المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌الطبقة السابعة: ‌ ‌1092 - سليمان بن كثير (1) : - سير أعلام النبلاء - ط الحديث - جـ ٧

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌الطبقة السابعة:

‌1092 - سليمان بن كثير

(1)

: " ع"

العبدي، البصري، الحافظ، إمام مشهور، ثقة.

حدث عن: الزهري، وعمرو بن دينار، وحصين بن عبد الرحمن.

روى عنه: أخوه؛ محمد بن كثير، وابن مهدي، وحبان، وعفان، وأبو سلمة، وسعيد بن سليمان الواسطي، وآخرون.

قال النسائي: لا بأس به، يكنى: أبا داود، وحديثه عن الزهري فيه شيء. وقال يحيى بن معين: ضعيف الحديث. وقال الذهلي: سكن البصرة، وما روى عن الزهري، فإنه قد اضطرب في أشياء، وهو في غير الزهري أثبت.

وقال العقيلي: سليمان بن كثير الواسطي، كذا نسبه، وقال: مضطرب الحديث.

وروى عن: حصين، وحميد الطويل أحاديث لا يتابع عليها، منها: حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سليمان بن كثير حدثنا حميد الطويل، عن زينب بنت نبيط -امرأة أنس بن مالك- عن ضباعة بنت الزبير: أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تشترط

(2)

.

وهذا جاء عن ابن عباس

(3)

،

وجابر

(4)

، وعائشة

(5)

، بأسانيد صالحة.

قلت: والإسناد المذكور أيضًا مع غرابته صالح، وسليمان: حسن الحديث، مخرج له في الصحاح، وليس هو بالمكثر. مات: في سنة ثلاث وستين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 1873"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 603"، المجروحين لابن حبان "1/ 334"، الكاشف "1/ ترجمة 2145"، ميزان الاعتدال "2/ 220 - 221"، تهذيب التهذيب "4/ 215"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2734".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "6/ 360 و 419 - 420 و 420"، وابن ماجه "2937"، والطبراني في "الكبير""24/ 837 و 840 - 482"، والبيهقي "5/ 22" عن ضباعة.

(3)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 330 و 337 و 352"، ومسلم "1208"، وأبو داود "1776" والترمذي "1941"، وابن ماجه "2938"، والدارقطني "2/ 235"، وابن الجارود "415"، والطبراني في "الكبير""11/ 11909 و 11947 و 12023" و"24/ 827 - 832"، والبيهقي "5/ 221 و 222" من طرق عن ابن عباس أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة ثقيلة. وإني أريد الحج فما تأمرني قال: "أهلي بالحج، واشترطي أن محلي حيث تحبسني" قال: فأدركت. واللفظ لمسلم.

(4)

صحيح: أخرجه الطبراني "24/ 836"، والبيهقي "5/ 222" عن جابر، به.

(5)

صحيح: أخرجه أحمد "6/ 164 و 202"، والبخاري "5089"، ومسلم "1207" والنسائي "5/ 168"، والدارقطني "2/ 234 - 235"، وابن الجارود "420"، والطبراني في "الكبير""24/ 833 - 538"، والبيهقي "5/ 221"، والبغوي "2000" من طريق عروة، عن عائشة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها: لعلك أردت الحج، قالت: والله لا أجدني إلا وجعة، فقال لها: حجي واشترطي، قولي:"اللهم محلي حيث حبستني". وكانت تحت المقداد بن الأسود. واللفظ للبخاري.

ص: 5

‌1093 - محمد بن مطرف

(1)

: " ع"

ابن داود، الإمام، المحدث، الحجة، أبو غسان المدني.

ولد قبل المائة. وروى عن: محمد بن المنكدر، وحسان بن عطية، وأبي حازم الأعرج، وصفوان بن سليم، وطائفة.

حدث عنه: سفيان الثوري -وهو من شيوخه- وابن وهب، وآدم بن أبي إياس، وسعيد بن أبي مريم، وعلي بن عياش، وعلي بن الجعد، وآخرون. وله وفادة على المهدي، فحدث ببغداد.

وثقه أحمد بن حنبل، وغيره.

قال أبو بكر الخطيب: قيل: إنه من موالي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد نزل عسقلان.

قلت: ما ظفرت له بوفاة، وكأنه توفي سنة بضع وستين ومائة.

أخبرنا ابن قدامة في كتابه، وطائفة، قالوا: أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا هبة الله بن الحصين، أنبأنا محمد بن محمد، أنبأنا أبو بكر الشافعي، حدثنا إبراهيم بن الهيثم، حدثنا

علي بن عياش، حدثنا محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عائشة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طهور كل أديم دباغه"

(2)

.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 744"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 431"، وتاريخ بغداد "3/ 295"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 299"، الكاشف "3/ ترجمة 5244"، العبر "243 و 390"، وميزان الاعتدال "9/ 461"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6661"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 258".

(2)

صحيح: أخرجه الدارقطني "1/ 49" من طريق إبراهيم بن الهيثم، به.

وقال الدارقطني في إثره: إسناده حسن كلهم ثقات.

قلت: بل إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات، وإبراهيم بن الهيثم البلدي، وثقه الدارقطني والخطيب.

ص: 6

‌1094 - همام بن يحيى

(1)

: " ع"

ابن دينار الإمام، الحافظ، الصدوق، الحجة، أبو بكر وأبو عبد الله العوذي، المحلمي، البصري. وبنو عوذ: بطن من الأزد، وهو من مواليهم، وكان أبوه قصابًا بالبصرة.

ولد بعد الثمانين. وحدث عن: الحسن، وأنس بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، ونافع مولى بن عمر، ويحيى بن أبي كثير، وأبي جمرة الضبعي، وأبي عمران الجوني، وأبي التياح، وثابت البناني، وعلي بن زيد، وقتادة، وزيد بن أسلم، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وابن جحادة، وشقيق أبي ليث، ومطر الوراق، وخلق. وينزل إلى زياد بن سعد، وإلى سفيان بن عيينة، وذلك في "أبي داود"، و"النسائي".

حدث عنه: سفيان الثوري -مع تقدمه- وابن المبارك، وابن علية، ووكيع، ويزيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو علي الحنفي، والمقرئ، وعبد الله بن رجاء الغداني، وأبو نعيم، ومحمد بن سنان العوقي، وأبو الوليد الطيالسي، وعفان، وعمرو بن عاصم، وحبان بن هلال، وحجاج بن منهال، وأبو داود، ومسلم بن إبراهيم، وعلي بن الجعد، وأبو سلمة التبوذكي، وشيبان بن فروخ، وهدبة بن خالد، وسهل بن بكار، ومحمد بن كثير العبدي، وأبو عمر الحوضي، وخلق سواهم.

أخبرنا ابن عساكر، أنبأنا أبو روح، أنبأنا تميم أنبأنا، أبو سعد، أنبأنا أبو عمرو الحيري،

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 282"، التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2852"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 150 و 237" و"2/ 18 و 70 و 177" و"3/ 211"، الكنى للدولابي "1/ 124"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 457"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 194"، الكاشف "3/ ترجمة 6092"، العبر "1/ 242"، ميزان الاعتدال "4/ 309 - 310"، تهذيب التهذيب "11/ 67"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7700".

ص: 7

أنبأنا أبو يعلى، حدثنا هدبة، حدثنا همام، حدثنا أبو جمرة الضبعي، عن أبي بكر، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى البردين دخل الجنة"

(1)

.

روى عمر بن شبة، عن عفان قال: كان يحيى بن سعيد يعترض على همام في كثير من حديثه، فلما قدم معاذ بن هشام، نظرنا في كتبه فوجدناه يوافق همامًا في كثير مما كان يحيى ينكره، فكف يحيى بعد عنه.

وقال يزيد بن هارون: كان همام قويًّا في الحديث.

وروى صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه، قال: همام ثبت في كل المشايخ.

وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: همام أيش تقول فيه? فقال: كان عبد الرحمن يرضاه.

أحمد بن حنبل: عن ابن مهدي، قال: همام عندي في الصدق، مثل ابن أبي عروبة. ثم قال أحمد: همام ثقة، وهو أثبت من أبان في يحيى بن أبي كثير.

وقال ابن معين: كان يحيى بن سعيد يروي عن أبان العطار، ولا يروي عن همام، وكان همام أفضل عندنا.

وروى الحسين بن الحسن الرازي، عن ابن معين: ثقة، صالح، وهو في قتادة أحب إلي من حماد بن سلمة.

وروى أحمد بن زهير، عن يحيى، قال: همام في قتادة أحب إلي من أبي عوانة: همام، ثم أبو عوانة، ثم أبان، ثم حماد بن سلمة.

وقال علي بن المديني في أصحاب قتادة: كان هشام أرواهم عنه، وكان سعيد أعلمهم به، وكان شعبة أعلمهم بما سمع قتادة، وما لم يسمع، ولم يكن همام عندي بدون القوم في قتادة، ولم يكن ليحيى بن سعيد رأي فيه، وكان عبد الرحمن حسن الرأي فيه.

عمر بن شبة: حدثنا الفلاس، قال: حدث ابن أبي عدي، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة بحديث، فأنكره يحيى بن سعيد، وقال: لم يصنع ابن أبي عروبة شيئًا. فقال عفان -وكان حاضرًا: حدثنا همام عن قتادة، فسكت يحيى، فعجبنا من يحيى، حيث يحدثه ابن أبي عدي عن سعيد فينكره، وحيث حدثه عفان عن همام، فسكت.

(1)

صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "4/ 80"، والبخاري "574"، ومسلم "635"، والدارمي "1/ 331 - 332"، والبيهقي "1/ 466"، والبغوي "381" من طرق عن همام بن يحيى، به.

والمراد بالبردين صلاة الفجر والعصر لكونهما في طرفى النهار.

ص: 8

قلت: هذا يدل على أن يحيى تغير رأيه بأخرة في همام، أو أنه لما رأى اتفاقهما على حديث، اطمأن.

أبو الوليد، وحبان: أن همامًا قال: إني لأستحيي من الله أن أنظر في الكتاب، وأحفظ الحديث لكي أحدث الناس.

وقال أحمد بن أبي خيثمة: قال ابن مهدي: ظلم يحيى بن سعيد همامًا، لم يكن له به علم، ولم يجالسه، فقال فيه.

قال محمد بن عبد الله بن عمار: سمعت يحيى القطان يقول: ألا تعجب من عبد الرحمن يقول: من فاته شعبة، سمع من همام، وكان يحيى لا يعبأ بهمام؟!

وقام أحمد: قال ابن مهدي: ذكر يحيى بن سعيد عاصم بن سعيد الذي روى عنه قتادة، فقال يحيى -كأنه يحمل على همام: قد أدخل بين قتادة، وبين سعيد. قال: فجعل عبد الرحمن يضحك.

قال إبراهيم بن عرعرة ليحيى: حدثنا عفان، حدثنا همام، فقال له: اسكت ويحك!

قال عمرو بن علي: الأثبات من أصحاب قتادة: سعيد، وهشام، وشعبة، وهمام.

وقال ابن عدي: أخبرني إسحاق بن يوسف -أظنه عن عبد الله بن أحمد- عن أبيه، قال: شهد يحيى بن سعيد في حداثته شهادة -وكان همام على العدالة- يعني: فلم يعدل يحيى، فتكلم فيه يحيى لهذا.

قال عبد الله بن المبارك: همام ثبت في قتادة.

وقال محمد بن المنهال: سمعت يزيد بن زريع يقول: همام حفظه رديء، وكتابه صالح.

وقال ابن سعد: ثقة، ربما غلط.

وقال أبو زرعة: لا بأس بهمام.

وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن همام، وأبان، قال: همام أحب إلي ما حدث من كتابه، وإذا حدث من حفظه، تقاربا في الحفظ والغلط.

وقال أيضًا: سألت أبي عن همام، فقال: ثقة، صدوق، في حفظه شيء، وهو في قتادة أحب إلي من حماد بن سلمة وأبان.

قال عفان عن همام: إذا رأيتم في حديثي لحنًا، فقوموه، فإن قتادة كان لا يلحن.

ص: 9

قال الحافظ عبد الله بن عدي: وهمام أشهر وأصدق من أن يذكر له حديث، وأحاديثه مستقيمة عن قتادة، وهو مقدم في يحيى بن أبي كثير.

وقع لنا حديث همام عاليًا في "صفة النفاق" للفريابي، وقد أوردته في أماكن، وهمام ممن جاوز القنطرة، واحتج به أرباب الصحاح.

روى البخاري، عن محمد بن محبوب: وفاته في سنة ثلاث وستين ومائة. وقال ابن حبان: مات في رمضان، سنة أربع وستين. وقال شريح بن النعمان: قدمت البصرة سنة أربع أو خمس وستين -شك- فقيل لي: مات همام منذ جمعة أو جمعتين.

أخبرنا محمد بن المطهر، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا أبو سعد، أنبأنا بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى، حدثنا هدبة، حدثنا همام، عن قتادة، عن أبي عيسى الأسواري، عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائمًا، أو نحو ذاك. رواه مسلم

(1)

. عن هدبة بن خالد.

(1)

صحيح أخرجه مسلم "2025""115" من طريق يحيى بن سعيد، حدثنا شعبة، حدثنا قتادة، به.

ص: 10

‌1095 - أبو مخنف

(1)

:

لوط بن يحيى الكوفي، صاحب تصانيف وتواريخ.

روى عن: جابر الجعفي، ومجالد بن سعيد، وصقعب بن زهير، وطائفة من المجهولين.

وعنه: عبد الرحمن بن مغراء، وعلي بن محمد المدائني.

قال يحيى بن معين: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال الدارقطني: أخباري ضعيف.

قلت: توفي سنة سبع وخمسين ومائة، وهو من بابة

(2)

سيف بن عمر التميمي، صاحب "الردة"، وعبد الله بن عياش المنتوف، وعوانة بن الحكم.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمته 1073"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 1030" وميزان الاعتدال "3/ 419"، لسان الميزان "4/ 492"، فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "3/ 225".

(2)

من بابة: أي من وجه.

ص: 10

‌1096 - سفيان بن حسين

(1)

: " (4) "

ابن الحسن، الحافظ، الصدوق، أبو محمد الواسطي.

حدث عن: الحسن، ومحمد بن سيرين، والحكم بن عتيبة، والزهري، وإياس بن معاوية.

روى عنه: شعبة، وهشيم، وعباد بن العوام، ويزيد بن هارون، وعمر بن عبد الله بن رزين، وجماعة.

وقد وثقه جماعة في سوى ما يرويه عن الزهري، فإنه يضطرب فيه، ويأتي بما ينكر.

روى عباس، عن ابن معين، قال: ليس به بأس، وليس من أكابر أصحاب الزهري.

وروى أحمد بن أبي خيثمة، عن ابن معين: ثقة، كان يؤدب المهدي، وحديثه عن الزهري فقط ليس بذاك، إنما سمع منه بالموسم.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث، ولا يحتج به، هو نحو محمد بن إسحاق.

وقال ابن حبان: الإنصاف في أمره تنكب ما روى عن الزهري، والاحتجاج بما روى عن غيره، وذاك أن صحيفة الزهري اختلطت عليه، فكان يأتي بها على التوهم.

قلت: توفي في خلافة أبي جعفر، سنة نيف وخمسين ومائة، ووقع له نحو ثلاثمائة حديث.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 312"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 363 و 419" و"2/ 95 و 201"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 974"، المجروحين لابن حبان "1/ 358"، تاريخ بغداد "9/ 149"، تاريخ الإسلام "6/ 185"، الكاشف "1/ ترجمة 209"، ميزان الاعتدال "2/ 165 - 168"، تهذيب التهذيب "4/ 107"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2577".

ص: 11

‌1097 - صالح بن أبي الأخضر

(1)

: " (4) "

محدث مشهور، من أهل اليمامة، سكن البصرة.

وحدث عن: ابن أبي مليكة، ونافع العمري، وابن المنكدر، والزهري.

وعنه: عبد الرحمن بن مهدي، وروح، وأبو داود، ومسلم بن إبراهيم، وجماعة.

ضعفه ابن معين. وقال البخاري: لين. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، كان عنده عن الزهري كتابان، أحدهما عرض والآخر، مناولة فاختلطا جميعًا، فلا يعرف هذا من هذا.

قلت: توفي قبل شعبة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 272"، التاريخ الكبير "4/ ترجمته 2778"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 471"، الجرح والتعديل "4/ ترجمته 1727"، المجروحين لابن حبان "1/ 368"، الكاشف "2/ ترجمة 2347"، تاريخ الإسلام "6/ 201"، تهذيب التهذيب "4/ 380"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 3010".

ص: 11

‌1098 - سعيد بن بشير

(1)

: " (4) "

الإمام، المحدث، الصدوق، الحافظ، أبو عبد الرحمن الأزدي مولاهم، البصري، نزيل دمشق وقيل: دمشقي، رحل به أبوه إلى البصرة.

حدث عن: قتادة، وعمرو بن دينار، والزهري، وأبي الزبير.

وعنه: الوليد بن مسلم، وأبو مسهر، وأسد بن موسى، وأبو الجماهر، ويحيى الوحاظي، ومحمد بن بكار بن بلال، وخلق.

قال أبو مسهر: لم يكن في بلدنا أحد أحفظ منه، وهو منكر الحديث.

وقال أبو حاتم: محله الصدق. سألت أحمد بن صالح: كيف هذه الكثرة له عن قتادة? قال: كان أبوه شريكًا لأبي عروبة، فأقدم ابنه سعيدًا البصرة، فبقي يطلب مع سعيد بن أبي عروبة.

وقال ابن سعد: كان قدريًّا.

وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي.

وقال بقية: سألت شعبة عن سعيد بن بشير، فقال: ذاك صدوق اللسان.

وقال مروان الطاطري: سمعت ابن عيينة يقول: حدثنا سعيد بن بشير، وكان حافظًا. وقال دحيم: يوثقونه، كان حافظًا. وأما ابن مهدي، فروى عنه، ثم ترك. وقال أبو زرعة: لا يحتج به، ومحله الصدق.

وقال البخاري: يتكلمون في حفظه. وقال ابن معين، والنسائي: ضعيف. وقال أبو الجماهر: ما كان قدريًّا، معاذ الله.

مات سنة ثمان وستين ومئة. قاله أبو الجماهر، ومحمد بن بكار. وقال هشام بن عمار: سنة تسع.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 468"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1529"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 158 و 212 و 221" و"2/ 123"، الكنى للدولابي "1/ 191" و"2/ 66"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 20"، المجروحين لابن حبان "1/ 319"، الكاشف "1/ ترجمة 1877"، العبر "1/ 253"، ميزان الاعتدال "2/ 128"، جامع التحصيل للعلائي "ترجمة رقم 232"، تهذيب التهذيب "4/ 8"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2422"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 265".

ص: 12

‌1099 - ثابت بن يزيد

(1)

: " ع"

الحافظ، المتقن، الإمام، أبو زيد البصري، الأحول.

حدث عن: عاصم الأحول، وهلال بن خباب، وحميد، وطبقتهم من صغار التابعين.

حدث عنه: أبو داود الطيالسي، وعفان، وعارم، وأبو سلمة التبوذكي، وجماعة.

مات في الكهوله، فلم يشتهر، وهو من نظراء وهيب وأقرانه.

قال أبو حاتم: ثقة. وقال النسائي: ليس به بأس.

قلت: توفي في سنة تسع وستين ومائة، بالبصرة.

أما:

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2097"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 1858"، ميزان الاعتدال "1/ 368"، العبر "1/ 257"، تهذيب التهذيب "2/ 18"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 270".

ص: 13

‌1100 - ثابت بن يزيد أبو السَّري الأودي

(1)

:

فكوفي، قديم ضعفوه.

يروي عن: عمرو بن ميمون الأودي.

قال عبد الله بن إدريس: ليس بذاك. وقال أحمد بن حنبل: حدثنا عنه يحيى بن سعيد. وقال علي: سألت يحيى عنه فقال: وسط إنما أتيته مرة، فأملى عليَّ.

قلت: وروى عنه شريك، فقال: عن ثابت أبي السَّري الزعفراني.

(1)

ترجمته في الكامل لابن عدي "1/ 91 - 92"، والضعفاء للعقيلي "1/ 174 - 175"، وميزان الاعتدال "1/ 368".

ص: 13

‌1101 - المُقَنَّع

(1)

:

هو عطاء المقنع، الساحر، العجمي، الذي أدعى الربوبية من طريق المناسخ، وربط الناس بالخوارق والأحوال الشيطانية، والإخبار عن بعض المغيبات، حتى ضل به خلائق من الصم والبكم. وادعى أن الله تحول الى صورة آدم، ولذلك أمر الملائكة بالسجود له، وأنه تحول إلى صورة نوح، ثم إبراهيم، وإلى حكماء الأوائل، ثم إلى صورة أبي مسلم صاحب الدعوة، ثم إليه فعبدوه وحاربوا دونه، مع ما شاهدوا من قبح صورته، وسماجة وجهه المشَوَّه.

كان أعور، قصيرًا، ألكن، اتخذ وجهًا من الذهب، ومن ثم قالوا: المقنع. ومما أضلهم به من المخاريق: قمر ثانٍ يرونه في السماء، حتى كان يراه المسافرون من مسيرة شهرين، وفي ذلك يقول أبو العلاء بن سليمان:

أفق أيها البدر المقنع رأسه

ضلال وغي مثل بدر المقنع

ولابن سناء الملك:

إليك فما بدر المقنع طالعًا

بأسحر من ألحاظ بدري المعمم

ولما استفحل البلاء بهذا الخبيث، تجهز الجيش إلى حربه، وحاصروه في قلعته بطرف خراسان وقيل: بما وراء النهر، انتدب لحربه متولي خراسان معاذ بن مسلم، وجبريل الأمير، وليث مولى المهدي، والقلعة هي من أعمال كش، وطال الحصار نحو عامين، فلما أحس الملعون بالهلاك، مص سمًا، وسقى حظاياه السم، فماتوا وأخذت القلعة، وقطع رأسه وبعثوا به على قناة إلى المهدي في سنة ثلاث وستين، فوافاه بحلب، وهو يجهِّز العساكر لغزو الروم مع ولده هارون الرشيد، فكانت غزوة عظمى.

(1)

ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 149"، وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 263"، العبر "1/ 235"، شذرات الذهب "1/ 248".

ص: 14

‌1102 - ابن عُلاثَة

(1)

: " د، س، ق"

قاضي الخلافة، أبو اليَسير محمد بن عبد الله بن عُلاثة العُقيلي، الجَزَري.

عن: عبدة بن أبي لبابة وعبد الكريم بن مالك، وخصيف والأوزاعي، وعدة.

وعنه: ابن المبارك، ووكيع، وحرمي بن حفص، وعبد العزيز الأويسي، وعمرو بن الحصين.

ولي القضاء للمهدي. قال ابن سعد: ثقة -إن شاء الله- حراني، ولي معه القضاء عافية. وقال ابن معين: ثقة.

وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال أبو زرعة: صالح الحديث. وقال البخاري: في حفظه نظر. وقال الأزدي: حديثه يدل على كذبه.

مات ابن عُلاثة سنة ثمان وستين ومائة ويقال له: قاضي الجن. قيل: حكم بينهم وبين الإنس في ماء، بئر فحكم للجن أن يستقوا بالليل، فكان من استقى بعد المغرب، جاءه الرجم.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 323"، التاريخ الكبير "1/ ترجمة 399"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 1638"، المجروحين لابن حبان "2/ 279"، تاريخ بغداد "5/ 388"، الكاشف "3/ ترجمة 5045"، ميزان الاعتدال "3/ 549"، تهذيب التهذيب "9/ 269"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6387".

ص: 15

‌1103 - الماجشون

(1)

: " ع"

عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ميمون -وقيل: دينار- الإمام، المفتي الكبير، أبو عبد الله، وأبو الأصبغ التيمي مولاهم، المدني، الفقيه، والد المفتي عبد الملك بن الماجشون، صاحب مالك، وابن عم يوسف بن يعقوب الماجشون.

سكن مدة ببغداد. وحدث عن: الزهري، وابن المنكدر، ووهب بن كيسان، وهلال بن أبي ميمونة، وعمه يعقوب بن أبي سلمة، وسهيل بن أبي صالح، وعبد الرحمن بن القاسم، وعبد الله بن الفضل الهاشمي، وعبد الله بن دينار، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وسعد بن إبراهيم، وعمرو بن يحيى بن عمارة، وهشام بن عروة، وعبيد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، وعمر بن حسين، وعدة من علماء بلده، ولم يكن بالمكثر من الحديث، لكنه فقيه النفس، فصيح، كبير الشأن.

حدث عنه: إبراهيم بن طهمان، وزهير بن معاوية، والليث بن سعد، ووكيع، وابن

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 323"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1530"، الكنى للدولابي "1/ 110 و 191"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1802"، تاريخ بغداد "10/ 436"، ميزان الاعتدال "2/ 629"، الكاشف "2/ ترجمة 3443"، العبر "1/ 244 و 292"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 208"، تهذيب التهذيب "6/ 343"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4356"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 259".

ص: 15

مهدي، وشبابة، وابن وهب، وأبو داود، وأبو عامر العقدي، ويحيى بن حسان، وعمرو بن الهيثم أبو قطن، وهاشم بن القاسم، وحجين بن المثنى، وأسد بن موسى، وأحمد بن يونس، وإسماعيل بن أبي أويس، وحجاج بن منهال، وبشر بن الوليد الكندي، وسعدويه الواسطي، وعبد الله بن صالح العجلي، وعبد الله بن صالح الجهني الكاتب، وعلي بن الجعد، وغسان بن الربيع، وأبو سلمة التبوذكي، وأبو الوليد الطيالسي، وخلق سواهم.

ونقل ابن أبي خيثمة أن أصله من أصبهان، نزل المدينة، فكان يلقى الناس، فيقول: جوني، جوني.

قال: وسئل أحمد بن حنبل: كيف لقب بالماجشون? قال: تعلق من الفارسية بكلمة، وكان إذا لقي الرجل يقول: شونى، شونى، فلقب: الماجشون. وقال إبراهيم الحربي: الماجشون فارسي، وإنما سمي الماجشون، لأن وجنتيه كانتا حمراوين، فسمي بذلك، وهو الخمر، فعربه أهل المدينة. وقيل: أصل الكلمة الماهكون، فهو وولده يعرفون بذلك. وقال غيره: هذا اللقب عليه وعلى أهل بيته.

قال علي بن الحسين بن حيان: وجدت في كتاب جدي بخطه، قيل لأبي بكر: حدثنا ابن معين: عبد العزيز بن الماجشون، هو مثل الليث، وإبراهيم بن سعد? قال: لا، هو دونهما، إنما كان رجلا يقول بالقدر والكلام، ثم تركه، وأقبل إلى السنة، ولم يكن من شأنه الحديث، فلما قدم بغداد، كتبوا عنه، فكان بعد يقول: جعلني أهل بغداد محدثًا، وكان صدوقًا ثقة -يعني: لم يكن من فرسان الحديث، كما كان شعبة ومالك.

وروى أبو داود، عن أبي الوليد، قال: كان يصلح للوزارة.

وقال أبو حاتم، والنسائي، وجماعة: ثقة.

وروى أحمد بن سنان، عن عبد الرحمن، قال: قال بشر بن السري: لم يسمع ابن أبي ذئب، ولا الماجشون من الزهري. قال ابن سنان: معناه عندي، أنه عَرْض.

أبو الطاهر بن السرح، عن ابن وهب، قال: حججت سنة ثمانٍ وأربعين ومائة، وصائح يصيح: لا يفتي الناس، إلا مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة.

قال عمرو بن خالد الحراني: حج أبو جعفر المنصور، فشيعه المهدي، فلما أراد الوداع، قال: يا بني! استهدني: قال: أستهديك رجلا عاقلا. فأهدى له عبد العزيز بن أبي سلمة.

ص: 16

قال محمد بن سعد: كان عبد العزيز ثقة، كثير الحديث، وأهل العراق أروى عنه من أهل المدينة، قدم بغداد، وأقام بها، إلى أن توفي سنة أربع وستين ومائة، وصلى عليه المهدي. وكذا أرخه جماعة. وأما ابن حبان، فقال: مات سنة ست وستين ومائة. قال: وكان فقيهًا، ورعًا، متابعًا لمذاهب أهل الحرمين، مفرعًا على أصولهم، ذابًّا عنهم.

أخبرنا أحمد بن سلامة إجازةً، عن يحيى بن أسعد، أنبأنا عبد القادر بن محمد، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي، أنبأنا أبو بكر بن بخيت، أنبأنا عمر بن محمد الجوهري، حدثنا أبو بكر الأثرم، حدثنا عبد الله بن صالح، عن عبد العزيز بن الماجشون: أنه سئل عما جحدت به الجهمية? فقال:

أما بعد

، فقد فهمتُ ما سألت عنه، فيما تتابعت الجهمية في صفة الرب العظيم، الذي فاتت عظمته الوصف والتقدير، وكلت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول دون معرفة قدره، فلما تجد العقول مساغًا، فرجعت خاسئة حسيرة، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق، وإنما يقال: كيف? لمن لم يكن مرة ثم كان، أما من لا يحول ولم يزل، وليس له مثل، فإنه لا يعلم كيف هو، إلا هو والدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها من تحقيق صفة أصغر خلقه، لا يكاد يراه صغرًا، يحول ويزول، ولا يرى له بصر ولا سمع، فاعرف غناك عن تكليف صفة ما لم يصف الرب من نفسه، بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها، فأما من جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقًا وتكليفًا، فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران، ولم يزل يملي له الشيطان، حتى جحد قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23]، فقال: لا يرى يوم القيامة

، وذكر فصلا طويلا في إقرار الصفات وإمرارها، وترك التعرض لها.

وقيل: إنه نظر مرة في شيء من سلب الصفات لبعضهم، فقال: هذا الكلام هدم بلا بناء، وصفة بلا معنى.

وذكر عبد الملك بن الماجشون الفقيه: أن المهدي أجاز أباه بعشرة آلاف دينار.

وقال أحمد بن كامل: له كتب مصنفة، رواها عنه ابن وهب.

ص: 17

‌1104 - ابن ثوبان

(1)

: " د، ت، ق"

الشيخ، العالم، الزاهد، المحدث، أبو عبد الله عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي، الدمشقي.

ولد في حدود سنة ثمانين وحدث عن: خالد بن معدان، وشهر بن حوشب، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن شعيب، وزياد بن أبي سودة المقدسي، ونافع العمري، وعمرو بن دينار، وعدة.

حدث عنه: الوليد بن مسلم، وبقية بن الوليد، وبشر بن المفضل، والفريابي، وعاصم بن علي، وعبد الله بن صالح العجلي، وعلي بن الجعد، وعدة.

وثقه دُحَيم، وأبو حاتم. وقال صالح جزرة: قدري، صدوق.

وقال النسائي، وغيره: ليس بالقوي.

وقال يحيى بن معين: ليس به بأس، ولينه مرةً.

وقد قال النسائي: ليس بثقة.

وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير.

وقال ابن عدي: يكتب حديثه على ضعفه.

وقال أبو داود: كان فيه سلامة، وكان مجاب الدعوة.

أحمد بن كثير البغدادي: عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: أغلظ ابن ثوبان لأمير المؤمنين المهدي، فاستشاط، وقال: والله لو كان المنصور حيًّا ما أقالك. قال: لا تقل ذاك، فوالله لو كشف لك عنه، حتى تخبر بما لقي ما جلست مجلسك هذا.

قال الوليد بن مزيد: لما كانت السنة التي تناثرت النجوم، خرجنا ليلا إلى الصحراء مع الأوزاعي، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان قال: فسل عبد الرحمن سيفه، وقال: إن الله قد جد فجدوا قال: فجعلوا يسبونه ويؤذونه. فقال الأوزاعي: عبد الرحمن قد رفع عنه القلم- يعني: جن.

قلت: كان فيه خارجية.

قال الوليد بن مزيد: كتب الأوزاعي إليه: أما بعد

قد كنت عالمًا بخاصة منزلتي من أبيك، فرأيت أن صلتي إياه، وتعاهدي إياك بالنصح في أول ما بلغني عنك في الجمعة والصلوات، فمررت بك، فوعظتك فأجبتني بما ليس لك فيه حجة ولا عذر

، في موعظة طويلة، تدل على أنه لا يرى جمعةً خلف ولاة الجور، كمذهب الخوارج.

فنصيحة الأوزاعي، وذاك النفس الذي جبه به المهدي، دال على قوته وحدته -الله يرحمه.

عاش تسعين سنة، ومات في سنة خمس وستين ومائة كان من أسنان ابن زبر.

وقد تتبع الطبراني أحاديثه، فجاءت في كُرَّاس تام، ولم يكن بالمكثر، ولا هو بالحجة، بل صالح الحديث.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 856"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 153" و"2/ 356"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1031"، تاريخ بغداد "10/ 222"، والكاشف "2/ ترجمة 3199"، العبر "1/ 245"، ميزان الاعتدال "2/ 551"، تهذيب التهذيب "6/ 150"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4046".

ص: 18

‌1105 - صدقة بن عبد الله

(1)

: " ت، س، ق"

الإمام، العالم، المحدث، أبو معاوية الدمشقي، السمين.

ولد في إمرة الوليد، أو قبل ذلك. وحدَّث عن: القاسم أبي عبد الرحمن، ومحمد بن المنكدر، ويحيى بن يحيى الغساني، والعلاء بن الحارث، وأبي وهب عبيد الله الكلاعي، ونصر بن علقمة، وهشام بن عروة، والأعمش، وعدة. وينزل إلى الرواية عن: الأوزاعي.

كان من كبار العلماء. حدث عنه: سعيد بن عبد العزيز -رفيقه- والوليد بن مسلم، ووكيع الفريابي، وعلي بن عياش، ويحيى البابلتي، وعبد الله بن يزيد القارئ، وجماعة. ووهم ابن عساكر، فعد في الرواة عنه موسى بن عامر المري، فقد سقط بينهما الوليد. وقيل: يكنى أبا محمد.

قال الدارقطني: ضعيف. وكناه مسلم: أبا معاوية، وقال: منكر الحديث.

وقال أبو حاتم: نظرت في مصنفات صدقة السمين عند عبد الله بن يزيد بن راشد

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2885 و 2886"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 405 و 438" و"3/ 169 و 402"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1889"، المجروحين لابن حبان "1/ 374"، الأنساب للسمعاني "7/ 154"، الكاشف "2/ ترجمة 2406"، العبر "1/ 247"، ميزان الاعتدال "2/ 310"، تهذيب التهذيب "4/ 415"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 3081"، شذرات الذهب "1/ 261".

ص: 19

المقرئ، وسألت دحيمًا عنه، فقال: محله الصدق، غير أنه كان يشوبه القدر، وقد حدثنا بكتب عن ابن جريج، وابن أبي عروبة، وكتب عن الأوزاعي ألفًا وخمس مائة حديث.

وقال عمرو بن عبد الواحد: حدثنا صدقة بن عبد الله، قال: قدمت الكوفة، فأتيت الأعمش، فإذا رجل غليظ ممتنع، فجعلت أتعجرف عليه تعجرف أهل الشام، فقال: من أين تكون? قلت: من دمشق. قال: وما أقدمك? قلت: جئت لأسمع منك ومن مثلك الخبر. فقال: وبالكوفة جئت تسمع? أما إنك لا تلقى فيها إلا كذابًا حتى تخرج منها.

قال عمرو بن أبي سلمة: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: جاءني الأوزاعي، فقال: من حدثك بكذا? قلت: الثقة عندك وعندي، صدقة بن عبد الله.

قال العقيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد، سمعت أبي يقول: صدق السمين شامي، يروي عنه الوليد بن مسلم، ليس بشيء، ضعيف الحديث، أحاديثه مناكير، ليس يسوى حديثه شيئًا، وما كان من حديثه مرسل عن مكحول، فهو أسهل، وهو ضعيف جدًّا.

وروى عباس، عن يحيى بن معين: ضعيف. وقال محمد بن أبي السَّري: ضعيف.

قلت: هو ممن يجوز حديثه، ولا يحتج به. وقد طحنه أبو حاتم بن حبان، فقال: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يشتغل بروايته إلا عند التعجب.

حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا ابن أبي السري، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن صدقة بن عبد الله، عن موسى بن يسار، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"في العسل العشر في كل عشر قرب قربة"

(1)

.

ثم قال ابن حبان: ويروي عن: ابن المنكدر، عن جابر نسخة موضوعة، يشهد لها بالوضع من كان مبتدئًا، فكيف المتبحر?!

قال الوليد بن مسلم: مات صدقة بن عبد الله سنة ست وستين ومائة.

وقد طولته في "الميزان"، وكان عنده حديث كثير، ولم يكن بالمتقن.

(1)

صحيح بشواهده: أخرجه الترمذي "629"، والبيهقي "4/ 126" من طريق محمد بن يحيى النيسابوري، عن عمرو بن أبي سلمة التنيسي، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته صدقة بن عبد الله، فإنه ضعيف. لكن للحديث شاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص: عند أبي داود "1600" و"1601" و"1602"، والنسائي "5/ 46"، وابن ماجه "1824". وله شاهد آخر من حديث أبي سيارة المتقي: عند ابن ماجه "1823"، وأحمد "4/ 236".

ص: 20

‌1106 - عبيد الله بن إياد

(1)

: " م، ت، س"

ابن لقيط، المحدث، أبو السَّليَّل السَّدوسي، الكوفي.

حدث عن: أبيه، وعن: كُليب بن وائل.

حدث عنه: ابن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وسعيد بن منصور، ويحيى بن يحيى، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وجعفر بن حميد، وكان عريف قومه.

وثقه يحيى بن معين، وغيره. واحتج به: مسلم، وغيره. وهو قوي الحديث.

قال ابن قانع: بعض روايته صحيفة.

قلت: توفي سنة تسع وستين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 1183"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 145 و 180"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1462"، الكاشف "2/ ترجمة 3581"، ميزان الاعتدال "3/ 3 - 4"، العبر "1/ 256"، تهذيب التهذيب "7/ 4"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4529"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 269".

ص: 21

‌1107 - جُويرية بن أسماء

(1)

: " خ، م، د، س"

ابن عبيد، المحدث، الثقة، أبو مُخارق. وقيل: أبو مِخراق -وهو أشبه- الضُّبَعي، البصري.

حدث عن: نافع العمري، وابن شهاب الزهري، وعن: رفيقه مالك بن أنس.

حدث عنه: ابن أخيه؛ عبد الله بن محمد بن أسماء، وابن أخيه؛ سعيد بن عامر الضبعي، وأبو الوليد الطيالسي، وحجاج بن منهال، ومُسَدَّد وعدة.

قال أحمد ويحيى: ليس به بأس.

قلت: توفي في سنة ثلاث وسبعين ومائة، وحديثه محتج به في الصحاح.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 281"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2326"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 153 و 614" و"2/ 27 و 136"، الكنى للدولابي "2/ 108"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 2206"، الإكمال لابن ماكولا "2/ 569"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 217"، العبر "1/ 264"، الكاشف "1/ ترجمة 836"، الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "11/ 227"، تهذيب التهذيب "2/ 124"، النجوام الزاهرة "2/ 74"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة رقم 1079"، وشذرات الذهب "1/ 283".

ص: 21

‌1108 - مَعْقِل بن عبيد الله

(1)

: " م، د، س"

الجَزَري، المحدث، الإمام، أبو عبد الله، مولى بني عبس.

حدث عن: عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن شُعَيب، وميمون بن مهران، ونافع، والزهري، وأبي الزبير المكي، وزيد بن أبي أنيسة، وعدة.

حدث عنه: أبو نُعَيم، والفِريابي، والحسن بن محمد بن أعين، وسعيد بن حفص النُّفيلي، وأبو جعفر النُّفيلي، وآخرون.

اختلف قول يحيى بن معين فيه. وقد احتج به: مسلم.

وقال أحمد بن حنبل: صالح الحديث.

وقال النسائي: ليس به بأس.

وروى معاوية بن صالح، عن يحيى: ضعيف.

ذكر أبو عوانة أو غيره أنه توفي سنة ست وستين ومائة.

وما عرفت له شيئًا منكرًا فأذكره، وحديثه لا ينزل عن رتبة الحسن. والله الموفق.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1712"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1313"، الكاشف "3/ ترجمة 5654"، العبر "1/ 247"، ميزان الاعتدال "4/ 146"، تهذيب التهذيب "10/ 427"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7113"، شذرات الذهب "1/ 261".

ص: 22

‌1109 - أيوب بن عتبة

(1)

: " ق"

اليمامي الفقيه، أبو يحيى، قاضي اليمامة، ليِّن من قبل حفظه.

يروي عن: عطاء بن أبي رباح، وإياس بن سلمة، ويحيى بن أبي كثير.

حدث عنه: الأسود شاذان، وآدم بن أبي إياس، وعاصم بن علي، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وسعيد بن سليمان الواسطي، وعلي بن الجعد، وآخرون.

نزل البصرة.

قال الفلاس: سيئ الحفظ.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 556"، التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1347"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 171" و"3/ 60"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 907"، المجروحين لابن حبان "1/ 169"، تاريخ بغداد "7/ 3 - 6"، ميزان الاعتدال "1/ 290"، تهذيب التهذيب "1/ 408".

ص: 22

وقال البخاري: هو عندهم لين.

وروى عباس عن يحيى: سيئ الحفظ، ومرةً قال: ضعيف.

وقال ابن حبان: يروي عن يحيى بن أبي كثير، وقيس بن طلق. حدث عنه: ابن المبارك، ووكيع يخطئ كثيرًا، ويهم شديدًا، حتى فحش الخطأ منه. مات سنة ستين ومائة.

حدثنا أبو يعلى، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا عنبسة بن عبد الواحد، حدثنا أيوب بن عتبة، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن النعمان بن بشير: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا نام أحدكم وفي نفسه أن يصلي من الليل، فليضع قبضة من تراب عنده، فإذا انتبه، فليقبض بيمينه، ثم ليحصب عن شماله". ثم قال ابن حبان: هذا باطل.

وأخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار، حدثنا عفيف بن سالم، عن أيوب بن عتبة، عن عطاء، عن ابن عباس: سأل حبشي فقال: فضلتم علينا يا رسول الله بالصور أفرأيتَ إن آمنتُ بك أكائن معك? قال: "نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة مسيرة ألف عام

"، وذكر الحديث، إلى أن قال: فاستبكى الحبشي حتى مات، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيده. قال ابن حبان: وهذا باطل.

وفي "الجَعْدِيَّات" بإسنادي إلى البغوي: حدثني عباس، سمعت يحيى يقول: أيوب بن عتبة ليس بالقوي.

وحدثنا علي بن الجعد، أنبأنا أيوب بن عُتْبة، عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط، سمعت أبا هريرة يقول -وأومأ بأصبعه إلى أذنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم"

(1)

.

(1)

صحيح: وهذا إسناد ضعيف، آفته أيوب بن عتبة، فإنه ضعيف. وقد ورد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:"إذا اشتد الحر، فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". أخرجه عبد الرزاق "2049"، ومن طريقه أحمد "2/ 266"، ومسلم "615""183" عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، به. وأخرجه الشافعي "1/ 48"، والحميدي "942"، والبخاري "536"، وابن الجارود "156"، والبغوي "361"، من طريق سفيان، عن الزهري، به.

وأخرجه عبد الرزاق "2051"، وأحمد "2/ 318"، عن معمر، عن أبي هريرة، به. وأخرجه من طرق عن أبي هريرة: ابن أبي شيبة "1/ 324 و 325"، وأحمد "2/ 229 و 256 و 348 و 393 و 394 و 462 و 501 و 507"، والبخاري "533" و"534"، ومسلم "615""181" والبغوي "364". =

ص: 23

حدثنا علي، أنبأنا أيوب بن عتبة، حدثنا طيسلة بن علي، قال: أتيت ابن عمر عشية عرفة، فسألته عن الكبائر? فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هن تسع". قلت: وما هن? قال: "الإشراك بالله، وقذف المحصنة، وقتل النفس المؤمنة، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، والإلحاد بالحرم"

(1)

.

وقيل: إن أيوب بن جابر بقي إلى سنة سبعين ومائة.

وقال بعض الأئمة: أكثر عن يحيى بن أبي كثير، وكتابه عنه صحيح.

= ومعنى الإبراد: انكسار حر الظهيرة، وهو أن تتفيأ الأفياء، وينكسر وهج الحر، فهو برد بالإضافة إلى حر الظهيرة.

وقوله: "من فيح جهنم": قال أبو سليمان الخطابي في "معالم السنن""1/ 239": معناه سطوع حرها وانتشاره، وأصله في كلامهم السعة والانتشار، يقال: مكان أفيح، أي: واسع. وأرض فيحاء: أي واسعة، ومعنى الكلام يحتمل وجهين، أحدهما: أن شدة الحر في الصيف من وهج حر جهنم في الحقيقة. والوجه الآخر: أن هذا الكلام خرج مخرج التشبيه والتقريب، أي: كأنه نار جهنم في الحر، فاحذروها، واجتنبوا ضررها.

(1)

حسن لغيره: أخرجه ابن جرير الطبري "5/ 39" من طريق سليمان بن ثابت الخزاز الواسطي، أخبرنا سليم بن سلام، عن أيوب بن عتبة، عن طيسلة، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: أيوب بن عتبة، ضعيف. والعلة الثانية: طيسلة بن علي اليمامي، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة. وللحديث شاهد من حديث عمير: عند أبي داود "2875"، وفي إسناده يحيى بن أبي كثير، مدلس مشهور بالتدليس، وقد عنعنه، وفيه عبد الحميد بن سنان، مجهول؛ لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة. والحديث يرتقي بهذا الشاهد إلى مرتبة الحسن لغيره والله -تعالى- أعلى وأعلم.

ص: 24

‌1110 - محمد بن جعفر

(1)

: " ع"

ابن أبي كثير الأنصاري، مولاهم المدني، الحافظ، أخو: إسماعيل بن جعفر، وكثير بن جعفر، ويحيى بن جعفر، ويعقوب بن جعفر، فأشهرهم: محمد وإسماعيل.

يروي عن: أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن، وزيد بن أسلم، وشَريك بن أبي نمر، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد، وعدة.

حدث عنه: خالد بن مَخْلَد، وسعيد بن أبي مريم، وعيسى بن ميناء قالون

(2)

، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي، وإسحاق بن محمد الفروي، وغيرهم.

وثقه يحيى بن معين، وغيره.

توفي مع سليمان بن بلال، في حدود سنة سبعين ومائة، من أبناء الستين، وهو من طبقة ابن عُلَيَّة، وأنس بن عياض، وإنما قدمته عن قرنائه إلى هنا لقدم وفاته، والله أعلم. ولم يقع لنا حديثه عاليًا، إلا من نمط ما في "صحيح البخاري".

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 116"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 306 و 394 و 474"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 1219"، الكاشف "3/ ترجمة 4840"، العبر "1/ 259"، تهذيب التهذيب "4/ 94"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6112"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 279".

(2)

قالون: أحد القراء ربيب نافع، وهو الذي لقبه "قالون"، بمعنى جيد في الروسية لجودة قراءته، واسمه عيسى بن ميناء الزرقي، مولى بني زهرة توفي سنة "220 هـ". كان -رحمه الله تعالى- أصم يقرئ القرآن، وينظر إلى شفتي القارئ ويرد عليه اللحن والخطأ.

ص: 24

‌1111 - الأخفش

(1)

:

الكبير، شيخ العربية، أبو الخطاب البصري. يقال: اسمه عبد الحميد ابن عبد المجيد.

تخرج به سيبويه، وحمل عنه النحو، لولا سيبويه لما اشتهر.

وأخذ عنه أيضًا: عيسى بن عمر النحوي، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وغيرهما. وله أشياء غريبة، ينفرد بنقلها عن العرب. ولم أقع له بوفاة.

فأما الأخفش الأوسط

(2)

تلميذ سيبويه، والأخفش الأصغر

(3)

، فسيأتيان.

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 86"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 74".

(2)

الأخفش الأوسط: هو سعيد بن مسعدة المتوفى سنة "211 هـ" وقيل: سنة "215 هـ".

(3)

الأخفش الأصغر: هو علي بن سليمان بن الفضل المتوفى سنة "315 هـ".

ص: 25

‌1112 - ابن الغَسيل

(1)

: " خ، م، د، ق"

عبد الرحمن بن سليمان، ابن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حنظلة بن الراهب الأنصاري، الأوسي، المدني، الفقيه، المحدث، أبو سليمان، وقيل لجدهم: حنظلة الغسيل، لأنه لما استشهد يوم أحد كان جنبًا، فغسلته الملائكة.

رأى عبد الرحمن من الصحابة: سهل بن سعد الساعدي.

وحدث عن: عكرمة، وأسيد بن علي بن عُبَيْد، والمنذر بن أبي أسيد الساعدي، وأخيه الزبير، وعباس بن سهل، وعاصم بن عمر بن قتادة، وطائفة.

حدث عنه: وكيع، وأبو أحمد الزبيري، وأبو نعيم، وأبو الوليد الطيالسي، ويحيى بن عبد الحميد الحمَّاني، وأحمد بن يعقوب المسعودي، وإبراهيم بن أبي الوزير، ومحمد بن عبد الواهب، وجُبَارة بن المغلس، وعدة.

وثقة أبو زرعة، والدارقطني. وقال النسائي: ليس بالقوي.

وروى عثمان الدارمي، عن يحيى: صويلح.

توفي عبد الرحمن: سنة إحدى وسبعين ومائة، وقد جاوز التسعين.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن البَنَّاء، أنبأنا علي بن أحمد، أنبأنا أبو طاهر المُخَلِّص، حدثنا عبد الله البغوي، حدثنا محمد بن عبد الواهب الحارثي، حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل، عن أسيد بن علي بن عبيد، عن أبيه، عن أبي أَسيد -وكان بدريًّا- قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا، فجاء رجل من الأنصار فقال

(2)

.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 939"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1134"، المجروحين لابن حبان "2/ 57"، تاريخ بغداد "10/ 225"، العبر "1/ 260"، الكاشف "2/ ترجمة 3254"، وميزان الاعتدال "2/ 568"، تهذيب التهذيب "6/ 189"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4119"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 280".

(2)

ضعيف: وتمام الحديث عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله! هل بقي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما؟ قال: "نعم خصال أربع: الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما".

أخرجه أحمد "3/ 497 - 498"، والبخاري في "الأدب المفرد""35"، وأبو داود "5142"، وابن ماجه "3664"، وابن حبان "2030"، والحاكم "4/ 154"، والبيهقي "4/ 28"، والطبراني في "الكبير""19/ 592" من طرق عن عبد الرحمن بن سليمان، عن أسيد بن علي بن عبيد مولى بني ساعدة، عن أبيه، عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال: فذكره.

قلت: إسناده ضعيف، رجاله ثقات خلا علي بن عبيد الأنصاري، مولى أبي أسيد، مجهول، لم يرو عنه غير ابنه أسيد، وذكره ابن حبان في "الثقات" على عادته في تعديل المجهولين، وقد أشار الحافظ إلى جهالته في "التقريب" بقوله: مقبول.

وقد ذكرت الحديث في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة" المجلد الأول برقم حديث "354" فراجعه ثمت تُفد علمًا كثيرًا، وخيرًا جمًّا يسَّر الله طبع باقي المجلدات وأكثر النفع به، وجعله وسائر أعمالي في ميزان حسناتي بكرمه ومنه إنه سميع مجيب كريم جوَّاد.

ص: 26

‌1113 - عثمان البُرِّي

(1)

: " ت"

العلامة، المفتي، فقيه البصرة، أبو سلمة عثمان بن مِقْسَم الكِنْدي مولاهم، البصري، البُرِّي.

يروي عن: يحيى بن أبي كثير، وسعيد المَقْبرِي، ونافع، وقتادة، وأبي إسحاق، وحماد بن أبي سليمان، وفرقد السبخي، ومنصور بن المعتمر، وطائفة وكان ممن صنف العلم، ودونه.

حدث عنه: سفيان الثوري، وأبو داود الطيالسي، وأبو عاصم، وسلم بن قتيبة، ويحيى بن سلام، وشيبان بن فَرُّوخ، وآخرون.

تركه ابن المبارك، والقَطَّان، وكان قليل الحديث يُزَنَّ ببدعة.

وقال ابن معين: ليس بشيء.

وقال النسائي: متروك.

وقال شعبة: أفادني عثمان البري عن قتادة حديثًا، فسألت قتادة، فما عرفه، فجعل عثمان يقول: بل أنت حدثتني، فيقول: لا. فقال قتادة: هذا يخبرني عني أن لي عليه ثلاث مائة درهم.

قال مؤمل بن إسماعيل: سمعت عثمان البري يقول: كذب أبو هريرة.

وقال عفان: سمعت عثمان البري ينكر الميزان. وقال محمد بن كثير: سمعته يقول: ليس بميزان، إنما هو العدل.

وقال عفان: كان قدريًا، ويغلط، وفي كتابه الصواب، فلا يرجع إليه، وكان يروي عشرين حديثًا. وحدثني ثقة: أنه سأله عن: {تَبَّتْ} في أم الكتاب? فقال: لم تكن، وإنما في الكتاب: ت، ب، ت.

قلت: روى له الترمذي حديثًا من طريق زيد بن الحباب، عن أبي سلمة الكِندي، عن فرقد السبخي، فهو البري.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 285"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2319"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 123 و 148" و"3/ 34 و 62"، الجرح والتعديل "6/ 167"، المجروحين لابن حبان "2/ 101"، ميزان الاعتدال "3/ 59".

ص: 27

‌1114 - خارجة بن مصعب

(1)

: " ت، ق"

ابن خارجة، الإمام، العالم، المحدث، شيخ خراسان مع إبراهيم بن طهمان، أبو الحجاج الضُّبَعي، السَّرْخَسي.

ارتحل وأخذ عن: عمرو بن دينار، وزيد بن أسلم، وبُكَير بن الأشج، وعبد الملك بن عمير، وأيوب السختياني، وشريك بن أبي نَمِر، وعمرو بن يحيى المازني، ويونس بن عبيد، وطبقتهم.

حدث عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وعيسى بن موسى غُنْجار، ووكيع، وحفص بن عبد الله النيسابوري، ويحيى بن يحيى، ويزيد بن صالح الفراء، ونعيم بن حماد، وجماعة.

روى مسلم، عن يحيى بن يحيى قال: هو مستقيم الحديث عندنا، ولم ننكر من حديثه إلا ما كان يدلس عن غياث، فإنا كنا نعرف تلك الأحاديث.

وقال الحاكم: هو في نفسه ثقة -يعني: ما هو بمتهم.

وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه.

وقال ابن عدي: يغلط ولا يتعمَّد.

وقال عباس عن يحيى: ليس بثقة.

وقال عبد الله بن أحمد: نهاني أبي أن أكتب أحاديثه.

وقال محمد بن سعد: ترك الناس حديثه واتقوه.

وقال النسائي: متروك الحديث.

وقال الجوزجاني: يرمى بالإرجاء.

وروى محمد بن عبد الوهاب الفَرَّاء، قال: كان خارجة يطعم أصحاب الحديث، ويُزْرِي على من لا يأكل.

قال ولده مصعب: توفي أبي سنة ثمانٍ وستين ومائة، وله ثمانٍ وسبعون سنةً.

أخبرتنا زينب الكنديَّة، عن زينب الشَّعْرية، أنبأنا إسماعيل بن أبي القاسم، أنبأنا عبد الغافر بن محمد، أنبأنا بشر بن أحمد، أنبأنا داود بن الحسين سنة " (293) "، حدثنا يحيى بن يحيى، أنبأنا خارجة، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وَعْلة: أنه سأل ابن عباس، فقال: إني أغزو المغرب، فنجد لهم أسقية من جلود الميتة? قال: ما أدري، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كل إهاب دبغ فقد طهر"

(2)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 371"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 702"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 37"، الكنى للدولابي "1/ 144"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 1716"، المجروحين لابن حبان "1/ 288"، الأنساب للسمعاني "8/ 142"، العبر "1/ 252"، ميزان الاعتدال "1/ 625"، الكاشف "1/ ترجمة 1312"، تهذيب التهذيب "3/ 76"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1736"، شذرات الذهب "1/ 265".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "366"، وأبو داود "4123"، والترمذي "1728"، وابن ماجه "3609"، وأحمد "1/ 219 و 270 و 343" من طريق زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة، به.

ص: 28

‌1115 - المَخْرَمِي

(1)

: " م، (4) "

الإمام، المحدث، العلامة، أبو محمد عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن، ابن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: المسور بن مخرمة الزهري، المخرمي، المدني.

حدث عن: أبيه، وعمة، أبيه؛ أم بكر بنت المسْوَر، وسعد بن إبراهيم القاضي، وسعيد المقبري، وعثمان الأخنسي، ويزيد بن عبد الله، وإسماعيل بن محمد بن سعد.

حدث عنه: عبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن عمر الواقدي، وخالد بن مخلد، ويحيى الحماني، ويحيى بن يحيى التميمي، وعدة. وكان: فقيهًا، مفتيًا، بصيرًا، بالمغازي.

وثقة أحمد بن حنبل، وغيره. وقال يحيى بن معين: صدوق، وليس بثبت. وجاء عن أحمد: أنه رجحه على ابن أبي ذئب، فقال يعقوب بن شيبة في "مسند العباس": سمعت أحمد بن حنبل، ويحيى تناظرا في المخرمي، وابن أبي ذئب، فجعل أحمد يقدم المخرمي، وقدم ابن معين عليه ابن أبي ذئب، وقال المخرمي: شويخ، وأي شيء عنده؟

وقيل: كان قصيرًا جدًّا.

له فضل، وشرف، ومروءة، وله هفوة، نهض مع محمد بن عبد الله بن حسن، وظنه المهدي، ثم إنه ندم فيما بعد، وقال: لا غَرَّني أحد بعده.

وقد أسرف ابن حبان وبالغ، فقال: يروي عن: سعيد المقبري، وسهيل بن أبي صالح، وكان كثير الوهم في الأخبار، حتى روى عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، فإذا سمعها من حديث صناعته، شهد أنها مقلوبة، فاستحق الترك.

قلت: كيف يترك، وقد احتج مثل الجماعة به، سوى البخاري، ووثقه مثل أحمد.

مات في سنة سبعين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 147"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 100"، المجروحين لابن حبان "2/ 27"، الإكمال لابن ماكولا "7/ 311"، الكاشف "2/ ترجمة 2693"، العبر "1/ 258" ميزان الاعتدال "2/ 403"، تهذيب التهذيب "5/ 171"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3426" وشذرات الذهب "1/ 278".

ص: 29

أما سميه وعصريه المحدث:

‌1116 - عبد الله بن جعفر بن نَجِيح

(1)

:

والد علي بن المديني: فواهٍ.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 148"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 269"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 102"، المجروحين لابن حبان "2/ 14"، الكاشف "2/ ترجمة 2692"، ميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4247"، تهذيب التهذيب "5/ 174"، خلاصة الخزرجي، "2/ ترجمة 3429"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 288".

ص: 30

‌1117 - ابن أبي سَبْرة

(1)

: " ق"

الفقيه الكبير، قاضي العراق، أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة بن أبي رُهم -وكان جد أبيه أبو سبرة بدريًّا من السابقين المهاجرين- ابن أبي رهم بن عبد العزى القرشي، ثم العامري. توفي زمن عثمان رضي الله عنهما. وكانت أمه برة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه لأمه أبا سلمة المخزومي رضي الله عنه وما علمته روى شيئًا.

حدث أبو بكر بن أبي سبرة عن: عطاء بن أبي رباح، والأعرج، وزيد بن أسلم، وهشام بن عروة، وشريك بن أبي نمر، وطائفة. وهو ضعيف الحديث من قبل حفظه.

حدث عنه: ابن جريج -مع تقدمه- وأبو عاصم النبيل، ومحمد بن عمر الواقدي، وعبد الرزاق، وعبد الله بن الوليد العدني، وآخرون.

قال أبو داود: كان مفتي أهل المدينة.

وروى معن عن مالك: قال لي أبو جعفر المنصور: يا مالك! من بقي بالمدينة من المشيخة? قلت: ابن أبي ذئب، وابن أبي سبرة، وابن أبي سلمة الماجشون.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "9/ ترجمة 56"، المجروحين لابن حبان "3/ 147"، ميزان الاعتدال "4/ 503"، تهذيب التهذيب "12/ 27".

ص: 30

وقال الواقدي: سمعت ابن أبي سَبْرة يقول: قال لي ابن جريج: اكتب لي أحاديث من حديثك جيادًا. فكتبت له ألف حديث، ثم دفعتها إليه، ما قرأها عليَّ، ولا قرأتها عليه.

قال أحمد بن حنبل: قال لي الحجاج: قال لي ابن أبي سبرة: عندي سبعون ألف حديث في الحلال والحرام.

قال علي بن المديني: هو عندي مثل إبراهيم بن أبي يحيى.

وروى عباس، عن ابن معين، قال: ليس حديثه بشيء، قدم هاهنا، فاجتمع عليه الناس، فقال: عندي سبعون ألف حديث، إن أخذتم عني كما أخذ عني ابن جريج، وإلا فلا.

وقال البخاري: ضعيف الحديث.

وقال النسائي: متروك.

وروى عبد الله وصالح ابنا أحمد، عن أبيهما، قال: كان يضع الحديث.

قلت: يقال: اسمه محمد. وقيل: عبد الله.

قال مصعب الزبيري: كان من علماء قريش، ولاه المنصور القضاء، وكان خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن، وكان على صدقات أسد وطيئ، فقدم على محمد بأربعة وعشرين ألف دينار، فلما قتل محمد، أسر ابن أبي سبرة وسجن، ثم استعمل المنصور جعفر بن سليمان على المدينة، وقال له: إن بيننا وبين ابن أبي سبرة رحمًا، وقد أساء وأحسن، فأطلقه وأحسن جواره.

وكان الإحسان أن عبد الله بن الربيع الحارثي، قدم المدينة بعدما شخص عنها عيسى بن موسى ومعه العسكر، فعاثوا بالمدينة، وأفسدوا. فوثب على الحارثي سودان المدينة والرعاع، فقتلوا جنده، وطردوهم، ونهبوا متاع الحارثي. فخرج حتى نزل ببئر المطلب يريد العراق، فكسر السودان السجن، وأخرجوا ابن أبي سبرة حتى أجلسوه على المنبر، وأرادوا كسر قيده، فقال: ليس على ذا فوت، دعوني حتى أتكلم فتكلم في أسفل المنبر، وحذرهم الفتنة، وذكرهم ما كانوا فيه، ووصف عفو المنصور عنهم، وأمرهم بالطاعة. فأقبل الناس على كلامه، وتجمع القرشيون، فخرجوا إلى عبد الله بن الربيع، فضمنوا له ما ذهب له ولجنده. وكان قد تأمر على السودان وثيق الزنجي، فأمسك، وقيد، وأتى ابن الربيع، ثم رجع ابن أبي سبرة إلى الحبس، حتى قدم جعفر بن سليمان، فأطلقه وأكرمه، ثم صار إلى المنصور، فولاه القضاء.

قال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ، وهو في جملة من يضع الحديث.

قال ابن سعد: ولي القضاء لموسى الهادي، إذ هو ولي عهد، ثم ولي قضاء مكة لزياد بن عبيد الله، وعاش ستين سنة، فلما مات، استقضي بعده القاضي أبو يوسف. قال: وتوفي ببغداد، سنة اثنتين وستين ومائة. وكذا ورخ موته جماعة. وفي "طبقات" أبي إسحاق: سنة اثنتين وسبعين. وهو وهم.

ص: 31

‌1118 - أبو بكر النَّهْشَلي

(1)

: " م، ت، س، ق"

الكوفي، من علماء الكوفة في اسمه أقوال، ولا يعرف إلا بكنيته.

حدث عن: أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، وعبد الرحمن بن الأسود النخعي، وحبيب بن أبي ثابت، وزياد بن عِلاقة، وطائفة.

حدث عنه: ابن مهدي، وبهز بن أسد، وعون بن سلام، ويحيى بن عبد الحميد، وجُبَارة بن المُغَلِّس، وآخرون.

وثقه أحمد، وابن معين. وهو الذي يقول فيه وكيع: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي القطاف. وأصح ما قيل في اسمه: عبد الله. وقد تكلم فيه ابن حِبَّان، فقال: كان شيخًا صالحًا، فاضلا، غلب عليه التقشف، حتى صار يهم ولا يعلم، ويخطئ ولا يفهم، فبطل الاحتجاج به.

قلت: بل هو صدوق، احتج به: مسلم، وغيره.

قال أحمد بن يونس: كان أبو بكر النهشلي صالحًا، يثب للصلاة في مرضه، ولا يقدر، فيقال له، فيقول: أبادر طيَّ الصحيفة.

قالوا: توفي النهشلي سنة ست وستين ومائة، رحمه الله.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 378"، التاريخ الكبير "9/ ترجمة 54"، وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 229"، ميزان الاعتدال "4/ 496"، العبر "1/ 247"، تهذيب التهذيب "12/ 44"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 261".

ص: 32

‌1119 - عبد الله بن عَيَّاش

(1)

: " م، س"

ابن عباس، الإمام، العالم، الصدوق، أبو حفص القِتْباني، المصري.

حدث عن: عبد الرحمن بن هُرْمز الأعرج، وأبي عُشَّانة المعافري، ويزيد بن أبي حبيب، ووالده، وجماعة.

وعنه: ابن وهب، وزيد بن الحباب، وأبو عبد الرحمن المقرئ، وآخرون.

احتج به مسلم، والنسائي. وقال أبو حاتم: صدوق، ليس بالمتين. وقال أيضًا: هو قريب من ابن لهيعة. وقال أبو داود، والنسائي: ضعيف.

قلت: حديثه في عداد الحسن.

توفي في سنة سبعين ومائة.

وقول أبي حاتم: هو قريب من ابن لهيعة، تصليح لحال ابن لهيعة، إذ يُقارب في الوزن بشيخ خرج له مسلم، ولا ريب أنه أوثق من ابن لهيعة، وأن ابن لهيعة أعلم بكثير منه.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 459"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 161"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 580"، الإكمال لابن ماكولا "6/ 72"، الكاشف "2/ ترجمة 2934"، ميزان الاعتدال "2/ 469"، تهذيب التهذيب "5/ 351"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3717"، شذرات الذهب "1/ 55".

ص: 33

‌1120 - عبد الحميد بن بَهرَام

(1)

: " ت، ق"

الفزاري المدائني، المحدث، صاحب شهر بن حوشب.

روى عن شهر نسخةً حسنة، وعن: عاصم الأحول.

حدث عنه: ابن المبارك، ورَوْح بن عُبادة، والفريابي، وعلي بن عَيَّاش، وأبو صالح الكاتب، وسَعْدَوَيْه، ومحمد بن بكّار بن الريان، ومنصور بن أبي مزاحم، وآخرون.

قال أحمد بن حنبل: حديثه عن شهر مُقَارِب، وهي سبعون حديثًا، كان يحفظها كأنها سورة.

وقال أبو حاتم: أحاديثه عن شهر صحاح.

وقال أبو داود، وغيره: ثقة. وكذا وثقه: يحيى بن معين.

وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال محمد بن مُثَنَّى: ما سمعت يحيى ولا ابن مهدي يحدثان عنه شيئًا قط.

وقال علي بن حفص المدائني: سمعت شعبة يقول: نعم الشيخ عبد الحميد بن بَهْرَام، لكن لا تكتبوا عنه، فإنه يروي عن شَهْر.

قلت: كان سماعه من شهر في سنة ثمان وتسعين، وكان موته قبل السبعين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1685"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 98"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 42"، الكاشف "2/ ترجمة 3135"، ميزان الاعتدال "2/ 538"، تهذيب التهذيب "6/ 109"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3968".

ص: 33

‌1121 - الربيع بن يونس

(1)

:

الوزير، الحاجب الكبير، أبو الفضل الأموي، من موالي عثمان رضي الله عنه حجب للمنصور، ثم وزر له بعد أبي أيوب المورياني، وكان من نبلاء الرجال، وألبَّائهم، وفضلائهم. قال له المنصور: ما أطيب الدنيا لولا الموت قال: يا أمير المؤمنين! ما طابت إلا بالموت. قال: وكيف? قال: لولا الموت لم تقعد هذا المقعد.

يقال: إن الهادي سمه. وقيل: مرض ثمانية أيام، ومات.

قال الطبري: توفي سنة تسع وستين ومائة. وقيل: في أول سنة سبعين. وعمل حجابة الرشيد ابنُه الفضل بن الربيع.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "8/ 414"، وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 235"، شذرات الذهب "1/ 274".

ص: 34

‌1122 - نافع

(1)

:

ابن أبي نُعيم الإمام، حبر القرآن، أبو رُوَيم. ويقال: أبو الحسن. ويقال: أبو نعيم. ويقال: أبو محمد. ويقال: أبو عبد الله بن عبد الرحمن، مولى جَعْونة بن شعوب الليثي، حليف حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: حليف العباس، أخي حمزة، أصله أصبهاني.

ولد في خلافة عبد الملك بن مروان، سنة بضع وسبعين، وجود كتاب الله على عدة من التابعين، بحيث إن موسى بن طارق حكى عنه، قال: قرأت على سبعين من التابعين.

قلت: قد اشْتُهرت تلاوته على خمسة: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج -صاحب أبي هريرة- وأبي جعفر يزيد بن القعقاع- أحد العشرة

(2)

، وشيبة بن نِصَاح، ومسلم بن جُنْدب الهذلي، ويزيد بن رومان. وحمل هؤلاء عن أصحاب أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، كما أوضحناه في "طبقات القراء". وصح: أن الخمسة تلوا على مقرئ المدينة: عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، صاحب أبي. وقيل: إنهم قرءوا على أبي هريرة أيضًا، وعلى ابن عباس، وفيه احتمال. وقيل: إن مسلم بن جُنْدُب قرأ على حكيم بن حِزام، وابن عمر.

قال الهُذَلي في "كامله": كان نافع معمرًا، أخذ القرآن على الناس في سنة خمس وتسعين -كذا قال الهذلي- وبالجهد أن يكون نافع في ذلك الحين يتلقن ويتردد إلى من يُحفِّظه، وإنما تصدر للإقراء بعد ذلك بزمان طويل، ولعله أقرأ في حدود سنة عشرين ومائة، مع وجود أكبر مشايخه.

قال مالك رحمه الله: نافع إمام الناس في القراءة.

وقال سعيد بن منصور: سمعت مالكًا يقول: قراءة نافع سنة.

وروى إسحاق المُسَيِّبي، عن نافع، قال: أدركت عدة من التابعين، فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم، فأخذته، وما شذ فيه واحد تركته، حتى ألفت هذه القراءة.

وروى أن نافعًا كان إذا تكلم توجد من فيه ريح مسك، فسئل عنه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم تفل في فيِّ.

وقال الليث بن سعد: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، وإمام الناس في القراءة بالمدينة نافع بن أبي نعيم.

قلت: لا ريب أن الرجل رأس في حياة مشايخه، وقد حدث أيضًا عن: نافع مولى ابن عمر، والأعرج، وعامر بن عبد الله بن الزبير، وأبي الزناد، وما هو من فرسان الحديث.

تلا عليه إسماعيل بن جعفر، وإسحاق بن محمد المسيبي، وعثمان بن سعيد ورش، وعيسى قالون.

وروى عنه: القَعْنَي، وسعيد بن أبي مريم، وخالد بن مخلد، ومروان بن محمد الطاطري، وإسماعيل بن أبي أويس.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2281"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 2089"، تهذيب التهذيب "10/ 407"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7459".

(2)

أي: أحد القراء العشرة.

ص: 35

وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: صدوق.

وقال النسائي: ليس به بأس.

ولينه أحمد بن حنبل -أعني في الحديث- أما في الحروف فحجة بالاتفاق.

وقيل: كان أسود اللون، وكان طيب الخلق، يُبَاسِط أصحابه.

قال ابن عدي في "الكامل": له نسخة عن الأعرج، نحو من مائة حديث، وله نسخة أخرى عن أبي الزناد، وله من التفاريق قدر خمسين حديثًا، ولم أر له شيئًا منكرًا.

قلت: ينبغي أن يعد حديثه حسنًا، وباقي أخباره في "طبقات القراء".

وممن قرأ على هذا الإمام: مالك الإمام.

توفي سنة تسع وستين ومائة، قبل مالك بعشر سنين.

ص: 36

‌1123 - محمد بن طلحة

(1)

: " خ، م، د، ت، ق"

ابن مُصَرِّف اليامي، الكوفي، المحدث، أحد الثقات.

يروي عن: أبيه، وسلمة بن كهيل، والحكم بن عُتَيبة، وزبيد بن الحارث اليامي، وعدة.

حدث عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وأسد بن موسى، وحسان بن حسان البصري، وعون بن سلام، وجُبَارة بن المُغَلِّس، وجماعة.

قال أبو زرعة: صدوق.

وقال النسائي: ليس بالقوي.

وقال أحمد: صالح الحديث، ثقة، لا يكاد يقول حدثنا -يعني: إنما يعنعن.

وقال يحيى بن معين: كان يقال: يُتقى حديث ثلاثة: فليح، ومحمد بن طلحة، وأيوب بن عتبة. رواها: عبد الله بن أحمد، عنه، قال: فقلت له: ممن سمعت هذا? قال: من أبي كامل مُظَفَّر بن مُدرك. قال: وسمعت أبا كامل يذكر محمد بن طلحة، فقال: كان يقول: ما أذكر أبي إلا شبه الحُلُم.

وروى محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن ابن معين: هو صالح الحديث. وروى عباس، عن يحيى: ليس بشيء.

قلت: توفي سنة سبع وستين ومائة. ويجيء حديثه من أداني مراتب الصحيح، ومن أجود الحسن، وبهذا يظهر لك أن "الصحيحين" فيهما الصحيح وما هو أصح منه. وإن شئت قلت: فيهما الصحيح الذي لا نزاع فيه، والصحيح الذي هو حسن، وبهذا يظهر لك أن الحسن قسم داخل في الصحيح، وأن الحديث النبوي قسمان: ليس إلا صحيح: وهو على مراتب، وضعيف: وهو على مراتب. والله أعلم.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 376"، التاريخ الكبير "1/ ترجمة 358"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 178"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 1581"، الكاشف "3/ ترجمة رقم 4998"، العبر "1/ 251"، ميزان الاعتدال "3/ 587"، تهذيب التهذيب "9/ 238"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6330"، شذرات الذهب "1/ 264".

ص: 37

‌1124 - عبد الله بن عمر

(1)

: " (4)، م تبعًا"

ابن حفص بن عاصم ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، المحدث، الإمام، الصدوق، أبو عبد الرحمن القرشي، العدوي، العمري، المدني، أخو عالم المدينة عبيد الله بن عمر وأخويه: عاصم، وأبي بكر.

ولد في أيام سهل بن سعد، وأنس بن مالك.

وحدث عن: نافع العمري، وسعيد المَقْبُرِي، ووهب بن كيسان، والزهري، وأبي الزبير، وأخيه عبيد الله بن عمر، وجماعة.

حدث عنه: وكيع، وابن وهب، وسعيد بن أبي مريم، والقَعْنَبي، وإسحاق بن محمد الفَرْوي، وأبو جعفر النفيلي، وأبو نعيم، وعبد العزيز الأويسي، وأبو مصعب الزهري، وعدد كثير.

وكان عالمًا، عاملا، خيرًا، حسن الحديث.

قال أحمد بن حنبل: لا بأس به.

وقال يحيى بن معين: صويلح.

وكان يحيى القطان لا يحدث عنه، وكان عبد الرحمن يحدث عنه.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 441"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 429" و"2/ 665"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 499"، المجروحين لابن حبان "2/ 6"، تاريخ بغداد "10/ 19"، الأنساب للسمعاني "9/ 57"، الكاشف "2/ ترجمة 2903"، ميزان الاعتدال "2/ 465"، العبر "1/ 260"، تهذيب التهذيب "5/ 326"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3677"، شذرات الذهب "1/ 279".

ص: 37

وقال ابن المديني: ضعيف.

قال أحمد: كان رجلا صالحًا، وكان يسأل في حياة أخيه عن الحديث، فيقول: أما وأبو عثمان حي فلا. ثم قال أحمد: كان يزيد في الأسانيد ويخالف.

وقال النسائي: ليس بالقوي.

وقال ابن حبان: له عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعًا: "من أتى عرافًا

"

(1)

.

وبه: كان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خَلَّل لحيته

(2)

.

وبه: "أن أهل قُبَاء كانوا يجمعون".

وبه: مرفوعًا: "لا يُحَرِّمُ الحلال الحرامُ"

(3)

، وله غير ذلك.

قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.

قلت: توفي على الصحيح في سنة إحدى وسبعين ومائة.

وحديثه يتردد فيه الناقد، أما إن تابعه شيخ في روايته، فذلك حسن قوي. إن شاء الله.

(1)

صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، لضعف عبد الله بن عمرو بن حفص، وتمام الحديث:"من أتى عرافا يسأله لم تقبل له صلاة أربعين ليلة". وله شاهد صحيح أخرجه مسلم "2230" من طريق محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة". والعراف هو المنجم الذي يدعي علم الغيب، وقد استأثر الله به.

(2)

صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، آفته عبد الله بن عمر بن حفص، فإنه ضعيف لكن للحديث شاهد عن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته. أخرجه الترمذي "31"، وابن ماجه "430"، والحاكم "1/ 149" من طريق عامر بن شقيق، عن أبي وائل، عن عثمان، به. وله شاهد من حديث أنس: عند أبي داود "145".

(3)

ضعيف: أخرجه ابن ماجه "2051" من طريق يحيى بن معلى بن منصور، حدثنا إسحاق بن محمد الفروي حدثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحرم الحرام الحلال.

قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: إسحاق بن محمد، ضعيف لسوء حفظه والعلة الثانية: عبد الله بن عمر بن حفص، ضعيف، أجمعوا على ضعفه.

ص: 38

‌1125 - فُضَيل بن مرزوق

(1)

: " (4)، م، تبعًا"

المحدث، أبو عبد الرحمن العنزي مولاهم، الكوفي، الأغر.

حدث عن: عدي بن ثابت، وأبي سلمة الجهني، وعطية العوفي، وشقيق بن عقبة، وعدة.

وقيل: إنه روى عن أبي حازم الأشجعي، صاحب أبي هريرة.

حدث عنه: وكيع، ويزيد، وأبو أسامة، ويحيى بن آدم، وأبو نعيم، وعلي بن الجعد، وسعيد بن سليمان الواسطي، وآخرون.

وثقه سفيان بن عيينة، ويحيى بن معين. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وجاء عن يحيى أنه ضعَّفه. وقال النسائي: ضعيف. وقال الحاكم: عيب على مسلم إخراجه في "صحيحه".

قلت: ما ذكره في الضعفاء البخاري، ولا العُقَيلي، ولا الدولابي، وحديثه في عداد الحسن -إن شاء الله- وهو شيعي.

قال ابن حبان: منكر الحديث جدًّا.

قلت: إنما يروي له مسلم في المتابعات. وقيل: كان يأتي عن عطية ببلايا. وقد قال ابن حبان أيضًا: هو ممن أستخير الله فيه.

قلت: كان يتأله.

قال الهيثم بن جَميل: جاء فضيل بن مرزوق -وكان من أئمة الهدى زهدا وفضلا- إلى الحسن بن حي، فأخبره أنه ليس عنده شيء، فأخرج له ستة دراهم، وقال: ليس معي غيرها. قال سبحان الله! ليس عندك، غيرها وأنا آخذها؟! فأبى ابن حي إلا أن يأخذها، فأخذ ثلاثةً، وترك ثلاثةً.

قلت: توفي قبل سنة سبعين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 547"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 537" و"2/ 759" و"3/ 133"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 423"، المجروحين لابن حبان "2/ 209"، الكاشف "2/ ترجمة 4562"، ميزان الاعتدال "3/ 363"، المغني "2/ ترجمة 4960"، تقريب التهذيب "2/ 113"، تهذيب التهذيب "8/ 298"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5745".

ص: 39

‌1126 - محمد بن راشد

(1)

: " (4) "

المكحولي الدمشقي المحدث، نزيل البصرة.

حدث عن: مكحول -وإليه ينسب، فأحسبه ابن مولاه- وعن: عبدة بن أبي لبابة، وليث بن أبي رقية، وأبي وهب عبيد الله الكلاعي، وسليمان بن موسى، وجماعة.

حدث عنه: سفيان، وشعبة -وماتا قبله- وبقية، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرزاق، وحبان بن هلال، وعارم، وحفص بن عمر الحوضي، وبشر بن الوليد، وعلي بن الجعد، وشيبان بن فَرُّوخ، وجماعة خاتمتهم: عبد الله بن معاوية الجُمَحي.

وثقه الإمام أحمد.

وقال أبو حاتم: صدوق.

وقال النسائي، وغيره: ليس بالقوي.

وقال الدارقطني: يعتبر به.

وقال أبو أحمد بن عدي: ليس بحديثه بأس إذا حدث عنه ثقة، فحديثه مستقيم.

وكناه البخاري، والنسائي: أبا يحيى.

قال عبد الرزاق: ما رأيت رجلا أورع منه.

عبد الله بن أحمد: حدثني أبي، قال: قال أبو النضر: كنت أوصي شعبة بالرُّصافة، فدخل محمد بن راشد. فقال لي شعبة: أما كتبت عنه؟ أما إنه صدوق، ولكنه شيعي قدري. وقال الفلاس: قدري.

محمود بن غيلان، عن أبي النضر، عن شعبة، قال لي: لا تكتب عن محمد بن راشد، فإنه معتزلي رافضي.

وقال أبو مُسْهِر: لم يكن ثقة، كان يصحف.

قال الجُوْزجاني: يشتمل على غير بدعة، وكان متحريًّا للصدق.

وعن أبي مسهر: كان يرى السيف، فلم أكتب عنه.

قال أبو زرعة الدمشقي: مات بعد سنة ستين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 212"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 125"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 1385"، والمجروحين لابن حبان "2/ 253"، تاريخ بغداد "5/ 271"، الكاشف "3/ ترجمة 4917"، ميزان الاعتدال "3/ 543"، الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "3/ 68"، تهذيب التهذيب "9/ 158"، تقريب التهذيب 2/ 160"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 2611".

ص: 40

‌1127 - هشام بن سعد

(1)

: " م، (4) "

الإمام، المحدث، الصادق، أبو عباد القرشي مولاهم، المدني، الخشاب، يتيم زيد بن أسلم.

حدث عن: سعيد المقبُري، ونافع العمري، وعمرو بن شعيب، ونُعَيم المُجْمِر، وابن شهاب، وزيد بن أسلم، وهو مكثر عنه، بصير بحديثه.

حدث عنه: وكيع، وابن وهب، وابن أبي فُدَيك، وأبو عامر العَقَدي، والقَعْنَبي، وعبد الله بن نافع، وجعفر بن عون، وأبو نعيم، وآخرون.

قال عباس، عن ابن معين: فيه ضعف.

وقال أحمد: لم يكن بالحافظ.

وقال أبو حاتم: هو وابن إسحاق عندي سواء.

وقال أحمد: كان يحيى بن سعيد لا يروي عنه.

وقال أبو داود: هو ثقة، أثبت الناس في زيد بن أسلم.

وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عنه، فقال: هو كذا وكذا.

وروى معاوية بن صالح، عن ابن معين: ليس بذاك القوي.

وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه.

وتقعر ابن حبان كعوائده، وذكر أنه يروي عن سعيد بن المُسيِّب، كذا في النسخة. ثم قال: كان ممن ينقل الإسناد، وهو لا يفهم، ويسند الموقوفات من حيث لا يعلم، فلما كثر

مخالفته للأثبات فيما يرويه عن الثقات، بطل الاحتجاج به، وإن اعتبر بما وافق الثقات من حديثه، فلا ضير.

عبد الله بن نافع: عن هشام بن سعد، عن معاذ بن عبد الله بن خُبَيب، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عرف الغلام يمينه من شماله، فمروه بالصلاة"

(2)

.

قلت: احتج به مسلم، واستشهد به البخاري. ومات في حدود سنة ستين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2706"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 173" و"3/ 171"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 241"، المجروحين لابن حبان "3/ 89"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 196"، والكاشف "3/ ترجمة 6069"، المغني "2/ ترجمة 6748"، العبر "1/ 237"، تاريخ الإسلام "6/ 311"، ميزان الاعتدال "4/ 298"، تهذيب التهذيب "11/ 39"، تقريب التهذيب "3/ 318" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 251".

(2)

ضعيف: أخرجه أبو داود "497" من طريق سليمان بن داود المهري، عن هشام بن سعد، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته هشام بن سعد، قال ابن معين: ليس بذاك القوي وليس بمتروك. وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي. وقال أحمد: لم يكن بالحافظ. وكان يحيى القطان لا يحدث عنه. وقال أحمد أيضا: لم يكن محكم الحديث.

ص: 41

‌1128 - أبو جعفر الرازي

(1)

: " (4) "

عيسى بن ماهان، عالم الري يقال: إنه ولد بالبصرة، وكان يتجر إلى الري، ويقيم به.

ولد في حدود التسعين، في حياة بقايا الصحابة.

حدث عن: عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وقتادة، والربيع بن أنس، وجماعة.

حدث عنه: ابنه عبد الله، وأبو أحمد الزبيري، وعبد الله بن داود الخُرَيبي، وعبيد الله بن موسى، وخلف بن الوليد، ويحيى بن أبي بُكَير، وعلي بن الجعد، وعدة.

قال يحيى بن معين: ثقة.

وقال أبو حاتم: ثقة صدوق.

وقال أحمد بن حنبل والنسائي، وغيرهما: ليس بالقوي.

وقال أبو زرعة: يهم كثيرًا. وقال ابن المديني: هو عيسى بن أبي عيسى، ثقة، كان يخلط. وقال مرةً: يكتب حديثه، إلا أنه يخطئ.

وقال حنبل عن أحمد: صالح الحديث.

وروى عبد الله بن علي بن المديني، عن أبيه قال: هو نحو موسى بن عُبيدة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2790"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 1556"، والمجروحين لابن حبان "2/ 120"، تاريخ بغداد "11/ 143"، ميزان الاعتدال "3/ 319"، والعبر "1/ 237"، تهذيب التهذيب "12/ 56"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 252".

ص: 42

وروى محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن ابن المديني، قال: كان عندنا ثقة.

وقال عمرو بن علي: فيه ضعف.

وقال الساجي: صدوق ليس بمتقن.

قال عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي: سمعت أبا جعفر يقول: لم أكتب عن الزهري، لأنه كان يخضب بالسواد. ثم قال الدشتكي: زامل أبو جعفر الرازي، المهدي ولبس السواد.

قلت: زامل المهدي إلى مكة.

ومما تفرد به حديث: "القُنُوت"

(1)

.

قال ابن حبان: أصله من مرو، انتقل إلى الري، كان ممن يتفرد بالمناكير عن المشاهير.

قلت: توفي في حدود سنة ستين ومائة.

أنبأني علي بن أحمد، وطائفة، قالوا: أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا عبد الوهاب الحافظ، أنبأنا أبو محمد بن هزارمرد، أنبأنا ابن حبابة، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي، أنبأنا أبو جعفر الرازي، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا"

(2)

.

وبه: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال:"إذا رفع رأسه من آخر سجدة ثم أحدث فقد تمت صلاته"

(3)

.

أخبرنا أبو جعفر، عن قتادة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم الناس خطبًا يوم القيامة، أكثرهم خوضًا في الباطل"

(4)

.

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 162"، والدارقطني "2/ 239"، والبيهقي "2/ 101" من طريق أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا.

قلت: إسناده ضعيف، لضعف أبي جعفر الرازي عيسى بن ماهان، وهذا مخالف لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يقنت إلا في النوازل والمُلمات.

(2)

صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي جعفر الرازي، لكن الحديث صحيح ثابت أخرجه البخاري "6155"، ومسلم "2257"، وأبو داود "5009"، والترمذي "2851"، وابن ماجه "3957"، والطحاوي "2/ 370"، وأحمد "2/ 288 و 355 و 391 و 478 و 480" وله شاهد عن ابن عمر: عند البخاري "6154"، وأحمد "2/ 39 و 96". وشاهد آخر عن سعد بن أبي وقاص: عند مسلم "2258"، وأحمد "1/ 175 و 181"، وابن ماجه "3760". وشاهد ثالث عن أبي سعيد الخدري: عند مسلم "2259"، وأحمد "3/ 8 و 41".

(3)

ضعيف: فيه أبو جعفر الرازي، ضعيف، كما أنه مرسل.

(4)

ضعيف: فيه علتان: الإرسال، وضعف أبي جعفر الرازي.

ص: 43

‌1129 - فتح المَوْصلي

(1)

:

زاهد زمانه، فتح بن محمد بن وِشَاح الأزدي، الموصلي أحد الأولياء.

له عن: عطاء بن أبي رباح.

وعنه: المعافى بن عمران، ومحمد بن عبد الرحمن الطُّفَاوي، وغيرهما.

وله أحوال ومقامات، وقدم راسخ في التقوى.

عن المعافى قال: لم أر أعقل منه. قيل: كان يوقد في أتُون بعدما كان يصيد السمك، فشغلته سمكة عن الجماعة، فتركه. وقد بعث إليه المعافى بألف، فردها، وأخذ منها درهمًا واحدًا، مع فقر أهله. وقيل: كان لا ينام إلا قاعدًا، وكان بكاء، خوافًا، متهجدًا. قيل: أتاه متولي الموصل، فخرج ابنه، وقال: هو نائم. فصاح: ما أنا نائمًا، ما لي ولك? قال: هذه عشرة آلاف، خذها، فأبى.

توفي سنة سبعين ومائة وقيل: سنة خمس وستين. وهذا هو فتح الموصلي الكبير.

‌1130 - أما الصغير

(2)

:

فمن أقران بشر الحافي.

‌1131 - ابن زَبْر

(3)

: " خ، 4"

الإمام، المحدث، رئيس دمشق، أبو زَبْر عبد الله بن العلاء بن زَبْر الرَّبَعي، الدمشقي.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 383".

(2)

هو فتح بن سعيد الموصلي، ترجمته في حلية الأولياء "415"، تاريخ بغداد "12/ 381"، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 235".

(3)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 468"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 509"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 153" و"2/ 362 و 386 و 396 و 403"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 592"، تاريخ بغداد "10/ 16"، الإكمال لابن ماكولا "4/ 162"، الكاشف "2/ ترجمة 2933"، ميزان الاعتدال "2/ 463"، العبر "1/ 244"، تهذيب التهذيب "5/ 350"، تقريب التهذيب "1/ 439"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3716"، شذرات الذهب "1/ 260".

ص: 44

حدث عن: القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، وبُسْر بن عبيد الله، وعبد الله بن عامر المقرئ، ونافع العمري، وأبي سلام مَمْطُور، والزهري، وبلال بن سعد، وطائفة.

وعنه: ولده إبراهيم، والوليد بن مسلم، وابن شابور، وزيد بن الحُبَاب، وشبابة، وأبو مُسهِر، ومروان بن محمد، وعمرو بن أبي سلمة، وأبو المغيرة الخولاني، وآخرون.

وثقه يحيى بن معين.

وقال دحيم: كان ثقة، من أشراف أهل البلد.

وقال أحمد بن حنبل: مقارب الحديث.

وقال ابن سعد: كان ثقة، إن شاء الله.

وقال أبو داود، والدارقطني: ثقة.

وكناه مسلم، وجماعة: أبا زبر. وقال البخاري: كنيته: أبو عبد الرحمن.

قال ابنه: ولد أبي في سنة خمس وسبعين، ومات سنة خمس وستين ومائة. وقيل: مات سنة أربع.

كتب إليَّ ابن أبي عمر، وطائفة: سمعوا أبا حفص المؤدِّب، أنبأنا أبو القاسم الشيباني، أنبأنا محمد بن محمد، أنبأنا أبو بكر البزار، حدثنا عبد الله بن روح، حدثنا شبابة، حدثنا أبو زبر، حدثنا الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: أهللت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرة في حجته.

ومن طبقته:

ص: 45

‌1132 - عبد الله بن العلاء بن خالد

(1)

:

بصري، صدوق، نزل الري.

يروي عن: الزهري، وأشعث الحُمراني.

وعنه: زافر بن سليمان، وهشام بن عبيد الله، وجماعة.

قال أبو حاتم: صالح.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "5/ ترجمة 591".

ص: 45

‌1133 - فُلَيح بن سُليمان

(1)

: " ع"

ابن أبي المغيرة، واسم جده: رافع، أو نافع بن حُنين الخُزَاعي، ويقال: الأسلمي، المدني، الحافظ، أحد أئمة الأثر، من موالي آل زيد بن الخطاب. واسم فُلَيح: عبد الملك، وقد غلب عليه اللقب، حتى جُهِلَ الاسم.

ولد في آخر أيام الصحابة وهو أسن من مالك بقليل.

حدث عن: ضمرة بن سعيد، وسعيد بن الحارث الأنصاري، ونافع والزهري، ونعيم المجمر، وعامر بن عبد الله بن الزبير، وهلال بن أبي ميمونة، وعباس بن سهل بن سعد، وربيعة الرأي، وصالح بن عجلان، وأبي طوالة، وسهيل بن أبي صالح، وهشام بن عروة، وأبي حازم الأعرج، وعثمان بن عبد الرحمن التيمي، وسالم أبي النضر، وزيد بن أسلم، وأيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة، وعدة.

وعنه: ابن المبارك، وابن وهب، وأبو داود الطيالسي، ويونس بن محمد المؤدِّب، وأبو عامر العقدي، وأبو تميلة المروزي، وزيد بن الحباب، وعثمان بن عمر بن فارس، والهيثم بن جميل، وشريح بن النعمان، ومحمد بن سنان العوقي، والمعافى بن سليمان، ومحمد بن أبان الواسطي، ومحمد بن بكَّار بن الريان، ومحمد بن جعفر الوَرْكَاني، ويحيى الوحاظي، وأبو الربيع الزهراني، وخلق كثير.

وروى عنه من شيوخه: زيد بن أبي أنيسة، وزياد بن سعد، وهو أكبر منه، وحديثه في الأصول الستة استقلالا، ومتابعة وغيره أقوى منه.

روى عثمان بن سعيد، عن يحيى بن معين: ضعيف ما أقربه من أبي أويس.

وروى عباس، عن يحيى: ليس بقوي، ولا يحتج به هو دون الدراوردي، والدراوردي أثبت منه.

وقال أبو حاتم: ليس بالقوي.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 415"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 601"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 146" و"2/ 466" و"3/ 43 و 55"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 479"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 209"، الكاشف "2/ ترجمة 4566"، العبر "1/ 254 و 356 و 358 و 385"، ميزان الاعتدال "3/ 365"، تهذيب التهذيب "8/ 303"، تقريب التهذيب "2/ 114"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5760"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 266".

ص: 46

وقال أبو داود: بلغني عن يحيى بن معين: أنه كان يقشعر من أحاديث فليح بن سليمان.

وقال أبو حاتم: سمعت معاوية بن صالح، سمعت يحيى بن معين يقول: فليح بن سليمان ليس بثقة، ولا ابنه. ثم قال أبو حاتم: كان ابن معين يحمل على محمد بن فليح.

وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن معين، قال: ثلاثة يتقى حديثهم: محمد بن طلحة بن مصرف، وأيوب بن عتبة، وفُلَيح بن سليمان. قلت ليحيى: ممن سمعت هذا? قال: من مُظَفر بن مُدْرك، كنت آخذ عنه هذا الشأن.

وقال أبو داود: لا يحتج بفليح.

وقال زكريا الساجي: يهم، وإن كان من أهل الصدق.

وقال أبو عبيد الآجري: قلت لأبي داود: قال يحيى بن معين: عاصم بن عبيد الله، وابن عقيل، وفليح لا يحتج بحديثهم. قال: صدق.

وقال النسائي: فليح ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي.

وقال ابن عدي: هذا عندي لا بأس به، وقد اعتمده البخاري في "صحاحه"، وله أحاديث صالحة. روى عن نافع، عن ابن عمر، نسخة. ويروي عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة أحاديث. ويروي عن سائر الشيوخ من أهل المدينة أحاديث مستقيمة، وغرائب. وقد روى عنه: زيد بن أبي أنيسة.

قلت: لم يرحل في الحديث.

ومن أفراده: عن ابن طوالة، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله، لا يستعمله إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة". رواه أبو داود

(1)

.

قال الدارقطني: يختلفون في فليح، ولا بأس به.

وقال الساجي: أصعب ما رمي به، ما ذكر عن ابن معين، عن أبي كامل، قال: كنا نتهمه، لأنه كان يتناول من الصحابة.

وقال سعيد بن منصور: مات سنة ثمان وستين ومائة.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن المطهر التميمي، بسفح قاسيون سنة أربع وتسعين، عن عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا فليح، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة: أن أبا بكر بعثه في الحجة التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع، في يوم النحر، في رهط يؤذن في الناس:"أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان". صحيح، غريب. أخرجه: البخاري

(2)

، عن أبي الربيع، فوافقناه بعلو.

(1)

صحيح: أخرجه أبو داود "3664"، وابن ماجه "252" من طرق عن فليح بن سليمان، عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر، عن سعيد بن يسار، به.

وقوله: "عرف الجنة": أي ريحها الطيبة.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "4363" حدثنا سليمان بن داود أبو الربيع، حدثنا فليح، به وأخرجه البخاري "369" و"1622" و"4656" و"4657"، ومسلم "1347" من طرق عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، به.

ص: 47

‌1134 - إسرائيل

(1)

: "ع"

إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله، الحافظ، الإمام، الحجة، أبو يوسف الهمداني، السبيعي، الكوفي.

أكثر عن: جده. وروى أيضًا عن: زياد بن علاقة، وآدم بن علي، وآدم بن سليمان أبي يحيى، وإسماعيل السدي، وعاصم بن بهدلة، وعبد الكريم الجزري، وإبراهيم بن عبد الأعلى، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وأشعث بن أبي الشعثاء، وثوير بن أبي فاختة، وسعد أبي مجاهد الطائي، وسعيد بن مسروق، وسِماك بن حرب، وعامر بن شقيق بن جَمرة الأسدي، وعبد العزيز بن رفيع، وعثمان بن عاصم، ومُخارق الأحمسي، ومنصور بن المعتمر، وخلق كثير.

وكان من أوعية الحديث، ومن مشايخ الإسلام، كأبيه وجده، وأخيه عيسى.

حدث عنه: أخوه، وحجاج الأعور، وأحمد بن خالد الوهبي، وآدم بن أبي إياس، وعبد الرزاق، ومحمد بن سابق، وشبابة، وإسحاق بن منصور السَّلولي، وأحمد بن يونس، وحسين بن محمد المروذي، وعبد الله بن رجاء، وأبو نعيم، ومحمد بن كثير العبدي، وأبو

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 374"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1669"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 1258"، تاريخ بغداد "7/ 20"، تذكرة الحفاظ "1/ 201"، ميزان الاعتدال "1/ 208"، تهذيب التهذيب "1/ 261"، تقريب التهذيب "1/ 64".

ص: 48

غسان النهدي، ومحمد بن يوسف الفريابي، وأبو سلمة التَّبُوذَكي، ويحيى بن أبي بكير، ووكيع، ويحيى بن آدم، وعلي بن الجعد، ومعاوية بن عمرو الأزدي، وأبو الوليد الطيالسي، وخلق كثير.

روى هارون بن حاتم، عن دبيس بن حميد: أن مولد إسرائيل سنة مائة.

روى عبد الرحمن بن مهدي، عن عيسى بن يونس، قال: قال لي إسرائيل: كنت أحفظ حديث أبي إسحاق، كما أحفظ السورة من القرآن.

ابن المديني، عن يحيى بن سعيد، قال: إسرائيل فوق أبي بكر بن عياش.

وروى حرب الكرماني، عن أحمد، قال: كان ثقة، وجعل يعجب من حفظه. وأما صالح بن أحمد، فروى عن أبيه، قال: إسرائيل عن أبي إسحاق: فيه لين، سمع منه بأخَرَة.

وقال أبو طالب: سئل أحمد: أيما أثبت: شريك أو إسرائيل? قال: إسرائيل كان يؤدي ما سمع، كان أثبت من شريك. قلت: من أحب إليك يونس أو إسرائيل ابنه في أبي إسحاق? قال: إسرائيل، لأنه صاحب كتاب. وقال الفضل بن زياد: قلت لأبي عبد الله: من أحب إليك يونس أو إسرائيل في أبي إسحاق? قال: يونس.

وقال أبو داود: قلت لأحمد بن حنبل: إسرائيل إذا انفرد بحديث يحتج به? قال إسرائيل: ثبت الحديث، كان يحيى يحمل عليه في حال أبي يحيى القتات. قال: روى عنه مناكير. ثم قال أحمد: ما حدث عنه يحيى بن سعيد بشيء. قال أحمد: وإسرائيل إذا حدث من كتابه، لا يغادر، ويحفظ من كتابه. وفي رواية، عن أحمد، قال: شريك أضبط من إسرائيل في أبي إسحاق.

وروى عباس، عن يحيى بن معين، قال: كان القطان لا يحدث عن إسرائيل، ولا عن شريك.

وقال ابن معين: قال يحيى بن آدم: كنا نكتب عند إسرائيل من حفظه. قال يحيى: كان إسرائيل لا يحفظ، ثم حفظ بعد -يعني: أنه درس كتابه. وقال يحيى: إسرائيل أثبت في أبي إسحاق من شيبان.

وروى أحمد بن زهير، وغيره، عن يحيى بن معين: ثقة.

وقال العِجلي: ثقة.

وقال أبو حاتم الرازي: ثقة، صدوق، من أتقن أصحاب أبي إسحاق.

ص: 49

وقال يعقوب بن شيبة: صدوق، وليس بالقوي. وقال مرةً: في حديثه لين.

قال أحمد بن دواد الحداني: سمعت عيسى بن يونس يقول: كان أصحابنا سفيان وشريك

وعد قومًا، إذا اختلفوا في حديث أبي إسحاق، يجيؤون إلى أبي، فيقول: اذهبوا إلى ابني إسرائيل، فهو أروى عنه مني، وأتقن لها مني، وهو كان قائد جده.

وروى محمد بن عبد الله بن أبي الثلج، عن شبابة: قلت ليونس: أمِلَّ عليَّ حديث أبيك. قال: اكتب عن إسرائيل، فإن أبي أملَّه عليه.

الحسين بن عبد الرحمن الجَرْجَرائي: عن خلف بن تميم، سمعت أبا الأحوص -إن شاء الله- ذكر عن أبي إسحاق، قال: ما ترك لنا إسرائيل كوة ولا سفطًا، إلا دحسها كتبًا.

محمد بن الحسين الحُنَيْنِي: سمعت أبا نُعيم سُئِل: أيما أثبت: إسرائيل أو أبو عَوانة? قال: إسرائيل.

وقال النسائي: ليس به بأس.

قلت: قد أثنى على إسرائيل الجمهور، واحتج به الشيخان، وكان حافظًا، وصاحب كتاب ومعرفة.

وروى محمد بن أحمد بن البراء، عن علي بن المديني: إسرائيل ضعيف.

قلت: مشى عليٌّ خلف أستاذه يحيى بن سعيد، وقفى أثرهما أبو محمد ابن حزم، وقال: ضعيف. وعمد إلى أحاديثه التي في "الصحيحين"، فردها، ولم يحتج بها، فلا يلتفت إلى ذلك، بل هو ثقة. نعم، ليس هو في التثبت كسفيان وشعبة، ولعله يقاربهما في حديث جده، فإنه لازمه صباحًا ومساءً عشرة أعوام، وكان عبد الرحمن بن مهدي يروي عنه ويقويه، ولم يصنع يحيى بن سعيد شيئًا في تركه الرواية عنه، وروايته عن مجالد.

وروى عباس، عن يحيى بن معين، قال: زكريا بن أبي زائدة، وزهير، وإسرائيل: حديثهم في أبي إسحاق قريب من السواء، وإنما أصحاب أبي إسحاق: سفيان، وشعبة.

قال عباس الدُّوري: حدثنا حجين بن المثنى، قال: قدم إسرائيل بغداد، فاجتمع عليه الناس، فأقعد فوق مكان مرتفع، فقام رجل معه دفتر، فجعل يسأله منه، ولا ينظر فيه الناس، فلما أقام إسرائيل، قعد ذاك الرجل، فأملاه على الناس.

وقد كان عبد الرحمن بن مهدي يقول: إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة والثوري.

ص: 50

قلت: هذا أنا إليه أميل مما تقدم، فإن إسرائيل كان عكاز جده، وكان مع علمه وحفظه ذا صلاح وخشوع رحمه الله وأخوه عيسى أتقن منه، وأعلم، وأعبد-رضي الله عنهما. وقد طول أبو أحمد بن عدي الترجمة، وسرد له عدة أحاديث غرائب.

وبلغنا عن شقيق البلخي، قال: أخذت الخشوع عن إسرائيل، كنا حوله لا يعرف من عن يمينه، ولا من عن شماله، من تفكره في الآخرة، فعلمت أنه رجل صالح.

وقال علي بن المديني: قال يحيى القطان: إسرائيل فوق أبي بكر بن عياش. فقيل ليحيى: إن إسرائيل روى عن إبراهيم بن مهاجر ثلاث مائة، وعن أبي يحيى القتات ثلاث مائة؟ فقال: لم يؤت منه أتِيَ منهما جميعًا.

قلت: يشير إلى لين ابن مهاجر، والقتات.

ومن غرائب إسرائيل: روى أحمد في "مسنده"، حدثنا أبو سعيد، حدثنا إسرائيل، حدثنا سعيد بن مسروق، عن سعد بن عبيدة، عن ابن عمر، عن عمر أنه قال: لا وأبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مه، إنه من حلف بشيء دون الله، فقد أشرك"

(1)

. رواته ثقات.

ومن عواليه: أنبأنا عبد الرحمن بن قدامة الفقيه، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا هبة الله بن محمد، أنبأنا محمد بن محمد بن غَيْلان، حدثنا أبو بكر الشافعي، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم بن دنوقا، حدثنا عبد الله بن صالح العجلي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود، قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أنا الرزاق ذو القوة المتين"

(2)

. وهذا حديث غريب.

قال أبو نعيم الملائي، وقَعْنَب بن المحرر: مات إسرائيل سنة ستين ومائة.

وقال ابن سعد، وشباب العُصْفُري: مات سنة اثنتين وستين ومائة. وقال مُطَيَّن: مات سنة إحدى.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 47" حدثنا أبو سعيد، حدثنا إسرائيل، به.

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 394 و 397 و 418"، وأبو داود "3993"، والترمذي "2940"، والنسائي في "الكبرى""7707" و"11527"، والحاكم "2/ 234 و 249"، والبيهقي في "الأسماء والصفات""ص 43 و 66 و 129" من طرق عن إسرائيل، به. وأخرجه الطيالسي "317" من طريق قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق السبيعي، به. وهذه القراءة شاذة وإن صح إسنادها، لمخالفتها القراءة المتواترة:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58].

ص: 51

‌1135 - الحسن بن صالح

(1)

: " م، (4) "

ابن صالح بن حي، واسم حي: حيان بن شُفَي بن هُنَي بن رافع، الإمام الكبير، أحد الأعلام، أبو عبد الله الهمداني، الثوري، الكوفي، الفقيه، العابد، أخو الإمام علي بن صالح.

وأما البخاري فنسبه، فقال: الحسن بن صالح بن صالح بن مسلم بن حَيَّان. وقال أبو أحمد بن عَدِي: الحسن بن صالح بن صالح بن حي بن مسلم بن حَيَّان.

قلت: هو من أئمة الإسلام، لولا تلبسه ببدعة.

قال وكيع: ولد سنة مائة.

روى عن: أبيه، وسلمة بن كُهَيل، وعبد الله بن دينار، وعلي بن الأقمر، وسماك بن حرب، وإسماعيل السدي، وبيان بن بشر، وعاصم بن بَهْدَلة، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وأبي إسحاق السبيعي، وعاصم الأحول، وبُكَير بن عامر، وقيس بن مسلم، وليث بن أبي سليم، ومنصور بن المعتمر، وجابر الجُعْفِي، وسهيل بن أبي صالح، وعطاء بن السائب، وعدة. وينزل إلى: شعبة، وسعيد بن أبي عَروبة، وهو صحيح الحديث.

روى عنه: ابن المبارك، ووكيع، ومصعب بن المقدام، وحُميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، وأبو نعيم، وعبيد الله بن موسى، وأسود بن عامر، وإسحاق بن منصور السَّلولي، وقبيصة بن عقبة، ويحيى بن آدم، ويحيى بن أبي بُكير، وأبو غسان النهدي، وأحمد بن يونس، وعلي بن الجعد، وخلق سواهم.

أخبرنا عبد الرحمن بن أبي عمر الفقيه كتابةً، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا أحمد بن الحسن، أنبأنا الحسن بن علي الجوهري، أنبأنا أحمد بن جعفر المالكي، حدثنا إسحاق الحربي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا الحسن بن صالح، عن موسى الجُهَني، عن فاطمة بنت علي،

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 375"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2521"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 155 و 440"، و"2/ 680 و 689"، الكنى للدولابي "2/ 54"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 68"، وحلية الأولياء "7/ ترجمة 392"، الأنساب للسمعاني "3/ 145"، العبر "1/ 249"، الكاشف "1/ ترجمة 1044"، ميزان الاعتدال "1/ 496"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "12/ 59"، تهذيب التهذيب "2/ 285"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 351"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 262".

ص: 52

عن أسماء بنت عُميس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي"

(1)

.

قال يحيى القطان: كان سفيان الثوري سيئ الرأي في الحسن بن حي. وقال زكريا الساجي، عن أحمد بن محمد البغدادي، قال المزي شيخنا -أظنه أبا بكر الأثرم: سمعت أبا نعيم يقول: دخل الثوري يوم الجمعة من الباب القبلي، فإذا الحسن بن صالح يصلي، فقال: نعوذ بالله من خشوع النفاق، وأخذ نعليه، فتحول إلى سارية أخرى.

وقال العلاء بن عمرو الحنفي، عن زافر بن سليمان: أردت الحج، فقال لي الحسن بن صالح: إن لقيت أبا عبد الله سفيان الثوري بمكة، فأقره مني السلام، وقل: أنا على الأمر الأول: فلقيت سفيان في الطواف، فقلت: إن أخاك الحسن بن صالح يقرأ عليك السلام، ويقول: أنا على الأمر الأول. قال: فما بال الجمعة?

قلت: كان يترك الجمعة، ولا يراها خلف أئمة الجور بزعمه.

عُبيد بن يعيش، عن خلاد بن يزيد، قال: جاءني سفيان، فقال: الحسن بن صالح مع ما سمع من العلم وفقه يترك الجمعة، ثم قام، فذهب.

أبو سعيد الأشج: سمعت ابن إدريس: ما أنا وابن حي? لا يرى جمعة ولا جهادًا.

محمد بن غيلان عن أبي نُعيم، قال: ذكر الحسن بن صالح عند الثوري، فقال: ذاك رجل يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

قال يوسف بن أسباط: كان الحسن بن حي يرى السيف.

وقال الخُرَيْبي: شهدت حسن بن صالح وأخاه، وشريك معهم، فاجتمعوا إليه إلى الصباح في السيف.

بشر بن الحارث: وذكر له أبو بكر عبد الرحمن بن عفان الصوفي، فقال: سمعت حفص بن غياث يقول: هؤلاء يرون السيف -أحسبه عنى ابن حي وأصحابه. ثم قال بشر: هات من

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "6/ 369 و 348" من طريق موسى الجهني، عن فاطمة بنت علي، به.

وأخرجه من طرق عن سعيد بن أبي وقاص: أحمد "1/ 173 و 175 و 184 و 185"، والبخاري "3706"، ومسلم "2404"، والترمذي "3724"، وابن ماجه "115" و"121"، وابن أبي عاصم "1335" و"1336" و"1338" و"1342" و"1343" والحاكم "3/ 108 - 109".

ص: 53

لم ير السيف من أهل زمانك كلهم إلا قليل، ولا يرون الصلاة أيضًا. ثم قال: كان زائدة يجلس في المسجد، يحذر الناس من ابن حي، وأصحابه. قال: وكانوا يرون السيف.

قال أبو صالح الفراء: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئًا من أمر الفتن، فقال: ذاك يشبه أستاذه. يعني: الحسن بن حي. فقلت ليوسف: أما تخاف أن تكون هذه غيبة? فقال: لم يا أحمق، أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا، فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم كان أضر عليهم.

عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبا مَعْمَر يقول: كنا عند وكيع، فكان إذا حدث عن حسن بن صالح، أمسكنا أيدينا، فلم نكتب فقال: ما لكم لا تكتبون حديث حسن? فقال له أخي بيده هكذا -يعني: أنه كان يرى السيف- فسكت وكيع.

وقال جعفر بن محمد بن عبيد الله بن موسى: سمعت جدي يقول: كنت أقرأ على علي بن صالح، فلما بلغت إلى قوله:{فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} [مريم: 84]، سقط الحسن يخور كما يخور الثور، فقام إليه علي، فرفعه، ومسح وجهه، ورش عليه الماء، وأسنده إليه.

أبو سعيد الأشج: سمعت ابن إدريس -وذُكِر له صعق الحسن بن صالح- فقال: تبسم سفيان، أحب إلينا من صعق الحسن.

قال أبو أسامة: أتيت حسن بن صالح، فجعل أصحابه يقولون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله

فقلت: ما لي، كفرت? قال: لا، ولكن ينقمون عليك صحبة مالك بن مِغْوَل، وزائدة. قلت: وأنت تقول هذا، لا جلست إليك أبدًا.

محمد بن إسماعيل الأصبهاني: عن علي بن الجعد، قال: كنت مع زائدة في طريق مكة، فقال لنا يومًا: أيكم يحفظ عن مغيرة، عن إبراهيم: أنه توضأ بكوز الحُبِّ مرتين? قال: فلو قلت: حدثنا شريك أو سفيان، كنت قد استرحت، ولكن قلت: حدثنا الحسن بن صالح، عن مغيرة. قال: الحسن بن صالح أيضًا: لا حدثتك بحديث أبدًا.

أبو أسامة: سمعت زائدة يقول: ابن حي قد استصلب منذ زمان، وما نجد أحدًا يصلبه.

وقال خلف بن تميم: كان زائد يستتيب من أتى حسن بن صالح.

وقال أحمد بن يونس اليربوعي: لو لم يولد الحسن بن صالح، كان خيرًا له: يترك الجمعة، ويرى السيف، جالسته عشرين سنة، ما رأيته رفع رأسه إلى السماء، ولا ذكر الدنيا.

ص: 54

قال محمد بن المثنى: ما سمعت يحيى بن سعيد، ولا عبد الرحمن حدثا عن الحسن بن صالح بشيء قط، ولا عن علي بن صالح.

وقال الفلاس: سألت عبد الرحمن عن حديث من حديث الحسن بن صالح، فأبى أن يحدثني به، وقد كان يحدث عنه ثلاثة أحاديث، ثم تركه. قال: وذكره يحيى بن سعيد، فقال: لم يكن بالسكة.

وروى علي بن حرب الطائي، عن أبيه، قال: قلت لعبد الله بن داود الخُرَيبي: إنك لكثير الحديث عن ابن حي؟ قال: أفضى به ذمام أصحاب الحديث، لم يكن بشيء.

وقال نصر بن علي الجهضمي: كنت عند الخُرَيبي، وعند أبي أحمد الزبيري، فجعل أبو أحمد يفخم الحسن بن صالح. فقال الخريبي: متعت بك، نحن أعلم بحسن منك، إن حسنًا كان معجبًا، والمعجب الأحمق.

أبو عبيدة بن أبي السَّفَر: حدثنا عبد الله بن محمد بن سالم، سمعت رشيدًا الخباز -وكان عبدًا صالحًا- وقد رآه أبو عبيدة، قال: خرجت مع مولاي إلى مكة، فجاورنا، فلما كان ذات يوم، جاء إنسان فقال لسفيان: يا أبا عبد الله! قدم اليوم حسن وعلي ابنا صالح. قال: وأين هما? قال: في الطواف. قال: إذا مرا فأرنيهما. فمر أحدهما، فقلت: هذا علي، ومر الآخر، فقلت: هذا حسن. فقال: أما الأول فصاحب آخرة، وأما الآخر فصاحب سيف، لا يملأ جوفه شيء. قال: فيقوم إليه رجل ممن كان معنا، فأخبر عليًّا، ثم مضى مولاي إلى علي يسلم عليه، وجاء سفيان يسلم عليه فقال له علي: يا أبا عبد الله! ما حملك على أن ذكرت أخي أمس بما ذكرته، ما يؤمنك أن تبلغ هذه الكلمة ابن أبي جعفر، فيبعث إليه، فيقتله? قال: فنظرت إلى سفيان وهو يقول: أستغفر الله، وجادتا عيناه.

الحُمَيدي، عن سفيان، حدثنا صالح بن حي، وكان خيرًا من ابنيه، وكان علي خيرهما.

قال محمد بن علي الوراق: سألت أحمد بن حنبل عن الحسن بن صالح: كيف حديثه? فقال: ثقة، وأخوه ثقة، ولكنه قدم موته.

وروى علي بن الحسن الهِسْنجاني، عن أحمد بن حنبل، قال: الحسن بن صالح صحيح الرواية، يتفقه، صائن لنفسه في الحديث والورع.

وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه: هو أثبت من شريك.

وروى ابن أبي خيثمة، عن يحيى: ثقة.

ص: 55

وروى إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد، عن يحيى: ثقة، مأمون.

وروى أحمد بن أبي مريم، عن يحيى: ثقة، مستقيم الحديث.

وروى عباس، عن يحيى: يُكْتَب رأي الحسن بن صالح، والأوزاعي، هؤلاء ثقات.

وروى عثمان بن سعيد، عن يحيى، قال: ابنا صالح ثقتان، مأمونان.

وقال أبو زُرْعة: اجتمع في حسن إتقان، وفقه، وعبادة، وزهد.

وقال أبو حاتم: ثقة، حافظ، متقن.

وقال النسائي: ثقة.

الساجي: عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن حنبل، قال وكيع: حدثنا الحسن. قيل: من الحسن? قال: الحسن بن صالح، الذي لو رأيته ذكرت سعيد بن جبير، أو شبهته بسعيد بن جبير.

قلت: بينهما قدر مشترك، وهو العلم، والعبادة، والخروج على الظلمة تدينًا.

أحمد بن أبي الحواري: سمعت وكيعًا يقول: لا يبالي من رأى الحسن ابن صالح، ألا يرى الربيع بن خُثَيم.

أحمد بن عثمان الأودي، عن أبي يزيد عبد الرحمن بن مصعب المعني، قال: صحبت السادة: سفيان الثوري، وصحبت ابني حي؛ عليًا والحسن، وصحبت وُهَيب بن الورد.

وقال يحيى بن أبي بُكير: قلت للحسن بن صالح: صف لنا غسل الميت، فما قدر عليه من البكاء.

وعن عبدة بن سليمان، قال: إني أرى الله يستحي أن يعذب الحسن بن صالح.

وقال أبو نُعَيم: حدثنا الحسن بن صالح، وما كان دون الثوري في الورع والقوة.

الحُنَيْني: سمعت أبا غسان يقول: الحسن بن صالح خير من شريك، من هنا إلى خراسان.

قال محمد بن عبد الله بن نُمَير: كان أبو نعيم يقول: ما رأيت أحدًا إلا وقد غلط في شيء، غير الحسن بن صالح.

وقال أحمد بن يونس: سأل الحسن بن صالح رجلا عن شيء? فقال: لا أدري. فقال: الآن حين دريت.

ص: 56

وقال ابن أبي الحَوارِي، عن عبد الرحيم بن مُطَرِّف: كان الحسن بن صالح إذا أراد أن يعظ أحدًا، كتب في ألواحه، ثم ناوله.

وقال محمد بن زياد الرازي، عن أبي نعيم: سمعت الحسن بن صالح يقول: فتشت الورع، فلم أجده في شيء أقل من اللسان.

وقال علي بن المنذر الطريفي، عن أبي نُعيم، قال: كتبت عن ثمان مائة محدث، فما رأيت أفضل من الحسن بن صالح.

قال ابن عدي: للحسن بن صالح قوم يحدثون عنه بنسخ، فعند سلمة بن عبد الملك العوصي عنه نسخة، وعند أبي غسان النهدي عنه نسخة، وعند يحيى بن فُضَيل عنه نسخة

، إلى أن قال: ولم أجد له حديثًا منكرًا مجاوز المقدار، وهو عندي من أهل الصدق.

قلت: ما له رواية في "صحيح البخاري"، بل ذكره في الشهادات

(1)

، وكان من أئمة الاجتهاد. وقد قال وكيع: كان الحسن بن صالح وأخوه وأمهما قد جزءوا الليل ثلاثة أجزاء، فكل واحد يقوم ثلثًا، فماتت أمهما، فأقتسما الليل، ثم مات علي، فقام الحسن الليل كله.

وعن أبي سليمان الداراني، قال: ما رأيت أحدًا الخوف أظهر على وجهه والخشوع من الحسن بن صالح، قام ليلةً بـ:{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1]، فَغُشي عليه، فلم يختمها إلى الفجر.

وقال الحسن بن صالح: ربما أصبحت وما معي درهم، وكأن الدنيا قد حيزت لي.

وعن الحسن بن صالح، قال: إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابًا من الخير، يريد بها بابًا من الشر.

وعنه: أنه باع مرةً جارية، فقال: إنها تَنَخَّمت عندنا مرة دمًا.

قال وكيع: حسن بن صالح عندي إمام. فقيل له: إنه لا يترحم على عثمان. فقال: أفتترحم أنت على الحجاج؟

قلت: لا بارك الله في هذا المثال. ومراده: أن ترك الترحم سكوت، والساكت لا ينسب إليه قول، ولكن من سكت عن ترحم مثل الشهيد أمير المؤمنين عثمان، فإن فيه شيئًا من

(1)

ذكره البخاري في كتاب الشهادات، باب بلوغ الصبيان وشهادتهم. قال: وقال الحسن بن صالح: أدركت جارة لنا جدة بنت إحدى وعشرين سنة.

ص: 57

تشيع، فمن نطق فيه بغض وتنقص وهو شيعي جلد يؤدب، وإن ترقى إلى الشيخين بذم، فهو رافضي خبيث، وكذا من تعرض للإمام علي بذم، فهو ناصبي

(1)

يعزر، فإن كفره، فهو خارجي مارق، بل سبيلنا أن نستغفر للكل، ونحبهم، ونكف عما شجر بينهم.

قال أحمد بن أبي الحواري: حدثنا إسحاق بن جبلة، قال: دخل الحسن بن صالح يومًا السوق وأنا معه، فرأى هذا يخيط، وهذا يصبغ، فبكى، وقال: أنظر إليهم يتعللون حتى يأتيهم الموت.

ورُوي عن الحسن بن صالح أنه كان إذا نظر إلى المقبرة يصرخ، ويغشى عليه.

قال حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي: كنت عند ابني صالح، ورجل يقرأ:{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103]، فالتفت علي إلى أخيه الحسن، وقد اخضر واصفر، فقال: يا حسن! إنها أفزاع فوق أفزاع، ورأيت الحسن أراد أن يصيح، ثم جمع ثوبه، فعض عليه حتى سكن عنه، وقد ذبل فمه، واخضار واصفار.

أحمد بن عمران بن جعفر البغدادي: حدثنا يحيى بن آدم، قال: قال الحسن بن صالح: قال لي أخي -وكنت أصلي: يا أخي! أسقني. قال: فلما قضيت صلاتي، أتيته بماء، فقال: قد شربت الساعة. قلت: من سقاك وليس في الغرفة غيري وغيرك?! قال: أتاني الساعة جبريل بماء، فسقاني، وقال: أنت وأخوك وأمك مع الذين أنعم الله عليهم، وخرجت نفسه.

قلت: كان يرى الحسن الخروج على أمراء زمانه لظلمهم وجورهم، ولكن ما قاتل أبدًا، وكان لا يرى الجمعة خلف الفاسق.

قال عبد الله بن داود الخُرَيبي: ترك الحسن بن صالح الجمعة، فجاء فلان، فجعل يناظره ليلةً إلى الصباح، فذهب الحسن إلى ترك الجمعة معهم وإلى الخروج عليهم وهذا مشهور عن الحسن بن صالح، ودفع الله عنه أن يؤخذ فيقتل بدينه وعبادته.

قال البخاري: قال أبو نُعَيم: مات الحسن بن صالح سنة تسع وستين ومائة.

قلت: عاش تسعًا وستين سنة، وكان هو وأخوه عليٌّ توأمًا.

(1)

الناصبة: هم الذين يتدينون ببغض علي رضي الله عنه.

ص: 58

‌1136 - علي بن صالح بن حي

(1)

: " م، (4) "

الإمام، القدوة، الكبير، أبو الحسن.

حدث عن: سلمة بن كُهيل، وعلي بن الأقمر، وسِماك بن حرب، وعدة.

وكان طلبه للعلم هو وأخوه معًا، ومات كهلًا قبل أخيه بمدة.

حدث عنه: أخوه الحسن، ووكيع، وعبيد الله بن موسى، وعبد الله بن داود، وأبو نعيم، وخالد بن مَخْلد القطواني، وإسماعيل بن عمرو البَجَلي، وآخرون.

ولم يشتهر حديثه لقدم موته. وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، كما قدمنا في سيرة أخيه.

قال عبد الله بن موسى: سمعت الحسن بن صالح يقول: لما احتضر أخي، رفع بصره، ثم قال:{مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، ثم خرجت نفسه، فنظرنا، فإذا ثقب في جنبه قد وصل إلى جوفه، وما علم به أحد.

قلت: وكانا مقرئين مجودين للأداء. تلا عليٌّ على عاصم، ثم على حمزة. وتصدر للإقراء، فقرأ عليه: عبيد الله بن موسى، وغيره. ولعلي حديث واحد في "صحيح مسلم"

(2)

، في حسن الخلق.

مات سنة أربع وخمسين ومائة.

ولم يدخل هذا في رأي أخيه من ترك جمعة ولا غيره.

وأما قول محمد بن مثنى الزمن: ما رأيت عبد الرحمن بن مهدي يحدث عن علي بن صالح بشيء، فهذا لا يدل على ضعفه، بل لم يدرك عبد الرحمن عليًّا. فيما أظن.

فأما أبوهما:

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 374"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2404"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 140 و 440" و"2/ 711" و"3/ 132"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 1048" حلية الأولياء "7/ ترجمة 392" وتاريخ الإسلام "6/ 252"، الكاشف "2/ ترجمة 3987"، تهذيب التهذيب "7/ 332"، تقريب التهذيب "2/ 38"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4998"، شذرات الذهب لابن العماد "1/ 263".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1601""121" من طريق وكيع، عن علي بن صالح، عن سلمة بن كهيل، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سنا، فأعطى سنا فوقه وقال:"خياركم محاسنكم قضاء". ومعنى: "خياركم محاسنكم قضاء" معناه ذوو المحاسن سماهم بالصفة. قال القاضي عياض: وقيل: هو جمع محسن. وأكثر ما يجيء: أحاسنكم، جمع أحسن.

ص: 59

‌1137 - صالح بن صالح

(1)

: " ع"

فصدوق، موثق من أصحاب الشعبي.

وثقه النسائي، وغيره. وحديثه في الكتب الستة.

مات قبل الأعمش. وقد قال فيه أحمد بن عبد الله العجلي: ليس بقوي.

فأما سَميُّه:

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2826"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 440" و"2/ 42 و 592" و"3/ 90 و 184"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1779"، الكاشف "2/ ترجمة 3267"، تاريخ الإسلام "6/ 82"، ميزان الاعتدال "2/ 295"، تهذيب التهذيب "4/ 393"، تقريب التهذيب "1/ 360"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 3032".

ص: 60

‌1138 - صالح بن حَيَّان

(1)

:

القُرشي الكوفي أيضًا، فقد يشتبه بصالح بن حي، وليس هو به، بل هذا يروي عن: ابن بريدة، وأبي وائل، ونافع، وسويد بن غفلة، وعدة.

روى عنه: علي بن مُسْهِر، وعبدة بن سليمان، وطائفة.

وهو واهٍ. قال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ.

وقال يحيى بن معين: ضعيف.

وقال البخاري: فيه نظر. وقال النسائي. ليس بثقة. وقد كان شيخنا أبو العباس

(2)

اعتمد في كتاب "الصارم المسلول" له على حديث لصالح بن حيان هذا، وقواه، وتم عليه الوهم في ذلك.

رواه حجاج بن الشاعر، وهو حافظ عن الحافظ زكريا بن عدي، عن علي بن مُسْهِر، عن صالح بن حيان، عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: كان حي من بني ليث، على ميلين من المدينة، وكان رجل قد خطب منهم في الجاهلية، فلم يزوجوه، فأتاهم وعليه حلة، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساني هذه، وأمرني أن أحكم في أموالكم ودمائكم. ثم انطلق، فنزل على المرأة التي كان خطبها، فأرسل القوم إلى رسول الله، فقال:"كذب عدو الله". ثم أرسل رجلا فقال: "إن وجدته حيًّا وما أراك تجده حيًّا، فاضرب عنقه، وإن وجدته ميتًا، فأحرقه". فجاء، فوجده قد لدغته أفعى، فمات، فحرقه. فذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"من كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار".

