاة والسلام من ترى? فترك ذلك، وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، فأتوسّد ردائي على بابه، فتسفي الريح عليّ التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عمّ رسول الله، ألَا أرسلت إليَّ فآتيك? فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك. قال: فبقي الرجل حتى رآني، وقد اجتمع الناس عليّ، فقال: هذا الفتى أعقل مني.

عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير قال: كان ناس من المهاجرين قد وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس دونهم، قال: وكان يسأله، فقال عمر: أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون فضله، فسألهم عن هذه السورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1] فقال بعضهم: أمر الله نبيه إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجًا أن يحمده ويستغفره، فقال عمر: يا ابن عباس تكلّم، فقال: أعلمه متى يموت، أي: فهي آتيك من الموت، فسبح بحمد ربك واستغفره.

وروى نحوه أحمد في "مسنده" حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن ابن عباس قال: وجدت عامَّة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحي من الأنصار، إن كنت لآتي الرجل منهم، فيقال: هو نائم، فلو شئت أن يوقظ لي، فأدعه حتى يخرج لأستطيب بذلك قلبه.

يزيد بن إبراهيم، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس قال: إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

إسناده صحيح.

ابن عيينة، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن، قال: كان ابن عباس من الإسلام بمنزل، وكان من القرآن بمنزل، وكان يقوم على منبرنا هذا، فيقرأ البقرة وآل عمران، فيفسرهما آية آية، وكان عمر رضي الله عنه إذا ذكره قال: ذلك فتى الكهول له لسان سؤول، وقلب عقول.

إسرائيل: أخبرنا سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلمه إلَّا ثلاثًا "الرقيم"، و"غسلين"، و"حنانًا".

يحيى بن يمان، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير قال: قال عمر لابن عباس: لقد علمت علمًا ما علمناه.

ص: 386

عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس قال: دعاني عمر مع الأكابر، ويقول لي: لا تتكلم حتى يتكلموا، ثم يسألني، ثم يقبل عليهم، فيقول: ما منعكم أن تأتوني بمثل ما يأتيني به هذا الغلام الذي لم تستو شئون رأسه.

معمر، عن الزهري قال: قال المهاجرون لعمر: ألَا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس? قال: ذاكم فتى الكهول، إنَّ له لسانًا سئولًا، وقلبًا عقولًا.

موسى بن عبيدة، عن يعقوب بن زيد قال: كان عمر يستشير ابن عباس في الأمر إذا أهمَّه، ويقول: غص غواص.

أبو يحيى الحمَّاني: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، قال عمر: لا يلومني أحد على حب ابن عباس.

وعن مجالد، عن الشعبي قال: قال ابن عباس: قال لي أبي: يا بني! إن عمر يدنيك، فاحفظ عني ثلاثًا: لا تفشينَّ له سرًّا، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا، ولا يجربنَّ عليك كذبًا.

ابن علية: حدثنا أيوب، عن عكرمة، أن عليًّا حرق ناسًا ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لم أكن لأحرقهم أنا بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تعذبوا بعذاب الله"، وكنت قاتلهم لقوله صلى الله عليه وسلم:"من بدَّل دينه فاقتلوه"، فبلغ ذلك عليًّا، فقال: ويح ابن أم الفضل، إنه لغوَّاص على الهنات.

الواقدي: حدثنا أبو بكر بن أبي سبرة، عن موسى بن سعد، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص: سمعت أبي يقول: ما رأيت أحدًا أحضر فهمًا، ولا ألب لبًا، ولا أكثر علمًا، ولا أوسع حلمًا، من ابن عباس، لقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، فيقول: قد جاءت معضلة، ثم لا يجاوز قوله، وإن حوله لأهل بدر.

الواقدي: حدثنا موسى بن محمد التيمي، عن أبيه، عن مالك بن أبي عامر، سمع طلحة بن عبيد الله يقول: لقد أعطي ابن عباس فهمًا ولقنًا وعلمًا، ما كنت أرى عمر يقدِّم عليه أحدًا.

الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود قال: لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عشره منا أحد.

وفي رواية "ما عاشره".

الأعمش: حدثونا أنَّ عبد الله قال: ولنعم ترجمان القرآن ابن عباس.

ص: 387

الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد الله: لو أنَّ هذا الغلام أدرك ما أدركنا ما تعلقنا معه بشيء.

الواقدي: حدَّثنا مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن بسر بن سعيد، عن محمد بن أُبَيّ بن كعب، سمع أباه يقول -وكان عنده ابن عباس، فقام فقال: هذا يكون حبر هذه الأمة، أرى عقلًا وفهمًا، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفقهه في الدين.

وعن عكرمة: سمعت معاوية يقول لي: مولاك والله أفقه من مات ومن عاش.

ويروى عن عائشة قالت: أعلم من بقي بالحجّ ابن عباس.

قلت: وقد كان يرى متعة الحج حتمًا.

قرأت على إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبركم عبد الله بن أحمد الفقيه سنة سبع عشرة وست مائة، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا علي بن محمد بن محمد الأنباري، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد، أخبرنا أحمد بن منصور، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن علي بن بذيمة، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس قال: قدم على عمر رجل، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين، قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا، فقلت: والله ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة، قال: فزبرني عمر، ثم قال: مه، فانطلقت إلى منزلي مكتئبًا حزينًا، فقلت: قد كنت نزلت من هذا بمنزلة، ولا أراني إلَّا قد سقطت من نفسه، فاضطجعت على فراشي حتى عادني نسوة أهلي وما بي وجع، فبينا أنا على ذلك قيل لي: أجب أمير المؤمنين، فخرجت، فإذا هو قائم على الباب يتنظرني، فأخذ بيدي، ثم خلا بي، فقال: ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفًا? قلت: يا أمير المؤمنين، إن كنت أسأت فإني أستغفر الله وأتوب إليه، وأنزل حيث أحببت، قال: لتخبرني، قلت: متى ما يسارعوا هذه المسارعة يحتقوا، ومتى ما يحتقوا يختصموا، ومتى ما اختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا، قال: لله أبوك! لقد كنت أكتمها الناس حتى جئت بها.

ابن سعد: أخبرنا أبو بكر بن محمد بن أبي مرة مكي، حدثنا نافع بن عمر، حدثني عمرو بن دينار، أنَّ أهل المدينة كلموا ابن عباس أن يحجّ بهم، فدخل على عثمان، فأمره فحج ثم رجع، فوجد عثمان قد قُتِلَ، فقال لعلي: إن أنت قمت بهذا الأمر الآن ألزمك الناس دم عثمان إلى يوم القيامة.

ص: 388

وعن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أنه قال لعلي لما قال: سر، فقد وليتك الشام، فقال: ما هذا برأي، ولكن اكتب إلى معاوية، فمَنِّه وعِدْه، قال: لا كان هذا أبدًا.

وعن عكرمة: سمعت عبد الله يقول: قلت لعلي: لا تحكم أبا موسى، فإن معه رجلًا حذرًا مرسًا قارحًا من الرجال، فلزَّني إلى جنبه، فإنه لا يحل عقدة إلَّا عقدتها، ولا يعقد عقدة إلَّا حللتها، قال يا ابن عباس! فما أصنع? إنما أوتى من أصحابي قد ضعفت نيتهم، وكلوا هذا الأشعث يقول: لا يكون فيها مضريان أبدًا، فعذرت عليًّا.

الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله قال: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال بعلم ما سبق، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم، ونسب، ونائل، وما رأيت أحدًا أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أعلم بما مضى، ولا أثقب رأيًا فيما احتيج إليه منه، ولقد كنَّا نحضر عنده، فيحدثنا العشية كلها في المغازي، والعشية كلها في النسب، والعشية كلها في الشعر.

ابن جريج، عن طاوس قال: ما رأيت أروع من ابن عمر، ولا أعلم من ابن عباس.

وقال مجاهد: ما رأيت أحدًا قط مثل ابن عباس، لقد مات يوم مات، وأنه لحبر هذه الأمة.

الأعمش، عن مجاهد قال: كان ابن عباس يسمَّى البحر؛ لكثرة علمه.

ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس، إلَّا أن يقول قائل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن طاوس قال: أدركت نحوًا من خمس مائة من الصحابة، إذا ذاكروا ابن عباس فخالفوه، فلم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله.

قال يزيد بن الأصم: خرج معاوية حاجًّا معه ابن عباس، فكان لمعاوية موكب، ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم.

الأعمش: حدثنا أبو وائل قال: خطبنا ابن عباس وهو أمير على الموسم، فافتتح سورة النور، فجعل يقرأ ويفسر، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثل هذا، لو سمعته فارس والروم والترك لأسلمت.

وروى عاصم بن بهدلة، عن أبي، وائل مثله.

روى جويبر، عن الضحاك قال: ما رأيت بيتًا أكثر خبزًا ولحمًا من بيت ابن عباس.

ص: 389

سليم بن أخضر، عن سليمان التيمي، قال: أنبأني من أرسله الحكم بن أيوب إلى الحسن، فسأله: من أول من جمع الناس في هذا المسجد يوم عرفة? فقال: إن أوّل من جمع ابن عباس.

وعن مسروق قال: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، فإذا نطق قلت: أفصح الناس، فإذا تحدث قلت: أعلم الناس.

قال القاسم بن محمد: ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلًا قط.

قال سفيان بن عيينة: لم يدرك مثل ابن عباس في زمانه، ولا مثل الشعبي في زمانه، ولا مثل الثوري في زمانه.

أبو عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان يصلي ركعتين، فإذا نزل قام شطر الليل، ويرتل القرآن حرفًا حرفًا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب.

معتمر بن سليمان، عن شعيب بن درهم، عن أبي رجاء قال: رأيت ابن عباس، وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من البكاء.

عبد الوهاب الخفَّاف، عن أبي أمية بن يعلى، عن سعيد بن أبي سعيد قال: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل فقال: يا ابن عباس! كيف صومك? قال: أصوم الاثنين والخميس. قال: ولِمَ? قال: لأنَّ الأعمال ترفع فيهما، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم

(1)

.

إسحاق بن سليمان الرازي: سمعت أبا سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، أن أبا أيوب الأنصاري أتى معاوية، فشكا دَيْنًا، فلم ير منه ما يحب، فقدم البصرة، فنزل على ابن عباس، ففرغ له بيته، وقال: لأصنعنَّ بك كما صنعت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: كم دَيْنك? قال: عشرون ألفًا، فأعطاه أربعين ألفًا وعشرين مملوكًا، وكل ما في البيت.

(1)

ضعيف جدًّا: في إسناده أبو أمية بن يعلى، وهو أبو أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي البصري، قال يحيى مرة- والنسائي والدار قطني: متروك. وذكر ابن عدي له بضعة عشر حديثًا، معروفة لكنها منكرة الإسناد. لكن قد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ:"تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا، إلّا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اركوا هذين -أي: أخروا هذين- حتى يصطلحا، اركوا هذين حتى يصطلحا".

أخرجه مالك "2/ 908"، وأحمد "2/ 329"، ومسلم "2565"، والترمذي "747"، وابن ماجه "1740"، والدارمي "2/ 20" من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة، به. واللفظ لمسلم.

ص: 390

وعن الشعبي، وغيره: أنَّ عليًّا رضي الله عنه أقام بعد وقعة الجمل بالبصرة خمسين ليلة، ثم سار إلى الكوفة، واستخلف ابن عباس على البصرة، ووجَّه الأشتر على مقدمته إلى الكوفة، فلحقه رجل، فقال: من استخلف أمير المؤمنين على البصرة? قال: ابن عمه، قال: ففيم قتلنا الشيخ أمس بالمدينة? قال: فلم يزل ابن عباس على البصرة حتى سار إلى صفين، فاستخلف أبا الأسود بالبصرة على الصلاة، وزيادًا على بيت المال.

قلت: وقد كان علي لما بويع قال لابن عباس: اذهب على إمرة الشام، فقال: كلّا، أقلّ ما يصنع بي معاوية إن لم يقتلني الحبس، ولكن استعمله، وبين يديك عزله بعد، فلم يقبل منه، وكذلك أشار على علي أن لا يولي أبا موسى يوم الحكمين، وقال: ولني أو، فول الأحنف، فأراد علي ذلك، فغلبوه على رأيه.

قال أبو عبيدة في تسمية أمراء عليّ يوم صفين: فكان على الميسرة ابن عباس، ثم رد بعد إلى ولاية البصرة.

ومما قال حسان رضي الله عنه فيما بلغنا:

إذا ما ابن عباس بدا لك وجهه

رأيت له في كل أقواله فضلا

إذا قال لم يترك مقالًا لقائل

بمنتظمات لا ترى بينها فصلا

كفى، وشفى ما في النفوس فلم يدع

لذي أرب في القول جدًا ولا هزلا

سموت إلى العليا بغير مشقة

فنلت ذراها لا دنيًا ولا وغلا

خلفت حليفًا للمروءة والندى

بليجًا، ولم تخلق كهامًا ولا خبلا

(1)

روى العتبي، عن أبيه قال: لما سار الحسين إلى الكوفة اجتمع ابن عباس وابن الزبير بمكة، فضرب ابن عباس على جيب ابن الزبير، وتمثل:

يا لك من قنبرة بمعمر

خلا لك الجو فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري

خلا لك والله يا ابن الزبير الحجاز، وذهب الحسين. فقال ابن الزبير: والله ما ترون إلَّا أنكم أحق بهذا الأمر من سائر الناس. فقال: إنما يرى من كان في شك، ونحن فعلى يقين. لكن أخبرني عن نفسك: لِمَ زعمت أنك أحق بهذا الأمر من سائر العرب? فقال ابن

(1)

الكهام: يقال سيف كهام: كليل لا يقطع. والخبل: الفساد.

ص: 391

الزبير: لشرفي عليهم، قال: أيما أشرف، أنت أم من شرفت به? قال: الذي شرفت به زادني شرفًا، قال: وعلت أصواتهما حتى اعترض بينهما رجال من قريش، فسكتوهما.

وعن عكرمة قال: كان ابن عباس في العلم بحرًا ينشق له الأمر من الأمور، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم ألهمه الحكمة وعلمه التأويل"، فلمَّا عمي أتاه الناس من أهل الطائف، ومعهم علم من علمه -أو قال: كتب من كتبه، فجعلوا يستقرءونه، وجعل يقدِّم ويؤخِّر، فلمَّا رأى ذلك قال: إني قد تلهت من مصيبتي هذه، فمن كان عنده علم من علمي فليقرأ علي، فإن إقراري له كقراءتي عليه. قال: فقرءوا عليه.

تلهت: تحيرت، والأصل: ولهت كما قيل في وجاه: تجاه.

أبو عوانة، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنَّه لم يكن يدخل الحمام إلَّا وحده، وعليه ثوب صفيق يقول: إني أستحي الله أن يراني في الحمام متجردًا.

أبو عوانة، عن أبي الجويرية قال: رأيت إزار ابن عباس إلى نصف ساقه أو فوق ذلك، وعليه قطيفة رومية وهو يصلي.

رشدين بن كريب، عن أبيه قال: رأيت ابن عباس يعتمّ بعمامة سوداء، فيرخي شبرًا بين كتفيه، ومن بين يديه.

ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، أنَّ ابن عباس كان يتَّخذ الرداء بألف.

أبو نعيم: حدثنا سلمة بن شابور، قال رجل لعطية: ما أضيق كمك! قال: كذا كان كم ابن عباس وابن عمر.

مالك بن دينار، عن عكرمة: كان ابن عباس يلبس الخز، ويكره المصمت.

عن عطية العوفي قال: لما وقعت الفتنة بين ابن الزبير وعبد الملك ارتحل ابن عباس ومحمد ابن الحنفية بأهلهما حتى نزلوا مكة، فبعث ابن الزبير إليهما: أن بايعا، فأبيا، وقالا: أنت وشأنك، لا نعرض لك ولا لغيرك، فأبى، وألحَّ عليهما، وقال: والله لتبايعنّ أو لأحرقنَّكم بالنار، فبعثا أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة، فانتدب أربعة آلاف، فحملوا السلاح حتى دخلوا مكة، ثم كبَّروا تكبيرة سمعها أهل مكة، وانطلق ابن الزبير من المسجد هاربًا حتى دخل دار الندوة، وقيل: بل تعلّق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ ببيت الله.

ص: 392

قال: ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية، قد عمل حول دورهم الحطب ليحرقها، فخرجنا بهم حتى نزلنا بهم الطائف.

ولأبي الطفيل الكناني حين منع ابن الزبير عبد الله بن عباس من الاجتماع بالناس كان يخافه، وإنما أخّر الناس عن بيعة ابن عباس -أن لو شاء الخلافة- ذهاب بصره:

لا دَرَّ در الليالي كيف تضحكنا

منها خطوب أعاجيب، وتبكينا

ومثل ما تحدث الأيام من غِيَر

في ابن الزبير عن الدنيا تسلينا

كنا نجيء ابن عباس فيقبسنا

فقهًا، ويكسبنا أجرًا ويهدينا

ولا يزال عبيد الله مترعة

جفانه مطعمًا ضيفًا ومسكينًا

فالبر والدين والدنيا بدارهما

ننال منها الذي نبغي إذا شينا

إن الرسول هو النور الذي كشفت

به عمايات ماضينا وباقينا

ورهطه عصمة في ديننا ولهم

فضل علينا وحق واجب فينا

ففيم تمنعهم منا وتمنعنا

منهم وتؤذيهم فينا وتؤذينا

لن يؤتي الله إنسانًا ببغضهم

في الدين عزًّا ولا في الأرض تمكينا

قال ابن عبد البر في ترجمة ابن عباس: هو القائل: ما روي عنه من وجوه:

إن يأخذ الله من عيني نورهما

ففي لساني وقلبي منهما نور

قلبي وعقلي غير ذي دخل

وفي فمي صارم كالسيف مأثور

قال سالم بن أبي حفصة: عن أبي كلثوم، أن ابن الحنفية لما دفن ابن عباس قال: اليوم مات رباني هذه الأمة.

ورواه بعضهم، فقال: عن "منذر الثوري" بدل "أبي كلثوم".

قال حسين بن واقد المروزي: حدثنا أبو الزبير قال: لما مات ابن عباس، جاء طائر أبيض فدخل في أكفانه.

رواها الأجلح، عن أبي الزبير، فزاد: فكانوا يرون أنه علمه.

وروى عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد: فما رئي بعد -يعني: الطائر.

ص: 393

حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن بجير بن أبي عبيد قال: مات ابن عباس بالطائف، فلما خرجوا بنعشه جاء طير عظيم أبيض من قِبَل وج، حتى خالط أكفانه، ثم لم يروه، فكانوا يرون أنه علمه.

قال ابن حزم، في كتاب "الإحكام": جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون -أحد أئمة الإسلام- فتاوى ابن عباس في عشرين كتابًا.

أخبرنا أحمد بن سلامة في كتابه، عن ابن كليب، أخبرنا ابن بيان، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا الصفار، حدثنا ابن عرفة، حدثنا مروان بن شجاع، عن سالم الأفطس، عن سعيد قال: مات ابن عباس بالطائف، فجاء طائر لم ير على خلقته، فدخل نعشه، ثم لم ير خارجًا منه، فلمَّا دفن تليت هذه الآية على شفير القبر، لا يدرى من تلاها:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27 - 28].

رواه بسام الصيرفي، عن عبد الله بن يامين، وسَمَّى الطائر غرنوقًا.

رواه فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران: شهدت جنازة ابن عباس

بنحو من حديث سالم الأفطس.

فهذه قضية متواترة.

قال علي بن المديني: توفي ابن عباس سنة ثمان أو سبع وستين.

وقال الواقدي والهيثم وأبو نعيم: سنة ثمان، وقيل: عاش إحدى وسبعين سنة.

ومسنده ألف وست مائة وستون حديثًا، وله من ذلك في "الصحيحين" خمسة وسبعون، وتفرَّد البخاري له بمائة وعشرين حديثًا، وتفرَّد مسلم بتسعة أحاديث.

ص: 394

‌274 - أبو أمامة الباهلي

(1)

: " ع"

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزيل حمص.

روى علمًا كثيرًا، وحدَّث عن عمر، ومعاذ، وأبي عبيدة.

روى عنه: خالد بن معدان، والقاسم أبو عبد الرحمن، وسالم بن أبي الجعد، وشرحبيل بن مسلم، وسليمان بن حبيب المحاربي، ومحمد بن زياد الألهاني، وسليم بن عامر، وأبو غالب حزور، ورجاء بن حيوة، وآخرون.

قال خليفة: ومن قيس عيلان، ثم من بني أعصر: صدي بن عجلان بن وهب بن عريب بن وهب بن رياح بن الحارث بن معنّ بن مالك بن أعصر.

قال سليم بن عامر: سمعت أبا أمامة، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع، قلت: لأبي أمامة مثل من أنت يومئذ? قال: أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة.

وروي أنه بايع تحت الشجرة.

رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة قلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فقال:"اللهمَّ سلمهم\ وغنّمهم"، فغزونا فسلمنا وغنمنا. وقلت: يا رسول الله، مرني بعمل، قال:"عليك بالصوم، فإنه لا مثل له"، فكان أبو أمامة، وامرأته، وخادمه لا يلفون إلَّا صيامًا

(2)

.

الحسين بن واقد، وصدقة بن هرمز -بمعناه، عن أبي غالب، عن أبي أمامة: أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم إلى باهلة، فأتيتهم فرحَّبوا بي، فقلت: جئت لأنهاكم عن هذا الطعام، وأنا رسول رسول الله لتؤمنوا به، فكذبوني وردّوني، فانطلقت وأنا جائع ظمآن، فنمت فأتيت في منامي بشربة من لبن، فشربت فشبعت، فعظم بطني، فقال القوم: أتاكم رجل من أشرافكم وخياركم فرددتموه? قال: فأتوني بطعام وشراب، فقلت: لا حاجة لي فيه، إن الله قد أطعمني وسقاني، فنظروا إلى حالي، فآمنوا.

مسعر، عن أبي العنبس، عن أبي العدبَّس، عن أبي مرزوق، عن أبي غالب، عن أبي أمامة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوكِئٌ على عصًا، فقمنا إليه، فقال:"لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظّم بعضها بعضًا"

(3)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 411"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 3001"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 2004"، الكاشف "2/ ترجمة 2409"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 2786"، أسد الغابة "3/ 16"، والاستيعاب "2/ 736" و"4/ 1602"، الإصابة "2/ ترجمة 4509"، تهذيب التهذيب "4/ 420"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 3128".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 248 - 249 و 255 و 258"، والنسائي "4/ 165"، والطبراني "7463" و"7464" من طريق محمد بن أبي يعقوب، عن رجاء بن حيوة، به.

(3)

ضعيف: أخرجه أبو داود "5230"، وأحمد "5/ 253"، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل""ص 64"، وتَمَّام في "الفوائد""41/ 2" من طريق مسعر، عن أبي العنبس، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه ثلاث علل؛ الأولى: جهالة أبي العدبس، العلة الثانية: ضعف أبي مرزوق، فإنه لين -كما قال الحافظ في "التقريب"، العلة الثالثة: الاضطراب، =

ص: 395

ابن المبارك: حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا محمد بن زياد: رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي ويدعو، فقال: أنت أنت! لو كان هذا في بيتك.

صفوان بن عمرو: حدثني سليم بن عامر قال: كنا نجلس إلى أبي أمامة فيحدثنا حديثًا كثيرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: اعقلوا وبلغوا عنَّا ما تسمعون.

لأبي أمامة كرامة باهرة، جزع هو منها، وهي في كرامات الداكالي، وأنَّه تصدق بثلاثة دنانير فلقي تحت كراجته ثلاث مائة دينار.

إسماعيل بن عياش: حدثنا عبد الله بن محمد، عن يحيى بن أبي كثير، عن سعيد الأزدي قال: شهدت أبا أمامة وهو في النزع، فقال لي: يا سعيد! إذا أنا مت فافعلوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لنا:"إذا مات أحدكم فنثرتم عليه التراب، فليقم رجل منكم عند رأسه، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمع، ولكنه لا يجيب، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يستوي جالسًا، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، ثم ليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا؛ شهادة أن لا إله إلَّا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربًّا، وبمحمد نبيًّا، وبالإسلام دينًا، فإنه إذا فعل ذلك قال منكر ونكير: اخرج بنا من عند هذا، ما نصنع به، وقد لقن حجته"؟ قيل: يا رسول الله، فإن لم أعرف أمه قال:"انسبه إلى حواء".

ويروى بإسناد آخر إلى سعيد هذا.

قال المدائني، وجماعة: توفي أبو أمامة سنة ست وثمانين.

وقال إسماعيل بن عياش: مات سنة إحدى وثمانين.

= فأخرجه أحمد، عن سفيان، عن مسعر، عن أبي منهم أبو غالب، عن أبي أمامة، به.

ورواه عبد الغني المقدسي في "الترغيب في الدعاء""93/ 2" عن سفيان بن عيينة، عن مسعر بن كدام، عن أبي مرزوق، عن أبي العنبس، عن أبي العدبس، عن أبي أمامة، به. ثم أخرجه أحمد "5/ 256"، والروياني في "مسنده""30/ 225/ 2" من طريق يحيى بن سعيد، عن مسعر، حدثنا أبو العدبس، عن أبي خلف، حدثنا أبو مرزوق قال: قال أبو أمامة: فذكره.

وقال الروياني: "اليهود" بدل "الأعاجم"، وأخرجه ابن ماجه "3836" من طريق وكيع، مع مسعر، عن أبي مرزوق، عن أبي وائل، عن أبي أمامة، به. فقال "أبو وائل" بدل " أبو العدبس"، لكن قد صحَّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال:"ما كان شخص في الدنيا أحبّ إليهم رؤية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا لا يقومون له لما يعلمون من كراهيته لذلك" أخرجه البخاري في "الأدب المفرد""946"، والترمذي "2754"، والطحاوي في "مشكل الآثار""2/ 39"، وأحمد "3/ 132" من طرق عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس، به.

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، غريب من هذا الوجه.

قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وهذا الحديث مما يقوي المنع من القيام للإكرام؛ لأن القيام لو كان إكرامًا شرعًا لم يجز له صلى الله عليه وسلم أن يكرهه من أصحابه له، وهو أحق الناس بالإكرام. وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معاوية بن أبي سفيان مرفوعًا:"من أحبَّ أن يتمثل له الناس قيامًا فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه البخاري في "الأدب""977"، وأبو داود "5229"، والطحاوي في "مشكل الآثار""2/ 40"، وأحمد "4/ 93 و 100"، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان""1/ 219"، والبغوي في "شرح السنة""3330" من طرق عن حبيب بن الشهيد، عن أبي مجلز، عن معاوية، به.

ص: 396

‌275 - عبد الله بن الزبير

(1)

: " ع"

ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة، أمير المؤمنين، أبو بكر، وأبو خبيب القرشي الأسدي المكي، ثم المدني، أحد الأعلام، ولد الحواري الإمام أبي عبد الله ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحواريه.

مسنده نحو من ثلاثة وثلاثين حديثًا، اتفقا له على حديث واحد، وانفرد البخاري بستة أحاديث، ومسلم بحديثين.

كان عبد الله أوّل مولود للمهاجرين بالمدينة، ولد سنة اثنتين، وقيل: سنة إحدى.

وله صحبة، ورواية أحاديث. عداده في صغار الصحابة، وإن كان كبيرًا في العلم والشرف والجهاد والعبادة.

وقد روى أيضًا عن أبيه وجده لأمه الصديق، وأمه أسماء، وخالته عائشة، وعن عمر، وعثمان، وغيرهم.

حدث عنه: أخوه عروة الفقيه، وابناه؛ عامر وعباد، وابن أخيه؛ محمد بن عروة، وعبيدة السلماني، وطاوس، وعطاء، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وثابت البناني، وأبو الزبير المكي، وأبو إسحاق السبيعي، ووهب بن كيسان، وسعيد بن ميناء، وحفيداه: مصعب بن ثابت بن عبد الله، ويحيى بن عباد بن عبد الله، وهشام بن عروة، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، وآخرون.

(1)

ترجمته في طبقات خليفة "69 و 1489 و 1987"، وتاريخ البخاري الكبير "5/ ترجمة رقم 9"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 261"، الاستيعاب "3/ 305"، أسد الغابة "3/ 242"، الإصابة "2/ ترجمة "4682"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3286"، الكاشف "2/ ترجمة "2748"، تهذيب التهذيب "5/ 263"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3496".

ص: 397

وكان فارس قريش في زمانه، وله مواقف مشهودة. قيل: إنه شهد اليرموك وهو مراهق، وفتح المغرب، وغزو القسطنطينية، ويوم الجمل مع خالته.

وبويع بالخلافة عند موت يزيد سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان، وبعض الشام، ولم يستوسق له الأمر، ومن ثَمَّ لم يعده بعض العلماء في أمراء المؤمنين، وعد دولته زمن فرقة، فإن مروان غلب على الشام ثم مصر، وقام عند مصرعه ابنه عبد الملك بن مروان، وحارب ابن الزبير، وقتل ابن الزبير رحمه الله، فاستقلَّ بالخلافة عبد الملك وآله، واستوسق لهم الأمر إلى أن قهرهم بنو العباس بعد ملك ستين عامًا.

قيل: إن ابن الزبير أدرك من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أعوام وأربعة أشهر، وكان ملازمًا للولوج على رسول الله؛ لكونه من آله، فكان يتردَّد إلى بيت خالته عائشة.

شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، وزوجته فاطمة قالا: خرجت أسماء حين هاجرت حبلى، فنَفِسَت بعبد الله بقباء، قالت أسماء: فجاء عبد الله بعد سبع سنين؛ ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أبوه الزبير، فتبسَّم النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلًا، ثم بايعه.

حديث غريب، وإسناده قوي

(1)

.

قال الواقدي: عن مصعب بن ثابت، عن يتيم عروة أبي الأسود قال: لما قدم المهاجرون أقاموا لا يولد لهم، فقالوا: سحرتنا يهود، حتى كثرت القالة في ذلك، فكان أول مولود ابن الزبير، فكبَّر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر فأذَّن في أذنيه بالصلاة

(2)

.

وقال مصعب بن عبد الله؛ عن أبيه، قال: كان عارضا ابن الزبير خفيفين، فما اتصلت لحيته حتى بلغ الستين.

وفي البخاري، عن عروة أنَّ الزبير أركب ولده عبد الله يوم اليرموك فرسًا وهو ابن عشر سنين، ووكَّل به رجلًا

(3)

.

التبوذكي: حدثنا هنيد بن القاسم، سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير: سمعت أبي

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "2146""25".

(2)

ضعيف جدًّا: في إسناده الواقدي، وهو متروك -كما ذكرنا ذلك مرارًا، وهو مرسل.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "3975".

ص: 398

يقول: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلمَّا فرغ قال:"يا عبد الله! اذهب بهذا الدم، فأهرقه حيث لا يراك أحد"، فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمد إلى الدم فشربه، فلمَّا رجع قال:"ما صنعت بالدم"؟ قال: عمدت إلى أخفى موضع علمت، فجعلته فيه، قال:"لعلك شربته"؟ قال: نعم. قال: "ولِمَ شربت الدم? "، ويل للناس منك، وويل لك من الناس"

(1)

.

قال موسى التبوذكي: فحدثت به أبا عاصم، فقال: كانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم.

رواه أبو يعلى في "مسنده"، وما علمت في هنيد جرحة.

خالد الحذاء، عن يوسف أبي يعقوب، عن محمد بن حاطب، والحارث قالا: طالما حرص ابن الزبير على الإمارة، قلت: وما ذلك? قالا: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلص، فأمر بقتله. فقيل: إنه سرق، فقال: اقطعوه، ثم جيء به في إمرة أبي بكر وقد سرق، وقد قطعت قوائمه، فقال أبو بكر: ما أجد لك شيئًا إلَّا ما قضى فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أمر بقتلك، فأمر بقتله أغيلمة من أبناء المهاجرين؛ أنا فيهم، فقال ابن الزبير: أمِّروني عليكم، فأمَّرناه، فانطلقنا به إلى البقيع فقتلناه.

هذا خبر منكر، فالله أعلم.

قال الحارث بن عبيد: حدثنا أبو عمران الجوني، أنَّ نوفًا البكالي

(2)

قال: إني لأجد في كتاب الله المنَزَّل أنَّ ابن الزبير فارس الخلفاء.

مهدي بن ميمون: حدثنا محمد بن أبي يعقوب، أن معاوية كان يلقى ابن الزبير فيقول: مرحبًا بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن حواري رسول الله، ويأمر له بمائة ألف.

(1)

ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 554"، وأبو نعيم في "الحلية""1/ 330" من طريق موسى بن إسماعيل التبوذكي، حدثنا الهنيد بن القاسم، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته الهنيد بن القاسم بن عبد الرحمن بن ماعز، فقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير "4/ ق 2/ 249"، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "4/ ق 2/ 121" ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، لذا فالرجل مجهول، ولم يروِ عنه غير موسى بن إسماعيل.

(2)

هو نوف بن فضالة البكالي -بكسر الموحدة وتخفيف الكاف، ابن امرأة كعب، أحد العلماء، وهو شامي مستور، له ذكر في الصحيحين في حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أُبَيّ كعب، حديث موسى والخضر.

ص: 399

ابن جريج، عن ابن أبي مليكة قال: ذُكِر ابن الزبير عند ابن عباس، فقال: قارئ لكتاب الله، عفيف في الإسلام، أبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية، والله إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر

(1)

.

مسلم الزنجي: سمعت عمرو بن دينار يقول: ما رأيت مصليًا قط أحسن صلاة من عبد الله بن الزبير.

عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثتنا ماطرة المهرية، حدثتني خالتي أم جعفر بنت النعمان، أنها سلمت على أسماء بنت أبي بكر، وعندها ابن الزبير، فقالت: قوَّام الليل صوام النهار، وكان يسمى حمامة المسجد.

قال ابن أبي مليكة: قال لي عمر بن عبد العزيز: إن في قلبك من ابن الزبير، قلت: لو رأيته ما رأيت مناجيًا ولا مصليًا مثله.

وروى حبيب بن الشهيد، عن ابن أبي مليكة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، ويصبح في اليوم السابع وهو أليثنا.

قلت: لعله ما بلغه النهي عن الوصال، ونبيك صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم، وكل من واصل وبالغ في تجويع نفسه انحرف مزاجه، وضاق خلقه، فاتباع السنة أَوْلى، ولقد كان ابن الزبير مع ملكه صنفًا في العبادة.

أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا أحمد بن محمد، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي، حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن قيس قال: كان لابن الزبير مائة غلام، يكلّم كل غلام منهم بلغة أخرى، فكنت إذا نظرت إليه في أمر آخرته قلت: هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين، وإذا نظرت إليه في أمر دنياه قلت: هذا رجل لم يرد الله طرفة عين.

وقال مجاهد: كان ابن الزبير إذا قام إلى الصلاة كأنه عود، وحُدِّثَ أن أبا بكر رضي الله عنه كان كذلك.

قال ثابت البناني: كنت أمُرُّ بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك.

(1)

صحيح: رواه البخاري "4664" و"4665" من طريق ابن جريج، به.

ص: 400

روى يوسف بن الماجشون، عن الثقة يسنده قال: قسم ابن الزبير الدهر على ثلاث ليال، فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح.

يزيد بن إبراهيم التستري، عن عبد الله بن سعيد، عن مسلم بن ينَّاق قال: ركع ابن الزبير يومًا ركعة، فقرأنا بالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة، وما رفع رأسه.

قلت: وهذا ما بلغ ابن الزبير فيه حديث النهي.

قال يزيد بن إبراهيم، عن عمرو بن دينار قال: كان ابن الزبير يصلي في الحجر، والمنجنيق يصب توبه، فما يلتفت -يعني لما حاصروه.

وروى هشام بن عروة، عن ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن تصفقه الريح، وحجر المنجنيق يقع ههنا.

أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق قال: ما رأيت أحدًا أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير.

مصعب بن عبد الله: حدثنا أبي، عن عمر بن قيس، عن أمه، أنها دخلت على ابن الزبير بيته، فإذا هو يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا: الحية الحية، ثم رموها، فما قطع صلاته.

قال ميمون بن مهران: رأيت ابن الزبير يواصل من الجمعة إلى الجمعة، فإذا أفطر استعان بالسمن حتى يلين.

ليث، عن مجاهد: ما كان باب من العبادة يعجز عنه الناس إلَّا تكفَّله ابن الزبير، ولقد جاء سيل طبق البيت، فطاف سباحة.

وعن عثمان بن طلحة قال: كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاثة: شجاعة، ولا عبادة، ولا بلاغة.

إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن أنس، أن عثمان أمر زيدًا وابن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوا المصاحف، وقال: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "4984" من طريق شعيب، عن الزهري، عن أنس، به. وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف""18 - 19" من طريق إبراهيم بن سعد، به.

ص: 401

قال أبو نعيم: حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال: رأيت على ابن الزبير رداء عدنيًّا يصلي فيه، وكان صيتًا إذا خطب تجاوب الجبلان، وكانت له جمة إلى العنق، ولحية صفراء.

مصعب بن عبد الله: حدثنا أبي والزبير بن خبيب قالا: قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير في عشرين ومائة ألف، فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفًا -يعني: نوبة إفريقية.

قال: واختلف الناس على ابن أبي سرح، فدخل فسطاطه، فرأيت غرة من جرجير، بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب، معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس، بينه وبين جيشه أرض بيضاء، فأتيت أميرنا ابن أبي سرح، فندب لي الناس، فاخترت ثلاثين فارسًا، وقلت لسائرهم: البثوا على مصافّكم، وحملت، وقلت لهم: احموا ظهري، فخرقت الصفَّ إلى جرجير، وخرجت صامدًا وما يحسب هو ولا أصحابه إلَّا أني رسول إليه، حتى دنوت منه، فعرف الشر، فثابر برذونه موليًا، فأدركته فطعنته، فسقط، ثم احتززت رأسه، فنصبته على رمحي وكبَّرت، وحمل المسلمون، فارفضّ العدو، ومنح الله أكتافهم.

معمر، عن هشام بن عروة قال: أخذ ابن الزبير من وسط القتلى يوم الجمل، وبه بضع وأربعون ضربة وطعنة.

وقيل: إن عائشة أعطت يومئذ لمن بشَّرها بسلامته عشرة آلاف.

وعن عروة قال: لم يكن أحد أحبَّ إلى عائشة بعد رسول الله من أبي بكر، وبعده ابن الزبير.

قال الواقدي: حدثنا ربيعة بن عثمان، وابن أبي سبرة، وغيرهما قالوا: جاء نعي يزيد في ربيع الآخر سنة أربع وستين، فقام ابن الزبير فدعا إلى نفسه، وبايعه الناس، فدعا ابن عباس وابن الحنفية إلى بيعته، فامتنعا، وقالا: حتى يجتمع لك الناس، فداراهما سنتين، ثم إنه أغلظ لهما، ودعاهما فأبيا.

قال مصعب بن عبد الله، وغيره: كان يقال لابن الزبير: عائذ بيت الله.

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عمَّته أم بكر قال: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وحدثنا ابن أبي الزناد، وغيرهم قالوا: لما نزل ابن الزبير بالمدينة في خلافة معاوية

، إلى أن قالوا: فخرج ابن الزبير إلى مكة، ولزم الحجر، ولبس المعافري، وجعل يحرِّض على بني أمية، ومشى إلى يحيى بن حكيم الجمحي

ص: 402

والي مكة، فبايعه ليزيد، فلم يرض يزيد حتى يؤتى به في جامعة ووثاق، فقال له ولده معاوية بن يزيد: ادفع عنك الشر ما اندفع، فإن ابن الزبير لجوج لا يطيع لهذا أبدًا، فكفِّر عن يمينك، فغضب وقال: إن في أمرك لعجبًا! قال: فادع عبد الله بن جعفر فاسأله عمَّا أقول، فدعاه فقال له: أصاب ابنك أبو ليلى، فأبى أن يقبل، وامتنع ابن الزبير أن يذِلّ نفسه، وقال: اللهمَّ إني عائذ بيتك. فقيل له: عائذ البيت، وبقي لا يعرض له أحد، فكتب يزيد إلى عمرو الأشدق والي المدينة، أن يجهز إلى ابن الزبير جندًا، فندب لقتاله أخاه عمرو بن الزبير في ألف، فظفر ابن الزبير بأخيه بعد قتال، فعاقبه وأخر عن الصلاة بمكة الحارث بن يزيد، وقرر مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، وكان لا يقطع أمرًا دون المسور بن مخرمة، ومصعب بن عبد الرحمن، وجبير بن شيبة، وعبد الله بن صفوان بن أمية، فكان يشاورهم في أمره كله، ويريهم أن الأمر شورى بينهم، لا يستبد بشيء منه دونهم، ويصلي بهم الجمعة، ويحجّ بهم بلا إمرة، وكانت الخوارج وأهل الفتن قد أتوه، وقالوا: عائذ بيت الله، ثم دعا إلى نفسه، وبايعوه، وفارقته الخوارج، فولَّى على المدينة أخاه مصعبًا، وعلى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة عبد الله بن مطيع، وعلى مصر عبد الرحمن بن جحدم الفهري، وعلى اليمن وعلى خراسان، وأمَّر على الشام الضحاك بن قيس، فبايع له عامَّة أهل الشام، وأبت طائفة، والتفَّت على مروان بن الحكم، وجرت أمور طويلة، وحروب مزعجة، وجرت وقعة مرج راهط، وقُتِلَ ألوف من العرب، وقُتِلَ الضحاك، واستفحل أمر مروان، إلى أن غلب على الشام، وسار في جيش عرمرم، فأخذ مصر، واستعمل عليها ولده عبد العزيز، ثم دهمه الموت، فقام بعده ولده الخليفة عبد الملك، فلم يزل يحارب ابن الزبير حتى ظفر به، بعد أن سار إلى العراق، وقتل مصعب بن الزبير.

قال شعيب بن إسحاق: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، أن يزيد كتب إلى ابن الزبير: إني قد بعثت إليك بسلسلة فضة، وقيدًا من ذهب، وجامعة من فضة، وحلفت لتأتيني في ذلك، فألقى الكتاب وأنشد:

ولا ألين لغير الحق أسأله

حتى يلين لضرس الماضغ الحجر

قلت: ثم جهَّز يزيد جيشًا ستة آلاف؛ إذ بلغه أنَّ أهل المدينة خلعوه، فجرت وقعة الحرة، وقُتِلَ نحو ألف من أهل المدينة، ثم سار الجيش عليهم حصين بن نمير، فحاصروا الكعبة وبها ابن الزبير، وجرت أمور عظيمة، فقلع الله يزيد، وبايع حصين وعسكره ابن الزبير بالخلافة، ورجعوا إلى الشام.

ص: 403

قال شباب: حضر ابن الزبير الموسم سنة ثنتين وسبعين، فحج بالناس، وحج بأهل الشام الحجاج، ولم يطوفوا بالبيت.

قال هشام بن عروة: أوّل من كسا الكعبة الديباج ابن الزبير، وكان يطيبها، حتى يوجد ريحها من طرف الحرم، وكانت كسوتها قَبله الأنطاع.

قال عبد الله بن شعيب الحجبي: إن المهدي لما جرَّد الكعبة، كان فيما نزع عنها كسوة الزبير من ديباج مكتوب عليها:"لعبد الله أبي بكر أمير المؤمنين".

وقال الأعمش: عن أبي الضحى: رأيت على رأس ابن الزبير مسكًا يساوي مالًا.

قلت: عيب ابن الزبير رضي الله عنه بشح، فروى الثوري، عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن مساور، سمع ابن عباس يعاتب ابن الزبير في البخل، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن الذي يبيت شبعان وجاره جائع"

(1)

.

وروى عبيد الله بن عمر، عن ليث قال: كان ابن عباس يكثر أن يعنِّف ابن الزبير بالبخل، فقال: كم تعيرني.

يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى، عن عثمان، أنَّ ابن الزبير قال له حيث حصر: إن عندي نجائب، فهل لك أن تتحول إلى مكة، فيأتيك من أراد أن يأتيك? قال: لا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يلحد بمكة كبش من قريش، اسمه عبد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس".

(1)

صحيح بشواهده: أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان "100"، والبخاري في الأدب المفرد "112"، والخطيب في "تاريخ بغداد""10/ 392" من طريق عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن المساور قال: سمعت ابن عباس يخبر ابن الزبير يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.

قلت: رجاله ثقات خلا ابن المساور فإنه مجهول -كما قال الذهبي في "الميزان"، فإنه لم يروِ عنه غير عبد الملك هذا، وكما قال ابن المديني. أمَّا ابن حبان فقد ذكره في كتابه "الثقات" على عادته في توثيق المجاهيل. ومع ذلك فقد صحَّحه الحاكم "4/ 167"، ووافقه الذهبي في "التخليص"، وذهل أنه ذكر ابن المساور في "ميزانه"، وكلام العلماء عليه، فوافق الحاكم على تصحيحه، ولكن للحديث شواهد عن أنس، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم.

فعن أنس: عند الطبراني في "الكبير""1/ 66/ 1"، والبزار "119"، وفي إسناده محمد بن سعيد الأثرم، وهو ضعيف، وعند البزار علي زيد بن جدعان، وهو ضعيف، لكن كل منهما يقوى الآخر، ويرتقي إلى درجة الحسن.

وعن ابن عباس: عند ابن عدي "89/ 2"، وفي إسناده حكيم بن جبير، وهو ضعيف. والحديث صحيح بهذه الشواهد، والله تعالى أعلى وأعلم.

ص: 404

رواه أحمد في "مسنده"

(1)

، وفي إسناده مقال.

عباس الترقفي: حدثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يلحد بمكة رجل من قريش يقال له: عبد الله، عليه نصف عذاب العالم"، فوالله لا أكونه، فتحوَّل منها، وسكن الطائف.

قلت: محمد هو المصيصي ليّن، واحتجَّ به أبو داود، والنسائي.

أبو النضر: حدثنا إسحاق بن سعيد، أخبرنا سعيد بن عمرو قال: أتى عبد الله بن عمرو عبد الله بن الزبير، فقال: إياك والإلحاد في حرم الله، فأشهد؛ لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يحلها -وتحل به- رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها".

قال: فانظر يا ابن عمرو لا تكونه، وذكر الحديث.

شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]، قال: قلت لأبي: من هم? قال: ابن الزبير بغَى على أهل الشام.

ورواه يونس، عن الزهري، وفيه: بغى على هؤلاء، ونكث عهدهم.

الزبير بن بكار: حدثني خالد بن وضَّاح، حدثني أبو الخصيب نافع مولى آل الزبير، عن هشام بن عروة قال: رأيت الحجر من المنجنيق يهوي حتى أقول: لقد كاد أن يأخذ لحية ابن الزبير، وسمعته يقول: والله إن أبالي إذا وجدت ثلاث مائة يصبرون صبري لو أجلب عليَّ أهل الأرض.

قلت: قد كان يضرب بشجاعته المثل.

(1)

منكر: أخرجه أحمد "1/ 64"، والبزار "375" من طريق إسماعيل بن أبان الوراق، حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى، عن عثمان، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته إسماعيل بن أبان الوراق، قال الدارقطني: ليس بالقوي، ونقله الدارقطني عن أحمد بن حنبل قال: ليس بالقوي عندي.

وأورد الحديث الحافظ ابن كثير في "البداية""8/ 339" بإسناد المسند ومتنه سواء، وقال في إثره:"وهذا الحديث منكر جدًّا، وفي إسناده ضعف، ويعقوب القمي فيه تشيع، ومثل هذا لا يقبل تفرده به، وبتقدير صحته، فليس هو بعبد الله بن الزبير، فإن كان على صفات حميدة، وقيامه بالإمارة، إنما كان لله عز وجل، ثم هو كان الإمام بعد موت معاوية بن يزيد لا محالة، وهو أرشد من مروان بن الحكم؛ حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه، وقامت له البيعة في الآفاق، وانتظم له الأمر".

ص: 405

وعن المنذر بن جهم قال: رأيت ابن الزبير يوم قُتِلَ، وقد خذله من كان معه خذلانًا شديدًا، وجعلوا يتسللون إلى الحجاج، وجعل الحجَّاج يصيح: أيها الناس، علام تقتلون أنفسكم? من خرج إلينا فهو آمن، لكم عهد الله وميثاقه، ورب هذه البنية لا أغدر بكم، ولا حاجة في دمائكم.

قال: فتسلل إليه نحو من عشرة آلاف، فلقد رأيت ابن الزبير وما معه أحد.

وعن إسحاق بن أبي إسحاق قال: حضرت قَتْل ابن الزبير، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد، فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينا هو على تلك الحال؛ إذ وقعت شرفة من شرفات المسجد على رأسه فصرعته، وهو يتمثَّل:

أسماء يا أسماء لا تبكيني

لم يبق إلَّا حسبي وديني

وصارم لاثت به يميني

قلت: ما إخال أولئك العسكر إلَّا لو شاءوا لأتلفوه بسهامهم، ولكن حرصوا على أن يمسكوه عنوة، فما تهيأ لهم، فليته كفَّ عن القتال لما رأى الغلبة، بل ليته لا التجأ إلى البيت، ولا أحوج أولئك الظلمة والحجَّاج -لا بارك الله فيه- إلى انتهاك حرمة بيت الله وأمنه، فنعوذ بالله من الفتنة الصماء.

الواقدي: حدثنا فروة بن زبيد، عن عباس بن سهل، سمعت ابن الزبير يقول: ما أراني اليوم إلَّا مقتولًا، لقد رأيت في ليلتي كأنَّ السماء فرجت لي فدخلتها، فقد والله مللت الحياة وما فيها، ولقد قرأ يومئذ في الصبح {ن وَالْقَلَمِ} [القلم: 1] حرفًا حرفًا، وإن سيفه لمسلول إلى جنبه.

الواقدي: حدثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه قال: سمع ابن عمر التكبير، فيما بين المسجد إلى الحجون حين قُتِلَ ابن الزبير، فقال: لمن كبر حين وُلِدَ أكثر وخير ممن كَبَّر لقتله.

معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: قال ابن الزبير: ما شيء كان يحدثنا كعب إلَّا قد أتى على ما قال، إلَّا قوله: فتى ثقيف يقتلني، وهذا رأسه بين يدي -يعني: المختار الكذاب.

زياد الجصاص، عن علي بن زيد، عن مجاهد، أنَّ ابن عمر قال لغلامه: لا تمر بي على ابن الزبير -يعني: وهو مصلوب، قال: فغفل الغلام، فمَرّ به، فرفع رأسه فرآه، فقال:

ص: 406

رحمك الله أبا خبيب، ما علمتك إلَّا صوَّامًا قوامًا، وصولًا لرحمك، أما والله إني لأرجو مع مساوئ ما قد علمت أن لا يعذبك الله، ثم قال: حدثني أبو بكر الصديق، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من يعمل سوءًا يجز به في الدنيا"

(1)

.

قال ابن أبي الدنيا في كتاب "الخلفاء": صلبوا ابن الزبير منكَّسًا، وكان آدم نحيفًا، ليس بالطويل، بين عينيه أثر السجود، بعث عماله إلى المشرق كله، والحجاز.

قال جويرية ابن أسماء، عن جدته: إنَّ أسماء بنت أبي بكر غسَّلت ابن الزبير بعد ما تقطعت أوصاله، وجاء الإذن من عبد الملك بن مروان عندما أبى الحجَّاج أن يأذن لها، فحنَّطته وكفَّنته، وصلَّت عليه، وجعلت فيه شيئًا حين رأته يتفسَّخ إذا مسته.

وقال مصعب بن عبد الله: حملته أمه فدفنته بالمدينة في دار صفية أم المؤمنين، ثم زيدت دار صفية في المسجد، فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: بقربه.

قال ابن إسحاق، وعدة: قُتِلَ في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين.

ووهم ضمرة وأبو نعيم، فقالا: قُتِل سنة اثنتين.

عاش نيفًا وسبعين سنة رضي الله عنه.

وماتت أمه بعده بشهرين أو نحو ذلك، ولها قريب من مائة عام.

هي آخر من ماتت من المهاجرات الأُوَل رضي الله عنها، ويقال لها: ذات النطاقين، كانت أسنّ من عائشة بسنوات.

روت عدة أحاديث.

(1)

ضعيف: في إسناده زيد بن أبي زياد الجصاص، وشيخه علي بن زيد بن جدعان، وهما ضعيفان، والحديث المرفوع الذي رواه أبو بكر الصديق حديث صحيح بطرقه وشواهده.

أخرجه أحمد "1/ 6"، البزار "21"، وأبو يعلى "18"، والطبري "5/ 294" من طريق عن عبد الوهاب ابن عطاء، عن زياد الجصاص، به. وفيه زياد وشيخه عليّ بن زيد بن جدعان، وهما ضعيفان -كما ذكرنا، وأخرجه بنحوه عبد بن حميد "7"، والترمذي "3039"، والبزار "20"، وأبو يعلى "21" من طريق موسى بن عبيدة، عن مولى ابن سباع، عن ابن عمر، عن أبي بكر.

وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال.

قلت: في إسناده موسى بن عبيدة، ضعيف، وكذا مولى ابن سباع مجهول.

ورود عند مسلم "2545" عن ابن عمر، به.

ص: 407

حدَّث عنها: أولادها؛ عبد الله وعروة، وابن العباس، وفاطمة بنت المنذر، وابن أبي مليكة، ووهب بن كيسان، وابن المنكدر، والمطلب بن عبد الله، وخلق.

وهي وابنها عبد الله، وأبوها أبو بكر، وجدّها أبو قحافة صحابيون، أضرَّت بأخرة.

قال ابن أبي الزناد: كانت أكبر من عائشة بعشر سنين.

قلت: فعلى هذا يكون عمرها إحدى وتسعين سنة.

وأمَّا هشام بن عروة، فقال: عاشت مائة سنة، ولم يسقط لها سنّ، وقد طلقها الزبير قبل موته زمن عثمان.

وقال القاسم بن محمد: كانت أسماء لا تدَّخر شيئًا لغد.

وقيل: أعتقت عدة مماليك، وقد استوفيت ترجمتها في "تاريخ الإسلام" رضي الله عنها.

ومن أولادها: عروة بن الزبير الفقيه.

ص: 408

ومنهم:

‌276 - المنذر بن الزبير

(1)

:

الأمير، أبو عثمان، أحد الأبطال، وُلِدَ زمن عمر، وكان مِمَّن غزا القسطنطينية مع يزيد، ووفد بعد عليه.

قال الزبير: فحدثني مصعب بن عثمان، أنَّ المنذر غاضب أخاه عبد الله، فسار إلى الكوفة، ثم وفد على معاوية، فأكرمه وأجازه بألف ألف درهم، لكن مات معاوية قبل أن يقبض المنذر الجائزة، ووصَّى معاوية أن ينزل المنذر في قبره، وكان بالكوفة لما بلغه خلاف أخيه على يزيد، فأسرع إلى أخيه بمكة في ثمان ليالٍ، فلمَّا حاصر الشاميون ابن الزبير سنة أربع وستين قُتِلَ تلك الأيام المنذر رحمه الله.

وبنته فاطمة بنت المنذر لها رواية عالية، وهي زوجة هشام بن عروة.

عاش المنذر أربعين سنة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 182"، تاريخ الإسلام "3/ 86"، البداية والنهاية "8/ 246".

ص: 408

‌277 - عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب

(1)

:

الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأمه عاتكة بنت أبي وهب المخزومية، من مسلمة الفتح.

لا نعلم له رواية، كان موصوفًا بالشجاعة والفروسية.

ولما تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لهذا نحو من ثلاثين سنة.

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني هشام بن عمارة، عن أبي الحويرث قال: أوَّل من قتل يوم أجنادين بطريقٌ، برز يدعو إلى البراز، فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، فاختلفا ضربات، ثم قتله عبد الله، ثم برز آخر، فضربه عبد الله على عاتقه، وقال: خذها وأنا ابن عبد المطلب، فأثبته وقطع سيفه الدرع، وأشرع في منكبه، ثم ولَّى الروميّ منهزمًا.

وعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز، فقال: لا أصبر، فلمَّا اختلطت السيوف وجد في ربضة من الروم عشرة مقتولًا وهم حوله، وقائم السيف في يده قد غري، وإن في وجهه لثلاثين ضربة.

قال الواقدي: فحدثت بهذا الزبير بن سعيد النوفلي، فقال: سمعت شيوخنا يقولون: لما انهزمت الروم يومئذ انطلق الفضل بن عباس في مائة نحوًا من ميل، فيجد عبد الله مقتولًا في عشرة من الروم قد قتلهم، فقبروه.

قال الواقدي: وأجنادين

(2)

كانت يوم الاثنين، لاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة.

وإنما ضممت هذا البطل إلى البطل الذي قبله لاشتراكهما في الاسم والشجاعة.

فأمَّا:

(1)

ترجمته في أسد الغابة "3/ 241"، والإصابة "2/ 308"، البداية والنهاية "8/ 238 - 239".

(2)

أجنادين: في الشام بين الرملة وبيت جبرين.

ص: 409

‌278 - عبد الله بن الزبير

(1)

:

بفتح الزاي، فهو الأسدي، أسد خزيمة، كوفي شاعر مشهور، له نظم بديع.

وهو الذي امتدح معاوية، ثم قدم على ابن الزبير، فلم يعطه شيئًا، فقال: لعن الله ناقةً حملتني إليك، فقال: إنَّ وراكبها.

وقدم العراق على مصعب، وله أخبار.

ذكرته للتمييز.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "5/ 263"، البداية والنهاية "9/ 80".

ص: 410

‌279 - واثلة بن الأسقع

(1)

: " ع"

ابن كعب بن عامر، وقيل: واثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل بن ناشب الليثي، من أصحاب الصُّفَّة.

أسلم سنة تسع، وشهد غزوة تبوك، وكان من فقراء المسلمين رضي الله عنه، طال عمره.

وفي كنيته أقوال: أبو الخطاب، وأبو الأسقع، وقيل: أبو قرصافة، وقيل: أبو شداد.

له عدة أحاديث.

روى عنه: أبو إدريس الخولاني، وشداد أبو عمَّار، وبسر بن عبيد الله، وعبد الواحد النصري، ومكحول، ويونس بن ميسرة بن حلبس، وإبراهيم بن أبي عبلة، وربيعة بن يزيد القصير، ويحيى بن الحارث الذماري، وخلق، آخرهم: مولاه؛ معروف الخياط، الباقي إلى سنة ثمانين ومائة.

وله رواية أيضًا، عن أبي مرثد الغنوي، وأبي هريرة.

وله مسجد مشهور بدمشق، وسكن قرية البلاط مدة، وله دار عند دار ابن البقال بدرب

صدقة بن خالد: حدثنا زيد بن واقد، عن بسر بن عبيد الله، عن واثلة قال: كنا

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 407"، التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2646"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 202"، حلية الأولياء "2/ 21"، أسد الغابة "5/ 428"، الكاشف "3/ 6131"، وتجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 1425"، والإصابة "3/ ترجمة 9087"، تهذيب التهذيب "11/ ترجمة 174".

ص: 410

أصحاب الصفة ما منَّا رجل له ثوب تام، ولقد اتخذ العرق في جلودنا طرقًا من الغبار؛ إذ أقبل علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"ليبشر الفقراء المهاجرين".

الأوزاعي: حدثنا أبو عمار -رجل منَّا، حدثني واثلة بن الأسقع، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حسنًا وحسينًا وفاطمة، ولفَّ عليهم ثوبه، وقال:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]، "اللهم هؤلاء أهلي".

قال واثلة: فقلت يا رسول الله، وأنا من أهلك? قال:"وأنت من أهلي" قال: فإنها لمن أرجى ما أرجو.

هذا حديث حسن غريب.

قال مكحول: عن واثلة قال: إذا حدثتكم بالحديث على معناه، فحسبكم.

هشام بن عمار: حدثنا معروف الخياط قال: رأيت واثلة بن الأسقع يملي عليهم الأحاديث.

روى إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن خالد: توفي واثلة في سنة ثلاث وثمانين، وهو ابن مائة وخمس سنين.

اعتمده البخاري وغيره.

وقال أبو مسهر وعدة: مات سنة خمس وثمانين، وله ثمان وتسعون سنة.

قال قتادة: آخر من مات من الصحابة بدمشق واثلة بن الأسقع.

الوليد بن مسلم: أخبرنا سعيد بن عبد العزيز، وغيره، أنَّ واثلة [قال]: وقفت في ظلمة قنطرة قينية ليخفى على الخارجين من باب الجابية موقفي.

وعن بسر بن عبيد الله، عن واثلة قال: فأسمع صرير باب الجابية، فمكثت، فإذا بخيل عظيمة فأمهلتها، ثم حملت عليهم وكَبَّرت، فظنوا أنهم أحيط بهم، فانهزموا إلى البلد، وأسلموا عظيمهم، فدعسته بالرمح ألقيته عن برذونه، وضربت يدي على عنان البرذون، وركضت، والتفتوا، فلمَّا رأوني وحدي تبعوني، فدعست فارسًا بالرمح فقتلته، ثم دنا آخر فقتلته، ثم جئت خالد بن الوليد فأخبرته، وإذا عنده عظيم من الروم يلتمس الأمان لأهل دمشق.

ص: 411

‌280 - عبد الله بن الحارث بن جزء

(1)

: " د، ت، ق"

الصحابي العالم المعمّر، شيخ المصريين، أبو الحارث الزبيدي المصري.

شهد فتح مصر وسكنها، فكان آخر الصحابة بها موتًا.

له جماعة أحاديث، روى عنه أئمة.

حدَّث عنه: يزيد بن أبي حبيب، وعقبة بن مسلم، وعبيد الله بن المغيرة، وسليمان بن زياد الحضرمي، وعمرو بن جابر الحضرمي، وآخرون.

وزعم من لا معرفة له أنَّ الإمام أبا حنيفة لقيه وسمع منه، وهذا جاء من رواية رجل متَّهم بالكذب، ولعلَّ أبا حنيفة أخذ عن عبد الله بن الحارث الزبيدي الكوفي، أحد التابعين، فهذا محتمل، وأمَّا الصحابي، فلم يره أبدًا، ويزعم الواضع أنَّ الإمام ارتحل به أبوه، ودار على سبعة من الصحابة المتأخرين، وشافههم، وإنما المحفوظ أنه رأى أنس بن مالك لما قَدِمَ عليهم الكوفة.

نعم، وصاحب الترجمة؛ هو ابن أخي الصحابي محمية بن جزء الزبيدي.

وقد طال عمره وعمَّر، ومات بقرية سفط القدور من أسفل مصر، في سنة ست وثمانين، وقيل: توفي سنة سبع، وقيل: سنة خمس وثمانين، والأوّل أصح وأشهر.

له رواية في "سنن أبي داود"، و"جامع أبي عيسى"، و"سنن القزويني"، والله أعلم.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 497"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 39"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 135"، أسد الغابة "3/ 203"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3204"، الكاشف "2/ ترجمة 2700"، الإصابة "2/ ترجمة 4598"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 307"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3437".

ص: 412

‌281 - عبد الله بن السائب

(1)

: " بخ، م، (4) "

ابن أبي السائب صيفي بن عابد بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة، أبو عبد الرحمن، وأبو السائب، القرشي المخزومي المكي.

مقرئ مكة، وله صحبة، ورواية. عداده في صغار الصحابة.

وكان أبوه شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث.

قرأ عبد الله القرآن على أُبَيّ بن كعب، وحدَّث عنه أيضًا، وعن عمر.

عرض عليه القرآن مجاهد، ويقال: إنَّ عبد الله بن كثير تلا عليه، فالله أعلم.

وحدَّث عنه: ابن أبي مليكة، وعطاء، وابن بنته؛ محمد بن عباد بن جعفر، وولده؛ محمد بن عبد الله، ومحمد بن عبد الرحمن المخزومي، وغيرهم.

وصلّى خلف النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فقرأ بسورة المؤمنين

(2)

.

قال مسلم وغيره: له صحبة.

وروى أنس بن عياض، عن رجل، عن عبد الله بن السائب قال: اكتنيت بكنية جدي أبي السائب، وكان خليطًا للنبي صلى الله عليه وسلم، في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"نعم الخليط كان لا يشاري ولا يماري"

(3)

.

ابن عيينة، عن داود بن شابور، عن مجاهد قال: كنَّا نفخر على الناس بقارئنا عبد الله بن السائب، وبفقيهنا عبد الله بن عباس، وبمؤذننا أبي محذورة، وبقاضينا عبيد بن عمير.

قيل: مات ابن السائب في إمارة ابن الزبير.

وقال ابن أبي مليكة: رأيت ابن عباس قام على قبر عبد الله بن السائب، فدعا له.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 445"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 15"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 301"، والاستيعاب "3/ 915"، أسد الغابة "3/ 254"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3303"، الكاشف "2/ ترجمة 2767"، الإصابة "2/ ترجمة 4698"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 394"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3515".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "445".

(3)

ضعيف: فيه الرجل المبهم.

ص: 413

‌282 - المسور بن مخرمة

(1)

: " ع"

ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن قصي بن كلاب، الإمام الجليل، أبو عبد الرحمن، وأبو عثمان، القرشي الزهري.

وأمه عاتكة؛ أخت عبد الرحمن بن عوف، زهرية أيضًا.

له صحبة ورواية. وعداده في صغار الصحابة، كالنعمان بن بشير، وابن الزبير.

وحدَّث أيضًا عن خاله، وأبي بكر، وعمر، وعثمان.

حدّث عنه: علي بن الحسين، وعروة، وسليمان بن يسار، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وولداه؛ عبد الرحمن، وأم بكر، وطائفة.

قدِمَ دمشق بريدًا من عثمان يستصرخ بمعاوية.

وكان ممن يلزم عمر، ويحفظ عنه.

وقد انحاز إلى مكة مع ابن الزبير، وسخط إمرة يزيد، وقد أصابه حجر منجنيق في الحصار.

قال الزبير بن بكار: كانت تغشاه، وينتحلونه.

قال يحيى بن معين: مسور ثقة.

عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، أنَّ المسور أخبره أنه قدم على معاوية، فقال: يا مسور! ما فعل طعنك على الأئمة? قال: دعنا من هذا وأحسن فيما جئنا له. قال: لتكلمنِّي بذات نفسك بما تعيب عليّ? قال: فلم أترك شيئًا إلَّا بينته، فقال: لا أبرأ من الذنب، فهل تعد لنا مما نلي من الإصلاح في أمر العامَّة، أم تعد الذنوب وتترك الإحسان? قلت: نعم. قال: فإنا نعترف لله بكل ذنب، فهل لك ذنوب في خاصَّتك تخشاها? قال: نعم، قال: فما يجعلك الله برجاء المغفرة أحق مني، فوالله ما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولا أُخَيِّر بين الله وبين غيره إلَّا اخترت الله على سواه، وإني لعلى دين يقبل فيه العمل، ويجزى فيه بالحسنات، قال: فعرفت أنه قد خصمني، قال عروة: فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلَّا صلى عليه.

عن أم بكر، أنَّ أباها كان يصوم الدهر، وكان إذا قدم مكة طاف لكلِّ يوم غاب عنها سبعًا، وصلى ركعتين.

الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عمته أم بكر بنت المسور، عن أبيها أنه، وجد يوم القادسية إبريق ذهب بالياقوت، والزبرجد فنفله سعد إياه، فباعه بمائة ألف.

وفي "مسند أحمد"، ورواه مسلم عنه؛ حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن الوليد بن كثير، حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة، أن ابن شهاب حدثه، أن علي بن الحسين حدثه، أنَّهم قدموا المدينة من عند يزيد مقتل الحسين، فلقيه المِسْوَر بن مخرمة، فقال: هل لك إليَّ من حاجة تأمرني بها? قلت: لا. قال: هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم? فإني

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1798"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1366"، أسد الغابة "5/ 175"، الكاشف "3/ ترجمة 5546"، تجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 861"، الإصابة "3/ ترجمة 8993"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 288"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة رقم 7013".

ص: 414

أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله، لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدًا حتى تبلغ نفسي، إنَّ علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم، فقال:"إن فاطمة بضعة مني، وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها"، ثم ذكر صهرًا له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إياه، فأحسن، قال:"حدثني فصدَّقني، ووعدني فوفَّى لي، وإني لست أحرِّم حلالًا، ولا أحلّ حرامًا، ولكن والله لا تجتمع ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة عدو الله مكانًا واحدًا أبدًا"

(1)

.

ففيه أنَّ المسور كان كبيرًا محتلمًا إذ ذاك.

وعن عطاء بن يزيد قال: كان ابن الزبير لا يقطع أمرًا دون المسور بمكة.

وعن أبي عون قال: لما دنا الحصين بن نمير لحصار مكة، أخرج المسور سلاحًا قد حمله من المدينة، ودروعًا، ففرقها في موالٍ له فُرس جُلْد، فلمَّا كان القتال أحدقوا به، ثم انكشفوا عنه، والمسور يضري بسيفه، وابن الزبير في الرعيل الأوّل. وقتل موالي مسور من الشاميين نفرًا، وقيل: أصابه حجر المنجنيق، فانفلقت منه قطعة أصابت خدّ المسور وهو يصلي، فمرض ومات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد.

فعن أم بكر قالت: كنت أرى العظام تنزع من خده، بقي خمسة أيام ومات.

وقيل: أصابه الحجر، فحمل مغشيًّا عليه، وبقي يومًا لا يتكلم، ثم أفاق، وجعل عبيد بن عمير يقول: يا أبا عبد الرحمن، كيف ترى في قتال هؤلاء؟ فقال: على ذلك قتلنا.

قال: وولي ابن الزبير غسله، وحمله إلى الحجون، وإنا لنطأ به القتلى، ونمشي بين أهل الشام، فصلوا معنا عليه.

قلت: كانوا قد علموا بموت يزيد، وبايعوا ابن الزبير.

وعن أم بكر قالت: وُلِدَ المسور بمكة بعد الهجرة بعامين، وبها توفِّي لهلال ربيع الآخر سنة أربع وستين، وكذا أرَّخه فيها جماعة.

وغلط المدائني فقال: مات في سنة ثلاث وسبعين من حجر المنجنيق.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 326"، ومسلم "2449""95".

ص: 415

‌283 - سليمان بن صُرد

(1)

: " ع"

الأمير، أبو مطرف، الخزاعي الكوفي، الصحابي.

له رواية يسيرة. وعن أُبَيّ، وجبير بن مطعم.

وعنه: يحيى بن يعمر، وعدي بن ثابت، وأبو إسحاق، وآخرون.

قال ابن عبد البر: كان ممن كاتب الحسين ليبايعه، فلما عجز عن نصره ندم وحارب.

قلت: كان ديِّنًا عابدًا، خرج في جيش تابوا إلى الله من خذلانهم الحسين الشهيد، وساروا للطلب بدمه، وسموا جيش التوَّابين.

وكان هو الذي بارز يوم صفين حوشبًا ذا ظُلَيم، فقتله.

حضَّ سليمان على الجهاد؛ وسار في ألوفٍ لحرب عبيد الله بن زياد، وقال: إن قتلت فأميركم المسيب بن نجبة. والتقى الجمعان، وكان عبيد الله في جيش عظيم، فالتحم القتال ثلاثة أيام، وقُتِلَ خلق من الفريقين، واستحر القتل بالتوَّابين شيعة الحسين، وقُتِلَ أمراؤهم الأربعة؛ سليمان، والمسيب، وعبد الله بن سعد، وعبد الله بن والي، وذلك بعين الوردة التي تُدْعَى رأس العين، سنة خمس وستين، وتحيِّز بمن بقي منهم رفاعة بن شداد إلى الكوفة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 292" و"6/ 25"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 1752"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 539"، تاريخ بغداد "1/ 200"، الاستيعاب "2/ 649"، أسد الغابة "2/ 449"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 2488"، الكاشف "1/ ترجمة 2122"، الوافي بالوفيات "15/ 392"، الإصابة "2/ ترجمة 3457"، تهذيب التهذيب "4/ ترجمة 340"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2707".

ص: 416

‌284 - أنس بن مالك

(1)

: " ع"

ابن النَّضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.

الإمام المفتي المقرئ المحدّث، راوية الإسلام، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي البخاري المدني، خادم رسول الله -صلى الله علي وسلم- وقرابته من النساء، وتلميذه، وتبعه، وآخر أصحابه موتًا.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم علمًا جمًّا، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاذ، وأسيد بن الحضير، وأبي طلحة، وأمَّه أم سليم بنت ملحان، وخالته أم حرام، وزوجها عبادة بن الصامت، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبي هريرة، وفاطمة النبوية، وعدة.

وعنه: خلق عظيم؛ منهم: الحسن، وابن سيرين، والشعبي، وأبو قلابة، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز، وثابت البناني، وبكر بن عبد الله المزني، والزهري، وقتادة، وابن المنكدر، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وعبد العزيز بن صهيب، وشعيب بن الحبحاب، وعمرو بن عامر الكوفي، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وكثير بن سليم، وعيسى بن طهمان، وعمر بن شاكر.

وبقي أصحابه الثقات إلى بعد الخمسين ومائة، وبقي ضعفاء أصحابه إلى بعد التسعين ومائة، وبقي بعدهم ناس لا يوثق بهم، بل اطّرح حديثهم جملة كإبراهيم بن هدبة، ودينار أبي مكيس، وخراش بن عبد الله، وموسى الطويل، عاشوا مديدة بعد المائتين، فلا اعتبار بهم.

وإنما كان بعد المائتين بقايا مَنْ سمع من ثقات أصحابه كيزيد بن هارون، وعبد الله بن بكر السهمي، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبي عاصم النبيل، وأبي نعيم.

وقد سرد صاحب "التهذيب" نحو مائتي نفس من الرواة عن أنس.

وكان أنس يقول: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين، وكن أمهاتي يحثثنني على خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

فصحب أنس نبيه صلى الله عليه وسلم أتمَّ الصحبة، ولازمه أكمل الملازمة منذ هاجر، وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة.

وقد روى محمد بن سعد في "طبقاته": حدثنا الأنصاري، عن أبيه، عن مولى لأنس، أنَّه قال لأنس: أشهدت بدرًا? فقال: لا أم لك، وأين أغيب عن بدر. ثم قال الأنصاري: خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهو غلام يخدمه.

وقد رواه عمر بن شبة، عن الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة قال: قيل لأنس:

فذكر نحوه.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 17"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1579"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 1036"، أسد الغابة "1/ 151"، الإصابة "1/ ترجمة 277"، تهذيب التهذيب "1/ ترجمة 690"، تقريب التهذييب "1/ 644"، النجوم الزاهرة "1/ 244".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "3/ 110"، ومسلم "2029""125" من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس، به.

ص: 417

قلت: لم يعده أصحاب المغازي في البدريين؛ لكونه حضرها صبيًّا ما قاتل، بل بقي في رحال الجيش، فهذا وجه الجمع.

وعن أنس قال: كنَّاني النبي صلى الله عليه وسلم أبا حمزة ببقلة اجتنيتُها

(1)

.

وروى علي بن زيد -وفيه لين، عن ابن المسيب، عن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن ثمان سنين، فأخذت أمي بيدي، فانطلقت بي إليه، فقالت: يا رسول الله! لم يبق رجل ولا امرأة من الأنصار إلَّا وقد أتحفك بتحفة، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلَّا ابني هذا، فخذه فليخدمك ما بدا لك. قال: فخدمته عشر سنين، فما ضربني ولا سبَّني ولا عبس في وجهي.

رواه الترمذي.

عكرمة بن عمار: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، حدثنا أنس قال: جاءت بي أمّ سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أزرتني بنصف خمارها، وردتني ببعضه، فقالت: يا رسول الله! هذا أنيس ابني، أتيتك به يخدمك، فادع الله له. فقال:"اللهم أكثر ماله وولده"، فوالله إنَّ مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي يتعادُّون على نحو من مائة اليوم

(2)

.

روى نحوه جعفر بن سليمان، عن ثابت.

وروى شعبة، عن قتادة، عن أنس، أنَّ أم سليم قالت: يا رسول الله! خادمك أنس، ادع الله له، فقال:"اللهم أكثر ماله وولده"، فأخبرني بعض أهلي أنه دُفِنَ من صلبي أكثر من مائة

(3)

.

حسين بن واقد، عن ثابت، عن أنس قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم أكثر

(1)

ضعيف: أخرجه الترمذي "3830"، والطبراني في "الكبير" 656" من طريق جابر، عن أبي نصر، عن أنس، به.

وقال الترمذي في إثره: "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث جابر الجعفي عن أبي نصر".

قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان؛ الأولى: جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي، أبو عبد الله الكوفي، ضعيف. والعلة الثانية: خيثمة بن أبي خيثمة، أبو نصر البصري، ضعيف، قال ابن معين: ليس بشيء، وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" على عادته في توثيق المجاهيل والمجروحين.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "2481" من طريق عكرمة، به.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "6344"، ومسلم "2480" من طريق شعبة، به.

ص: 418

ماله وولده وأطل حياته"، فالله أكثر مالي حتى إن كرمًا لي لتحمل في السنة مرتين، وولد لصلبي مائة وستة

(1)

.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدَّل في سنة اثنتين وتسعين وست مائة، أخبرنا محمد بن خلف، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا أحمد ومحمد، أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا علي بن محمد القرظي، حدثنا أبو عمرو بن حكيم، أخبرنا أبو حاتم الرازي، حدثنا الأنصاري، حدثني حميد، عن أنس، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سُلَيم، فأتته بتمر وسمن، فقال:"أعيدوا تمركم في وعائكم، وسمنكم في سقائكم، فإني صائم"، ثم قام في ناحية البيت فصلَّى بنا صلاة غير مكتوبة، فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت: يا رسول الله! إن لي خويصة، قال:"وما هي"؟ قالت: خادمك أنس. فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلَّا دعا لي به، ثم قال:"اللهم ارزقه مالًا وولدًا وبارك له فيه" قال: فإني لمن أكثر الأنصار مالًا، وحدثتني أمينة ابنتي: أنه دفن من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة تسعة وعشرون ومائة

(2)

.

الطيالسي، عن أبي خلدة، قلت لأبي العالية: سمع أنس من النبي صلى الله عليه وسلم? قال: خدمه عشر سنين، ودعا له، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منه ريح المسك.

أبو خلدة: ثقة.

عن موسى بن أنس، أنَّ أنسًا غزا ثمان غزوات.

وقال ثابت البناني: قال أبو هريرة: ما رأيت أحدًا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سليم -يعني: أنسًا.

وقال أنس بن سيرين: كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر.

وروى الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة قال: كان أنس يصلي حتى تفطر قدماه دمًا مما يطيل القيام رضي الله عنه.

ثابت البناني قال: جاء قَيِّمُ أرض أنس، فقال: عطشت أرضوك، فتردَّى أنس، ثم خرج إلى البرية، ثم صلى ودعا، فثارت سحابة، وغشيت أرضه، ومطرت حتى ملأت

(1)

حسن: أخرجه البخاري في "الأدب المفرد""653"، وابن سعد "7/ 19" من طريق سنان بن ربيعة، عن أنس، به.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري " 1982 ".

ص: 419

صهريجه، وذلك في الصيف، فأرسل بعض أهله فقال: انظر أين بلغت? فإذا هي لم تعد أرضه إلَّا يسيرًا.

روى نحوه الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة.

قلت: هذه كرامة بيِّنَة ثبتت بإسنادين.

قال همام بن يحيى: حدثني من صحب أنس بن مالك قال: لما أحرم أنس لم أقدر أن أكلمه حتى حلَّ من شدة إبقاءه على إحرامه.

ابن عون، عن موسى بن أنس: أنَّ أبا بكر الصديق بعث إلى أنس ليوجِّهه على البحرين ساعيًا، فدخل عليه عمر، فقال: إني أردت أن أبعث هذا على البحرين، وهو فتًى شاب. قال: ابعثه، فإنه لبيب كاتب، فبعثه، فلمَّا قُبِضَ أبو بكر قدم أنس على عمر، فقال: هات ما جئت به، قال: يا أمير المؤمنين، البيعة أولًا، فبسط يده.

حمَّاد بن سلمة: أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس قال: استعملني أبو بكر على الصدقة، فقدمت وقد مات، فقال عمر: يا أنس! أجئتنا بظهر? قلت: نعم، قال: جئنا به، والمال لك، قلت: هو أكثر من ذلك، قال: وإن كان، فهو لك، وكان أربعة آلاف.

روى ثابت عن أنس، قال: صحبت جرير بن عبد الله، فكان يخدمني، وقال: إني رأيت الأنصار يصنعون برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا لا أرى أحدًا منهم إلَّا خدمته.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأنس: "يا ذا الأذنين"

(1)

.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصّه ببعض العلم، فنقل أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف على تسع نسوة في ضحوةٍ بغسل واحد

(2)

.

(1)

جيد: أخرجه أبو داود "5002"، والترمذي "3828"، والطبراني "663" من طريق شريك، عن عاصم، عن أنس، به.

قلت: إسناده ضعيف شريك، هو ابن عبد الله النخعي القاضي، سيئ الحفظ، وأخرجه الطبراني "662" من طريق عبد الوارث بن عبد الصمد، عن حرب بن ميمون، عن النضرين أنس، عن أنس، به.

قلت: إسناده حسن، حرب بن ميمون، وعبد الوارث بن عبد الصمد، كلاهما صدوق -كما قال الحافظ في "التقريب".

والخلاصة: فإن الحديث يرتقي لمرتبة الجيد بمجموع الطريقين، والله أعلم.

(2)

صحح: أخرجه البخاري "268"، ومسلم "309"، وأبو داود "218"، والترمذي "140"، والنسائي "1/ 144"، وابن ماجه "588".

ص: 420

قال خليفة بن خياط: كتب ابن الزبير بعد موت يزيد إلى أنس بن مالك؛ فصلَّى بالناس بالبصرة أربعين يومًا، وقد شهد أنس فتح تستر، فقدِمَ على عمر بصاحبها الهرمزان، فأسلم وحسن إسلامه رحمه الله.

قال الأعمش: كتب أنس إلى عبد الملك بن مروان -يعني: لما آذاه الحجاج: إني خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، والله لو أنَّ النصارى أدركوا رجلًا خدم نبيهم لأكرموه.

قال جعفر بن سليمان: حدثنا علي بن زيد قال: كنت بالقصر والحجاج يعرض الناس ليالي ابن الأشعث، فجاء أنس، فقال الحجاج: يا خبيث، جوَّال في الفتن؛ مرة مع عليّ، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفسي بيده لأستأصلنَّك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنَّك كما يجرد الضب، قال: يقول أنس: من يعني الأمير? قال: إياك أعني، أصمَّ الله سمعك، قال: فاسترجع أنس، وشغل الحجاج، فخرج أنس، فتبعناه إلى الرحبة، فقال: لولا أني ذكرت ولدي، وخشيت عليهم بعدي؛ لكلمته بكلام لا يستحييني بعده أبدًا

(1)

.

قال سلمة بن وردان: رأيت على أنس عمامة سوداء قد أرخاها من خلفه.

وقال أبو طالوت عبد السلام: رأيت على أنس عمامة.

حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس، نهى عمر أن نكتب في الخواتيم عربيًّا، وكان في خاتم أنس ذئب أو ثعلب.

وقال ابن سيرين: كان نقش خاتم أنس أسد رابض.

قال ثمامة بن عبد الله: كان كَرْمٌ أنسٍ يحمل في السنة مرتين.

قال سليمان التيمي: سمعت أنسًا يقول: ما بقي أحد صلى القبلتين غيري

(2)

.

قال المثنى بن سعيد: سمعت أنسًا يقول: ما من ليلة إلَّا وأنا أرى فيها حبيبي، ثم يبكي.

حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، وقيل له: ألَا تحدثنا? قال: يا بني، إنه من يُكْثِر يهجر.

همام، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس: أنه نقش في خاتمه: "محمد رسول الله"، فكان إذا دخل الخلاء نزعه.

(1)

ضعيف: أخرجه الطبراني "704"، وفيه علي بن زيد، وهو ابن جدعان، وهو ضعيف.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "4489".

ص: 421

قال ابن عون: رأيت على أنس مطرف خز، وعمامة خز، وجبة خز.

روى عبد الله بن سالم الأشعري، عن أزهر بن عبد الله، قال: كنت في الخيل الذين بيتوا أنس بن مالك، وكان فيمن يؤلب على الحجَّاج، وكان مع ابن الأشعث، فأتوا به الحجاج، فوسم في يده: عتيق الحجاج.

قال الأعمش: كتب أنس إلى عبد الملك: قد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وإن الحَجَّاج يعرِّض بي حَوَكة البصرة، فقال: يا غلام! اكتب إلى الحَجَّاج: ويلك، قد خشيت أن لا يصلح على يدي أحد، فإذا جاءك كتابي فقم إلى أنس حتى تعتذر إليه، فلمَّا أتاه الكتاب قال للرسول: أمير المؤمنين كتب بما هنا? قال: إي والله، وما كان في وجهه أشد من هذا، قال: سمعًا وطاعة، وأراد أن ينهض إليه، فقلت: إن شئت أعلمته، فأتيت أنس بن مالك فقلت: ألَا ترى قد خافك، وأراد أن يجيء إليك، فقم إليه، فأقبل أنس يمشي حتى دنا منه، فقال: يا أبا حمزة غضبت? قال: نعم، تعرضني بحوكة البصرة? قال: إنما مثلي ومثلك كقول الذي قال: "إياك أعني واسمعي يا جارة" أردت أن لا يكون لأحد عليّ منطق.

وروى عمرو بن دينار، عن أبي جعفر قال: كان أنس بن مالك أبرص، وبه وضح شديد، ورأيته يأكل فيلقم لقمًا كبارًا.

قال حميد: عن أنس يقولون: لا يجتمع حب علي وعثمان في قلب، وقد جمع الله حبهما في قلوبنا.

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري عن أمه: أنَّها رأت أنسًا متخلقًا بخلوق، وكان به برص، فسمعني وأنا أقول لأهله: لهذا أجلد من سهل بن سعد، وهو أسنّ من سهل. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لي.

قال أبو اليقظان: مات لأنس في طاعون الجارف

(1)

ثمانون ابنًا. وقيل: سبعون.

وروى معاذ بن معاذ، حدثنا عمران، عن أيوب، قال: ضعف أنس عن الصوم، فصنع جفنة من ثريد، ودعا ثلاثين مسكينًا فأطعمهم.

قلت: ثبت مولد أنس قبل عام الهجرة بعشر سنين.

(1)

كان طاعون الجارف بالبصرة سنة 69 هـ. قال المدائني: حدَّثني من أدرك ذلك قال: كان ثلاثة أيام، فمات فيها نحو مائتي ألف نفس. وقال غيره: مات في طاعون الجارف لأنس من أولاده وأولادهم سبعون نفسًا.

ص: 422

وأما موته: فاختلفوا فيه، فروى معمر، عن حميد: أنه مات سنة إحدى وتسعين. وكذا أرخه قتادة، والهيثم بن عدي، وسعيد بن عفير، وأبو عبيد.

وروى معن بن عيسى، عن ابنٍ لأنس بن مالك: سنة اثنتين وتسعين. وتابعه الواقدي. وقال عدة -وهو الأصح: مات سنة ثلاث وتسعين. قاله ابن علية، وسعيد بن عامر، والمدائني، وأبو نعيم، وخليفة، والفلاس، وقعنب.

فيكون عمره على هذا: مائة وثلاث سنين.

قال الأنصاري: اختلف علينا في سن أنس، فقال بعضهم: بلغ مائة وثلاث سنين. وقال بعضهم: بلغ مائة وسبع سنين.

"مسنده" ألفان ومائتان وستة وثمانون. اتفق له: البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثًا، وانفرد البخاري بثمانين حديثًا، ومسلم بتسعين.

ص: 423

‌285 - عمر بن أبي سلمة

(1)

: " ع"

ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو حفص القرشي، المخزومي، المدني، الحبشي المولد.

وُلِدَ قبل الهجرة بسنتين أو أكثر، فإن أباه توفي في سنة ثلاث من الهجرة، وخلَّف أربعة أولاد، هذا أكبرهم، وهم: عمر، وسلمة، وزينب، ودرة، ثم كان عمر هو الذي زوَّج أمه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو صبي.

ثم إنه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم تزوّج، وقد احتلم وكبر، فسأل عن القبلة للصائم

(2)

، فبطل ما نقله أبو عمر في "الاستيعاب" من أن مولده بأرض الحبشة سنة اثنتين، ثم إنه كان في سنة

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1480"، و"6/ ترجمة 1953"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 632"، تاريخ بغداد "1/ 164"، والاستيعاب "3/ 1159"، والكامل في التاريخ "3/ 204" و"4/ 525"، أسد الغابة "4/ 183"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 4297" الكاشف "2/ ترجمة 4128"، الإصابة "2/ ترجمة 5740"، تهذيب التهذيب "7/ ترجمة رقم 758"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5172".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1108" من طريق عبد ربه بن سعيد، عن عبد الله بن كعب الحميري، عن عمر بن أبي سلمة، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُقَبِّلُ الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سل هذه" لأم سلمة، فأخبرته أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك. فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له".

ص: 423

اثنتين أبواه -بل وسنة إحدى- بالمدينة، وشهد أبوه بدرًا، فأنَّى يكون مولده في الحبشة في سنة اثنتين؟ بل ولد قبل ذلك بكثير.

وقد علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ صار ربيبه أدب الأكل، وقال:"يا بني! ادن، وسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك"

(1)

. وحفظ ذلك وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وحدَّث أيضًا عن أمه.

روى عنه: سعيد بن المسيب، وعروة، ووهب بن كيسان، وقدامة بن إبراهيم، وثابت البناني، وأبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي، وابنه؛ محمد بن عمر، وغيرهم.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم عمّه من الرضاع.

وروى عن: ابن الزبير، قال: عمر أكبر مني بسنتين.

وقيل: طلب علي من أم سلمة أن تسير معه نوبة الجمل، فبعثت معه ابنها عمر، وطال عمره، وصار شيخ بني مخزوم.

قال محمد بن سعد: توفى في خلافة عبد الملك بن مروان.

ونقل ابن الأثير أنَّ موته كان في سنة ثلاث وثمانين.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "5376"، ومسلم "2022"، وأبو داود "3787"، والترمذي "1858"، وأحمد "4/ 26 - 27" من حديث عمر بن أبي سلمة قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك" فما زالت تلك طعمتي بعد.

ص: 424

‌286 - سلمة بن أبي سلمة

(1)

:

طال عمره، وما روى كلمة، وهو الذي زوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمه أم سلمة، فجزاه النبي صلى الله عليه وسلم بعد عمرة القضية بأن زوَّجه ببنت عمه أمامة بنت حمزة، التي اختصم في كفالتها علي وجعفر وزيد بن حارثة.

قال ابن سعد: لا نعلمه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا. وتوفى بالمدينة في خلافة عبد الملك، وكان أكبر من أخيه عمر، هكذا يروي ابن سعد.

(1)

ترجمته في أسد الغابة "2/ 429"، تاريخ الإسلام "3/ 156"، الإصابة "2/ ترجمة رقم 3382".

ص: 425

‌287 - بسر بن أرطاة

(1)

: " د، ت، س"

الأمير، أبو عبد الرحمن القرشي، العامري، الصحابي، نزيل دمشق.

له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث: "لا تقطع الأيدي في الغزو"

(2)

. وحديث: "اللهم أحسن عاقبتنا"

(3)

.

روى عنه: جنادة بن أبي أمية، وأيوب بن ميسرة، وأبو راشد الحبراني.

قال الواقدي: توفى النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا ثمان سنين.

وقال ابن يونس: صحابي، شهد فتح مصر، وله بها دار وحمّام، ولي الحجاز واليمن لمعاوية، ففعل قبائح، ووسوس في آخر عمره.

قلت: كان فارسًا شجاعًا فاتكًا، من أفراد الأبطال، وفي صحبته تردد.

قال أحمد وابن معين: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبى مسلمات باليمن، فأقمن للبيع.

وقال ابن إسحاق: قتل قثم وعبد الرحمن ابني عبيد الله بن العباس صغيرين باليمن، فتولهت أمهما عليهما. وقيل: قتل جماعة من أصحاب علي، وهدم بيوتهم بالمدينة. وخطب فصاح: يا دينار! يا رزيق! شيخ سمح عهدته ههنا بالأمس ما فعل؟ يعني عثمان- لولا عهد معاوية، ما تركت بها محتلمًا إلّا قتلته.

ولكن كان له نكاية في الروم، دخل وحده إلى كنيستهم، فقتل جماعة، وجُرِحَ جراحات، ثم تلاحق أجناده فأدركوه وهو يَذُبّ عن نفسه بسيفه، فقتلوا من بقي، واحتملوه. وفي الآخرة جعل له في القراب سيف من خشب لئلَّا يبطش بأحد، وبقى إلى حدود سنة سبعين رحمه الله.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 409"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1912"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 1678"، الاستيعاب "1/ 157 - 166"، أسد الغابة "1/ 179 - 180"، تهذيب التهذيب "1/ 435".

(2)

صحيح: أخرجه أبو داود "4408"، والترمذي "1450"، والنسائي "8/ 91"، والطبراني "1195"، وأحمد "4/ 181" من طريق عياش بن عباس القنباني، عن شييم بن بيتان، ويزيد بن صبح الأصبحي، عن جنادة بن أبي أمية، عن بسر بن أرطاة مرفوعًا بلفظ:"لا تقطع الأيدي في السفر". واللفظ لأبي داود.

قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، ويزيد بن صبح الأصبحي عند أبي داود حسب.

(3)

حسن: أخرجه أحمد "4/ 181"، والطبراني في "الكبير""1196"، وفي "الدعاء" له من طريق محمد ابن أيوب بن ميسرة بن حلبس قال: سمعت أبي يحدِّث عن بسر بن أرطاة القرشي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة".

قلت: إسناده حسن، محمد بن أيوب بن ميسرة وأبوه كلاهما صالح الحديث.

ص: 425

‌288 - النعمان بن بشير

(1)

: " ع"

ابن سعد بن ثعلبة، الأمير العالم، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن صاحبه، أبو عبد الله ويقال: أبو محمد- الأنصاري، الخزرجي، ابن أخت عبد الله بن رواحة.

"مسنده" مائة وأربعة عشر حديثًا، اتفقا له على خمسة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بأربعة.

شهد أبوه بدرًا.

وولد النعمان سنة اثنتين؛ وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وعُدَّ من الصحابة الصبيان باتفاق.

حدَّث عنه: ابنه محمد، والشعبي، وحميد بن عبد الرحمن الزهري، وأبو سلام ممطور، وسماك بن حرب، وسالم بن أبي الجعد، وأبو قلابة، وابو إسحاق السبيعي، ومولاه؛ حبيب بن سالم، وعِدَّة.

وكان من أمراء معاوية؛ فولَّاه الكوفة مدة، ثم ولي قضاء دمشق بعد فضالة، ثم ولي إمرة حمص.

قال البخاري: ولد عام الهجرة.

قيل: وفد أعشى همدان على النعمان وهو أمير حمص، فصعد المنبر، فقال: يا أهل حمص -وهم في الديوان: عشرون ألفًا! هذا ابن عمكم من أهل العراق والشرف، جاء يسترفدكم، فما ترون؟ قالوا: أصلح الله الأمير، احتكم له، فأبى عليهم. قالوا: فإنّا قد حكمنا له على أنفسنا بدينارين دينارين. قال: فعجَّلها من بيت المال أربعين ألف دينار.

قال سماك بن حرب: كان النعمان بن بشير -والله- من أخطب من سمعت.

قيل: إنَّ النعمان لما دعا أهل حمص إلى بيعة ابن الزبير، ذبحوه.

وقيل: قتل بقرية بيرين، قتله خالد بن خلي بعد وقعة مرج راهط، في آخر سنة أربع وستن رضي الله عنه.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 53"، التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2223"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 2033"، الاستيعاب "4/ 1496"، أسد الغابة "5/ 326"، الكاشف "3/ ترجمة 5947"، تجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 1216"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 816"، الإصابة "3/ ترجمة 8728"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 8725".

ص: 426

‌289 - الوليد بن عقبة

(1)

:

ابن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، الأمير؛ أبو وهب الأموي.

له صحبة قليلة، ورواية يسيرة.

وهو أخو أمير المؤمنين عثمان لأمه، من مسلمة الفتح؛ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق، وأمر بذبح والده صبرًا يوم بدر.

روى عنه: أبو موسى الهمداني، والشعبي.

وولي الكوفة لعثمان، وجاهد بالشام، ثم اعتزل بالجزيرة بعد قتل أخيه عثمان، ولم يحارب مع أحد من الفريقين، وكان سخيًّا، ممدحًا، شاعرًا، وكان يشرب الخمر، وقد بعثه عمر على صدقات بني تغلب. وقبره بقرب الرقة.

قال علقمة: كنا بالروم وعلينا الوليد، فشرب، فأردنا أن نحده، فقال حذيفة بن اليمان: أتحدون أميركم، وقد دنوتم من عدوكم، فيطمعون فيكم؟ وقال هو:

لأشربنَّ وإن كانت محرمة

وأشربنَّ على رغم أنف من رغما

وقال حضين بن المنذر: صلى الوليد بالناس الفجر أربعًا وهو سكران، ثم التفت وقال: أزيدكم؟ فبلغ عثمان، فطلبه وحدَّه

(2)

.

وهذا مما نقموا على عثمان أن عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة، وولي هذا.

وكان مع فسقه -والله يسامحه- شجاعًا قائمًا بأمر الجهاد.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 24" و"7/ 476"، التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2483"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 31"، الاستيعاب "4/ 1552"، أسد الغابة "5/ 451"، الكاشف "3/ ترجمة 6188"، تجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 1478"، الإصابة "3/ ترجمة رقم 9147"، تهذيب التهذيب "11/ ترجمة 240"، شذرات الذهب "1/ 35 - 36".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1707""38".

ص: 427

روى ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال الوليد بن عقبة لعليّ: أنا أحَدّ منك سنانًا، وأبسط لسانًا، وأملأ للكتيبة. فقال علي: اسكت، فإنما أنت فاسق. فنزلت:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} [السجدة: 18].

قلت: إسناده قوي، لكن سياق الآية يدل على أنها في أهل النار.

وقيل: بل كان السباب بين علي وبين عقبة نفسه. قاله: ابن لهيعة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس.

وله أخبار طويلة في "تاريخ دمشق"، ولم يذكر وفاته.

وروى جرير بن حازم، حدثنا عيسى بن عاصم، أنَّ الوليد أرسل إلى ابن مسعود: أن اسكت عن هؤلاء الكلمات: أحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشَرّ الأمور محدثاتها.

ص: 428

‌290 - عتبة بن عبد

(1)

: " د، ق"

السلمي، أبو الوليد، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، نزل الشام بحمص.

وله جماعة أحاديث.

حدث عنه: ولده؛ يحيى، وخالد بن معدان، وراشد بن سعد، ولقمان بن عامر، وعامر بن زيد، وعبد الله بن ناسح الحضرمي، وآخرون.

قال إسماعيل بن عياش: عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، قال: قال عتبة بن عبد: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الاسم لا يحبه حوله، لقد أتيناه وإنا لتسعة من بني سليم، أكبرنا العرباض بن سارية، فبايعناه جميعًا.

وعن عتبة بن عبد، قال: كان اسمي عتلة، فسمَّاني النبي صلى الله عليه وسلم عتبة، وقال الواقدي: عاش عتبة بن عبد أربعًا وتسعين سنة.

وقال أبو عبيد، وجماعة: توفي سنة سبع وثمانين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 413"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة 3186"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 2050"، الاستيعاب "3/ 1031"، أسد الغابة "3/ 563"، الكاشف "2/ ترجمة 3721"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3964"، الإصابة "2/ ترجمة رقم 5407"، تهذيب التهذيب "7/ 98"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4701".

ص: 428

فأما:

‌291 - عتبة بن الندر السلمي

(1)

: " ق"

الصحابي، الشامي، فآخر.

له حديثان.

يروي عنه: خالد بن معدان، وعلى بن رباح. ذكره في الصحابة البغوي، والطبراني، وجماعة.

لم يجئ حديثه إلّا من طريق سويد بن عبد العزيز.

قال ابن سعد: كان ينزل دمشق.

وقال خليفة: توفي سنة أربع وثمانين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 413"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة 3187"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 2067"، الاستيعاب "3/ 1031"، أسد الغابة "3/ 570"، الكاشف "2/ ترجمة رقم 2726"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3972"، الإصابة "2/ ترجمة 5415"، تهذيب التهذيب "7/ ترجمة 220"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4708".

ص: 429

‌292 - عمرو بن حريث

(1)

: " ع"

ابن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، أخو سعيد بن حريث.

كان عمرو من بقايا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا نزلوا الكوفة.

مولده قبيل الهجرة.

له صحبة، ورواية. وروى أيضًا عن أبي بكر الصديق، وابن مسعود.

حدث عنه: ابنه؛ جعفر، والحسن العُرني، والمغيرة بن سبيع، والوليد بن سريع، وعبد الملك بن عمير، وإسماعيل بن أبي خالد، وآخرون. وأخر من رآه رؤيةً: خلف بن خليفة.

توفي سنة خمس وثمانين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 23"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2479"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 254"، الاستيعاب "3/ 1172"، أسد الغابة "4/ 213"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 4366"، الكاشف "2/ ترجمة 4206"، تاريخ الإسلام "3/ 289"، الإصابة "2/ ترجمة 5808"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة رقم 26"، خلاصة تهذيب الكمال للخزرجي "2/ ترجمة 5274"، شذرات الذهب "1/ 95".

ص: 429

أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا السلفي، أخبرنا أحمد بن علي الطريثيثي، أخبرنا المسيب بن منصور الدينوري بآمل، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد، حدثنا يوسف بن يعقوب بن خالد النيسابوري، أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع؛ حدَّثنا شريك، عن أبي إسحاق: سمعت عمرو بن حريث يقول: كنت في بطن المرأة يوم بدر.

وروى فطر بن خليفة، عن أبيه؛ سمع مولاه عمرو بن حريث يقول: انطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام؛ فدعا لي بالبركة، ومسح رأسي، وخطّ لي دارًا بالمدينة بقوس، ثم قال:"ألا أزيدك؟ "

(1)

.

وروى معبد بن خالد، عن عمرو بن حريث، قال: أمرني عمر رضي الله عنه أن أؤمَّ النساء في رمضان.

قال الواقدي: ثم ولي الكوفة لزياد ابن أبيه، ولابنه عبيد الله بن زياد: عمرو بن حريث، وحصل مالًا عظيمًا وأولادًا، منهم: عبد الله، وجعفر، ويحيى، وخالد، وأم الوليد، وأم عبد الله، وأم سلمة، وسعيد، ومغيرة، وعثمان، وحريث.

قال الواقدي: قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولعمرو بن حريث اثنتا عشرة سنة.

وشهد أخوه سعيد بن حريث فتح مكة وهو حدث.

(1)

منكر: أخرجه أبو داود "2060"، وفيه خليفة المخزومي، والد فطر، ليِّن الحديث. والخبر منكر -كما قال الذهبي في "الميزان".

ص: 430

‌293 - العرباض بن سارية السلمي

(1)

: " (4) "

من أعيان أهل الصُّفة، سكن حمص، وروى أحاديث.

روى عنه: جبير بن نفير، وأبو رهم السمعي، وعبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحبيب بن عبيد، وحُجْر بن حُجْر، ويحيى بن أبي المطاع، وعمرو بن الأسود، والمهاصر بن حبيب، وعدة.

أحمد في "مسنده": حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور، حدثنا خالد بن معدان، حدثني

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 276" و"7/ 412"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة رقم 381"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 208"، الاستيعاب "3/ 1238"، أسد الغابة "4/ 19"، الكاشف "2/ ترجمة 3821"، تاريخ الإسلام "3/ 192"، تهذيب التهذيب "7/ ترجمة 340"، الإصابة "2/ ترجمة 5501"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5642" شذرات الذهب "1/ 82".

ص: 430

عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحُجْر بن حُجْر، قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممن نزل فيه:{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92]، فسلَّمنا وقلنا: أتينا زائرين وعائدين ومقتبسين. فقال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقيل: يا رسول الله، كأنَّ هذه موعظة مودَّع، فماذا تعهد إلينا؟ قال:"أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسَّكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"

(1)

.

رواه ابن المديني، عن الوليد، وزاد: قال الوليد: فذكرته لعبد الله بن زبر، فقال: حدثني به يحيى بن أبي المطاع، أنه سمعه من العرباض. ورواه بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد، عن عبد الرحمن وحده.

ابن وهب: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، عن سعد بن إبراهيم، عن عروة بن رويم، عن العرباض بن سارية -وكان يحب أن يقبض، فكان يدعو: اللهم كبرت سني، ووهن عظمي، فاقبضني إليك. قال: فبينا أنا يومًا في مسجد دمشق أصلي وأدعو أن أقبض؛ إذ أنا بفتًى من أجمل الرجال، وعليه دواج أخضر، فقال: ما هذا الذي تدعو به؟ قلت: كيف أدعو يا ابن أخي؟ قال: قل: اللهم حسِّن العمل وبلغ الأجل. فقلت: ومن أنت يرحمك الله؟ قال: أنا رتبابيل الذي يسل الحزن من صدور المؤمنين. ثم التفت فلم أر أحدًا.

قال أحمد بن حنبل: كنية العرباض: أبو نجيح.

وقال محمد بن عوف: منزله بحمص عند قناة الحبشة، وهو وعمرو بن عبسة، كلّ منهما يقول: أنا ربع الإسلام، لا يدري أيهما أسلم قبل صاحبه.

قلت: لم يصح أن العرباض قال ذلك.

فروى إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، قال: قال عتبة ابن عبد: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم سبعة من بني سلمي، أكبرنا العرباض بن سارية، فبايعناه.

إسماعيل بن عياش: حدثنا أبو بكر بن عبد الله، عن حبيب بن عبيد، عن العرباض، قال: لولا أن يقال: فعل أبو نجيح؛ لألحقت مالي سُبْلةً، ثم لحقت واديًا من أودية لبنان، عبدت الله حتى أموت.

شعبة، عن أبي الفيض؛ سمع أبا حفص الحمصي يقول: أعطى معاوية المقداد حمارًا من المغنم، فقال له العرباض بن سارية: ما كان لك أن تأخذه، ولا له أن يعطيك، كأني بك في النار تحمله، فرَدَّه.

قال أبو مسهر، وغيره: توفي العرباض سنة خمس وسبعين.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 126 - 127"، وأبو داود "4607"، والآجري في "الشريعة""ص 46"، وابن أبي عاصم "32" و"57" من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد، به.

وأخرجه الترمذي "2676"، والطحاوي في "مشكل الآثار""2/ 69"، وابن أبي عاصم "54"، والدارمي "1/ 44"، والآجري "47" من طرق عن ثور بن يزيد، به ولم يذكروا حُجْر بن حُجْر.

ص: 431

‌294 - سهل بن سعد

(1)

: " ع"

ابن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة، الإمام، الفاضل، المعمَّر، بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو العباس الخزرجي، الأنصاري، الساعدي.

وكان أبوه من الصحابة الذين توفوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

كان سهل يقول: شهدت المتلاعنين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة

(2)

. روى سهل عدة أحاديث.

حدث عنه: ابنه؛ عباس، وأبو حازم الأعرج، وعبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذباب، وابن شهاب الزهري، ويحيى بن ميمون الحضرمي، وغيرهم.

وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، وكان من أبناء المائة.

عبد المهيمن بن عباس بن سهل، عن أبيه، عن جده، قال: كان اسم سهل بن سعد حزنًا، فغيِّره النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

.

وقال عبيد الله بن عمر: تزوج سهل بن سعد خمس عشرة امرأة. ويروى أنه حضر مرة وليمة، فكان فيها تسع من مطلقاته، فلمَّا خرج وقفن له وقلن: كيف أنت يا أبا العباس؟

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2092"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 853"، الاستيعاب "2/ 664"، أسد الغابة "2/ 472"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 2558"، الكاشف "1/ ترجمة 2192"، تاريخ الإسلام "4/ 11"، الإصابة "2/ ترجمة 3533"، تهذيب التهذيب "4/ ترجمة 430"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2795"، شذرات الذهب "1/ 63 و 99".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "6854"، ومسلم "1492".

(3)

ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير""5705"، وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل، وهو ضعيف.

ص: 432

قلت: بعض الناس أسقط من نسبه "سعدًا" الثاني، وبعضهم كنَّاه أبا يحيى.

ذكر عدد كبير وفاته في سنة إحدى وتسعين.

وقال أبو نعيم، وتلميذه البخاري: سنة ثمان وثمانين.

قرأت على يحيى بن أحمد بالثغر، ومحمد بن الحسين القرشي بمصر، أخبركما محمد بن عماد، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا عليّ بن الحسن القاضي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر المالكي، أخبرنا أبو الطاهر أحمد بن محمد المديني، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سهل بن سعد سمعه يقول: اطَّلع رجل من جُحْر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه، فقال:"لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر". متَّفق عليه

(1)

.

(1)

صحيح أخرجه البخاري "6241"، ومسلم "2156".

ص: 433

‌295 - مسلمة بن مخلد

(1)

: " د"

ابن الصامت الأنصاري الخزرجي، الأمير، نائب مصر لمعاوية، يكنَّى: أبا معن، وقيل: كنيته أبو سعيد. وقيل: أبو معاوية.

له صحبة، ولا صحبة لأبيه.

قال علي بن رباح: سمعته يقول: ولدت مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وقبض ولي عشر سنين.

حدَّث عنه: أبو أيوب الأنصاري -وهو أكبر منه، وأبو قبيل، وابن سيرين، وهشام بن أبي رقية، وجماعة.

وكان من أمراء معاوية نوبة صفين، ثم ولي له وليزيد إمرة مصر.

ورى ابن جريج، عن رجل ضرير، عن عطاء، قال: خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر بمصر، ليسأله عن حديث، فالتقاه مسلمة وعانقه.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 504"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1682"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1212"، الاستيعاب "3/ 1397"، الكاشف "3/ ترجمة 5543"، تجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 856"، الإصابة "3/ ترجمة 7989"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 282"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7009"، شذرات الذهب "1/ 170".

ص: 433

قال الواقدي وغيره: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ولمسلمة بن مخلد أربع عشرة سنة.

وقال البخاري، والدارقطني، وابن يونس: له صحبة.

وشذَّ أبو حاتم، فقال: ليست له صحبة.

وورد أنَّ عمر بعث مسلمة عاملًا على صدقات بني فزارة.

قال الليث: عُزِلَ عقبة بن عامر عن مصر سنة سبع وأربعين، فوليها مسلمة حتى مات زمن يزيد.

وقال مجاهد: صليت خلف مسملة بن مخلد، فقرأسورة البقرة، فما ترك واوًا ولا ألفًا.

قال ابن يونس: توفي سنة اثنتين وستين، في ذي القعدة بالإسكندرية.

ص: 434

‌296 - عبد الله بن سرجس

(1)

: " م، (4) "

المزنيّ الصحابي، المعمَّر، نزيل البصرة، من حلفاء بني مخزوم. صحَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر له

(2)

.

وقد روى أيضا عن عمر.

حدَّث عنه: عثمان بن حكيم، وقتادة بن دعامة، وعاصم الأحول. أظنَّ أن أيوب السختياني أدركه.

قال أبو عمر بن عبد البر: لا يختلفون في ذكره في الصحابة على قاعدتهم في السماع واللقاء، فأما قول عاصم الأحول: إن عبد الله بن سرجس رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن له صحبة؛ فإنه أراد الصحبة التي يذهب إليها سعيد بن المسيب وغيره من طول المصاحبة، والله أعلم.

مات ابن سرجس في دولة عبد الملك بن مروان، سنة نيف وثمانين، بالبصرة.

روايته في الكتب سوى "صحيح البخاري".

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "8/ 58"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 27 و 282"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 289"، الاستيعاب "3/ 916"، أسد الغابة "3/ 256"، تحريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3311"، الكاشف "2/ ترجمة 2773"، الإصابة "2/ ترجمة 4705"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 400"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3523".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "2346" من طريق عاصم، عن عبد الله بن سرجس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأكلت معه خبزًا ولحمًا -أو قال: ثريدًا- قال: فقلت له: استغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. ولك، ثم تلا هذه الآية {اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].

ص: 434

‌297 - المقدام بن معد يكرب

(1)

: " خ، (4) "

ابن عمرو بن يزيد، أبو كريمة. وقيل: أبو يزيد. وقيل: أبو صالح. ويقال: أبو بشر. ويقال: أبو يحيى، نزيل حمص، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

روى عدة أحاديث.

حدَّث عنه: جبير بن نفير، الشعبي، وخالد بن معدان، وشريح بن عبيد، وأبو عامر الهوزني، والحسن ويحيى ابنا جابر، وعبد الرحمن بن أبي عوف، وسليم بن عامر، ومحمد بن زياد الألهاني، وابنه؛ يحيى بن المقدام، وحفيده؛ صالح بن يحيى، وآخرون.

أبو مسهر وغيره، عن زيد بن سنان، عن أبي يحيى الكلاعي، قال: أتيت المقدام في المسجد، فقلت: يا أبا يزيد! إنَّ الناس يزعمون أنك لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سبحان الله! والله لقد رأيته وأنا أمشي مع عمِّي، فأخذ بأذني هذه، وقال لعمي:"أترى هذا"؟. يذكره أباه وأمه.

محمد بن حرب الأبرش: حدثنا سليمان بن سليم، عن صالح بن يحيى، عن جده [المقدام]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلحت يا قديم، إن مت ولم تكن أميرًا ولا جابيًا ولا عريفًا"

(2)

.

قال جماعة: توفي سنة سبع وثمانين. زاد أبو حفص الفلاس: وهو ابن إحدى وتسعين سنة. وقيل: قبره بحمص.

وقال علي بن عبد الله التميمي: توفي سنة ثمان وثمانين رضي الله عنه.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 415"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1882"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1393"، الاستيعاب "4/ 1482"، الكاشف "3/ ترجمة 5716" تجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 1035"، تاريخ الإسلام "3/ 306"، الإصابة "3/ ترجمة رقم 8184"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 505"، خلاصة تهذيب الكمال "3/ ترجمة 7186".

(2)

ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 133"، وفي إسناده صالح بن يحيى بن المقدام، قال البخاري: فيه نظر. وقال موسى بن هارون: لا يعرف.

ص: 435

‌298 - عبد الله بن أبي أوفى

(1)

: " ع"

علقمة بن خالد بن الحارث الفقيه، المعمر، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، أبو معاوية، وقيل: أبو محمد. وقيل: أبو إبراهيم، الأسلمي، الكوفي.

من أهل بيعة الرضوان، وخاتمة من مات بالكوفة من الصحابة، وكان أبوه صحابيًّا أيضًا.

وله عدة أحاديث.

روى عنه: إبراهيم بن مسلم الهجري، وإبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي، وإسماعيل ابن أبي خالد، وعطاء بن السائب، وسليمان الأعمش، وأبو إسحاق الشيباني، وطلحة بن مصرف، وعمرو بن مرة، وأبو يعفور وقدان، ومجزأة بن زاهر، وغيرهم.

وقيل: لم يشافهه الأعمش مع أنه كان معه في البلد، ولما توفي ابن أبي أوفى، كان الأعمش رجلًا له بضع وعشرون سنة.

وقد فاز عبد الله بالدعوة النبوية؛ حيث أتى النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة والده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم صلِّ على آل أبي أوفى"

(2)

.

وقد كُفَّ بصره من الكبر.

شعبة، عن سليمان الشيباني، عن ابن أبي أوفى -وكان من أصحاب الشجرة- قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيذ في الجر الأخضر

(3)

.

شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 301" و"6/ 21"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 40"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 552"، الاستيعاب "3/ 870"، أسد الغابة "3/ 182"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 2159"، الكاشف "2/ ترجمة 2661"، الإصابة "2/ ترجمة 4555"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 260"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3394".

(2)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق "6957"، والطيالسي "819"، وأحمد "4/ 353 و 355 و 381 و 388"، والبخاري "1497"، و"4166" و"6322" و"6359"، ومسلم "1078"، وأبو داود "1590"، والنسائي "5/ 31"، وأبو نعيم "5/ 96"، والبيهقي "2/ 152" و"157" من طريق عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان. فأتاه أبي بصدقته فقال: "اللهم صلّ على آل أبي أوفى".

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "5596"، والنسائي "8/ 304"، وأحمد "4/ 353 و 356 و 380".

ص: 436

بصدقة، قال:"اللهم صلّ عليهم"، فأتاه أبي بصدقة قومه، فقال:"اللهم صل على آل أبي أوفى"

(1)

.

وفي رواية: فأتاه أبي بصدقتنا.

شعبة، عن أبي يعفور، عن ابن أبي أوفى، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد

(2)

.

المحاربي، عن ابن أبي خالد، قال: رأيت بذراع عبد الله بن أبي أوفى ضربة، فقلت: ما هذه الضربة؟ قال: ضربتها يوم حنين.

توفي عبد الله سنة ست وثمانين، وقيل: بل توفي سنة ثمان وثمانين، وقد قارب مائة سنة رضي الله عنه.

(1)

صحيح: راجع تخريجنا قبل السابق رقم "767".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "5495"، ومسلم "1952"، وأبو داود "3812"، والترمذي "1822" و"1823"، والنسائي "7/ 210".

ص: 437

‌299 - عبد الله بن بسر

(1)

: " ع"

ابن أبي بسر، الصحابي، المعمر، بركة الشام، أبو صفوان المازني، نزيل حمص.

له أحاديث قليلة، وصحبة يسيرة، ولأخويه عطية والصماء ولأبيهم صحبة.

حدَّث عنه: محمد بن عبد الرحمن اليحصبي، وراشد بن سعد، وخالد بن معدان، وأبو الزاهرية، وسليم بن عامر، ومحمد بن زياد الألهاني، وحسَّان بن نوح، وصفوان بن عمرو، وحريز بن عثمان الحمصيون.

وقد غزا جزيرة قبرس مع معاوية في دولة عثمان.

قال البغوي: حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا ميسرة، حدثنا حريز بن عثمان، قال: رأيت عبد الله بن بسر وثيابه مشمرة، وداؤه فوق القميص، وشعره مفروق يغطي أذنيه، وشاربه مقصوص مع الشفة، كنا نقف عليه ونتعجب.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 413"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 25"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 54"، الاستيعاب "3/ 874"، أسد الغابة "3/ 125"، الكاشف "2/ ترجمة 2669"، الإصابة "2/ ترجمة 4564"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 271"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3403".

ص: 437

قال صفوان بن عمرو: رأيت في جبهة عبد الله بن بسر أثر السجود.

إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني، عن أبيه، عن عبد الله بن بسر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يعيش هذا الغلام قرنًا". قال: فعاش مائة سنة، سمعه: شريح بن يزيد الحضرمي منه.

عصام بن خالد: حدثنا الحسن بن أيوب الحضرمي، قال: أراني عبد الله بن بسر شامة في قرنه، فوضعت أصبعي عليها، فقال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعه عليها، ثم قال:"لتبلغنَّ قرنًا".

رواه أحمد في "المسند".

جنادة بن مروان: حدثنا محمد بن القاسم الحمصي، سمع عبد الله بن بسر، قال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حيسًا، ودعا لنا، ثم التفت إليَّ وأنا غلام، فمسح على رأسي، ثم قال:"يعيش هذا الغلام قرنًا" فعاش مائة.

روى نحوه: سلمة بن حواس، عن محمد بن القاسم: أنه كان مع ابن بسر في قريته، وزاد فيه: فقلت: يا رسول الله! كم القرن؟ قال: "مائة سنة".

وفي "صحيح البخاري": لحريز بن عثمان، أنه سأل عبد الله بن بسر: أكان النبي شيخًا؟ قال: كان في عنفقته شعرات بيض

(1)

.

قال يحيى بن صالح الوحاظي: حدثتنا أم هاشم الطائية، قالت: رأيت عبد الله بن بسر يتوضأ، فخرجت نفسه رضي الله عنه.

قال الواقدي: مات سنة ثمان وثمانين، وهو آخر من مات من الصحابة بالشام. قال: وله أربع وتسعون سنة، وكذا أرَّخه في سنة ثمان وثمانين جماعة.

وقال أبو زرعة الدمشقي: مات قبل سنة مائة.

وقال عبد الصمد بن سعيد الحافظ: توفي سنة ست وتسعين.

وقال يزيد بن عبد ربه الجرجسي: توفي في إمرة سليمان بن عبد الملك.

حديثه في الكتب الستة.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "3546".

ص: 438

‌300 - أبو عِنَبَة الخَوْلاني

(1)

: " ق"

الصحابي، المعمر. شهد اليرموك، وصاحب معاذ بن جبل، وسكن حمص.

حدث عنه: أبو الزاهرية حدير بن كريب، وبكر بن زرعة، وطلب بن سمير، ومحمد بن زياد الألهاني، وآخرون.

روينا في "سنن ابن ماجه": حدثنا هشام بن عمَّار، حدثنا الجراح بن مليح، حدثنا بكر بن زرعة، سمعت أبا عنبة الخولاني -وكان ممن صلَّى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكل الدم في الجاهلية- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم بطاعته".

قال يحيى بن معين: قال أهل حمص: هو من كبار التابعين، وأنكروا أن تكون له صحبة.

قلت: هذا يحمل على إنكارهم الصحبة التامَّة لا الصحبة العامَّة.

أحمد في "مسنده": حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا بقية، عن محمد بن زياد، حدثني أبو عنبة -قال سريج: وله صحبة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أراد الله بعبد خيرًا عسله". قيل: وما عسله؟ قال: "يفتح له عملًا صالحًا، ثم يقبضه عليه"

(2)

.

قال محمد بن سعد: له صحبة.

وقال أبو زرعة الدمشقي: أسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيّ، وصحب معاذًا، أخبرني بذلك حيوة، عن بقية، عن ابن زياد.

وقال الدارقطني: مختلف في صحبته.

وروى إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، قال: قد رأيت أبا عنبة وكان هو وأبو فالج الأنماري قد أكلا الدم في الجاهلية، ولم يصحبا النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 436"، التاريخ الكبير في الكنَى ترجمة "537"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 2046"، أسد الغابة "6/ 233"، الإصابة "4/ ترجمة 820"، وتهذيب التهذيب "12/ ترجمة 876".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 224"، والبزار "2155"، والحاكم "1/ 340" من طريق زيد بن الحباب قال: حدثنا معاوية بن صالح، قال: أخبرني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عمرو بن الحمق الخزاعي، به مرفوعًا.

ص: 439

‌301 - محمد بن حاطب

(1)

: " ت، س، ق"

ابن الحارث بن معمر بن حبيب الجمحي.

مولده بالحبشة، هو وأخوه الحارث، فتوفي أبوهما هناك، وجدهم حبيب من كبار قريش، وهو ابن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب.

وأمه من المهاجرات، وهي أم جميل بنت المجلل.

وله صحبة، وحديث في الدفِّ في العرس. ويروي عن عليٍّ أيضًا.

روى عنه: بنوه؛ الحارث، وعمر، وإبراهيم، ولقمان، وحفيده؛ عثمان بن إبراهيم الجمحي، وسماك بن حرب، وسعد بن إبراهيم، الزهري، وأبو بلج يحيى بن سليم.

وهو أخو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب من الرضاعة.

وقيل: هو أوّل من سمى محمدًا في الإسلام.

فأمَّا محمد بن مسلمة الأنصاري فسمِّي محمدًا قبل المبعث.

ويكنَّى محمد بن حاطب أبا إبراهيم.

زكريا بن أبي زائدة، عن سماك بن حرب، عن محمد بن حاطب، قال: تناولت قدرًا فاحترقت يدي، فانطلقت بي أمي إلى رجل جالس، فقالت له: يا رسول الله! وأدنتني منه، فجعل ينفث ويتكلم بكلام لا أدري ما هو، فسألت أمي بعد ذلك: ما كان يقول؟ قالت: كان يقول: "أذهب الباس -رب الناس- واشف أنت الشافي، لا شافي إلّا أنت"

(2)

.

سمعه منه: محمد بن بشر العبدي، وتابعه: شريك، وشعبة، ومسعر. رواه النسائي.

مات محمد بن خاطب سنة أربع وسبعين.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 17"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 1243"، أسد الغابة "5/ 85"، الاستيعاب، "3/ 1368"، الكاشف "3/ ترجمة 4855"، تجريد أسماء الصحابة "2/ 614"، تهذيب التهذيب "9/ ترجمة 143"، الإصابة "3/ ترجمة 7765"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6130".