وساقه شيخنا من طريق أبي القاسم البغوي، عن يحيى الحِمَّاني، عن علي بن مُسْهِر. وهذا حديث منكر، ولم يأت به سوى صالح بن حيان القُرشي، هذا الضعيف.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2789"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 218" والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1739"، والمجروحين لابن حبان "1/ 369"، وتاريخ الإسلام "6/ 81"، وميزان الاعتدال "2/ 292"، تهذيب التهذيب "4/ 386"، تقريب التهذيب "1/ 358"، وخلاصة الخزرجي "1/ 3017".

(2)

هو شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني المتوفى سنة "728 هـ".

ص: 60

‌1139 - أبو دُلامة

(1)

:

الشاعر، النديم، صاحب النوادر، زَنْد بن الجَوْن، وكان أسود، من الموالي. حضر جنازة حمادة زوجة المنصور، فقال له المنصور: ما أعددت لهذه الحفرة? قال: حمادة يا أمير المؤمنين! فأضحكه.

توفي أبو دُلامة سنة إحدى وستين ومائة. ويقال: عاش إلى أوائل دولة الرشيد.

وقيل: إنه دخل على المهدي -إذ قدم من الري- يهنئه، فقال:

إني حلفت لئن رأيتك سالما

بقرى العراق وأنت ذو وفر

لتصلين على النبي محمد

ولتملأن دراهما حجري

فقال: أما الأولى، فنعم. قال: إنهما كلمتان، فلا يفرق بينهما. فضحك، وملأ حجره دراهم.

(1)

ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني "10/ 247"، تاريخ بغداد "8/ 488"، وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 244"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 249".

ص: 61

‌1140 - زائدة

(1)

: " ع"

ابن قدامة، الإمام، الثبت، الحافظ، أبو الصلت الثقفي، الكوفي.

حدث عن: زياد بن علاقة، وعاصم بن أبي النجود، وسماك بن حرب، وأبي إسحاق السبيعي، وشبيب بن غَرْقَدة، وأبي طوالة، وأبي الزناد، ومنصور بن المُعْتمر، وحُصين، وبيان بن بشر، وإسماعيل السدي، وسليمان التيمي، وعاصم بن كُليب، والمختار بن فلفل، وموسى بن أبي عائشة، وعطاء بن السائب، وعبد الله بن محمد بن عَقيل، وخلق كثير.

وعنه: ابن المبارك، وأبو أسامة، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو داود، ويحيى بن أبي بكير، ومصعب بن المقدام، ومعاوية بن عمرو الأزدي، وحُسَين بن علي الجُعْفي، وأبو نعيم، ومحمد بن سابق، وخلف ابن تميم، وطَلْق بن غَنَّام، وأبو الوليد الطيالسي، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وخلف بن تميم، وطلق ابن غنام، وأبو الوليد الطيالسي، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وخلق سواهم.

قال عثمان بن زائدة الرازي: قدمت الكوفة قَدْمَةً، فقلت لسفيان: من ترى أن أسمع منه? قال: عليك بزائدة بن قدامة، وسفيان بن عيينة.

وقال أبو أسامة: حدثنا زائدة، وكان من أصدق الناس وأبرهم.

وقال أبو داود: حدثنا زائدة، وكان لا يحدث قدريًّا، ولا صاحب بدعة يعرفه.

وروى صالح بن علي الهاشمي، عن أحمد بن حنبل: المتثبتون في الحديث أربعة: سفيان، وشعبة، وزهير، وزائدة.

وروى أحمد بن الحسن الترمذي، عن أحمد بن حنبل، قال: إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير، فلا تبال أن لا تسمعه عن غيرهما، إلا حديث أبي إسحاق.

وقال أبو زرعة: صدوق من أهل العلم.

وقال أبو حاتم: ثقة صاحب سنة، هو أحب إليَّ من أبي عَوانة، وأحفظ من شريك وأبي بكر بن عَيَّاش. قال: وكان عَرَضَ حديثه على سفيان الثوري.

قال أحمد العِجلي: ثقة، صاحب سنة، لا يحدث أحدًا حتى يسأل عنه، فإن كان

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 378"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1441"، الكنى للدولابي "1/ 137"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 5777"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 202"، العبر "1/ 236"، الكاشف "1/ ترجمة 1621"، تهذيب التهذيب "3/ 306"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2108"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 251".

ص: 62

صاحب سنة، حدثه، وإلا لم يحدثه وكان قد عرض حديثه على سفيان، وروى عنه سفيان.

قلت: وقد كان صنف حديثه، وألف في القراءات، وفي التفسير والزهد.

قال أحمد بن يونس: رأيت زهير بن معاوية جاء إلى زائدة، فكلمه في رجل يحدثه، فقال: أمن أهل السنة هو? قال: ما أعرفه ببدعة. فقال: من أهل السنة هو? فقال زهير: متى كان الناس هكذا? فقال زائدة: متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما?

قال النسائي، وغيره: ثقة.

وقال مُطَيَّن: مات في أرض الروم، عام غزا الحسن بن قحطبة، سنة ستين، أو إحدى وستين ومائة.

قلت: مات في أول سنة إحدى.

قرأت على أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء، أخبركم أبو رَوْح عبد المعز بن محمد، أنبأنا زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو يعلى الصابوني، أنبأنا عبد الله بن محمد الرازي، حدثنا محمد بن أيوب بن الضريس، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زائدة، عن عبد الملك بن عُمَير، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ، قال: جاء رجل، فقال: يا رسول الله! رجل لقي امرأةً، فصنع بها ما يصنع الرجل بامرأته، إلا أنه لم يجامعها. قال: فأنزل الله -تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114] الآية. فقال له: "توضأ، وصل". قلت: يا رسول الله! هذا له خاصة، أو للناس عامة? قال:"للناس -أو للمسلمين- عامةً"

(1)

.

أخرجه الترمذي، والنسائي، من حديث زائدة. وعلته: أن شعبة رواه عن عبد الملك، فأرسله، لم يذكر معاذًا، وعبد الرحمن ما أدرك معاذًا.

(1)

صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، لانقطاعه بين عبد الرحمن بن أبي ليلى ومعاذ بن جبل فإنه لم يسمع منه، وهو عند الترمذي "3113". لكن الحديث قد أخرجه البخاري "4687"، ومسلم "2763" من طريق يزيد بن زريع، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]، قال الرجل: ألي هذه؟ قال: "لمن عمل بها من أمتي".

ص: 63

‌1141 - إبراهيم بن طَهْمَان

(1)

: " ع"

ابن شعبة الإمام، عالم خُراسان، أبو سعيد الهَرَوي، نزيل نيسابور، ثم حرم الله -تعالى.

ولد في آخر زمان الصحابة الصغار، وارتحل في طلب العلم، فحمل عن: آدم بن علي، وثابت البُنَاني، وعبد العزيز بن رُفيع، وسماك بن حرب، وأبي حُصَين، ومحمد بن زياد الجمحي -صاحب أبي هريرة- ومنصور بن المعتمر، وأبي جَمْرة الضُّبَعي، وأبي إسحاق السبيعي، وأبي الزبير، وعاصم ابن بَهْدَلة، وعاصم بن سليمان، وحسين المعلم، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني، وعبد العزيز بن صهيب، ومطر الوراق، ويحيى بن سعيد، وخلق سواهم.

وعنه: صفوان بن سليم -شيخه- وأبو حنيفة، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، وابن المبارك، وحفص بن عبد الله السلمي، وأبو عامر العَقَدي، وعمر بن عبد الله بن رزين، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن سابق، ومعن القزاز، ويحيى بن أبي بُكَير، ويحيى بن الضريس، وأبو حذيفة النهدي، وعبد الرحمن بن سلام الجُمَحي، ومحمد بن سنان العَوَقي، وأمم سواهم.

وثقه ابن المبارك، وأحمد، وأبو حاتم، وغيرهم.

وقال عبد الله بن أحمد، عن يحيى بن معين: لا بأس به.

وقال أبو حاتم أيضًا. حسن الحديث، صدوق.

وقال عثمان بن سعيد: لم يزل الأئمة يشتهون حديثه، ويرغبون فيه، ويوثقونه.

وقال أبو داود: ثقة، من أهل سرخس، خرج يريد الحج، فقدم نيسابور، فوجدهم على قول جهم، فقال: الإقامة على هؤلاء، أفضل من الحج. فأقام، فنقلهم من قول جهم إلى الإرجاء.

وقال صالح محمد جَزَرَة: ثقة، حسن الحديث، يميل شيئًا إلى الإرجاء في الإيمان، حبب الله حديثه إلى الناس، جيد الرواية.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 945"، تاريخ بغداد "6/ 105"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 200"، ميزان الاعتدال "1/ 38"، العبر "1/ 241"، الوافي بالوفيات "6/ 23"، تهذيب التهذيب "1/ 129"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 257".

ص: 64

قال إسحاق بن راهويه: كان صحيح الحديث، كثير السماع، ما كان بخراسان أكثر حديثًا منه، وهو ثقة.

وقال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي: سمعت سفيان بن عيينة يقول: ما قدم علينا خراساني أفضل من أبي رجاء عبد الله بن واقد. قلت له: فإبراهيم بن طهمان? قال: كان ذاك مرجئًا. ثم قال أبو الصلت: لم يكن إرجاؤهم هذا المذهب الخبيث: أن الإيمان قول بلا عمل، وأن ترك العمل لا يضر بالإيمان، بل كان إرجاؤهم أنهم يرجون لأهل الكبائر الغفران، ردًّا على الخوارج وغيرهم الذين يكفرون الناس بالذنوب. وسمعت وكيعًا يقول: سمعت الثوري يقول في آخر أمره: نحن نرجو لجميع أهل الكبائر الذين يدينون ديننا، ويصلون صلاتنا، وإن عملوا أي عمل. قال: وكان شديدًا على الجهمية.

قال يحيى بن أكثم: كان إبراهيم من أنبل الناس بخراسان والعراق والحجاز، وأوثقهم، وأوسعهم علمًا.

قال حفص بن عبد الله: سمعت إبراهيم بن طهمان يقول: والله الذي لا إله إلا هو، لقد رأى محمد ربه.

وقال حمَّاد بن قِيراط: سمعت إبراهيم بن طهمان يقول: الجهمية والقدرية كفار.

وقال أبو حاتم: شيخان بخراسان مرجئان: أبو حمزة السكري، وإبراهيم بن طهمان، وهما ثقتان.

وقال أبو زرعة: كنت عند أحمد بن حنبل، فذكر إبراهيم بن طهمان، وكان متكئًا من علة، فجلس، وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فَيُتَّكأ. وقال أحمد كان مرجئًا، شديدًا على الجهمية.

قال غسان أخو مالك بن سليمان: كنا نختلف إلى إبراهيم بن طهمان إلى القرية، فكان لا يرضى منا حتى يطعمنا، وكان شيخًا واسع القلب، وكانت قريته باشان من القصبة على فرسخ.

أنبأني علي بن البخاري، أنبأنا أبو اليُمن الكندي عام ست مائة، أنبأنا عبد الرحمن بن محمد، أنبأنا أحمد بن علي الحافظ، أنبأنا محمد بن عمر بن بُكَير، حدثنا الحسين بن أحمد الصفار، حدثنا أحمد بن محمد بن ياسين: سمعت إسحاق بن محمد بن بورجه يقول: قال مالك بن سليمان: كان لإبراهيم بن طهمان جراية من بيت المال فاخرة، يأخذ في كل وقت،

ص: 65

وكان يسخو به. فَسُئل مرةً في مجلس الخليفة، فقال: لا أدري. قالوا له: تأخذ في كل شهر كذا وكذا، ولا تحسن مسألة? فقال: إنما آخذ على ما أحسن، ولو أخذت على ما لا أحسن، لفني بيت المال عليَّ، ولا يفنى ما لا أحسن. فأعجب أمير المؤمنين جوابه، وأمر له بجائزة فاخرة، وزاد في جرايته.

قلت: شذ الحافظ محمد بن عبد الله بن عَمَّار، فقال: إبراهيم بن طهمان ضعيف، مضطرب الحديث.

وقال الدارقطني، وغيره: ثقة، إنما تكلموا فيه للإرجاء.

وقال الجُوزجاني: فاضل، يُرْمَى بالإرجاء. وكذلك أشار السليماني إلى تليينه، وقال: أنكروا عليه حديثه عن أبي الزبير، عن جابر: في رفع اليدين

(1)

، وحديثه عن شعبة، عن قتادة: في "سدرة المنتهى".

وقال أحمد بن حنبل: هو صحيح الحديث، مقارب.

قلت: له ما ينفرد به، ولا ينحط حديثه عن درجة الحسن.

أخبرنا جماعة في كتابهم، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا ابن عبد الباقي، وأحمد بن محمد بن ملوك، قالا: أنبأنا القاضي أبو الطيب الطبري، أنبأنا أبو أحمد محمد بن أحمد بجُرْجان، حدثنا أبو خليفة الجُمَحي، حدثنا عبد الرحمن بن سلام، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي إسحاق الهمذاني، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذكرت عنده، فليصلِّ عليَّ، فإنه من صلى عليَّ مرةً صلى الله عليه عشرًا"

(2)

.

(1)

صحيح: أخرجه ابن ماجه "868" من طريق أبي حذيفة، حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير أن جابر بن عبد الله كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك. ويقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك. ورفع إبراهيم بن طهمان يديه إلى أذنيه. وقد ورد عن علي بن أبي طالب: عند ابن ماجه "864". وورد عن ابن عباس: عند ابن ماجه "865". وورد عن أنس: عند ابن ماجه "866". وورد عن وائل بن حجر: عند ابن ماجه "867". وورد عن أبي حميد الساعدي: عند ابن ماجه "862" و"863".

(2)

صحيح لغيره: أخرجه الطيالسي "2122" حدثنا أبو سلمة الخراساني، قال حدثنا أبو إسحاق عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قلت: إسناده ضعيف، لانقطاعه بين أبي إسحاق وأنس. وأخرجه أحمد "3/ 261"، وابن أبي شيبة "2/ 517"، والنسائي "3/ 55"، وفي "عمل اليوم والليلة" له "62 و 362 و 363"، والحاكم "1/ 550"، والبيهقي في "شعب الإيمان""1554"، والبغوي "1365"، والضياء في "الأحاديث المختارة" =

ص: 66

رُوي عن مالك بن سليمان الهروي: مات سنة ثلاث وستين ومائة إبراهيم بن طهمان. وقيل: سنة ثمانٍ.

أخبرنا أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بن المنادي، أنبأنا العلامة موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي -في رجب، سنة عشرين وست مائة- أنبأنا محمد بن عبد الباقي، وقرأت على ست الأهل بنت علوان، أنبأنا البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم، أخبرتنا فخر النساء شُهْدة، قالا: أنبأنا الحسين بن أحمد النعالي، أنبأنا علي بن محمد المُعَدَّل، أنبأنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز، حدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن سنان العَوَقي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن بُدَيل بن ميسرة، عن عبد الله بن شقيق، عن ميسرة الفجر، قال: قلت: يا رسول الله! متى كتبت نبيًا? قال: "وآدم بين الروح والجسد"

(1)

.

هذا حديث صالح السند، ولم يخرجوه في الكتب الستة.

وأخبرناه سنقر القضائي، أنبأنا عبد اللطيف بن يوسف، أنبأنا عبد الحق اليوسفي، أنبأنا علي بن محمد العلاف، أنبأنا أبو الحسن بن الحمَّامي، حدثنا عبد الباقي بن قانع، حدثنا محمد بن يونس بن مبارك الأحول، حدثنا محمد بن سنان بهذا، لكنه قال: متى كنت?

أخبرنا محمد بن أبي عصرون، أنبأنا أبو روح إجازة، أنبأنا تميم، أنبأنا أبو سعد، أنبأنا أبو عمرو الحيري، أنبأنا أبو يَعلَى، حدثنا عبد الرحمن بن سلام، حدثان إبراهيم بن طهمان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي قال: لما مات أبو طالب، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

= "1566" و"1567" و"1568" من طرق عن يونس بن أبي إسحاق، بُريد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ صلاة واحدة، صلى الله عليه عشر صلوات، وحطَّ عنه عشر خطيئات". وله شاهد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ واحدة، صلى الله عليه عشرًا". أخرجه أحمد "2/ 372 و 375"، والبخاري في "الأدب المفرد""645"، ومسلم "408"، وأبو داود "1530"، والترمذي "485"، والنسائي "3/ 50"، والدارمي "2/ 317"، وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي""8 و 9"، وأبو عوانة "2/ 234" من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة، به.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير""4/ ق 1/ 374" وابن سعد "7/ 60" من طريق إبراهيم بن طهمان، به. وأخرجه أحمد "5/ 59"، وفي "السنة""ص 111" حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا منصور بن سعد، عن بديل، عن عبد الله بن شقيق، عن ميسرة الفجر، به. وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة""410"، وأبو نعيم في "الحلية""9/ 53" من طرق أخرى عن ابن مهدي، به إلا أنه وقع في "الحلية":"كنت".

ص: 67

فقلت: إن عمك الشيخ الضال مات. قال: "اذهب، فواره، ولا تحدث شيئًا حتى تأتيني". ففعلت الذي أمرني به، ثم أتيته، فقال لي:"اغتسل". وعلمني دعوات هي أحب إليَّ من حمر النَّعم

(1)

.

(1)

حسن: أخرجه الشافعي "1/ 207"، وابن أبي شيبة "3/ 347"، والطيالسي "120"، وأحمد "1/ 97"، وأبو داود "3214"، والنسائي "1/ 110"، و"4/ 79 - 80"، وأبو يعلى "423"، والبيهقي في "دلائل النبوة""2/ 348"، وفي "السنن" "1/ 304" من طرق عن أبي إسحاق قال: سمعت ناجية بن كعب يحدث عن علي رضي الله عنه به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته ناجية بن كعب الأسدي، قال ابن المديني: لا أعلم أحدا روى عنه غير أبي إسحاق، وهو مجهول، ولم يوثقه غير العجلي. وقد وهم الحافظ في "التقريب" فقال عنه: ثقة "! " وقد ضعف الحديث البيهقي في "السنن"، وتبعه النووي في "المجموع""5/ 144"، وأبو يعلى "424"، وابن عدي في "الكامل" "2/ 326" من طريق الحسن بن يزيد الأصم قال: سمعت السدي إسماعيل يذكره عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي قال: فذكره.

قلت: إسناد ضعيف، فيه الحسن بن يزيد الكوفي الأصم، قال ابن عدي: ليس بالقوي وحديثه عن السدي ليس بالمحفوظ. وقال أحمد وغيره: ليس به بأس. وقد وثقه ابن معين والدارقطني. وأورد البيهقي في "السنن""1/ 305" طريقين آخرين، وهما معلولان، أعلهما البيهقي لكن الحديث يرتقي لمرتبة الحسن بمجموع الطريقين الأوليين والله -تعالى- أعلى وأعلم.

ص: 68

‌1142 - أبو حمزة السُّكَّري

(1)

: " ع"

الحافظ، الإمام، الحجة، محمد بن ميمون المَرْوَزي، عالم مرو.

حدث عن: زياد بن علاقة، وعبد العزيز بن رُفَيع، وأبي إسحاق، ومنصور بن المعتمر، وعاصم بن بهدلة، وعاصم الأحول، وسليمان الأعمش، وعبد الكريم الجَزَري، وعبد الملك بن عمير، وجابر الجعفي، ومطرف بن طريف، وعدة.

وعنه: ابن المبارك، وأبو تُمَيلة، والفضل السَّيناني، وعَتَّاب بن زياد، وعلي بن الحسن بن شقيق، وعبدان بن عثمان، وسلام بن واقد، والفضل بن خالد البلخي النحوي، وآخرون خاتمتهم نعيم بن حماد الحافظ.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 371"، التاريخ الكبير "1/ ترجمة 737"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 216" و"3/ 281"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 338"، وتاريخ الخطيب "3/ 266"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 214"، والعبر "1/ 251"، والكاشف "3/ ترجمة 5270"، وميزان الاعتدال "4/ 53، 54"، وجامع التحصيل للحافظ العلائي "ترجمة 714"، تهذيب التهذيب "9/ 486"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6702"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 264".

ص: 68

قال أحمد: ما بحديثه عندي بأس، هو أحب إليَّ من حسين بن واقد.

وقال عباس الدُّوري: كان أبو حمزة من الثقات، وكان إذا مرض عنده من قد رحل إليه، ينظر إلى ما يحتاج إليه من الكفاية، فيأمر بالقيام به، ولم يكن يبيع السكر، وإنما سمي السكري؛ لحلاوة كلامه.

وروى ابن الغلابي، عن يحيى بن معين، قال: روى أبو حمزة، عن إبراهيم الصائغ -وذكره بصلاح: كان إذا مرض الرجل من جيرانه، تصدق بمثل نفقة المريض، لما صرف عنه من العلة.

وقال النسائي: ثقة.

قال ابن راهويه، عن حفص بن حُميد، سمع ابن المبارك يقول: أبو حمزة صاحب حديث، أو كما قال. وحسين بن واقد: ليس بحافظ، ولا يترك حديثه.

سفيان بن عبد الملك، عن ابن المبارك، قال: السكري، وإبراهيم بن طهمان، صحيحا الكتاب.

وقال إبراهيم بن رستم: قال أبو حمزة: اختلفت إلى إبراهيم الصائغ نيفًا وعشرين سنة، ما علم أحد من أهل بيتي أين ذهبت، ولا من أين جئت.

قلت: لأن إبراهيم الصائغ كان في السجن، سجن المُسَوِّدة، ولا يذهب أحد إليه، إلا مختفيًا.

وقال يحيى بن أكثم: بلغني عن ابن المبارك: أنه سئل عن الاتِّباع? فقال: الأتباع ما كان عليه الحسين بن واقد وأبو حمزة.

قال علي بن الحسين بن شقيق: سئل عبد الله عن الأئمة الذين يقتدى بهم، فذكر أبا بكر وعمر، حتى انتهى إلى أبي حمزة، وأبو حمزة يومئذ حي.

قال العباس بن مصعب المَرْوَزِي: كان أبو حمزة مستجاب الدعوة.

أحمد بن عبد الله بن حكيم، عن معاذ بن خالد، سمعت أبا حمزة السكري يقول: ما شبعت منذ ثلاثين سنة، إلا أن يكون لي ضيف.

وروى إبراهيم الحربي، عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: أراد جار لأبي حمزة السكري أن يبيع داره، فقيل له: بكم? قال: بألفين ثمن الدار، وبألفين جوار أبي حمزة. فبلغ ذلك أبا حمزة، فوجه إليه بأربعة آلاف، وقال: لا تبع دارك.

قال علي بن الحسن بن شقيق، وعبد العزيز بن أبي رزمة: مات أبو حمزة سنة سبع وستين ومائة. قال آخر: سنة ثمان، والأول أصح.

ص: 69

‌1143 - إبراهيم بن أدهم

(1)

:

ابن منصور بن يزيد بن جابر، القدوة، الإمام، العارف، سيد الزهاد، أبو إسحاق العجلي -وقيل: التميمي- الخراساني، البَلْخي، نزيل الشام. مولده في حدود المائة.

حدث عن: أبيه، ومحمد بن زياد الجُمَحي -صاحب أبي هريرة، وأبي إسحاق السبيعي، ومنصور بن المعتمر، ومالك بن دينار، وأبي جعفر محمد بن علي، وسليمان الأعمش، وابن عَجلان، ومقاتل بن حَيَّان.

حدث عنه: رفيقه سفيان الثوري، وشقيق البَلخي، وبقية بن الوليد، وضمرة بن ربيعة، ومحمد بن حِمْيَر، وخلف بن تميم، ومحمد بن يوسف الفريابي، وإبراهيم بن بشار الخراساني -خادمه- وسهل بن هاشم، وعتبة بن السكن، وحكى عنه الأوزاعي، وأبو إسحاق الفزاري.

قال البخاري: قال لي قتيبة: إبراهيم بن أدهم تميمي، يروي عن منصور. قال: ويقال له: العِجلي.

وقال ابن معين: هو من بني عجل.

وذكر المفضل الغلابي: أنه هرب من أبي مسلم، صاحب الدعوة.

قال النسائي: هو ثقة، مأمون، أحد الزهاد.

وعن الفضل بن موسى، قال: حج والد إبراهيم بن أدهم وزوجته، فولدت له إبراهيم بمكة.

وعن يونس البَلْخي، قال: كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف، وكان أبوه كثير المال والخدم، والمراكب والجنائب والبزاة، فبينا إبراهيم في الصيد على فرسه يركضه، إذا هو بصوت من فوقه: يا إبراهيم! ما هذا العبث? {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115]،

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 877"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 455"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 209"، حلية الأولياء "7/ 367 حتى 8/ 58""رقم ترجمة 394"، العبر "1/ 238"، الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "5/ 318"، وفوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "1/ 13"، تهذيب التهذيب "1/ 102"، شذرات الذهب "1/ 255".

ص: 70

اتق الله، عليك بالزاد ليوم الفاقة. فنزل عن دابته، ورفض الدنيا. وفي "رسالة" القُشَيري، قال: هو من كُورة بَلْخ، من أبناء الملوك، أثار ثعلبًا أو أرنبًا، فهتف به هاتف: ألهذا خلقت? أم بهذا أمرت? فنزل، وصادف راعيًا لأبيه، فأخذ عباءته وأعطاه فرسه، وما معه، ودخل البادية، وصحب الثوري، والفضيل بن عياض، ودخل الشام، وكان يأكل من الحصاد وحفظ البساتين، ورأى في البادية رجلًا، علمه الاسم الأعظم فدعا به، فرأى الخضر، وقال: إنما علمك أخي داود. رواها علي بن محمد المصري الواعظ.

حدثنا أبو سعيد الخَرَّاز، حدثنا إبراهيم بن بشار، حدثني إبراهيم بن أدهم بذلك، لما سألته عن بدء أمره. ورُويَت عن ابن بشار بإسناد آخر، وزاد، قال: فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال: عليكم بالشام. فصرت إلى المصِّيصَة، فعملت بها أيامًا، ثم قيل لي: عليك بطرسوس، فإن بها المباحات، فبينا أنا على باب البحر، اكتراني رجل أنطر بستانه، فمكثت مدة.

قال المسيب بن واضح: حدثنا أبو عُتْبَة الخَوَّاص: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: من أراد التوبة، فليخرج من المظالم، وليدع مخالطة الناس، وإلا لم ينل ما يريد.

قال خلف بن تميم: سمعت إبراهيم يقول: رآني ابن عَجلان، فاستقبل القبلة ساجدًا، وقال: سجدت لله شكرًا حين رأيتك.

قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لابن المبارك: إبراهيم بن أدهم ممن سمع? قال: قد سمع من الناس، وله فضل في نفسه، صاحب سرائر، وما رأيته يظهر تسبيحًا، ولا شيئًا من الخير، ولا أكل مع قوم قط، إلا كان آخر من يرفع يده.

أبو نعيم: سمعت سفيان يقول: كان إبراهيم بن أدهم يشبه إبراهيم الخليل، ولو كان في الصحابة، لكان رجلًا فاضلا.

قال بشر الحافي: ما أعرف عالمًا إلا وقد أكل بدينه، إلا وهيب بن الورد، وإبراهيم بن أدهم، ويوسف بن أسباط، وسلم الخَوَّاص.

قال شقيق بن إبراهيم: قلت لإبراهيم بن أدهم: تركت خراسان? قال: ما تهنأت بالعيش إلا في الشام، أفر بديني من شاهق إلى شاهق، فمن رآني يقول: موسوس، ومن رآني يقول: جمال، يا شقي! ما نَبُلَ عندنا من نبل بالجهاد ولا بالحج، بل كان يعقل ما يدخل بطنه.

قال خلف بن تميم: سألت إبراهيم: منذ كم قدمت الشام? قال: منذ أربع وعشرين سنة، ما جئت لرباط ولا لجهاد، جئت لأشبع من خبز الحلال.

ص: 71

وعن إبراهيم، قال: الزهد فرض، وهو الزهد في الحرام، وزهد سلامة وهو: الزهد في الشبهات، وزهد فضل، وهو الزهد في الحلال.

يحيى بن عثمان البغدادي: حدثنا بقية، قال: دعاني إبراهيم بن أدهم إلى طعامه، فأتيته، فجلس، فوضع رجله اليسرى تحت أليته، ونصب اليمنى، ووضع مرفقه عليها، ثم قال: هذه جلسة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس جلسة العبد، خذوا بسم الله. فلما أكلنا، قلت لرفيقه: أخبرني عن أشد شيء مر بك منذ صحبته. قال: كنا صيامًا، فلم يكن لنا ما نفطر عليه، فأصبحنا، فقلت: هل لك يا أبا إسحاق أن نأتي الرَّسْتن، فنكري أنفسنا مع الحَصَّادين؟ قال: نعم. قال: فاكتراني رجل بدرهم. فقلت: وصاحبي? قال: لا حاجة لي فيه، أراه ضعيفًا. فما زلت به حتى اكتراه بثلثين، فاشتريت من كرائي حاجتي، وتصدقت بالباقي، فقربت إليه الزاد، فبكى، وقال: أما نحن فاستوفينا أجورنا، فليت شعري أوفينا صاحبنا أم لا? فغضبت، فقال: أتضمن لي أنا وفيناه، فأخذت الطعام، فتصدقت به.

وبالإسناد عن بقية، قال: كنا مع إبراهيم في البحر، فهاجت ريح، واضطربت السفينة، وبكوا، فقلنا: يا أبا إسحاق! ما ترى? فقال: يا حي حين لا حي، ويا حي قبل كل حي، ويا حي بعد كل حي، يا حي، يا قيوم، يا محسن، يا مُجْمِل! قد أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك، فهدأت السفينة من ساعته.

ضمرة: سمعت ابن أدهم، قال: أخاف أن لا أؤجر في تركي أطايب الطعام، لأني لا أشتهيه. وكان إذا جلس على طعام طيب، قدم إلى أصحابه، وقنع بالخبز والزيتون.

محمد بن ميمون المكي: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: قيل لإبراهيم ابن أدهم: لو تزوجت? قال: لو أمكنني أن أطلق نفسي، لفعلت.

عن خلف بن تميم، قال: دخل إبراهيم الجبل، واشترى فأسًا، فقطع حطبًا، وباعه، واشترى ناطفًا، وقدمه إلى أصحابه، فأكلوا، فقال: يباسطهم: كأنكم تأكلون في رهن.

عصام بن رواد بن الجراح: حدثنا أبي، قال: كنت ليلة مع إبراهيم بن أدهم، فأتاه رجل بباكورة، فنظر حوله هل يرى ما يكافئه، فنظر إلى سرجي، فقال: خذ ذاك السرج فأخذه فسررت حين نزل مالي بمنزلة ماله.

قال علي بن بَكَّار: كان إبراهيم من بني عجل، كريم الحسب، وإذا حصد، ارتجز، وقال:

اتَّخِذِ اللهَ صَاحِبا

ودَعِ النَّاسَ جَانِبا

ص: 72

وكان يلبس فروًا بلا قميص، وفي الصيف شقتين بأربعة دراهم: إزار ورداء، ويصوم في الحضر والسفر، ولا ينام الليل وكان يتفكر، ويقبض أصحابه أجرته، فلا يمسها بيده، ويقول: كلوا بها شهواتكم وكان ينطر، وكان يطحن بيد واحدة مُدَّيْنِ من قمح.

قال أبو يوسف الغسولي: دعا الأوزاعي إبراهيم بن أدهم، فقصر في الأكل، فقال: لم قصرت? قال: رأيتك قصرت في الطعام.

بشر الحافي: حدثنا يحيى بن يمان، قال: كان سفيان إذا قعد مع إبراهيم بن أدهم، تحرز من الكلام.

عبد الرحمن بن مهدي، عن طالوت: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ما صدق الله عبدٌ أحب الشهرة.

قلت: علامة المخلص الذي قد يحب شهرةً، ولا يشعر بها، أنه إذا عوتب في ذلك، لا يحرَدُ ولا يبرِّئ نفسه، بل يعترف، ويقول: رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي، ولا يكن معجبًا بنفسه، لا يشعر بعيوبها، بل لا يشعر أنه لا يشعر، فإن هذا داء مُزْمن.

عصام بنَ روَّاد: سمعت عيسى بن حازم النيسابوري يقول: كنا بمكة مع إبراهيم بن أدهم فنظر إلى أبي قُبَيْس، فقال: لو أن مؤمنًا، مستكمل الإيمان، يهز الجبل لتحرك فتحرك أبو قبيس، فقال: اسكن، ليس إياك أردت.

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن منصور، حدثنا الحارث بن النعمان، قال: كان إبراهيم بن أدهم يجتني الرطب من شجر البَلُّوط.

وعن مكي بن إبراهيم، قال: قيل لابن أدهم. ما تبلغ من كرامة المؤمن? قال: أن يقول للجبل: تحرك، فيتحرك. قال: فتحرك الجبل، فقال: ما إياك عنيت.

وعن إبراهيم بن أدهم، قال: كل مَلِك لا يكون عادلًا، فهو واللص سواء، وكل عالم لا يكون تقيًّا، فهو والذئب سواء، وكل من ذل لغير الله، فهو والكلب سواء.

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الجلودي، وغيره: أن عبد الله بن اللَّتِّي أخبرهم، قال: أنبأنا جعفر بن المتوكل، أنبأنا أبو الحسن بن العلاف، حدثنا الحَمَّامي، حدثنا جعفر الخُلْدي، حدثني إبراهيم بن نصر، حدثنا إبراهيم بن بشار: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: وأي دين لو كان له رجال! من طلب العلم لله، كان الخمول أحب إليه من التطاول، والله ما الحياة بثقة، فيرجى نومها، ولا المنية بعذر، فيؤمن عذرها، ففيم التفريط والتقصير والاتكال والإبطاء? قد رضينا من أعمالنا بالمعاني، ومن طلب التوبة بالتواني، ومن العيش الباقي بالعيش الفاني.

ص: 73

وبه قال ابن بَشَّار: أمسينا مع إبراهيم ليلةً، ليس لنا ما نفطر عليه، فقال: يا ابن بشار! ماذا أنعم الله على الفقراء والمساكين من النعيم والراحة، لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة، ولا حج، ولا صدقة، ولا صلة رحم! لا تغتم، فرزق الله سيأتيك نحن -والله- الملوك الأغنياء، تعجلنا الراحة، لا نبالي على أي حال كنا إذا أطعنا الله. ثم قام إلى صلاته، وقمت إلى صلاتي، فإذا برجل قد جاء بثمانية أرغفة، وتمر كثير، فوضعه، فقال: كل يا مغموم. فدخل سائل، فأعطاه ثلاثة أرغفة مع تمر، وأعطاني ثلاثة، وأكل رغيفين.

وكنت معه، فأتينا على قبر مُسَنَّم، فترحم عليه، وقال: هذا قبر حميد بن جابر، أمير هذه المدن كلها، كان غارقًا في بحار الدنيا، ثم أخرجه الله منها. بلغني أنه سر ذات يوم بشيء، ونام، فرأى رجلا بيده كتاب، ففتحه، فإذا هو كتاب بالذهب: لا تؤثرن فانيًا على باق، ولا تغترن بملكك، فإن ما أنت فيه جسيم لولا أنه عديم، وهو ملك لولا أن بعده هلك، وفرح وسرور، لولا أنه غرور، وهو يوم لو كان يوثق له بعد، فسارع إلى أمر الله، فإن الله قال:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]. فانتبه فزعًا، وقال: هذا تنبيه من الله وموعظة. فخرج من ملكه، وقصد هذا الجبل، فعبد الله فيه حتى مات.

وروي أن إبراهيم بن أدهم حصد ليلة ما يحصده عشرة، فأخذ أجرته دينارًا.

أنبأنا أحمد بن سلامة، عن عبد الرحيم بن محمد، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا السراج: سمعت إبراهيم بن بشار يقول: قلت لإبراهيم بن أدهم: كيف كان بدء أمرك? قال: غير ذا أولى بك. قال: قلت: أخبرني لعل الله أن ينفعنا به يومًا. قال: كان أبي من الملوك المياسير، وحُبِّبَ إلينا الصيدُ، فركبتُ، فثار أرنب أو ثعلب، فحركت فرسي، فسمعت نداءً من ورائي: ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت. فوقفت أنظر يمنة يمنة ويسرة، فلم أر أحدًا، فقلت: لعن الله إبليس ثم حركت فرسي، فأسمع نداءً أجهر من ذلك. يا إبراهيم! ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت. فوقفت أنظر فلا أرى أحدًا، فقلت: لعن الله إبليس. فأسمع نداءً من قُرْبوس سرجي بذاك، فقلت: أنبهت، أنبهت، جاءني نذير، والله لا عصيت الله بعد يومي ما عصمني الله فرجعت إلى أهلي فخليت فرسي ثم جئت إلى رعاة لأبي، فأخذت جبة كساءً، وألقيت ثيابي إليه، ثم أقبلت إلى العراق، فعملت بها أيامًا، فلم يصفُ لي منها الحلال، فقيل لي: عليك بالشام

، فذكر حكاية نطارته الرُّمَّان وقال الخادم له: أنت تأكل فاكهتنا، ولا تعرف الحلو من الحامض? قلت: والله ما ذقتها. فقال:

ص: 74

أتراك لو أنك إبراهيم بن أدهم فانصرف، فلما كان من الغد، ذكر صفتي في المسجد، فعرفني بعض الناس، فجاء الخادم ومعه عنق من الناس، فاختفيت خلف الشجر، والناس داخلون، فاختلطت معهم وأنا هارب.

قد سقت أخبار إبراهيم في "تاريخي" أزيد مما هنا، وأخباره في:"تاريخ دمشق" وفي: "الحلية"؛ وتآليف لابن جوصا، وأخباره التي رواها ابن اللتي، وأشياء.

وثقه الدارقطني.

وتوفي سنة اثنتين وستين ومائة، وقبره يُزَار. وترجمته في "تاريخ دمشق" في ثلاثة وثلاثين ورقة.

ص: 75

‌1144 - معاوية بن سلام

(1)

: " ع"

ابن الإمام أبي سلام ممطور الحبشي، العربي، الشامي.

حدث عن: أبيه، وأخيه زيد. وقيل: إنه أدرك جده. وروى أيضًا عن: الزهري، ويحيى بن أبي كثير.

حدث عنه: أبو مُسْهِر، ومروان بن محمد الطَّاطَري، ويحيى بن حسان، ويحيى الوحاظي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، ويحيى بن بشر الحريري، وأبو توبة الحلبي، وجماعة، كان يكون بحمص وبدمشق.

وثقه النسائي، وغيره، وكان من أئمة الدين.

قال يحيى بن معين: أعده محدث أهل الشام في زمانه.

وروينا في نسخة أبي مسهر، قال: حدثنا معاوية بن سلام: سمعت جدي أبا سلام .. ، فذكر حديثًا مرسلا، قال أبو مُسْهِر: قلت له: لمن ولاؤك? فغضب -يعني: أنه عربي.

وقال أحمد بن حنبل: ثقة.

وقيل: إن يحيى بن أبي كثير حمل عن معاوية بن سلام كتاب جده مناولةً.

مات بعد السبعين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1444"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 340" و"3/ 10"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1752"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 230"، الكاشف "3/ ترجمة 5624"، والعبر "1/ 262 و 356"، جامع التحصيل للحافظ العلائي "ترجمة 777"، تهذيب التهذيب "10/ 208"، تقريب التهذيب "2/ 259"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7081"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 270".

ص: 75

‌1145 - أبو عبيد الله الوزير

(1)

:

معاوية بن عبيد الله بن يسار الأشعري، مولاهم الطبراني، الشامي، الكاتب، أحد رجال الكمال حزمًا، ورأيًا، وعبادة، وخيرًا.

روى عن: أبي إسحاق، ومنصور، وطائفة.

حدث عنه: منصور بن أبي مُزَاحِم، وغيره.

وكان المهدي يبالغ في إجلاله واحترامه، ويعتمد على رأيه وتدبيره وحسن سياسته. قال حفيده عبيد الله بن سليمان: أبلى جدنا سَجَّادتين، وشرع في ثالثة موضع ركبتيه ووجهه ويديه من كثرة صلاته رحمه الله وكان له كل يوم كُرُّ دقيق يتصدق به، فلما وقع الغلاء، تصدق بِكُرَّين.

قلت: الكر يشبع خمسة آلاف إنسان، وكان من ملوك العدل.

ويقال: سمع من الزهري، وعاصم بن رجاء بن حيوة، وكان مع دينه فيه تيه وتعزز. حج الربيع الحاجب، فجاء إليه مسلمًا، فما قام له، ولا وفاه حقه، فعمل عليه عند المهدي، ورمى ابنه بالتعرض لحرم الهادي، فقتل المهدي ابنه، وقبض عليه، فما زال في السجن حتى توفي سنة سبعين ومائة.

وقد بسطت من سيرته في: "تاريخ الإسلام"، وهو جد الحافظ معاوية بن صالح الأشعري.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1751"، الكاشف "3/ ترجمة 5626"، العبر "1/ 259"، وتهذيب التهذيب "10/ 212"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7083"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 279".

ص: 76

‌1146 - عافية

(1)

:

ابن يزيد بن قيس الأودي، الكوفي، الحنفي، قاضي بغداد بالجانب الشرقي.

كان من العلماء العاملين، ومن قضاة العدل، نزع في الفقه بأبي حنيفة.

وحدث عن: هشام بن عروة، والأعمش، ومجالد ومحمد بن عمرو بن عطاء، وابن أبي ليلى.

روى عنه: موسى بن داود، وأسد السنة. وقلما روى، لأنه مات كهلا.

قال الخطيب: كان عالمًا، زاهدًا، حكم مدة على سداد وصون، ثم استعفى من القضاء، فأعفي.

وثقه النسائي.

وقال أبو داود: يكتب حديثه.

وروى عباس الدُّوري، عن يحيى: ثقة. وكذلك روى أحمد بن أبي مريم، عنه، وقال في رواية علي بن الحسين بن الجُنَيد الرازي، عنه: ضعيف في الحديث.

وقيل: سبب تركه القضاء، أنه تثبت في حكم، فأهدى له الخصم رطبًا، فرده، وزجره، فلما حاكم خصمه من الغد، قال عافية: لم يستويا في قلبي. ثم حكاها للخليفة، وقال: هذا: حالي وما قبلت، فكيف لو قبلت?! قال: فأعفاه.

توفي سنة نيف وستين ومائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 331"، تاريخ بغداد "12/ 307"، ميزان الاعتدال "2/ 358"، تهذيب التهذيب "5/ 60"، تقريب التهذيب "1/ 386"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5618".

ص: 77

‌1147 - مُفَضَّل

(1)

: " م، س، ق"

ابن مهلهل، الإمام الكبير، أبو عبد الرحمن السعدي، الكوفي.

حدث عن: منصور، وبيان بن بشر، ومغيرة، والأعمش، ونحوهم.

وعنه: حسين الجعفي، وأبو أسامة، ويحيى بن آدم، والحسن بن الربيع، وآخرون.

قال أحمد العجلي: كان ثقة، ثبتًا، صاحب سنة وفضل وفقه. لما مات الثوري مضى أصحابه إلى المفضل، فقالوا: تجلس لنا مكان أبي عبد الله? فقال: ما رأيت صاحبكم يحمد مجلسه.

وذكره عبد الرزاق، فقال: ذاك الراهب قدم علينا مع سفيان.

ووثقه أبو حاتم، وجماعة.

قال ابن منجويه: مات سنة سبع وستين ومائة.

روينا عن مفضل بن مهلهل كلمة نافعة، قال: اعمل بقليل الحديث يزهدك في كثيره.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 381"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1776"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 713" و"2/ 782"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1457"، العبر "1/ 250"، الكاشف "3/ ترجمة 5710"، ميزان الاعتدال "4/ 171"، تهذيب التهذيب "10/ 275"، تقريب التهذيب "2/ 271"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7178"، شذرات الذهب "1/ 263".

ص: 77

‌1148 - المهدي

(1)

:

الخليفة، أبو عبد الله محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي الهاشمي، العباسي.

مولده بإيْذَج من أرض فارس، في سنة سبع وعشرين. وقيل: في سنة ست. وأمه: أم موسى الحِمْيَرية.

كان جوادًا، ممدحًا، معطاء، محببًا إلى الرعية، قَصَّابًا في الزنادقة، باحثًا عنهم، مليح الشكل. قد مر من أخباره في "تاريخي الكبير".

ولما اشتد، وَلاه أبوه مملكة طبرستان، وقد قرأ العلم، وتأدب وتميز.

غرم أبوه أموالا حتى استنزل ولي العهد ابن أخيه عيسى بن موسى من العهد للمهدي، ولما مات المنصور، قام بأخذ البيعة للمهدي الربيع بن يونس الحاجب.

وكان المهدي أسمر، مليحًا، مضطرب الخلق، على عينه بياض، جعد الشعر، ونقش خاتمه: الله ثقة محمد، وبه نؤمن.

يقطونه: أنبأنا أبو العباس المنصوري، قال: لما حَصَلت الخزائن في يد المهدي، أخذ في رد المظالم، فأخرج أكثر الذخائر، ففرقها، وبر أهله ومواليه. فقيل: فرق أزيد من مائة ألف ألف.

وقيل: إنه أثني عليه بالشجاعة، فقال: لم لا أكون شجاعًا? وما خفت أحدًا إلا الله -تعالى.

وذكر ابن أبي الدنيا: أن المهدي كتب إلى الأمصار يزجر أن يتكلم أحد من أهل الأهواء في شيء منها.

(1)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "2/ 246"، تاريخ بغداد "5/ 391"، العبر "1/ 230 و 234"، الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "3/ 300"، شذرات الذهب "1/ 230 و 245".

ص: 78

وعن يوسف الصائغ، قال: رفع أهل البدع رءوسهم، وأخذوا في الجدل، فأمر بمنع الناس من الكلام، وأن لا يخاض فيه.

قال داود بن رشيد: هاجت ريح سوداء، فسمعت سلمًا الحاجب يقول: فجعنا أن تكون القيامة، فطلبت المهدي في الإيوان، فلم أجده، فإذا هو في بيت، ساجد على التراب يقول: اللهم لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم، ولا تفجع بنا نبينا، اللهم إن كنت أخذت العامة بذنبي، فهذه ناصيتي بيدك. فما أتم كلامه حتى انجلت.

قال الأصمعي: دخل على المهدي شريف، فوصله، فقال: يا أمير المؤمنين! ما أنتهي إلى غاية شكرك، إلا وجدت وراءها غاية من معروفك، فما عجز الناس عن بلوغه فالله من وراء ذلك.

وعن الربيع: أن المنصور فتح يومًا خزائنه مما قبض من خزائن مروان الحمار، فأحصى من ذلك اثني عشر ألف عِدْل خَزٍّ، فأخرج منها ثوبًا، فقال لي: فَصِّل منه جُبَّةً، ولمحمد جبة وقلنسوة. وبخل بإخراج ثوب للمهدي، فلما ولي المهدي، أمر بذلك كله، ففرق على الموالي والخدم.

وقيل: كان كثير التولية والعزل بغير كبير سبب، ويباشر الأمور بنفسه، وأطلق خلقًا من السجون، وزاد في المسجد الحرام وزخرفه.

أبو زرعة النصري: حدثنا أبي، حدثنا أبو خُلَيد، قال: قال مالك: قال لي المهدي: يا أبا عبد الله! لك دار? قلت: لا. فأمر لي بثلاثة آلاف دينار.

وقيل: إنه وصل عبد العزيز بن الماجشون بعشرة آلاف دينار.

ونقل ابن الأنباري بإسناد: أن المهدي أعطى رجلًا مرة مائة ألف دينار. وجوائزه كثيرة من هذا النمط. وأجاز مرةً مروان بن أبي حفصة بسبعين ألفًا. وليس هذا الإسراف بما يحمد عليه الإمام.

وكان مستهترًا بمولاته الخيزران، وكان غارقًا كنحوه من الملوك في بحر اللذات، واللهو والصيد، ولكنه خائف من الله، معاد لأولي الضلالة، حَنِقَ عليهم.

تملك عشر سنين وشهرًا ونصفًا، وعاش ثلاثًا وأربعين سنة، ومات بماسَبَذَان، في المحرم، سنة تسع وستين ومائة، وبويع ابنه الهادي.

ص: 79

‌1149 - النضر بن عربي

(1)

: " د، ت"

الإمام، العالم، المحدث، الثقة، أبو روح -وقيل: أبو عمر- الباهلي مولاهم، الجَزَري، الحَرَّاني.

رأى أبا الطفيل عامر بن واثلة. وروى عن: مجاهد، القاسم بن محمد، وعكرمة، وعطاء، وسالم بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، وميمون بن مهران، ونافع مولى ابن عمر، وعلي بن نفيل، وعدة. وينزل إلى أن يروي عن: عبيد الله بن عمرو الرَّقي، وهو أصغر منه، وليس هو بالمكثر، طال عمره.

وحدث عنه: عبدة بن سليمان، ووكيع، وسفيان بن سعيد الثوري -ومات قبله- وأبو أسامة، والمطلب بن زياد، ويحيى بن صالح الوحاظي، وعبد الغفار بن داود الحراني، وعمرو بن خالد الحراني، وبشر بن عُبَيْس بن مرحوم العطار، وسعيد بن حفص النُّفيلي، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، والحسن بن سوَّار، وخلق آخرهم: أبو جعفر عبد الله بن محمد النُّفَيلي.

قال خليفة: النضر بن عربي العامري، ويقال: مولى حاتم بن النعمان الباهلي.

روى عباس، وعثمان الدارمي، وعدة، عن يحيى بن معين: ثقة.

وقال عثمان الدارمي: لا بأس به.

وقال أبو حاتم: لا بأس به أسند حديثًا واحدًا. وقال مرةً: صالح الحديث.

أظن أبا حاتم أراد أنه وهم في رواية حديث واحد، فأسنده، وصوابه موقوف.

وقال أبو زرعة: ثقة.

وقال عثمان الدارمي أيضًا: ليس بذاك.

وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال الحافظ ابن عدي: رأيت له أحاديث مستقيمة عمن يروي عنه، وأرجو أنه لا بأس به.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 483"، التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2290"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 2179"، الكاشف "3/ ترجمة 5941"، ميزان الاعتدال "4/ 261"، تهذيب التهذيب "10/ 442"، تقريب التهذيب "2/ 302"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7517".

ص: 80

وقال ابن سعد -فشذ: كان ضعيف الحديث.

قال أبو جعفر النفيلي، وغيره: مات سنة ثمانٍ وستين ومائة.

أخبرنا أبو الفضل بن عساكر: أنبأنا القاسم بن عبد الله، أنبأنا أبو الأسعد هبة الرحمن، أنبأنا عبد الحميد البحيري، وأنبأنا ابن عساكر، عن عبد الرحيم بن السمعاني، أنبأنا عبد الله بن محمد، أنبأنا محمد بن عبيد الله الصرام، قالا: حدثنا أبو نعيم، حدثنا أبو عوانة، حدثنا محمد بن كثير الحراني، حدثنا عبد الله بن مُعَيْد الحرَّاني، حدثنا النضر بن عربي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:"لما وضع النبي صلى الله عليه وسلم في لحده، وضع فيما بينه وبين اللحد قطيفة كانت له، بيضاء بعلبكية"

(1)

. حسن، غريب. وابن مُعَيْد: محله الصدق، بالضم، بوزن عبيد، هكذا وجدته.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "967"، والنسائي "4/ 81" من طريق شعبة، عن أبي جمرة عن ابن عباس قال: جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء.

ص: 81

‌1150 - صالح بن راشد

(1)

:

أبو عبد الله نصر بن مستور.

سمع الحسن، ومالك بن دينار، وعاصم بن رَزين.

حدث عنه: حَرَمِي بن عُمارة، ومسلم بن إبراهيم، وموسى التَّبُوذَكي، وغيرهم.

ذكره البخاري في "تاريخه"، وسكت عن حاله.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2804"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1758"، تاريخ الإسلام "6/ 202"، ميزان الاعتدال "2/ 294".

ص: 81

‌1151 - شيبان

(1)

: " ع"

ابن عبد الرحمن النحوي، الإمام، الحافظ، الثقة، أبو معاوية التميمي مولاهم، النحوي، البصري المؤدب، نزيل الكوفة، ثم بغداد.

روى عن: الحسن البصري -وذلك في مسلم- وعن: يحيى بن أبي كثير، وزياد بن عِلاقة، وقتادة، وأشعث بن أبي الشعثاء، وسماك بن حرب، ومنصور، وعاصم بن بهدلة، وهلال الوَزَّان، وثابت، وعبد الملك بن عمير، وخلق.

وعنه: أبو حنيفة -وهو من أقرانه- وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو داود، وعبيد الله بن موسى، ومعاوية بن هشام، ويحيى بن أبي بُكَير، وآدم بن أبي إياس، وأسد بن موسى، وسعد بن حفص الضخم، وأبو نعيم، ومحمد بن سابق، وعلي بن الجعد، وخلق كثير.

قال أحمد بن حنبل: ما أقرب حديثه. وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: كان هشام الدستوائي أكبر عندك من شيبان? قال: هشام أرفع، هشام حافظ، وشيبان صاحب كتاب. قيل: فحرب بن شداد? قال: لا بأس به، وشيبان أرفع هؤلاء عندي، شيبان صاحب كتاب صحيح، قد روى شيبان عن الناس، فحديثه صالح.

وقال صالح بن أحمد، عن أبيه: شيبان ثبت في كل المشايخ.

قال أبو القاسم البغوي: شيبان أثبت في حديث يحيى بن أبي كثير من الأوزاعي.

وقال عباس، عن يحيى: شيبان أحب إليَّ من معمر في قتادة.

وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: شيبان ما حاله في الأعمش? فقال: ثقة في كل شيء.

وقال يعقوب بن شيبة: شيبان صاحب حروف وقراءات، مشهور بذلك، كان يحيى بن معين يوثقه.

وقال أبو حاتم: حسن الحديث، صالح الحديث، يكتب حديثه.

وقال ابن سعد، وأحمد العجلي، والنسائي: ثقة.

وقال ابن خِراش: صدوق.

وقال أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري: شيبان النحوي نسب إلى بطن يقال لهم: بنو نحو، وهم بنو نحو بن شمس -بضم الشين؛ بطن من الأزد. وذكر: ابن أبي رواد، وأبو الحسين بن المنادي: أن المنسوب إلى القبيلة يزيد بن أبي سعيد النحوي، لا شيبان النحوي، وهو أشبه، لأنه تميمي، لا أزدي.

وقد وقع لي من عواليه حديث، سقته في أخبار شعبة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 377"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2709"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 318 و 440" و"2/ 160 و 451 و 544"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1561"، تاريخ بغداد "9/ 271"، الكاشف "2/ ترجمة 2338"، تذكرة الحفاظ "2/ ترجمة 204"، العبر "1/ 243"، ميزان الاعتدال "2/ 285"، تهذيب التهذيب "4/ 373"، تقريب التهذيب "1/ 356"، شذرات الذهب "1/ 259"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2985".

ص: 82

وأجاز لنا جماعة سمعوا ابن طَبْرَزَد: أنبأنا ابن الحصين، أنبأنا ابن غَيلان، حدثنا أبو بكر الشافعي، حدثنا أحمد بن محمد البرتي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، قال:"انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي بالصلاة جامعة، فركع ركعتين بسجدة، ثم قام، فركع ركعتين بسجدة، ثم جلس حتى جُلِيَ عن الشمس، فقالت: عائشة ما سجد سجودًا قط، ولا ركع ركوعًا قط أطول منه"

(1)

.

قلت: قول أبي حاتم فيه: لا يحتج به، ليس بجيد.

قال ابن سعد، وغيره: مات شيبان في خلافة المهدي، سنة أربع وستين ومائة. وكذا قال يعقوب السدوسي، ومُطَيَّن.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "1051" من طريق أبي نعيم، به. وأخرجه مسلم "910" من طريق يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، به.

ص: 83

‌1152 - عيسى بن علي

(1)

:

ابن تَرْجُمان القرآن: عبد الله بن العباس الهاشمي، الأمير، عم المنصور، وإليه ينسب نهر عيسى

(2)

، وقصر عيسى

(3)

.

يروي عن: أبيه، وأخيه.

وعنه: ولداه؛ إسحاق وداود، وهارون الرشيد، وشيبان النحوي.

وكان يرجع إلى علم ودين وتقوى، خدم أباه، ولم يل شيئًا تورعًا، وكان فيه بعض الانقطاع.

قال ابن معين: كان له مذهب جميل، ويعتزل السلطان، وليس به بأس.

قلت: هو صاحب حديث: "يُمْنُ الخيل في شُقْرِها"

(4)

. قال الترمذي: غريب.

قال الخطبي: توفي سنة ثلاث وستين ومائة. وقيل: سنة ستين.

(1)

ترجمته في تاريخ الإسلام "6/ 264"، العبر "1/ 242"، تهذيب التهذيب "8/ 221".

(2)

نهر عيسى: كورة، وقرى كثيرة، وعمل واسع في غربي بغداد، يعرف بهذا الاسم، ومأخذه من الفرات عند قنطرة دِممَّا

هو نهر على متنزهات وبساتين كثيرة. قاله ياقوت في "معجم البلدان".

(3)

قصر عيسى: هو أول قصر بناه الهاشميون في أيام المنصور ببغداد، وكان على شاطئ نهر الرُّفَيل، عند مصبه في دجله -وهو اليوم "أي زمن ياقوت"- في وسط العمارة من الجانب الغربي، وليس للقصر أثر الآن -"أي زمن ياقوت"- إنما هناك محلة كبيرة ذات سوق تسمى: قصر عيسى. قاله ياقوت في "معجم البلدان".

(4)

حسن: أخرجه أبو داود "2545"، والترمذي "1695" من طريق شيبان يعني ابن عبد الرحمن، حدثنا عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث شيبان.

قلت: رجال إسناده ثقات خلا عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس، فإنه صدوق، فالإسناد به حسن.

ص: 83

‌1153 - صخر بن جويرية

(1)

: " خ، م، د، س، ت"

الإمام، الثقة، المحدث، أبو نافع التميمي مولاهم. وقيل: مولى بني هلال البصري، شيخ، معمر، صدوق.

حدث عن: أبي رجاء العُطَاردي، وعائشة بنت سعد، ونافع مولى ابن عمر.

روى عنه: أيوب السختياني -وهو من شيوخه- وعبد الرحمن بن مهدي، وروح بن عُبَادة، وعفان بن مسلم، وعلي بن الجعد، وآخرون.

قال أحمد بن حنبل: ثقة، ثقة.

وقال ابن معين: صالح.

وروى أحمد بن زهير، عن ابن معين، قال: إنما يتكلم فيه؛ لأنه يقال: إنه سقط كتابه.

قلت: احتج به أرباب الصحاح، وتوفي سنة بضع وستين ومائة.

كتب إليَّ ابن البخاري: أنبأنا أبو حفص المعلم، أنبأنا عبد الوهاب، أنبأنا ابن هزارمرد، أنبأنا ابن حَبابة، أنبأنا البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أخبرني صخر بن جويرية، سمعت أبا رجاء، قال: حدثنا ابن عباس، قال: قال محمد صلى الله عليه وسلم: "اطلعت -يعني: في الجنة- فرأيت أكثر أهلها الفقراء والمساكين، واطلعت إلى -أو: في- النار، فرأيت أكثر أهلها النساء"

(2)

.

وبه: حدثنا البغوي، حدثناه شيبان، حدثنا أبو الأشهب، حدثنا أبو رجاء مثل حديث صخر. ورواه غير واحد، عن أيوب، عن أبي رجاء، وقال عبد الوارث، عن أيوب، عنه، عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 275"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2951"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 637"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1880"، الكاشف "2/ ترجمة 2397"، ميزان الاعتدال "2/ 308"، تهذيب التهذيب "4/ 410"، تقريب التهذيب "1/ 365"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 3072".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "2737" من طريق زهير بن حرب، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن أبي رجاء العطاردي، عن ابن عباس، به.

وأخرجه البخاري "3241" و"5198" و"6449" و"6546" من طريق أبي رجاء عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

ص: 84

‌1154 - موسى بن عُلَيّ بن رباح

(1)

: " م، (4) "

الإمام، الحافظ، الثقة، الأمير الكبير العادل، نائب الديار المصرية لأبي جعفر المنصور سنوات، أبو عبد الرحمن اللخمي مولاهم، المصري.

حدث عن: أبيه كثيرًا، وعن محمد بن المنكدر، وابن شهاب، ويزيد ابن أبي حبيب، وطائفة.

وعنه: أسامة بن زيد الليثي -ومات قبله بمدة- ويحيى بن أيوب، والليث، وابن لهيعة، وعبد الحميد بن جعفر، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، وسعيد بن سالم القَدَّاح، وسفيان بن حبيب البصري، ووكيع، وابن وهب، وابن المبارك، ووهب بن جرير، وابن مهدي، وأبو نعيم، وأبو عبد الرحمن المقرئ، وعبد الله بن صالح الكاتب، ورَوْح بن صلاح بن سيابة الموصلي، ثم المصري، وزيد بن الحباب، ومحمد بن سنان العوقي، وطلق بن السمح، وبكر بن يونس بن بُكَير، وخلق، آخرهم موتًا: القاسم بن هانئ بن نافع العدوي الضرير.

وما ظفر الخطيب في "السابق واللاحق"، بغير سعد بن يزيد الفَرَّاء، شيخ للحسن بن سفيان، توفي مع الثلاثين ومائتين.

وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والعجلي، والنسائي. وقال أبو حاتم الرازي: كان رجلا صالحًا، يتقن حديثه، لا يزيد ولا يَنقص، صالح الحديث، كان من ثقات المصريين.

وقال أبو سعيد بن يونس: ولد بإفريقية، سنة تسعين، ومات بالإسكندرية، سنة ثلاث وستين ومائة. وكذا قال في موته يحيى بن بكير، وخليفة، وأبو عبيد، وطائفة.

وقال ابن حبان: ولد سنة تسع وثمانين. وقيل: كانت مدة إمرته على إقليم مصر ستة أعوام وشهرين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 515"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1235"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 151 و 323 و 463"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 691"، العبر "1/ 242"، الكاشف "3/ ترجمة 5819"، تهذيب التهذيب "10/ 363"، تقريب التهذيب "2/ 286"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7295"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 258".

ص: 85

‌1155 - وأما أبوه عُلَيّ بن رباح

(1)

: " م، (4) "

ابن قَصِير بن قَشِيب ابن يثيع، الثقة، العالم، واسمه: علي، وإنما صغر. فقال أبو عبد الرحمن المقرئ: كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي، قتلوه، فبلغ ذلك رباحًا، فقال: هو عَلَيّ.

قلت: عُلَيّ بن رباح ولد في صدر خلافة عثمان، فلعله غُيِّر وهو شاب، له وفادة على معاوية، وكان من أشراف العرب.

قد روى عن: عمرو بن العاص -فكان آخر من حدث عنه فيما علمت- وأبي هريرة، وعقبة بن عامر، وأبي قتادة الأنصاري، وفَضَالة بن عُبيد، وعدة من الصحابة.

وطال عمره، وأكثر عنه: ولده؛ موسى بن عُلَي. وروى عنه أيضًا: يزيد بن أبي حبيب، وحُمَيد بن هانئ، ومعروف بن سويد، وآخرون. وكان أحد الثقات. وقد روى عنه: ولده أنه قال: كنت خلف مؤدبي، فسمعته يبكي، فقلت: مالك? قال: قتل أمير المؤمنين عثمان، وكنت بالشام.

وأما أبو سعيد بن يونس: فذكر أن مولده عام اليرموك. قال: وذهبت عينه يوم ذات الصواري

(2)

في البحر، مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح، سنة أربع وثلاثين. قال: وكانت له منزلة من عبد العزيز بن مروان، وهو الذي زف أم البنين بنته إلى ابن عمها الوليد، ثم إن عبد العزيز تَغَيَّر عليه وأبعده، فأغزاه إفريقية، فلم يزل بها حتى مات.

يقال: مات سنة أربع عشرة ومائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 512"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 323 و 463 و 481" و"2/ 49"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1020"، الإكمال لابن ماكولا "6/ 251"، الأنساب للسمعاني "10/ 152"، تاريخ الإسلام "4/ 282"، العبر "1/ 193" والكاشف "2/ ترجمة 3972"، جامع التحصيل للعلائي "ترجمة 541"، تهذيب التهذيب "7/ 318"، تقريب التهذيب "2/ 36"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4982"، شذرات الذهب "1/ 149".

(2)

موقعة ذات الصواري: انتصر فيها المسلمون بقيادة ابن أبي السرح على الروم وكانت بين أسطول الفريقين في البحر.

ص: 86

‌1156 - سلام بن مِسْكين

(1)

: " خ، م"

ابن ربيعة، الإمام، الثقة، أبو رَوْح الأزدي، النَّمَري، البصري. قال أبو داود: إنما سلام لقبه، واسمه: سُليمان.

روى عن: الحسن، ويزيد بن عبد الله بن الشِّخِّير، وعَقيل بن طلحة، وقتادة، وثابت البناني، وبشر بن حرب، وشُعيب بن الحبحاب، وعدة. وليس بالمكثر، وله في "الصحيحين" حديث عن ثابت.

حدث عنه: ابن مهدي، والأصمعي، وأبو نعيم، وموسى بن داود الضبي، ومسلم بن إبراهيم، وموسى بن إسماعيل، وأبو الوليد الطيالسي، وهدبة بن خالد، وشيبان، وآدم بن أبي إياس، وعاصم بن علي، وجمع كبير.

قال موسى بن إسماعيل: كان من أعبد أهل زمانه.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سئل أبي عن سلام بن مسكين، وسلام بن أبي مطيع

(2)

، فقال: جميعًا ثقة، إلا أن سلام بن مسكين أكثر حديثًا، وابن أبي مطيع صاحب سنة. وقال يحيى بن معين: سلام بن مسكين ثقة، صالح. وقال أبو حاتم: صالح الحديث.

قيل: مات سلام سنة أربع وستين. وقال محمد بن محبوب: مات في آخر سنة سبع وستين ومائة.

روى له الجماعة، سوى الترمذي: قال أبو داود: كان يذهب إلى القدر.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا الفتح بن عبد السلام، أنبأنا محمد بن عمر القاضي، ومحمد بن أحمد الطَّرائفي، ومحمد بن علي بن الداية، قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أنبأنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزُّهري، حدثنا جعفر الفريابي، حدثنا شيبان بن فَرُّوخ، حدثنا سلام بن مسكين، عن حبيب بن أبي فَضَالة، قال: كان بعض المهاجرين يقول: والله ما أخاف

المسلم، ولا أخاف الكافر؛ أما المسلم، فيحجزه إسلامه، وأما الكافر، فقد أذله الله، ولكن كيف لي بالمنافق?

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 283"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2228"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 475" و"2/ 53 و 125"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1117"، والكاشف "1/ ترجمة 2232"، العبر "1/ 250"، تهذيب التهذيب "2/ 286"، تقريب التهذيب "1/ 342"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2847".

(2)

تأتي ترجمته قريبا برقم ترجمة رقم "1161"، بتعليق رقم "120".

ص: 87

‌1157 - سُليمان بن المُغِيرة

(1)

: " ع"

الإمام، الحافظ، القدوة، أبو سعيد القيسي، البصري، مولى بني قيس بن ثعلبة، من بكر بن وائل.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله، أو ابن أبي عصرون، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا أبو سعد الكَنْجَرُوذي، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا شيبان، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: كنا عند عمر رضي الله عنه بالمدينة، فتراءينا الهلال، وكنت رجلا حديد البصر، فرأيته، وليس أحد يزعم أنه رآه غيري، فجعلت أقول لعمر: أما تراه? فجعل لا يراه. قال: يقول عمر: سأراه وأنا مستلقٍ على فراشي

(2)

، وذكر الحديث.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 280"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 1887"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 345 و 490 و 503" و"2/ 33 و 43 و 82 و 90" و"3/ 100" والجرح والتعديل "4/ ترجمة 626"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 206"، الكاشف "1/ ترجمة 2150"، العبر "1/ 245 و 301"، تهذيب التهذيب "4/ 220"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2745"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 260".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "2873" من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: فذكره. وتمامه .. قال فجعلتُ أقولُ لعمر: أما تراهُ؟ فجعل لا يراهُ قال يقول عمر: سأراهُ وأنا مستلقٍ على فراشي. ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول: "هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله". قال: فقال عمر: فوالذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليهم فقال: "يا فلان ابن فلان! ويا فلان ابن فلان! هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا". قال عمر: يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ قال: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا عليَّ شيئا".

قوله: "هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله": هذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم الظاهرة. وقوله: "ما أنت بأسمع لما أقول منهم": قال المازري: قال بعض الناس: الميت يسمع، عملا بظاهر هذا الحديث. ثم أنكره المازري وادعى أن هذا خاص في هؤلاء. ورد عليه القاضي عياض وقال: يحتمل سماعهم على ما يحتمل عليه سماع الموتى في أحاديث عذاب القبر وفتنته التي لا مدفع لها. وذلك بإحيائهم أو إحياء جزء منهم يعقلون به ويسمعون في الوقت الذي يريد الله -تعالى. هذا كلام القاضي، وهو الظاهر المختار الذي تقتضيه أحاديث السلام على القبور.

ص: 88

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا أبو القاسم بن الحرستاني حضورًا، أنبأنا أبو الحسن بن مسلم، أنبأنا ابن طلاب، أنبأنا ابن جميع، حدثني محمد بن عبد الرحيم بن سعيد الدَّينَوَري ببغداد، حدثنا عبد الله بن سنان بن مالك السعدي، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه، وقد اجتمع أصحابه، فما تسقط من شعرة إلا بيد رجل

(1)

.

ويقع في "الجعديات" من عواليه.

حدث عن: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وحُميد بن هلال، وثابت بن أسلم، والجُرَيري، وأبي موسى الهلالي، ووالده المغيرة. لم يزد شيخنا المِزِّي على هؤلاء.

روى عنه: الثوري، وأبو أسامة، وبهز بن أسد، وأبو داود، وأبو عامر العَقَدي، وابن مهدي، وعبد الصمد التنوري، وأسد بن موسى، وحبان بن هلال، وعبد السلام بن مُطَهَّر، وعمرو بن عاصم، وعلي بن عبد الحميد المعني، وموسى بن إسماعيل التَّبُوذَكي، ويحيى بن آدم، ومسلم بن إبراهيم، وشيبان بن فَرُّوخ، وخلق.

روى موسى بن إسماعيل، عن سليمان بن المغيرة: قال أيوب السَّختياني: ليس أحد أحفظ لحديث حُميد بن هلال من سليمان بن المغيرة.

وقال وُهَيب: كان يقول لنا أيوب: خذوا عن سليمان بن المغيرة. وكنا نأتيه في ناحية، وأبوه قاعد في ناحية.

وقال قُراد أبو نوح: سمعت شعبة يقول: سليمان بن المغيرة سيد أهل البصرة.

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا سليمان بن المغيرة، وكان خيارًا من الرجال.

قال يعلى بن منصور الفقيه: سألت ابن عُلَيَّة عن حفاظ أهل البصرة، فذكر سليمان بن المغيرة.

قال خالد بن نزار: سمعت سليمان بن المغيرة يقول: قدم علينا البصرة سفيان الثوري، فأرسل إليَّ، فقال: بلغني عنك أحاديث، وأنا على ما ترى من الحال، فأتني إن خف عليك. فأتيته، فسمع مني.

قال الخُرَيْبِي: ما رأيت بالبصرة أفضل من: سليمان بن المغيرة، ومرحوم بن عبد العزيز.

وروى أبو طالب، عن أحمد بن حنبل، قال: هو ثبت، ثبت.

وروى الكَوْسَج عن يحيى بن معين، قال: ثقة، ثقة.

وقال ابن المديني: لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة، ثم سليمان بن المغيرة، ثم حماد بن زيد.

وقال محمد بن سعد: كان سليمان بن المغيرة ثقةً، ثبتًا.

قال أبو داود الطيالسي، قال: كنا عند شعبة، فجاء سليمان بن المغيرة يبكي، قال: مات حماري، وذهبت مني الجمعة، وذهبت حوائجي. فقال شعبة: بكم أخذته? قال: بثلاثة دنانير.

قال شعبة: فعندي ثلاثة دنانير، والله ما أملك غيرها، ثم دفعها إليه.

وقال محمد بن محبوب: مات سليمان بن المغيرة سنة خمس وستين ومائة.

(1)

صحيح: وأخرجه مسلم "2325" حدثنا محمد بن رافع، حدثنا أبو النضر، حدثنا سليمان، عن ثابت، عن أنس، به.

ص: 89

‌1158 - وَرْقَاء بن عمر

(1)

: " ع"

ابن كُليب، الإمام، الثقة، الحافظ، العابد، أبو بشر -اليَشْكُري- ويقال: الشيباني -الكوفي، نزيل المدائن. يقال: أصله مَرْوَزي وقيل: خوارزمي.

حدث عن: محمد بن المنكدر، وعمرو بن دينار، وأبي طُوالة، وأبي الزبير، وعبد الله بن دينار، وعبيد الله بن أبي يزيد، وزيد بن أسلم، وسماك بن حرب، ومنصور بن المعتمر، وعبد الله بن أبي نَجيح، وعاصم بن أبي النجود، وعبد الأعلى بن عامر، وسمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي إسحاق السبيعي، وأبي الزناد، وعطاء بن السائب، وخلق. وينزل إلى أن يروي عن: شعبة.

وعنه: شعبة -وهو أكبر منه، وروايته عنه في "صحيح مسلم"- وابن المبارك، ويحيى بن أبي زائدة، وابن نُمَيْر، ويزيد، ووكيع، وأبو داود، ويحيى بن آدم، وأبو النضر، ومحمد بن يوسف الفِريابي، وقبيصة، وأبو نعيم، وشبابة، والمقرئ، ومحمد بن سابق، وعلي بن قادم، وعلي بن الجعد، وخلق.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3648"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 160"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 216"، وتاريخ بغداد "13/ 484"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 215"، الكاشف "3/ ترجمة 6154"، ميزان الاعتدال "4/ 332"، العبر "1/ 237"، تهذيب التهذيب "11/ 113"، تقريب التهذيب "2/ 330"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 251".

ص: 90

قال أبو داود: قال لي شعبة: عليك بورقاء، فإنك لا تلقى بعده مثله حتى ترجع! فقيل لأبي داود: ما يعني بقوله? أفضل وأورع وخير منه.

وروى أبو داود، عن أحمد، قال: ورقاء: ثقة، صاحب سنة. قيل: وكان مرجئًا? قال: لا أدري. وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: ورقاء من أهل خراسان، يصحف في غير حرف. وكان أبو عبد الله ضعفه في التفسير. وروى: حرب الكرماني، عن أحمد، توثيقه في تفسير ابن أبي نَجيح، وقال: هو أوثق من شبل. وقال: إلا أن ورقاء -يقولون- لم يسمع التفسير كله من ابن أبي نَجيح، يقولون: بعضه عرض.

وقال يحيى القطان: قال معاذ: قال ورقاء: كتاب التفسير، قرأت نصفه على ابن أبي نجيح، وقرأ علي نصفه. وقال ابن أبي نجيح: هذا تفسير مجاهد.

وقال يحيى بن معين: تفسير ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، أحب إليَّ من تفسير قتادة. قال: وتفسير ابن جريج، عن مجاهد مرسل، لم يسمع منه إلا حرفًا.

وروى ابن أبي مريم، عن يحيى بن معين: ورقاء ثقة.

وروى الكَوْسَج، عن يحيى: صالح.

وروى المُفَضَّل بن غسان، عن يحيى، قال: شيبان وورقاء ثقتان.

وقال يحيى القطان: منصور من رواية ورقاء عنه لا يساوي شيئًا.

وقال سليمان بن إسحاق الجَلاب: قال لي إبراهيم الحربي: لما قرأ وكيع التفسير، قال: خذوه، فليس فيه عن الكلبي، ولا عن ورقاء شيء.

وقال شبابة: قال لي شعبة: اكتب أحاديث ورقاء، عن أبي الزناد.

وقال أبو داود في "مسائله": ورقاء صاحب سنة، إلا أن فيه إرجاء، وشبل قدري.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زُرْعة: ورقاء أحبُّ إليك، أو شعيب بن أبي حمزة? قال: ورقاء.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث.

قال يحيى بن أبي طالب: أنبأنا أبو المنذر إسماعيل بن عمر، قال: دخلنا على ورقاء بن عمر، وهو في الموت، فجعل يهلل، ويكبر، ويذكر الله، وقال لابنه: يا بني! اكفني رد السلام على هؤلاء، لا يشغلوني عن ربي عز وجل.

لم يؤرخه شيخنا.

ص: 91

‌1159 - داود الطائي

(1)

: " س"

الإمام، الفقيه، القدوة، الزاهد، أبو سليمان داود بن نصير الطائي، الكوفي، أحد الأولياء.

ولد: بعد المائة بسنوات.

وروى عن: عبد الملك بن عُمير، وحُميد الطويل، وهشام بن عروة، وسليمان الأعمش، وجماعة.

حدث عنه: ابن عُليَّة، وزافر بن سليمان، ومصعب بن المقدام، وإسحاق بن منصور السلولي، وأبو نعيم، وآخرون.

وكان من كبار أئمة الفقه والرأي، برع في العلم بأبي حنيفة، ثم أقبل على شأنه، ولزم الصمت، وآثر الخمول، وفر بدينه.

سأله رجل عن حديث، فقال: دعني أبادر خروج نفسي.

وكان الثوري يعظمه، ويقول: أبصر داود أمره.

قال ابن المبارك: هل الأمر إلا ما كان عليه داود.

وقيل: إنه غَرَّق كتبه.

وسأله زائدة عن تفسير آية، فقال: يا فلان، انقطع الجواب.

قال ابن عيينة: كان داود ممن علم وفقه، ونفذ في الكلام، فحذف إنسانًا، فقال أبو حنيفة: يا أبا سليمان! طال لسانك ويدك. فاختلف بعد ذلك سنة، لا يسأل ولا يجيب.

قلت: حَرَّب

(2)

نفسه ودربها، حتى قَوِيَ على العُزْلة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 367"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 819"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 1939"، والحلية لأبي نعيم "7/ ترجمة 393"، تاريخ بغداد "8/ 347"، الأنساب للسمعاني "8/ 306"، وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 225"، العبر "1/ 238"، الكاشف "1/ ترجمة 1478"، ميزان الاعتدال "2/ 21"، تهذيب التهذيب "3/ 203"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1947"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 256".

(2)

حرَّب نفسه: أي أطعمها. وحَرَّبه إذا أطعمه الحرب، وهو الطَّلْع.

ص: 92

قال أبو أسامة: جئت انا وابن عيينة إليه، فقال: قد جئتماني مرةً، فلا تعودا. وقيل: كان إذا سلم من الفريضة أسرع إلى منزله.

قال له رجل: أوصني. قال: اتق الله، وبر والديك، ويحك! صم الدنيا، واجعل فطرك الموت، واجتنب الناس غير تارك لجماعتهم.

وعنه قال: كفى باليقين زهدًا، وكفى بالعلم عبادة، وكفى بالعبادة شغلا.

قال أبو نعيم: رأيت داود الطائي، وكان من أفصح الناس وأعلمهم بالعربية، يلبس قَلَنْسُوة طويلة سوداء.

وعن حفص الجعفي، قال: ورث داود الطائي من أمه أربع مائة درهم، فمكث يتقوت بها ثلاثين عامًا، فلما نفذت، جعل ينقض سقوف الدويرة، فيبيعها.

قال عطاء بن مسلم: عاش داود عشرين سنة بثلاث مائة درهم.

وقال إسحاق السلولي: حدثتني أم سعيد، قالت: كان بيننا وبين داود الطائي جدار قصير، فكنت أسمع حنينه عامة الليل، لا يهدأ، وربما ترنم في السحر بالقرآن، فأرى أن جميع النعيم قد جمع في ترنمه، وكان لا يسرج عليه.

قال أبو داود الحَفَري: قال لي داود الطائي: كنت تأتينا إذ كنا، ثم ما أحب أن تأتيني.

قال أبو داود الطيالسي: حضرت داود، فما رأيت أشد نزعًا منه.

وقال حسن بن بشر: حضرت جنازة داود الطائي، فحمل على سريرين أو ثلاثة، تكسَّر من الزحام.

قيل: إن داود صحب حبيبًا العجمي، وليس يصح، ولا علمنا داود سار إلى البصرة، ولا قدم حبيب الكوفة. ومناقب داود كثيرة، كان رأسًا في العلم والعمل، ولم يسمع بمثل جنازته، حتى قيل: بات الناس ثلاث ليال مخافة أن يفوتهم شهوده.

مات سنة اثنتين وستين ومائة.

وقيل: سنة خمس وستين. وقد سقت من حديثه وأخباره في: "تاريخ الإسلام"، ولم يخلف بالكوفة أحدًا مثله.

ص: 93

‌1160 - سليمان بن بلال

(1)

: " ع"

الإمام، المفتي، الحافظ، أبو محمد القرشي التيمي مولاهم، المدني. وقيل: كنيته أبو أيوب، مولى عبد الرحمن بن أبي عتيق، محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. ويقال: مولى القاسم بن محمد. مولده: في حدود سنة مائة.

وحدث عن: عبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم، وربيعة الرأي، وسهيل بن أبي صالح، وأبي طُوالة، وهشام بن عروة، وثور بن زيد، وأبي حازم الأعرج، والعلاء بن عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد، وأخيه سعد بن سعيد، وعُمارة بن غزية، ومعاوية بن أبي مُزَرَّد، وخثيم بن عراك، وشريك بن أبي نمر، وعبيد الله بن عمر، ويونس بن يزيد، وأبي وجزة السعدي، وعمرو بن أبي عمرو، ومحمد بن عبد الله بن أبي عتيق، وخلق سواهم، وكان من أوعية العلم.

روى عنه أيوب شيئًا يسيرًا. وروى عن: رجل، عنه، نسخة.

روى عنه: أبو بكر عبد الحميد بن أبي أويس، وخالد بن مَخْلَد، وأبو وهب، وسعيد بن عُفَير، وأبو عامر العَقَدي، ومروان بن محمد الطاطري، وموسى بن داود، ومنصور بن سلمة الخزاعي، ويحيى بن حسان، ويحيى بن صالح الوحاظي، ويحيى بن يحيى، وسعيد بن أبي مريم، والقعنبي، وعبد الله بن المبارك -مع تقدمه- ومحمد بن خالد بن عَثْمَة، ولُوين وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي، وإسحاق الفروي، وإسماعيل بن أبي أويس، وخلق غيرهم.

وثقه أحمد، وابن معين والنسائي.

قال أحمد بن حنبل: لا بأس به، ثقة.

وقال يحيى بن معين: هو أحب إليَّ من الدراوردي.

وقال محمد سعد: كان بربريًا، جميلا، حسن الهيئة، عاقلا، وكان يفتي بالمدينة، وولي خراجها، وكان ثقة، كثير الحديث.

قال محمد بن يحيى الذُّهْلي: ابن أبي عتيق يقال له: محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 420"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 1763"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 415 و 428" و"3/ 4 و 29"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 460"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 220"، الكاشف "1/ ترجمة 2093"، العبر "1/ 261"، تهذيب التهذيب "4/ 304"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2673"، شذرات الذهب "1/ 280".

ص: 94

الرحمن بن أبي بكر، لم يرو عنه -فيما علمت- غير سليمان بن بلال. قال لي أيوب بن سليمان: ما علمت أحدًا روى عنه بالمدينة غير أبي.

قال الذُّهْلي: لولا أن سليمان قام بحديثه، لذهب حديثه، ولا أعلمه كتب عن سليمان حديث ابن أبي عتيق هذا، سوى عبد الحميد بن أبي أويس الأعشى، وما ظننت أن عند سليمان بن بلال من الحديث ما عنده، حتى نظرت في كتاب ابن أبي أويس، فإذا هو قد تبحر حديث المدنيين، وإذا هو قد روى عن: يحيى بن سعيد الأنصاري قطعيًا من حديث الزهري، وعن يونس الأيلي.

قال أبو زرعة الرازي: سليمان بن بلال أحب إليَّ من هشام بن سعد.

وقال أبو حاتم: سليمان متقارب.

قال ابن سعد: توفي بالمدينة، سنة اثنتين وسبعين ومائة. وروى البخاري، عن هارون بن محمد: أنه توفي سنة سبع وسبعين. والأول أصح، ولو تأخر، للقيه قُتيبة، وطائفة.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن غالية، قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد، أنبأنا علي بن البُسْري، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا يحيى بن سليمان بن نَضْلة، حدثنا سليمان بن بلال، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا بنصف الليل، أو الثلث الآخر، فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له? ومن ذا الذي يسألني فأعطيه? ومن ذا الذي يستغفرني فأغفر له? حتى يطلع الفجر، أو ينصرف القارئ من صلاة الصبح"

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه مالك "1/ 214"، وأحمد "2/ 487"، والبخاري "1145" و"6321" و"7494"، ومسلم "758"، وأبو داود "1315"، وابن خزيمة في "التوحيد" ص"127"، وابن أبي عاصم في "السنة""492"، والبيهقي في "السنن""3/ 2"، وفي "الأسماء والصفات""ص 449" عن ابن شهاب، عن أبي عبد الله الأغر، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، به.

وأخرجه أحمد "2/ 282 و 419"، ومسلم "758""169"، والترمذي "446"، وابن خزيمة في "التوحيد""ص 130" من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، به. وأخرجه مسلم "758""171"، وابن خزيمة في "التوحيد""ص 131" من طريق سعد بن سعيد" عن سعيد بن مرجانة، عن أبي هريرة، به. وأخرجه أحمد "2/ 433"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" "483" من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة، به.

ص: 95

‌1161 - سلام بن أبي مطيع

(1)

: " خ، م، ت، س"

الإمام، الثقة، القدوة، أبو سعيد الخزاعي مولاهم، البصري.

عن: قتادة وشعيب بن الحبحاب، وأيوب، وعثمان بن عبد الله بن موهب، وهشام بن عروة، وأبي عمرو الجوني، وأسماء بن عُبَيد، وعدة. وينزل إلى: معمر بن راشد، ونحوه.

وعنه: ابن المبارك، وابن مهدي، وسعيد بن عامر الضُّبَعي، ويونس بن محمد، وأبو الوليد، وسليمان بن حرب، وعلي بن الجعد، وموسى بن إسماعيل، وإبراهيم بن الحجاج السامي، ومسدد، وهدبة، وعبد الأعلى بن حماد، وخلق سواهم.

قال أحمد بن حنبل: ثقة، صاحب سنة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال أبو سلمة التَّبُوذكي: كان يقال: هو أعقل أهل البصرة.

قال أبو داود السجزي: هو القائل: لأن ألقى الله بصحيفة الحجاج، أحب إليَّ من أن ألقى الله بصحيفة عمرو بن عبيد.

وقال النسائي: ليس به بأس. وقال مرة: ثقة.

وقال ابن عدي: ليس بمستقيم الحديث عن قتادة خاصة، وله أحاديث حسان غرائب، وإفرادات، وهو يعد من خطباء أهل البصرة، ومن عقلائهم. وكان كثير الحج، ومات في طريق مكة، ولم أر أحدًا من المتقدمين نسبه الى الضعف.

قال محمد بن محبوب: مات وهو مقبل من مكة، سنة أربع وستين ومائة. وقال خليفة، وابن قانع: مات سنة ثلاث وسبعين ومائة.

قلت: هذا أصح.

وقال ابن حبان: كثير الوهم، لا يحتج به إذا انفرد.

قلت: قد احتج به الشيخان، ولا ينحط حديثه عن درجة الحسن.

قال زهير البابي: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: الجهمية كفار، لا يصلى خلفهم.

قلت: وكذا يقول أحمد بن حنبل في أقوى الروايتين عنه، وهم الذين جحدوا الصفات المقدسة، وقالوا بخلق القرآن.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2229"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 165 و 168 و 631" و"2/ 260 و 268 و 791" و"3/ 390"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1118"، المجروحين لابن حبان "1/ 341"، وحلية الأولياء "6/ ترجمة 360"، الكاشف "1/ ترجمة 2233"، العبر "1/ 264" تهذيب التهذيب "4/ 287"، تقريب التهذيب "1/ 342"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 282، 283".

ص: 96

‌1162 - الخليل

(1)

:

الإمام، صاحب العربية، ومنشئ علم العروض، أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد الفراهيدي، البصري، أحد الأعلام.

حدث عن: أيوب السَّختياني، وعاصم الأحول، والعوام بن حوشب، وغالب القطان.

أخذ عنه سيبويه النحو، والنضر بن شُمَيل، وهارون بن موسى النحوي، ووهب بن جرير، والأصمعي، وآخرون.

وكان رأسًا في لسان العرب، دَينًا، ورعًا، قانعًا، متواضعًا، كبير الشأن. يقال: إنه دعا الله أن يرزقه علمًا لا يسبق إليه، ففتح له بالعروض، وله كتاب "العين" في اللغة.

وثقه ابن حبان. وقيل: كان متقشفًا، متعبدًا. قال النضر: أقام الخليل في خص له بالبصرة، لا يقدر على فلسين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال، وكان كثيرًا ما ينشد:

وإذا افتقرتَ إلى الذخائرِ لم تجد

ذخرًا يكون كصالح الأعمالِ

وكان رحمه الله مفرط الذكاء. ولد: سنة مائة. ومات: سنة بضع وستين ومائة. وقيل: بقي إلى سنة سبعين ومائة.

وكان هو ويونس إمامي أهل البصرة في العربية، ومات ولم يتمم كتاب "العين"، ولا هذبه، ولكن العلماء يغرفون من بحره.

قال ابن خلكان: الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الأزدي، قيل: كان يعرف علم الإيقاع والنغم، ففتح له ذلك علم العروض. وقيل: مر بالصَّفارين، فأخذه من وقع مطرقة على طست.

وهو معدود في الزهاد، كان يقول: إني لأغلق عليَّ بابي، فما يجاوزه همي.

وقال: أكمل ما يكون الإنسان عقلا وذهنًا عند الأربعين.

وعنه قال: لا يعرف الرجل خطأ معلمه حتى يجالس غيره.

قال أيوب بن المتوكل: كان الخليل إذا أفاد إنسانًا شيئًا، لم يره بأنه أفاده، وإن استفاد من أحد شيئًا، أراه بأنه استفاد منه.

قلت: صار طوائف في زماننا بالعكس.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "3/ ترجمة 681"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 38 و 551"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 1734"، الإكمال لابن ماكولا "3/ 173"، وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 220"، العبر "1/ 268"، تهذيب التهذيب "3/ 163"، بغية الوعاة للسيوطي "1/ 557 - 560"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1870"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 275".

ص: 97

‌1163 - أبان

(1)

: " خ، م، د، س"

ابن يزيد العَطَّار، الحافظ، الإمام، أبو يزيد البصري، من كبار علماء الحديث.

روى عن: الحسن البصري، وأبي عِمران الجَوني، وعمرو بن دينار، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، وبُدَيل بن ميسرة.

حدث عنه: أبو داود، ومسلم بن إبراهيم، وحَبَّان بن هلال، وسهل بن بكَّار، وعفان بن مسلم، وموسى بن إسماعيل التَّبُوذكي، وشيبان بن فَرُّوخ، وهُدْبة بن خالد، وخلق كثير.

قال أحمد بن حنبل: كان ثبتًا في كل مشايخه.

وقال يحيى بن معين، وأحمد العِجلي، والنسائي: كان ثقة. زاد العجلي: يرى القدر.

وقال أحمد بن زهير: سئل يحيى بن معين عن أبان وهمام، فقال: كان يحيى القطان يروي عن أبان، وكان أحب إليه من همام، وأنا: فهمام أحب إليَّ.

وأما محمد بن يونس الكديمي، فروى عن: علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد: أنه لين أبانًا، وقال: لا أحدث عنه. فإن صح هذا، فقد كان لا يروي عنه، ثم روى عنه وتغير اجتهاده. فقد روى عباس الدُّوري، عن يحيى بن معين، قال: مات يحيى بن سعيد، وهو يروي عن أبان بن يزيد.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث.

وذكره أبو أحمد بن عدي، فقال: هو متماسك، يكتب حديثه.

قلت: الرجل ثقة، حجة، قد احتج به صاحبا "الصحيح"، ولم أقع بتاريخ موته، وهو قريب من موت رفيقه همام بن يحيى.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 284"، التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1452"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 1098"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 195"، ميزان الاعتدال "1/ 16"، الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "5/ 301"، تهذيب التهذيب "1/ 101".

ص: 98

‌1164 - نافع بن عمر

(1)

: " ع"

ابن عبد الله بن جميل بن عامر بن حذيم بن سلامان بن ربيعة بن سعد بن جُمَح، الحافظ، الإمام، الثبت، الجُمَحي، المكي.

حدث عن: ابن أبي مليكة، وأمية بن صفوان الجُمَحي، وبشر بن عاصم الثقفي، وعبد الملك بن أبي محذورة، وعمرو بن دينار، وأبي بكر بن أبي شيخ السهمي، وسعيد بن حسان، وسعيد بن أبي هند، وروايته عن سعيد في "الأدب" للبخاري، وهو أكبر شيخ له.

روى عنه: ابن المبارك، ويحيى القطان، وأبو أسامة، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع، ويزيد بن هارون، ومحمد بن بشر، وبشر بن السَّري، وسُرَيج بن النعمان، وخلاد بن يحيى، وسعيد بن أبي مريم، ومحمد بن يوسف الفريابي، وأبو سلمة التَّبُوذكي، ويونس بن محمد المؤدب، ويسرة بن صفوان، ومُحْرِز بن سَلَمة العدني، وعبد العزيز الأويسي، والقعنبي، ومحمد بن سنان العَوَقي، وداود بن عمرو الضَّبي، وخلق سواهم.

تكاثروا عليه؛ لإتقانه، وعلو سنده. قال ابن مهدي: كان من أثبت الناس. وروى أبو طالب، عن أحمد: ثقة، ثبت، صحيح الحديث. وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه، قال: نافع بن عمر أحب إليَّ من عبد الجبار بن الورد، وأصح حديثًا، وهو في الثقات ثقة. وقال ابن معين، والنسائي: ثقة. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: ثقة. قلت: يحتج به? قال: نعم.

وروى ابن سعد، عن شهاب بن عباد، قال: مات بمكة، سنة تسع وستين ومائة، وكان ثقة، قليل الحديث، في شيء. وقال ابن حبان: أمه أم ولد، مات بفخ، سنة تسع.

قرأت على أبي الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد، عن أبي رَوْح الهَرَوي، أنبأنا تميم

الجرجاني، أنبأنا أبو سعيد الكَنْجَرُوذي، أنبأنا محمد بن أحمد، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا داود بن عمرو الضبي، حدثنا نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة، قال: قالت عائشة: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وجمع الله بين ريقي وريقه، دخل أبو بكر بسواك، فضعف عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأخذته، ثم مضغته، ثم سننته به". أخرجه: البخاري

(2)

، عن ابن أبي مريم، عن نافع فوقع لنا بدلا عاليًا.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 494"، التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2279"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 539" و"2/ 734"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 2088"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 216"، الكاشف "3/ ترجمة 5887"، العبر "1/ 257"، ميزان الاعتدال "4/ 241"، تهذيب التهذيب "10/ 409"، تقريب التهذيب "2/ 296"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7462"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 270".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "3100".

والسحر: الرئة، أي أنه مات صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلى صدرها وحذو سحرها.

ص: 99

‌1165 - عيسى بن موسى

(1)

:

ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ولي العهد أبو موسى الهاشمي.

عاش خمسًا وستين سنة، وكان فارس بني العباس، وسيفهم المسلول، جعله السفاح ولي عهد المؤمنين بعد المنصور، وهو الذي انتدب لحرب ابني عبد الله بن حسن، فظفر بهما، وقتلا، وتوطدت الدولة العباسية به. وقد تحيل عليه المنصور بكل ممكن، حتى أخره، وقدم في العهد عليه المهدي، فيقال: بذل له بعد الرغبة والرهبة عشرة آلاف ألف درهم.

توفي سنة ثمان وستين ومائة، بالكوفة. وله: أولاد، وأموال، وحشمة، وشأن.

(1)

ترجمته في العبر "1/ 253"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 266".

ص: 100

‌1166 - أبو مَعْشَر

(1)

: " (4) "

الإمام، المحدث، صاحب "المغازي" نَجيح بن عبد الرحمن السِّنْدي، ثم المدني، مولى بني هاشم، كان مكاتبًا لامرأة مخزومية، فأدى، فعُتِقَ، فاشترت بنت المنصور ولاءه، وهذا لا يجوز. وقيل: بل اشترته وأعتقته. ويقال: أصله حميري. رأى: أبا أمامة بن سهل بن حنيف، المتوفى سنة مائة.

وحدث عن: محمد بن كعب، وسعيد المَقْبُري، ونافع العمري، وموسى بن يسار، وابن

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 418"، التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2397" و"9/ ترجمة 985"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 2263"، المجروحين لابن حبان "3/ 60"، تاريخ الخطيب "13/ 427"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 221"، الكاشف "3/ ترجمة 5904"، العبر "1/ 258"، ميزان الاعتدال "4/ 246"، تهذيب التهذيب "10/ 419"، تقريب التهذيب "2/ 298"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7593"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 278".

ص: 100

المنكدر، وأبي وهب مولى أبي هريرة، ومحمد بن قيس القاص، ومحمد بن عمرو، وهشام بن عروة، وعدة. وقيل: إنه روى عن سعيد بن المسيب، وفيه بعد، لعله سعيد المقبري، على أن ذلك في "جامع الترمذي".

حدث عنه: ابنه؛ محمد بن أبي معشر "بالمغازي" له، فكان خاتمة من روى عنه، والليث بن سعد، وهُشَيم، وسفيان الثوري -مع تقدمه- ووكيع، ويزيد، ومحمد بن سواء، وعبد الرحمن بن مهدي، وأنس بن عياض الليثي، وأبو النضر، وهوذة، وعبد الرزاق، ومحمد بن بكار بن الريان، وعاصم بن علي، وسعيد بن منصور، وأبو نعيم، وأبو الوليد، وأبو الربيع الزهراني، وإسحاق بن الطَّبَّاع، ومحمد بن جعفر الوَرْكَاني، وجُبارة بن المغلس، ومنصور بن أبي مُزَاحم، وخلق كثير.

قال هُشيم: ما رأيت مدنيًا أكيس من أبي معشر.

وروى أبو زُرْعة النصري، عن أبي نعيم، قال: كان أبو معشر كَيِّسًا، حافظًا.

وقال يزيد بن هارون: ثبت حديث أبي معشر، وذهب حديث أبي جزء نصر.

وقال يزيد: سمعت أبا جزء بن طَريف يقول: أبو معشر أكذب من في السماء والأرض. قلت في نفسي: هذا علمك بالأرض، فكيف علمك بالسماء? فوضع الله أبا جزء، ورفع أبا معشر.

وقال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن أبي معشر، ويضعفه، ويضحك إذا ذكره، وكان عبد الرحمن يحدث عنه.

وقال عُبيد الله بن فَضَالة: سمعت ابن مهدي يقول: أبو معشر، تعرف وتنكر. وقال أحمد: حديثه عندي مضطرب، لا يقيم الإسناد، ولكن أكتب حديثه، أعتبر به.

وروى أحمد بن أبي يحيى، عن أحمد بن حنبل، قال: يكتب من حديث أبي معشر أحاديثه عن محمد بن كعب في التفسير.

وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عنه، فقال: صدوق، لكنه لا يقيم الإسناد. فسألت ابن معين عنه، فقال: ليس بقوي.

وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كان أحمد بن حنبل يرضاه، ويقول: كان بصيرًا بالمغازي.

ص: 101

وقال أبو حاتم: كنت أهاب أحاديثه، حتى رأيت أحمد بن حنبل يحدث عن رجل، عنه، أحاديث، فتوسعت بعد في كتابة حديثه، وحدثني أبو نعيم عنه بحديث رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عنه. ثم قال أبو حاتم: هو صالح، لين الحديث.

وروى أحمد بن أبي مريم، عن ابن معين، قال: هو ضعيف، يكتب من حديثه الرقاق، كان رجلًا أميًّا، يُتقى أن يروي من حديثه المسند.

وروى أحمد بن زهير عن يحيى، قال: أبو معشر ريح، أبو معشر ليس بشيء.

وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال أبو داود، والنسائي: ضعيف.

وقال الترمذي: قد تكلم بعض أهل العلم في أبي معشر من قبل حفظه. قال محمد: لا أروي عنه شيئًا. وقال أبو زرعة: صدوق في الحديث، ليس بالقوي.

وروى محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن ابن المديني: شيخ، ضعيف، ضعيف، وكان يحدث عن محمد بن قيس، ويحدث عن محمد بن كعب بأحاديث صالحة، وكان يحدث عن نافع والمقبري بأحاديث منكرة.

وقال الفلاس: ضعيف، فما روى عن: محمد بن قيس، ومحمد بن كعب، ومشايخه، فهو صالح، وما روى عن: المقبري، ونافع، وهشام بن عروة، وابن المُنْكَدر، رديئة لا تكتب.

وروى أحمد بن أبي خيثمة، عن محمد بن بكَّار بن الريان، قال: كان أبو معشر تغير قبل موته تغيرًا شديدًا، حتى كان يخرج منه الريح ولا يشعر بها.

يحيى بن بُكَير: عن أبي معشر، عن سعيد المَقْبُري، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أعرفن أحدكم متكئًا، يأتيه الحديث من حديثي، فيقول: اتلُ عليَّ قرآنًا، ما أتاكم من خير عني قلته أو لم أقله، فأنا أقوله، وما أتاكم من شر، فإني لا أقول الشر".

هذا منكر بمرة. وله شاهد، رواه: يحيى بن آدم، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري.

قال ابن عدي: حدث عنه: الثوري، والليث، ومع ضعفه يكتب حديثه.

قال أبو مُسْهِر: كان أبو معشر أسود. وروى داود بن محمد بن أبي معشر، حدثني أبي أن أباه كان أصله من اليمن، سبي في وقعة يزيد بن المهلب باليمامة والبحرين، وكان أبيض.

ص: 102

وقال الحسين بن محمد بن أبي معشر: حدثني أبي، قال: كان اسم أبي معشر قبل أن يسرق: عبد الرحمن بن الوليد بن هلال، وبيع بالمدينة، فاشتراه قوم من بني أسد، فسموه نجيحًا، فاشتُريَ لأم موسى بن المهدي، فأعتقته، فصار ميراثه لبني هاشم، وعقله على حمير. قال: وكان أبو معشر يذكر أنه من ولد حنظلة بن مالك، وأخبرني أبي أنه كان ينتسب حتى يبلغ آدم، وقال لي: ولاؤنا في بني هاشم أحب إليَّ من نسبي في بني حنظلة.

الفضل بن هارون البغدادي: سمعت محمد بن أبي معشر يقول: كان أبي سنديًا، أخرم، خياطًا. قال: وكيف حفظ المغازي? قال: كان التابعون يجلسون إلى أستاذه، فكانوا يتذاكرون المغازي، فحفظ.

وروى داود بن محمد بن أبي معشر، عن أبيه، قال: أشخص المهدي أبا معشر معه من المدينة إلى العراق، وأمر له بألف دينار، وذلك سنة ستين ومائة، وقال: تكون بحضرتنا، فتفقه من حولنا.

وقال محمد بن سعد: كان مكاتبًا لامرأة من بني مخزوم، فأدى، وعتق، فاشترت أم موسى بنت منصور ولاءه.

مات ببغداد، سنة سبعين ومائة. وقال داود بن محمد: عن أبيه: توفي أبو معشر سنة سبعين، وكان أزرق، سمينًا، أبيض. وأرخه فيها: محمد بن بكَّار، في رمضانها.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى التميمي، حدثنا بشر بن الوليد، حدثنا أبو معشر المدني، عن سعيد المَقْبُري، وموسى بن سعد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج". قالوا: وما الهرج يا رسول الله? قال: "القتل"، ثلاث مرات

(1)

.

(1)

صحيح: وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي معشر نجيح، لكن الحديث صحيح أخرجه البخاري "7061"، ومسلم "157""11" من طريق يونس، عن ابن شهاب، حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

وأخرجه مسلم "4/ ص 2215" حديث "157""8" من طريق يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.

ص: 103

‌1167 - روح بن حاتم

(1)

:

ابن قَبيصة بن المُهَلَّب بن أبي صفرة المهلبي، الأمير، أبو حاتم، أحد الأجواد، والأبطال ولي ولايات جليلة للسفاح، والمنصور، وغيرهما.

ولي السند، ثم البصرة، وكان أخوه يزيد بن حاتم أمير المغرب، فمات، فبعث الرشيد روحًا على المغرب، فقدمها سنة إحدى وسبعين، فوليها ثلاث سنين.

ومات في رمضان، سنة أربع، فدفن مع أخيه بالقيروان.

(1)

ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 125 و 155"، وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 239"، العبر "1/ 266"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 284".

ص: 104

‌1168 - الهادي

(1)

:

الخليفة، أبو محمد موسى بن المهدي، محمد بن المنصور عبد الله الهاشمي، العباسي. ولي عهد أبيه، فلما مات أبوه، تسلم الخلافة، وكان بجُرْجان، فأخذ له البيعة أخوه الرشيد. وكان أبيض، طويلًا، جسيمًا، في شفته تَقَلُّص، فوكل به في الصبا خادمًا، كان كلما رآه يقلص شفته، قال: موسى، أطبق. فيفيق، ويضم شفته.

وعمل فيه مروان بن أبي حفصة

(2)

قصيدة، منها:

تشابه يوما بأسه ونواله

فما أحد يدري لأيهما الفضل

فأمر له بمائة ألف وثلاثين ألفًا.

وقيل: إنه قال لإبراهيم الموصلي: إن أطربتني، فاحتكم. فأطربه، فأعطاه سبعمائة ألف درهم.

وكان يشرب المسكر، وفيه ظلم، وشهامة، ولعب، وربما ركب حمارًا فارهًا، وكان شجاعًا، فصيحًا، لَسِنًا، أديبًا، مهيبًا، عظيم السطوة.

(1)

ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "2/ 255"، تاريخ بغداد "13/ 21"، العبر "1/ 257"، شذرات الذهب "1/ 266".

(2)

هو: مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة يزيد، شاعر في العصر الأموي، نشأ في اليمامة، وأدرك زمنا من العهد العباسي، فقدم بغداد ومدح عددا من أعيانها. ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني "10/ 71 - 95"، تاريخ بغداد "13/ 142".

ص: 104

قال ابن حزم: كان سبب موته أنه دفع نديمًا له من جُرْف، على أصول قصب قد قطع، فتعلق به النديم، فوقع معه، فدخلت قصبة في دبره، فكان ذلك سبب موته، فهلكا جميعًا.

قلت: مات في شهر ربيع الآخر، سنة سبعين ومائة، وعمره ثلاث وعشرون سنة، وكانت خلافته سنة وشهرًا، وقام بعده الرشيد. وكان المهدي قد عزم على تقديم الرشيد في ولاية العهد، وأن يؤخر الهادي، فلما نفذ إلى الهادي، فامتنع، فطلبه، فلم يأت، فهم المهدي بالمضي إلى جرجان إليه، فساق خلف صيد، ففر إلى خربة وتبعه المهدي، فدق ظهره بباب الخربة، فانقطع. وقيل: بل سم، سقته سرية سمًا عملته لضرتها، فمد يده إلى الطعام المسموم، ففزعت ولم تخبره، وكان لبئًا، فصاح: جوفي. وتلف بعد يوم، وبعثوا بالخاتم والقضيب إلى الهادي، فركب لوقته، وقصد بغداد.

وكان كوالده في استئصال الزنادقة، وتتبعهم، فقتل عدة، منهم: يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، وظهرت بنته حبلى منه أكرهها.

وخرج على الهادي حسين بن علي بن حسن بن حسين الحسني بالمدينة، المقتول في وقعة فخ، بظاهر مكة، وكان قليل الخير، وعسكره أوباش، وهلك الهادي -فيما قيل- من قرحة. ويقال: سمته أمه الخيزران، لما أجمع على قتل أخيه الرشيد، وكانت متصرفةً في الأمور إلى الغاية، وكانت من مولدات المدينة، فقال لها: لئن وقف ببابك أمير لأقتلنك، أما لك مغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك، أو سبحة، فقامت لا تعقل غضبًا.

ويقال: خلف سبعة بنين، وكان مولده بالري.

ص: 105

‌1169 - حمَّاد بن سَلَمة

(1)

: " خ، م، (4) "

ابن دينار، الإمام، القدوة، شيخ الإسلام، أبو سلمة البصري، النحوي، البزاز، الخِرَقِي، البطائني، مولى آل ربيعة بن مالك، وابن أخت حُميد الطويل.

سمع: ابن أبي مليكة -وهو أكبر شيخ له- وأنس بن سيرين، ومحمد بن زياد القرشي، وأبا جمرة نصر بن عمران الضبعي، وثابت البناني، وعمار بن أبي عمار، وعبد الله بن كثير الداري المقرئ، وأبا عمران الجوني، وأبا غالب حَزَوَّر صاحب أبي أمامة، وقتادة بن دعامة، وسماك بن حرب، وحميدًا خاله، وحماد بن أبي سليمان الفقيه، وسعيد بن جُمْهان، وأبا العُشَراء الدارمي، ويعلى بن عطاء، وسُهيل بن أبي صالح، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وإياس بن معاوية، وبشر بن حرب النَّدَبي، وعلي بن زيد، وخالد بن ذَكْوان، وشعيب بن الحبحاب، وعاصم بن العجَّاج الجَحْدَري، وأيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وعمرو بن دينار، وأبا الزبير المكي، ومحمد بن واسع، ومطر بن طهمان الورَّاق، ويزيد الرُّقاشي، وأبا التَّيَّاح الضُّبَعي يزيد، وعطاء بن عجلان، وعطاء بن السائب، وأممًا سواهم.

حدث عنه: ابن جريج، وابن المبارك، ويحيى القطان، وحَرَمي بن عمارة، وابن مهدي، وأبو نعيم، وعفان، والقعنبي، وموسى بن إسماعيل، وشيبان بن فَرُّوخ، وهدبة بن خالد، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وعبد الواحد بن غياث، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وعبيد الله بن عائشة التيمي، وأبو كامل مُظفَّر بن مُدْرِك الحافظ، والحسن الأشيب، ويحيى بن إسحاق السَّيْلَحيني، والأسود بن عامر، والهيثم بن جميل، وأسد السنة، وسعيد بن سليمان، وخلق كثير. وآخر من زعم أنه سمع منه: أحمد بن أبي سليمان القواريري المتروك المتهم الذي لقيه محمد بن مَخْلَد العطار في سنة سبعين ومائتين.

وقد روى الحروف عن: عاصم، وابن كثير.

أخذ عنه الحروف حَرَمي بن عمارة، وأبو سلمة التَّبُوذكي.

قال شعبة: كان حماد بن سلمة يفيدني عن عمَّار بن أبي عمَّار. وقال وهيب بن خالد: حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا.

قال أحمد بن حنبل: هو أعلم من غيره بحديث علي بن زيد بن جدعان. قال علي بن المديني: كان عند يحيى بن ضريس الرازي، عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حديث.

قلت: يعني بالمقاطيع والآثار.

قال أحمد: أعلم الناس بثابت البناني حماد بن سلمة، وهو أثبهم في حميد الطويل.

وروى إسحاق الكوسج، عن ابن معين، قال: حماد بن سلمة ثقة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 282"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 89"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 193"، الكنى للدولابي "1/ 191"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 623" حلية الأولياء "6/ 249"، الأنساب للسمعاني "5/ 102"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 197"، العبر "1/ 248"، الكاشف "1/ ترجمة 1229"، ميزان الاعتدال "1/ 590"، تهذيب التهذيب "3/ 11"، بغية الوعاة للسيوطي "1/ 548"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1602"، شذرات الذهب "1/ 262".

ص: 106

وقال علي بن المديني: هو عندي حجة في رجال، وهو أعلم الناس بثابت البناني، وعمار بن أبي عمار، ومن تكلم في حماد، فاتهموه في الدين.

قلت: كان بحرًا من بحور العلم، وله أوهام في سعة ما روى، وهو صدوق حجة -إن شاء الله- وليس هو في الإتقان كحماد بن زيد، وتحايد البخاري إخراج حديثه، إلا حديثًا خرجه في الرقاق، فقال: قال لي أبو الوليد: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أبي. ولم ينحط حديثه عن رتبة الحسن ومسلم روى له في الأصول، عن ثابت، وحميد، لكونه خبيرًا بهما.

قال عمرو بن عاصم: كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفًا.

جعفر الطيالسي: سمعت عفان يقول: كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفًا.

وقال حجاج بن منهال: حدثنا حماد بن سلمة، وكان من أئمة الدين.

قال أبو عبد الله الحاكم: قد قيل في سوء حفظ حماد بن سلمة، وجمعه بين جماعة في الإسناد بلفظ واحد، ولم يخرج له مسلم في الأصول، إلا من حديثه عن ثابت، وله في كتابه أحاديث في الشواهد عن غير ثابت.

قال عبد الله بن معاوية الجُمَحي: حدثنا الحمادان، وفَضْلُ بن سلمة على ابن زيد، كفضل الدينار على الدرهم -يعني: الذي اسم جده دينار، أفضل من حماد بن زيد الذي اسم جده درهم. وهذا محمول على جلالته ودينه، وأما الإتقان، فمسلَّم إلى ابن زيد، هو نظير مالك في التثبت.

قال شهاب بن مُعَمَّر البَلْخي: كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال.

قلت: وكان مع إمامته في الحديث إمامًا كبيرًا في العربية، فقيهًا، فصيحًا، رأسًا في السنة، صاحب تصانيف.

قال عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا، ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا.

قلت: كانت أوقاته معمورة بالتعبد والأوراد.

وقال عفان: قد رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة، لكن ما رأيت أشد مواظبة على الخير، وقراءة القرآن، والعمل لله -تعالى- منه.

وقال عباس، عن ابن معين: حديثه في أول أمره وآخره واحد.

ص: 107

وروى أحمد بن زهير، عن يحيى، قال: إذا رأيت إنسانًا يقع في عكرمة وحماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام.

وقال ابن المديني، وغيره: لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة.

قال موسى بن إسماعيل التَّبُوذكي: لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكًا، لصدقت، كان مشغولا، إما أن يحدث، أو يقرأ، أو يسبح، أو يصلي، قد قسم النهار على ذلك.

قال أحمد بن زهير: سمعت ابن معين يقول: أثبت الناس في ثابت: حماد بن سلمة.

وقال محمد بن مُطَهَّر: سألت أحمد بن حنبل، فقال: حماد بن سلمة عندنا من الثقات، ما نزداد فيه كل يوم إلا بصيرة.

قال أحمد بن عبد الله العجلي: حدثني أبي، قال: كان حماد بن سلمة لا يحدث حتى يقرأ مائة آية، نظرًا في المصحف.

قال يونس بن محمد المؤدِّب: مات حماد بن سلمة في الصلاة في المسجد.

قال سوَّار بن عبد الله: حدثنا أبي، قال: كنت آتي حماد بن سلمة في سوقه، فإذا ربح في ثوب حبةً أو حبتين، شد جَوْنَتَه، ولم يبع شيئًا، فكنت أظن ذلك يقوته.

قال التَّبُوذكي: سمعت حماد بن سلمة يقول: إن دعاك الأمير لتقرأ عليه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، فلا تأته.

قال إسحاق بن الطباع: سمعت حماد بن سلمة يقول: من طلب الحديث لغير الله -تعالى- مكربه.

وقال حماد: ما كان من نيتي أن أحدث حتى قال لي أيوب السختياني في النوم: حدث.

حاتم بن الليث: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن زيد، قال: ما كنا نأتي أحدًا نتعلم شيئًا بنية في ذلك الزمان، إلا حماد بن سلمة.

قال أبو الشيخ: حدثنا الحسن بن محمد التاجر، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: عاد حماد بن سلمة سفيان الثوري، فقال سفيان: يا أبا سلمة! أترى الله يغفر لمثلي? فقال حماد: والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي، وبين محاسبة أبوي، لاخترت محاسبة الله، وذلك لأن الله أرحم بي من أبوي.

ص: 108

المُفَضَّل الغَلابي: حدثنا قريش بن أنس، عن حماد بن سلمة، قال: ما كان من شأني أن أروي أبدًا حتى رأيت أيوب في النوم، فقال لي: حدث، فإن الناس يقبلون.

قال إسحاق بن الجراح: حدثنا محمد بن الحجاج، قال: كان رجل يسمع معنا عند حماد بن سلمة، فركب إلى الصين، فلما رجع أهدى إلى حماد هدية. فقال له حماد: إن قبلتها لم أحدثك بحديث، وإن لم أقبلها حدثتك. قال: لا تقبلها، وحدثني.

قال ابن حبان: حماد بن سلمة الخزاز، كنية أبي حماد: أبو صخرة، مولى حميد بن كراته. ويقال: مولى قريش. وقيل: هو حميري من العباد المجابي الدعوة في الأوقات، لم ينصف من جانب حديثه، واحتج بأبي بكر بن عياش، وبابن أخي الزهري، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، فإن كان تركه إياه لما كان يخطئ، فغيره من أقرانه مثل الثوري، وشعبة، ودونهما كانوا يخطئون، فإن زعم أن خطأه قد كثر من تغير حفظه، فكذلك أبو بكر، ولم يكن مثل حماد بالبصرة، ولم يكن يثلبه إلا معتزلي أو جهمي، لما كان يظهر من السنن الصحيحة، وأنى يبلغ أبو بكر بن عياش مبلغ حماد بن سلمة في إتقانه، أم في جمعه، أم في علمه، أم في ضبطه.

قال حماد بن زيد: ما كنا نرى من يتعلم بنية غير حماد بن سلمة، وما نرى اليوم من يعلم بنية غيره.

قال مسلم بن إبراهيم: سمعت حماد بن سلمة يقول: كنت أسأل حماد بن أبي سليمان عن أحاديث مسندة، والناس يسألونه عن رأيه، فكنت إذا جئته، قال: لا جاء الله بك.

قال أبو سلمة المنقري: سمعت حماد بن سلمة يقول: إن الرجل ليثقُل حتى يَخِفُّ.

وقال عفان بن مسلم: حدثنا حماد بن سلمة، قال: قدمت مكة -وعطاء بن أبي رباح حي- في شهر رمضان، فقلت: إذا أفطرت، دخلت عليه، فمات في رمضان.

قال شيخ الإسلام في "الفاروق"

(1)

له: قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام، فإنه كان شديدًا على المبتدعة. قال يونس: من حماد بن سلمة تعلمت العربية. وليحيى اليزيدي مرثية يقول فيها:

(1)

الفاروق: هو عبد الله بن محمد بن علي بن جعفر أبو إسماعيل الأنصاري الهروي صاحب كتاب "الفاروق" في الصفات"، وكتاب ذم الكلام وأهله، وكتاب "منازل السائرين"، وأشياء المتوفى سنة "481"هـ. ترجم له الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ "3/ 1183 - 1191".

ص: 109

يا طالب النحو ألا فابكه

بعد أبي عمرو وحماد

ونقل بعضهم أن حماد بن سلمة تزوج سبعين امرأةً، ولم يولد له ولد.

قال البخاري: حدثنا آدم، قال: شهدت حماد بن سلمة، ودعوه -يعني: الدولة- فقال: أحمل لحية حمراء إلى هؤلاء? والله لا فعلت.

وروي أن حماد بن سلمة كان مجاب الدعوة.

قال أبو داود: لم يكن لحماد بن سلمة كتاب، سوى كتاب قيس بن سعد.

وروى عبد العزيز بن المغيرة، عن حماد بن سلمة: أنه حدثهم بحديث نزول الرب عز وجل فقال: من رأيتموه ينكر هذا، فاتهموه.

قال علي بن المديني: قال يحيى: قال شعبة: كان حماد بن سلمة يفيدني عن محمد بن زياد -يعني: القرشي، صاحب أبي هريرة- فقلت ليحيى: كان حماد يفيده? قال: فيما أعلم. ثم قال يحيى بن سعيد: حماد بن سلمة، عن زياد الأعلم، وقيس بن سعد ليس بذاك، إن كان ما حدث به عن قيس بن سعد حقًّا، فلم يكن قيس بشيء، ولكن حديث حماد عن ثابت، وهذا الضرب -يعني: أنه ثبت فيها.

وقال ابن سعد: أخبرني أبو عبد الله التميمي، قال: أخبرني أبو خالد الرازي، عن حماد بن سلمة، قال: أخذ إياس بن معاوية بيدي وأنا غلام، فقال: لا تموت حتى تقص، أما إني قد قلت هذا لخالك -يعني: حميد الطويل- فما مات حماد حتى قص. قال أبو خالد: قلت لحماد: أنت قصصت? قال: نعم.

قلت: القاص هو الواعظ.

قال علي بن عبد الله: قلت ليحيى: حملت على حماد بن سلمة إملاءً? قال: نعم، إملاء كلها، إلا شيئًا كنت أسأله عنه في السوق، فأتحفظ. قلت ليحيى: كان يقول: حدثني، وحدثنا? قال: نعم، كان يجيء بها عفوًا، حدثني وحدثنا.

قال البيهقي في "الخلافيات": مما جاء في كتاب "الإمام" لشيخنا، بعد إيراد حديث:"ألا إن العبد نام"، لحماد بن سلمة، قال: فأما حماد، فإنه أحد أئمة المسلمين.

قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت من يغمزه، فاتهمه فإنه كان شديدًا على أهل البدع، إلا أنه لما طعن في السن، ساء حفظه، فلذلك لم يحتج به البخاري، وأما مسلم، فاجتهد فيه وأخرج من حديثه عن ثابت، مما سمع منه قبل تغيره، وما عن غير ثابت، فأخرج نحو اثني

ص: 110

عشر حديثًا في الشواهد، دون الاحتجاج، فالاحتياط أن لا يحتج به فيما يخالف الثقات، وهذا الحديث من جملتها.

قال أبو القاسم البغوي: حدثني محمد بن مُطَهَّر، قال: سألت أحمد بن حنبل، فقال: حماد بن سلمة عندنا من الثقات، ما نزداد فيه كل يوم إلا بصيرة.

قال أبو سلمة التبوذكي: مات حماد بن سلمة، وقد أتى عليه ست وسبعون سنة.

قلت: فعلى هذا يكون مولده في حياة أنس بن مالك.

وقال أبو الحسن المدائني: مات حماد بن سلمة يوم الثلاثاء، في ذي الحجة، سنة سبع وستين ومائة، وصلى عليه: إسحاق بن سليمان.

قلت: كذا أرخ وفاته في هذا العام غير واحد. وبعضهم قال: مات بعد عيد النحر.

وقال شباب العصفري في "تاريخه": حماد بن سلمة، مولى بن نبي ربيعة ابن زيد مناة بن تميم، يكنى: أبا سلمة، مات في ذي الحجة، سنة سبع. وأما عبيد الله بن محمد العيشي، فقال: مات في ذي الحجة، سنة ست، وهذا وهم.

ومات مع حماد في سنة سبع أئمة كبار من العلماء، منهم: أبو حمزة محمد بن ميمون السكري محدث مرو، والحسن بن صالح بن حي الهمداني الفقيه الكوفي، والربيع بن مسلم البصري، وسلام بن مسكين البصري، والقاسم بن الفضل الحداني البصري، والسري بن يحيى البصري -بخلف- وسويد بن إبراهيم الحناط البصري، وأبو بكر الهذلي البصري -سلمي- وأبو عَقيل يحيى بن المتوكل البصري، وأبو هلال محمد بن سليم الراسبي البصري، وداود بن أبي الفرات البصري، وأبو الرَّبيع أشعث السمان البصري، وعبد العزيز بن مسلم القسملي البصري، وجماعة سواهم بالبصرة. فكانت سنة فناء العلماء بالبصرة.

وفيها مات شيخ دمشق سعيد بن عبد العزيز التنوخي الفقيه، وشيخ الإسكندرية عبد الرحمن بن شريح، ومحدث الكوفة محمد بن طلحة بن مُصَرِّف، وأمير الكوفة عيسى بن موسى العباسي، وبشار بن برد، شاعر وقته.

وقد وقع لي من أعلى رواياته بضعة عشر حديثًا، أفردتها قديمًا في سنة بضع وتسعين وست مائة.

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بمصر، أنبأنا المبارك بن أبي الجود ببغداد، أنبأنا أحمد بن غالب العابد، أنبأنا عبد العزيز بن علي، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي حدثنا

ص: 111

عبد الله البغوي، حدثنا عبد الأعلى بن حماد النَّرْسي، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن رجلا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد? قال: أردت أخًا لي في قرية كذا وكذا. قال: هل له عليك من نعمة تربها? قال: لا إلا أني أحبه في الله. قال: إني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه". أخرجه مسلم

(1)

عن عبد الأعلى، فوافقناه بعلو. وهو من أحاديث الصفات التي تمر كما جاءت. وشاهده في القرآن وفي الحديث كثير، قال الله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]. وقال: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125].

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران بنابلس ويوسف بن أحمد الحجار بدمشق قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر سنة ثماني عشرة وست مائة أنبأنا سعيد بن أحمد، أنبأنا علي بن أحمد البسري أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6]. قال: "يقومون حتى يبلغ الرشح أطراف آذانهم"

(2)

. رواه مسلم عن التمار.

أخبرنا أحمد بن إسحاق: أنبأنا الفتح بن عبد السلام، أنبأنا هبة الله بن الحسين، أنبأنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى بن علي، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، وعبد الأعلى بن حماد، وأبو نصر التمار، وكامل بن طلحة، وعبيد الله العيشي، قالوا: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، عن أبيه، قال: قلت يا رسول الله! أما تكون الذكاة إلا من اللبة والحلق? فقال: "لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك"

(3)

.

قال ابن حبان في كتاب "الضعفاء": سمعت محمد بن إبراهيم بن أبي شيخ الملطي يقول: جاء يحيى بن معين إلى عفان ليسمع منه كتب حماد بن سلمة، فقال: أما سمعتها من أحد? قال: نعم، حدثني سبعة عشر نفسًا عن حماد. قال: والله لا حدثتك. فقال: إنما هو درهم، وانحدر إلى البصرة، فأسمع من التبوذكي. قال: شأنك. فانحدر إلى البصرة، وجاء إلى

التبوذكي، فقال له: أما سمعتها من أحد? قال: سمعتها على الوجه من سبعة عشر، وأنت الثامن عشر. قال: وما تصنع بهذا? قال: إن حماد بن سلمة كان يخطئ، فأردت أن أميز خطأه من خطأ غيره، فإذا رأيت أصحابه اجتمعوا على شيء، علمت أن الخطأ منه.

قلت: هذه حكاية منقطعة.

وقال محدث: رأيت أبا سعيد الحداد يكتب أصناف حماد بن سلمة فذكر حكاية.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "2567".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "2862".

(3)

ضعيف: فيه أبو العشراء، ضعيف قال البخاري: في حديثه واسمه، وسماعه من أبيه نظر. وقال الذهبي في "الميزان": قلت: ولا يُدْرى من هو ولا من أبوه.

ص: 112

‌1170 - حماد بن زيد

(1)

: " ع"

ابن درهم العلامة الحافظ، الثبت محدث الوقت، أبو إسماعيل الأزدي، مولى آل جرير بن حازم البصري، الأزرق، الضرير، أحد الأعلام. أصله من سِجستان سبي جده درهم منها.

سمع من: أنس بن سيرين، وعمرو بن دينار، وأبي عمران الجوني، ومحمد بن زياد القرشي الجمحي، وأبي جمرة الضبعي، وثابت البناني، وبديل بن ميسرة، وأيوب السختياني، وعبد العزيز بن صهيب، وبشر بن حرب، وسلم بن قيس العلوي، وشعيب بن الحبحاب، وعاصم بن أبي النجود، وعامر بن الواحد الأحول، وعباس بن فروخ الجريري، وعبيد الله بن أبي يزيد المكي، وكثير بن زياد الأزدي، ومحمد بن واسع، ومطر الوراق، وهارون بن رئاب، وواصل مولى أبي عيينة بن المهلب، وأبي التياح الضبعي، ويزيد الرشك

(2)

، وإسحاق بن سويد، وجميل بن مرة، وحاجب بن المهلب بن أبي صفرة، والزبير بن الخريت، والزبير بن عربي، والصقعب بن زهير، وكثير من شنظير، ومنصور بن المعتمر، وبرد بن سنان، وداود بن أبي هند، ويونس بن عبيد، وأبي حازم الأعرج، وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس، وخلق كثير.

روى عنه: إبراهيم بن أبي عبلة، وسفيان، وشعبة، وهم من شيوخه، وعبد الوارث بن

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 286"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 100"، الكنى للدولابي "1/ 96"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 617"، الحلية لأبي نعيم "6/ ترجمة 373"، الأنساب للسمعاني "1/ 199"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 213"، العبر "1/ 274"، الكاشف "1/ ترجمة 1228"، جامع التحصيل للحافظ العلائي "ترجمة 143"، تهذيب التهذيب "3/ 9"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1601"، شذرات الذهب "1/ 292".

(2)

يزيد الرشك: هو يزيد بن أبي يزيد الصنبعي البصري. والرشك بالفارسية: هو الكبير اللحية، لقب بذلك لكبر لحيته، وهو ثقة عابد، وثقه أبو زرعة، وأبو حاتم. وقال ابن معين والنسائي: ليس به بأس.