(2)

حسن: أخرجه أحمد "3/ 418" و"4/ 259"، والطبراني "19/ 536 و 537 و 539 و 540" و"24/ 903" من طريق سماك بن حرب، به.

ص: 440

‌302 - السائب بن يزيد

(1)

: " ع"

ابن سعيد بن ثمامة، أبو عبد الله، وأبو يزيد الكندي، المدني، ابن أخت نمر، وذلك شيء عرفوا به.

وكان جده سعيد بن ثمامة حليف بني عبد شمس.

قال السائب: حجَّ بي أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين

(2)

.

قلت: له نصيب من صحبة ورواية.

حدث عنه: الزهري، وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والجعيد بن عبد الرحمن، وابنه؛ عبد الله بن السائب، وعمر بن عطاء بن أبي الخوار، وعبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وآخرون.

قال أبو معشر السندي: عن يوسف بن يعقوب، عن السائب، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قتل عبد الله بن خطل يوم الفتح، أخرجه من تحت الأستار، فضرب عنقه بين زمزم والمقام، ثم قال:"لا يقتل قرشي بعد هذا صبرًا".

عكرمة بن عمار: حدثنا عطاء مولى السائب، قال: كان السائب رأسه أسود من هامته إلى مقدم رأسه، وسائر رأسه -مؤخره، وعارضاه ولحيته أبيض. فقلت له: ما رأيت أعجب شعرًا منك! فقال لي: أَوَتدري مما ذاك يا بني؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بي وأنا ألعب، فمسح يده على رأسي، وقال:"بارك الله فيك"، فهو لا يشيب أبدًا. يعني: موضع كفه.

يونس، عن الزهري، قال: ما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيًا، ولا أبو بكر، ولا عمر، حتى قال عمر للسائب ابن أخت نمر: لو روَّحت عنِّي بعض الأمر، حتَّى كان عثمان.

قال عبد الأعلى الفروي: رأيت على السائب بن يزيد مطرف خز، وجبة خز، وعمامة خز.

يُرْوى عن الجعيد بن عبد الرحمن: وفاة السائب بن يزيد في سنة أربع وتسعين.

وقال الواقدي، وأبو مسهر، وجماعة: توفي سنة إحدى وتسعين. وشذّ الهيثم بن عدي، فقال: مات سنة ثمانين.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2286"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1031"، الاستيعاب "2/ 576"، أسد الغابة "2/ 257"، الكاشف "1/ ترجمة 1813"، تهذيب التهذيب "3/ ترجمة 839"، الإصابة "2/ ترجمة 3077"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2353".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "1858"، والترمذي "925"، وأحمد "3/ 449".

ص: 441

‌303 - جبير بن الحويرث

(1)

:

ابن نقيد بن بُجَير بن عبد بن قصي بن كلاب القرشي. وقيل في نسبه هكذا، لكن بحذف بجير.

صحابي صغير، له رؤية بلا رواية، وحدَّث عن أبي بكر، عمر.

حدَّث عنه: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع.

روى له سفيان بن عيينة: حدثنا عن محمد بن المنكدر، فوَهِمَ، وقال: عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع، عن جبير بن الحويرث، قال: رأيت أبا بكر واقفًا على قزح

، فذكر الحديث.

قال الزبير بن بكار: كان الحويرث أبوه ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح.

وعن جبير: أنه شهد يوم اليرموك، فسمع أبا سفيان يحرِّضهم على الجهاد.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "2/ ترجمة 2115"، أسد الغاية "1/ 321"، الإصابة "1/ ترجمة 1089".

ص: 442

‌304 - قُثَم بن العباس

(1)

: " ص"

ابن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي. ابن عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، وأخو الفضل وعبد الله وعبيد الله وكثير.

وأمه هي أم الفضل، لبابة بنت الحارث الهلالية، وكانت ثانية امرأة أسلمت، أسلمت بعد خديجة. قاله الكلبي.

لقثم صحبة، وقد أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه.

وكان أخا الحسين بن علي من الرضاعة.

وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو قليل الرواية.

وعن ابن عباس، قال: كان آخر من خرج من لحد رسول الله صلى الله عليه وسلم قثم.

ولما استخلف عليّ بن أبي طالب، استعمل قثم على مكة، فما زال عليها حتى قُتِلَ علي. قاله: خليفة بن خياط.

وقال الزبير بن بكار: استعمله علي على المدينة، وقيل: إنه لم يعقب.

قال ابن سعد: غزا قثم خراسان وعليها سعيد بن عثمان بن عفان، فقال له: أضرب لك بألف سهم؟ فقال: لا، بل خمس، ثم أعط الناس حقوقهم؛ ثم أعطني بعد ما شئت. وكان قثم رضي الله عنه سيدًا ورعًا فاضلًا.

قال الزبير: سار قثم أيام معاوية مع سعيد بن عثمان إلى سمرقند، فاستُشْهِدَ بها.

قلت: لا شيء له في الكتب الستة.

وقد ذكره أبو عبد الله الحاكم في "تاريخ نيسابور"، فقال: كان شبيه النبي صلى الله عليه وسلم وآخر الناس به عهدًا، وحديث أم الفضل ناطق بذلك بأسانيد كثيرة.

قال: فأمَّا وفاة قثم وموضع قبره فمختَلَف فيه، فقيل: إنه توفي بسمرقند، وبها قبره، وقيل: إنه توفي بمرو. قال الحاكم: والصحيح أن قبره بسمرقند.

قال: وسعيد بن عثمان بن عفان، أبو عبد الرحمن الأموي غزا خراسان، فورد نيسابور في عسكر؛ منهم جماعة من الصحابة والتابعين، ثم خرج منها إلى مرو، ومنها إلى جيحون، وفتح بُخَارَى وسمرقند.

سمع أباه وطلحة.

روى عنه: هانئ بن هانئ، وعبد الملك بن محمد بن عمرو بن حزم.

أخوه عبيد الله بن عباس سيأتي فيما بعد، إن شاء الله.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 863"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 805"، أسد الغابة "4/ 392"، تجريد أسماء الصحابة "2/ 129"، تهذيب التهذيب "8/ 641"، الإصابة "3/ ترجمة 7081"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5909".

ص: 443

أخوهما:

‌305 - معبد بن عباس

(1)

:

من صغار وَلَد العباس، وهو من أمّ الفضل.

له أولاد؛ عبد الله، وعباس، وميمونة.

وأمهم: أم جميل عامرية، وله بقية وذرية كثيرة.

(1)

ترجمته في أسد الغابة "5/ 220"، الإصابة "3/ ترجمة 8328".

ص: 443

أخوهم:

‌306 - كثير بن العباس

(1)

:

أمه أم ولد. تابعي، يروي عن أبيه، وغيره.

وكان فقيهًا جليلًا صالحا ثقة. له عقب. قاله: ابن سعد.

أخوهم:

‌307 - تَمَّام بن العباس

(2)

:

من أم ولد، وهو شقيق كثير.

قال ابن سعد: كان تَمَّام من أشد أهل زمانه بطشًا.

وله أولاد، وأولاد أولاد، فانقرضوا، وآخرهم: يحيى بن جعفر بن تَمَّام، مات زمن المنصور، وورثه أعمام المنصور، فأطلقوا الميراث كله لعبد الصمد بن عليّ.

أخوهم:

‌308 - الفضل بن العباس

(3)

:

وأخوهم عبد الله مَرَّ.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 905"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 856"، أسد الغابة "4/ 460"، الكاشف "3/ ترجمة 4707"، تجريد أسماء الصحابة "2/ 300"، الإصابة "3/ ترجمة 7480"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة 750"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5934".

(2)

ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2044"، أسد الغابة "1/ 253"، الإصابة "1/ ترجمة 857".

(3)

هو الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو العباس المدني، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه: أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث بن الحزن الهلالية، وكان شقيق عبد الله بن عباس. أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه في حجة الوداع، وحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عباس الدوردي عن يحيى بن معين: قتل يوم اليرموك في عهد أبي بكر رضي الله عنهما.

وقال أبو داود: قتل بدمشق. كان عليه درع النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الواقدي: مات بالشام في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة.

ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 54" و"7/ 399"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 502"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 363"، أسد الغابة "4/ 366"، الكاشف "2/ ترجمة 4537"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة 512"، الإصابة "3/ ترجمة 7003"، خلاصة الخزرجي "2 ترجمة 5716".

ص: 444

‌309 - سعيد بن العاص

(1)

: " م، س"

ابن أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، والد عمرو بن سعيد الأشدق، ووالد يحيى، القرشي الأموي المدني الأمير، قُتِلَ أبوه يوم بدر مشركًا، وخلف سعيدًا طفلًا.

قال أبو حاتم: له صحبة.

قال: لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمر، وعائشة، وهو مُقِلّ.

حدث عنه: ابناه، وعروة، وسالم بن عبد الله.

وكان أميرًا شريفًا جوادًا ممدحًا، حليمًا، وقورًا، ذا حزم وعقل، يصلح للخلافة.

ولي إمرة المدينة غير مرة لمعاوية، وقد ولي إمرة الكوفة لعثمان بن عفان، وقد اعتزل الفتنة فأحسن، ولم يقاتل مع معاوية. ولما صفا الأمر لمعاوية وفد سعيد إليه فاحترمه، وأجازه بمال جزيل.

ولما كان على الكوفة غزا طبرستان فافتتحها. وفيه يقول الفرزدق:

ترى الغر الجحاجح

(2)

من قريش

إذا ما الأمر ذو الحدثان عالا

(3)

قيامًا ينظرون إلى سعيد

كأنهم يرون به هلالًا

قال ابن سعد: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ولسعيد تسع سنين أو نحوها، ولم يزل في صحابة عثمان لقرابته منه، فولَّاه الكوفة لما عزل عنها الوليد بن عقبة، فقَدِمَها وهو شابّ مترف، فأضرَّ بأهلها، فوليها خمس سنين إلّا أشهرًا، ثم قام عليه أهلها وطردوه، وأمَّروا عليهم أبا موسى، فأبى، وجدَّد البيعة في أعناقهم لعثمان، فولَّاه عثمان عليهم.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 30"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1672"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 204"، الاستيعاب "2/ 621"، أسد الغابة "2/ 309"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 2324"، تهذيب التهذيب "4/ ترجمة 78"، الإصابة "2/ ترجمة 3268"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2482".

(2)

الجحاجح: جمع جحجاح وهو السيد الكريم السمح.

(3)

الحدثان: ما يحدث من مصائب الدهر، وعالا: أي أثقل وأفدح.

ص: 445

وكان سعيد بن العاص يوم الدار مع المقاتلة عن عثمان. ولما سار طلحة والزبير، فنزلوا بمر الظهران قام سعيد خطيبًا، وقال: أمَّا بعد، فإن عثمان عاش حميدًا، وذهب فقيدًا شهيدًا، وقد زعمتم أنكم خرجتم تطلبون بدمه، فإن كنتم تريدون ذا، فإن قتلته على هذه المطي، فميلوا عليهم. فقال مروان: لا، بل نضرب بعضهم ببعض. فقال المغيرة: الرأي ما رأى سعيد. ومضى إلى الطائف، وانعزل سعيد بن بمن اتبعه بمكة، حتى مضت الجمل وصفين.

قال قبيصة بن جابر: سألوا معاوية: من ترى للأمر بعدك؟ قال: أمَّا كريمة قريش فسعيد بن العاص

، وذكر جماعة.

ابن سعد: حدثنا علي بن محمد، عن يزيد بن عياض، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: خطب سعيد بن العاص أمَّ كلثوم بنت علي بعد عمر، وبعث إليها بمائة ألف، فدخل عليها أخوها الحسين، وقال: لا تزوجيه. فقال الحسن: أنا أزوّجه، واتَّعدوا لذلك، فحضروا. فقال سعيد: وأين أبو عبد الله؟ فقال الحسن: سأكفيك. قال: فلعلَّ أبا عبد الله كره هذا، قال: نعم. قال: لا أدخل في شيء يكرهه. ورجع ولم يأخذ من المال شيئًا.

قال سعيد بن عبد العزيز الدمشقي: إنَّ عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص؛ لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن الواقدي: إن سعيدًا أصيب بمأمومة

(1)

يوم الدار، فكان إذا سمع الرعد غشي عليه.

وقال هشيم: قدم الزبير الكوفة وعليها سعيد بن العاص، فبعث إلى الزبير بسبع مائة ألف، فقبلها.

وقال صالح بن كيسان: كان سعيد بن العاص يخف بعض الخفة من المأمومة التي أصابته، وهو على ذلك من أوفر الرجال وأحلمه.

ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: كان مروان يسب عليًّا رضي الله عنه في الجمع، فعزل بسعيد بن العاص، فكان لا يسبه.

قال ابن عيينة: كان سعيد بن العاص إذا قصده سائل وليس عنده شيء، قال: اكتب عليّ سجلًا بمسألتك الميسرة.

(1)

مأمومة: أي شجّة بلغت أم الرأس.

ص: 446

وذكر عبد الأعلى بن حمَّاد: أنَّ سعيد بن العاص استسقى من بيت فسقوه، واتفق أن صاحب المنزل أراد بيعه لدَيْن عليه، فأدى عنه أربعة آلاف دينار. وقيل: إنه أطعم الناس في قحط حتى نفد ما في بيت المال، وادَّان، فعزله معاوية.

وقيل: مات وعليه ثمانون ألف دينار.

وعن سعيد، قال: القلوب تتغير، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحًا اليوم ذامًّا غدًا.

قال الزبير بن بكار: توفي سعيد بن العاص بقصره بالعرصة، على ثلاثة أميال من المدينة، وحُمِلَ إلى البقيع في سنة تسع وخمسين. كذا أرَّخه خليفة، وغيره.

وقال مسدد: مات مع أبي هريرة سنة سبع أو ثمان وخمسين. وقال أبو معشر: سنة ثمان.

وقيل: إن عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق سار بعد موت أبيه إلى معاوية، فباعه منزله وبستانه الذي بالعرصة بثلاث مائة ألف درهم. ويقال: بألف ألف درهم. قاله الزبير. وفي ذلك المكان يقول عمرو بن الوليد بن عقبة:

القصر ذو النخل والجمار

(1)

فوقهما

أشهى إلى النفس من أبواب جيرون

وقد كان سعيد بن العاص أحد من ندبه عثمان لكتابة المصحف؛ لفصاحته، وشبه لهجته بلهجة الرسول صلى الله عليه وسلم.

فأمَّا ابنه:

(1)

الجمار: شحم النخل. مفرده. جمارة.

ص: 447

‌310 - عمرو الأشدق

(1)

:

فمن سادة بني أمية، استخلفه عبد الملك بن مروان على دمشق لما سار ليملك العراق، فتوثَّب عمرو على دمشق، وبايعوه. فلمَّا توطدت العراق لعبد الملك، وقُتِلَ مصعب، رجع وحاصر عمرًا بدمشق، وأعطاه أمانًا مؤكدًا، فاغترَّ به عمرو، ثم بعد أيام غدر به وقتله، وخرجت أخته تندبه، وهي زوجة الوليد، فقالت:

أيا عين جودي بالدموع على عمرو

عشية تبتزُّ الخلافة بالغدر

غدرتم بعمرو يا بني خيط باطل

وكلكم يبنى البيوت على غدر

وما كان عمرو غافلًا غير أنه

أتته المنايا غفلة وهو لا يدري

كأنَّ بنى مروان إذ يقتلونه

خشاش

(2)

من الطير اجتمعن على صقر

لحى الله دنيا تعقب النار أهلها

وتهتك ما بين القرابة من ستر

ألا يا لقومى للوفاء وللغدر

وللمغلقين الباب قسرًا على عمرو

فرحنا وراح الشامتون عشية

كأن على أعناقهم فلق الصخر

وقد كان عمرو كتب إلى عبد الملك بهذه الأبيات:

يريد ابن مروان أمورًا أظنها

ستحمله منَّي على مركب صعب

أتنقض عهدًا كان مروان شده

وأكّد فيه بالقطيعة والكذب

فقدمه قبلي وقد كنت قبله

ولولا انقيادي كان كربًا من الكرب

وكان الذي أعطيت مروان هفوة

عنيت بها رأيًا وخطبًا من الخطب

فإن تنفذوا الأمر الذي كان بيننا

فنحن جميعًا في السهول وفي الرحب

وإن تعطها عبد العزيز ظلامة

فأولى بها منَّا ومنه بنو حرب

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2570"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 1308"، الكاشف "2/ ترجمة 4226"، الإصابة "3/ ترجمة 6848"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة 60"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5299".

(2)

الخشاش: قال الأصمعي: هي شرار الطير.

ص: 448

‌311 - الهرماس بن زياد بن مالك

(1)

: " د، ق"

أبو حدير الباهلي.

عداده في صغار الصحابة. رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بمنى على بعير.

عمَّر دهرًا.

حدَّث عنه: حنبل بن عبد الله، وعكرمة بن عمار. وقع لي حديثه عاليًا.

قال أبو عامر العقدي: حدثنا عكرمة بن عمار، عن الهرماس بن زياد، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر يخطب على ناقته العضباء.

قلت: أظنّ الهرماس بقي حيًّا إلى حدود سنة تسعين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 553"، التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2883"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 496"، أسد الغابة "5/ 393"، الكاشف "3/ ترجمة 6052"، وتجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 1350"، تهذيب التهذيب "11/ ترجمة 62"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7661".

ص: 448

‌312 - قدامة بن عبد الله

(1)

: " د، س، ق"

ابن عمار الكلابي العامري، عداده في صغار الصحابة الذين لهم رؤية، رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار. كنَّاه أبو العباس الدغولي: أبا عمران.

روى سفيان الثورى، وأبو داود الطيالسي، وأبو عاصم، وجماعة، عن أيمن بن نابل، عن قدامة بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على ناقة صهباء، لا ضرب ولا طرد، ولا جلد، ولا إليك إليك

(2)

.

كان قدامة يكون بنجد، عاش إلى بعد الثمانين.

وما علمت من يروي عنه سوى أيمن الحبشي المكي، والحديث: ففي "سنن النسائي"، و"الترمذي"، و"القزويني"، وفي "مسند الإمام"، ويقع لنا بالإجازة العالية.

(1)

ترجمته في التارخ الكبير "7/ ترجمة 795"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 724"، الاستيعاب "3/ 1379"، أسد الغابة "4/ 393"، الكاشف "2/ ترجمة 4629"، تجريد أسماء الصحابة "2/ 131"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة 647"، الإصابة "3/ ترجمة 7084"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5840".

(2)

حسن: أخرجه الترمذي "903"، والنسائي "5/ 270"، وابن ماجه "3035"، والدارمي "2/ 62"، وأحمد "3/ 412 - 413" من طرق عن أيمن بن نابل، به.

قلت: إسناده حسن، فيه أيمن بن نابل، صدوق -كما قال الحافظ في "التقريب".

ص: 449

‌313 - سفيان بن وهب

(1)

:

الصحابي، المعمر، أبو أيمن الخولاني، المصري.

حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث "مسند أحمد بن حنبل" و"بقي". وحدَّث عن: عمر، والزبير. وغزا المغرب زمن عثمان.

روى عنه: أبو عُشَّانة المعافري، وبكر بن سوادة، ويزيد بن أبي حبيب، والمغيرة بن زياد، وآخرون.

له أحاديث يسيرة. وقد طلبه صاحب مصر عبد العزيز بن مروان ليحدِّثه، فأتُي به محمولًا من الكبر.

عدَّه في الصحابة أحمد بن البرقي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وابن يونس، وغيرهم.

وأمَّا ابن سعد والبخاري فذكراه في التابعين، فالله أعلم.

وقد شهد حجة الوداع فيما قيل.

أرَّخ المسبحي وفاته: سنة إحدى وتسعين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 440"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2062"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 948"، أسد الغابة "2/ 410"، الإصابة "2/ ترجمة 3322".

ص: 450

‌314 - غضيف بن الحارث

(1)

: " د، س، ق"

ابن زنيم، أبو أسماء السكوني، الكندي، الشامي.

عداده في صغار الصحابة، وله رواية.

وروى أيضًا عن: عمر، وأبي عبيدة، وبلال، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وطائفة.

حدَّث عنه: ولده؛ عبد الرحمن، وحبيب بن عبيد، وعبد الرحمن بن عائذ، ومكحول، وعبادة بن نُسَيّ، وسليم بن عامر، وشرحبيل بن مسلم، وأبو راشد الحبراني، وآخرون.

سكن حمص.

خيثمة: حدثنا سليمان بن عبد الحميد، حدثنا العلاء بن يزيد الثمالي، حدثنا عيسى بن أبي رزين الثمالي، سمعت غضيف بن الحارث، قال: كنت صبيًّا أرمي نخل الأنصار، فأتوا بي النبي صلى الله عليه وسلم فمسح برأسي، وقال:"كل ما سقط، ولا ترم نخلهم"

(2)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 429 و 443"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 499"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 311"، الاستيعاب "3/ 1254"، أسد الغابة "4/ 340"، تجريد أسماء الصحابة "2/ 15"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة 459"، الإصابة "2/ ترجمة 6912"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5677".

(2)

ضعيف: فيه علتان؛ الأولى: العلاء بن يزيد الثمالي، مجهول، لذا فقد ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل""3/ 1/ 362".

والثانية: عيسى بن أبي رزين الثمالى، قال أبو زرعة: مجهول.

ص: 450

معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن غُضَيف بن الحارث الكندي: أنَّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم واضعًا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة

(1)

.

حمَّاد بن سلمة، عن برد أبي العلاء، عن عبادة بن نُسَيّ، عن غضيف بن الحارث: أنه مَرَّ بعمر، فقال: نعم الفتى غضيف، فلقيت أبا ذر بعد ذلك، فقال: يا أخي! استغفر لي. قلت: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت أحق أن تستغفر لي. قال: إني سمعت عمر يقول: نعم الفتى غضيف، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه"

(2)

. روى مكحول؛ عن غضيف، نحوه.

قال ابن أبي حاتم: له صحبة، قال أبي، وأبو زرعة: الصحيح أنه غضيف بن الحارث، وله صحبة. وقيل فيه: الحارث بن غضيف.

وقال ابن سعد: غضيف بن الحارث ثقة، في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام.

أبو اليمان، عن صفوان بن عمرو: أن غضيف بن الحارث كان يتولى لهم صلاة الجمعة إذا غاب خالد بن يزيد بن معاوية.

بقية، عن أبي بكر بن عبد الله، عن حبيب بن عبيد، عن غضيف، قال: بعث إلي عبد الملك، [فقال:] يا أبا أسماء! قد جمعنا الناس على أمرين: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر. قال غضيف: أما إنهما أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إليهما. قال: لِمَ؟ قال: لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحدث قوم بدعة إلّا رفع مثلها من السنة".

رواه أحمد في "المسند"

(3)

.

قال أبو الحسن بن سميع: غضيف بن الحارث الثمالي من الأزد، حمصيّ.

قلت: توفي في حدود سنة ثمانين.

(1)

حسن: أخرجه أحمد "4/ 105" و"5/ 290"، وفيه معاوية بن صالح، صدوق -كما قال الحافظ في "التقريب".

(2)

صحيح: ورد من حديث أبي ذر، وأبي هريرة، وابن عمر رضي الله عنهم، أمَّا حديث أبي ذر رضي الله عنه: فأخرجه أحمد "5/ 145" و"165 و 177"، وأبو داود "2962"، وابن ماجه "108" من طريق غضيف، عن أبي ذر، به. وأمَّا حديث أبي هريرة رضي الله عنه: فأخرجه أحمد "2/ 401"، وابن أبي شيبة "12/ 25"، وابن أبي عاصم في "السنة""1250"، والبزار "2501" من طريق الجهم بن أبي الجهم، عن المسْوَر بن مخرمة، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما: فأخرجه أحمد "2/ 53 و 95"، وفي "فضائل الصحابة""313"، وابن سعد في "الطبقات""2/ 335"، والترمذي "3682"، والطبراني في "الأوسط""291" من طريق نافع، عن ابن عمر مرفوعًا. وقد خرجت الحديث بنحو هذا في كتاب [منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية] الجزء السادس بتعليقنا رقم "46" فراجعه ثَمَّ إن شئت.

(3)

ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 105"، وفي إسناده علتان؛ الأولى: بقية، وهو ابن الوليد، مدلس، يدلس تدليس التسوية، وقد عنعنه. والثانية: أبو بكر بن عبد الله، وهو ابن أبي مريم، ضعيف.

ص: 451

‌315 - عبد الله بن جعفر

(1)

: " ع"

ابن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم. السيد، العالم، أبو جعفر القرشي، الهاشمي، الحبشي المولد، المدني الدار، الجواد ابن الجواد ذي الجناحين.

له صحبة، ورواية، عداده في صغار الصحابة.

استشهد أبوه يوم مؤتة، فكفله النبي صلى الله عليه وسلم، ونشأ في حجره.

وروى أيضًا عن عمه عليّ، وعن أمه؛ أسماء بنت عميس.

حدَّث عنه: أولاده؛ إسماعيل، وإسحاق، ومعاوية، وأبو جعفر الباقر، وسعد بن إبراهيم، والقاسم بن محمد، وابن أبي مليكة، والشعبي، وعروة، وعباس بن سهل بن سعد، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وآخرون.

وهو آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه من بني هاشم.

وله وفادة على معاوية، وعلى عبد الملك، وكان كبير الشأن، كريمًا جوادًا، يصلح للإمامة.

مهدي بن ميمون: حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر، قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فأسَرَّ إليَّ حديثا لا أحدِّث به أحدًا، فدخل حائطًا، فإذا جمل، فلمَّا رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه

(2)

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 11"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 96"، أسد الغابة "3/ 198"، تجريد أسماء الصحابة "1/ 3196"، الكاشف "2/ ترجمة 2692"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 294"، الإصابة "2/ ترجمة 4591"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 2425".

(2)

صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "11/ 493"، وأحمد "1/ 204"، ومسلم "342" و"2429"، وأبو داود "2549"، وابن ماجه "340"، والدارمي "663" و"755"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني""437"، وأبو يعلى "6787" و"6788"، وأبو عوانة "1/ 197"، والحاكم "2/ 99 - 100"، =

ص: 452

ضمرة بن ربيعة، عن علي بن أبي حملة، قال: وفد عبد الله بن جعفر على يزيد، فأمر له بألفي ألف.

قلت: ما ذاك بكثير، جائزة ملك الدنيا لمن هو أَوْلَى بالخلافة منه.

قال مصعب الزبيري: هاجر جعفر إلى الحبشة؛ فولدت له أسماء: عبد الله، وعونًا، ومحمدًا.

إسماعيل بن عياش، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنَّ عبد الله بن جعفر وابن الزبير بايعا النبي صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين، فلمَّا رآهما النبي صلى الله عليه وسلم تبسَّم وبسط يده وبايعهما.

محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم بعد ما أخبرهم بقتل جعفر بعد ثالثة، فقال:"لا تبكوا أخي بعد اليوم". ثم قال: "ائتوني بيني أخي". فجيء بنا كأننا أفرخ، فقال:"ادعوا لي الحلاق". فأمره فحلق رءوسنا، ثم قال:"أما محمد؛ فشبه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله؛ فشبه خَلْقِي وخُلُقي"، ثم أخذ بيدي فأشالها، ثم قال:"اللهم اخلف جعفرًا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقته". قال: فجاءت أمنا، فذكرت يتمنا، فقال:"العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة"؟ رواه أحمد في "مسنده"

(1)

.

وروى أيضًا لعاصم الأحول، عن مورق العجلي، عن عبد الله بن جعفر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقَّى بالصبيان من أهل بيته، وإنه قدم مرة من سفر، فسبق بي إليه، فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة، فأردفه خلفه، فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة

(2)

.

=والبيهقي في "السنن""1/ 94"، وفي "الدلائل""6/ 26 - 27" من طرق عن مهدي بن ميمون، عن محمد بن أبي يعقوب، به. وتمام الحديث: "

فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سراته وذفراه، فسكن، فقال:"من صاحب الجمل"؟ فجاء فتًى من الأنصار، فقال: هو لي يا رسول الله. فقال: "أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكَكَها الله، إنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتدئبه".

وقوله: "سراته": أي ظهره وأعلاه، و"ذفراه": أي مؤخر رأسه.

وقوله: تدئبه: أي تكده وتتعبه.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 204"، وابن سعد "4/ 36 - 37"، والنسائي في "الكبرى""8604" من طريق محمد بن أبي يعقوب، به.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "2428"، وأحمد "1/ 203".

ص: 453

فطر بن خليفة، عن أبيه، عن عمرو بن حريث، قال: مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن جعفر وهو يلعب بالتراب، فقال:"اللهم بارك له في تجارته"

(1)

.

قال الشعبي: كان ابن عمر إذا سلَّم على عبد الله بن جعفر، قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين

(2)

.

عن أبان بن تغلب، قال: ذكر لنا أنَّ عبد الله بن جعفر قَدِم على معاوية، وكانت له منه وفادة في كل سنة، يعطيه ألف ألف درهم، ويقضي له مائة حاجة.

قيل: إن أعرابيًّا قصد مروان، فقال: ما عندنا شيء، فعليك بعبد الله بن جعفر، فأتى الأعرابي عبد الله، فأنشأ يقول:

أبو جعفر من أهل بيت نبوة

صلاتهم للمسلمين طهور

أبا جعفر! ضن الأمير بماله

وأنت على ما في يدك أمير

أبا جعفر! يا ابن الشهيد الذي له

جناحان في أعلى الجنان يطير

أبا جعفر! ما مثلك اليوم أرتجي

فلا تتركني بالفلاوة أدور

فقال: يا أعرابي! سار الثقل، فعليك يالراحلة بما عليها، وإياك أن تخدع عن السيف، فإنى أخذته بألف دينار.

ويروى أن شاعرًا جاء إلى عبد الله بن جعفر، فأنشده:

رأيت أبا جعفر في المنام

كساني من الخز دراعه

شكوت إلى صاحبي أمرها

فقال: ستوتى بها الساعة

سيكسوكها الماجد الجعفري

ومن كفه الدهر نفاعه

ومن قال للجود: لا تعدني

فقال له: السمع والطاعة

فقال عبد الله لغلامه: أعطه جبتي الخز، ثم قال له: ويحك! كيف لم تر جبتى الوشى؟ اشتريتها بثلاث مائة دينار منسوجة بالذهب. فقال: أنام، فلعلي أراها. فضحك عبد الله، وقال: ادفعوها إليه.

قال أبو عبيدة: كان على قريش وأسد وكنانة يوم صفين عبد الله بن جعفر.

(1)

ضعيف: فيه خليفة المخزومي الكوفي، مولى عمرو بن حريث، والد فطر، لين الحديث.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "3709".

ص: 454

حماد بن يزيد: أخبرنا هشام، عن محمد، قال: مَرَّ عثمان بسبخة، فقال: لمن هذه؟ فقيل: اشتراها عبد الله بن جعفر بستين ألفًا، فقال: ما يسرني أنها لي بنعل. فجزَّأها عبد الله ثمانية أجزاء؛ وألقى فيها العمال، ثم قال عثمان لعلي: ألا تأخذ على يدي ابن أخيك، وتحجر عليه؟ اشترى سبخة بستين ألفًا. قال: فأقبلت. فركب عثمان يومًا فرآها، فبعث إليه، فقال: وَلِّنى جزأين منها. قال: أما والله دون أن ترسل إلى من سفَّهتني عندهم، فيطلبون إلي ذلك، فلا أفعل. ثم أرسل إليه: إنى قد فعلت. قال: والله لا أنقصك جزأين من مائة ألف وعشرين ألفًا. قال: قد أخذتها.

وعن العُمَريّ: أنَّ ابن جعفر أسلف الزبير ألف ألف، فلمَّا توفى الزبير، قال ابن الزبير لابن جعفر: إني وجدت في كتب الزبير أنَّ له عليك ألف ألف. قال: هو صادق، ثم لقيه بعد، فقال: يا أبا جعفر! وَهِمت؛ المال لك عليه. قال: فهو له. قال: لا أريد ذلك.

عن الأصمعي: أنَّ امرأة أتت بدجاجة مسموطة، فقالت لابن جعفر: بأبي أنت! هذه الدجاجة كانت مثل بنتي، فآليت أن لا أدفنها إلّا في أكرم موضع أقدر عليه؛ ولا والله ما في الأرض أكرم من بطنك. قال: خذوها منها، واحملوا إليها. فذكر أنواعًا من العطاء، حتى قالت: بأبي أنت! إن الله لا يحب المسرفين.

هشام، عن ابن سيرين: أن رجلًا جلب سكرًا إلى المدينة فكسد، فبلغ عبد الله بن جعفر، فأمر قهرمانه أن يشتريه وأن ينهبه الناس.

ذكر الزبير بن بكار، أنَّ عبيد الله بن أبي مليكة، عن أبيه، عن جده، قال: دخل ابن أبي عمار وهوم يومئذ فقيه أهل الحجاز على نخَّاس، فعرض عليه جارية، فعلق بها، وأخذه أمر عظيم، ولم يكن معه مقدار ثمنها، فمشى إليه عطاء، وطاوس، ومجاهد، يعذلونه، وبلغ خبره عبد الله، فاشتراها بأربعين ألفًا، وزيِّنَها، وحلَّاها، ثم طلب ابن أبي عمَّار، فقال: ما فعل حبك فلانة؟ قال: هي التي هام قلبي بذكرها، والنفس مشغولة بها. فقال: يا جارية، أخرجيها. فأخرجتها ترفل في الحليّ والحلل، فقال: شأنك بها، بارك الله لك فيها. فقال: لقد تفضلت بشيء ما يتفضل به إلّا الله. فلمَّا ولَّى بها قال: يا غلام! احمل معه مائة ألف درهم. فقال: لئن -والله- وعدنا نعيم الآخرة فقد عجَّلت نعيم الدنيا.

ولعبد الله بن جعفر أخبار في الجود والبذل.

وكان وافر الحشمة، كثير التنعم، وممن يستمع الغناء.

قال الواقدي ومصعب الزبيري: مات في سنة ثمانين.

وقال المدائني: توفي سنة أربع أو خمس وثمانين.

وقال أبو عبيد: سنة أربع وثمانين، ويقال: سنة تسعين.

ص: 455

‌316 - قَيْسُ بنُ عَائِذ

(1)

: " س، ق":

أبو كاهل الأحمسي.

عداده في صغار الصحابة، نزل الكوفة، وهو بكنيته أشهر.

رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته

(2)

.

حدَّث عنه: إسماعيل بن أبي خالد، وأبو معاذ رجل تابعي.

روى له أحمد، والنسائي، وابن ماجه.

بقي إلى حدود سنة ثمانين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 62"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 640"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 578"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 970"، الإصابة "4/ ترجمة 956".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 78 و 177 و 178 و 306"، وابن ماجه "1284" و"1285" من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن عائذ، به.

ص: 456

‌317 - حُجْرُ بنُ عَدِيّ

(1)

:

ابن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية الكندي، وهو جُحْر الخير، وأبوه عدي الأدبر. وكان قد طعن موليًا، فسُمِّيَ الأدبر، الكوفي، أبو عبد الرحمن الشهيد. له صحبة ووفادة.

قال غير واحد: وفد مع أخيه هانئ بن الأدبر، ولا رواية له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع من: عليّ، وعمَّار.

روى عنه: مولاه؛ أبو ليلى، وأبو البختري الطائي، وغيرهما.

وكان شريفًا، أميرًا مطاعًا، أمَّارًا بالمعروف، مقدمًا على الإنكار، من شيعة علي رضي الله عنهما، شهد صفين أميرًا، وكان ذا صلاح وتعبد.

قيل: كذَّب زياد بن أبيه متولي العراق وهو يخطب، وحصبه مرة أخرى، فكتب فيه إلى

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 217"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 258"، الجرح والتعديل "1189"، أسد الغابة "461"، الإصابة "1/ ترجمة 1629".

ص: 456

معاوية. فعسكر حُجْر في ثلاثة آلاف بالسلاح، وخرج عن الكوفة، ثم بدا له وقعد، فخاف زياد من ثورته ثانيًا، فبعث به في جماعة إلى معاوية.

قال ابن سعد: كان حُجْر جاهليًّا إسلاميًّا، شهد القادسية، وهو الذي افتتح مرج عذراء، وكان عطاؤه في ألفين وخمس مائة. ولما قدم زياد واليًا دعا به، فقال: تعلم أني أعرفك، وقد كنت أنا وأنت على ما علمت من حب عليّ، وإنه قد جاء غير ذلك، فأنشدك الله أن يقطر لي من دمك قطرة، فأستفرغه كله، أملك عليك لسانك، وليسعك منزلك، وهذا سريري فهو مجلسك، وحوائجك مقضية لدي، فاكفني نفسك، فإني أعرف عجلتك، فأنشدك الله يا أبا عبد الرحمن في نفسك، وإياك وهذه السفلة أن يستزلوك عن رأيك، فإنك لو هنت عليَّ، أو استخففت بحقك، لم أخصك بهذا. فقال: قد فهمت، وانصرف.

فأتته الشيعة، فقالوا: ما قال لك؟ فأخبرهم. قالوا: ما نصح، فأقام وفيه بعض الاعتراض، والشيعة تختلف إليه، ويقولون: إنك شيخنا وأحقّ من أنكر، وإذا أتى المسجد مشوا معه. فأرسل إليه خليفة زياد على الكوفة عمرو بن حريث -وزياد بالبصرة: ما هذه الجماعة؟ فقال للرسول: تنكرون ما أنتم فيه؟ إليك وراءك أوسع لك، فكتب عمرو إلى زياد: إن كانت له حاجة بالكوفة فعجِّل. فبادر، ونفذ إلى حُجْر عدي بن حاتم، وجرير بن عبد الله، وخالد بن عرفطة، ليعذروا إليه، وأن يكفَّ لسانه، فلم يجبهم، وجعل يقول: يا غلام! أعلف البكر. فقال عدي: أمجنون أنت؟ أكلمك بما أكلمك، وأنت تقول هذا؟! وقال لأصحابه: ما كنت أظن بلغ به الضعف إلى كل ما أرى. ونهضوا فأخبروا زيادًا، [فأخبروه ببعض، وخزَّنوا بعضًا]، وحسَّنوا أمره، وسألوا زيادًا الرفق به، فقال: لست إذًا لأبي سفيان، فأرسل إليه الشرط والبخارية، فقاتلهم بمن معه، ثم انفضّوا عنه، وأُتِيَ به إلى زياد وبأصحابه، فقال: ويلك! ما لك؟ قال: إني على بيعتي لمعاوية، فجمع زياد سبعين، فقال: اكتبوا شهادتكم على حُجْر وأصحابه، ثم أوفدهم على معاوية، وبعث بِحُجْر وأصحابه إليه، فبلغ عائشة الخبر، فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله أن يخلي سبيلهم. فقال معاوية: لا أحب أن أراهم، هاتوا كتاب زياد، فقرئ عليه، وجاء الشهود. فقال معاوية: اقتلوهم عند عذراء. فقال حُجْر: ما هذه القرية؟ قالوا: عذراء

(1)

. قال: أما -والله- إني لأوّل مسلم نَبَّحَ كلابها في سبيل الله، ثم أحضروا مصفودين

(2)

، ودفع

(1)

عذراء: قرية من قرى غوطة دمشق، تقع في الشمال الشرقي منها.

(2)

مصفودان: أي مكبلان ومقيدان.

ص: 457

كل رجل منهم إلى رجل فقتله. فقال حُجْر: يا قوم، دعوني أصلي ركعتين. فتركوه فتوضأ وصلى ركعتين، فطوَّل. فقيل له: طوّلت، أجزعت؟ فقال: ما صليت صلاة أخفَّ منها، ولئن جزعت لقد رأيت سيفًا مشهورًا، وكفنًا منشورًا، وقبرًا محفورًا، وكانت عشائرهم قد جاءوهم بالأكفان، وحفروا لهم القبور. ويقال: بل معاوية الذي فعل ذلك، وقال حُجْر: اللهمَّ إنا نستعديك على أمتنا، فإنَّ أهل العراق شهدوا علينا، وإن أهل الشام قلتونا. فقيل له: مُدّ عنقك. فقال: إنَّ ذلك لدم ما كنت لأعين عليه.

وقيل: بعث معاوية هدبة بن فَيَّاض فقتلهم، وكان أعور، فنظر إليه رجل منهم من خثعم، فقال: إن صدقت الطير قتل نصفنا، ونجا نصفنا. فلمَّا قتل سبعة، بعث معاوية برسول بإطلاقهم، فإذا قد قتل سبعة، ونجا ستة، وكانوا ثلاثة عشر.

وقدم ابن هشام برسالة عائشة، وقد قتلوا، فقال: يا أمير المؤمنين! أين عزب عنك حلم أبي سفيان؟ قال: غيبة مثلك عني -يعني: أنه ندم.

وقالت هند الأنصارية -وكانت شيعية؛ إذ بعث بحجر إلى معاوية:

ترفَّع أيها القمر المنير

ترفَّع هل ترى حجرًا يسير؟

يسير إلى معاوية بن حرب

ليقتله كما زعم الخبير

تجبَّرت الجبابر بعد حجر

فطاب لها الخَوَرْنق والسدير

(1)

وأصبحت البلاد له محولًا

كأن لم يحيها يومًا مطير

ألا يا حجر -حجر بني عدي-

تلقتك السلامة والسرور

أخاف عليك ما أردى عديًّا

وشيخًا في دمشق له زئير

فإن تهلك فكل عميد قوم

إلى هلك من الدنيا يصير

قال ابن عون، عن محمد، قال: لما أتي بحُجْر، قال: ادفنوني في ثيابي، فإني أبعث مخاصمًا.

وروى ابن عون، عن نافع، قال: كان ابن عمر في السوق، فنعي إليه حُجْر، فأطلق حبوته، وقام وقد غلب عليه النحيب.

هشام بن حسان، عن محمد، قال: لما أُتِيَ معاوية بحجر، قال: السلام عليك يا أمير

(1)

الخورنق: قصر كان بظهر الحيرة. والسدير: قريب منه.

ص: 458

المؤمنين! قال: أَوَأمير المؤمنين أنا؟ اضربوا عنقه، فصلى ركعتين، وقال لأهله: لا تطلقوا عني حديدًا، ولا تغسلوا عني دمًا، فإني ملاقٍ معاوية على الجادَّة.

وقيل: إن رسول معاوية عرض عليهم البراءة من رجل والتوبة، فأبى ذلك عشرة، وتبرَّأ عشرة، فلما انتهى القتل إلى حُجْر جعل يُرْعد.

وقيل: لما حج معاوية استأذن على عائشة، فقالت: أقتلت حُجْرًا؟ قال: وجدت في قتله صلاح الناس، وخفت من فسادهم.

وكان قتلهم في سنة إحدى وخمسين، ومشهدهم ظاهر بعذراء يزار.

وخلَّف حُجْر وَلَدَيْن: عبيد الله، وعبد الرحمن، قتلهما مصعب بن الزبير الأمير، وكانا يتشيّعان.

ص: 459

أما:

‌318 - حُجْرُ الشَّرِّ

(1)

:

فهو ابن عم لحجر الخير، وهو حُجْر بن يزيد بن سلمة بن مرة بن حجر بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين الكندي.

وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كان من شيعة علي، وشهد يوم الحكمين، ثم صار من أمراء معاوية، فولَّاه أرمينية. قاله: ابن سعد. ولا رواية لهذا أيضًا.

(1)

ترجمته في أسد الغابة "1/ 463"، والإصابة "1/ ترجمة 1631".

ص: 459

‌319 - أبو الطفيل

(1)

: " ع"

خاتم مَنْ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، واستمرَّ الحال على ذلك في عصر التابعين وتابعيهم وهلمَّ جرا، لا يقول آدمي: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نبغ بالهند بعد خمس مائة عام باب رتن، فادَّعى الصحبة، وآذى نفسه، وكذَّبه العلماء، فمن صدَّقه في دعواه، فبارك الله في عقله، ونحن نحمد الله على العافية.

واسم أبي الطفيل: عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو الليثي، الكناني، الحجازي، الشيعي.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 457" و"6/ 64"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة رقم 2947"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 1829" تاريخ بغداد "1/ 198"، أسد الغابة "3/ 145" و"6/ 179"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 135"، الإصابة "4/ ترجمة 676".

ص: 459

كان من شيعة الإمام عليّ. مولده: بعد الهجرة.

رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حجة الوداع، وهو يستلم الركن بمحجنه، ثم يقبل المحجن

(1)

.

وروى عن: أبي بكر، وعمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وعلي.

حدث عنه: حبيب بن أبي ثابت، والزهري، وأبو الزبير المكيّ، وعلي بن زيد بن جدعان، وعبد الله بن خثيم، ومعروف بن خربوذ، وسعيد الجريري، وفطر بن خليفة، وخلق سواهم.

قال معروف: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام شاب، يطوف بالبيت على راحلته يستلم الحجر بمحجنه.

وقال محمد بن سلام الجمحي، عن عبد الرحمن الهمداني، قال: دخل أبو الطفيل على معاوية، فقال: ما أبقى لك الدهر من ثكلك عليًّا؟ قال: ثكل العجوز المقلات

(2)

والشيخ الرقوب. قال: فكيف حبك له؟ قال: حب أم موسى لموسى، وإلى الله أشكو التقصير.

وروي عن أبي الطفيل، قال: أدركت من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين.

وقيل: إنه كان ينشد:

وخلَّفت سهمًا في الكنانة واحدًا

سيُرْمَى به أو يكسر السهم كاسره

وقيل: إن الطفيل كان حامل راية المختار لما ظهر بالعراق، وحارب قتلة الحسين.

وكان أبو الطفيل ثقة فيما ينقله، صادقًا عالمًا، شاعرًا فارسًا، عمَّر دهرًا طويلًا، وشهد مع علي حروبه.

قال خليفة: وأقام بمكة حتى مات سنة مائة، أو نحوها -كذا قال. ثم قال: ويقال: سنة سبع ومائة.

وقال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا مبارك، عن كثير بن أعين، قال: أخبرني أبو الطفيل بمكة سنة سبع ومائة.

وقال وهب بن جرير: سمعت أبي يقول: كنت بمكة سنة عشر ومائة، فرأيت جنازة، فسألت عنها، فقالوا: هذا أبو الطفيل.

قلت: هذا هو الصحيح من وفاته لثبوته، ويعضده ما قبله، ولو عمَّر أحد بعده كما عمَّر هو بعد النبي صلى الله عليه وسلم لعاش إلى سنة بضع ومائتين.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "1275".

(2)

المقلات: التي لم يبق لها ولد. والرقوب كذلك.

ص: 460

‌320 - أمُّ خَالِدٍ بنتُ خَالِد

(1)

: " خ، د، س"

ابن أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشية، الأموية، المكية، الحبشية المولد. اسمها: أمَة.

لها صحبة، وروت حديثين.

وتزوجها الزبير بن العوام، فولدت له عمرًا وخالدًا.

حدَّث عنها: سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، وموسى بن عقبة، وغيرهما.

وأظنَّها آخر الصحابيات وفاةً، بقيت إلى أيام سهل بن سعد.

الواقدي: حدَّثَني جعفر بن محمد بن خالد، عن أبي الأسود، عن أمّ خالد بنت خالد، قالت: سمعت النجاشيّ يقول يوم خرجنا لأصحاب السفينتين: أقرئوا جميعًا رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام. قالت: فكنت فيمن أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشي السلام

(2)

.

الطيالسي: حدثنا إسحاق بن سعيد، حدثني أبي، قال: حدثتني أم خالد بنت خالد، قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة، فقال:"مَن ترون أكسو هذه"؟. فسكتوا، فقال:"ائتوني بأم خالد". فأتي بي أحمل، فألبسنيها بيده، وقال:"أبلي وأخلقي". يقولها مرتين، وجعل ينظر إلى علم الخميصة أصفر وأحمر، فقال:"هذا سنا يا أم خالد، هذا سنا". ويشير بإصبعه إلى العلم. وسنا بالحبشية: حسن.

قال إسحاق: فحدثني امرأة من أهلي: أنها رأت الخميصة عند أم خالد.

(1)

ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 234"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 2369"، أسد الغابة "7/ 325"، الإصابة "4/ ترجمة 82".

(2)

ضعيف جدًّا: آفته الواقدي، وهو متروك، كما ذكرنا مرارًا.

ص: 461

‌321 - عمرو بن الزبير

(1)

:

يروي عن أبيه.

وفد على معاوية، وكان بينه وبين أخيه عبد الله بن الزبير شر وتقاطع.

وكان بديع الجمال، شديد العارضة، جريئًا، منيعًا.

كان يجلس، فيلقي عصاه بالبلاط، فلا يتخطَّاها أحد إلّا بإذنه، وله من الرقيق نحو المائتين.

قيل: كتب يزيد إلى نائبه عمرو بن سعيد: وجِّه جندًا لابن الزبير، فسأل: من أعدى الناس له؟ فقيل: أخوه. فتوجَّه عمرو في ألفٍ من الشاميين لقتال أخيه، فقال له جبير ابن شيبة: كان غيرك أَوْلَى بهذا؛ تسيِّر إلى حرم الله وأمنه، وإلى أخيك في سنِّه وفضله تجعله في جامعة، ما أرى الناس يدعونك وما تريد. قال: أقاتل من حال دون ذلك، ثم نزل داره عند الصفا، وراسل أخاه، فلَانَ ابنُ الزبير، وقال: إني لسامع مطيع، أنت عامل يزيد، وأنا أصلي خلفك، ما عندي خلاف، فأمَّا أن يجعل في عنقي جامعة وأقاد، فكلَّا، فراجع صاحبك، فبرز عبد الله بن صفوان عن عسكر، فالتقوا، فخذل الشاميون، وجيء بعمرو أسيرًا وقد جُرِح. فقال أخوه عبيدة بن الزبير: قد أجرته، قال عبد الله: أمَّا حقي فنعم، وأمَّا حق الناس فقصاص. ونصبه للناس، فجعل الرجل يأتي فيقول: نَتَفَ لحيتي، فيقول: انتف لحيته. وقال مصعب بن عبد الرحمن بن عوف: جلدني مائة جلدة، فجُلِدَ مائة فمات، فصلبه أخوه.

وقيل: بل مات من سحبهم إياه إلى السجن وصلب، فصلب الحجاج ابن الزبير في ذلك المكان.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 185".

ص: 462

‌322 - عَمْرو بنُ أَخْطَب

(1)

: " م، (4) "

أبو زيد الأنصاري الخزرجي، المدني، الأعرج.

من مشاهير الصحابة الذين نزلوا البصرة.

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه، وقال:"اللهم جَمِّله"، فبلغ مائة سنة وما ابيضَّ من شعره إلّا اليسير

(2)

.

وله بالبصرة مسجد يعرف به.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وغزا معه ثلاث عشرة غزوة.

حدث عنه: ابنه؛ بشير، ويزيد الرشك، وعلباء بن أحمر، وأبو قلابة الجرمي، وأنس بن سيرين، وجماعة.

حديثه في الكتب سوى "صحيح البخاري".

توفي في خلافة عبد الملك بن مروان.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 28"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2488"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 1215"، الاستيعاب "3/ 1162"، أسد الغابة "4/ 190"، الإصابة "2/ ترجمة 5759"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة 4"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة رقم 5252".

(2)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 61"، التاريخ الكبير "9/ ترجمة 541"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 2043"، أسد الغابة "1/ 67" و"6/ 214"، الإصابة "4/ ترجمة 763".

ص: 463

‌323 - أبو عَسِيب:

مولى النبي صلى الله عليه وسلم، مِمَّن نزل البصرة وطال عمره.

خرَّج له الإمام أحمد في "مسنده".

يقال: اسمه أحمر، وكان من الصلحاء العبَّاد.

حدَّث عنه: خازم بن القاسم، وأبو نصيرة مسلم بن عبيد، وميمونة بنت أبي عسيب، وقالت: كان أبي يواصل بين ثلاث في الصيام، ويصلي الضحى قائمًا، فعجز، فكان يصلي قاعدًا، ويصوم البيض. قالت: وكان في سريره جُلْجُل، فيعجز صوته، حتى يناديها به، فإذا حركه جاءت.

روى ذلك التبوذكي، عن مسلمة بنت زبان، سمعت ميمونة بذلك.

وقال خازم بن القاسم -فيما سمعه منه التبوذكي: رأيت أبا عسيب يصفِّر رأسه ولحيته.

وقال يزيد: أخبرنا أبو نصيرة: سمعت أبا عسب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل بالحمَّى والطاعون، فأمسكت الحمَّى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام"

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 81"، وابن سعد "7/ 61".

ص: 463

‌كبار التابعين:

‌324 - مروان بن الحكم

(1)

: " خ"

ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، الملك، أبو عبد الملك القرشي، الأموي.

وقيل: يكنَّى أبا القاسم، وأبا الحكم.

مولده بمكة، وهو أصغر من ابن الزبير بأربعة أشهر، وقيل: له رؤية، وذلك محتمل.

روى عن: عمر، وعثمان، وعلي، وزيد.

وعنه: سهل بن سعد -وهو أكبر منه، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وعروة، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله، ومجاهد بن جبر، وابنه؛ عبد الملك.

وكان كاتب ابن عمه عثمان، وإليه الخاتم، فخانه، وأجلبوا بسببه على عثمان، ثم نجا هو، وسار مع طلحة والزبير للطلب بدم عثمان، فقتل طلحة يوم الجمل، ونجا -لا نُجِّيَ، ثم ولي المدينة غير مرة لمعاوية.

وكان أبوه قد طرده النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، ثم أقدمه عثمان إلى المدينة؛ لأنه عمه. ولما هلك ولد يزيد؛ أقبل مروان وانضمَّ إليه بنو أمية وغيرهم، وحارب الضحاك الفهري فقتله، وأخذ دمشق، ثم مصر، ودعا بالخلافة.

وكان ذا شهامة، وشجاعة، ومكر، ودهاء، أحمر الوجه، قصيرًا؛ أوقص

(2)

، دقيق العنق، كبير الرأس واللحية، يلقَّب: خيط باطل.

قال الشافعي: لما انهزموا يوم الجمل، سأل علي عن مروان، وقال: يعطفني عليه رحم ماسّة، وهو مع ذلك سيد من شباب قريش.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 35"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1579"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1238"، الاستيعاب "3/ 1387"، أسد الغابة "5/ 144"، تجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 764"، الإصابة "3/ ترجمة 7914"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 166"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6923".

(2)

الأوقص: قصير العنق خلقة.

ص: 464

وقال قبيصة بن جابر: قلت لمعاوية: من ترى للأمر بعدك؟ فسمَّى رجالًا، ثم قال: وأما القارئ الفقيه الشديد في حدود الله، مروان.

قال أحمد: كان مروان يتتبَّع قضاء عمر.

وروى ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: كان مروان أميرًا علينا، فكان يسب رجلًا كل جمعة، ثم عزل بسعيد بن العاص، وكان سعيد لا يسبه، ثم أعيد مروان، فكان يسب، فقيل للحسن: ألا تسمع ما يقول؟ فجعل لا يرد شيئًا

، وساق حكاية.

قال عطاء بن السائب، عن أبي يحبى، قال: كنت بين الحسن والحسين ومروان، والحسين يُسَابُّ مروان، فهناه الحسن. فقال مروان: أنتم أهل بيت ملعونون، فقال الحسن: ويلك، قلت هذا! والله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه، وأنت في صلبه -يعني: قبل أن يسلم.

وأبو يحيى هذا: نخعيّ، لا أعرفه.

جعفر بن محمد، عن أبيه: كان الحسن والحسين يصليّان خلف مروان، ولا يعيدان.

العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلًا، اتخذوا مال الله دولًا، ودين الله دغلًا، وعباد الله خولًا.

جاء هذا مرفوعًا، لكن فيه عطية العوفي.

قلت: استولى مروان على الشام ومصر تسعة أشهر، ومات خنقًا من أول رمضان سنة خمس وستين.

قال مالك: تذكَّر مروان، فقال: قرأت كتاب الله من أربعين سنة، ثم أصبحت فيما أنا فيه من هرق الدماء وهذا الشأن؟!

قال ابن سعد: كانوا ينقمون على عثمان تقريب مروان وتصرفه. وقاتل يوم الجمل أشدَّ قتال، فلما رأى الهزيمة رمى طلحة بسهمٍ فقتله، وجُرِحَ يومئذ، فحُمِلَ إلى بيت امرأة، فداووه، واختفى، فأمَّنه علي، فبايعه، وردّ إلى المدينة. وكان يوم الحرة مع مسرف بن عقبة يحرِّضه على قتال أهل المدينة.

قال: وعقد لولديه؛ عبد الملك، وعبد العزيز بعده، وزهَّد الناس في خالد بن يزيد بن معاوية، ووضع منه، وسبَّه يومًا، وكان متزوجًا بأمه، فأضمرت له الشر، فنام فوثبت في جواريها، وغمَّته بوسادة، قعدن على جوانبها، فتلف وصرخن، وظنَّ أنه مات فجاءة.

وقيل: مات بالطاعون.

ص: 465

‌325 - مُحَمَّدٌ بنُ أبي حُذَيْفَة

(1)

:

هو الأمير، أبو القاسم العبشمي، أحد الأشراف، وُلِدَ لأبيه لما هاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة، وله رؤية. ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان هذا ابن إحدى عشرة سنة، أو أكثر.

وكان أبوه من السابقين الأولين البدريين، وكان جده عتبة بن ربيعة سيد المشركين وكبيرهم، فقُتِلَ يوم بدر، واستُشْهِدَ أبو حذيفة يوم اليمامة، فنشأ محمد في حِجْر عثمان.

وأمه: هي سهلة بنت سهيل العامرية، وتربَّى في حشمة وبأوٍ، ثم كان ممن قام على عثمان، واستولى على إمرة مصر.

روى عنه: عبد الملك بن مليل البلوي.

قال ابن يونس: وانبرى بمصر محمد بن أبي حذيفة على متوليها عقبة بن مالك، استعمله عبد الله بن أبي سرح لما وفد إلى عثمان، فأخرج عقبة عن الفسطاط، وخلع عثمان.

وكان يسمَّى: مشئوم قريش.

وذكره شباب في تسمية عمَّال علي رضي الله عنه على مصر، فقال: ولَّى محمدًا، ثم عزله بقيس بن سعد.

ابن المبارك: حدثنا حرملة بن عمران، حدثني عبد العزيز بن عبد الملك بن مليل، حدثني أبي، قال: كنت مع عقبة بن عامر جالسًا بقرب المنبر يوم الجمعة، فخرج محمد بن أبي حذيفة، فاستوى على المنبر، فخطب، وقرأ سورة -وكان من أقرأ الناس، فقال عقبة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليقرأنَّ القرآن رجال لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدِّين كما يمرق السهم من الرمية"، فسمعها محمد بن أبي حذيفة، فقال: والله لئن كنت صادقًا -وإنك ما علمت لكذوب- إنك لمنهم

(2)

.

قال ابن المبارك: حمل هذا الحديث أنهم يُجَمَّعون معهم، ويقولون لهم هذه المقالة.

(1)

ترجمته في أسد الغابة "5/ 87"، الإصابة "3/ ترجمة 7767".

(2)

ضعيف: في إسناده عبد الملك بن مليل، مجهول، لذا فقد ذكره البخاري في "تاريخه" 3/ 1/ 432"، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. والخبر رواه أحمد في "المسند" "4/ 145" من طريق علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك، به.

ص: 466

ابن عون، عن ابن سيرين: أن محمد بن أبي حذيفة بن عتبة وكعبًا رَكِبَا سفينة، فقال محمد: يا كعب! أما تجد سفينتنا هذه في التوراة كيف تجري؟ قال: لا، ولكن أجد فيها رجلًا أشقى الفتية من قريش، ينزو في الفتنة نزو الحمار، لا تكون أنت هو.

ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: انطلق ابن أبي حذيفة مع معاوية، حتى دخل بهم الشام، ففرقهم نصفين، فسجن ابن أبي حذيفة وجماعة دمشق، وسجن ابن عديس وجماعة ببعلبك.

وقال ابن يونس: قتل ابن أبي حذيفة بفلسطين، سنة ست وثلاثين، وكان ممن أخرجه معاوية من مصر.

قلت: عامَّة من سعى في دم عثمان قتلوا، وعسى القتل خيرًا لهم وتمحيصًا.

ص: 467

‌326 - محمد بن أبي بكر الصديق

(1)

:

ولدته أسماء بنت عميس في حَجَّة الوداع، وقت الإحرام.

وكان قد ولَّاه عثمان إمرة مصر، كما هو مبيَّن في سيرة عثمان، ثم سار لحصار عثمان، وفعل أمرًا كبيرًا، فكان أحد من توثَّب على عثمان حتى قُتِلَ، ثم انضمَّ إلى علي، فكان من أمرائه، فسيّره على إمرة مصر، سنة سبع وثلاثين في رمضانها، فالتقى هو وعسكر معاوية، فانهزم جمع محمد، واختفى هو في بيت مصرية، فدلّت عليه. فقال: احفظوني في أبي بكر. فقال معاوية بن حديج: قتلت ثمانين من قومي في دم الشهيد عثمان، وأتركك وأنت صاحبه! فقتله ودسَّه في بطن حمار ميت، وأحرقه.

وقال عمرو بن دينار: أُتِيَ بمحمد أسيرًا إلى عمرو بن العاص، فقلته -يعني: بعثمان.

قلت: أرسل عنه: ابنه؛ القاسم بن محمد الفقيه.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 369"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 1632"، الاستيعاب "3/ 1366"، أسد الغابة "4/ 3210"، الكاشف "3/ ترجمة 4819"، الإصابة "3/ ترجمة 8294"، تهذيب التهذيب "9/ ترجمة 101"، خلاصة الخزرجي "2/ 6089".

ص: 467

‌327 - عبد الله بن أبي طلحة

(1)

:

زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري، أخو أنس بن مالك لأمه.

وُلِدَ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنَّكه

(2)

.

وهو الذي حملت به أم سليم ليلة مات ولدها، فكتمت أبا طلحة موته حتى تعشَّى، وتصنَّعت له رضي الله عنهما حتى أتاها، وحملت بهذا، فأصبح أبو طلحة غاديًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:"أعرستم الليلة؟ بارك الله لكم في ليلتكم"

(3)

.

ويقال: ذاك الصبي الميت هو أبو عمير صاحب النغير

(4)

.

فنشأ عبد الله، وقرأ العلم، وجاءه عشرة أولاد قرءوا القرآن، وروى أكثرهم العلم، منهم: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة -شيخ مالك، وعبد الله بن عبد الله.

حدَّث عنه: ابناه هذان، وأبو طوالة، وسليمان مولى الحسن بن علي، وغيرهم.

وهو قليل الحديث، يروي عن أبيه، وعن أخيه؛ أنس بن مالك.

ومات قبل أنس بمدَّة ليست بكثيرة.

روى له مسلم، والنسائي.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 74"، التاريخ الكبير "5/ 262"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 267"، الاستيعاب "3/ 929"، أسد الغابة "3/ 284"، الكاشف "2/ ترجمة رقم 2819"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 337"، الإصابة "2/ ترجمة 6178"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 461"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3579".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "5470"، ومسلم "2144" من حديث أنس بن مالك قال: ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وُلِدَ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيرًا له -أي: يطله بالقطران- فقال: هل معك تمر؟ فقلت: نعم. فناولته تمرات فألقاهنَّ في فيه فلاكهنَّ، ثم فغر فاه الصبيّ فمَجَّه في فيه، فجعل الصبيّ يتلمَّظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حب الأنصار التمر"، وسماه عبد الله.

(3)

صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 433"، وأحمد "3/ 106"، والبخاري "5470"، ومسلم "2144""23" من طريق محمد بن سيرين، وأنس بن سيرين، كلاهما عن أنس به.

(4)

فقد ورد عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير -قال: أحسبه فطيمًا- وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ نغر كان يلعب به، فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح، ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا".

أخرجه أحمد "3/ 212"، والبخاري "6203"، ومسلم "659" و"2150"، والبيهقي "5/ 203" من طريق أبي التياح، عن أنس بن مالك، به.

ص: 468

‌328 - عبد الرحمن بن الحارث بن هشام

(1)

: " خ، (4) "

ابن المغيرة بن عبد الله، أبو محمد، من أشراف بني مخزوم.

كان أبوه من الطلقاء، وممن حسن إسلامه، ولا صحبه لعبد الرحمن، بل له رؤية، وتلك صحبة مقيدة.

وروى عن أبيه، وعمر، وعثمان، وعلي، وأم المؤمنين حفصة، وطائفة.

وعنه: ابنه؛ الإمام أبو بكر بن عبد الرحمن -أحد الفقهاء السبعة، والشعبي، وأبو قلابة، وهشام بن عمرو الفزاري، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وآخرون.

وقد أرسلته عائشة إلى معاوية يكلمه في حُجْر بن الأدبر، فوجده قد قتله، وفرط الأمر.

قال ابن سعد: كانت عائشة تقول: لأن أكون قعدت عن مسيري إلى البصرة أحبّ إليَّ من أن يكون لي عشرة أولاد من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عبد الرحمن بن الحارث.

قلت: هو ابن أخت أبي جهل، وكان من نبلاء الرجال.

توفي قبل معاوية، ومات أبوه زمن عمر.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 5"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 880"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1054"، الاستيعاب "2/ 827"، أسد الغابة "3/ 431"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3651"، الكاشف "2/ ترجمة 3207"، الإصابة "2/ ترجمة 5100" و"3/ ترجمة 6199"، تهذيب التهذيب "6/ ترجمة 318"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4059".

ص: 469

‌329 - محمود بن لبيد

(1)

: " م، (4) "

ابن عقبة بن رافع، أبو نعيم الأنصاري، الأوسي، الأشهلي، المدني.

ولد بالمدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أحاديث يرسلها.

وروى عن: عمر، وعثمان، وقتادة بن النعمان، ورافع بن خديج.

حدَّث عنه: بكير بن الأشج، ومحمد بن إبراهيم التيمي، والزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وآخرون.

وفي أبيه نزلت آية الرخصة، فيمَن لا يستطيع الصوم.

قال البخاري: له صحبة.

وقال ابن عبد البر: هو أسنّ من محمود بن الربيع.

قلت: توفي ابن لبيد في سنة سبع وتسعين. ويقال: في سنة ست.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 77"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1762"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1329"، الاستيعاب "3/ 1378"، أسد الغابة "5/ 117"، تجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 687"، الإصابة "3/ ترجمة 7821"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 110"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6887".

ص: 469

330 -

هاشم بن عُتبة

(1)

:

ابن أبي وقاص الزهري. ويعرف: بالمرقال.

من أمراء عليّ يوم صفين. وُلِدَ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد يوم اليرموك؛ فذهبت عينه يومئذ، وشهد فتوح دمشق. وكان معه راية الإمام علي يوم صفين، فقُتِلَ يومئذ. وكان موصوفًا بالشجاعة والإقدام -رحمه الله تعالى.

وبعضهم عدَّه في الصحابة باعتبار إدراك زمن النبوة.

(1)

ترجمته في أسد الغابة "5/ 377"، الإصابة "3/ ترجمة 8912".

ص: 470

‌331 - طارق بن شهاب

(1)

: " ع"

ابن عبد شمس بن سلمة الأحمسي البجلي، الكوفي.

رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وغزا في خلافة أبي بكر غير مرة، وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وبلال، وخالد بن الوليد، وابن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وعدة.

حدَّث عنه: قيس بن مسلم، وسماك بن حرب، وعلقمة بن مرثد، وسليمان بن ميسرة، وإسماعيل بن أبي خالد، ومخارق بن عبد الله، وطائفة.

قال قيس بن مسلم: سمعته يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغزوت في خلافة أبي بكر وعمر بضعًا وثلاثين -أو قال: بضعًا وأربعين، من بين غزوة وسرية

(2)

.

قلت: ومع كثرة جهاده كان معدودًا من العلماء.

مات في سنة ثلاث وثمانين، وقيل: بل توفي سنة اثنتين وثمانين.

فأمَّا ما رواه أحمد بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين؛ من أنه مات في سنة ثلاث وعشرين ومائة، فخطأ بَيِّن، أو سبقُ قَلَمٍ.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 3114"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 2128"، أسد الغابة "3/ 70"، الإصابة "2/ ترجمة 4226".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 314 - 315"، والطبراني "8205" من طريق شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، به.

ص: 471

‌332 - عبد الله بن شداد

(1)

: " ع"

ابن الهاد الليثي، الفقيه، أبو الوليد المدني، ثم الكوفي.

وأمّه هي سلمى أخت أسماء بنت عميس، وكانت سلمى تحت حمزة رضي الله عنه، فلمَّا استُشْهِدَ تزوَّجها شداد رضي الله عنه، فولدت له عبد الله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

حدَّث عن أبيه، ومعاذ بن جبل، وعلي، وابن مسعود، وطلحة بن عبيد الله، وعائشة، وأم سلمة، وجماعة.

حدَّث عنه: الحكم بن عتيبة، ومنصور بن المعتمر، وعبد الله بن شبرمة، وأبو إسحاق الشيباني، وسعد بن إبراهيم، وذر الهمداني، ومعاوية بن عمَّار الدهني، وآخرون.

عدَّه خليفة في تابعي أهل الكوفة.

وقال ابن سعد: في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، روى عن: عمر، وعلي، وكان ثقة، قليل الحديث، شيعيًّا.

قال محمد بن عمر: كان يأتي الكوفة كثيرًا، فنزله وخرج مع ابن الأشعث، فقتل ليلة دجيل، سنة اثنتين وثمانين.

قال عطاء بن السائب: سمعت عبد الله بن شداد يقول: وددت أني قمت على المنبر من غدوة إلى الظهر، فأذكر فضائل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ثم أنزل، فيُضرَب عنقي.

قلت: هذا غلوّ وإسراف. سمعها خالد الطحان من عطاء.

حديث عبد الله مخرَّج في الكتب الستة، ولا نزاع في ثقته.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 61" و"6/ 126"، التاريخ الكبير "5/ ترجمته 342"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 373"، تاريخ بغداد "9/ 473"، الاستيعاب "3/ 926"، أسد الغابة "3/ 275" الكاشف "2/ ترجمة 2804"، الإصابة "3/ ترجمة 6176"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 441"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3560".

ص: 471

‌333 - كَعْب الأَحْبَار

(1)

: " د، ت، س"

هو كعب بن ماتع الحميري، اليماني، العلَّامة، الحَبْر، الذي كان يهوديًّا فأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر رضي الله عنه، فجالس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عن الصحابة، وكان حسن الإسلام، متين الديانة، من نبلاء العلماء.

حدَّث عن عمر، وصهيب، وغير واحد.

حدَّث عنه: أبو هريرة، ومعاوية، وابن عباس، وذلك من قبيل رواية الصحابي عن التابعي، وهو نادر عزيز.

وحدَّث عنه أيضًا: أسلم مولى عمر، وتبيع الحميري ابن امرأة كعب، وأبو سلّام الأسود، وروى عنه: عدة من التابعين؛ كعطاء بن يسار، وغيره، مرسلًا.

وكان خبيرًا بكتب اليهود، له ذوق في معرفة صحيحها من باطلها في الجملة.

وقع له رواية في "سنن أبي داود"، و"الترمذي"، و"النسائي".

سكن بالشام بأخرة، وكان يغزو مع الصحابة.

روى خالد بن معدان، عن كعب الأحبار، قال: لأن أبكي من خشية أحبّ إليَّ من أن أتصدق بوزني ذهبًا.

توفي كعب بحمص ذاهبًا للغزو في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه، فلقد كان من أوعية العلم.

وممن روى عنه: أبو الرباب مطرف بن مالك القشيري -أحد من شهد فتح تستر.

فروى محمد بن سيرين، عن أبي الرباب، قال: دخلنا على أبي الدرداء رضي الله عنه نعوده، وهو يومئذ أمير، وكنت أحد خمسة ولوا قبض السوس، فأتاني رجل بكتاب،

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 445"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 962"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 906"، حلية الأولياء "5/ 364 - 391" و"6/ 3 - 47"، أسد الغابة "4/ 487"، الكاشف "3/ ترجمة 4733"، تجريد أسماء الصحابة "2/ 355"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة 793"، الإصابة "3/ ترجمة 7496"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5964".

ص: 472

فقال: بيعونيه، فإنه كتاب الله، أحسن أقرؤه ولا تحسنون، فنزعنا دفَّتيه، فأخذه بدرهمين. فلمَّا كان بعد ذلك خرجنا إلى الشام، وصحبنا شيخ على حمار، بين يديه مصحف يقرؤه، ويبكي، فقلت: ما أشبه هذا المصحف بمصحف شأنه كذا وكذا. فقال: إنه هو. قلت: فأين تريد؟ قال: أرسل إلى كعب الأحبار عام أوّل، فأتيته، ثم أرسل إلي، فهذا وجهي إليه. قلت: فأنا معك. فانطقلنا حتى قدمنا الشام، فقعدنا عند كعب، فجاء عشرون من اليهود، فيهم شيخ كبير يرفع حاجبيه بحريرة، فقالوا: أوسعوا أوسعوا. فأوسعوا، وركبنا أعناقهم، فتكلَّموا. فقال كعب: يا نعيم! أتجيب هؤلاء، أو أجيبهم؟ قال: دعوني حتى أفقِّه هؤلاء ما قالوا، إن هؤلاء أثنوا على أهل ملتنا خيرًا، ثم قلبوا ألسنتهم، فزعموا أنَّا بعنا الآخرة بالدنيا، هلمَّ فلنواثقكم، فإن جئتم بأهدى مما نحن عليه اتبعناكم، وإلا قاتبعونا إن جئنا بأهدى منه. قال: فتواثقوا. فقال كعب: أرسل إليّ ذلك المصحف، فجيء به، فقال: أترضون أن يكون هذا بيننا؟ قالوا: نعم، لا يحسن أحد أن يكتب مثله اليوم. فدفع إلى شاب منهم، فقرأ كأسرع قارئ، فلمَّا بلغ إلى مكان منه، نظر إلى أصحابه كالرجل يؤذن صاحبه بالشيء، ثم جمع يديه، فقال: يه. فنبذه. فقال كعب: آه. وأخذه فوضعه في حجره، فقرأ، فأتى على آية منه فخروا سجدًا، وبقي الشيخ يبكي. قيل: ما يبكيك؟ قال: وما لي لا أبكي، رجل عمل في الضلالة كذا وكذا سنة، ولم أعرف الإسلام حتى كان اليوم.

وقال همام: حدثنا قتادة، عن زرارة، عن مطرف بن مالك، قال: أصبنا دانيال بالسوس في لحد من صفر، وكان أهل السوس إذا أسنتوا استخرجوه فاستسقوا به؛ وأصبنا معه ربطتين من كتان، وستين جرة مختومة، ففتحنا واحدة فإذا فيها عشرة آلاف، وأصبنا معه ربعة فيها كتاب، وكان معنا أجير نصراني يقال له: نعيم، فاشتراها بدرهمين.

ثم قال قتادة: وحدَّثني أبو حسان: إنَّ أول من وقع عليه حرقوص، فأعطاه أبو موسى الربطتين، ومائتي درهم، ثم إنه طلب أن يرد علي الربطتين، فأبى، فشققها عمائم، وكتب أبو موسى في ذلك إلى عمر؛ فكتب إليه: إن نبي الله دعا أن لا يرثه إلّا المسلمون، فصلّ عليه وادفنه.

قال همام بن يحيى: وحدثنا فرقد، حدثنا أبو تميمة: إن كتاب عمر جاء أن اغسله بالسدر وماء الريحان.

ثم رجع إلى حديث مطرف بن مالك، قال: فبدا لي أن آتي بيت المقدس، فبينا أنا في الطريق، إذا أنا براكب شبهته بذلك الأجير النصراني، فقلت: نعم؟ قال: نعم. قلت: ما

ص: 473

فعلت بنصرانيتك؟ قال: تحنَّفت بعدك، ثم أتينا دمشق، فلقيت كعبًا، فقال: إذا أتيتم بيت المقدس فاجعلوا الصخرة بينكم وبين القبلة، ثم انطلقنا ثلاثتنا حتى أتينا أبا الدرداء، فقالت أم الدرداء لكعب: ألَا تعدني على أخيك؟ يقوم الليل ويصوم النهار. قال: فجعل لها من كل ثلاث ليالٍ ليلة. ثم أتينا بيت المقدس، فسمعت يهود بنعيم وكعب، فاجتمعوا، فقال كعب: هذا كتاب قديم وإنه بلُغَتِكم فاقرءوه. فقرأه قارئهم حتى أتى على ذلك المكان: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]. فأسلم منهم اثنان وأربعون حبرًا، ففرض لهم معاوية وأعطاهم.

ثم قال همام: وحدَّثني بسطام بن مسلم، حدثنا معاوية بن قرة، أنهم تذاكروا ذلك الكتاب، فمَرَّ بهم شهر بن حوشب، فقال: على الخبير سقطتم؛ إن كعبًا لما احتضر قال: ألَا رجل أأتمنه على أمانة؟ فقال رجل: أنا. فدفع إليه ذلك الكتاب، وقال: اركب البحيرة، فإذا بلغت مكان كذا وكذا، فاقذفه. فخرج من عند كعب، فقال: كتاب فيه علم، ويموت كعب لا أفرِّط به. فأتى كعبًا، وقال: فعلت ما أمرتني به. قال: فما رأيت؟ قال: لم أر شيئًا، فعلم كذبه، فلم يزل يناشده ويطلب إليه حتى ردَّه عليه، فقال: ألَا من يؤدي أمانة؟ قال رجل: أنا. فركب سفينة، فلمَّا أتى ذلك المكان ذهب ليقذفه، فانفرج له البحر، حتى رأى الأرض، فقذفه وأتاه، فأخبره، فقال كعب: إنها التوراة كما أنزلها الله على موسى، ما غيّرت ولا بدَّلت، ولكن خشيت أن يتَّكل على ما فيها، ولكن قولوا: لا إله إلا الله، ولقِّنوها موتاكم.

هكذا رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه"، عن هدبه، عن همَّام. وشهر لم يلحق كعبًا.

وهذا القول من كعب دالٌّ على أن تيك النسخة ما غيرت ولا بدلت، وأنَّ ما عداها بخلاف ذلك. فمن الذي يستحل أن يورد اليوم من التوراة شيئًا على وجه الاحتجاج معتقدًا أنها التوراة المنزَّلة؟ كلَّا والله.

ص: 474

‌334 - زياد بن أبيه

(1)

:

وهو زيد بن عبيد الثقفي، وهو زياد ابن سمية، وهي أمه، وهو زياد بن أبي سفيان الذي استلحقه معاوية بأنه أخوه.

كانت سمية مولاة للحارث بن كَلَدة الثقفيّ طبيب العرب.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 99"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1201"، أسد الغابة "2/ 271"، الإصابة "1/ ترجمة 2987".

ص: 474

يكنَّى أبا المغيرة.

له إدراك، وُلِدَ عام الهجرة، وأسلم زمن الصديق وهو مراهق. وهو أخو أبي بكرة الثقفي الصحابي لأمه. ثم كان كاتبًا لأبي موسى الأشعري زمن إمرته على البصرة.

سمع من عمر، وغيره.

روى عنه: ابن سيرين، وعبد الله بن عمير، وجماعة.

وكان من نبلاء الرجال رأيًا وعقلًا، وحزمًا ودهاءً وفطنة، كان يُضْرَب به المثل في النبل والسؤدد.

وكان كاتبًا بليغًا. كتب أيضًا للمغيرة، ولابن عباس، وناب عنه بالبصرة.

يقال: إن أبا سفيان أتى الطائف، فسكر فطلب بغيًا، فواقع سمية، وكانت مزوَّجة بعبيد، فولدت من جماعة زيادًا. فلمَّا رآه معاوية من أفراد الدهر، استعطفه وادعاه، وقال: نزل من ظهر أبي.

ولما مات علي كان زياد نائبًا له على إقليم فارس.

قال ابن سيرين: قال زياد لأبي بكرة: ألم تر أمير المؤمنين يريدني على كذا وكذا، وقد ولدت على فراش عبيد، وأشبهته؟ وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من ادَّعى إلى غير أبيه فليتبوأ مقعده من النار"

(2)

، ثم أتى في العام المقبل، وقد ادَّعاه.

(2)

صحيح بغير هذا اللفظ: أخرجه البخاري "6766" و"6767"، والبيهقي "7/ 403" من طريق مسدد، حدثنا خالد -وهو ابن عبد الله، حدثنا خالد، عن أبي عثمان، عن سعد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من ادَّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام" فذكرته لأبي بكرة فقال: وأنا سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه أحمد "5/ 46"، ومسلم "63""114"، والبيهقي "7/ 403" من طرق عن هشيم بن بشير أخبرنا خالد، عن أبي عثمان قال: لما ادَّعى زياد، لقيت أبا بكرة فقلت له: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمع أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "من ادعى أبًا في الإسلام غير أبيه، يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام" فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه الطيالسي "199"، وأحمد "1/ 174 و 179" و"5/ 38"، والبخاري "4326" و"4327" ومسلم "63""115"، وأبو داود "5113"، وابن ماجه "2610"، والدارمي "2/ 244 و 343"، وأبو عوانة "1/ 28 و 29"، والبغوي "2376" من طرق عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان، عن سعد وأبي بكرة، كلاهما يقول: سمعته أذناي، ووعاه قلبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول:"من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام".

ص: 475

قال الشعبي: ما رأيت أحدًا أخطب من زياد.

وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحدًا أخصب ناديًا، ولا أكرم جليسًا، ولا أشبه سريرة بعلانية من زياد.

وقال أبو إسحاق السبيعي: ما رأيت أحدًا قط خيرًا من زياد.

قال ابن حزم في كتاب "الفصل": لقد امتنع زياد وهو فقعة

(1)

القاع، لا نسب له ولا سابقة، فما أطاقه معاوية إلّا بالمداراة، ثم استرضاه، وولَّاه.

قال أبو الشعثاء: كان زياد أفتك من الحجَّاج لمن يخالف هواه.

وقال ابن شوذب: بلغ ابن عمر أنَّ زيادًا كتب إلى معاوية: إني قد ضبط العراق بيميني، وشمالي فارغة، وسأله أن يوليه الحجاز، فقال ابن عمر: اللهمَّ إنك إن تجعل في القتل كفَّارة، فموتًا لابن سمية لا قتلًا. فخرج في أصبعه طاعون، فمات.

قال الحسن البصري: بلغ الحسن بن علي أن زيادًا يتتبَّع شيعة علي بالبصرة فيقتلهم، فدعا عليه.

وقيل: إنه جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من أبي الحسن، فأصابه حينئذ طاعون في سنة ثلاث وخمسين.

وله أخبار طويلة. ولي المصرين؛ فكان يشتو بالبصرة، ويصيّف بالكوفة.

داود، عن الشعبي: أتى زياد في ميت ترك عمةً وخالةً، فقال: قضى فيها عمر أن جعل الخالة بمنزلة الأخت، والعمَّة بمنزلة الأخ، فأعطاهما المال.