ص: 113

سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن المبارك، وأبو النعمان عارم، ومسدد، وسليمان بن حرب، وعبيد الله القواريري، ومحمد بن عبيد بن حساب، وعلي بن المديني، وهو أكبر شيخ عنده، وزكريا بن عدي، ومحمد بن عيسى بن الطباع، وقتيبة بن سعيد، وسهل بن عثمان العسكري، وإبراهيم بن يوسف البلخي الفقيه، وداود بن عمرو الضبي، وسنيد بن داود المصيصي، وسليمان بن أيوب صاحب البصري، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وأبو الربيع الزهراني، ومحمد بن موسى الحرشي، ومحمد بن زنبور، ومحمد بن النضر المروزي، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأحمد بن عبدة، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وأبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي، والهيثم بن سهل -خاتمة من روى- عنه وأمم سواهم. قد استوعب كثيرًا، منهم: شيخنا أبو الحجاج في "تهذيبه".

قال عبد الرحمن بن مهدي: أئمة الناس في زمانهم أربعة: سفيان الثوري بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام، وحماد بن زيد بالبصرة.

وقال يحيى بن معين: ليس أحد أثبت من حماد بن زيد. وقال يحيى بن يحيى النيسابوري: ما رأيت شيخًا أحفظ من حماد بن زيد.

وقال أحمد بن حنبل: حماد بن زيد من أئمة المسلمين، من أهل الدين، هو أحب إلي من حماد بن سلمة.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: لم أر أحدًا قط أعلم بالسنة، ولا بالحديث الذي يدخل في السنة من حماد بن زيد.

وروى عن سفيان الثوري، قال: رجل البصرة بعد شعبة ذاك الأزرق -يعني: حمادًا.

قال وكيع بن الجراح: ما كنا نشبه حماد بن زيد إلا بمسعر.

قال سليمان بن حرب: لم يكن لحماد بن زيد كتاب، إلا كتاب يحيى بن سعيد الأنصاري.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي: حماد بن زيد ثقة، وحديثه أربعة آلاف حديث، كان يحفظها، ولم يكن له كتاب.

وقال عبد الرحمن بن خراش الحافظ: لم يخطئ حماد بن زيد في حديث قط، وفيه يقول ابن المبارك:

أيها الطالب علما

إيت حماد بن زيد

تقتبس حلمًا وعلما

ثم قيده بقيد

ص: 114

قال عبد الرحمن بن مهدي: ما رأيت أعلم من حماد بن زيد، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وما رأيت بالبصرة أحدًا أفقه منه -يعني: حماد بن زيد. وقال آخر: هو أجل أصحاب أيوب السختياني، وأثبتهم.

وعن حماد بن زيد قال: جالست أيوب عشرين سنة.

وقال أحمد بن سعيد الدارمي: سمعت أبا عاصم النبيل يقول: مات حماد بن زيد يوم مات، ولا أعلم له في الإسلام نظيرًا في هيئته ودله -أظنه قال: وسمته.

قلت: تأخر موته عن مالك قليلًا، ولذلك قال أبو عاصم ذلك، ولما سمع يزيد بن زريع بموت حماد بن زيد، قال: مات اليوم سيد المسلمين.

قال أبو حاتم بن حبان: كان ضريرًا، يحفظ حديثه كله.

قلت: إنما أضر بأخرة.

قال أبو بكر الخطيب: قد روى عنه: إبراهيم عن أبي عبلة، والثوري، وخلق آخرهم وفاةً: الهيثم بن سهل التُّسْتَري.

قال محمد بن مُصَفَّى: حدثنا بقية بن الوليد، قال: ما رأيت بالعراق مثل حماد بن زيد. وقد خلف بن هشام البزار: المدلس متشبع بما لم يعط.

قلت: هو داخل في قوله تعالى: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188]. قلت: والمدلس فيه شيء من الغش، وفيه عدم نصح للأمة، لا سيما إذا دلس الخبر الواهي، يوهم أنه صحيح، فهذا لا يحل بوجه، بخلاف باقي أقسام التدليس، وما أحسن قول عبد الوارث بن سعيد: التدليس ذل.

جماعة سمعوا سليمان بن حرب: سمعت حماد بن زيد يقول في قوله: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2]، قال: أرى رفع الصوت عليه بعد موته، كرفع الصوت عليه في حياته، إذا قرئ حديثه، وجب عليك أن تنصت له، كما تنصت للقرآن يعمر.

وروى سليمان بن أيوب صاحب البصري -وهو صادق: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما رأيت أحدًا أعلم من حماد بن زيد، لا سفيان ولا مالك.

وقال محمد بن عيسى بن الطباع: ما رأيت أعقل من حماد بن زيد.

ص: 115

قال محمد بن وزير الواسطي: سمعت يزيد بن هارون يقول: قلت لحماد بن زيد: هل ذكر الله أصحاب الحديث في القرآن? قال: بلى الله -تعالى- يقول: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] الآية.

قال أبو العباس بن مسروق: حدثنا أيوب العطار: سمعت بشر بن الحارث رحمه الله يقول: حدثنا حماد بن زيد، ثم قال: أستغفر الله، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء.

قال سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، قال: جاءني أبان بن أبي عياش، فقال: أحب أن تكلم شعبة أن يكف عني. فكلمته، فكف عنه أيامًا، وأتاني في الليل، فقال: إنه لا يحل الكف عن أبان، فإنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الحافظ: حدثنا أبي، حدثنا سليمان بن حرب: سمعت حماد بن زيد يقول: إنما يدورون على أن يقولوا: ليس في السماء إله -يعني: الجهمية.

وعن أبي النعمان عارم، قال: قال حماد بن زيد: القرآن كلام الله، أنزله جبريل من عند رب العالمين.

قلت: لا أعلم بين العلماء نزاعًا، في أن حماد بن زيد من أئمة السلف، ومن أتقن الحفاظ وأعدلهم، وأعدمهم غلطًا، على سعة ما روى رحمه الله. مولده: في سنة ثمان وتسعين.

قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: سمعت أبا أسامة يقول: كنت إذا رأيت حماد بن زيد، قلت: أدبه كسرى، وفقهه عمر رضي الله عنه.

قال الخليلي: سمعت عبد الله بن محمد الحافظ، سمعت أبا عبيد محمد بن محمد بن أخي هلال الرأي، سمعت هشام بن علي يقول: كانوا يقولون: كان علم حماد بن سلمة أربعة دوانيق

(1)

، وعقله دانقين، وعلم حماد بن زيد دانقين، وعقله أربعة دوانيق.

قلت: مات في سنة تسع وسبعين ومائة، وفاقًا في شهر رمضان. وقال أبو حفص الفلاس: مات في يوم الجمعة، تاسع عشر شهر رمضان. وقال عارم: مات لعشر ليال خلون من رمضان، يوم الجمعة وقال أبو داود: مات قبله مالك بشهرين وأيام.

قلت: هذا وهم بل مات قبله بستة أشهر -فرحمهما الله. فلقد كانا ركني الدين، ما خلفهما مثلهما.

(1)

الدانق: سدس الدرهم. والدرهم جزء من اثني عشر جزءا من الأوقية.

ص: 116

ومات فيها: بواسط الحافظ الحجة العابد القدوة، خالد بن عبد الله الطحان، ومحدث الكوفة أبو الأحوص سلام بن سليم، ومفتي دمشق الهقل بن زياد -صاحب الأوزاعي- ومحدث حمص عبد الله بن سالم الأشعري.

وفيها كان مصرع ملك الخوارج، الذي يضرب بشجاعته المثل: الوليد ابن طريف الشاري.

ومن عوالي حماد -وقد أفردتها: أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد بن البناء، أنبأنا علي بن أحمد، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا حماد بن زيد، عن أبي عمران الجَوني: سمعت جندب بن عبد الله -ولا أعلمه، إلا أنه قد رفعه- قال:"اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه، فقوموا عنه"

(1)

.

أخبرنا علي بن أحمد بن عبد المحسن العلوي: أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي حضورًا، أنبأنا محمد بن عبيد الله بن الزاغوني. "ح" وأنبأنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا عمر بن محمد الزاهد، أنبأنا هبة الله بن أحمد الشبلي، قالا: أنبأنا أبو نصر محمد بن محمد، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن بلال:"أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بين العمودين، تلقاء وجهه في جوف الكعبة"

(2)

. أخرجه مسلم، عن الزهراني.

وبه إلى الزهراني: حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن بلال، قال:"صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت". وقال ابن عباس: لم يصل فيه، إنما كبر في نواحيه

(3)

.

وهذا إسناد صحيح. وإنما العبرة بقول من أثبت الصلاة، فإن معه زيادة علم.

روى أبو حاتم الرازي، عن مقاتل بن محمد، سمع وكيعًا يقول: حماد بن زيد أحفظ من ابن سلمة، ما كنا نشبه حماد بن زيد إلا بمسعر.

إسحاق الكوسج عن يحيى، قال: حماد بن زيد أثبت من عبد الوارث، وابن عُلَيَّة، وعبد الوهاب الثقفي، وابن عيينة.

(1)

صحيح أخرجه البخاري "5060".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1329""389".

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "1601"، وأبو داود "2027".

ص: 117

قال أبو زرعة: سمعت أبو الوليد يقول: يرون أن حماد بن زيد دون شعبة في الحديث.

وقال عارم: سألت أم حماد بن زيد، وعمته، فقالت إحداهما: ولد زمن سليمان بن عبد الملك. وقالت الأخرى: ولد زمن عمر بن عبد العزيز. وقال خالد بن خداش: ولد سنة ثمان وتسعين.

قال محمد بن سعد: حماد بن زيد يكنى: أبا إسماعيل، وكان عثمانيًّا، وكان ثقة، ثبتًا، حجة، كثير الحديث.

فصل:

اشترك الحمادان في الرواية عن كثير من المشايخ، وروى عنهما جميعًا جماعة من المحدثين، فربما روى الرجل منهم عن حماد، لم ينسبه فلا يعرف أي الحمادين هو إلا بقرينة، فإن عري السند من القرائن -وذلك قليل- لم نقطع بأنه ابن زيد، ولا أنه ابن سلمة، بل نتردد، أو نقدره ابن سلمة، ونقول: هذا الحديث على شرط مسلم، إذ مسلم قد احتج بهما جميعًا.

فمن شيوخهما معًا: أنس بن سيرين، وأيوب والأزرق بن قيس، وإسحاق بن سويد، وبرد بن سنان، وبشر بن حرب، وبهز بن حكيم، وثابت، والجعد أبو عثمان، وحميد الطويل، وخالد الحذاء، وداود بن أبي هند، والجريري، وشعيب بن الحبحاب، وعاصم بن أبي النجود، وابن عون، وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس، وعبيد الله بن عمر، وعطاء بن السائب، وعلي بن زيد، وعمرو بن دينار، ومحمد بن زياد، ومحمد بن واسع، ومطر الوراق، وأبو جمرة الضبعي، وهشام بن عروة، وهشام بن حسان، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن عتيق، ويونس بن عبيد.

وحدث عن الحمادين: عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع، وعفان، وحجاج بن منهال، وسليمان بن حرب، وشيبان، والقعنبي، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وعبد الأعلى بن حماد، وأبو النعمان عارم، وموسى بن إسماعيل -لكن ماله عن حماد بن زيد سوى حديث واحد- ومؤمل بن إسماعيل، وهدبة، ويحيى بن حسان، ويونس بن محمد المؤدب، وغيرهم.

والحفاظ المختصون بالإكثار، وبالرواية عن حماد بن سلمة: بهز بن أسد، وحبان بن هلال، والحسن الأشيب، وعمر بن عاصم.

والمختصون بحماد بن زيد، الذين ما لحقوا ابن سلمة، فهم أكثر وأوضح: كعلي بن

ص: 118

المديني، وأحمد بن عبدة، وأحمد بن المقدام، وبشر بن معاذ العقدي، وخالد بن خداش، وخلف بن هشام، وزكريا بن عدي، وسعيد بن منصور، وأبي الربيع الزهراني، والقَواريري، وعمرو بن عون، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن أبي بكر المُقَدَّمي، ولُوين، ومحمد بن عيسى بن الطَّبَّاع، ومحمد بن عبيد بن حساب، ومسدد، ويحيى بن حبيب، ويحيى بن يحيى التميمي، وعدة من أقرانهم.

فإذا رأيت الرجل من هؤلاء الطبقة قد روى عن حماد وأبهمه، علمت أنه ابن زيد، وأن هذا لم يدرك حماد بن سلمة، وكذا إذا روى رجل ممن لقيهما، فقال: حدثنا حماد، وسكت، نظرت في شيخ حماد من هو؟ فإن رأيته من شيوخهما على الاشتراك، ترددت، وإن رأيته من شيوخ أحدهما على الاختصاص والتفرد، عرفته بشيوخه المختصين به، ثم عادة عفان لا يروي عن حماد بن زيد إلا وينسبه، وربما روى عن حماد بن سلمة فلا ينسبه، وكذلك يفعل حجاج بن منهال، وهدبة بن خالد. فأما سليمان بن حرب، فعلى العكس من ذلك، وكذلك عارم يفعل، فإذا، قال: حدثنا حماد فهو ابن زيد، ومتى قال موسى التبوذكي: حدثنا حماد، فهو ابن سلمة، فهو روايته والله أعلم.

ويقع مثل هذا الاشتراك سواء في السفيانين، فأصحاب سفيان الثوري كبار قدماء، وأصحاب ابن عيينة صغار، لم يدركوا الثوري، وذلك أبين، فمتى رأيت القديم قد روى، فقال: حدثنا سفيان، وأبهم، فهو الثوري، وهم كوكيع، وابن مهدي، والفريابي، وأبي نعيم. فإن روى واحد منهم عن ابن عيينة بينه، فأما الذي لم يحلق الثوري، وأدرك ابن عيينة، فلا يحتاج أن ينسب، لعدم الإلباس، فعليك بمعرفة طبقات الناس.

ص: 119

‌1171 - يحيى بن أيوب

(1)

: " ع"

الإمام، المحدث، العالم، الشهير أبو العباس الغافقي، المصري، ينسب في عداد موالي مروان بن الحكم.

حدث عن: يزيد بن أبي حبيب، وأبي قبيل حيي بن هانئ، وجعفر ابن ربيعة، وعبيد الله بن أبي جعفر، وعبد الله بن طاووس، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وعبد الله بن دينار،

وعمارة بن غزية، وإسماعيل بن أمية، وبكر بن عمرو، وربيعة الرأي، وزبان بن قائد، وزيد بن جبيرة، وسهل ابن معاذ الجهني، وعقيل بن خالد، وأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، وموسى بن عقبة، ويحيى بن سعيد، وعياش بن عباس القتباني، وكعب ابن علقمة، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، وحميد الطويل، وهشام بن حسان، وعبد الرحمن بن حرملة، وعبيد الله بن زحر، وأبي حازم الأعرج، وصالح بن كيسان، وعبد الله بن سليمان الطويل، وابن عجلان، وأبي حنيفة، وموسى بن علي، وعمرو بن الحارث، ومالك، وخلق كثير.

حدث عنه: الليث بن سعد -وهو من أقرانه- وجرير بن حازم -وهو أكبر منه- وابن جريج -أحد شيوخه- وابن المبارك، وابن وهب، وموسى بن أعين، وإسحاق بن الفرات، وأشهب بن عبد العزيز، وزيد بن الحُبَاب، وسعيد بن أبي مريم، وسعيد بن عفير، وعبد الله بن صالح الكاتب، وأبو عبد الرحمن المقرئ، وعمرو بن الربيع بن طارق، ويحيى بن إسحاق السَّيْلحيني، وغيرهم.

قال أحمد بن حنبل: هو دون حيوة وسعيد بن أبي أيوب، هو سيئ الحفظ.

وروى إسحاق الكوسج عن ابن معين: ثقة وقال مرة: صالح.

وقال أبو حاتم: هو أحب إلي من عبد الرحمن بن أبي المَوَال، ومحله الصدق، ولا يحتج به.

وقال أبو عبيد الآجري: قلت لأبي داود: يحيى بن أيوب ثقة? قال: هو صالح.

وقال النسائي: ليس به بأس. وقال مرة: ليس بالقوي.

قلت: له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، ويُنَقُّون حديثه، وهو حسن الحديث.

وقال أبو سعيد بن يونس: كان أحد الطلابين للعلم، حدث عن: أهل مكة، والمدينة، والشام، ومصر، والعراق، وحدث عنه: الغرباء بأحاديث ليست عند أهل مصر عنه، فحدث عنه يحيى بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعه بن لقيط، عن ابن حوالة: "من نجا من ثلاث

"

(2)

، فليس هذا بمصر من حديث يحيى.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 516"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2919"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 445"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 542"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 212"، الكاشف "3/ ترجمة 6247"، والعبر "1/ 243"، ميزان الاعتدال "4/ 362"، تهذيب التهذيب "11/ 186"، تقريب التهذيب "2/ 342"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 258".

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 105 و 110" و"5/ 33"، من طريق يحيى بن أيوب قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط، عن عبد الله بن حوالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نجا من ثلاث فقد نجا "ثلاث مرات" موتى والدجال وقتل خليفة مصطبر بالحق معطيه"، وأخرجه أحمد "5/ 288"، وابن أبي عاصم في "السنة" "1177"، والحاكم "3/ 101"، من طرق عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، به.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

ص: 120

وروي عنه أيضًا: يزيد، عن ابن شماسة، عن زيد بن ثابت: "طوبى للشام

"

(1)

مرفوعًا، وما هو بمصر من حديث يحيى بن أيوب.

وأحاديث جرير بن حازم، عن يحيى بن أيوب ليس عند المصريين منها حديث، وهي تشبه عندي أن تكون من حديث ابن لهيعة، والله أعلم.

وروى زيد بن الحباب، عن يحيى بن أيوب، عن عيَّاش بن عباس، عن أبي الحصين حديث أبي ريحانة: "نهى عن الوَشْر والوشم

"

(2)

، وليس هذا بمصر، إلا من حديث ابن لهيعة، والمُفَضَّل، وحيوة، وعبد الله بن سويد، عن عياش بن عباس.

وقال العُقَيلي: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا ابن عُلَيّ: سمعت ابن أبي مريم قال: حدثت مالكًا بحديث حدثنا به يحيى بن أيوب عنه، فسألته عنه؛ فقال: كذب. وحدثته بآخر؛ فقال: كَذَبَ.

وقال الخضر بن داود: حدثنا أحمد بن محمد، سمعت أبا عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل- سئل عن يحيى بن أيوب المصري، فقال: كان يحدث من حفظه، وكان لا بأس به، وكأنه ذكر الوهم في حفظه، فذكرت له من حديثه عن يحيى بن سعيد، عن عَمرة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر

، فقال: هاء، من يحتمل هذا?

قال العُقَيلي: وهذا حدثنا يحيى بن أيوب العلاف، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمره، عن عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 184 و 185"، وابن أبي شيبة "12/ 191، 192"، والترمذي "3954"، والحاكم "2/ 229"، والطبراني "4934""4935"، من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شماسة، عن زيد بن ثابت قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حين قال: طوبى للشام طوبى للشام. قلت: ما بال الشام قال الملائكة باسطوا أجنحتها على الشام.

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "4/ 134"، حدثنا زيد بن الحباب، حدثني يحيى بن أيوب، عن عياش بن عباس الحميري، عن أبي حصين الحجري، عن عامر الحجري، عن أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره عشر خصال: الوشر، والنتف، والوشم، ومكامعة الرجل الرجل والمرأة المرأة ليس بينهما ثوب، والنهبة، وركوب النمور، واتخاذ الديباج ههنا وههنا أسفل في الثياب والمناكب، والخاتم إلا لذي سلطان".

قلت: إسناده ضعيف، فيه أبو عامر الحجري المصري، مجهول لذا قال الحافظ في "التقريب":"مقبول" -أي إذا توبع- وقد توبع من أبي الحصين الهيثم بن شفي كما يأتي: فقد أخرجه أبو داود "4049"، والنسائي "8/ 143"، من طريق المفضل بن فضالة، والنسائي "8/ 149"، من طريق حيوة بن شريح كلاهما عن عياش بن عباس القتباني، عن أبي الحصين يعني الهيثم بن شفي وأبي عامر الحجري، عن أبي ريحانة، به. ورجاله ثقات.

ص: 121

الأولى من الوتر: بـ {سَبَّحَ} ، وفي الثانية: بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثالثة: بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}

(1)

. قال العُقَيلي: أما المعوذتين، فلا تصح.

قال أبو أحمد بن عدي: هو من فقهاء مصر وعلمائهم، ويقال: كان قاضيًا بها، وهو عندي صدوق.

ومن غرائبه ما رواه سعيد بن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثني ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك، فالنار النار"

(2)

. قال: فهذا معروف بيحيى بن أيوب.

(1)

صحيح بطرقه: أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار""1/ 285"، والحاكم "1/ 305" و"2/ 520"، والبيهقي "3/ 37 و 38"، والدارقطني "2/ 35"، والبغوي "973"، من طريق يحيى بن أيوب، به، وأخرجه الترمذي "463"، والحاكم "2/ 520 - 521"، والبيهقي "3/ 38"، والبغوي "974"، من طريق إسحاق بن إبراهيم بن حبيب، عن محمد بن سلمة الحراني، عن خصيف، عن عبد العزيز بن جريج، عن عائشة، به.

قلت: إسناده ضعيف، عبد العزيز بن جريج، لين وهو لم يسمع من عائشة. وأخرجه العقيلي في "الضعفاء""2/ 125"، من طريق يزبد بن عبد العزيز، قال: حدثنا سليمان بن حسان، عن حيوة بن شريح، عن عباس بن عباس العتباني، عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه سليمان بن حسان، قال العقيلي: لا يُتابع على حديثه. وقال أبو حاتم صحيح الحديث.

(2)

صحيح بطرقه: أخرجه ابن ماجه "254"، والحاكم "1/ 86"، وابن عبد البر "ص 226"، من طرق عن ابن أبي مريم، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه ابن جريج، مدلس، وقد عنعنه، وفيه أبو الزبير المكي مدلسي، وقد عنعنه.

وأخرجه أحمد "2/ 338"، وأبو داود "3664"، وابن ماجه "252"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم""ص 230"، والخطيب في "اقتضاء العلم العمل""102"، وفي "تاريخ بغداد""5/ 346 - 347"، و"8/ 78"، والحاكم "1/ 85"، من طريق أبي يحبى فليح بن سليمان الخزاعي، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، به مرفوعا.

قلت: إسناده ضعيف، آفته فليح بن سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي، أو الأسلمي، أبو يحيى المدني، سيئ الحفظ، وفي الباب عن ابن عمر: عند ابن ماجه "253"، وإسناده ضعيف، وعن كعب بن مالك: عند الترمذي "2656"، والحاكم "1/ 86"، وإسناده ضعيف، وعن حذيفة: عند ابن ماجه "259"، وإسناده ضعيف، وعن أبي هريرة: عند ابن ماجه "260"، وإسناده ضعيف، وعن أنس عند البزار "178".

ص: 122

قال سعيد بن عفير، وأبو سعيد بن يونس: توفي سنة ثمان وستين ومائة.

احتج به الأئمة الستة في كتبهم، لكن أخرج له البخاري مقرونًا بغيره حديثين.

أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا يعيش بن علي "ح". وأخبرنا سُنْقُر الزيني، أخبرنا علي بن أبي الفتح الكناري بحلب سنة خمس وعشرين، قالا: أخبرنا عبد الله بن أحمد الخطيب، أخبرنا منصور بن بكر بن محمد بن علي بن حَيْد، أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن حَيْد سنة تسعَ عشرةَ وأربعمائة، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرنا إسحاق بن الفرات، عن يحيى بن أيوب، قال: قال يحيى بن سعيد: أخبرني نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى الجمعة، انصرف، فصلى سجدتين في بيته، ثم يقول:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك"

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "882"، من طريق قتيبة، عن ليث، عن نافع، عن ابن عمر، به.

ص: 123

‌1172 - يحيى بن أيوب

(1)

: " د، ت"

ابن أبي زُرْعة، بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، الكوفي.

حدث عن: جده؛ أبي زُرْعة، والشعبي.

وعنه: ابن المبارك، وأبو أسامة، وأبو أحمد الزُّبَيري، والفريابي، وعبد الله بن رجاء الغُداني.

قال يحيى بن معين: ليس به بأس. وقال مرة: ضعيف. وقال في رواية عثمان الدارمي: ليس بشيء.

قلت: بَقِيَ إلى نحو سنة ستين ومائة.

ذكرناه للتمييز من الذي قبله، وهو أخو جرير بن أيوب؛ أحد الضعفاء.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2918"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 137"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 541"، الكاشف "3/ ترجمة 6246"، تاريخ الإسلام "6/ 315"، ميزان الاعتدال "4/ 362"، تهذيب التهذيب "11/ 186".

ص: 123

‌1173 - مهدي بن ميمون

(1)

: " ع"

الإمام، الحافظ، الثقة، أبو يحيى الكردي، الأزدي، ثم المِعْوَلي مولاهم، البصري، أحد الأثبات المُعَمَّرين.

حدث عن: أبي رجاء العطاردي، ومحمد بن سيرين، والحسن البصري، وغيلان بن جرير، وأبي الوازع جابر بن عمرو الراسبي، وواصل الأحدب، وواصل مولى أبي عيينة، وعدة.

وقرأ القرآن على شعيب بن الحبحاب، عرض عليه الختمة يعقوبُ الحضرمي، فهو من كبار مشيخته في القراءات.

وحدث عنه: يحيى القطان، وابن مهدي، وعارم، وأبو الوليد، ومسدد، وموسى بن إسماعيل، وهُدْبة، وعبد الله بن محمد بن أسماء، وعبد الله بن معاوية الجُمَحِي، وآخرون. وحدث عنه من رفقائه: هشام بن حسان.

وثقه شعبة، وأحمد بن حنبل.

قال ابن سعد: كان كرديًا، مات في سنة اثنتين وسبعين ومائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 280"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 1861"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 225"، و"2/ 51 و 56 و 80"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1547"، والعبر "1/ 262"، والكاشف "3/ ترجمة 5765"، تهذيب التهذيب "10/ 326"، تقريب التهذيب "2/ 279"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7235"، شذرات الذهب "1/ 281".

ص: 124

‌1174 - عبد الله بن لَهيعة

(1)

: " د، ت، ق"

ابن عُقبة بن فُرعان بن ربيعة بن ثوبان القاضي، الإمام، العلامة، محدث ديار مصر مع الليث، أبو عبد الرحمن الحضرمي، الأعدولي -ويقال: الغافقي- المصري. ويقال: يكنى أبا النضر، ولم يصح.

ولد سنة خمس، أو ست وتسعين.

وطلب العلم في صباه، ولقي الكبار بمصر والحرمين.

وسمع من عبد الرحمن بن هرمز الأعرج -صاحب أبي هريرة- ومن موسى بن وردان، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن شعيب، وعمر بن دينار، ويزيد بن أبي حبيب، وأبي وهب الجيشاني، ومشرح بن هاعان، وعبيد الله ابن أبي جعفر، وعكرمة مولى ابن عباس -إن صح ذلك- وكعب بن علقمة، وقيس بن الحجاج، وأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة، ومحمد بن المنكدر، وأبي الزبير، ويزيد بن عمرو المعافري، وأبي يونس مولى أبي هريرة، وأبي عشانة المعافري، وأبي قبيل المعافري، وأحمد بن خازم المعافري، وبكر بن عمرو المعافري، وشُرَحبيل بن شريك المعافري، وعامر بن يحيى المعافري، وبُكير بن الأشجِّ، وجعفر بن ربيعة، ودراج أبي السمح، وعُقيل بن خالد، وعمرو بن جابر الحضرمي، وخلق كثير.

وعنه: حفيده؛ أحمد بن عيسى بن عبد الله، وعمرو بن الحارث، والأوزاعي، وشعبة، والثوري -وماتوا قبله- والليث بن سعد، ومالك -ولم يصرح باسمه- وابن المبارك، والوليد بن مسلم، وابن وهب، وأشهب، وزيد بن الحُبَاب، وأبو عبد الرحمن المقرئ، ومروان بن محمد، وبشر بن عمر الزهراني، والحسن بن موسى الأشب، وأسد بن موسى، وإسحاق بن عيسى بن الطَّباع، وسعيد بن أبي مريم، وسعيد بن عُفَير، وعثمان بن صالح، والنضر بن عبد الجبار، ويحيى بن إسحاق، ويحيى بن بُكَير، وحسان بن عبد الله الواسطي، وأبو صالح الكاتب، والقَعْنبي، وعمرو بن خالد، وكامل طلحة، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن رُمْح، ومحمد بن الحارث صُدَرَة، وخلق كثير، خاتمتهم: ابن رمح.

وكان من بحور العلم، على لين في حديثه.

قال رَوح بن صلاح: لقي ابن لهيعة اثنين وسبعين تابعيًا.

قلت: لقي جماعة من أصحاب أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وعُقبة بن عامر.

قال أحمد بن حنبل: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه، وضبطه، وإتقانه! ?

حدثني إسحاق بن عيسى: أنه لقيه في سنة أربع وستين، وأن كتبه احترقت سنة تسع وستين ومائة.

وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما كان محدث مصر، إلا ابن لهيعة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 516"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 574"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 158 و 164"، و"2/ 184 و 434"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة رقم 682"، والمجروحين لابن حبان "2/ 11"، والإكمال لابن ماكولا "7/ 59"، وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 325"، والكاشف "2/ ترجمة 2971"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 224"، العبر "1/ 264"، ميزان الاعتدال "2/ 475"، جامع التحصيل للحافظ العلائي "ترجمة 392"، تهذيب التهذيب "5/ 373"، تقريب التهذيب "1/ 444"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3760"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 283".

ص: 125

وقال أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب، طلابًا للعلم.

وقال زيد بن الحباب: قال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة الأصول، وعندنا الفروع.

وقال عثمان بن صالح السهمي: احترقت دار ابن لهيعة وكتبه، وسلمت أصوله، كتبت كتاب عُمارة بن غَزِيَّة من أصله.

ولما مات ابن لهيعة قال الليث: ما خلف مثله.

لا ريب أن ابن لهيعة كان عالم الديار المصرية، هو والليث معًا، كما كان الإمام مالك في ذلك العصر عالم المدينة، والأوزاعي عالم الشام، ومعمر عالم اليمن، وشعبة والثوري عالما العراق، وإبراهيم بن طهمان عالم خراسان، ولكن ابن لهيعة تهاون بالإتقان، وروى مناكير، فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم.

وبعض الحفاظ يروي حديثه، ويذكره في الشواهد والاعتبارات، والزهد، والملاحم، لا في الأصول.

وبعضهم يبالغ في وَهْنِه، ولا ينبغي إهداره، وتتجنب تلك المناكير، فإنه عدل في نفسه.

وقد ولي قضاء الإقليم في دولة المنصور دون السنة، وصُرِفَ.

أعرض أصحاب الصحاح عن رواياته، وأخرج له: أبو داود، والترمذي، والقزويني، وما رواه عنه ابن وهب والمقرئ والقدماء فهو أجود.

وقع لي من عوالي حديثه.

وكان يحيى بن سعيد القطان لا يراه شيئًا. قاله: علي بن المديني. ثم قال علي: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، وقيل له: تحمل عن عبد الله بن يزيد القصير عن ابن لهيعة? فقال: لا أحمل عن ابن لهيعة قليلًا ولا كثيرًا. ثم قال عبد الرحمن: كتب إليَّ ابن لهيعة كتابًا فيه: حدثنا عمرو بن شعيب فقرأته على ابن المبارك، فأخرج إليَّ ابن المبارك من كتابه عن ابن لهيعة قال: أخبرني إسحاق بن أبي فروة، عن عمرو بن شعيب.

وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن مهدي يقول: ما أعتد بشيء سمعت من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك، ونحوه.

وقال أحمد بن حنبل: كان ابن لهيعة كتب عن المُثَنَّى بن الصَّباح، عن عمرو بن شعيب، وكان بعد يحدث بها عن عمرو نفسه. وكان الليث أكبر منه بسنتين.

ص: 126

روى يعقوب الفسوي، عن سعيد بن أبي مريم، قال: كان حَيْوة بن شُريح أوصى إلى رجل، وصارت كتبه عنده، وكان لا يتقي الله، يذهب فيكتب من كتب حيوة الشيوخ الذين شاركه فيهم ابن لهيعة، ثم يحمل إليه، فيقرأ عليهم. وحضرتُ ابن لهيعة، وقد جاءه قوم حجوا يسلمون عليه، فقال: هل كتبتم حديثًا طريفًا? فجعلوا يذاكرونه، حتى قال بعضهم: حدثنا القاسم العُمَري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رأيتم الحريق، فكبروا، فإن التكبير يطفئه"

(1)

. فقال: هذا حديث طريف. قال: فكان يقول: حدثنا به صاحبنا فلان، فلما طال ذلك، نسي الشيخ، فكان يُقْرَأ عليه، ويرويه عن عمرو بن شعيب.

ميمون بن إصبغ: سمعت أبن أبي مريم يقول: حدثنا القاسم بن عبد الله بن عمر، عن عمرو بن شعيب بحديث الحريق. ثم قال سعيد: هذا سمعه ابن لهيعة من زياد بن يونس الحضرمي، عن القاسم، فكان ابن لهيعة يستحسنه، ثم إنه بعد قال: إنه يرويه عن عمرو بن شعيب.

(1)

ضعيف جدًّا: ورد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين: أما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: فأخرجه ابن عدي في "الكامل""4/ 151"، من طريق محمد بن معاوية النيسابوري، حدثني ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قلت: إسناده ضعيف جدًّا، فيه علتان: الأولى: محمد بن معاوية النيسابوري كذبه ابن معين، والدارقطني، وقال مسلم، والنسائي: متروك. والثانية: ابن لهيعة، ضعيف لسوء حفظه. وأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة""294 و 295 و 296 و 297"، من طرق عن القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره.

قلت: في إسناده القاسم بن عبد الله بن عمر العمري المدني، قال أحمد: ليس بشيء كان يكذب، ويضع الحديث، وقال يحيى: ليس بشيء. وقال مرة: كذاب. وقال أبو حاتم والنسائي: متروك. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال البخاري: سكتوا عنه. وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما: فأخرجه ابن عدي في "الكامل""5/ 112"، من طريق عمرو بن جُميع، عن ابن جُريج، عن عطاء، عن ابن عباس، به مرفوعا مختصرا على الشطر الأول.

قلت: إسناده ضعيف جدًّا، فيه عمرو بن جُميع أبو المنذر، قال الدارقطني وجماعة: متروك، وكذبه ابن معين. وقال ابن عدي: كان يتهم بالوضع. وقال البخاري: منكر الحديث، وفي الإسناد ابن جريج، وهو مدلس، وقد عنعنه. وقد خرجت الحديث بأوسع من هذا في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة" المجلد الأول ط. مكتبة الدعوة بالقاهرة حديث رقم "202" فراجعه ثمَّت إن شئت.

ص: 127

وقال يحيى بن بُكَير: قيل لابن لهيعة: إن ابن وهب يزعم أنك لم تسمع هذه الأحاديث من عمرو بن شعيب فضاق ابن لهيعة، وقال: وما يدري ابن وهب? سمعت هذه الأحاديث من عمرو قبل أن يلتقي أبواه.

قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتبه أعتبر به، وهو يقوى بعضه ببعض.

أبو عبيد الآجري، عن أبي داود، قال لي ابن أبي مريم: لم تحترق كتب ابن لهيعة، ولا كتاب، إنما أرادوا أن يعفو عليه أمير، فأرسل إليه أمير بخمس مائة دينار.

وسمعت قتيبة يقول: كنا لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب ابن أخيه، أو كتب أبن وهب، إلا ما كان من حديث الأعرج.

جعفر الفريابي: سمعت بعض أصحابنا يذكر: أنه سمع قتيبة يقول: قال لي أحمد بن حنبل: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح. فقلت: لأنا كنا نكتب من كتاب ابن وهب، ثم نسمعه من ابن لهيعة.

قال أبو صالح الحراني: قال لي ابن لهيعة: ما تركت ليزيد بن أبي حبيب حرفًا.

قال عثمان بن صالح السهمي عن إبراهيم بن إسحاق قاضي مصر، قال: أنا حملت رسالة الليث إلى مالك، وأخذت جوابها، فكان مالك يسألني عن ابن لهيعة، فأخبره بحاله، فقال: ليس يذكر الحج? فسبق إلى قلبي أنه يريد السماع منه.

قال الثوري: حججت حججًا لألقى ابن لهيعة.

وقال محمد بن معاوية: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: وددت أني سمعت من ابن لهيعة خمس مائة حديث، وأني غرمت مُوَدَّى كأنه يعني دية.

أبو الطاهر بن السرح: سمعت ابن وهب يقول: حدثني -والله- الصادق البار عبد الله بن لهيعة. قال أبو الطاهر: فما سمعته يحلف بهذا قط.

وروى حنبل عن أبي عبد الله، قال: ابن لهيعة أجود قراءة لكتبه من ابن وهب.

قال أبو داود عن أحمد: ما كان محدث مصر، إلا ابن لهيعة.

البخاري، عن يحيى بن بُكَير: احترق منزل ابن لهيعة وكتبه في سنة سبعين.

قلت: الظاهر أنه لم يحترق إلا بعض أصوله.

ص: 128

يعقوب الفسوي: سمعت أحمد بن صالح يقول: ابن لهيعة صحيح الكتاب، كان أخرج كتبه، فأملى على الناس، حتى كتبوا حديثه إملاءً، فمن ضبط، كان حديثه حسنًا صحيحًا، إلا أنه كان يحضر من يضبط ويحسن، ويحضر قوم يكتبون ولا يضبطون، ولا يصححون، وآخرون نظارة، وآخرون سمعوا مع آخرين، ثم لم يخرج ابن لهيعة بعد ذلك كتابًا، ولم يُرَ له كتاب، وكان من أراد السماع منه، ذهب، فاستنسخ ممن كتب عنه، وجاءه، فقرأه عليه، فمن وقع على نسخة صحيحة، فحديثه صحيح، ومن كتب من نسخة لم تضبط، جاء فيه خلل كثير. ثم ذهب قوم، فكل من روى عنه، عن عطاء بن أبي رباح، فإنه سمع من عطاء، وروى عن رجل عنه، وعن ثلاثة عن عطاء. قال: فتركوا من بينه وبين عطاء، وجعلوه عن عطاء.

قال يعقوب: كتبت عن ابن رُمْح كتابًا، عن ابن لهيعة، وكان فيه نحو مما وصف أحمد بن صالح، فقال: هذا وقع على رجل ضَبَطَ إملاءَ ابن لهيعة. فقلت له في حديث ابن لهيعة? فقال: لم تعرف مذهبي في الرجال. إني أذهب إلى أنه لا يترك حديث محدث حتى يجتمع أهل مصره على ترك حديثه.

وسمعت أحمد بن صالح يقول: كتبت حديث ابن لهيعة، عن أبي الأسود في الرق، وكنت أكتب عن أصحابنا في القراطيس، وأستخير الله فيه، فكتبت حديث النضر بن عبد الجبار في الرق. قال: فذكرت له سماع القديم، وسماع الحديث، فقال: كان ابن لهيعة طلابًا للعلم، صحيح الكتاب.

قال: وظننت أن أبا الأسود كتب من كتاب صحيح، فحديثه صحيح، يشبه حديث أهل العلم.

إبراهيم بن عبد الله بن الجُنَيد: سمعت يحيى بن معين يقول: ابن لهيعة أمثل من رشدين بن سعد، وقد كتبت حديث ابن لهيعة.

قال أهل مصر: ما احترق له كتاب قط، وما زال ابن وهب يكتب عنه حتى مات.

وكان النضر بن عبد الجبار راوية عنه، وكان شيخ صدق، وكان ابن أبي مريم سيئ الرأي في ابن لهيعة، فلما كتبوها عنه، وسألوه عنها، سكت عن ابن لهيعة. قلت ليحيى: فسماع القدماء والآخرين منه سواء? قال: نعم، سواء واحد.

قال الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن في "التاريخ": قدم ابن لهيعة الشام غازيًا مع صالح

ص: 129

ابن علي، سنة ثمان وثلاثين ومائة، واجتاز بساحل دمشق، أو بها. حكاه القُطْرُبُلِّي، عن الواقدي.

وقال ابن بكير: ولد سنة ست وتسعين، وتفرد نوح بن حبيب بأن كنيته: أبو النضر.

وقال ابن سعد: ابن لهيعة حضرمي من أنفسهم، كان ضعيفًا، وعنده حديث كثير، ومن سمع منه في أول أمره أحسن حالا. وأما أهل مصر، فيذكرون أنه لم يختلط، لكنه كان يُقرأ عليه ما ليس من حديثه، فيسكت عليه. فقيل له في ذلك، فقال: وما ذنبي? إنما يجيئون بكتاب يقرءونه ويقومون، ولو سألوني لأخبرتهم أنه ليس من حديثي

، إلى أن قال: ومات بمصر، في نصف ربيع الأول، سنة أربع وسبعين ومائة.

وقال مسلم بن الحجاج: ابن لهيعة تركه: وكيع، ويحيى، وابن مهدي.

وقال ابن يونس: مولده سنة سبع وتسعين. ورأيته في ديوان حضرموت بمصر، فيمن دعي به، سنة ست وعشرين ومائة، في أربعين من العطاء.

قال ابن وهب: حديث: "لو أن القرآن في إهاب، ما مسته النار"

(1)

ما رفعه لنا ابن لهيعة في أول عمره قط.

(1)

ضعيف: ورد مرفوعا من حديث عقبة بن عامر، وسهل بن سعد، وعصمة بن مالك الخطمي رضي الله عنهم أما حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: أخرجه أحمد "4/ 151 و 155"، والدارمي "2/ 430"، والطبراني في "الكبير""17/ 850"، وأبو يعلى "3/ 1745"، والبيهقي في "الشعب""2/ 2699" كلهم من طريق ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: فذكره مرفوعا.

قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: ابن لهيعة، سيئ الحفظ، الثانية: مشرح بن هاعان، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة. أما حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: فهو عند الطبراني في "الكبير""6/ 5901"، وابن حبان في "المجروحين""2/ 148"، وابن عدي في "الكامل""5/ 295"، من طريق عبد الوهاب بن الضحاك، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عنه، به مرفوعا.

قلت: إسناده تالف بمرة، آفته عبد الوهاب بن الضحاك، كذبه أبو حاتم. وقال النسائي وغيره: متروك وكذا قال الحافظ في "التقريب": متروك، كذبه أبو حاتم، وأما حديث عصمة بن مالك الخطمي رضي الله عنه: فهو عند الطبراني في "الكبير""17/ 498"، وابن عدي في "الكامل""6/ 15"، والبيهقي في "شعب الإيمان""2/ 2700" من طريق الفضل بن المختار، عن عبد الله بن وهب، عنه مرفوعا. وإسناده ضعيف جدا. آفته الفضل بن المختار، قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة يحدث بالأباطيل. وقال الأزدي: منكر الحديث جدا. وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة وعامتها لا يُتابع عليها. وقد ذكرت الحديث بإسهاب في كتابنا "الأرائك المصنوعة" رقم "759" فراجعه ثمت إن شئت.

ص: 130

وقال أبو حفص الفَلاس: من كتب عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، فهو أصح، كابن المبارك، والمقرئ، وهو ضعيف الحديث.

وقال إسحاق بن عيسى: ما احترقت أصوله، إنما احترق بعض ما كان يقرأ منه. -يريد: ما نسخ منها.

ابن عدي: حدثنا موسى بن العباس، حدثنا أبو حاتم، سمعت سعيد بن أبي مريم يقول: رأيت ابن لهيعة يعرض ناس عليه أحاديث من أحاديث العراقيين: منصور، وأبي إسحاق، والأعمش، وغيرهم، فأجازه لهم. فقلت: يا أبا عبد الرحمن! ليست هذه من حديثك. قال: هي أحاديث مرت على مسامعي، ورواها ابن أبي حاتم، عن أبيه.

وروى الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل، قال: من كتب عن ابن لهيعة قديمًا، فسماعه صحيح.

قلت: لأنه لم يكن بعد تساهل، وكان أمره مضبوطًا، فأفسد نفسه.

وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال عبد الرحمن بن خِرَاش: لا يكتب حديثه.

وقال أبو زرعة: لا يحتج به قيل: فسماع القدماء? قال: أوله وآخره سواء، إلا أن ابن وهب وابن المبارك كانا يتتبعان أصوله، يكتبان منها.

عباس، عن يحيى بن معين، قال: ابن لهيعة لا يحتج به.

قال ابن عدي: أحاديثه أحاديث حسان، مع ما قد ضعفوه، فيكتب حديثه، وقد حدث عنه: مالك، وشعبة، والليث.

قال أحمد بن سعيد الدارمي: سمعت قتيبة يقول: حضرت موت ابن لهيعة، فسمعت الليث يقول: ما خَلَّف بعده مثله.

محمد بن قُدامة حدثنا زيد بن الحُباب، عن شعبة، عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن القاسم، وسالم، في الأمة تصلي يدركها العتق?، قالا: تَقَنَّع، وتمضي في صلاتها. وفي "الموطأ": بلغني عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العُرْبان

(1)

. قالوا: هذا ما رواه عن عمرو سوى ابن لهيعة.

(1)

ضعيف: أخرجه أبو داود "3502"، وابن ماجه "2192"، من طريق مالك بن أنس قال: بلغني عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العُربان.

ووصله ابن ماجه "2193" فرواه عن طريق حبيب بن أبي حبيب أبي محمد كاتب مالك بن أنس، حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العُربان.

قلت: إسناده ضعيف جدًّا، فيه عبد الله بن عامر الأسلمي، أبو عامر المدني، ضعيف وفي الإسناد حبيب ابن أبي حبيب المصري، كاتب مالك، يكنى أبا محمد، متروك، كذبه أبو داود وجماعة.

قال أبو عبد الله: العُربان أن يشتري الرجل دابة بمائة دينار، فيعطيه دينارين عُربونا فيقول: إن لم أشتر الدابة، فالديناران لك.

ص: 131

عبد الملك بن شُعيب بن الليث حدثنا أبي، حدثني الليث، حدثني ابن لهيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أصبح صائمًا، فنسي فأكل وشرب، فالله أطعمه وسقاه"

(1)

.

قال أبو حاتم بن حبان البُستي: كان من أصحابنا يقولون: سماع من سمع من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، مثل العبادلة: ابن المبارك، وابن وهب، والمقرئ، وعبد الله بن مسلمة القَعْنَبي، فسماعهم صحيح، ومن سمع بعد احتراق كتبه، فسماعه ليس بشيء. وكان ابن لهيعة من الكتَّابين للحديث، والجمَّاعين للعلم، والرحَّالين فيه، ولقد حدثني شكَّر

(2)

: حدثنا يوسف بن مسلم، عن بشر بن المنذر، قال: كان ابن لهيعة يكنى: أبا خريطة؛ كانت له خريطة معلقة في عنقه، فكان يدور بمصر، فكلما قدم قوم كان يدور عليهم، فكان إذا رأى شيخًا، سأله من لقيت? وعمن كتبت? فإن وجد عنده شيئًا، كتب عنه، فلذلك كان يكنى: أبا خريطة.

قال ابن حِبَّان: قد سبرت أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه، فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجودًا، وما لا أصل له في رواية المتقدمين كثيرًا، فرجعت إلى الاعتبار، فرأيته كان يدلس عن أقوام ضعفى، على أقوام رآهم هو ثقات، فألزق تلك الموضوعات به.

وقال يحيى القطان: قال لي بشر بن السَّري: لو رأيت ابن لهيعة، لم تحمل عنه حرفًا.

وقال نعيم بن حَمَّاد: سمعت يحيى بن حسان يقول: جاء قوم ومعهم جزء، فقالوا:

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "1933"، ومسلم "1155" من طريق هشام القُردُوسي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه". واللفظ لمسلم.

(2)

هو: الحافظ الثقة الرجال أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر بن سعيد الهروي، ولقبه شكَّر، مات بهراة سنة ثلاث وثلاثمائة. ترجمته في تذكرة الحفاظ "ص 748 - 749".

ص: 132

سمعناه من ابن لهيعة، فنظرت فيه، فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة، فقمت إليه، فقلت: أي شيء هذا? قال: فما أصنع بهم، يجيؤون بكتاب، فيقولون: هذا من حديثك، فأحدثهم به.

ابن حبان: حدثنا أبو يعلى، حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا ابن لهيعة، حدثني حيي بن عبد الله

(1)

، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي

(2)

، عن عبد الله ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه:"ادعوا لي أخي". فدعي له أبو بكر، فأعرض عنه، ثم قال:"ادعوا لي أخي". فدعي له عثمان، فأعرض عنه، ثم دعي له علي، فستره بثوبه، وأكب عليه، فلما خرج من عنده، قيل له: ما قال? قال: علمني ألف باب، كل باب يفتح ألف باب.

هذا حديث منكر، كأنه موضوع

(3)

.

قال عثمان بن صالح: لا أعلم أحدًا أخبر بسبب علة ابن لهيعة مني، أقبلت أنا وعثمان بن عتيق بعد انصرافنا من الصلاة يوم الجمعة، فوافينا ابن لهيعة أمامنا راكبًا على حمار، يريد إلى منزله، فأفلج، وسقط عن حماره، فبدرني ابن عتيق إليه، فأجلسه، وصرنا به إلى منزله.

قال عمرو بن خالد الحراني: سمعت زهيرًا يقول لمسكين بن بُكَير الحذاء: يا أبا عبد الرحمن! ما كتب إليك ابن لهيعة? قال: كتب إلى غيري: أن عقيلا أخبره، عن ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصوم آخر اثنين من شعبان

(4)

.

(1)

هو: حيي بن عبد الله المصري المعافري، قال البخاري: فيه نظر، وقال ابن معين: ليس به بأس. وقال النسائي: ليس بالقوي ترجمته في "ميزان الاعتدال" رقم "2392".

(2)

أبو عبد الرحمن الحُبُلي المصري، هو عبد الله بن يزيد المعافري، قال يحيى بن معين: ثقة وذكره ابن حبان في "الثقات""5/ 51". تُوفي بأفريقية سنة مائة، وكان صالحا ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 511"، وتاريخ البخاري الكبير "5/ ترجمة 739، 740" و"9/ ترجمة 834"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 513، 514"، والكنى للدولابي "2/ 64" والجرح والتعديل "5/ ترجمة 917"، والإكمال لابن ماكولا "3/ 229"، والعبر "1/ 225". وتاريخ الإسلام "4/ 81"، والكاشف "2/ ترجمة 3097"، تهذيب التهذيب "6/ 81"، تقريب التهذيب "1/ 462"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3918".

(3)

يقول محمد أيمن الشبراوي -عفا الله عنه: الرأي رأي الحافظ الذهبي كما قيل:

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

(4)

منكر: أخرجه العقيلي في "الضعفاء""2/ 294"، من طريق عمرو بن خالد الحراني، به. في إسناده ابن لهيعة، وهو مرسل. ومتنه يمجه كل من أنعم بصره في دواوين السنة المشرفة.

ص: 133

وقال العُقَيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا خالد بن خِدَاش، قال: قال لي ابن وهب -ورآني لا أكتب حديث ابن لهيعة: إني لست كغيري في ابن لهيعة، فاكتبها

(1)

.

وقال سعيد بن أبي مريم: لم يسمع ابن لهيعة من يحيى بن سعيد شيئًا، لكن كتب إليه هذا الحديث -يعني: حديث السائب بن يزيد، ابن أخت نمر- قال: صحبت سعدًا كذا وكذا سنة، فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثًا واحدًا، وكنت في عقبه على أثره:"لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق في الصدقة"

(2)

. فظن ابن لهيعة أنه من حديث سعد، وإنما كان هذا كلامًا مبتدًا من مسائل كتب بها إليه.

عفان: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد، عن السائب بن يزيد: أنه صحب سعدًا من المدينة إلى مكة، فلم يسمعه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى رجع.

ونقلوا: أن عبد الله بن لهيعة ولاه أبو جعفر القضاء بمصر، في سنة خمس وخمسين ومائة، تسعة أشهر، وأجرى عليه في كل شهر ثلاثين دينارًا.

فأما قول أبي أحمد بن عدي في الحديث الماضي: علمني ألف باب، يفتح كل باب ألف باب، فلعل البلاء فيه من ابن لهيعة، فإنه مفرط في التشيع، فما سمعنا بهذا عن ابن لهيعة، بل ولا علمت أنه غير مفرط في التشيع، ولا الرجل متهم بالوضع، بل لعله أدخل على كامل، فإنه شيخ محله الصدق، لعل بعض الرافضة أدخله في كتابه، ولم يتفطن هو. فالله أعلم.

قال قتيبة بن سعيد: لما احترقت كتب ابن لهيعة، بعث إليه الليث بن سعد من الغد بألف دينار.

(1)

ذكره العقيلي في "الضعفاء""2/ 295" قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، به.

(2)

حسن لغيره: أخرجه أبو داود "1580"، وابن ماجه "1801"، والبيهقي "4/ 101" من طريق شريك بن عبد الله، عن عثمان بن أبي زرعة، عن أبي ليلى الكندي، عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده وقرأت في عهده "لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية الصدقة".

قلت: إسناده ضعيف، فيه شريك بن عبد الله النخعي القاضي، ضعيف. لكن ورد من طريق آخر، فأخرجه أبو داود "1579"، والنسائي "5/ 29 - 30"، والبيهقي "4/ 101" من طريق هلال بن خباب، عن ميسرة أبي صالح، عن سويد بن غفلة، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه ميسرة أبو صالح الكندي الكوفي، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة؛ فالحديث حسن بمجموع الطريقين والله -تعالى- أعلم.

ص: 134

وقال أبو سعيد بن يونس: ذكر أبو عبد الرحمن النسائي يومًا ابن لهيعة، فقال: ما أخرجت من حديثه شيئًا قط، إلا حديثًا واحدًا، حديث عمرو ابن الحارث، عن مِشْرح، عن عقبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"في الحج سجدتان"

(1)

. أخبرناه: هلال بن العلاء، عن مُعَافى بن سليمان، عن موسى بن أعين، عن عمرو بن الحارث.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد البُنْدار، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المُخَلِّص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن كثير مروان الفِهري، حدثني عبد الله بن لهيعة، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عطس أو تجشأ، فقال: الحمد لله على كل حال من الحال، دفع عنه بها سبعون داء، أهونها الجذام"

(2)

. وهذا خبر منكر، لا يحتمله ابن لهيعة، ولا أتى به سوى الفهري، وهو شيخ واه جدًّا.

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا محمد بن عمر القاضي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، وأبو غالب محمد بن علي، قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، أخبرنا جعفر بن محمد الفِرْيابي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن مُشْرَح بن هاعان، عن عقبة بن عامر،

(1)

ضعيف: أخرجه أبو داود "1402" من طريق ابن وهب أخبرني ابن لهيعة أن مشرح بن هاعان أبا مصعب حدثه أن عقبة بن عامر حدثه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أفي سورة الحج سجدتان؟ قال: "نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما".

قلت: إسناده ضعيف، عبد الله بن لهيعة وإن كان ضعيفا سيئ الحفظ إلا أنه قد حدث عنه ابن وهب وقد روى عنه قبل احتراق كتبه، فانتفت هذه العلة وبقية العلة التي يضعف بها الإسناد، وهي علة مشرح بن هاعان أبي مصعب المعافري البصري، فإنه مجهول، لذا فقد قال الحافظ في التقريب: مقبول -أي عند المتابعة.

وأخرجه أحمد "4/ 151" من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم و"4/ 155" من طريق أبي عبد الرحمن والترمذي من طريق قتيبة ثلاثتهم عن ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه ابن لهيعة سيئ الحفظ، ومن روى عنه من هؤلاء الثلاثة رووا عنه قبل الاختلاط والعلة الثانية مشرح بن هاعان أبو مصعب، مجهول كما قد ذكرنا.

(2)

ضعيف جدا: أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد""8/ 28" عن ابن عمر، به. وفي إسناده محمد بن كثير بن مروان الفهري الشامي، قال ابن معين: ليس بثقة، وقال ابن عدي: روى بواطيل والبلاء منه. وفيه عبد الله بن لهيعة، ضعيف، لسوء حفظه.

ص: 135

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر منافقي أمتي قراؤها"

(1)

. هذا حديث محفوط قد تابع فيه الوليد بن المغيرة ابن لهيعة، عن مشرح.

وقد رواه عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن شُريح المعافري، عن شراحبيل بن يزيد، عن محمد بن هدية الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وبالإسناد إلى الفريابي: حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة، عن أبي يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ويل للعرب من شر قد اقترب فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، المتمسك منهم يومئذ على دينه، كالقابض على خبط الشوك، أو جمر الغضا"

(2)

.

(1)

صحيح بطرقه: ورد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه كما أورده المؤلف وورد من حديث عبد الله بن عمرو، ومن حديث عبد الله بن عباس، وعصمة بن مالك رضي الله عنهم أما حديث عقبة ابن عامر رضي الله عنه: فقد أخرجه أحمد "4/ 151 و 154 - 155"، وابن عدي في "الكامل""4/ 148"، والخطيب في "تاريخ بغداد""1/ 357" من طرق عن ابن لهيعة، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: ابن لهيعة، ضعيف لسوء حفظه، والعلة الثانية: مشرح بن هاعان مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة. أما حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: فأخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد""451"، وأحمد "2/ 175"، والبخاري في "التاريخ الكبير""1/ 1/ 257" من طريق عبد الرحمن بن شريح المعافري، حدثني شراحيل بن يزيد، عن محمد بن هدبة الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، به.

قلت: رجال إسناده ثقات خلا محمد بن هدبة، فلم أر من وثقه. وأما حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: فأخرجه العقيلي في "الضعفاء""1/ 274" من طريق حفص بن عمر العدني، قال: حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.

قلت: إسناده ضعيف، حفص بن عمر العدني، قال أبو حاتم: لين الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ. وقال النسائي: ليس بثقة، وأما حديث عصمة بن مالك رضي الله عنه: فأخرجه ابن عدي في "الكامل""6/ 15" من طريق إدريس بن يحيى، عن الفضل بن المختار، عن عبد الله بن موهب، عن عصمة بن مالك، به.

قلت: إسناده واه بمرة، آفته الفضل بن مختار أبو سهل البصري، قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة وكذا قال الأزدي وابن عدي.

(2)

صحيح دون قوله: المتمسك يومئذ بدينه

": وهذا إسناد ضعيف آفته ابن لهيعة، فإنه سيئ الحفظ. وقد أخرجه أحمد "2/ 390 و 390 - 391" من طريق يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي يونس، عن أبي هريرة، به. =

ص: 136

وبه، قال: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران، قال: سمعت أبا أيوب الأنصاري، يقول:"ليأتين على الرجل أحايين، وما في جلده موضع إبرة من النفاق، وإنه ليأتي عليه أحايين، وما فيه موضع إبرة من إيمان"

(1)

.

رواه: بنحوه ابن وهب، عن حيوة بن شُريح، عن يزيد.

قرأت على أبي الفضل بن تاج الأمناء، عن عبد المعز بن محمد البزاز، أن محمد بن إسماعيل الهروي أخبره، قال: أخبرنا محلم بن إسماعيل الضبي، أخبرنا أبو سعيد الخليل بن أحمد القاضي، حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد الثقفي، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله يقول: من أظلم ممن صور صورتي، أو شبه بها، فليخلقوا حبة أو ذرة"

(2)

. هذا حديث غريب جدًّا، وفيه رجل مجهول أيضًا.

وبه قال قتيبة: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها عليكم قبورًا، كما اتخذت اليهود

= وهو ضعيف آفته ابن لهيعة. وله شاهد عن زينب بنت جحش مرفوعا بلفظ: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها. قالت: فقلتُ: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:"نعم، إذا كثر الخبث". أخرجه عبد الرزاق "20749"، وأحمد "6/ 428 و 429"، والبخاري "3346" و"3598" و"7135"، ومسلم "2880" من طريق الزهري عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن زينب بنت جحش، به.

وله شاهد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل". أخرجه أحمد "2/ 304 و 372 و 523"، ومسلم "118"، والترمذي "2195"، والبغوي "4223" من طرق عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.

(1)

ضعيف: آفته ابن لهيعة، فإنه ضعيف سيئ الحفظ كما ذكرنا مرارا.

(2)

ضعيف: إسناده ضعيف، فيه إبهام الرجل، وفيه ابن لهيعة سيئ الحفظ لكن قد صح عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:"قال الله تبارك وتعالى: من أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا حبة، أو ليخلقوا ذرة".

أخرجه ابن أبي شيبة "8/ 484"، والبخاري "5953" و"7559"، ومسلم "2111"، والبيهقي "7/ 268"، والطحاوي "4/ 283"، والبغوي "3217" من طريق عمارة بن القعقاع، عن أبي زُرْعة، عن أبي هريرة، به.

ص: 137

والنصارى في بيوتهم قبورًا، وإن البيت ليتلى فيه القرآن، فيتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض"

(1)

.

هذا حديث نظيف الإسناد، حسن المتن، فيه النهي عن الدفن في البيوت، وله شاهد من طريق آخر. وقد نهى -عليه الصلاة السلام- أن يبنى على القبور، ولو اندفن الناس في بيوتهم، لصارت المقبرة والبيوت شيئًا واحد، والصلاة في المقبرة فمنهي عنها نهي كراهية، أو نهي تحريم. وقد قال -عليه الصلاة السلام:"أفضل صلاة الرحل في بيته، إلا المكتوبة"

(2)

. فناسب ذلك ألا تتخذ المساكن قبورًا.

وأما دفنه في بيت عائشة -صلوات الله عليه وسلامه- فمختص به، كما خص ببسط قطيفة تحته في لحده، وكما خص بأن صلوا عليه فرادى بلا إمام، فكان هو إمامهم حيًّا وميتًا، في الدنيا والآخرة، وكما خص بتأخير دفنه يومين، ويكره تأخير أمته، لأنه هو أمن عليه التغير، بخلافنا ثم إنهم أخروه حتى صلوا كلهم عليه، داخل بيته، فطال لذلك الأمر، ولأنهم ترددوا شطر اليوم الأول في موته، حتى قدم أبو بكر الصديق من السنح، فهذا كان سبب التأخير.

قال أبو إسحاق الجُوزجاني: ابن لهيعة لا نور على حديثه، ولا ينبغي أن يحتج به، ولا أن يعتد به.

البخاري حدثني أحمد بن عبد الله، أخبرنا صدقة بن عبد الرحمن، حدثنا ابن لهيعة، عن مِشْرَح بن هاعان، عن عقبة بن عامر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو تمت البقرة ثلاثمائة آية، لتكلمت"

(3)

.

(1)

ضعيف: آفته ابن لهيعة، فإنه كان سيئ الحفظ، لكن ورد شطره الأول عند البخاري "432" و"1187"، ومسلم "777" من طريق عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا". ومعناه: صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة، والمراد به صلاة النافلة، أي صلوا النافلة في بيوتكم.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "731"، ومسلم "781" من طريق سالم أبي النضر، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن ثابت، به مرفوعا.

(3)

منكر: فيه علتان: الأولى: ابن لهيعة، ضعيف لسوء حفظه. والثانية: مشرح بن هاعان المعافري البصري، أبو مصعب، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة- وليس ثم من تابعه. ومتن الحديث منكر، وهذا ظاهر لكل من أنعم بصره في دواوين السنة المشرفة وملك طلبُ العلم والتبحرُ فيه شغافَ قلبه.

ص: 138

وعن أبي الوليد بن أبي الجارود، عن يحيى بن معين، قال: يكتب عن ابن لهيعة ما كان قبل احتراق كتبه.

قلت: عاش ثمانيًا وسبعين سنة، ومر أنه توفي سنة أربع وسبعين ومائة.

وكان من أوعية العلم، ومن رؤساء أهل مصر ومحتشميهم، أطلق المنصور بن عمار الواعظ أراضي له.

الرمادي في "تاريخه": حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن حديج بن أبي عمرو، سمعت المستورد بن شداد، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لكل أمة أجل، وإن لأمتي مائة سنة، فإذا مر عليها مائة سنة أتاها ما وعدها الله"

(1)

.

ابن لهيعة: حدثنا يزيد بن عمرو المعافري، عن ابن حجيرة، قال: استظل سبعون نفسًا من قوم موسى تحت قُحْفِ رجل من العمالقة.

هذا من الإسرائيليات، والقدرة صالحة، ولو استظل بذلك القحف أربعة لكان عظيمًا.

(1)

منكر: فيه ابن لهيعة: وهو ضعيف لسوء حفظه. وفيه حُديج بن عمرو، مجهول وهو منكر ظاهر النكارة.

ص: 139

‌1175 - سعيد بن عبد العزيز

(1)

: " م، (4) "

ابن أبي يحيى الإمام، القدوة، مفتي دمشق، أبو محمد التنوخي، الدمشقي. ويقال: أبو عبد العزيز.

ولد سنة تسعين، في حياة سهل بن سعد، وأنس بن مالك رضي الله عنهما. وقرأ القرآن على: ابن عامر، ويزيد بن أبي مالك. تلا عليه: الوليد بن مسلم، وأبو مسهر.

وحدث عن: مكحول، والزهري، ونافع مولى ابن عمر، وربيعة بن يزيد القصير، وإسماعيل بن عبيد الله، ويونس بن ميسر بن حلبس، وعمير ابن هانئ، وأبي الزبير المكي، وزيد بن أسلم، وبلال بن سعد، وعدة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 468"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1659"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 184"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 406"، العبر "1/ 250"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 205"، الكاشف "1/ ترجمة 1945"، ميزان الاعتدال "2/ 149"، جامع التحصيل للعلائي "ترجمة 238"، تهذيب التهذيب "4/ 59"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2502"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 263".

ص: 139

ودخل على عطاء بن أبي رباح، وسأله عن مسألة، وليس هو بالمكثر من الحديث.

ويروي أيضًا عن: عطية بن قيس، وسليمان بن موسى، وعبد الرحمن بن سلمة الجمحي، ويحيى الذماري، وعثمان بن أبي سودة المقدسي، ومعبد بن هلال، وعبد الكريم بن أبي المخارق، ومعاذ بن سهل الجهني.

وقد جمع الطبراني مرويات سعيد في جزء واحد.

حدث عنه: الوليد بن مسلم، والحسن بن يحيى الخشني، وعلي بن الحسن بن شقيق المروزي، وأبو مسهر، وأبو اليمان الحمصي، وابن المبارك، ووكيع، وابن سابور، ويحيى بن حمزة، وبقية بن الوليد، وأبو عاصم النبيل، وعبد الرزاق، وأبو المغيرة عبد القدوس، ويحيى بن صالح الوُحَاظي، وعبد الله بن صالح الكاتب، وأبو نصر التمار، وعبد الله بن يوسف التِّنِّيسي، وأبو النضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي، وإبراهيم بن هشام الغساني، وزيد بن يحيى بن عبيد، وعبد الله بن كثير المقرئ الطويل، وعمرو بن أبي سلمة التِّنِّيسي، والوليد بن مزيد العذري، وآخرون. وقد حدث عنه من أقرانه: شعبة، والثوري. وانتهت إليه مشيخة العلم بعد الأوزاعي بالشام، فعاش بعده عشرة أعوام.

قال أبو مسهر: حدثنا سعيد، قال: دهشنا عن الهرولة، فسألنا عطاء، فقال: لا شيء عليكم. قال أبو مسهر: ما سمع من عطاء سواه.

وقال عبد الله بن زبر: كنا نجلس إلى محكول ومعنا سعيد بن عبد العزيز، فكان يسقي الماء في مجلس مكحول.

وقال أبو مُسْهِر: حدثني سعيد، قال: كنت أجلس بالغدوات إلى ابن أبي مالك، وأجالس بعد الظهر إسماعيل بن عبيد الله، وبعد العصر مكحولا.

الدارمي: أخبرنا مروان بن محمد، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، قال: ما كتبت حديثًا قط. يعني كان يتحفظ. وقال أبو مسهر: سمعته يقول: ما كتبت حديثًا. وسمعته يقول: لا يؤخذ العلم من صَحَفِي.

وقال أبو حاتم الرازي: كان أبو مسهر يقدم سعيدًا على الأوزاعي.

قال أبو زرعة النصري: قلت لابن معين: أمحمد بن إسحاق حجة? فقال: كان ثقة، إنما الحجة عبيد الله بن عمر، ومالك، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز.

قال أحمد في "المسند": ليس بالشام رجل أصح حديثًا من سعيد بن عبد العزيز.

ص: 140

وقال أبو عبد الله الحاكم: سعيد بن عبد العزيز لأهل الشام، كمالك لأهل المدينة في التقدم والفقه والأمانة.

وقال أبو زرعة: حدثني أبو النضر إسحاق بن إبراهيم، قال: كنت أسمع وقع دموع سعيد بن عبد العزيز على الحصير في الصلاة.

أحمد بن أبي الحواري: حدثني أبو عبد الرحمن الأسدي، قال: قلت لسعيد بن عبد العزيز: ما هذا البكاء الذي يعرض لك في الصلاة? فقال: يا ابن أخي، وما سؤالك عن ذلك? قلت: لعل الله أن ينفعني به. فقال: ما قمت إلى صلاة إلا مثلت لي جهنم.

أبو عبد الرحمن مروان بن محمد الطاطري: قال محمد بن المبارك الصوري: كان سعيد إذا فاتته صلاة الجماعة بكى.

قال الوليد بن مَزْيد: كان الأوزاعي إذا سئل عن مسألة، وسعيد بن عبد العزيز حاضر، قال: سلو أبا محمد.

وقال أبو زُرْعة الدمشقي: حدثنا بعض مشايخنا عن الوليد بن مسلم، قال: كان سعيد بن عبد العزيز يحيي الليل، فإذا طلع الفجر جدد وضوءه، وخرج إلى المسجد.

يزيد بن عبد الصمد: حدثنا أبو مسهر، قال: ما رأيت سعيد بن عبد العزيز ضحك قط، ولا تبسم، ولا شكا شيئًا قط.

أبو زرعة قال أبو مُسهر: ينبغي للرجل أن يقتصر على علم بلده، وعلى علم عالمه، لقد رأيتني أقتصر على سعيد بن عبد العزيز، فما أفتقر معه إلى أحد. وقال يحيى الوحاظي: سألت سعيد بن عبد العزيز عن حديث، فامتنع علي، وكان عسرًا. وكذا قال أبو مسهر عنه.

قلت: شاخ، وضاق خلقه، واشتغل بالله عن الرواية.

عباس الدوري، عن يحيى بن معين، قال: كان سعيد بن عبد العزيز قد اختلط قبل موته، وكان يعرض عليه قبل الموت، وكان يقول: لا أجيزها.

أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا مسهر يقول: رأيت أصحابنا يعرضون على سعيد بن عبد العزيز حديث المعراج، عن يزيد بن أبي مالك، عن أنس فقلت له: يا أبا محمد! أليس حدثتنا عن يزيد بن أبي مالك. قال: حدثنا أصحابنا عن أنس بن مالك? قال: نعم، إنما يقرون على أنفسهم.

ص: 141

قال أبو مسهر: سمعته يقول: لا أدري، لما لا أدري، نصف العلم. وسمعته يقول: ما كنت قدريًّا

(1)

قط. وسمعت رجلا يقول لسعيد: أطال الله بقاءك، فقال: بل عجل الله بي إلى رحمته.

محمد بن بكَّار البَتَلْهي: حدثنا يزيد بن عبد الصمد، سمعت أبا مسهر، سمعت سعيد بن عبد العزيز، يقول: لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: صموت واع، وناطق عارف.

وقال عقبة بن علقمة البيروتي: حدثني سعيد بن عبد العزيز، قال: من أحسن، فليرج الثواب، ومن أساء، فلا يستنكر الجزاء، ومن أخذ عزًا بغير حق، أورثه الله ذلًا بحق، ومن جمع مالًا بظلم، أورثه الله فقرًا بغير ظلم.

وقال الوليد بن مزيد العُذْري: سئل سعيد بن عبد العزيز عن الكفاف من الرزق، ما هو?

قال: شبع يوم، وجوع يوم.

أنبأنا عدة، عن عبد البر ابن الحافظ أبي العلاء العطار، أخبرنا أبي، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا سليمان الطبراني، حدثنا أبو زرعة، وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، قالا: حدثنا يحيى بن صالح، حدثنا سعيد، عن يونس بن ميسرة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فأتبعته بصري، فإذا هو نور ساطع في الشام"

(2)

.

(1)

القدرية: هم الذين كانوا يخوضون في القدر، ويذهبون إلى إنكاره، ورأس هؤلاء هو معبد الجهني المقتول سنة "80". والمعتزلة أصحاب واصل بن عطاء الغزالي، لما اعتزل مجلس الحسن البصري يقرر أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر، ويثبت المنزلة بين المنزلتين فطرده، فاعتزله، وتبعه جماعة سموا بالمعتزلة، والمعتزلة يسمون أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية، وهم قد جعلوا لفظ القدرية مشتركا، وقالوا: لفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خيره وشره من الله -تعالى- احترازا عن وصمة اللقب. راجع "الملل والنحل" للشهرستاني "1/ 57 - 60".

(2)

صحيح: أخرجه أبو نعيم في "الحلية""5/ 252"، والحاكم "4/ 509"، وإسناده حسن، فيه يحيى بن صالح الوحاظي الحمصي، صدوق. وسعيد هو ابن عبد العزيز التنوخي الدمشقي، ثقة، والحديث أورده الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" "10/ 58" وقال: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين وفي أحدهما ابن لهيعة، وهو حسن الحديث، وقد توبع على هذا، وبقية رجاله رجال الصحيح"، وله شاهد عن أبي الدرداء: أخرجه أحمد "5/ 198، 199" حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا يحيى بن حمزة، عن زيد بن واقد، حدثني بسر بن عبد الله حدثني أبو إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام".

قلت: إسناده حسن، وإسحاق بن عيسى، هو ابن نجيح البغدادي، أبو يعقوب، صدوق، وبقية رجاله ثقات. فالحديث صحيح بمجموع طرقه.

ص: 142

رواه الوليد، وأبو إسحاق الفَزَاري، عن سعيد بن عبد العزيز.

وبه حدثنا أبو زُرْعة، حدثنا أبو مسهر، حدثني سعيد، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية:"اللهم اجعله هاديًا مهديًّا واهده واهد به"

(1)

.

وبه حدثنا عبدان، حدثنا علي بن سهل الرملي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد، عن يونس -هو ابن ميسرة- عن عبد الرحمن بن أبي عميرة: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وذكر معاوية، فقال:"اللهم اجعله هاديًا مهديًّا، واهد به"

(2)

. فهذه علة الحديث قبله.

وبه حدثنا أبو زرعة، وأحمد بن محمد بن يحيى، قالا: حدثنا أبو مسهر، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي عَميرة المزني -وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية:"اللهم علمه الكتاب، والحساب، وقِهِ العذاب"

(3)

.

وقال الوليد بن مسلم، وأبو مسهر، وشباب، وابن سعد، وأحمد: مات سنة سبع وستين ومائة. وما نقل من أنه مات سنة ثلاث أو أربع وستين، فهو خطأ ووهم. قاله أبن عساكر.

(1)

صحيح: أخرجه الترمذي "3842"، وأحمد "4/ 216"، والبخاري في "التاريخ الكبير""4/ 1/ 327"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق""2/ 133/ 1" و"16/ 243/ 2" من طرق عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، به.

قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات، وله شاهد عن عمير بن سعد الأنصاري: أخرجه الترمذي "3843"، وابن عساكر من طريق عمرو بن واقد، عن يونس بن حلبس، عن أبي إدريس الخولاني، عنه، به.

وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، وعمرو بن واقد يضعف"، ثم رواه ابن عساكر عن الوليد بن سليمان، عن عمر بن الخطاب مرفوعا به، وقال:"الوليد بن سليمان لم يدرك عمر".

(2)

هذه الرواية مرجوحة، وليس الحديث مضطربا، فقد رواه جمع من الثقات عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد، به. ومن المعلوم أنه لا يصار إلى الحكم على الحديث بالاضطراب طالما أمكن الترجيح فرواية الجمع من الثقات عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد راجحة، فقد رواه أبو مسهر ومروان ابن محمد الدمشقي، والوليد بن مسلم، وعمر بن عبد الواحد، ومحمد بن سليمان الحراني خمستهم رووه عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، به. عند أحمد "4/ 1/ 327"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" فهذه هي الرواية الراجحة.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير""4/ 1/ 327" من طريق أبي مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز، به.

وله شاهد عن العرباض بن سارية: عند أحمد "4/ 127" من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن الحارث بن زياد، عن أبي رهم، عنه مرفوعا بلفظ:"اللهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب" وإسناده ضعيف آفته الحارث بن زياد، فإنه لين الحديث.

ص: 143

‌1176 - زُفَر بن الهُذَيل

(1)

:

العنبري، الفقيه، المجتهد، الرباني، العلامة، أبو الهذيل بن الهذيل بن قيس بن مسلم.

قال أبو نعيم الحافظ: كان أبوه بأصبهان في دولة يزيد بن الوليد، فكان له ثلاثة أولاد: زفر، وهَرثمة، وكوثر.

قلت: ولد سنة عشر ومائة، وحدث عن: الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وأبي حنيفة، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطاة، وطبقتهم.

حدث عنه: حسان بن إبراهيم الكرماني، وأكثم بن محمد، والد يحيى ابن أكثم، وعبد الواحد بن زياد، وأبو نعيم الملائي، والنعمان بن عبد السلام التيمي، والحكم بن أيوب، ومالك بن فديك، وعامتهم من رفقائه وأقرانه، لأنه مات قبل أوان الرواية.

قال أبو نعيم الملائي: كان ثقة، مأمونًا، وقع إلى البصرة في ميراث له من أخته، فتشبث به أهل البصرة، فلم يتركوه يخرج من عندهم.

وذكره يحيى بن معين، فقال: ثقة مأمون.

قلت: هو من بحور الفقه، وأذكياء الوقت. تفقه بأبي حنيفة، وهو أكبر تلامذته، وكان ممن جمع بين العلم والعمل، وكان يدري الحديث ويتقنه.

قال علي بن مُدْرِك، عن الحسن بن زياد الفقيه، قال: كان زفر وداود الطائي متواخيين، فأما داود فترك الفقه، وأقبل على العبادة، وأما زفر فجمعهما.

وقال الحسن بن زياد اللؤلؤي: ما رأيت فقيهًا يناظر زفر إلا رحمته.

وقال أبو نعيم: كنت أمر على زفر، فيقول: تعال حتى أغَرْبِلَ لك ما سمعت.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 387"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 2757"، وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 243"، العبر "1/ 229"، لسان الميزان "2/ ترجمة 1919"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 243"، تاريخ أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني "1/ 317".

ص: 144

قال أبو عاصم النبيل: قال زفر: من قعد قبل وقته، ذل.

قال أبو نعيم: كنت أعرض الأحاديث على زفر، فيقول: هذا ناسخ، هذا منسوخ، هذا يؤخذ به، هذا يرفض.

قلت: كان هذا الإمام منصفًا في البحث متبعًا.

قال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: لقيت زفر رحمه الله فقلت له: صرتم حديثًا في الناس وضحكة. قال: وما ذاك? قلت: تقولون: "ادرءوا الحدود بالشبهات"

(1)

، ثم جئتم إلى أعظم الحدود، فقلتم: تقام بالشبهات. قال: وما هو? قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مسلم بكافر"

(2)

. فقلتم: يقتل به -يعني بالذمي. قال: فإني أشهدك الساعة أني قد رجعت عنه.

قلت: هكذا يكون العالم وقافًا مع النص.

قال ابن سعد: مات زُفَر سنة ثمان وخمسين ومائة، ولم يكن في الحديث بشيء.

قلت: قد حكم له إمام الصنعة بأنه ثقة، مأمون.

(1)

ضعيف: أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق""19/ 171/ 2" من طريق محمد بن أحمد بن ثابت، نا مسلم، أبو مسلم إبراهيم بن عبد الصمد، نا محمد بن أبي بكر المقدمي، نا محمد بن علي الشامي، نا أبو عمران الجوني قال: قال عمر بن عبد العزيز: فذكره في قصة مرفوعا، وهو منقطع بين أبي عمران الجوني وعمر بن عبد العزيز، وهو مرسل، أو معضل، فقد أرسله عمر بن عبد العزيز. ففي الإسناد علتان. وروي بلفظ:"ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة". أخرجه الترمذي "1424"، والدارقطني "3/ 84"، والحاكم "4/ 384"، والبيهقي "8/ 238"، وابن أبي شيبة من طريق يزيد بن زياد الدمشقي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة مرفوعا، به.

قلت: إسناده واه، آفته يزيد بن زياد الدمشقي، فهو متروك، كما قال النسائي، وكذا قال الحافظ في "التقريب"، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق مختار التمار، عن أبي مطر، عن علي رضي الله عنه مرفوعا بلفظ:"ادرءوا الحدود بالشبهات".

قلت: إسناده واه بمرة، آفته مختار التمار، قال البخاري: منكر الحديث.

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 79"، والبخاري "6903"، والدارمي "2/ 190"، والترمذي "1413"، والنسائي "8/ 23"، من طريق الشعبي قال: سمعت أبا جحيفة قال سألت عليًّا رضي الله عنه: هل عندكم شيء ما ليس في القرآن. وقال مرة: ما ليس عند الناس. فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن -إلا فهما يُعطى رجلٌ في كتابه- وما في الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقلُ وفكاكُ الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر". واللفظ للبخاري.

ص: 145

‌1177 - قيس

(1)

: " د، ت، ق"

ابن الربيع، الإمام، الحافظ، المكثر، أبو محمد الأسدي، الكوفي، الأحول، أحد أوعية العلم على ضعف فيه من قبل حفظه.

ولد في حدود سنة تسعين.

وروى عن: عمرو بن مُرَّة، وزياد بن عِلاقة، وعَلقمة بن مَرْثَد، وزُبيد اليامي، ومحارب بن دثار، وأبي إسحاق السبيعي، وعدة. وكان من المكثرين.

حدث عنه: رفيقاه: شعبة، والثوري، ويحيى بن آدم، وإسحاق بن منصور السلولي، وعلي بن الجعد، ويحيى الحِمَّاني، ومحمد بن بكَّار بن الريان، وخلق سواهم. وكان شعبة يثني عليه، ووثقه عفان وغيره.

وقال ابن عدي: عامة رواياته مستقيمة، والقول فيه ما قاله شعبة، وأنه لا بأس به.

وقال يعقوب بن شيبة: هو عند جميع أصحابنا صدوق، وكتابة صالح. ثم قال: وهو رديء الحفظ جدًّا، كثير الخطأ.

وقال محمد بن المثنى: ما سمعت يحيى وعبد الرحمن يحدثان عن قيس شيئًا قط.

وعن أبي بكر بن عياش قال: كان قيس لا يفرِّق بين "كره" وبين "لا بأس".

وقال الفلاس: حدث عبد الرحمن عن قيس أولا، ثم تركه.

وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال مرةً: يُضَعَّف.

ولينه أحمد بن حنبل.

وقال النسائي: متروك.

قلت: لا ينبغي أن يترك فقد قال محمد بن المثنى: سمعت محمد بن عُبيد يقول: لم يكن قيس عندنا بدون سفيان، لكنه وُلِّيَ، فأقام على رجل الحد، فمات فطفئ أمره.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 377"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 704"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 155 و 297 و 452" و"2/ 111 و 684" و"3/ 36"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 553" والمجروحين لابن حبان "2/ 216"، تاريخ الخطيب "12/ 456"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 211"، الكاشف "2/ ترجمة 4670"، والعبر "1/ 253 و 354 و 404 و 405 و 408"، وميزان الاعتدال "3/ 393"، تهذيب التهذيب "8/ 391"، تقريب التهذيب "2/ 128"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5876"، شذرات الذهب "1/ 266".

ص: 146

وقال محمود بن غيلان: حدثنا محمد بن عُبيد، قال: استعمل المنصور قيسًا على المدائن، فكان يعلق النساء بثُديهن، ويرسل عليهن الزنابير.

قال أبو الوليد: حضر شريك جنازة قيس بن الربيع، فقال: ما ترك بعده مثله.

قال أبو الوليد: كتبت عن قيس ستة آلاف حديث.

قال سلم بن قتيبة: قال لي شعبة: أدرك قيسًا لا يفوتك.

وقال أبو داود: سمعت شعبة يقول: ألا تعجبون من هذا الأحول! يقع في قيس بن الربيع -يريد: يحيى القطان.

وقال أبو حاتم: لا يحتج به.

قال قراد: سمعت شعبة يقول: ما أتينا شيخًا بالكوفة إلا وجدنا قيسًا قد سبقنا إليه، كنا نسميه: قيسًا الجوال.

وعن شريك، قال: ما نشأ بالكوفة أطلب للحديث من قيس بن الربيع.

قُراد: سمعت شعبة يقول: جلست أنا وقيس في مسجد فلم يزل يقول: حدثنا أبو حصين حتى تمنيت أن المسجد يقع علي وعليه.

قال ابن حبان: قد سبرت أحاديث قيس، وتتبعتها، فرأيته صدوقًا، مأمونًا حين كان شابًّا، فلما كبر ساء حفظه، وامتحن بابن سوء، فكان يدخل عليه الحديث، فوقع في أخباره مناكير.

قال عفان قدمت الكوفة، فأتينا قيسًا، فجلسنا إليه، فجعل ابنه يلقنه، ويقول له: حُصين، فيقول: حصين، ويقول رجل آخر ومغيرة.

قال ابن حِبَّان: مات سنة سبع وستين ومائة. وكذا أرخه: أبو نعيم الملائي.

ص: 147

‌1178 - السيد الحِمْيَرِي

(1)

:

من فحول الشعراء، لكنه رافضي جلد. واسمه: أبو هاشم إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة الحميري. له: مدائح بديعة في أهل البيت، كان يكون بالبصرة، ثم ببغداد.

قال الصولي: الصحيح أن جده ليس بيزيد بن مُفَرِّغ

(2)

الشاعر. وقيل: كان طُوالا، شديد الأدمة.

قيل: إن بشارًا قال له: لولا أن الله شغلك بمدح أهل البيت، لافتقرنا.

وقيل: كان أبواه ناصبيين

(3)

، ولذلك يقول:

لعن الله والدي جميعًا

ثم أصلهما عذاب الجيحم

حكما عدوة كما صليا الفجـ

ـر بلعن الوصي باب العلوم

لعنا خير من مشى فوق ظهر الـ

أرض أو طاف محرمًا بالحطيم

(4)

وكان يرى رأي الكيسانية

(5)

في رجعة ابن الحنفية إلى الدنيا. وهو القائل:

بان الشباب ورق عظمي وانحنى

صدر القناة وشاب مني المفرق

يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى

وبنا إليه من الصبابة أولق

(6)

حتى متى? وكم المدى

يا ابن الوصي وأنت حي ترزق

فقيل: إنه اجتمع بجعفر الصادق، فبين له ضلالته، فتاب.

وقال ابن جرير في "الملل والنحل": إن السيد كان يقول بتناسخ الأرواح.

قيل: توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة. وقيل: سنة ثمان وسبعين ومائة. ونظمه في الذروة، ولذلك حفظ ديوانه أبو الحسن الدارقطني.

(1)

ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني "7/ 229"، وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ص 343"، فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "1/ 188"، لسان الميزان "1/ 436".

(2)

هو: يزيد بن زياد بن ربيعة، لقب بمفرغ؛ لأنه راهن أنه يشرب عُسًا من لبن فشربه حتى فرغه، وهو شاعر غزل محسن، توفي سنة 69، وهو صاحب البيت السائر:

العبد يقرع بالعصا

والحر تكفيه الإشارة

ترجمته في خزانة الأدب للبغدادي "2/ 213"، وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ 342"، والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني "8/ 180".

(3)

الناصبة: قوم يتدينون ببغض علي رضي الله عنه.

(4)

هو: ما بين الركن والباب، سمي بذلك لانحطام الناس فيه، أي ازدحامهم.

(5)

الكيسانية: هم أتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي قام بثأر الحسين بن علي بن أبي طالب وقتل أكثر الذين قتلوا حسينا بكربلاء، وكان المختار يقال له: كيسان، وقيل: إنه أخذ مقالته عن مولى لعلي رضي الله عنه كان اسمه: كيسان. وافترقت الكيسانية فرقا يجمعها شيئان: أحدهما: قولهم بإمامة محمد بن الحنفية وإليه كان يدعو المختار بن أبي عبيد. والثاني: قولهم بجواز البداء على الله عز وجل ولهذه البدعة قال بتكفيرهم كلُّ من لا يجيز البداء على الله سبحانه.

(6)

الشِعْب: ما انفرج بين جبلين: ورضوى: جبل منيف ذو شعاب وأودية. وهو من ينبع على مسيرة يوم، ومن المدينة على سبع مراحل، وهو المكان الذي تزعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية به مقيم حي يرزق. والأولق: شبه الجنون. والبيتان في تاريخ الإسلام "3/ 295"، ومروج الذهب للمسعودي "2/ 201".

ص: 148

‌1179 - صالح المُرِّي

(1)

:

الزاهد، الخاشع، واعظ أهل البصرة، أبو بشر بن بشير القاص.

حدث عن: الحسن، ومحمد، وبكر بن عبد الله، وثابت، وقتاده، وأبي عمران الجوني، وعدة.

وعنه: عفان، ومسلم بن إبراهيم، وعبيد الله العيشي، وخالد بن خداش، وطالوت بن عباد، وآخرون.

روى عباس الدوري عن يحيى: ليس به بأس.

وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال أبو داود: لا يكتب حديثه.

وروى محمد بن أبي شيبة، عن ابن معين: ضعيف.

وقال عفان: كان شديد الخوف من الله، كأنه ثكلى إذا قص.

وقال ابن عدي: قاص حسن الصوت، عامة أحاديثه منكرة، أتي من قلة معرفته بالأسانيد، وعندي أنه لا يتعمد.

وقيل: لما سمعه سفيان الثوري، قال: ما هذا قاص، هذا نذير.

قال ابن الأعرابي: كان الغالب على صالح كثرة الذكر، والقراءة بالتحزين. ويقال: هو أول من قرأ بالبصرة بالتحزين.

ويقال: مات جماعة سمعوا قراءته.

توفي سنة اثنتين وسبعين ومائة. ويقال: بقي إلى سنة ست وسبعين ومائة.

قال الأصمعي: شهدت صالحًا المري عزى رجلا، فقال: لئن كانت مصيبتك بابنك لم تحدث لك موعظة في نفسك، فهي هينة في جنب مصيبتك بنفسك، فإياها فابك.

(1)

ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 127"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1730"، والمجروحين لابن حبان "1/ 371"، وابن عدي في "الكامل""4/ ترجمة 912"، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني "6/ ترجمة 357"، تاريخ بغداد "9/ 305"، والإكمال لابن ماكولا "7/ 314"، وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 403"، والكاشف "2/ ترجمة 2348"، ميزان الاعتدال "2/ ترجمة رقم 3773"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 2761"، والعبر "1/ 262"، تهذيب التهذيب "4/ 381"، وتقريب التهذيب "1/ 358"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 3011"، وشذرات الذهب "1/ 281".

ص: 149

‌1180 - مالك الإمام

(1)

: " ع"

هو شيخ الإسلام، حجة الأمة، إمام دار الهجرة، أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث، وهو ذو أصبح بن عوف بن مالك بن زيد بن شداد بن زرعة، وهو حمير الأصغر الحميري، ثم الأصبحي، المدني، حليف بني تيم من قريش فهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيد الله، أحد العشرة

(2)

.

وأمة هي: عالية بنت شريك الأزدية. وأعمامه هم: أبو سهل نافع، وأويس، والربيع، والنضر أولاد أبي عامر.

وقد روى الزهري، عن والده أنس، وعميه أويس، وأبي سهيل. وقال: مولى التيميين، وروى أبو أويس عبد الله عن عمه الربيع، وكان أبوهم من كبار علماء التابعين. أخذ عن عثمان، وطائفة.

مولد مالك على الأصح في سنة ثلاث وتسعين، عام موت أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشأ في صون ورفاهية وتجمل.

وطلب العلم وهو حدثٌ بُعَيد موت القاسم، وسالم. فأخذ عن: نافع، وسعيد المقبري، وعامر بن عبد الله بن الزبير، وابن المنكدر، والزهري، وعبد الله بن دينار، وخلق سنذكرهم على المعجم، وإلى جانب كل واحد منهم ما روى عنه في "الموطأ"، كم عدده.

وهم:

إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة " (18) "، أيوب بن أبي تميمة السختياني عالم البصرة " (4) "

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1323"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 902"، وحلية الأولياء "6/ 316"، والأنساب للسمعاني "1/ 287"، وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 550"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 199"، والكاشف "3/ ترجمة 5333"، العبر "1/ 272"، تهذيب التهذيب "10/ 5 - 9"، تقريب التهذيب "2/ 223"، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 96"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6796"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 289" و"2/ 12".

(2)

أي: المبشرين بالجنة.

ص: 150

أيوب بن حبيب الجهني مولى سعد بن مالك "1"، إبراهيم بن عقبة "1"، إسماعيل بن أبي حكيم "1"، إسماعيل ابن محمد بن سعد "1"، ثور بن زيد الديلي "3"، جعفر بن محمد "7"، حميد الطويل "6"، حميد بن قيس الأعرج "2"، خبيب بن عبد الرحمن "2"، داود بن الحصين "4"، داود أبو ليلى بن عبد الله في القسامة "1"، ربيعة الرأي "5"، زيد بن أسلم "26"، زيد بن رباح "1"، زياد بن سعد "1"، زيد بن أبي أنيسة "1"، سالم أبو النضر "13"، سعيد بن أبي سعيد "4"، سمي مولى أبي بكر "13"، سلمة بن دينار أبو حازم "8"، سهيل بن أبي صالح "11"، سلمة بن صفوان الزرقي "1"، سعد بن إسحاق "1"، سعيد ابن عمرو بن شرحبيل "1"، شريك بن أبي نمر "1"، صالح بن كيسان "2"، صفوان بن سليم "2"، صيفي مولى ابن أفلح "1"، ضمرة بن سعيد "2"، طلحة بن عبد الملك "1"، عامر بن عبد الله بن الزبير "2"، عبد الله بن الفضل "1"، عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك "2"، عبد الله بن أبن بكر ابن حزم "18"، عبد الله بن يزيد مولى الأسود "5"، عبد الله بن دينار "31"، أبو الزناد عبد الله بن ذكوان "64"، عبد الرحمن بن القاسم "8"، عبد الرحمن بن أبي صعصعة "3"، عبد الله بن عبد الرحمن أبو طوالة "2"، عبيد الله بن سليمان الأغر "1"، عبيد الله بن عبد الرحمن "1"، عبد الرحمن بن حرملة "1"، عبد الرحمن بن أبي عمرة "1"، عبد المجيد بن سهيل "1"، عبد ربه سعيد "2"، عبد الكريم الجزري "1"، عطاء الخراساني "1"، عمرو بن الحارث "1"، عمرو بن أبي عمرو "1"، عمرو بن يحيى ابن عمار "3"، علقمة بن أبي علقمة "2"، العلاء بن عبد الرحمن "1"، فضيل بن أبي عبد الله "1"، قطن بن وهب "1"، الزهري "18"، ابن المنكدر "4"، أبو الزبير "8"، محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة "4"، محمد بن عمرو بن حَلْحَلَة "2"، محمد بن عمارة "1"، محمد بن أبي أمامة "1"، محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة "1"، محمد بن أبي بكر الثقفي "1"، محمد بن عمرو بن علقمة "1"، محمد بن يحيى بن حبان "4"، محمد بن أبي بكر بن حزم "1"، أبو الرجال محمد "1"، موسى بن عقبة "2"، موسى بن ميسرة "2"، موسى بن أبي تميم "1"، مخرمة بن سليمان "1"، مسلم بن أبي مريم "2"، المسور بن رفاعة "1"، نافع "85"، أبو سهيل نافع بن مالك "1"، نُعيم المُجْمِر "3"، وهب بن كيسان "1"، هاشم ابن هاشم الوقاصي "1"، هلال بن أبي ميمونة "1"، هشام بن عروة "42"، يحيى بن سعيد الأنصاري "40"، يزيد بن خصيفة "3"، يزيد بن أبي زياد المدني "1"، يزيد بن عبد الله بن الهاد "3"، يزيد بن رومان "1"، يزيد بن عبد الله بن قُسيط "1"، يونس بن يوسف بن حِمَاس "2"، أبو بكر بن عمر العُمَري "1"، أبو بكر بن نافع "2"، الثقة عنده "2"، الثقة "3".

ص: 151

فعنهم كلهم ست مائة وستة وثلاثون حديثًا، وستة أحاديث عمن لم يسم، واختلف في ذلك في أحد وسبعين حديثًا.

وممن روى عنه مالك مقاطيع: عبد الكريم بن أبي المخارق، ومحمد بن عقبة، وعمر بن حسين، وكثير بن زيد، وكثير بن فرقد، ومحمد بن عبيد الله بن أبي مريم وعثمان بن حفص بن خلدة، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، ويعقوب بن يزيد بن طلحة، ويحيى بن محمد بن طحلاء، وسعيد بن عبد الرحمن بن رقيش، وعبد الرحمن بن المجبر، والصلت بن زبيد، وأبو عبيد حاجب سليمان، ومحمد بن يوسف، وعفيف بن عمرو، ومحمد بن زيد بن قنفذ، وأبو جعفر القارئ، وعمر بن محمد بن زيد، وصدقة بن يسار المكي، وزياد بن أبي زياد، وعمارة بن صياد، وسعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت، وسعيد بن عمرو بن سليم، وعروة بن أذينة، وأيوب بن موسى، ومحمد بن أبي حرملة، وأبو بكر بن عثمان، وجميل بن عبد الرحمن المؤذن، وعبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد، وعمرو بن عبيد الله الأنصاري، وإبراهيم بن أبي عبلة، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، ويزيد بن حفص، وعاصم بن عبيد الله، وثابت الأحنف، وعبد الرحمن بن أبي حبيب، وعمر بن أبي دُلاف، وعبد الملك ابن قريز، والوليد بن عبد الله بن صياد، وعائشة بنت سعد.

وفي "الموطأ": عدة مراسيل أيضًا عن: الزهري، ويحيى الأنصاري، وهشام بن عروة. عمل الإمام الدارقطني أطراف جميع ذلك في جزء كبير، فشفى وبين، وقد كنت أفردت أسماء الرواة عنه في جزء كبير يقارب عددهم ألفًا وأربع مائة، فلنذكر أعيانهم:

حدث عنه من شيوخه: عمه؛ أبو سهيل، ويحيى بن أبي كثير، والزهري، ويحيى بن سعيد، ويزيد بن الهاد، وزيد بن أبي أنيسة، وعمر بن محمد بن زيد، وغيرهم.

ومن أقرانه: معمر، وابن جريج، وأبو حنيفة، وعمرو بن الحارث، والأوزاعي، وشعبة، والثوري، وجويرية بن أسماء، والليث، وحماد بن زيد، وخلق وإسماعيل بن جعفر، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، والدراوردي، وابن أبي الزناد، وابن عُلية، ويحيى بن أبي زائدة، وأبو إسحاق الفزاري، ومحمد بن الحسن الفقيه، وعبد الرحمن بن القاسم، وعبد الرحمن بن مهدي، ومعن بن عيسى القزاز، وعبد الله بن وهب، وأبو قرة موسى بن طارق، والنعمان بن عبد السلام، ووكيع، والوليد بن مسلم، ويحيى القطان، وإسحاق بن سليمان الرازي، وأنس بن عياض الليثي، وضمرة بن ربيعة، وأمية بن خالد، وبشر بن السري الأفوه، وبقية بن الوليد، وبكر بن الشرود الصنعاني، وأبو أسامة، وحجاج بن محمد، وروح بن عبادة، وأشهب بن عبد العزيز، وأبو عبد الله الشافعي، وعبد الله بن

ص: 152

عبد الحكم، وزياد بن عبد الرحمن شبطون الأندلسي، وأبو داود الطيالسي، وأبو كامل مظفر بن مدرك، وأبو عاصم النبيل، وعبد الرزاق، وأبو عامر العقدي، وأبو مسهر الدمشقي، وعبد الله بن نافع الصائغ، وعبد الله بن عثمان المروزي عبدان، ومروان بن محمد الطاطري، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وأبو نعيم الفضل بن دُكين، ومعلى بن منصور الرازي، ومنصور بن سلمة الخزاعي، والهيثم بن جميل الأنطاكي، وهشام بن عبيد الله الرازي، وأسد بن موسى، وآدم بن أبي إياس، ومحمد بن عيسى بن الطباع، وخالد بن مخلد القطواني، ويحيى بن صالح الوحاظي، وأبو بكر، وإسماعيل ابنا أبي أويس، وعلي بن الجعد، وخلف بن هشام، ويحيى بن يحيى التميمي، ويحيى بن يحيى الليثي، وسعيد بن منصور، ويحيى بن بكير، وأبو جعفر النفيلي، وقتيبة بن سعيد، ومصعب بن عبد الله الزبيري، وأبو مصعب الزهري، وأحمد بن يونس اليربوعي، وسويد بن سعيد، ومحمد بن سليمان لوين، وهشام بن عمار، وأحمد بن حاتم الطويل، وأحمد بن نصر الخزاعي الشهيد، وأحمد بن محمد الأزرقي، وإبراهيم بن يوسف البلخي الماكياني، وإبراهيم بن سليمان الزيات البلخي، وإسماعيل بن موسى الفزاري، وإسحاق بن عيسى بن الطباع أخو محمد، وإسحاق بن محمد الفروي، وإسحاق بن الفرات، وإسحاق بن إبراهيم الحُنَيْنِي، وبشر ابن الوليد الكندي، وحبيب بن أبي كاتب مالك، والحكم بن المبارك الخاشتي، وخالد بن خداش المهلبي، وخلف بن هشام البزار، وزهير ابن عباد الرؤاسي، وسعيد بن عُفَير المصري، وسعيد بن داود الزبيري، وسعيد بن أبي مريم، وأبو الربيع سليمان بن داود الزهراني، وصالح بن عبد الله الترمذي، وعبد الله بن نافع بن ثابت الزبيري، وعبد الله بن نافع الجمحي، وعبد الرحمن بن عمرو البجلي الحراني، وعبد الأعلى بن حماد النَّرسي، وعبد العزيز بن يحيى المدني، وأبو نعيم، وعبيد بن هشام الحلبي، وعلي بن عبد الحميد المَعْني، وعتبة بن عبد الله اليحمدي المروزي، وعمرو بن خالد الحراني، وعاصم بن علي الواسطي، وعباس بن الوليد النرسي، وكامل بن طلحة، ومحمد بن معاوية النيسابوري، ومحمد بن عمر الواقدي، وأبو الأحوص محمد بن حبان البغوي، ومحمد بن جعفر الوَركاني، ومحمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، ومنصور بن أبي مُزاحم، ومُطرِّف بن عبد الله اليساري، ومحرز بن سلمة العدني، ومحرز بن عون، والهيثم بن خارجة، ويحيى بن قَزَعة المدني، ويحيى بن سليمان بن نضلة المدني، ويزيد بن صالح النيسابوري الفراء.

وآخر أصحابه موتًا: راوي "الموطأ"؛ أبو حُذافة أحمد بن إسماعيل السهمي، عاش بعد مالك ثمانين عامًا.

ص: 153

وقد حج قديمًا، ولحق عطاء بن أبي رباح، فقال مصعب الزبيري: سمعت ابن أبي الزبير يقول: حدثنا مالك، قال: رأيت عطاء بن أبي رباح دخل المسجد، وأخذ برمانة المنبر، ثم استقبل القبلة.

قال معن والواقدي، ومحمد بن الضحاك: حملت أم مالك بمالك ثلاث سنين. وعن الواقدي، قال: حملت به سنتين.

وطلب مالك العلم وهو ابن بضع عشرة سنة، وتأهل للفتيا، وجلس للإفادة، وله إحدى وعشرون سنة، وحدث عنه جماعة وهو حي شاب طري، وقصده طلبة العلم من الآفاق في آخر دولة أبي جعفر المنصور، وما بعد ذلك، وازدحموا عليه في خلافة الرشيد، وإلى أن مات.

أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الغني المُعَدَّل، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا محمد بن أبي القاسم الخطيب، قالا: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي، أخبرنا علي بن محمد بن محمد الأنباري، أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي، أخبرنا محمد ابن مخلد، حدثنا أبو يحيى محمد بن سعيد بن غالب العطار، حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم، فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة"

(1)

.

وبه: إلى ابن مخلد: حدثنا ليث بن الفرج، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يضربون أكباد الإبل

"، فذكر الحديث

(2)

. هذا حديث نظيف الإسناد، غريب المتن. رواه: عدة، عن سفيان بن عيينة.

وفي لفظ: "يوشك أن يضرب الناس آباط الإبل يلتمسون العلم".

وفي لفظ: "من عالم بالمدينة". وفي لفظ: "أفقه من عالم المدينة".

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد "2/ 299"، والترمذي "2682"، وابن حبان "2308"، والحاكم "1/ 91"، والبيهقي "1/ 386" من طريق سفيان بن عيينة، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه ابن جريج، وأبو الزبير المكي، وهما مدلسان، وقد عنعناه.

(2)

ضعيف: فيه ابن جريج، وأبو الزبير المكي، وهما مدلسان، وقد عنعناه.

ص: 154

وقد رواه المحاربي، عن ابن جريج موقوفًا، ويروى عن: محمد بن عبد الله الأنصاري، عن ابن جريج، مرفوعًا.

وقد رواه النسائي فقال: حدثنا علي بن أحمد، حدثنا محمد بن كثير، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يضربون أكباد الإبل، فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة". قال النسائي: هذا خطأ، الصواب: عن أبي الزبير، عن أبي صالح.

معن بن عيسى، عن أبي المنذر زهير التميمي، قال: قال عبيد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج ناس من المشرق والمغرب في طلب العلم، فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة"

(1)

.

ويروى عن ابن عيينة، قال: كنت أقول: هو سعيد بن المسيب، حتى قلت: كان في زمانه سليمان بن يسار، وسالم بن عبد الله، وغيرهما. ثم أصبحت اليوم أقول: إنه مالك، لم يبق له نظير بالمدينة.

قال القاضي عياض: هذا هو الصحيح عن سفيان. رواه عنه ابن مهدي، وابن معين، وذؤيب بن عِمَامة

(2)

، وابن المديني، والزبير بن بكار، وإسحاق بن أبي إسرائيل، كلهم سمع سفيان يفسره بمالك، أو يقول: وأظنه، أو أحسبه، أو أراه، أو كانوا يرونه.

وذكر أبو المغيره المخزومي أن معناه: ما دام المسلمون يطلبون العلم لا يجدون أعلم من عالم بالمدينة. فيكون على هذا سعيد بن المسيب، ثم بعده من هو من شيوخ مالك، ثم مالك، ثم من قام بعده بعلمه، وكان أعلم أصحابه.

قلت: كان عالم المدينة في زمانه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، زيد بن ثابت، وعائشة، ثم ابن عمر، ثم سعيد بن المسيب، ثم الزهري، ثم عبيد الله بن عمر، ثم مالك.

وعن ابن عيينة قال: مالك عالم أهل الحجاز، وهو حجة زمانه.

وقال الشافعي -وصدق وبر: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.

قال الزبير بن بكار في حديث: "ليضربن الناس أكباد الإبل

". كان سفيان بن عيينة

(1)

ضعيف: فيه الانقطاع بين سعيد بن أبي هند وأبي موسى الأشعري.

(2)

ذؤيب بن عِمَامة السهمي، ضعفه الدارقطني وغيره، وساق له الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال" حديثا منكرا في ترجمته "2/ ترجمة 2700".

ص: 155

إذا حدث بهذا في حياة مالك، يقول: أراه مالكًا. فأقام على ذلك زمانًا ثم رجع بعد، فقال: أراه عبد الله بن عبد العزيز العمري الزاهد.

قال ابن عبد البر، وغير واحد: ليس العمري ممن يلحق في العلم والفقه بمالك، وإن كان شريفًا سيدًا، عابدًا.

قال أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا مصعب، قال: أخبرنا سفيان: نرى هذا الحديث أنه هو مالك، وكان سفيان يسألني عن أخبار مالك.

قلت: قد كان لهذا العمري علم وفقه جيد وفضل، وكان قوالا بالحق، أمارًا بالعرف، منعزلًا عن الناس، وكان يحض مالكًا إذا خلا به على الزهد، والانقطاع والعزلة، فرحمهما الله.

فصل:

ولم يكن بالمدينة عالم من بعد التابعين يشبه مالكًا في العلم، والفقه، والجلالة، والحفظ، فقد كان بها بعد الصحابة مثل سعيد بن المسيب، والفقهاء السبعة

(1)

، والقاسم، وسالم، وعكرمة، ونافع، وطبقتهم، ثم زيد بن أسلم، وابن شهاب، وأبي الزناد، ويحيى بن سعيد، وصفوان بن سليم، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وطبقتهم، فلما تفانوا، اشتهر ذكر مالك بها، وابن أبي ذئب، وعبد العزيز بن الماجشون، وسليمان بن بلال، وفُليح بن سليمان، والدراوردي، وأقرانهم، فكان مالك هو المقدم فيهم على الإطلاق، والذي تضرب إليه آباط الإبل من الآفاق -رحمه الله تعالى-.

وقد وقع لي من عواليه "موطأ" أبي مصعب

(2)

. وفي الطريق إجازة، ووقع لي من

(1)

الفقهاء السبعة هم:

1 -

سعيد بن المسيب.

2 -

سليمان بن يسار الهلالي.

3 -

عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي.

4 -

عروة بن الزبير.

5 -

القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.

6 -

أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني.

7 -

خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري.

وقد قيل فيهم:

إذا قيل من في العلم سبعة أبحر

مقالة حق ليست عن الحق خارجه

فقل هم عبيد الله عروة قاسم

سعيد أبو بكر سليمان خارجه

(2)

أبو مصعب: هو الإمام الفقيه أحمد بن بكر الزهري العوفي المدني أحد الأثبات وشيخ أهل المدينة وقاضيهم ومحدثهم، ولد سنة خمسين ومائة ولزم مالكا وتفقه به. قال الدارقطني: أبو مصعب ثقة في الموطأ. قال الزبير بن بكار: أبو مصعب هو فقيه أهل المدينة غير مدافع. مات على القضاء في رمضان سنة اثنتين وتسعين ومائتين. ترجمته في تذكرة الحفاظ "رقم 497".

ص: 156

عالي حديثه بالاتصال أربعون حديثًا من المائة الشُّريحية، وجزء بِيْبَى

(1)

، وجزء البانياسي

(2)

، والأجزاء المحامليات

(3)

، فمن ذلك:

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الهمداني، قال: أخبرنا أبو المحاسن محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدينوري ببغداد سنة عشرين وست مائة، أخبرنا عمي أبو بكر محمد بن عبد العزيز في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا عبد الواحد بن محمد الفارسي، حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي، حدثنا أحمد بن إسماعيل المدني، حدثنا مالك، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أبي يونس مولى عائشة، عن عائشة أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واقف على الباب وأنا أسمع: يا رسول الله إني أصبح جنبًا، وأنا أريد الصيام، أفأغتسل وأصوم ذلك اليوم? فقال:"وأنا أصبح جنبًا وأنا أريد الصيام، فأغتسل وأصوم ذلك اليوم". فقال له الرجل: يا رسول الله! إنك لست مثلنا، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي"

(4)

.

هذا حديث صحيح. أخرجه: أبو داود، عن القعنبي، عن مالك، ورواه النسائي في "مسند مالك" له، عن محمد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن القاسم الفقيه، عن مالك.

وروى النسائي هذا المتن بنحوه، عن أحمد بن حفص النيسابوري، عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان، عن حجاج بن حجاج، عن قتادة، عن عبد ربه، عن أبي عياض، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن نافع مولى أم سلمة، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا إسناد

(1)

هي: بيبى بنت عبد الرحمن بن علي أم الفضل الهرثمية الهروية، لها جزء حديثي مشهورة به، توفيت سنة "477" وقيل بعد ذلك. ترجمتها في "العبر""3/ 287".

(2)

البانياسي: هو أبو عبد الله مالك بن أحمد بن علي بن الفراء البانياسي البغدادي المتوفى سنة "485 هـ". ترجمته في "العبر""3/ 208".

(3)

الأجزاء المحامليات للمحاملي: وهو القاضي الإمام العلامة الحافظ شيخ بغداد ومحدثها أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي البغدادي، ولد في أول سنة خمس وثلاثين ومائتين. قال الخطيب: كان فاضلا دينا صادقا شهد عند القضاة، وله عشرون سنة، وولي قضاء الكوفة ستين سنة. وقال أبو بكر الداودي: كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل، وكان محمودا في ولايته، عقد بالكوفة سنة سبعين ومائتين في داره مجلسا للفقه، فلم يزل أهل العلم والنظر يختلفون إليه. مات سنة ثلاثين وثلاثمائة. ترجمته في تذكرة الحفاظ "رقم 808".

(4)

صحيح: أخرجه مالك "1/ 389"، ومسلم "1110"، وأبو داود "2389"، وأحمد "6/ 67" من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري، به.

ص: 157

غريب

(1)

، عزيز

(2)

، قد توالى فيه خمسةٌ تابعيون، بعضهم عن بعض، ومن حيث العدد كأنني صافحت

(3)

فيه النسائي.

ورواه أيضًا: ابن أبي عروبة، عن قتادة بإسناده، لكنه لم يسم فيه نافعًا، بل قال: عن مولى أم سلمة، عنها. وحديث عائشة هو في صحيح مسلم، من طريق إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الرحمن، وهو أبو طوالة. ولم يخرج البخاري لأبي يونس شيئًا فيما علمت، والله أعلم.

قال أبو عبد الله الحاكم -وذكر سادة من أئمة التابعين بالمدينة، كابن المسيب ومن بعده- قال: فما ضربت أكباد الإبل من النواحي إلى أحد منهم دون غيره، حتى انقرضوا، وخلا عصرهم، ثم حدث مثل ابن شهاب، وربيعة، ويحيى بن سعيد، وعبد الله بن يزيد بن هرمز، وأبي الزناد، وصفوان بن سليم، وكلهم يفتي بالمدينة، ولم ينفرد واحد منهم بأن ضربت إليه أكباد الإبل، حتى خلا هذا العصر، فلم يقع بهم التأويل في عالم أهل المدينة. ثم حدث بعدهم مالك، فكان مفتيها فضربت إليه أكباد الإبل من الآفاق، واعترفوا له، وروت الأئمة عنه ممن كان أقدم منه سنًّا، كالليث عالم أهل مصر، والمغرب، وكالأوزاعي عالم أهل الشام ومفتيهم، والثوري، وهو المقدم بالكوفة، وشعبة عالم أهل البصرة. إلى أن قال: وحمل عنه قبلهم يحيى بن سعيد الأنصاري حين ولاه أبو جعفر قضاء القضاة، فسأل مالكًا أن يكتب له مائة حديث حين خرج إلى العراق، ومن قبل كان ابن جريج حمل عنه.

أبو مصعب: سمعت مالكًا يقول: دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين، وقد نزل على مثال له -يعني: فرشه- وإذا على بساطه دابتان، ما تروثان وتبولان، وجاء صبي يخرج ثم يرجع، فقال لي: أتدري من هذا? قلت: لا. قال: هذا ابني، وإنما يفزع من هيبتك. ثم ساءلني عن أشياء، منها حلال ومنها حرام، ثم قال لي: أنت -والله- أعقل الناس وأعلم الناس. قلت: لا والله يا أمير المؤمنين! قال: بلى، ولكنك تكتم. ثم قال: والله لئن بقيت، لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف، ولأبعثن به إلى الآفاق، فلأحملهنم عليه.

الحسن بن عبد العزيز الجروي: حدثنا عبد الله بن يوسف، عن خلف بن عمر: سمع

(1)

الغريب: ما رواه راو واحد في طبقة واحدة من طبقات السند أو راو واحد في كل طبقة أو بعض طبقاته.

(2)

العزيز: ما رواه اثنان في كل طبقة من طبقات السند، ولا يقل عن اثنين في جميع طبقاته.

(3)

أي: كأنه تساوى مع النسائي في عدد رجال السند.

ص: 158

مالكًا يقول: ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني: هل تراني موضعًا لذلك? سألت ربيعه، وسألت يحيى بن سعيد، فأمراني بذلك. فقلت: فلو نهوك? قال: كنت أنتهي، لا ينبغي للرجل أن يبذل نفسه حتى يسأل من هو أعلم منه.

قال خلف: ودخلت عليه، فقال: ما ترى? فإذا رؤيا بعثها بعض إخوانه، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، في مسجد قد اجتمع الناس عليه، فقال لهم: إني قد خبأت تحت منبري طيبًا أو علمًا، وأمرت مالكًا أن يفرقه على الناس، فانصرف الناس وهم يقولون: إذًا ينفذ مالك ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم بكى، فقمت عنه.

أحمد بن صالح: سمعت ابن وهب يقول: قال مالك: لقد سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة، ما حدثت بها قط، ولا أحدث بها.

ونصر بن علي الجَهْضَمِي

(1)

: حدثني حسين بن عروة، قال: قال قدم المهدي، فبعث إلى مالك بألفي دينار -أو قال: بثلاثة آلاف دينار- ثم أتاه الربيع بعد ذلك، فقال: إن أمير المؤمنين يحب أن تعادله

(2)

إلى مدينة السلام، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون". والمال عندي على حاله

(3)

.

ومحمد بن غيلان: حدثنا إسماعيل بن داود المِخْراقي، سمعت مالكًا يقول: أخذ ربيعة

(1)

هو: نصر بن علي بن صُهْبان، الأزْدي، الجَهْضَمي البصري، ثقة من الطبقة السابعة، وهي طبقة كبار أتباع التابعين، روى له أصحاب السنن الأربعة.

(2)

أي: تصاحبه في سفره.

(3)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 887 - 888"، ومن طريقه أخرجه أحمد "5/ 220"، والبخاري "1875"، والطبراني "6408"، والبغوي "2018" عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن سفيان بن زهير، وأخرجه عبد الرزاق "17159"، وأحمد "5/ 220"، والحميدي "865"، ومسلم "1388"، والطبراني "6407" و"6409" و"6410" و"6411" و"6412"، والبيهقي في "دلائل النبوة""6/ 320"، والبغوي "2018" من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، به مرفوعا ولفظه:"تُفتح الشام فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون -أي يتحملون بأهليهم- والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. ثم تفتح اليمن فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح العراق فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كان يعلمون". واللفظ لمسلم.

وقيل: معنى يبسون: أي يدعون الناس إلى بلاد الخصب. وهو قول إبراهيم الحربي.

وقال أبو عبيد: معناه يسوقون. والبسُّ سوق الإبل.

وقال ابن وهب: معناه يزينون لهم البلاد ويحببونها إليهم ويدعونهم إلى الرحيل إليها.

ص: 159

الرأي بيدي، فقال: ورب هذا المقام، ما رأيت عراقيًّا تام العقل، وسمعت مالكًا يقول: كان عطاء بن أبي رباح ضعيف العقل.

ياسين بن عبد الأحد، حدثني عمر بن المحبر الرُّعيني، قال: قدم المهدي المدينة، فبعث إلى مالك، فأتاه، فقال لهارون وموسى: اسمعا منه فبعث إليه، فلم يجبهما، فأعلما المهدي، فكلمه فقال: يا أمير المؤمنين! العلم يؤتى أهله. فقال: صدق مالك، صيرا إليه. فلما صارا إليه، قال له مؤدبهما: اقرأ علينا. فقال: إن أهل المدينة يقرءون على العالم، كما يقرأ الصبيان على المعلم، فإذا أخطئوا، أفتاهم. فرجعوا إلى المهدي، فبعث إلى مالك، فكلمه، فقال: سمعت ابن شهاب يقول: جمعنا هذا العلم في الروضة من رجال، وهم يا أمير المؤمنين: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، وعروة، والقاسم، وسالم، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، ونافع، وعبد الرحمن بن هرمز، ومن بعدهم: أبو الزناد، وربيعة، ويحيى بن سعيد، وابن شهاب، كل هؤلاء يقرأ عليهم، ولا يقرءون. فقال: في هؤلاء قدوة، صيروا إليه، فاقرءوا عليه، ففعلوا.

قتيبة، حدثنا معن، عن مالك، قال: قدم هارون يريد الحج، ومعه يعقوب أبو يوسف، فأتى مالك أمير المؤمنين، فقربه، وأكرمه، فلما جلس، أقبل إليه أبو يوسف، فسأله عن مسألة، فلم يجبه، ثم عاد، فسأله فلم يجبه، ثم عاد، فسأله، فقال هارون: يا أبا عبد الله! هذا قاضينا يعقوب يسألك. قال: فأقبل عليه مالك، فقال: يا هذا! إذا رأيتني جلست لأهل الباطل فتعال، أجبك معهم.

السراج: حدثنا قتيبة: كنا إذا دخلنا على مالك، خرج إلينا مُزَيَّنًا، مكحلا، مطيبًا، قد لبس من أحسن ثيابه، وتصدر الحلقة، ودعا بالمراوح، فأعطى لكل منا مروحة.

محمد بن سعد: حدثني محمد بن عمر، قال: كان مالك يأتي المسجد، فيشهد الصلوات، والجمعة، والجنائز، ويعود المرضى، ويجلس في المسجد، فيجتمع إليه أصحابه، ثم ترك الجلوس، فكان يصلي وينصرف، وترك شهود الجنائز، ثم ترك ذلك كله والجمعة، واحتمل الناس ذلك كله، وكانوا أرغب ما كانوا فيه، وربما كلم في ذلك فيقول: ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره.

وكان يجلس في منزله على ضجاعٍ له، ونمارق

(1)

مطروحة في منزله يمنة ويسرة لمن يأتيه من قريش والأنصار والناس.

(1)

النَّمارق: جمع نمرقة وهي الوسادة.

ص: 160

وكان مجلسه مجلس وقار وحلم. قال: وكان رجلا مهيبًا، نبيلا، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط، ولا رفع صوت، وكان الغرباء يسألونه عن الحديث، فلا يجيب إلا في الحديث بعد الحديث، وربما أذن لبعضهم يقرأ عليه، وكان له كاتب قد نسخ كتبه، يقال له: حبيب، يقرأ للجماعة، ولا ينظر أحد في كتابه ولا يستفهم هيبة لمالك، وإجلالا له، وكان حبيب إذا قرأ فأخطأ فتح عليه مالك، وكان ذلك قليلا.

ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: ما أكثر أحد قط، فأفلح.

حرملة: حدثنا ابن وهب، قال لي مالك: العلم ينقص ولا يزيد، ولم يزل العلم ينقص بعد الأنبياء والكتب.

أحمد بن مسعود المقدسي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني، قال: كان مالك يقول: والله ما دخلت على ملك من هؤلاء الملوك، حتى أصل إليه، إلا نزع الله هيبته من صدري.

حرملة: حدثنا ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: أعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع.

هارون بن موسى الفروي: سمعت مصعبًا الزبيري يقول: سأل هارون الرشيد مالكًا -وهو في منزله، ومعه بنوه- أن يقرأ عليهم. قال: ما قرأت على أحد منذ زمان، وإنما يقرأ عليَّ. فقال: أخرج الناس حتى أقرا أنا عليك. فقال: إذا مُنع العام لبعض الخاص، لم ينتفع الخاص. وأمر معن بن عيسى، فقرأ عليه.

إسماعيل بن أبي أويس، قال: سألت خالي مالكًا عن مسألة، فقال لي: قِرّ، ثم توضأ، ثم جلس على السرير، ثم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وكان لا يفتي حتى يقولها.

ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: ما تعلمت العلم إلا لنفسي، وما تعلمت ليحتاج الناس إليَّ، وكذلك كان الناس.

إسماعيل القاضي: سمعت أبا مصعب يقول: لم يشهد مالك الجماعة خمسًا وعشرين سنة، فقيل له: ما يمنعك? قال: مخافة أن أرى منكرًا، فأحتاج أن أغيره.

إبراهيم الحزامي: حدثني مطرف بن عبد الله: قال لي مالك: ما يقول الناس فيّ? قلت: أما الصديق فيثني، وأما العدو فيقع. فقال: ما زال الناس كذلك، ولكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة كلها.

ص: 161

أحمد بن سعيد الرباطي: سمعت عبد الرزاق يقول: سأل سندل

(1)

مالكًا عن مسألة، فأجابه، فقال: أنت من الناس، أحيانًا تخطئ، وأحيانًا لا تصيب قال: صدقت، هكذا الناس. فقيل لمالك: لم تدر ما قال لك? ففطن لها، وقال: عهدت العلماء، ولا يتكلمون بمثل هذا، وإنما أجيبه على جواب الناس.

حرملة: حدثنا ابن وهب، سمعت مالكًا يقول: ليس هذا الجدل من الدين بشيء.

ابن وهب عن مالك، قال: دخلت على المنصور، وكان يدخل عليه الهاشميون، فيقبلون يده ورجله، وعصمني الله من ذلك.

الحارث بن مسكين: أخبرنا ابن القاسم، قال: قيل لمالك: لِمَ لم تأخذ عن عمرو بن دينار? قال: أتيته، فوجدته يأخذون عنه قيامًا، فأجللت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذه قائمًا.

إبراهيم بن المنذر: حدثنا معن، وغيره عن مالك، قال: لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه، وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس، وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل، إذا كان لا يحفظ ما يحدث به.

أصبغ: حدثنا ابن وهب عن مالك -وسئل عن الصلاة خلف أهل البدع القدرية وغيرهم- فقال: لا أرى أن يصلى خلفهم. قيل: فالجمعة? قال: إن الجمعة فريضة، وقد يذكر عن الرجل الشيء وليس هو عليه. فقيل له: أرأيت إن استيقنت، أو بلغني من أثق به، أليس لا أصلي الجمعة خلفه? قال: إن استيقنت. كأنه يقول: إن لم يستيقن ذلك، فهو في سعة من الصلاة خلفه.

أبو يوسف أحمد بن محمد الصيدلاني: سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول: كنت عند مالك، فنظر إلى أصحابه، فقال: انظروا أهل المشرق، فأنزلوهم بمنزلة أهل الكتاب إذا حدثوكم، فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم ثم التفت، فرآني، فكأنه استحيى، فقال: يا أبا عبد الله! أكره أن تكون غيبة، هكذا أدركت أصحابنا يقولون.

قلت: هذا القول من الإمام قاله لأنه لم يكن له اعتناء بأحوال بعض القوم، ولا خبر

(1)

سندل: هو لقب عمر بن قيس المكي، تركه أحمد والنسائي، والدارقطني. وقال يحيى: ليس بثقة. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أحمد أيضا: أحاديثه بواطيل.

ص: 162

تراجمهم، وهذا هو الورع، ألا تراه لما خبر حال أيوب السختياني العراقي كيف احتج به، وكذلك حميد الطويل، وغيره واحد ممن روى عنهم. وأهل العراق كغيرهم، فيهم الثقة الحجة، والصدوق، والفقيه، والمقرئ، والعابد، وفيهم الضعيف، والمتروك، والمتهم. وفي "الصحيحين" شيء كثير جدًّا من رواية العراقيين رحمهم الله.

وفيهم من التابعين كمثل: علقمة، ومسروق، وعبيدة، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، وإبراهيم، ثم الحكم، وقتادة، ومنصور، وأبي إسحاق، وابن عون، ثم مسعر، وشعبة، وسفيان، والحمادين، وخلائق أضعافهم -رحم الله الجميع. وهذه الحكاية رواها: الحاكم، عن النجاد، عن هلال بن العلاء، عن الصيدلاني.

صفة الإمام مالك:

عن عيسى بن عمر، قال: ما رأيت قط بياضًا، ولا حمرة أحسن من وجه مالك، ولا أشد بياض ثوب من مالك.

ونقل غير واحد أنه كان طوالا، جسيمًا، عظيم الهامة، أشقر، أبيض الرأس واللحية، عظيم اللحية، أصلع، وكان لا يحفي شاربه، ويراه مثلة.

وقيل: كان أزرق العين، روى بعض ذلك: ابن سعد، عن مطرف بن عبد الله.

وقال محمد بن الضحاك الحزامي: كان مالك نقي الثوب، رقيقه، يكثر اختلاف اللبوس.

وقال الوليد بن مسلم: كان مالك يلبس البياض، ورأيته والأوزاعي يلبسان السيجان

(1)

.

قال أشهب: كان مالك إذا اعتم، جعل منها تحت ذقنه، ويسدل طرفها بين كتفيه.

وقال خالد بن خداش: رأيت على مالك طيلسانًا وثيابًا مروية جيادًا.

وقال أشهب: كان إذا اكتحل للضرورة جلس في بيته.

وقال مصعب: كان يلبس الثياب العدنية ويتطيب.

وقال أبو عاصم: ما رأيت محدثًا أحسن وجهًا من مالك.

(1)

السِّيجان: الطيالسة السود أو الخضر، واحدها ساج.

ص: 163

وقيل: كان شديد البياض إلى صفرة، أعين

(1)

، أشم

(2)

، كان يوفر سبلته

(3)

، ويحتج بفتل عمر شاربه.

وقال ابن وهب: رأيت مالكًا خضب بحناء مرة.

وقال أبو مصعب: كان مالك من أحسن الناس وجهًا، وأجلاهم عينًا، وأنقاهم بياضًا، وأتمهم طولًا، في جودة بدن.

وعن الواقدي: كان ربعة، لم يخضب، ولا دخل الحمام.

وعن بشر بن الحارث، قال: دخلت على مالك، فرأيت عليه طيلسانًا يساوي خمسمائة، وقد وقع جناحاه على عينيه أشبه شيء بالملوك.

وقال أشهب: كان مالك إذا اعتم، جعل منها تحت حنكه، وأرسل طرفها خلفه، وكان يتطيب بالمسك وغيره.

وقد ساق القاضي عياض من وجوه: حسن بزة الإمام ووفور تجمله.

في نسب مالك اختلاف مع اتفاقهم على أنه عربي أصبحي، فقيل في جده الأعلى: عوف بن مالك بن زيد بن عامر بن ربيعة بن بنت مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وإلى قحطان جماع اليمن. ولم يختلفوا أن الأصبحيين من حمير، وحمير فمن قحطان.

نعم، وغيمان في نسبه المشهور بغين معجمة، ثم بآخر الحروف على المشهور وقيل: عثمان على الجادة، وهذا لم يصح. وخثيل بخاء معجمة، ثم بمثلثة. قاله ابن سعد وغيره وقال إسماعيل بن أبي أويس، والدارقطني: جُثَيْل: بجيم، ثم بمثلثة، وقيل: حنبل، وقيل: حِسْل وكلاهما تصحيف.

قال القاضي عياض: اختلف في نسب ذي أصبح، احتلافًا كثيرًا.

مولده: تقدم أنه سنة ثلاث وتسعين. قاله يحيى بن بُكَير، وغيره. وقيل: سنة أربع. قاله: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وعمارة بن وَثِيمة، وغيرهما. وقيل: سنة سبع، وهو شاذ.

(1)

أعين: أي ضخم العين واسعها.

(2)

الشمم: ارتفاع قصبة الأنف واستواء أعلاها وإشراف الأرنبة قليلا.

(3)

السَّبَلَة بالتحريك: الشَّارب، والجمعُ السِّبَال.

ص: 164

قال خليفة بن خياط، وإسماعيل بن أبي أويس: ذو أصبح من حمير.

وروي عن ابن إسحاق أنه زعم أن مالكًا وآله موالي بني تيم، فأخطأ، وكان ذلك أقوى سبب في تكذيب الإمام مالك له، وطعنه عليه.

وقد كان مالك إمامًا في نقد الرجال، حافظًا، مجودًا، متقنًا.

قال بشر بن عمر الزهراني: سألت مالكًا عن رجل، فقال: هل رأيته في كتبي? قلت: لا. قال: لو كان ثقة، لرأيته في كتبي.

فهذا القول يعطيك بأنه لا يروي إلا عمن هو عنده ثقة، ولا يلزم من ذلك أنه يروي عن كل الثقات، ثم لا يلزم مما قال أن كل من روى عنه -وهو عنده ثقة- أن يكون ثقة عند باقي الحفاظ، فقد يخفى عليه من حال شيخه ما يظهر لغيره، إلا أنه بكل حال كثير التحري في نقد الرجال رحمه الله.

ابن البرقي: حدثنا عثمان بن كنانة، عن مالك، قال: ربما جلس إلينا الشيخ، فيحدث جل نهاره، ما نأخذ عنه حديثًا واحدًا، وما بنا أن نتهمه، ولكن لم يكن من أهل الحديث.

إسماعيل القاضي: حدثنا عتيق بن يعقوب، سمعت مالكًا يقول: حدثنا بن شهاب ببضعة وأربعين حديثًا، ثم قال: أعدها عليَّ، فأعدت عليه منها أربعين حديثًا.

وقال نصر بن علي: حدثنا حسين بن عروة، عن مالك، قال: قدم علينا الزهري، فأتيناه ومعنا ربيعة، فحدثنا بنيف وأربعين حديثًا، ثم أتيناه من الغد، فقال: انظروا كتابًا حتى أحدثكم منه، أرأيتم ما حدثتكم به أمس، أيش في أيديكم منه? فقال ربيعة: ههنا من يرد عليك ما حدثت به أمس. قال: ومن هو? قال: ابن أبي عامر. قال: هات. فسرد له أربعين حديثًا منها. فقال الزهري: ما كنت أرى أنه بقي من يحفظ هذا غيري.

قال البخاري عن علي بن عبد الله: لمالك نحو من ألف حديث.

قلت: أراد ما اشتهر له في "الموطأ" وغيره، وإلا فعنده شيء كثير، ما كان يفعل أن يرويه.

وروى علي بن المديني، عن سفيان، قال: رحم الله مالكًا، ما كان أشد انتقاده للرجال.

ابن أبي خيثمة: حدثنا ابن معين، قال ابن عيينة: ما نحن عند مالك، إنما كنا نتبع آثار مالك، وننظر الشيخ، إن كان كتب عنه مالك، كتبنا عنه.

وروى طاهر بن خالد الأيلي، عن أبيه، عن ابن عيينة، قال: كان مالك لا يُبَلِّغ من

ص: 165

الحديث إلا صحيحًا، ولا يحدث إلا عن ثقة، ما أرى المدينة إلا ستَخربُ بعد موته -يعني: من العلم.

الطحاوي: حدثنا يونس، سمعت سفيان -وذكر حديثًا- فقالوا: يخالفك فيه مالك. فقال: أتقرنني بمالك? ما أنا وهو إلا كما قال جرير:

وابن اللبون إذا ما لز في قرن

لم يستطع صولة البزل القناعيس

(1)

ثم قال يونس: سمعت الشافعي يقول: مالك وابن عيينة القرينان، ولولا مالك وابن عيينة، لذهب علم الحجاز.

وهب بن جرير، وغيره، عن شعبة، قال: قدمت المدينة بعد موت نافع بسنة، ولمالك بن أنس حَلْقة.

وقال حماد بن زيد: حدثنا أيوب، قال: لقد كان لمالك حلقة في حياة نافع.

وقال أشهب: سألت المغيرة بن عبد الرحمن عن مالك وابن الماجشون، فرفع مالكًا، وقال: ما اعتدلا في العلم قط.

ابن المديني: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: أخبرني وهيب -وكان من أبصر الناس بالحديث والرجال- أنه قدم المدينة، قال: فلم أر أحدًا إلا تعرف وتنكر إلا مالكًا، ويحيى بن سعيد الأنصاري.

قال عبد الرحمن: لا أقدم على مالك في صحة الحديث أحدًا.

وقال ابن لهيعة: قلت لأبي الأسود: من للرأي بعد ربيعة بالمدينة? قال: الغلام الأصبحي.

الحارث بن مسكين: سمعت ابن وهب يقول: لولا أني أدركت مالكًا والليث، لضللت.

هارون بن سعيد: سمعت ابن وهب ذكر اختلاف الحديث والروايات، فقال: لولا أني لقيت مالكًا، لضللت.

(1)

ابن اللبون: ما أوفى على ثلاث سنين. لُزَّ: رُبط. القَرَن: الحبل الذي يشد به البعيران ونحوهما فيقرنان معا. البُزْل: جمع بازل: البعير الذي دخل في السنة التاسعة. والقناعيس: جمع قِنعاس: الجمل الضخم العظيم الشديد القوة. قال البغدادي في "خزانة الأدب": ضربه مثلا لمن يعارضه ويهاجيه، يقول: من رام إدراكي كان بمنزلة ابن اللبون إذا قرن في قرن مع البازل القنعاس، إن صال عليه لم يقدر على دفع صولته ومقاومته، وإن رام النهوض معه قصر عن عدوته.

ص: 166

وقال يحيى القطان: ما في القوم أصح حديثًا من مالك، كان إمامًا في الحديث. قال: وسفيان الثوري فوقه في كل شيء.

قال الشافعي: قال محمد بن الحسن: أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرًا، وسمعت من لفظه أكثر من سبعمائة حديث، فكان محمد إذا حدث عن مالك امتلأ منزله، وإذا حدث عن غيره من الكوفيين، لم يجئه إلا اليسير.

وقال ابن أبي عمر العَدَني: سمعت الشافعي يقول: مالك مُعَلِّمي، وعنه أخذت العلم.

وعن الشافعي، قال: كان إذا شك في حديث طرحه كله.

أبو عمر بن عبد البر: حدثنا قاسم بن محمد، حدثنا خالد بن سعد، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، حدثنا إبراهيم بن نصر، سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، سمعت الشافعي، يقول: قال لي محمد بن الحسن: صاحبنا أعلم من صاحبكم -يريد أبا حنيفة ومالكًا- وما كان لصاحبكم أن يتكلم، وما كان لصاحبنا أن يسكت. فغضبت، وقلت: نشدتك الله من أعلم بالسنة، مالك أو صاحبكم? فقال: مالك، لكن صاحبنا أقيس. فقلت: نعم، ومالك أعلم بكتاب الله وناسخه ومنسوخه وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي حنيفة، ومن كان أعلم بالكتاب والسنة، كان أولى بالكلام.

قال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: ذاكرت يومًا محمد بن الحسن، ودار بيننا كلام واختلاف، حتى جعلت أنظر إلى أوداجه تدر، وأزراره تتقطع، فقلت: نشدتك بالله، تعلم أن صاحبنا كان أعلم بكتاب الله? قال: اللهم نعم. قلت: وكان عالمًا باختلاف الصحابة? قال: نعم.

قال ابن مهدي: أئمة الناس في زمانهم أربعة: الثوري، ومالك، والأوزاعي، وحماد بن زيد، وقال: ما رأيت أحدًا أعقل من مالك.

يونس بن عبد الأعلى: حدثنا ابن وهب، سمعت مالكًا -وقال له ابن القاسم: ليس بعد أهل المدينة أحد أعلم بالبيوع من أهل مصر- فقال مالك: من أين علموا ذلك? قال: منك يا أبا عبد الله. فقال: ما أعلمها أنا، فكيف يعلمونها بي?

وعن مالك، قال: جُنَّة العالم: "لا أدري"، فإذا أغفلها أصيبت مقاتله.

قال مصعب بن عبد الله: كانت حلقة مالك في زمن ربيعة مثل حلقة ربيعة وأكبر، وقد أفتى معه عند السلطان.

ص: 167

الزبير بن بكار: حدثنا مطرف، حدثنا مالك، قال: لما أجمعت التحويل عن مجلس ربيعة، جلست أنا وسليمان بن بلال في ناحية المسجد، فلما قام ربيعة، عدل إلينا، فقال: يا مالك، تلعب بنفسك زفنت

(1)

، وصفق لك سليمان، بلغت إلى أن تتخذ مجلسًا لنفسك?! ارجع إلى مجلسك.

قال الهيثم بن جميل: سمعت مالكًا سئل عن ثمانٍ وأربعين مسألة، فأجاب في اثنتين وثلاثين منها بـ: لا أدري.

وعن خالد بن خداش، قال: قدمت على مالك بأربعين مسألة، فما أجابني منها إلا في خمس مسائل.

ابن وهب عن مالك، سمع عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول: "لا أدري"، حتى يكون ذلك أصلا يفزعون إليه.

قال ابن عبد البر: صح عن أبي الدرداء أن: "لا أدري" نصف العلم.

قال محمد بن رمح: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إن مالكًا والليث يختلفان، فبأيهما آخذ? قال:"مالك، مالك".

أشهب، عن عبد العزيز الدراوردي، قال: دخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فوافيته يخطب، إذ أقبل مالك، فلما أبصره النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إليَّ، إليَّ" فأقبل حتى دنا منه، فسل صلى الله عليه وسلم خاتمه من خنصره، فوضعه في خنصر مالك.

محمد بن جرير: حدثنا العباس بن الوليد، حدثنا إبراهيم بن حماد الزهري، سمعت مالكًا يقول: قال لي المهدي: ضع يا أبا عبد الله كتابًا أحمل الأمة عليه. فقلت: يا أمير المؤمنين، أما هذا الصُّقع -وأشرت إلى المغرب- فقد كفيته، وأما الشام، ففيهم من قد علمت -يعني: الأوزاعي- وأما العراق، فهم أهل العراق.

ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر، سمعت بن عمر مالكًا يقول: لما حج المنصور، دعاني، فدخلت عليه، فحادثته، وسألني، فأجبته، فقال: عزمت أن آمر بكتبك هذه -يعني: "الموطأ"- فتنسخ نسخًا، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها، ويدعوا ما سوى ذلك من العلم المحدث، فإني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم. قلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الناس قد سيقت إليهم أقاويل،

(1)

زفنت: الزفن: الرقص.

ص: 168

وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سيق إليهم، وعملوا به، ودانوا به، من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم. فقال: لعمري، لو طاوعتني لأمرت بذلك.

قال الزبير بن بكار: حدثنا ابن مسكين، ومحمد بن مسلمة، قالا: سمعنا مالكًا يذكر دخوله على المنصور، وقوله في انتساخ كتبه، وحمل الناس عليها، فقلت: قد رسخ في قلوب أهل كل بلد ما اعتقدوه وعملوا به، وردُّ العامة عن مثل هذا عسير.

قال الواقدي: كان مالك يجلس في منزله على ضجاع ونمارق مطروحة يمنة ويسرة في سائر البيت لمن يأتي، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم، وكان مهيبًا نبيلا، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط، وكان الغرباء يسألونه عن الحديث، بعد الحديث وربما أذن لبعضهم، فقرأ عليه، وكان له كاتب يقال له: حبيب. قد نسخ كتبه، ويقرأ للجماعة، فإذا أخطأ فتح عليه مالك، وكان ذلك قليلا.

أبو زُرْعة: حدثنا أبو مُسْهِر، قال لي مالك: قال لي أبو جعفر: يا أبا عبد الله! ذهب الناس، لم يبق غيري وغيرك.

ابن وهب، عن مالك: دخلت على أبي جعفر، فرأيت غير واحد من بني هاشم يقبلون يده، وعوفيت، فلم أقبل له يدًا.

المِحْنة:

قال محمد بن جرير: كان مالك قد ضرب بالسياط، واختلف في سبب ذلك، فحدثني العباس بن الوليد، حدثنا ابن ذكوان، عن مروان الطاطري: أن أبا جعفر نهى مالكًا عن الحديث: "ليس على مستكره طلاق"

(1)

. ثم دس إليه من يسأله، فحدثه به على رءوس الناس، فضربه بالسياط.

(1)

علقه البخاري في كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون، ولفظه عن ابن عباس قال:"طلاق السكران والمستكره ليس بجائز". قال الحافظ في الفتح "9/ 391 - 392": وصله ابن أبي شيبة "5/ 48" وسعيد بن منصور جميعا عن هشيم، عن عبد الله بن طلحة الخزاعي، عن أبي يزيد المزني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"ليس لسكران ولا لمضطهد طلاق"، والمضطهد بضاد معجمة ساكنة ثم طاء مهملة مفتوحة ثم هاء مهملة هو المغلوب المقهور، وأخرجه أبو داود "2193"، وابن ماجه "2046"، والحاكم "2/ 198"، والبيهقي "7/ 357" وأحمد "6/ 276" من طرق عن محمد بن إسحاق قال: حدثني ثور بن يزيد الحمصي، عن محمد بن عبيد بن أبي صالح المكي قال: حججت مع عدي بن عدي الكندي فبعثني إلى صفية بنت شيبة ابنة عثمان صاحب الكعبة أسألها عن أشياء سمعتها من عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيما حدثتني أنها سمعت عائشة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". وهو حديث حسن له طرق يرتقي بها إلى مرتبة الحسن عند الدارقطني والبيهقي والحاكم، لولا ضيق المقام لفصلنا الكلام عليها تفصيلا.

وقوله: "في إغلاق". قال أبو داود: الإغلاق أظنه في الغضب. وقال ابن الأثير في "النهاية": في إغلاق: أي في إكراه، لأن المكره مغلق عليه في أمره ومضيق عليه في تصرفه كما يغلق الباب على الإنسان.

ص: 169

وحدثنا العباس، حدثنا إبراهيم بن حماد: أنه كان ينظر إلى مالك إذا أقيم من مجلسه، حمل يده بالأخرى.

ابن سعد: حدثنا الواقدي، قال: ما دعي مالك، وشُووِرَ، وسمع منه، وقبل قوله، حسد، وبَغَوه بكل شيء، فلما ولي جعفر بن سليمان المدينة، سعوا به إليه، وكثروا عليه عنده، وقالوا: لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره: أنه لا يجوز عنده. قال: فغضب جعفر، فدعا بمالك، فاحتج عليه بما رفع إليه عنه، فأمر بتجريده، وضربه بالسياط، وجُبْذَت يده حتى انخلعت من كتفه، وارتكب منه أمر عظيم، فوالله ما زال مالك بعد في رفعة وعلو.

قلت: هذا ثمرة المحنة المحمودة، أنها ترفع العبد عند المؤمنين، وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا، ويعفو الله عن كثير:"ومن يرد الله به خيرًا يصيب منه"

(1)

. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل قضاء المؤمن خير له"

(2)

. وقال الله -تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: 31]. وأنزل -تعالى- في وقعه أحد قوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]. وقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]. فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ واستغفر، ولم يتشاغل بذم من انتقم منه، فالله حكم مُقْسِطٌ، ثم يحمد الله على سلامة دينه، ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له.

قال القاضي عياض: ألف في مناقب مالك رحمه الله جماعة منهم القاضي أبو

(1)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 941"، ومن طريقه البخاري "5645"، وأحمد "2/ 237"، والقضاعي في "مسند الشهاب""344"، والبغوي "1420"، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه قال: سمعت سعيد بن يسار أبا الحباب يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره.

(2)

حسن: أخرجه أحمد "3/ 117 و 184" و"5/ 24"، والقضاعي في "مسند الشهاب""596" عن ثعلبة بن عاصم، عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ:"عجبت للمؤمن إن الله لم يقض قضاء إلا كان خيرا له".

ص: 170

عبد الله التُّسْتَري

(1)

المالكي، له في ثلاثة مجلدات، وأبو الحسن بن فهر المصري

(2)

، وجعفر بن محمد الفريابي القاضي، وأبو بشر الدولابي الحافظ، والزبير بن بكار، وأبو علاثة محمد بن أبي غسان، وابن حبيب، وأبو محمد بن الجارود، وأحمد بن رشدين، وأبو عمرو المغامي

(3)

، والحسن بن إسماعيل الضراب، وأبو الحسن بن مُنتاب، وأبو إسحاق بن شعبان، وأبو بكر أحمد بن محمد اليقطيني، والحافظ أبو نصر بن الجبَّان، وأبو بكر بن رَوْزَبة الدمشقي، والقاضي أبو عبد الله الزنكاني

(4)

، وأبو الحسن بن عبيد الله الزبيري، وأبو بكر أحمد بن مروان الدينوري، والقاضي أبو بكر الأبهري، والقاضي أبو الفضل القُشيري، وأبو بكر بن اللباد، وأبو محمد بن أبي زيد، والحافظ أبو عبد الله الحاكم، وأبو ذر عبد بن أحمد الهروي، وأبو عمر الطَّلَمَنْكي، وأبو عمر بن حزم الصدفي، وأبو عمر بن عبد البر، والقاضي أبو محمد بن نصر، وابن الإمام التُّطَيلي، وابن حارث القروي، والقاضي أبو الوليد الباجي، وأبو مروان بن أصبغ.

وقد جمع الحافظ أبو بكر الخطيب كتابًا كبيرًا في الرواة عن مالك، وشيء من روايتهم عنه.

قلت: وللحافظ أبي نُعيم ترجمة طولى في "الحلية" لمالك.

وممن ألف في الرواة عنه: الإمام أبو عبد الله بن مُفَرّج، والإمام أبو عبد الله بن أبي دُلَيم، وعبد الرحمن بن محمد البكري.

قال عياض: واستقصينا كتابنا هذا في أخبار مالك من تصانيف المحدثين: ككتب البخاري، والزبير، وابن أبي حاتم، ووكيع القاضي، والدارقطني، وابن جرير الطبري، والصُّولي، وأحمد بن كامل، وأبي سعيد بن يونس الصَّدَفي، وأبي عمر الكندي، وأبي عمر الصدفي القرطبي، وأبي عبد الله بن حارث القروي، وأبي العرب التميمي، وأبي إسحاق بن

(1)

القاضي أبو عبد الله التستري المالكي، هو محمد بن أحمد بن عمر التستري المتوفى سنة "345 هـ" ترجمته في "الديباج المذهب" لابن فرحون المالكي "2/ 193".

(2)

أبو الحسن بن فهر المصري، هو علي بن الحسين بن محمد بن العباس، ترجمته في "الديباج المذهب" لابن فرحون المالكي "2/ 104".

(3)

أبو عمرو المغامي، نسبة إلى مُغامة، مدينة بالأندلس، اسمه يوسف بن يحيى بن يوسف الأزدي من أهل قرطبة، توفي سنة "288 هـ" ترجمته في "نفح الطيب" للتلمساني "2/ 520".

(4)

هو: محمد بن أحمد بن سهل القاضي البصري، أبو عبد الله الزنكاني القاضي كما في "الديباج المذهب" لابن فرحون المالكي "2/ 183".

ص: 171

الرفيق الكاتب، وأبي علي بن البصري في القرويين، وتاريخ أبي بكر بن أبي عبد الله المالكي في القرويين. وتواريخ الأندلس: ككتاب أبي عبد الله بن عبد البر، وكتاب "الاحتفال" لأبي عمر بن عفيف، و"الانتخاب" لأبي القاسم بن مفرج، وتاريخ أبي محمد بن الفَرضي، وتواريخ أبي مروان، وابن حيّان، والرازي، وكتاب أحمد بن عبد الرحمن بن مُظَاهر، وما وقع إليَّ من تاريخ الخطيب في البغداديين، وكتاب أبي نصر الأمير، وطبقات أبي إسحاق الشيرازي، وكتاب ابن عبد البر في الأئمة الثلاثة، ورواتهم.

قال القاضي: وحققنا من روى "الموطأ" عن مالك، ومن نص عليهم أصحاب الأثر والنقاد: ابن وهب، ابن القاسم، محمد بن الحسن، الغاز ابن قيس، زياد شَبَطُون، الشافعي، القعنبي، معن بن عيسى، عبد الله بن يوسف، يحيى بن يحيى التميمي، يحيى بن يحيى الليثي، يحيى بن بكير، مطرف بن عبد الله اليساري، عبد الله بن عبد الحكم، موسى بن طارق، أسد بن الفرات، ومحمد بن المبارك الصوري، أبو مسهر الغساني، حبيب كاتب الليث، قَرَعوس بن العباس، أحمد بن منصور الحَرَّاني، يحيى بن صالح الوحاظي، يحيى بن مضر، سعيد بن داود الزبيري، مصعب بن عبد الله الزبيري، أبو مصعب الزهري، سويد بن سعيد، سعيد ابن أبي مريم، سعيد بن عفير، علي بن زياد التونسي، قُتَيْبة بن سعيد الثقفي، عتيق بن يعقوب الزبيري، محمد بن شروس الصنعاني، إسحاق بن عيسى بن الطَّباع، خالد بن نزار الأيلي، إسماعيل بن أبي أويس، وأخوه أبو بكر، عيسى بن شجرة المغربي، بربر المغني والد الزبير بن بكار، أبو حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي.

خاتمة من روى عنه: قيل: إن زكريا بن دويد الكندي لقي مالكًا، ولكنه كذاب، بقي إلى سنة نيف وستين ومائتين، وعليه بنى الخطيب في كتاب:"السابق واللاحق"، خلف بن جرير القروي، محمد بن يحيى السبائي، محرز بن هارون، سعيد بن عبدوس، عباس بن ناصح، عبيد بن حيان الدمشقي، أيوب بن صالح الرملي، حفص بن عبد السلام، وأخوه حسان، يحيى وفاطمة ولدا مالك، سليمان بن بُرد، عبد الرحمن بن خالد، عبد الرحمن بن هند، عبد الرحمن بن عبد الله الأندلسي.

وقد قيل: إن قاضي البصرة محمد بن عبد الله الأنصاري روى "الموطأ" عن مالك إجازة. وقيل: إن أبا يوسف القاضي رواه عن رجل، عن مالك، وما زال العلماء قديمًا وحديثًا لهم أتم اعتناء برواية "الموطأ"، ومعرفته، وتحصيله. وقد جمع إسماعيل القاضي أحاديث "الموطأ" عن رجاله، عن مالك وسائر ما وقع له من حديث مالك.

ص: 172

وألف قاسم بن أصبغ الحافظ حديث مالك، وأبو القاسم الجوهري، وأبو الحسن القابسي عمل "الملخص"، وحفظه خلق من الطلبة. وألف أبو ذر الهروي "مسند الموطآت"، وألف أبو بكر القباب حديث مالك. ولأبي الحسن بن حبيب السِّجلْماسي

(1)

"مسند الموطأ"، ولفلان المطرز، ولأبي عبد الله الجيزي، وأحمد بن بُندار الفارسي، وأبي سعيد بن الأعرابي، وابن مُفرِّج.

وألف النسائي "مسند مالك"، وأبو أحمد بن عدي، وأحمد بن إبراهيم بن جامع السكري، وابن عُفير، وأبو عبد الله النيسابوري السراج، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وأبو حفص بن شاهين، وأبو العرب التميمي، ويحيى بن سعيد، والحافظ أبو القاسم الأندلسي، وأبو عمر بن عبد البر، له "التقصي"، ومحمد بن عيشون الطليطلي.

وألف "مسند مالك" أبو القاسم الجوهري -وذلك غير ما في "الموطأ"- والحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي، وأبو بكر محمد بن عيسى الحضرمي، وأبو الفضل بن أبي عمران الهروي. وعمل الدارقطني كتاب "اختلافات الموطأ".

وألف دَعْلَج السِّجزي "غرائب حديث مالك"، وابن الجارود، وقاسم بن أصبغ.

وعمل الدارقطني أيضًا الأحاديث التي خولف فيها مالك. ولأبي بكر البزار مؤلف في ذلك. وعمل محمد بن المظفر الحافظ ما وصله مالك خارج موطئه. وألف أبو عمر بن نصر الطليطلي "مسند الموطأ"، وكذا: إبراهيم بن نصر، وأحمد بن سعيد بن فرضخ الإخميمي، والمحدث أبو سليمان بن زَبْر، وأسامة بن علي المصري، وموسى بن هارون الحمال الحافظ، والقاضي أبو بكر بن السليم أفرد ما ليس في "الموطأ".

وعمل أبو الحسن بن أبي طالب العابر كتاب "موطَّأ الموطَّأ". وعمل الدارقطني الخطيب "أطراف الموطَّأ".

وعمل له شرحًا: يحيى بن مزين الفقيه، وله كتاب في رجاله.

ولابن وهب فيه شرح، ولعيسى بن دينار، ولعبد الله بن نافع الصائغ، ولحرملة، ولابن حبيب، ولمحمد بن سحنون.

ولمسلم مؤلف في شيوخ مالك.

(1)

نسبة إلى سلجماسة، مدينة في جنوب المغرب.

ص: 173

وللبرقي "رجال الموطأ"، وللطلمنكي

(1)

، وأبي عبد الله بن الحذاء، ولأبي عبد الله بن مفرج، ولأحمد بن عمران الأخفش في غريبه.

وللبرقي، وللغساني المصري، ولأبي جعفر الداوودي، ولأبي مروان القنازعي، ولأبي عبد الملك البوني

(2)

.

وجمع ابن جوصا بين "الموطأ" رواية ابن وهب وابن القاسم، ولغيره جمع بين رواية يحيى بن يحيى، وأبي مصعب.

ولابن عبد البر شرحان، وهما "التمهيد"، و"الاستذكار"، وله كتاب "ما رواه مالك خارج الموطأ".

وعمل على "الموطأ" أبو الوليد الباجي كتاب: "الإيمان"، وكتاب:"المنتقى"، وعمل كتاب:"الاستيفاء" طويل جدًّا، ولم يُتِمَّه.

وشرحه أبو الوليد بن الصفار في كتاب اسمه: "المُوعِب". لم يتمه. وكتاب: "المحلى في شرح الموطأ" للقاضي محمد بن سليمان بن خليفة.

ولأبي محمد بن حزم شرح. ولأبي بكر بن سائق شرح. ولابن أبي صفرة شرح. ولأبي عبد الله بن الحاج القاضي شرح. ولشيخنا أبي الوليد ابن العواد "الجمع بين التمهيد والاستذكار" ما تم.

ولأبي محمد بن السيد البطليوسي شرح كبير.

ولابن عيشون: "توجيه الموطأ".

ولعثمان بن عبد ربه المعافري الدباغ شيء في ذلك على أبواب "الموطأ".

ولأبي القاسم بن الجد: "اختصار التمهيد".

ولحازم بن محمد بن حازم كتاب "السافر عن آثار الموطأ".

و"تفسير الموطأ" لأبي الحسن الإشبيلي. وتفسير لابن شراحيل.

(1)

هو: أبو عمر الطلمنكي، أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى، نسبة إلى طلمنكة ثغر بالأندلس الشرقي. ترجمته في "ترتيب المدارك" للقاضي عياض "4/ 749".

(2)

ترجمته في "ترتيب المدارك" للقاضي عياض "4/ 709" واسمه مروان بن علي القطان الأندلسي، سكن بونة من بلاد أفريقية، وكان من الفقهاء الحاذقين.

ص: 174

وللطلمنكي تفسير، لم يتم. و"شرح مسند الموطأ" ليونس بن مغيث.

وللمهلب بن أبي صُفرة في ذلك. ولأخيه أبي عبد الله في ذلك.

وللقاضي لأبي بكر بن العربي كتاب: "القبس في شرح الموطأ".

ولأبي محمد بن يربوع الحافظ كتاب على معرفة رجال "الموطأ".

ولعاصم النحوي شرح لم يَكْمُلْ. ولأبي بكر بن موهب القيري "شرح الملخص" في مجلدات.

فصل:

ولمالك رحمه الله رسالة في القدر، كتبها إلى ابن وهب، وإسنادها صحيح.

وله مؤلف: في النجوم ومنازل القمر، رواه سحنون، عن ابن نافع الصائغ، عنه مشهور.

ورسالة في الأقضية، مجلد، رواية محمد بن يوسف بن مطروح، عن عبد الله بن عبد الجليل.

ورسالة إلى أبي غسان محمد بن مطرف.

ورسالة آداب إلى الرشيد، إسنادها منقطع، قد أنكرها إسماعيل القاضي، وغيره، وفيها أحاديث لا تعرف. قلت: هذه الرسالة موضوعة. وقال القاضي الأبهري: فيها أحاديث لو سمع مالك من يحدث بها لأدبه.

وله جزء في التفسير يرويه خالد بن عبد الرحمن المخزومي، يرويه القاضي عياض، عن أبي جعفر أحمد بن سعيد، عن أبي عبد الله محمد بن الحسن المقرئ، عن محمد بن علي المصيصي، عن أبيه، بإسناده.

وكتاب "السر" من رواية ابن القاسم، عنه، رواه الحسن بن أحمد العثماني، عن محمد بن عبد العزيز بن وزير الجَرَوي، عن الحارث بن مسكين، عنه.

قلت: هو جزء واحد، سمعه أبو محمد بن النحاس المصري، من محمد بن بشر العكري، حدثنا مقدام بن داود الرُّعَيْني، حدثنا الحارث بن مسكين، وأبو زيد بن أبي الغِمْر، قالا: حدثنا ابن القاسم.

قال: ورسالةٌ إلى الليث في إجماع أهل المدينة، معروفة.

ص: 175

فأما ما نقل عنه كبار أصحابه من المسائل، والفتاوى والفوائد، فشيء كثير. ومن كنوز ذلك "المدونة"، و"الواضحة"، وأشياء.

قال مالكي: قد ندر الاجتهاد اليوم، وتعذر، فمالك أفضل من يقلد، فرجح تقليده.

وقال شيخ: إن الإمام لمن التزم بتقليده، كالنبي مع أمته، لا تحل مخالفته.

قلت: قوله لا تحل مخالفته: مجرد دعوى واجتهاد بلا معرفة، بل له مخالفة إمامه إلى إمام آخر، حجته في تلك المسألة أقوى، لا بل عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له، لا كمن تمذهب لإمام، فإذا لاح له ما يوافق هواه، عمل به من أي مذهب كان، ومن تتبع رخص المذاهب، وزلات المجتهدين، فقد رق دينه، كما قال الأوزاعي أو غيره: من أخذ بقول المكيين في المتعة، والكوفيين في النبيذ، والمدنيين في الغناء، والشاميين في عصمة الخلفاء، فقد جمع الشر. وكذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل عليها، وفي الطلاق ونكاح التحليل بمن توسع فيه، وشبه ذلك، فقد تعرض للانحلال، فنسأل الله العافية والتوفيق.

ولكن: شأن الطالب أن يدرس أولا مصنفًا في الفقه، فإذا حفظه، بحثه، وطالع الشروح، فإن كان ذكيًّا، فقيه النفس، ورأى حجج الأئمة، فليراقب الله، وليحتط لدينه، فإن خير الدين الورع، ومن ترك الشبهات، فقد استبرأ لدينة وعرضه، والمعصوم من عصمه الله.

فالمقلدون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط ثبوت الإسناد إليهم، ثم أئمة التابعين كعلقمة، ومسروق، وعبيدة السلماني، وسعيد بن المسيب، وأبي الشعثاء، وسعيد بن جبير، وعبيد الله بن عبد الله، وعروة، والقاسم، والشعبي، والحسن، وابن سيرين، وإبراهيم النخعي.

ثم كالزهري، وأبي الزناد، وأيوب السختياني، وربيعة، وطبقتهم.

ثم كأبي حنيفة، ومالك، والأوزاعي، وابن جريج، ومعمر، وابن أبي عروبة، وسفيان الثوري، والحمادين، وشعبة، والليث، وابن الماجشون، وابن أبي ذئب.

ثم كابن المبارك، ومسلم الزنجي، والقاضي أبي يوسف، والهِقْل بن زياد، ووكيع، والوليد بن مسلم، وطبقتهم.

ثم كالشافعي، وأبي عبيد، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، والبويطي، وأبي بكر بن أبي شيبة.

ثم كالمزني، وأبي بكر الأثرم، والبخاري وداود بن علي، ومحمد بن نصر المروزي، وإبراهيم الحربي، وإسماعيل القاضي.

ص: 176

ثم كمحمد بن جرير الطبري، وأبي بكر بن خزيمة، وأبي عباس بن سريج، وأبي بكر بن المنذر، وأبي جعفر الطحاوي، وأبي بكر الخلال.

ثم من بعد هذا النمط تناقص الاجتهاد، ووضعت المختصرات، وأخلد الفقهاء إلى التقليد، من غير نظر في الأعلم، بل بحسب الاتفاق، والتشهي، والتعظيم، والعادة، والبلد. فلو أراد الطالب اليوم أن يتمذهب في المغرب لأبي حنيفة، لعسر عليه، كما لو أراد أن يتمذهب لابن حنبل ببخارى وسمرقند، لصعب عليه، فلا يجيء منه حنبلي، ولا من المغربي حنفي، ولا من الهندي مالكي. وبكل حال: فإلى فقه مالك المنتهى، فعامة آرائه مسددة، ولو لم يكن له إلا حسم مادة الحيل، ومراعاة المقاصد، لكفاه.

ومذهبه قد ملأ المغرب والأندلس، وكثيرًا من بلاد مصر، وبعض الشام، واليمن، والسودان، وبالبصرة، وبغداد، والكوفة، وبعض خراسان.

وكذلك اشتهر مذهب الأوزاعي مدةً، وتلاشى أصحابه، وتفانوا. وكذلك مذهب سفيان وغيره ممن سمينا، ولم يبق اليوم إلا هذه المذاهب الأربعة. وقل من ينهض بمعرفتها كما ينبغي، فضلا عن أن يكون مجتهدًا.

وانقطع أتباع أبي ثور بعد الثلاثمائة، وأصحاب داود إلا القليل، وبقي مذهب ابن جرير إلى ما بعد الأربعمائة.

وللزيدية مذهب في الفروع بالحجاز وباليمن، لكنه معدود في أقوال أهل البدع، كالإمامية، ولا بأس بمذهب داود، وفيه أقوال حسنة، ومتابعة للنصوص، مع أن جماعة من العلماء لا يعتدون بخلافه، وله شذوذ في مسائل شانت مذهبه.

وأما القاضي، فذكر ما يدل على جواز تقليدهم إجماعًا، فإنه سمى المذاهب الأربعة، والسفيانية، والأوزاعية، والداوودية. ثم إنه قال: فهؤلاء الذين وقع إجماع الناس على تقليدهم، مع الاختلاف في أعيانهم، واتفاق العلماء على اتباعهم، والاقتداء بمذاهبهم، ودرس كتبهم، والتفقه على مآخذهم، والتفريع على أصولهم، دون غيرهم ممن تقدمهم أو عاصرهم؛ للعلل التي ذكرناها.

وصار الناس اليوم في الدنيا إلى خمسة مذاهب، فالخامس: هو مذهب الداوودية. فحق على طالب العلم أن يعرف أولاهم بالتقليد، ليحصل على مذهبه. وها نحن نبين أن مالكًا رحمه الله هو ذلك؛ لجمعه أدوات الإمامة، وكونه أعلم القوم.

ثم وجه القاضي دعواه، وحسنها، ونمقها، ولكن ما يعجز كل واحد من حنفي،

ص: 177

وشافعي، وحنبلي، وداوودي عن ادعاء مثل ذلك لمتبوعه، بل ذلك لسان حاله، وإن لم يَفُهْ به.

ثم قال القاضي عياض: وعندنا -ولله الحمد- لكل إمام من المذكورين مناقب، تقضي له بالإمامة.

قلت: ولكن هذا الإمام الذي هو النجم الهادي قد أنصف، وقال قولا فصلا، حيث يقول: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم.

ولا ريب أن كل من أَنَسَ من نفسه فقهًا، وسعة علم، وحسن قصد، فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل، ولاح له الدليل، وقامت عليه الحجة، فلا يقلد فيها إمامه، بل يعمل بما تبرهن، ويقلد الإمام الآخر بالبرهان، لا بالتشهي والغرض. لكنه لا يفتي العامة إلا بمذهب إمامه، أو ليصمت فيما خفي عليه دليله.

قال الشافعي: العلم يدور على ثلاثة: مالك، والليث، وابن عيينة.

قلت: بل وعلى سبعة معهم، وهم: الأوزاعي، والثوري، ومعمر، وأبو حنيفة، وشعبة، والحمادان.

وروي عن الأوزاعي: أنه كان إذا ذكر مالكًا، يقول: عالم العلماء، ومفتي الحرمين.

وعن بقية، أنه قال: ما بقي على وجه الأرض أعلم بسنة ماضية منك يا مالك.

وقال أبو يوسف: ما رأيت أعلم من أبي حنيفة، ومالك، وابن أبي ليلى.

وذكر أحمد بن حنبل مالكًا، فقدمه الأوزاعي، والثوري، والليث، وحماد، والحكم في العلم. وقال: هو إمام في الحديث، وفي الفقه.

وقال القطان: هو إمام يقتدى به.

وقال ابن معين: مالك من حجج الله على خلقه.

وقال أسد بن الفرات: إذا أردت الله والدار الآخرة، فعليك بمالك.

وقد صنف مكي القيسي كتابًا فيما روي عن مالك في التفسير، ومعاني القرآن.

وقد ذكره: أبو عمرو الداني في "طبقات القراء"، وأنه تلا على نافع بن أبي نُعيم.

وقال بهلول بن راشد: ما رأيت أنزع بآية من مالك مع معرفته بالصحيح والسقيم.

ص: 178

قرأت على إسحاق بن طارق، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا أبو المكارم التيمي، ونبأني ابن سلامة، عن أبي المكارم، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو محمد بن حيان، حدثنا محمد بن أحمد بن عمرو، حدثنا عبد الله بن أحمد بن كليب، عن الفضل بن زياد: سألت أحمد بن حنبل: من ضرب مالكًا? قال: بعض الولاة في طلاق المكره، كان لا يجيزه، فضربه لذلك.

وبه، قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن علي، حدثنا المفضل الجندي، سمعت أبا مصعب، سمعت مالكًا يقول: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك.

ثم قال أبو مصعب: كان مالك لا يحدث إلا وهو على طهارة؛ إجلالا للحديث.

وبه، قال: حدثنا ابن حيان، حدثنا محمد بن أحمد بن الوليد، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: قال الشافعي: إذا جاء الأثر، كان مالك كالنجم، وهو وسفيان القرينان.

وبه، حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا السراج، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة: أتيت المدينة بعد موت نافع بسنة، فإذا الحلقة لمالك.

وبه، حدثنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا محمد بن أحمد بن راشد، سمعت أبا داود يقول: حكى لي بعض أصحاب ابن وهب، عنه: أن مالكًا لما ضُرِبَ، حُلِقَ، وحمل على بعير، فقيل له: ناد على نفسك. فقال: ألا من عرفني، فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا مالك بن أنس، أقول. طلاق المكره ليس بشيء. فبلغ ذلك جعفر بن سليمان الأمير، فقال: أدركوه، أنزلوه.

وبه، حدثنا إبراهيم، حدثنا السراج، حدثنا الحسن بن عبد العزيز، حدثنا الحارث بن مسكين، عن ابن وهب، قال: قيل لمالك: ما تقول في طلب العلم? قال: حسن، جميل، لكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح إلى أن تمسي، فالزمه.

وبه، عن ابن وهب: سئل مالك عن الداعي يقول: يا سيدي، فقال: يعجبني دعاء الأنبياء: ربنا، ربنا.

وبه، حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم، حدثنا الأبار، حدثنا أحمد بن هاشم، حدثنا ضمرة: سمعت مالكًا يقول: لو أن لي سلطانًا على من يفسر القرآن، لضربت رأسه.

قلت: يعني: تفسيره برأيه. وكذلك جاء عن مالك، من طريق أخرى.

وبه، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي، حدثنا نعيم بن حماد سمعت ابن المبارك يقول: ما رأيت أحدًا ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة.

ص: 179

قلت: ما كان عليه من العلم ونشره أفضل من نوافل الصوم والصلاة لمن أراد به الله.

وبه، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا المقداد بن داود، حدثنا عبد الله بن عبد الحكم: سمعت مالكًا يقول: شاورني هارون الرشيد في ثلاثة: في أن يعلق "الموطأ" في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه، وفي أن ينقض منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعله من ذهب وفضة وجوهر، وفي أن يقدم نافعًا إمامًا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. فقلت: أما تعليق "الموطأ"، فإن الصحابة اختلفوا في الفروع، وتفرقوا، وكل عند نفسه مصيب، وأما نقض المنبر، فلا أرى أن يُحْرَم الناس أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما تقدمتك نافعًا، فإنه إمام في القراءة، لا يؤمن أن تبدر منه بادرة في المحراب، فتحفظ عليه. فقال: وفقك الله يا أبا عبد الله.

هذا إسناد حسن، لكن لعل الراوي وهم في قوله: هارون؛ لأن نافعًا قبل خلافة هارون مات.

من قول مالك في السنة:

وبه، حدثنا محمد بن أحمد بن علي، حدثنا الفريابي، حدثنا الحلواني سمعت مطرف بن عبد الله، سمعت مالكًا يقول: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سننًا، الأخذ بها اتباع لكتاب الله، واستكمال بطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها، فهو مهتد، ومن استنصر بها، فهو منصور، ومن تركها، اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا.

وبه، إلى الحلواني: سمعت إسحاق بن عيسى يقول: قال مالك: أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل، تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله?!

وبه، حدثنا الحسن بن سعيد، حدثنا زكريا الساجي، حدثنا أبو داود، حدثنا أبو ثور سمعت الشافعي يقول: كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء، قال: أما إني على بينة من ديني، وأما أنت، فشاك، اذهب إلى شاك مثلك، فخاصمه.

وبه، حدثنا سليمان الطبراني، حدثنا الحسين بن إسحاق، حدثنا يحيى بن خلف الطرسوسي -وكان من ثقات المسلمين- قال: كنت عند مالك، فدخل عليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق? فقال مالك: زنديق، اقتلوه. فقال: يا أبا عبد الله، إنما أحكي كلامًا سمعته. قال: إنما سمعته منك، وعظَّم هذا القول.

وبه، حدثنا ابن حيان، حدثنا ابن أبي داود، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، قال: قال مالك: الناس ينظرون إلى الله عز وجل يوم القيامة بأعينهم.

ص: 180

وبه، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب سمعت مالكًا يقول لرجل سأله عن القدر: نعم، قال الله تعالى:{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13].

وبه، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا ابن أبي عاصم، سمعت سعيد بن عبد الجبار، سمعت مالكًا يقول: رأيي فيهم أن يستتابوا، فإن تابوا، وإلا قتلوا. يعني: القدرية.

وبه، حدثنا محمد بن علي العقيلي، حدثنا القاضي أبو أمية الغلابي، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا مهدي بن جعفر، حدثنا جعفر بن عبد الله، قال: كنا عند مالك فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، كيف استوى? فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده، حتى علاه الرُّحَضاء

(1)

، ثم رفع رأسه، ورمى بالعود، وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة. وأمر به فأخرج.

قال سلمة بن شبيب مرة في رواية هذا: وقال للسائل: إني أخاف أن تكون ضالا.

وقال أبو الربيع الرشيديني: حدثنا ابن وهب، قال: كنا عند مالك، فقال رجل: يا أبا عبد الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استواؤه? فأطرق مالك، وأخذته الرُّحَضاء، ثم رفع رأسه، فقال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كما وصف نفسه، ولا يقال له: كيف، و"كيف" عنه مرفوع، وأنت رجل سوء، صاحب بدعة، أخرجوه.

وقال محمد بن عمرو قشمرد النيساوي: سمعت يحيى بن يحيى يقول: كنا عند مالك، فجاءه رجل، فقال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فذكر نحوه، وفيه: فقال: الاستواء غير مجهول.

وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية" له، قال: حدثني أبي، حدثنا سُريج بن النعمان، عن عبد الله بن نافع، قال: قال مالك: الله في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء.

وقال محمد بن إسحاق الصغاني: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد العُمَري، حدثنا ابن

(1)

الرحضاء: هو عرق يغسل الجلد لكثرته، وكثيرًا ما يستعمل في عرق الحمَّى والمرض.

ص: 181

أبي أويس، سمعت مالكًا يقول: القرآن كلام الله، وكلام الله منه، وليس من الله شيء مخلوق.

قال القاضي عياض في سيرة مالك: قال ابن نافع، وأشهب -وأحدهما يزيد على الآخر: قلت: يا أبا عبد الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: (22)، 23]، ينظرون إلى الله? قال: نعم، بأعينهم هاتين. قلت: فإن قومًا يقولون: ناظرة: بمعنى منتظرة إلى الثواب. قال: بل تنظر إلى الله، أما سمعت قول موسى:{رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143]، أتراه سأل محالا? قال الله:{لَنْ تَرَانِي} في الدنيا، لأنها دار فناء، فإذا صاروا إلى دار البقاء، نظروا بما يبقى إلى ما يبقى. قال -تعالى:{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].

قال القاضي: وقال غير واحد، عن مالك: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وبعضه أفضل من بعض.

قال: وقال ابن القاسم: كان مالك يقول: الإيمان يزيد. وتوقف عن النقصان.

قال: روى ابن نافع، عن مالك: من قال: القرآن مخلوق، يجلد ويحبس.

قال: وفي رواية بشر بن بكر، عن مالك قال: يقتل، ولا تقبل له توبة.

يونس الصدفي: حدثنا أشهب، عن مالك، قال: القدرية، لا تناكحوهم، ولا تصلوا خلفهم.

أحمد بن عيسى: حدثنا ابن وهب، قال: قال مالك: لا يستتاب من سب النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار والمسلمين.

أبو أحمد بن عدي: حدثنا أحمد بن علي المدائني، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر، حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر، قال: قال ابن القاسم: سألت مالكًا عمن حدث بالحديث: الذين قالوا: "إن الله خلق آدم على صورته"

(1)

، والحديث الذي جاء: "إن الله يكشف عن

(1)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق "19435"، ومن طريقه أخرجه أحمد "2/ 315"، والبخاري "3326" و"6227"، ومسلم "2841"، وابن خزيمة في "التوحيد""ص 40 - 41"، واللالكائي في "أصول الاعتقاد""711"، والبيهقي في "الأسماء والصفات""ص 289 - 290"، والبغوي "3298" عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:"خلق الله عز وجل آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال: فذهب فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. قال: فزادوه ورحمة الله. قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، وطوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن".

ص: 182

ساقه"، "وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد"

(1)

. فأنكر مالك ذلك إنكارًا شديدًا، ونهى أن يحدث بها أحد. فقيل له: إن ناسًا من أهل العلم يتحدثون به. فقال: من هو? قيل: ابن عجلان، عن أبي الزناد. قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء، ولم يكن عالمًا. وذكر أبا الزناد، فقال: لم يزل عاملا لهؤلاء حتى مات. رواها: مقدام الرعيني، عن ابن أبي الغمر، والحارث بن مسكين، قالا: حدثنا ابن القاسم.

قلت: أنكر الإمام ذلك، لأنه لم يثبت عنده، ولا اتصل به، فهو معذور، كما أن صاحبي "الصحيحين" معذوران في إخراج ذلك -أعني: الحديث الأول والثاني- لثبوت سندهما، وأما الحديث الثالث، فلا أعرفه بهذا اللفظ، فقولنا في ذلك وبابه: الإقرار، والإمرار، وتفويض معناه إلى قائله الصادق المعصوم.

وقال ابن عدي: حدثنا محمد بن هارون بن حسان، حدثنا صالح بن أيوب، حدثنا حبيب بن أبي حبيب، حدثني مالك قال: يتنزل ربنا تبارك وتعالى أمره، فأما هو، فدائم لا يزول. قال صالح: فذكرت ذلك ليحيى بن بكير، فقال: حسن والله، ولم أسمعه من مالك.

قلت: لا أعرف صالحًا، وحبيب مشهور، والمحفوظ عن مالك رحمه الله رواية الوليد بن مسلم، أنه سأله عن أحاديث الصفات، فقال: أمرها كما جاءت، بلا تفسير. فيكون للإمام في ذلك قولان إن صحت رواية حبيب.

أحمد بن عبد الرحيم بن البرقي، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، حدثنا عمرو بن حسان: أن أبا خليد قال لمالك: يا أبا عبد الله، إن أهل دمشق يقرءون: إبراهام. فقال: أهل دمشق بأكل البطيخ أعلم منهم بالقراءة. قال له أبو خليد: إنهم يدَّعون قراءة عثمان. قال مالك: فهذا مصحف عثمان عندي. ودعا به، ففتح، فإذا فيه: إبراهام، كما قال أهل دمشق.

قلت: رسم المصحف محتمل للقراءتين، وقراءة الجمهور أفصح وأولى.

قال ابن القاسم: سألت مالكًا عن علي وعثمان، فقال: ما أدركت أحدًا ممن أقتدي به إلا

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "4919"، ومسلم "183""302" من حديث أبي سعيد الخدري، به.

ص: 183

وهو يرى الكف عنهما. قال ابن القاسم: يريد التفضيل بينهما. فقلت: فأبو بكر، وعمر? فقال: ليس فيهما إشكال، إنهما أفضل من غيرهما.

قال الحسن بن رشيق: سمعت النسائي يقول: أمناء الله على علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: شعبة، ومالك، ويحيى القطان.

قال القاضي عياض: قال معن: انصرف مالك يومًا، فلحقه رجل يقال له: أبو الجويرية، متهم بالإرجاء، فقال: اسمع مني. قال: احذر أن أشهد عليك. قال: والله ما أريد إلا الحق، فإن كان صوابًا، فقل به، أو فتكلم قال: فإن غلبتني؟ قال: اتبعني. قال: فإن غلبتك؟ قال: اتبعتك. قال: فإن جاء رجل، فكلمنا، فغلبنا? قال: اتبعناه، فقال مالك: يا هذا، إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بدين واحد، وأراك تَتَنَقَّل.

وعن مالك، قال: الجدال في الدين ينشئ المراء، ويذهب بنور العلم من القلب ويقسي، ويورث الضِّغن.

قال القاضي عياض: قال أبو طالب المكي: كان مالك رحمه الله أبعد الناس من مذاهب المتكلمين، وأشد نقضًا للعراقيين. ثم قال القاضي عياض: قال سفيان بن عيينة: سأل رجل مالكًا، فقال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} . كيف استوى? فسكت مالك حتى علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنك ضالا، أخرجوه. فناداه الرجل: يا أبا عبد الله، والله لقد سألت عنها أهل البصرة والكوفة والعراق، فلم أجد أحدًا وفق لما وفقت له.

فصل:

قال ابن عدي في "مسند مالك" بإسناد صح عن ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: لقد سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة ما حدثت بها قط.

وقال: نشر نافع عن ابن عمر علمًا كثيرًا أكثر مما نشر عنه بنوه.

الحارث بن مسكين: أخبرنا ابن وهب، قال مالك: كنت آتي نافعًا، وأنا غلام حديث السن، مع غلام لي، فينزل من درجه، فيقف معي، ويحدثني، وكان يجلس بعد الصبح في المسجد، فلا يكاد يأتيه أحد.

سعيد بن أبي مريم: سمعت مالكًا يقول: جالس نعيم المجمر أبا هريرة عشرين سنة.

ص: 184

قال معن: كان مالك يتقي في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الياء والتاء ونحوهما.

وقال ابن وهب: قال مالك: العلم حيث شاء الله جعله، ليس هو بكثرة الرواية.

ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: حق على من طلب العلم أن يكون له وقار، وسكينة، وخشية، والعلم حسن لمن رزق خيره، وهو قسم من الله -تعالى- فلا تمكن الناس من نفسك، فإن من سعادة المرء أن يوفق للخير، وإن من شقوة المرء أن لا يزال يخطئ، وذل وإهانة للعلم أن يتكلم الرجل بالعلم عند من لا يطيعه.

القعنبي: سمعت مالكًا يقول: كان الرجل يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه.

قال عبد الله بن نافع: جالست مالكًا خمسًا وثلاثين سنة.

قال ابن وهب: لو شئت أن أملأ ألواحي من قول مالك: لا أدري، لفعلت.

حرملة: حدثنا ابن وهب، سمعت مالكًا يقول: ليس هذا الجدل من الدين بشيء. وسمعته يقول: قلت لأمير المؤمنين فيمن يتكلم في هذه المسائل المعضلة: الكلام فيها -يا أمير المؤمنين- يورث البغضاء.

سلمة بن شبيب: حدثنا عبد الرزاق، سمعت سفيان، وابن جريج، ومالكًا، وابن عيينة، كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.

قال مخلد بن خداش: سألت مالكًا عن الشطرنج، فقال: أحق هو? فقلت: لا. قال: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32].

قال ابن وهب: حججت سنة ثمان وأربعين ومائة، وصائح يصيح: لا يفتي الناس إلا مالك بن أنس، وابن الماجِشُون.

ابن وهب، عن مالك، قال: بلغني أنه ما زهد أحد في الدنيا واتقى، إلا نطق بالحكمة.

ابن وهب عن مالك، قال: إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه، ذهب بهاؤه.

أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، قال: التوقيت في المسح بدعة.

عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: اجتمع مالك وأبو يوسف عند أمير المؤمنين، فتكلموا في الوقوف، وما يحبسه الناس. فقال يعقوب: هذا باطل. قال شريح: جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس. فقال مالك: إنما أطلق

ص: 185

ما كانوا يحبسونه لآلهتهم من البحيرة والسائبة، فأما الوقوف، فهذا وقف عمر قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"حبس أصلها، وسبل ثمرتها"

(1)

، وهذا وقف الزبير. فأعجب الخليفة ذلك منه، وبقي يعقوب.

ابن وهب: حدثني مالك، قال: كان بين جدار قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المنبر قدر ممر الرجل متحرجًا، وقدر ممر الشاة، وإن أول من قدم جدار القبلة حتى جعلها عند المقصورة عمر بن الخطاب، وإن عثمان قربها إلى حيث هي اليوم.

داود بن رشيد: حدثنا الوليد بن مسلم: سألت مالكًا عن تفضيض المصاحف، فأخرج إلينا مصحفًا، فقال: حدثني أبي، عن جدي: أنهم جمعوا القرآن على عهد عثمان، وأنهم فضضوا المصاحف على هذا أو نحوه.

قال ابن المديني: لمالك نحو ألف حديث -يعني: مرفوعة.

وقال إسماعيل بن أبي أويس: قال لي مالك: قرأت على نافع بن أبي نعيم.

وروى القعنبي، عن ابن عيينة، قال: ما ترك مالك على ظهر الأرض مثله.

قال ابن سعد: كان مالك ثقة، ثبتًا، حجة، عالمًا، ورعًا.

وقال ابن وهب: لولا مالك والليث، لضللنا.

وقال الشافعي: ما في الأرض كتاب في العلم أكثر صوابًا من "موطأ مالك".

قلت: هذا قاله قبل أن يؤلف "الصحيحان".

قال خالد بن نزار الأيلي: بعث المنصور إلى مالك حين قدم المدينة، فقال: إن الناس قد اختلفوا بالعراق، فضع كتابًا نجمعهم عليه. فوضع "الموطأ".

قال عبد السلام بن عاصم: قلت لأحمد بن حنبل: رجل يحب أن يحفظ حديث رجل بعينه? قال: يحفظ حديث مالك. قلت: فرأي? قال: رأي مالك.

قال ابن وهب: قيل لأخت مالك: ما كان شغل مالك في بيته? قالت: المصحف، التلاوة.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 114 و 156 - 157"، والبخاري "2764" و"2777"، والدارقطني "4/ 186 و 187"، والبيهقي "6/ 159" من طرق عن نافع، عن ابن عمر، به.

ص: 186

قال أبو مصعب: كانوا يزدحمون على باب مالك حتى يقتتلوا من الزحام، وكنا إذا كنا عنده لا يلتفت ذا إلى ذا، قائلون برءوسهم هكذا. وكانت السلاطين تهابه، وكان يقول: لا، ونعم. ولا يقال له: من أين قلت ذا?

أبو حاتم الرازي: حدثنا عبد المتعال بن صالح من أصحاب مالك، قال: قيل لمالك: إنك تدخل على السلطان، وهم يظلمون، ويجورون، فقال: يرحمك الله، فأين المكلم بالحق.

وقال موسى بن داود: سمعت مالكًا يقول: قدم علينا أبو جعفر المنصور سنة خمسين ومائة فقال: يا مالك، كثر شيبك. قلت: نعم يا أمير المؤمنين، من أتت عليه السنون، كثر شيبه قال: ما لي أراك تعتمد على قول ابن عمر من بين الصحابة? قلت: كان آخر من بقي عندنا من الصحابة، فاحتاج إليه الناس فسألوه، فتمسكوا بقوله.

ذكر علي بن المديني أصحاب نافع، فقال: مالك وإتقانه، وأيوب وفضله، وعبيد الله وحفظه.

ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال لي محمد: أيهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم? -يعني أبا حنيفة ومالكًا- قلت: على الإنصاف? قال: نعم. قلت: أنشدك بالله من أعلم بالقرآن? قال: صاحبكم، قلت: نعم. قلت: من أعلم بالسنة? قال: صاحبكم، قلت: فمن أعلم بأقاويل الصحابة والمتقدمين? قال: صاحبكم. قلت: فلم يبق إلا القياس، والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء، فمن لم يعرف الأصول على أي شيء يقيس?

قلت: وعلى الإنصاف، لو قال قائل: بل هما سواء في علم الكتاب، والأول: أعلم بالقياس، والثاني: أعلم بالسنة، وعنده علم جم من أقوال كثير من الصحابة، كما أن الأول أعلم بأقاويل علي، وابن مسعود، وطائفة ممن كان بالكوفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرضي الله عن الإمامين، فقد صرنا في وقت لا يقدر الشخص على النطق بالإنصاف، نسأل الله السلامة.

قال مطرف بن عبد الله وغيره: كان خاتم مالك، الذي مات وهو في يده، فصه أسود حجري، ونقشه: حسبي الله ونعم الوكيل. وكان يلبسه في يساره، وربما لبسه في يمينه.

وعن ابن مهدي قال: ما رأيت أحدًا أهيب، ولا أتم عقلا من مالك ولا أشد تقوى.

وقال ابن وهب: ما نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه.

ص: 187

وعن مالك قال: ما جالست سفيهًا قط.

قال ابن عبد الحكم: أفتى مالك مع نافع، وربيعة.

وقال أبو الوليد الباجي: روي أن المنصور حج، وأقاد مالكًا من جعفر بن سليمان الذي كان ضربه، فأبى مالك، وقال: معاذ الله.

قال مصعب بن عبد الله في مالك:

يدع الجواب فلا يراجع هيبة

والسائلون نواس الأذقان

عز الوقار ونور سلطان التقى

فهو المهيب وليس ذا سلطان

قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي: سمعت عبد الله بن عمر بن الرماح، قال: دخلت على مالك، فقلت: يا أبا عبد الله، ما في الصلاة من فريضة? وما فيها من سنة? أو قال نافلة، فقال مالك: كلام الزنادقة، أخرجوه.

وقال منصور بن سلمة الخزاعي: كنت عند مالك، فقال له رجل: يا أبا عبد الله، أقمت على بابك سبعين يومًا حتى كتبت ستين حديثًا، فقال: ستون حديثًا! وجعل يستكثرها. فقال الرجل: ربما كتبنا بالكوفة أو بالعراق في المجلس الواحد ستين حديثًا، فقال: وكيف بالعراق دار الضرب، يضرب بالليل، وينفق بالنهار?

قال أبو العباس السراج: سمعت البخاري يقول: أصح الأسانيد: مالك، عن نافع، عن ابن عمر.

قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد": هذا كتبته من حفظي، وغاب عني أصلي: إن عبد الله العمري العابد كتب إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل. فكتب إليه مالك: إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد. فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر.

قال الحسين بن حسن بن مهاجر الحافظ: سمعت أبا مصعب الزهري يقول: كان مالك بعد تخلفه عن المسجد يصلي في منزله في جماعة يصلون بصلاته، وكان يصلي صلاة الجمعة في منزله وحده.

ص: 188

رواية بعض مشايخه عنه:

أخبرنا علي بن عبد الغني المعدل، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، وأنبأنا أبو المعالي الأبرقوهي، أخبرنا محمد بن أبي القاسم الخطيب، قالا: أخبرنا أبو الفتح بن البطي، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن الأنباري في المحرم سنة أربع وثمانين وأربعمائة، أخبرنا عبد الواحد بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن مخلد العطار، حدثنا محمد بن الحارث أبو بكر الباغندي، حدثنا عبيد بن محمد النساج، حدثنا أحمد بن شبيب، حدثنا أبي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، حدثني رجل من أهل المدينة يقال له: مالك بن أنس، عن سعد بن إسحاق، عن عمته زينب، عن أبي سعيد: أنه خرج في طلب أعلاج له، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث مثل حديث الناس.

وأنبأنا أحمد بن سلامة، عن جماعة: أن أبا علي الحداد أخبرهم: أخبرنا أبو نعيم، حدثنا ابن الصواف، ومحمد بن حميد، قالا: حدثنا الباغندي، حدثنا عبيد النساج، حدثنا أحمد بن شبيب، حدثنا أبي، عن يونس، عن الزهري، عن مالك بن أنس، عن سعد بن إسحاق، عن عمته زينب، عن الفريعة أخت أبي سعيد: أن زوجها تكارى علوجًا له، فقتلوه، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني لست في مسكن له، ولا يجري علي منه رزق، فأنتقل إلى أهل أبياتي، فأقيم عليهم? قال:"اعتدي حيث يبلغك الخبر"

(1)

.

وأخبرناه بتمامه عاليًا أبو محمد عبد الخالق بن علوان بقراءتي، أخبرنا البهاء عبد الرحمن، أخبرتنا شُهْدة الكاتبة، أخبرنا أحمد بن عبد القادر، أخبرنا عثمان بن دوست، أخبرنا محمد بن عبد الله، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي، حدثنا القعنبي، أخبرنا مالك، عن سعد بن إسحاق، عن عمته زينب بنت كعب بن عُجْرَة: أن الفريعة بنت مالك بن سنان -وهي أخت أبي سعيد الخدري- أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدْرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كان بظهر القدوم، لحقهم، فقتلوه. قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، ولا نفقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نعم". فخرجت، فقال:"كيف قلت"؟. فرددتُ عليه القصة، فقال:"امكثي في بيتك، حتى يبلغ الكتاب أجله". فاعتددت فيه

(1)

صحيح: أخرجه أبو داود الطيالسي "1664" عن شعبة، عن سعد بن إسحاق، عن زينب، عن فريعة أخت أبي سعيد، به.

ص: 189

أربعة أشهر وعشرًا

(1)

، فلما كان عثمان بن عفان، أرسل إلي، فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه، وقضى به.

وأخبرناه عاليًا بدرجات: أحمد بن هبة الله، عن المؤيد بن محمد، أخبرنا هبة الله بن سهل، أخبرنا سعيد بن محمد، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا أبو مصعب، حدثنا مالك، بنحوه.

وبإسنادي إلى بن مخلد، حدثنا زكريا بن يحيى الناقد، حدثنا خالد بن خداش، حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن الزهري، عن عبد الله بن محمد بن علي، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن متعة النساء يوم خيبر.

ثم قال حماد: وحدثنا به مالك ومعمر بهذا الإسناد.

وأخبرناه عاليًا سنقر الزيني بحلب، أخبرنا الموفق عبد اللطيف، وأنجب الحمامي، وعبد اللطيف القبيطي، ومحمد بن السباك، وغيرهم قالوا: أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا مالك البانياسي، أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد، أخبرنا أبو مصعب الزهري، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية

(2)

.

(1)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 591"، ومن طريقه أخرجه الشافعي في "الرسالة""1214"، وفي "المسند""2/ 53 - 54"، وأبو داود "2300"، والترمذي "1204"، والدارمي "2/ 168"، وابن سعد "8/ 368"، والبيهقي "7/ 434"، والبغوي "2386"، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة به.

وأخرجه أحمد "6/ 370 و 420 - 421"، والترمذي عقب الحديث "1204"، والنسائي "6/ 199 و 199 - 200 و 200"، وابن ماجه "2031"، وابن سعد "8/ 368"، وابن الجارود "759"، والبيهقي "7/ 434 و 435" من طرق عن سعد بن إسحاق، به.

(2)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 542"، وأخرجه من طريقه البخاري "4216" و"5523"، ومسلم "1407""29"، والنسائي "6/ 126" و"7/ 203"، والترمذي "1794"، وابن ماجه "1961"، والبيهقي "7/ 201" عن ابن شهاب، به.

وأخرجه ابن أبي شيبة "4/ 292"، وأحمد "1/ 79"، والحميدي "37"، والبخاري "5115"، ومسلم "1407""30"، والترمذي "1121""، والنسائي "7/ 202"، والدارمي "2/ 140"، وأبو يعلى "576"، وسعيد بن منصور "848" من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، به.

وأخرجه البخاري "6961"، ومسلم "1407""31"، والنسائي "6/ 126"، والبيهقي "7/ 201" من طريق عبيد الله بن عمر، عن الزهري، به.

ص: 190

وأخبرنا به إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا الإمام أبو محمد بن قدامة، أخبرنا علي بن عبد الرحمن الطوسي، أخبرنا مالك البانياسي، فذكره.

وبه إلى ابن مخلد، حدثنا عبد الملك الرقاشي، حدثنا أبو غسان يحيى بن كثير العنبري، حدثنا شعبة، عن مالك بن أنس، عن عمرو بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره"

(1)

. أخرجه مسلم، عن شيخ له عن العنبري، فوقع لنا بدلا عاليًا.

وبه، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، أخبرني يحيى بن معين، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن مالك، عن عمر -أو عمرو- بن مسلم بنحوه. هذا غريب، وليس ذا في "الموطأ".

الحاكم في ترجمة مالك، في كتاب "مزكِّي الأخبار"، حدثنا أبو الطيب محمد بن أحمد الكرابيسي، حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد من أصله، حدثنا هشام بن عمار، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن مالك بن أنس، عن سمي، عن أبي صالح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "السفر قطعة من العذاب"

(2)

. غريب جدًّا.

قرأت على إسحاق بن طارق، أخبرك ابن خليل، أخبرنا أبو المكارم اللبان، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا القعنبي.

وبه إلى أبي نعيم، وحدثنا محمد بن حميد، حدثنا عبد الله بن أبي داود، حدثنا عبد الملك

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "6/ 311"، ومسلم "1977""41"، والترمذي "1523"، والنسائي "7/ 211"، وابن ماجه "3150"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار""4/ 181"، والطبراني "23/ 564"، والحاكم "4/ 220" من طرق عن شعبة، عن مالك بن أنس، به. وأخرجه الطحاوي "4/ 182"، والطبراني "23/ 562" من طرق عن مالك، به.

(2)

صحيح: وهذا إسناد ضعيف لإرساله، فقد أسقط من الإسناد أبا هريرة رضي الله عنه وقد أخرجه مالك "2/ 980"، ومن طريقه أخرجه أحمد "2/ 236 و 445"، والبخاري "1804" و"3001" و"5429"، ومسلم "1927"، وابن ماجه "2882"، والدارمي "2/ 284"، وأبو الشيخ في "الأمثال""205"، والقضاعي في "مسند الشهاب""225"، والبيهقي "5/ 259"، والبغوي "2687" عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، به مرفوعا وتمامه "السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه، فليعجل إلى أهله".

قوله: "نهمته": النهمة هي الحاجة. والمقصود في هذا الحديث استحباب تعجيل الرجوع إلى الأهل بعد قضاء حاجته.

ص: 191

ابن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي عن يحيى بن أيوب كلاهما عن مالك عن أبي الزبير عن جابر قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية البدنة عن سبعة

(1)

.

وبه إلى أبي نعيم حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد حدثنا بكر بن سهل حدثنا محمد بن مخلد الرعيني حدثنا مالك عن أبي حازم عن سهل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء قلما ترد فيهما دعوة: حضور الصلاة وعند الزحف للقتال"

(2)

.

رواه أيضًا أيوب بن سويد وأبو المنذر إسماعيل بن عمر عن مالك نحوه.

أخبرنا أبو المعالي الهمداني، أخبرنا محمد بن أبي القاسم بحران

(3)

أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا علي بن محمد الخطيب أخبرنا أبو عمر الفارسي أخبرنا محمد بن مخلد حدثنا جعفر بن أحمد بن عاصم حدثنا محمد بن مصفى حدثنا محمد بن حرب عن ابن جريج عن مالك عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة زمن الفتح وعلى رأسه المغفر

(4)

.

أخبرنا أبو المعالي أخبرنا محمد حدثنا محمد أخبرنا علي أخبرنا أبو عمر أخبرنا

(1)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 37" ومن طريقه أخرجه مسلم "1318""350"، وأبو داود "2809"، والترمذي "904"، وابن ماجه "3132"، وأبو نعيم "6/ 335" عن أبي الزبير، عن جابر، به مرفوعا وتمامه: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة".

(2)

صحيح: وهذا الحديث اختلف في رفعه وفي وقفه لكن مثله لا يقال بالرأي وهو من قبيل المرفوع حكما. وقد أخرجه مالك "1/ 70"، ومن طريقه ابن أبي شيبة "10/ 224"، والطبراني "5774" عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، مرقوفا عليه، وهو في حكم المرفوع كما قلنا لأنه لا يقال مثل هذا بالرأي.

وأخرجه الطبراني "5847" من طرق عن عبد الحميد بن سليمان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد مرفوعا. وفيه عبد الحميد، وهو ضعيف.

وأخرجه أبو داود "2540"، والدارمي "1/ 272"، والحاكم "1/ 198"، والبيهقي "1/ 410"، والطبراني "5756"، وابن الجارود "1065" من طرق عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم، عن موسى بن يعقوب الزمعي، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثنتان لا تردان، أو قلما تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا". وإسناده ضعيف، آفته موسى بن يعقوب الزمعي، فإنه سيئ الحفظ لكن الحديث يرتقى إلى مرتبة الحسن بالطريق التي قبله.

(3)

حران: مدينة بالجزيرة من ديار ربيعة لها شهرة واسعة في التاريخ كان منها جماعة من العلماء.

(4)

صحيح: أخرجه مالك "1/ 423" ومن طريقه البخاري "1846"، ومسلم "1357".

والمغفر: بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس.

ص: 192

مخلد، حدثنا العلاء بن سالم، حدثنا شعيب بن حرب، حدثنا مالك، حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم، عن أبي قتادة بن ربعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليصل ركعتين قبل أن يقعد". اتفقا عليه، من حديث مالك

(1)

.

الحافظ أبو بكر الخطيب: أخبرنا البَرْقاني، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم الجرجاني، قرئ على أبي عَروبة الحراني، حدثكم محمد بن وهب، حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن مالك بن أنس، عن سعيد المقبري، عن أبيه -لا أعلمه إلا عن أبي هريرة- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عبدًا كانت عنده لأخيه مظلمة في نفس أو مال فأتاه فاستحل منه قبل أن تؤخذ حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فتوضع في سيئاته"

(2)

.

الحاكم: حدثنا عمرو بن محمد بن منصور العدل، حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثني أبي، حدثنا بكر بن مضر، حدثنا ابن الهاد، حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحتلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته وينثل ما فيه فلا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه"

(3)

. ورواه إسحاق بن بكر بن مضر عن أبيه وقد وقع لي عاليًا كأني سمعته من الحاكم.

(1)

صحيح: أخرجه مالك "1/ 162"، وعبد الرزاق "1673"، وابن أبي شيبة "1/ 339"، وأحمد "5/ 295 و 296 و 303 و 305 و 311"، والبخاري "444" و"1163"، ومسلم "714""69"، وأبو داود "467" و"468"، والترمذي "316"، والنسائي "2/ 53"، وابن ماجه "1013"، والدارمي "1/ 323 - 324"، وابن خزيمة "1825" و"1826" و"1827"، والبيهقي "3/ 53"، والبغوي "480"، وأبو عوانة "1/ 415"، من طرق عن عامر بن عبد الله بن الزبير، به.

(2)

صحيح: أخرجه أبو نعيم في "الحلية""6/ 343" من طريق محمد بن الحارث الحراني عن محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، به. وإسناده حسن، محمد بن الحارث، صدوق. وأبو عبد الرحيم: هو خالد بن أبي يزيد بن سماك الحراني، وأخرجه البخاري "6534"، والبيهقي "6/ 56"، من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:"من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه". وأخرجه الترمذي "2419" من طريق زيد بن أبي أنيسة، والطيالسي "2327" من طريق العمري، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، به.

(3)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 971"، ومن طريقه أخرجه البخاري "2435"، ومسلم "1726"، وأبو داود "2623"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار""4/ 241"، وفي "شرح مشكل الآثار""4/ 41"، والبيهقي "9/ 358"، والبغوي "2168"، عن نافع، عن ابن عمر، به مرفوعا.

ص: 193

أخبرناه عبد الحافظ بن بدران، بنابلس، أخبرنا موسى بن عبد القادر، والحسين بن مبارك، وأخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الحسن بن مبارك، ونفيس بن كرم وعبد اللطيف بن عسكر، وأخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، وعدة بمصر، وسنقر الزيني بحلب قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، وأخبرنا عبد الله بن محمد بن قوام، ويوسف بن أبي نصر، وعلي بن عثمان الأمين، ومحمد بن حازم، ومحمد بن يوسف الذهبي، ومحمد بن هاشم العباسي، وعمر، وأبو بكر، أخبرنا أحمد بن عبد الدائم، وسويج بن محمد، ومحمد بن أبي العز، وفاطمة بنت عبد الله الآمدية، وخديجة بنت محمد المراتبية، وفاطمة بنت إبراهيم البطائحية، وهدية بنت عبد الحميد قالوا: أنبأنا الحسين بن أبي بكر اليماني، وأخبرنا علي بن محمد الفقيه، وأحمد بن هبة الله الحاجب، ونصر الله بن محمد وأحمد بن العماد، وعلي بن أحمد، وأحمد بن محمد بن المجاهد، وعلي بن محمد الملقن، وأحمد بن رسلان، وعمر بن محمد المذهب، وأحمد بن عبد الرحمن الدائم بن أحمد الوزان، وعبيد الحميد بن أحمد، ومحمد بن علي بن فضل، وأحمد بن عبد الله اليونيني، ومحمد بن قايماز الدقيقي، وهدية بنت علي قالوا: أخبرنا الحسين بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر قالوا ستتهم: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا محمد بن عبد العزيز الفارسي سنة تسع وستين وأربعمائة، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا العلاء بن موسى إملاء سنة سبع وعشرين ومائتين، حدثنا ليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فقال:"لا يحلبن أحدكم ماشية أحد بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر باب خزانته فينتقل طعامه، وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم، فلا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه". أخرجه مسلم

(1)

، عن محمد بن رمح عن ليث.

محمد بن يوسف الزبيدي: حدثنا أبو قرة، عن موسى بن عقبة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا:"لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها"

(2)

.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "1726".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1534"، والطحاوي "2/ 23"، والبيهقي "5/ 300"، والبغوي "2078" من طرق عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، به، وأخرجه عبد الرزاق "14314"، وابن أبي شيبة "6/ 507"، وأحمد "2/ 95"، والبخاري "2183" و"2159"، والنسائي "7/ 262 - 263 و 263"، والطحاوي "2/ 23"، والطبراني "13463"، وابن الجارود "603"، والبيهقي "5/ 295 - 296 و 299" من طرق عن ابن عمر، به.

ص: 194

أخبرنا علي بن تيمية، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، وأخبرنا الأبرقوهي، أخبرنا ابن تيمية الخطيب، قالا: أخبرنا ابن البطي، أخبرنا علي بن محمد، أخبرنا أبو عمر بن مهدي، أخبرنا محمد بن مخلد، حدثنا الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا أبن جريج عن سفيان الثوري، عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن ابن المسيب: أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة، وهي السمحاق بنصف ما في الموضحة. قال عبد الرزاق: ثم قدم علينا سفيان فسألناه فحدثنا به عن مالك ثم لقيت مالكًا فقلت: إن سفيان، حدثنا عنك، عن ابن قسيط، عن ابن المسيب: أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة

(1)

بنصف الموضحة

(2)

. فقال: صدق، حدثته به، قلت: حدثني قال: ما أحدث به اليوم.

أخبرنا أحمد بن عبد المنعم، أخبرنا محمد بن سعيد، وأخبرنا علي ابن محمد، وجماعة قالوا: أخبرنا الحسين بن المبارك قالا: أخبرنا أبو زرعة، أخبرنا محمد بن أحمد الساوي

(3)

، أخبرنا أبو بكر الحيري، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي، حدثنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن سفيان، عن مالك نحوه.

وهذا إسناد عزيز، نزل الشافعي في إسناده كثيرًا تحصيلا للعلم.

الحاكم: أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عبيد الحافظ، حدثنا محمد بن الضحاك بن عمرو، حدثنا عمران بن عبد الرحيم، حدثنا بكار بن الحسن، حدثنا إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، عن أبيه، عن أبي حنيفة، عن مالك، عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها"

(4)

.

(1)

الملطاة: القشرة الرقيقة بين عظم الرأس ولحمه، تمنع الشجة أن توضح، وهي من لطيت بالشيء، أي لصقت، فتكون الميم زائدة.

(2)

الموضحة: هي التي تبدي وضح العظم: أي بياضه. والجمع: المواضح.

(3)

الساوي: نسبة إلى مدينة بين الري وهمدان تسمى "ساوة".

(4)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 524 - 525"، ومن طريقه أخرجه عبد الرزاق "10283"، وابن أبي شيبة "4/ 136"، والشافعي "2/ 12"، وسعيد بن منصور "556"، وأحمد "1/ 219 و 241 - 242 و 345 و 362"، ومسلم "1421""66"، وأبو داود "2098"، والترمذي "1108"، والنسائي "6/ 84"، وابن ماجه "1870"، والدارمي "2/ 138"، وابن الجارود "709"، والدارقطني "3/ 239 - 240 و 241"، والطبراني في "الكبير""10/ 10743 و 10744 و 10745"، والبيهقي "7/ 118 و 122"، والبغوي "2254"، عن عبد الله بن المفضل، به، وأخرجه عبد الرزاق "10282"، وابن أبي شيبة "4/ 136"، والطبراني "10/ 10746"، والبيهقي "7/ 118" من طرق عن عبد الله بن المفضل، به.

ص: 195

أخبرنا به أحمد بن هبة الله، عن المؤيد الطوسي، أخبرنا هبة الله السيدي، أخبرنا أبو عثمان البحيري، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا أبو مصعب، عن مالك، نحوه.

وساويت الحاكم، وقد رواه عن مالك سفيان الثوري، وشريك القاضي، وشعبة.

الحاكم: أخبرنا أبو علي الحافظ، أخبرنا أبو الطاهر محمد بن أحمد المديني بمصر، حدثنا يحيى بن درست، حدثنا أبو إسماعيل القناد، عن يحيى بن أبي كثير، عن الأوزاعي، ومالك، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"القطع في ربع دينار فصاعدًا"

(1)

.

غريب جدًّا، ولا نعلم مالكًا اجتمع بيحيى، ولو جرى ذلك، لكان يروي عنه، ولكان من كبراء مشيخة مالك.

تفرد به أبو الطاهر وفيه مقال.

يعقوب بن شيبة السدوسي: حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن المغيرة بن النعمان، عن مالك بن أنس، عن هانئ بن حرام، قال: كتب إلى عمر بن الخطاب في رجل وجد مع امرأته رجلا، فقتله. فكتب في السر: يعطي الدية، وكتب في العلانية: يقاد منه

(2)

.

(1)

صحيح: وهذا إسناد ضعيف، آفته أبو الطاهر الأموي المديني محمد بن أحمد بن عثمان، قال المؤلف في "ميزان الاعتدال": روى مناكير، أراه كان اختلط، لا تجوز الرواية عنه وقال ابن عدي: يغلط ويثبت عليه ولا يرجع. وذكره ابن يونس في الشعراء وقال: كان يحفظ ويفهم. وأخرجه الشافعي "270"، والبخاري "6789"، ومسلم "1684"، والنسائي "8/ 79" من طريق ابن شهاب، عن عمرة، عن عائشة، به مرفوعا. وأخرجه البخاري "6791"، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، عن عمرة بنت عبد الرحمن حدثته أن عائشة رضي الله عنها حدثتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تقطع اليد في ربع دينار".

(2)

ضعيف: أخرجه عبد الرزاق "17921" عن الثوري، عن المغيرة بن النعمان، عن هانئ بن حزام أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلهما، فكتب عمر بكتاب في العلانية أن أقيدوه، وكتابا في السر أن أعطوه الدية".

قلت: إسناده ضعيف، رجاله ثقات خلا هانئ بن حزام، ذكره البخاري في "التاريخ الكبير""3/ ق 2/ 231"، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل""4/ ق 2/ 101"، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. فهو مجهول كما هو معروف من قاعدتهما، وقد ذكرنا أمثلة كثيرة على ذلك في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة" وقد طبع الأول منهما في مكتبة الدعوة بالأزهر الشريف يسر الله طبع بقية مجلداته، وأكثر النفع به، وجعله في ميزان حسناتي ثقيلا ثقيلا بكرمه ومنه وسعة فضله.

ص: 196

قال يعقوب: أراد عمر أن يُرهب بذلك.

وبإسنادي إلى ابن مخلد العطار: حدثنا أحمد بن محمد بن أنس، حدثنا أبو هبيرة الدمشقي، حدثنا سلامة بن بشر، حدثنا يزيد بن السمط، عن الأوزاعي، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان"

(1)

. أخرجه النسائي، عن يزيد بن عبد الصمد، عن سلامة به.

ووقع لنا عاليًا.

أخبرناه علي بن أحمد الحسيني

(2)

، أخبرنا محمد بن أحمد القطيعي، أخبرنا أحمد بن محمد العباسي، أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن الشافعي، أخبرنا أحمد بن إبراهيم العبقسي

(3)

، أخبرنا محمد بن إبراهيم الديبلي

(4)

، حدثنا محمد بن أبي الأزهر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، حدثنا عبد الله بن دينار، بهذا.

وبإسنادي إلى ابن مخلد، قال: حدثني أحمد بن سعد الزهري، قال: ذكر علي بن بحر القطان، سمعت ابن أبي حازم يقول: رأيت البتي

(5)

قائمًا على رأس مالك بن أنس.

وبه: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الحنين، حدثنا الأصمعي، عن شعبة، قال: قدمت المدينة سنة ثمان عشرة ومائة، فوجدت لمالك حلقة، ووجدت نافعًا قد مات.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 56 و 103 و 116 و 123 و 156"، والبخاري "6178" و"6966" ومسلم "1735""10"، وأبو داود "2756"، والبيهقي "9/ 230"، والبغوي "2480" من طرق عن عبد الله بن دينار، به.

(2)

هو: علي بن أحمد بن عبد المحسن بن أحمد بن محمد بن علي أبو الحسن الهاشمي الحسيني الواسطي الغرافي ثم الإسكندراني المعدل، شيخ دار الحديث النبيهية بالثغر، ولد في أول سنة ثمان وعشرين وستمائة، وتوفي ذي الحجة سنة أربع وسبعمائة. ترجم له الذهبي في "معجم الشيوخ" رقم "511"، وترجمته أيضا في "الدرر الكامنة" لابن حجر "3/ 85"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "6/ 11".

(3)

العبقسي: نسبة إلى عبد القيس.

(4)

الديبُلي: نسبة إلى مدينة ديبُل على ساحل البحر الهندي قريبة من السند.

(5)

هو: عثمان بن مسلم البتي، بفتح الموحدة وتشديد المثناة، أبو عمرو البصري، يقال اسم أبيه سليمان، صدوق عابوا عليه الإفتاء بالرأي، وهو من صغار التابعين.

ص: 197

وبه، أخبرنا الرمادي، حدثنا الحكم بن عبد الله، أخبرني أبي، عن مالك، قال: رحت إلى الظهر من بيت ابن هرمز اثنتي عشرة سنة

(1)

.

وبه، حدثنا الرمادي، حدثنا الحكم، أخبرنا أشهب، عن مالك، قال: حدثني ابن شهاب، فقلت له: أعده علي. قال: لا. قلت: أما كان يعاد عليك? قال: لا. فقلت: كنت تكتب? قال: لا. وكف الحديدة -يعني: اللجام.

أخبرنا أحمد بن إسحاق بن محمد المؤيدي، أخبرنا أحمد بن يوسف، والفتح بن عبد الله، قالا: أخبرنا محمد بن عمر الأرموي، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، أخبرنا علي بن عمر الحربي، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا معن، عن مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصافح امرأة قط"

(2)

. أخرجه النسائي، في جمعه أحاديث مالك، عن معاوية بن صالح الدمشقي، عن يحيى بن معين.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم الطائي غير مرة، أخبرنا عبد الصمد بن محمد الشافعي سنة تسع وستمائة -وأنا في الرابعة- أخبرنا علي بن مسلم الفقيه، أخبرنا أبو نصر الحسين بن محمد الخطيب سنة خمس وستين وأربعمائة، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد الغساني بصيدا سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، حدثنا أبو روق أحمد بن محمد الهزاني

(3)

بالبصرة، حدثنا محمد بن الوليد البسري، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن مالك "ح"

(4)

. وأخبرنا بعلو أحمد بن هبة الله بن أحمد، عن المؤيد بن محمد، أخبرنا هبة الله بن سهل، أخبرنا سعيد

(1)

ذكره القاضي عياض في "ترتيب المدارك""1/ 120 - 121".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "7214"، ومسلم "1866" من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية {لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} قالت: وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها". واللفظ للبخاري، وأخرجه الترمذي "1597"، والنسائي "7/ 149" من طريق سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة من الأنصار نبايعه فقلنا: يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف. قال: "فيما استطعتن وأطقتن". قالت: قلنا: الله ورسول أرحم بنا، هلم نبايعك يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة". واللفظ للنسائي.

(3)

الهزاني: نسبة إلى هزان بطن من العتيك، والعتيك من ربيعة وهو هزان بن صباح بن عتيك.

(4)

رمز لتحويل السند إلى سند آخر أو طريق آخر.

ص: 198

ابن محمد، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا أبو مصعب، حدثنا مالك، عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها"

(1)

. لفظ شعبة.

أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي، أخبرنا زكريا بن علي بن حسان ببغداد، وأخبرنا أبو الحسين علي بن محمد ببعلبك، وأحمد بن محمد بمصر وجماعة، قالوا: أخبرنا أبو المنجا عبد الله بن عمر بن اللتي، قالا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى "ح". وأخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه كتابة، أخبرنا عبد القادر الحافظ، أخبرنا عبد الجليل بن أبي سعد بهراة، قالا: أخبرتنا أم الفضل: بيبى بنت عبد الصمد، قالت: أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الأنصاري، أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا مصعب الزبيري، حدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو، وأسامة، وبلال، وعثمان بن طلحة الحجبي، فأغلقها عليهم، ومكث فيها. فسألت بلالا حين خرج: ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم? فقال: جعل عمودًا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، ثم صلى

(2)

.

وبه، حدثني مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته

(3)

.

(1)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 554 - 555"، ومن طريقه أخرجه الشافعي "2/ 12"، وعبد الرزاق "10283"، وابن أبي شيبة "4/ 136"، وسعيد بن منصور "556"، وأحمد "1/ 219 و 241 - 242 و 345 و 362"، ومسلم "1421""66"، وأبو داود "2098"، والترمذي "1108"، والنسائي "6/ 84"، وابن ماجه "1870"، والدارمي "2/ 138"، وابن الجارود "709"، والدارقطني "3/ 239 - 240 و 241"، والطبراني في "الكبير""10/ 10743 و 10744 و 10745"، والبيهقي "7/ 118 و 122"، والبغوي "2254" عن عبد الله بن الفضل، به، وأخرجه عبد الرزاق "10282"، وابن أبي شيبة "4/ 136"، والطبراني "10/ 10746"، والبيهقي "7/ 118" من طرق عن عبد الله بن الفضل، به.

(2)

صحيح: أخرجه مالك "1/ 398"، ومن طريقه أخرجه البخاري "505"، ومسلم "1329"، وأبو داود "2023" و"2024".

(3)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 782"، والشافعي "2/ 72"، وأحمد "2/ 79 و 107"، والطيالسي "1885"، والنسائي "7/ 72 و 306"، وابن ماجه "2747"، والدارمي "2/ 256"، والطبراني في "الكبير""13525" و"13626"، والبيهقي "10/ 292"، والبغوي "2226" من طرق عن عبد الله بن دينار، به.

ص: 199

وفاة مالك:

قال القعنبي: سمعتهم يقولون: عُمُر مالك تسع وثمانون سنة، مات سنة تسع وسبعين ومائة.

وقال إسماعيل بن أبي أويس: مرض مالك، فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت. قالوا: تشهد، ثم قال:{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4]. وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأول، سنة تسع وسبعين ومائة، فصلى عليه: الأمير عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي؛ ولد زينب بنت سليمان العباسية، ويعرف بأمه. رواها: محمد بن سعد، عنه، ثم قال: وسألت مصعبًا، فقال: بل مات في صفر، فأخبرني معن بن عيسى بمثل ذلك.

وقال أبو مصعب الزهري: مات لعشر مضت من ربيع الأول، سنة تسع. وقال محمد بن سحنون: مات في حادي عشر ربيع الأول. وقال ابن وهب: مات لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول.

قال القاضي عياض

(1)

: الصحيح: وفاته في ربيع الأول، يوم الأحد، لتمام اثنين وعشرين يومًا من مرضه.

وغسله ابن أبي زنبر وابن كنانة، وابنه يحيى وكاتبه حبيب يصبان عليهما الماء، ونزل في قبره جماعة، وأوصى أن يكفن في ثياب بيض، وأن يصلى عليه في موضع الجنائز، فصلى عليه الأمير المذكور. قال: وكان نائبًا لأبيه محمد على المدينة، ثم مشى أمام جنازته، وحمل نعشه، وبلغ كفنه خمسة دنانير.

قلت: تواترت وفاته في سنة تسع، فلا اعتبار لقول من غلط وجعلها في سنة ثمان وسبعين، ولا اعتبار بقول حبيب كاتبه، ومطرف فيما حكي عنه، فقالا: سنة ثمانين ومائة.

ونقل القاضي عياض أن أسد بن موسى قال: رأيت مالكًا بعد موته وعليه طويلة وثياب خضر، وهو على ناقة يطير بين السماء والأرض، فقلت: يا أبا عبد الله! أليس قد مت? قال: بلى. فقلت: فإلام صرت? فقال: قدمت على ربي، وكلمني كفاحًا

(2)

، وقال: سلني أعطك، وتمن علي أرضك

(3)

.

(1)

في "ترتيب المدارك وتقريب المسالك" له نشر مكتبة دار الحياة بيروت "1/ 237".

(2)

كفاحًا: أي مواجهة وبدون واسطة.

(3)

ذكره القاضي في كتابه "ترتيب المدارك وتقريب المسالك""1/ 239".

ص: 200

قال القاضي عياض: واختلف في سنه: فقال عبد الله بن نافع الصائغ، وابن أبي أويس، ومحمد بن سعد، وحبيب: إن عمره خمس وثمانون سنة. قال: وقيل: أربع وثمانون سنة. وقيل: سبع وثمانون سنة. وقال الواقدي: تسعون سنة. وقال الفريابي، وأبو مصعب: ست وثمانون سنة. وقال القعنبي: تسع وثمانون سنة. وعن عبد الرحمن بن القاسم، قال: عاش سبعًا وثمانين سنة. وشذ أيوب بن صالح، فقال: عاش اثنتين وتسعين سنة. قال أبو محمد الضراب: هذا خطأ، الصواب ست وثمانون

(1)

.

واختلف في حمل أمه به: فقال معن، والصائغ، ومحمد بن الضحاك: حملت به ثلاث سنين. وقال نحوه: والد الزبير بن بكار. وعن الواقدي: حملت به سنتين

(2)

.

قلت: ودفن بالبقيع اتفاقًا، وقبره مشهور يزار رحمه الله.

ويقال: إنه في الليلة التي مات فيها رأى رجل من الأنصار قائلا ينشد:

لقد أصبح الإسلام زعزع ركنه

غداة ثوى الهادي لدى ملحد القبر

إمام الهدى ما زال للعلم صائنا

عليه سلام الله في آخر الدهر

قال: فانتبهت، فإذا الصارخة على مالك.

ثم أورد القاضي عياض عدة منامات حسنة للإمام، وسائر كتابه بلا أسانيد، وفي بعض ذلك ما ينكر.

قال ابن القاسم: مات مالك عن مائة عمامة، فضلا عن سواها.

وقال ابن أبي أويس: بيع ما في منزل خالي مالك من بسط، ومنصات، ومخاد، وغير ذلك، بما ينيف على خمسمائة دينار.

وقال محمد بن عيسى بن خلف: خلف مالك خمسمائة زوج من النعال، ولقد اشتهى يومًا كساء قوصيًّا، فما مات إلا وعنده منها سبعة بعثت إليه.

وأهدى له يحيى بن يحيى النيسابوري هدية، فوجدت بخط جعفر: قال مشايخنا الثقات: إنه باع من فضلتها بثمانين ألفًا.

(1)

ذكره القاضي عياض في "ترتيب المدارك وتقريب المسالك""1/ 111".

(2)

ذكره القاضي عياض في "ترتيب المدارك وتقريب المسالك""1/ 111 - 112".

ص: 201

قال أبو عمرو: ترك من الناض

(1)

ألفي دينار وستمائة دينار، وسبعة وعشرين دينارًا، ومن الدراهم ألف درهم.

قلت: قد كان هذا الإمام من الكبراء السعداء، والسادة العلماء، ذا حشمة، وتجمل، وعبيد، ودار فاخرة ونعمة ظاهرة، ورفعة في الدنيا والآخرة، كان يقبل الهدية، ويأكل طيبًا، ويعمل صالحًا، وما أحسن قول ابن المبارك فيه:

صموت إذا ما الصمت زين أهله

وفتاق أبكار الكلام المختم

وَعَى ما وَعَى القرآن من كل حكمه

وسيطت

(2)

له الآداب باللحم والدم

قال القاضي عياض رحمه الله فيه:

يا سائلا عن حميد الهدي والسنن

اطلب هديت علوم الفقه والسنن

وعقد قلبك فاشدده على ثلج

(3)

لا تطوينه على شك ولا دخن

(4)

واسلك سبيل الألي حازوا نهى وتقى

كانوا فبانوا حسان السر والعلن

هم الأئمة والأقطاب ما انخدعوا

ولا شروا دينهم بالبخس والغبن

أصحاب خير الورى أحبار ملته

خير القرون نجوم الدهر والزمن

من اهتدى بهداهم مهتد وهم

نجاة من بعدهم من غمرة الفتن

وتابعوهم على الهدي القويم هم

أهل التقى والهدى والعلم والفطن

فاختر لدينك ذا علم تقلده

مشهر الذكر في شام وفي يمن

حوى أصولهم ثم اقتفى أثرًا

نهجًا إلى كل معنى رائق حسن

ومالك المرتضى لا شك أفضلهم

إمام دار الهدى والوحي والسنن

فعنه حز علمه إن كنت متبعًا

ودع زخارف كالأحلام والوسن

فهو المقلد في الآثار يسندها

خلاف من هو فيها غير مؤتمن

وهو المقدم في فقه وفي نظر

والمقتدى في الهدى في ذلك الزمن

(1)

الناض: الدنانير والدراهم.

(2)

وسيطت: مزجت.

(3)

ثلج: اطمئنان.

(4)

دخن: فساد.

ص: 202

وعالم الأرض طرا بالذي حكمت

شهادة المصطفى ذي الفضل والمنن

ومن إليه بأقطار البلاد غدت

تنضى المطايا وتضحى بزل البدن

(1)

من أشرب الخلق طرًا حبه فجرى

طي القلوب كجري الماء في الغصن

وقال كل لسان في فضائله

قولًا وإن قصروا في الوصف عن لسن

عليه من ربه أصفى عواطفه

ومن رضاه كصوب العارض الهتن

(2)

وجاد ملحده وطفاء هاطلة

تسقى برحماه مثوى ذلك الجنن

(3)

(1)

تنضى: تهزل. تضحى: تسعى. بزل: جمع بازل: وهو البعير ذكرا كان أو أنثى وذلك في السنة التاسعة. البدن: الإبل والبقر التي تهدى إلى مكة.

(2)

العارض: السحاب. والهتين: الممطر.

(3)

ذكر القاضي عياض: هذه الأبيات في كتابه "ترتيب المدارك وتقريب المسالك""1/ 253 - 254" وقوله: الجنن. المستور والمراد به الميت.

ص: 203

‌1181 - عبد القدوس

(1)

:

ابن حبيب المحدث، أبو سعيد الكلاعي، الوحاظي الشامي.

روى عن: مجاهد، وعكرمة، وأبي الأشعث الصنعاني، والشعبي، والحسن، وعطاء، ومكحول، وابن شهاب.

وعنه: عمرو بن الحارث، وحيوة بنت شريح، والثوري -وماتوا قبله بمدة- والوليد بن مسلم، وابن شابور، وعبد الرزاق، وعلي بن الجعد، وأبو الجهم، وصالح بن مالك الخوارزمي، وإسحاق بن أبي إسرائيل.

يقع من عواليه في "الجعديات".

اتفقوا على ضعفه. كذبه: ابن المبارك.

وقال ابن معين: مطروح الحديث.

وقال الفلاس: تركوه.

وقال ابن عمار: ذاهب الحديث.

وقال ابن المبارك: لأن أقطع الطريق، أحب إليَّ من أن أروي عنه.

وقال النسائي: ليس بثقة، ولا مأمون.

قلت: بقي إلى ما بعد السبعين ومائة وعمر دهرًا.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1898"، وعند ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل""6/ ترجمة 295"، وعند العقيلي في "الضعفاء""3/ ترجمة 1069"، وعند ابن حبان في "المجروحين""2/ 131"، وعند ابن عدي في "الكامل""5/ ترجمة 1498"، وفي ميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5156".

ص: 203

‌1182 - الليث بن سعد

(1)

: " ع"

ابن عبد الرحمن، الإمام، الحافظ، شيخ الإسلام، وعالم الديار المصرية، أبو الحارث الفهمي، مولى خالد بن ثابت بن ظاعن.

وأهل بيته يقولون: نحن من الفرس، من أهل أصبهان، ولا منافاة بين القولين.

مولده: بقرقشندة -قرية من أسفل أعمال مصر- في سنة أربع وتسعين. قاله يحيى بن بكير. وقيل: سنة ثلاث وتسعين. ذكره: سعيد بن أبي مريم. والأول أصح، لأن يحيى يقول: سمعت الليث يقول: ولدت في شعبان، سنة أربع. قال الليث: وحججت سنة ثلاث عشرة ومائة.

سمع: عطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، ونافعًا العمري، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وابن شهاب الزهري، وأبا الزبير المكي، ومشرح بن هاعان، وأبا قبيل المعافري، ويزيد بن أبي حبيب، وجعفر بن ربيعة، وعبيد الله بن أبي جعفر، وبكير بن عبد الله بن الأشج، وعبد الرحمن بن القاسم، والحارث بن يعقوب، ودراجًا أبا السمح الواعظ، وعقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، وحكيم بن عبد الله بن قيس، وعامر بن يحيى المعافري، وعمر مولى غفرة، وعمران بن أبي أنس، وعياش بن عباس، وكثير بن فرقد، وهشام بن عروة، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وأيوب بن موسى، وبكر بن سوادة، وأبا كثير الجلاح، والحارث بن يزيد الحضرمي، وخالد بن يزيد، وصفوان بن سليم، وخير بن نعيم، وأبا الزناد، وقتادة، ومحمد بن يحيى بن حبان، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، ويحيى بن سعيد

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 517"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 1053"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1015"، وحلية الأولياء "7/ ترجمة 391"، وتاريخ بغداد "13/ 3 - 14"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 365"، والكاشف "3/ ترجمة 4760"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 210"، والعبر "1/ 266 و 345 و 356"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6998"، تهذيب التهذيب "8/ 459"، تقريب التهذيب "2/ 138"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6000"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 285".

ص: 204

الأنصاري، وخلقًا كثيرًا. حتى إنه يروي عن تلامذته، وحتى إنه روى عن نافع، ثم روى حديثًا بينه وبينه فيه أربعة أنفس، وكذلك فعل في شيخه ابن شهاب، روى غير حديث بينه وبينه فيه ثلاثة رجال.

روى عنه خلق كثير. منهم: ابن عجلان -شيخه- وابن لهيعة، وهشيم، وابن وهب، وابن المبارك، وعطاف بن خالد، وشبابة، وأشهب، وسعيد بن شرحبيل، وسعيد بن غفير، والقعنبي، وحجين بن المثنى، وسعيد بن أبي مريم، وآدم بن أبي إياس، وأحمد بن يونس، وشعيب بن الليث -ولده- ويحيى بن بكير، وعبد الله بن عبد الحكم، ومنصور بن سلمة، ويونس بن محمد، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ويحيى بن يحيى الليثي، ويحيى بن يحيى التميمي، وأبو الجهم العلاء بن موسى، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن رمح، ويزيد بن موهب الرملي، وكامل بن طلحة، وعيسى بن حماد زغبة، وعبد الله بن صالح الكاتب، وعمرو بن خالد، وعبد الله بن يوسف التنيسي.

ولحقه الحارث بن مسكين، وسأله عن مسألة، ورآه يعقوب بن إبراهيم الدورقي ببغداد وهو صبي.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح، أخبرنا الأرموي، وابن الداية، والطرائفي، قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن، حدثنا جعفر بن محمد الحافظ، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا".

هذا الحديث حسن، عال أخرجه الترمذي

(1)

، عن قتيبة، فوافقناه بعلو.

أخبرنا أبو علي يوسف بن أحمد الصالحي، أخبرنا موسى بن عبد القادر الجيلي، أخبرنا

(1)

صحيح بشاهده: أخرجه الترمذي "2197"، حدثنا قتيبة، حدثنا الليث بن سعد، به.

قلت: إسناده حسن، سعيد بن سنان المصري، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب". وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ:"بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا، ويمسي كافرا، ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا، يبيع دينه بعرض من الدنيا". أخرجه أحمد "2/ 304 و 372 و 523"، ومسلم "118"، والترمذي "2195"، والبغوي "4223"، من طرق عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، به. وهو صحيح.

ص: 205

أبو القاسم سعيد بن أحمد بن البناء "ح". وأخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد القرافي الزاهد بمصر، أخبرنا أبو علي الحسن بن إسحاق بن موهوب بن الجواليقي سنة عشرين وستمائة ببغداد "ح". وقرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم الطائي، عن أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المهتدي بالله في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، قالوا: أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزيني، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الوراق، حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث الحافظ، حدثنا عيسى بن حماد التجيبي، أخبرنا الليث بن سعد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائمًا، مسندًا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش! والله ما فيكم أحد على دين إبراهيم غيري، وكان يحيي الموءودة يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: مه، لا تقتلها، أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت، قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤنتها

(1)

.

هذا حديث صحيح، وإنما يرويه الليث، عن هشام بالإجازة، لأن البخاري أخرجه في "صحيحه" تعليقًا، فقال: وقال الليث: كتب إلي هشام بن عروة

، ذكر الحديث، فهو في "الصحيح"، وجادة

(2)

على إجازة.

أخبرنا أحمد بن إسحاق: أخبرنا أكمل بن أبي الأزهر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا محمد بن عمر بن زنبور، حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حدثنا عيسى

(1)

صحيح: علقه البخاري "3828" قال: قال الليث: كتب إليَّ هشام، عن أبيه، به. وقال الحافظ في "الفتح" "7/ 145": وهذا التعليق رويناه موصولا في حديث زغبة من رواية أبي بكر بن أبي داود، عن عيسى بن حماد، وهو المعروف بزغبة عن الليث. وأخرج ابن إسحاق عن هشام بن عروة هذا الحديث بتمامه"، والحديث وصله الحاكم "3/ 440"، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، حدثنا أبو أسامة، حدثنا هشام بن عروة، به.

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.

(2)

الوجادة: هي مصدر لوجد مولد غير مسموع من العرب. وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها لا يرويها الواجد، فله أن يقول: وجدت، أو قرأت بخط فلان، أو في كتابه بخطه "حدثنا فلان"، ويسوق الإسناد والمتن، أو قرأت بخط فلان عن فلان، هذا الذي استقر عليه العمل قديما وحديثا، وهو من باب المنقطع؛ فالراوي إذا وجد في كتابه حديثا عن شيخنا كان على ثقة من أنه أخذه عنه، فإذا خانته ذاكرته، وجده في كتابه، أما إذا وجده في كتاب غيره، ولو كان أباه، فهذا انقطاع بلا ريب، وقد ذكرت مثالا لذلك في المجلد الثاني في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة" يسر الله طباعته ونشره، وأكثر النفع به، ونفعني به وبسائر كتبي يوم الدين بكرمه ومنه وسعة فضله.

ص: 206

ابن حماد، أخبرنا الليث، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة"

(1)

.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا موسى بن عبد القادر، والحسين بن المبارك، وأخبرنا أحمد بن المؤيد، أخبرنا عبد اللطيف بن عسكر، وحسن بن أبي بكر بن الزبيدي، والنفيس بن كرم، وأخبرنا أحمد بن أبي طالب، وخلق، قالوا: أخبرنا أبو المنجا عبد الله بن عمر بن اللتي، قالوا ستتهم: أخبرنا أبو الوقت السجزي، أخبرنا محمد بن أبي مسعود، أخبرنا أبو محمد بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم البغوي، أخبرنا العلاء بن موسى الباهلي، حدثنا الليث، عن نافع: أن ابن عمر كان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية، أو اليهودية، قال: إن الله حرم المشركات على المسلمين، ولا أعلم من الإشراك شيئًا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عبيد الله

(2)

. أخرجه البخاري، عن قتيبة، عن الليث.

أخبرنا القاضي تاج الدين أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان ببعلبك بقراءتي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم "ح". أخبرنا عز الدين إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي، أخبرنا محمد بن خلف الفقيه سنة ست عشرة وستمائة "ح". وأخبرنا بيبرس المجدي بحلب، أخبرنا عبد الله بن عمر بن النخال، قالوا: أخبرتنا فخر النساء شهدة بنت أحمد الكاتبة، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد السلام الأنصاري "ح". وأخبرنا أبو الفداء إسماعيل بن الفراء، أخبرنا أبو محمد بن قدامة الفقيه، أخبرنا أبو الفتح بن البطي، ويحيى بن ثابت البقال، قال أبو الفتح: أخبرنا أبو الفضل أحمد بن الحسن الحافظ، وقال

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 452"، ومسلم "2826""6"، والترمذي "2523"، وابن جرير الطبري في "جامع البيان""27/ 183"، وأبو نعيم في "صفة الجنة""401" من طريق الليث، به.

وأخرجه الحميدي "1131"، وأحمد "2/ 418"، والبخاري "4881"، ومسلم "2826""7"، والبيهقي في "البعث""268"، وأبو نعيم في "صفة الجنة""403" من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به.

وأخرجه أحمد "2/ 482"، والبخاري "3252"، وابن جرير الطبري "27/ 183"، وأبو نعيم في "صفة الجنة""403" من طريق فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، به.

وأخرجه عبد الرزاق "20878"، وأحمد "2/ 469"، والطبري "27/ 183 - 184"، والبيهقي في "البعث""269" و"270" من طرق عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، به.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "5285".

ص: 207

البقال: أخبرنا أبي، قالوا: أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب الحافظ، قال: قرأت على أبي العباس بن حمدان، حدثكم محمد بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن بكير، حدثني الليث بن سعد، عن يزيد بن الهاد، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر الحديث: "بينا أنا نائم، رأيتني على قليب، فنزعت ما شاء الله أن أنزع

".

أخبرناه إسماعيل بن عبد الرحمن، وأحمد بن عبد الحميد، قالا: أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أخبرنا أبو بكر بن النقور، أخبرنا علي بن محمد العلاف، أخبرنا أبو الحسن بن الحمامي، حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يزيد بن الهاد، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"بينا أنا نائم رأيتني على قليب، فنزعت منها ما شاء الله، ثم نزع ابن قحافة ذنوبًا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، وليغفر الله له، ثم استحالت غربًا، فأخذ ابن الخطاب، فلم أر عبقريًّا من الناس ينزع نزعه حتى ضرب الناس بعطن"

(1)

.

رواه من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد مسلم في صحيحه، عن أبيه، عن صالح، نحوه، والبخاري، عن يسرة، عن إبراهيم، عن الزهري بنفسه.

أخبرنا أبو المعالي القرافي، أخبرنا الفتح بن عبد الله، أخبرنا الأرموي، وابن الداية، والطرائفي، قالوا: أخبرنا ابن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل الزهري، حدثنا الفريابي، حدثنا يزيد بن خالد الرملي، حدثنا الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب: أن أبا إدريس عائذ الله الخولاني، أخبره أن يزيد بن عميرة، وكان من أصحاب معاذ بن جبل، قال: كان معاذ لا يجلس مجلسًا إلا قال حين يجلس: الله حكم قسط، تبارك اسمه، هلك المرتابون.

كان الليث رحمه الله فقيه مصر، ومحدثها، ومحتشمها، ورئيسها، ومن يفتخر بوجوده الإقليم، بحيث إن متولي مصر، وقاضيها وناظرها من تحت أوامره، ويرجعون إلى رأيه، ومشورته، ولقد أراده المنصور على أن ينوب له على الإقليم، فاستعفى من ذلك.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 368 و 450"، وابن أبي شيبة "12/ 21 - 22"، والبخاري "3664" و"7021" و"7022" و"7475"، ومسلم "2392""17" و"18"، والبيهقي في دلائل النبوة" "6/ 344 و 345"، والبغوي "3881" و "3882" و"3883" من طرق عن أبي هريرة، به.

ص: 208

ومن غرائب حديث الليث، عن الزهري، عن أنس، حديث:"من كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار"

(1)

. صححه: أبو عيسى، وغربه.

قال أبو مسهر الغساني شيخ أهل دمشق: قدم علينا الليث، فكان يجالس سعد بن عبد العزيز، فأتاه أصحابنا، فعرضوا عليه، فلم أر أنا أخذ ذلك عرضًا، حتى قدمت على مالك.

عبد الله بن أحمد بن شبويه: سمعت سعيد بن أبي مريم، سمعت ليث بن سعد يقول: بلغت الثمانين، وما نازعت صاحب هوى قط.

قلت: كانت الأهواء والبدع خاملة في زمن الليث، ومالك، والأوزاعي، والسنن ظاهرة عزيزة، فأما في زمن أحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي عبيد، فظهرت البدعة، وامتحن أئمة الأثر، ورفع أهل الأهواء رءوسهم بدخول الدولة معهم، فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة، ثم كثر ذلك، واحتج عليهم العلماء أيضًا بالمعقول، فطال الجدال، واشتد النزاع، وتولدت الشبه. نسأل الله العافية.

قال ابن بكير: سمعت الليث يقول: سمعت بمكة سنة ثلاث عشرة ومائة من الزهري وأنا ابن عشرين سنة.

وقال عيسى بن زغبة، عن الليث، قال: أصلنا من أصبهان، فاستوصوا بهم خيرًا.

قال يحيى بن بكير: أخبرني مَنْ سمع الليث يقول: كتبت من علم ابن شهاب علمًا كثيرًا، وطلبت ركوب البريد إليه إلى الرصافة، فخفت أن لا يكون ذلك لله، فتركته، ودخلت على نافع، فسألني، فقلت: أنا مصري. فقال: ممن? قلت: من قيس. قال: ابن كم? قلت: ابن عشرين سنة. قال: أما لحيتك فلحية ابن أربعين.

قال أبو صالح: خرجت مع الليث إلى العراق سنة إحدى وستين ومائة، خرجنا في شعبان، وشهدنا الأضحى ببغداد. قال: وقال لي الليث ونحن ببغداد: سل عن منزل هشيم الواسطي، فقل له: أخوك ليث المصري يقرئك السلام، ويسألك أن تبعث إليه شيئًا من كتبك فلقيت هشيمًا، فدفع إلي شيئًا، فكتبنا منه، وسمعتها مع الليث.

قال الحسن بن يوسف بن مليح: سمعت أبا الحسن الخادم، وكان قد عمي من الكبر في

(1)

صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "8/ 759 و 763"، وأحمد "3/ 98 و 113 و 116 و 166 و 172 و 176 و 203 و 209"، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند""3/ 278"، ومسلم "2"، والدارمي "1/ 77" من طرق عن أنس، به.

ص: 209

مجلس يسر، قال: كنت غلامًا لزبيدة، وأتي بالليث بن سعد تستفتيه، فكنت واقفًا على رأس ستي زبيدة، خلف الستارة، فسأله الرشيد، فقال له: حلفت إن لي جنتين. فاستحلفه الليث ثلاثًا: إنك تخاف الله? فحلف له، فقال: قال الله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 16]. قال: فأقطعه قطائع كثيرة بمصر.

قلت: إن صح هذا، فهذا كان قبل خلافة هارون.

قال محمد بن إبراهيم العبدي: سمعت ابن بكير، يحدث عن يعقوب بن داود وزير المهدي، قال: قال أمير المؤمنين لما قدم الليث العراق: الزم هذا الشيخ، فقد ثبت عندي أنه لم يبق أحد أعلم بما حمل منه.

الفسوي: حدثنا ابن بكير، قال: قال الليث: قال لي أبو جعفر: تلي لي مصر? قلت: لا يا أمير المؤمنين، إني أضعف عن ذلك، إني رجل من الموالي. فقال: ما بك ضعف معي، ولكن ضعفت نيتك في العمل لي.

وحدثنا ابن بكير، قال: قال عبد العزيز بن محمد: رأيت الليث عند ربيعة يناظرهم في المسائل، وقد فرفر أهل الحلقة

(1)

.

أبو إسحاق بن يونس الهروي: حدثنا الدارمي، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا شرحبيل بن جميل، قال: أدركت الناس أيام هشام الخليفة، وكان الليث بن سعد حَدَثَ السن، وكان بمصر عبيد الله بن أبي جعفر، وجعفر بن ربيعة، والحارث بن يزيد، ويزيد بن أبي حبيب، وابن هبيرة، وإنهم يعرفون لليث فضله وورعه وحسن إسلامه عن حداثة سنة. ثم قال ابن بكير: لم أر مثل الليث.

وروى عبد الملك بن يحيى بن بكير، عن أبيه، قال: ما رأيت أحدًا أكمل من الليث.

وقال ابن بكير: كان الليث فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة. فما زال يذكر خصالا جميلة، ويعقد بيده، حتى عقد عشرة: لم أر مثله.

ونقل الخطيب في "تاريخه"، عن محمد بن إبراهيم البوشنجي، سمع ابن بكير يقول: أخبرت عن سعيد بن أبي أيوب، قال: لو أن مالكًا والليث اجتمعا، لكان مالك عند الليث أخرس، ولباع الليث مالكًا فيمن يزيد.

(1)

فرفر أهل الحلقة: غلبهم بحجته.

ص: 210

قلت: لا يصح إسنادها؛ لجهالة من حدث عن سعيد بها، أو أن سعيدًا ما عرف مالكًا حق المعرفة.

أخبرنا المؤمل بن محمد، والمسلم بن علان كتابة، قالا: أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الحافظ، أخبرنا ابن رزق، أخبرنا علي بن محمد المصري، حدثنا محمد بن أحمد عياض بن أبي طيبة المفرض، حدثنا هارون بن سعيد: سمعت ابن وهب يقول: كل ما كان في كتب مالك: وأخبرني من أرضى من أهل العلم، فهو الليث بن سعد.

وبه إلى أبي بكر: حدثنا الصوري، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر التجيبي، أخبرنا الحسن بن يوسف صالح بن مليح الطرائفي، سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال ابن وهب: لولا مالك، والليث، لضل الناس.

قال أحمد الأبار: حدثنا أبو طاهر، عن ابن وهب، قال: لولا مالك، والليث، هلكت، كنت أظن كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل به.

جعفر بن محمد الرسعني: حدثنا عثمان بن صالح، قال: كان أهل مصر ينتقصون عثمان، حتى نشأ فيهم الليث، فحدثهم بفضائله، فكفوا. وكان أهل حمص ينتقصون عليًّا حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش، فحدثهم بفضائل علي، فكفوا عن ذلك.

محمد بن أحمد بن عياض المفرض: سمعت حرملة يقول: كان الليث بن سعد يصل مالكًا بمائة دينار في السنة، فكتب مالك إليه: علي دين. فبعث إليه بخمسمائة دينار، فسمعت ابن وهب يقول: كتب مالك إلى الليث: إني أريد أن أدخل بنتي على زوجها، فأحب أن تبعث لي بشيء من عصفر. فبعث إليه بثلاثين حملا عصفرًا، فباع منه بخمسمائة دينار، وبقي عنده فضلة.

قال أبو داود: قال قتيبة: كان الليث يستغل عشرين ألف دينار في كل سنة، وقال: ما وجبت علي زكاة قط. وأعطى الليث ابن لهيعة ألف دينار، وأعطى مالكًا ألف دينار، وأعطى منصور بن عمار الواعظ ألف دينار، وجارية تسوى ثلاثمائة دينار.

قال: وجاءت امرأة إلى الليث، فقالت: يا أبا الحارث، إن ابنًا لي عليل، واشتهى عسلا. فقال: يا غلام، أعطها مرطًا من عسل. والمرط: عشرون ومائة رطل.

قال عبد الملك شعيب بن الليث بن سعد: سمعت أبي يقول: ما وجبت علي زكاة منذ بلغت.

ص: 211

وقال أبو صالح: سألت امرأة الليث منًّا من عسل، فأمر لها بزق، وقال: سألت على قدرها، وأعطيناها على قدر السعة علينا.

قال يعقوب بن شيبة: حدثني عبد الله بن إسحاق، سمعت يحيى بن إسحاق السيلحيني، قال: جاءت امرأة بُسكُرَّجَة

(1)

إلى الليث تطلب عسلا، فأمر من يحمل معها زقًّا، فجعلت تأبى، وجعل الليث يأبى إلا أن يحمل معها من عسل، وقال: نعطيك على قدرنا.

وعن الحارث بن مسكين، قال: اشترى قوم من الليث ثمرة، فاستغلوها، فاستقالوه، فأقالهم، ثم دعا بخريطة فيها أكياس، فأمر لهم بخمسين دينارًا، فقال له ابنه الحارث في ذلك، فقال: اللهم غفرًا، إنهم قد كانوا أملوا فيها أملا، فأحببت أن أعوضهم من أملهم بهذا.

أحمد بن عثمان النسائي: سمعت قتيبة، سمعت شعيب بن الليث يقول: خرجت حاجًّا مع أبي، فقدم المدينة، فبعث إليه مالك بن أنس بطبق رطب. قال: فجعل على الطبق ألف دينار، ورده إليه.

إسماعيل سمَّويه: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: صحبت الليث عشرين سنة، لا يتغدى ولا يتعشى إلا مع الناس، وكان لا يأكل إلا بلحم إلا أن يمرض.

محمد بن أحمد بن عياض المفرض: حدثنا إسماعيل بن عمرو الغافقي، سمعت أشهب بن عبد العزيز يقول: كان الليث له كل يوم أربعة مجالس يجلس فيها: أما أولها، فيجلس لنائبة السلطان في نوائبه وحوائجه، وكان الليث يغشاه السلطان، فإذا أنكر من القاضي أمرًا، أو من السلطان، كتب إلى أمير المؤمنين، فيأتيه العزل، ويجلس لأصحاب الحديث، وكان يقول: نجحوا أصحاب الحوانيت، فإن قلوبهم معلقة بأسواقهم. ويجلس للمسائل، يغشاه الناس، فيسألونه ويجلس لحوائج الناس، لا يسأله أحد فيرده، كبرت حاجته أو صغرت. وكان يطعم الناس في الشتاء الهرائس بعسل النحل وسمن البقر، وفي الصيف سويق اللوز في السكر.

وبه، إلى الخطيب أبي بكر: أخبرنا البرقاني، أخبرنا أبو إسحاق المزكي، أخبرنا السراج: سمعت قتيبة يقول: قفلنا مع الليث بن سعد من الإسكندرية، وكان معه ثلاث سفائن: سفينة

(1)

سكرجة: إناء صغير، وهي كلمة فارسية.

ص: 212

فيها مطبخه، وسفينة فيها عائلته، وسفينة فيها أضيافه. وكان إذا حضرت الصلاة يخرج إلى الشط، فيصلي. وكان ابنه شعيب إمامه، فخرجنا لصلاة المغرب، فقال: أين شعيب? فقالوا: حُمَّ. فقام الليث، فأذن، وأقام، ثم تقدم، فقرأ:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، فقرأ:{وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} . وكذلك في مصاحف أهل المدينة يقولون: هو غلط من الكاتب عند أهل العراق، ويجهر: ببسم الله الرحمن الرحيم، ويسلم تلقاء وجهه.

الفسوي: قال ابن بكير: سمعت الليث كثيرًا يقول: أنا أكبر من ابن لهيعة، فالحمد لله الذي متعنا بعقلنا.

ثم قال ابن بُكَير: حدثني شعيب بن الليث، عن أبيه، قال: لما ودعت أبا جعفر ببيت المقدس، قال: أعجبني ما رأيت من شدة عقلك، والحمد لله الذي جعل في رعيتي مثلك. قال شعيب: كان أبي يقول: لا تخبروا بهذا ما دمت حيًّا.

قال قتيبة: كان الليث أكبر من ابن لهيعة بثلاث سنين، وإذا نظرت تقول: ذا ابن، وذا أب -يعني: ابن لهيعة الأب.

قال: ولما احترقت كتب ابن لهيعة، بعث إليه الليث من الغد بألف دينار.

قال محمد بن صالح الأشج: سئل قتيبة: من أخرج لكم هذه الأحاديث من عند الليث? فقال: شيخ كان يقال له: زيد بن الحباب. وقدم منصور بن عمار على الليث، فوصله بألف دينار. واحترقت دار ابن لهيعة، فوصله بألف دينار، ووصل مالكًا بألف دينار، وكساني قميص سندس، فهو عندي. رواها: صالح بن أحمد الهمذاني، عن محمد بن علي ابن الحسين الصيدناني، سمعت الأشج.

أحمد بن عثمان النسائي: سمعت قتيبة، سمعت شعيبًا يقول: يستغل أبي في السنة ما بين عشرين ألف دينار إلى خمسة وعشرين ألفًا، تأتي عليه السنة وعليه دين.

وبه إلى الخطيب: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر، حدثنا إسحاق بن إسماعيل الرملي، سمعت محمد بن رمح، يقول: كان دخل الليث بن سعد في كل سنة ثمانين ألف دينار، ما أوجب الله عليه زكاة درهم قط.

قلت: ما مضى في دخله أصح.

أحمد بن محمد بن نجدة التنوخي: سمعت محمد بن رمح يقول: حدثني سعيد الآدم، قال: مررت بالليث بن سعد، فتنحنح لي، فرجعت إليه، فقال لي: يا سعيد، خذ هذا

ص: 213

القُنْداق، فاكتب لي فيه من يلزم المسجد، ممن لا بضاعة له ولا غلة. فقلت: جزاك الله خيرًا يا أبا الحارث. وأخذت منه القنداق ثم صرت إلى المنزل، فلما صليت، أوقدت السراج، وكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قلت: فلان بن فلان. ثم بدرتني نفسي، فقلت: فلان بن فلان. قال: فبينا أنا على ذلك، إذ أتاني آت، فقال: ها الله يا سعيد، تأتي إلى قوم عاملوا الله سرًّا، فتكشفهم لآدمي?! مات الليث، ومات شعيب، أليس مرجعهم إلى الله الذي عاملوه? فقمت ولم أكتب شيئًا، فلما أصبحت، أتيت الليث، فتهلل وجهه، فناولته القنداق، فنشره، فما رأى فيه غير: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: ما الخبر? فأخبرته بصدق عما كان، فصاح صيحة، فاجتمع عليه الناس من الحلق، فسألوه، فقال: ليس إلا خير. ثم أقبل علي، فقال: يا سعيد، تبينتها وحرمتها، صدقت، مات الليث أليس مرجعهم إلى الله؟

قال مقدام بن داود: رأيت سعيدا الآدم، وكان يقال: إنه من الأبدال.

قال أبو صالح: كان الليث يقرأ بالعراق من فوق علية على أصحاب الحديث، والكتاب بيدي، فإذا فرغ، رميت به إليهم، فنسخوه.

روى عبد الملك بن شعيب، عن أبيه، قال: قيل لليث: أمتع الله بك، إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك. فقال: أو كل ما في صدري في كتبي? لو كتبت ما في صدري، ما وسعه هذا المركب. رواها الحافظ بن يونس، حدثنا أحمد بن محمد بن الحارث، حدثنا محمد بن عبد الملك، عن أبيه.

يحيى بن بكير: قال الليث: كنت بالمدينة مع الحجاج وهي كثيرة السرقين

(1)

، فكنت ألبس خفين، فإذا بلغت باب المسجد، نزعت أحدهما، ودخلت. فقال يحيى بن سعيد الأنصاري: لا تفعل هذا، فإنك إمام منظور إليك -يريد لبس خف على خف.

الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: ما في هؤلاء المصريين أثبت من الليث، لا عمرو بن الحارث، ولا أحد، وقد كان عمرو بن الحارث عندي، ثم رأيت له أشياء مناكير، ما أصح حديث ليث بن سعد. وجعل يثني عليه، فقال رجل لأبي عبد الله: إن إنسانًا ضعفه. فقال: لا يدري.

وقال الفضل بن زياد: قال أحمد: ليث كثير العلم، صحيح الحديث.

(1)

السرقين: الزبل.

ص: 214

وقال أحمد بن سعد الزهري: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الليث ثقة، ثبت.

وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: ليس في المصريين أصح حديثًا من الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث يقاربه.

وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: أصح الناس حديثًا عن سعيد المقبري: ليث بن سعد، يَفْصِل ما روى عن أبي هريرة، وما عن أبيه عن أبي هريرة. هو ثبت في حديثه جدًّا.

وقال حنبل: سئل أحمد: ابن أبي ذئب أحب إليك عن المقبري، أو ابن عَجلان? قال: ابن عجلان اختلط عليه سماعه من سماع أبيه، الليث أحب إلي منهم في المقبري.

وقال عثمان الدارمي: سمعت يحيى بن معين يقول: الليث أحب إلي من يحيى بن أيوب، ويحيى ثقة. قلت: فكيف حديثه عن نافع? فقال: صالح، ثقة.

وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم: قال ابن معين: الليث عندي أرفع من ابن إسحاق. قلت: فالليث، أو مالك? قال: مالك.

وعن أحمد بن صالح -وذكر الليث- فقال: إمام قد أوجب الله علينا حقه، لم يكن بالبلد -بعد عمرو بن الحارث- مثله.

وقال سهيل بن أحمد الواسطي: سمعت الفلاس يقول: ليث بن سعد صدوق، سمعت ابن مهدي يحدث عن ابن المبارك، عنه.