(1)

الفِقَعَة: جمع فِقْع: وهو ضرب من أردأ الكمأة، قاله ابن الأثير. وقال أبو حنيفة: الفقع: يطلع من الأرض فيظهر أبيض وهو رديء، الجيد ما حفر عنه واستخرج. والجمع أفقع وفقوع وفقعة. ويشبه به الرجل الذليل فيقال: هو فَقْعٌ قَرْقَر. ويقال أيضًا: أذلّ من فقع بقرقر؛ لأن الدوابَّ تنجله بأرجلها.

ص: 476

‌335 - صلة بن أشيم

(1)

:

الزاهد، العابد، القدوة، أبو الصهباء العدوي، البصري، زوج العالمة معاذة العدوية.

ما علمته روى سوى حديث واحد عن ابن عباس.

حدَّث عنه: أهله؛ معاذة، والحسن، وحميد بن هلال، وثابت البناني، وغيرهم.

ابن المبارك في "الزهد": عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يكون في أمتي رجل يقال له: صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا"

(2)

.

هذا حديث معضل.

جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك، عن معاذ، قالت: كان أبو الصهباء يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي فراشه إلّا زحفًا

(3)

.

وقالت معاذة: كان أصحابه -تعني: صلة- إذا التقوا عانق بعضهم بعضًا.

وقال ثابت: جاء رجل إلى صلة بنعي أخيه، فقال له: ادن، فكل، فقد نعي إلي أخي منذ حين، قال تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30].

وقال حمَّاد بن سلمة: أخبرنا ثابت: أنَّ صلة كان في الغزو ومعه ابنه، فقال: أي بني! تقدَّم، فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل حتى قُتِلَ، ثم تقدَّم صلة فقتل، فاجتمع النساء عند امرأته معاذة، فقالت: مرحبًا إن كنتنَّ جئتنَّ لتهنِّئنَّنِي، وإن كنتنَّ جئتنَّ لغير ذلك فارجعنَ.

جرير بن حازم، عن حميد بن هلال، عن صلة، قال: خرجنا في قرية وأنا على دابتي في زمان فيوض الماء، فأنا أسير على مسناة

(4)

، فسرت يومًا لا أجد ما آكل، فلقيني علج

(5)

يحمل على عاتقه شيئًا، فقلت: ضعه، فإذا هو خبز، قلت: أطعمني. فقال: إن شئت، ولكن

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 134"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2987"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1965"، الحلية "2/ 237"، أسد الغابة "4/ 34"، الإصابة "2/ ترجمة 4132".

(2)

ضعيف: أخرجه أبو نعيم في "الحلية""2/ 241" من طريق ابن المبارك، به. وهو معضل. والمعضل: هو ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي.

(3)

حسن: أخرجه ابن سعد "7/ 136" قال: أخبرنا عفّان وغيره، عن جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك، به.

قلت: إسناده حسن، جعفر بن سليمان هو الضبعي، أبو سليمان البصري، صدوق -كما قال الحافظ في "التقريب"، ويزيد الرشك هو يزيد بن أبي يزيد الضبعي، أبو الأزهري البصري، يعرف بالرشك -بكسر الراء وسكون المعجمة، ثقة عابد، وهم من لينه، من الطبقة السادسة، مات سنة ثلاثين، وهو ابن مائة سنة، روى له الجماعة.

(4)

المسناة: ضفيرة تُبْنَى للسيل لتردَّ الماء، سميت مسناة لأنَّ فيها مفاتح للماء بقدر ما تحتاج إليه مما لا يغلب، مأخوذ من قولك: سنيت الشيء والأمر إذا فتحت وجهه.

(5)

علج: الرجل الشديد الغليظ، والجمع أعلاج وعلوج.

ص: 477

فيه شحم خنزير، فتركته، ثم لقيت آخر فقلت: أطمعني. قال: هو زادي لأيام، فإن نقصته أجعتني. فتركته، فوالله إني لأسير؛ إذ سمعت خلفي وجبة كوجبة الطير، فالتفت، فإن هو شيء ملفوف في سبّ

(1)

أبيض، فنزلت إليه، فإذا دوخلة

(2)

من رطب في زمان ليس في الأرض رطبة، فأكلت منه، ثم لففت ما بقي، وركبت الفرس، وحملت معي نواهُنَّ.

قال جرير بن حازم: فحدثني أوفى بن دلهم، قال: رأيت ذلك السب مع امرأته، فيه مصحف، ثم فُقِدَ بعد

(3)

.

وروى نحوه عوف، عن أبي السليل، عن صلة.

فهذه كرامة ثابتة.

ابن المبارك: حدثنا مسلم بن سعيد، أخبرنا حماد بن جعفر بن زيد، أن أباه أخبره، قال: خرجنا في غزاة إلى كابل، وفي الجيش صلة، فنزلوا، فقلت: لأرمقنَّ عمله. فصلى، ثم اضطجع، فالتمس غفلة الناس، ثم وثب، فدخل غيضة فدخلت، فتوضأ وصلى، ثم جاء أسد حتى دنا منه، فصعدت شجرة، أفتراه التفت إليه حتى سجد؟ فقلت: الآن يفترسه فلا شيء، فجلس، ثم سلَّم، فقال: يا سبع! اطلب الرزق بمكان آخر، فولَّى وإن له زئيرًا أقول؛ تصدع منه الجبل، فلمَّا كان عند الصبح، جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها، ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار، أَوَمثلي يجترئ أن يسألك الجنة؟!

(4)

.

ابن المبارك، عن السري بن يحيى، حدثنا العلاء بن هلال: أن رجلًا قال لصلة: يا أبا الصهباء! رأيت أني أعطيت شهدةً، وأعطيتَ شهدتين. ففال: تستشهد وأنا وابني. فلمَّا كان يوم يزيد بن زياد لقيتهم الترك بسجستان، فانهزموا. وقال صلة: يا بني! ارجع إلى أمك. قال: يا أبه؛ تريد الخير لنفسك وتأمرني بالرجوع! قال: فتقدَّمْ. فتقدَّمَ فقاتل حتى أصيب، فرمى صلة عن جسده، وكان راميًا، حتى تفقوا عنه، وأقبل حتى قام عليه فدعا له، ثم قاتل حتى قُتِلَ.

قلت: وكانت هذه الملحمة سنة اثنتين وستين -رحمهما الله تعالى.

(1)

السِّّبُّ: الحبل، والخمار.

(2)

دوخلّة -بتشديد اللام: سفيفة من خوص كالزبيل، والقوصرة يترك فيها التمر وغيره.

(3)

صحيح: أخرجه أبو نعيم في "الحلية""2/ 239" من طريق عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا جرير بن حازم، به.

(4)

صحيح: أخرجه أبو نعيم في "الحلية""2/ 240" من طريق عبد الله بن المبارك قال: حدثنا المسلم بن سعيد الواسطي قال: أخبرنا حماد بن جعفر بن زيد، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه حماد بن جعفر بن زيد، ليِّن الحديث -كما قال الحافظ في التقريب.

ص: 478

‌336 - أم كلثوم

(1)

:

بنت عليّ بن أبي طالب بن عبد الملطب بن هاشم، الهاشمية، شقيقة الحسن والحسين، ولدت في حدود سنة ست من الهجرة، ورأت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تروِ عنه شيئًا.

خطبها عمر بن الخطاب وهي صغيرة، فقيل له: ما تريد إليها؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي"

(2)

.

وروى عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده: أن عمر تزوجها، فأصدقها أربعين ألفًا.

قال أبو عمر بن عبد البر: قال عمر لعلي: زوجنيها أبا حسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصد أحد. قال: فأنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها -يعتل بصغرها، قال: فبعثها إليه ببرد، وقال لها: قولي له: هذا البرد الذي قلت لك. فقالت له ذلك، فقال: قولي

(1)

ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 463"، أسد الغابة "7/ 378"، الإصابة "4/ ترجمة 1481".

(2)

صحيح بشواهده: أخرجه ابن سعد "8/ 463" من طريق أنس بن عياض الليثي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أنَّ عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم ........... ".

قلت: إسناده ضعيف؛ لانقطاعه، بل إعضاله بين محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب. وأخرجه الحاكم "3/ 142" من طريق السري بن خزيمة، عن معلَّى بن راشد، حدثنا وهيب بن خالد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، أن عمر بن الخطاب ........... " فذكره.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وتعقَّبه الذهبي بقوله: منقطع.

قلت: هو منقطع بين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعمر. وله شاهد.

أخرجه أحمد "4/ 323" حدَّثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدَّثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أم بكر بنت المسور بن مخرمة، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن المسور بن مخرمة به مرفوعًا بلفظ:"إن الأنساب يوم القيامة تتقطَّع غير نسبي وسبى وصهري".

قلت: إسناده ضعيف؛ لجهالة أم بكر بنت المسور بن مخرمة، مجهولة، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبولة، أي: إذا توبعت.

وأورده الهيثمي في "المجمع""9/ 173" وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، ورجالهما رجال الصحيح، غير الحسن بن سهل، وهو ثقة".

ص: 479

له: قد رضيت -رضي الله عنك، ووضع يده على ساقها، فكشفها، فقالت: أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك. ثم مضت إلى أبيها فأخبرته، وقال: بعثتني إلى شيخ سوء! قال: يا بنية! إنه زوجك

(1)

.

وروى نحوها ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي، مرسلًا.

ونقل الزهري، وغيره: أنها ولدت لعمر زيدًا، وقيل: ولدت له رقية.

قال ابن إسحاق: توفي عنها عمر، فتزوجها عَوْن بن جعفر بن أبي طالب، فحدَّثني أبي قال: دخل الحسن والحسين عليها لما مات عمر، فقالا: إن مكنت أباك من رمتك، أنكحك بعض أيتامه، وإن أردت أن تصيبي بنفسك مالًا عظيمًا لتصيبنه.

فلم يزل بها عليّ حتى زوَّجها بعون فأحبَّته، ثم مات عنها.

قال ابن إسحاق: فزوَّجها أبوها بمحمد بن جعفر، فمات، ثم زوجها أبوها بعبد الله بن جعفر، فماتت عنده.

قلت: فلم يولدها أحد من الإخوة الثلاثة.

وقال الزهري: ولدت جارية لمحمد بن جعفر اسمها بثنة.

وروى ابن أبي خالد، عن الشعبي، قال: جئت وقد صلَّى ابن عمر على أخيه زيد بن عمر، وأمّه أم كلثوم بنت علي.

وروى حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار: أنَّ أم كلثوم وزيد بن عمر ماتا، فكفِّنا، وصلى عليهما سعيد بن العاص -يعني: أمير المدينة.

وكان ابنها زيد من سادة أشراف قريش، توفي شابًّا، ولم يعقب.

وعن رجل، قال: وفدنا مع زيد على معاوية، فأجلسه معه، وكان زيد من أجمل الناس، فأسمعه بسر كلمة؛ فنزل إليه زيد فصرعه وخنقه، وبرك على صدره، وقال لمعاوية: إني لأعلم أنَّ هذا عن رأيك، وأنا ابن الخليفتين، ثم خرج إلينا قد تشعث رأسه وعمامته، واعتذر إليه معاوية، وأمر له بمائة ألف، ولعشر من أتباعه بمبلغ.

يقال: وقعت هوسة بالليل، فركب زيد فيها، فأصابه حجر فمات منه، وذلك في أوائل دولة معاوية رحمه الله.

(1)

صحيح بشواهده: راجع تخريجنا السابق.

ص: 480

‌337 - عبد الله بن ثعلبة

(1)

: " خ، د، س"

ابن صُعَير الشيخ، أبو محمد العذري، المدني، حليف بني زهرة، مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه، فوعى ذلك.

وقيل: بل ولد عام الفتح، وقد شهد الجابية. فلو كان مولده عام الفتح لصَبَا عن شهود الجابية.

حدَّث عن أبيه، وعمر بن الخطاب، وجابر، وليس هو بالمكْثِر.

حدَّث عنه: الزهري، وأخوه؛ عبد الله، وعبد الله بن الحارث بن زهرة.

وكان شاعرًا، فصيحًا، نسَّابة.

روى مالك، عن ابن شهاب أنَّه كان يجالس عبد الله بن ثعلبة، وكان يتعلّم منه النسب وغير ذلك، فسأله عن شيء من الفقه، فقال: إن كنت تريد هذا، فعليك بسعيد بن المسيب.

قلت: وقد روى أيضًا عن سعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة.

وحدَّث عنه: سعد بن إبراهيم قاضي المدينة، وعبد الحميد بن جعفر، وكان آخر من روى عنه.

قال خليفة بن خياط، وغيره: توفي سنة تسع وثمانين.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 64"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 88"، والاستيعاب "3/ 876" أسد الغابة "3/ 190"، تجريد أسماء الصحابة "! / 3182"، الكاشف "2/ ترجمة 2681"، الإصابة "2/ ترجمة 4576"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 284"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 3416".

ص: 481

‌وممن أدرك زمان النبوة:

‌338 - عبد الله بن ربيعة

(1)

: " د، س"

ابن فرقد السلمي.

قيل: له صحبة، فإن لم تكن، فحديثه من قبيل المرسل.

وحدَّث أيضًا عن ابن مسعود، وابن عباس، وعبيد بن خالد السلمي.

حدث عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعمرو بن ميمون الأودي، ومنصور بن المعتمر -وهو عمّ والد منصور، وعلي بن الأقمر، وعطاء بن السائب، وطائفة.

نزل الكوفة.

شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن ربيعة؛ وكانت له صحبة. هكذا قال.

توفي بعد الثمانين، ورُبَيِّعة بالتثقيل: من الأسماء المفردة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 196"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 236"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 252"، أسد الغابة "2/ 230"، الاستيعاب "3/ 897"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 2274"، الإصابة "2/ ترجمة 4672"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 362"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3489".

ص: 482

‌339 - الصُّنابِحي

(1)

: " ع"

الفقيه، أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة المرادي، ثم الصنابحي، نزيل دمشق.

قدم المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بليالٍ، وصلى خلف الصديق.

وحدَّث عنه، وعن: معاذ، وبلال، وعبادة، وشداد بن أوس، وطائفة.

وعنه: مرثد اليزني، وعدي بن عدي، وعطاء بن يسار، ومكحول، وأبو عبد الرحمن الحبلي، وعدة.

وروى عنه: ربيعة بن يزيد، فسمَّاه عبد الله.

قال ابن معين: بقى إلى زمن عبد الملك، وكان يجلس معه على السرير، روى عن أبي بكر قال: وعبد الله الصنابحي يشبه أن يكون له صحبة.

وقال ابن المديني: الذي روى عنه قيس بن أبي حازم في الحوض

(2)

، هو الصنابح بن الأعسر الأحمسي، له صحبة.

وقال ابن سعد: كان عبد الرحمن الصنابحي ثقة، قليل الحديث.

وقال غيره: له أحاديث يرسلها، وبعضهم يهم فيه، فيقول: عبد الله الصنابحي. وبعضهم يقول: أبو عبد الرحمن الصنابحي.

وعن مرثد بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن عسيلة، قال: ما فاتني النبي صلى الله عليه وسلم إلّا بخمس ليال، قُبِضَ وأنا بالحجفة.

قال رجاء بن حيوة، عن محمود بن الربيع: كنَّا عند عبادة بن الصامت فأقبل الصنابحي، فقال عبادة: من سرَّه أن ينظر إلى رجل كأنما رقي به فوق سبع سماوات فعمل على ما رأى، فلينظر إلى هذا.

رواها ابن عون، عن رجاء.

وقال أبو عبد رب: قال لنا الصنابحي بدمشق وقد احتضر.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 443 و 509"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 1021"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1241"، الاستيعاب "2/ 841"، أسد الغابة "3/ 475"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3731"، الكاشف "2/ ترجمة 3306"، الإصابة "3/ ترجمة 6373"، تهذيب التهذيب "6/ ترجمة 465"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4191".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 351"، وابن ماجه "3944" من طرق عن إسماعيل قال: حدثني قيس، عن الصنابح الأحمس قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألَا إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم، فلا تقتلنَّ بعدي".

قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، قيس هو ابن أبي حازم، وإسماعيل هو ابن أبي خالد.

ص: 483

‌340 - صفية بنت شَيبة

(1)

: " ع"

ابن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزي بن عبد الدار بن قصي بن كلاب، الفقيهة، العالمة، أم منصور القرشية، العبدرية، المكية، الحجية.

يقال: لها رؤية. ووهَّى هذا الدارقطني. وكان أبوها من مسلمة الفتح.

روت عن النبي صلى الله عليه وسلم في "سنن أبي داود" و"النسائي"، وهذا من أقوى المراسيل. وروت عن: عائشة، وأم حبيبة، وأم سلمة؛ أمهات المؤمنين.

حدَّث عنها: ابنها؛ منصور بن عبد الرحمن الحجبي، وسبطها؛ محمد بن عمران الحجبي، والحسن بن مسلم من يناق، وإبراهيم بن مهاجر، وقتادة، ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي المقرئ، وعدة.

قال يحيى بن معين: لم يسمع منها ابن جريج، بل أدركها.

وفي "سنن ابن ماجه" من طريق محمد بن إسحاق: أنَّها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح دخل الكعبة، ولها عيدان فكسرها

(2)

.

أحسب أنها عاشت إلى دولة الوليد بن عبد الملك.

(1)

ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 496"، أسد الغابة "7/ 172"، الإصابة "4/ ترجمة رقم 653".

(2)

ضعيف: أخرجه ابن ماجه "2947" من طريق يونس بن بكير، حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة قالت: لما اطمأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح طاف على بعيره يستلم الركن بمحجن بيده، ثم دخل الكعبة فوجد فيها حمامة عَيْدان فكسرها، ثم قام على باب الكعبة فرمى بها وأنا أنظره".

قلت: إسناده ضعيف، فيه محمد بن إسحاق، مدلّس مشهور بالتدليس، وقد عنعنه.

ص: 483

‌341 - يوسف بن عبد الله بن سلام

(1)

: " (4) "

ابن الحارث أبو يعقوب الإبراهيمي، الإسرائيلي، المدني، حليف الأنصار.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فسماه: يوسف، وأجلسه في حجره، وله رؤية ما.

وله رواية حديثين حُكْمهما الإرسال.

وحدث عن: أبيه، وعثمان، وعلي.

روى عنه: عمر بن عبد العزيز، وعيسى بن معقل، ويزيد بن أبي أمية، ومحمد بن المنكدر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أبي الهيثم العطار. وشهد موت أبي الدرداء بدمشق. وقدر روى حفص بن غياث، عن محمد بن أبي يحيى، عن يزيد بن أبي أمية الأعور، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة فوضع عليها تمرة، وقال:"هذه إدام هذه". فأكلها

(2)

.

فإن صحَّ هذا فهو صحابي.

وقد قال محمد بن سعد في الطبقة الخامسة من الصحابة: يوسف بن عبد الله بن سلام؛ هو رجل من بني إسرائيل، من ولد يوسف صلى الله عليه وسلم، وكان ثقة، له أحاديث صالحة.

وقال ابن أبي حاتم: له رؤية

وقال البخاري: له صحبة.

وقال أبو حاتم: ليست له صحبة.

وقال العجلي: تابعي ثقة.

وقال شباب: مات في خلافة عمر بن عبد العزيز.

خلف بن هشام: حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، قال: غدوت مع يوسف بن عبد الله بن سلام في يوم عيد، فقلت له: كيف كانت الصلاة على عهد عمر؟ قال: كان يبدأ بالخطبة قبل الصلاة. غريب جدًّا.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3367"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 924"، الاستيعاب "4/ 1588"، أسد الغابة "3/ 264" و"5/ 592"، الكاشف "3/ ترجمة 6556" تهذيب التهذيب "11/ 416"، تقريب التهذيب "2/ ترجمة 439".

(2)

ضعيف: أخرجه أبو داود "3830"، حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، عن محمد بن أبي يحيى، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه يزيد بن أبي أمية الأعور، مجهول -كما قال الحافظ في "التقريب".

ص: 484

‌342 - عبد الله بن عُكيم الجُهَنِيّ

(1)

: " م، (4) "

قيل: له صحبة. وقد أسلم بلا ريب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى خلف أبي بكر الصديق.

وهو القائل: أتانا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهرين: "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"

(2)

.

وذكر هلال بن أبي حميد، عن ابن عكيم، قال: لا أعين على دم خليفة أبدًا بعد عثمان. فقيل له: يا أبا معبد! أَوَأَعنت عليه؟ قال: كنت أعد ذكر مساويه عونًا على دمه.

توفي ابن عكيم في ولاية الحَجَّاج.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 113"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 67"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 556"، تاريخ بغداد "10/ 3"، الاستيعاب "3/ 949"، أسد الغابة "3/ 339"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3424"، الكاشف "2/ ترجمة 2896"، الإصابة "2/ ترجمة 4831"، تهذيب التهذيب "5/ 223 - 224"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3668".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 311"، والطيالسي "1293"، وأبو داود "4127"، والنسائي "7/ 175" وابن ماجه "3613"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار""1/ 271"، وابن سعد في "الطبقات""6/ 113"، والبيهقي "1/ 14" من طرق عن شعبة، به.

وأخرجه أحمد "4/ 310"، وأبو داود "4128"، والنسائي "7/ 175"، والطحاوي، والبيهقي "1/ 18" من طرق عن الحكم، به بلفظ:"كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاد أحمد وأبو داود: "قبل وفاته بشهر أو شهرين".

وأعلَّه الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تلخيص الحبير""1/ 47 - 48" بالانقطاع بين ابن أبي ليلى وعبد الله بن عكيم، وبالاضطراب. وكذا ضعَّف الحديث الزيلعي في "نصب الراية""1/ 120 - 122" وقد أخرجه الطحاوي والبيهقي "1/ 25" عن صدفة بن خالد، عن يزيد بن أبي مريم، عن القاسم بن مخيمرة، عن عبد الله بن عكيم، قال: ثني أشياخ جهينة قالوا: أتانا كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرئ على الأشياخ من جهينة، فقد قال الحافظ في "التقريب":"وقد سمع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهينة"، لذا فالروايتان صحيحتان والله -تعالى- أعلى وأعلم.

ص: 485

حدث عن بذلك الحكم.

وقد حدث عن: عمر، وعلى، وابن مسعود.

روى عنه: هلال الوزان، ومسلم الجهني، والحكم، وجماعة.

روي موسي الجهني، عن بنت عبد الله بن عكيم، قالت: كان أبي يحب عثمان، وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يحب عليا- رضي الله عنهما قالت: وكانا منواخبين، فما سمعتهما يذكر انهما بشيء قط، إلا أني سمعت أبي يقول: لو أن صاحبك صبر، أتاه الناس.

قيل: إن عبد الله بن عكيم توفي سنة ثمان وثمانين.

شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن ابن عكيم، قال: كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام شاب بأرض جهينة: "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"1.

قال هلال الوزان: سمعت عبد الله بن عكيم يقول: بايعت عمر بيدى هذه.

ابن فضيل: عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الله القرشي، عن ابن أبي ليلى، وعبد الله بن عكيم، عن على: أنه كان إذا قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: وإن الذين كذبوا محمدا حدونه.

وعن الحكم بن عبد الرحمن بن ابي ليلي قدم عبد الله بن عكيم في الطع امه، وكان إمامهم.

انظر السابق.

ص: 486

‌343 - عبيد الله بن العباس

(1)

:

ابن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخو: عبد الله، وكثير، والفضل، وقثم، ومعبد، وتمام.

وُلِدَ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: له رؤية

(2)

.

وله حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن النسائي

(3)

، حكمه أنه مرسل.

حدث عنه: ابنه؛ عبد الله، وعطاء، وابن سيرين، وسليمان بن يسار، وغيرهم.

وكان أميرًا شريفًا جوادًا ممدوحًا.

ذكره محمد بن سعد في الطبقة الخامسة من الصحابة، فقال: كان أصغر من عبد الله بسنة واحدة. ثم قال: سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رجلًا تاجرًا، مات بالمدينة.

فذكر الواقدي: أنَّه بقي إلى دولة يزيد بن معاوية.

(1)

ترجمته في الاستيعاب "3/ 1009"، أسد الغابة "3/ 524"، الإصابة "2/ ترجمة 5303"، تهذيب التهذيب "7/ ترجمة 41"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4558".

(2)

قال الحافظ في "التقريب""1/ ترجمة 1460" عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، أبو محمد، شقيق عبد الله بن عباس، من صغار الصحابة، مات بالمدينة سنة سبع وثمانين.

(3)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 214"، والنسائي في المجتبي "6/ 48"، وفي "الكبرى""6506"، وابن أبي عاصم في "الآحاد المثاني""402"، وأبو يعلى "6718" من طريق هشيم، أنبأنا يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار، عن عبيد الله بن العباس قال: جاءت الغميصاء أو الرميصاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها، وتزعم أنه لا يصل إليها، فما كان إلّا يسيرًا حتى جاء زوجها، فزعم أنها كاذبة، ولكنَّها تريد أن ترجع إلى زوجها الأوّل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس لكِ ذَلِكَ، حتى يذوق عُسَيْلَتَك رجلٌ غيره".

قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين خلا عبيد الله بن العباس، فقد روى له النسائي، وهو من صغار الصحابة، فهو لم يسمع الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن ذلك لا يضر إسناد الحديث، فإن ذلك من مراسيل الصحابة، والإسناد صحيح.

ص: 487

قلت: هو شقيق عبد الله، ولي إمرة اليمن لابن عمِّه علي، وحجَّ بالناس، وقد ذبح بسر بن أرطأة ولديه عدوانًا وظلمًا، وتولَّهت أمهما عليهما، وهرب عبيد الله.

قيل: إن عبيد الله وصل مرة رجلًا بمائة ألف.

قال الفسوي: مات زمن معاوية. وقال خليفة، وغيره: مات سنة ثمان وخمسين.

وأما أبو عبيد، وأبو حسان الزيادي، فقالا: مات سنة سبع وثمانين.

وقال ابن سعد: كان عبيد الله أصغر من عبد الله بسنة، سمع من النبي -صلى الله عليه سلم.

ص: 488

‌344 - قُثَم بن العباس الهاشمي

(1)

:

وأمّه أم الفضل، التي يقول فيها الكلبي: إنها أسلمت بعد خديجة، قد ذُكِر.

‌345 - عبيد الله بن عدي

(2)

: " خ، م"

ابن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي، النوفلي.

وُلِدَ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

، وكان أبوه من الطلقاء. ما ذكره في الصحابة أحد سوى ابن سعد.

حدَّث عبيد الله عن عمر، وعثمان، وعلي، وكعب، وطائفة.

حدث عنه: عروة، وحميد بن عبد الرحمن، وعطاء بن يزيد الليثي، ومعمر بن أبي حبيبة.

روى عروة بن الزبير، عن عبيد الله بن عدي: أنه دخل على عثمان وهو محصور، وعليّ يصلي بالناس، فقال: يا أمير المؤمنين! إني أتحرَّج أن أصلي مع هؤلاء وأنت الإمام، فقال: إن الصلاة أحسن ما عمل الناس، فإذا رأيت الناس محسنين فأحسن معهم.

(1)

سبق ترجمتنا له في الجزء الثاني، ترجمة رقم "304"، وبتعليقنا رقم "738".

(2)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 49"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 1258"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1554"، الاستيعاب "3/ 1010"، أسد الغابة "3/ 256"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 2620"، الكاشف "2/ 3623"، تهذيب التهذيب "7/ ترجمة 67"، الإصابة "1/ 5308"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4577".

(3)

قال أبو نصر بن ماكولا في "الإكمال""2/ 43": "وُلِدَ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقُتِلَ أبوه يوم بدر كافرًا" وقال الحافظ في "الفتح""7/ 46": لم يثبت أن أباه قُتِلَ كافرًا، وإن ذكر ذلك ابن ماكولا وغيره، فإن ابن سعد ذكره في طبقة الفتحيين.

ص: 488

قال عطاء بن يزيد: كان عبيد الله بن عدي من فقهاء قريش وعلمائهم.

وقال ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل المدينة: عبيد الله بن عدي الأكبر بن الخيار، وأمه: أم قتال بنت أسيد بن أبي العيص الأموية.

حدَّث عن: عمر، وعثمان. وله دار بالمدينة.

مات في خلافة الوليد بن عبد الملك، ثقة، قليل الحديث.

وأما أبو نعيم فقال: قُتِلَ عدي بن الخيار يوم بدر كافرًا.

قلت: فعلى هذا يكون عبيد الله قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 489

‌346 - ربيعة بن عبد الله

(1)

: " خ، د"

ابن الهدير القرشي التميمي، المدني. وُلِدَ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولعله رآه.

حدث عن: عمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، هو مُقِلّ.

روى عنه: ابنا أخيه؛ محمد وأبو بكر ابنا المنكدر، وعثمان بن عبد الرحمن التيمي، وربيعة الرأي، وغيرهم، وذكره ابن حبَّان في "الثقات".

مات سنة ثلاث وتسعين، وله سبع وثمانون سنة. فلعلَّه ولد عام الحديبية، سنة ست.

وجده الهدير: هو ابن عبد العزَّى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.

ولم أر أحدًا عدَّ عبد الله بن الهدير في مسلمة الفتح، فلعله مات قبل الفتح، لا بل تأخر حتى ولد له المنكدر فيما بعد. والله أعلم.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 27"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 2118"، الاستيعاب "2/ 492"، أسد الغابة "2/ 214"، الكاشف "1/ ترجمة رقم 10561"، تهذيب التهذيب "3/ ترجمة 489"، الإصابة "1/ ترجمة 2711"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2042".

ص: 489

‌347 - ربيعة بن عباد

(1)

:

الديلى الحجازي.

رأى النبي صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز

(2)

قبل أن يسلم، ثم أسلم، وشهد اليرموك.

وقال البخاري، وغيره: له صحبة.

وعباد -بالكسر والتخفيف- عند الحافظ عبد الغني المصري، وقيده بالتخفيف، والفتح أبو عبد الله بن منده، وهذا فيه نظر.

ولا ريب في سماع ربيعة من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كان قبل أن يسلم.

حدَّث عنه: محمد بن المنكدر، وهشام بن عروة، وأبو الزناد، وزيد بن أسلم.

قال خليفة: شهد اليرموك، وتوفي في خلافة الوليد بن عبد الملك.

قلت: بقي إلى حدود سنة تسعين.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "3/ ترجمة 960"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 2113"، أسد الغابة "2/ 213"، الإصابة "1/ ترجمة 2610".

(2)

حسن: أخرجه أحمد "3/ 492"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني""964"، والطبراني في "الكبير""4582"، والحاكم "1/ 15" من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن ربيعة بن عباد الديلي وكان جاهليًّا أسلم، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصَرَ عيني بسوق ذي المجاز يقول: "يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"، ويدخل في فجاجها، والناس متقصفون عليه، فما رأيت أحدًا يقول شيئًا، وهو لا يسكت يقول:"أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، إلَّا أنَّ وراءه رجل أحول وضيء الوجه ذا غديرتين يقول: إنه صابئ كاذب. فقلت: من هذا؟ قالوا: محمد بن عبد الله وهو يذكر النبوة، قلت: من هذا الذي يكذّبه؟ قالوا: عمّه أبو لهب. قلت: إنك كنت يومئذ صغيرًا! قال: لا والله إني يومئذ لأعقل".

وقوله: متقصفون عليه: مجتمعون عليه تعجبًا مما يقول.

ص: 489

‌348 - أبو أمامة بن سهل

(1)

: " ع"

ابن حنيف الأنصاري الأوسي، المدني، الفقيه، المعمر، الحجة. اسمه: أسعد باسم جده لأمه، النقيب، السيد، أسعد بن زرارة.

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ورآه -فيما قيل.

وحدَّث عن: أبيه، وعمر، وعثمان، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ومعاوية، وطائفة.

حدث عنه: الزهري، وسعد بن إبراهيم، وأبو حازم الأعرج، ومحمد بن المنكدر، وأبو الزناد، ويعقوب بن عبد الله بن الأشج، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابناه: محمد وسهل ابنا أبي أمامة، وآخرون. وكان أحد العلماء.

قال أبو معشر السندي: رأيت أبا أمامة وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الزهري: أخبرني أبو أمامة، وكان من عليه الأنصار وعلمائهم، ومن أبناء البدريين.

عبد الرحمن بن الحارث، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي أمامة بن سهل، قال: كتب معي عمر إلى أبي عبيدة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له"

(2)

.

قال الترمذي: هذا حديث حسن.

يوسف بن الماجشون، عن عتبة بن مسلم، قال: استوى عثمان على المنبر، فحصبوه حتى حيل بينه وبين الصلاة، فصلَّى بالناس يومئذ أبو أمامة بن سهل.

اتفقوا على وفاته في سنة مائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 82"، أسد الغابة "3/ 470" و"6/ 18"، تهذيب التهذيب "1/ ترجمة 497"، الإصابة "4/ ترجمة 52".

(2)

حسن: أخرجه ابن أبي شيبة "11/ 263"، وأحمد "1/ 28 و 46"، والترمذي "2103"، وابن ماجه "2737"، والنسائي في "الكبرى""6351"، والبزار "253"، وابن الجارود "964"، والطحاوي "4/ 397"، والدارقطني "4/ 84 - 85"، والبيهقي "6/ 214" من طرق عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أن رجلًا رمى رجلًا بسهم فقتله، وليس له وارث إلّا خال، فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر، فكتب: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الله وروسله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له".

ص: 490

‌349 - محمود بن الربيع

(1)

: " ع"

ابن سراقة بن عمرو الإمام، أبو محمد -ويقال: أبو نعيم- الأنصاري، الخزرجي، المدني، وأمّه هي جميلة بنت أبي صعصعة الأنصارية.

أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وعَقِل منه مَجَّة مَجَّها في وجهه من بئر في دراهم، وهو يومئذ ابن أربع سنين

(2)

.

وحدَّث عن أبي أيوب الأنصاري، وعتبان بن مالك، وعبادة بن الصامت، وغيرهم.

حدَّث عنه: رجاء بن حيوة، ومكحول، وعبد الله بن عمرو بن الحارث، والزهري.

وروى عنه من الصحابة أنس بن مالك.

وقال أبو الحسن بن سميع: هو ختن عبادة بن الصامت.

وقال يحيى بن معين: له صحبة.

وأما أحمد العجلي، فقال: هو ثقة، من كبار التابعين.

وقال ابن عساكر: اجتاز بدمشق غازيًا إلى القسطنطينية.

قال الواقدي: مات سنة تسع وتسعين، وله ثلاثة وتسعون سنة. وكذا أرَّخه عليّ بن عبد الله التميمي.

وقال خليفة بن خياط: مات سنة ست وتسعين.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1761"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1328"، الاستيعاب "3/ 1378"، أسد الغابة "5/ 116"، الكاشف "3/ ترجمة 5417"، تجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 683"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 103"، الإصابة "3/ ترجمة رقم 7818"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6881".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "77" من طريق محمد بن حرب، حدثني الزبيدي، عن الزهري، عن محمود بن الربيع قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مَجَّة مَجَّها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دَلْو".

وأخرجه مسلم في "المساجد""265" من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، قال: حدثني الزهري عن محمود بن الربيع قال: إني لأعقل مَجَّةً مَجَّهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم من دَلْو في دارنا.

ص: 491

‌350 - قيس بن مكشوح

(1)

:

الأمير، أبو حسَّان المرادي، من وجوه العرب الموصوفين بالشجاعة.

وكان ممن أعان على قتل الأسود العنسيّ، وقلعت عينة يوم اليرموك.

وكان ذا رأي في الحرب ونجدة.

وكان من أمراء علي يوم صفين، فقُتِلَ يومئذ.

‌351 - عبد الله بن عامر بن ربيعة

(2)

:

أبو محمد العَنْزى -بالسكون- المدني، حليف بني عدي بن كعب. وعَنْز: أخو بكر بن وائل. استشهد أخوه سَميُّه عبد الله في حصار الطائف.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 525"، أسد الغابة "4/ 447"، الإصابة "3/ ترجمة 7239".

(2)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 9"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 18"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 559"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3375"، الكاشف "2/ ترجمة 2830"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 465"، الإصابة "2/ ترجمة 4777"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4583".

ص: 492

وكان أبوهما عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك من كبار المهاجرين البدريين.

حدَّث عبد الله عن: أبيه، وعمر، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وطائفة.

وكان مولده عام الحديبية.

وله حديث مرسل في "سنن أبي داود"

(1)

.

حدَّث عنه: عاصم بن عبيد الله، وأبو بكر بن حفص الوقاصي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن شهاب الزهري، وآخرون.

توفي سنة خمس وثمانين.

(1)

حسن لغيره: أخرجه أبن أبي شيبة "8/ 593"، وأحمد "3/ 447"، وأبو داود "4491" والبخاري في "التاريخ الكبير""3/ ق 1/ 11"، والخرائطي في "مكارم الأخلاق""ص 33"، والبيهقي في "السنن""10/ 198"، وفي "شعب الإيمان""4822" من طرق عن ليث بن سعد، عن محمد بن عجلان عن مولى لعبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي، عن عبد الله بن عامر أنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال أعطك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وما أردت أن تعطيه"؟ قالت: أعطيه تمرًا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة".

قلت: إسناده ضعيف، آفته مولى عبد الله بن عامر بن ربيعة، فإنه مبهم.

وللحديث شاهد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال لصبي: تعال هاك، ثم لم يعطه، فهي كذبة" أخرجه ابن المبارك في "الزهد""375"، وأحمد "2/ 452"، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق""150"، وفي "الصمت" له "523"، وابن حزم في "المحلَّى""8/ 29" من طرق عن الليث بن سعد، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي هريرة، به.

قلت: إسناده ضعيف؛ لانقطاع بين الزهري وأبي هريرة رضي الله عنه، لكن الحديث يرتقي لمنزلة الحسن بمجموع طريقيه عبد الله بن عامر، وأبي هريرة رضي الله عنهما.

ص: 493

‌352 - يزيد بن مفرغ الحميري

(1)

:

من فحول الشعراء، وكان أبوه زياد بن ربيعة حدادًا. وقيل: شعابًا بتبالة. وتبالة بالفتح: قرية بالحجاز، مما يلي اليمن. ولقب مفرغًا؛ لأنه راهن على سقاء من لبن، فشريه حتى فرغه.

ولابن مفرغ هجو مقذع، ومديح، ونظمه سائر.

وهجا عبيد الله بن زياد؛ فأتى وطلب من معاوية قتله، فلم يأذن، وقال: أدِّبه. واستجار يزيد بالمنذر بن الجارود، فأتى عبيد الله البصرة، فسقاه مسهلًا، وأركبه حمارًا ربطه فوقه، وطوَّف به وهو يسلح في الأسواق، فقال:

يغسل الماء ما صنعت وشعري

راسخ منك في العظام البوالي

وهو القاتل هذا البيت:

العبد يقرع بالعصا

والحر تكفيه الملامه

(2)

ونقل صاحب "المرآة": أنَّ ابن مفرغ مات سنة تسع وستين.

(1)

ترجمته في طبقات الشعراء "686" و"693"، وفيّات الأعيان "6/ 342 و 362"، خزانة الأدب "2/ 515".

(2)

البيت من شع ابن مفرغ، وهو في طبقات الشعراء (688) و (689)، خزانة الأدب (2/ 213 - 214) في قصيدة مطلعها:

أصرمت حبلك من أمامة

من بعد أيام برامة

ص: 494

‌353 - عمرو بن سلمة

(1)

: " خ، د، س"

أبو بريد الجرمي. وقيل: أبو يزيد، وهذا الذي كان يؤمّ قومه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهو صبيّ

(2)

، ولأبيه صحبة ووفادة. وقد قيل: إنه وفد مع أبيه، وله رؤية. فالله أعلم.

حدَّث عنه: أبو قلابة الجرمي، وأبو الزبير المكيّ، وعاصم الأحْول، وأيوب السختياني، وغيرهم.

له رواية في "صحيح البخاري"، وفي "سنن النسائي". وكان قد نزل البصرة.

أرَّخ الإمام أحمد موته: في سنة خمس وثمانين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 89"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2497"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 1301"، الاستيعاب "3/ 1179"، أسد الغابة "4/ 234"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 4422"، الكاشف "2/ ترجمة 4228"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة رقم 69"، الإصابة "2/ ترجمة 5857"، خلاصة الخزرجي "28 ترجمة 5308".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "4302" من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة قال: قال لي أبو قلابة: ألَا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته، فقال: كنَّا بما ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ وما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلوّم بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلمَّا قدم قال: جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقًّا، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذّن أحدكم، وليؤمّكم أكثركم قرآنًا، فينظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآنًا منِّي، لما كنت أتلقَّى من الركبان، فقدَّموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليَّ بردة، كنت إذا سجدت تقلَّصت عنِّي، فقالت امرأة من الحي: ألا تنطون عنَّا است قارئكم، فاشتروا، فقطعوا لي قميصًا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص".

ص: 494

‌354 - عمرو بن سلمة

(1)

: " بخ"

الهمداني الكوفي، فتابعي كبير، من أصحاب علي.

سمع عليًّا وابن مسعود.

حدَّث عنه: الشعبي، ويزيد بن أبي زياد.

مات سنة خمس وثمانين أيضًا، ودفن هو وعمرو بن حريث في يوم واحد.

‌355 - كعب بن سور الأزدي

(2)

:

قاضي البصرة، وليُّها لعمر وعثمان، وكان من نبلاء الرجال وعلمائهم، قتل يوم الجمل، قام يعظ الناس ويذكِّرهم، فجاءه سهم غرب، فقتله -رحمه الله تعالى.

‌356 - زيد بن صوحان

(3)

:

ابن حجر بن الحارث بن هجرس بن صبرة بن حدِرْجَان بن عِساس العبدي، الكوفي. أخو صعصعة بن صوحان، ولهما أخ اسمه سيحان، لا يكاد يعرف.