قال ابن سعد: استقل الليث بالفتوى، وكان ثقة، كثير الحديث، سَريًا من الرجال، سخيًّا، له ضيافة.

وقال يعقوب بن شيبة: في حديثه عن الزهري بعض الاضطراب.

عن الليث، قال: ارتحلت إلى الإسكندرية إلى الأعرج، فوجدته قد مات، فصليت عليه.

وقال العجلي، والنسائي: الليث ثقة.

وقال ابن خراش: صدوق، صحيح الحديث.

عباس الدوري: حدثنا يحيى بن معين، قال: هذه رسالة مالك إلى الليث، حدثنا بها عبد الله بن صالح يقول فيها: وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك، وحاجة من قبلك إليك، واعتمادهم على ما جاءهم منك.

ص: 215

أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: سمعت الشافعي يقول: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به.

وقال أبو زرعة الرازي: سمعت يحيى بن بكير يقول: أفقه من مالك، ولكن الحظوة لمالك رحمه الله.

وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: الليث أتبع للأثر من مالك.

وقال علي بن المديني: الليث ثبت.

وقال أبو حاتم: هو أحب إليَّ من مفضل بن فَضالة.

وقال أبو داود: حدثني محمد بن الحسين: سمعت أحمد يقول: الليث ثقة، ولكن في أخذه سهولة.

قال يحيى بن بكير: قال الليث: قال لي المنصور: تلي لي مصر? فاستعفيت. قال: أما إذا أبيت، فدلني على رجل أقلده مصر. قلت: عثمان بن الحكم الجذامي، رجل له صلاح، وله عشيرة. قال: فبلغ عثمان ذلك، فعاهد الله ألا يكلم الليث.

قال: وولي لهم الليث ثلاث ولايات لصالح بن علي. قال صالح لعمرو بن الحارث: لا أدع الليث حتى يتولى لي. فقال عمرو: لا يفعل. فقال: لأضربن عنقه. فجاءه عمرو، فحذره، فولي ديوان العطاء، وولي الجزيرة أيام أبي جعفر، وولي الديوان أيام المهدي.

قال أبو عمرو أحمد بن محمد الحيري: سمعت محمد بن معاوية يقول -وسليمان بن حرب إلى جنبه: خرج الليث بن سعد يومًا، فقوموا ثيابه، ودابته، وخاتمه، وما عليه، ثمانية عشر ألف درهم إلى عشرين ألفًا. فقال سليمان: لكن خرج علينا شعبة يومًا، فقوموا حماره وسرجه ولجامه، ثمانية عشر درهمًا، إلى عشرين درهمًا.

عن أبي صالح كاتب الليث، قال: كنا على باب مالك، فامتنع عن الحديث، فقلت: ما يشبه هذا صاحبنا? قال: فسمعها مالك، فأدخلنا، وقال: من صاحبكم? قلت: الليث. قال: تشبهونا برجل كتبت إليه في قليل عصفر، نصبغ به ثياب صبياننا، فأنفذ منه ما بعنا فضلته بألف دينار.

قال عبد الملك بن شعيب بن الليث: سمعت أسد بن موسى يقول: كان عبد الله بن علي يطلب بني أمية، فيقتلهم. قال: فدخلت مصر في هيئة رثة، فأتيت الليث، فلما فرغت من

ص: 216

المجلس، تبعني خادم له بمائة دينار، وكان في حزتي

(1)

هميان فيه ألف دينار، فأخرجتها، فقلت: أنا في غنى، استأذن لي على الشيخ. فاستأذن، فدخلت، وأخبرته، بنسبي، واعتذرت من الرد، فقال: هي صلة. قلت: أكره أن أعود نفسي. قال: ادفعها إلى من ترى من أصحاب الحديث.

قال قتيبة: كان الليث يركب في جميع الصلوات إلى الجامع، ويتصدق كل يوم على ثلاثمائة مسكين.

سليم بن منصور بن عمار: حدثنا أبي، قال: دخلت على الليث خلوة، فأخرج من تحته كيسًا فيه ألف دينار، وقال: يا أبا السري، لا تعلم بها ابني، فتهون عليه.

أبو صالح: عن الليث، قال لي الرشيد: ما صلاح بلدكم? قلت: بإجراء النيل، وبصلاح أميرها، ومن رأس العين يأتي الكدر، فإن صفت العين، صفت السواقي. قال: صدقت.

وعن ابن وزير، قال: قد ولي الليث الجزيرة، وكان أمراء مصر لا يقطعون أمرًا إلا بمشورته. فقال أبو المسعد، ووصَّلها إلى المنصور:

لعبد الله عبد الله عندي

نصائح حكتها في السر وحدي

أمير المؤمنين تلاف مصرا

فإن أميرها ليث بن سعد

قال بكر بن مضر: قدم علينا كتاب مروان بن محمد إلى حوثرة والي مصر: إني قد بعثت إليكم أعرابيًّا بدويًّا فصيحًا من حاله، ومن حاله فاجمعوا له رجلا يسدده في القضاء، ويصوبه في المنطق. فأجمع رأي الناس على الليث بن سعد، وفي الناس معلماه: يزيد بن أبي حبيب، وعمرو بن الحارث.

قال أحمد بن صالح: أعضلت الرشيد مسألة، فجمع لها فقهاء الأرض، حتى أشخص الليث، فأخرجه منها.

قال سعيد بن أبي مريم: حدثنا الليث، قال: قدمت مكة، فجئت أبا الزبير، فدفع إلى كتابين، فانقلبت بهما، ثم قلت: لو عاودته، فسألته: أسمعت هذا كله من جابر بن عبد الله? فقال: منه ما سمعته، ومنه ما حدثت به. فقلت له: علِّم لي على ما سمعت. فعلَّم لي على هذا الذي عندي.

(1)

حزة السراويل: حجزتها، وهي موضع شد السروال أو الإزار.

ص: 217

قلت: قد روى الليث إسنادًا عاليًا في زمانه، فعنده عن عطاء عن عائشة، وعن ابن أبي ملكية، عن ابن عباس، وعن نافع، عن ابن عمر، وعن المقبري، عن أبي هريرة، وهذا النمط أعلى ما يوجد في زمانه، ثم تراه ينزل في أحاديث، ولا يبالي لسعة علمه، فقد روى أحاديث عن الهِقْل بن زياد -وهو أصغر منه بكثير- عن الأوزاعي، عن داود بن عطاء، عن موسى بن عقبة، عن نافع مولى ابن عمر.

وقال عبد الله بن صالح: حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ابن الهاد، عن ابن شهاب، عن عروة: أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3]، الحديث.

وقال أبو صالح: حدثنا الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد، عن ابن عجلان، عن أبي الزبير أخبره: أنه رأى ابن عمر إذا سجد، فرفع رأسه من السجدة الأولى، قعد على أطراف أصابعه، ويقول: إنه من السنة. لم يروه إلا الليث. تفرد به عنه: أبو صالح.

جماعة قالوا: حدثنا الليث، عن ابن الهاد، عن عبد الوهاب بن أبي بكر، عن عبد الله بن مسلم، عن ابن شهاب، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكوثر، فقال:"نهر أعطانيه ربي، أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وفيه طير كأعناق الجزر". فقال عمر: يا رسول الله! إن تلك الطير ناعمة! قال: "آكلها أنعم منها يا عمر"!

(1)

.

سمعه ابن بكير، ومنصور بن سلمة، ويونس بن محمد، منه، وعبد الله هو أخو الزهري.

قال عبد الله بن عبد الحكم: كنا في مجلس الليث، فذكر العدس، فقال مسلمة بن علي

(2)

: بارك فيه سبعون نبيًّا. فقضى الليث صلاته، وقال: ولا نبي واحد، إنه بارد مؤذ.

قال عبد العزيز الدراوردي: لقد رأيت الليث، وإن ربيعة ويحيى بن سعيد ليتزحزحون له زحزحة.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "3/ 220 - 221"، والنسائي في "الكبرى""11703"، وابن جرير الطبري "30/ 324" من طرق عن الليث بن سعد، به.

قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وابن الهاد؛ هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، وعبد الله بن مسلم، هو الزهري أخو ابن شهاب محمد بن مسلم.

(2)

هو مسلمة بن علي الخشني، شامي واه، تركوه. قال دحيم: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: لا يشتغل به. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظه.

ص: 218

قال سعيد الآدم: قال العلاء بن كثير: الليث بن سعد سيدنا، وإمامنا، وعالمنا.

قال ابن سعد: كان الليث قد استقل بالفتوى في زمانه.

قال يحيى بن بكير، وسعيد بن أبي مريم: مات الليث للنصف من شعبان، سنة خمس وسبعين ومائة. قال يحيى: يوم الجمعة، وصلى عليه: موسى بن عيسى. وقال سعيد: مات ليلة الجمعة.

قال خالد بن عبد السلام الصدفي: شهدت جنازة الليث بن سعد مع والدي، فما رأيت جنازة قط أعظم منها، رأيت الناس كلهم عليهم الحزن، وهم يعزي بعضهم بعضًا، ويبكون، فقلت: يا أبت! كأن كل واحد من الناس صاحب هذه الجنازة. فقال: يا بني! لا ترى مثله أبدًا.

قال أبو بكر الخلال الفقيه: أخبرني أحمد بن محمد بن واصل المقرئ، حدثنا الهيثم بن خارجة، أخبرنا الوليد بن مسلم، قال: سألت مالكًا، والثوري، والليث، والأوزاعي، عن الأخبار التي في الصفات، فقالوا: أمروها كما جاءت.

وقال أبو عبيد: ما أدركنا أحدًا يفسر هذه الأحاديث، ونحن لا نفسرها.

قلت: قد صنف أبو عبيد

(1)

كتاب "غريب الحديث"، وما تعرض لأخبار الصفات الإلهية بتأويل أبدًا، ولا فسر منها شيئًا. وقد أخبر بأنه ما لحق أحدًا يفسرها، فلو كان -والله- تفسيرها سائغًا، أو حتمًا، لأوشك أن يكون اهتمامهم بذلك فوق اهتمامهم بأحاديث الفروع والآداب. فلما لم يتعرضوا لها بتأويل، وأقروها على ما وردت عليه، علم أن ذلك هو الحق الذي لا حيدة عنه.

وقد روى الليث عمن هو في طبقته بل أصغر:

روى عن: سعيد بن بشير، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، وشعيب بن إسحاق

الدمشقي، وعبد العزيز بن الماجشون، وأبي معشر، وهشام بن سعد. وروى عن: رجل عن إبراهيم بن سعد، وإبراهيم أصغر منه. وقد روى عن: كاتبه أبي صالح حديثًا واحدًا.

فهذا ما انتهى إلينا من ترجمة الليث موجزًا رحمه الله والحمد لله وحده.

(1)

هو: أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي اللغوي الفقيه، صاحب المصنفات قال أبو داود: كان ثقة مأمونا. وقال أحمد بن حنبل: أبو عبيد أستاذ، وهو يزداد كل يوم خيرا. وسئل يحيى بن معين عنه فقال: أبو عبيد يسأل عن الناس.

من نظر في كتب أبي عبيد علم مكانه من الحفظ والعلم، وكان حافظا للحديث وعلله ومعرفته متوسطة عارفا بالفقه والاختلاف، رأسا في اللغة، إماما في القراءات، له فيها مصنف، ولي قضاء الثغور مدة، مات بمكة سنة أربع وعشرين ومائتين، رحمه الله تعالى وله كتاب "الأموال" وكتاب "الناسخ والمنسوخ" ترجمته في "تذكرة الحفاظ" للمؤلف رقم "423".

ص: 219

‌1183 - محمد بن موسى الفِطْري

(1)

: " م، (4) "

المحدث، الحجة، أبو عبد الله المدني، مولى الفطريين -بكسر الفاء- وهم موالي بني مخزوم.

يروي عن: سعيد بن أبي سعيد المقبري، وعبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة، ومحمد بن عمر بن الإمام علي، وعون بن محمد، ويعقوب بن سلمة الليثي، وسعد بن إسحاق، وغيرهم.

حدث عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وابن أبي فديك، وإسحاق بن محمد الفروي، وقتيبة بن سعد.

وثقه أبو عيسى الترمذي. وقال أبو حاتم: صدوق، يتشيع.

قلت: توفي سنة نيف وسبعين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 748"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 341"، والكاشف "3/ ترجمة 5261"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8227"، تهذيب التهذيب "9/ ترجمة 775"، تقريب التهذيب "2/ 211"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6687".

ص: 220

‌1184 - ميسرة التَّرَّاس

(1)

:

قيل: هو ميسرة بن عبد ربه الفارسي، ثم البصري، الأكول. ذكرته مطولا في "الميزان". ضعفوه.

يروي عن: ليث بن أبي سليم، وجماعة.

وعنه: يحيى بن غيلان، وداود بن المحبر، وآخرون. وقد اتهم.

قال الأصمعي: قال لي الرشيد: كم أكثر ما أكل ميسرة? قلت: مائة رغيف، ونصف مكوك ملح. فأمر الرشيد، فطرح للفيل مائة رغيف، ففضل منها رغيفًا.

وقيل: إن بعض المجان قالوا له: هل لك في كبش مشوي? قال: ما أكره ذلك. ونزل عن حماره، فأخذوا الحمار وأتوه -وقد جاع- بالشواء. فأقبل يأكل، ويقول: أهذا لحم فيل?! بل لحم شيطان. حتى فرغه، ثم طلب حماره، فتضاحكوا، وقالوا: هو -والله- في جوفك وجمعوا له ثمنه.

وقيل: نذرت امرأة أن تشبعه، فرفق بها، وأكل ما يكفي سبعين رجلا.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1620"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1175"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8958"، المجروحين لابن حبان "3/ 11"، لسان الميزان "6/ ترجمة 480".

ص: 220

‌1185 - المغيرة

(1)

: " ع"

ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد القرشي، الأسدي، الحزامي، المدني، الفقيه، النسابة، ويعرف: بقصي.

لازم أبا الزناد، وأكثر عنه. وعن: سالم أبي النضر، والمطلب بن عبد الله بن حنطب، وعبد المجيد بن سهيل، وطائفة.

حدث عنه: القعنبي، وسعيد بن أبي مريم، وسعيد بن منصور، ويحيى بن يحيى التميمي، ويحيى بن بكير، وخالد بن خداش، وقتيبة بن سعيد، وجماعة.

وكان شريفًا، وافر الحرمة، علامة بالنسب، صادقًا عالمًا.

قال أبو داود، وغيره: لا بأس به.

وعن يحيى بن معين، قال: ليس حديثه بشيء.

قلت: احتج به أرباب الصحاح، لكن له ما ينكر.

فأخرج له: النسائي حديثه، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم: قضى باليمين مع الشاهد

(2)

.

وقد قال محمد بن عوف الحافظ: قال أحمد بن حنبل: ليس في الباب شيء أصح من هذا الحديث.

وبالإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتقوا المجذوم كما يتقى الأسد"

(3)

. وهذا خبر منكر.

توفي قصي هذا: في حدود سنة ثمانين ومائة، بالمدينة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 421"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1379"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1014"، والكاشف "3/ ترجمة 5695"، ميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8714"، تهذيب التهذيب "10/ 266"، تقريب التهذيب "2/ 269"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7160".

(2)

صحيح: أخرجه البيهقي "10/ 169" من طريق المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، به.

وأخرجه الشافعي "2/ 179"، وأبو داود "3610" و"3611"، والترمذي "1343"، وابن ماجه "2368"، والطحاوي "4/ 144"، وابن الجارود "1007"، والبيهقي "10/ 168"، والبغوي "2503" من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.

(3)

صحيح بطرقه: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير""1/ ق 1/ 155" من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"اتقوا المجذوم".

وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد""2/ 307" من طريق عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان، عن أبي الزناد، به، وأخرجه ابن عدي في "الكامل""6/ 356" حدثنا جعفر بن علي بن بيان، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، به.

وأخرجه البخاري "5707" من طريق عفان حدثنا بن حيان، حدثني سعيد بن ميناء قال: سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة، ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد". وأخرجه أحمد "2/ 443" من طريق وكيع، قال حدثنا النهاس عن شيخ بمكة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فر من المجذوم فرارك من الأسد".

ص: 221

‌1186 - ابن أبي الزَّناد

(1)

:

الإمام، الفقيه، الحافظ، أبو محمد عبد الرحمن بن الفقيه أبي الزِّناد عبد الله بن ذكوان المدني.

ولد بعد المائة. وسمع أباه، وسهيل بن أبي صالح، وعمرو بن أبي عمرو، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد، وطبقتهم.

وكان من أوعية العلم. أخذ القراءة عرضًا عن: أبي جعفر القارئ

(2)

. قاله: أبو عمرو الداني.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 415" و"7/ 324"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 997"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 165 و 223 و 428"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1201" والمجروحين لابن حبان "2/ 56"، الخطيب في "تاريخ بغداد""10/ 228"، والإكمال لابن ماكولا "4/ 200"، والكاشف "2/ ترجمة 3234"، ميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4908"، العبر "1/ 265"، تهذيب التهذيب "6/ 170"، تقريب التهذيب "1/ 479"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4090"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 284".

(2)

أبو جعفر القارئ، هو يزيد بن القعقاع المدني، مولى عبد الله بن عياش بن ربيعة المخزومي، أحد القراء العشرة من التابعين، كان إمام المدينة في القراءة، توفي بالمدينة. ترجمته في "تاريخ الإسلام""5/ 188".

ص: 222

وحدث عنه: ابن جريج -وهو من شيوخه- وسعيد بن منصور، وأحمد بن يونس، وعلي بن حجر، وهناد بن السري، وداود بن عمرو، وعدد كبير.

قال يحيى بن معين: هو أثبت الناس في هشام بن عروة.

وقال ابن سعد: كان فقيهًا، مفتيًا.

قال ابن مهدي: ضعيف.

قلت: احتج به النسائي، وغيره. وحديثه من قبيل الحسن.

وقال يعقوب بن شيبة: سمعت ابن المديني يقول: حديثه بالمدينة مقارب، وما حدث به بالعراق، فهو مضطرب.

وقال صالح جزرة: قد روى عن أبيه أشياء لم يروها غيره.

وقد تكلم فيه مالك لروايته كتاب الفقهاء السبعة

(1)

، عن أبيه، وقال: أين كنا نحن من هذا?

قال الخطيب: تحول من المدينة، فسكن بغداد.

روى عنه: الوليد بن مسلم، وابن وهب، وسليمان بن داود الهاشمي.

وقال ابن المديني: ما حدث به بالمدينة صحيح، وما حدث به ببغداد أفسده البغداديون.

وقال الفلاس: فيه ضعف.

وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه، قال: هو كذا وكذا -يلينه.

وقال سليمان بن أيوب البصري: سمعت ابن معين: إني لأعجب ممن يعد فليحًا وابن أبي الزناد في المحدثين.

قال ابن حبان: كان عبد الرحمن ممن ينفرد بالمقلوبات عن الأثبات، وكان ذلك من سوء حفظه، وكثرة خطئه، فلا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات، فهو صادق.

قال الداني: أخذ القراءة عرضًا عن أبي جعفر. وروى الحروف عن نافع.

روى عنه الحروف: حجاج الأعور. وسمع منه: علي الكسائي، وابن وهب.

وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالحافظ عندهم.

قلت: هو حسن الحديث. وبعضهم يراه حجة.

توفي في سنة أربع وسبعين ومائة.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا هبة الله الحاسب، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى بن علي، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أخذ العباس بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة، حين وافى السبعون من الأنصار، فأخذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، واشترط له، وذلك -والله- في غرة الإسلام وأوله، من قبل أن يعبد اللهَ أحدٌ علانية.

(1)

سبق ذكرنا للفقهاء السبعة في هذا المجلد، تعليق رقم 1 ص 165، فراجعه ثمَّت.

ص: 223

‌1187 - مُفَضَّل بن فَضَالة

(1)

: " ع"

ابن عبيد، الإمام، العلامة، الحجة، القدوة، قاضي مصر، أبو معاوية القِتْباني، المصري.

حدث عن: عياش بن عباس القتباني، ويزيد بن أبي حبيب، وعقيل بن خالد، وعبد الله بن سليمان الطويل، ويونس بن يزيد، وجماعة.

وعنه: حسان بن عبد الله الواسطي المصري، وأبو صالح الكاتب، ومحمد بن رمح، ويزيد بن موهب الرملي، وزكريا بن يحيى كاتب العمري، وآخرون.

وثقه يحيى بن معين، وغيره. وشذ: محمد بن سعد، فقال: منكر الحديث.

وذكره ابن يونس في "تاريخه"، فقال: كان من أهل الدين، والورع، والفضل.

وقال أبو داود: كان مجاب الدعوة، لم يحدث عنه ابن وهب، لأنه حكم عليه بأمر.

وروى عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم، عن شيخ: أن رجلا لقي المفضل بعد العزل، فقال: قضيت عليَّ بالباطل، وفعلت، وفعلت. فقال: لكن الذي قضيت له يُطيب الثناء علينا.

قال عيسى بن زُغْبة: كان المفضل قاضيًا علينا، وكان مجاب الدعوة، وكان مع ضعف بدنه يطيل القيام.

وقال ابن معين: كان مصريًّا رجل صدق، إذا جاءه من كسرت يده أو رجله جبرها، وكان يعمل الأرحية.

قال لهيعة بن عيسى: كان المفضل دعا الله أن يذهب عنه الأمل، فأذهبه عنه، فكاد أن يختلس عقله، ولم يهنأه عيش. فدعا الله أن يرد إليه الأمل، فرده فرجع إلى حاله.

قال ابن يونس: توفي سنة إحدى وثمانين ومائة، وله أربع وسبعون سنة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 517"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1773"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 376" و"2/ 446 و 516"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1461" وحلية الأولياء "8/ ترجمة 427"، الكاشف "3/ ترجمة 5708"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 238"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8733"، تهذيب التهذيب "10/ 273"، تقريب التهذيب "2/ 271"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7174"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 297".

ص: 224

‌1188 - جُحَا

(1)

:

أبو الغُصْن، صاحب النوادر، دُجَين بن ثابت اليربوعي، البصري.

وقيل: هذا آخر.

رأى دُجين أنسًا. وروى عن أسلم، وهشام بن عروة شيئًا يسيرًا.

وعنه: ابن المبارك، ومسلم بن إبراهيم، وأبو جابر محمد بن عبد الملك، والأصمعي، وبشر بن محمد السكري، وأبو عمر الحوضي.

قال النسائي: ليس بثقة.

وقال ابن عدي: ما يرويه ليس بمحفوظ.

وروي عن ابن معين، قال: دجين بن ثابت هو جحا.

وخطأ ابن عدي من حكى هذا عن يحيى، وقال: لأنه أعلم بالرجال من أن يقول هذا، والدجين إذا روى عنه ابن المبارك، ووكيع، وعبد الصمد، فهؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا.

وأما أحمد الشيرازي، فذكر في "الألقاب": أنه جحا، ثم روى عن مكي بن إبراهيم، قال: رأيت جحا الذي يقال فيه: مكذوب عليه، وكان فتى ظريفًا، وكان له جيران مخنثون يمازحونه، ويزيدون عليه.

قال عباد بن صهيب: حدثنا أبو الغصن جحا -وما رأيت أعقل منه.

قال كاتبه: لعله كان يمزح أيام الشبيبة، فلما شاخ، أقبل على شأنه، وأخذ عنه المحدثون.

وقد قيل: إن جحا المتماجن أصغر من دُجين؛ لأن عثمان بن أبي شيبة لحق جحا. فالله أعلم.

وكذلك وهم من قال: إن أبا الغصن ثابت بن قيس المدني هو جُحا.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "3/ ترجمة 885"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 2017"، المجروحين "1/ 294"، ميزان الاعتدال "2/ ترجمة 2664"، لسان الميزان "2/ ترجمة 1761".

ص: 225

‌1189 - رياح

(1)

:

ابن عمرو القيسي العابد، أبو المهاصر، بصري، زاهد، متأله، كبير القدر.

سمع مالك بن دينار، وحسان بن أبي سنان، وطائفة. وهو قليل الحديث، كثير الخشية والمراقبة.

روى عنه: سيار بن حاتم، وعلي بن الحسن بن أبي مريم، وغيرهما.

قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا علي بن أبي مريم، قال: قال رياح القيسي: لي نيف وأربعون ذنبًا، قد استغفرت لكل ذنب مائة ألف مرة.

قال أبو معمر المقعد: نظرت رابعة إلى رياح يضم صبيًّا من أهله ويقبله. فقالت: أتحبه? قال: نعم. قالت: ما كنت أحسب أن في قلبك موضعًا فارغًا لمحبة غيره، تبارك اسمه. فغشي عليه، ثم أفاق، وقال: رحمة منه -تعالى- ألقاها في قلوب العباد للأطفال.

سيار: حدثنا رياح بن عمرو، سمعت مالك بن دينار يقول: لا يبلغ العبد منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، ويأوي إلى مزابل الكلاب.

قيل: إن رياحًا روى عن الحسن البصري، وذلك في "حلية الأولياء".

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "6/ ترجمة 361"، ميزان الاعتدال "2/ ترجمة 2814".

ص: 226

‌1190 - محمد بن النَّضر

(1)

:

أبو عبد الرحمن، الحارثي، الكوفي، عابد أهل زمانه بالكوفة.

روى عن: الأوزاعي، وغيره.

وعنه: ابن مهدي، وخالد بن يزيد، وجرير بن زياد، وأبو نصر التمار، حكايات.

قال أبو أسامة: كان من أعبد أهل الكوفة.

وقال عبد الله بن محمد الكرماني: دخلت على محمد بن النضر، فقلت: كأنك تكره مجالسة الناس؟ قال: أجل! كيف أستوحش، وهو يقول: أنا جليس من ذكرني.

وروى عبد القدوس بن بكر، عن محمد بن النضر، قال: أول العلم الاستماع، والإنصات، ثم حفظه، ثم العمل به، ثم بثه.

قال ابن المبارك: كان محمد بن النضر إذا ذكر الموت، اضطربت مفاصله.

وعن أبي الأحوص، قال: آلى محمد بن النضر على نفسه أن لا ينام إلا ما غلبته عينه.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 802"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 481".

ص: 227

‌1191 - محمد بن مسلم

(1)

: " م، (4) "

الطائفي، المكي، أبو عبد الله.

عن: عمرو بن دينار، وابن طاوس، وإبراهيم بن ميسرة، وجماعة.

وعنه: أسَدُ السنة، والقعنبي، ويحيى بن يحيى، وسعيد بن أبي مريم، وقتيبة، وخلق.

قال ابن مهدي: كتبه صحاح. وقال ابن عدي: لم أر له حديثًا منكرًا، وله غرائب. وقال أحمد بن حنبل: ما أضعف حديثه. وقال معرف بن واصل: رأيت الثوري يكتب عن الطائفي.

قلت: توفي سنة سبع وسبعين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 522"، التاريخ الكبير "1/ ترجمة 700"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 435" و"2/ 744" و"3/ 214 و 240"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 322"، الأنساب للسمعاني "8/ 184"، والكاشف "3/ ترجمة 5237"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8172"، وتهذيب التهذيب "9/ 444"، وتقريب التهذيب "2/ 207"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6651".

ص: 227

‌1192 - الزَّنجيُّ

(1)

: " د، ق"

الإمام، فقيه مكة، أبو خالد مسلم بن خالد المخزومي، الزنجي، المكي، مولى بني مخزوم.

ولد سنة مائة، أو قبلها بيسير.

حدث عن: ابن أبي ملكية، وعمرو بن دينار، والزهري، وأبي طوالة، وزيد بن أسلم، وعتبة بن مسلم، وعبد الله بن كثير الداري

(2)

نقل عنه الحروف.

روى عنه هذه القراءة: الإمام الشافعي، ولازمه، وتفقه به، حتى أذن له في الفتيا.

وحدث عنه: هو، والحميدي، ومسدد، والحكم بن موسى، ومروان ابن محمد، وإبراهيم بن موسى الفراء، وهشام بن عمار، وجماعة.

قال يحيى بن معين: ليس به بأس.

وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال أبو حاتم: لا يحتج به.

وقال ابن عدي: حسن الحديث أرجو، أنه لا بأس به.

وقال أبو داود: ضعيف.

قلت: بعض النقاد يرقي حديث مسلم إلى درجة الحسن.

قال سويد بن سعيد: سمي الزنجي لسواده. كذا قال، وخالفه ابن سعد، وغيره، فقالوا: أشقر، وإنما لقب: بالزنجي، بالضد.

قال أحمد الأزرقي: كان فقيهًا، عابدًا، يصوم الدهر.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 499"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 1097"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 51"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1719"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 800"، والكامل لابن عدي "6/ ترجمة 1797"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 241"، والكاشف "3/ ترجمة 5510"، والعبر "1/ 277 و 343"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8485" وتهذيب التهذيب "10/ 128"، وتقريب التهذيب "2/ 245"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة رقم 6964"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 294".

(2)

هو أحد القراء السبعة، كان إمامًا لأهل مكة في القراءة. توفي سنة "120 هـ".

ص: 228

قلت: تفقه بابن جريج.

قال إبراهيم الحربي: كان فقيه مكة، وكان أشقر مثل البصلة.

وقال ابن أبي حاتم: إمام في العلم والفقه، كان أبيض بحمرة، ولقب بالزنجي لحبه للتمر. قالت له جاريته: ما أنت إلا زنجي.

من "الجعديات": حدثنا الزنجي بن خالد، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم، فإن سقاه شرابًا، فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه فإن خشي منه، فليكسره بالماء"

(1)

.

هذا حديث منكر.

قلت: مات سنة ثمانين ومائة.

(1)

حسن: أخرجه أحمد "2/ 399"، وأبو يعلى "6358"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار""4/ 222"، والطبراني في "الأوسط""2461" و"5301"، وابن عدي في "الكامل""6/ 309"، والحاكم "4/ 126"، والبيهقي في "شعب الإيمان""5801"، والخطيب في "تاريخ بغداد""3/ 87 - 88" من طرق عن مسلم بن خالد، عن زيد بن أسلم، عن سمي، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم، فأطعمه طعاما، فليأكل من طعامه، ولا يسأله عنه، وإن سقاه شرابا من شرابه، فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه".

قلت: إسناده ضعيف، آفته مسلم بن خالد الزنجي، فإنه ضعيف. وسمي، هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وقد سقط سمي هذا من إسناد المؤلف كما ترى. وقد روى الحديث من وجه آخر عند الحاكم "4/ 126" من طريق بشر بن موسى، عن الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة، به مرفوعا. وإسناده حسن.

ص: 229

‌1193 - سليمان الخوَّاص

(1)

:

من العابدين الكبار بالشام، قال محمد بن يوسف الفريابي: كنت في مجلس فيه الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وسليمان الخواص، فذكر الأوزاعي الزهاد، فقال: ما نزيد أن نريد مثل هؤلاء. فقال سعيد: ما رأيت أزهد من سليمان الخواص، وما شعر أنه في المجلس، فقنع سليمان رأسه، وقام. فأقبل الأوزاعي على سعيد، وقال: ويحك! لا تعقل ما يخرج من رأسك! تؤذي جليسنا تزكيه في وجهه.

وقيل لسليمان: قد شكوك أنك تمر، ولا تسلم. قال: والله، ما ذاك لفضل أراه عندي، ولكني شبه الحش إذا ثورته ثار، وإذا جلست مع الناس، جاء مني ما أريد وما لا أريد.

ويقال: إن سعيد بن عبد العزيز زار الخواص ليلة في بيته ببيروت، فرآه في الظلمة، فقال: ظلمة القبر أشد. فأعطاه دراهم، فردها، وقال: أكره أن أعود نفسي مثل دراهمك، فمن لي بمثلها إذا احتجت. فبلغ ذلك الأوزاعي، فقال: دعوه، فلو كان في السلف، لكان علامة.

(1)

ترجمته في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني "8/ 276".

ص: 230

‌1194 - سَلْم بن ميمون

(1)

:

الخوَّاص، هو أصغر من سليمان الخواص.

حدث عن: مالك، والقاسم بن معن، وسفيان بن عيينة.

روى عنه: أحمد بن ثعلبة، وعمرو بن أسلم الطرسوسي، وغيرهما.

قال إسماعيل بن مسلمة القعنبي: رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن مناديًا ينادي: ألا ليقم السابقون. فقام سفيان الثوري، ثم نادى: ألا ليقم السابقون. فقام سلم الخواص، ثم قام إبراهيم بن أدهم.

وقال أحمد بن ثعلبة: سمعت سلمًا الخواص، قال: قلت لنفسي: يا نفس، اقرئي القرآن كأنك سمعتيه من الله حين تكلم به، فجاءت الحلاوة.

بقي سلم إلى ما بعد سنة ثلاث عشرة ومائتين.

وقد قال أبو حاتم: أدركته، وكان مرجئًا لا يكتب حديثه.

قلت: وروى عنه محمد بن عَوف الطائي، ويونس بن عبد الأعلى. نزل الرملة.

(1)

ترجمته في الضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 679"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1150" والمجروحين لابن حبان "1/ 345"، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني "8/ ترجمة 408"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3381".

ص: 230

‌1195 - صالح بن موسى

(1)

: " ت، ق"

ابن عبد الله بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التيمي، الطلحي، الكوفي. ليس بحجة.

روى عن: عبد العزيز بن رُفيع، وعاصم بن بهدلة، وأبي حازم الأعرج، وعمه معاوية بن إسحاق.

وعنه: قتيبة ومِنْجَاب بن الحارث، وسويد بن سعيد، وداود بن عمرو الضبي، وآخرون.

قال ابن معين: لا يكتب حديثه.

وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال النسائي: متروك.

وقال ابن عدي: هو عندي ممن لا يتعمد الكذب.

وقال الجوزجاني ضعيف الحديث على حسنه.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2864"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 42"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 730"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1825"، والمجروحين لابن حبان "1/ 369"، الكامل لابن عدي "4/ ترجمة 918"، والأنساب للسمعاني "8/ 246"، والكاشف "2/ ترجمة 2386"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3831"، وتهذيب التهذيب "4/ 404"، وتقريب التهذيب "1/ 363"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة رقم "3059".

ص: 231

‌1196 - زهير بن معاوية

(1)

: " ع"

ابن حُديج، بن الرُّحَيل، الحافظ، الإمام، المجود، أبو خيثمة الجعفي، الكوفي، محدث الجزيرة، وهو أخو حديج، والرحيل.

كان من أوعية العلم، صاحب حفظ وإتقان.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 376"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 1419" والكنى للدولابي "1/ 169"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 2674"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة رقم 219"، والعبر "1/ 263"، والكاشف "1/ ترجمة 1684"، ميزان الاعتدال "2/ ترجمة 2921"، جامع التحصيل للحافظ العلائي "ترجمة 203"، تهذيب التهذيب "3/ 251"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2173"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 282".

ص: 231

وسنة مولده في خمس وتسعين.

وحدث عن: أبي إسحاق السبيعي، وزبيد بن الحارث اليامي، وزياد بن علاقة، والأسود بن قيس، وسماك بن حرب، والحسن بن الحر، ومنصور بن المعتمر، وأبي الزبير المكي، وحميد الطويل، وسليمان الأعمش، وأبان بن تغلب، وعاصم بن بهدلة، وعبيد الله بن عمر، وكنانة مولى صفية، حدثه عن أبي هريرة، وقال: كنت ممن حمل الحسن بن علي جريحًا من دار عثمان، وقدت بصفية بنت حيي، لترد عن عثمان، فلقيها الأشتر، فضرب وجه بغلتها، حتى مالت فقالت: ردوني لا يفضحني هذا الكلب. قال: فوضعت خشبًا بين منزلها وبين منزل عثمان، تنقل عليه الطعام والشراب.

أنبأنا بهذا: الفخر بن البخاري، أخبرنا ابن طبرزد، أخبرنا عبد الوهاب، أخبرنا ابن هزارمرد، أخبرنا ابن حبابة، أخبرنا البغوي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا زهير عن كنانة، فذكره.

وروى أيضًا عن: سهيل بن أبي صالح، وهشام بن عروة، وإبراهيم بن مهاجر، وعروة بن عبد الله بن قشير، وعبد العزيز بن رُفيع، وآخرين.

قال أحمد بن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: زهير أحفظ من إسرائيل، وهما ثقتان.

قال ابن أبي خيثمة: وسمعت سعيد بن قُديد، سمعت شعيب بن حرب يقول: كنت مع زهير بن معاوية بالبصرة، فقال: يا شعيب! أنا لا أكتب حديثًا إلا بنية. فأقمنا بالبصرة، فما كتبنا إلا حديثًا واحدًا.

قال يحيى بن أيوب: سمعت حميدًا الرؤاسي يقول: كان زهير إذا سمع الحديث من المحدث مرتين، كتب عليه: فرغتُ.

وقال معاذ بن معاذ: إذا سمعت الحديث من زهير، لا أبالي أن لا أسمعه من سفيان الثوري.

وقال يحيى بن أيوب العابد: حدثنا شعيب بن حرب يومًا بحديث عن زهير، وشعبة، فقيل له: تقدم زهيرًا على شعبة?! قال: كان زهير أحفظ من عشرين مثل شعبة. ثم قال: جاء زهير إلى شعبة، فسأله عن حديث فيه طول، أن يمله عليه، فأبى شعبة، وقال: أنا أردده عليك حتى تحفظه، فقال زهير: أنا أرجو أن أحفظه ولكن إلى أن أبلغ البيت يعرض لي الشك.

ص: 232

قال: فإن لم تكن كذا، فأرحني واسترح مني. قال: يقول شعبة: لا والله، لا تملني بلسان ألثغ. وحكاه: شعيب بن حرب.

عباس الدُّوري: قلت ليحيى بن معين: زهير بن معاوية، وأبو عوانة، فكأنه ساوى بينهما. قلت: فزائدة بن قدامة? قال: هو أثبت من زهير. قلت: يقولون عرض زائدة كتبه على سفيان. قال: ما بأس بذلك، كان يُلقي السَّقط، ولا يزيد في كتبه. فقيل ليحيى: أيهما أثبت، زهير أو وهيب بن خالد? فقال: ما فيهما إلا ثَبتٌ.

قلت: حدث عنه: ابن جريج، وابن إسحاق -وهما من شيوخه- وزائدة، وابن المبارك، وابن مهدي، وأبو داود الطيالسي، والحسن الأشيب، ويحيى بن أبي بكير، وأبو نعيم، وأبو جعفر النفيلي، وأحمد بن يونس، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وأبو الوليد الطيالسي، وعلي بن الجعد، ويحيى بن آدم، والهيثم بن جميل، وسعيد بن منصور، وأحمد بن عبد الملك بن واقد، وخلق من آخرهم، عبد الرحمن بن عمرو البجلي، شيخ أبي عروبة الحراني.

قال الخطيب في كتاب "السابق واللاحق": آخر من روى عن زهير: عبد السلام بن عبد الحميد الحراني، شيخ، بقي إلى سنة أربع وأربعين ومائتين.

قال أحمد بن حنبل: زهير بن معاوية من معادن العلم. وقال أبو حاتم الرازي: زهير أحب إلينا من إسرائيل في كل شيء، إلا في حديث جده أبي إسحاق. قيل لأبي حاتم: فزائدة وزهير? قال: زهير أتقن، وهو صاحب سنة، غير أنه تأخر سماعه من أبي إسحاق.

وقال أبو زرعة الرازي: سمع زهير من أبي إسحاق بعد الاختلاط، وهو ثقة.

قيل: تحول زهير إلى الجزيرة في سنة أربع وستين ومائة، وضربه الفالج قبل موته بسنة أو أزيد، ولم يتغير، ولله الحمد.

قال سفيان بن عيينة لبعض الطلبة: عليك بزهير بن معاوية، فما بالكوفة مثله. قال أبو جعفر النفيلي، وعمرو بن خالد الحراني: توفي زهير سنة ثلاث وسبعين ومائة.

قال النفيلي: في رجب. وبعضهم، قال: توفي سنة أربع وسبعين -وهو وهم- وكان من أبناء الثمانين.

وقع لي من عواليه: قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي، أخبركم الفتح

ص: 233

ابن عبد السلام ببغداد، أخبرنا هبة الله بن الحسين، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى بن علي الوزير إملاء سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد إملاء، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا زهير، عن سماك، وزياد بن علاقة، وحصين، كلهم عن جابر بن سمرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون بعدي اثنا عشر أميرًا". ثم تكلم بشيء لم أفهمه. وقال بعضهم في حديثه: فسألت أبي. وقال بعضهم: فسألت القوم، فقالوا:"كلهم من قريش"

(1)

.

أخبرنا محمد بن عبد السلام، وزينب بنت كندي، عن زينب الشعرية، أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا بشر بن أحمد الإسفراييني، أخبرنا داود بن الحسين البيهقي، حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، أخبرنا أبو خيثمة، عن أبي الزبير، عن أبي جابر، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فمطرنا، فقال:"ليصل من شاء منكم في رحله"

(2)

، أخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى.

أخبرنا علي بن أحمد في كتابه، أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي، أخبرنا أبو محمد الصريفيني، أخبرنا عبيد الله بن حبابة، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد من حفظه، أخبرنا زهير، عن أبي إسحاق، قال: قال رجل للبراء: يا أبا عمارة أكنتم يوم حنين وليتم? قال: لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنا لقينا قومًا رماة، لا يكاد يسقط لهم سهم: جمع هوازن، فرشقونا رشقًا، ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء

(3)

.

وبه، إلى زهير: عن أبي إسحاق، عن نوف، قال: كان طول سرير عوج ثمانمائة ذراع

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "7222"، ومسلم "1821""6" من طريق عبد الملك بن عمر، عن جابر بن سمرة، به.

وأخرجه أحمد "5/ 90 و 95 و 99 و 108"، ومسلم "1821""7"، والترمذي "2223" من طريق سماك ابن حرب، عن جابر، به.

وأخرجه أحمد "5/ 92"، وأبو داود "4281"، والبيهقي في "الدلائل""6/ 520"، والطبراني في "الكبير""2095" من طرق عن زهير بن معاوية، عن زياد بن خيثمة، حدثنا الأسود بن سعيد الهمداني، عن جابر بن سمرة، به.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "698""25" من طريق يحيى بن يحيى، به.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "2930"، ومسلم "1776""78" من طرق عن زهير بن محمد، به.

ص: 234

في عرض نصف ذلك، وكان موسى عليه السلام طوله عشرة أذرع، وعصاه عشرة، ووثبته حين وثب ثمان أذرع، فأصاب كعبه، فخر على نيل مصر، فجسره الناس عامًا يمرون على صلبه وأضلاعه

(1)

.

وبه، عن أبي الزبير، عن ابن أبي ملكية: أن عائشة كانت تصوم الدهر وأيام التشريق

(2)

.

وبه، أخبرنا الزبير، عن جابر، قال: في جميع ظني، ولست أشك أنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ميز أهل الجنة، فدخلوا الجنة ودخل أهل النار النار، قامت الرسل فشفعوا، فيقول عز وجل: انطلقوا، فمن عرفتم فأخرجوه فيخرجونهم قد امتحشوا فيلقون على نهر -أو في نهر- يقال له: الحياة، فتسقط محاشهم على حافتي النهر، ويخرجون بيضًا مثل الثعارير، فيشفعون فيقول: اذهبوا أو انطلقوا، فمن وجدتم في قلبه قيراطًا من إيمان، فأخرجوه فيخرجون بشرًا كثيرًا، ثم يشفعون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه حبة من خردل من إيمان، فأخرجوه. فيخرجون بشرًا كثيرًا ثم يقول الله عز وجل: الآن أخرج بعلمي ورحمتي، فيخرج أضعاف ما أخرجوا وأضعافه، فيكتب في رقابهم: عتقاء الله، ثم يدخلون الجنة فيسمون فيها: الجهنميين"

(3)

.

(1)

هذا الخبر من الإسرائيليات، رواه نوف البكالي، وهو ربيب كعب الأحبار وقد أخذ عنه الإسرائيليات، وهذا منها. وقصة عوج بن عنق ذكر ابن القيم، وابن كثير أنها باطلة كما قد ذكره ابن حجر الفقيه في "الفتاوى الحديثية""ص 188".

(2)

ضعيف: آفته أبو الزبير، محمد بن مسلم بن تدرس المكي، مدلس، مشهور بالتدليس وقد عنعنه.

(3)

صحيح لغيره: أخرجه أحمد "3/ 325 - 326" حدثنا أبو النصر، حدثنا "زهير"، حدثنا أبو الزبير، عن جابر، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو الزبير، وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو مدلس، مشهور بالتدليس، وقد عنعنه. ووقع عند أحمد "ابن زهير"، وهو تصحيف. وإنما هو زهير بن معاوية. وأبو النضر، هو هاشم بن القاسم.

وأخرجه مختصرا أحمد "3/ 379" حدثنا زيد بن الحُباب، حدثنا الحسين بن واقد الليثي، حدثني أبو الزبير، حدثني جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أقواما يخرجون من النار بعدما محشوا فيها، فينطلق بهم إلى نهر في الجنة يقال له: نهر الحياة، فيغتسلون فيه، فيخرجون منه أمثال الثغارير".

قلت: إسناده حسن، فيه الحسين بن واقد، صدوق لا بأس به، روى له البخاري تعليقا، ومسلم متابعة، وأصحاب السنن.

وقوله: "بعدما محشوا": أي أحرقوا. =

ص: 235

وبه: إلى زهير، عن زوجته -ورغم أنها صدوقة- أنها سمعت مليكة بنت عمرو -وذكر أنها ردت الغنم على أهلها في إمرة عمر بن الخطاب: أنها وصفت لها من وجع بها، سمن بقر وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألبانها شفاء، وسمنها دواء، ولحمها داء"

(1)

.

= وقوله: "أمثال الثعارير": وهي القثاء الصغار، ووجه الشبه سرعة النماء. وأخرجه أبو عوانة "1/ 139" من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، بنحوه، وأخرجه مختصرا مسلم "191""320" من طريق يزيد الفقير، عن جابر، بنحوه.

وورد عن عمرو بن دينار، عن جابر مرفوعا:"إن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة" أخرجه البخاري "6558"، ومسلم "191""317"، وابن أبي عاصم في "السنة""841"، والآجري في "الشريعة""344" وابن خزيمة في "التوحيد""ص 277" من طرق عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، به.

وفي الباب عن أبي سعيد الخدري: عند أحمد "3/ 11 و 78 - 79"، ومسلم "185"، وابن ماجه "4309" والدارمي "2/ 331"، وابن خزيمة في "التوحيد""ص 274 و 279 و 280 و 281"، وابن منده "829 و 830 و 832"، وأبي عوانة "1/ 186" من طريق أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد.

(1)

ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير""25/ حديث 79"، والبغوي في "حديث علي بن الجعد""11/ 122/ 1" من طريق زهير -يعني ابن معاوية- حدثتني امرأة من أهلي عن مليكة بنت عمرو الزيدية، به.

قلت: إسناده ضعيف لإبهام المرأة الراوية عن مُليكة. ولكن للحديث شاهد عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بألبان البقر وسمنانها وإياكم ولحومها فإن ألبانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء".

أخرجه الحاكم "4/ 404" من طريق معاذ بن المثنى العنبري، حدثنا سيف بن مسكين، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن الحسن بن سعد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، به.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: "سيفٌ وهاهُ ابنُ حبانَ".

قلت: إسناده ضعيف جدا، فيه سيف بن مسكين السلمي، قال: ابن حبان في "المجروحين""1/ 343": "يأتي بالمقلوبات والأشياء الموضوعات لا يحل الاحتجاج به لمخالفته الأثبات في الروايات على قلتها". والعلة الثانية: الانقطاع بين عبد الرحمن بن عبد الله مسعود، وأبيه فقد مات أبوه وله نحو ست سنين. وقال ابن معين في رواية: لم يسمع من أبيه.

ص: 236

‌1197 - زهير بن محمد

(1)

: " ع"

التميمي، الحافظ، المحدث، أبو المنذر المروزي، الخرقي -بفتحتين- من قرية خرق، الخراساني، نزيل الشام، ثم نزيل مكة. وقيل: إنه هروي.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1420"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 347" و"2/ 757"، والكنى للدولابي "2/ 131"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 2675"، وتهذيب تاريخ دمشق "5/ 397"، والعبر "1/ 239"، والكاشف "1/ ترجمة 1682"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 2918"، وتهذيب التهذيب "3/ 348"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2171"، وشذرات الذهب "1/ 256".

ص: 236

حدث عن: موسى بن وردان المصري -صاحب أبي هريرة- وابن أبي مليكة، وعمرو بن شعيب، ومحمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم، وعبد الرحمن بن القاسم، وابن عقيل، وسهيل، وعدة.

وعنه: الوليد بن مسلم، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو داود، وروح بن عبادة، وعمرو بن أبي سلمة، وأبو عامر العَقَدي، وخلق سواهم، وأبو حذيفة النهدي.

قال البخاري، وغيره: روى عنه الشاميون مناكير.

قلت: وكذا روى عنه عمرو بن أبي سلمة التَّنِّيسي مناكير، وما هو بالقوي ولا بالمتقن، مع أن أرباب الكتب الستة خرَّجوا له.

وقد ذكره أبو جعفر العُقيلي في "الضعفاء"، فنقل عن أحمد بن حنبل، قال: هو مقارب الحديث. وقال: كان الذي يروي عنه أهل الشام زهير آخر، قلب اسمه.

وروى معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين: خراساني، ضعيف.

ثم قال العُقَيلي: ومن حديثه: ما حدثنا أحمد بن النصيبي، حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي، حدثنا محمد بن سليم، حدثنا زهير بن محمد أبو المنذر، حدثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا تصحوا، وسافروا تصحوا، واغزوا تغنموا"

(2)

. ثم قال: لا يتابع عليه إلا من وجه فيه لين.

قال النسائي: ليس بالقوي.

(2)

ضعيف: قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء""3/ 75": "رواه الطبراني في "الأوسط" "8312"، وأبو نعيم في "الطب النبوي" من حديث أبي هريرة بسند ضعيف". والحديث أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد""3/ 179"، والحافظ المنذري في "الترغيب" "2/ 60" من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ:"اغزوا تغنموا، وصوموا تصحوا، وسافروا تستغنوا".

وقالا: "رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات".

قلت: هذا تساهل منهما -رحمهما الله تعالى، فإن قوله رجاله ثقات لا تعني صحة السند فإن ذلك لا يخفى على طلبة علم الحديث فقد يكون في السند علة خفية توجب ضعفه وهذا معلوم معروف عند أكابر وصغار طلبة الحديث الشريف.

وقد بالغ الصغاني في كتابه "الموضوعات""ص 7" حين قال: "وهذا الحديث موضوع". وقد ذكر أحمد "2/ 280" الحديث من حديث أبي هريرة: "سافروا تصحوا، واغزوا تستغنوا"، وإسناده ضعيف فيه ابن لهيعة، ضعيف لسوء حفظه، وفيه درَّاج، وهو صاحب مناكير.

ص: 237

وقال عثمان الدارمي: ثقة، له أغاليط.

وروى أحمد بن زهير، عن يحيى: ثقة. وقال مرة: صالح.

وقال عباس: سمعت يحيى يقول: زهير بن محمد ثقة.

وروى حنبل، عن أحمد: ثقة.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: محله الصدق، وفي حفظه سوء، وما حدث به من كتبه فهو صالح.

وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.

وقال ابن نافع: توفي سنة اثنتين وستين ومائة.

أخبرنا من سمع ابن خليل، أخبرنا اللبان، أخبرنا أبو علي، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا ابن فارس، حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا زهير بن محمد، أخبرني موسى بن وردان، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"

(1)

.

هذا حديث غريب، عال. أخرجه: أبو داود، والترمذي، عن بندار، عن أبي داود، وحسنه الترمذي.

قال الترمذي: سألت محمدًا عن حديث زهير بن محمد هذا، فقال: أنا أتقي هذا الشيخ، كأن حديثه موضوع، وليس هذا عندي بزهير بن محمد، وكان أحمد بن حنبل يضعف هذا الشيخ، ويقول: هذا شيخ ينبغي أن يكونوا قلبوا اسمه.

فهذا قاله عقيب حديث: صلى ابن عمر محلول الأزرار، وقال: رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم يفعله.

(1)

حسن: أخرجه الطيالسي "2573"، ومن طريقه عبد بن حميد "1431"، وأحمد "2/ 303 و 334"، وأبو داود "4833"، والترمذي "2378" والحاكم "4/ 171" من طريق زهير بن محمد، به.

قلت: إسناده حسن، موسى بن وردان، صدوق.

وأخرجه الحاكم "4/ 171" من طريق صدقة بن عبد الله، عن إبراهيم بن محمد الأنصاري، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، به.

وقال الحاكم: صحيح إن شاء الله. وتعقبه الذهبي بقوله: "كلا، فصدقة ضعيف، وشيخه مجهول".

ص: 238

‌1198 - القاسم بن معن

(1)

: " د، س"

ابن عبد الرحمن بن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود، الإمام الفقيه، المجتهد، قاضي الكوفة، ومفتيها في زمانه، أبو عبد الله الهذلي المسعودي، الكوفي، أخو الإمام أبي عبيدة بن معن ولد بعد سنة مائة.

وحدث عن: منصور بن المعتمر، وحصين بن عبد الرحمن، وعبد الملك بن عمير، وهشام بن عروة، وسليمان الأعمش، وطائفة سواهم.

روى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم ومُعَلَّى بن منصور، وأبو غسان النهدي، والمعافى بن سليمان، وعبد الله بن الوليد العدني، ومِنْجَاب بن الحارث، وآخرون.

وكان ثقة، نحويًّا، أخباريًّا، كبير الشأن، لم يأخذ على القضاء معلومًا. نقله: أحمد بن حنبل.

وقال أبو حاتم: ثقة، كان أروى الناس للحديث، والشعر، وأعلمهم بالعربية، والفقه.

قلت: وكان عفيفًا، صارمًا، من أكبر تلامذة الإمام أبي حنيفة. أخذ عنه العربية: محمد بن زياد بن الأعرابي، وولاه المهدي قضاء الكوفة. وقيل: إنه كان يقال له: شعبي زمانه.

روى له أبو داود، والنسائي شيئا قليلا.

وتوفي في سنة خمس وسبعين ومائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 384"، والتاريخ الكبير "7/ 765"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 790 و 807"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 687"، والعبر "1/ 268"، والكاشف "2/ ترجمة 4603"، وتهذيب التهذيب "8/ 338 - 339"، وتقريب التهذيب "2/ 121"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5811"، وشذرات الذهب "1/ 286".

ص: 239

‌1199 - يونس

(1)

:

إمام النحو. هو: أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب الضبي مولاهم، البصري.

أخذ عن: أبي عمرو بن العلاء، وحماد بن سلمة.

وعنه: الكسائي، وسيبويه، والفراء، وآخرون.

وعاش ثلاثًا وثمانين سنة.

أرخ خليفة بن خياط موته: في سنة ثلاث وثمانين ومائة.

وقد لقي عبد الله بن أبي إسحاق، فسأله عن لفظة، وكان ليونس حلقة ينتابها الطلبة والأدباء، وفصحاء الأعراب.

وذكره ثعلب، فقال: جاوز المائة.

وقيل: إنه لم يتزوج، ولا تسرى.

وله تواليف في القرآن واللغات.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان "7/ 852".

ص: 239

‌1200 - عبد العزيز بن مُسْلم

(1)

: " خ، م، د، ت، س"

الإمام، العابد، الرباني، أبو زيد القسملي، الخراساني، ثم البصري، أحد الثقات.

حدث عن: عبد الله بن دينار، ومطر الوراق، وأيوب، وأبي هارون العبدي، وحصين بن عبد الرحمن، وعدة.

وروى عنه: العقدي، والقعنبي، وعبيد الله بن عائشة، وحفص بن عمر الحوضي، وحفص بن عمر الضرير، وشيبان بن فروخ، وآخرون.

قال أبو عامر العقدي: كان من العابدين.

وقال يحيى بن إسحاق السيلحيني: سمعت منه، وكان من الأبدال.

وقال يحيى بن معين، وغيره: ثقة.

قال العيشي: مات سنة سبع وستين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1579"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 130" والكنى للدولابي "1/ 180"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 973"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1831"، والأنساب للسمعاني "1/ 149"، والكاشف "2/ ترجمة 3457"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5130"، تهذيب التهذيب "6/ 356"، وتقريب التهذيب "1/ 512"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4374".

ص: 240

‌1201 - أخوه المغيرة

(1)

: " ت، س، ق"

ابن مسلم القسملي السراج. كان الأكبر.

يروي عن: عكرمة، وأبي الزبير المكي، وفرقد السبخي.

روى عنه: أبو داود الطيالسي، وشبابة بن سوَّار، وإسحاق بن سليمان الرازي، وآخرون.

وثقه يحيى بن معين أيضًا.

توفي في حدود الستين ومائة.

‌1202 - سَلْم الخاسر

(2)

:

هو من فحول الشعراء، من تلامذة بشار بن برد. هو: سلم بن عمرو بن حماد.

مدح المهدي، والرشيد، وعكف على المخازي، ثم نسك، ثم مرق، وباع مصحفه، واشترى بثمنه ديوانًا، فلقب: بالخاسر. وقد أجازه الرشيد مرة بمائة ألف. لا أعلم في أي سنة مات، ولكنه مات قبل الرشيد.

‌1203 - أبو المَليح

(3)

: " د، ق"

الإمام، المحدث، أبو المليح الحسن بن عمر الرقي. ويقال: الحسن بن عمرو.

حج، فرأى عطاء بن أبي رباح، وما أظنه سمع منه.

وسمع ميمون بن مهران، وابن شهاب الزهري، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وزياد بن بيان، وطائفة.

وعنه: عبد الله بن جعفر الرقي، وعمرو بن خالد الحراني، وإبراهيم بن مهدي المصيصي، وأبو جعفر النفيلي، وعبد الجبار بن عاصم، وأبو نعيم عبيد بن هشام، وآخرون.

وثقه أحمد بن حنبل، وأبو زرعة.

مولده في حدود سنة تسعين.

وتوفي بالرقة، في سنة إحدى وثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1031"، والكاشف "3/ ترجمة 5700"، وتاريخ الإسلام "6/ 302"، وجامع التحصيل للحافظ العلائي "ترجمة 792"، وتهذيب التهذيب "10/ 268"، وتقريب التهذيب "2/ ترجمة 253"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7164".

(2)

ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 136"، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني "19/ 214"، وفيات الأعيان "2/ 350".

(3)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 484"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2537"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 172" و"2/ 420"، والكنى للدولابي "2/ 129"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 103"، والكاشف "1/ ترجمة 1060"، والعبر "1/ 279"، تهذيب التهذيب "2/ 309"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1366"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 295".

ص: 241

‌1204 - قَزَعة بن سُوَيد

(1)

: " ت، ق"

ابن حُجَير الباهلي، شيخ، عالم، بصري، صالح الحال.

حدث عن: أبيه، وابن أبي مليكة، ومحمد بن المنكدر، وحميد بن قيس الأعرج.

وعنه: مُسَدَّد، وقُتيبة، وإبراهيم بن الحجاج السامي، ولُوَين، وجماعة.

مشاه: ابن عدي.

وقال البخاري: ليس بذاك القوي.

ولابن معين فيه قولان.

وقال أبو حاتم: لا يحتج به.

وقال أبو داود: ضعيف.

توفي سنة بضع وسبعين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 854"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 782"، والمجروحين لابن حبان "2/ 216"، والكاشف "2/ ترجمة 4647"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة رقم 6894"، تهذيب التهذيب "8/ 376"، وتقريب التهذيب "2/ 126"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5855".

ص: 242

‌1205 - بكر بن مُضَر

(1)

: " ع سوى ق"

ابن محمد، الإمام، المحدث، الفقيه، الحجة، أبو عبد الملك المصري، مولى الأمير شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه.

ولد سنة مائة.

وحدث عن: أبي قبيل المَعَافري، وجعفر بن ربيعة، ويزيد بن الهاد، ومحمد بن عجلان، وعمرو بن الحارث، وجماعة.

روى عنه: ولده؛ إسحاق بن بكر، وابن وهب، وابن القاسم، وقتيبة بن سعيد، وآخرون.

وكان من الثقات العابدين.

وقال الحارث بن مسكين: كان عبد الرحمن بن القاسم لا يقدم عليه أحدًا من أهل الفسطاط، وقد رأيته وأنا حدث، فحدثني ابنه إسحاق، قال: ما كنت أرى أبي يجلس في البيت على طنفسة، وما كان يجلس إلا على حصير. وكان طويل الحزن، وأحيانًا تطيب نفسه، فيفرح، فربما جاء الرجل يسأله المسألة، فيعلمه، ويرجع إلى حاله، ويتغير، ويقول: ما لي ولهذا. فنقول له: أفنصرفه? فيقول: أو يحل لي?

وربما جاءه الأحداث يطلبون منه الحديث، فيقول لهم: تعلموا الورع.

قال ابن يونس وغيره: توفي يوم عرفة، سنة أربع وخمسين ومائة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محلم بن إسماعيل الضبي، أخبرنا الخليل بن أحمد، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا بكر، عن عمرو بن الحارث، عن بُكَير، عن يزيد مولى سلمة، عن سلمة بن الأكوع، قال: لما نزلت هذه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها، فنسختها

(2)

.

أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن قتيبة، فوافقناهم بعلو درجة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 517"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1811"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 164 و 437 و 651"، الجرح والتعديل "1/ ترجمة 1529"، والكاشف "1/ ترجمة 643"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 226"، تهذيب التهذيب "1/ 487".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "4507"، ومسلم "1145"، وأبو داود "2315"، والترمذي "798"، والنسائي "4/ 190" من طريق قتيبة بن سعيد، عن بكر بن مُضر، به.

ص: 242

ولد سنة مائة.

وحدث عن: أبي قبيل المَعَافري، وجعفر بن ربيعة، ويزيد بن الهاد، ومحمد بن عجلان، وعمرو بن الحارث، وجماعة.

روى عنه: ولده؛ إسحاق بن بكر، وابن وهب، وابن القاسم، وقتيبة بن سعيد، وآخرون.

وكان من الثقات العابدين.

وقال الحارث بن مسكين: كان عبد الرحمن بن القاسم لا يقدم عليه أحدًا من أهل الفسطاط، وقد رأيته وأنا حدث، فحدثني ابنه إسحاق، قال: ما كنت أرى أبي يجلس في البيت على طنفسة، وما كان يجلس إلا على حصير. وكان طويل الحزن، وأحيانًا تطيب نفسه، فيفرح، فربما جاء الرجل يسأله المسألة، فيعلمه، ويرجع إلى حاله، ويتغير، ويقول: ما لي ولهذا. فنقول له: أفنصرفه? فيقول: أو يحل لي?

وربما جاءه الأحداث يطلبون منه الحديث، فيقول لهم: تعلموا الورع.

قال ابن يونس وغيره: توفي يوم عرفة، سنة أربع وخمسين ومائة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محلم بن إسماعيل الضبي، أخبرنا الخليل بن أحمد، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا بكر، عن عمرو بن الحارث، عن بُكَير، عن يزيد مولى سلمة، عن سلمة بن الأكوع، قال: لما نزلت هذه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها، فنسختها

(2)

.

أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن قتيبة، فوافقناهم بعلو درجة.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "4507"، ومسلم "1145"، وأبو داود "2315"، والترمذي "798"، والنسائي "4/ 190" من طريق قتيبة بن سعيد، عن بكر بن مُضر، به.

ص: 243

‌1206 - جعفر بن سليمان

(1)

: " م، (4) "

الشيخ، العالم، الزاهد، محدث الشيعة، أبو سليمان الضُّبَعي، البصري.

كان ينزل في بني ضبيعة، فنسب إليهم.

حدث عن: أبي عمران الجوني، وثابت البناني، ويزيد الرَّشْك، ومالك بن دينار، والجعد أبي عثمان، وخلق كثير.

حدث عنه: سيار بن حاتم الزاهد، وعبد الرزاق، ومسدد بن مسرهد، وبشر بن هلال، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن سليمان لوين، وغيرهم.

وكان من عباد الشيعة وعلمائهم، وقد حج، وتوجه إلى اليمن، فصحبه عبد الرزاق، وأكثر عنه، وبه تشيع.

ويروى أن جعفرًا كان يترفض، فقيل له: أتسب أبا بكر وعمر? قال: لا، ولكن بغضًا يا لك. فهذا غير صحيح عنه.

وقال الحافظ زكريا الساجي: إنما عنى بقوله: بغضًا يا لك: جارين له يؤذيانه اسمهما: أبو بكر، وعمر.

قال ابن المديني: أكثر عن ثابت البُناني، وكتب عنه مراسيل، فيها مناكير.

وقال ابن سعد: ثقة، فيه ضعف.

وروى محمد بن عثمان العبسي، عن يحيى بن معين، قال: كان يحيى القطان لا يحدث عن جعفر بن سليمان، ولا يكتب حديثه، وكان عندنا ثقة.

قال أحمد بن المقدام: كنا في مجلس يزيد بن زريع، فقال: من أتى جعفر بن سليمان، وعبد الوارث، فلا يقربني.

قال: وكان عبد الوارث ينسب إلى الاعتزال.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 288"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2162"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 169 و 287" و"2/ 49 و 76 و 84"، والكنى للدولابي "1/ 194" والجرح والتعديل "2/ ترجمة 1957"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 227"، والعبر "1/ 171"، والكاشف "1/ ترجمة 801"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 1505"، وتهذيب التهذيب "2/ 95"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1040"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 288".

ص: 244

وروى عباس، عن يحيى بن معين: ثقة.

محمد بن أبي بكر المقدمي، سمعت عمي عمر بن علي يقول: رأيت ابن المبارك يقول لجعفر بن سليمان: رأيت أيوب? قال: نعم. قال: ورأيت ابن عَون? قال: نعم. قال: فرأيت يونس? قال: نعم. قال: كيف لم تجالسهم، وجالست عوفًا، والله ما رضي عوف ببدعة حتى كانت فيه بدعتان: كان قدريًّا، شيعيًّا.

قال البخاري: جعفر بن سليمان الحرشي يخالف في بعض حديثه.

وقال السَّعدي: روى مناكير، وهو متماسك، لا يكذب.

وقال صاحب "الحلية": صحب: ثابتًا، وأبا عِمران الجَوْني، وفرقد السَّبَخي، وشُميط بن عجلان.

وروى سيار، عن جعفر، قال: اختلفت إلى ثابت البناني، ومالك بن دينار، عشر سنين.

أخبرنا إسحاق الصفار، أخبرنا يوسف الآدمي، أخبرنا أبو المكارم اللبان، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا مُسدَّد، حدثنا جعفر بن سليمان، عن يزيد الرِّشْك، عن مطرف، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، واستعمل عليهم عليًّا، فأصاب جارية، فأنكروا عليه. قال: فتعاقد أربعة من الصحابة، فقالوا: إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه. وكان المسلمون إذا قدموا من سفر، بدءوا برسول الله، فسلموا عليه، فلما قدمت السرية، سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقام أحد الأربعة، فقال: يا رسول الله! ألم تر أن عليًّا صنع كذا وكذا. فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف الغضب في وجهه، فقال:"ما تريدون من عليٍّ"؟ -ثلاث مرات. "إن عليًّا مني، وأنا منه وهو ولي كل مؤمن من بعدي"

(1)

. تابعه: قتيبة، وبشر بن هلال، وعفان، وهو من أفراد جعفر.

أخرجه الترمذي وحسنه، والنسائي.

توفي جعفر بن سليمان في سنة ثمان وسبعين ومائة.

احتج به مسلم.

(1)

حسن: أخرجه الترمذي "3712" حدثنا قتيبة، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، به.

وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان".

ص: 245

‌1207 - شريك

(1)

:

ابن عبد الله، العلامة، الحافظ، القاضي، أبو عبد الله النخعي، أحد الأعلام، على لين ما في حديثه. توقف بعض الأئمة عن الاحتجاج بمفاريده.

قال أبو أحمد الحاكم: شريك بن عبد الله بن سنان بن أنس. ويقال: شريك بن عبد الله بن أبي شريك بن مالك بن النَّخَع، وجده قاتل الحسين -رضوان الله عليه.

أدرك شريك: عمر بن عبد العزيز. وسمع سلمة بن كهيل، ومنصور بن المعتمر، وأبا إسحاق. ليس بالمتين عندهم.

وقال أبو بكر الخطيب: شريك بن عبد الله بن الحارث بن أوس القاضي أدرك عمر بن عبد العزيز.

قلت: وروى أيضًا عن: أبي صخرة جامع بن شداد، وجامع بن أبي راشد، وزياد بن عِلاقة، وسِماك بن حرب، وعبد العزيز بن رفيع، وزبيد بن الحارث، وبيان بن بشر، ويعلى بن عطاء، وإبراهيم بن مهاجر، وعثمان بن أبي زرعة، وعاصم الأحول، وسالم الأفطس، وسليمان الأعمش، وعطاء بن السائب، ونسير بن ذُعْلوق، وعبد الملك بن عمير، وسلمة بن المُحَبِّق، وأشعث بن أبي الشعثاء، وعبد الكريم بن مالك الجَزَري، والمِقدام بن شُريح، وسعيد بن مسروق، وهشام بن عروة، وعاصم بن بهدلة، وعلي بن بذيمة، وزيد بن جبير، وحكيم بن جبير، وشبيب بن غَرْقدة، ومِخْول بن راشد، وابن عقيل، وإبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي، وعمار الدهني، وحبيبَ بن أبي ثابت، وخلق سواهم.

وعنه: أبان بن تغلب، ومحمد بن إسحاق -وهما من شيوخه- وشعبة، وسفيان، والليث بن سعد، وابن المبارك، ويحيى بن آدم، وأبو نعيم، ويزيد بن هارون، وإسحاق بن يوسف الأزرق، ويقال: إن إسحاق الأزرق أخذ عنه تسعة آلاف حديث.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 378"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2647"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 150 و 168 و 221 و 224 و 226 و 238" و"2/ 153 و 168 و 176 و 305" و"3/ 93 و 180 و 197 و 223"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 718"، وتاريخ بغداد "9/ 279"، والكاشف "2/ ترجمة 2298"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 218"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3697"، وتهذيب التهذيب "4/ 333"، وتقريب التهذيب "1/ 351"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2948"، وشذرات الذهب "1/ 287".

ص: 246

وممن يروي عنه: أحمد بن يونس، وعلي بن الجعد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه؛ عثمان، وهناد بن السري، ولُوَين، ويحيى بن يحيى، ومحمد بن سليمان لوين، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، وعباد بن يعقوب الرواجني، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وعلي بن حجر، وأمم سواهم.

وقد وثقه يحيى بن معين، وقال: هو أثبت من أبي الأحوص.

قلت: مع أن أبا الأحوص من رجال "الصحيحين"، وما أخرجا لشريك سوى مسلم في المتابعات قليلا. وخرج له البخاري تعليقًا.

قال ابن المبارك: شريك أعلم بحديث بلده من الثوري. فذكر هذا لابن معين، فقال: ليس يقاس بسفيان أحد، لكن شريك أروى منه في بعض المشايخ.

وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال الجُوزجاني: سيء الحفظ، مضطرب الحديث، مائل.

قلت: فيه تشيع خفيف على قاعدة أهل بلده.

وكان من كبار الفقهاء، وبينه وبين الإمام أبي حنيفة وقائع.

مولده: في سنة خمس وتسعين. وقيل: إنه ولد ببخارى، أو نقل إلى الكوفة.

وقد سمى البخاري جده: سنانًا، وسماه شيخُه أبو نعيم: الحارث.

قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: أخطأ شريك في أربعمائة حديث.

وعن عبد الرحمن بن شريك، قال: كان عند أبي عن جابر الجعفي: عشرة آلاف مسألة، وعن ليث بن أبي سليم: عشرة آلاف مسألة.

قال أبو نعيم: سمعت شريكًا يقول: قدم عثمان يوم قدم، وهو أفضل القوم.

قلت: ما بعد هذا إنصاف من رجل كوفي.

قال منصور بن أبي مزاحم: سمعت شريكًا يقول في مجلس أبي عبيد الله -يعني: وزير المهدي- وفيه الحسن بن زيد بن الحسن، ووالد مصعب الزبيري، وابن أبي موسى، والأشراف، فتذاكروا النبيذ، فرخص من حضر من العراقيين فيه، وشدد الباقون، فقال شريك: حدثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: قال عمر: "إنا لنأكل لحوم هذه

ص: 247

الإبل، ليس يقطعها في بطوننا إلا هذا النبيذ الشديد"

(1)

. فقال الحسن بن زيد: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: 7]. فقال شريك: أجل! شغلك الجلوس على الطنافس في صدور المجالس عن استماع هذا ومثله. فلم يجبه الحسن بشيء. وأسكت القوم، فتحدثوا بعد في النبيذ، وشريك ساكت. فقال له أبو عبيد الله: حدثنا يا أبا عبد الله بما عندك. فقال: كلا! الحديث أعز على أهله من أن يعرض للتكذيب. فقال بعضهم: شرب سفيان الثوري، فقال قائل منهم: لا، بلغنا أن سفيان تركه. فقال شريك: أنا رأيته يشرب في بيت خير أهل الكوفة في زمانه؛ مالك بن مِغْوَل.

قال عيسى بن يونس: ما رأيت أحدًا أورع في علمه من شريك.

قال محمد بن معاوية النيسابوري: سمعت عبادًا يقول: قدم علينا معمر وشريك واسط، فكان شريك أرجح عندنا منه.

قال عباس: ذكرت لابن معين إسرائيل، وشريكا، فقال: ما فيهما إلا ثبت. وقال: شريك أثبت من أبي الأحوص، ثم سمعت ابن معين يقول: إسرائيل أثبت من شريك. وقال: كان يحيى القطان لا يحدث عن هذين.

قال مِنْجَاب بن الحارث: قال رجل لشريك: كيف تجدك يا أبا عبد الله? قال: أجدني شاكيًا غير شَاكي الله.

أحمد بن أبي خَيْثَمة: حدثنا يحيى بن أيوب، قال: كنا عند شريك يومًا، فظهر من أصحاب الحديث جفاء، فانتهر بعضَهم، فقال له رجل: يا أبا عبد الله! لو رفقت. فوضع شريك يده على ركبة الشيخ، وقال: النبل عون على الدين.

قال ابن عُيينة: قيل لشريك: ما تقول فيمن يفضل عليًّا على أبي بكر? قال: إذًا يفتضح، يقول: أخطأ المسلمون.

وعن وكيع، قال: ما كتب عن شريك بعد ما ولي القضاء، فهو عندي على حدة.

وقال أبو نعيم: لم أكتب عنه بعد القضاء غير حديث واحد.

البغوي: حدثنا عباس بن محمد، سمعت يحيى يقول: قضى شريك على ابن إدريس بشيء، فقال ابن إدريس: القضاء فيه كذا وكذا -يعني: الذي حكمت به- فقال له شريك:

(1)

ضعيف: فيه شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وهو ضعيف لسوء حفظه.

ص: 248

اذهب، فأفت بهذا حاكَهَ الزَّعافر. وكان شريك قد حبسه في القضية، وكان ابن إدريس ينزل في الزعافر.

منصور بن أبي مزاحم: سمعت شريكًا يقول: ترك الجواب في موضعه إذابة القلب.

قال إبراهيم بن أعين: قلت لشريك: أرأيت من قال: لا أفضل أحدًا؟ قال: هذا أحمق، أليس قد فضل أبو بكر، وعمر?

وروى أبو داود الرَّهاوي، أنه سمع شريكًا يقول: عليٌّ خير البشر، فمن أبى فقد كفر.

قلت: ما ثبت هذا عنه. ومعناه حق، يعني: خير بشر زمانه، وأما خيرهم مطلقًا، فهذا لا يقوله مسلم.

قال عبد الرحمن بن يحيى العذري: أعلم أهل الكوفة: سفيان، وأحضرهم جوابًا: شريك، وذكر باقي الحكاية.

قال الفَضْل بن زياد: قلت لأبي عبد الله في إسرائيل وشريك، فقال: إسرائيل صاحب كتاب ويؤدي ما سمع، وليس على شريك قياس، كان يحدث الحديث بالتوهم.

ابن أبي خيثمة: حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال: شريك لبعض إخوانه: أكْرِهْتُ على القضاء. قال: فأكرهت على أخذ الرزق?

ثم قال سليمان: حكى لي عبد الله بن صالح بن مسلم، قال: كان شريك على قضاء الكوفة، فخرج يتلقى الخَيزُران، فبلغ شاهي، وأبطأت الخيزران، فأقام ينتظرها ثلاثًا، ويبس خبزه، فجعل يبله بالماء ويأكله، فقال العلاء بن المنهال الغنوي:

فإن كان الذي قد قلت حقا

بأن قد أكرهوك على القضاء

فمالك موضعًا في كل يوم

تلقى من يحج من النساء

مقيمًا في قرى شاهي ثلاثا

بلا زاد سوى كسر وماء

قال سليمان: وحدثني عبد الرحمن بن شريك، قال: كانت أم شريك من خراسان، فرآها أعرابي وهي على حمار، وشريك صبي بين يديها، فقال: إنك لتحملين جندلة من الجنادل.

وقال موسى بن عيسى لشريك: يا أبا عبد الله! عزلوك عن القضاء، ما رأينا قاضيًا عزل! قال: هم الملوك، يعزلون ويخلعون. يُعَرِّض أن أباه خُلعَ -يعني: من ولاية العهد.

ص: 249

قال سليمان: قال أبو مطرف: قال لي شريك: حملت إلى أبي جعفر، فقال لي: قد وليتك قضاء الكوفة. فقلت: لا أحسن. فقال: قد بلغني ما صنعت بعيسى، والله ما أنا كعيسى، يا ربيع، يكون عندك حتى يقبل. فخرجت مع الربيع، فقال: إنه لا يعفيك، فقبلت.

قال ابن أبي خيثمة: وأخبرني سليمان، قال: لقي عبد الله بن مصعب الزبيري شريكًا، فقال: بلغني أنك تنال من أبي بكر، وعمر. فقال شريك: والله ما أنتقص الزبير، فكيف أنال من أبي بكر، وعمر?

ثم قال سليمان: وأخبرني أبي، قال: قيل لأبي شيبة القاضي: قد ولي شريك قضاء الكوفة.

فقال: الحمد لله الذي لم يجعله من أصحاب حمَّاد.

ابن المديني عن يحيى القطان، قال: أحدثُ عن شريك أعجبُ إلي من أن أحدث عن موسى بن عبيدة. وضعف شريكًا، وقال: أتيته بالكوفة، فأملى عليَّ، فإذا هو لا يدري.

قال سليمان بن أبي شيخ: حدثني أبي، قال: لما وُجه شريك إلى قضاء الأهواز، جلس على القضاء، فجعل لا يتكلم حتى قام، ثم هرب، واختفى. ويقال: إنه اختفى عند الوالي. فحدثني يحيى بن سعيد الأموي، قال: كنت عند الحسن بن عمارة، حين بلغه أن شريكًا هرب، فقال: الخبيث استصغر قضاء الأهواز.

محمد بن يزيد الرفاعي: حدثني حمدان بن الأصبهاني، قال: كنت عند شريك، فأتاه بعض ولد المهدي، فاستند، فسأله عن حديث، فلم يلتفت إليه، وأقبل علينا، ثم أعاد، فعاد يمثل ذلك. فقال: كأنك تستخف بأولاد الخليفة. قال: لا، ولكن العلم أزين عند أهله من أن تضيعوه. قال: فجثا على ركبتيه، ثم سأله، فقال شريك: هكذا يطلب العلم.

قال عبَّاد بن العوَّام: قال شريك: أثر فيه بعض الضعف أحب إلي من رأيهم.

قال علي بن سهل: سمعت عفان يقول: كان شريك يخضب بالحمرة.

قيل: إن شريكًا أدخل على المهدي، فقال: لا بد من ثلاث: إما أن تلي القضاء، أو تؤدب ولدي وتحدثهم، أو تأكل عندي أكلة. ففكر ساعة، ثم قال: الأكلة أخف علي. فأمر المهدي الطباخ أن يصلح ألوانًا من المخ المعقود بالسكر وغير ذلك، فأكل. فقال الطباخ: يا أمير المؤمنين، ليس يفلح بعدها. قال: فحدثهم بعد ذلك، وعلمهم، وولي القضاء.

ص: 250

ولقد كتب له برزقه على الصيرفي، فضايقه في النقد، فقال: إنك لم تبع به بزًا. فقال شريك: والله بعت أكبر من البز، بعت به ديني.

قال علي بن الحسين بن الجنيد الرازي: سمعت أبا توبة الحلبي يقول: كنا بالرملة، فقالوا: من رجل الأمة? فقال قوم: ابن لهيعة. وقال قوم: مالك. فقدم علينا عيسى بن يونس، فسألناه، فقال: رجل الأمة شريك. وكان شريك يومئذ حيًّا.

قال محمد بن إسحاق الصاغاني: حدثنا سَلْم بن قادم، حدثنا موسى بن داود، حدثنا عباد بن العوام، قال: قدم علينا شريك من نحو خمسين سنة، فقلنا له: إن عندنا قومًا من المعتزلة، ينكرون هذه الأحاديث:"إن أهل الجنة يرون ربهم"

(1)

، "وإن الله ينزل إلى السماء الدنيا"

(2)

. فحدث شريك بنحو من عشرة أحاديث في هذا، ثم قال: أما نحن فأخذنا ديننا عن أبناء التابعين، عن الصحابة، فهم عمن أخذوا?

قال شريك، عن أشعث، عن محمد بن سيرين، قال: أدركت بالكوفة أربعة آلاف شاب يطلبون العلم.

قال أبو نعيم النَّخَعي: سمعت شريكًا يقول: ترى أصحاب الحديث هؤلاء يطلبونه لله?! إنما يتظرفون به.

قال عمرو بن علي الفَلاس: كان يحيى لا يحدث عن شريك، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "4851"، ومسلم "633""212"، وأبو داود "4729"، وعبد الله بن أحمد في "السنة""220"، وابن منده "798"، وابن خزيمة في "التوحيد""ص 167 - 168"، والطبراني "2227" و"2228" من طريق جرير، عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله قال: كنا جلوسا ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال:"إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا"، ثم قرأ:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39].

(2)

صحيح: أخرجه مالك "1/ 214"، ومن طريقه أخرجه أحمد "2/ 487"، والبخاري "1145" و"7494"، ومسلم "758"، وأبو داود "1315"، وابن خزيمة في "التوحيد""ص 127" وابن أبي عاصم في "السنة""492"، وأبو القاسم اللالكائي في "شرح السنة""3/ 435 و 436" والبيهقي "3/ 2" في السنن، وفي "الأسماء والصفات""ص 449" عن ابن شهاب، عن أبي عبد الله الأعز، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ينزلُ ربُّنا -جل وعلا- كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني أغفر له".

ص: 251

قال معاوية بن صالح الأشعري: سألت أحمد بن حنبل عن شريك، فقال: كان عاقلا، صدوقًا، محدثًا، وكان شديدًا على أهل الريب والبدع، قديم السماع من أبي إسحاق قبل زهير، وقبل إسرائيل. فقلت له: إسرائيل أثبت منه? قال: نعم. قلت له: يحتج به? قال: لا تسألني عن رأيي في هذا. قلت: فإسرائيل يحتج به? قال: إي لعمري. قال: وَوُلد شريك سنة خمس وتسعين. قلت له: كيف كان مذهبه في علي وعثمان رضي الله عنهما? قال: لا أدري.

قال حفص بن غياث؛ من طريق علي بن خَشْرَم، عنه: سمعت شريكًا يقول: قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخار المسلمون أبا بكر، فلو علموا أن فيهم أحدا أفضل منه كانوا قد غشونا، ثم استخلف أبو بكر عمر، فقام بما قام به من الحق والعدل، فلما حضرته الوفاة، جعل الأمر شورى بين ستة، فاجتمعوا على عثمان، فلو علموا أن فيهم أفضل منه كانوا قد غشونا.

قال علي بن خَشْرم: فأخبرني بعض أصحابنا من أهل الحديث: أنه عرض هذا على عبد الله بن إدريس، فقال ابن إدريس: أنت سمعت هذا من حفص? قلت: نعم. قال: الحمد لله الذي أنطق بهذا لسانه، فوالله إنه لشيعي، وإن شريكًا لشيعي.

قلت: هذا التشيع الذي لا محذور فيه -إن شاء الله- إلا من قبيل الكلام فيمن حارب عليًّا رضي الله عنه من الصحابة، فإنه قبيح يؤذي فاعله، ولا نذكر أحدًا من الصحابة إلا بخير، ونترضى عنهم، ونقول: هم طائفة من المؤمنين بغت على الإمام علي وذلك بنص قول المصطفى -صلوات الله عليه- لعمار: "تقتلك الفئة الباغية"

(1)

. فنسأل الله أن يرضى عن الجميع، وألا يجعلنا ممن في قلبه غل للمؤمنين. ولا نرتاب أن عليًّا أفضل ممن حاربه، وأنه أولى بالحق رضي الله عنه.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "2915""70"، وأحمد "5/ 306 و 306 - 307" من حديث أبي سعيد الخدري قال: أخبرني من هو خير مني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار حين جعل يحفر الخندق، وجعل يمسح رأسه ويقول:"بؤس ابن سمية، تقتلك فئة باغية". وأخرجه أحمد "3/ 90 - 91"، والبخاري "447 و 2812" من طريق خالد الحذاء، عن عكرمة قال لي ابن عباس ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه فانطلقنا، فإذا هو في حائط يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى، ثم أنشأ يحدثنا، حتى أتى على ذكر بناء المسجد فقال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول:"ويح عمار، تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار". قال يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن. وأخرجه أحمد "3/ 5"، والطيالسي "2168" من طريق داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد. وأخرجه أحمد "3/ 28"، وابن سعد "3/ 252" من طريق شعبة، عن عمرو بن دينار، عن هشام عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ:"ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار".

ص: 252

العُقَيلي: حدثنا محمد بن عثمان، حدثنا الحسن، سمعت أبا نعيم يقول: شهد ابن إدريس شهادة عند شريك -أو تقدم إليه في شيء- فأمر به شريك، فأقيم ودفع في قفاه -أو وجيء في قفاه- وقال شريك: من أهل بيت حمق ما علمتُ.

قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: قد كتبت عن يحيى بن سعيد، عن شريك على غير وجه الحديث -يعني: في المذاكرة.

قال عبد الله: سمعت أبي يقول: كان شريك لا يبالي كيف حدث، حسن بن صالح أثبت منه في الحديث.

قال خليفة بن خياط: شريك بن عبد الله بن أبي شريك، وهو الحارث بن أوس بن الحارث بن الأذهل بن وَهْبيل بن سعد بن مالك بن النَّخَع، يكنى: أبا عبد الله. مات سنة سبع، أو ثمان وسبعين ومائة.

وقال أبو نعيم الفضل، وغيره: مات سنة سبع وسبعين ومائة.

قلت: مات بالكوفة، في أول شهر ذي القعدة، سنة سبع. عاش: اثنتين وثمانين سنةً.

قرأت على عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر سنة ثمان عشرة وستمائة، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد بن البسري، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سويد بن سعيد الحدثاني، حدثنا شريك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن أبيه، قال: رأيت عند النبي صلى الله عليه وسلم دباءً، فقلت: ما هذا? قال: "هذا الدباء نكثِّر به طعامنا"

(1)

. هذا حديث صالح الإسناد.

وبه، أخبرنا المخلص أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا محمد بن سليمان بن حبيب لُوَين، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء، في قوله عز وجل:{وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14]، قال: أهل الجنة يأكلون منها قيامًا، وقعودًا، ومضطجعين، وعلى أي حال شاءوا.

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا هبة الله بن أبي شريك، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، حدثنا عيسى بن علي إملاء، حدثنا أبو القاسم عبد الله

(1)

صحيح: وهذا إسناد ضعيف، فيه شريك بن عبد الله النخعي، وهو سيئ الحفظ وأخرجه ابن ماجه "3304" من طريق وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، به.

ص: 253

ابن محمد، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "علي مني، وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو هو"

(1)

. هذا حديث حسن، غريب. رواه ابن ماجه في "سننه"، عن سويد، فوافقناه بعلو.

أخبرنا الشيخ تاج الدين محمد بن عبد السلام مدرس الشامية، وزينب بنت كندي سماعًا، عن زينب بنت عبد الرحمن بن حسن الشعرية، أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم القارئ سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، أخبرنا أبو سهل بشر بن أحمد، أخبرنا داود بن الحسين، حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على شريك، عن محمد بن قيس، عن رجل، يكنى: أبا موسى، قال: رأيت عليًّا رضي الله عنه سجد سجدة الشكر حين وجد المُخْدَجَ، وقال: والله ما كَذَبْتَ، ولا كُذِبْتَ.

قال أبو داود: شريك ثقة، يخطئ على الأعمش.

وقال صالح جَزَرة: قل ما يُحتَاجُ إلى شريك في الأحاديث التي يحتج بها، ولما ولي القضاء، اضطرب حفظه.

قال يعقوب بن شيبة: دعا المنصور شريكًا، فقال: إني أريد أن أوليك القضاء. فقال: أعفني يا أمير المؤمنين. قال: لست أعفيك. قال: فأنصرف يومي هذا، وأعود، فيرى أمير المؤمنين رأيه. قال: تريد أن تتغيب؟ ولئن فعلت، لأقدِمَنَّ على خمسين من قومك بما تكره. فولاه القضاء. فبقي إلى أيام المهدي، فأقره المهدي، ثم عزله. قال: وكان شريك ثقة، مأمونًا، كثير الحديث، أنكر عليه الغلط والخطأ.

قال عيسى بن يونس: من يفلت من الخطأ? ربما رأيت شريكًا يخطئ، ويصحف حتى أستحيي.

(1)

ضعيف: أخرجه ابن ماجه "119"، والترمذي "3719"، وأحمد "4/ 165" من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جُنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره.

قلت: إسناده ضعيف، لضعف شريك، وهو ابن عبد الله النخعي، فإنه سيئ الحفظ، العلة الثانية: هو أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله، مدلس، مشهور بالتدليس، وقد عنعنه، وأخرجه أحمد "4/ 164" من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة، به.

قلت: قد انتفت علة شريك بمتابعة إسرائيل له، إلا أنه تبقى علة أبي إسحاق ماثلة أمام الأعين ليضعف بها الإسناد؛ لكن لشطره الأول:"علي منى وأنا منه" شاهد صحيح فقد ورد عن البراء بن عازب مرفوعا بلفظ: "أنت مني وأنا منك" وهو عند البخاري "2699" و"4251"، والدارمي "2/ 237 و 238"، وأحمد "4/ 298".

ص: 254

يعقوب السَّدوسي: حدثنا سليمان بن منصور، حدثنا إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، قال: قلت لمحمد بن الحسن: أما ترى كثرة قول الناس في شريك? -يعني: في حمده- مع كثرة خطئه وخطله. قال: اسكت ويحك! أهل الكوفة كلهم معه، يتعصب للعرب، فهم معه، ويتشيع لهؤلاء الموالي الحمقى، فهم معه.

قال عيسى بن يونس: ما رأيت في أصحابنا أشد تقشفًا من شريك، ربما رأيته يأخذ شاته، يذهب بها إلى الناس، وربما حزرت ثوبيه قبل القضاء بعشرة دراهم، وربما دخلت بيته، فإذا ليس فيه إلا شاة يحلبها، ومطهرة، وبارية

(1)

، وجرة، فربما بلَّ الخبز في المطهرة، فيلقي إليَّ كتبه، فيقول: اكتب حديث جدك ومن أردت.

وقال يعقوب السدوسي: وحدثني الهيثم بن خالد، قال: حدث شريك يومًا بحديث: "وُضعتُ في كفة". فقال رجل لشريك: فأين كان علي عليه السلام? قال: مع الناس في الكفة الأخرى.

قال أحمد بن عبد الله العجلي: سمعت بعض الكوفيين يقول: قال شريك: قدم علينا سالم الأفطس، فأتيته ومعي قرطاس فيه مائة حديث، فسألته، فحدثني بها، وسفيان يسمع، فلما فرغ قال لي سفيان: أرني قرطاسك. فأعطيته، فخرَّقَه. قال: فرجعت إلى منزلي، فاستلقيت على قفاي، فحفظت منها سبعة وتسعين حديثًا، وحفظها سفيان كلَّها.

قال الحافظ ابن عدي: حدثنا أبو العلاء محمد بن أحمد بمصر، حدثنا محمد بن الصباح الدولابي، حدثنا نصر بن المُجَدَّر، قال: كنت شاهدًا حين أدخل شريك، ومعه أبو أمية، وكان أبو أمية رفع إلى المهدي: أن شريكًا حدثه عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإذا زاغوا عن الحق، فضعوا سيوفكم على عواتقكم، ثم أبيدوا خضراءهم"

(2)

.

(1)

البارية: حصير، فارسية معربة.

(2)

ضعيف: فيه علتان: الأولى: ضعف شريك بن عبد الله النَّخَعي لسوء حفظه. وأما العلة الثانية: الانقطاع بين سالم بن أبي الجعد، وثوبان. والحديث رواه أحمد "5/ 277" وأبو سعيد الأعرابي في "معجمه""125/ 2"، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان""1/ 124"، والطبراني في "المعجم الصغير""193"، والخطيب في "تاريخ بغداد""12/ 147"، والخطابي في "الغريب""71/ 1" من طريق سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان مرفوعا.

قلت: وإسناده ضعيف كما بينا لانقطاعه بين سالم وثوبان.

ص: 255

قال المهدي: أنت حدثت بهذا? قال: لا. فقال أبو أمية: عليَّ المشي إلى بيت الله، وكل مالي صدقة، إن لم يكن حدثني. فقال شريك: وعليَّ مثل الذي عليه إن كنت حدثته. فكأن المهدي رضي. فقال أبو أمية: يا أمير المؤمنين! عندك أدهى العرب، إنما يعني مثل الذي علي من الثياب، قل له يحلف كما حلفت. فقال: احلف. فقال شريك: قد حدثته. فقال المهدي: ويلي على شارب الخمر -يعني: الأعمش، وذلك أنه كان يشرب المُنَصَّفَ

(1)

- لو علمت موضع قبره، لأحرقته.

قال شريك: لم يكن يهوديًّا، كان رجلا صالحًا. قال: بل زنديق. قال: للزنديق علامات: بتركه الجمعات، وجلوسه مع القيان، وشربه الخمر. فقال: والله لأقتلنك. قال: ابتلاك الله بمهجتي. قال: أخرجوه. فأخْرِجَ، وجعل الحرس يُشَقِّقون ثيابه، وخرقوا قلنسوته. قال نصر: فقلت لهم: أبو عبد الله. فقال المهدي: دعهم.

أحمد بن عثمان بن حكيم: أخبرنا أبي، قال: كان شريك لا يجلس للحكم حتى يتغدى ويشرب أربعة أرطال نبيذ، ثم يصلي ركعتين، ثم يخرج رقعة، فينظر فيها، ثم يدعو بالخصوم. فقيل لابنه عن الرقعة، فأخرجها إلينا، فإذا فيها: يا شريك! اذكر الصراط وحدته، يا شريك! اذكر الموقف بين يدي الله -تعالى.

روى محمد بن يحيى القطان، عن أبيه، قال: رأيت تخليطًا في أصول شريك.

وقال أبو يعلى: سمعت ابن معين يقول: شريك ثقة، إلا أنه يغلط، ولا في يتقن، ويذهب بنفسه على سفيان، وشعبة.

وقال الدارقطني: ليس شريك بقوي فيما ينفرد به.

(1)

المنصَّف: هو الشراب الذي يطبخ حتى يذهب نصفه.

ص: 256

‌1208 - غَسَّان

(1)

: " ق"

ابن بُرْزِين أبو المقدام الطُّهوي، البصري.

وثقه ابن معين، وغيره.

يروي عن: ثابت البناني، وسيار بن سلامة، وجماعة.

روى عنه: حجاج بن منهال، وعفان، ومسلم، وعبد الواحد بن غياث، ومسدد، وآخرون.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 474"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 286"، والكاشف "2/ ترجمة 4493"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6658"، وتهذيب التهذيب "8/ 246"، وتقريب التهذيب "2/ 105"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5673".

ص: 256

‌1209 - أبو عَوانة

(1)

: " ع"

هو الإمام، الحافظ، الثبت، محدث البصرة، الوضاح بن عبد الله، مولى يزيد بن عطاء اليشكري، الواسطي، البزاز.

كان الوضاح من سبي جُرْجَان. مولده: سنة نيف وتسعين.

رأى الحسن، ومحمد بن سيرين.

وروى عن: الحكم بن عُتَيبة، وزياد بن عِلاقة، وقتادة، وسِماك بن حرب، والأسود بن قيس، وإسماعيل السدي، وعمرو بن دينار، وعاصم بن كليب، وأبي الزبير، وحُصين بن عبد الرحمن، ويعلى بن عطاء، ومنصور بن المعتمر، وعمر بن أبي سلمة، وأبي إسحاق، ومغيرة بن مِقْسَم، ومنصور بن زاذان العابد، وأبي بشر جعفر بن إياس، وعمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي مالك الأشجعي، وإبراهيم بن مهاجر، وسعيد بن مسروق الثوري، ويزيد بن أبي زياد، وعاصم الأحول، وعبد الملك بن عمير، وسعد بن إبراهيم الزهري، وداود الأودي، وعده. وكان من أركان الحديث.

روى عنه: هشام بن أبي عبد الله الدَّسْتوائي -مع تقدمه- وابن المبارك، وابن مهدي، وحبان بن هلال، وعفان بن مسلم، وخلف بن هشام، وسعيد بن منصور، ومحمد بن أبي بكر المقدَّم، وشيبان بن فَرُّوخ، وقتيبة بن سعيد، وأبو الوليد الطيالسي، ويحيى بن يحيى، ويحيى بن عبد الحميد، وعمرو بن عون، ومحمد بن المنهال الضرير، وأحمد بن عبد الملك الحراني، وخلق كثير.

وأكثر عنه: ختنه؛ يحيى بن حماد، وأبو كامل الجَحْدري، وأبو الربيع الزهراني، ومحمد بن عبيد بن حِسَاب، ومسدد، ولُوَين، والهيثم بن سهل، خاتمتهم.

قال عفان: أبو عَوانة أصح حديثًا عندنا من شعبة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 287"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2628"، والكنى للدولابي "2/ 47"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 173"، وتاريخ بغداد "13/ 460"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 223"، والكاشف "3/ ترجمة رقم 6157"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9350"، وتهذيب التهذيب "11/ 116"، وتقريب التهذيب "2/ 331"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 287".

ص: 257

وقال أحمد بن حنبل: هو صحيح، الكتاب وإذا حدث من حفظه، ربما يهم.

وقال عفان بن مسلم: كان أبو عوانة صحيح الكتاب، ثبتًا، كثير العَجْمِ، والنقط.

وقال يحيى بن سعيد القطان: ما أشبه حديثه بحديث سفيان، وشعبة.

وقال عفان: سمعت شعبة يقول: إن حدثكم أبو عوانة عن أبي هريرة، فصدقوه.

قال الحافظ بن عدي: كان مولاه يزيد قد خيره بين الحرية، وكتابة الحديث، فاختار كتابة الحديث. وفوض إليه مولاه التجارة، فجاءه سائل، فقال: أعطني درهمين، فإني أنفعك. فأعطاه، فدار السائل على رؤساء البصرة، وقال: بكروا على يزيد بن عطاء، فإنه قد أعتق أبا عوانة. قال: فاجتمعوا إلى يزيد، وهنئوه، فأنف من أن ينكر ذلك، فأعتقه حقيقة.

وروى أبو عمر الضرير، عن أبي عوانة، قال: دخلت على همام بن يحيى، وهو مريض أعوده، فقال لي: يا أبا عَوانة! ادع الله أن لا يميتني حتى يبلغ ولدي الصغار. فقلت: إن الأجل قد فرغ منه. فقال لي: أنت بعد في ضلالك.

قلت: بئس المقال هذا، بل كل شيء بقدر سابق، ولكن وإن كان الأجل قد فرغ منه، فإن الدعاء بطول البقاء قد صح. دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لخادمه أنس بطول العمر

(1)

، والله يمحو ما يشاء ويثبت. فقد يكون طول العمر في علم الله مشروطًا بدعاء مجاب، كما أن طيران العمر قد يكون بأسباب جعلها من حور وعسف، و"لا يرد القضاء إلا الدعاء"

(2)

، والكتاب الأول فلا يتغير.

(1)

حسن: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""7/ 19"، قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة قال: قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ذهبت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! خويدمك ادع الله له، قال:"اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره، واغفر ذنبه". قال أنس: فقد دفنت من صلبي مائة غير اثنين، أو قال مائة واثنين، وإن ثمرتي لتحمل في السنة مرتين، ولقد بقيت حتى سئمت الحياة وأنا أرجو الرابعة".

قلت: إسناده حسن، سنان بن ربيعة، صدوق. وقد ورد عن أنس بن مالك أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنس خادمك، ادع الله له، قال:"اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته". أخرجه البخاري "6378" و"6379"، ومسلم "2480"، والترمذي "3829"، والبغوي "3990" من طريق بُندار، حدثنا محمد، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك، بن أم سليم، به.

(2)

حسن لغيره: ورد عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" أخرجه ابن أبي شيبة "10/ 441، 442"، وأحمد "5/ 277 و 280 و 282"، وابن ماجه "90" و"4022"، وابن المبارك في "الزهد" =

ص: 258

قال محمد بن غالب تمتام: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو عوانة يقرأ، ولا يكتب.

وروى عباس الدوري، عن يحيى، قال: كان أبو عوانة أميًّا، يستعين بمن يكتب له.

قال حجاج الأعور: قال لي شعبة: الزم أبا عوانة.

وقال جعفر بن أبي عثمان: سئل يحيى بن معين: من لأهل البصرة مثل زائدة? -يعني: في الكوفة. فقال: أبو عوانة. قال: وزهير كوهيب.

قال عبد الرحمن بن مهدي: أبو عوانة، وهشام الدستوائي كسعيد بن أبي عروبة، وهمام.

وقال يحيى بن القطان: أبو عوانة من كتابه أحب إلي من شعبة من حفظه.

وروى حنبل عن ابن المديني، قال: كان أبو عوانة في قتادة ضعيفًا، ذهب كتابه، وكان يتحفظ من سعيد، وقد أغرب فيها أحاديث.

قال يعقوب السدوسي: الحافظ أبو عوانة هو أثبتهم في مغيرة، وهو في قتادة ليس بذاك.

وقال عبيد الله بن موسى العبسي: قال شعبة لأبي عوانة: كتابك صالح، وحفظك لا يسوي شيئًا، مع من طلبت الحديث? قال: مع منذر الصيرفي. قال: منذر صنع بك هذا.

قلت: استقر الحال على أن أبا عوانة ثقة. وما قلنا إنه كحماد بن زيد، بل هو أحب إليهم من إسرائيل، وحماد بن سلمة، وهو أوثق من فليح بن سليمان، وله أوهام تجانب إخراجها الشيخان.

= "86"، والطبراني في "الكبير""1442"، والبغوي في "شرح السنة""3418"، والقضاعي في "مسند الشهاب""831"، والحاكم "1/ 493" من طرق عن سفيان، عن عبد الله بن عيسى، عن عبد الله بن أبي الجعد، عن ثوبان، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته عبد الله بن أبي الجعد الأشجعي، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة.

وللحديث شاهد عن سلمان مرفوعا بلفظ: "لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر". أخرجه الترمذي "2139"، والطبراني في "الكبير""6128"، وفي "الدعاء""30"، والقضاعي في "مسند الشهاب""833" من طرق عن يحيى بن الضريس، قال: حدثنا أبو مودود وهو عبد العزيز بن أبي سليمان مولى هُذيل عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو مودود، عبد العزيز بن أبي سليمان الهذلي المدني، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة- فالحديث حسن بمجموع طريقي ثوبان وسلمان. والله تعالى أعلم.

ص: 259

مات في ربيع الأول، سنة ست وسبعين ومائة، بالبصرة.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا محمد بن عمر، ومحمد بن علي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل الزهري، حدثنا جعفر الفريابي، حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس، عن أبي موسى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب

"

(1)

، وذكر الحديث. وقد سقته في أخبار قتادة.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران بنابلس، ويوسف بن أحمد بن غالية بدمشق، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن البُسري، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا العباس بن الوليد النرسي، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزالون تسألون حتى يقال لكم: هذا الله خلقنا، فمن خلق الله"؟. قال أبو هريرة: إني لجالس يومًا، إذ قال لي رجل: هذا الله خلقنا فمن خلق الله? فجعلت أصبعي في أذني، ثم صرخت: صدق الله ورسوله: الله الواحد الأحد، الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد

(2)

. هذا حديث حسن، غريب.

(1)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق "20933"، والطيالسي "494"، وابن أبي شيبة "10/ 529 - 530"، وأحمد "4/ 403 - 404 و 408"، والبخاري "5020" و"5059" و"5427" و"7560"، ومسلم "797"، وأبو داود "4830"، والترمذي "2865"، والنسائي "8/ 124 - 125"، وفي "فضائل القرآن""106" و"107"، وابن ماجه "214"، والدارمي "2/ 442 - 443"، والبغوي في "شرح السنة""1175"، والرامهرمزي في "الأمثال""87" من طرق عن قتادة، عن أنس، عن أبي موسى مرفوعا وتمامه:"مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن، كمثل الحنظلة، طعمها مر، ولا ريح لها".

(2)

صحيح: أخرجه أبو داود "4722" من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال الناس يتساءلون

" الحديث. وإسناده حسن، محمد بن إسحاق، صدوق، وقد صرح بالتحديث فأمنا شر تدليسه، وأصل الحديث عند البخاري "3276"، ومسلم "135"، وأبو داود "4721"، من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "لا يزال الناس يسألونكم عن العلم حتى يقولوا: هذا الله خلقنا، فمن خلق الله". واللفظ لمسلم، ووقع عند البخاري بلفظ: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته"، وورد عند البخاري "7296" من حديث أنس بن مالك مرفوعا. بلفظ: "لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء، فمن خلق الله"؟.

ص: 260

‌1210 - وُهَيب

(1)

: " ع"

ابن خالد بن عَجلان، الحافظ الكبير، المجوِّد، أبو بكر البصري، الكرابيسي، الباهلي مولاهم. هو صغير عن هذه الطبقة، وإنما أدرجناه معهم، لأنه قديم الوفاة. مات قبل حماد بن سلمة.

حدث عن: منصور بن المعتمر، وأيوب السختياني، وأبي حازم، وحميد الطويل، وعبد العزيز بن صهيب، ومنصور بن صفية، وموسى بن عقبة، وسهيل بن أبي صالح، وخثيم بن عراك، وعبد الله بن طاوس، وهشام بن عروة، وسليمان التيمي، ويونس بن عبيد، وخالد الحذَّاء، وخلق من طبقتهم.

حدث عنه: ابن المبارك، وإسماعيل بن عُلَيَّة، وابن مهدي، وعفان بن مسلم، وسليمان بن حرب، وعبد الأعلى بن حماد، ومُعلَّى بن أسد، وأبو الوليد، وعبد الواحد بن غياث، وإبراهيم بن الحجاج، وعبيد الله العيشي، وأبو سلمة التَّبُوذَكي، وعارم ومسلم بن إبراهيم، وهدبة بن خالد، وطائفة.

قال عبد الرحمن بن مهدي: كان من أبصر أصحابه بالحديث والرجال.

وقال أبو حاتم الرازي: يقال: إنه لم يكن بعد شعبة أحد أعلم بالرجال منه.

قال محمد بن سعد: سُجِنَ وهيب، فذهب بصره. قال: وكان ثقةً؛ حجة، يملي من حفظه، وكان أحفظ من أبي عَوانَة.

روى البخاري، عن أحمد بن أبي رجاء الهروي: أن وهيبًا توفي سنة خمس وستين ومائة. وقال أحمد بن حنبل: عاش ثمانيًا وخمسين سنة.

قال أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا موسى بن إسماعيل، قلت لحماد بن سلمة: إن وهيب بن خالد يزعم أن علي بن زيد كان لا يحفظ الحديث، فقال: وكان وهيب يقدر أن يجالس عليًّا? إنما كان يجالس عليًّا وجوه الناس.

قلت: ما هذا جوابًا، وصدق وهيب.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 287"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2613"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 130 - 132 و 182"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 158"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 222"، والكاشف "2/ ترجمة 6227"، والعبر "1/ 246"، تهذيب التهذيب "11/ 169"، وتقريب التهذيب "2/ 339"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 261".

ص: 261

قال يحيى القطان: يزيد بن زريع، وابن علية أثبت من وهيب.

وقال أحمد بن حنبل: كان عبد الرحمن يختار وهيبًا على إسماعيل في كل شيء.

قال أبو العباس السَّرَّاج: أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: كانوا يقولون: الحفاظ أربعة: ابن علية، وعبد الوارث، ووهيب، ويزيد بن زريع. وكانوا يؤدون اللفظ.

لم يقع لي حديث وهيب عاليًا إلا بإجازة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، وزينب بنت كندي، قالا: أنبأنا عبد المعز بن محمد الساعدي، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعد الكَنْجَروذي سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أبي جعفر، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، أخبرنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا وهيب، وعن إسماعيل بن أمية، ويحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر، قال: رقيت فوق بيت حفصة، فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم جالس على مقعدته، مستقبل القبلة، مستدبر الشام

(1)

.

وأخبرنا ابن هبة الله، عن أبي روح، أخبرنا تميم بن أبي سعيد، أخبرنا الكنجروذي بهذا.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو يعلى إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني، أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، أخبرنا محمد بن أيوب البجلي الرازي، حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا وهيب، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه: "أنبئوني بشجرة تشبه المسلم لا يتحات ورقها، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها". قال: فوقع في قلبي أنها النخلة، فسكت القوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هي النخلة". فقلت لأبي، فقال: لو كان قلتَ أحبُّ إلي من كذا وكذا. فقلت: كنت في القوم وأبو بكر فلم تقولا شيئًا، فكرهت أن أقول

(2)

.

(1)

صحيح: أخرجه مالك "1/ 193 - 194" ومن طريقه البخاري "145"، ومسلم "266"، وأبو داود "12" عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: إن ناسا يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس فقال عبد الله بن عمر: لقد ارتقيت يوما على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته. وقال: لعلك من الذين يصلون على أوراكهم، فقلت: لا أدري والله. قال مالك. يعني الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض يسجد وهو لاصق بالأرض.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "131"، ومسلم "2811" عن ابن عمر، به.

ص: 262

‌1211 - أبو شهاب

(1)

: " خ، م، د، س"

الحناط المحدث، اسمه: عبد ربه بن نافع الكوفي، ثم المدائني.

روى عن: العلاء بن المسيب، والأعمش، وسليمان بن شيباني، ويونس بن عبيد، ومحمد بن سوقة، وابن أبي ليلى، وعاصم الأحول، وخالد الحذَّاء، وابن أبي خالد، وعدة.

حدث عنه: سعيد بن منصور، وسَعْدويه

(2)

، وأحمد بن يونس، وخلف بن هشام، ومحمد بن جعفر الوركاني، وآخرون.

وثقه يحيى بن معين. وقال يحيى القطان: لم يكن بالحافظ. قال غيره: كان صادقًا، ذا ورع وفضل.

مات بالموصل، وقيل: ببلد

(3)

سنة اثنتين وسبعين ومائة. وقيل: مات في سنة إحدى. وهو أبو شهاب الأصغر.

أما أبو شهاب الحناط الأكبر، فهو: موسى بن نافع. يروي عن: مجاهد، وعن سعيد بن جبير، وعطاء.

وعنه: يحيى القطان، وأبو نعيم، وأبو الوليد.

وثقه ابن معين أيضًا، وغيره.

وقال أحمد: منكر الحديث.

وقال القطان: أفسدوه علينا.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 391"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1773"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 224 و 307" و"2/ 170 و 303 و 448"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 217"، تاريخ الخطيب "11/ 128"، والأنساب للسمعاني "4/ 238"، والكاشف "2/ ترجمة 3169"، ميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4800"، و"4/ ترجمة 10291"، وتهذيب التهذيب "6/ 128"، وتقريب التهذيب "1/ 471"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4013" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 280".

(2)

هو سعيد بن سليمان الضبي، أبو عثمان الواسطي، نزيل بغداد، البزار، لقبه سعدُويه، ثقة حافظ، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة.

(3)

بلد: مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل.

ص: 263

‌1212 - عَبْثَر بن القاسم

(1)

: " ع"

الإمام، الثقة، أبو زبيد الزبيدي، الكوفي.

روى عن: حُصين بن عبد الرحمن، ومغيرة، والعلاء بن المسيب، ومطرف بن طريف، وأشعث بن سوار، والأعمش.

وعنه: خلف البزار، وقتيبة، وهنَّاد، وأحمد بن إبراهيم الموصلي، وجمع آخرهم موتًا، أبو حصين عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس.

قال أبو داود: ثقة، ثقة.

قلت: توفي سنة ثمان وسبعين ومائة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا أبو روح الهروي، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محلم بن إسماعيل، أخبرنا الخليل بن أحمد بن أحمد، أخبرنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة، حدثنا عبثر بن القاسم، عن أشعث، عن محمد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام شهر، فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين"

(2)

. رواه الترمذي، عن قتيبة، وابن ماجه، عن الذهلي، عن قتيبة. قال الترمذي: الصحيح موقوف، ومحمد: هو ابن أبي ليلى، ويقال: ابن سيرين، وأشعث: هو ابن سوار.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 382"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 122 و 145"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 244"، وتاريخ بغداد "12/ 310"، والإكمال لابن ماكولا "4/ 170" و"6/ 101"، والكاشف "2/ ترجمة 2643"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 245"، والعبر "1/ 271"، وتهذيب التهذيب "5/ 136"، وتقريب التهذيب "1/ 400"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5622"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 288".

(2)

ضعيف: أخرجه الترمذي "718"، وابن ماجه "1757"، وفيه علتان: الأولى: أشعث، وهو ابن سوار، قال أبو زرعة: لين. وقال يحيى، والنسائي، والدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: فاحش الخطأ، كثير الوهم والعلة الثانية: محمد، وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ضعيف سيئ الحفظ جدا.

ص: 264

‌1213 - إسماعيل بن جعفر

(1)

: " ع"

ابن أبي كثير، الإمام، الحافظ، الثقة، أبو إسحاق الأنصاري مولاهم، المدني. ولد: سنة بضع ومائة.

وسمع من عبد الله بن دينار، وأبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن، والعلاء بن عبد الرحمن الحرقي، وحميد الطويل، وعمرو بن أبي عمرو، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهشام بن عروة، وطبقتهم.

وقرأ القرآن على: شيبة بن نصاح، ثم عرض على نافع الإمام، وسليمان بن مسلم بن جماز، وبرع في الأداء، وتصدر للحديث والإقراء، ومنهم من يكنيه: أبا إبراهيم، وكان مقرئ المدينة في زمانه.

وقيل: إنه أخذ عن أبي جعفر يزيد بن القَعْقَاع سماعًا، ثم إنه تحول في آخر عمره إلى بغداد، ونشر بها علمه.

فأخذ عنه القراءة: الإمام أبو الحسن الكسائي، وأبو عبيد وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو عمر الدُّوري، وآخرون.

وروى عنه: قتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، ومحمد بن سلام البِيكَنْدي، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وداود بن عمرو الضبي، ومحمد ابن الصَّبَّاح الدولابي، وعيسى بن سليمان الشيزري، وأبو همام الوليد بن شجاع، ومحمد بن زُنْبور، وخلق سواهم.

قال يحيى بن معين: ثقة، مأمون، قليل الخطأ، وهو وأخواه: محمد، وكثير يدينون. ورواه أحمد بن أبي خيثمة، عن يحيى. وقيل: هو آخر من روى عن شيبة.

وقد كان يؤدب ببغداد عليًّا ولد الخليفة المهدي، فعظمت حرمته لذلك.

وقع لنا نسخة عالية من حديثه.

أخبرنا علي بن أحمد العلوي بالثغر، أخبرنا محمد بن أحمد القَطيعي، أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي، وقرأت على عيسى بن يحيى عن أبي الحسن بن المعتز سماعًا، عن العباسي كتابة، أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن الشافعي، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن فراس، حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم الدَّيبُلي، حدثنا أبو صالح محمد بن الأزهر، حدثنا أبو إسماعيل بن جعفر، أخبرني عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع طعامًا، فلا يبعه حتى يقبضه". أخرجه مسلم

(2)

، عن غير واحد، عن إسماعيل. فوقع بدلا عاليًا.

قال علي بن المديني: إسماعيل ثقة.

قلت: توفي سنة ثمانين ومائة.

وفات أحمدَ بنَ حنبل، وابنَ معين، وابنَ عرفة السماعُ منه.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "2/ ترجمة 546"، وتاريخ بغداد "6/ 218"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 237"، والعبر "1/ 275 و 377 و 415"، وتهذيب التهذيب "1/ 287".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1527".

ص: 265

‌1214 - حَفْص بن ميسرة

(1)

: " خ، م، س، ق"

المحدث، الإمام، الثقة، أبو عمر الصنعاني، العقيلي، نزيل عسقلان.

يروي عن: زيد بن أسلم، وموسى بن عقبة، والعلاء بن عبد الرحمن، وهشام بن عروة، ومقاتل بن حيان.

حدث عنه: الثوري -وهو أكبر منه- وابن وهب، وآدم، وسعيد بن منصور، ومحمد بن أبي السري، والهيثم بن خارجة، وسويد بن سعيد.

وثقه ابن معين، وأحمد.

قال أبو زرعة: لا بأس به.

وقال أبو حاتم: محله الصدق.

وقيل: كان ناسكًا، ربانيًّا.

قال الفسوي: مات سنة إحدى وثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2800"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 172" و"2/ 299" و"3/ 376"، والكنى للدولابي "2/ 40"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة رقم "809"، والعبر "1/ 279"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 2164"، والكاشف "1/ ترجمة 1176"، وتهذيب التهذيب "2/ 419"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1531"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 295".

ص: 266

‌1215 - الوليد بن طَريف

(1)

:

الشيباني، وقيل: هو من بني تغلب، أحد أمراء العرب.

خرج بالجزيرة في ثلاثين نفسًا بسقي الفرات، فقتلوا تاجرًا نصرانيًّا، وأخذوا ماله، ثم عاث بدارا، ونهب، وكثر جيشه، فقصد ميافارقين، فَفَدَوا البلد منه بعشرين ألفًا، وصالحه

أهل خلاط على مال، وهزم عسكر الرشيد، واستفحل أمره، واستباح نَصيبين، فقتل بها خمسة آلاف، إلى أن حاربه يزيد بن مزيد، وظفر به، فقتله. ورثته أخته بأبيات مشهورة، واسمها الفارعة. ومن أبياتها:

فيا شجر الخابور ما لك مورقا

كأنك لم تحزن على ابن طريف

فتى لا يحب الزاد إلا من التقى

ولا المال إلا من قنا وسيوف

ولا الذخر إلا كل جرداء صلدم

معاودة للكر بين صفوف

حليف الندى عاش يرضى به الندى

فإن مات لم يرض الندى بحليف

فقدناك فقدان الشباب وليتنا

فديناك من فتياننا بألوف

ألا يا لقومي للحمام وللبلى

وللأرض همت بعده برجوف

ألا يا لقومي للنوائب والردى

ودهر ملح بالكرام عنيف

فإن يك أرداه يزيد بن مزيد

فرب زحوف لفها بزحوف

عليه سلام الله وقفًا فإنني

أرى الموت وقاعًا بكل شريف

قتل في سنة تسع وسبعين ومائة.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ 771"، والعبر "1/ 272"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 95"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 288".

ص: 267

‌1216 - يزيد بن حاتم

(1)

:

ابن قبيصة بن المُهَلَّب بن أبي صُفْرة، الأزدي، البصري، الأمير.

ولي إمرة مصر سنة أربع وأربعين ومائة، فدام سبع سنين، ثم ولي المغرب مدة للمهدي، والهادي، والرشيد، ومهد إفريقية، وذلل البربر، وكان بطلا، شجاعًا، مهيبًا، شديد البأس، كما قيل فيه:

وإذا الفوارس عددت أبطالها

عدوك في أبطالهم بالخنضر

وعن صفوان بن صفوان أنه قال بديهًا في يزيد:

لم أدر ما الجود إلا ما سمعت به

حتى لقيت يزيدًا عصمة الناس

لقيت أكرم من يمشي على قدم

مفضلا برداء الجود والباس

لو نيل بالمجد ملك كنت صاحبه

وكنت أولى به من آل عباس

وفيه يقول ربيعة بن ثابت:

لشتان ما بين اليزيدين في الندى

يزيد سليم والأغر ابن حاتم

فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله

وهم الفتى القيسي جمع الدراهم

ولا يحسب التمتام أني هجوته

ولكنني فضلت أهل المكارم

مات يزيد بن حاتم: بالمغرب، في رمضان، سنة سبعين ومائة، واستخلف ولده داود على المغرب.

(1)

ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 142"، وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 819"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 1"، خزانة الأدب للبغدادي "3/ 51".

ص: 267

‌1217 - أخوه الأمير رَوح بن حاتم

(1)

:

ولي المغرب أيضًا، ثم قدم، فولي الكوفة والبصرة، وكان أحد الأبطال كأخيه، وولي السند أيضًا.

توفي: سنة أربع وسبعين ومائة. وله أخبار ومآثر في الكرم.

(1)

ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 125"، وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 239"، والعبر "1/ 266"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 275".

ص: 268

‌1218 - أيوب بن جابر

(1)

: " د، ت"

السُّحَيمي، اليمامي، الفقيه، المحدث، أبو سليمان.

أخذ عن الكوفيين: آدم بن علي، وحماد الفقيه، وسِماك بن حرب، وجماعة.

حدث عنه: خالد بن مرداس، وسعيد بن يعقوب الطَّالْقاني، وقتيبة بن سعيد، ولُوَين، وعلي بن حُجر، وآخرون. وهو سيئ الحفظ.

قال أحمد بن حنبل: حديثه يشبه حديث أهل الصدق.

وقال الفلاس: صالح.

وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيف.

قال ابن حبان هو أيوب بن جابر بن سيار بن طلق الحنفي، يروي عن: بلال بن المنذر، وعبد الله بن عُصم، يخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به؛ لكثرة وهمه.

قلت بقِيَ إلى نحو الثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1309"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 260"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 862"، تهذيب التهذيب "1/ 399"، تقريب التهذيب "1/ 89".

ص: 268

‌1219 - أيوب بن عُتْبة

(1)

: " ق"

الفقيه، قاضي اليمامة، أبو يحيى.

حدث عن: عطاء بن أبي رباح، وقيس بن طَلْق، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وإياس بن سلمة، ويحيى بن أبي كثير.

وعنه: الأسود شاذان، وحجاج بن محمد، وأحمد بن يونس، وسعدويه، وعاصم بن علي، وآدم بن أبي إياس، ومحمود بن محمد الظفري شيخ ابن صاعد، وآخرون.

قال يحيى بن معين: ضعيف.

وقال البخاري وغيره: لين الحديث.

وقال بعضهم: هو مكثر عن يحيى بن أبي كثير، وكتابه عنه صحيح.

وروى عباس، عن يحيى قال: ليس بالقوي.

وقال أبو حاتم: فيه لين، حدث من حفظه، فغلط.

وقال ابن حبان: يخطئ كثيرًا، فمن ذلك:

عن عطاء عن ابن عباس، قال: جاء حبشي، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فضلتم علينا بالألوان، والصور، والنبوة، أفرأيت إن آمنت وعملت بما عملت إني لكائن معك في الجنة? قال: "نعم، إنه ليرى بياض الأسود من مسيرة ألف سنة

"، وذكر الحديث

(2)

. رواه عنه: عفيف بن سالم. قال ابن حبان: باطل.

قال أبو داود: كان أيوب بن عتبة صحيح الكتاب.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1347"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 171"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 907"، والمجروحين لابن حبان "1/ 169 - 170"، ميزان الاعتدال "1/ ترجمة 1090"، تهذيب التهذيب "1/ 408"، وتقريب التهذيب "1/ ترجمة 703".

(2)

ذكره ابن حبان في "المجروحين""1/ 169 - 170".

ص: 269

وقال أبو حاتم: أما كتبه فصحيحة.

وقال النسائي: مضطرب الحديث.

قلت: وله عن قيس بن طلق، عن أبيه، مرفوعًا:"لا تمنع المرأة نفسها، ولو على قتب"

(1)

.

قيل: مات في سنة سبعين ومائة.

(1)

صحيح لغيره: أخرجه ابن عدي في "الكامل""1/ 352" من طريق سعيد بن سليمان، عن أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق بن علي، عن أبيه، به مرفوعا.

قلت: إسناده ضعيف، آفته أيوب بن عتبة، فإنه ضعيف كما ذكر المؤلف، وأخرجه البزار في "مسنده": حدثنا محمد بن ثعلبة بن محمد بن سواء، حدثنا محمد بن سواء، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن القاسم الشيباني، عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دعا الرجل امرأته فلتجب، وإن كانت على هر قتب".

قلت: إسناده حسن، محمد بن ثعلبة، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب"، وقد تابعه بشر بن عبد الملك، أخبرنا محمد بن سواء، به بلفظ:"لا تمنع المرأة زوجها نفسها، وإن كانت على قتب". أخرجه الطبراني في "الأوسط" عن محمد بن يزيد الأسفاطي، حدثنا أبو يزيد الكوفي بشر بن عبد الملك، أخبرنا محمد بن سواء، به. فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق والله أعلم.

ص: 270

‌1220 - محمد بن جابر

(1)

: " د، ق"

ابن سيار السحيمي، اليمامي، أخو أيوب.

حدث عن: حبيب بن أبي ثابت، ويحيى بن أبي كثير، وقيس بن طلق، وعدة.

وعنه: أيوب السختياني، وابن عون -وهما من شيوخه- ومُسَدَّد، ولُوَين، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وآخرون.

ضعفه يحيى، والنسائي.

وقال البخاري: ليس بالقوي.

وقال أبو حاتم: ساء حفظه، وذهبت كتبه.

قلت: ما هو بحجة، وله مناكير عدة كابن لهيعة.

توفي سنة بضع وسبعين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 111"، والكنى للدولابي "2/ 59"، والضعفاء الكبير "4/ ترجمة 1589"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 121" و"3/ 260"، الجرح والتعديل "7/ 219"، والمجروحين لابن حبان "2/ 270"، وابن عدي في "الكامل""6/ ترجمة رقم 1646"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7301"، وتهذيب التهذيب "9/ 89"، وتقريب التهذيب "2/ 150"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6104".

ص: 270

‌1221 - جعفر بن سليمان

(1)

:

ابن علي بن حبر الأمة عبد الله بن عباس، الأمير، سيد بني هاشم، أبو القاسم العباسي، ابن عم المنصور.

روى عن أبيه.

وعنه: ابناه؛ قاسم ويعقوب، وعمر بن عامر، والأصمعي.

وكان من نبلاء الملوك جودًا وبذلا، وشجاعة وعلمًا، وجلالة، وسؤددًا، ولي المدينة، ثم مكة معها، ثم عزل، فولي البصرة للرشيد.

قال عبد السميع بن علي: لا نعرف في بني هاشم أغبط منه، حصل له الشرف والإمرة والمال الجم، والأولاد الزُّهْر، والعبيد.

مات عن ثمانين ولدًا لصلبه، منهم ثلاث وأربعون ذكرًا.

وولي ابنه أيوب اليمن في حياته.

وله مآثر كثيرة ووقف على المنقطعين.

قال الأصمعي: ما رأيت أكرم أخلاقًا، ولا أشرف أفعالًا منه.

وفيه يقول حبيب بن شوذب:

يا أيها السائل عن هاشم

هل لك في سيدها جعفر

هل لك في أشبههم غرة

إذا بدا بالقمر الأزهر

ولي المدينة سنة ست وأربعين ومائة، بعد عبد الله بن الربيع الحارثي.

وقال الأصمعي: ركب جعفر بن سليمان في زي عجيب من التجمل، وكان بالبصرة فقيه صالح غلب على عقله، فخرج إلى طريق جعفر، فقال له: يا جعفر! انظر أي رجل تكون إذا خرجت من قبرك، وحملت على الصراط، وهذا الجمع والزي لا يساوي غدًا حبة، ولا

(1)

ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 131"، وعيون الأخبار لابن قتيبة "1/ 222" و"2/ 253" و"3/ 24 و 199".

ص: 271

يغنون عنك من الله شيئًا، إنك تموت وحدك، وتدخل قبرك وحدك، وتقف بين يدي الله وحدك، وتحاسب وحدك، فانظر لنفسك، فقد نصحتك.

ذكر ابن الفُوطي

(1)

، جعفرًا، فلقبه: بسيد بني هاشم، وقال: كان له بالبصرة كل يوم غلة ثمانين ألف درهم.

وقال حماد بن زيد: غَسلت جعفر بن سليمان، وزررت عليه قميصه حين ألبسته الكفن، ثم جاء عمه عبد الصمد بتسعة أثواب ليكفنه فيها، فما كفن إلا في ثلاثة أثواب عملًا بالسنة.

وقد امتدحه جماعة، وأخذوا جوائزه.

توفي سنة أربع وسبعين ومائة. وقيل: سنة خمس.