كنية زيد: أبو سليمان.

وقيل: أبو عائشة.

كان من العلماء العبَّاد، ذكروه في كتب معرفة الصحابة، ولا صحبة له. لكنه أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسمع من: عمر، وعلي، وسلمان.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 171"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2569"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 1302"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة 68"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5305".

(2)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 91"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 961"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 912"، أسد الغابة "4/ 479"، الإصابة "3/ ترجمة 7493".

(3)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 123"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1325"، تاريخ بغداد "8/ 439"، أسد الغابة "2/ 291"، الإصابة "1/ ترجمة 2910".

ص: 495

حدَّث عنه: أبو وائل، والعيزار بن حريث، ولا رواية له في الأمهات؛ لأنه قديم الوفاة.

وذكر بعضهم أنَّه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يعلى بن عبيد: حدثنا الأجلح، عن عبيد بن لاحق، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزل رجل، فساق بالقوم ورجز، ثم نزل آخر، ثم بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يواسي أصحابه، فنزل. فجعل يقول:

جندب وما جندب

والأقطع الخير زائد

قيل: يا رسول الله! سمعناك الليلة تقول كذا وكذا. فقال: "رجلان في الأمة، يضرب أحدهما ضربة تفرق بين الحق والباطل، والآخر تقطع يده في سبيل الله، ثم يتبع آخر جسده أوله".

قال الأجلح: أما جندب فقتل الساحر، وأما زيد فقطعت يده يوم جلولاء، وقُتِل يوم الجمل

(1)

.

قال الأعمش: عن إبراهيم، قال: كان زيد بن صوحان يحدِّث، فقال أعرابي: إن حديثك يعجبني، وإن يدك لتربيني. قال: أَوَمَا تراها الشمال؟ قال: والله ما أدري اليمين يقطعون أم الشمال؟ فقال زيد: صدق الله: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [التوبة: 97].

فذكر الأعمش: إن يده قطعت يوم نهاوند.

حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن عبد الله بن أبي الهذيل: إنَّ وفد الكوفة قدموا على عمر، فيهم زيد بن صوحان، فجاءه رجل من أهل الشام يستمدّ، فقال: يا أهل الكوفة! إنكم كنز أهل الإسلام، إن استمدكم أهل البصرة أمددتموهم، وإن استمدكم أهل الشام أمددتموهم، وجعل عمر يرحل لزيد، وقال: يا أهل الكوفة! هكذا فاصنعوا بزيد، وإلا عذبتكم.

وروى الأجلح، عن ابن أبي الهذيل، قال: دعا عمر زيد بن صوحان، فضفَّنه على الرحل كما تُضفِّنون أمراءكم، ثم التفت إلى الناس، فقال: اصنعوا هذا بزيد وأصحاب زيد.

(1)

ضعيف: أخرجه ابن سعد "6/ 123"، وفيه الأجلح بن عبد الله أبو حجية الكندي الكوفي. قال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال النسائي: ضعيف له رأى سوء وعبيد بن لاحق، لم أجد من ترجم له.

ص: 496

سماك، عن النعمان أبي قدامة: أنه كان في جيش، عليهم سلمان الفارسي، فكان يؤمّهم زيد بن صوحان، يأمره بذلك سلمان.

سماك، عن رجل: أنَّ سلمان كان يقول لزيد بن صوحان يوم الجمعة: قم، فذكر قومك.

ابن سعد: حدثنا حجاج بن نصير، حدثنا عقبة الرفاعي، حدَّثنا حميد بن هلال، قال: قام زيد بن صوحان إلى عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين! ملتَ فمالت أمتك، اعتدل يعتدلوا. قال: أسامع مطيع أنت؟ قال: نعم، قال: الحق بالشام. فطلقَّ امرأته، ثم لحق بحيث أمره.

أيوب السختياني، عن غيلان بن جرير، قال: ارتثَّ

(1)

زيد بن صوحان يوم الجمل، فدخلوا عليه، فقالوا: أبشر بالجنة. قال: تقولون قادرين، أو النار فلا تدرون، إنا غزونا القوم في بلادهم، وقتلنا أميرهم، فليتنا إذ ظُلِمْنَا صبرنا.

روى نحوه: العوام بن حوشب، عن أبي معشر، عن الحي الذين كان فيهم زيد .... ، فذكره.

وقال: شدوا عليَّ إزاري، فإني مخاصم، وأفضوا بخدي إلى الأرض، وأسرعوا الانكفات عني.

الثوري، عن مخول، عن العيزار بن حريث، عن زيد بن صوحان، قال: لا تغسلوا عني دمًا، ولا تنزعوا عني ثوبًا، إلّا الخفَّين، وأرمسوني في الأرض رمسًا، فإني مخاصم، أحاجّ يوم القيامة.

قال عمَّار الدهني: قال زيد: ادفنوني وابن أمي في قبر، ولا تغسلوا عنا دمًا، فإنا قوم مخاصمون.

قيل: كان قتل معه أخوه سيحان، فدُفِنَا في قبر.

وروي أنه أمر أن يدفن معه مصحفه. نقله: ابن سعد بإسناد منقطع، ثم قال: وكان ثقة، قليل الحديث.

(1)

المرتث: الصريع الذي يُثْخَنُ في الحرب ويحمل حيًّا ثم يموت؛ وقال ثعلب: هو الذي يحمل من المعركة وبه رمق، فإن كان قتيلًا فليس بمرتث.

ص: 497

‌357 - صعصعة بن صوحان

(1)

: " س"

أبو طلحة: أحد خطباء العرب، كان من كبار أصحاب علي. قُتِلَ أخواه يوم الجمل، فأخذ صعصعة الراية.

يروي عن: علي، وابن عباس، وبقي إلى خلافة معاوية.

وثَّقه: ابن سعد. وكان شريفًا مطاعًا أميرًا، فصيحًا مفوَّهًا.

حدَّث عنه: الشعبي، وابن بريدة، والمنهال بن عمرو، وأبو إسحاق.

يقال: وفد على معاوية، فخطب، فقال: إن كنت لأبغض أن أراك خطيبًا. قال: وأنا إن كنت لأبغض أن أراك خليفة.

وقيل: كنيته أبو عمر.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 221"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2979"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1960"، الاستيعاب "2/ 717"، أسد الغابة "3/ 21"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 2794"، الكاشف "2/ ترجمة 2415"، تهذيب التهذيب "4/ ترجمة 728"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 3092".

ص: 498

‌358 - عبد الله بن الحارث

(1)

: " ع"

ابن نوفل ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، السيد، الأمير، أبو محمد القرشي، الهاشمي، المدني، ولقبه:"بَبَّة".

لأبيه ولجده صحبة، وكان نوفل من أسنّ الصحابة، من أسنان حمزة، والعباس عميه.

عداده في مسلمة الفتح، ولم يروِ شيئًا.

وأمَّا الحارث، فله حديث في "مسند بقيّ بن مخلد"، وقد ولي إمرة مكة لعمر، توفي في زمن عثمان، وكان قد أتى بولده ببة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنَّكَه.

حدَّث ببة عن: عمر، وعثمان، وعلي، وأبي، والعباس، وصفوان بن أمية، وحكيم بن حزام، وأم هانئ بنت أبي طالب، وكعب الحبر، وطائفة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 24" و"7/ 100"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 155"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 136"، الاستيعاب "3/ 885"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة رقم 3213"، والكاشف "2/ ترجمة 2702"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 310"، الإصابة "2/ ترجمة 6169"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3440".

ص: 498

وعنه: ولده؛ إسحاق، وعبد الله، والزهري، وأبو التياح يزيد بن حميد، ويزيد بن أبي زياد، وعبد الملك بن عمير، وأبو إسحاق السبيعي، وعمر بن عبد العزيز، وآخرون. روى عدة أحاديث.

قال محمد بن سعد: ثقة، تابعي، أتت به أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ دخل عليها، فتفل في فيه، ودعا له.

وقال الزبير بن بكار: أمه هي هند؛ أخت معاوية.

قلت: وهي أخت أم المؤمنين أم حبيبة.

قال: وكانت تُنقِّزه وتقول:

يا ببة يا ببه

لأنكحنَّ ببه

جارية خِدَبَّه

(1)

تسود أهل الكعبة

اصطلح كبراء أهل البصرة على تأميره عليهم عند هروب عبيد الله بن زياد إلى الشام لما هلك يزيد، ثم كتبوا بالبيعة إلى ابن الزبير، فولّاه عليهم، ثم عزله. ولما كانت فتنة ابن الأشعث

(2)

، هرب عبد الله إلى الشام خوفًا من الحَجَّاج.

وقيل: مات بعمان سنة أربع وثمانين.

وقال أبو عبيد: مات سنة ثلاث وثمانين.

قلت: عاش بضعًا وسبعين سنة، وقارب الثمانين.

وكان من سادة بني هاشم، يصلح للخلافة لعلمه وسؤدده.

(1)

الخدبة: الضخمة الغليظة.

(2)

ابن الأشعث: هو عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي الكوفي، قيل: إن الحَجَّاج قتله بعد سنة "90"، قال الحافظ في "التقريب": مجهول الحال، قُتِلَ بعد التسعين.

ص: 499

‌359 - حكيم بن جَبَلَة العبديّ

(1)

:

الأمير، أحد الأشراف الأبطال، كان ذا دين وتألّه.

أمَّره عثمان على السند مدة، ثم نزل البصرة.

وكان أحد من ثار في فتنة عثمان. فقيل: لم يزل يقاتل يوم الجمل حتى قُطِعَت رجله، فأخذها وضرب بها الذي قطعها، فقتله بها، وبقي يقاتل على رجلٍ واحدة، ويرتجز ويقول:

يا ساق لن تراعي

إن معي ذراعي

أحمى بها كراعي

فنزف منه دم كثير، فجلس متكئًا على المقتول الذي قطع ساقه، فمَرَّ به فارس، فقال: من قطع رجلك؟ قال: وسادتي. فما سمع بأشجع منه، ثم شدَّ عليه سحيم الحداني، فقتله.

(1)

ترجمته في أسد الغابة "2/ 44"، الإصابة "1/ ترجمة 1994".

ص: 500

‌360 - جَبَلَة بن الأَيْهَم الغَسَّاني

(1)

:

أبو المنذر. ملك آل جفنة بالشام، أسلم وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية، فلمَّا كان زمن عمر ارتدَّ ولحق بالروم.

وكان داس رجلًا، فلكمه الرجل فهَمَّ بقتله، فقال عمر: الطمه بدلها، فغضب وارتحل، ثم ندم على ردته -نعوذ بالله من العتوِّ والكبر.

(1)

ترجمته في الأغاني "15/ 157 و 173"، خزانة الأدب "2/ 241".

ص: 500

‌361 - عقبة بن نافع القرشي

(1)

:

الفهري الأمير، نائب إفريقية لمعاوية وليزيد، وهو الذي أنشأ القيروان، وأسكنها الناس.

وكان ذا شجاعة وحزم وديانة، لم يصحّ له صحبة، شهد فتح مصر واختطَّ بها.

حكى عنه ابنه؛ الأمير أبو عبيدة مرة، وعبد الله بن هبيرة، وعلي بن رباح، وعمار بن سعد.

وهو ابن أخي العاص بن وائل السهمي لأمه.

قال الواقدي: جهزه معاوية على عشرة آلاف، فافتتح إفريقية، واختطَّ قيروانها، وكان الموضع غيضة لا يرام منالسباع والأفاعي، فدعا عليها، فلم يبق فيها شيء وهربوا، حتى إن الوحوش لتحمل أولادها.

فحدَّثني موسى بن علي، عن أبيه، قال: نادى: إنا نازلون فاظعنوا. فخرجن من جحرتهنّ هوارب.

وروى نحوه محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: لما فاتتح عقبة إفريقية، قال: يا أهل الوادي! إنا حالّون -إن شاء الله- فاظعنوا، ثلاث مرات. فما رأينا حجرًا ولا شجرًا إلّا يخرج من تحته دابة، حتى هبطن بطن الوادي. ثم قال للناس: انزلوا بسم الله.

وعن مفضل بن فضالة، قال: كان عقبة بن نافع مجاب الدعوة.

وعن علي بن رباح، قال: قدم عقبة على يزيد، فردّه واليًا على المغرب سنة اثنتين وستين، فغزا السوس الأدنى، ثم رجع، وقد سبقه جلّ الجيش، فخرج عليه جمع من العدو، فقتل عقبة وأصحابه.

وقال ابن يونس: قُتِلَ سنة ثلاث وستين، رحمه الله تعالى.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2901"، أسد الغابة "4/ 59"، الإصابة "2/ ترجمة 5613".

ص: 500

‌362 - الوليد بن عتبة

(1)

:

ابن أبي سفيان بن حرب. وَلِيَ لعمه معاوية المدينة، وكان ذا جود وحلم، وسؤدد، وديانة، وولي الموسم مرات.

ولما جاءه نعي معاوية وبيعة يزيد، لم يشدد على الحسين وابن الزبير، فانملسا منه. فلامه مروان، فقال: ما كنت لأقتلهما، ولا أقطع رحمهما.

وقيل: إنهم أرادوه على الخلافة بعد معاوية بن يزيد، فأبى.

وقال يعقوب الفسوي: أراد أهل الشام الوليد بن عتبة على الخلافة، فطُعِنَ فمات بعد موت معاوية بن يزيد.

ويقال: قدم للصلاة على معاوية بن يزيد، فأخذه الطاعون في الصلاة فلم يرفع إلّا وهو ميت.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "9/ ترجمة 54"، شذرات الذهب "1/ 72".

ص: 501

‌363 - قيس بن ذريح الليثي

(1)

:

من أعراب الحجاز، شاعر محسن، كان يشبب بأمِّ مَعْمَر لُبْنَي بنت الحباب الكعبية، ثم إنه تزوج بها. وقيل: كان أخًا للحسين رضي الله عنه من الرضاعة.

وكان يكون بقديد وقع بين أمه وبين لُبْنَى فأبغضتها، فما زالت تتحيل حتى طلق لُبْنَى، وقال لأمه: أما إنه آخر عهدك بي، وعظم به فراق أهله، وجَهَدَه.

وهو القائل:

وكل مُلِمَّات الزمان وجدتها

سوى فُرْقَةِ الأحباب هيِّنَة الخطب

ونظمه في الذروة العليا رقة، وحلاوة، وجزالة، وكان في دولة يزيد.

(1)

الوافي بالوفيات "3/ 204"، النجوم الزاهرة "1/ 182".

ص: 502

‌364 - أسماء بن خارجة

(1)

:

ابن حصن بن حذيفة بن بدر الأمير، أبو حسّان -وقيل: أبو هند- الفزاري، الكوفي، من كبار الأشراف.

وهو ابن أخي عيينة بن حصن؛ أحد المؤلَّفة قلوبهم.

روى أسماء عن: علي وابن مسعود.

وعنه: ولده مالك، وعلي بن ربيعة.

وفيه يقول القطامي:

إذا مات ابن خارجة بن حصن

فلا مطرت على الأرض السماء

ولا رجع البريد بغُنم جيش

ولا حملت على الطُّهْرِ النساء

قال المحدِّث مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان بن أسماء بن خارجة الفزاري: أتيت الأعمش، فانتسبت له، فقال: لقد قسم جدك أسماء قسمًا، فنسي جارًا له، فاستحيى أن يعطيه، وقد بدى غيره، فدخل عليه، وصبَّ عليه المال صبًّا، أفتفعل ذا أنت؟

وروى أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، قال: فاخر أسماء بن خارجة رجلًا، فقال: أنا ابن الأشياخ الكرام. فقال ابن مسعود: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق الذبيح ابن إبراهيم الخليل.

إسناده صحيح.

قال خليفة بن خياط: مات أسماء سنة ست وستين.

قلت: ومن أولاده: شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة. وبنو فزارة من مضر.

ولخارجة أيضًا صحبة يسيرة، ولا رواية له ولا لعيينة.

(1)

ترجمته في تاريخ الإسلام "2/ 385"، فوات الوفيات "1/ 168 - 169"، النجوم الزاهرة "1/ 179".

ص: 502

‌365 - حسان بن مالك:

ابن بَحْدَل بن أُنَيف، أمير العرب، أبو سليمان الكلبي. ومن أمراء معاوية يوم صفين. وهو الذي شد من مروان بن الحكم وبايعه.

قال الكلبي: سلموا بالخلافة على حسان أربعين ليلة، ثم سلم الأمر إلى مروان.

وله قصر بدمشق، وهو قصر البَحَادِلة، ثم صار يُعْرَف بقصر ابن أبي الحديد.

وهو الذي يفتخر ويقول:

فإن لا يكن منَّا الخليفة نفسه

فما نالها إلا ونحن شهود

ص: 503

‌366 - شقيق بن ثور

(1)

:

الأمير، أبو الفضل السدوسي، سيد بكر بن وائل في الإسلام، وكان رأسهم يوم صفين مع علي، ويوم الجمل.

يروي عن: عثمان، وعلي.

وعنه: أبو وائل، وخلّاد بن عبد الرحمن.

وله وفادة علي معاوية، وقُتِلَ أبوه في فتح تستر.

قيل: إن شقيقًا هذا لما احتضر، قال: ليته لم يسد قومه، فكم من باطل قد حققناه، وحقٍّ أبطلناه. توفي سنة خمس وستين.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2683"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1617"، الكاشف "2/ ترجمة 2321"، تهذيب التهذيب "4/ ترجمة 608"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2973".

ص: 503

‌367 - المختار بن أبي عبيد الثقفي

(1)

:

الكذاب، كان والده الأمير أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن عنزة بن عوف بن ثقيف، قد أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم نعلم له صحبة.

استعمله عمر بن الخطاب على جيش، فغزا العراق، وإليه تنسب وقعة جسر أبي عبيد.

ونشأ المختار فكان من كبراء ثقيف، وذوي الرأي، والفصاحة، والشجاعة، والدهاء، وقلة الدِّين. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يكون في ثقيف كذَّاب ومبير"

(2)

. فكان الكذاب هذا، ادَّعى أن الوحي يأتيه، وأنه يعلم الغيب، وكان المبير الحَجَّاج -قبحهما الله.

قال أحمد في "مسنده": حدثنا ابن نمير، حدثنا عيسى بن عمر، حدثنا السدي، عن رفاعة الفتياني، قال: دخلت على المختار، فألقى لي وسادة، وقال: لولا أنَّ جبريل قام عن هذه لألقيتها لك. فأردت أن أضرب عنقه، فذكرت حديثًا حدثنيه عمرو بن الحمق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما مؤمن أَمَّنَ مؤمنًا على دمه فقتله، فأنا من القاتل بريء"

(3)

.

وروى مجالد، عن الشعبي، قال: أقرأني الأحنف كتاب المختار إليه يزعم أنه نبي، وكان المختار قد سار من الطائف بعد مصرع الحسين إلى مكة، فأتى ابن الزبير، وكان قد طرد لشره إلى الطائف، فأظهر المناصحة، وتردَّد إلى ابن الحنفية، فكانوا يسمعون ما ينكر. فلمَّا مات يزيد، استأذن ابن الزبير في الرواح إلى العراق، فركن إليه وأذن له، وكتب إلى نائبه بالعراق؛ عبد الله بن مطيع، يوصيه به، فكان يختلف إلى ابن مطيع، ثم أخذ يعيب في الباطن ابن الزبير، ويثني على ابن الحنفية، ويدعو إليه، وأخذ يشغب على ابن مطيع، ويمكر، ويكذب، فاستغوى جماعة، والتفت عليه الشيعة، فخافه ابن مطيع، وفَرَّ من الكوفة، وتمكَّن هو، ودعا

(1)

ترجمته في مروج الذهب "3/ 272"، أسد الغابة "5/ 122"، الإصابة "3/ ترجمة رقم 8545".

(2)

حسن: أخرجه مسلم "2545" من طريق يعقوب بن إسحاق الحضري، أخبرنا الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل، عن ابن عمر في حديث طويل مرفوعًا.

قلت: إسناده حسن، يعقوب بن إسحاق الحضرمي، صدوق -كما قال الحافظ في "التقريب"، وأبو نوفل هو ابن أبي عقرب الكناني، ثقة من رجال البخاري ومسلم.

قوله: "ومبير": المبير هو المهلك، والمعنيّ به هو الحجاج بن يوسف الثقفي، كما قالت له أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها.

(3)

حسن: أخرجه أحمد "5/ 223 و 224"، والبخاري في "التاريخ""2/ ق 1/ 322"، والطيالسي "1285"، وأبو نعيم في "الحلية""9/ 24" من طريق السدي، به.

قلت: إسناده حسن، السدي، هو إسماعيل بن عبد الرحمن، صدوق -كما قال الحافظ في التقريب.

ص: 504

ابن الزبير إلى مبايعة محمد ابن الحنفية، فأبى، فحصره وضيق عليه وتوعَّده، قتألَّمت الشيعة له، وردَّ المختار إلى مكة، ثم بعث معه ابن الزبير إبراهيم بن محمد بن طلحة على خراج الكوفة، فقَدِم المختار وقد هاجت الشيعة للطلب بالثأر، وعليهم سليمان بن صرد، فأخذ المختار يفسدهم، ويقول: إني جئت من قبل المهديّ ابن الوصي -يريد: ابن الحنفية، فتبعه خلق، وقال: إن سليمان لا يصنع شيئًا، إنما يُلْقِي بالناس إلى التهلكة، ولا خبرة له بالحرب.

وخاف عمر بن سعد بن أبي وقاص، فذهب عبد الله بن يزيد الخطميّ نائب ابن الزبير، وإبراهيم بن محمد إلى ابن صرد، فقالا: إنكم أحبّ أهل بلدنا إلينا، فلا تفجعونا بأنفسكم، ولا تنقصوا عددنا بخروجكم، قفوا حتى نتهيأ. قال ابن صرد: قد خرجنا لأمر، ولا نرانا إلّا شاخصين. فسار ومعه كل مستميت، ومروا بقبر الحسين فبكوا، وأقاموا يومًا عنده، وقالوا: يا رب، قد خذلناه فاغفر لنا وتب علينا. ثم نزلوا قرقيسيا، فتمّ المصاف بعين الوردة، وقُتِلَ ابن صرد وعامَّة التوابين، ومرض عبيد الله بالجزيرة، فاشتغل بذلك وبقتال أهله عن العراق سنة، وحاصر الموصل.

وأمَّا المختار، فسُجِنَ مدة ثم خرج، فحاربه أهل الكوفة، فقتل رفاعة بن شداد، وعبد الله بن سعد، وعدة، وغلب على الكوفة، وهرب منه نائب ابن الزبير، فقتل جماعة ممن قاتل الحسين، وقتل الشمر بن ذي الجَوْشن، وعمر بن سعد، وقال: إن جبريل ينزل عليَّ بالوحي. واختلق كتابًا عن ابن الحنفية إليه يأمره بنصر الشيعة، وثار إبراهيم بن الأشتر في عشيرته، فقتل صاحب الشرطة، وسُر به المختار، وقوي، وعسكروا بدير هند، فحاربهم نائب ابن الزبير، ثم ضعف واختفى، وأخذ المختار في العدل، وحسن السيرة.

وبعث إلى النائب بمال، وقال: اهرب. ووجد المختار في بيت المال سبعة آلاف ألف درهم، فأنفق في جيشه، وكتب إلى ابن الزبير: إني رأيت عاملك مداهنًا لبني أمية، فلم يسعني أن أقره، فانخدع له ابن الزبير، وكتب إليه بولاية الكوفة، فجهَّز ابن الأشتر لحرب عبيد الله بن زياد، في آخر سنة ست وستين، ومعه كرسي على بغل أشهب.

وقال المختار: هذا فيه سر، وهو آية لكم، كما كان التابوت لبني إسرائيل. فحفّوا به يدعون، فتألم ابن الأشتر، وقال: اللهمَّ لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا، سنة بني إسرائيل؛ إذ عكفوا على العجل.

فعن طفيل بن جعدة بن هبيرة، قال: كان لي جار زيات، له كرسي، فاحتجت، فقلت

ص: 505

للمختار: إني كنت أكتمك شيئًا، والآن أذكره. قال: وما هو؟ قلت: كرسيّ كان أبي يجلس عليه، كان يرى أنَّ فيه أثارة من علم. قال: سبحان الله! لم أخَّرته؟ فجيء به وعليه ستر، فأمر لي باثني عشر ألفًا، ودعا بالصلاة جامعة، فاجتمعوا، فقال: إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلّا وهو كائن فيكم، وقد كان في بني إسرائيل التابوت، وإن فينا مثله، اكشفوا هذا. فكشفوا الأثواب، وقامت السبائية، فرفعوا أيديهم، فأنكر شبث بن ربعي فضرب، فلمَّا انتصروا على عبيد الله افتتنوا بالكرسيّ وتغالوا فيه، فقلت: إنا لله، وندمت. فلمَّا زاد كلام الناس غيب، وكان المختار يربطهم بالمحال والكذب، ويتألَّفهم بقتل النواصب.

عن الشعبي، قال: خرجت أنا وأبي مع المختار، فقال لنا: أبشروا، فإن شرطة الله قد حسوهم بالسيوف بقرب نصيبين. فدخلنا المدائن، فوالله إنه ليخطبنا؛ إذ جاءته البشرى بالنصر، فقال: ألم أبشركم بهذا؟ قالوا: بلى. فقال لي همداني: أتؤمن الآن؟ قلت: بماذا؟ قال: بأنَّ المختار يعلم الغيب، ألم يقل لنا: إنهم هزموا؟ قلت: إنما زعم أنَّ ذلك بنصيبين، وإنما وقع ذلك بالخازر من الموصل. قال: والله لا تؤمن يا شعبي حتى ترى العذاب الأليم.

وقيل: كان رجل يقول: قد وضع لنا اليوم وحي، ما سمع الناس بمثله؛ فيه نبأ ما يكون.

وعن موسى بن عامر، قال: إنما كان يضع لهم عبد الله بن نوف، ويقول: إن المختار أمرني به، ويتبرأ من ذلك المختار. فقال سراقة البارقي:

كفرت بوحيكم وجعلت نذرًا

عليَّ هجاءكم حتى الممات

أرى عيني ما لم ترأياه

كلانا عالم بالترهات

ووقع المصافّ، فقتل بن زياد، قدَّه ابن الأشتر نصفين، وكان بطل النخع وفارس اليمانية، فدخل الموصل، واستولى على الجزيرة، ثم وجه المختار أربعة آلاف فارس في نصر محمد ابن الحنفية، فكلموا ابن الزبير، وأخرجوه من الشعب، وأقاموا في خدمته أشهرًا، حتى بلغهم قتل المختار، فإن ابن الزبير علم مكره، فندب لحربه أخاه مصعبًا. فقدم محمد بن الأشعث، وشبث بن ربعي إلى البصرة يستصرخان الناس على الكذاب، ثم التقى مصعب وجيش المختار، فقتل ابن الأشعث، وعبيد الله بن علي بن أبي طالب، وانفلّ الكوفيون، فحصرهم مصعب في دار الإمارة، فكان المختار يبرز في فرسانه ويقاتل حتى قتله طريف الحنفي وأخوه طراف، في رمضان سنة سبع وستين، وأتيا برأسه مصعبًا، فوهبهما ثلاثين ألفًا، وقتل من الفريقين سبع مائة.

ص: 506

وقيل: كان المختار في عشرين ألفًا. ثم إنَّ مصعبًا أساء، فأمَّن بقصر الإمارة خلقًا، ثم قتلهم غدرًا، وذبحت عمرة بنت النعمان بن بشير صبرًا؛ لأنها شهدت أن زوجها المختار عبد صالح. وأقبل في نجدة مصعب المهلّب بن أبي صفرة في الرجال والأموال، ولما خذل المختار قال لصاحبه: ما من الموت بد، وحبَّذا مصارع الكرام. وقلّ عليه القوت في الحصار والماء، وجاعوا في القصر، فبرز المختار للموت في تسعة عشر مقاتلًا. فقال المختار: أتؤمِّنُوني؟ قالوا: لا. إلّا على الحكم. قال: لا أحكم في نفسي. وقاتل حتى قُتِل، وأمكن أهل القصر من أنفسهم، فبعث إليهم عباد بن حصن، فكان يخرجهم مكتفين ويقتلهم. فقال رجل لمصعب بن الزبير: الحمد لله الذي ابتلانا بالأسر، وابتلاك أن تعفو، وهما منزلتان؛ إحداهما رضى الله، والأخرى سخطه، من عفا عفا الله عنه، ومن قتل لم يأمن القصاص، نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم، لسنا تركًا ولا ديلمًا، قاتلنا إخواننا كما اقتتل أهل الشام بينهم، ثم اصطلحوا وقد ملكتم، فأسجحوا. فرقَّ مصعب وَهَمَّ أن يدعهم، فوثب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وقال: اخترنا أو اخترهم. وقال آخر: قتل أبي في خمس مائة من همدان وتخليهم؟! وسمرت كف المختار إلى جانب المسجد.

وروى إسحاق بن سعيد، عن أبيه، قال: جاء مصعب يزور ابن عمر، فقال: أي عم! أسألك عن قوم خلعوا الطاعة، وقاتلوا حتى إذا غلبوا تحصنوا وطلبوا الأمان فأعطوا، ثم قتلوا. قال: كم العدد؟ قال: خمسة آلاف. فسبح ابن عمر، ثم قال: يا مصعب! لو أنَّ امرأ أتى ماشية الزبير، فذبح منها خمسة آلاف شاة في غداة، أكنت تعده مسرفًا؟ قال: نعم. قال: فتراه إسرافًا في البهائم، وقتلت من وحَّد الله، أما كان فيهم مكره أو جاهل تُرْجَى توبته؟! اصبب يا ابن أخي من الماء البارد ما استطعت في دنياك.

وقد كان المختار معظمًا لابن عمر، ينفذ إليه بالأموال، وكان ابن عمر تحته صفية أخت المختار.

ونشأ المختار بالمدينة، يُعْرَف بالميل إلى بني هاشم، ثم سار إلى البصرة يظهر بها ذكر الحسين في أيام معاوية، فأخبر به عبيد الله بن زياد، فأمسك، وضربه مائةً، ودرعه عباءة، ونفاه إلى الطائف، فلما عاذ ابن الزبير بالبيت خرج إليه.

ص: 507

‌368 - عبيد الله بن زياد بن أبيه

(1)

:

أمير العراق، أبو حفص. ولي البصرة سنة خمس وخمسين، وله ثنتان وعشرون سنة، وولي خراسان، فكان أوّل عربي قطع جيحون، وافتتح بيكند، وغيرها.

وكان جميل الصورة، قبيح السرير.

وقيل: كانت أمه مرجانة من بنات ملوك الفرس.

قال أبو وائل: دخلت عليه بالبصرة وبين يديه ثلاثة آلاف ألف درهم جاءته من خرج أصبهان، وهي كالتَّل.

روى السري بن يحيى، عن الحسن، قال: قدم علينا عبيد الله، أمَّره معاوية، غلامًا سفيهًا، سفك الدماء سفكًا شديدًا، فدخل عليه عبد الله بن مغفل، فقال: انته عمَّا أراك تصنع، فإن شرَّ الرعاء الحطمة. قال: ما أنت وذاك؟ إنما أنت من حثالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قال: وهل كان فيهم حثالة، لا أمَّ لك!

قال: فمرض ابن مغفل، فجاءه الأمير عبيد الله عائدًا، فقال: أتعهد إلينا شيئًا؟ قال: لا تصلّ عليّ، ولا تقم على قبري.

قال الحسن: وكان عبيد الله جبانًا، ركب، فرأى الناس في السكك، فقال: ما لهؤلاء؟ قالوا: مات عبد الله بن مغفل.

وقيل: الذي خاطبه هو عائذ بن عمرو المزني، كما في "صحيح مسلم"

(2)

، فلعلها واقعتان.

(1)

ترجمته في "التاريخ الكبير""3/ ق 1/ 381"، مروج الذهب "3/ 282"، تاريخ الإسلام "3/ 43"، شذرات الذهب "1/ 74".

(2)

أخرجه مسلم "1830" من طريق جرير بن حازم، حدثنا الحسن؛ أن عائذ بن عمرو، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل على عبيد الله بن زياد فقال: أي بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن شَرَّ الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم". فقال له: اجلس، فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم، وفي غيرهم.

قوله: الحطمة: هو العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار، يلقي بعضها على بعض ويعسفها. ضربه مثلًا لوالي السوء.

وقوله: "نخالة": أي ليست من فضلائهم وعلمائهم وأهل المراتب منهم، بل من سقطهم.

ص: 508

وقد جرت لعبيد الله خطوب، وأبغضه المسلمون لما فعل بالحسين رضي الله عنه، فلمَّا جاء نعي يزيد هرب بعد أن كاد يؤسَر، واخترق البرية إلى الشام، وانضمَّ إلى مروان، ثم سار في جيش كثيف، وعمل المصافّ برأس عين.

واستخلف عاوية بن زيد شابًّا مليحًا وسيمًا، صالحًا، فتمرَّض ومات بعد شهرين. قيل له: استخلف. فقال: ما أصبت من حلاوتها، فلم أتحمّل مرارتها؟ وعاش إحدى وعشرين سنة، وصلى عليه ابن عمه عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان، فأرادوه على الخلافة فأبى، ولحق بخاله ابن الزبير فبايعه. وهَمَّ مروان بمبايعة ابن الزبير، فأتاه عبيد الله بن زياد هاربًا من العراق، وكان قد خطب ونعى إلى الناس يزيد، وبذل العطاء، فخرج عليه سلمة الرياحي يدعو إلى ابن الزبير، فمال إليه الناس، فقال الناس لعبيد الله: أخرج لنا إخواننا من السجون -وكانت مملوءة من الخوارج، قال: لا تفعلوا. فأبوا، فأخرجهم، فجعلوا يبايعونه، فما تكامل آخرهم حتى أغلظوا له، ثم عسكروا.

وقيل: خرجوا يمسحون الجدر بأيديهم، ويقولون: هذه بيعة ابن مرجانة. ونهبوا خيله، فخرج ليلًا، واستجار بمسعود بن عمرو رئيس الأزد، فأجاره.

وأمَّر أهل البصرة عليهم عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، فشدت الخوارج على مسعود فقتلوه، وتفاقم الشر، وصاروا حزبين، فافتتلوا أيامًا، فكان على الخوارج نافع بن الأزرق، وفَرَّ عبيد الله قبل مقتل مسعود في مائة من الأزد إلى الشام، فوصل إلى الجابية، وهناك بنو أمية، فبايع هو ومروان خالد بن يزيد بن معاوية في نصف ذي القعدة، ثم التقوا هُمْ والضَّحَّاك بمرج دمشق، فاقتتلوا أيامًا في ذي الحجة.

وكان الضحاك بن قيس في ستين ألفًا، والأموية في ثلاثة عشر ألفًا، وأشار عبيد الله بمكيدة، فسألوا الضحاك الموادعة فأجاب، فكبسهم مروان، وقتل الضحاك في عدة من فرسان قيس، وثار الخوارج بمصر، ودعوا إلى ابن الزبير يظنّونه منهم، فبعث على مصر عبد الرحمن بن جحدم الفهري، واستعمل على الكوفة عامر بن مسعود الجمحي، وهدم الكعبة وبناها، وألصق بابيها بالأرض، وأدخل فيها ستة أذرع من الحِجْرِ.

وأمَّا أكثر الشاميين فبايعوا مروان في أول سنة خمس، وبعث ابن الزبير على خراسان المهلب بن أبي صفرة، فحارب الخوارج ومزقهم، وسار مروان، فأخذ مصر بعد حصارٍ وقتال شديد، وتزوّج بوالدة خالد بن يزيد بن معاوية، وجعله ولي عهده، فما تَمَّ ذلك، وقتله الزوجة، لكونه قال لخالد مرة: يا ابن رطبة الاست.

ص: 509

وجهَّز إلى العراق عبيد الله بن زياد، فالتقاه شيعة الحسين فغُلِبوا، وكان مع عبيد الله حصين بن نمير السكوني، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وأدهم الباهلي، وربيعة بن مخارق، وحميلة الخثعميّ، وقومهم.

وكانت ملحمة مشهودة، فتوثَّب المختار الكذاب بالكوفة، وجهز إبراهيم بن الأشتر لحرب عبيد الله في ثمانية آلاف، فالتقوا في أول سنة سبع وستين بالخازر، كبسهم ابن الأشتر سحرًا، والتحم الحرب، وقتل خلق، فانهزم الشاميون، وقتل عبيد الله، وحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وبعث برءوسهم إلى مكة.

ثم تمكَّن ابن الزبير، وغضب على المختار، ولاح له ضلاله، فجهَّز لحربه مصعب بن الزبير، فظَفِرَ به، وقتل من أعوانه خلائق، وكتب إلى الجزيرة، إلى إبراهيم بن الأشتر: إن أطعتني وبايعت فلك الشام.

وكتب إليه عبد الله: إن بايعتني فلك العراق، فاستشار قواده فتردَّدوا، فقال: لا أوثر على مصري وقومي أحدًا. وسار إلى خدمة مصعب، فكان معه إلى أن قُتِلَا.

وقد كانت مرجانة تقول لابنها عبيد الله: قتلت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ترى الجنة -أو نحو هذا.

قال أبو اليقظان: قتل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء سنة سبع وستين.

قال يزد بن أبي زاد: عن أبي الطفيل، قال: عزلنا سبعة أرؤس، وغطَّينا منها رأس حصين بن نمير، وعبيد الله بن زياد، فجئت فكشفتها، فإذا حية في رأس عبيد الله تأكل.

وصحَّ من حديث عمارة بن عمير، قال: جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه، فأتيناهم وهم يقولون: قد جاءت، قد جاءت. فإذا حية تخلل الرءوس، حتى دخلت في منخر عبيد الله، فمكثت هنية ثم خرجت وغابت، ثم قالوا: قد جاءت، قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين، أو ثلاثًا.

قلت: الشيعي لا يطيب عيشه حتى يلعن هذا ودونه، ونحن نبغضهم في الله، ونبرأ منهم ولا نلعنهم، وأمرهم إلى الله.

ص: 510

‌369 - المجنون

(1)

:

قيس بن الملوَّح، وقيل: ابن معاذ، وقيل: اسمه بختري بن الجعد، وقيل غير ذلك، من بني عامر بن صعصعة، وقيل: من بني كعب بن سعد؛ الذي قتله الحب في ليلى بنت مهدي العامرية.

سمعنا أخباره تأليف ابن المرزُبَان.

وقد أنكر بعضهم ليلى والمجنون، وهذا دفع بالصَّدر، فما من لم يعلم حجة على من عنده علم، ولا المثبت كالنافي، لكن إذا كان المثبت لشيء شبه خرافة، والنافي ليس غرضه دفع الحق، فهنا النافي مقدم، وهنا تقع المكابرة، وتُسْكَب العبرة.

فقيل: إن المجنون عَلِقَ ليلى علاقة الصبا، وكانا يرعيان البهم

(2)

. ألَا تسمع قوله؟ وما أفحل شعره:

تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة

ولم يبد للأتراب من ثديها حجم

صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا

إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

وعلقته هي أيضًا، ووقع بقلبها.

وهو القائل:

أظن هواها تاركي بمضلة

من الأرض لا مال لدي ولا أهل

ولا أحد أقضي إليه وصيتي

ولا وارث إلَّا المطية والرحل

محا حُبُّها حب الألى كنّ قبلها

وحلَّت مكانًا لم يكن حلّ من قبل

فاشتد شغفه بها حتى وسوس وتخبل في عقله، فقال:

إني لأجلس في النادي أحدثهم

فأستفيق وقد غالتني الغول

يهوي بقلبي حديث النفس نحوكم

حتى يقول جليسي: أنت مخبول

قال أبو عبيدة: تزايد به الأمر حتى فقد عقله، فكان لا يؤويه رحل، ولا يعلوه ثوب إلَّا

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة "1/ 170"، شذرات الذهب "1/ 277"، خزانة الأدب للبغدادي "2/ 170".

(2)

البهم: جمع بَهْمَة وهي ولد الضأن؛ الذكر والأنثى، وجمع البهم بِهَام، وأولاد المعز سِخال، فإذا اجتمعا أطلق عليهما البَهْم والبِهَام.

ص: 511

مزقه، ويقال: إن قوم ليلى شكوا المجنون إلى السلطان، فأهدر دمه، وترحَّل قومها بها، فجاء وبقي يتمرَّغ في المحلة، ويقول:

أيا حرجات الحيّ حيث تحمَّلوا

بذي سَلَم لا جادُّكنَّ ربيع

وخيَّماتك اللاتي بمنعرَجِ اللوى

بلين بلىً لم تبلهنّ ربوع

وقيل: إن قومه حجوا به ليزور النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو، حتى إذا كان بمنَى سمع نداء يا ليلى، فغشي عليه، وبكى أبوه، فأفاق يقول:

وداعٍ دعا إذ نحن بالخيف من منًى

فهيِّج أطراب الفؤاد ولم يدر

دعا باسم ليلى غيرها فكأنما

أطار بليلى طائرًا كان في صدري

وجزعت هي لفراقه وضنيت، وقيل: إن أباه قيده، فبقي يأكل لحم ذراعيه، ويضرب بنفسه، فأطلقه، فهام في الفلاة، فوجِدَ ميتًا فاحتملوه إلى الحي وغسَّلوه ودفنوه، وكثر بكاء النساء والشباب عليه.

وقيل: إنه كان يأكل من بقول الأرض، وألفته الوحش، وكان يكون بنجد، فساح حتى حدود الشام.

وشعره كثير من أرق شيء وأعذبه، وكان في دولة يزيد وابن الزبير.

ص: 512

‌370 - أبو مسلم الخَوْلاني

(1)

: " م، (4) "

الداراني، سيد التابعين، وزاهد العصر.

اسمه على الأصح: عبد الله بن ثوب، وقيل: اسمه عبد الله بن عبد الله، وقيل: عبد الله بن ثواب، وقيل: ابن عبيد، ويقال: اسمه يعقوب بن عوف.

قَدِمَ من اليمن، وقد أسلم في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل المدينة في خلافة الصديق.

وحدَّث عن عمر، ومعاذ بن جبل، وأبي عبيدة، وأبي ذر الغفاري، وعبادة بن الصامت.

روى عنه: أبو إدريس الخولاني، وأبو العالية الرياحيّ، وجبير بن نفير، وعطاء بن أبي

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 448"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 133"، الحلية "2/ 22"، أسد الغابة "3/ 129"، الإصابة "3/ ترجمة 6302" و"4/ ترجمة 1117"، تهذيب التهذيب "12/ 235".

ص: 512

رباح، وشرحبيل بن مسلم -وما أدركاه، وعطية بن قيس، وأبو قلابة الجرمي، ومحمد بن زياد الألهاني، وعمير بن هانئ، ويونس بن ميسرة -ولم يلحقوه، لكن أرسلوا عنه.

قال إسماعيل بن عياش: حدّثنا شرحبيل بن مسلم قال: أتى أبو مسلم الخولاني المدينة وقد قُبِضَ النبي صلى الله عليه وسلم، واستُخْلِفَ أبو بكر.

فحدَّثنا شرحبيل أنَّ الأسود تنبَّأ باليمن، فبعث إلى أبي مسلم، فأتاه بنار عظيمة، ثم إنه ألقى أبا مسلم، فيها فلم تضره، فقيل للأسود: إن لم تنف هذا عنك أفسد عليك من اتبعك، فأمره بالرحيل، فقدم المدينة، فأناخ راحلته، ودخل المسجد يصلي، فبصر به عمر رضي الله عنه، فقام إليه فقال: مِمَّن الرجل؟ قال: من اليمن، قال: ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذاك عبد الله بن ثوب، قال: نشدتك بالله، أنت هو؟ قال: اللهمَّ نعم، فاعتنقه عمر وبكى، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين الصديق، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من صُنِعَ به كما صُنِعَ بإبراهيم الخليل. رواه عبد الوهاب بن نجد، وهو ثقة، عن إسماعيل، لكن شرحبيل أرسل الحكاية.

ويروى عن مالك بن دينار أنَّ كعبًا رأى أبا مسلم الخولاني، فقال: من هذا؟ قالوا: أبو مسلم، فقال: هذا حكيم هذه الأمة.

وروى معمر، عن الزهري قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك، فكان يتناول عائشة رضي الله عنها، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألَا أحدثك عن رجل من أهل الشام كان قد أوتي حكمة؟ قال: من هو؟ قلت: أبو مسلم الخولاني، سمع أهل الشام ينالون من عائشة، فقال: ألَا أخبركم بمثلي ومَثَل أمّكم هذه؟ كمثل عينين في رأسٍ تؤذيان صاحبهما، ولا يستطيع أن يعاقبهما إلَّا بالذي هو خير لهما، فسكت، فقال الزهري: أخبرنيه أبو إدريس الخولاني، عن أبي مسلم.

قال عثمان بن أبي العاتكة: علَّقَ أبو مسلم سوطًا في المسجد، فكان يقول: أنا أولى بالسوط من البهائم، فإذا فَتَرَ مشَقَ ساقيه سوطًا أو سوطين، قال: وكان يقول: لو رأيت الجنة عيانًا أو النار عيانًا ما كان عندي مستزاد.

إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل أنَّ رجلين أتيا أبا مسلم، فلم يجداه في منزله، فأتيا المسجد فوجداه يركع، فانتظراه، فأحصى أحدهما أنه ركع ثلاث مائة ركعة.

الوليد بن مسلم: أنبانا عثمان بن أبي العاتكة، أنَّ أبا مسلم الخولاني سمع رجلًا يقول:

ص: 513

سبق اليوم فلان، فقال: أنا السابق، قالوا: وكيف يا أبا مسلم؟ قال: أدلجت من داريَّا، فكنت أول من دخل مسجدكم.

قال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس قال: دخل ناس من أهل دمشق على أبي مسلم وهو غازٍ في أرض الروم، وقد احتفر جورة في فسطاطه، وجعل فيها نطعًا، وأفرغ فيه الماء، وهو يتصلق فيه، فقالوا: ما حملك على الصيام وأنت مسافر؟ قال: لو حضر قتال لأفطرت ولتهيَّأت له، وتقوَّيت، إن الخيل لا تجري الغايات، وهن بدن إنما تجري وهنَّ بدن، إنما تجري وهن ضمَّر، ألَا وإن أيامنا باقية جائية، لها نعمل.

وقيل: كان يرفع صوته بالتكبير حتى مع الصبيان، ويقول: أذكر الله، حتى يرى الجاهل أنه مجنون.

وروى محمد بن زياد الألهاني، عن أبي مسلم الخولاني، أنه كان إذا غزا أرض الروم، فمروا بنهر، فقال: أجيزوا بسم الله، ويمر بين أيديهم، فيمرون بالنهر الغمر، فربما لم يبلغ من الدواب إلَّا الرُّكَب، فإذا جازوا قال: هل ذهب لكم شيء، فمن ذهب له شيء فأنا ضامن له، فألقى بعضهم مخلاته عمدًا، فلمَّا جاوزا قال الرجل: مخلاتي وقعت، قال: اتبعني، فاتبعه، فإذا بها معلقة بعود في النهر، قال: خذها.

سليمان بن المغيرة، عن حميد الطويل، أنَّ أبا مسلم أتى على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها، فذهب عليها، ثم حمد الله وأثنى عليه، وذكر مسير بني إسرائيل في البحر، ثم لهز دابته، فخاضت الماء، وتبعه الناس حتى قطعوها، ثم قال: هل فقدتم شيئًا من متاعكم، فأدعو الله أن يرده عليّ؟

عنبسة بن عبد الواحد، عن عبد الملك بن عمير قال: كان أبو مسلم الخولاني إذا استسقى سُقِيَ.

وروى بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي مسلم، أنَّ امرأة خببَّت عليه امرأته، فدعا عليها فعميت، فأتته فاعترفت وتابت، فقال: اللهم إن كانت صادقة فاردد بصرها، فأبصرت.

ضمرة بن ربيعة، عن بلال بن كعب، أنَّ الصبيان قالوا لأبي مسلم الخولاني: ادع الله أن يحبس علينا هذا الظبي فنأخذه، فدعا الله، فحبسه فأخذوه.

وعن عطاء الخراساني، أنَّ امرأة أبي مسلم قالت: ليس لنا دقيق، فقال: هل عندك شيء؟ قالت: درهم بعنا به غزلًا، قال: ابغينيه، وهاتي الجراب، فدخل السوق، فأتاه سائل،

ص: 514

وألحَّ، فأعطاه الدرهم، وملأ الجراب نشارة من تراب، وأتى وقَلْبُه مرعوب منها، وذهب ففتحه، فلمَّا جاء ليلًا وضعته، فقال: من أين هذا؟ قالت: من الدقيق، فأكل وبكى.

أبو مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز، أنَّ أبا مسلم استبطأ خبر جيش كان بأرض الروم، فدخل طائر فوقع، فقال: أنا رتبابيل مسلي الحزن من صدور المؤمنين، فأخبره خبر الجيش، فقال: ما جئت حتى استبطأتك?

قال سعيد بن عبد العزيز: كان أبو مسلم يرتجز يوم صفين، ويقول:

ما علَّتي ما علَّتي

وقد لبست دِرعَتي

أموت عند طاعتي

وقيل: إنَّ أبا مسلم قام إلى معاوية فوعظه، وقال: إياك أن تميل على قبيلة، فيذهب حيفك بعدلك.

وروى أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس قال: دخل أبو مسلم على معاوية، فقام بين السماطين، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: مه، قال: دعوه، فهو أعرف بما يقول، وعليك السلام يا أبا مسلم، ثمَّ وعظه وحثَّه على العدل.

وقال شرحبيل بن مسلم: كان الولاة يَتَيَمَّنون بأبي مسلم، ويؤمِّرونه على المقدمات.

قال سعيد بن عبد العزيز: مات أبو مسلم بأرض الروم، وكان شتا مع بسر بن أبي أرطاة، فأدركه أجله، فعاده بسر، فقال له أبو مسلم: يا بسر، اعقد لي على من مات في هذه الغزاة، فإني أرجو أن آتي بهم يوم القيامة على لوائهم.

قال أحمد بن حنبل: حدثنا عن محمد بن شعيب، عن بعض المشيخة قال: أقبلنا من أرض الروم، فمررنا بالعمير على أربعة أميال من حمص، في آخر الليل، فاطَّلع راهب من صومعة، فقال: هل تعرفون أبا مسلم الخولاني؟ قلنا: نعم، قال: إذا أتيتموه فأقرءوه السلام، فإنا نجده في الكتب رفيق عيسى ابن مريم، أما إنكم لا تجدونه حيًّا. قال: فلما أشرفنا على الغوطة بلغنا موته.

قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر -يعني: سمعوا ذلك، وكانت وفاته بأرض الروم.

وروى إسماعيل بن عيَّاش، عن شرحبيل بن مسلم، عن سعيد بن هانئ قال: قال معاوية: إنما المصيبة كل مصيبة بموت أبي مسلم الخولاني، وكُرَيْب بن سيف الأنصاري.

إسناده صالح، فعلى هذا يكون أبو مسلم مات قبل معاوية، إلَّا أن يكون هذا هو معاوية بن يزيد.

وقد قال المفضَّل بن غسَّان الغلابي: إنَّ علقمة وأبا مسلم ماتا في سنة اثنتين وستين، فالله أعلم، وبداريَّا قبر يزار يقال: إنه قبر أبي مسلم الخولاني، وذلك محتمل.

ص: 515

‌371 - القارِّيّ

(1)

: " ع"

عبد الرحمن بن عبد القارِّيّ المدني، يقال: له صحبة، وإنما وُلِدَ في أيام النبوة.

قال أبو داود: أتي به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صغير.

قال الزبير بن بكار: عضل والقارَّة ابنا يثيع بن الهون بن خزيمة بن مدركة.

قلت: روى عن عمر، وأبي طلحة، وأبي أيوب، وغيرهم.

وعنه السائب بن يزيد -مع تقدّمه- وعروة، والأعرج، والزهري، وطائفة، وابنه محمد، وثَّقه ابن معين.

وقال ابن سعد: توفي سنة ثمانين بالمدينة، وله ثمان وسبعون سنة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 57"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 1008"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1008"، أسد الغابة "3/ 307"، الإصابة "3/ ترجمة 6223"، تهذيب التهذيب "6/ ترجمة 449".

ص: 516

‌372 - عامر بن عبد قيس

(1)

:

القدوة الولي الزاهد، أبو عبد الله، ويقال: أبو عمرو التميمي العنبري البصري.

روى عن عمر وسلمان. وعنه: الحسن، ومحمد بن سيرين، وأبو عبد الرحمن الحُبُليّ، وغيرهم، وقلَّما روى.

قال العجلي: كان ثقة، من عُبَّاد التابعين، رآه كعب الأحبار، فقال: هذا راهب هذه الأمة.

وقال أبو عبيد في "القراءات": كان عامر بن عبد الله الذي يعرف بابن عبد قيس يقرئ الناس.

حدَّثنا عباد، عن يونس، عن الحسن، أنَّ عامرًا كان يقول: من أقرئ؟ فيأتيه ناس فيقرئهم القرآن، ثم يقوم فيصلي إلى الظهر، ثم يصلي إلى العصر، ثم يقرئ الناس إلى المغرب، ثم يصلي ما بين العشاءين، ثم ينصرف إلى منزله، فيأكل رغيفًا، وينام نومة خفيفة، ثم يقوم لصلاته، ثم يتسحَّر رغيفًا، ويخرج.

قال بلال بن سعد، وُشِيَ بعامر بن عبد قيس إلى زياد، فقالوا: ههنا رجل قيل له: ما إبراهيم عليه السلام خيرًا منك، فسكت، وقد ترك النساء، فكتب فيه إلى عثمان، فكتب إليه: انفه إلى الشام على قتب

(2)

، فلمَّا جاءه الكتاب أرسل إلى عامر، فقال: أنت قيل لك: ما إبراهيم خيرًا منك، فسكت، قال: أما والله ما سكوتي إلَّا تعجب، ولوددت أني غبار قدميه، قال: وتركت النساء، قال: والله ما تركتهنَّ إلَّا أني قد علمت أنه يجيء الولد، وتشعب في الدنيا، فأحببت التخلي، فأجلاه على قتب إلى الشام، فأنزله معاوية معه في الخضراء، وبعث إليه بجارية، وأمرها أن تعلمه ما حاله، فكان يخرج من السَّحَر، فلا تراه إلَّا بعد العتمة، فيبعث معاوية إليه بطعام، فلا يعرض له، ويجيء معه بكسر فيبلها ويأكل، ثم يقوم إلى أن يسمع النداء، فيخرج، فكتب معاوية إلى عثمان يذكر حاله، فكتب: اجعله أوّل داخل وآخر خارج، ومُرْ له بعشرة من الرقيق، وعشرة من الظهر، فأحضره وأخبره، فقال: إنَّ علي شيطانًا قد غلبني، فكيف أجمع عليّ عشرة، وكانت له بغلة.

فروى بلال بن سعد عمَّن رآه بأرض الروم عليها، يركبها عقبة، ويحمل المهاجرين عقبة، قال بلال: كان إذا فصل غازيًا يتوسَّم من يرافقه، فإذا رأى رفقة تعجبه اشترط عليهم أن يخدمهم، وأن يؤذن، وأن ينفق عليهم طاقته. رواه ابن المبارك بطوله في الزهد له.

همام، عن قتادة قال: كان عامر بن عبد قيس يسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه، فكان لا يبالي أذكرًا لقي أم أنثى، وسأل ربه أن يمنع قلبه من الشيطان وهو في الصلاة، فلم يقدر عليه، وقيل: إن ذلك ذهب عنه.

وعن أبي الحسين المجاشعي قال: قيل لعامر بن عبد قيس: أتحدث نفسك في الصلاة؟ قال: أحدثها بالوقوف بين يدي الله، ومنصرفي.

وعن كعب أنه رأى بالشام عامر بن عبد قيس، فقال: هذا راهب هذه الأمة.

قال أبو عمران الجوني: قيل لعامر بن عبد قيس: إنك تبيت خارجًا، أما تخاف الأسد؟ قال: إني لأستحيي من ربي أن أخاف شيئًا دونه. وروى همام، عن قتادة مثله.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 103"، التاريخ الكبير "3/ ق 2/ 447"، والحلية "2/ 87"، أسد الغابة "3/ 88"، الإصابة "3/ ترجمة 6284".

(2)

القتب: الرحل أو الإكاف الصغير الذي على قدر سنام البعير.

ص: 517

حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة، لقي رجل عامر بن عبد قيس، فقال: ما هذا؟ ألم يقل الله: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38]، قال: أفلم يقل الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

وقيل: كان عامر لا يزال يصلي من طلوع الشمس إلى العصر، فينصرف وقد انفتحت ساقاه، فيقول: يا أمَّارة بالسوء إنما خلقت للعبادة.

وهبط واديًا به عابد حبشي، فانفرد يصلي في ناحية، والحبشي في ناحية، أربعين يومًا لا يجتمعان إلَّا في فريضة.

محمد بن واسع، عن يزيد بن الشخير، أنَّ عامرًا كان يأخذ عطاءه، فيجعله في طرف ثوبه، فلا يلقى مسكينًا إلَّا أعطاه، فإذا دخل بيته رمى به إليهم، فيعدونها، فيجدونها كما أعطيها.

جعفر بن برقان: حدثنا ميمون بن مهران، أنَّ عامر بن عبد قيس بعث إليه أمير البصرة: ما لك لا تزوّج النساء؟ قال: ما تركتهنَّ، وإني لدائب في الخطبة، قال: ما لك لا تأكل الجبن؟ قال: إنا بأرض فيها مجوس، فما شهد مسلمان أن ليس فيه ميتة أكلته، قال: وما يمنعك أن تأتي الأمراء؟ قال: إن لدى أبوابكم طلاب الحاجات، فادعوهم واقضوا حاجاتهم، ودعوا من لا حاجة له إليكم.

قال مالك بن دينار: حدثني فلان أنَّ عامرًا مَرَّ في الرحبة، وإذا رجل يُظْلَم، فألقى رداءه، وقال: لا أرى ذمَّة الله تخفر وأنا حي، فاستنقذه.

ويروى أن سبب إبعاده إلى الشام كونه أنكر وخَلَّص هذا الذميّ.

قال جعفر بن سليمان: حدثنا الجريري قال: لما سُيِّرَ عامر بن عبد الله الذي يقال له: ابن عبد قيس، شيّعه إخوانه، وكان بظهر المربد، فقال: إني داعٍ فأمِّنوا: اللهم من وشي بي وكذب عليّ وأخرجني من مصري، وفرَّق بيني وبين إخواني، فأكثر ماله، وأصحّ جسمه، وأطل عمره.

قال الحسن البصري: بُعِثَ بعامر بن عبد قيس إلى الشام، فقال: الحمد الله الذي حشرني راكبًا.

قال قتادة: لما احتضر عامر بكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعًا من الموت، ولا حرصًا على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام الليل.

وروى عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، أنَّ قبر عامر بن عبد قيس ببيت المقدس.

وقيل: توفي في زمن معاوية.

ص: 518

‌373 - أويس القرني

(1)

:

هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني.

وقرن: بطن من مراد، وَفَد على عمر، وروى قليلًا عنه، وعن علي.

روى عنه يسير بن عمرو، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد رب الدمشقي، وغيرهم، حكايات يسيرة ما روى شيئًا مسندًا، ولا تهيأ أن يحكم عليه بلين، وقد كان من أولياء الله المتقين، ومن عباده المخلصين.

عفان: حدثنا حمَّاد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أسير بن جابر قال: لما أقبل أهل اليمن، جعل عمر رضي الله عنه يستقرئ الرفاق، فيقول: هل فيكم أحد من قَرن، فوقع زمام عمر أو زمام أويس، فناوله أو ناول أحدهما الآخر، فعرفه، فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أنا أويس، قال: هل لك والدة، قال: نعم، قال: فهل كان بك من البياض شيء؟ قال: نعم، فدعوت الله فأذهبه عني إلَّا موضع الدرهم من سُرَّتي؛ لأذكر به ربي، قال له عمر: استغفر لي، قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة، وكان به بياض، فدعا الله فأذهبه عنه إلَّا موضع الدرهم في سرته"، فاستغفر له، ثم دخل في غمار الناس، فلم ندر أين وقع، قال: فقدم الكوفة، قال: فكنَّا نجتمع في حلقة، فنذكر الله، فيجلس معنا، فكان إذا ذكر هو وقع في قلوبنا لا يقع حديث غيره .... ، فذكر الحديث، هكذا اختصره

(2)

.

"م": حدَّثنا ابن مثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر، حتى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال:

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 161"، التاريخ الكبير "1/ ق 2/ 55"، الجرح والتعديل "1/ ق 1/ 326"، أسد الغابة "1/ 151"، تهذيب التهذيب "1/ 386".

(2)

أخرجه مسلم "2542""224" من طريق عفان بن مسلم، حدثنا بن سلمة، به.

ص: 519

من مراد، ثم من قرن، قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلَّا موضع درهم، قال: نعم، قال: ألك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه، إلَّا موضع درهم، له والدة، هو بها بر، لو أقسَم على الله لأبرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"، فاستغفر لي، قال: فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألَا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبرات الناس أحب إلي، قال: فلما كان من العام المقبل حَجَّ رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس، فقال: تركته رثَّ الهيئة، قليل المتاع. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد، ثم من قرن، كان به برص، فبرأ منه إلَّا موضع درهم، له والدة هو بها بَرّ، لو أقسم على الله لأبرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل". فأتى أويسًا، فقال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح، فاستغفر لي، قال: استغفر لي، قال: لقيت عمر، قال: نعم، قال: فاستغفر له، قال: ففطن له الناس، فانطلق على وجهه، قال أسير: وكسوته بردة، وكان كل من رآه قال: من أين لأويس هذه البردة؟

(1)

م: حدثنا محمد بن مثنى، حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أسير، عن عمر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة، وكان به بياض، فمروه فليستغفر لكم"

(2)

. قال ابن المديني هذا حديث بصري.

قلت: تفرَّد به أسير بن جابر، ويقال: يسير بن عمرو أبو الخباز، بصري، روى عنه ابنه قيس، وأبو إسحاق الشيباني، وابن سيرين، وأبو عمران الجوني.

قال ابن المديني: أسير بن جابر من أصحاب ابن مسعود، سمعت سفيان يقول: قدم أسير البصرة، فجعل يحدثهم، فقالوا: هذا هكذا، فكيف النهر الذي شرب منه، يعنون: ابن مسعود، قال علي: وأهل البصرة يقولون: أسير بن جابر، وأهل الكوفة يقولون: ابن عمرو، ويقال: يسير.

وقال العوام بن حوشب: وُلِدَ في مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم، ومات سنة خمس وثمانين.

أبو النضر "م": حدثنا سليمان بن المغيرة، عن أبي نضرة، عن أسير بن جابر، عن عمر:

(1)

أخرجه مسلم "2542".

(2)

أخرجه مسلم "2542""223".

ص: 520

سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خير التابعين رجل يقال له أويس، وكان به بياض، فدعا الله فأذهبه عنه، إلَّا موضع الدرهم في سرته، لا يدع باليمن غير أمّ له، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم". قال عمر، فقدم علينا رجل، فقلت له: من أين أنت؟ قال: من اليمن، قلت: ما اسمك؟ قال: أويس، قلت: فمن تركت باليمن؟ قال: أمًّا لي، قلت: أكان بك بياض فدعوت الله فأذهبه عنك؟ قال: نعم، قلت: فاستغفر لي، قال: أويستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين؟ قال: فاستغفر لي، وقلت له: أنت أخي لا تفارقني، قال: فانملس مني

(1)

، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة، قال: فجعل رجل كان يسخر بأويس بالكوفة، ويحقره، يقول: ما هذا منَّا ولا نعرفه، قال عمر: بلى إنه رجل كذا وكذا، فقال: كأنه يضع شأنه، فينا رجل يا أمير المؤمنين يقال له أويس، فقال عمر: أدرك فلا أراك تدركه، قال: فأقبل ذلك الرجل حتى دخل على أويس قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس: ما هذه عادتك، فما بدا لك؟ قال: سمعت عمر يقول فيك: كذا وكذا، فاستغفر لي، قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي فيما بعد، وأن لا تذكر ما سمعته من عمر لأحدٍ، قال: نعم، فاستغفر له، قال أسير، فما لبثنا أن فشا أمره في الكوفة، قال: فدخلت عليه، فقلت: يا أخي، ألَا أراك العجب ونحن لا نشعر؟ فقال: ما كان في هذا ما أتبلّغ به في الناس، وما يجزى كل عبد إلَّا بعمله، قال: وانملس مني فذهب.

وبالإسناد إلى أسير بن جابر قال: كان بالكوفة رجل يتكلّم بكلام لا أسمع أحد يتكلم به، ففقدته، فسألت عنه، فقالوا: ذاك أويس، فاستدللت عليه وأتيته، فقلت: ما حبسك عنا؟ قال: العُرْيُ، قال: وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه، قلت: هذا برد فخذه، قال: لا تفعل، فإنهم إذًا يؤذونني، فلم أزل به حتى لبسه، فخرج عليهم، فقالوا: من ترون خدع عن هذا البرد؟ قال: فجاء فوضعه، فأتيت فقلت: ما تريدون من هذا الرجل؟ فقد آذيتموه، الرجل يَعْرَى مرة، ويكتسي أخرى، وآخذتهم بلساني، فقُضِيَ أنَّ أهل الكوفة وفدوا على عمر، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: ما ههنا رجل من القرنين، فقام ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن رجل يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض، فدعا الله فأذهبه عنه، إلَّا موضع لدرهم، فمن لقيه منكم، فمروه فليستغفر لكم" قال عمر: فقدم علينا ههنا، فقلت: ما أنت؟ قال: أنا أويس، قلت: من تركت باليمن؟ قال: أمًّا لي، قلت: هل كان بك بياض، فدعوت الله، فأذهبه عنك؟ قال: نعم، قلت: استغفر لي، قال: يا أمير المؤمنين! يستغفر مثلي لمثلك؟!

(1)

انملس: أفلت.

ص: 521

قلت: أنت أخي لا تفارقني، فانملس منِّي، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة، قال: وجعل الرجل يحقره عمَّا يقول فيه عمر، فجعل يقول: ماذا فينا ولا نعرف هذا، قال عمر: بلى، إنه رجل كذا، فجعل يضع من أمره، فقال: ذاك رجل عندنا نسخر به، فقال له: أويس؟ قال: هو هو، أدرك ولا أراك تدرك، فأقبل الرجل حتى دخل عليه من قبل أن يأتي أهله، فقال أويس: ما كانت هذه عادتك، فما بدا لك أنشدك الله؟ قال: لقيت عمر فقال كذا وقال كذا، فاستغفر لي، قال: لا أستغفر لك حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي، ولا تذكر ما سمعت من عمر إلى أحد، قال: لك ذاك، قال: فاستغفر له، قال أسير: فما لبث أن فشا حديثه بالكوفة، فأتيته فقلت: يا أخي ألَا أراك أنت العجب، وكنَّا لا نشعر، قال: ما كان في هذا ما أتبلّغ به إلى الناس، وما يجزى كل عبد إلَّا بعمله، فلمَّا فشا الحديث هرب، فذهب.

ورواه أبو أسامة، عن سليمان بن المغيرة، وفي لفظ: أويستغفر لمثلك؟ وروى نحوًا من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، وزاد فيها: ثم أنه غزا أذربيجان، فمات، فتنافس أصحابه في حفر قبره.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا أبو سعد الكنجروذي، أنبأنا أبو عمرو الحيري، حدثنا أبو يعلى الموصلي، حدَّثنا هدبة بن خالد، حدثنا مبارك بن فضالة، حدثني أبو الأصفر، عن صعصعة بن معاوية قال: كان أويس بن عامر رجلًا من قرن، وكان من أهل الكوفة، وكان من التابعين، فخرج به وضح، فدعا الله أن يذهبه عنه، فأذهبه الله، قال: دع في جسدي منه ما أذكر به نعمك عليّ، فترك له ما يذكر به نعمه عليه، وكان رجل يلزم المسجد في ناس من أصحابه، وكان ابن عمّ له يلزم السلطان يولع به، فإن رآه مع قوم أغنياء قال: ما هو إلَّا يستأكلهم، وإن رآه مع قوم فقراء قال: ما هو إلَّا يخدعهم، وأويس لا يقول في ابن عمه إلَّا خيرًا، غير أنه إذا مَرَّ به استتر منه مخافة أن يأثم في سببه، وكان عمر يسأل الوفود إذا هم قدموا عليه من الكوفة: هل تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا، فقَدِمَ وفد من أهل الكوفة، فيهم ابن عمه ذاك، فقال: هل تعرفون أويسًا؟ قال ابن عمه: يا أمير المؤمنين، هو ابن عمي، وهو رجل نذل فاسد، لم يبلغ ما أن تعرفه أنت، قال: ويلك هلكت، ويلك هلكت، إذا قدمت فأقرأه منِّي السلام، ومره فليفد إليّ، فقدم الكوفة، فلم يضع ثياب سفره عنه حتى أتى المسجد، فرأى أويسًا، فلَمَّ به، فقال: استغفر لي يا ابن عمي، قال: غفر الله لك يا ابن عمّ، قال: وأنت، فغفر الله لك يا أويس، أمير المؤمنين يقرئك السلام، قال:

ص: 522

ومن ذكرني لأمير المؤمنين؟ قال: هو ذكرك، وأمرني أن أبلغك أن تَفِدَ إليه، قال: سمعًا وطاعة لأمير المؤمنين، فوفد عليه، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: أنت الذي خرج بك وضح، فدعوت الله أن يذهبه عنك فأذهبه، فقلت: اللهمّ دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك عليّ، فترك لك في جسدك ما تذكر به نعمه عليك، قال: وما أدراك يا أمير المؤمنين، فوالله ما اطَّلع على هذا بشر، قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه سيكون في التابعين رجل من قرنٍ يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح، فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه، فيقول: اللهم دع لي في جسدي ما أذكر به نعمتك عليّ، فيدع له ما يذكر به نعمه عليه، فمن أدركه منكم، فاستطاع أن يستغفر له، فليستغفر له"، فاستغفر لي يا أويس، قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين، قال: وأنت غفر الله لك يا أويس بن عامر، قال: فلما سمعوا عمر قال عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال رجل: استغفر لي يا أويس، وقال آخر: استغفر لي يا أويس، فلمَّا كثروا عليه انساب فذهب، فما رؤي حتى الساعة.

هذا حديث غريب تفرَّد به مبارك بن فضالة، عن أبي الأصفر، وأبو الأصفر ليس بمعروف.

معلل بن نفيل: حدثنا محمد بن محصن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن سالم، عن أبيه، عن جده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عمر إذا رأيت أويسًا القرني، فقل له: فليستغفر لك، فإنه يشفع يوم القيامة، في مثل ربيعة، ومضر، بين كتفيه علامة وضح مثل الدرهم".

أخرجه الإسماعيلي في مسند عمر، ومحمد بن محصن هو العكاشي، تالف.

أنبئت عن أبي المكارم التيمي، أنبأنا أبو عليّ المقرئ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ قال: فمن الطبقة الأولى من التابعين سيد العباد، وعلم الأصفياء من الزهاد؛ أويس بن عامر القرني، بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم به، وأوصى به، إلى أن قال في الترجمة: ورواه الضحاك بن مزاحم، عن أبي هريرة بزيادة ألفاظ لم يتابع عليها، وما رواه أحد سوى مخلد بن يزيد، عن نوفل بن عبد الله عنه، ومن ألفاظه: فقالوا يا رسول الله، وما أويس؟ قال: "أشهل ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة، ضارب بذقنه على صدره، رام ببصره إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلو القرآن، يبكي على نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، يتزر بإزار صوف، ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض، معروف في السماء، لو أقسم على الله لأبره، ألَا وإنَّ تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألَا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، ويقال لأويس: قف فاشفع. فيشفعه

ص: 523

الله في مثل عدد ربيعة ومضر، يا عمر ويا علي إذا رأيتماه فاطلبا إليه يستغفر لكما يغفر الله لكما". فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه، فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر، قام على أبي قبيس، فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أويس بن مراد، فقام شيخ كبير، فقال: إنا لا ندري من أويس، ولكن ابن أخٍ لي يقال له أويس، وهو أخمل ذكرًا، وأقلّ مالًا، وأهَوْن أمرًا من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعى إبلنا بأراك عرفات.

فذكر اجتماع عمر به وهو يرعى، فسأله الاستغفار، وعرض عليه مالًا، فأبى.

وهذا سياق منكر لعله موضوع.

أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أبو المكارم المعدل، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا خالد بن يزيد العمري، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية: عامر بن عبد الله بن عبد قيس، وأويس القرني، وهرم بن حيان، والربيع بن خيثم، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبي مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن.

وروي عن هرم بن حيان قال: قدمت الكوفة فلم يكن لي هَمٌّ إلَّا أويس أسأل عنه، فدفعت إليه بشاطئ الفرات، يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت، فإذا رجل آدم محلوق الرأس، كَثّ اللحية، مهيب المنظر، فسلمت عليه، ومددت إليه يدي لأصافحه، فأبى أن يصافحني، فخنقتني العبرة لما رأيت من حاله، فقلت: السلام عليك يا أويس، كيف أنت يا أخي؟ قال: وأنت، فحياك الله يا هرم، مَن دَلَّكَ عليّ؟ قلت: الله عز وجل قال: {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} الإسراء: 108]. قلت: يرحمك الله، من أين عرفت اسمي واسم أبي؟ فوالله ما رأيتك قط، ولا رأيتني، قال: عرفت روحي روحك؛ حيث كلمت نفسي نفسك؛ لأن الأرواح لها أنس كأنس الأجساد، وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله، وإن نأت بهم الدار، وتفرقت بهم المنازل، قلت: حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث أحفظه عنك، فبكى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إني لم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعلّه قد رأيت من رآه؛ عمر وغيره، ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسي، لا أحب أن أكون قاصًّا أو مفتيًا، ثم سأله هرم أن يتلو عليه شيئًا من القرآن، فتلا عليه قوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ، يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ

ص: 524

اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الدخان: 40 - 42]. ثم قال: يا هرم بن حيان مات أبوك، ويوشك أن تموت، فإمَّا إلى جنة، وإمَّا إلى نار، ومات آدم، وماتت حواء، ومات إبراهيم، وموسى، ومحمد عليهم السلام، ومات أبو بكر خليفة المسلمين، ومات أخي، وصديقي، وصفيي عمر، واعمراه،، واعمراه قال: وذلك في آخر خلافة عمر، قلت: يرحمك الله، إنَّ عمر لم يمت، قال: بلى، إن ربي قد نعاه لي، وقد علمت ما قلت، وأنا وأنت غدًا في الموتى، ثم دعا بدعوات خفيفة، وذكر القصة، أوردها أبو نعيم\ في الحلية، ولم تصح، وفيها ما ينكر.

عن أصبغ بن زيد قال: إنما منع أويسًا أن يقدِم على النبي صلى الله عليه وسلم برّه بأمه.

عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن دثار قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العُرْي، يحجزه إيمانه أن يسأل الناس، منهم أويس القرني، وفرات بن حيان".

عبد الله بن أحمد: حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: إن كان أويس القرني ليتصدَّق بثيابه حتى يجلس عريانًا، لا يجد ما يروح فيه إلى الجمعة.

أبو زرعة الرازي: حدثنا سعيد بن أسد، حدثنا ضمرة، عن أصبغ بن زيد قال: كان أويس إذا أمسى يقول: هذه ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح، وكان إذا أمسى يقول: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح، وكان إذا أمسى تصدَّق بما في بيته من الفضل من الطعام والشراب، ثم قال: اللهمَّ من مات جوعًا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريًا فلا تؤاخذني به.

أبو نعيم: حدثنا مخلد بن جعفر، حدثنا ابن جرير، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا زافر بن سليمان، عن شريك، عن جابر، عن الشعبي قال: مَرَّ رجل من مراد على أويس القرني، فقال: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحمد الله عز وجل، قال: كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجلٍ إن أصبح ظنَّ أنه لا يمسي، وإن أمسى ظنَّ أنه لا يصبح، فمبشَّر بالجنة أو مبشَّر بالنار، يا أخا مراد، إن الموت وذِكْرَه لم يترك لمؤمن فرحًا، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له في ماله فضة ولا ذهبًا، وإن قيامه لله بالحق لم يترك له صديقًا.

ص: 525

شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني، قلنا: نعم، وما تريد منه؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أويس القرني خير التابعين بإحسان"

(1)

، وعطف دابته، فدخل مع أصحاب علي رضي الله عنه.

رواه عبد الله بن أحمد، عن علي بن حكيم الأودي، أنبأنا شريك، وزاد بعض الثقات فيه: عن يزيد، عن ابن أبي ليلى قال: فوُجِدَ في قتلى صفين.

أنبأنا وخبرنا عن أبي المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن يحيى، حدثني أحمد بن معاوية بن الهُذَيل، حدثنا محمد بن أبان العنبري، حدثنا عمرو شيخ كوفي، عن أبي سنان، سمعت حميد بن صالح، سمعت أويسًا القرني يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم "احفظوني في أصحابي، فإن من أشراط الساعة أن يلعن آخر هذه الأمة أولها، وعند ذلك يقع المقت على الأرض وأهلها، فمن أدرك ذلك فليضع سيفه على عاتقه، ثم ليلق ربه تعالى شهيدًا، فمن لم يفعل فلا يلومنَّ إلَّا نفسه".

هذا حديث منكر جدًّا وإسناده مظلم، وأحمد بن معاوية تالف.

ويروى عن علقمة بن مرثد، عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل الجنة بشفاعة أويس مثل ربيعة ومضر".

فضيل بن عياض: حدثنا أبو قرة السدوسي، عن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بمنى على المنبر: يا أهل قرن، فقام مشايخ، فقال: أفيكم من اسمه أويس، فقال شيخ: يا أمير المؤمنين، ذاك مجنون يسكن القفار، لا يألف ولا يؤلف، قال: ذاك الذي أعنيه، فإذا عدتم فاطلبوه، وبلغوه سلامي، وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال: عرَّفني أمير المؤمنين، وشهَّر باسمي، اللهم صل على محمد، وعلى آله السلام على رسول الله، ثم هام على وجهه، فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهرًا، ثم عاد في أيام عليّ رضي الله عنه، فاستُشهد معه بصفين، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة.

وروى هشام بن حسان، عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة أويس أكثر من ربيعة، ومضر.

(1)

ضعيف: في إسناده شريك، وهو ابن عبد الله النخعي القاضي، ويزيد بن أبي زياد وهما ضعيفان.

ص: 526

وروى خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم"

(1)

.

قال أبو أحمد بن عدي في الكامل: أويس ثقة صدوق، ومالك ينكر أويسًا، ثم قال: ولا يجوز أن يشك فيه.

أخبار أويس مستوعبة في تاريخ الحافظ أبي القاسم بن عساكر.

الحاكم في مستدركه، من طريق إسماعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن علي، عن سعد بن طريف، عن أصبغ بن نباتة، شهدت عليًّا يوم صفين يقول: من يبايعني على الموت، فبايعه تسعة وتسعون، فقال: أين التمام، فجاء رجل على أطمار صوف محلوق الرأس، فبايع، فقيل: هذا أويس القرني، فما زال يحارب بين يديه حتى قُتِل. سنده ضعيف.

أبو الأحوص سلام بن سليم: حدثني فلان قال: جاء رجل من مراد، فقال له أويس: يا أخا مراد، إن الموت لم يبق لمؤمن فرحًا، وإن عرفان المؤمن بحق الله لم يبق له فضة ولا ذهبًا، ولم يبق له صديقًا. وعن عطاء الخراساني قال: قيل لأويس: أما حججت، فسكت، فأعطوه نفقة وراحلة، فحَجَّ.

أبو بكر الأعين: حدثنا أبو صالح، حدثنا الليث، عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعًا:"يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من مضر وتميم". قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: "أويس القرني".

هذا حدث منكر. تفرَّد به الأعين، وهو ثقة.

(1)

صحيح: أخرجه الترمذي "2440"، وابن ماجه "4316"، والدارمي "2/ 328"، وأحمد "3/ 469 - 470".

ص: 527

‌374 - الأشتر

(1)

:

ملك العرب، مالك بن الحارث النخعي، أحد الأشراف والأبطال المذكورين.

حدَّث عن عمر، وخالد بن الوليد، وفُقِئَت عينه يوم اليرموك، وكان شهمًا مطاعًا، زعرًا

(2)

، ألب على عثمان وقاتله، وكان ذا فصاحة وبلاغة، شهد صفين مع علي، وتميّز يومئذ، وكاد أن يهزم معاوية، فحمل عليه أصحاب عليّ لما رأوا مصاحف جند الشام على الأسنَّة يدعون إلى كتاب الله، وما أمكنه مخالفة علي، فكفَّ.

قال عبد الله بن سلمة المرادي: نظر عمر إلى الأشتر، فصعَّد فيه النظر وصوَّبه، ثم قال: إن للمسلمين من هذا يومًا عصيبًا.

ولما رجع عليّ من موقعة صفين جهَّز الأشتر واليًا على ديار مصر، فمات في الطريق مسمومًا، فقيل: إن عبدًا لعثمان عارضه، فسمَّ له عسلًا، وقد كان علي يتبرَّم به؛ لأنه صعب المراس، فلمَّا بلغه نعيه قال: إنا لله، مالك وما مالك، وهل موجود مثل ذلك، لو كان حديدًا لكان قيدًا، ولو كان حجرًا لكان صلدًا على مثله، فلتبك البواكي.

وقال بعضهم: قال علي "للمنخرين، والفم".

وسر بهلاكه عمرو بن العاص، وقال: إن لله جنودًا من عسل.

وقيل: إن ابن الزبير بارز الأشتر، وطالت المحاولة بينهما، حتى إن ابن الزبير قال:

اقتلوني ومالكًا

واقتلوا مالكًا معي

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 213"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1325"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 91"، الكاشف "3/ ترجمة 5333"، تهذيب الهذيب "10/ 11 - 12"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6800".

(2)

زعر: شرس سيئ الخلق.

ص: 528

‌375 - ابنه

(1)

:

إبراهيم بن الأشتر النخعي، أحد الأبطال والأشراف كأبيه، وكان شيعيًّا فاضلًا. وهو الذي قتل عبيد الله بن زياد بن أبيه يوم وقعة الخازر

(2)

، ثم إنه كان من أمراء مصعب بن الزبير، وما علمت له رواية، قُتِلَ مع مصعب في سنة اثنتين وسبعين

(3)

.

تَمَّ الجزء الرابع ويليه:

الجزء الخامس، وأوله: يزيد بن معاوية.

(1)

ترجمته في تاريخ الإسلام "3/ 129"، البداية والنهاية "8/ 323".

(2)

الخازر: نهر بين إربل والمواصل، ثم بين الزاب الأعلى والموصل.

(3)

قُتِلَ إبراهيم من الأشتر مع مصعب بن الزبير سنة إحدى وسبعين، في قتالهما لعبد الملك بن مروان -كما روى الطبري في "تاريخه" 6/ 158".

ص: 528