(1)

ابن الفوطي، هو العالم البارع المتفنن المحدث المفيد مؤرخ الآفات مفخر أهل العراق كمال الدين أبو الفضائل عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي الشيباني ابن الفوطي نسبة إلى جد أبيه لأمه، ويعرف أيضا بابن الصابوني ينتسب إلى الأمير معين بن زائدة وأصله مروزي، له كتاب في خمسين مجلدا سماه "مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب" وألف كتاب "درر الأصداف في غرر الأوصاف" وهو كبير جدا ذكر أنه جمعه من ألف كتاب مصنف من التواريخ والدواوين والأنساب والمجاميع عشرون مجلدا بيض منها خمسة. وكتاب "المؤتلف والمختلف"، وله كتاب "التواريخ على الحوادث"، وكتاب "حوادث المائة السابعة"، وكتاب "الدرر الناصعة في شعراء المائة السابعة"، في عدة مجلدات. مات في المحرم سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ببغداد عن إحدى وثمانين سنة. ترجمته في "تذكرة الحفاظ""4/ ترجمة 1173". ولسان الميزان "4/ ترجمة 23".

ص: 272

‌1222 - أخوه محمد بن سليمان

(1)

:

ولي البصرة أيضًا، وكان فارس بن هاشم، قتل إبراهيم بن عبد الله الخارج على المنصور.

وولي أيضًا مملكة فارس، وكان جوادًا، مُمَدحًا.

قيل: إن الرشيد احتاط على تَرِكَته، فكانت خمسين ألف ألف درهم.

وقال الخطيب: كان عظيم قومه، ويقال: إنه قال عند الموت: يا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني كنت حمَّالا. وكان رقيق القلب.

توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 291"، الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "3/ 121"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 47 و 70 و 73".

ص: 272

‌1223 - رابعة العدوية

(1)

:

البصرية، الزاهدة، العابدة، الخاشعة، أم عمرو رابعة بنت إسماعيل، ولاؤها للعتكيين. ولها سيرة في "جزء" لابن الجوزي.

قال خالد بن خداش: سمعت رابعة صالحًا المري يذكر الدنيا في قصصه، فنادته: يا صالح، من أحب شيئًا، أكثر من ذكره.

وقال محمد بن الحسين البُرجُلاني: حدثنا بشر بن صالح العتكي، قال: استأذن ناس على رابعة ومعهم سفيان الثوري، فتذاكروا عندها ساعة، وذكروا شيئًا من الدنيا، فلما قاموا، قالت لخادمتها: إذا جاء هذا الشيخ وأصحابه، فلا تأذني لهم، فإني رأيتهم يحبون الدنيا.

وعن أبي يسار مسمع، قال: أتيت رابعة، فقالت: جئتني وأنا أطبخ أرزًا، فآثرت حديثك على طبيخ الأرز، فرجعت إلى القدر وقد طُبِخَتْ.

ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن الحسين، حدثني عبيس بن ميمون العطار، حدثتني عبدة بن أبي شوال -وكانت تخدم رابعة العدوية- قالت: كانت رابعة تصلي الليل كله، فإذا طلع الفجر، هجعت هجعة حتى يسفر الفجر، فكنت أسمعها تقول: يا نفس كم تنامين، وإلى كم تقومين، يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا ليوم النشور.

قال جعفر بن سليمان: دخلتُ مع الثوريِّ على رابعة، فقال سفيان: واحزناه! فقالت: لا تكذب، قل: واقلة حزناه!

وعن حماد، قال: دخلت أنا وسلام بن أبي مطيع على رابعة، فأخذ سلام في ذكر الدنيا، فقالت: إنما يذكر شيء هو شيء، أما شيء ليس بشيء، فلا.

شيبان بن فروخ: حدثنا رياح القيسي، قال: كنت اختلفت إلى شميط أنا ورابعة، فقالت مرة: تعال يا غلام. وأخذت بيدي، ودعت الله، فإذا جرة خضراء مملوءة عسلا أبيض، فقالت: كل، فهذا -والله- لم تحوه بطون النحل. ففرغت من ذلك، وقمنا، وتركناه.

قال أبو سعيد بن الأعرابي: أما رابعة، فقد حمل الناس عنها حكمة كثيرة، وحكى عنها: سفيان، وشعبة، وغيرهما ما يدل على بطلان ما قيل عنها، وقد تمثلته بهذا:

(1)

ترجمتها في الإحياء للغزالي "2/ 267"، وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 231"، والعبر "1/ 278"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 193"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "1/ 330".

ص: 273

ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي

وأبحت جسمي من أراد جلوسي

فنسبها بعضهم إلى الحلو بنصف البيت، وإلى الإباحة بتمامه.

قلت: فهذا غلو وجهل، ولعل من نسبها إلى ذلك مباحي حلولي، ليحتج بها على كفره، كاحتجاجهم بخبر:"كنت سمعه الذي يسمع به"

(1)

.

قيل: عاشت ثمانين سنة.

توفيت سنة ثمانين ومائة.

(1)

صحيح: وهو جزء من حديث رواه البخاري "6502" عن أبي هريرة مرفوعا، وتمامه:"إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته".

ص: 274

‌1224 - أما رابعة الشامية

(1)

:

العابدة، فأخرى مشهورة، أصغر من العدوية، وقد تدخل حكايات هذه في حكايات هذه، والثانية هي القائلة ما روى أحمد بن أبي الحواري، عن عباس بن الوليد، أنها قالت: أستغفر الله من قلة صدقي في قولي: أستغفر الله.

ملوك الأندلس:

(1)

ترجمتها في صفوة الصفوة لابن الجوزي "4/ 300"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 110".

ص: 274

‌1225 - عبد الرحمن بن معاوية بن هشام

(1)

:

ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أمير الأندلس وسلطانها، أبو المطرف الأموي، المرواني، المشهور: بالداخل؛ لأنه حين انقرضت خلافة بني أمية من الدنيا، وقتل مروان الحمار، وقامت دولة بني العباس، هرب هذا، فنجا، ودخل إلى الأندلس، فتملكها.

وذلك أنه فر من مصر، في آخر سنة اثنتين وثلاثين، إلى أرض برقة، فبقي بها خمس سنين، ثم دخل المغرب، فنفذ مولاه بدرًا يتجسس له، فقال للمضرية: لو وجدتم رجلا من

(1)

ترجمتها في فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "2/ 302 - 303"، ونفخ الطيب للمقري "1/ 327".

ص: 274

بيت الخلافة، أكنتم تبايعونه? قالوا: وكيف لنا بذلك? فقال: هذا عبد الرحمن بن معاوية. فأتوه، فبايعوه، فتملك الأندلس ثلاثًا وثلاثين سنة، وبقي الملك في عقبه إلى سنة أربع مائة. ولم يتلقب بالخلافة، لا هو ولا أكثر ذريته، إنما كان يقال: الأمير فلان.

وأول من تلقب بأمير المؤمنين منهم: الناصر لدين الله، في حدود العشرين وثلاثمائة، عندما بلغه ضعف خلفاء العصر، فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين.

دخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس في سنة ثمان وثلاثين.

ومولده بأرض تدمر سنة ثلاث عشرة ومائة، في خلافة جده.

وأما أبو القاسم بن بشكوال الحافظ، فقال: فر من المشرق عند انقراض ملكهم، هو وأخوان أصغر منه، وغلام لهم، فلم يزالوا يخفون أنفسهم، والجعائل قد جعلت عليهم، والمراصد، فسلكوا حتى وصلوا وادي بجاية، فبعثوا الغلام يشتري لهم خبزًا، فأنكرت الدراهم، وقبض على الغلام، وضرب، فأقر فأركبوا خيلًا، فرأى عبد الرحمن الفرسان، فتهيأ للسباحة، وقال لأخويه: اسبحا معي. فنجا هو، وقصرا، فأشاروا إليهما بالأمان، فلما حصلا في أيديهم، ذبحوهما، وأخوهما ينظر من هناك، ثم آواه شيخ كريم العهد، وقال: لأسترنك جهدي. فوقع عليه التفتيش ببجاية، إلى أن جاء الطالب إلى دار الشيخ، وكان له امرأة ضخمة، فأجلسها تتسرح، وأخفى عبد الرحمن تحت ثيابها، وصيح الشيخ: يا سبحان الله! الحرم. فقالوا: غطَّ أهلك. وخرجوا، وستره الله مدة، ثم دخل الأندلس في قارب سماك، فحصل بمدينة المنُكَّب.

وكان قواد الأندلس وجندها موالي بني أمية، فبعث إلى قائد، فأعلمه بشأنه، فقبل يديه، وفرح به، وجعله عنده، ثم قال: جاء الذي كنا نتحدث أنه إذا انقرض ملك بني أمية بالمشرق، نبغ منهم عبد الرحمن بالمغرب. ثم كتب إلى الموالي، وعرفهم، ففرحوا، وأصفقوا على بيعته، واستوثقوا من أمراء العرب، وشيوخ البربر. فلما استحكم الأمر، أظهروا بيعته بعد ثمانية أشهر، وذلك في ربيع الآخر، سنة ثمان وثلاثين ومائة، فقصد قرطبة، ومتولي الأندلس يومئذ: يوسف الفهري، فاستعد جهده، فالتقوا، فانهزم يوسف، ودخل عبد الرحمن بن معاوية الداخل قصرَ قرطبة يوم الجمعة، يوم الأضحى من العام. ثم حاربه يوسف ثانيًا ودخل قرطبة، واستولى عليها، وكر عبد الرحمن عليه، فهرب يوسف، والتجأ إلى غرناطة، فامتنع بإلبيرة. فنازله عبد الرحمن، وضيق عليه، ورأى يوسف اجتماع الأمر للداخل، فنزل بالأمان بمحضر من قاضي الأندلس يحيى بن يزيد التُّجيبي، وكان رجلا

ص: 275

صالحًا، استعمله على القضاء عمر بن عبد العزيز، فزاده الداخل إجلالا وإكرامًا، فبقي على قضائه إلى أن مات سنة اثنتين وأربعين ومائة، فاستعمل على القضاء معاوية بن صالح. فلما أراد معاوية هذا، الحج، وجهه الداخل إلى أختيه بالشام، وعمته رملة بنت هشام، ليعمل الحيلة في إدخالهن إلى عنده، وأنشد عند ذلك:

أيها الركب الميمم أرضي

أقر من بعضي السلام لبعضي

إن جسمي كما علمت بأرض

وفؤادي ومالكيه بأرض

قدر البين بيننا فافترقنا

فطوى البين عن جفوني غمضي

وقضى الله بالفراق علينا

فعسى باجتماعنا سوف يقضي

فلما وصل إليهن، قلن: السفر، لا نأمن غوائله على القرب، فكيف وقد حالت بيننا بحار ومفاوز، ونحن حرم، وقد آمننا هؤلاء القوم على معرفتهم بمكاننا منه، فحسبنا أن نتملى المسرة بعزة وعافية.

فانصرف بكتابهما، وبعثا إليه بأعلاق نفيسة من ذخائر الخلافة، فسر بها الأمير عبد الرحمن، وقضى لرأيهما بالرجاحة، ثم بعد وصل آخر من الشام بكتاب منهن، وبهدايا وتحف منها: رُمَّان من رصافة جدهم هشام، فسر به الداخل، وكان بحضرته سفر بن عبيد الكَلاعي من أهل الأردن، فأخذ من الرمان، وزرع من عَجَمه بقريته حتى صار شجرًا، وزاد حسنًا، وجاء بثمره إلى الأمير، وكثر هناك، ويعرف بالسَّفَري، وغرس منه بمنية الرُّصافة.

ورأى الداخل نخلة مفردة بالرصافة، فهاجمت شجنه، وتذكر وطنه، فقال:

تبدت لنا وسط الرصافة نخلة

تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل

فقلت شبيهي في التغرب والنوى

وطول انثنائي عن بني وعن أهلي

نشأت بأرض أنت فيها غريبة

فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي

سقتك عوادي المزن من صوبها الذي

يسح وتستمري السماكين بالوبل

قال ابن حيان: وحين افتتح المسلمون قرطبة، شاطروا أهلها كنيستهم العظمى، كما فعل أبو عبيدة وخالد بأعاجم دمشق، فابتنوا فيه مسجدًا، وبقي الشطر بأيدي الروم إلى أن كثرت عمارة قرطبة، وتداولتها بعوث العرب، فضاق المسجد، وعُلق منه سقائف، وصار الناس ينالون مشقة لقصر السقائف إلى أن أذخر الله فيه الأجر لصحيفة الداخل، وابتاع الشطر الثاني من النصارى بمائة ألف دينار، وقبضوها على ملأ من الناس، ورضوا بعد تمنع، وعمل هذا

ص: 276

الجامع الذي هو فخر الأرض وشرفها من مال الأخماس، وكمل على مراده، وكان تأسيسه في سنة سبعين ومائة، فتمت أسواره في عام. وبلغ الإنفاق فيه إلى ثمانين ألف دينار، فقال دحية البلوي:

وأبرز في ذات الإله ووجهه

ثمانين ألفًا من لجين وعسجد

وأنفقها في مسجد أسه التقى

ومنحته دين النبي محمد

ترى الذهب الناري بين سموكه

يلوح كلمع البارق المتوقد

وقال أيضًا:

بنيت لأهل الدين بالغرب مسجدا

ليركع للرحمن فيه ويسجدا

جمعت له الأكفاء من كل صانع

فقام بمن الله بيتًا ممجدا

فما لبثوه غير حول وما خلا

إلى أن أقاموه منيعًا مشيدا

وزخرف بالأصباغ منه سقوفه

كما تمم الوشاء بردًا مقصدا

وبالذهب الرومي موه وجهه

فبورك من بان لذي العرش مسجدا

وكملت أبهاء الجامع سبعة أبهاء، ثم زاد من بعده حفيده الحكم الرَّبَضي بهوين، ثم زاد عبد الرحمن بن الحكم بهوين، فصارت أحد عشر بهوًا، ثم زاد المنصور بن أبي عامر ثمانية أبهاء، وعمل جامع إشبيلية وسورها بعد المائتين.

قال ابن بشكوال: كان عدد القومة لجامع قرطبة في مدة المنصور وقبلها ثلاث مائة رجل.

وقال ابن مزين: في قبلته انحراف. وقد ركب الحكم المستنصر بالله مع الوزراء والقاضي منذر البلوطي، وقد هم بتحريف القبلة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، قد صلى بهذه القبلة خيار الأئمة والتابعون، وإنما فُضِّل من فُضِّل بالاتباع، وأمير المؤمنين أولى من اتبع، فترك القبلة بحالها.

قال ابن حَيَّان: بلغ الإنفاق في المنبر الحكمي إلى خمسة وثلاثين ألف دينار وسبعمائة دينار ونيف، وقام من ستة وثلاثين ألف وصلة من الأبنوس، والصندل، والعُنَّاب، والبَقَّم في مدة أربع سنين، وأول من خطب عليه منذر بن سعيد البلُّوطي، وبلغت أعمدة جامع قرطبة إلى ألف وأربعمائة سارية وتسع سواري، وعمل الناصر صومعة ارتفاعها من الأرض إلى موقف المؤذن أربعة وخمسون ذراعًا، وعرضها ثمانية عشر ذراعًا، وبأعلى ذروتها سفُّود طويل فيه ثلاث رمانات: إحداهما فضة، والأخرى ذهب إبريز، وفوقها سوسنة ذهب

ص: 277

مسدسة، فهذه المنارة إحدى عجائب الدنيا، وذرع المحراب إلى داخل ثمانية أذرع ونصف، ومن الشرق إلى الغرب سبعة أذرع ونصف، وارتفاع قبوه ثلاثة عشر ذراعًا ونصف، وذراع المقصورة من الشرق إلى الغرب خمسة وسبعون ذراعًا، وعرضها من جدار الخشب إلى القبلة اثنان وعشرون ذراعًا، وطول الجامع ثلاثمائة وثلاثون ذراعًا، ومن الشرق إلى الغرب مائتان وخمسون ذراعًا.

وأما الإسلام فكان عزيزًا منيعًا بالأندلس في دولة الداخل، فانظر إلى هذا الأمان الذي كتب عنه للنصارى:

بسم الله الرحمن الرحيم: كتاب أمان ورحمة، وحقن دماء وعصمة، عقده الأمير الأكرم الملك المعظم عبد الرحمن بن معاوية، ذو الشرف الصميم، والخير العميم، للبطارقة والرهبان، ومن تبعهم من سائر البلدان، أهل قشتالة وأعمالها، ما داموا على الطاعة في أداء ما تحملوه، فأشهد على نفسه أن عهده لا ينسخ ما أقاموا على تأدية عشرة آلاف أوقية من الذهب، وعشرة آلاف رطل من الفضة، وعشرة آلاف رأس من خيار الخيل، ومثلها من البغال، مع ذلك ألف درع وألف بيضة، ومن الرماح الدردار مثلها في كل عام، ومتى ثبت عليهم النكث بأسير يأسرونه، أو مسلم يغدرونه، انتكث ما عوهدوا عليه، وكتب لهم هذا الأمان بأيديهم إلى خمس سنين، أولها صفر عام اثنين وأربعين ومائة.

وذكر ابن عساكر بإسناد له: أن عبد الرحمن لما عدى إلى الجزيرة، فنزلها، اتبعه أهلها، ثم مضى إلى إشبيلية، فاتبعه أهلها، ثم مضى إلى قرطبة، فاتبعه من فيها، فلما رأى يوسف الفهري العساكر قد أظلته، هرب إلى دار الشرك، فتحصن هناك، وغزاه عبد الرحمن بعد ذلك، فوقعت نفرة في عسكره، فانهزم، ورد عبد الرحمن بلا حرب، وجعل لمن أتاه برأس يوسف جُعلا، فأتاه رجل من أصحاب يوسف برأسه.

وقال الحميدي: دخل عبد الرحمن الأندلس، فقامت معه اليمانية، وحارب يوسف عبد الرحمن الفهري متولي الأندلس، فهزمه، وكان عبد الرحمن من أهل العلم على سيرة جميلة من العدل.

وقال أبو المظفر الأبيْوَرْدي في "أخبار بني أمية": كان الناس يقولون: ملك الأرض ابنا بربريَّتين -يعني: عبد الرحمن، والمنصور.

وكان المنصور يقول عن عبد الرحمن بن معاوية: ذاك صقر قريش، دخل المغرب وقد قُتِلَ قومه، فلم يزل يضرب العدنانية بالقحطانية حتى ملك.

ص: 278

وقال سعيد بن عثمان اللغوي المتوفى سنة أربع مائة: كانت بقرطبة جنة اتخذها عبد الرحمن بن معاوية، كان فيها نخلة أدركتُها.

وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن معاوية:

يا نخل أنت غريبة مثلي

في الغرب نائية عن الأهل

فابكي وهل تبكي ملمسة

عجماء لم تطبع على خبل

لو أنها تبكي إذن لبكت

ماء الفرات ومنبت النخل

لكنها ذهلت وأذهلني

بغضي بني العباس عن أهلي

وقد ولي على الأندلس عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي في أيام عمر بن عبد العزيز، فبنى تلك القناطر بقرطبة بقبلي القصر والجامع، وهي ثمانية عشر قوسًا، طولها ثمانمائة باع، وعرضها سوى ستائرها عشرون باعًا، وارتفاعها ستون ذراعًا، وهي من عجائب الدنيا.

ولما انقرضت دولة بني أمية، اتفق الناس على تقديم يوسف بن عبد الرحمن بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري، فعمرت البلاد في أيامه، واتسعت، فلما أراد الله ظهور ملك بني أمية بالأندلس، ذلت لعبد الرحمن قبائل العرب، وسلم له الأمر، وقتل يوسف الفهري بوادي الزيتون، وخطب لعبد الرحمن بجميع الأمصار بها، وشيد قرطبة وعزا عدة غزوات.

من ذلك: غزوة قشتالة، جاز إليها من نهر طليطلة، وفرت الروم أمامه، وتعلقت بالحبال، فلم يزل حتى وصل مدينة برنيقة، من مملكة قشتالة، فنزل عليها، وأمر برفع الخيام، وشرع في البناء، وأخذ الناس يبنون، فسلموا إليه الأمان عند إياسهم من النجدة، وخرجوا بثيابهم فقط، وما يزودهم، ثم كتب لأهل قشتالة ذلك الأمان الذي تقدم، وهو بخط الوزير بشر بن سعيد الغافقي.

ولما صفا الأمر لعبد الرحمن بعد مقتل عثمان بن حمزة، من ولد عمر ابن الخطاب، وذلك بعد سبعة أعوام من تمنعه بطليطلة، عظم سلطانه، وامتدت أيامه، وعاش ستين سنة، ثم توفي سنة اثنتين وسبعين ومائة، وأيست بنو العباس من مملكة الأندلس لبعد الشقة.

ص: 279

‌1226 - هشام بن عبد الرحمن بن معاوية

(1)

:

الأمير أبو الوليد المرواني، بويع بالملك بالأندلس عند موت والده سنة اثنتين وسبعين، وعمره إذ ذاك ثلاثون سنة، فإنه ولد بالأندلس. وكان دينًا، ورعًا يشهد الجنائز، ويعود المرضى، ويعدل في الرعية، ويكثر الصدقات، ويتعاهد المساكين. وأمه: أم ولد، اسمها حوراء.

ولما احتضر عهد، بالأمر إلى ولده الحكم.

ومات في صفر، سنة ثمانين، ومائة وله سبع وثلاثون سنة رحمه الله.

ولنذكر باقي المروانية على نسق واحد.

(1)

ترجمته في العقد الفريد لابن عبد ربه "4/ 490"، ونفح الطيب للمقري "1/ 334".

ص: 280

‌1227 - الحكم بن هشام

(1)

:

ابن الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم الأموي، المرواني، أبو العاص، أمير الأندلس، وابن أميرها، وحفيد أميرها. ويلقب: بالمرتضى، ويعرف: بالربضي؛ لما فعل بأهل الربض. بويع بالملك عند موت أبيه، في صفر، سنة ثمانين ومائة.

وكان من جبابرة الملوك، وفساقهم، ومتمرديهم، وكان فارسًا، شجاعًا، فاتكًا، ذا دهاء، وحزم، وعتو، وظلم، تملك سبعًا وعشرين سنة.

وكان في أول أمره على سيرة حميدة، تلا فيها أباه، ثم تغير، وتجاهر بالمعاصي.

قال أبو محمد بن حزم: كان من المجاهرين بالمعاصي، سفاكًا للدماء، كان يأخذ أولاد الناس الملاح، فيخصيهم ويمسكهم، لنفسه. وله شعر جيد.

قال اليسع بن حزم: همت الروم بما لم ينالوا من طلب الثغور، فنكثوا العهد، فتجهز الحكم إليهم حتى جاز جبل السارة -شمالي طليطلة- ففرت الروم أمامه حتى تجمعوا بسمورة، فلما التقى الجمعان، نزل النصر، وانهزم الكفر، وتحصنوا بمدينة سمورة، وهي كبيرة جدًّا، فحصرها المسلمون بالمجانيق، حتى افتتحوها عنوة، وملكوا أكثر شوارعها، واشتغل الجند بالغنائم، وانضمت الروم إلى جهة من البلد، وخرجوا على حمية، فقتلوا خلقًا

(1)

ترجمته في العقد الفريد "4/ 490"، فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "1/ 393".

ص: 280

في خروجهم، فكانت غزوته من أعظم المغازي، لولا ما طرأ فيها من تضييع الحزم، ورامت الروم السلم، فأبى عليهم الحكم، ثم خرج من بلادهم خوفًا من الثلوج، فلما كان العام الآتي، استعد أعظم استعداد، وقصد سمورة، فقتل، وسبى، كل ما مر به، ثم نازلها شهرين، ثم دخلوها بعد جهد، وبذلوا فيها السيف إلى المساء، ثم انحاز المسلمون، فباتوا على أسوارها، ثم صبحوها من الغد، لا يبقون على محتلم.

قال الرازي في "مغازي الأندلس": الذي أحصي ممن قتل في سمورة ثلاث مائة ألف نفس، فلما بلغ الخبر ملك رومية، كتب إلى الحكم يرغب في الأمان، فوضع على الروم ما كان جده وضع عليهم، وزاد عليهم أن يجلبوا من تراب مدينة رومية نفسها ما يصنع به أكوام بشرقي قرطبة صغارًا لهم، وإعلاء لمنار الإسلام، فهما كومان من التراب الأحمر في بسيط مدرتها السوداء.

قلت: وكثرت العلماء بالأندلس في دولته، حتى قيل: إنه كان بقرطبة أربعة آلاف متقلس متزيين بزي العلماء، فلما أراد الله فناءهم، عز عليهم انتهاك الحكم للحرمات، وائتمروا ليخلعوه، ثم جيشوا لقتاله، وجرت بالأندلس فتنة عظيمة على الإسلام وأهله، فلا قوة إلا بالله، فذكر ابن مزين في "تاريخه": طالوت بن عبد الجبار المعافري، وأنه أحد العلماء العاملين الشهداء الذين هموا بخلع الحكم، وقالوا: إنه غير عدل، ونكثوه في نفوس العوام، وزعموا أنه لا يحل المكث ولا الصبر على هذه السيرة الذميمة، وعولوا على تقديم أحد أهل الشورى بقرطبة، وهو أبو الشماس أحمد بن المنذر بن الداخل الأموي ابن عم الحكم، لما عرفوا من صلاحه، وعقله، ودينه، فقصدوه، وعرفوه بالأمر، فأبدى الميل إليهم والبشرى بهم، وقال لهم: أنتم أضيافي الليلة، فإن الليل أستر. وناموا، وقام هو إلى ابن عمه بجهل، فأخبره بشأنهم، فاغتاظ لذلك، وقال: جئت لسفك دمي أو دمائهم، وهم أعلام، فمن أين نتوصل إلى ما ذكرت? فقال: أرسل معي من تثق به ليتحقق. فوجه من أحب، فأدخلهم أحمد في بيته تحت ستر، ودخل الليل، وجاء القوم، فقال: خبروني من معكم? فقالوا: فلان الفقيه، وفلان الوزير. وعدوا كبارًا، والكاتب يكتب حتى امتلأ الرق، فمد أحدهم يده وراء الستر، فرأى القوم، فقام وقاموا، وقالوا: فعلتها يا عدو الله. فمن فر لحينه، نجا، ومن لا، قبض عليه، فكان ممن فر: عيسى بن دينار الفقيه، ويحيى بن يحيى الفقيه صاحب مالك، وقرعوس بن العباس الثقفي.

وقبض على ناس كأبي كعب، وأخيه، ومالك بن يزيد القاضي، وموسى بن سالم

ص: 281

الخولاني، ويحيى بن مضر الفقيه، وأمثالهم من أهل العلم والدين، في سبعة وسبعين رجلا، فضربت أعناقهم، وصلبوا.

وأضاف إليهم عميه؛ كليبًا وأمية، فصلبا، وأحرق القلوب عليهم، وسار بأمرهم الرفاق، وعلم الحكم أنه محقود من الناس كلهم، فأخذ في جمع الجنود والحشم، وتهيأ، وأخذت العامة في الهيج، واستأسد الناس، وتنمروا، وتأهبوا. فاتفق أن مملوكًا خرج من القصر بسيف دفعه إلى الصيقل، فماطله، فسبه، فجاوبه الصيقل، فتضاربا، ونال منه المملوك حتى كاد أن يتلفه، فلما تركه، أخذ الصيقل السيف، فقتل به المملوك، فتألب إلى المقتول جماعة، وإلى القاتل جماعة أخرى، واستفحل الشر، وذلك في رمضان، سنة اثنتين ومائتين، وتداعى أهل قرطبة من أرباضهم، وتألبوا بالسلاح، وقصدوا القصر، فركب الجيش والإمام الحكم، فهزموا العامة، وجاءهم عسكر من خلفهم، فوضعوا فيهم السيف، وكانت وقعة هائلة شنيعة، مضى فيها عدد كثير زهاء عن أربعين ألفًا من أهل الربض، وعاينوا البلاء من قدامهم ومن خلفهم، فتداعوا بالطاعة، وأذعنوا ولاذوا بالعفو، فعفا عنهم على أن يخرجوا من قرطبة، ففعلوا، وهدمت ديارهم ومساجدهم، ونزل منهم ألوف بطليطلة، وخلق في الثغور، وجاز آخرون البحر، ونزلوا بلاد البربر، وثبت جمع بفاس، وابتنوا على ساحلها مدينة غلب على اسمها مدينة الأندلس، وسار جمع منهم زهاء خمسة عشر ألفًا، وفيهم عمر بن شعيب الغليظ، فاحتلوا بالإسكندرية، فاتفق بعد ذلك أن رجلا منهم اشترى لحمًا من جزار، فتضاجر معه، ورماه الجزار بكرش في وجهه، فرجع بتلك الحالة إلى قومه، فجاءوا فقتلوا اللحام، فقام عليهم أهل الإسكندرية، فاقتتلوا، وأخرج الأندلسيون أهلها هاربين، وتملكوا الإسكندرية. فاتصل الخبر بالمأمون فأرسل إليهم، وابتاع المدينة منهم، على أن يخرجوا منها، وينزلوا جزيرة إقريطش

(1)

، فخرجوا، ونزلوها، وافتتحوها، فلم يزالوا فيها إلى أن غلب عليها أرمانوس بن قسطنطين سنة خمس وثلاثمائة.

وأما الحكم فإنه اطمأن، وكتب إلى القائد محمد بن رستم كتابًا فيه: وأنه تداعى فسقة من أهل قرطبة إلى الثورة، وشهروا السلاح، فأنهضنا لهم الرجال، فقتلنا فيهم قتلا ذريعًا، وأعان الله عليهم، فأمسكنا عن أموالهم وحرمهم.

ثم كتب الحكم كتاب أمان عام، وكان طالوت

(2)

اختفى سنة عند يهودي، ثم خرج،

(1)

جزيرة إقريطش: جزيرة في البحر المتوسط. وتعرف اليوم بـ"كريت".

(2)

هو: طالوت بن عبد الجبار المعافري الأندلسي، دخل مصر، وحج، ولقي مالك بن أنس، وعاد إلى قرطبة كما في "نفح الطيب" للمقري "2/ 639".

ص: 282

وقصد الوزير أبا البسام ليختفي عنده، فأسلمه إلى الحكم فقال: ما رأي الأمير في كبش سمين، وقف على مذوده عامًا؟ فقال الحكم: لحم ثقيل، ما الخبر? قال: طالوت عندي. فأمره بإحضاره، فأحضر، فقال: يا طالوت! أخبرني لو أن أباك أو ابنك ملك هذه الدار، أكنت فيها في الإكرام والبر على ما كنت أفعل معك? ألم أفعل كذا؟ ألم أمش في جنازة امرأتك، ورجعت معك إلى دارك? أفما رضيت إلا بسفك دمي? فقال الفقيه في نفسه: لا أجد أنفع من الصدق، فقال: إني كنت أبغضك لله، فلم يمنعك ما صنعت معي لغير الله، وإني لمعترف بذلك -أصلحك الله- فوجم الخليفة، وقال: اعلم أن الذي أبغضتني له قد صرفني عنك، فانصرف في حفظ الله، ولست بتارك برك، وليت الذي كان لم يكن، ولكن أين ظفر بك أبو البسام -لا كان؟ فقال: أنا أظفرته بنفسي، وقصدته. قال: فأين كنت في عامك? قال: في دار يهودي، حفظني لله. فأطرق الخليفة مليًا، ورفع رأسه إلى أبي البسام، وقال: حفظه يهودي، وستر عليه لمكانه من العلم والدين، وغدرت به إذ قصدك، وخفرت ذمته، لا أرانا الله في القيامة وجهه إن رأينا لك وجهًا. وطرده، وكتب لليهودي كتابًا بالجزية فيما ملك، وزاد في إحسانه فلما رأى اليهودي ذلك، أسلم مكانه.

قال ابن مزين: وكان أهل طليطلة لهم نفوس أبية، وكانوا لا يصبرون على ظلم بني أمية، فإن ولاتهم كان فيهم ظلم وتعد، فكانوا يثبون على الوالي ويخرجونه، فولى عليهم الحكم عمروسًا، رجلا منهم. وكان عمروس داهية، فداخل الحكم، وعمل على رءوس أهل طليطلة حتى قتل جماعة منهم.

قال ابن مزين: فأشار أولا على الأعيان ببناء قلعة تحميهم، ففعلوا، فبعث إلى الخليفة كتبًا بمعاملة منه، فيه شتمه وسبه، فقام له، وقعد، وسب وأفحش، وبعث للخليفة ولده للغزو، فاحتال عمروس

(1)

على الأكابر حتى خرجوا، وتلقوه، ورغبوه في الدخول إلى قلعتهم، ومد سماطًا، واستدعاهم، فكان الداخل يدخل على باب، ويخرج من باب آخر، فتضرب عنقه حتى كمل كذلك نحو الخمسة آلاف، حتى غلا بخار الدماء، وظهرت الرائحة، ثم بعث الحكم أمانًا ليحيى بن يحيى الليثي.

مات الحكم سنة ست ومائتين، في آخرها، وله ثلاث وخمسون سنة. وولي الأندلس بعده: ابنه أبو المطرف عبد الرحمن، فلنذكره.

(1)

هو: عمروس بن يوسف، والي الحكم على الثغر. اشتهر بذبحه للمنشقين عنه في فناء قصره كما ذكره المؤلف فيما يأتي.

ص: 283

‌1228 - عبد الرحمن بن الحكم بن هشام

(1)

:

ابن الداخل، أمير الأندلس، أبو المطرف المرواني. بويع بعد والده، في آخر سنة ست ومائتين فامتدت أيامه، وكان وادعًا، حسن السيرة، لين الجانب، قليل الغزو، غلبت المشركون في دولته على إشبيلية، ولكن الله سلم.

كتب إليه عبد الملك بن حبيب الفقيه يحرضه على بناء سور إشبيلية، يقول له: حقن دماء المسلمين -أيدك الله، وأعلى يدك بابتناء السور- أحق وأولى. فأخذ برأيه، وجمع بينه وبين زيادة جامع قرطبة، وابتنى أيضًا جامع إشبيلية على يد قاضيها عمرو بن عدبس، وكانت إشبيلية من ناحية الوادي بلا سور.

فلما كانت سنة ثلاثين ومائتين، طرق المجوس الأردمانيون إشبيلية في ثمانين مركبًا في الوادي، فصادفوا أهلها على غرارة بمطاولة أمد الأمان لهم مع قلة خبرتهم بحربهم، فطلعوا من المراكب، وقد لاح لهم خَوَرٌ من أهلها، فقاتلوهم، وقووا على المسلمين، ووضعوا السيف فيهم، وملكوا إشبيلية بعد القتل الذريع في أهلها حتى في النساء والبهائم، وأقاموا بها سبعة أيام، فورد الخبر على الخليفة عبد الرحمن بن الحكم، فاستنفر جيشه، وبعث بهم إلى إشبيلية، فحلوا بالشرق، ووقع القتال واشتد الخطب، وانتصر المسلمون، واستحر القتل بالملاعين حتى فني جمع الكفرة -لعنهم الله- وحرق المسلمون ثلاثين مركبًا من مراكبهم، فكان بين دخولهم إلى إشبيلية وهروبهم عنها ثلاثة وأربعون يومًا. وهذا كان السبب في بناء سور واديها.

وفي سنة خمس وثلاثين: جاء سيل مَهُول حتى احتمل ربض قنطرة قرطبة، واحتمل ست عشرة قرية إلى البحر بما فيها من الناس والمواشي، وهلك ما لا يعد ولا يحصى، فلا قوة إلا بالله.

وكان مولد عبد الرحمن بن الحكم: بطليطلة، في شعبان، سنة ست وسبعين ومائة.

ومات في ثالث ربيع الآخر، سنة ثمان وثلاثين ومائتين.

(1)

ترجمته في العقد الفريد لابن عبد ربه "4/ 493"، ونفح الطيب للمقري "1/ 344".

ص: 284

‌1229 - محمد بن عبد الرحمن بن الحكم

(1)

:

صاحب الأندلس، أبو عبد الله الأموي، المرواني.

كان محبًّا للعلم، مؤثرًا لأصحاب الحديث، مكرمًا لهم، حسن السيرة، وهو الذي نصر بقي بن مخلد الحافظ على أهل الرأي.

قال بقي: ما كلمت أحدًا من الملوك أكمل عقلا، ولا أبلغ لفظًا من الأمير محمد، ولقد دخلت عليه يومًا في مجلس خلافته، فافتتح الكلام بحمد الله، والصلاة على نبيه، ثم ذكر الخلفاء، فحلى كل واحد بحليته وصفته، وذكر مآثره بأفصح لسان حتى انتهى إلى نفسه، فحمد الله على قدره، ثم سكت.

قلت: رأى مصنف أبي بكر بن أبي شيبة، إذ نازع أهل الرأي بقي بن مخلد، فأمر بنسخه، وقال: لا تستغني خزانتنا عن هذا.

وكان ذا رأي، وحزم، وشجاعة، وإقدام.

بويع عند موت والده في سنة ثمان وثلاثين، وله إحدى وثلاثون سنة، وذلك بعهد من والده وأمه: أم ولد.

وامتدت دولته. وقيل: إنه كان يتوغل في بلاد الروم، ويبقى في الغزو السنة وأكثر.

قال أبو المظفر بن الجوزي: هو صاحب وقعة سَليط. وهي ملحمة مشهورة لم يعهد قبلها بالأندلس مثلها. يقال: قتل فيها ثلاثمائة ألف كافر. وهذا شيء لم نسمع بمثله. قال: وللشعراء فيه مدائح كثيرة.

قال اليسع بن حزم: كان محمد يسمى: بالأمين.

قلت: مات في آخر صفر، سنة ثلاث وسبعين ومائتين، عن أربع وستين سنة رحمه الله.

(1)

ترجمته في العقد الفريد "4/ 493"، الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "3/ 224"، ونفح الطيب للمقري "1/ 350".

ص: 285

‌1230 - المنذر بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم

(1)

:

بو الحكم المرواني، صاحب الأندلس، تملك بعد والده، فكانت دولته سنتين، فمات وهو يحاصر عمر بن حفصون، رأس الخوراج بالأندلس. وكان هذا بدويًّا، يجلب السمك بالأندلس، فآل به الأمر إلى أن كثر جمعه، واستولى على جماعة حصون.

مات المنذر في نصف صفر، سنة خمس وسبعين ومائتين، وله ست وأربعون سنة.

(1)

ترجمته في العقد الفريد لابن عبد ربه "4/ 496"، ونفح الطيب للمقري "1/ 352".

ص: 286

‌1231 - عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن

(1)

:

الأمير أبو محمد المرواني، أخو المنذر.

تملك الأندلس بعد أخيه، وامتدت أيامه. وكان أسن من أخيه بعام، وكان لينًا، وادعًا، يحب العافية، فقام عليه في كل قطر من الأندلس متغلب، وتناقض أمر المروانية في دولته.

قال أحمد بن محمد بن عبد ربه: كان الأمير عبد الله من أفاضل أمراء بني أمية، بنى السَّاباط، وواظب الخروج عليه إلى الجامع، والتزم الصلاة إلى جانب المنبر طول مدته.

وقال محمد بن وضاح: كان عبد الله الأمير من الصالحين، المتقين، العالمين، روى العلم كثيرًا، وطالع الرأي، وأبصر الحديث، وحفظ القرآن، وتفقه، وأكثر الصوم، وكان يلتزم الصلوات في الجامع، فيمر بالصف، فيقوم الناس له، فكتب إليه سعيد بن حمير: أيها الإمام أنت من المتقين، وإنما يقوم الناس لرب العالمين، فلا ترض من رعيتك بغير الصواب، فإن العزة لله جميعًا. فأمر العامة بترك ذلك فلم ينتهوا، فحينئذ ابتنى الساباط طريقًا مشهورًا من قصره إلى المقصورة.

قال اليسع بن حزم: استضعفت دولة بني أمية، وقام ابن حفصون، وكان نصراني الأصل، فأسلم، وتنصح، وألب، وحشد، وصارت الأندلس شعلة تضرم، ولم يبق لبني أمية منبر يخطب فيه إلا منبر قرطبة، والغارات تشن عليها حتى قام عبد الرحمن الناصر، فتراجع الأمر.

مات عبد الله في أول ربيع الأول، سنة ثلاثمائة، وله اثنتان وسبعون سنة.

(1)

ترجمته في العقد الفريد "4/ 497"، ونفح الطيب للمقري "1/ 352".

ص: 286

‌1232 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله

(1)

:

بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل عبد الرحمن، سلطان الأندلس، المدعو: أمير المؤمنين، الناصر لدين الله، أبو المطرف الأموي، المرواني.

كان أبوه محمد ولي عهد والده عبد الله بن محمد، فقتله أخوه أبو القاسم المطرف، فقتله أبوهما به.

ففي سنة سبع وسبعين ومائتين قتل محمد، وله سبع وعشرون سنة، وتأخر قتل المطرف إلى رمضان، سنة اثنتين ومائتين. ولما قتل محمد، كان لعبد الرحمن هذا عشرون يومًا. وولي الخلافة بعد جده.

قال ابن حزم: كانت خلافته من المستطرف؛ لأنه كان شابًا، وبالحضرة جماعة من أعمامه، وأعمام أبيه، فلم يعترض معترض عليه. واستمر له الأمر وكان شهمًا صارمًا.

وكل من تقدم من آبائه لم يتسم أحد منهم بإمرة المؤمنين، وإنما كانوا يخاطبون بالإمارة فقط، وفعل مثلهم عبد الرحمن إلى السنة السابعة والعشرين من ولايته، فلما بلغه ضعف الخلافة بالعراق، وظهور الشيعة العبيدية بالقيروان، رأى أنه أحق بإمرة المؤمنين، ولم يزل منذ ولي الأندلس يستنزل المتغلبين حتى صارت المملكة كلها في طاعته، وأكثر بلاد العدوة، وأخاف ملوك الطوائف حوله.

وابتدأ ببناء مدينة الزهراء في أول سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، فكان يقسم دخل مملكته أثلاثًا: فثلث يرصده للجند، وثلث يدخره في بيت المال، وثلث ينفقه في الزهراء.

وكان دخل الأندلس خمسة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف وثمانين ألفًا، ومن السوق والمستخلص سبعمائة ألف دينار وخمسة وستون ألفًا.

ذكر ابن أبي الفياض في "تاريخه"، قال: أخبرت أنه وجد في تاريخ الناصر أيام السرور التي صفت له، فعدت، فكانت أربعة عشر يومًا، وقد ملك خمسين سنة ونصفًا.

قال اليسع بن حزم: نظر أهل الحل والعقد، من يقوم بأمر الإسلام، فما وجدوا في شباب بني أمية من يصلح للأمر إلا عبد الرحمن بن محمد، فبايعوه، وطلب منهم المال فلم

(1)

ترجمته في العقد الفريد "4/ 498"، ونفح الطيب "1/ 353 - 371".

ص: 287

يجده، وطلب العُدَد فلم يجدها، فلم يزل السعد يخدمه إلى أن سار بنفسه لابن حفصون، فوجده مجتازًا لوادي التفاح، ومع أكثر من عشرين ألف فارس -كذا نقل: اليسع، وما أحسب أن ابن حفصون بقي إلى هذا التاريخ- قال: فهزمه، وأفلت ابن حفصون في نفر يسير، فتحصن بحصن مُبشّر.

ولم يزل عبد الرحمن يغزو حتى أقام العوج، ومهد البلاد، ووضع العدل، وكثر الأمن، ثم بعث جيشًا إلى المغرب، فغزا برغواطة بناحية سلا، ولم تزل كلمته نافذة، وسجلماسة، وجميع بلاد القبلة، وقتل ابن حفصون. وصارت الأندلس أقوى ما كانت وأحسنها حالا، وصفا وجهه للروم، وشن الغارات على العدو، وغزا بنفسه بلاد الروم اثنتي عشرة غزوة، ودوخهم، ووضع عليهم الخراج، ودانت له ملوكها، فكان فيما شرط عليهم اثنا عشر ألف رجل يصنعون في بناء الزهراء التي أقامها لسكناه على فرسخ من قرطبة.

وساق إليها أنهارًا، ونقب لها الجبل، وأنشأها مدورة، وعدة أبراجها ثلاثمائة برج، وشرفاتها من حجر واحد، وقسمها أثلاثًا: فالثلث المسند إلى الجبل: قصوره، والثلث الثاني: دور المماليك والخدم، وكانوا اثني عشر ألفًا بمناطق الذهب، يركبون لركوبه، والثلث الثالث: بساتين تحت القصور. وعمل مجلسًا مشرفًا على البساتين، صفح عمده بالذهب، ورصعه بالياقوت والزمرد، واللؤلؤ، وفرشه بمنقوش الرخام، وصنع قدامه بحرة مستديرة ملأها زئبقًا، فكانت النور ينعكس منه إلى المجلس، فدخل عليه قاضيه منذر بن سعيد البلوطي، فوقف، وقرأ:{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ} [الزخرف: 33، 34] الآيتين، فقال: وعظت أبا الحكم. ثم قام عن المجلس، وأمر بنزع الذهب والجواهر.

وقال عبد الواحد المراكشي في "تاريخه": اتسعت مملكة الناصر، وحكم على أقطار الأندلس، وملك طنجة وسبتة وغيرهما من بلاد العدوة، وكانت أيامه كلها حروبًا. وعاش المسلمون في آثاره الحميدة آمنين برهة.

ويقال: إن بناء الزهراء أكمل في اثنتي عشرة سنة، بألف بناء في اليوم، مع البنّاء اثنا عشر فاعلا.

حكى أبو الحسن الصفار: أن يوسف بن تاشفين ملك المغرب لما دخل الزهراء، وقد خربت بالنيران والهدم، من تسعين سنة قبل دخوله إليها، وقد نقل أكثر ما فيها إلى قرطبة وإشبيلية، ونظر آثارًا تشهد على محاسنها، فقال: الذي بنى هذه كان سفيهًا. فقال أبو مروان بن سراج: كيف يكون سفيهًا وإحدى كرائمه أخرجت مالا في فداء أسارى في أيامه، فلم يوجد ببلاد الأندلس أسير يفدى.

توفي الناصر في رمضان، سنة خمسين وثلاث مائة. وستعاد ترجمته مختصرة بزيادات مهمة، وأنه افتتح سبعين حصنًا رحمه الله.

ص: 288

‌1233 - الحكم بن عبد الرحمن بن محمد

(1)

:

ير المؤمنين بالأندلس، أبو العاص، المستنصر بالله بن الناصر الأموي، المرواني.

بويع بعد أبيه، في رمضان، سنة خمسين وثلاثمائة.

وكان حسن السيرة، جامعًا للعلم، مكرمًا للأفاضل، كبير القدر، ذا نهمة مفرطة في العلم والفضائل، عاكفًا على المطالعة.

جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد من الملوك، لا قبله ولا بعده، وتطلبها، وبذل في أثمانها الأموال، واشتريت له من البلاد البعيدة بأغلى الأثمان، مع صفاء السريرة والعقل والكرم، وتقريب العلماء.

أكثر عن: زكريا بن الخطاب، وأجاز له: قاسم بن ثابت كتاب: "الدلائل في غريب الحديث". وكتب عن خلق كثير، منهم: قاسم بن أصبغ، ومحمد بن محمد بن عبد السلام الخشني، وأحمد بن دحيم.

ولقد ضاقت خزائنه بالكتب إلى أن صارت إليه، وآثرها على لذات الملوك، فغزر علمه، ودق نظره، وكان له يد بيضاء في معرفة الرجال، والأنساب، والأخبار، وقلما تجد له كتابًا إلا وله فيه قراءة أو نظر، من أي فن كان، ويكتب فيه نسب المؤلف، ومولده ووفاته، ويأتي من ذلك بغرائب لا تكاد توجد.

ومن محاسنه: أنه شدد في مملكته في إبطال الخمور تشديدًا عظيمًا.

وكان أخوه الأمير عبد الله المعروف بالولد، على أنموذجه في محبة العلم، فقتل في أيام أبيه.

(1)

ترجمته في نفح الطيب "1/ 382".

ص: 289

وكان المستنصر موثقًا فيما ينقله. ذكره: ابن الأبار في "تاريخه"، وقال: عجبًا لابن الفرضي، وابن بشكوال، كيف لم يذكراه؟!

مولده في سنة اثنتين وثلاثمائة.

وقال اليسع بن حزم: كان الحكم عالمًا، راوية للحديث، فطنًا، ورعًا.

وفد عليه أبو علي القالي، وأبو علي الزُّبيدي، وغيرهما.

ولما توفي القاضي منذر بن سعيد، استعمل على القضاء الفقيه ابن بشير، فشرط عليه نفوذ الحق والعدل؛ فرفع إليه تاجر: أنه ضاعت له جارية صغيرة، وأنها في القصر، فانتهى الأمر إلى الحكم. فقال الحكم: نرضي هذا التاجر بكل ما عسى أن يرضى به. فقال ابن بشير: لا يكمل عدلك حتى تنصف من نفسك، وهذا قد ادعى أمرًا، فلا بد من إحضارها، وشهادة الشهود على عينها. فأحضرها الحكم، وأنصف التاجر.

وفي دولة الحكم همت الروم بأخذ مواضع من الثغور، فقواها بالمال والجيوش، وغزا بنفسه، وزاد في القطيعة على الروم، وأذلهم.

وكان موته بالفالج، في صفر، سنة ست وستين وثلاثمائة. وخلف ولدًا، وهو هشام، فأقيم في الخلافة بتدبير الوزير ابن أبي عامر القحطاني.

ص: 290

‌1234 - هشام بن الحكم

(1)

:

بن عبد الرحمن الخليفة، المؤيد بالله بن المستنصر بالله بن الناصر الأموي، الأندلسي أبو الوليد. ولي الأمر بعد والده، وطالت أيامه.

مولده بمدينة الزهراء، في جمادى الآخرة، سنة أربع وخمسين.

وبويع وله اثنا عشر عامًا بإشارة الدولة، وقام بتدبير الخلافة المنصور محمد بن أبي عامر، واستبد بالأمور، فقبض أول شيء على عمه المغيرة بن الناصر.

وكان هشام العاشر من ملوك بني أمية بالأندلس، وكان ضعيف الرأي، أخرق، محجورًا عليه، فكان صورة، وكان المنصور هو الكل، فساس المملكة أتم سياسة، وغزا عدة غزوات ضخام.

وسيأتي في حدود الأربعمائة خبر المؤيد، وهذا المنصور.

(1)

ترجمته في نفح الطيب "1/ 187".

ص: 290

‌1235 - يَعْلَى بن الأشدق

(1)

:

لعقيلي، البدوي، المعمر.

حدث عن: عمه؛ عبد الله بن جراد، ورقاد بن ربيعة، وكليب بن جري الأعراب -وزعم أن لهم صحبة- وعن النابغة الجعدي.

وعنه: عمر بن إسماعيل بن مجالد، وإسماعيل بن عبد الله قاضي دمشق، وداود بن رشيد، وأبو وهب الوليد بن عبد الملك، وهاشم بن قاسم الحرَّانيان، وأيوب بن محمد الوزان، وآخرون.

كنيته أبو الهيثم، وكان تالفًا يدور النواحي، ويشحذ.

قال أحمد الأبَّار: سألت الوزان عنه، فقال: كان من أهل البادية، كتب عنه أهل حران، رأيت له ابنًا كأنه أكبر منه، وبنتًا كأنها أمه، فظننت أنها أمه. فقال: هذه بنتي ولدت بعد المائة.

وقال أبو وهب: سمعته يقول: لي مائة وست وعشرون سنة ونصف.

وقال أبو حاتم: قال أبو مسهر قدم يعلى دمشق، وكان أعرابيًّا، فحدث عن عبد الله بن جراد سبعة أحاديث. فقلنا: لعله حق، ثم جعلها عشرة، ثم عشرين، ثم جعلها أربعين.

وكان سائلا يسأل الناس.

وقال البخاري: لا يكتب حديثه.

وقال أبو زرعة: لا يصدق.

وقال ابن عدي: بلغني عن أبي مسهر، قال: قلت ليعلى: ما سمع عمك من النبي صلى الله عليه وسلم? قال: "جامع الثوري"، و"موطأ مالك"، وشيئًا من الفوائد.

وقال ابن حبان وضعوا له أحاديث، فحدث بها، ولم يدر.

قلت: بقي إلى ما بعد ثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3554"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 257"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 1305"، المجروحين لابن حبان "3/ 141"، والكامل لابن عدي "7/ ترجمة 2186"، وميزان الاعتدال "4/ 456".

ص: 291

‌1236 - العَطَّاف

(1)

: " ت، س"

ابن خالد بن عبد الله بن العاص بن وابصة بن خالد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، الإمام، أبو صفوان المخزومي، المدني، أحد المشايخ الثقات.

حدث عن: نافع، وزيد بن أسلم، وأبي حازم المديني، وجماعة.

وعنه: أبو اليمان، وسعيد بن أبي مريم، وآدم بن إياس، وسعيد بن منصور، وقتيبة، وأبو مصعب، وآخرون.

وثقه أحمد بن حنبل.

وقال أبو داود: ليس به بأس.

وقال البخاري: لم يحمده مالك.

وقال أبو أحمد في "الكنى": ليس بالمتين عندهم، غمزه مالك.

وقال أبو حاتم: ليس بذاك.

قلت: تفرد عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم: أقاد من خِدْش. وهذا منكر، لكن تفرد به عنه: مخلد بن مالك.

وللعطاف نحو من مائة حديث، وهو نحو فليح، وابن أبي حازم في القوة.

وسمعه يحيى بن بكير يقول: أنا أسن من مالك، ولدت سنة إحدى وتسعين.

قلت: موته قريب من وفاة مالك.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 412"، المعرفة والتارخي ليعقوب الفسوي "1/ 241 و 626" و"2/ 300"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1466"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 175"، والمجروحين لابن حبان "2/ 193"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1543"، والكاشف "2/ ترجمة 3873"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 5636"، وتهذيب التهذيب "7/ 221"، وتقريب التهذيب "2/ 24"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5649".

ص: 292

‌1237 - إبراهيم بن صالح

(1)

:

ابن علي بن عبد الله بن عباس العباسي، أمير الشام للمهدي، ثم أمير مصر للرشيد، وزوجه بأخته، وهو أخو عبد الملك.

قيل: مرض إبراهيم، فقال الرشيد لجبريل الطبيب: ما أبطأك? قال: تشاغلت بإبراهيم، لأنه يموت. فبكى وجزع، ولم يأكل. فقال جعفر: هذا أعلم بطب الروم، وابن بهلة أعلم بطب الهند، فبعث بابن بهلة، فرجع، وقال: إنه لا يموت في علته. فأكل الرشيد، وسكن. فلما أمسوا جاءه الموت، فبكى الرشيد، فأتاه ابن بهلة، وقال: إنه لم يمت. فدخل الرشيد معه. قال: فنخسه بمسلة تحت ظفره، فحرك يده شيئًا، ثم أمر بنزع الكفن عنه، ودعا بمنفاخ وكندس، فنفخ في أنفه، فعطس، وفتح عينيه، فرأى الرشيد، فأخذ يده، فقبلها، فقال: كيف حالك? قال: كنت في ألذ نومة، فعض شيء أصبعي، فآلمني، وعوفي. ثم زوجه بأخته عباسة، وولاه مصر، وبها مات، فكان يقال: رجل مات ببغداد، ومات ودفن بمصر.

مات سنة ست وسبعين ومائة، في شعبان.

وله عدة إخوة أمراء، سادة، قادة، قل أن يتفق إخوة مثلهم في الجلالة والسؤدد، وهم: إسماعيل، وعبد الوهاب، وعبد الله، وعبد الملك، والفضل.

(1)

ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي (1/ 156 و 682".

ص: 292

‌1238 - الفيض

(1)

:

ابن أبي صالح شيرويه، الوزير الكبير، أبو جعفر الفارسي. أسلم، وكان نصرانيًّا، فوزر للمهدي في أواخر دولته.

وكان سخيًّا، جوادًا، يضرب بكرمه المثل، وفيه تيه مفرط، أنسى الناس تيه الوزير أبي عبيد الله.

قال الصولي: لم يزل وزيرًا حتى مات المهدي، ثم ولي الفيض ديوان الجيش إلى أن مات في سنة ثلاث وسبعين ومائة.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ 26".

ص: 293

‌1239 - عُمَارة بن حمزة

(1)

:

الهاشمي، مولاهم، الكاتب الأديب، أحد بلغاء زمانه، ورئيس وقته، من أولاد عكرمة مولى ابن عباس. قاله ابن خلكان. قال: وكان كاتب المنصور، وكان أعور.

وكان المنصور والمهدي يقدمانه لبلاغته، ويحتملان أخلاقه، وله رسائل مجموعة.

كان فصيحًا، مفوهًا، جوادًا، ممدحًا، صلفًا، تياهًا، يضرب بكبره المثل.

ولي أعمالا جليلة.

صودر يحيى بن خالد البرمكي مرة، فبعث ولده إلى عمارة ليقرضه مائتي ألف دينار، فأعطاه، فلما عاد أمره، ونفذ إليه بالمال، عبس وقال: أكنت صيرفيًّا له? ثم قال لولده الفضل بن يحيى: خذها لك.

وعن عبد الله بن أبي أيوب قال: وصل عمارة أبي بثلاثمائة ألف درهم.

وقيل إن جماعة أتوه ليشفعوا في بر قوم، فأمر لهم بمائة ألف درهم، وكان كثير الأموال والنعم.

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 164".

ص: 293

‌1240 - عُبَيْس بن ميمون

(1)

: " ق"

الإمام، المحدث، أبو عبيدة التميمي، الرقاشي، البصري، الخزاز.

روى عن: بكر المزني، ومعاوية بن قرة، وثابت، ويحيى بن أبي كثير، والقاسم بن محمد -إن كان لحقه- وعون بن أبي شداد، وعدة.

وعنه: الطيالسي، وأبو عاصم، ومسلم، ويحيى بن غيلان، وسعيد ابن منصور، وخلف بن هشام، وأحمد بن عبدة، وقتيبة، وداهر بن نوح، وخلق.

قال أحمد: له أحاديث منكرة.

وقال ابن معين: متروك. وقال أيضًا: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو داود: تُرك.

قلت: له في ابن ماجه حديث واحد.

وتوفي في حدود الثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 359"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 183"، والمجروحين لابن حبان "2/ 186"، والكاشف "2/ ترجمة 3705"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 5463"، وتهذيب التهذيب "7/ 88"، وتقريب التهذيب "1/ 548"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4683".

ص: 294

‌1241 - خالد بن عبد الله

(1)

: " ع"

ابن عبد الرحمن بن يزيد الحافظ، الإمام، الثبت، أبو الهيثم. ويقال: أبو محمد المزني مولاهم، الواسطي، الطحان. ويقال: ولاؤه للنعمان بن مُقَرِّن.

حدث عن: حصين بن عبد الرحمن، وبيان بن بشر، وأبي طُوالة، وسهيل بن أبي صالح، وعاصم بن كليب، وعطاء بن السائب، ومغيرة بن مِقْسَم، وحميد الطويل، وخالد الحذاء، وإسماعيل بن أبي خالد، وأبي بشر جعفر بن أبي وحشية، والجريري، وعمرو بن يحيى بن عمارة المازني، ومطرف بن طريف، وواصل مولى أبي عيينة، وليث بن أبي سليم، وسليمان التيمي، ويونس بن عبيد، وأبي إسحاق الشيباني، وأبي حيان التيمي، ويزيد بن أبي زياد، وخلق كثير. وأبي حصين، وما أظنه سمع من الأعمش.

وعنه: يحيى القطان، ووكيع، وابن مهدي، ومسدد، ويحيى بن يحيى، وأبو عمر الحوضي، وسعيد بن يعقوب الطالقاني، ومحمد بن الصباح الدولابي، وعمرو بن عون، ومحمد بن سلام البيكندي، ومحمد بن مقاتل المروزي، ومعلى بن منصور، ووهب بن بقية، وقتيبة، وعبد الحميد بن بيان، وإسحاق بن شاهين، وخلق سواهم.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: كان خالد الطحان ثقة، صالحًا في دينه، بلغني أنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات، وهو أحب إلينا من هشيم.

وقال عبد الله بن أحمد أيضًا: قال أبي: كان خالد من أفاضل المسلمين، اشترى نفسه من الله أربع مرات، فتصدق بوزن نفسه فضة أربع مرات.

وقال ابن سعيد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة.

وقال الترمذي: ثقة، حافظ.

وقال أبو حاتم أيضًا: صحيح الحديث.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 313"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 550"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 171 و 341 و 478" و"2/ 536 و 459" و"3/ 80"، والكنى للدولابي "2/ 95"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1536"، وتاريخ بغداد "8/ 295"، والأنساب للسمعاني "8/ 214"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 246"، والعبر "1/ 273 و 407"، والكاشف "1/ ترجمة 1342"، وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة 163"، تهذيب التهذيب "3/ 100"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1773"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 292".

ص: 295

قال أبو داود: قال إسحاق الأزرق: ما أدركت أفضل من خالد الطحان. قيل: قد رأيت سفيان? قال: كان سفيان رجل نفسه، وكان خالد رجل عامة.

وقال محمد بن عبد الله بن عمار: هو أثبت من جرير بن عبد الحميد.

وأما عثمان بن أبي شيبة، فكان يقدم جريرًا على خالد بن عبد الله.

قال عمرو بن عون: ما صليت خلف ابن عبد الله إلا سمعت قطر دموعه على البارية.

وقال علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي: ولد سنة عشر ومائة.

وقال عبد الحميد بن بيان: مات خالد الطحان في رجب، سنة تسع وسبعين ومائة، وكان لا يخضب، وفيها أرخه يعقوب الفسوي.

وقال خليفة، وابن سعد: مات سنة اثنتين وثمانين ومائة.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا أكمل بن أبي الأزهر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا أبو نصر الزينبي، أخبرنا أبو بكر بن زنبور، أخبرنا عبد الله بن أبي داود، حدثنا إسحاق بن شاهين، حدثنا خالد، عن الجريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الجنة بحر الماء، وبحر اللبن، وبحر الخمر، وبحر العسل، ثم تنفجر الأنهار بعد". تابعه بَهْز بن حكيم، عن أبيه. أخرجه الترمذي من حديث يزيد بن هارون، عن بهز، وصححه، وانفرد بإخراجه عن باقي الأئمة.

ص: 296

‌1242 - موسى بن أعْيَن

(1)

: " خ، م، د، س، ق"

الإمام، الحجة، أبو سعيد الحراني.

روى عن: عطاء بن السائب، وليث، وعبد الكريم الجزري، والأعمش، وعبد الله بن محمد بن عقيل، ومطرف بن طريف، ويزيد بن أبي زياد، ومعمر، وخلق.

وعنه: إسماعيل بن عبد الله بن سماعة، وأحمد بن أبي شعيب، وعبد الغفار بن داود، وسعيد بن حفص النفيلي، وقرابته أبو جعفر النفيلي، ويحيى بن يحيى، وآخرون.

وثقه أبو حاتم، وغيره.

توفي سنة سبع وسبعين ومائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 483"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 1190"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 616"، والعبر "1/ 271"، والكاشف "3/ ترجمة 5777"، وتهذيب التهذيب "10/ 335"، وتقريب التهذيب "2/ 281"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7245"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 288".

ص: 296

‌1243 - أما المُفَضَّل بن فَضَالة

(1)

: " د، ت، ق"

ابن أبي أمية، أبو مالك، القرشي مولاهم، البصري، أخو مبارك بن فضالة، فأقدم قليلا من صاحب الترجمة.

روى عن: بكر بن عبد الله المزني، وثابت البناني، وحبيب بن الشهيد، وعاصم بن أبى النجود، وجماعة.

وعنه: حماد بن زيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو سلمة، ويونس بن محمد، وجماعة.

قال النسائي، وغيره: ليس بالقوي.

وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.

قلت: له في الكتاب حديث واحد.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1774"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1835"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1460"، والكامل لابن عدي "6/ ترجمة 1891"، والكاشف "3/ ترجمة رقم 5707"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8732"، وتهذيب التهذيب "10/ 273"، وتقريب التهذيب "2/ 271"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7173".

ص: 297

‌1244 - أبو الأحوص

(1)

: " ع"

الإمام، الثقة، الحافظ، سلام بن سليم الحنفي مولاهم، الكوفي.

حدث عن: زياد بن عِلاقة، والأسود بن قيس، وآدم بن علي، وعبد العزيز بن رفيع، وسعيد بن مسروق، وسماك بن حرب، وأبي إسحاق، وإبراهيم بن مهاجر، وأبي بشر بيان بن بشر، وأشعث بن أبي الشعثاء، وشبيب بن غَرْقَدة، وأبي حُصين، ومنصور، وعاصم بن كليب، وعبد الكريم الجزري، وخلق سواهم.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 379"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2231"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 170" و"2/ 641" و"3/ 127 و 162"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1121"، والعبر "1/ 274"، وتهذيب التهذيب "4/ 282"، وتقريب التهذيب "1/ 342"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2840"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 292".

ص: 297

وعنه: عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع، ويحيى بن آدم، وخلف بن تميم، والحسن بن الربيع البوراني، وأبو توبة الربيع بن نافع، وسعيد بن منصور، وعاصم بن يوسف، وقتيبة، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان، ومحمد بن سلام البيكندي، ومحمد بن عبيد المحاربي، وهناد بن السري، ويحيى بن يحيى، وعبد الله بن عمر بن أبان، وأحمد بن حواس الحنفي، وخلف بن هشام، وسويد بن سعيد، وآخرون.

قال عبد الرحمن بن مهدي: هو أثبت من شريك.

وقال أحمد بن زهير: عن يحيى: ثقة.

وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: أبو الأحوص أحب إليك، أو أبو بكر بن عياش? قال: ما أقربهما.

وقال أحمد العجلي: كان ثقة، صاحب سنة واتباع، وكان إذا ملئت داره من أصحاب الحديث، قال لابنه أحوص: يا بني! قم فمن رأيته في داري يشتم أحدًا من الصحابة، فأخرجه، ما يجيء بكم إلينا?!

وكان حديثه نحو أربعة آلاف حديث.

وهو خال المقرئ سليم

(1)

، صاحب حمزة، وقرأ أبو الأحوص أيضًا القرآن على حمزة.

وقال أبو زرعة، والنسائي: ثقة.

وقال أبو حاتم: صدوق، هو دون زائدة وزهير في الإتقان، شريك وأبو عوانة أحب إلي منه.

وسئل أبو حاتم عن أبي الأحوص، وأبي بكر بن عياش، فقال: لا تبال بأيهما بدأت.

قال عبد الله بن أبي الأسود، وغيره: مات أبو الأحوص ومالك وحماد بن زيد سنة تسع وسبعين ومائة.

أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا تميم بن أبي سعيد، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن موسى بن

(1)

هو: سُليم بن عيسى بن سليم بن عامر الحنفي مولاهم الكوفي المقرئ، عرض القرآن على حمزة بن حبيب الزيات، وهو من القراء السبعة، وهو أخص أصحابه وألصقهم به وهو أضبطهم.

ص: 298

طلحة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدُكم فليجعل بين يديه مثل آخرة الرحل ثم يصلي، ولا يبالي من مر وراء ذلك". أخرجه مسلم

(1)

، عن أبي بكر.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا موسى، أخبرنا ابن البناء، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا لُوَين، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار بالله من النار، قالت النار: اللهم أجره من النار"

(2)

. أخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه من طريق أبي الأحوص، وهو حديث حسن.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "499".

(2)

صحيح: أخرجه الترمذي "2572"، والنسائي "8/ 279" وفي "عمل اليوم والليلة""110" وابن ماجه "4340" من طريق هناد بن السرى، عن أبي الأحوص، به.

وأخرجه أحمد "3/ 117"، والحاكم "1/ 535" من طريق أبي إسحاق، به، وأخرجه أحمد "3/ 141 و 155 و 262"، والبغوي في "شرح السنة""1365" من طرق عن يونس بن أبي إسحاق، عن بُريد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك، به مرفوعا.

ص: 299

‌1245 - شِهاب بن خِراش

(1)

: " د"

ابن حَوْشَب بن يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم بن عبد الله بن سعد بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة. الإمام، القدوة، العالم، أبو الصلت الشيباني، ثم الحوشبي، الوساطي، أخو عبد الله، وابن أخي العوام بن حوشب.

أصله كوفي، تحول إلى الرَّملة.

وحدث عن: عمرو بن مرة، وأبان بن أبي عياش، وعبد الملك بن عمير، وعبد الكريم الجزري، ومنصور بن المعتمر، ومحمد بن زياد القرشي، وقتادة، وعاصم بن بهدلة، وعمه العوام، وحماد بن أبي سليمان، وشعيب بن رزيق الطائفي، والقاسم بن غزوان. وينزل إلى: الثوري، والربيع بن صبيح، وعدة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2642"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 325"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1586"، والمجروحين لابن حبان "1/ 362"، والكامل لابن عدي "4/ ترجمة 894"، والإكمال لابن ماكولا "3/ 105"، والكاشف "2/ ترجمة 2333"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3750"، تهذيب التهذيب "4/ ترجمة 366"، وتقريب التهذيب "1/ 355" وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2979".

ص: 299

وعنه: ابن مهدي، وعبد الله بن ميمون القداح، وابن أبي فديك، والهيثم بن خارجة، وآدم بن إياس، وعثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وسعيد بن منصور، والحكم بن موسى، وقتيبة، وعلي بن حجر، ويزيد بن موهب، وسويد بن سعيد، وخلق كثير.

وثقه ابن المبارك، وابن معين، وابن عمار، وأبو زرعة.

وقال أحمد، وغيره: لا بأس به.

قال أحمد العجلي: ثقة، نزل الرملة.

قال أبو زرعة: ثقة، صاحب سنة.

وقال أبو حاتم: صدوق، لا بأس به.

وقال ابن عدي: له أحاديث ليست كثيرة، وفي بعض رواياته ما ينكر عليه، ولا أعرف للمتقدمين فيه كلامًا فأذكره.

قلت: وذلك لانزوائه بفلسطين.

قال أبو بكر بن أبي الأسود: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: لم أر أحدًا أجمع من عبد الله بن المبارك، ولم أر أحدًا أقدمه على بشر بن منصور، ولم أر أحدًا أحسن وصفًا للسنة من شهاب بن خراش، ولم أر أحدًا أعلم بالسنة من حماد بن زيد، ولسفيان علمه وزهده.

بهلول بن إسحاق: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا شهاب بن خراش قال: أدركت من أدركت من صدرة هذه الأمة، وهم يقولون: اذكروا مجلس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تأتلف عليه القلوب، ولا تذكروا الذي شجر بينهم، فتحرشوا عليهم الناس.

محمد بن سعيد الخريمي، عن هشام بن عمار: سمعت شهاب بن خراش يقول: إن القدرية أرادوا أن يصفوا الله بعدله، فأخرجوه من فضله.

قال هشام: لقيت شهابًا وأنا شاب، في سنة أربع وسبعين ومائة، فقال لي: إن لم تكن قدريًّا ولا مرجئًا، حدثتك، وإلا لم أحدثك. فقلت: ما فيَّ من هذين شيء.

وقال مسلم في مقدمة كتابه: حدثنا محمد بن عبد الله بن قُهْزَاد، عن أبي إسحاق الطالقاني، قال: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن! الحديث الذي جاء: "إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك". فقال: يا أبا إسحاق، عمن هذا? قلت: هذا من حديث شهاب بن خراش. قال: ثقة، عمن? قلت: عن

ص: 300

الحجاج بن دينار. قال: ثقة، عمن? قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إن بين الحجاج وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف

(1)

.

خرَّج أبو داود لشهاب في سننه حديثين.

ومات قبل سنة ثمانين ومائة، فقد لحقه علي بن حُجْر.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن زينب الشعرية، أخبرتنا فاطمة بنت زعبل، أخبرنا أبو الحسين الفارسي، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا شهاب بن خراش، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله لعن المرجئة والقدرية على لسان سبعين نبيًّا"

(2)

.

أخبرنا الحافظ، أبو الحسين علي بن محمد، أخبرنا الحسن بن صباح، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا علي بن الحسن القاضي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر البزاز سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد العامري، حدثنا سلمان بن شعيب الكيساني، حدثنا سعيد الآدم، حدثنا شهاب بن خراش، حدثنا يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخوف ما أخاف على أمتي، تصديق بالنجوم، وتكذيب بالقدر، ولا يؤمن عبد الله حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره"، وأخذ رسول الله بلحيته، وقال:"آمنت بالقدر كله، خيره وشره، حلوه ومره"، وأخذ أنس بلحيته، وقال: آمنت بالقدر كله، خيره وشره، حلوه ومره، وأخذ يزيد الرقاشي بلحيته، وقال: آمنت بالقدر كله، خيره وشره، حلوه ومره. وتسلسل إلي هذا الكلام، وهو كلام صحيح، لكن الحديث واه، لمكان الرقاشي.

(1)

ضعيف: أخرجه مسلم في "مقدمة صحيحه""1/ 16"، وهو ضعيف لإرساله، الحجاج بن دينار الذي أرسله من طبقة كبار أتباع التابعين فالإسناد ضعيف.

(2)

ضعيف: فيه سويد بن سعيد، قال النسائي: ضعيف. وقال البخاري: ضعيف جدا. وقال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس.

ص: 301

‌1246 - هُشَيْم

(1)

: " ع"

ابن بشير بن أبي خازم. واسم أبي خازم قاسم بن دينار، الإمام، شيخ الإسلام، محدث بغداد، وحافظها، أبو معاوية السلمي مولاهم، الواسطي.

ولد سنة أربع ومائة.

وأخذ عن الزهري، وعمرو بن دينار بمكة، ولم يكثر عنهما، وهما أكبر شيوخه.

وروى عن: منصور بن زاذان، وحصين بن عبد الرحمن، وأبي بشر، وأيوب السختياني، وأبي الزبير، ومغيرة، وسليمان التيمي، وعبد العزيز بن صهيب، وعلي بن زيد، وأبي إسحاق الشيباني، ويحيى بن سعيد، ويعلى بن عطاء، ويحيى بن أبي إسحاق، وأبي هاشم الرماني، وحميد الطويل، وعبد الله بن أبي صالح السمان، وعطاء بن السائب، والأعمش، وخلق.

حدث عنه: ابن إسحاق، وعبد الحميد بن جعفر، وشعبة، وسفيان، وهم من أشياخه، وحماد بن زيد، وابن المبارك، وطائفة من أقرانه، ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعفان، وقتيبة، وأحمد، وعمرو بن عون، ومسدد، وابن المديني، وابنا أبي شيبة، وعلي بن حجر، وعلي بن مسلم الطوسي، وعمرو الناقد، وأبو عبيد، وابن الصباح الدولابي، والجرجرائي، وشجاع بن مخلد، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، ويعقوب الدورقي، وأبو معمر القطيعي، وخلف بن سالم، وأبو خيثمة، وأحمد بن منيع، وأبو كريب، وأبو سعيد الأشج، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وهناد بن السري، وزياد بن أيوب، والحسن بن عرفة، وإبراهيم بن مُجَشِّر، وخلق كثير.

سكن بغداد، ونشر بها العلم، وصنف التصانيف.

قال يعقوب الدورقي: كان عند هشيم عشرون ألف حديث.

قلت: كان رأسًا في الحفظ، إلا أنه صاحب تدليس كثير، قد عرف بذلك.

قال أحمد بن حنبل: لم يسمع هشيم من يزيد بن أبي زياد، ولا من الحسن بن عبيد الله،

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 313"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 6867"؛ والجرح والتعديل "9/ ترجمة 486"، وتاريخ بغداد "14/ 85"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 235"، والكاشف "3/ ترجمة 6080"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9250"، وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة رقم 849"، وتهذيب التهذيب "11/ 59"، وتقريب التهذيب "2/ 320"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7766"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 303".

ص: 302

ولا من أبي خالد، ولا من سيَّار، ولا من موسى الجهني، ولا من علي بن زيد بن جدعان، ثم سمى جماعة كثيرة، يعني فروايته عنهم مدلسة.

قال إبراهيم الحربي: كان والد هشيم صاحب صحْنَاء وكَامَخ، فكان يمنع هشيمًا من الطلب، فكتب العلم حتى ناظر أبا شيبة القاضي، وجالسه في الفقه. قال: فمرض هشيم، فجاء أبو شيبة يعوده، فمضى رجل إلى بشير، فقال: الحق ابنك، فقد جاء القاضي يعوده. فجاء فوجد القاضي في داره فقال: متى أملت أنا هذا، قد كنت يا بني أمنعك، أما اليوم فلا بقيت أمنعك.

قال وهب بن جرير: قلنا لشعبة: نكتب عن هشيم? قال: نعم، ولو حدثكم عن ابن عمر فصدقوه.

قال أحمد بن حنبل: لزمت هشيمًا أربع سنين، أو خمسًا، ما سألته عن شيء، إلا مرتين، هيبة له، وكان كثير التسبيح بين الحديث، يقول بين ذلك: لا إله إلا الله، يمد بها صوته.

وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: كان هشيم أحفظ للحديث من سفيان الثوري.

وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أحدًا أحفظ للحديث من هشيم، إلا سفيان. إن شاء الله.

قال أحمد بن عبد الله العِجلي: هشيم ثقة، يعد من الحفاظ، وكان يدلس.

قال ابن أبي الدنيا: حدثني من سمع عمرو بن عون يقول: مكث هشيم يصلي الفجر بوضوء العشاء قبل أن يموت عشرين سنة.

وقال عمرو بن عون: سمعت حماد بن زيد يقول: ما رأيت في المحدثين أنبل من هشيم.

وسئل أبو حاتم عن هشيم، فقال: لا يسأل عنه في صدقه، وأمانته، وصلاحه.

وقال عبد الله بن المبارك: من غير الدهر حفظه، فلم يغير حفظ هشيم.

قال يحيى بن أيوب العابد: سمعت نصر بن بسام وغيره من أصحابنا، قالوا: أتينا معروفًا الكرخي فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو يقول لهشيم:"جزاك الله عن أمتي خيرًا". فقلت لمعروف: أنت رأيت? قال: نعم، هشيم خير مما نظن.

أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، حدثنا أبو سفيان الحميري، عن هشيم قال: قدم الزبير رضي الله عنه الكوفة في خلافة عثمان، وعلى الكوفة سعيد بن العاص، فبعث إليه بسبعمائة ألف، وقال: لو كان في بيت المال أكثر من هذا لبعثت بها إليك، فقبلها

ص: 303

الزبير. قال أحمد: فحدثت بهذا مصعب بن عبد الله، فقال: ما كان الذي بعث إليه عندنا إلا الوليد بن عقبة، وكنا نشكرها لهم، وهشيم أعلم.

قال أبو سفيان: سألت هشيمًا عن التفسير، كيف صار فيه الاختلاف? قال: قالوا برأيهم، فاختلفوا.

قال إبراهيم بن عبد الله الهروي: سمع هشيمًا وابن عيينة من الزهري، في سنة ثلاث وعشرين، في ذي الحجة، فقال سفيان: أقام عندنا إلى عمرة المحرم، ثم خرج إلى الجعرانة، فاعتمر منها، ثم نفر، ومات من سنته.

وقد ذكر إبراهيم بن عبد الله الهروي حديثًا، فقال: لم يسمعه هشيم من الزهري، ولم يرو عنه سوى أربعة أحاديث سماعًا، منها:"حديث السقيفة"

(1)

، وحديث " المضامين والملاقيح"

(2)

، وحديث "ما استيسر من الهدي"، وحديث:"اعتكف فأتته صفية"

(3)

.

(1)

صحيح: أخرجه أبو داود "4418" من طريق هشيم، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس، به مختصرا، وأخرجه البخاري "6830" من حديث طويل من طريق إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن الزهري، به.

(2)

حسن لغيره: أخرجه البزار "1268" كشف الأستار والطبراني في "الكبير""11/ 11581" من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة".

قلت: إسناده ضعيف، فيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، قال البخاري: عنده مناكير. وقال النسائي: ضعيف. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. والعلة الثانية: داود بن الحصين، ضعيف في عكرمة، لذا قال الحافظ في "التقريب": ثقة إلا في عكرمة، وأخرجه البزار "1267" من طريق سعيد بن سفيان عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الملاقيح والمضامين".

قلت: إسناده ضعيف، فيه صالح بن أبي الأخضر، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب". لكن الحديث يرتقي لمرتبة الحسن لغيره بشاهد أبي هريرة والله أعلم.

الملاقيح: جمع ملقوح، وهو ما في بطن الناقة. والمضامين: جمع مضمون وهو ما في صلب الفحل.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "2035"، ومسلم "2175" من طريق الزهري، عن علي بن حسين، عن صفية بنت حيي قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"على رسلكما، إنها صفية بنت حيي". فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا -أو قال: شيئا". واللفظ لمسلم. أما رواية هشيم عن الزهري، فقد عزاها الحافظ في "الفتح""13/ 142" إلى سعيد بن منصور.

ص: 304

قلت: قد ذكرنا في ترجمة شعبة أنه اختطف صحيفة الزهري من يد هشيم، فقطعها لكونه أخفى شأن الزهري على شعبة لما رآه جالسًا معه، وسأله من ذا الشيخ? فقال: شرطي لبني أمية، فما عرفه شعبة، ولا سمع منه، وهذه هفوة كانت من الاثنين في حال الشبيبة، ثم إن هشيمًا كان يحفظ من تلك الصحيفة أربعة أحاديث، فكان يرويها.

قال أحمد بن حنبل: ليس أحد أصح حديثًا من هشيم، عن حصين.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: حفظ هشيم عندي أثبت من حفظ أبي عوانة، وكتاب أبي عوانة أثبت.

روى عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه قال: الذين رأيتهم لا يختضبون: هشيم، معتمر، يحيى بن سعيد، معاذ بن معاذ، ابن إدريس، ابن مهدي، إسماعيل بن إبراهيم، عبد الوهاب الثقفي، يزيد بن هارون، أبو معاوية حفص بن غياث، عباد بن العوام.

إلى السواد: جرير بن نمير، غندر بن فضيل البرساني، عبد الرزاق، عباد بن عباد بن أبي زائدة، الوليد بن مسلم.

خضابًا خفيفًا: مرحوم العطار، حجاج، سعد، ويعقوب ابنا إبراهيم، أبو داود، أبو النضر، أبو نعيم. خضابًا خفيفًا: محمد بن عبيد، أخوه يعلى، أخوهما عمر. خضابًا خفيفًا: أبو قطن، أبو المغيرة، علي بن عياش، أبو اليمان، عصام بن خالد، بشر بن شعيب، يحيى بن أبي بكير، غنام بن علي، مروان بن شجاع، شجاع بن الوليد، حميد الرؤاسي، إبراهيم بن خالد. رأيت هؤلاء يخضبون.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البنَّاء، أخبرنا علي بن البُسْري، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو الأحوص محمد بن حبان البغوي سنة سبع وعشرين، وعبيد الله بن عمر، وسريج بن يونس، قالوا: أخبرنا هشيم، أخبرنا علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع يوم القيامة ولا فخر"

(1)

.

أخرجه الترمذي، وابن ماجه، بأطول من هذا من حديث سفيان بن عيينة، عن علي بن

زيد بن جدعان، وهو من أوعية العلم، لكن له ما ينكر. وقال الترمذي: في هذا الحديث حسن، وفيه تصريح الإخبار عن علي كما ترى، وقد مر قول أحمد بن حنبل. فالله أعلم.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "3/ 2"، وابن ماجه "4308" من طريق هشيم، وأخرجه الترمذي "3615" من طريق سفيان كلاهما عن علي بن زيد بن جدعان، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته علي بن زيد بن جدعان، فإنه ضعيف. ولكن للحديث شاهدا عن واثلة بن الأسقع: أخرجه أحمد "4/ 107"، ومسلم "2276"، والترمذي "3605" و"3606" والطبراني في "الكبير" "22/ 161" من طرق عن الأوزاعي قال: حدثني شداد أبو عمار، عن واثلة، به.

ص: 305

‌1247 - أما هشيم بن أبي ساسان هشام

(1)

:

فكوفي، مُقلٌّ. يكنى: أبا علي.

يروي عن: أمَيّ الصيرفي، وابن جريج.

وعنه: قتيبة، وإبراهيم الفراء، وأبو سعيد الأشج.

قال أبو حاتم، وغيره: صالح الحديث.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2868"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 488".

ص: 306

‌1248 - عبَّاد بن عبَّاد

(1)

: " ع"

ابن حبيب، ابن الأمير المهلب بن أبي صفرة الأزدي، العَتكي، المهلبي، البصري، الحافظ، الثقة، أبو معاوية.

حدث عن: أبي جمرة الضُّبَعي، وعاصم بن سليمان، وهشام بن عروة، وجماعة.

حدث عنه: مُسدَّد، وأحمد بن حنبل، وخلف بن هشام، ويحيى بن معين، وقتيبة بن سعيد، وأحمد بن منيع، والحسن بن عرفة، وخلق سواهم.

وكان سريًّا نبيلا حجة من عقلاء الأشراف، وعلمائهم.

تعنت أبو حاتم كعادته، وقال: لا يحتج به.

وقال ابن سعد: لم يكن بالقوي في الحديث.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 290 و 327"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1626"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 99 و 197 و 248"، تاريخ بغداد "11/ 101"، والكاشف "2/ ترجمة 2592"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 247"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة رقم 4123"، وتهذيب التهذيب "5/ 95"، وتقريب التهذيب "1/ 392"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3308"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 295".

ص: 306

قلت: قد احتج أرباب الصحاح به.

وقال فيه يحيى بن معين: ثقة، وقال: هو أوثق وأكثر حديثًا من عباد بن العوام.

وقال ابن سعد أيضًا: ثقة، ربما غلط. مات ببغداد.

وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، صدوق.

قلت: توفي في رجب سنة إحدى وثمانين ومائة. ولعله كمل السبعين.

وقال البخاري: قال سليمان بن حرب: مات قبل حماد بن زيد بستة أشهر.

أنبأنا ابن أبي الخير وغيره، عن ابن كليب، أخبرنا ابن بيان، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عباد بن عباد، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: دخلت عليَّ امرأة من الأنصار، فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية، فانطلقت، فبعثت إليَّ بفراش حشوه صوف، فدخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ما هذا"? فأخبرته. فقال: "رديه". فلم أرده، وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال ذلك ثلاثًا. فقال:"رديه، فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة"

(1)

.

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد في "الزهد""76"، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم""ص 156"، وفي إسناده مجالد، وهو ابن سعيد، وهو ضعيف.

ص: 307

‌1249 - يزيد بن زُرَيع

(1)

: " ع"

الحافظ، المجود، محدث البصرة مع حماد بن زيد، وعبد الوارث، ومُعْتَمر، وعبد الواحد بن زياد، وجعفر بن سليمان، ووهيب بن خالد، وخالد بن الحارث، وبشر بن المفضل، وإسماعيل بن علية. فهؤلاء العشرة كانوا في زمانهم أئمة الحديث بالبصرة.

يكنى يزيد أبا معاوية العيشي، البصري.

روى عن: أيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وخالد الحذاء، وحسين المعلم، وحبيب المعلم، وحبيب بن الشهيد، وحجاج بن حجاج، وحجاج بن أبي عثمان، وحميد الطويل، وداود بن أبي هند، وابن أبي عروبة، وسليمان التيمي، وابن عون، وعوف، وعُمارة بن أبي

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 289"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 3223"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 139"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 1113"، والأنساب للسمعاني "8/ 310"، والكاشف "3/ ترجمة 6413"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 242"، والعبر "1/ 284"، وتهذيب التهذيب "11/ 325"، وتقريب التهذيب "2/ 250"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 298".

ص: 307

حفصة، وهشام بن عروة، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي، وسعيد الجريري، وروح بن القاسم، وطائفة. ولا رحلة له.

روى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، ومسدد، وعلي بن المديني، وأمية بن بسطام، والقواريري، ومحمد بن المنهال الضرير، ومحمد بن منهال أخو حجاج، وأحمد بن المقدام، ونصر بن علي الجهضمي، وخلق كثير.

قال أحمد بن حنبل: كان ريحانة البصرة، ما أتقنه وما أحفظه.

وقال أبو حاتم الرازي: ثقة، إمام.

وقال أبو عوانة الوضاح: صحبت يزيد بن زريع أربعين سنة، يزداد في كل سنة خيرًا. وقال بشر الحافي: كان يزيد بن زريع متقنًا، حافظًا، ما أعلم أني رأيت مثله ومثل صحة حديثه.

قال يحيى بن سعيد القطان: لم يكن ههنا أحد أثبت منه.

قلت: وكان صاحب سنة واتباع، كان يقول: من أتى مجلس عبد الوارث، فلا يقربَنِّي.

قال نصر بن علي الجهضمي: رأيت يزيد بن زريع في المنام، فقلت: ما فعل الله بك? قال: أدخلت الجنة. قلت: بماذا? قال: بكثرة الصلاة.

قلت: كان أبوه واليًا على الأبُلَّة.

مولده: في سنة إحدى ومائة. ومات: في سنة اثنتين وثمانين ومائة.

قال صالح بن حاتم بن وردان: سمعت يزيد بن زريع يقول: لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد.

وفي "التهذيب" من الرواة عنه أيضًا: أحمد بن عبدة الضبي، وأحمد بن أبي عبيد الله السليمي، وإسماعيل بن مسعود، وبشر بن معاذ، وبشر بن هلال، وخليفة بن خياط، وبكر بن خلف، وبهز بن أسد، وحبان بن هلال، والحسن بن عمر بن شقيق، وحماد بن مسعدة، وروح بن عبد المؤمن، وزكريا بن عدي، وأبو الربيع الزهراني، وسهل بن عثمان، وسويد بن سعيد، وصالح بن حاتم، والصلت بن محمد الخاركي، والعباس بن الوليد النرسي، والعباس بن يزيد البحراني، والقعنبي، وعبدان، وعبد الأعلى بن حماد، والفلاس، وقتيبة، وبندار، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، ومحمد بن عبد الأعلى، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن النضر بن مساور، ويحيى بن حبيب، ويحيى بن يحيى.

ص: 308

وروى أبو بكر الأسدي، عن أحمد بن حنبل قال: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة.

وقال أحمد: كل شيء رواه: عن أبي عروبة، فلا تبال أن لا تسمعه من أحد، سماعه من سعيد قديم، وكان يأخذ الحديث بنية.

وقال عبد الخالق بن منصور، عن ابن معين: ثقة مأمون.

وقال معاوية بن صالح، عن ابن معين: هو أثبت شيوخ البصريين.

وقال ابن سعد: كان ثقة، حجة، كثير الحديث، توفي: سنة اثنتين وثمانين ومائة.

وقال ابن حبان: مات سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين، في ثامن شوال.

وكان أورع أهل زمانه. مات أبوه، وكان واليًا على الأبُلَّة، فخلف خمسمائة ألف، فما أخذ منها حبة رحمه الله.

أخبرنا أبو المعالي الأبَرْقُوهي، أخبرنا الفتح بن عبد السلام ببغداد، أخبرنا هبة الله الحاسب، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، حدثنا عيسى بن علي إملاء، قال: قُرئ على أبي بكر محمد بن إبراهيم بن نيروز، وأنا أسمع، قيل له: حدثكم عمرو بن علي، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره، ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم"

(1)

.

هذا حديث غريب من الأفراد العوالي.

(1)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 745"، ومن طريقه أخرجه أحمد "4/ 463"، والبخاري "2463"، ومسلم "1609"، والبيهقي "6/ 68 و 157"، والبغوي في "شرح السنة""2174"، عن ابن شهاب، به.

ص: 309

‌1250 - يعقوب القُمِّي

(1)

: " (4) "

الإمام، المحدث، المفسر، أبو الحسن يعقوب بن عبد الله بن سعد بن مالك بن هانئ الأشعري، العجمي، القمي.

روى عن: زيد بن أسلم، وابن عَقيل، وجعفر بن أبي المغيرة، وعدة.

وعنه: عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى الحماني، وابن حميد، وعمرو بن رافع، وأبو الربيع الزهراني.

قال النسائي: ليس به بأس.

وقال الدارقطني: ليس بالقوي.

توفي سنة أربع وسبعين ومائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 382"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 3443"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 874"، وأخبار أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني "2/ 351"، الإكمال لابن ماكولا "7/ 153"، والأنساب للسمعاني "10/ 229"، والكاشف "3/ ترجمة 6508"، والعبر "1/ 265"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9815"، وتهذيب التهذيب "11/ 390"، وتقريب التهذيب "2/ 376"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 284".

ص: 309

‌1251 - عبد الوارث بن سعيد

(1)

: " ع"

ابن ذكوان، الإمام، الثبت، الحافظ، أبو عبيدة العنبري مولاهم، البصري، التَّنَّوري، المقرئ.

حدث عن: يزيد الرِّشْك، وأيوب السختياني، وأيوب بن موسى، وشعيب بن الحبحاب، والجعد أبي عثمان، وعمرو بن عبيد، وداود بن أبي هند، والجريري، وعبد العزيز بن صهيب، وعبد الله بن أبي نجيح، وعلي بن زيد، وعمرو بن دينار، القهرمان، وسليمان التيمي، وأبي عمرو بن العلاء، وسعيد بن أبي عروبة، وعدة.

وقرأ القرآن عرضًا على أبي عمرو، وأقرأه، وقرأ أيضًا على حميد بن قيس المكي.

وجلس إلى عمرو بن دينار بمكة، وما أظنه روى عنه، فإنه قال: قعدت إليه فلم أفهم كلامه. فلما بلغ هذا القول سفيان بن عيينة قال: صدق، أدركنا عمرًا وقد سقطت أسنانه، وبقي له ناب واحد، فلولا أنا أطلنا مجالسته، ما فهمنا عنه. هذه حكاية صحيحة الإسناد.

وكان مولد عبد الوارث في سنة اثنتين ومائة.

تلا عليه محمد بن عمر القَصَبِي، وأبو معمر المقعد، وعمران بن موسى القزاز.

وحدث عنه: ولده؛ عبد الصمد، وأبو معمر عبد الله بن عمرو المُقْعَد -وهو راوية كتبه-

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 289"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1891"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 171 و 285 و 530" و"2/ 130 و 242 و 263" و"3/ 124 و 363 و 365"، والضعفاء الكبير "3/ ترجمة 1073"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 386"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5307"، وتهذيب التهذيب "6/ 441"، وتقريب التهذيب "1/ 527"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4500"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 293".

ص: 310

ومسدد بن مُسَرْهَد، وقتيبة بن سعيد، وبشر بن هلال، وعبيد الله بن عمر القواريري، وعلي بن المديني، وخلق سواهم.

وكان عالمًا مجودًا، من فصحاء أهل زمانه، ومن أهل الدين والورع، إلا أنه قدري مبتدع.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله البغوي، حدثنا بشر بن هلال الصواف، حدثنا بشر بن هلال الصواف، حدثنا عبد الوارث، عن يونس، عن الحسن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن عبد الدينار، لعن عبد الدرهم". هذا حديث صالح الإسناد، ولم يسمع الحسن من أبي هريرة. أخرجه: الترمذي عن الصواف، فوافقناه بعلو.

قال أبو عمر الجَرْمي: ما رأيت فقيهًا أفصح من عبد الوارث إلا حماد بن سلمة.

وقال محمود بن غيلان: قيل لأبي داود الطيالسي: لِمَ لا تحدث عن عبد الوارث? فقال: أأحدثك عن رجل كان يزعم أن يومًا من عمرو بن عبيد أكبر من عمر أيوب السختياني، ويونس، وابن عون?!

قال يعقوب الفَسَوي: حدثنا الحسن بن الربيع قال: كنا نسمع من عبد الوارث فإذا أقيمت الصلاة ذهبنا، فلم نصل خلفه.

قال: وقيل لعبد الله بن المبارك: كيف رويت عن عبد الوارث، وتركت عمرو بن عبيد? قال: إن عمرًا كان داعيًا. وقال علي: سمعت يحيى القطان، وذكر له أن عبد الوارث قال: سألت شعبة عن الخروج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، فأمرني به، فأنكر ذلك يحيى، وقال: كان شعبة لا يراه في يوم صفين، ولا يرى الخروج مع علي رضي الله عنه أيرى الخروج مع إبراهيم? أنا سمعت شعبة يقول: ما أدري أخطئوا أم أصابوا.

قال يحيى بن معين: قال عبد الصمد: لم يكتب أبي عن أيوب السختياني حرفًا حتى مات. هكذا هذه الرواية، وهي وهم. قد حدث عن: أيوب.

وقال عبيد الله القواريري: ما رأيت يحيى القطان روى عن أحد من مشايخنا قبل موته إلا عبد الوارث.

وورد عن حماد بن زيد: أنه كان ينهى عن الأخذ عن عبد الوارث لمكان القدر.

وقال يزيد بن زُرَيع: من أتى مجلس عبد الوارث، فلا يقربَنِّي.

ص: 311

قلت: ومع هذا، فحديثه في الكتب الستة.

وعاش بعد حماد بن زيد أشهرًا قليلة، مات في المحرم سنة ثمانين ومائة.

وقال معاذ بن معاذ: سألت أنا ويحيى القطانُ شعبةَ عن شيء من حديث أبي التياح، فقال: ما يمنعكم من ذاك الباب? يعني: عبد الوارث، فما رأيت أحدًا أحفظ لحديث أبي التياح منه. فقمنا فجلسنا إليه، فسألناه، فجعل يمر كأنها مكتوبة في قلبه.

وعن شعبة -ونظر إلى عبد الوارث موليًا- فقال: تعرف الإتقان في قفاه.

وروى حرب عن أحمد قال: كان عبد الوارث أصحهم حديثًا عن حسين المعلم.

وقال معاوية بن صالح: قلت لابن معين: من أثبت شيوخ البصريين? قال: عبد الوارث، وسمى جماعة.

عثمان بن سعيد، عن ابن معين قال: هو مثل حماد بن زيد في أيوب.

وقال البخاري: قال عبد الصمد: إنه لمكذوب على أبي، وما سمعته منه قط، يعني: القدر.

وقال أبو زرعة: ثقة.

وقال النسائي: ثقة، ثبت.

وقال ابن سعد: ثقة، حجة.

مات في المحرم، سنة ثمانين ومائة.

ص: 312

‌1252 - إبراهيم بن سعد

(1)

: " ع"

ابن إبراهيم بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف، الإمام، الحافظ، الكبير، أبو إسحاق القرشي، الزهري، العوفي، المدني.

حدث عن: أبيه قاضي المدينة، وعن: قرابته ابن شهاب الزهري، ويزيد بن الهاد، والوليد بن كثير، وصفوان بن سليم، وصالح بن كيسان، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعبد الملك بن الربيع بن سبرة، وابن إسحاق، ومحمد بن عكرمة المخزومي، وعدة.

روى عنه: ولداه؛ يعقوب وسعد، وشعبة، والليث -وهما أكبر منه- وأبو داود الطيالسي، وابن مهدي، وابن وهب، ويحيى بن آدم، ويزيد بن هارون، ومحمد بن الصباح الدولابي، والقعنبي، وأحمد بن حنبل، ولُوَين، ومنصور بن أبي مزاحم، ويسرة بن صفوان، ويحيى بن قزعة، وإبراهيم بن حمزة، وسليمان بن داود الهاشمي، وإسماعيل ابن ابنة السدي، ويعقوب بن حميد بن كاسب، ويعقوب بن محمد الزهري. وخلق كثير، آخرهم موتًا: عبد الله بن عمران العابدي، والحسين بن سيار الحراني.

وكان ثقة صدوقًا، صاحب حديث. وثقه الإمام أحمد، وقال: كان وكيع كف عن الرواية عنه، ثم حدث عنه.

وروى أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين قال: ثقة، حجة.

وروى علي بن الحسين بن حبَّان، عن ابن معين: هو أثبت من الوليد بن كثير، وابن إسحاق، وقال: هو أحب إلي من ابن أبي ذئب في الزهري. ابن أبي ذئب لم يصحح عن الزهري شيئًا.

وقال عباس: قلت لابن معين: إبراهيم بن سعد أحب إليك في الزهري، أو ليث بن سعد? فقال: كلاهما ثقتان. وقال أحمد العجلي: مدني، ثقة. يقال: إنه كان أسود.

قال البخاري: قال لي إبراهيم بن حمزة: كان عند إبراهيم عن محمد بن إسحاق نحو من سبعة عشر ألف حديث في الأحكام سوى المغازي. وإبراهيم من أكثر أهل المدينة حديثًا في زمانه.

وقال أبو حاتم: ثقة.

وقال صالح بن محمد جزرة: سماعه من الزهري ليس بذاك، لأنه كان صغيرًا.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ولد سنة ثمان ومائة. أخبرني بذلك بعض ولده.

قلت: هو أصغر من ابن عيينة بسنة، وسمع من الزهري وهو حَدَثٌ باعتناء والده به.

روى أحمد بن سعد حفيده، عن علي بن الجعد، سألت شعبة عن حديث لسعد بن إبراهيم، فقال لي: فأين أنت عن أبيه? قلت: وأين هو? قال: نازل على عُمارة بن حمزة، فأتيته، فحدثني.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 928"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 174"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 283"، وتاريخ بغداد "6/ 81"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 239"، وميزان الاعتدال "1/ 33"، والعبر "1/ 288"، وتهذيب التهذيب "1/ 121"، وتقريب التهذيب "1/ 35".

ص: 313

قال أبو داود: ولي إبراهيم بيت المال ببغداد.

قلت: كان ممن يترخص في الغناء على عادة أهل المدينة، وكأنه لِيمَ في ذلك، فانزعج على المحدثين، وحلف أنه لا يحدث حتى يغني قبله -فيما قيل.

وكان هو وهشيم شيخي الحديث في عصرهما ببغداد.

وقع لي من عواليه. واختلف في وفاته على أقوال: فقال علي بن المديني، وابن سعد، وخليفة، ومحمد بن عباد المكي، وأحمد بن أبي خيثمة، وغيرهم: إنه توفي: سنة ثلاث وثمانين ومائة، فهذا هو الصحيح. وقال سعيد بن عفير، وأبو حسان الزيادي: مات سنة أربع وثمانين، وهو ابن خمس وسبعين سنة.

زاد ابن عفير: أنه في هذه السنة قدم العراق.

وشذ أبو مروان العثماني، بل غلط، فقال: سمعت من إبراهيم بن سعد سنة خمس وثمانين ومائة، ومات بعد ذلك.

قال أبو بكر الخطيب في "السابق واللاحق": حدث عنه: يزيد بن عبد الله بن الهاد -يعني: شيخه- والحسين بن سيَّار، وبين وفاتيهما مائة واثنتا عشرة سنة.

مات ابن سيار بعد الخمسين ومائتين.

وقد حدث الليث بن سعد، وهو أكبر من إبراهيم بن سعد، عن رجل عنه.

فأخبرنا إسماعيل بن الفراء، وأحمد بن العماد، قالا: أخبرنا الإمام، أبو محمد بن قُدَامة، أخبرنا أبو بكر بن النَّقور، أخبرنا علي بن محمد، أخبرنا علي بن أحمد بن الحَمَّامي، حدثنا دَعْلج بن أحمد، حدثنا محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن ابن الهاد، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينا أنا نائم رأيتني على قليب، فنزعت منها ما شاء الله، ثم نزع ابن أبي قحافة ذنوبًا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف وليغفر الله له، ثم استحالت غربًا، فأخذ ابن الخطاب، فلم أر عبقريًّا من الناس ينزع نزعه حتى ضرب الناس بعطن". هذا حديث محفوظ المتن. اتفق عليه البخاري، ومسلم

(1)

من

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "3664" و"7021" و"7475"، ومسلم "2392""17" والنسائي في "فضائل الصحابة""15"، والبيهقي في "دلائل النبوة""6/ 344"، والبغوي "3881" من طرق عن الزهري، به. =

ص: 314

طريق يونس، وعقيل عن ابن شهاب، وروايتنا هذه غريبة معللة، فإن البخاري أخرجه: عن يسرة بن صفوان، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري نفسه. وأخرجه مسلم، عن الثقة، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح، كروايتنا، والله أعلم.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن البُسْري، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا عبد الله بن عمران العابدي، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لأفرح بتوبة عبده من أحدكم بضالته يجدها بأرض مَهْلَكَةٍ كاد يقتله العطش"

(1)

. وهذا حديث جيد الإسناد ومتنه في الصحيح من وجه آخر.

وقد روى الليث بن سعد، عن ابن الهاد، عن إبراهيم بن سعد نحوًا من عشرة أحاديث.

وكان إبراهيم يجيد صناعة الغناء.

وقد ذكره ابن عدي في "كامله"، وساق له عدة أحاديث استنكرها له. فمن أنكر ذلك: قال أبو داود السجستاني: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه، عن أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش"

(2)

. فقال: ليس ذا في كتب إبراهيم، لا ينبغي أن يكون له أصل.

قلت: رواه: غير واحد، عن إبراهيم بن سعد.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ذكر عند يحيى بن سعيد عقيل وإبراهيم بن سعد، فجعل كأنه يضعفهما، ثم قال أبي: أيش ينفع هذا، هؤلاء ثقات لم يَخْبُرْهما يحيى.

= وأخرجه أحمد "2/ 368 و 450"، وابن أبي شيبة "12/ 21"، والبخاري "7022"، ومسلم "2392""17" و"18"، والبيهقي "6/ 345"، والبغوي "3882" و"3883" من طرق عن أبي هريرة وقوله:"حتى ضرب الناس بعطن": معناه رووا ورووا إبلهم، فأبركوها وضربوا لها عطنا ضرب مثلا لاتساع الناس في زمن عمر، وما فتح الله عليهم من الأمصار.

(1)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق "20587"، وأحمد "2/ 316 و 500 و 534"، ومسلم "2675""1" و"2"، والترمذي "3538"، وابن ماجه "4247"، والبغوي في "شرح السنة""1300" من طرق عن أبي هريرة، به.

(2)

صحيح بطرقه وشواهده: أخرجه ابن أبي شيبة "12/ 169 - 170"، وأحمد "3/ 129"، وابن أبي عاصم في "السنة""1120"، والبخاري في "التاريخ الكبير""2/ 113" و"4/ 99 - 100"، وأبو يعلى "4033"، والبيهقي "8/ 143 - 144"، وأبو عمرو الداني في "الفتن وغوائلها""201" والضياء في "المختار""1576" من طرق عن الأعمش، عن سهل بن أبي الأسد، عن بكير الجزري، عن أنس قال: كنا في بيت رجل من الأنصار، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف، فأخذ بعضادتي الباب، فقال:"الأئمة من قريش، ولهم عليكم حق، ولكم مثل ذلك، ما إذا استُرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وَفَّوا، فمن لم يفعل ذلك منهم، فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين". =

ص: 315

‌1253 - عبيد الله بن عمرو

(1)

: " ع"

ابن أبي الوليد الأسدي، مولاهم الرَّقِّي، الحافظ الكبير، أبو وهب.

حدث عن: عبد الملك بن عُمير، وزيد بن أبي أنيسة، وعبد الكريم بن مالك، وعبد الله

= قلت: إسناده ضعيف لجهالة بكير الجزري. وأبو الأسد، قال الأزدي: ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقد ورد عند البخاري في "التاريخ الكبير""2/ 113"، وأبو يعلى "4032"، وأبو عمرو الداني في "الفتن""200" من طريق جرير، عن الأعمش، عن بُكير، عن سهل بن الأسد، عن أنس.

وأخرجه الطبراني في "الدعاء""2121" من طريق مسعر بن كدام، عن سهل بن الأسد، عن بكير الجزري، عن أنس، به، وأخرجه الطبراني في "الأوسط""6606"، وفي "الدعاء""2120" من طريق الفضيل بن عياض عن الأعمش، عن أبي صالح الحنفي، عن بكير الجزري، به، وأخرجه بنحوه الطيالسي "2133"، والبخاري في "التاريخ الكبير" تعليقا "2/ 112"، والبزار "1578" كشف الأستار، وأبو يعلى "3644"، وأبو نعيم في "الحلية""3/ 171"، والبيهقي "8/ 144" من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أنس.

قلت: ورجاله ثقات. وقال البزار: لا نعلم أسند سعد عن أنس إلا هذا، وأخرجه الحاكم "4/ 504"، والبيهقي "8/ 144" من طرق عن الصَّعق بن الحزن، عن علي بن الحكم، عن أنس.

قلت: وإسناده حسن، وأخرجه بنحوه البزار "1580" من طريق أبي العلاء الخفاف، والطبراني في "الكبير""725" من طريق ابن جريج كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت، عن أنس. ورواية البزار مختصرة وأخرجه البزار "1579" من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس. وإسناده ضعيف.

وقد خرجت الحديث بإسهاب وبأوسع من هذا الموضع في كتاب "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية""7/ تعليق 25" ط. دار الحديث فراجعه ثمت تفد علما كثيرا، وذلك من فضل الله علي نتحدث به من باب الشكر لله على نعمائه وفضله كما قال سبحانه في كتابه العزيز:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11].

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 484"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 1262"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 171"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1551"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 228"، والعبر "1/ 276"، والكاشف "2/ ترجمة 3630"، وتهذيب التهذيب "7/ 42"، وتقريب التهذيب "1/ 537"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4584".

ص: 316

ابن محمد بن عقيل، وأيوب السختياني، وليث بن أبي سليم، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويونس بن عبيد. وينزل إلى معمر، والثوري.

كان ثقة، حجة، صاحب حديث.

حدث عنه: بقية بن الوليد، والهيثم بن جميل، وزكريا بن عدي، وأخوه؛ يوسف بن عدي، وجندل بن واثق، وأحمد بن عبد الملك الحراني، وعبد الله بن جعفر، والعلاء بن هلال، وعمرو بن قسيط، وعلي بن معبد بن شداد، وحكيم بن سيف، وعلي بن الزعزاع، وعبد الله بن سليم، وإسماعيل بن عبد الله الرَّقَّيون، وأبو توبة الربيع بن نافع، وعبيد بن هشام، وعبد الرحمن بن عبيد الله ابن أخي الإمام، الحلبيون، وعلي بن حجر، ومحمد بن سليمان لوين، وعبد الجبار بن عاصم، وعمرو بن عثمان الكلابي، وعيسى بن سالم الشاشي، والوليد بن صالح النحاس، ويحيى بن يوسف الزمي، وخلق كثير.

وثقه ابن معين، والنسائي.

وقال أبو حاتم: ثقة، صدوق، لا أعرف له حديثًا منكرًا، وهو أحبُّ إليَّ من زهير بن محمد.

وروى أبو حاتم، عن علي بن معبد الرقي، قال: قيل لعبيد الله بن عمرو: بلغني أن عندك من حديث ابن عقيل كثيرًا، لم تحدث عنه، ثم ألقيته. قال: لأن ألقيه أحب إليَّ من أن يُلقيني الله -تعالى. قال: وزعم أنه سمع بعض ذلك الكتاب مع رجل لم يثق به.

قال ابن سعد: كان عبيد الله ثقة صدوقًا، كثير الحديث، وربما أخطأ، وكان أحفظ من روى: عن عبد الكريم الجزري، ولم يكن أحد ينازعه في الفتوى في دهره. ومات: بالرقة سنة ثمانين ومائة.

وقال غيره: كان مولده في سنة إحدى ومائة.

حديثه في البخاري في تفسير حم.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد البندار، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الجبار بن عاصم، حدثني عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصلي في الثوب الذي آتى فيه أهلي? قال: "نعم، إلا أن ترى فيه شيئًا فتغسله". هذا حديث صحيح من العوالي لأمثالنا. أخرجه: ابن ماجه

(1)

وحده، عن شيخ له، عن عبيد الله بن عمرو الرقي.

(1)

صحيح: أخرجه ابن ماجه "542" من طريق عُبيد الله بن عمرو الرقي، به، وأخرجه أحمد "6/ 325 و 427"، وأبو داود "366"، والنسائي "1/ 155"، وابن ماجه "540"، والطبراني "23/ 405 و 406 و 408"، والبيهقي "2/ 410" من طرق عن يزيد بن أبي حبيب، عن سُويد بن قيس، عن معاوية بن حُديج، عن معاوية بن أبي سفيان، عن أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه سألها: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ فقالت: نعم إذا لم ير فيه أذى".

ص: 317

‌1254 - إسماعيل بن عياش

(1)

: " د، ت، س، ق"

ابن سليم، الحافظ، الإمام، محدث الشام، بقية الأعلام، أبو عتبة الحِمْصي، العَنْسي مولاهم.

ولد سنة ثمان ومائة.

وسمع من: شرحبيل بن مسلم الخولاني، ومحمد بن زياد الألهاني، وعبد الله بن دينار البهراني، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير -إن صح ذلك، وهو في سنن أبي داود- وضمضم بن زرعة، وتميم بن عطية العنسي، وأسيد بن عبد الرحمن الخَثْعمي، وبحير بن سعد، والزبيدي، وحبيب بن صالح الطائي، وثور بن يزيد، وحريز بن عثمان، وعاصم بن رجاء بن حيوة، وعبد الله بن بسر الحضرمي، وصفوان بن عمرو، وثابت بن عجلان، وسليمان بن سليم الكِناني، وخلق من الشاميين. إلى أن ينزل فيروي عن: ضمرة بن ربيعة.

وروى أيضًا عن: زيد بن أسلم، وسهيل بن أبي صالح، وأبي طوالة، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وعبد الله بن عثمان بن خُثَيم، وعمارة بن غَزِيَّة، وموسى بن عقبة، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد، وابن جريج، وليث بن أبي سليم، وخلق من الحجازيين والعراقيين.

وهو فيهم كثير الغلط بخلاف أهل بلده، فإنه يحفظ حديثهم، ويكاد أن يتقنه. إن شاء الله.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1169"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 172"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 650"، والضعفاء الكبير للعقيلي "1/ ترجمة 102"، والمجروحين لابن حبان "1/ 124"، والكامل لابن عدي "1/ ترجمة 127"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 240"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 923"، والعبر "1/ 227 و 278"، وتهذيب التهذيب "1/ 321"، وتقريب التهذيب "1/ 73"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 294".

ص: 318

وكان من بحور العلم، صادق اللهجة، متين الديانة، صاحب سنة واتباع، وجلالة ووقار.

حدث عنه: ابن إسحاق، وسفيان الثوري، والأعمش، وهم من شيوخه، والليث بن سعد، وأبيض بن الأغر المنقري، وموسى بن أعين، وجماعة ماتوا قبله، وبقية بن الوليد، وابن المبارك، والوليد بن مسلم، وفرج بن فضالة، ويزيد بن هارون، وحجاج بن محمد، وحيوة بن شريح، وأبو اليمان، وسعيد بن منصور، وأبو الجماهر الكفرسوسي، ومروان بن محمد، والهيثم بن خارجة، والحكم بن موسى، وأبو مسهر، وعثمان بن أبي شيبة، وأخوه أبو بكر، ومحمد بن سلام البيكَنْدي، وأبو عبيد، وهنَّاد بن السَّري، ويحيى بن معين، ومحمد بن عبيد المحاربي، والحسن بن عرفة، وعمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي، ويحيى بن يحيى التميمي، وأمم سواهم.

قال ابن معين: إسماعيل بن عياش مولى عَنْس.

وقال أبو خيثمة: كان أحول.

وقال محمد بن أحمد المُقَدَّمي: كان أزرق.

وقال الخطيب: قدم بغداد على المنصور فولاه خزانة الكِسوة، وروى: ببغداد كثيرًا.

قال محمد بن مهاجر: قال لي أخي عمرو: ليس تحسن تسأل، لِمَ لا تسألني مسألة هذا الأزرق؟! ما سألني أحد أحسن مسألة منه. قلت: كيف أكون مثله وهو فقيه -يعني: إسماعيل?

وفي رواية لأبي مُسْهِر عن محمد قال أخي: لِمَ لا تسألني مسألة هذا الأحمر الحمصي?

وقال عبد الوهاب بن نجدة: سمعت إسماعيل بن عياش يقول: كان ابن أبي حسين المكي يدنيني، فقال له أصحاب الحديث: نراك تقدم هذا الغلام الشامي، وتؤثره علينا! فقال: إني أؤمله، فسألوه يومًا عن حديث يحدث به شهر، إذا جمع الطعام أربعًا فقد كمل، فذكر ثلاثة، ونسي الرابعة، فسألني عن ذلك، فقال لي: كيف حدثتكم? قلت: حدثتنا عن شهر بن حوشب أنه قال: إذا جمع الطعام أربعًا فقد كمل: إذا كان أوله حلالا، وسمي الله عليه حين يوضع، وكثرت عليه الأيدي، وحمد الله حين يرفع، فأقبل على القوم، وقال: كيف ترون?

سليمان بن أحمد الواسطي، عن يزيد بن هارون قال: رأيت شعبة عند فرج بن فضالة يسأله عن حديث إسماعيل بن عياش.

ص: 319

محمد بن عوف عن أبي اليمان قال: كان منزل إسماعيل إلى جانب منزلي، فكان يحيي الليل، وكان ربما قرأ، ثم يقطع، ثم رجع فقرأ من الموضع الذي قطع منه، فلقيته يومًا فقلت: يا عم! قد رأيت منك في القراءة كيت وكيت. قال: يا بني! وما سؤالك? قلت: أريد أن أعلم. قال: يا بني! إني أصلي، فأقرأ، فأذكر الحديث في الباب من الأبواب التي أخرجتها، فأقطع الصلاة، فأكتبه فيه، ثم أرجع إلى صلاتي، فأبتدئ من الموضع الذي قطعت منه.

قال سليمان بن عبد الحميد، عن يحيى الوحاظي: ما رأيت رجلا كان أكبر نفسًا من إسماعيل بن عياش، كنا إذا أتيناه إلى مزرعته لا يرضى لنا إلا بالخروف والخبيص. سمعته يقول: ورثت من أبي أربعة آلاف دينار، فأنفقتها في طلب العلم.

جعفر بن محمد الرَّسْعَني، عن عثمان بن صالح قال: كان أهل مصر ينتقصون عثمان، حتى نشأ فيهم الليث بن سعد، فحدثهم بفضائل عثمان، فكفوا عن ذلك. وكان أهل حمص ينتقصون عليًّا، حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش، فحدثهم بفضائل علي، فكفوا عن ذلك.

عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي لداود بن عمرو، وأنا أسمع: يا أبا سليمان! كان إسماعيل بن عياش يحدثكم هذه الأحاديث حفظًا? قال: نعم، ما رأيت معه كتابًا قط. فقال: لقد كان حافظًا، كم كان يحفظ? قال: شيئًا كثيرًا. قال له: كان يحفظ عشرة آلاف? قال: عشرة آلاف، وعشرة آلاف، وعشرة آلاف. قال أبي: هذا كان مثل وكيع.

وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن علي ابن المديني: قال: رجلان هما صاحبا حديث بلدهما، إسماعيل بن عياش، وابن لهيعة.

وروى الفضل بن زياد، عن أحمد قال: ليس أحد أروى لحديث الشاميين من إسماعيل بن عياش، والوليد بن مسلم.

وقال يعقوب الفسوي: كنت أسمع أصحابنا يقولون: علم الشام عند إسماعيل والوليد، فسمعت أبا اليمان يقول: كان أصحابنا لهم رغبة في العلم، وطلب شديد بالشام، والمدينة، ومكة، وكانوا يقولون: نجهد في الطلب، ونتعب أبداننا، ونغيب، فإذا جئنا وجدنا كل ما كتبنا عند إسماعيل.

ثم قال الفسوي: وتكلَّم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة، عدل، أعلم الناس بحديث الشاميين، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما تكلموا قالوا: يغرب عن ثقات المدنيين والمكيين.

ص: 320

وقال الهيثم بن خارجة: سمعت يزيد بن هارون يقول: ما رأيت أحفظ من إسماعيل بن عياش، ما أدري ما سفيان الثوري?

قال سليمان بن أحمد الواسطي: سمعت يزيد يقول: ما رأيت شاميًّا ولا عراقيًّا أحفظ من إسماعيل.

قال أبو داود: قدم إسماعيل العراق قدمتين، قدم هو وحَريز بن عثمان الكوفة في مساحة أرض حمص، سمع منه يزيد بن هارون في القدمة الأولى.

وروى عباس الدُّوري عن يحيى بن معين: إسماعيل بن عياش ثقة، كان أحب إلى أهل الشام من بقية، وقد سمع إسماعيل من شُرَحبيل، وإسماعيل أحب إلي من فرج بن فَضَالة، مضيت إليه، فرأيته عند دار الجوهري، قاعدًا على غرفة، ومعه رجلان ينظران في كتاب، فيحدثهم خمسمائة في اليوم، أقل أو أكثر، وهم أسفل، وهو فوق، فيأخذون كتابه، فينسخون من غدوة إلى الليل، فرجعت ولم أسمع منه شيئًا.

وقال أيضًا: شهدته يملي إملاء، فكتبت عنه.

وقال عبد الله بن أحمد: سألت يحيى بن معين عن إسماعيل بن عياش، فقال: إذا حدث عن الشيوخ الثقات، مثل محمد بن زياد، وشرحبيل بن مسلم. قلت: فكتبت عنه? قال: نعم، سمعت منه شيئًا.

وقال ابن أبي خيثمة: سئل ابن معين، عن إسماعيل بن عياش فقال: ليس به بأس في أهل الشام، والعراقيون يكرهون حديثه.

قيل ليحيى: أيما أثبت، هو أو بقية? قال: كلاهما صالحان.

وروى عثمان بن سعيد، عن ابن معين: أرجو أن لا يكون به بأس.

وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت يحيى يقول: هو ثقة فيما روى عن: الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز، فإن كتابه ضاع، فخلط في حفظه عنهم.

وقال مضر بن محمد، عن يحيى: إذا حدث عن الشاميين، وذكر الخبر، فحديثه مستقيم، وإذا حدث عن الحجازيين والعراقيين، خلَّط ما شئت.

وقال أبو بكر المَرُّوذي: سألت أحمد عن إسماعيل بن عياش فحسن، روايته عن الشاميين، وقال: هو أحسن حالا فيهم مما روى عن: المدنيين وغيرهم.

ص: 321

وقال أبو داود: سألت أحمد عنه، فقال: ما حدث عن مشايخهم، فأما ما حدث عن غيرهم، فعنده مناكير عن الثقات.

وقال أحمد بن الحسين الترمذي: قال أحمد بن حنبل: هو أصلح من بقية، لبقية مناكير.

وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه، قال: نظرت في كتاب إسماعيل عن يحيى بن سعيد أحاديث صحاح، وأحاديث مضطربة.

وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: يوثق فيما روى عن أصحابه أهل الشام، فأما ما روى عن غيرهم، ففيه ضعف.

وروى عثمان الدرامي، عن دحيم قال: إسماعيل بن عياش في الشاميين غاية، وخلط عن المدنيين.

وقال الفلاس: إذا حدث عن أهل بلده فصحيح، وليس بشيء في المدنيين، كان عبد الرحمن لا يحدث عنه.

وقال ابن المديني: ضرب عبد الرحمن على حديثه، وعلى حديث المبارك بن فضالة.

وقال عبد الله بن علي بن المديني: سألت أبي عن إسماعيل بن عياش، فضعفه فيما روى عن أهل الشام وغيرهم، وسمعت أبي يقول: ما أحد أعلم منه بحديث أهل الشام لو ثبت على حديث أهل الشام، ولكنه خلط في حديثه عن أهل العراق، وحدثنا عنه عبد الرحمن، ثم ضرب على حديثه.

وقال يعقوب بن شيبة: إسماعيل ثقة عند يحيى بن معين، وأصحابنا فيما روى عن الشاميين خاصة، وفي روايته عن أهل العراق وأهل المدينة اضطراب كثير، وكان عالمًا بناحيته.

وقال البخاري: إذا حدث عن أهل بلده فصحيح، وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر.

وقال مرة: ما روى عن الشاميين فهو أصح، وكذلك قال أبو بشر الدولابي.

وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت وكيعًا يقول: قدم علينا إسماعيل بن عياش، فأخذ مني أطرافًا لإسماعيل بن أبي خالد، فرأيته يخلط في أخذه.

وقال أبو إسحاق الجُوزجاني: سألت أبا مسهر عن إسماعيل بن عياش وبقية، فقال: كل كان يأخذ عن غير ثقة، فإذا أخذت حديثهم عن الثقات، فهو ثقة.

ص: 322

قال الجوزجاني: قلت لأبي اليمان: ما أشبه حديث إسماعيل بن عياش إلا بثياب سابور، يرقم على الثوب المائة، وأقل شرائه دون عشرة دراهم. قال: كان من أروى الناس عن الكذابين، وهو في حديث الثقات عن الشاميين أحمد منه في حديث غيرهم.

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث إسماعيل بن عياش، فقال: هو لين يكتب حديثه، لا أعلم أحدًا كف عنه، إلا أبا إسحاق الفزاري.

قال مسلم: حدثنا أبو محمد الدارمي، حدثنا زكريا بن عدي، قال: قال لي أبو إسحاق الفزاري: اكتب عن بقية ما روى عن المعروفين، ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين، ولا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين ولا غيرهم.

وقال أبو صالح الفراء: قلت لأبي إسحاق الفزاري: أكتب عن إسماعيل بن عياش? قال: لا، ذاك رجل لا يدري ما يخرج من رأسه.

قال أبو صالح: كان الفزاري قد روى عن: إسماعيل، ثم تركه، وذاك أن رجلا جاء إلى أبي إسحاق، فقال: يا أبا إسحاق ذكرت عند إسماعيل بن عياش، فقال: أيما رجل لولا أنه شكي. قلت: هذا يدل على أن إسماعيل كان لا يرى الاستثناء في الإيمان، فلعله من المرجئة.

قال ابن عدي: إذا روى إسماعيل عن قوم من أهل الحجاز، كيحيى بن سعيد، ومحمد بن عمرو، وهشام بن عروة، وابن جريج، وعمر بن محمد، وعبيد الله الوصافي، فلا يخلو من غلط فيغلط، إما يكون حديثًا برأسه، أو مرسلا يوصله، أو موقوفًا يرفعه، وحديثه عن الشاميين إذا روى عنه ثقة فهو مستقيم، وفي الجملة هو ممن يكتب حديثه، ويحتج به من حديث الشاميين خاصة.

قلت: حديث إسماعيل عن الحجازيين والعراقيين، لا يحتج به، وحديثه عن الشاميين صالح من قبيل الحسن، ويحتج به إن لم يعارضه أقوى منه.

وقد قال النسائي: ضعيف الحديث.

وقال ابن حبان: كثير الخطأ في حديثه، فخرج عن حد الاحتجاج به.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: عرضت على أبي حديثًا حدثناه الفضل بن زياد الطستي، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: قال

ص: 323

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن"

(1)

. فقال أبي: هذا باطل، يعني أن إسماعيل وهم.

قلت: أخبرناه أحمد بن سلامة، وغيره كتابة، عن عبد المنعم بن كليب، أخبرنا ابن بيان، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا إسماعيل، فذكره. أخرجه: الترمذي، عن ابن عرفة، فوافقناه بعلو.

إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن دينار، وسعيد بن يوسف، عن يحيى بن أبي كثير: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كره لكم العبث في الصلاة، والرفث في الصيام، والضحك عند المقابر"

(2)

. رواه: ابن المبارك عنه.

أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي، أخبرنا زيد بن هبة الله، أخبرنا أحمد ابن قفرجل، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا عبد الواحد بن مهدي، أخبرنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا أبو مسهر، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثني بحير، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"قال الله عز وجل: ابن آدم! اركع لي أربع ركعات من أول النهار، أكفك آخره"

(3)

. هذا حديث حسن، متصل الإسناد، شامي.

إسماعيل بن عياش: عن ابن جريج، عن ابن أبي ملكية، عن عائشة مرفوعًا:"من قاء أو رعف، فأحدث في صلاته، فليذهب، فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته"

(4)

. قال أحمد بن حنبل: الصواب مرسل.

(1)

منكر: أخرجه الترمذي "131"، وابن ماجه "595" و"596" من طريق إسماعيل بن عياش، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته إسماعيل بن عياش، فإنه ضعيف في روايته عن غير الشاميين.

(2)

ضعيف: فهو مرسل، يحيى بن أبي كثير، من صغار التابعين، وقد رواه ابن المبارك في "الزهد""1557".

(3)

صحيح: أخرجه الترمذي "475" حدثنا أبو جعفر السِّمناني، حدثنا أبو مسهر، به.

وقد حدث إسماعيل بن عياش، عن شامي مثله. وللحديث شاهد عن نعيم بن همار قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يقول الله عز وجل: يا ابن آدم، لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره". أخرجه أبو داود "1289" واللفظ له، وأحمد "5/ 286 - 287" من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد يعني ابن عبد العزيز، حدثنا مكحول، عن نعيم بن همار الغطفاني، به مرفوعا. وإسناده صحيح.

(4)

ضعيف: أخرجه ابن ماجه "1221" من طريق إسماعيل بن عياش، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: إسماعيل بن عياش، ضعيف في روايته عن غير الشاميين. والعلة الثانية: ابن جريج، مدلس، مشهور بالتدليس، وقد عنعنه.

ص: 324

يحيى بن معين: حدثنا إسماعيل، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة مرفوعًا، قال:"الزعيم غارم"

(1)

. هذا إسناد قوي.

محمد بن حرب النَّشَائي: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شعبة، عن فرج بن فَضَالة، عن إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن حبيب، عن عبيد، عن عوف بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلى على جنازة

"، الحديث

(2)

. ثم قال يزيد: وقدم علينا إسماعيل بعد، فحدثناه.

قال أبو زرعة الدمشقي: لم يكن بالشام بعد الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، أحفظ من إسماعيل بن عياش.

إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"تعافوا الحدود بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب"

(3)

.

(1)

صحيح لغيره: أخرجه أحمد "5/ 267"، وعبد الرزاق "14796" و"16308" والطيالسي "1128"، وأبو داود "3565"، والترمذي "1265" و"2120"، وابن ماجه "2398"، والطبراني "7615" و"7621"، والبيهقي "6/ 88"، والبغوي "2162" من طرق عن إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ:"العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم". وشرحبيل بن مسلم ضعفه ابن معين ووثقه أحمد لكن للحديث شاهد عند أحمد "5/ 293" من طريق ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، وهذا إسناد صحيح. وقوله "الزعيم": هو الكفيل، والغارم: الضامن.

(2)

صحيح: تمام الحديث عن عوف بن مالك قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فحفظت من دعائه وهو يقول:"اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر -أو من عذاب النار" قال: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. أخرجه أحمد "6/ 23"، ومسلم "963"، والنسائي "4/ 73"، والبيهقي "4/ 40"، والطبراني "8/ 78" من طرق عن معاوية بن صالح، عن حبيب بن عُبيد، عن جُبير بن نُفير، به.

(3)

حسن: أخرجه أبو داود "4376"، والنسائي "8/ 70" من طريق ابن وهب قال: سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

قلت: عمرو بن شعيب، صدوق، وكذا شعيب كما قال الحافظ في "التقريب"، وابن جريج قد صرح بالتحديث فأمنا شر تدليسه، فالإسناد حسن والله تعالى أعلى وأعلم.

ص: 325

محمد بن حمير الحمصي: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا، قال:"إذا كتب أحدكم كتابًا، فليتربه، فإنه أنجح للحاجة"

(1)

.

إسماعيل بن عياش: عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد: عن عمر بن الخطاب يرفعه، قال:"يكون في هذه الأمة رجل، يقال له: الوليد، هو أشد على أمتي من فرعون على قومه"

(2)

. قال أبو حاتم بن حبان: هذا باطل. هكذا قال، وليس كما زعم، بل إسناده نظيف.

(1)

منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل""1/ 298" من طريق سليمان بن عبد الحميد، عن ابن عياش، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره.

قلت: إسناده ضعيف إسماعيل بن عياش ضعيف، روايته ضعيفة عن غير الشاميين. وأخرجه الترمذي "2713"، والعقيلي في "الضعفاء""1/ 291"، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان""2/ 238" من طريق حمزة بن ميمون، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تربوا الكتاب فإنه أعظم للبركة، وأنجح للحاجة".

قلت: إسناده واه بمرة، فيه علتان: فهاكموهما: الأولى: حمزة بن ميمون، وهو حمزة بن أبي حمزة النصيبي، قال ابن عدي في "الكامل" "2/ 378": كل ما يرويه أو عامته مناكير موضوعة، والبلاء منه". وقال ابن حبان في "المجروحين" "1/ 270": ينفرد عن الثقات بالأشياء الموضوعات كأنه كان المعتمد لها، لا تحل الرواية عنه. والعلة الثانية: أبو الزبير، وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، مدلس مشهور بالتدليس، وقد عنعنه.

(2)

موضوع: أخرجه أحمد "1/ 18"، وابن حبان في "المجروحين""1/ 125"، وابن الجوزي في "الموضوعات""2/ 46" من طريق إسماعيل بن عياش، به.

وقال ابن حبان في إثره: هذا خبر باطل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، ولا عمر رواه، ولا سعيد حدث به، ولا الزهري رواه، ولا هو عن حديث الأوزاعي بهذا الإسناد".

قلت: إسناده ضعيف، لانقطاعه بين سعيد بن المسيب، وعمر بن الخطاب وقال ابن الجوزي بعد أن نقل كلام ابن حبان فيه: فلعل هذا قد أدخل على إسماعيل بن عياش في كبره، وقد رواه وهو مختلط، قال أحمد بن حنبل: كان إسماعيل بن عياش يروي عن كل ضرب، وهذا الحديث هو أحد الأحاديث الموضوعة في "مسند أحمد بن حنبل" والتي ذكرها الحافظ العراقي وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة""6/ 505" من طريق بشر بن بكر والوليد بن مسلم كلاهما عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلا، ولم يذكر فيه عمر، وقال البيهقي في إثره: هذا مرسل حسن "! ""! ".

وأخرجه الحاكم "4/ 494" من طريق نعيم بن حماد، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: "ولد لأخي أم سلمة

" فذكره. =

ص: 326

إسماعيل بن عياش: عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي راشد الحبراني، عن عبد الرحمن بن شبل، قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضب"

(1)

. هذا حديث منكر، وأراه مرسلا.

ابن عياش: عن يحيى بن سعيد، وابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه: عن جده مرفوعًا: "ليس لقاتل من الميراث شيء"

(2)

. لا يصح هذا، فقد رواه جماعة، عن عمرو بن شعيب، عن عمر، من قوله، فهو منقطع موقوف.

أبو اليمان، عن إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك، مرفوعًا:"خير نسائكم العفيفة الغلمة"

(3)

. هذا حديث منكر.

= وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي "! " "! " وقال السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" "1/ 110": رواية نعيم بن حماد عن الوليد بذكر أبي هريرة فيه شاذة. قلنا: نعيم بن حماد كثير الخطأ، والوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية، فالخبر باطل.

(1)

حسن: أخرجه أبو داود "3796" حدثنا محمد بن عوف الطائي أن الحكم بن نافع حدثهم حدثنا ابن عياش، به.

قلت: إسناده حسن، ضمضم بن زرعة بن ثوب الحضرمي الحمصي، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب". وأبو راشد الحبراني، بضم المهملة وسكون الموحدة، الشامي، قيل اسمه أخضر، وقيل النعمان، ثقة.

(2)

حسن: أخرجه أبو داود "4564"، وابن ماجه "2646" من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، به.

(3)

ضعيف: أخرجه ابن حبان في "المجروحين""1/ 125 - 126" أخبرنا عمر بن سعيد، حدثنا محمد بن عون، حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره، وأخرجه ابن حبان "1/ 125 - 126" أخبرنا محمد بن المسيب، حدثنا عيسى بن خالد بن أخي أبي اليمان، حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل، به.

قلت: إسناده ضعيف، إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين. ومحمد بن عوف هو ابن سفيان الطائي الحمصي، ثقة حافظ. وأبو اليمان هو الحكم بن نافع البهراني الحمصي ثقة ثبت، روى له الجماعة. وقد توبع إسماعيل بن عياش: فأخرجه ابن عدي في "الكامل""3/ 203" من طريق هشام بن عمار، حدثنا عبد الملك بن محمد الصنعاني، حدثنا زيد بن جبيرة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك، به.

قلت: إسناده ضعيف جدا، فيه زيد بن جبيرة، متروك كما قال الحافظ في "التقريب" وعبد الملك بن محمد الصنعاني، لين الحديث، فالحديث ضعيف، ولا يصلح طريق هشام بن عمار في مجال المتابعات لضعفه الشديد.

ص: 327

وقد صحح الترمذي لإسماعيل بن عياش غير ما حديث من روايته عن أهل بلده، منها حديث:"لا وصية لوارث"

(1)

، وحديث:"بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه"

(2)

.

اختلفوا في مولد ابن عياش ووفاته: فقال محمد بن عوف: عن يزيد بن عبد ربه: مولده سنة اثنتين ومائة.

وروى سعيد بن عمرو السكوني، عن بقية: أن إسماعيل ولد سنة خمس ومائة، وولدت سنة عشر.

وروى أبو زرعة الدمشقي عن يزيد بن عبد ربه: ولد سنة ست ومائة. قلت: هذا أصح كان كذلك.

قال أحمد بن حنبل: وروى عمرو بن عثمان الحمصي، عن أبيه، قال: قال لي ابن عيينة: مولد إسماعيل بن عياش قبلي، سنة ست، ومولدي سنة ثمان ومائة. قلت: يا أبا محمد! أنت بكرت -يعني: بالطلب.

(1)

صحيح: ورد عن جمع من الصحابة، منهم أبو أمامة الباهلي، وعمرو بن خارجة وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمرو، وجابر بن عبد الله، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم رضي الله عنهم.

فأما حديث أبي أمامة رضي الله عنه: فأخرجه سعيد بن منصور في "سننه""427"، وأبو داود "3565"، والترمذي "2120"، وابن ماجه "2713"، والبيهقي "6/ 264"، وأحمد "5/ 267"، والطيالسي "1127" من طريق إسماعيل بن عياش، حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني، قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث". وإسناده حسن، وأما حديث عمرو بن خارجة رضي الله عنه: فأخرجه سعيد بن منصور "428"، والترمذي "2121"، والنسائي "6/ 247"، وابن ماجه "2712"، والدارمي "2/ 419"، وأحمد "4/ 186 و 187 و 238 و 238 - 239"، والطيالسي "1217" من طريق قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة، به.

وأما حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: فهو عند ابن ماجه "2714"، والدارقطني "4/ 70" وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: فهو عند الدارقطني، وابن عدي في الكامل أجتزئ بما ذكرت خشية الإطالة، ولولا ضيق المقام لأوعبنا عليه الكلام.

(2)

صحيح: أخرجه ابن المبارك في "الزهد""603"، وأحمد "4/ 132"، والترمذي "2380"، والطبراني في "الكبير""20/ 644"، والبغوي في "شرح السنة""4048"، والقضاعي في "مسند الشهاب""1340" و"1341" من طريق أبي سلمة الحمصي سليمان بن سليم وحبيب بن صالح عن يحيى بن جابر، عن المقدام بن معدى كرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما ملأ آدمي وعاء شراء من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".

ص: 328

وروى أبو التقي اليزني، عن بقية، قال: ولد إسماعيل سنة ثمان ومائة، ومولدي: سنة اثنتي عشرة.

وأما وفاة إسماعيل: ففي سنة إحدى وثمانين ومائة. قاله يزيد بن عبد ربه، وحيوة بن شريح، وأحمد، وابن مصفى، وعدة. فزاد ابن مصفى: يوم الثلاثاء، لثمان خلون من ربيع الأول. وقال الحجاج بن محمد الخولاني: يوم الثلاثاء، لست مضت من جمادى. وقال ابن سعد، وخليفة، وأبو حسان الزيادي، وأبو عبيد، وأبو مسلم الواقدي: سنة اثنتين وثمانين.

وما خرجا له في "الصحيحين" شيئًا.

ومن غرائبه: ما يرويه علي بن عياش، عنه، قال: حدثنا مطعم بن المقدام، عن ابن غنيم الكلاعي، عن نصيح العنسي، عن ركب المصري، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن تواضع من غير منقصة

"

(1)

، وذكر الحديث.

وليس في "الأربعين الودعانية"

(2)

متن أمثل منه، لكنه ساقه ابن ودعان بسند موضوع.

(1)

ضعيف: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير""2/ ق 1/ 338"، والطبراني في "الكبير""5/ 4616"، والبيهقي "4/ 182"، والبغوي، والقضاعي في "مسند الشهاب""615" من طريق إسماعيل بن عياش، عن المطعم بن المقدام، وعنبسة بن سعيد بن غنيم الكلاعي، عن نصيح العنسي، عن ركب المصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره.

وقال الهيثمي في "المجمع""10/ 229": رواه الطبراني من طريق نصيح العنسي عن ركب ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

قلت: إسناده ضعيف، نصيح، ضعيف. وقال ابن منده: ركب لا يعرف له صحبة. وقال البغوي: لا أدري أسمع من النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟

(2)

الأربعين الودعانية جمعها محمد بن علي بن ودعان القاضي، أبو نصر الموصلي، وكلها موضوعة. ذمه أبو طاهر السلفي، وأدركه، وسمع منه، وقال: هالك متهم بالكذب. وقد توفى ابن ودعان سنة أربع وتسعين وأربعمائة في المحرم بالموصل عقيب رجوعه من بغداد عن ثنتين وتسعين سنة. وقد سئل المزي عن الأربعين الودعانية فأجاب بما ملخصه: لا يصح منها على هذا النسق بهذه الأسانيد شيء، وإنما يصح منها ألفاظ يسيرة بأسانيد معروفة يحتاج في تتبعها إلى فراغ، وهي مع ذلك مسروقة، سرقها ابن ودعان من زيد بن رفاعة وقيل زيد بن عبد الله بن مسعود بن رفاعة الهاشمي، وهو الذي وضع رسائل أحوال الضعفاء فيما يقال، وكان جاهلا بالحديث، وسرقها منه ابن ودعان، فركب بها أسانيد، فتارة يروي عن رجل عن شيخ ابن رفاعة، وتارة يدخل اثنين، وعامتهم مجهولون، ومنهم من يشك في وجوده؛ والحاصل أنها فضيحة مفتعلة وكذبه مؤتفكة.

ص: 329

‌1255 - ابن السَّمَّاك

(1)

:

الزاهد، القدوة، سيد الوعَّاظ، أبو العباس محمد بن صَبيح العجلي مولاهم، الكوفي، ابن السماك.

روى عن: هشام بن عروة، والأعمش، ويزيد بن أبي زياد، وطائفة، ولم يكثر.

روى عنه: يحيى بن يحيى، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن أيوب العابد، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وآخرون

قال ابن نمير: صدوق.

قلت: ما وقع له شيء في الكتب الستة، وهو القائل: كم من شيء إذا لم ينفع لم يضر، لكن العلم إذا لم ينفع، ضر.

قيل: وعظ مرة فقال: يا أمير المؤمنين! إن لك بين يدي الله مقامًا، وإنه لك من مقامك منصرفًا، فانظر إلى أين تكون. فبكى الرشيد كثيرًا.

قيل: دخل ابن السَّمَّاك على رئيس في شفاعة لفقير، فقال: إني أتيتك في حاجة، والطالب والمعطي عزيزان إن قضيت الحاجة، ذليلان إن لم تقض، فاختر لنفسك عز البذل عن ذل المنع، وعز النُّجح على ذل الرد.

وعنه قال: همة العاقل في النجاة والهرب، وهمة الأحمق في اللهو والطرب، عجبًا لعين تلذ بالرقاد، وملك الموت معها على الوساد، حتى متى يبلغنا الوعاظ أعلام الآخرة، حتى كأن النفوس عليها واقفة، والعيون ناظرة، أفلا منتبه من نومته، أو مستيقظ من غفلته، ومفيق من سكرته، وخائف من صرعته، كدحًا للدنيا كدحًا، أما تجعل للآخرة منك حظًّا، أقسم بالله، لو رأيت القيامة تخفق بأهوالها، والنار مشرفة على آلها، وقد وضع الكتاب، وجيء بالنبيين والشهداء، لسرك أن يكون لك في ذلك الجمع منزلة، أبعد الدنيا دار معتمل، أم إلى غير الآخرة منتقل? هيهات، ولكن صمت الآذان عن المواعظ، وذهلت القلوب عن المنافع، فلا الواعظ ينتفع ولا السامع ينتفع.

وعنه: هب الدنيا في يديك، ومثلها ضُمَّ إليك، وهب المشرق والمغرب يجيء إليك، فإذا

جاءك الموت، فماذا في يديك?! ألا من امتطى الصبر قوي على العبادة، ومن أجمع الناس استغنى عن الناس، ومن أهمته نفسه لم يول مرمَّتها غيره، ومن أحب الخير وفق له، ومن كره الشر جنبه، ألا متأهب فيما يوصف أمامه، ألا مستعد ليوم فقره، ألا مبادر فناء أجله، ما ينتظر من ابيضت شعرته بعد سوادها، وتكرش وجهه بعد انبساطه، وتقوس ظهره بعد انتصابه، وكل بصره، وضعف ركنه، وقل نومه، وبلي منه شيء بعد شيء في حياته، فرحم الله امرأً عقل الأمر، وأحسن النظر، واغتنم أيامه.

وعنه: الدنيا كلها قليل، والذي بقي منها قليل، والذي لك من الباقي قليل، ولم يبق من قليلك إلا قليل، وقد أصبحت في دار العزاء، وغدًا تصير إلى دار الجزاء، فاشتر نفسك، لعلك تنجو.

توفي ابن السماك سنة ثلاث وثمانين ومائة، وقد أسن.

(1)

ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 671"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1573"، حلية الأولياء لأبي نعيم "8/ ترجمة 399"، وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 629"، والعبر "1/ 287"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7696"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 303".

ص: 330

‌1256 - مرحوم

(1)

: " ع"

ابن عبد العزيز بن مهران، الإمام، المحدث، الثقة، أبو محمد -وقيل: أبو عبد الله- الأموي مولاهم، البصري، العطار، من موالي آل معاوية، وهو والد عُبَيْس، وجد بشر بن عبيس.

حدث عن: ثابت البُناني، وأبي عمران الجَوني، وأبي نَعَامة السعدي، وعبد الرحيم بن زيد العمي، وأبيه عبد العزيز، وأبي سمير حكيم بن خذام، وسهل بن عطية، وعمه عبد الحميد بن مهران، وعسل بن سفيان. وينزل إلى أن يروي عن: داود بن عبد الرحمن العطار، وليس هو بالمكثر.

روى عنه: الثوري -أحد مشايخه- والخريبي، وأبو نعيم، وزكريا بن عدي، ومسدد، وعبدان بن عثمان، وعلي بن المديني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وسوَّار بن عبد الله العنبري، وخليفة بن خياط، وبُنْدار، وابن مثنى، وعمرو الناقد، ونصر بن علي، وأبو بكر محمد بن خلاد الباهلي، وأحمد بن إبراهيم الدرومي، وبكر بن خلف، والحسين بن الحسن المروزي، ويحيى بن حبيب، ويعقوب الدورقي، وخلق سواهم.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 2145"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 230" و"3/ 137"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1991"، والإكمال لابن ماكولا "7/ 236"، والكاشف "3/ ترجمة 5451"، وتهذيب التهذيب "10/ 85"، وتقريب التهذيب "2/ 237"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7383".

ص: 331

وثقه أحمد، وابن معين، والنسائي.

وقال الخريبي: ما رأيت بالبصرة أفضل منه، ومن سليمان بن المغيرة.

قال البخاري: قال بشر بن عبيس: مات جدي سنة ثمان وثمانين ومائة، وكان له يوم موت الحسن البصري سبع سنين.

وقال أبو داود: مات سنة سبع وثمانين.

أخبرنا أحمد بن عبد الحميد، ومحمد بن أبي بكر بن بطيخ، وأحمد بن مؤمن، وعبد الحميد بن أحمد، قالوا أخبرنا عبد الرحمن بن نجم، أخبرتنا شهدة الكاتبة، أخبرنا الحسين بن طلحة، أخبرنا عبد الواحد بن محمد، حدثنا الحسين بن إسماعيل، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار، حدثنا أبو نعامة السعدي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فقال:"يا عبد الله بن قيس! ألا أعلمك كنزًا من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله"

(1)

. رواه: سليمان التيمي، وخالد الحذاء، وعاصم الأحول، وآخرون عن النهدي، نحوه.

(1)

صحيح: أخرجه الترمذي "3374" من طريق مرحوم بن عبد العزيز، به.

وأخرجه البخاري "6409"، ومسلم "2704"، وأبو داود "1526"، وابن ماجه "3824" من طريق أبي عثمان النهدي، به.

ص: 332

‌1257 - المطلب بن زياد

(1)

: " بخ، س، ق"

ابن أبي زهير الثقفي. وقيل: القرشي مولاهم. وقيل: مولى جابر ابن سمرة السوائي، وكان جابر من حلفاء بني زهرة، فمن ثم قيل له: القرشي.

من كبار المحدثين بالكوفة، ولد قبل المائة.

وروى عن: زياد بن علاقة، وإسماعيل السدي، وأبي إسحاق، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعبد الملك بن عمير، وإسحاق بن إبراهيم بن عمير مولى ابن مسعود، وزيد بن علي بن الحسين، وليث بن أبي سليم، وطائفة.

وما هو بالمكثر، ولا بالحافظ، لكنه صدوق، صاحب حديث ومعرفة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 387"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 1945"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1647"، والكاشف "3/ ترجمة 5580"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 859"، وتهذيب التهذيب "10/ 177"، وتقريب التهذيب "2/ 254"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7038".

ص: 332

حدث عنه: ابن المبارك، ويوسف بن عدي، وأبو الوليد الطيالسي، وأحمد، وإسحاق، وابن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعثمان أخوه، وسويد بن سعيد، وأبو غسان النهدي، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو سعيد الأشج، وشريح بن يونس، وإبراهيم بن موسى الفراء، وسفيان بن وكيع، وعلي بن الحسن التميمي الرازي كراع، وأبو هشام الرفاعي، وهارون بن إسحاق الهمداني، وخلق.

قال أحمد، وابن معين: ثقة.

وقال أحمد: لم ندرك بالكوفة أكبر منه، ومن عمر بن عبيد.

وقال أبو حاتم: لا يحتج به.

وقال أبو داود: هو عندي صالح.

وقال عيسى بن شاذان: عنده مناكير.

قلت: روى له البخاري في "الأدب" له، وابن ماجه، والنسائي في الخصائص من "سننه".

قال مطين: مات سنة خمس وثمانين ومائة.

أخبرنا محمد بن يعقوب الأسدي، وابن عمه؛ أيوب بن أبي بكر، وإسماعيل بن عميرة، وأحمد بن مؤمن، وعبد الكريم بن محمد بن محمد، وبيبرس المجدي، ومحمد بن علي بن الواسطي، قالوا: أخبرنا إبراهيم بن عثمان، وأخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي، أخبرنا محمد بن أبي القاسم المفسر، ومحمد بن إبراهيم بن معالي، وصفية بنت عبد الجبار، وسعيد بن ياسين، وعمر بن بركة، وأنجب بن أبي السعادات "ح"، وأخبرنا سنقر بن عبد الله الحلبي، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، وأنجب الحمامي، وعلي بن أبي الفخار، وعبد اللطيف بن محمد، ومحمد بن محمد بن السباك، قالوا جميعًا: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي. وزاد: إبراهيم بن عثمان، فقال: وأخبرنا علي بن عبد الرحمن الطوسي، قالا: أخبرنا مالك بن أحمد الفراء، أحمد بن محمد بن موسى الصلتي، حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد إملاء، حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا المطلب بن زياد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: كنت عند جابر في بيته، وعلي بن الحسين، ومحمد بن الحنفية، وأبو جعفر، فدخل رجل من أهل العراق، فقال: أنشدك بالله إلا حدثتني ما رأيت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: كنا بالجحفة بغدير خُمِّ، وثم ناس كثير من جُهينة ومُزينة وغِفار، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خباء أو فسطاط، فأشار بيده ثلاثًا، فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال:"من كنت مولاه، فعلي مولاه"

(1)

. هذا حديث حسن، عال جدًّا، ومتنه فمتواتر.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "5/ 350 و 358 و 361"، وابن أبي شيبة "12/ 57"، وابن أبي عاصم "1354"، والبزار "2535"، والحاكم "2/ 129 - 130" من طريق الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره.

ص: 333

‌1258 - عبد السلام

(1)

: " خ، (4) "

ابن حرب الملائي البصري، ثم الكوفي، شريك أبي نعيم.

كان صاحب حديث وحفظ، وعمر دهرًا.

حدث عن: أيوب السختياني، وعطاء بن السائب، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وخالد الحذاء، وجماعة.

وعنه: أبو بكر بن أبي شيبة، وهناد بن السري، وأبو سعيد الأشج، والحسن بن عرفة، وآخرون.

وروى عنه من شيوخه: محمد بن إسحاق، وقيس بن الربيع.

قال الترمذي: ثقة، حافظ.

وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، وفي حديثه لين، وكان عسيرًا في الحديث. سمعت ابن المديني يقول: كان يجلس في كل عام مرة مجلسًا للعامة، فقيل لعلي: أكثرت عنه? قال: نعم، حضرت له مجلس العامة، وقد كنت أستنكر بعض حديثه، حتى نظرت في حديث من يكثر عنه، فإذا حديثه مقارب عن مغيرة والناس، وذلك أنه كان عَسِرًا، فكانوا يجمعون غرائبه في مكان، فكنت أنظر إليها مجموعة، فاستنكرتها.

وقال يحيى بن معين: ثقة، والكوفيون يوثقونه.

وقال القواريري: أتيته، فقلت: حدثني، فإني غريب من البصرة. فقال: كأنك تقول: جئت من السماء. فلم يحدثني.

قيل: ولد في حياة أنس، سنة إحدى وتسعين، ومات سنة سبع وثمانين ومائة.

قلت: لعله ما طلب إلا وقد تكهَّل.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 386"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1729"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 219"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1035"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 246"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1485"، والكاشف "2/ ترجمة 3413"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5046"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 256"، والعبر "1/ 297"، وتهذيب التهذيب "6/ 316"، وتقريب التهذيب "1/ 505"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4318"، وشذرات الذهب "1/ 316".

ص: 334

‌1259 - عمر بن عُبيد

(1)

: " ع"

ابن أبي أمية الكوفي الطَّنافسي، الحافظ، أخو الحافظين: يَعْلَى، ومحمد، وإبراهيم، وإبراهيم فهو أسنهم.

حدث عمر عن: آدم بن علي، وسِماك بن حرب، وعبد الملك بن عمير، ومنصور بن المعتمر، وجماعة.

حدث عنه: أخواه: يعلى، وإبراهيم، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وإسحاق بن راهويه، وزياد بن أيوب، والحسن بن عرفة، وآخرون.

وكان من الثقات. قال أبو حاتم: محله الصدق.

قلت: توفي سنة خمس وثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 387"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2088"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 180"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 668"، والأنساب للسمعاني "8/ 252"، والكاشف "2/ ترجمة 4157"، والعبر "1/ 291"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6165" وتهذيب التهذيب "7/ 480"، وتقريب التهذيب "2/ 60"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5207".

ص: 335

‌1260 - أما عمر بن عُبيد

(1)

:

البصري، الخزاز، بياع الخمر، أبو حفص، فجاور بمكة.

وحدث عن: سهيل بن أبي صالح.

روى عنه: أبو عبد الرحمن المقرئ، وأبو بكر الحميدي، وغيرهما.

ضعفه أبو حاتم الرازي.

ذكرته للتمييز.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "6/ ترجمة 669"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1176"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1240"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6164".

ص: 335

‌1261 - يحيى بن زكريا

(1)

: " ع"

ابن أبي زائدة، الحافظ، العلم، الحجة، أبو سعيد الهمداني، الوادعي، واسم جده ميمون بن فيروز، مولى امرأة وادعيَّة. وقيل: بل مولى محمد بن المُنتشِر الهمداني. مولده سنة عشرين ومائة تقريبًا، أو فيها.

حدث عن: أبيه، وعاصم الأحول، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، وداود بن أبي هند، وأبي مالك الأشجعي، وعبيد الله بن عمر، ومجالد، والعلاء بن المسيب، وهاشم بن هاشم الزهري، وموسى الجهني، وابن عون، وصالح بن صالح بن حي، وعبد الملك بن حميد بن أبي غنية، ومِسْعَر، وحجاج بن أرطاة، وشعبة، وابن إسحاق، وخلق كثير. وينزل إلى: سفيان بن عيينة، ومالك.

وكان من أوعية العلم.

حدث عنه: أبو داود الحَفَريُّ، ويحيى بن آدم، ومُعَلَّى بن منصور، ويحيى بن يحيى، وأحمد، وابن معين، وابنا أبي شيبة، وهارون بن معروف، وأبو كُرَيب، وهنَّاد، وعمرو بن رافع القزويني، وعلي بن مسلم الطوسي، وأحمد بن مَنيع، والحسن بن عرفة، وزياد بن أيوب، وابن زُرَارة عمرو، لا عمر، ومحمد بن عبيد المحاربي، ويعقوب الدُّورقي، وأمم سواهم.

قال أبو خالد الأحمر: كان جيد الأخذ.

وعن الحسن بن ثابت، قال: نزلت بأفقه أهل الكوفة -يعني: يحيى بن أبي زائدة.

وروى عمرو الناقد، عن ابن عيينة، قال: ما قدم علينا أحد من أصحابنا يشبه هذين الرجلين: عبد الله بن المبارك، ويحيى بن أبي زائدة.

وروى الحارث بن سُرَيج، عن يحيى القطان، قال: ما خالفني أحد بالكوفة أشد علي من ابن أبي زائدة.

وقال أحمد، ويحيى بن معين: ثقة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 393"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2974"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 609"، وتاريخ بغداد "14/ 114"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 252"، والكاشف "3/ ترجمة 6278"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9505"، والعبر "1/ 212"، وتهذيب التهذيب "11/ 208"، تقريب التهذيب "2/ 347"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 298".

ص: 336

وقال ابن المديني: هو من الثقات. وقال مرة: لم يكن أحد بالكوفة بعد الثوري أثبت من ابن أبي زائدة. وقال أيضًا: انتهى العلم إلى الشعبي في زمانه، ثم إلى الثوري في زمانه، ثم إلى يحيى بن أبي زائدة في زمانه.

وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كان ابن أبي زائدة في الإتقان أكبر من ابن إدريس.

وقال النسائي: ثقة، ثبت.

وقال أبو حاتم: مستقيم الحديث، ثقة.

وقال أحمد العجلي: ثقة، جمع له الفقه والحديث، ويعد من حفاظ الكوفيين، مفتيًا، ثبتًا، صاحب سنة، وكان على قضاء المدائن. ووكيع، إنما صنف كتبه على كتب يحيى بن أبي زائدة.

وقال ابن أبي حاتم: هو أول من صنف الكتب بالكوفة.

وروى حسين بن عمرو العنقزي، عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، قال: يحيى بن أبي زائدة في الحديث مثل العروس العطرة.

وروى عباس الدوري وغيره، عن يحيى، قال: كان يحيى بن أبي زائدة كيسًا، لا أعلمه أخطأ إلا في حديث واحد عن سفيان، عن أبي إسحاق. وقال الغلابي: عن سفيان، عن أبي حصين، ثم اتفقا عن قبيصة بن برمة، قال: قال عبد الله: ما أحب أن يكون عبيدكم مؤذنيكم. وإنما هو عن واصل، عن قبيصة.

قال زياد بن أيوب: ولي ابن أبي زائدة قضاء المدائن أربعة أشهر، ثم مات، وكان يحدث حفظًا.

وقال يعقوب السدوسي: توفي بالمدائن، وهو قاض لأمير المؤمنين هارون، كانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة. وعاش ثلاثًا وستين سنة. وكان ثقة، حسن الحديث، ويقولون: إنه أول من صنف الكتب بالكوفة، وكان يعد من فقهاء المحدثين بالكوفة، وكانت وفاته في جمادى الأولى.

وقال هارون بن حاتم، وابن سعد، ومطين، وغيرهم: مات سنة ثلاث، وقال خليفة: سنة ثلاث، أو أربع وثمانين. وقال مسروق بن المرزبان، وابن قانع: سنة أربع.

قال عيسى بن يونس: رأيت زكريا بن أبي زائدة يجيء إلى مجالد، فيقول ليحيى -يعني: ابنه: يا بني! احفظ.

ص: 337

أنبأنا عبد الرحمن بن قدامة، والمسلم بن محمد، قالا: أخبرنا حنبل بن عبد الله، أخبرنا هبة الله بن الحصين، أخبرنا أبو علي بن المذهب، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن زكريا، قال: أخبرني عاصم الأحول، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقعت رميتك في الماء، فغرق، فلا تأكل"

(1)

. هذا حديث صحيح، غريب. أخرجه: أبو داود، عن محمد بن يحيى الذهلي، عن أحمد، فوقع بدلا بعلو درجتين.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا أحمد بن صَرْما، والفتح بن عبد السلام، قالا: أخبرنا محمد بن عمر القاضي، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، أخبرنا علي بن عمر الحربي، أخبرنا أحمد بن الحسن، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن مجالد، قال: أشهد على أبي الوداك أنه شهد على أبي سعيد: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر لمنهم، وأنعما"

(2)

. فقال له إسماعيل وهو جالس مع مجالد على الطنفسة: وأنا أشهد على عطية أنه شهد على أبي سعيد، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.

حديث عطية هو المشهور، رواه أئمة عنه. وأما حديث أبي الوداك: ففرد، غريب. حَسَّن الترمذي خبر عطية.

(1)

صحيح: أخرجه أبو داود "2850" حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، به. وإسناده صحيح رجاله ثقات، وأخرجه البخاري "5484"، ومسلم "1929""6" من طريق عاصم، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه -عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أرسلت كلبك وسمَّيت فأمسكَ وقتلَ فكل وإن أكل فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالط كلابًا لم يُذكر اسم الله عليها فأمسكن فقتلن فلا تأكل، فإنك لا تدري أيها قتل، وإن رميتَ الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكُل، وإن وقع في الماء فلا تأكل".

(2)

ضعيف بهذا اللفظ: أخرجه أحمد "3/ 26"، وأبو يعلى "1278" من طريق مجالد، به.

قلت: إسناده ضعيف، لضعف مجالد، وهو ابن سعيد الهمداني. وأبو الوداك، هو جبر بن نوف الهمداني، ثقة من رجال مسلم.

لكن قد ورد عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم". قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين". أخرجه البخاري "3256"، ومسلم "2831"، والبيهقي في "البعث والنشور""274" من طريق مالك بن أنس، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، به مرفوعا. وأخرجه البخاري "6556" من طريق أبي حازم سلمة بن دينار، عن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدري، به بلفظ:"إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب الغارب في الأفق الشرقي والغربي".

ص: 338

‌1262 - خلف بن خليفة

(1)

: " (4)، م تبعًا"

ابن صاعد، الإمام، المُعَمَّر، أبو أحمد الأشجعي مولاهم، الكوفي، نزيل واسط، ثم تحول إلى بغداد، وبعضهم يعده من صغار التابعين؛ لكونه ذكر أنه رأى عمرو بن حريث رضي الله عنه.

روى عن: أبيه، ومحارب بن دثار، وأبي بشر جعفر بن إياس، وحفص ابن أخي أنس، وأبي هاشم الرماني، وعدة.

وعنه: قتيبة، وعلي بن حُجْر، وشريح بن يونس، والحسن بن عرفة.

وقد حدث عنه من الكبار: هُشيم.

قال أبو حاتم: صدوق.

وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.

وقال ابن سعد: تغير قبل موته واختلط.

وقال أحمد بن حنبل: رأيته ووضعه رجل، فصاح، فسئل عن حديث، فلم أفهم كلامه.

وقال ابن معين: ليس به بأس.

قال خلف: فرض لي عمر بن عبد العزيز، وأنا ابن ثمان سنين.

قلت: هذا ينفي رؤيته عمرو بن حريث.

مات: سنة (181).

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 313"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 658"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 74 و 565 و 798" و"3/ 245"، والكنى للدولابي "1/ 11"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 441"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1681"، والكامل لابن عدي "2/ ترجمة 612"، وتاريخ بغداد "8/ 318"، والعبر "1/ 280"، والكاشف "1/ ترجمة 1410"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 2537"، وتهذيب التهذيب "3/ 150"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة رقم 1853"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 295".

ص: 339

‌1263 - علي بن هاشم

(1)

: " م، (4) "

ابن البريد، الإمام، الحافظ، الصدوق، أبو الحسن العائذي، القرشي مولاهم، الكوفي، الشيعي، الخزاز، مولى امرأة قرشية.

حدث عن: هشام بن عروة، والأعمش، وابن أبي ليلى، ويحيى بن أبي أنيسة، وأبي الجحاف داود بن أبي عوف، وإسماعيل بن أبي خالد، وطلحة بن يحيى، وكثير النواء، وأبي الجارود زياد بن المنذر، وعبد الملك بن أبي سليمان، والعلاء بن صالح، وفطر بن خليفة، وأبي حمزة الثمالي، وخلق سواهم.

وعنه: يونس بن محمد المؤدب، وعمرو بن حمَّاد القنَّاد، وأحمد، وابن معين، وابن أبي شيبة، وعثمان أخوه، ومحمد بن عبيد المحاربي، وأبو مَعمر إسماعيل القَطيعي، والحسن بن حماد سجادة، وداود بن رشيد، وعبد الله بن عمر بن أبان، ومحمد بن مقاتل المروزي، ومحمد بن معاوية بن مالج، وخلق كثير.

قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس.

وقال ابن معين، ويعقوب السدوسي، وعلي بن المديني، وطائفة: ثقة. وعن ابن المديني رواية أخرى: صدوق، يتشيع.

وقال الجُوزَجاني: كان هو وأبوه غاليين في مذهبهما.

وقال أبو زُرعة: صدوق.

وقال أبو حاتم: كان يتشيع، يُكْتَبُ حديثه.

وعن عيسى بن يونس، قال: هم أهل بيت تشيع، وليس ثم كذب.

وقال ابن حبان في "الثقات": كان غاليًا في التشيع، وروى المناكير عن المشاهير. هكذا يقول: ابن حبان.

أنبأني إبراهيم بن الدرجي -فيما قرئ عليه- أخبرنا أبو جعفر الصيدلاني، وغيره إذنًا،

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 392"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2465"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1137"، والمجروحين لابن حبان "2/ 110"، وتاريخ بغداد "12/ 116" والأنساب للسمعاني "8/ 330"، والعبر "1/ 281"، والكاشف "2/ ترجمة 4039"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 5960"، وتهذيب التهذيب "7/ 392"، وتقريب التهذيب "2/ 45"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5060"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 297".

ص: 340

قالوا: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله، أخبرنا أبو بكر بن ريذة، أخبرنا الطبراني، حدثنا محمد بن الفضل السقطي، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا علي بن هاشم، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن قتل حيات البيوت، فقال:"إذا رأيتم منهن شيئًا في مساكنكم، فقولوا: نشدناكم العهد الذي أخذ عليكم نوح، ونشدناكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان، فإن عدن، فاقتلوهن"

(1)

.

غريب، وحسنه: الترمذي، عن هناد، عن ابن أبي زائدة، عن ابن أبي ليلى.

قال أحمد بن حنبل: سمعت من علي بن هاشم في سنة تسع وسبعين ومائة مجلسًا، ثم عدت إليه المجلس الآخر وقد مات، وهي السنة التي مات فيها مالك.

وقال محمد بن المثنى: مات سنة ثمانين ومائة.

وقال يعقوب بن شيبة، ومطين: مات سنة إحدى وثمانين.

قال مطين: في رجب. ويقال: في شعبان.

قال يعقوب: مات بالكوفة.

قلت: إنما سمع منه أحمد، ويحيى ببغداد.

أخبرنا أحمد بن هبة الله غير مرة، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا تميم بن أبي سعيد، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم، عن علي بن هاشم، عن هشام بن عروة، عن بكر بن وائل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة قط، ولا ضرب خادمًا له قط، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء فانتقمه من صاحبه، إلا أن تنتهك محارم الله، فينتقم لله عز وجل

(2)

.

أخرجه النسائي، عن أحمد بن علي المرْوَزي، عن أبي معمر.

أخبرنا أحمد بن المؤيد، أخبرنا أحمد بن صَرْما، أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا ابن النقور، أخبرنا علي بن عمر، أخبرنا أحمد الصوفي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا علي بن هاشم، ووكيع، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات صاحبكم فدعوه"

(3)

.

رواه أبو داود، عن أبي خيثمة، عن أحدهما.

(1)

ضعيف: أخرجه أبو داود "5260"، والترمذي "1485" من طريق ابن أبي ليلى، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ضعيف لسوء حفظه.

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "6/ 31 - 32 و 229 و 281"، ومسلم "2327" و"2328"، والدارمي "2/ 147"، والبيهقي في "السنن""10/ 192" من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به وأخرجه مالك "3/ 95 - 96"، وأحمد "6/ 115 - 116 و 181 - 182 و 262"، والبخاري "3560" و"6126" وفي "الأدب المفرد""274"، وأبو داود "4785"، والبيهقي في "السنن""7/ 41"، والبغوي في "شرح السنة""3703" عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، به.

(3)

صحيح: أخرجه أبو داود "4899" حدثنا زهير بن حرب، حدثنا وكيع، به مرفوعا بلفظ:"إذا مات صاحبكم فدعوه لا تقعوا فيه".

ص: 341

‌1264 - يعقوب

(1)

:

الوزير الكبير، الزاهد، الخاشع، أبو يعقوب بن داود بن طهمان الفارسي، الكاتب.

كان والده كاتبًا للأمير نصر بن سيَّار، متولي خراسان، فلما خرج هناك يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بعد مصرع أبيه زيد، كان داود يناصح يحيى سرًا، ثم قتل يحيى، وظهر أبو مسلم صاحب الدعوة، وطلب بدم يحيى، وتتبع قتلته فجاءه داود مطمئنًا إليه، فطالبه بمال، ثم أمنه، وتخرج أولاده في الآداب، وهلك أبوهم، ثم أظهروا مقالة الزيدية، وانضموا إلى آل حسن، ونزحوا ظهورهم. وجال يعقوب بن داود في البلاد، ثم صار أخوه علي بن داود كاتبًا لإبراهيم بن عبد الله الثائر بالبصرة، فلما قتل إبراهيم، اختفوا مدة، ثم ظفر المنصور بهذين، فسجنهما، ثم استخلف المهدي، فمن عليهما، وكان معهما في المطبق إسحاق بن الفضل الهاشمي، فلزماه، وبقي المهدي يتطلب عيسى بن زيد بن علي، والحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن حسن، فأخبر بأن يعقوب يدري، فأدخل عليه يعقوب في عباءة وعمامة قطن، ففاتحه، فوجده من نبلاء الرجال، فسأله عن عيسى، فقيل: وعده بأن يدخل بينه وبينه. فعظمه المهدي، وملأ عينه، واختص به، ولم يزل في ارتقاء وتقدم حتى وزر له، ففوض إليه أزمة الأمور، وتمكن، فولى الزيدية المناصب، حتى قال بشار بن برد:

بني أمية هبوا طال نومكم

إن الخليفة يعقوب بن داود

ضاعت خلافتنا يا قوم فاطلبوا

خليفة الله بين الدن والعود

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 262"، وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ ترجمة 830"، والعبر "1/ 247".

ص: 342

ثم إن الخواص حسدوا يعقوب، وسعوا فيه عند المهدي.

ومما عظم به يعقوب عند المهدي، أنه أحضر له الحسن بن إبراهيم بن عبد الله، فجمع بينهما بمكة، وبايعه، فتألم بنو حسن من صنيع يعقوب، وعرف هو أنهم إن ملكوا أهلكوه، وكثرت السعاة، فمال إلى إسحاق بن الفضل، وسعوا إلى المهدي، وقالوا: الممالك في قبضة يعقوب وأصحابه، ولو كتب إليهم، لثاروا في وقت على ميعاد، فيملكوا الأرض، ويستخلف إسحاق. فملأ هذا الكلام مسامع المهدي، وقف شعره.

فعن بعض خدم المهدي: أنه كان قائمًا على رأس المهدي، إذ دخل يعقوب، فقال: يا أمير المؤمنين! قد عرفت اضطراب أمر مصر، وأمرتني أن ألتمس لها رجلا، وقد وجدته. قال: ومن? قال: ابن عمك؛ إسحاق بن الفضل. فتغير المهدي، وفطن يعقوب، فخرج، فقال المهدي: قتلني الله إن لم أقتلك. ثم نظر إليَّ، وقال: ويلك! اكتم هذا.

وقيل: كان يعقوب قد عرف أخلاق المهدي، ونهمته في النساء، فكان يباسطه. فروى: علي بن يعقوب، عن أبيه، قال: بعث إلي المهدي، فدخلت، فإذا هو في مجلس مفروش، وبستان فيه من أنواع الزهر، وعنده جارية لم أر مثلها، فقال: كيف ترى? قلت: متع الله أمير المؤمنين، لم أر كاليوم. فقال: هو لك بما حوى والجارية، ولي حاجة. قلت: الأمر لك فحلفني بالله، فحلفت، وقال: ضع يدك على رأسي واحلف. ثم قال: هذا فلان من ولد فاطمة، أرحني منه، وأسرع. قلت: نعم. فأخذته، وذهبت بالجارية والمفارش، وأمر لي بمائة ألف، فمضيت بالجميع، فلشدة سروري بالجارية تركتها معي، وكلمت العلوي، فقال: ويحك! تلقى الله غدًا بدمي، وأنا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: هل فيك خير? قال: نعم، ولك عندي دعاء واستغفار. فأعطيته مالا، وهيأت معه من يوصله في الليل، فإذا الجارية قد حفظت علي قولي، فبعثت به إلى المهدي، فسخَّر الطرق برجال، فجاءوه بالعلوي، فلما أصبحنا، دخلت على المهدي، فإذا العلوي، فبُهتُّ. فقال: حل دمك. ثم حبسني دهرًا في المطبق، وأصيب بصري، وطال شعري. قال: فإني لكذلك، إذ دعي به، فمضوا بي، فقيل لي: سلم على أمير المؤمنين. وقد عميت فسلمت. فقال: من أنا? قلت: المهدي. قال: رحم الله المهدي. قلت: فالهادي قال: رحم الله الهادي. قلت: فالرشيد. قال: نعم. سل حاجتك. قلت: المجاورة بمكة. قال: نفعل، فهل غير هذا? قلت: ما بقي في مستمتع. قال: فراشدًا. فخرجت إلى مكة. قال ابنه: فلم يطول.

قلت: مات بها، سنة اثنتين وثمانين ومائة.

ص: 343

وعن يعقوب الوزير قال: كان المهدي لا يحب النبيذ، لكنه يتفرج على غلمانه فيه، فألومه، وأقول: على ماذا استوزرتني? أبعد الصلوات في الجامع يشرب النبيذ عندك، وتسمع السماع?! فيقول: قد سمعه عبد الله بن جعفر. فأقول: ليس ذا من حسناته.

وقال عبيد الله بن يعقوب: ألحَّ أبي على المهدي في السماع، وضجر من الوزارة، ونوى الترك.

وكان يقول: لخمر أشربه وأتوب منه، أحب إلي من الوزارة، وإني لأركب إليك يا أمير المؤمنين، فأتمنى يدًا خاطئة تصيبني، فأعفني، وول من شئت، فإني أحب أن أسلم عليك أنا وولدي، فما أتفرغ، وليتني أمور الناس، وإعطاء الجند، وليس دنياك عوضًا من ديني. فيقول: اللهم أصلح قلبه.

وقال شاعر:

فدع عنك يعقوب بن داود جانبا

وأقبل على صهباء طيبة النشر

ولما عزله المهدي، عزل أصحابه، وسجن عدة من آله وغلمانه وأعوانه.

ص: 344

‌1265 - عبد الرحمن

(1)

: " ت، ق"

ابن زيد بن أسلم العُمَري، المدني، أخو أسامة، وعبد الله، وفيهم لين.

وكان عبد الرحمن صاحب قرآن وتفسير، جمع تفسيرًا في مجلد، وكتابًا في الناسخ والمنسوخ.

وحدث عن: أبيه، وابن المنكدر.

روى عنه: أصبغ بن الفَرَج، وقتيبة، وهشام بن عمار، وآخرون.

توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 922"، والمعرفة والتاريخ الكبير ليعقوب الفسوي "1/ 236 و 429" و"3/ 43 و 171"، والضعفاء والمتروكين للنسائي "ترجمة 360"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 926"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1107"، والمجروحين لابن حبان "2/ 57"، والكامل لابن عدي "4/ ترجمة 1105"، والكاشف "2/ ترجمة 3237"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4868"، والعبر "1/ 282"، وتهذيب التهذيب "6/ 177"، وتقريب التهذيب "1/ 480"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4094"، وشذرات الذهب "1/ 297".

ص: 344

‌1266 - سفيان بن حبيب

(1)

: " (4) "

الحافظ، الثبت، أبو محمد البصري، البزاز.

حدث عن: عاصم الأحول، وسليمان التيمي، وخالد الحذاء، وحجاج بن أبي عثمان، في آخرين.

روى عنه: أبو حفص الفلاس، والحسن بن قَزَعة، وحميد بن مسعدة، ونصر بن علي، وآخرون.

قال أبو يحيى صاعقة: سمعت عليًّا يقول: لم يكن أحد من أصحابنا ممن تطلب الحديث وعني به، وحفظه، وأقام عليه، لم يزل فيه، إلا ثلاثة: يحيى بن سعيد القطان، وسفيان بن حبيب، ويزيد بن زريع. هؤلاء لم يدعوه، ولم يشتغلوا عنه إلى أن حدثوا.

وقال أبو حاتم الرازي: سفيان بن حبيب: ثقة، أعلم الناس بحديث سعيد بن أبي عَروبة.

وقال خليفة: توفي سنة ثلاثٍ وثمانين ومائة. وقال غيره: سنة ست وثمانين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 291"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2068"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 514" و"2/ 134 و 139" و"3/ 32"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 979"، والكاشف "1/ ترجمة 2008"، والعبر "1/ 293"، وتهذيب التهذيب "4/ 107"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2576"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".

ص: 345

‌1267 - سفيان بن موسى

(1)

: " م"

البصري.

يروي عن: أيوب السَّختياني، وسيَّار أبي الحكم، وطائفة.

وعنه: الصلت بن مسعود، وعبد الله مُشْكُدانة، ونصر بن علي، وأبو حفص الفلاس، وعدة.

أورده ابن حِبَّان في "الثقات". وروى له مسلم حديثًا.

وسئل أبو حاتم عنه، فقال: مجهول -يعني: مجهول الحال عنده.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "4/ ترجمة 981"، والكاشف "1/ ترجمة 2022"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3331"، وتهذيب التهذيب "4/ 122"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2592".

ص: 345

‌1268 - سيبويه

(1)

:

إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي، ثم البصري.

وقد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يُدْرَك شأوه فيه.

استملى على حماد بن سلمة، وأخذ النحو عن: عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، والخليل، وأبي الخطاب الأخفش الكبير.

وقد جمع يحيى البرمكي ببغداد بينه وبين الكسائي للمناظرة، بحضور سعيد الأخفش، والفراء، وجرت مسألة الزنبور، وهي كذب: أظن الزنبور أشد لسعًا من النحلة، فإذا هو إياها. فقال سيبويه: ليس المثل كذا، بل: فإذا هو هي. وتشاجرا طويلا، وتعصبوا للكسائي دونه، ثم وصله يحيى بعشرة آلاف، فسار إلى بلاد فارس، فاتفق موته بشيراز، فيما قيل.

وكان قد قصد الأمير طلحة بن طاهر الخزاعي.

وقيل: كان فيه مع فرط ذكائه حبسة في عبارته، وانطلاق في قلمه.

قال إبراهيم الحربي: سمي سيبويه؛ لأن وجنتيه كانتا كالتفاحتين، بديع الحسن.

قال أبو زيد الأنصاري: كان سيبويه يأتي مجلسي، وله ذؤابتان، فإذا قال: حدثني من أثق به، فإنما يعنيني.

وقال العيشي: كنا نجلس مع سيبويه في المسجد، وكان شابًّا جميلا، نظيفًا، قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب بسهم في كل أدب مع حداثة سنه.

وقيل: عاش اثنتين وثلاثين سنة. وقيل: نحو الأربعين. قيل: مات سنة ثمانين ومائة، وهو أصح. وقيل: سنة ثمانٍ وثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 195"، وفيات الأعيان "1/ 504"، والعبر "1/ 278 و 350" النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 99"، نفح الطيب للمقري "2/ 387"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 252".

ص: 346

‌1269 - الهيثم بن حُميد

(1)

: " (4) "

الإمام، العلامة، فقيه دمشق، أبو أحمد، وأبو الحارث الغساني مولاهم، الدمشقي.

حدث عن: العلاء بن الحارث، وتميم بن عطية، ويحيى الذِّماري، وأبي وهب الكلاعي، وثور بن يزيد، والمطعم بن المقدام، وزيد بن واقد، وداود بن أبي هند، والأوزاعي، وجماعة.

حدث عنه: الوليد بن مسلم -رفيقه- وعبد الله بن يوسف، وهشام بن عمار، ومحمد بن عائذ، وعلي بن حجر، وآخرون.

قال أبو داود: ثقة، قدري. وقال النسائي، وغيره: ليس به بأس.

وقال دُحَيم: كان أعلم الأولين والآخرين بقول مكحول.

وقال أحمد بن حنبل: ما علمت إلا خيرًا. وجاء عن ابن معين توثيقه.

وقال علي بن حُجر: يكنى أبا الحارث. وكناه النسائي: أبا أحمد.

وقال أبو مسهر: كان ضعيفًا قدريًّا.

قلت: ما ذكر ابن عساكر له وفاة. وقد عاش إلى قريب من سنة تسعين ومائة.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا ابن عبد السلام، أخبرنا الأرموي، والطرائفي، وابن الداية، قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل الزهري، حدثنا جعفر الفريابي، حدثنا محمد بن عائذ، حدثنا الهَيثم بن حميد، حدثنا الوضين بن عطاء، عن يزيد بن مرثد، قال: ذكر الدجال في مجلس فيه أبو الدرداء، فقال نوف البكالي: لغير الدجال أخوف مني من الدجال. فقال أبو الدرداء: وما هو? قال: أخاف أن أسلب إيماني وأنا لا أشعر. فقال أبو الدرداء: ثكلتك أمك يا ابن الكِندية، وهل في الأرض مائة يتخوفون ما تتخوف، وذكر الحديث

(2)

.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2765"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 13 و 261"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 334"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 264"، والكاشف "3/ ترجمة 6122"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9298"، وتهذيب التهذيب "11/ 92"، ولسان الميزان "7/ 422".

(2)

ضعيف: فيه علتان الوضين بن عطاء، ضعيف لسوء حفظه. والثانية: نوف البطالي، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": شامي مستور، وهو ابن امرأة كعب وإنما كذب ابن عباس ما رواه عن أهل الكتاب.

ص: 347

‌1270 - يحيى بن حمزة

(1)

: " ع"

ابن واقد، الإمام الكبير، الثقة، أبو عبد الرحمن الحضرمي مولاهم، البَتَلْهي، الدمشقي، قاضي دمشق.

ولد سنة ثلاثٍ ومائة، فيما نقله أبو مُسْهِر. وقال المفضل الغلابي: سنة ثمان ومائة.

قرأ القرآن على: يحيى الذماري.

وحدث عن: عطاء الخراساني، وعروة بن رويم، وعمرو بن مهاجر، وأبي وهب الكلاعي عبيد الله، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وثور بن يزيد، ويزيد بن أبي مريم، والأوزاعي.

وعنه: الوليد بن مسلم، وابن مَهْدي، وأبو مُسْهِر، ومحمد بن المبارك، والحكم بن موسى، وهشام بن عمار، وعلي بن حجر، وولده محمد، وخلق.

قال ابن سعد: كان كثير الحديث، صالحه.

وقال أحمد: ليس به بأس.

وقال دحيم: ثقة عالم عالم.

وقال يحيى: ثقة، قدري. وقال أبو حاتم: صدوق.

وقال مروان الطاطري: استعمل المنصور سنة ثلاث وخمسين لما قدم دمشق على القضاء يحيى بن حمزة، وقال: يا شاب، أرى أهل بلدك قد أجمعوا عليك، فإياك والهدية.

قال أبو زرعة الدمشقي: أعلمهم بقول محكوم هو والهيثم بن حميد.

قال دحيم، وجماعة: توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة.

قلت: دام على القضاء ثلاثين عامًا، وكان ثبتًا في الحديث، وإن كان يميل إلى القدر فلم يكن داعية.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 469"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2956"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 459"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 580"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 266"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9486"، وتهذيب التهذيب "11/ 200"، وتقريب التهذيب "2/ 346"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 305".

ص: 348

‌1271 - يحيى بن يمان

(1)

: " ع"

الإمام، الحافظ، الصادق، العابد، المقرئ، أبو زكريا العجلي، الكوفي.

روى عن: هشام بن عروة، والمنهال بن خليفة، وإسماعيل بن أبي خالد، وجماعة.

وتلا على حمزة الزيَّات

(2)

.

وصحب الثوري، وأكثر عنه، وكان من العلماء العاملين.

حدث عنه: ولده؛ داود الحافظ، وبشر بن الحارث، وأبو كريب، وسفيان بن وكيع، وعلي بن حرب، والحسن بن عرفة، وخلق كثير.

قال ابن المديني: صدوق، فلج، فتغير حفظه.

وعن وكيع، قال: ما كان أحد من أصحابنا أحفظ للحديث من يحيى بن يمان، كان يحفظ في مجلس واحد خمس مائة حديث، ثم نسي.

وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كان سريع الحفظ، سريع النسيان.

وقال أحمد بن حنبل: ليس بحجة.

قلت: قد رضيه مسلم.

وقد قال يحيى بن معين: أرجو أن يكون صدوقًا. وقال مرة: ضعيف. وقال مرة: ليس به بأس.

وقال النسائي، وغيره: ليس بالقوي.

قلت: حديثه من قبيل الحسن.

قال يعقوب بن شيبة: يعد مع الأشجعي في الكثرة عن سفيان، أنكروا عليه كثرة الغلط.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 391"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 3142"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 681 و 721" و"2/ 225"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 2065"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 830"، والكامل لابن عدي "7/ ترجمة 2137"، وتاريخ بغداد "14/ 120"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 265"، والكاشف "3/ ترجمة 6386"، والعبر "1/ 304"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9661"، وتهذيب التهذيب "11/ 306"، وتقريب التهذيب "2/ 361"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 325".

(2)

حمزة الزيات الكوفي، أحد القراء السبعة، توفي سنة "156 هـ". كان إماما للناس بعد عاصم والأعمش.

ص: 349

قلت: توفي سنة تسع وثمانين ومائة.

وقد ذكره أبو بكر بن عياش، فقال: ذاك راهب.

ومات ولده داود بن يحيى: في سنة ثلاث ومائتين، قبل محل الرواية.

روى عن أبيه شيئًا يسيرًا.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا ابن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن البسري، أخبرنا أبو طاهر الذهبي، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طاف بالبيت خمسين مرة، يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"

(1)

. أخرجه: الترمذي، عن ابن وكيع.

(1)

ضعيف: أخرجه الترمذي "866"، وإسناه ضعيف لضعف سفيان بن وكيع. وقال الترمذي: حديث ابن عباس حديث غريب سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث؟ فقال: إنما يروي هذا عن ابن عباس قوله.

ص: 350

‌1272 - عبد الرحيم

(1)

: " ع"

ابن سليمان، الإمام، الحافظ، المصنف، أبو علي الرازي، نزيل الكوفة.

يروي عن: عاصم الأحول، وأشعث بن سوار، وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وعدة.

حدث عنه: أبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه وأبو كريب، وهناد، وأبو سعيد الأشج، وعدد كثير.

وكان رفيقًا لحفص بن غياث في طلب العلم.

قال يحيى بن معين، وغيره: ثقة.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث، صنف الكتب.

قلت: توفي في آخر سنة سبع وثمانين ومائة. ويقال: توفي سنة أربع وثمانين، فالله أعلم.

فأما الميت في سنة أربع فـ:

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1838"، والمعرفة والتاريخ "1/ 123" و"2/ 306" و"3/ 123"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1602"، والكاشف "2/ ترجمة 3404"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 271"، والعبر "1/ 296"، وتهذيب التهذيب "6/ 306"، وتقريب التهذيب "1/ 504" وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4307".

ص: 350

‌1273 - عبد الرحيم بن زيد بن الحَوَاري

(1)

:

العمي البصري، أحد المتروكين، وهو من طبقة الرازي.

يروي عن: مالك بن دينار، وعن والده.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 1844"، والضعفاء والمتروكين للنسائي "ترجمة 368" والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1045"، والمجروحين لابن حبان "2/ 161"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1420"، وتاريخ بغداد "11/ 83"، والكاشف "2/ ترجمة 3403"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5030"، وتهذيب التهذيب "6/ 305"، وتقريب التهذيب "1/ 504"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4306"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 25".

ص: 351

‌1274 - إسماعيل بن صالح

(1)

:

ابن علي، الهاشمي العباسي، نائب مصر، ثم حلب.

روى عن: أبيه.

وعنه: ابنه؛ الأمير طاهر، والوليد بن مسلم.

وله ذرية بحلب. وكان يصلح للخلافة.

قال سعيد بن عُفَير: ما رأيت أخطب منه على هذه الأعواد. كان جامعًا لكل سؤدد، ويعرف الفلسفة، وضرب العود، والنجوم.

قلت: علمه هذا، الجهل خير منه.

وكان مليح النظم، وكان الرشيد يحترمه، وتحيَّل عليه حتى ضرب له بالعود، فوصله بجوهر ثمنه ثلاثون ألف دينار، وولاه مصر، وعقد له اللواء بيده، فوليها ست سنين.

وعاش إلى حدود سنة تسعين ومائة بحلب، وبها ولد، وله عدة إخوة أمراء، وكلهم بنو عم المنصور.

(1)

ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 105".

ص: 351

‌1275 - بشر بن منصور

(1)

: " م، د، س"

الإمام، المحدث، الرباني، القدوة، أبو محمد الأزدي، السليمي، البصري، الزاهد.

روى عن: أيوب السختياني، وشعيب بن الحبحاب، وعاصم الأحول، وسعيد الجريري، وطبقتهم.

حدث عنه: ابنه إسماعيل، وبشر الحافي، وعلي بن المديني، وعبد الأعلى بن حماد، وعبيد الله القواريري، وعبد الرحمن بن مهدي.

وحدث عنه من أقرانه: الفضيل بن عياض.

قال ابن مهدي: ما رأيت أحدًا أقدمه عليه في الورع والرقة.

قال علي بن المديني: ما رأيت أخوف لله منه، كان يصلي كل يوم خمس مائة ركعة. وقال القواريري: هو أفضل من رأيت من المشايخ.

وقال الإمام أحمد: هو ثقة وزيادة.

قال ابن المديني: حفر قبره، وختم فيه القرآن، وكان ورده ثلث القرآن.

وكان ضيغم صديقًا له، فتوفيا في يوم.

قال غسان الغلابي: كنت إذا رأيت وجه بشر بن منصور ذكرت الآخرة، رجل منبسط، ليس بمتماوت، فقيه، ذكي.

وقال عباس النرسي: ربما قبض بشر بن منصور على لحيته، وقال: أطلب الرياسة بعد سبعين سنة?

وعن بشر -وقيل له: أتحب أن لك مائة ألف- قال: لأن تندر عيناي أحب إلي من ذلك.

قال غسان: حدثني ابن أخي بشر، قال: ما رأيت عمي فاتته التكبيرة الأولى، وأوصاني في كتبه أن أغسلها، أو أدفنها. قال غسان: وكنت أراه إذا زاره الرجل من إخوانه، قام معه حتى يأخذ بركابه، وفعل بي ذلك كثيرًا. رواها أحمد الدَّورقي، عنه.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1770"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 1408"، وميزان الاعتدال "1/ 325"، والعبر "1/ 275"، حلية الأولياء لأبي نعيم "6/ ترجمة 368"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 293".

ص: 352

قال علي ابن المديني: ما رأيت أحدًا أخوف لله من بشر بن منصور، كان يصلي كل يوم خمسمائة ركعة.

الدورقي: حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي، حدثني عبد الخالق أبو همام، قال: قال بشر بن منصور: أقِلَّ من معرفة الناس، فإنك لا تدري ما يكون، فإن كان -يعني: فضيحة- غدًا، كان من يعرفك قليلا.

قال: وحدثنا سهل بن منصور، قال: كان بشر يصلي فيطول، ورجل وراءه ينظر، ففطن له، فلما انصرف، قال: لا يعجبك ما رأيت مني، فإن إبليس قد عبد الله دهرًا مع الملائكة.

وعن بشر بن منصور، قال: ما جلست إلى أحد فتفرقنا، إلا علمت أني لو لم أقعد معه، كان خيرًا لي.

سيَّار بن حاتم: حدثنا بشر بن المفضل، قال: رأيت بشر بن منصور في المنام، فقلت: ما صنع الله بك? قال: وجدت الأمر أهون مما كنت أحمل على نفسي.

قلت: توفي هذا الإمام -رحمة الله عليه- في سنة ثمانين ومائة، وله نيف وسبعون سنة.

وكان في عصره: بشر بن منصور الحنَّاط، كوفي، قليل الرواية.

أخذ عنه عبد الرحمن بن مهدي، وأبو سعيد الأشج. والحناط: بمهملة، ثم نون.

وبشر بن المفضل البصري، الحافظ، وبشر بن السري الواعظ الأفوه، بصري أيضًا.

وبشر بن عمر الزهراني، بصري، حافظ بعد المائتين.

وبشر بن بكر التِّنِّيسي، أحد الثقات.

وبشر بن آدم الضرير، بغدادي، ثقة.

ثم بشر بن شُعيب، محدث حمص.

وبشر بن الحارث، الحافي، الزاهد.

وبشر بن الحكم العبدي، النيسابوري.

وبشر بن محمد المروزي، السختياني، شيخ للبخاري.

وبشر بن معاذ العقدي، الضرير.

وبشر بن هلال، وعدة.

ومن رءوس المبتدعة: بشر بن غياث المريسي.

وبشر بن المعتمر.

ص: 353

‌1276 - عبد العزيز

(1)

: " ع"

ابن أبي حازم سلمة بن دينار، الإمام الفقيه، أبو تمام المدني.

حدث عن: أبيه، وزيد بن أسلم، والعلاء بن عبد الرحمن، وسهيل بن أبي صالح، ويزيد بن الهاد، وموسى بن عقبة، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد، وخلق.

حدث عنه: الحميدي، وسعيد بن منصور، وأبو مصعب، والقعنبي، وعلي بن حجر، وعمرو الناقد، ويعقوب الدورقي، ويحيى بن أكثم، وبشرٌ كثيرٌ.

وكان من أئمة العلم بالمدينة.

قال يحيى بن معين: صدوق.

وقال أحمد بن زهير: قيل لمصعب الزبيري: ابن أبي حازم ضعيف في حديث أبيه. فقال: أو قد قالوها? أما هو، فسمع مع سليمان بن بلال، فلما مات سليمان، أوصى إليه بكتبه، فكانت عنده، فقد بال عليها الفأر، فذهب بعضها، فكان يقرأ ما استبان له، ويدع ما لا يعرف، منها أما حديث أبيه، فكان يحفظه.

قال أحمد بن حنبل: لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه من عبد العزيز بن أبي حازم.

وقال أبو حاتم الرازي: هو أفقه من عبد العزيز الدراوردي.

وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين يقول: ابن أبي حازم ليس بثقة في حديث أبيه، كذا جاء هذا. بل هو حجة في أبيه، وغيره.

وقال أحمد بن حنبل: لم يكن بالمدينة في وقته أفقه منه، يرون أنه سمع من أبيه. وأما هذه الكتب، فيقولون: إن كتب سليمان بن بلال صارت إليه.

وقال أحمد مرة: لم يكن يعرف بطلب الحديث إلا كتب أبيه، فيقولون: سمعها.

قلت: حديثه في الصحاح.

قال ابن سعد: ولد سنة سبع ومائة، وتوفي وهو ساجد، في سنة أربع وثمانين ومائة رحمه الله.

أخبرنا عمر بن القّوَّاس، أخبرنا عبد الصمد بن الحَرَستاني حضورًا، أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا نصر بن طلاب، أخبرنا ابن جميع، حدثنا الحسين بن إسماعيل ببغداد، حدثنا عبد الرحمن بن يونس، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغَرَر.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 424"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1571"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 428 و 685" و"2/ 294"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1787"، والكاشف "2/ ترجمة 3428"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 253"، والعبر "1/ 289"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5093"، وتهذيب التهذيب "6/ 333"، تقريب التهذيب "1/ 508"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4340"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 306".

ص: 354

‌1277 - صَرِيع الغَواني

(1)

:

هو مسلم بن الوليد الأنصاري مولاهم، البغدادي، حامل لواء الشعر. وقيل: بل هو كوفي، نزل بغداد.

كان شاعرًا، مَدَّاحًا، مُحْسِنًا، مُفوَّهًا، وهو القائل في جعفر البرمكي:

كأنه قمر أو ضيغم هصر

أو حية ذكر أو عارض هطل

لا يضحك الدهر إلا حين تسأله

ولا يعبس إلا حين لا يسل

وهو القائل في يزيد بن مزيد:

يكسو السيوف نفوس الناكثين به

ويجعل الهام تيجان القنا الذبل

إذا انتضى سيفه كانت مسالكه

مسالك الموت في الأبدان والقلل

مات في أواخر دولة الرشيد، وديوانه مشهور.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1571"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1832"، وتاريخ بغداد "13/ 96".

ص: 355

‌1278 - عبد العزيز بن محمد

(1)

: " م، (4)، خ مقرونا"

ابن عبيد، الإمام، العالم، المحدث، أبو محمد الجهني مولاهم، المدني الدراوردي. قيل: أصله من دراورد: قرية بخراسان.

وروى سليمان الطبراني، عن أحمد بن رشدين، عن أحمد بن صالح، قال: الدراوردي من أهل أصبهان، نزل المدينة.

وكان يقول للرجل إذا أراد أن يدخل: أندرون

(2)

، فلقبوه: الدراوردي.

قلت: حدث عن: صفوان بن سليم، وأبي طُوالة عبد الله، ويزيد بن الهاد، وأبي حازم الأعرج، وثور بن زيد، والعلاء بن عبد الرحمن، وعمرو ابن أبي عمرو، وسهيل بن أبي صالح، وشريك بن أبي نمر، وجعفر الصادق، وجماعة.

روى عنه: شعبة، والثوري، وهما أكبر منه، وإسحاق بن راهويه، ويعقوب الدورقي، وعلي بن خشرم، وأبو حذافة السهمي، وأحمد بن عبدة، وخلق كثير.

قال معن بن عيسى: يصلح أن يكون الدراوردي أمير المؤمنين.

وقال يحيى بن معين: هو أثبت من فليح بن سليمان.

وقال أبو زرعة: سيئ الحفظ.

وقال الفلاس: حدث ابن مهدي عنه بحديث واحد.

قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: إن الدراوردي يروي عن: عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يرخي عمامته من خلفه

(3)

. فتبسم، وأنكره، وقال: إنما هذا موقوف.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 424"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1569"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 977"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1833"، والأنساب للسمعاني "5/ 295"، والكاشف "2/ ترجمة 3454"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5125"، والعبر "1/ 297 و 403 و 410 و 418"، وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة 463"، وتهذيب التهذيب "6/ 353"، وتقريب التهذيب "1/ 512"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4371"، وشذرات الذهب "1/ 316".

(2)

أندرون: كلمة فارسية تعني: داخل، باطن أو بيت داخلي تابع للمنزل.

(3)

صحيح لغيره: أخرجه الترمذي في "السنن""1736"، وفي "الشمائل""110"، والعقيلي في "الضعفاء""3/ 21" من طريق يحيى بن محمد الجاري، عن عبد العزيز بن محمد، عن عبيد الله بن عمر، عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه" قال نافع، وكان ابن عمر يسدل =

ص: 356

وعن أحمد قال: كان الدراوردي إذا حدث من حفظه يهم، ليس هو بشيء، وإذا حدث من كتابه فنعم.

وقال أبو حاتم: لا يحتج به.

قلت: حديثه في دواوين الإسلام الستة، لكن البخاري روى له: مقرونًا بشيخ آخر، وبكل حال فحديثه وحديث ابن أبي حازم لا ينحط عن مرتبة الحسن.

أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر، أخبرنا السلفي، أخبرنا إسماعيل بن مالك، أخبرنا أبو يعلى الخليلي، حدثني علي بن أحمد بن صالح المقرئ، حدثنا الحسن بن علي الطوسي، حدثنا الزبير بن بكار، حدثني العباس بن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: جاء عبد العزيز الدراوردي في جماعة إلى أبي، ليعرضوا عليه كتابًا، فقرأه لهم الدراوردي، وكان رديء اللسان، يلحن لحنًا قبيحًا، فقال أبي: ويحك يا دراوردي، أنت كنت إلى إصلاح لسانك قبل النظر في هذا الشأن أحوج منك إلى غير ذلك.

= عمامته بين كتفيه". قال عبيد الله: ورأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك.

وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.

قلت: إسناده ضعيف، يحيى بن محمد الجاري، قال البخاري: يتكلمون فيه.

وأخرجه الخطيب "11/ 293" من طريق عثمان بن نصر البغدادي، حدثنا الوليد بن شجاع، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، به.

وهذه متابعة للجاري من الوليد بن شجاع، وهو ثقة من رجال مسلم. لكن قال الخطيب في عثمان بن نصر: وقع حديثه إلى الغرباء، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وله طريق آخر، ذكره الهيثمي في "المجمع" "5/ 120":"عن أبي عبد السلام قال: قلت لابن عمر: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتم؟ قال: كان يدور كور عمامته على رأسه، ويغرزها من ورائه ويرسلها بين كتفيه. رواه الطبراني في الأوسط". ورجاله رجال الصحيح خلا أبا عبد السلام وهو ثقة.

وقال: "وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه، ومن خلفه. رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه الحجاج بن رشدين وهو ضعيف". فالحديث صحيح بهذه الطرق، وله شاهد عن عمرو بن حريث قال:"كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها -وفي رواية طرفها- بين كتفيه". أخرجه مسلم، وأبو داود "4077"، وابن ماجه "3587".

وشاهد آخر عن عائشة رضي الله عنها: أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم على برذون وعليه عمامة، طرفها بين كتفيه، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رأيته؟ ذاك جبريل عليه السلام. أخرجه أحمد "6/ 148 و 152"، والحاكم "4/ 193 - 194" وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

قلت: بل إسناده ضعيف، آفته عبد الله بن عمر العمري، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب".

ص: 357

أخبرنا أحمد بن إسحاق بن محمد الوبري، أخبرنا محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الزهري، أخبرنا عمي محمد بن أبي حامد، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا عبد الواحد بن محمد الفارسي، حدثنا الحسين بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن إسماعيل المدني، حدثنا الدراوردي عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"

(1)

. أخرجه: أبو داود نازلا عن ثقة، عن ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن العلاء بنحوه.

توفي الدراوردي سنة سبع وثماني ومائة بالمدينة.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "6/ 278"، والبخاري في "الأدب المفرد""38"، والترمذي "1376" والنسائي "6/ 251"، والطحاوي في "مشكل الآثار""246"، والبيهقي "6/ 278"، والبغوي "139" من طرق عن إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا.

ص: 358

‌1279 - عبد العزيز بن عبد الصمد

(1)

: " ع"

المحدث، الحافظ، الثبت، أبو عبد الصمد العمي، البصري.

ولد بعد المائة.

وروى عن: أبي عِمران الجوني، ومنصور بن المعتمر، وحصين بن عبد الرحمن، ومطر الوراق، وجماعة.

حدث عنه: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعمرو الفلاس، وبندار، وابن المثنى، وزياد بن يحيى الحساني، والحسن بن عرفة، وعبيد الله القواريري، وخلق كثير.

قال القواريري: كان حافظًا.

وقال أحمد بن حنبل، وغيره: كان ثقة.

وقال عمرو بن علي: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول يوم مات عبد العزيز العمي: ما مات لكم شيخ منذ ثلاثين سنة مثله.

قلت: يقع لنا من عواليه في كتاب البعث.

وكان موته في سنة سبع وثمانين ومائة.

أخبرنا أحمد بن إسحاق الهمداني، أخبرنا أكمل بن أبي الأزهر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا محمد بن محمد الزينبي، أخبرنا محمد بن عمر الوراق، أخبرنا بن أبي داود، حدثنا محمد بن محمد بن بشار، ونصر بن علي، قالا: حدثنا أبو عبد الصمد العمي، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن"

(2)

.

أخرجه: مسلم عنهما، ورواه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن ابن بشار.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1574"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1809"، والكاشف "2/ ترجمة 3447"، والعبر "1/ 297"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 255"، وتهذيب التهذيب "6/ 346".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "4878"، ومسلم "180"، من حديث أبي بكر بن عبد الله بن قيس، به.

ص: 358

‌1280 - الهِقْل

(1)

: " م، (4) "

ابن زياد، الإمام، المفتي، أبو عبد الله الدمشقي، كاتب الأوزاعي، وتلميذه.

حدث عن: هشام بن حسان، والمثنى بن الصباح، وطلحة بن عمرو المكي، وحريز بن عثمان، والأوزاعي، وجماعة.

حدث عنه: الليث بن سعد، وهو أكبر منه، وأبو صالح كاتب الليث، وأبو مسهر الغساني، والحكم بن موسى، وهشام بن عمار، وسليمان بن عبد الرحمن، وعلي بن حجر، وجماعة.

قال يحيى بن معين: ما كان بالشام أوثق من الهِقْل.

وقال مروان الطاطري: كان الهقل أعلم الناس بالأوزاعي، وبمجلسه وفتياه.

قال ابن عساكر: الهقل أبو عبد الله السكسكي، اسمه: محمد. وقيل: عبد الله، ولقبه: الهقل.

وقال أحمد بن حنبل: لا يكتب حديث الأوزاعي عن أحد أوثق من الهقل.

وقال الفسوي: هو أعلى أصحاب الأوزاعي.

قال أبو سعيد بن يونس: قدم الهِقْل مصر، وكتب عنه أهلها، وتوفي ببيروت، سنة تسع وسبعين ومائة. وكذا روي عن أبي مسهر في تاريخ موته، ولم يبلغنا مولده، ولكنه مات قبيل الشيخوخة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2891"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 144" و"2/ 408 و 460 و 474"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 520"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 263"، والكاشف "3/ ترجمة 6087"، والعبر "1/ 227 و 274"، وتهذيب التهذيب "11/ 64"، وتقريب التهذيب "2/ 321"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7768"، وشذرات الذهب "1/ 292".

ص: 359

‌1281 - يوسف بن يعقوب

(1)

: " خ، م، ت، س، ق"

ابن أبي سلمة الماجشون، الإمام، المحدث، المعمر، أبو سلمة التيمي، المنكدري، مولاهم المدني.

حدث عن: أبيه، وعن الزهري، ومحمد بن المنكدر، وصالح بن إبراهيم العوفي، وطائفة.

وعنه: علي بن المديني، وأبو مصعب، وأحمد بن حنبل، ومحمد ابن أبي بكر المقدمي، وسريج بن يونس، وعلي بن مسلم الطوسي، وعدد كثير.

وثقه يحيى بن معين، وأبو داود.

قال يحيى بن أيوب المقابري: سمعت يوسف بن الماجشون يقول: ولدت على عهد سليمان بن عبد الملك، ففرض لي في المقاتلة، فلما قام عمر بن عبد العزيز مر بي باسمي، وكان بنا عارفًا، فقال: ما أعرفني بمولد هذا الغلام، فنحاني من المقاتلة، وردني عيلا.

قال ابن معين: كنا نأتي يوسف بن الماجشون يحدثنا، وجواريه في بيت آخر يضربن بالمعزفة.

قلت: أهل المدينة يترخصون في الغناء، هم معروفون بالتسمح فيه.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الأنصار يعجبهم اللهو"

(2)

.

توفي يوسف بن الماجشون: في سنة خمس وثمانين ومائة.

عاش ثمانيًا وثمانين سنة.

قال عفان: حدثنا يوسف الماجشون، قال لي ابن شهاب، ولأخي، ولابن عم لي -ونحن فتيان أحداث نسأله: لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به أمر دعا الشباب، فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم.

قلت: أخوه: هو عبد العزيز بن يعقوب، صدوق.

يروي عن ابن المنكدر، وعن أبيه، والزهري.

روى عنه: علي بن هاشم.

قال أبو حاتم: لا بأس به.

وأما ابن عمهما، فهو مفتي المدينة مع مالك، عبد العزيز بن عبد الله، قد ذكر.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 415"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 3399"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 984"، والكاشف "3/ ترجمة 6576"، والعبر "1/ 292"، وتهذيب التهذيب "11/ 430"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "5162" من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"يا عائشة، ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو".

ص: 360

‌1282 - العُمَري

(1)

:

الإمام، القدوة، الزاهد، العابد، أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر بن الخطاب، القرشي، العدوي، العمري، المدني.

روى عن: أبيه، وعن أبي طُوَالة.

وعنه: ابن عيينة، وابن المبارك، وعبد الله بن عِمران العائذي، وغيرهم.

وهو قليل الرواية، مشتغل بنفسه، قوال بالحق، أمار بالعرف، لا تأخذه في الله لومة لائم، كان ينكر على مالك الإمام اجتماعه بالدولة.

قال ابن عيينة فيما رواه عنه: نعيم بن حماد، عن أبي الزبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة"

(2)

.

وقد قال ابن عيينة في العمري هذا: هو عالم المدينة الذي فيه الحديث.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 421"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 477"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 410"، والعبر "1/ 289"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4430"، وتهذيب التهذيب "302"، وتقريب التهذيب "1/ 430"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3630"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 306".

(2)

ضعيف: فيه أبو الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس، مدلس، وقد عنعنه. وقد تقدم تخريجنا له.

ص: 361

علي بن حرب، عن أبيه، قال: مضى الرشيد على حمار، ومعه غلام إلى العمري، فوعظه، فبكى، وغشي عليه.

قال ابن أبي أويس: كتب العمري إلى مالك وابن أبي ذئب وغيرهما بكتب أغلظ لهم فيها، وقال: أنتم علماء تميلون إلى الدنيا، وتلبسون اللين، وتدعون التقشف. فجاوبه ابن أبي ذئب بكتاب أغلظ له، وجاوبه مالك جواب فقيه.

وقيل: إن العمري، وعظ الرشيد مرة، فكان يتلقى قوله بنعم يا عم! فلما ذهب، أتبعه الأمين والمأمون بكيسين فيهما ألفا دينار، فردها، وقال: هو أعلم بمن يفرقها عليه، وأخذ دينارًا واحدًا، وشخص عليه بغداد، فكره مجيئه، وجمع العمريين، وقال: مالي ولابن عمكم، احتملته بالحجاز، فأتى إلى دار ملكي، يريد أن يفسد علي أوليائي، ردوه عني. قالوا: لا يقبل منا. فكتب إلى الأمير موسى بن عيسى: أن ترفق به حتى ترده.

قال مصعب الزبيري: كان العمري أصفر، جسيمًا، لم يكن يقبل من السلطان ولا غيره، ومن ولي من أقاربه ومعارفه لا يكلمه، وولي أخوه عمر المدينة وكرمان، فهجره، ما أدركت بالمدينة رجلا أهيب منه، وكان يقبل صلة ابن المبارك. وقدم الكوفة ليخوف الرشيد بالله، فرجف لمجيئه الدولة، حتى لو كان نزل بهم من العدو مائة ألف، ما زاد من هيبته، فرد من الكوفة، ولم يصل إليه.

وروي أنه كان يلزم المقبرة كثيرًا، معه كتاب يطالعه، ويقول: لا أوعظ من قبر، ولا آنس من كتاب، ولا أسلم من وحدة.

عمر بن شبة: حدثنا أبو يحيى الزهري، قال العمري عند موته: بنعمة ربي أحدث: لو أن الدنيا تحت قدمي، ما يمنعني من أخذها إلا أن أزيل قدمي، ما أزلتها، معي سبعة دراهم من لحاء شجرة فتلتُه بيدي.

قال ابن عيينة: دخلت على العمري الصالح، فقال: ما أحد أحب إلي منك، وفيك عيب. قلت: ما هو? قال: حب الحديث، أما إنه ليس من زاد الموت، أو قال: من أبزار الموت.

قال أبو المنذر إسماعيل بن عمر: سمعت أبا عبد الرحمن العمري الزاهد يقول: إن من غفلتك عن نفسك، إعراضك عن الله بأن ترى ما يسخطه فتجاوزه، ولا تأمر ولا تنهى، خوفًا

ص: 362

من المخلوق، من ترك الأمر بالمعروف خوف المخلوقين، نزعت منه الهيبة، فلو أمر ولده لاستخف به.

قال محمد بن حرب المكي: قدم العمري، فاجتمعنا إليه، فلما نظر إلى القصور المحدقة بالكعبة، صاح: يا أصحاب القصور المشيدة، اذكروا ظلمة القبور الموحشة، يا أهل التنعم والتلذذ، اذكروا الدود والصديد، وبلاء الأجسام في التراب، ثم غلبته عينه، فقام.

أنبئت عن الكاغدي، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا سليمان الطبراني، حدثنا إسحاق الخزاعي، حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا سليمان بن محمد، سمعت عبد الله بن عبد العزيز يقول: قال لي موسى بن عيسى: ينهى إلى أمير المؤمنين أنك تشتمه، وتدعو عليه، فبم استجزت هذا? قلت: ما أشتمه، فوالله هو أكرم علي من نفسي لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الدعاء، عليه فوالله ما قلت: اللهم إنه قد أصبح عبئًا ثقيلًا على أكتافنا، فلا تطيقه أبداننا وقذى في جفوننا، لا تطرف عليه جفوننا، وشجى في أفواهنا، لا تسيغه حلوقنا، فاكفنا مؤنته، وفرق بيننا وبينه، ولكن قلت: اللهم إن كان تسمى بالرشيد ليرشد، فأرشده، أو لغير ذلك، فراجع به، اللهم إن له في الإسلام بالعباس على كل مؤمن كفًا، وله بنبيك صلى الله عليه وسلم قرابة ورحم، فقربه من كل خير، وباعده من كل سوء، وأسعدنا به، وأصلحه لنفسه ولنا. فقال موسى: رحمك الله أبا عبد الرحمن، كذاك لعمري الظن بك.

قال المسيب بن واضح: سمعت الزاهد العمري بمسجد منى يقول:

لله در ذوي العقول

والحرص في طلب الفضول

سلاب أكيسة الأرامل

واليتامى والكهول

والجامعين المكثرين

من الجناية والغلول

وضعوا عقولهم من

الدنيا بمدرجة السيول

ولهوا بأطراف الفروع

وأغفلوا علم الأصول

وتتبعوا جمع الحطام

وفارقوا أثر الرسول

ولقد رأوا غيلان ريب

الدهر غولا بعد غول

وفي تاريخ ابن جرير بإسناد: أن الرشيد قال: والله ما أدري ما آمر في هذا العمري، أكره أن أقدم عليه، وله سلف وإني أحب أن أعرف رأيه فينا. فقال عمر بن بزيع، والفضل ابن

ص: 363

الربيع: نحن له. فخرجا من العرج إلى موضع له بالبادية في مسجده، فأناخا وأتياه على زي الملوك في حشمة، فجلسا إليه، فقالا: نحن رسل من وراءنا من المشرق، يقولون لك: اتق الله، إن شئت فانهض. فقال: ويحكما فيمن، ولمن? قالا: أنت. قال: والله ما أحب أني لقيت الله بمحجمة دم مسلم، وإن لي ما طلعت عليه الشمس. فلما أيسا منه، قالا: إن معنا عشرين ألفًا تستعين بها. قال: لا حاجة لي بها. قالا: أعطها من رأيت. قال: أعطياها أنتما. فلما أيسا منه، ذهبا، ولحقا بالرشيد، فحدثاه. فقال: ما أبالي ما صنع بعد هذا. فبينا العمري في المسعى، إذا بالرشيد يسعى على دابة، فعرض له العمري، فأخذ بلجامه، فأهووا إليه، فكفهم الرشيد، وكلمه فرأيت دموع الرشيد تسيل.

قال يحيى بن أيوب العابد: حدثني بعض أصحابنا، قال: كتب مالك إلى العمري: إنك بدوت، فلو كنت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتب: إني أكره مجاورة مثلك، إن الله لم يرك متغير الوجه فيه ساعة قط.

قلت: هذا على سبيل المبالغة في الوعظ، وإلا فمالك من أقول العلماء بالحق، ومن أشدهم تغيرًا في رؤية المنكر.

وأما العمري: فما علمت به بأسًا، وقد وثقه: النسائي.

أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن عبد الرحيم بن محمد، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا موسى بن محمد بن كثير السريني، حدثنا عبد الملك الجدي، حدثنا عبد الله بن عبد العزيز العمري، عن أبي طوالة، عن أنس رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الزبانية أسرع إلى فسقة القرآن منهم إلى عبدة الأوثان، فيقولون: يبدأ بنا قبل عبدة الأوثان? فيقال: ليس من علم كمن لا يعلم"

(1)

.

غريب منكر، ولا أعرف موسى هذا.

قال مصعب الزبيري: مات العمري سنة أربع وثمانين ومائة، وله ست وستون سنة -رحمه الله تعالى.

(1)

منكر: أخرجه أبو نعيم في "الحلية""8/ 286"، وآفته موسى بن محمد بن كثير السريني، ذكره الذهبي في "الميزان" واتهمه بهذا الخبر وقال: منكر.

ص: 364

‌1283 - عَبد الله بن المُبارك

(1)

: " ع"

ابن واضح، الإمام شيخ الإسلام عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته، أبو عبد الرحمن الحنظلي، مولاهم التركي، ثم المروزي، الحافظ، الغازي، أحد الأعلام وكانت أمه خوارزمية.

مولده في سنة ثمان عشرة ومائة.

فطلب العلم وهو ابن عشرين سنة.

فأقدم شيخ لقيه: هو الربيع بن أنس الخراساني، تحيل ودخل إليه إلى السجن، فسمع منه نحوًا من أربعين حديثًا، ثم ارتحل في سنة إحدى وأربعين ومائة، وأخذ عن بقايا التابعين، وأكثر من الترحال والتطواف، وإلى أن مات في طلب العلم، وفي الغزو، وفي التجارة والإنفاق على الإخوان في الله، وتجهيزهم معه إلى الحج.

سمع من: سليمان التيمي، وعاصم الأحول، وحميد الطويل، وهشام بن عروة، والجريري، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة، وخالد الحذاء، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الله بن عون، وموسى بن عقبة، وأجلح الكندي، وحسين المعلم، وحنظلة السدوسي، وحيوة بن شريح المصري، وكهمس، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وابن جريج، ومعمر، والثوري، وشعبة، وابن أبي ذئب، ويونس الأيلي، والحمادين، ومالك، والليث، وابن لهيعة، وهشيم، وإسماعيل بن عياش، وابن عيينة، وبقية بن الوليد، وخلق كثير.

وصنف التصانيف النافعة الكثيرة.

حدث عنه: معمر، والثوري، وأبو إسحاق الفزاري، وطائفة من شيوخه، وبقية، وابن وهب، وابن مهدي، وطائفة من أقرانه، وأبو داود، وعبد الرزاق بن همام، والقطان، وعفان، وابن معين، وحبان بن موسى، وأبو بكر بن أبي شيبة، ويحيى بن آدم، وأبو أسامة،

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 372 و 520"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 679"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 153"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 838"، وتاريخ بغدد "10/ 152"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 397"، والإكمال لابن ماكولا "7/ 313"، والأنساب للسمعاني "4/ 251"، وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 322"، والعبر "1/ 280"، والكاشف "2/ ترجمة 2978"، تهذيب التهذيب "5/ 382"، وتقريب التهذيب "1/ 445"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3767"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 295".

ص: 365

وأبو سلمة المنقري، ومسلم بن إبراهيم، وعبدان، والحسن بن الربيع البوراني، وأحمد بن منيع، وعلي بن حجر، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، والحسين بن الحسن المروزي، والحسن بن عرفة، وإبراهيم بن مجشر، ويعقوب الدورقي، وأمم يتعذر إحصاؤهم، ويشق استقصاؤهم.

وحديثه حجة بالإجماع، وهو في المسانيد والأصول.

ويقع لنا حديثه عاليًا، وبيني وبينه بالإجازة العالية ستة أنفس.

أنبأنا أحمد بن سلامة، وعدة، عن عبد المنعم بن كليب، أخبرنا ابن بيان، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا ابن عرفة، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي، عن أبي بن كعب، قال: إنما كانت الفتيا في "الماء من الماء" رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها.

أخرجه الترمذي، عن أحمد بن منيع، عن ابن المبارك، ورواته ثقات، لكن له علة، لم يسمعه ابن شهاب من سهل.

ارتحل ابن المبارك إلى: الحرمين، والشام، ومصر، والعراق، والجزيرة، وخراسان، وحدث بأماكن.

قال قعنب بن المحرر: ابن المبارك مولى بني عبد شمس، من تميم.

وقال البخاري: ولاؤه لبني حنظلة.

وقال العباس بن مصعب في "تاريخ مرو": كانت أم عبد الله بن المبارك خوارزمية، وأبوه تركي، وكان عبدًا لرجل تاجر من همذان، من بني حنظلة، فكان عبد الله إذا قدم همذان، يخضع لوالديه ويعظمهم.

أخبرنا أبو الغنائم المسلم بن محمد القيسي، وغيره كتابة، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، حدثنا أبو بكر الخطيب، حدثني أبو عبد الله أحمد بن أحمد السيبي، حدثنا محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان بالكوفة، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، سمعت أبي، سمعت ابن المبارك يقول: نظر أبو حنيفة إلى أبي، فقال: أدت أمه إليك الأمانة، وكان أشبه الناس بعبد الله.

قال أبو حفص الفلاس، وأحمد بن حنبل: ولد ابن المبارك سنة ثمان عشرة ومائة.

ص: 366

وأما الحاكم، فروى عن: أبي أحمد الحمادي، سمعت محمد بن موسى الباشاني، سمعت عبدان بن عثمان يقول: سمعت عبد الله يقول: ولدت سنة تسع عشرة ومائة.

وقال الفسوي: حدثنا بشر بن أبي الأزهر، قال: قال ابن المبارك: ذاكرني عبد الله بن إدريس السنن، فقلت: إن العجم لا يكادون يحفظون ذلك، لكني أذكر أني لبست السواد وأنا صغير، عندما خرج أبو مسلم، وكان أخذ الناس كلهم بلبس السواد، الصغار والكبار.

نعيم بن حماد قال: كان ابن المبارك يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش? فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه?!

قال أحمد بن سنان القطان: بلغني أن ابن المبارك أتى حماد بن زيد، فنظر إليه، فأعجبه سمته، فقال: من أين أنت? قال: من أهل خراسان، من مرو. قال: تعرف رجلا يقال له: عبد الله بن المبارك? قال: نعم. قال: ما فعل? قال: هو الذي يخاطبك. قال: فسلم عليه، ورحب به.

وقال إسماعيل الخطبي: بلغني عن ابن المبارك: أنه حضر عند حماد ابن زيد، فقال أصحاب الحديث لحماد: سل أبا عبد الرحمن أن يحدثنا. فقال: يا أبا عبد الرحمن! تحدثهم، فإنهم قد سألوني? قال: سبحان الله! يا أبا إسماعيل، أحدث وأنت حاضر. فقال: أقسمت عليك لتفعلن. فقال: خذوا، حدثنا أبو إسماعيل حماد بن زيد، فما حدث بحرف إلا عن حماد.

قال أبو العباس بن مسروق: حدثنا ابن حميد، قال: عطس رجل عند ابن المبارك، فقال له ابن المبارك: أيش يقول الرجل إذا عطس? قال: الحمد لله. فقال له: يرحمك الله.

قال أحمد العجلي: ابن المبارك ثقة، ثبت في الحديث، رجل صالح، يقول الشعر، وكان جامعًا للعلم.

قال العباس بن مصعب: جمع عبد الله الحديث، والفقه، والعربية، وأيام الناس، والشجاعة، والسخاء، والتجارة، والمحبة عند الفرق.

قال محمد بن عبد الوهاب الفراء: ما أخرجت خراسان مثل هؤلاء الثلاثة: ابن المبارك، والنضر بن شميل، ويحيى بن يحيى.

عثمان الدارمي: سمعت نعيم بن حماد، سمعت يحيى بن آدم يقول: كنت إذا طلبت دقيق المسائل، فلم أجده في كتب ابن المبارك، أيست منه.

ص: 367

علي بن زيد الفرائضي: حدثنا علي بن صدقة، سمعت شعيب بن حرب، قال: ما لقي ابن المبارك رجلًا إلا وابن المبارك أفضل منه. وقال: وسمعت أبا أسامة يقول: ابن المبارك في المحدثين مثل أمير المؤمنين في الناس.

عمر بن مُدرك: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن، حدثنا أشعث بن شعبة المصِّيصي، قال: قدم الرشيد الرَّقة، فانجفل الناس خلف ابن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فقالت: ما هذا? قالوا: عالم من أهل خراسان قدم. قالت: هذا -والله- الملك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بِشُرَط وأعوان.

قال عثمان بن خُرَّزاذ: حدثنا محمد بن حيَّان، حدثنا عبد الرحمن بن زيد الجهضمي، قال: قال الأوزاعي: رأيت ابن المبارك? قلت: لا. قال: لو رأيته لقرت عينك.

وقال عبد العزيز بن أبي رزمة: قال لي شعبة: ما قدم علينا من ناحيتكم مثل ابن المبارك.

الدَّغُولي: حدثنا عبد المجيد بن إبراهيم، حدثنا وهب بن زمعة، حدثنا معاذ بن خالد، قال: تعرفت إلى إسماعيل بن عياش بعبد الله بن المبارك، فقال إسماعيل: ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخبر، إلا وقد جعلها في عبد الله بن المبارك.

ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة، فكان يطعمهم الخبيص، وهو الدهر صائم.

قال الحاكم: أخبرني محمد بن أحمد بن عمر، حدثنا محمد بن المنذر، حدثني عمر بن سعيد الطائي، حدثنا عمر بن حفص الصوفي بمنبج، قال: خرج ابن المبارك من بغداد يريد المصيصة، فصحبه الصوفية، فقال لهم: أنتم لكَم أنفس تحتشمون أن ينفق عليكم، يا غلام! هات الطست. فألقى عليه منديلًا، ثم قال: يلقي كل رجل منكم تحت المنديل ما معه. فجعل الرجل يلقي عشرة دراهم، والرجل يلقي عشرين، فأنفق عليهم إلى المصيصة، ثم قال: هذه بلاد نفير، فنقسم ما بقي، فجعل يعطي الرجل عشرين دينارًا، فيقول: يا أبا عبد الرحمن! إنما أعطيت درهمًا. فيقول: وما تنكر أن يبارك الله للغازي في نفقته.

قال الخطيب: أخبرنا عمر بن إبراهيم، وأبو محمد الخلال، قالوا: حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الكاتب، حدثنا أحمد بن الحسن المقرئ، سمعت عبد الله بن أحمد الدورقي، سمعت محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، سمعت أبي، قال: كان ابن المبارك إذا

ص: 368

كان وقت الحج، اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو، فيقولون: نصحبك. فيقول: هاتوا نفقاتكم. فيأخذ نفقاتهم، فيجعلها في صندوق، ويُقْفِل عليها، ثم يكتري لهم، ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم، يطعمهم أطيب الطعام، وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي، وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول لكل واحد: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها? فيقول: كذا وكذا. ثم يخرجهم إلى مكة فإذا قضوا حجهم، قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة? فيقول: كذا وكذا. فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فيجصص بيوتهم وأبوابهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام، عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا، دعا بالصندوق، ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صرته عليها اسمه.

قال أبي: أخبرني خادمه أنه عمل آخر سَفْرة سافرها دعوةً، فقدم إلى الناس خمسةً وعشرين خوانًا فالوذج، فبلغنا أنه قال للفضيل: لولاك وأصحابك ما اتجرت. وكان ينفق على الفقراء، في كل سنة مائة ألف درهم.

علي بن خَشْرَم: حدثني سلمة بن سليمان، قال: جاء رجل إلى ابن المبارك، فسأله أن يقضي دينًا عليه، فكتب له. إلى وكيل له فلما ورد عليه الكتاب، قال له الوكيل: كم الدين الذي سألته قضاءه? قال: سبع مائة درهم. وإذا عبد الله قد كتب له أن يعطيه سبعة آلاف درهم، فراجعه الوكيل، وقال: إن الغلات قد فنيت. فكتب إليه عبد الله: إن كانت الغلات قد فنيت، فإن العمر أيضًا قد فني، فأجز له ما سبق به قلمي.

قال محمد بن المنذر: حدثني يعقوب بن إسحاق، حدثني محمد بن عيسى، قال: كان ابن المبارك كثير الاختلاف إلى طَرَسُوس، وكان ينزل الرقة في خان، فكان شاب يختلف إليه، ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، فقدم عبد الله مرةً، فلم يره، فخرج في النفير مستعجلا، فلما رجع سأل عن الشاب، فقال: محبوس على عشرة آلاف درهم. فاستدل على الغريم، ووزن له عشرة آلاف، وحلفه ألا يخبر أحدًا ما عاش، فأخرج الرجل، وسرى ابن المبارك، فلحقه الفتى على مرحلتين من الرقة، فقال لي: يا فتى أين كنت؟! لم أرك? قال: يا أبا عبد الرحمن! كنت محبوسًا بدين. قال: وكيف خلصت? قال: جاء رجل فقضى ديني، ولم أدر. قال: فاحمد الله، ولم يعلم الرجل إلا بعد موت عبد الله.

أبو العباس السراج: سمعت إبراهيم بن بشار، حدثني علي بن الفضيل، سمعت أبي

ص: 369

يقول لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة، ونراك تأتي بالبضائع، كيف ذا? قال: يا أبا علي، إنما أفعل ذا لأصون وجهي، وأكرم عرضي، وأستعين به على طاعة ربي. قال: يا ابن المبارك ما أحسن ذا إن تم ذا.

الفتح بن سخرف: حدثنا عباس بن يزيد، حدثنا حبان بن موسى، قال: عوتب ابن المبارك فيما يفرق من المال في البلدان دون بلده، قال: إني أعرف مكان قوم لهم فضل وصدق، طلبوا الحديث، فأحسنوا طلبه لحاجة الناس إليهم، احتاجوا، فإن تركناهم، ضاع علمهم، وإن أعناهم، بثوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم.

عباس الدوري: سمعت يحيى يقول: ما رأيت أحدًا يُحَدِّث لله إلا ستة نفر، منهم: ابن المبارك.

أبو حاتم: حدثنا بن الطبَّاع، عن ابن مهدي، قال: الأئمة أربعة: سفيان، ومالك، وحماد بن زيد، وابن المبارك.

وروي عن ابن مهدي، قال: ما رأيت رجلا أعلم بالحديث من سفيان، ولا أحسن عقلًا من مالك، ولا أقشف من شعبة، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك.

وقال محمد بن المثنى: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما رأت عيناي مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد تقشفًا من شعبة، ولا أعقل من مالك، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك.

أبو نشيط: سمعت نُعَيم بن حماد: قلت لابن مهدي: أيهما أفضل، ابن المبارك أو سفيان الثوري? فقال: ابن المبارك. قلت: إن الناس يخالفونك. قال: إنهم لم يجربوا، ما رأيت مثل ابن المبارك.

نوح بن حبيب: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا ابن المبارك، وكان نسيج وحده.

أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت ابن مهدي يقول: ابن المبارك أعلم من سفيان الثوري.

وقال محمد بن أعْيَن: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، واجتمع إليه أصحاب الحديث، فقالوا له: جالست الثوري، وسمعت منه، ومن ابن المبارك، فأيهما أرجح? قال: لو أن سفيان جهد على أن يكون يومًا مثل عبد الله، لم يقدر.

ص: 370

ابن أبي العوام: حدثنا أبي، سمعت شعيب بن حرب يقول: قال سفيان: إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة مثل ابن المبارك، فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام.

محمد بن المنذر: حدثنا إبراهيم بن بحر الدمشقي، حدثنا عمران بن موسى الطَّرَسُوسي، قال: سأل رجل سفيان، فقال: من أين أنت? قال: من أهل المشرق. قال: أو ليس عندكم أعلم أهل المشرق? قال: ومن هو? قال: عبد الله بن المبارك. قال: وهو أعلم أهل المشرق?! قال: نعم، وأهل المغرب.

قال محمد بن المنذر: وحدثني محمد بن أحمد بن الحسين القرشي، حدثنا أحمد بن عبدة قال: كان فضيل وسفيان ومشيخة جلوسًا في المسجد الحرام، فطلع ابن المبارك من الثنية، فقال سفيان: هذا رجل أهل المشرق. فقال فضيل: رجل أهل المشرق والمغرب وما بينهما.

وقال علي بن زيد: حدثني عبد الرحمن بن أبي جميل، قال: كنا حول ابن المبارك بمكة، فقلنا له: يا عالم الشرق، حدثنا -وسفيان قريب منا يسمع- فقال: ويحكم! عالم المشرق والمغرب وما بينهما.

وقال محمد بن عبد الله بن قُهْزَاذ: سمعت أبا الوزير يقول: قدمت على سفيان بن عيينة، فقالوا له: هذا وصي عبد الله. فقال: رحم الله عبد الله، ما خلف بخراسان مثله.

أحمد بن أبي الحَوَاري: حدثنا أبو عصمة قال: شهدت سفيان وفضيل بن عياض، قال سفيان لفضيل: يا أبا علي! أي رجل ذهب! يعني: ابن المبارك. قال: يا أبا محمد! وبقي بعد ابن المبارك من يُسْتَحيا منه?!

محمد بن مخلد: حدثنا عبد الصمد بن حميد، سمعت عبد الوهاب بن عبد الحكم يقول: لما مات ابن المبارك، بلغني أن هارون أمير المؤمنين قال: مات سيد العلماء.

المسيب بن واضح: سمعت أبا إسحاق الفَزَاري يقول: ابن المبارك إمام المسلمين أجمعين. قلت: هذا الإطلاق من أبي إسحاق معني بمسلمي زمانه.

قال المسيب: ورأيت أبا إسحاق بين يدي ابن المبارك قاعدًا يسأله.

قال أبو وهب أحمد بن رافع -ورَّاق سويد بن نصر: سمعت علي ابن إسحاق بن إبراهيم يقول: قال ابن عيينة: نظرت في أمر الصحابة وأمر عبد الله، فما رأيت لهم عليه فضلًا، إلا بصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم وغزوهم معه.

ص: 371

محمود بن والان، قال: سمعت عمَّار بن الحسن يمدح ابن المبارك، ويقول:

إذا سار عبد الله من مرو ليلة

فقد سار منها نورها وجمالها

إذا ذكر الأحبار في كل بلدة

فهم أنجم فيها وأنت هلالها

سهاشم بن مَرْثَد: حدثنا عثمان بن طالوت، سمعت علي بن المديني، يقول: انتهى العلم إلى رجلين: إلى ابن المبارك، ثم إلى ابن معين.

وقال أحمد بن يحيى بن الجارود: قال علي ابن المديني: عبد الله بن المبارك أوسع علمًا من عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن آدم.

قال أبو سَلَمة التَّبُوذكي: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: ما خلف ابن المبارك بالمشرق مثله.

إبراهيم بن عبد الله بن الجُنيد: سمعت يحيى بن معين، وذكروا عبد الله بن المبارك، فقال رجل: إنه لم يكن حافظًا. فقال ابن معين: كان عبد الله رحمه الله كيسًا، مستثبتًا، ثقة، وكان عالمًا، صحيح الحديث، وكانت كتبه التي يحدث بها عشرين ألفًا أو واحدًا وعشرين ألفًا.

قال أبو معشر حمدويه بن الخطاب البخاري: سمعت نصر بن المغيرة البخاري، سمعت إبراهيم بن شمَّاس يقول: رأيت أفقه الناس ابن المبارك، وأورع الناس الفضيل، وأحفظ الناس وكيع بن الجراح.

أحمد بن أبي خَيْثَمة: سمعت يحيى بن معين يقول -وذكر أصحاب سفيان- فقال: خمسة: ابن المبارك -فبدأ به- ووكيع، ويحيى، وابن مهدي، وأبو نعيم.

قال جعفر بن أبي عثمان: قلت لابن معين: اختلف القطان، ووكيع? قال: القول قول يحيى. قال: فإذا اختلف عبد الرحمن، ويحيى? قال: يحتاج من يفصل بينهما. قلت: فأبو نعيم وعبد الرحمن? قال: يحتاج من يفصل بينهما. قلت: الأشجعي? قال: مات الأشجعي، ومات حديثه معه. قلت: ابن المبارك? قال: ذاك أمير المؤمنين في الحديث.

محمود بن وَالان: سمعت محمد بن موسى، سمعت إبراهيم بن موسى يقول: كنت عند يحيى بن معين، فجاءه رجل، فقال: من أثبت في معمر، ابن المبارك أو عبد الرزاق? وكان يحيى متكئًا، فجلس، وقال: كان ابن المبارك خيرًا من عبد الرزاق، ومن أهل قريته، كان عبد الله سيدًا من سادات المسلمين.

ص: 372

وسئل إبراهيم الحربي: إذا اختلف أصحاب معمر? قال: القول قول ابن المبارك.

الدَّغُولي: حدثنا يحيى بن زكريا، حدثنا محمد بن النضر بن مساور، قال: قال أبي: قلت لابن المبارك: هل تتحفظ الحديث? فتغير لونه، وقال: ما تحفظت حديثًا قط، إنما آخذ الكتاب، فأنظر فيه، فما اشتهيته، علق بقلبي.

قال الحسن بن عيسى: أخبرني صخر -صديق ابن المبارك- قال: كنا غلمانًا في الكتاب، فمررت أنا وابن المبارك، ورجل يخطب، فخطب خطبة طويلة، فلما فرغ، قال لي ابن المبارك: قد حفظتها. فسمعه رجل من القوم، فقال: هاتها. فأعادها وقد حفظها.

نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك، قال: قال لي أبي: لئن وجدت كتبك، لأحرقنها. قلت: وما علي من ذلك وهي في صدري.

وقال أبو وهب محمد بن مُزَاحم: العجب ممن يسمع الحديث من ابن المبارك، عن رجل، ثم يأتي ذلك الرجل حتى يحدثه به.

قال ابن خِراش: ابن المبارك مَرْوَزِي، ثقة.

قال القاسم بن محمد بن عباد: سمعت سويد بن سعيد يقول: رأيت ابن المبارك بمكة أتى زمزم، فاستقى شربة، ثم استقبل القبلة، فقال: اللهم إن ابن أبي الموال حدثنا، عن محمد بن المنكدر، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ماء زمزم لما شرب له"

(1)

وهذا أشربه لعطش القيامة ثم شربه.

كذا قال: ابن أبي الموال، وصوابه: ابن المُؤَمَّل عبد الله المكي، والحديث به يعرف، وهو

(1)

صحيح: أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد""10/ 116"، والبيهقي في "شعب الإيمان" من طريق سويد بن سعيد قال: رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى زمزم، فاستقى منه شربة، ثم استقبل الكعبة ثم قال: اللهم إن ابن أبي الموال، حدثنا عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ماء زمزم لما شرب له" وهذا أشربه لعطش القيامة، ثم شربه" وقال البيهقي: غريب تفرد به سويد.

قلت: سويد بن سعيد، صدوق في نفسه، إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول. كما ذكره الحافظ في "التقريب"، وأخرجه أحمد "3/ 357 و 372"، وابن ماجه "3062"، والعقيلي في "الضعفاء الكبير""2/ 303"، والبيهقي "5/ 148"، والخطيب في "تاريخ بغداد""3/ 179"، والأزرقي في "أخبار مكة""291" من طرق عن عبد الله بن المؤمل، عن أبي الزبير، عن جابر، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: عبد الله بن المؤمل، ضعيف الحديث. والثانية: أبو الزبير، هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وقد عنعنه.

ص: 373

من الضعفاء، لكن يرويه عن أبي الزبير، عن جابر، فعلى كل حال خبر ابن المبارك فرد منكر، ما أتى به سوى سويد، رواه: الميانجي، عن ابن عباد.

أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب: سمعت الخليل أبا محمد قال: كان عبد الله بن المبارك إذا خرج إلى مكة، قال:

بغض الحياة وخوف الله أخرجني

وبيع نفسي بما ليست له ثمنا

إني وزنت الذي يبقى ليعدله

ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا

قال نعيم بن حماد: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب "الرقاق"، يصير كأنه ثور منحور، أو بقرة منحورة من البكاء، لا يجترئ أحد منا أن يسأله عن شيء إلا دفعه.

أبو حاتم الرازي: حدثنا عبدة بن سليمان المروزي، قال: كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان، خرج رجل من العدو، فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل، فقتله، ثم آخر، فقتله ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البزاز، فخرج إليه رجل، فطارده ساعة، فطعنه، فقتله، فازدحم إليه الناس، فنظرت، فإذا هو عبد الله بن المبارك، وإذا هو يكتم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه، فمددته، فإذا هو هو، فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا!!

قال العباس بن مصعب: حدثني بعض أصحابنا، قال: سمعت أبا وهب يقول: مر ابن المبارك برجل أعمى، فقال له: أسألك أن تدعو لي أن يرد الله علي بصري. فدعا الله، فرد عليه بصره وأنا أنظر.

وقال أبو حسان عيسى بن عبد الله البصري: سمعت الحسن بن عرفة يقول: قال لي ابن المبارك: استعرت قلمًا بأرض الشام، فذهبت على أن أرده، فلما قدمت مرو، نظرت، فإذا هو معي، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه.

قال أسود بن سالم: كان ابن المبارك إمامًا يقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة، إذا رأيت رجلا يغمز ابن المبارك، فاتهمه على الإسلام.

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد المصري بها، أخبرنا الفتح بن عبد الله بن محمد الكاتب ببغداد، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر القاضي، وأبو غالب محمد بن علي بن الداية، وأبو عبد الله محمد بن أحمد الطرائفي "ح". وأخبرنا يحيى بن أبي منصور، وعلي بن أحمد كتابة، قالا: أخبرنا عمر بن طبرزد، أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك

ص: 374

المقرئ، وأنبأنا يحيى، أنبأنا عمر بن محمد، أخبرنا يحيى بن علي بن الطراح، وعبد الخالق بن عبد الصمد، وأبو غالب بن البَنَّاء "ح". وأخبرنا أبو المرهف المقداد بن أبي القاسم القيسي، أخبرنا بن محمد الرزاز "ح". وأخبرنا المُسَلَّم بن محمد بن علان في كتابه، وغيره، أن داود بن أحمد بن محمد الوكيل أخبرهم، قالوا: أخبرنا أبو الفضل الأرموي، وكتب إلينا الفخر علي بن البخاري، قال: أخبرتنا نعمة بنت علي بن يحيى بن علي، أخبرنا جدي، قال سبعتهُم: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد المعدل، أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، قال: حدثنا جعفر بن محمد الفِرْيابي، حدثنا محمد بن الحسن البَلْخي بسمرقند سنة ست وعشرين ومائتين، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا ابن لهيعة، حدثنا أبو المصعب مشْرَح بن هاعان عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر منافقي أمتي قراؤها"

(1)

.

وبه إلى الفريابي: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن مِشْرَح، .... فذكره.

وبه إلى الفريابي: حدثني أبو بكر سعيد بن يعقوب الطَّالْقاني، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن الأوزاعي، عن هارون بن رئاب: أن عبد الله بن عمر لما حضرته الوفاة، قال:

(1)

صحيح: ورد من حديث عبد الله بن عمرو، وعقبة بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعصمة بن مالك رضي الله عنهم: أما حديث عبد الله بن عمرو: فأخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد""451"، وأحمد "2/ 175"، والبخاري في "التاريخ الكبير""1/ 1/ 257" حدثنا عبد الرحمن بن شريح المعافري، حدثني شراحيل بن يزيد، عن محمد بن هدية الصدفي، عنه، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه محمد بن هدية، ذكره البخاري في "التاريخ""1/ 1/ 257"، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل""4/ 1/ 115"، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول.

وأما حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: فأخرجه أحمد "4/ 151 و 154 - 155"، وابن عدي في "الكامل""4/ 148"، والخطيب في "تاريخ بغداد""1/ 357"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق""10/ 19/ 1" من طرق عن ابن لهيعة، حدثنا مشرح بن هاعان، عنه، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه ابن لهيعة. ومشرح صدوق لينه ابن حبان. وقال ابن معين: ثقة. وقال ابن حبان: يروى عن عقبة مناكير لا يُتابع عليها، وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما: فأخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير""1/ 274" من طريق حفص بن عمر العدني قال: حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عنه، به، وقال العقيلي في إثره:"لا يُتابع حفص عليه، وقد روي هذا عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناده صالح"، وأما حديث عصمة بن مالك رضي الله عنه: أخرجه ابن عدي في "الكامل""6/ 15" من طريق الفضل بن المختار، عند عبد الله بن موهب، عنه، به، وقال ابن عدي في إثره:"عامة حديث الفضل بن المختار، لا يُتابع عليه"، وقال أبو حاتم: أحاديثه منكرة وكذا قال الأزدي.

ص: 375

انظروا فلانًا لرجل من قريش، فإني كنت قلت له في ابنتي قولا كشبيه العدة، وما أحب أن ألقى الله -تعالى- بثلث النفاق، وأشهدكم أني قد زوجته.

هارون ثقة، لكنه لم يلحق عبد الله بن عمرو.

قال أحمد بن حنبل: لم يكن أحد في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه.

وعن شعبة، قال: ما قدم علينا أحد مثل ابن المبارك.

وقال أبو أسامة: ما رأيت رجلا أطلب للعلم من ابن المبارك، وهو في المحدثين مثل أمير المؤمنين في الناس.

قال الحسن بن عيسى بن ماسَرْجس مولى ابن المبارك: اجتمع جماعة مثل الفضل بن موسى، ومَخْلَد بن الحسين، فقالوا: تعالوا نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والفصاحة، والشعر، وقيام الليل، والعبادة، والحج، والغزو، والشجاعة، والفروسية، والقوة، وترك الكلام فيما لا يعنيه، والإنصاف، وقلة الخلاف على أصحابه.

قال نعيم بن حماد: قال رجل لابن المبارك: قرأت البارحة القرآن في ركعة. فقال: لكني أعرف رجلا لم يزل البارحة يكرر: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1]، إلى الصبح، ما قدر أن يتجاوزها -يعني: نفسه.

قال العباس بن مصعب: عن إبراهيم بن إسحاق البناني، عن ابن المبارك، قال: حملت العلم عن أربعة آلاف شيخ، فرويت عن ألف شيخ. ثم قال العباس: فتتبعتهم حتى وقع لي ثمان مائة شيخ له.

قال حبيب الجلاب: سألت ابن المبارك: ما خير ما أعطيَ الإنسان? قال: غريزة عقل. قلت: فإن لم يكن? قال: حسن أدب. قلت: فإن لم يكن? قال: أخ شفيق يستشيره. قلت: فإن لم يكن? قال: صمت طويل. قلت: فإن لم يكن? قال: موت عاجل.

وروى عبدان بن عثمان، عن عبد الله، قال: إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه، لم تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ عن المحاسن، لم تذكر المحاسن.

قال نُعَيم: سمعت ابن المبارك يقول: عجبت لمن لم يطلب العلم، كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة؟!

ص: 376

قال عبيد بن جناد: قال لي عطاء بن مسلم: رأيت ابن المبارك? قلت: نعم قال: ما رأيت ولا ترى مثله.

قال عبيد بن جناد: وسمعت العمري يقول: ما رأيت في دهرنا هذا من يصلح لهذا الأمر -يعني: الإمامة- إلا ابن المبارك.

قال معتمر بن سليمان: ما رأيت مثل ابن المبارك، تصيب عنده الشيء الذي لا تصيبه عند أحد.

قال شقيق البَلْخي: قيل لابن المبارك: إذا أنت صليت لم لا تجلس معنا? قال: أجلس مع الصحابة والتابعين، أنظر في كتبهم وآثارهم، فما أصنع معكم? أنتم تغتابون الناس.

وعن ابن المبارك، قال: ليكن عمدتكم الأثر، وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الحديث.

محبوب بن الحسن: سمعت ابن المبارك يقول: من بخل بالعلم، ابتلي بثلاث: إما موت يذهب علمه، وإما ينسى، وإما يلزم السلطان، فيذهب علمه.

وعن ابن المبارك، قال: أول منفعة العلم أن يُفيد بعضُهم بعضًا.

المسيب بن واضح: سمعت ابن المبارك وقيل له: الرجل يطلب الحديث لله، يشتد في سنده. قال: إذا كان لله، فهو أولى أن يشتد في سنده.

وعنه، قال: حب الدنيا في القلب، والذنوب فقد احتوشته، فمتى يصل الخير إليه?

وعنه قال: لو اتقى الرجل مائة شيء، ولم يتق شيئًا واحدًا، لم يك من المتقين، ولو تورع عن مائة شيء، سوى واحد، لم يكن ورعًا، ومن كانت فيه خلة من الجهل، كان من الجاهلين، أما سمعت الله يقول لنوح عليه السلام من أجل ابنه:{إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46].

إسنادها لا يصح. وقد تقدم عن ابن المبارك خلاف هذا، وأن الاعتبار بالكثرة، ومراده بالخلة من الجهل: الإصرار عليها.

وجاء أن ابن المبارك سئل: من الناس? فقال: العلماء. قيل: فمن الملوك? قال: الزهاد. قيل: فمن الغوغاء? قال: خزيمة وأصحابه -يعني: من أمراء الظلمة. قيل: من السفلة? قال: الذين يعيشون بدينهم.

وعنه، قال: ليكن مجلسك مع المساكين، وإياك ان تجلس مع صاحب بدعة.

ص: 377

وعن ابن المبارك، قال: إذا عرف الرجل قدر نفسه، يصير عند نفسه أذل من كلب.

وعنه، قال: لا يقع موقع الكسب على العيال شيء، ولا الجهاد في سبيل الله.

وقال: رب عمل صغير تكثره النية، ورب عمل كثير تصغره النية.

أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة، عن عبد الرحيم بن محمد الكاغدي، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي، حدثنا أبو إسحاق الطَّالْقَاني، قال: سألت ابن المبارك عن الرجل يصلي عن أبويه، فقال: من يرويه? قلت: شِهاب بن خراش. قال: ثقة، عمن? قلت: عن الحجاج بن دينار. قال: ثقة عمن? قلت: عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق الإبل

(1)

.

أخبرنا بيبرس بن عبد الله المجدي، أخبرنا هبة الله بن الحسن الدوامي، أخبرتنا تَجَنِّي مولاة ابن وهبان، وأخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي، أخبرنا الإمام أبو محمد بن قدامة، أخبرنا عبد الله بن أحمد الخطيب، وتجني الوهبانية، وفخر النساء شُهْدة "ح". وأخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، وأحمد بن تاج الأمناء، قالا: أخبرنا محمد ابن إبراهيم "ح". وأخبرتنا ست الأهل بنت الناصح، أخبرنا البهاء عبد الرحمن، قالا: أخبرتنا شهدة، قالوا: أخبرنا طراد بن محمد الزينبي "ح". وأخبرنا محمد بن عبد الوهاب الأغلبي، أخبرنا علي بن مختار، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا القاسم بن الفضل، قالا: أخبرنا هلال بن محمد بن جعفر الحفَّار، حدثنا الحسين بن يحيى القطان، حدثنا إبراهيم بن مُجَشَّر، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان، عن عاصم، عن عبيد بن أبي عبيد، عن أبي هريرة، قال: ومررت معه ببقعه. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رب يمين لا تصعد إلى الله عز وجل في هذه البقعة"

(2)

.

قال أبو هريرة: فرأيت فيها النخاسين

(3)

.

(1)

أخرجه مسلم "1/ 16".

(2)

ضعيف: أخرجه أحمد "2/ 303" قال: حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن عاصم، به.

قلت: إسناده ضعيف لضعف عاصم، وهو ابن عبيد الله بن عاصم، وعبيد مولى أبي رهم مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول. وسفيان هو الثوري.

(3)

النَّخَّاس: بيَّاع الدَّوابِّ والرقيق.

ص: 378

وبه، إلى ابن المبارك: أخبرنا ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل مسكر حرام وكل مسكر خمر"

(1)

.

أخبرنا إسحاق بن طارق الأسدي، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا عبد الرحيم بن محمد الكاغدي، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق، سمعت ابن أبي رِزْمة، سمعت علي بن الحسن بن شقيق، سمعت عبد الله بن المبارك، يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية

(2)

.

وبه إلى محمد بن إسحاق السَّرَّاج: سمعت أبا يحيى يقول: سمعت علي بن الحسن بن شقيق يقول: قلت لعبد الله بن المبارك: كيف يعرف ربنا عز وجل? قال: في السماء على العرش. قلت له: إن الجهمية تقول هذا. قال: لا نقول كما قالت الجهمية، هو معنا هاهنا.

قلت: الجهمية يقولون: إن الباري تعالى في كل مكان والسلف يقولون: إن علم الباري في كل مكان ويحتجون بقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، يعني: بالعلم، ويقولون: إنه على عرشه استوى، كما نطق به القرآن والسنة.

وقال الأوزاعي، وهو إمام وقته: كنا -والتابعون متوافرون- نقول: إن الله -تعالى- فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته، ومعلوم عند أهل العلم من الطوائف أن مذهب السلف إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تأويل ولا تحريف، ولا

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 16 و 29 و 134"، وفي "الأشربة""75" و"189" و"195"، وابن أبي شيبة "8/ 101"، ومسلم "2003""74" و"75"، وابن الجارود "857"، والطبراني في "الصغير""143" و"546" و"922"، والدارقطني "4/ 248 - 249 و 250"، والبيهقي "8/ 294 و 296" من طرق عن نافع، عن ابن عمر، به.

(2)

الجهمية: هم أتباع جَهم بن صفوان، الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال، وأنكر الاستطاعات كلها، وزعم أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وزعم أيضا أن الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط، وأن الكفر هو الجهل به فقط، وقال: لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى، وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز، وزعم أيضًا أن علم الله تعالى حادث، وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شيء أوحى أو عالم أو مريد، وقال: لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره، كشيء وموجود وحي وعالم ومريد ونحو ذلك، ووصفه بأنه قادر وموجد وفاعل وخالق ومحيي ومميت، لأن هذه الأوصاف مختصة به وحده، وقال بحدوث كلام الله تعالى كما قالته القدرية، ولم يسم الله تعالى متكلما به.

وأكفره أهل السنة والجماعة، وأكفرته القدرية في قوله بأن الله تعالى خالق أعمال العباد، فاتفق أصناف الأمة على تكفيره.

ص: 379

تشيبه ولا تكييف، فإن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات المقدسة. وقد علم المسلمون أن ذات الباري موجودة حقيقية، لا مثل لها، وكذلك صفاته -تعالى- موجودة، لا مثل لها.

أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه إجازة، أخبرنا عبد القادر الحافظ، أخبرنا محمد بن أبي نصر بأصبهان، أخبرنا حسين بن عبد الملك، أخبرنا عبد الله بن شبيب، أخبرنا أبو عمر السلمي، أخبرنا أبو الحسن اللبناني، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية"

(1)

له، قال: حدثني أحمد بن إبراهيم الدَّورقي، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، قال: سألت ابن المبارك: كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا? قال: على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه ههنا في الأرض.

وروى عبد الله بن أحمد في هذا الكتاب بإسناده، عن ابن المبارك: أن رجلا قال له: يا أبا عبد الرحمن، قد خفت الله -تعالى- من كثرة ما أدعو على الجهمية. قال: لا تخف، فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء.

قال عبد الله بن إدريس: كل حديث لا يعرفه ابن المبارك، فنحن منه براء.

وعن ابن المبارك قال: في صحيح الحديث شغل عن سقيمه.

أخبرنا يحيى بن أحمد الجُذامي، أخبرنا محمد بن عماد، أخبرنا ابن رفاعة، أخبرنا أبو الحسن الخلعي، أخبرنا ابن الحاج، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن الرملي، حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، حدثنا أحمد بن يونس: سمعت ابن المبارك قرأ شيئًا من القرآن، ثم قال: من زعم أن هذا مخلوق، فقد كفر بالله العظيم.

قال علي بن الحسن بن شقيق: قمت لأخرج من ابن المبارك في ليلة باردة من المسجد، فذاكرني عند الباب بحديث -أو ذاكرته- فما زلنا نتذاكر حتى جاء المؤذن للصبح.

وقال فضالة النسائي: كنت أجالسهم بالكوفة، فإذا تشاجروا في حديث، قالوا: مروا بنا إلى هذا الطبيب حتى نسأله -يعنون ابن المبارك.

(1)

هذا الكتاب ليس بثابت نسبته إلى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- فقد رواه عن عبد الله بن الإمام أحمد الخضر بن المثنى، وهو مجهول. وهناك كتب ثابتة صحيحة نسبتها إلى مؤلفيها في هذا الباب: مثل كتاب: "الرد على الجهمية" لعثمان بن سعيد الدارمي المتوفى سنة "280 هـ"، وكتاب:"الرد على الجهمية" لابن منده المتوفى "395 هـ" وقد حققه الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، وطبع بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

ص: 380

قال وهب بن زَمْعة المَرْوَزِي: حدَّثَ جرير بن عبد الحميد بحديث عن ابن المبارك، فقالوا له: يا أبا عبد الحميد! تحدث عن عبد الله، وقد لقيت منصور بن المعتمر? فغضب، وقال: أنا مثل عبد الله، أحمل علم أهل خراسان، وعلم أهل العراق، وأهل الحجاز، وأهل اليمن، وأهل الشام.

قال أحمد بن أبي الحَوَاري: جاء رجل من بني هاشم إلى عبد الله ابن المبارك ليسمع منه، فأبى أن يحدثه. فقال الشريف لغلامه: قم، فإن أبا عبد الرحمن لا يرى أن يحدثنا. فلما قام ليركب، جاء ابن المبارك ليمسك بركابه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، تفعل هذا، ولا ترى أن تحدثني؟ فقال: أذل لك بدني، ولا أذل لك الحديث.

روى المسيَّب بن واضح: أنه سمع ابن المبارك -وسأله رجل عمن يأخذ- فقال: قد يلقى الرجل ثقة، وهو يحدث عن غير ثقة، وقد يلقى الرجل غير ثقة يحدث عن ثقة، ولكن ينبغي أن يكون: ثقة عن ثقة.

عثمان بن سعيد الدارمي: سمعت نعيم بن حماد يقول: ما رأيت ابن المبارك يقول قط: "حدثنا"، كان يرى "أخبرنا" أوسع، وكان لا يرد على أحد حرفًا إذا قرأ.

وقال نعيم: ما رأيت أعقل من ابن المبارك، ولا أكثر اجتهادًا في العبادة.

الحسن بن الربيع: قال ابن المبارك في حديث ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"استقيموا لقريش ما استقاموا لكم"

(1)

: يفسره حديث أم سلمة: "لا تقتلوهم ما صَلَّوا"

(2)

.

واحتج ابن المبارك في مسألة الإرجاء، وأن الإيمان يتفاوت، بما روي عن ابن شوذب، عن سلمة بن كُهَيل، عن هُزَيل بن شُرحبيل، قال: قال عمر: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض، لرجح.

قلت: مراد عمر رضي الله عنه أهل أرض زمانه.

نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول: السيف الذي وقع بين الصحابة فتنة، ولا أقول لأحد منهم هو مفتون.

(1)

ضعيف: سبق تخريجنا له في هذا الجزء بتعليقنا رقم "338" فراجعه ثمَّت.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1854"، وأبو داود "4760"، والترمذي "2266"، وأحمد "6/ 295 و 302 و 305 و 321" من حديث أم سلمة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ستكونُ أمراءُ، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سَلمَ، ولكن من رضي وتابع". قالوا: أفلا نُقاتلهم؟ قال: "لا. ما صَلَّوا". واللفظ لمسلم.

ص: 381

وعن ابن المبارك، وسئل: من السفلة? قال: الذي يدور على القضاة يطلب الشهادات.

وعنه قال: إن البصراء لا يأمنون من أربع: ذنب قد مضى لا يدرى ما يصنع فيه الرب عز وجل وعمر قد بقي لا يدرى ما فيه من الهلكة، وفضل قد أعطي العبد لعله مكر واستدراج، وضلالة قد زُيِّنَتْ، يراها هدى، وزيغ قلب ساعةً فقد يُسلَب المرءُ دينه ولا يشعر.

قال منصور بن دينار؛ صاحبُ ابن المبارك: إن عبد الله كان يتصدق لمقامه ببغداد كل يوم بدينار.

وعن عبد الكريم السكري، قال: كان عبد الله يعجبه إذا ختم القرآن أن يكون دعاؤه في السجود.

قال إبراهيم بن نوح الموصلي: قدم الرشيد عين زربة، فأمر أبا سليم أن يأتيه بابن المبارك. قال: فقلت: لا آمن أن يجيب ابن المبارك بما يكره، فيقتله، فقلت: يا أمير المؤمنين! هو رجل غليظ الطباع، جلف. فأمسك الرشيد.

الفضل بن محمد الشَّعْراني: حدثنا عبدة بن سليمان، قال: سمعت رجلًا يسأل ابن المبارك عن الرجل يصوم يومًا ويفطر يومًا. قال: هذا رجل يضيع نصف عمره، وهو لا يدري. يعني: لم لا يصومها.

قلت: أحسب ابن المبارك لم يذكر حينئذ حديث: "أفضل الصوم صوم داود"

(1)

، ولا حديث: النهي عن صوم الدهر

(2)

.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "1159""192"، وابن خزيمة "2106" من طريق شعبة، عن زياد بن فياض قال: سمعت أبا عياض عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "صم يوما، ولك أجر ما بقي". قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: "صم يومين، ولك أجر ما بقي". قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: "صم ثلاثة أيام، ولك أجر ما بقي". قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: "صم أربعة أيام، ولك أجر ما بقي". قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: "فصم أفضل الصيام عند الله صوم داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما". وأخرجه مسلم "1159"، "189"، من طريق عمرو بن أوس، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1159""186" في حديث طويل من طريق ابن جريج قال: سمعت عطاء يزعم أن العباس أخبره أنه سمع عبد الله بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث الطويل: "لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد".

ص: 382

قال أبو وهب المَرْوَزي: سألت ابن المبارك: ما الكبْر? قال: أن تزدري الناس. فسألته عن العجب? قال: أن ترى أن عندك شيئًا ليس عند غيرك، لا أعلم في المصلين شيئًا شرًّا من العجب.

قال حاتم بن الجراح: سمعت علي بن الحسن بن شقيق، سمعت ابن المبارك، وسأله رجل عن قُرْحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجتها بأنواع العلاج، وسألت الأطباء، فلم أنتفع به. فقال له: اذهب فاحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين، ويمسك عنك الدم. ففعل الرجل، فبرأ.

قال أحمد بن حنبل: كان ابن المبارك يحدث من الكتاب، فلم يكن له سقط كثير، وكان وكيع يحدث من حفظه، فكان يكون له سقط، كم يكون حفظ الرجل!

وروى غير واحد أن ابن المبارك قيل له: إلى متى تكتب العلم? قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد.

قال عمرو الناقد: سمعت ابن عيينة يقول: ما قدم علينا أحد يشبه ابن المبارك، ويحيى بن أبي زائدة.

وقال مخلد بن الحسين: جالست أيوب، وابن عون، فلم أجد فيهم من أفضله على ابن المبارك.

قال عبدان: قال ابن المبارك -وذكر التدليس- فقال فيه قولًا شديدًا، ثم أنشد:

دلس للناس أحاديثه

والله لا يقبل تدليسًا

عن ابن المبارك، قال: من استخف بالعلماء، ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء، ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان، ذهبت مروءته.

قد أسفلنا لعبد الله ما يدل على فروسيته.

وقال محمد بن المثنى: حدثنا عبد الله بن سنان، قال: كنت مع ابن المبارك، ومعتمر بن سليمان بِطَرَسوس، فصاح الناس: النفير. فخرج ابن المبارك، والناس، فلما اصطف الجمعان، خرج رومي، فطلب البراز، فخرج إليه رجل، فشد العلج عليه، فقتله، حتى قتل ستة من المسلمين، وجعل يتبختر بين الصفين يطلب المبارزة، ولا يخرج إليه أحد، فالتفت إلي ابن المبارك فقال: يا فلان! إن قُتلتُ، فافعل كذا وكذا. ثم حرك دابته، وبرز للعلج، فعالج معه ساعة، فقتل العلج، وطلب المبارزة، فبرز له علج آخر، فقتله، حتى قتل ستة علوج،

ص: 383

وطلب البراز، فكأنهم كاعوا

(1)

عنه، فضرب دابته، وطرد بين الصفين، ثم غاب، فلم نشعر بشيء، وإذا أنا به في الموضع الذي كان، فقال لي: يا عبد الله! لئن حدثت بهذا أحدًا، وأنا حي، فذكر كلمةً.

قال أبو صالح الفراء: سألت ابن المبارك عن كتابة العلم، فقال: لولا الكتاب ما حفظنا.

وسمعته يقول: الحبر في الثوب خلوق العلماء.

وقال: تواطؤ الجيران على شيء، أحب إليَّ من شهادة عدلين.

وقيل: إن ابن المبارك مر براهب عند مقبرة ومزبلة، فقال: يا راهب، عندك كنز الرجال، وكنز الأموال، وفيهما معتبر.

وقد تَفَقَّه ابن المبارك بأبي حنيفة، وهو معدود في تلامذته.

وكان عبد الله غنيًّا شاكرًا، رأس ماله نحو الأربع مائة ألف.

قال حبان بن موسى: رأيت سُفْرة ابن المبارك حملت على عَجَلة.

وقال أبو إسحاق الطالقاني: رأيت بعيرين محملين دجاجًا مشويًّا لسفرة ابن المبارك.

وروى عبد الله بن عبد الوهاب، عن محمد بن عبد الرحمن بن سهم، قال: كنت مع ابن المبارك، فكان يأكل كل يوم، فيشوى له جدي، ويتخذ له فالوذق، فقيل له في ذلك، فقال: إني دفعت إلى وكيلي ألف دينار، وأمرته أن يوسع علينا.

قال الحسن بن حماد: دخل أبو أسامة على ابن المبارك، فوجد في وجهه عبدُ الله أثر الضر، فلما خرج، بعث إليه أربعة آلاف درهم، وكتب إليه:

وفتى خلا من ماله

ومن المروءة غير حال

أعطاك قبل سؤاله

وكفاك مكروه السؤال

وقال المسيَّب بن واضح: أرسل ابن المبارك إلى أبي بكر بن عياش أربعة آلاف درهم، فقال: سد بها فتنة القوم عنك.

قال علي بن خَشْرَم: قلت لعيسى بن يونس: كيف فضلكم ابن المبارك، ولم يكن بأسن منكم? قال: كان يقدم، ومعه الغِلْمة الخراسانية، والبزة الحسنة، فيصل العلماء، ويعطيهم، وكنا لا نقدر على هذا.

(1)

كاعوا عنه: جبنوا عنه وانهزموا.

ص: 384

قال نعيم بن حماد: قدم ابن المبارك أيلة على يونس بن يزيد، ومعه غلام مُفَرَّغ العمل الفالوذج، يتخذه للمحدثين.

أخبرنا ابن أبي الخير في كتابه، عن عبد الرحيم بن محمد، أخبرنا الحسن بن أحمد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن المبارك، عن خالد الحَذَّاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البركة مع أكابركم"

(1)

. فقلت للوليد: أين سمعت من ابن المبارك? قال: في الغزو.

عن ابن المبارك قال: ليكن مجلسك مع المساكين، واحذر أن تجلس مع صاحب بدعة.

قال الحسن بن الربيع: لما احتضر ابن المبارك في السفر، قال: أشتهي سويقًا. فلم نجده إلا عند رجل كان يعمل للسلطان، وكان معنا في السفينة، فذكرنا ذلك لعبد الله، فقال: دعوه. فمات ولم يشربه.

قال العلاء بن الأسود: ذكر جهم عند ابن المبارك، فقال:

عجبت لشيطان أتى الناس داعيا

إلى النار وانشق اسمه من جهنم

أخبرنا إسحاق الأسدي، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا عبد الرحيم بن محمد، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا سعيد بن سليمان، عن ابن المبارك، عن معمر، عن محمد بن حمزة، عن عبد الله بن سلام، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله الضيق، أمرهم بالصلاة، ثم قرأ:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه: 132]. هذا مرسل، قد انقطع فيه ما بين محمد وجد أبيه عبد الله.

وقد كان ابن المبارك رحمه الله شاعرًا محسنًا، قوالا بالحق.

قال أحمد بن جميل المروزي: قيل لابن المبارك: إن إسماعيل بن عُلَيَّة قد ولي القضاء، فكتب إليه:

(1)

صحيح: أخرجه الحاكم "1/ 62"، وأبو نعيم في "الحلية""8/ 171 - 172"، والخطيب في "تاريخ بغداد""11/ 165"، والقضاعي في "مسند الشهاب""36" و"37" من طريق ابن المبارك، به وقال الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي.

قلت: وهو كما قالا.

ص: 385

يا جاعل العلم له بازيا

يصطاد أموال المساكين

احتلت للدنيا ولذاتها

بحيلة تذهب بالدين

فصرت مجنونًا بها بعدما

كنت دواء للمجانين

أين رواياتك في سردها

عن ابن عون وابن سيرين

أين رواياتك فيما مضى

في ترك أبواب السلاطين

إن قلت أكرهت فما ذا كذا

زل حمار العلم في الطين

وروى: عبد الله بن محمد قاضي نصيبين، حدثنا محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، قال: أملى عليَّ ابن المبارك سنة سبع وسبعين ومائة، وأنفذها معي إلى الفضل بن عياض من طرسوس:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا

لعلمت أنك في العبادة تلعب

من كان يخضب جيده بدموعه

فنحورنا بدمائنا تتخضب

أو كان يتعب خيلة في باطل

فخيولنا يوم الصبيحة تتعب

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا

رهج السنابك

(1)

والغبار الأطيب

ولقد أتانا من مقال نبينا

قول صحيح صادق لا يكذب

لا يستوي وغبار خيل الله في

أنف امرئ ودخان نار تلهب

هذا كتاب الله ينطق بيننا

ليس الشهيد بميت لا يكذب

فلقيت الفضيل بكتابه في الحرم، فقرأه، وبكى، ثم قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح.

قال ابن سهم الأنطاكي: سمعت ابن المبارك ينشد:

فكيف قرت لأهل العلم أعينهم

أو استلذوا لذيذ النوم أو هجعوا

والنار ضاحية لابد موردها

وليس يدرون من ينجو ومن يقع

وطارت الصحف في الأيدي منشرة

فيها السرائر والجبار مطلع

(1)

الرهج: الغبار. والسنابك: طرف حوافر الخيل.

ص: 386

إما نعيم وعيش لا انقضاء له

أو الجحيم فلا تبقي ولا تدع

تهوي بساكنها طورًا وترفعه

إذا رجوا مخرجًا من غمها قمعوا

لينفع العلم قبل الموت عالمه

قد سأل قوم بها الرجعى فما رجعوا

وروى إسحاق بن سنين لابن المبارك:

إني امرؤ ليس في ديني لغامزه

لين ولست على الإسلام طعانا

فلا أسب أبا بكر ولا عمرا

ولن أسب معاذ الله عثمانا

ولا ابن عم رسول الله أشتمه

حتى ألبس تحت الترب أكفانا

ولا الزبير حواري الرسول ولا

أهدي لطلحة شتمًا عز أو هانا

ولا أقول علي في السحاب إذًا

قد قلت والله ظلمًا ثم عدوانا

ولا أقول بقول الجهم إن له

قولا يضارع أهل الشرك أحيانا

ولا أقول تخلى من خليقته

رب العباد وولى الأمر شيطانا

ما قال فرعون هذا في تمرده

فرعون موسى ولا هامان طغيانا

الله يدفع بالسلطان معضلة

عن ديننا رحمة منه ورضوانا

لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل

وكان أضعفنا نهبًا لأقوانا

فيقال: إن الرشيد أعجبه هذا، فلما أن بلغه موت ابن المبارك بهيت، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، يا فضل! إيذن للناس يعزونا في ابن المبارك. وقال: أما هو القائل:

الله يدفع بالسطان معضلة

فمن الذي يسمع هذا من ابن المبارك، ولا يعرف حقنا?

قال الكُدَيمي: حدثنا عبدة بن عبد الرحيم، قال: كنت عند فضيل ابن عياض وعنده ابن المبارك، فقال قائل: إن أهلك وعيالك قد احتاجوا مجهودين محتاجين إلى هذا المال، فاتق الله، وخذ من هؤلاء القوم. فزجره ابن المبارك، وأنشأ يقول:

خذ من الجاروش والـ

ـآرز والخبز الشعير

واجعلن ذاك حلالا

تنج من حر السعير

وانأ ما اسطعت هدا

ك الله عن دار الأمير

ص: 387

لا تزرها واجتنبها

إنها شر مزور

توهن الدين وتد

نيك من الحوب الكبير

قبل أن تسقط يا

مغرور في حفرة بير

وارض يا ويحك من

دنياك بالقوت اليسير

إنها دار بلاء

وزوال وغرور

ما ترى قد صرعت

قبلك أصحاب القصور

كم ببطن الأرض من

ثاو شريف ووزير

وصغير الشأن عبد

خامل الذكر حقير

لو تصفحت وجو

هـ القوم في يوم نضير

لم تميزهم ولم

تعرف غنيا من فقير

خمدوا فالقوم صرعى

تحت أشقاق الصخور

واستووا عند مليك

بمساويهم خبير

احذر الصرعة يا

مسكين من دهر عثور

أين فرعون وها

مان ونمرود النسور

أو ما تخشاه أن

يرميك بالموت المبير

أو ما تحذر من

يوم عبوس قمطرير

اقمطر الشر فيه

بعذاب الزمهرير

قال: فغشي على الفضيل، فرد ذلك ولم يأخذه.

ولابن المبارك:

جربت نفسي فما وجدتها لها

من بعد تقوى الإله كالأدب

في كل حالاتها وإن كرهت

أفضل من صمتها عن الكذب

أو غيبة الناس إن غيبتهم

حرمها ذو الجلال في الكتب

قال أبو العباس السراج: أنشدني يعقوب بن محمد لابن المبارك:

ص: 388

أبإذن نزلت بي يا مشيب

أي عيش وقد نزلت يطيب

وكفى الشيب واعظًا غير أني

آمل العيش والممات قريب

وكم أنادي الشباب إذ بان مني

وندائي موليًّا ما يجيب

وبه:

يا عائب الفقر ألا تزدجر

عيب الغنى أكثر لو تعتبر

من شرف الفقر ومن فضله

على الغنى لو صح منك النظر

أنك تعصي لتنال الغنى

وليس تعصي الله كي تفتقر

قال حبان بن موسى: سمعت ابن المبارك ينشد:

كيف القرار وكيف يهدأ مسلم

والمسلمات مع العدو المعتدي

الضاربات خدودهن برنة

الداعيات نبيهن محمد

القائلات إذا خشين فضيحة

جهد المقالة ليتنا لم نولد

ما تستطيع وما لها من حيلة

إلا التستر من أخيها باليد

قال أبو إسحاق الطالقاني: كنا عند ابن المبارك، فانهد القهندز، فأتى بسنين، فوجد وزن أحدهما منوان، فقال عبد الله:

أتيت بسنين قد رمتا

من الحصن لما أثاروا الدفينا

على وزن منوين إحداهما

تقل به الكف شيئًا رزينا

ثلاثون سنا على قدرها

تباركت يا أحسن الخالقينا

فماذا يقوم لأفواهها

وما كان يملأ تلك البطونا

إذا ما تذكرت أجسامهم

تصاغرت النفس حتى تهونا

وكل على ذاك ذاق الردى

فبادوا جميعًا فهم هامدونا

وجاء من طرق عن ابن المبارك -ويقال: بل هي لحميد النحوي:

اغتنم ركعتين زلفى إلى الله

إذا كنت فارغًا مستريحا

وإذا ما هممت بالنطق بالباطل

فاجعل مكانه تسبيحا

فاغتنام السكوت أفضل من

خوض وإن كنت بالكلام فصيحا

ص: 389

وسمع بعضهم ابن المبارك وهو ينشد على سور طرسوس:

ومن البلاء وللبلاء علامة

أن لا يرى لك عن هواك نزوع

العبد عبد النفس في شهواتها

والحر يشبع مرة ويجوع

قال أبو أمية الأسود: سمعت ابن المبارك يقول: أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الطالحين وأنا شر منهم، ثم أنشأ يقول:

الصمت أزين بالفتى

من منطق في غير حينه

والصدق أجمل بالفتى

في القول عندي من يمينه

وعلى الفتى بوقاره

سمة تلوح على جبينه

فمن الذي يخفى عليـ

ـك إذا نظرت إلى قرينه

رب امرئ متيقن

غلب الشقاء على يقينه

فأزاله عن رأيه

فابتاع دنياه بدينه

قال أحمد بن عبد الله العجلي: حدثني أبي، قال: لما احتضر ابن المبارك، جعل رجل يلقنه، قل: لا إله إلا الله. فأكثر عليه، فقال له: لست تحسن، وأخاف أن تؤذي مسلمًا بعدي، إذا لقنتني، فقلت: لا إله إلا الله، ثم لم أحدث كلامًا بعدها، فدعني، فإذا أحدثت كلامًا، فلقني حتى تكون آخر كلامي.

يقال: إن الرشيد لما بلغه موت عبد الله، قال: مات اليوم سيد العلماء.

قال عبدان بن عثمان: مات ابن المبارك بهيت وعانات، في شهر رمضان، سنة إحدى وثمانين ومائة.

قال حسن بن الربيع: قال لي ابن المبارك قبل أن يموت: أنا ابن ثلاث وستين سنة.

قال أحمد بن حنبل: ذهبت لأسمع من ابن المبارك، فلم أدركه، وكان قد قدم بغداد، فخرج إلى الثغر، ولم أره.

قال محمد بن الفُضَيل بن عياض: رأيت ابن المبارك في النوم، فقلت: أي العمل أفضل? قال: الأمر الذي كنتُ فيه. قلت: الرباط والجهاد? قال: نعم. قلت: فما صنع بك ربك? قال: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة. رواها رجلان عن محمد.

ص: 390

وقال العباس بن محمد النَّسَفي: سمعت أبا حاتم الفربري يقول: رأيت ابن المبارك واقفًا على باب الجنة، بيده مفتاح، فقلت: ما يوقفك هاهنا? قال: هذا مفتاح الجنة، دفعه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: حتى أزور الرب، فكن أميني في السماء، كما كنت أميني في الأرض.

وقال إسماعيل بن إبراهيم المصِّيصي: رأيت الحارث بن عطية في النوم، فسألته، فقال: غفر لي. قلت: فابن المبارك? قال: بخ بخ، ذاك في عليين، ممن يلج على الله كل يوم مرتين.

وعن نوفل قال: رأيت ابن المبارك في النوم، فقلت: ما فعل الله بك? قال: غفر لي برحلتي في الحديث، عليك بالقرآن، عليك بالقرآن.

قال علي بن أحمد السَّوَّاق: حدثنا زكريا بن عدي، قال: رأيت ابن المبارك في النوم، فقلت: ما فعل الله بك? قال: غفر لي برحلتي.

قال النسائي: أثبت الناس في الأوزاعي: عبد الله بن المبارك.

قال الفسوي في "تاريخه": سمعت الحسن بن الربيع يقول: شهدت موت ابن المبارك، مات لعشر مضى من رمضان، سنة إحدى وثمانين ومائة، ومات سحرًا، ودفناه بهيت.

ولبعض الفضلاء:

مررت بقبر ابن المبارك غدوة

فأوسعني وعظًا وليس بناطق

وقد كنت بالعلم الذي في جوانحي

غنيا وبالشيب الذي في مفارقي

ولكن أرى الذكرى تنبه عاقلا

إذا هي جاءت من رجال الحقائق

قرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم الطائي، أخبركم القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله بن مميل الشافعي سنة ثلاثين وست مائة بمنزله، أخبرنا عبد الرحمن بن علي الخرقي، أخبرنا نصر بن أحمد السُّوسي، أخبرنا سهل بن بشر، أخبرنا علي بن منير الخَلال، حدثني خالي أحمد بن عتيق الخشاب، حدثنا أبو بكر محمد بن أبي الأصبغ، حدثنا هاشم بن مرثد، سمعت أبا صالح الفراء، سمعت ابن المبارك يقول:

المرء مثل هلال عند رؤيته

يبدو ضئيلا تراه ثم يَتَّسق

حتى إذا ما تراه ثم أعقبه

كر الجديدين نقصًا ثم يَمَّحق

من تاريخ أبي عمر أحمد بن سعيد الصدفي: محمد بن وضاح، عن يحيى بن يحيى الليثي، قال: كنا عند مالك، فاستؤذن لعبد الله بن المبارك بالدخول، فأذن له، فرأينا مالكًا

ص: 391

تزحزح له في مجلسه، ثم أقعده بلصقه، وما رأيت مالكًا تزحزح لأحد في مجلسه غيره، فكان القارئ يقرأ على مالك، فربما مر بشيء، فيسأله مالك: ما مذهبكم في هذا? أو ما عندكم في هذا? فرأيت ابن المبارك يجاوبه، ثم قام، فخرج، فأعْجِبَ مالكٌ بأدبِه، ثم قال لنا مالك: هذا ابن المبارك فقيه خراسان.

عن المسيب بن واضح، قال: أرسل ابنُ المبارك إلى أبي بكر بن عياش بأربعين ألف درهم، وقال: سُدَّ بهذهِ فتنةَ القومِ عنك.

وسئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة، فقال: إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا.

قال أحمد: كان ابن المبارك يحدث من كتاب، ومن حدث من كتاب، لا يكاد أن يكون له سقط كثير. وكان وكيع يحدث من حفظه. فكان يكون له سقط كم يكون حفظ الرجل?

ص: 392

‌1284 - ضَيْغم

(1)

:

ابن مالك، الزاهد، القدوة، الرباني، أبو بكر الرَّاسِبي، البصري.

أخذ عن: التابعين.

روى عنه: ابن مالك، وسيَّار بن حاتم، وأبو أيوب مولى ضَيْغم.

قال عبد الرحمن بن مهدي: ما رأيتُ مثلَ ضيغمٍ في الصلاح والفضل.

قال ابن الأعرابي: كان ورده في اليوم والليلة أربع مائة ركعة، وصلى حتى انحنى، وكان من الخائفين البكَّائين.

وقال علي ابن المديني: دفن ضيغم كتبه.

وكان ينام ثلث الليل، ويتعبد ثلثيه.

توفي ضيغم سنة ثمانين ومائة، هو وصاحبه بسر بن منصور العابد في يوم.

وعنه، قال: قووا على الاجتهاد بما يدخل قلوبهم من حلاوة العبادة.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "4/ ترجمة 2068".

ص: 392

‌1285 - الفُضَيل بن عِيَاض

(1)

: " خ، م، د، س، ت"

ابن مسعود بن بشر، الإمام، القدوة، الثبت، شيخ الإسلام، أبو علي التميمي، اليربوعي، الخراساني، المجاور بحرم الله.

ولد بسمرقند، ونشأ بأبيورد، وارتحل في طلب العلم.

فكتب بالكوفة عن: منصور، والأعمش، وبيان بن بشر، وحصين بن عبد الرحمن، وليث، وعطاء بن السائب، وصفوان بن سليم، وعبد العزيز بن رُفَيع، وأبي إسحاق الشيباني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن حسان، وابن أبي ليلى، ومجالد، وأشعث بن سوار، وجعفر الصادق، وحميد الطويل، وخلق سواهم من الكوفيين، والحجازيين.

حدث عنه: ابن المبارك، ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وابن عيينة، والأصمعي، وعبد الرزاق، وعبد الرحمن بن مهدي بن هلال -شيخ واسطي- وحسين الجعفي، وأسد السنة

(2)

، والشافعي، وأحمد بن يونس، ويحيى بن يحيى التميمي، وابن وهب، ومسدد، وقتيبة، وبشر الحافي، والسري بن مغلس السقطي، وأحمد بن المقدام، وعبيد الله القواريري، ومحمد بن زنبور المكي، ولوين، ومحمد بن يحيى العدني، والحميدي، وعبد الصمد بن يزيد مروديه، وعبدة بن عبد الرحيم المروزي، ومحمد بن أبي السري العسقلاني، ومحمد بن قدامة المصيصي، ويحيى بن أيوب المقابري، وخلق كثير. آخرهم موتًا، الحسين بن داود البلخي.

وروى عنه: سفيان الثوري أجل شيوخه، وبينهما في الموت مائة وأربعون عامًا.

قال أبو عمار الحسين بن حريث، عن الفضل بن موسى، قال: كان الفضيل بن عياض شاطرًا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليًا يتلو {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16]، فلما

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 500"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 550"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 179"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 416"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة رقم 397"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 232"، والكاشف "2/ ترجمة 4558"، والعبر "1/ 195"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6768"، وتهذيب التهذيب "7/ 294"، وتقريب التهذيب "2/ 113"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5739"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 316".

(2)

أسد السنة: هو أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن داود الأموي، صدوق يُغرب، وفيه نصب، من صغار أتباع التابعين، روى له البخاري تعليقا، وأبو داود، والنسائي.

ص: 393

سمعها قال: بلى يا رب، قد آن فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل. وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلًا على الطريق يقطع علينا.

قال: ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ههنا يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.

وقال إبراهيم بن محمد الشافعي: سمعت سفيان بن عيينة يقول: فضيل ثقة.

وقال أبو عبيد: قال ابن مهدي: فضيل: رجل صالح، ولم يكن بحافظ.

وقال العجلي: كوفي، ثقة، متعبد، رجل صالح، سكن مكة.

وقال محمد بن عبد الله بن عمَّار: ليت فضيلا كان يحدثك بما يعرف، قيل لابن عمار: ترى حديثه حجة? قال: سبحان الله!

وقال أبو حاتم: صدوق.

وقال النسائي: ثقة مأمون، رجل صالح. وقال الدارقطني: ثقة.

قال محمد بن سعد: ولد بخراسان، بكورة أبيورد، وقدم الكوفة وهو كبير، فسمع من منصور وغيره، ثم تعبد، وانتقل إلى مكة، ونزلها، إلى أن مات بها في أول سنة سبع وثمانين ومائة، في خلافة هارون، وكان ثقة، نبيلا، فاضلا، عابدًا، ورعًا، كثير الحديث.

وقال أبو وَهْب محمد بن مُزَاحم: سمعت ابن المبارك يقول: رأيت أعبد الناس عبد العزيز بن أبي رواد، وأورع الناس الفضيل بن عياض، وأعلم الناس سفيان الثوري، وأفقه الناس أبا حنيفة، ما رأيت في الفقه مثله.

وروى إبراهيم بن شَمَّاس، عن ابن المبارك قال: ما بقي على ظهر الأرض عندي أفضل من الفضيل بن عياض.

قال نصر بن المغيرة البخاري: سمعت إبراهيم بن شماس يقول: رأيت أفقه الناس، وأورع الناس، وأحفظ الناس، وكيعًا، والفضيل، وابن المبارك.

وقال عبيد الله القواريري: أفضل من رأيت من المشايخ: بشر بن منصور، وفضيل بن عياض، وعون بن معمر، وحمزة بن نجيح.

قلت: عون وحمزة لا يكادان يعرفان، وكانا عابدين.

ص: 394

قال النصر بن شُمَيل: سمعت الرشيد يقول: ما رأيت في العلماء أهيب من مالك، ولا أورع من الفضيل.

وروى أحمد بن أبي الحواري، عن الهيثم بن جميل، سمعت شريكًا يقول: لم يزل لكل قوم حجة في أهل زمانهم، وإن فضيل بن عياض حجة لأهل زمانه. فقام فتى من مجلس الهيثم، فلما توارى، قال الهيثم: إن عاش هذا الفتى، يكون حجة لأهل زمانه. قيل: من كان الفتى? قال: أحمد ابن حنبل.

قال عبد الصمد مردويه الصائغ: قال لي ابن المبارك: إن الفضيل بن عياض صدق الله، فأجرى الحكمة على لسانه، فالفضيل ممن نفعه علمه.

وقال أبو بكر عبد الرحمن بن عفان: سمعت ابن المبارك يقول لأبي مريم القاضي: ما بقي في الحجاز أحد من الأبدال إلا فضيل بن عياض، وابنه عليٌّ، وعلي مُقدَّم في الخوف، وما بقي أحد في بلاد الشام إلا يوسف ابن أسباط، وأبو معاوية الأسود، وما بقي أحد بخراسان إلا شيخ حائك، يقال له: مَعْدان.

قال أبو بكر المقاريضي المذكَّر: سمعت بشر بن الحارث يقول: عشرة ممن كانوا يأكلون الحلال، لا يدخلون بطونهم إلا حلالا، ولو استفوا التراب والرماد. قلت: من هم يا أبا نصر? قال: سفيان، وإبراهيم بن أدهم، والفُضيل بن عياض، وابنه، وسليمان الخواص، ويوسف بن أسباط، وأبو معاوية نجيح الخادم، وحذيفة المرعشي، وداود الطائي، ووهيب بن الورد.

وقال إبراهيم بن الأشعث: ما رأيت أحدًا كان الله في صدره أعظم من الفضيل، كان إذا ذكر الله، أو ذكر عنده أو سمع القرآن، ظهر به من الخوف والحزن، وفاضت عيناه، وبكى، حتى يرحمه من يحضره، وكان دائم الحزن، شديد الفكرة، ما رأيت رجلًا يريد الله بعلمه وعمله، وأخذه وعطائه، ومنعه وبذله، وبغضه وحبه، وخصاله كلها غيره، كنا إذا خرجنا معه في جنازة لا يزال يعظ ويذكر ويبكي، كأنه مودع أصحابه، ذاهب إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر، فيجلس مكانه بين الموتى من الحزن والبكاء، حتى يقوم وكأنه رجع من الآخرة، يخبر عنها.

وقال عبد الصمد بن يزيد مردويه: سمعت الفضيل يقول: لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق، وطلب الحلال. فقال ابنه علي: يا أبة! إن الحلال عزيز. قال: يا بني، وإن قليله عند الله كثير.

ص: 395

قال سَرِي بن المغَلِّس: سمعت الفضيل يقول: من خاف الله، لم يضره أحد، ومن خاف غير الله، لم ينفعه أحد.

وقال فيض بن إسحاق: سمعت الفضيل بن عياض وسأله عبد الله ابن مالك: يا أبا علي! ما الخلاص مما نحن فيه? قال: أخبرني، من أطاع الله هل تضره معصية أحد? قال: لا. قال: فمن يعصي الله هل تنفعه طاعة أحد? قال: لا. قال: هو الخلاص، إن أردت الخلاص.

قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل يقول: رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله، وزهادته في الدنيا على قدر رغبته في الآخرة، من عمل بما علم، استغنى عما لا يعلم، ومن عمل بما علم، وفقه الله لما لا يعلم، ومن ساء خلقه شان دينه، وحسبه، ومروءته.

وسمعته يقول: أكذب الناس العائد في ذنبه، وأجهل الناس المدل بحسناته، وأعلم الناس بالله أخوفهم منه، لن يكمل عبد حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه.

وقال محمد بن عبدويه: سمعت الفضيل يقول: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعاقبك الله عنهما.

قال سَلْمَ بن عبد الله الخراساني: سمعت الفضيل يقول: إنما أمس مَثَلٌ، واليوم عمل، وغدًا أمل.

وقال فيض بن إسحاق: قال الفضيل: والله ما يحل لك أن تؤذي كلبًا ولا خنزيرًا بغير حق، فكيف تؤذي مسلمًا؟!

وعن فضيل: لا يكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوه.

وعنه: بقدر ما يصغر الذنب عندك، يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك، يصغر عند الله.

قال مُخرِز بن عون: أتيت الفضيل بمكة، فقال لي: يا محرز، وأنت أيضًا مع أصحاب الحديث، ما فعل القرآن? والله لو نزل حرف باليمن، لقد كان ينبغي أن نذهب حتى نسمعه، والله لأن تكون راعي الحمر وأنت مقيم على ما يحب الله، خير لك من الطواف وأنت مقيم على ما يكره الله.

المفضل الجندي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الطبري، قال: ما رأيت أحدًا أخوف على نفسه، ولا أرجى للناس من الفضيل، كانت قراءته حزينة، شهية، بطيئة، مترسلة، كأنه

ص: 396

يخاطب إنسانًا، وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة، يردد فيها، وسأل، وكانت صلاته بالليل أكثر ذلك قاعدًا، يلقى له الحصير في مسجده، فيصلي في أول الليل ساعة، ثم تغلبه عينيه، فيلقي نفسه على الحصير، فينام قليلًا، ثم يقوم، فإذا غلبه النوم نام، ثم يقوم هكذا حتى يصبح، وكان دأبه إذا نعس أن ينام، ويقال: أشد العبادة ما كان هكذا.

وكان صحيح الحديث، صدوق اللسان، شديد الهيبة للحديث إذا حدث، وكان يثقل عليه الحديث جدًّا، وربما قال لي: لو أنك طلبت مني الدنانير، كان أيسر علي من أن تطلب مني الحديث. فقلت: لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي، كان أحب إلي من أن تهب لي عددها دنانير. قال: إنك مفتون، أما والله لو عملت بما سمعت، لكان لك في ذلك شغل عما لم تسمع، سمعت سليمان بن مهران يقول: إذا كان بين يديك طعام تأكله، فتأخذ اللقمة، فترمي بها خلف ظهرك، متى تشبع?

أنبأنا أحمد بن سلامة، عن أبي المكارم التيمي، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا الطبراني، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا أبو عمر الجرمي النحوي، حدثنا الفضل بن الربيع، قال: حج أمير المؤمنين -يعني: هارون- فقال لي: ويحك! قد حك في نفسي شيء، فانظر لي رجلا أسأله. فقلت: ههنا سفيان بن عيينة. فقال: امض بنا إليه. فأتيناه، فقرعت بابه، فقال: من ذا? فقلت: أجب أمير المؤمنين. فخرج مسرعًا، فقال: يا أمير المؤمنين! لو أرسلت إليَّ، أتيتك. فقال: خذ لما جئتك له. فحدثه ساعة، ثم قال له: عليك دين? قال: نعم. فقال لي: اقض دينه. فلما خرجنا، قال: ما أغنى عني صاحبك شيئًا. قلت: ههنا عبد الرزاق. قال: امض بنا إليه. فأتيناه، فقرعت الباب، فخرج، وحادثه ساعة، ثم قال: عليك دين? قال: نعم. قال: أبا عباس! اقض دينه. فلما خرجنا، قال: ما أغنى عني صاحبك شيئًا، انظر لي رجلا أسأله. قلت: ههنا الفضيل بن عياض. قال: امض بنا إليه. فأتيناه، فإذا هو قائم يصلي، يتلو آية يرددها، فقال: اقرع الباب. فقرعت، فقال: من هذا? قلت: أجب أمير المؤمنين. قال: ما لي ولأمير المؤمنين? قلت: سبحان الله! أما عليك طاعة؟ فنزل، ففتح الباب، ثم ارتقى إلى الغرفة، فأطفأ السراج، ثم التجأ إلى زاوية، فدخلنا، فجعلنا نجول عليه بأيدينا، فسبقت كف هارون قبلي إليه، فقال: يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدًا من عذاب الله! فقلت في نفسي: ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي. فقال له: خذ لما جئناك له -رحمك الله- فقال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة، دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب، ورجاء بن حيوة، فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا علي. فعد الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة. فقال له سالم: إن أردت النجاة

ص: 397

فصم الدنيا، وليكن إفطارك منها الموت. وقال له ابن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله، فليكن كبير المسلمين عندك أبًا، وأوسطهم أخًا، وأصغرهم ولدًا، فوقر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك.

وقال له رجاء: إن أردت النجاة من عذاب الله، فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت، وإني أقول لك هذا، وإني أخاف عليك أشد الخوف يومًا تزل فيه الأقدام، فهل معك -رحمك الله- من يشير عليك بمثل هذا؟ فبكى بكاء شديدًا، حتى غشي عليه. فقلت له: ارفق بأمير المؤمنين. فقال: يا ابن أم الربيع، تقتله أنت وأصحابك، وأرفق به أنا. ثم أفاق فقال له: زدني -رحمك الله. قلت: بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكي إليه، فكتب إليه: يا أخي! أذكرك طول سهر أهل النار في النار، مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر العهد، وانقطاع الرجاء. فلما قرأ الكتاب، طوى البلاد، حتى قدم عليه، فقال: ما أقدمك? قال: خلعت قلبي بكتابك، لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله. فبكى هارون بكاء شديدًا. فقال: يا أمير المؤمنين! إن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه فقال: أمِّرني فقال له: "إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميرًا، فافعل"

(1)

. فبكى هارون، وقال: زدني. قال: يا حسن الوجه، أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار، فافعل، وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أصبح لهم غاشًّا، لم يرح رائحة الجنة"

(2)

. فبكى هارون، وقال له: عليك دين? قال: نعم، دين لربي، لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن ساءلني، والويل لي إن ناقشني،

(1)

لم يرد بهذا اللفظ في شيء من كتب ودواوين السنة المشرفة، لكن ورد في عظم أمر الإمارة ما أخرجه مسلم "1825" من طريق الحارث بن يزيد الحضرمي، عن ابن حجيرة الأكبر، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي. ثم قال: "يا با ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها". وأخرج البخاري "7148" من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة".

وأخرج البخاري "7147" عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك".

(2)

أخرجه البخاري "7151"، ومسلم "142" من حديث معقل بن يسار مرفوعا بلفظ:"ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة".

ص: 398

والويل لي إن لم ألهم حجتي. قال: إنما أعني من دين العباد. قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، أمرني أن أصدق وعده، وأطيع أمره، فقال عز وجل:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، الآيات. فقال: هذه ألف دينار، خذها، فأنفقها على عيالك، وتقوَّ بها على عبادة ربك. فقال: سبحان الله! أنا أدلك على طريق النجاة، وأنت تكافئني بمثل هذا، سلمك الله، ووفقك. ثم صمت، فلم يكلمنا. فخرجنا، فقال هارون: أبا عباس! إذا دللتني، فدلني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين. فدخلت عليه امرأة من نسائه، فقالت: قد ترى ما نحن فيه من الضيق، فلو قبلت هذا المال. قال: إنما مثلي ومثلكم، كمثل قوم لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه، فأكلوا لحمه، فلما سمع هارون هذا الكلام، قال: ندخل، فعسى أن يقبل المال. فلما علم الفضيل، خرج، فجلس في السطح على باب الغرفة، فجاء هارون، فجلس إلى جنبه، فجعل يكلمه، فلا يجيبه، فبينا نحن كذلك، إذ خرجت جارية سوداء، فقالت: يا هذا! قد آذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف، فانصرفنا.

حكاية عجيبة، والغلابي غير ثقة. وقد رواها: غيره.

أخبرتنا عائشة بنت عيسى، أخبرنا ابن راجح، أخبرنا السلفي، أخبرنا العلاف، أخبرنا أبو الحسن الحمامي، أخبرنا جعفر بن محمد بن الحجاج بالموصل، حدثنا محمد بن سعدان الحراني، حدثنا أبو عمر النحوي -هو الجرمي- عن الفضل بن الربيع، بها.

قال محمد بن علي بن شقيق: حدثنا أبو إسحاق: قال الفضيل: لو خيرت بين أن أعيش كلبًا، وأموت كلبًا ولا أرى يوم القيامة، لاخترت ذلك.

وقال فيض بن إسحاق: سمعت الفضيل يقول: والله لأن أكون ترابًا، أحب إلي من أن أكون في مسلاخ أفضل أهل الأرض، وما يسرني أن أعرف الأمر حق معرفته، إذًا لطاش عقلي.

وقال إسحاق بن إبراهيم الطبري: سمعت الفضيل يقول: لو قلت: إنك تخاف الموت، ما قبلت منك، لو خفت الموت، ما نفعك طعام ولا شراب، ولا شيء، ما يسرني أن أعرف الأمر حق معرفته، إذًا لطاش عقلي، ولم أنتفع بشيء.

عبد الصمد بن يزيد: سمعت الفضيل يقول: لا تجعل الرجال أوصياءك، كيف تلومهم أن يضيعوا وصيتك، وأنت قد ضيعتها في حياتك.

ص: 399

وسمعته يقول: إذا أحب الله عبدًا، أكثر غمه وإذا بغض عبدًا، وسع عليه دنياه.

وقال إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل يقول: من أحب أن يذكر لم يذكر، ومن كره أن يذكر ذكر.

وسمعته يقول: وعزته، لو أدخلني النار ما أيست.

وسمعته -وقد أفضنا من عرفات- يقول: واسوأتاه -والله منك- وإن عفوت.

وسمعته يقول: الخوف أفضل من الرجاء ما دام الرجل صحيحًا، فإذا نزل به الموت، فالرجاء أفضل.

قلت: وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله"

(1)

.

روى أحمد بن إبراهيم الدَّورقي، عن علي بن الحسن، قال: بلغ الفضيل أن حريزًا يريد أن يأتيه، فأقفل الباب من خارج، فجاء، فرأى الباب مقفلا، فرجع، فأتيته فقلت له: حريز. قال: ما يصنع بي، يظهر لي محاسن كلامه، وأظهر له محاسن كلامي، فلا يتزين لي، ولا أتزين له خير له.

ثم قال عليٌّ: ما رأيت أنصح للمسلمين، ولا أخوف منه، ولقد رأيته في المنام قائمًا على صندوق يعطي المصاحف، والناس حوله، فيهم سفيان بن عيينة، وهارون أمير المؤمنين، فما رأيته يودع أحدًا، فيقدر أن يتم وداعه.

قال فيض بن وثيق: سمعت الفضيل يقول: إن استطعت أن لا تكون محدثًا، ولا قارئًا، ولا متكلمًا، إن كنت بليغًا، قالوا: ما أبلغه، وأحسن حديثه، وأحسن صوته! فيعجبك ذلك، فتنتفخ. وإن لم تكن بليغًا، ولا حسن الصوت، قالوا: ليس يحسن يحدث، وليس صوته بحسن، أحزنك ذلك، وشق عليك، فتكون مرائيًا. وإذا جلست، فتكلمت، فلم تبال من ذمك، ومن مدحك فتكلم.

وقال محمد بن زُنْبور: قال الفضيل: لا يسلم لك قلبك حتى لا تبالي من أكل الدنيا.

وقيل له: ما الزهد? قال: القنوع. قيل: ما الورع? قال: اجتناب المحارم. قيل: ما العبادة? قال: أداء الفرائض. قيل: ما التواضع? قال: أن تخضع للحق. وقال: أشد الورع في اللسان.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "2877" من حديث جابر بن عبد الله، به مرفوعا.

ص: 400

قلت: هكذا هو، فقد ترى الرجل ورعًا في مأكله، وملبسه، ومعاملته، وإذا تحدث يدخل عليه الداخل من حديثه، فإما أن يتحرى الصدق، فلا يكمل الصدق، وإما أن يصدق، فينمق حديثه ليمدح على الفصاحة، وإما أن يظهر أحسن ما عنده ليعظم، وإما أن يسكت في موضع الكلام ليثني عليه، ودواء ذلك كله الانقطاع عن الناس، إلا من الجماعة.

قال عبد الصمد بن يزيد: سمعت الفضيل يقول: لو أن لي دعوة مستجابة، ما جعلتها إلا في إمام، فصلاح الإمام صلاح البلاد والعباد.

وسمعته يقول: إنما هما عالمان، فعالم الدنيا: علمه منشور، وعالم الآخرة: علمه مستور، احذروا عالم الدنيا، لا يضركم بسكره، العلماء كثير، والحكماء قليل.

وعنه: لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان، حتى يعد البلاء نعمة، والرخاء مصيبة، وحتى لا يحب أن يحمد على عبادة الله.

قال الحسين بن زياد المَرْوَزي: سمعت فضيلا يقول: لو حلفت أني مراء، كان أحب إلي من أن أحلف أن لست بمراء، ولو رأيت رجلا اجتمع الناس حوله، لقلت: هذا مجنون، من الذي اجتمع الناس حوله، لا يحب أن يجود كلامه لهم?

فيض بن إسحاق: سمعت فضيلا يقول: ليست الدنيا دار إقامة، وإنما آدم أهبط إليها عقوبة، ألا ترى كيف يزويها عنه، ويمررها عليه بالجوع، بالعري، بالحاجة، كما تصنع الوالدة الشفيقة بولدها، تسقيه مرة حضضًا، ومرة صبرًا، وإنما بذلك ما هو خير له.

وعن الفضيل: حرام على قلوبكم أن تصيب حلاوة الإيمان، حتى تزهدوا في الدنيا.

وعنه: إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النهار، فاعلم أنك محروم، كبلتك خطيئتك.

وعن فضيل -ورأى قومًا من أصحاب الحديث يمرحون ويضحكون- فناداهم: مهلا يا ورثة الأنبياء -مهلا ثلاثًا- إنكم أئمة يقتدى بكم.

قال ابن عيينة: سمعت الفضيل بن عياض يقول: يغفر للجاهل سبعون ذنبًا ما لا يغفر للعالم ذنب واحد.

قال أحمد بن حنبل: حدثنا أبو جعفر الحذاء، سمعت الفضيل يقول: أخذت بيد سفيان بن عيينة في هذا الوادي، فقلت: إن كنت تظن أنه بقي على وجه الأرض شر مني ومنك، فبئس ما تظن.

ص: 401

قال عبد الصمد مردويه: سمعت الفضيل يقول: من أحب صاحب بدعة، أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام من قلبه، لا يرتفع لصاحب بدعة إلى الله عمل، نظر المؤمن إلى المؤمن يجلو القلب، ونظر الرجل إلى صاحب بدعة يورث العمى، من جلس مع صاحب بدعة لم يُعْطَ الحكمة.

قال أبو العباس السراج: حدثني أبو النضر إسماعيل بن عبد الله، حدثنا يحيى بن يوسف الزمي، عن فضيل بن عياض، قال: لما دخل علي هارون أمير المؤمنين، قلت: يا حسن الوجه! لقد كلفت أمرًا عظيمًا، أما إني ما رأيت أحدًا أحسن وجهًا منك، فإن قدرت أن لا تسود هذا الوجه بلفحة من النار، فافعل. قال: عظني. قلت: بماذا أعظك? هذا كتاب الله بين الدفتين، انظر ماذا عمل بمن أطاعه، وماذا عمل بمن عصاه، إني رأيت الناس يغوصون على النار غوصًا شديدًا، ويطلبونها طلبًا حثيثًا، أما والله، لو طلبوا الجنة بمثلها، أو أيسر، لنالوها. وقال: عد إلي فقال: لو لم تبعث إلي. لم آتك، وإن انتفعت بما سمعت، عدت إليك.

قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل يقول في مرضه: ارحمني بحبي إياك، فليس شيء إلي منك.

وسمعته يقول وهو يشتكي: مسني الضر، وأنت أرحم الراحمين.

وسمعته يقول: من استوحش من الوحدة، واستأنس بالناس، لم يسلم من الرياء، لا حج ولا جهاد أشد من حبس اللسان، وليس أحد أشد غمًا ممن سجن لسانه.

قال الحسين بن زياد: سمعت الفضيل كثيرًا يقول: احفظ لسانك، وأقبل على شأنك، واعرف زمانك، وأخف مكانك.

وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي: حدثنا الفيض بن إسحاق، سمعت الفضيل يقول: وددت أنه طار في الناس أني مت حتى لا أذكر، إني لأسمع صوت أصحاب الحديث، فيأخذني البول فرقًا منهم.

وقال الدورقي: حدثنا الحسين بن زياد، سمعت فضيلًا يقول لأصحاب الحديث: لم تكرهوني على أمر تعلمون أني كاره له -يعني: الرواية? لو كنت عبدًا لكم فكرهتكم، كان نَولي أن تبيعوني، لو أعلم أني إذا دفعت ردائي هذا إليكم، ذهبتم عني، لفعلت.

الدَّورقي: وسمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: سمعت الفضيل يخاطب نفسه: ما أراه

ص: 402

أخرجك من الحل، فَدَسَّك في الحرم إلا ليضعف عليك الذنب. أما تستحي تذكر الدينار والدرهم وأنت حول البيت، إنما كان يأتيه التائب والمستجير.

وعن الفضيل، قال: المؤمن يغبط، ولا يحسد، الغبطة من الإيمان، والحسد من النفاق.

قلت: هذا يفسر لك قوله -عليه الصلاة والتسليم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالا ينفقه في الحق، ورجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل، وأطراف النهار"

(1)

. فالحسد هنا، معناه: الغبطة، أن تحسد أخاك على ما آتاه الله، لا أنك تحسده بمعنى: أنك تود زوال ذلك عنه، فهذا بغي وخبث.

وعن الفضيل، قال: من أخلاق الأنبياء: الحلم، والأناة، وقيام الليل.

قال أبو عبد الرحمن السلمي: أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر، أخبرنا الحسن بن عبد الله العسكري، حدثنا ابن أخي أبي زُرْعة، حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه، حدثنا أبو عمار، عن الفضل بن موسى، قال: كان الفضيل شاطرًا يقطع الطريق، فذكر الحكاية، وقد مضت.

وقال إبراهيم بن الليث: حدثنا المُحَدِّث علي بن خَشْرَم، قال: أخبرني رجل من جيران الفضيل من أبيورد، قال: كان الفضيل يقطع الطريق وحده، فبينا هو ذات ليلة وقد انتهت إليه القافلة، فقال بعضهم: اعدلوا بنا إلى هذه القرية، فإن الفضيل يقطع الطريق. فسمع ذلك، فأرعد، فقال: يا قوم جوزوا، والله لأجتهدن أن لا أعصي الله.

وروي نحوها من وجه آخر، لكنه في الإسناد ابن جَهْضَم، وهو هالك.

وبكل حال: فالشرك أعظم من قطع الطريق، وقد تاب من الشرك خلق، صاروا أفضل الأمة، فنواصي العباد بيد الله -تعالى- وهو يضل من يشاء، ويهدي إليه من أناب.

قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: قال لي المأمون: قال لي الرشيد: ما رأت عيناي مثل فضيل بن عياض، دخلت عليه. فقال لي: فرغ قلبك للحزن وللخوف حتى يسكناه، فيقطعاك عن المعاصي، ويباعداك من النار.

(1)

صحيح: أخرجه الحميدي "617"، وابن أبي شيبة "10/ 557"، والبخاري "7529"، وفي "خلق أفعال العباد""ص 124"، ومسلم "815"، والنسائي في "فضائل القرآن""97"، وابن ماجه "4209"، والبيهقي في "السنن""4/ 188"، والبغوي "3537" من طرق عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه مرفوعا بلفظ:"لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل أتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".

ص: 403

وعن ابن أبي عمر، قال: ما رأيت بعد الفضيل أعبد من وكيع.

قال إبراهيم بن الأشعث: رأيت سفيان بن عيينة يقبل يد الفضيل مرتين.

وعن ابن المبارك، قال: إذا نظرت إلى الفضيل جدد لي الحزن، ومقت نفسي، ثم بكى.

قال يحيى بن أيوب: دخلت مع زافر بن سليمان على الفضيل بن عياض، فإذا معه شيخ، فدخل زافر، وأقعدني على الباب. قال زافر: فجعل الفضيل ينظر إلي، ثم قال: هؤلاء المحدثون يعجبهم قرب الإسناد، ألا أخبرك بإسناد لا شك فيه: رسول الله، عن جبريل، عن الله:{نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} [التحريم: 6]، فأنا وأنت يا أبا سليمان من الناس، ثم غشي عليه وعلى الشيخ، وجعل زافر ينظر إليهما، ثم خرج الفضيل، وقمنا، والشيخ مغشي عليه.

قال سَهْل بن رَاهويه: قلت لابن عيينة: ألا ترى إلى الفضيل، لا تكاد تجف له دمعة؟ قال: إذا قرح القلب، نديت العينان.

قال الأصمعي: نظر الفضيل إلى رجل يشكو إلى رجل، فقال: يا هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك.

قال أحمد بن أبي الحواري: حدثنا أبو عبد الله الأنطاكي، قال: اجتمع الفضيل والثوري، فتذاكروا فرق سفيان، وبكى، ثم قال: أرجو أن يكون هذا المجلس علينا رحمة وبركة. فقال له الفضيل: لكني يا أبا عبد الله، أخاف أن لا يكون أضر علينا منه، ألست تخلصت إلى أحسن حديثك، وتخلصت أنا إلى أحسن حديثي، فتزينت لي، وتزينت لك? فبكى سفيان، وقال: أحييتني، أحياك الله.

وقال الفيض: قال لي الفضيل: لو قيل لك: يا مُرائي، غضبت، وشق عليك، وعسى ما قيل لك حق، تزينت للدنيا، وتصنعت، وقصرت ثيابك، وحسنت سمتك، وكففت أذاك، حتى يقال: أبو فلان عابد، ما أحسن سمته، فيكرمونك، وينظرونك، ويقصدونك، ويهدون إليك، مثل الدرهم السُّتُّوق

(1)

، لا يعرفه كل أحد، فإذا قشر، قشر عن نحاس.

إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل يقول: بلغني أن العلماء -فيما مضى. كانوا إذا تعلموا عملوا، وإذا عملوا شغلوا، وإذا شغلوا فقدوا، وإذا فقدوا طلبوا، فإذا طلبوا هربوا.

(1)

السُّتُّوق: هو الردي الذي لا خير فيه، والزيف.

ص: 404

وعنه قال: كفى بالله محبًا، وبالقرآن مؤنسًا، وبالموت واعظًا، وبخشية الله علمًا، وبالاغترار جهلا.

وعنه: خصلتان تقسِّيان القلب: كثرة الكلام، وكثرة الأكل.

وعنه: كيف ترى حال من كثرت ذنوبه، وضعف علمه، وفني عمره، ولم يتزود لمعاده؟

وعنه: يا مسكين! أنت مسيء، وترى أنك محسن، وأنت جاهل، وترى أنك عالم، وتبخل، وترى أنك كريم، وأحمق، وترى أنك عاقل، أجلك قصير، وأملك طويل.

قلت: إي والله، صدق، وأنت ظالم وترى أنك مظلوم، وآكل للحرام وترى أنك متورع، وفاسق وتعتقد أنك عدل، وطالب العلم للدنيا وترى أنك تطلبه لله.

عباس الدُّوري: حدثنا محمد بن عبد الله الأنباري، قال: سمعت فضيلًا يقول: لما قدم هارون الرشيد إلى مكة، قعد في الحجر هو وولده وقوم من الهاشميين، وأحضروا المشايخ، فبعثوا إلي، فأردت أن لا أذهب، فاستشرت جاري، فقال: اذهب، لعله يريد أن تعظه. فدخلت المسجد، فلما صرت إلى الحجر، قلت لأدناهم: أيكم أمير المؤمنين? فأشار إليه، فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين، ورحمة الله وبركاته. فرد علي، وقال: اقعد. ثم قال: إنما دعوناك لتحدثنا بشيء، وتعظنا. فأقبلت عليه، فقلت: يا حسن الوجه، حساب الخلق كلهم عليك. فجعل يبكي ويشهق، فرددت عليه وهو يبكي، حتى جاء الخادم، فحملوني وأخرجوني، وقال: اذهب بسلام.

وقال محرز بن عون: كنت عند الفضيل، فأتى هارون ومعه يحيى بن خالد، وولده جعفر، فقال له يحيى: يا أبا علي، هذا أمير المؤمنين يسلم عليك. قال: أيكم هو? قالوا: هذا فقال: يا حسن الوجه، لقد طوقت أمرًا عظيمًا، وكررها. ثم قال: حدثني عبيد المكتب، عن مجاهد في قوله:{وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166]، قال: الأوصال التي كانت في الدنيا، وأومأ بيده إليهم.

قال عبد الله بن خُبيق: قال الفضيل: تباعد من القراء، فإنهم إن أحبوك، مدحوك بما ليس فيك، وإن غضبوا، شهدوا عليك، وقبل منهم.

قال قُطْبة بن العلاء: سمعت الفضيل يقول: آفة القراء العجب.

وللفضيل رحمه الله مواعظ، وقدم في التقوى راسخ، وله ترجمة في كتاب "الحلية"، وفي "تاريخ أبي القاسم ابن عساكر".

وكان يعيش من صلة ابن المبارك، ونحوه من أهل الخير، ويمتنع من جوائز الملوك.

قال بعضهم: كنا جلوسًا عند الفضيل بن عياض، فقلنا له: كم سنك? فقال:

بلغت الثمانين أو جزتها

فماذا أؤمل أو أنتظر

علتني السنون فأبليتني

فدق العظام وكل البصر

قلت: هو من أقران سفيان بن عيينة في المولد، ولكنه مات قبله بسنوات.

ص: 405

وكان ابنه

‌1286 - علي

(1)

:

من كبار الأولياء، ومات قبل والده.

روى عن: عبد العزيز بن أبي رواد، وعباد بن منصور، وجماعة.

حدث عنه: سفيان بن عيينة، وأبوه وموسى بن أعين، وجماعة حكايات، وأحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي. فرأيته وله حديث في "سنن النسائي"، رواه: لنا أحمد بن سلامة، عن أبي الفضائل الكاغدي، ومسعود الحمَّال، قالا: أخبرنا أبو علي، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن حمزة، ومحمد بن علي بن حُبيش، قالا: أخبرنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا علي بن فضيل، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: رأى رجل من الأنصار فيما يرى النائم أنه قيل له: بأي شيء يأمركم نبيكم صلى الله عليه وسلم? قال: أمرنا أن نسبح ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين، ونكبر أربعًا وثلاثين، فذلك مائة. قال: فسبحوا خمسًا وعشرين، واحمدوا خمسًا وعشرين، وكبروا خمسًا وعشرين، وهللوا خمسًا وعشرين، فتلك مائة. فلما أصبح ذكر، ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"افعلوا كما قال الأنصاري"

(2)

.

غريب من الأفراد، أخرجه النسائي، عن أبي زرعة، عن أحمد، فوافقناه في شيخ شيخه وعلي: صدوق، قد قال فيه النسائي: ثقة، مأمون.

قلت: خرج هو وأبوه من الضعف الغالب على الزهاد والصوفية، وعدا في الثقات إجماعًا.

(1)

علي بن الفضيل بن عياض ترجمته في حلية الأولياء "8/ ترجمة 419"، والكاشف "2/ ترجمة 4015" وتهذيب التهذيب "7/ 373"، وتقريب التهذيب "2/ 42"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5034".

(2)

حسن: أخرجه النسائي "3/ 76" من طريق أحمد بن يونس، به.

ص: 406

وكان علي قانتًا لله، خاشعًا، وجلا، ربانيًا، كبير الشأن.

قال الخطيب: مات قبل أبيه بمدة من آية سمعها تقرأ، فغشي عليه، وتوفي في الحال.

قال إبراهيم بن الحارث العبادي: حدثنا عبد الرحمن بن عفان، حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: صليت خلف فضيل بن عياض المغرب، وابنه علي إلى جانبي، فقرأ:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ، فلما قال:{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} سقط علي على وجهه مغشيًّا عليه، وبقي فضيل عند الآية. فقلت في نفسي: ويحك أما عندك من الخوف ما عند الفضيل وعلي، فلم أزل أنتظر عليًا، فما أفاق إلى ثلث من الليل بقي. رواها: ابن أبي الدنيا، عن عبد الرحمن بن عفان، وزاد: وبقي فضيل لا يجاوز الآية، ثم صلى بنا صلاة خائف، وقال: فما أفاق إلى نصف من الليل.

قال ابن أبي الدنيا: حدثني عبد الصمد بن يزيد، عن فضيل بن عياض، قال: بكى علي ابني فقلت: يا بني! ما يبكيك? قال: أخاف ألا تجمعنا القيامة.

وقال لي ابن المبارك: يا أبا علي! ما أحسن حال من انقطع إلى الله. فسمع ذلك علي ابني، فسقط مغشيًّا عليه.

مسدد بن قطن: حدثنا الدَّورقي، وحدثنا محمد بن نوح المروزي، حدثنا محمد بن ناجية، قال: صليت خلف الفضيل، فقرأ:{الْحَاقَّةُ} في الصبح، فلما بلغ إلى قوله:{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} غلبه البكاء، فسقط ابنه علي مغشيًا عليه، وذكر الحكاية.

أنبأنا أحمد بن سلامة، عن عبد الرحيم بن محمد، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا أبو يعلي، حدثنا عبد الصمد بن يزيد، سمعت الفضيل يقول: أشرفت ليلة على علي، وهو في صحن الدار، وهو يقول: النار، ومتى الخلاص من النار? وقال لي: يا أبة! سل الذي وهبني لك في الدنيا، أن يهبني لك في الآخرة، ثم قال: لم يزل منكسر القلب حزينًا. ثم بكى الفضيل، ثم قال: كان يساعدني على الحزن والبكاء، يا ثمرة قلبي، شكر الله لك ما قد علمه فيك.

قال الدَّورقي: حدثني محمد بن شجاع، عن سفيان، عن عيينة قال: ما رأيت أحدًا أخوف من الفضيل وابنه.

قال إبراهيم الحربي: حدثنا ابن أبي زياد، عن شهاب بن عَبَّاد قال: كانوا يعودون عليَّ بن الفضيل وهو يمشي، فقال: لو ظننت أني أبقى إلى الظهر، لشق علي.

ص: 407

وعن الفضيل قال: اللهم إني اجتهدت أن أؤدب عليًا، فلم أقدر على تأديبه، فأدبه أنت لي.

قال أبو سليمان الداراني: كان علي بن الفضيل لا يستطيع أن يقرأ {الْقَارِعَةُ} ، ولا تُقرَأ عليه.

الحسن بن عبد العزيز الجَرَوي: حدثنا محمد بن أبي عثمان قال: كان علي بن الفضيل عند سفيان بن عيينة، فحدث بحديث فيه ذكر النار، فشهق عليٌّ شهقةً، ووقع، فالتفت سفيان، فقال: لو علمت أنك هاهنا، ما حدثت به، فما أفاق إلا بعد ما شاء الله.

وبه قال الفضيل لابنه: لو أعنتنا على دهرنا، فأخذ قفةً ومضى إلى السوق ليحمل، فأتاني رجل، فأعلمني، فمضيت فرددته، وقلت: يا بني! لست أريد هذا، أو لم أرد هذا كلَّه.

وبالإسناد عن فضيل: أنهم اشتروا شعيرًا بدينار، وكان الغلاء، فقالت أم علي للفضيل: قورته لكل إنسان قرصين، فكان علي يأخذ واحدًا، ويتصدق بالآخر، حتى كاد أن يصيبه الخَوَاء.

وبه، أن عليًّا كان يحمل على أباعر لأبيه، فنقص الطعام الذي حمله، فحبس عنه الكراء، فأتى الفضيل إليهم، فقال: أتفعلون هذا بعلي، فقد كانت لنا شاة بالكوفة أكلت شيئًا يسيرًا من علف أمير، فما شرب لها لبنًا بعد. قالوا: لم نعلم يا أبا علي أنه ابنك.

حمَّاد بن الحسن: حدثنا عمر بن بشر المكي، عن الفضيل، قال: أهدى لنا ابن المبارك شاة، فكان ابني لا يشرب منها، فقلت له في ذلك، فقال: إنها قد رعت بالعراق.

أنبأني المقداد القيسي، أخبرنا بن الدبيقي، أخبرنا أبو بكر الأنصاري، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا علي ابن محمد المصري، سمعت أبا سعيد الخراز، سمعت إبراهيم بن بشار يقول: الآية التي مات فيها علي بن الفضيل في الأنعام: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} [الأنعام: 27]. مع هذا الموضع مات، وكنت فيمن صلى عليه رحمه الله.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البَنَّاء، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا أبو طاهر المُخَلَّص، أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد، حدثنا محمد بن زنبور المكي، حدثنا فضيل بن عياض، عن الأعمش، عن

ص: 408

أبي سفيان، عن جابر، عن أم مُبَشِّر، قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في نخل لي. فقال: "من غرس هذا النخل، أمسلم أو كافر"؟. فقلت: مسلم. قال: "إنه لا يغرس مسلم غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه إنسان، ولا سبع، ولا طائر، إلا كان له صدقة". أخرجه مسلم

(1)

.

قرأت على إسماعيل بن عَميرة المعدل، أخبركم أبو محمد عبد الله بن أحمد الفقيه سنة عشرة وست مائة، أخبرنا خطيب الموصل، وتجني وشهده، قالوا: أخبرنا طراد بن محمد، وقرأت على محمد بن عبد الوهاب الكاتب، أخبرنا علي بن مختار، أخبرنا أبو طاهر السِّلَفي، أخبرنا نصر بن أحمد، قالا: أخبرنا هلال بن محمد الحفار، أخبرنا الحسين بن يحيى القطان، حدثنا أحمد بن المقْدَام العجلي، حدثنا الفضيل بن عياض، عن هشام، عن الحسن:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56]، قال: تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة، فلما أكلتهم قيل لهم: عودوا، فيعودون كما كانوا.

وبه: حدثنا الفضيل، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7]، قال: يعلم ما تسر في نفسك، ويعلم ما تعمل غدًا.

قال مجاهد بن موسى: مات الفضيل سنة ست وثمانين ومائة.

وقال أبو عبيد، وابن المديني، وابن معين، وابن نمير، والبخاري، وآخرون: مات سنة سبع بمكة. زاد بعضهم: في أول المحرم.

وقال هشام بن عَمَّار: يوم عاشوراء منها.

قلت: وله نيف وثمانون سنة، وهو حجة كبير القدر، ولا عبرة بما نقله أحمد بن أبي خيثمة، سمعت قُطْبة بن العلاء يقول: تركت حديث فضيل بن عياض، لأنه روى أحاديث أزرى على عثمان بن عفان.

قلت: فلا نسمع قول قطبة، ليته اشتغل بحاله، فقد قال البخاري: فيه نظر. وقال النسائي، وغيره: ضعيف. وأيضًا، فالرجل صاحب سنة واتباع.

قال أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا عبد الصمد بن يزيد الصائغ، قال: ذكر عند الفضيل -وأنا أسمع- الصحابة، فقال: اتبعوا فقد كفيتم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم.

قلت: إذا كان مثل كبراء السابقين الأولين قد تكلم فيهم الروافض والخوارج، ومثل الفضيل يتكلم فيه، فمن الذي يسلم من ألسنة الناس، لكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله، لم يضره ما قيل فيه، وإنما الكلام في العلماء مفتقر إلى وزن بالعدل والورع.

وأما قول ابن مهدي: لم يكن بالحافظ، فمعناه: لم يكن في علم الحديث كهؤلاء الحفاظ البحور، كشعبة، ومالك، وسفيان، وحماد، وابن المبارك، ونظرائهم، لكنه ثبت قيم بما نقل، ما أخذ عليه في حديث فيما علمت.

وهل يراد من العلم إلا ما انتهى إليه الفضيل -رحمة الله عليه?

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "1552""8".

ص: 409

‌1287 - فُضَيل بن عِياض الخَوْلاني

(1)

:

روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الحث على العمل، لا يعرف من ذا. رواه: الحارث بن عبد الله الحارثي، عن محمد بن زياد، عن عبد الكريم ابن مالك الجزري، عنه.

‌1288 - فُضَيل بن عياض الصَّدفي

(2)

:

شيخ مصري. روى حديثًا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.

وعنه: حَيْوة بن شُريح، وموسى بن أيوب الغافقي.

قال ابن يونس: مات قبل سنة عشرين ومائة. ذكرتهما تمييزًا.

‌1289 - النعمان

(3)

:

ابن عبد السلام بن حبيب الإمام، مفتي أصبهان، أبو المنذر التيمي -تيم الله بن ثعلبه- الأصبهاني، الفقيه، الزاهد. له مصنفات.

حدث عن: ابن جريج، وأبي حنيفة، ومسعر، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وعدة.

وعنه: ابنه محمد، وعبد الرحمن بن مهدي، وعفان، وسليمان الشاذكوني، ومحمد بن المنهال، وعامر بن إبراهيم، وصالح بن مهران، ومحمد بن المغيرة، وآخرون.

قال أبو نعيم الحافظ: كان أحد العباد الزهاد، زهد في ضياع لملابسته للسلطان، وكان على مذهب الثوري، وجالس أبا حنيفة، إلى أن قال: توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة، رحمه الله.

(1)

ترجمته في ميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6769"، تهذيب التهذيب "8/ 297"، وتقريب التهذيب "2/ 113"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5740".

(2)

ترجمته في ميزان الاعتدال "3/ ترجمة 677"، وتهذيب التهذيب "8/ 297"، وتقريب التهذيب "2/ 113"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5741".

(3)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2251"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 2061"، وحلية الأولياء "10/ ترجمة 661"، وأخبار أصبهان "2/ 328"، والكاشف "3/ ترجمة رقم 5953"، والعبر "1/ 287"، وتهذيب التهذيب "10/ 454"، وتقريب التهذيب "2/ 304"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7531"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 305".

ص: 410

‌1290 - إبراهيم بن أبي يحيى

(1)

: " ق"

هو الشيخ، العالم، المحدث، أحد الأعلام المشاهير، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم، المدني، الفقيه.

ولد في حدود سنة مائة، أو قبل ذلك.

وحدث عن: صالح مولى التَّوْأمة، وابن شهاب، ومحمد بن المنكدر، وموسى بن وردان، وصفوان بن سليم، ويحيى بن سعيد، وخلق كثير.

وصنف "الموطأ"، وهو كبير أضعاف "موطأ الإمام مالك".

حدث عنه جماعة قليلة، منهم: الشافعي، وإبراهيم بن موسى الفرَّاء، والحسن بن عرفة. وقد كان الشافعي -مع حسن رأيه فيه- إذا روى عنه، ربما دلسه، ويقول: أخبرني من لا أتهم، فتجد الشافعي لا يوثقه، وإنما هو عنده ليس بمتهم بالكذب، وقد اعترف الشافعي بأنه كان قدريًّا، ونهى ابن عيينة عن الكتابة عنه.

وقال أبو همام السَّكُوني: سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يشتم بعض السلف.

وقال بِشْر بن عمر: نهاني مالك عن إبراهيم بن أبي يحيى، فقلت: من أجل القدر تنهاني? فقال: ليس هو في حديثه بذاك.

وقال القاضي هارون بن عبد الله الزهري: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: كنا نسمي إبراهيم بن أبي يحيى -ونحن نطلب الحديث- خرافة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1013"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 23 و 55"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 390"، المجروحين لابن حبان "1/ 105"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 233"، ميزان الاعتدال "1/ ترجمة 189"، العبر "1/ 288"، وتهذيب التهذيب "1/ 158"، تقريب التهذيب "1/ 42".

ص: 411

وقال سفيان بن عبد الملك: سألت ابن المبارك: لم تركت حديث إبراهيم بن أبي يحيى? قال: كان مجاهرًا بالقدر، وكان صاحب تدليس.

إبراهيم بن محمد بن عرعرة: سمعت يحيى القطان يقول: سألت مالكًا عن إبراهيم بن أبي يحيى: أثقة في الحديث? قال: لا، ولا في دينه.

وقال أحمد بن حنبل عن المُعَيطي، عن يحيى بن سعيد، قال: كنا نتهمه بالكذب -يعني: ابن أبي يحيى- ثم قال أحمد: قدري جهمي، كل بلاء فيه، تركوا حديثه، وأبوه ثقة.

وروى عباس، عن ابن معين، قال: هو رافضي، قدري. وقال مرةً: كذاب. وقال أبو داود نحو ذلك.

وقال البخاري: قدري، جهمي، تركه ابن المبارك والناس.

وقال مؤمل بن إسماعيل: سمعت يحيى القطان يقول: أشهد على إبراهيم بن أبي يحيى أنه يكذب.

وقال محمد بن عبد الله بن البَرْقي: كان يرى، أو قال: يرمى بالقدر، والتشيع، والكذب.

وقال النسائي، وغيره: متروك الحديث.

وقال العُقَيلي: حدثنا محمد بن أحمد بن النضر، حدثنا أبو بكر بن عفان، قال: خرج علينا ابن عيينة، فقال: ألا فاحذروا ابن أبي رواد المرجئ، لا تجالسوه، واحذروا إبراهيم بن أبي يحيى، لا تجالسوه.

قال أبو محمد الدارمي: سمعت يزيد بن هارون يكذب زياد بن ميمون، وإبراهيم بن أبي يحيى، وخالد بن محدوج.

قال ابن حبان: اسم جده أبي يحيى: سمعان. كان مالك وابن المبارك ينهيان عنه، وتركه القطان، وابن مهدي، إلى أن قال ابن حبان: وكان يكذب في الحديث.

حجاج الأعور عن ابن جريج، عن إبراهيم بن أبي عطاء، عن موسى بن وَرْدَان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مات مريضًا، مات شهيدًا، ووقي فتان القبر، وغدي عليه وريح برزقه من الجنة"

(1)

.

(1)

ضعيف جدا: أخرجه ابن حبان في "المجروحين""1/ 106"، وابن ماجه "1615" وآفته إبراهيم بن أبي يحيى، فإنه متروك.

ص: 412

وقال سفيان بن عبد الملك: سألت ابن المبارك: لم تركت حديث إبراهيم بن أبي يحيى? قال: كان مجاهرًا بالقدر، وكان صاحب تدليس.

إبراهيم بن محمد بن عرعرة: سمعت يحيى القطان يقول: سألت مالكًا عن إبراهيم بن أبي يحيى: أثقة في الحديث? قال: لا، ولا في دينه.

وقال أحمد بن حنبل عن المُعَيطي، عن يحيى بن سعيد، قال: كنا نتهمه بالكذب -يعني: ابن أبي يحيى- ثم قال أحمد: قدري جهمي، كل بلاء فيه، تركوا حديثه، وأبوه ثقة.

وروى عباس، عن ابن معين، قال: هو رافضي، قدري. وقال مرةً: كذاب. وقال أبو داود نحو ذلك.

وقال البخاري: قدري، جهمي، تركه ابن المبارك والناس.

وقال مؤمل بن إسماعيل: سمعت يحيى القطان يقول: أشهد على إبراهيم بن أبي يحيى أنه يكذب.

وقال محمد بن عبد الله بن البَرْقي: كان يرى، أو قال: يرمى بالقدر، والتشيع، والكذب.

وقال النسائي، وغيره: متروك الحديث.

وقال العُقَيلي: حدثنا محمد بن أحمد بن النضر، حدثنا أبو بكر بن عفان، قال: خرج علينا ابن عيينة، فقال: ألا فاحذروا ابن أبي رواد المرجئ، لا تجالسوه، واحذروا إبراهيم بن أبي يحيى، لا تجالسوه.

قال أبو محمد الدارمي: سمعت يزيد بن هارون يكذب زياد بن ميمون، وإبراهيم بن أبي يحيى، وخالد بن محدوج.

قال ابن حبان: اسم جده أبي يحيى: سمعان. كان مالك وابن المبارك ينهيان عنه، وتركه القطان، وابن مهدي، إلى أن قال ابن حبان: وكان يكذب في الحديث.

حجاج الأعور عن ابن جريج، عن إبراهيم بن أبي عطاء، عن موسى بن وَرْدَان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مات مريضًا، مات شهيدًا، ووقي فتان القبر، وغدي عليه وريح برزقه من الجنة"

(1)

.

(1)

ضعيف جدا: أخرجه ابن حبان في "المجروحين""1/ 106"، وابن ماجه "1615" وآفته إبراهيم بن أبي يحيى، فإنه متروك.

ص: 413

‌1291 - سفيان بن عيينة

(1)

: " ع"

ابن أبي عمران ميمون مولى محمد بن مزاحم، أخي الضحاك بن مزاحم، الإمام الكبير، حافظ العصر، شيخ الإسلام، أبو محمد الهلالي، الكوفي، ثم المكي.

مولده: بالكوفة، في سنة سبع ومائة.

وطلب الحديث وهو حدث، بل غلام، ولقي الكبار، وحمل عنهم علمًا جمًّا، وأتقن، وجود، وجمع، وصنف، وعمر دهرًا، وازدحم الخلق عليه، وانتهى إليه علو الإسناد، ورحل إليه من البلاد، وألحق الأحفاد بالأجداد.

سمع في سنة تسع عشرة ومائة، وسنة عشرين، وبعد ذلك، فسمع من: عمرو بن دينار -وأكثر عنه- ومن: زياد بن عِلاقة، والأسود بن قيس، وعبيد الله بن أبي يزيد، وابن شهاب الزهري، وعاصم بن أبي النجود، وأبي إسحاق السبيعي، وعبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم، وعبد الملك بن عُمير، ومحمد بن المنكدر، وأبي الزبير، وحصين بن عبد الرحمن، وسالم أبي النضر، وشبيب بن غَرْقدة، وعبدة بن أبي لبابة، وعلي بن زيد بن جدعان، وعبد الكريم الجزري، وعطاء بن السائب، وأيوب السَّختياني، والعلاء بن عبد الرحمن، وقاسم الرجال، ومنصور بن المعتمر، ومنصور بن صفية الحجبي، ويزيد بن أبي زياد، وهشام بن عروة، وحميد الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبي يَعْفور العبدي، وابن عجلان، وابن أبي ليلى، وسليمان الأعمش، وموسى بن عقبة، وسهيل بن أبي صالح، وعبد الله بن أبي نَجِيح، وعبد الرحمن بن القاسم، وأمية بن صفوان الجُمَحي، وجامع بن أبي راشد، وحكيم بن جبير، وسعد بن إبراهيم قاضي المدينة، وصالح مولى التوأمة -وقال: سمعت منه ولعابه يسيل- وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وأبي الزناد عبد الله بن ذكوان، وعبد العزيز بن رفيع، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وإسماعيل بن محمد بن سعد، وأيوب بن موسى، وبُرْد بن سنان، وبكر بن وائل، وبيان بن بشر، وسالم بن أبي حفصة، وأبي حازم الأعرج، وسُمَّي مولى أبي صالح، وصدقة بن يسار، وصفوان بن سليم، وعاصم بن

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 497"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2082"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 185"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 973"، وحلية الأولياء "7/ ترجمة رقم 390"، وتاريخ بغداد "9/ 174"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 267"، والكاشف "1/ ترجمة 2021"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 249"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3327"، جامع التحصيل للعلائي "ترجمة 250"، وتهذيب التهذيب "4/ 117"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2590".

ص: 414

كليب الجَرْمي، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وعبد الله بن طاوس، وعبد الله بن عثمان بن خُثَيم، ومحمد بن جحادة، ومحمد بن السائب بن بركة، ويزيد بن يزيد بن جابر الدمشقي، ويونس بن عبيد، وسفيان، وشعبة، وزياد بن سعد، وزائدة بن قُدامة، وخلق كثير. وتفرد بالرواية عن خلق من الكبار.

حدث عنه: الأعمش، وابن جريج، وشعبة -وهؤلاء من شيوخه- وهمام بن يحيى، والحسن بن حي، وزهير بن معاوية، وحماد بن زيد، وإبراهيم بن سعد، وأبو إسحاق الفزاري، ومعتمر بن سليمان، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، والشافعي، وعبد الرزاق، والحميدي، وسعيد بن منصور، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وإبراهيم بن بَشَّار الرمادي، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وإسحاق بن راهويه، وأبو جعفر النُّفَيلي، وأبو كَرَيب، ومحمد بن المثنى، وعمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العَدَني، وعمرو بن محمد الناقد، وأحمد بن منيع، وإسحاق بن منصور الكَوْسَج، وزهير بن حرب، ويونس بن عبد الأعلى، والحسن بن محمد الزعفراني، والحسن بن الصباح البزار، وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم، ومحمد بن عاصم الثقفي، وعلي بن حرب، وسعدان بن نصر، وزكريا بن يحيى المروزي، وبشر بن مطر الزبير بن بكار، وأحمد بن شيبان الرملي، ومحمد بن عيسى بن حبان المدائني، وأمم سواهم، خاتمهم في الدنيا: شيخ مكي، يقال له: أبو نصر اليسع بن زيد الزينبي، عاش إلى سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وما هو بالقوي.

ولقد كان خلق من طلبة الحديث يتكلفون الحج، وما المحرك لهم سوى لقي سفيان بن عيينة؛ لإمامته وعلو إسناده.

وجاور عنده غير واحد من الحفاظ.

ومن كبار أصحابه المكثرين عنه: الحميدي، والشافعي، وابن المديني، وأحمد، وإبراهيم الرَّمادي.

قال الإمام الشافعي: لولا مالك وسفيان بن عيينة، لذهب علم الحجاز.

وعنه قال: وجدت أحاديث الأحكام كلها عند ابن عيينة، سوى ستة أحاديث، ووجدتها كلها عند مالك سوى ثلاثين حديثًا.

فهذا يوضح لك سعة دائرة سفيان في العلم، وذلك لأنه ضم أحاديث العراقيين إلى أحاديث الحجازيين.

ص: 415

وارتحل، ولقي خلقًا كثيرًا ما لقيهم مالك، وهما نظيران في الإتقان، ولكن مالكًا أجل وأعلى، فعنده نافع، وسعيد المقبري.

قال عبد الرحمن بن مهدي: كان ابن عيينة من أعلم الناس بحديث الحجاز.

وقال أبو عيسى الترمذي: سمعت محمدًا -يعني: البخاري- يقول: ابن عيينة أحفظ من حماد بن زيد.

قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت أحدًا فيه من آلة العلم ما في سفيان بن عيينة، وما رأيت أكف عن الفتيا منه، قال: وما رأيت أحدًا أحسن تفسيرًا للحديث منه.

قال عبد الله بن وهب: لا أعلم أحدًا أعلم بتفسير القرآن من ابن عيينة، وقال: أحمد بن حنبل أعلم بالسنن من سفيان.

قال وكيع: كتبنا عن ابن عيينة أيام الأعمش.

قال علي ابن المديني: ما في أصحاب الزهري أحد أتقن من سفيان بن عيينة.

قال ابن عيينة: حج بي أبي، وعطاء بن أبي رباح حي.

وقال أحمد بن عبد الله العِجلي: كان ابن عيينة ثبتًا في الحديث، وكان حديثه نحوًا من سبعة آلاف، ولم تكن له كتب.

قال بَهْز بن أسد: ما رأيت مثل سفيان بن عيينة. فقيل له: ولا شعبة? قال: ولا شعبة.

قال يحيى بن معين: هو أثبت الناس في عمرو بن دينار.

وقال ابن مهدي: عند ابن عيينة من معرفته بالقرآن وتفسير الحديث، ما لم يكن عند سفيان الثوري.

أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا إسماعيل بن عبد الجبار، أخبرنا أبو يعلى الخليلي، سمعت علي بن أحمد بن صالح المقرئ، سمعت الحسن بن علي الطوسي، سمعت محمد بن إسماعيل السُّلَمي، سمعت البويطي، سمعت الشافعي يقول: أصول الأحكام نيف وخمسمائة حديث، كلها عند مالك، إلا ثلاثين حديثًا، وكلها عند ابن عيينة، إلا ستة أحاديث.

رواته ثقات.

القاضي أبو العلاء الواسطي: مما سمعته منه، الخطيب، أنبأنا عبد الله بن موسى

ص: 416

السلامي، سمعت عمار بن علي اللوري، سمعت أحمد بن النضر الهلالي، سمعت أبي يقول: كنت في مجلس سفيان بن عيينة، فنظر إلى صبي، فكأن أهل المسجد تهاونوا به لصغره، فقال سفيان:{كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء: 94]، ثم قال: يا نضر، لو رأيتني ولي عشر سنين، طولي خمسة أشبار، ووجهي كالدينار، وأنا كشعلة نار، ثيابي صغار، وأكمامي قصار، وذيلي بمقدار، ونعلي كآذان الفار، أختلف إلى علماء الأمصار، كالزهري، وعمرو بن دينار، أجلس بينهم كالمسمار، محبرتي كالجوزة، ومقلمتي كالموزة، وقلمي كاللوزة، فإذا أتيت، قالوا: أوسعوا للشيخ الصغير، ثم ضحك.

في صحة هذا نظر، وإنما سمع من المذكورين وهو ابن خمس عشرة سنة أو أكثر.

قال أحمد بن حنبل: دخل سفيان بن عيينة على معن بن زائدة -يعني: أمير اليمن- ولم يكن سفيان تلطخ بعد بشيء من أمر السلطان، فجعل يعظه.

قال علي بن حرب الطائي: سمعت أبي يقول: أحب أن تكون لي جارية في غُنْج سفيان بن عيينة إذا حدث.

قال رباح بن خالد الكوفي: سألت ابن عيينة، فقلت: يا أبا محمد، إن أبا معاوية يحدث عنك بشيء ليس تحفظه اليوم، وكذلك وكيع. فقال: صدقهم، فإني كنت قبل اليوم أحفظ مني اليوم.

قال محمد بن المثنى العَنَزي: سمعت ابن عيينة يقول ذلك لرباح في سنة إحدى وتسعين ومائة.

قال حامد بن يحيى البلخي: سمعت ابن عيينة يقول: رأيت كأن أسناني سقطت، فذكرت ذلك للزهري، فقال: تموت أسنانك، وتبقى أنت. قال: فمات أسناني وبقيت أنا، فجعل الله كل عدو لي محدثًا.

قلت: قال هذا من شدة ما كان يلقى من ازدحام أصحاب الحديث عليه حتى يبرموه.

قال غياث بن جعفر: سمعت ابن عيينة يقول: أول من أسندني إلى الأسطوانة: مِسْعَر بن كدام، فقلت له: إني حدث. قال: إن عندك الزهري، وعمرو بن دينار.

قال أبو محمد الرامَهرمزي: حدثنا موسى بن زكريا، حدثنا زياد بن عبد الله بن خُزاعي، سمعت سفيان بن عيينة يقول: كان أبي صيرفيًا بالكوفة، فركبه دين، فحملنا إلى مكة، فصرت إلى المسجد، فإذا عمرو بن دينار، فحدثني بثمانية أحاديث، فأمسكت له حماره حتى صلى وخرج، فعرضت الأحاديث عليه، فقال: بارك الله فيك.

ص: 417

وروى أبو مسلم المستملي: قال ابن عيينة: سمعت من عمرو ما لبث نوح في قومه -يعني: تسعمائة وخمسين سنة.

قال مجاهد بن موسى: سمعت ابن عيينة يقول: ما كتبت شيئًا إلا حفظته قبل أن أكتبه.

قال ابن المبارك: سئل سفيان الثوري عن سفيان بن عيينة، فقال: ذاك أحد الأحدين، ما أغربه.

وقال ابن المديني: قال لي يحيى القطان: ما بقي من معلمي أحد غير سفيان بن عيينة، وهو إمام منذ أربعين سنة.

وقال علي: سمعت بشر بن المفضل يقول: ما بقي على وجه الأرض أحد يشبه ابن عيينة.

وحكى حرملة بن يحيى أن ابن عيينة قال له -وأراه خبز شعير: هذا طعامي منذ ستين سنة.

الحميدي سمع سفيان يقول: لا تدخل هذه المحابر بيت رجل، إلا أشقى أهله وولده.

وقال سفيان مرة لرجل: ما حرفتك? قال: طلب الحديث. قال: بشر أهلك بالإفلاس.

وروى علي بن الجعد، عن ابن عيينة، قال: من زيد في عقله، نقص من رزقه.

ونقل سُنَيْد بن داود، عن ابن عيينة، قال: من كانت معصيته في الشهوة، فارج له، ومن كانت معصيته في الكبر، فاخش عليه، فإن آدم عصى مشتهيًا، فغفر له، وإبليس متكبرًا، فلعن.

ومن كلام ابن عيينة قال: الزهد: الصبر، وارتقاب الموت.

وقال: العلم إذا لم ينفعك، ضرك.

قال عثمان بن زائدة: قلت لسفيان الثوري: ممن نسمع? قال: عليك بابن عيينة، وزائدة.

قال نعيم بن حماد: ما رأيت أحدًا أجمع لمتفرق من سفيان بن عيينة.

وقال علي بن نصير الجَهْضَمي: حدثنا شعبة بن الحجاج، قال: رأيت ابن عيينة غلامًا، معه ألواح طويلة عند عمرو بن دينار، وفي أذنه قرط، أو قال: شَنْف

(1)

.

(1)

الشَّنْفُ: من حُلي الأذن، وجمعه شُنوف، وقيل هو ما يُعلَّق في أعلاها.

ص: 418

وقال ابن المديني: سمعت ابن عيينة يقول: جالست عبد الكريم الجزري سنتين، وكان يقول لأهل بلده: انظروا إلى هذا الغلام يسألني وأنتم لا تسألوني.

قال ذؤيب بن عمامة السهمي: سمعت ابن عيينة يقول: سمعت من صالح مولى التوأمة هكذا وهكذا وأشار بيديه -يعني: كثرة- سمعت منه ولعابه يسيل. فقال عبد الرحمن بن حاتم: فلا نعلمه روى عنه شيئًا، كان منتقدًا للرواة.

قال علي: سمعت سفيان يقول: عمرو بن دينار أكبر من الزهري، سمع من جابر، وما سمع الزهري منه.

قال أحمد بن سلمة النيسابوري: حدثنا سليمان بن مطر، قال: كنا على باب سفيان بن عيينة، فاستأذنا عليه، فلم يأذن لنا. فقلنا: ادخلوا حتى نهجم عليه. قال: فكسرنا بابه، ودخلنا وهو جالس، فنظر إلينا، فقال: سبحان الله! دخلتم داري بغير إذني، وقد حدثنا الزهري عن سهل بن سعد: أن رجلا اطلع في جحر من باب النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مِدْرَى به يحك رأسه، فقال:"لو علمت أنك تنظرني، لطعنت بها في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر"

(1)

.

قال: فقلنا له: ندمنا يا أبا محمد. فقال: ندمتم? حدثنا عبد الكريم الجزري، عن زياد، عن عبد الله بن معقل، عن عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الندم توبة"

(2)

، اخرجوا، فقد أخدتم رأس مال ابن عيينة.

سليمان هذا: هو أخو قتادة بن مطر، صدوق -إن شاء الله. وزياد المذكور في الحديث: هو ابن أبي مريم.

قال محمد بن سوف الفريابي: كنت أمشي مع ابن عيينة، فقال لي: يا محمد، ما يزهدني فيك إلا طلب الحديث. قلت: فأنت يا أبا محمد، أي شيء كنت تعمل إلا طلب الحديث? فقال: كنت إذ ذاك صبيًّا لا أعقل.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "6901"، ومسلم "2156"، والحميدي "924" من طريق سفيان، عن الزهري، به.

(2)

صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "9/ 361"، والحميدي "105"، وأحمد "1/ 376 و 433" والبخاري في "التاريخ الكبير""2/ 1/ 374"، وابن ماجه "4252"، والحاكم "4/ 243"، والبيهقي في "شعب الإيمان""7029"، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق""1/ 248 - 249" من طريق عن سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم الجزري، به.

ص: 419

قلت: إذا كان مثل هذا الإمام يقول هذه المقالة في زمن التابعين، أو بعدهم بيسير، وطلب الحديث مضبوط بالاتفاق، والأخذ عن الأثبات الأئمة، فكيف لو رأى سفيان رحمه الله طلبة الحديث في وقتنا، وما هم عليه من الهنات والتخبيط، والأخذ عن جهلة بني آدم، وتسميع ابن شهر.

أما الخيام فإنها كخيامهم

وأرى نساء الحي غير نسائها

قال عبد الرحمن بن يونس: حدثنا ابن عيينة، قال: أول من جالست عبد الكريم أبو أمية، وأنا ابن خمس عشرة سنة. قال: وقرأت القرآن وأنا ابن أربع عشرة سنة.

قال يحيى بن آدم: ما رأيت أحدًا يختبر الحديث إلا ويخطئ، إلا سفيان بن عيينة.

قال أحمد بن زهير: حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي، حدثنا سفيان، قال: قال حماد بن أبي سليمان -ولم أسمعه منه: إذا قال لامرأته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، بانت بالأولى، وبطلت الثنتان.

قال سفيان: رأيت حمَّادًا قد جاء إلى طبيب على فرس.

قال أبو حاتم الرازي: سفيان بن عيينة، إمام، ثقة، كان أعلم بحديث عمرو بن دينار من شعبة. قال: وأثبت أصحاب الزهري هو ومالك.

وقال عبد الرزاق: ما رأيت بعد ابن جريج مثل ابن عيينة في حسن المنطق.

وروى إسحاق الكوسج، عن يحيى: ثقة.

وعن ابن عيينة قال: الورع طلب العلم الذي به يعرف الورع.

روى سليمان بن أيوب سمعت سفيان بن عيينة يقول: شهدت ثمانين موقفًا.

ويروى أن سفيان كان يقول في كل موقف: اللهم لا تجعله آخر العهد منك، فلما كان العام الذي مات فيه، لم يقل شيئًا، وقال: قد استحييت من الله -تعالى.

وقد كان لسفيان عدة إخوة، منهم: عمران بن عيينة، وإبراهيم بن عيينة، وآدم بن عيينة، ومحمد بن عيينة، فهؤلاء قد رووا الحديث.

وقد كان سفيان مشهورًا بالتدليس، عمد إلى أحاديث رفعت إليه من حديث الزهري، فيحذف اسم من حدثه ويدلسها، إلا أنه لا يدلس إلا عن ثقة عنده.

فأما ما بلغنا عن يحيى بن سعيد القطان، أنه قال: اشهدوا أن ابن عيينة اختلط سنة سبع

ص: 420

وتسعين ومائة، فهذا منكر من القول، ولا يصح، ولا هو بمستقيم، فإن يحيى القطان مات في صفر، سنة ثمان وتسعين، مع قدوم الوفد من الحج، فمن الذي أخبره باختلاط سفيان، ومتى لحق أن يقول هذا القول، وقد بلغت التراقي?

وسفيان حجة مطلقًا، وحديثه في جميع دواوين الإسلام، ووقع لي كثير من عواليه، بل وعند عبد الرحمن سبط الحافظ السلفي من عواليه جملة صالحة، منها "جزء ابن عيينة"، رواية المروزي عنه، وفي "جزء علي ابن حرب"، رواية العبادان، وجزآن لعلي بن حرب، رواية نافلته أبي جعفر محمد بن يحيى بن عمر الطائي، وفي "الثقفيات"، وغير ذلك. وقد جمع عوالي ابن عيينة: أبو عبد الله بن مندة، وأبو عبد الله الحاكم، وبعدهما أبو إسحاق الحبال.

وكان سفيان رحمه الله صاحب سنة واتباع.

قال الحافظ بن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الفضل بن موسى، حدثنا محمد بن منصور الجواز، قال: رأيت سفيان بن عينة سأله رجل: ما تقول في القرآن? قال: كلام الله، منه خرج، وإليه يعود.

وقال محمد بن إسحاق الصاغاني: حدثنا لُوَين، قال: قيل لابن عيينة: هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية? قال: حق على ما سمعناها ممن نثق به ونرضاه.

وقال أحمد بن إبراهيم الدَّورقي: حدثني أحمد بن نصر، قال: سألت ابن عيينة، وجعلت ألح عليه، فقال: دعني أتنفس. فقلت: كيف حديث عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحمل السماوات على إصبع"

(1)

.

وحديث: "إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن"

(2)

.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "4811"، ومسلم "2786"، والترمذي "3238"، من طريق عبيدة السلماني، عبد الله بن مسعود قال: جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أويا أبا القاسم إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن: فيقول أنا الملك أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال الحبر تصديقا له. ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]، واللفظ لمسلم.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "2254" من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا وتمامه: "إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفها حيث شاء" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك".

ص: 421

وحديث: "إن الله يعجب -أو يضحك- ممن يذكره في الأسواق"

(1)

. فقال سفيان: هي كما جاءت، نقر بها، ونحدث بها بلا كيف

(2)

.

أبو عمر بن حيويه: حدثنا أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عمار، حدثنا عمر بن شبة، حدثني عبيد بن جناد، سمعت ابن عيينة، وسألوه أن يحدث، فقال: ما أراكم للحديث موضعًا، ولا أراني أن يؤخذ عني أهلا، وما مثلي ومثلكم إلا ما قال الأول: افتضحوا، فاصطلحوا.

قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت ابن عيينة يقول: من عمل بما يعلم، كفي ما لم يعلم.

وعن سفيان بن عيينة، قال: من رأى أنه خير من غيره، فقد استكبر، ثم ذكر إبليس.

وقال أحمد بن أبي الحواري: قلت لسفيان بن عيينة: ما الزهد في الدنيا? قال: إذا أنعم عليه، فشكر، وإذا ابتلي، ببلية فصبر، فذلك الزهد.

قال علي ابن المديني: كان سفيان إذا سئل عن شيء، يقول: لا أحسن. فنقول: من نسأل? فيقول: سل العلماء، وسل الله التوفيق.

قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: سمعت ابن عيينة يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.

(1)

لم يرد بهذا اللفظ في شيء من كتب السنة المشرفة ودواوينها، لكن قد ورد في صفة التعجب عن علي بن أبي طالب مرفوعا بلفظ:"إن ربك ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي، قال: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري". أخرجه أحمد "1/ 97 و 115 و 128"، والطيالسي "132"، وأبو داود "2602"، والترمذي "3446"، والحاكم "2/ 99"، والبيهقي في "الأسماء والصفات""ص 471" من طريق أبي إسحاق عن علي بن ربيعة، عن علي بن أبي طالب، به مرفوعا.

وفي صفه الضحك ورد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة". فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: "يقاتل هذا في سبيل الله عز وجل فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم. فيقاتل في سبيل الله عز وجل فيستشهد".

أخرجه أحمد "2/ 464"، ومسلم "1890"، واللفظ له، وابن ماجه "191"، وابن خزيمة في "التوحيد""ص 234"، والآجري في "الشريعة""ص 278" من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به.

(2)

مذهب السلف الصالح الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله من غير تحريف أو تأويل، أو تمثيل وتكييف.

ص: 422

الطبراني: حدثنا بشر بن موسى، حدثنا الحميدي: قيل لسفيان ابن عيينة: إن بشرًا المريسي يقول: إن الله لا يرى يوم القيامة. فقال: قاتل الله الدويبة، ألم تسمع إلى قوله تعالى:{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]، فإذا احتجب عن الأولياء والأعداء، فأي فضل للأولياء على الأعداء.

وقال أبو العباس السراج في "تاريخه": حدثنا عباس بن أبي طالب، حدثنا أبو بكر عبد الرحمن بن عفان، سمعت ابن عيينة في السنة التي أخذوا فيها بشرًا المريسي بمنى، فقام سفيان في المجلس مغضبًا، فقال: لقد تكلموا في القدر والاعتزال، وأمرنا باجتناب القوم، رأينا علماءنا، هذا عمرو بن دينار، وهذا محمد بن المنكدر -حتى ذكر أيوب بن موسى والأعمش ومسعرًا- ما يعرفونه إلا كلام الله، ولا نعرفه إلا كلام الله، فمن قال غير ذا، فعليه لعنة الله مرتين، فما أشبه هذا بكلام النصارى، فلا تجالسوهم.

قال المسيَّب بن واضح: سئل ابن عيينة عن الزهد، قال: الزهد فيما حرم الله، فأما ما أحل الله، فقد أباحكه الله، فإن النبيين قد نكحوا، وركبوا، ولبسوا، وأكلوا، لكن الله نهاهم عن شيء، فانتهوا عنه، وكانوا به زهادًا.

وعن ابن عيينة، قال: إنما كان عيسى ابن مريم لا يريد النساء، لأنه لم يخلق من نطفة.

قال أحمد بن حنبل: حدثنا سفيان، قال: لم يكن أحد فيما نعلم، أشد تشبهًا بعيسى ابن مريم من أبي ذر.

وروى علي بن حرب: سمعت سفيان بن عيينة في قوله: {وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69]، قال: الصالحون: هم أصحاب الحديث.

وروى أحمد بن زيد بن هارون، حدثنا إبراهيم بن المنذر، سمعت ابن عيينة يقول: أنا أحق بالبكاء من الحطيئة، هو يبكي على الشعر، وأنا أبكي على الحديث.

قال شيخ الإسلام عقيب هذا: أراه قال هذا حين حصر في البيت عن الحديث، لأنه اختلط قبل موته بسنة.

قلت: هذا لا نسلمه، فأين إسنادك به?

أخبرنا أحمد بن سلامة الحداد في كتابه، أنبأنا مسعود الجمال، وجماعة، قالوا: أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا محمد بن عاصم الثقفي، سمعت سفيان بن عيينة سنة سبع وتسعين يقول: عاصم، عن زر، قال: أتيت

ص: 423

صفوان بن عسال، فقال: ما جاء بك? قلت: جئت ابتغاء العلم، قال: فإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم، رضى لما يطلب. قلت: حك في نفسي -أو صدري- مسح على الخفين بعد الغائط والبول، فهل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا? قال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفرًا، أو مسافرين، أن ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، لكن من غائط، أو بول، أو نوم.

قلت: هل سمعته يذكر الهوى? قال: نعم، بينا نحن معه صلى الله عليه وسلم في مسير، إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري، فقال: يا محمد! فأجابه على نحو من كلامه: هاؤم. قال: أرأيت رجلا أحب قومًا، ولما يلحق بهم? قال:"المرء مع من أحب". ثم أنشأ يحدثنا: أن من قبل المغرب بابًا يفتح الله للتوبة مسيرة عرضه أربعون سنة، فلا يزال مفتوحًا حتى تطلع الشمس من قبله، وذلك قوله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158] الآية

(1)

.

وبه، قال ابن عاصم: سمعت من ابن عيينة، وأنا محرم لبعض النساء، ومن حج بعدي لم يره، مات: سنة ثمان وتسعين ومائة.

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بمصر، أخبرنا أبو المحاسن محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدينوري ببغداد، أخبرنا عمي محمد بن عبد العزيز في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا أبو عمر بن مهدي، حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي إملاء، حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، حدثنا ابن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة، دخلها من أعلاها، وخرج من أسفلها

(2)

. أخرجه: الشيخان، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

أخبرنا أحمد بن إسحاق المصري، أخبرنا أحمد بن يوسف، والفتح بن عبد السلام، قالا: أخبرنا محمد بن عمر القاضي، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد البزاز، أخبرنا علي بن السكري، أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي سنة ثلاث وثلاثمائة، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا ابن عيينة، عن حميد الأعرج، عن سليمان بن عتيق، عن جابر بن عبد

(1)

حسن: أخرجه الترمذي "3536" من طريق حماد بن زيد، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال المرادي، به في حديث طويل. وقال الترمذي: حسن صحيح.

قلت: إسناده حسن، عاصم، هو ابن أبي النجود، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "1577"، ومسلم "1258"، وأبو داود "1868" و"1869"، والترمذي "853".

ص: 424

الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح ونهى عن بيع السنين

(1)

. أخرجه: أبو داود، عن يحيى.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر سنة ثماني عشرة وستمائة، أخبرنا سعيد بن أحمد بن البَنَّاء، أخبرنا علي بن أحمد البُنْدار، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا

(2)

.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران بنابلس، أخبرنا الشيخ موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي في سنة خمس عشرة وستمائة، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، وكتب إليَّ عبد الرحمن بن محمد الفقيه، وجماعة: أن القاضي أبا القاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري، أخبرهم في سنة عشر وستمائة قال: أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد، قالا: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الأنباري، حدثنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أبي مسلم الفرضي، حدثنا أبو بكر يوسف بن يعقوب الكاتب، حدثنا بشر بن مطر، حدثنا سفيان، عن

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "3/ 309"، ومسلم "1554""17"، وأبو داود "3374"، والنسائي "7/ 265"، وابن الجارود "640"، والدارقطني "3/ 31"، والحاكم "2/ 40 - 41"، والبيهقي "5/ 306"، والبغوي "2083" من طرق عن سفيان بن عيينة، عن حميد الأعرج، به.

وقوله: "الجوائح": هي الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها، يقال جاحهم الدهر يجوحهم وأجاحهم الزمان: إذا أصابهم بمكروه عظيم.

(2)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 619 - 620"، والشافعي في "المسند""2/ 150"، وعبد الرزاق "14486"، وأحمد "5/ 182 و 186 - 187 و 188 و 190"، والبخاري "2188" و"2380" ومسلم "1539"، والنسائي "7/ 267"، وابن ماجه "2269"، والطحاوي "4/ 29"، والطبراني في "الكبير""4764" و"4765" و"4766" و"4777" و"4769 - 4773"، والبيهقي "5/ 309 و 310" من طرق عن نافع، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت، به.

وقوله: "العرايا": واحدتها عرية، وهي النخلة يُعريها صاحبها رجلا محتاجا، والإعراء أن يجعل له ثمرة عامها، يقول: فرخص لرب النخل أن يبتاع من المُعْرَى تلك النخلة بتمر لموضع حاجته.

وقال البغوي في "شرح السنة""8/ 87": العرية: أن يبيع ثمر نخلات معلومة بعد بُدُوِّ الصلاح فيها خرصًا بالتمر الموضوع على وجه الأرض كيلا استثناها الشرع من المزابنة بالجواز كما استثنى السلم بالجواز على بيع ما ليس عنده، سميت عرية، لأنها عريت من جملة التحريم، أي خرجت، "فعيلة" بمعنى "فاعلة"، وقيل: لأنها عريت من جملة الحائط بالخرص والبيع، فعريت عنها، أي: خرجت، وقيل غير ذلك.

ص: 425

ابن أبي نَجيح، عن إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد في قوله عز وجل:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148]، قال: ذلك في الضيافة، إذا أتيت رجلا، فلم يضفك، فقد رخص لك أن تقول.

قال ابن داود في كتاب "الشريعة": حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، حدثنا ابن أبي بزة، سمعت سفيان بن عيينة يقول: لو صليت خلف من يقرأ بقراءة حمزة، لأعدت. وثبت مثل هذا عن ابن مهدي، وعن حماد بن زيد نحوه.

وقال محمد بن عبد الله الحويطبي: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: قراءة حمزة بدعة.

قلت: مرادهم بذلك ما كان من قبيل الأداء، كالسكت، والإضجاع في نحو: شاء، وجاء، وتغيير الهمز، لا ما في قراءته من الحروف، هذا الذي يظهر لي، فإن الرجل حجة، ثقة فيما ينقل.

قال محمود بن والان: سمعت عبد الرحمن بن بشر، سمعت ابن عيينة يقول: غضب الله الداء الذي لا دواء له، ومن استغنى بالله، أحوج الله إليه الناس.

قال الحسين بن محمد القبَّاني: حدثني عبد الرحمن بن بشر، قال: سمعت ابن عيينة عشية السبت، نصف شعبان، سنة ست وتسعين ومائة يقول: كمل لي في هذا اليوم تسع وثمانون سنة، ولدت للنصف من شعبان، سنة سبع ومائة.

قلت: عاش إحدى وتسعين سنة.

في "فاصل" الرامَهرمزي، قال محمد بن الصَّبَّاح الجرداني: قال الخُطَيم في ابن عيينة:

سيري نجاء وقاك الله من عطب

حتى تلاقي بعد البيت سفيانا

شيخ الأنام ومن حلت مناقبه

لاقى الرجال وحاز العلم أزمانا

حوى بيانًا وفهمًا عاليًا عجبا

إذا ينص حديثًا نص برهانا

ترى الكهول جميعًا عند مشهده

مستنصتين وشيخانًا وشبانا

يضم عمرًا إلى الزهري يسنده

وبعد عمرو إلى الزهري صفوانا

وعبدة وعبيد الله ضمهما

وابن السبيعي أيضًا وابن جدعانا

فعنهم عن رسول الله يوسعنا

علمًا وحكمًا وتأويلا وتبيانا

وقال الرياشي: قال الأصمعي يرثي ابن عيينة:

ص: 426

ليبك سفيان باغي سنة درست

ومستبين أثارات وآثار

ومبتغي قرب إسناد وموعظة

وواقفيون من طار ومن ساري

أمست منازله وحشًا معطلة

من قاطنين وحجاج وعمار

من الحديث عن الزهري يسنده

وللأحاديث عن عمرو بن دينار

ما قام من بعده من قال حدثنا

الزهري في أهل بدو أو بإحضار

وقد أراه قريبًا من ثلاث منى

قد خف مجلسه من كل أقطار

بنو المحابر والأقلام مرهفة

وسماسمات فراها كل نجار

ص: 427

‌1292 - إبراهيم بن عيينة

(1)

:

أبو إسحاق، محدث، إمام خير. ولد: نحو سنة عشرين ومائة.

وسمع: أبا حيان التيمي، وطلحة بن يحيى، وصالح بن حسان، ومسعرًا، وليس بالمكثر ولا المجود.

روى عنه: يحيى بن معين، والفلاس، والعدني، وعلي بن محمد الطنافسي، وطائفة، آخرهم موتًا: الحسن بن علي بن عفان.

قال ابن معين: كان مسلمًا، صدوقًا، لم يكن من أصحاب الحديث.

وقال النسائي: ليس بالقوي.

قيل: توفي سنة تسع وتسعين ومائة.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "2/ ترجمة 362"، ميزان الاعتدال "1/ ترجمة 164"، وتهذيب التهذيب "1/ 149"، وتقريب التهذيب "1/ 41".

ص: 427

‌1293 - الخُلْقاني

(1)

: " ع"

إسماعيل بن زكريا، المحدث، الحافظ، أبو زياد الكوفي، الخُلْقاني.

مولده سنة ثمان ومائة.

(1)

ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 170"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 570"، والضعفاء الكبير للعقيلي "1/ ترجمة 84"، وميزان الاعتدال "1/ 228"، وتهذيب التهذيب "1/ 297".

ص: 427

وسمع -وقد كبر- من: عاصم الأحول، والعلاء بن عبد الرحمن، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة، وإسماعيل بن أبي خالد، وسليمان الأعمش، وعبيد الله بن عمر، وحجاج بن دينار، وطبقتهم.

حدث عنه: سعيد بن منصور، ومحمد بن الصباح الدولابي، وأبو الربيع الزهراني، ومحمد بن سليمان لوين، وجماعة.

اختلف قول يحيى بن معين، فمرة يقول: ثقة، ومرة ضعفه، ومرة يقول: ليس به بأس.

وقال أحمد بن حنبل: هو مقارب الحديث.

وقال الميموني: قلت لأبي عبد الله: كيف هو? قال: أما الأحاديث المشهورة التي يرويها، فهو فيها مقارب الحديث، ولكنه ليس ينشرح الصدر له، هو شيخ ليس يعرف بالطلب.

قال الخطيب في "تاريخه": إسماعيل بن زكريا بن مرة، أبو زياد الخلقاني، مولى بني أسد بن خزيمة، كوفي، يلقب: شقوصا، نزل بغداد.

قال العُقَيلي: حدثنا محمد بن أحمد، حدثني إبراهيم بن الجنيد، حدثنا أحمد بن الوليد بن أبان، حدثني خالي إبراهيم، سمعت إسماعيل الخلقاني شقوصًا يقول: الذي نادى من جانب الطور عبده علي بن أبي طالب. وسمعته يقول: هو الأول والآخر، علي. إسنادها مظلم، فلعل إسماعيل هذا آخر زنديق، غير الخلقاني.

توفي الخلقاني في سنة ثلاث وسبعين ومائة. وقيل سنة أربع. وعاش: خمسًا وستين سنة.

ص: 428

‌1294 - معتمر

(1)

: " ع"

ابن سليمان بن طَرْخان، الإمام، الحافظ، القدوة، أبو محمد بن الإمام أبي المعتمر التيمي، البصري، وهو من موالي بني مرة، ونسب إلى تيم؛ لنزوله فيهم هو وأبوه.

حدث عن: أبيه، ومنصور بن المعتمر، وأيوب، وحميد، وعمرو بن دينار البصري القهرمان، وليث بن أبي سليم، وفُضيل بن مسيرة، وإسحاق بن سويد، وأشعث بن عبد الملك، وإسماعيل بن أبي خالد، وحبيب بن أبي محمد العجمي، وبَهْز بن حكيم، وخالد الحذاء، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يَعْلى الطائفي، وعاصم الأحول، وعبيد الله بن عمر، ومحمد بن عمرو، ويونس بن عبيد، وخلق كثير. وينزل إلى أن يروي عن صاحبه: عبد الرزاق.

كان من كبار العلماء.

حدث عنه: ابن المبارك، وعبد الرزاق، والقَعْنبِي، والأصمعي، ويحيى بن يحيى، وموسى بن إسماعيل، ومسدد، وأحمد، وإسحاقَ، وعلي، وابن أبي شيبة، وأمية بن بسطام، ونصر بن علي، وعمرو الفلاس، وزياد الحساني، وخليفة بن خياط، والحسين بن الحسن المروزي، والحسن بن عرفة، وعمرو الناقد، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وهارون بن إسحاق، ويحيى بن حبيب بن عربي، ويعقوب الدَّورقي، وأحمد بن المقدام، وخلق عظيم.

قال ابن معين: ثقة.

وقال أبو حاتم: ثقة، صدوق.

وقال معاذ بن معاذ: سمعت قرة بن خالد يقول: ما معتمر عندنا بدون سليمان التيمي.

وقال ابن سعد: كان ثقة، ولد سنة ست ومائة، ومات بالبصرة، سنة سبع وثمانين ومائة.

وقال محمد بن محبوب: مات في المحرم، سنة سبع.

وقال عمرو بن علي: مات في صفر، سنة سبع، وهو ابن إحدى وثمانين سنة.

وقال سعيد بن عيسى الكُرَيْزِي: مات معتمر يوم قتل زبَّان الطَّليقي بالبصرة، فكان الناس يقولون: مات اليوم أعبد الناس، وقتل أشطر الناس.

وفي كتاب "السابق واللاحق" للخطيب: أن معتمرًا روى عنه سفيان الثوري، والحسن بن عرفة، وبينهما في الموت ست وتسعون سنة، فإن الثوري مات سنة إحدى وستين ومائة.

وأعلى ما يروى اليوم حديث معتمر، في "جزء ابن عرفة".

فأخبرنا أحمد بن سلامة، وغيره إجازة، عن عبد المنعم بن كُليب، أخبرنا علي بن بيان،

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 290"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 211"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1845"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 251"، والكاشف "3/ ترجمة 5645" والعبر "1/ 195" و"2/ 4"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8648"، وتهذيب التهذيب "10/ 227 - 228"، وتقريب التهذيب "2/ 263"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7421"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 316".

ص: 429

أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا المعتمر بن سليمان التيمي، سمعت عاصما الأحول يقول: حدثني شرحبيل، أنه سمع أبا هريرة، وأبا سعيد، وابن عمر، يحدثون: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذهب بالذهب، وزنًا بوزن، مثلا بمثل، من زاد، أو ازداد، فقد أربى". إن لم أكن سمعته منهم، فأدخلني الله النار. هذا حديث غريب، عال. وشرحبيل بن سعد: مدني، ليس بقوي

(1)

.

(1)

ضعفه ابن معين، ومالك، والنسائي، وأبو زرعة، والدارقطني، وابن عدي كما ذكر الحافظ في "ميزان الاعتدال"، لكن للحديث شاهد عن عبادة بن الصامت عند مسلم "1587"، وأبي داود "3349"، والترمذي "1240"، والنسائي "7/ 276"، وابن ماجه "2254".

ص: 430

‌1295 - مروان بن أبي حفصة

(1)

:

رأس الشعراء، أبو السمط -وقيل: أبو الهندام- مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة يزيد، مولى مروان بن الحكم الأموي.

أعتقه مروان يوم الدار

(2)

، لكونه بيَّن يومئذ.

وقيل: بل كان أبو حفصة طبيبًا يهوديًّا، فأسلم علي يد عثمان، أو يد مروان. ويقال: إن أبا حفصة من سبي اصطخر.

وكان مروان بن أبي حفصة من أهل اليمامة، فقدم بغداد، ومدح المهدي، والرشيد.

قال ابن المعتز: أجود ما له "اللامية" التي فضل بها على شعراء زمانه في معن بن زائدة، فأجازه عليها بمال عظيم. قال: وأخذ من خليفة على بيت واحد ثلاثمائة ألف درهم.

قلت: فمن اللامية:

بنو مطر يوم اللقاء كأنهم

أسود لها في بطن خفان أشبل

هم يمنعون الجار حتى كأنما

لجارهم بين السِّماكين منزل

تجنب لا في القول حتى كأنه

حرام عليه قول لا حين يسأل

تشابه يوماه علينا فأشكلا

فلا نحن ندري أي يوميه أفضل

(1)

ترجمته في "المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي""1/ 173"، والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني "10/ 71"، وتاريخ بغداد "13/ 145"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 189".

(2)

أي: دار عثمان بن عفان يوم أن وقعت الفتنة، ولزم عثمان داره، واستشهد فيها لذا سمى يوم الدار.

ص: 430

أيوم نداه العمر أم يوم بأسه

وما منهما إلا أغر محجل

بهاليل في الإسلام سادوا ولم يكن

كأولهم في الجاهلية أول

هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا

أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

فما يستطيع الفاعلون فعالهم

وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا

ويروى أن ولدًا لمروان بن أبي حفصة دخل على الأمير شراحيل بن معن، فأنشده:

أيا شراحيل بن معن بن زائدة

يا أكرم الناس من عجم ومن عرب

أعطى أبوك أبي مالا فعاش به

فأعطني مثل ما أعطى أبوك أبي

ما حل قط أبي أرضًا أبوك بها

إلا وأعطاه قنطارًا من الذهب

فأعطاه شراحيل قنطارًا من الذهب.

مات مروان سنة اثنتين وثمانين ومائة.

ص: 431

‌1296 - حفيده

(1)

:

هو مروان بن أبي الجنوب بن مروان بن أبي حفصة، من فحول الشعراء في زمانه، ويقال له: مروان الأصغر.

(1)

ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني "23/ 206"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ص 193".

ص: 431

‌1297 - مُبَارك

(1)

: " د، ت"

ابن سعيد بن مسروق، الفقيه، المحدث، أبو عبد الرحمن الثوري، الكوفي، الضرير، نزيل بغداد.

وحدث عن: أبيه، وعاصم بن أبي النجود، وغيرهما.

روى عنه: ابن المبارك -مع تقدمه- وأبو النضر، ويحيى بن يحيى، ويحيى بن معين، والحسن بن عرفة، وآخرون.

يقع حديثه عاليًا في "جزء ابن عرفة"، وهو ثقة، صالح الحديث.

توفي سنة ثمانين ومائة.

وهو أخو سفيان الثوري.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 385"، والتاريخ الكبير "7/ 1868"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 42"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1818"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1558"، وتاريخ بغداد "13/ 216"، والعبر "1/ 277"، والكاشف "3/ ترجمة 5370"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7044"، وتهذيب التهذيب "10/ 28"، وتقريب التهذيب "2/ 227"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6837"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 294".

ص: 431

‌1298 - معاذ بن مُسْلِم

(1)

:

شيخ النحو، أبو مسلم الكوفي، النحوي، الهراء، مولى محمد بن كعب القرظي.

روى عن: عطاء بن السائب، وغيره. وما هو بمعتمد في الحديث.

وقد نقلت عنه حروف في القراءات.

أخذ عنه: الكسائي.

ويقال: إنه صنف في العربية، ولم يظهر ذلك.

وكان شيعيًّا، معمَّرًا.

مات أولاده وأحفاده وهو باق، وكان يصغر نفسه.

قال عثمان بن أبي شيبة: رأيته يشد أسنانه بالذهب.

وفيه يقول سهل بن أبي غالب الخزرجي:

إن معاذ بن مسلم رجل

ليس لميقات عمره أمد

قد شاب رأس الزمان واكتهل الدْ

دَهر وأثواب عمره جدد

قل لمعاذ إذا مررت به

قد ضج من طول عمرك الأبد

يا بكر حواء كم تعيش وكم

تسحب ذيل البقاء يا لبد

قد أصبحت دار آدم خربت

وأنت فيها كأنك الوتد

تسأل غربانها إذا نعبت

كيف يكون الصداع والرمد

مصححًا كالظليم ترفل في

برديك مثل السعير تتقد

صاحبت نوحًا ورضت بغلة ذي الـ

ـقرنين شيخًا لولدك الولد

فارحل ودعنا فإن غايتك الـ

ـموت وإن شد ركنك الجلد

ولبد: هو آخر نسور لقمان الذي عمر.

وكان معاذ صديقًا للكميت الشاعر.

يقال: عاش تسعين عامًا. وتوفي: سنة سبع وثمانين ومائة.

وله شعر قليل.

والهرَّاء: هو الذي يبيع الثياب الهروية، ولولا هذه الكلمة السائرة، لما عرفنا هذا الرجل، وقل ما روى.

(1)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 725"، والعبر "1/ 298".

ص: 432

‌1299 - علي بن مسهر

(1)

: " ع"

العلامة، الحافظ، أبو الحسن القرشي، الكوفي، قاضي الموصل، أخو قاضي جبل

(2)

؛ عبد الرحمن بن مسهر، ذاك المغفل الذي بلغه أن المأمون قادم على ناحية جبل، فكلم أهل جبل ليثنوا عليه عند المأمون، فوجد منهم فتورًا، وأخلفوه الموعد، فلبس ثيابه، وسرح لحيته، ووقف على جانب دجلة، فلما حاذاه المأمون، سلم بالخلافة، وقال: يا أمير المؤمنين! نحن في عافية وعدل بقاضينا ابن مسهر. فغلب الضحك على يحيى بن أكثم، فعجب منه المأمون، وقال: ما بك? قال: يا أمير المؤمنين! إن الذي يبالغ في الثناء على قاضي جبل هو القاضي. فضحك المأمون كثيرًا، ثم قال ليحيى: اعزل هذا، فإنه أحمق.

فأما علي هذا، فكان من مشايخ الإسلام.

ولد في حدود العشرين ومائة.

سمع: يحيى بن سعيد الأنصاري، ومطرف بن طريف، وهشام بن عروة، وعاصمًا الأحول، والمختار بن فلفل، والأعمش، وأبا إسحاق الشيباني، وأبا حيان التيمي، وداود بن أبي هند، وأجلح بن عبد الله، وأشعث بن سوار، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة، وإسماعيل بن أبي خالد، وزكريا بن أبي زائدة، وسعد بن طريف الإسكاف، وعبيد الله بن عمر، وموسى الجهني، ويزيد بن أبي زياد، وأبا مالك الأشجعي، وخلقًا كثيرًا.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 388"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2456"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 495" و"2/ 554 و 561"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1250"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1119"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 270"، والكاشف "2/ ترجمة 4029"، والعبر "1/ 303"، وتهذيب التهذيب "7/ 383 - 384"، وتقريب التهذيب "2/ 44"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5051"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 325".

(2)

جبل: نسبة إلى بليدة بين النعمانية وواسط في الجانب الشرقي. وينسب إليها جماعة من أهل العلم.

ص: 433

حدث عنه: خالد بن مَخْلَد، وزكريا بن عدي، ومُعَلَّى بن منصور الرازي، وفروة بن أبي المغراء، وإسماعيل بن أبان الوراق، وإسماعيل بن الخليل، وبشر بن آدم الضرير، والسري السقطي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وسهل بن عثمان، وسويد بن سعيد، وعبد الله بن عامر بن زرارة، وعلي بن حجر، وعثمان بن أبي شيبة، وعلي ابن حكيم الأودي، وعلي بن سعيد بن مسروق، ومُحْرِز بن عون، ومحمد بن عبيد المحاربي، ومِنْجَاب بن الحارث، وأبو همام السَّكوني، وهناد، وخلق سواهم.

قال أحمد بن حنبل: هو أثبت من أبي معاوية في الحديث.

وقال عثمان بن سعيد: قلت لابن معين: علي بن مسهر أحب إليك، أو أبو خالد الأحمر? فقال: عليٌّ أحبُّ إليَّ. قلت: فعليٌّ ويحيى بن أبي زائدةَ? فقال: كلاهما ثقتان.

قال يحيى بن معين: قال عبد الله بن نمير: كان علي بن مسهر يجيئني، فيسألني: كيف حديث كذا? وكان قد دفن كتبه.

قال يحيى: عليٌّ أثبت من ابن نمير.

وقال أحمد بن عبد الله العِجلي: علي بن مُسْهِر قُرَشي من أنفسهم، كان ممن جمع الحديث والفقه، ثقة.

وقال شيخنا أبو الحجاج: هو من خزيمة بن لؤي بن غالب، وهم عائذة قريش.

وقال أبو زرعة: صدوق، ثقة.

وعن يحيى بن معين، قال: ولي قضاء إرمينية، فلما سار إليها، اشتكى عينه، فجعل يختلف إليه متطبب، فقال القاضي الذي كان بإرمينية: أكحله بشيء يذهب عينه حتى أعطيك كذا وكذا، فكحله بشيء، فذهبت عينه، فرجع إلى الكوفة أعمى.

قال أبو بكر بن منجويه: مات سنة تسع وثمانين ومائة.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلي، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد البندار، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا علي بن مسهر قاضي الموصل، عن سعد بن طارق، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن حوضي لأبعد من أيلة وعدن، والذي نفسي بيده، لآنيته أكثر من عدد النجوم، وهو أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده، إني لأذود عنه الرجال، كما يذود الرجل الغريبة من الإبل عن حوضه". قال: قيل: يا رسول الله! وهل تعرفنا يومئذ? قال: "نعم، تردون علي غرًا محجلين من آثار الوضوء، ليست لأحد غيركم". هذا حديث صحيح. أخرجه مسلم

(1)

، وابن ماجه، عن عثمان، وهو ابن أبي شيبة.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "248""38"، وابن ماجه "4302" من طريق عثمان عن علي بن مسهر، به.

ص: 434

‌1300 - غُنْجَار

(1)

: " خت، ق"

محدث بخارى، الشيخ، أبو أحمد عيسى بن موسى البخاري، الأزرق، غنجار. له رحلة، ومعرفة.

حدث عن: سفيان الثوري، وعيسى بن عبيد الكندي، وورقاء بن عمر، وأبي حمزة السكري، وخلق.

حدث عنه: بحير بن النضر، ومحمد بن سلام البيكندي، وإسحاق بن حمزة البخاري، ومحمد بن أمية الساوي، ومحمد بن الفضل، وآخرون.

قال الحاكم: هو إمام عصره، طلب الحديث على كبر السن، ورحل، وهو في نفسه صدوق، تتبعت رواياته عن الثقات، فوجدتها مستقيمة، يروي عن أكثر من مائة شيخ من المجهولين.

قلت: له حديث معلق في "صحيح البخاري"، وهو: روى عيسى، عن رقبة، عن قيس بن مسلم في: بدء الخلق

(2)

، وقد سقط رجل بين عيسى ورقبة، وهو أبو حمزة السكري، وما أدرك غنجار رقبة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2751"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1856"، والأنساب للسمعاني "9/ 176"، والكاشف "2/ ترجمة 4470"، والعبر "1/ 293"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 9614"، وتهذيب التهذيب "8/ 232"، وتقريب التهذيب "2/ 102"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5604".

(2)

رواه البخاري "3192" معلقا فقال: وروى عيسى "غنجار" عن رقبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه.

قال الحافظ في "الفتح""6/ 290": قوله "وروى عيسى -غنجار- عن رقبة" كذا للأكثر وسقط منه رجل فقال ابن الفلكي: ينبغي أن يكون بين عيسى ورقبة أبو حمزة، وبذلك جزم أبو مسعود، وقال الطرقي: سقط أبو حمزة من كتاب الفربري وثبت في رواية حماد بن شاكر فعنده عن البخاري وروى عيسى بن =

ص: 435

توفي غنجار في آخر سنة ست وثمانين ومائة.

قال الدارقطني: غنجار لا شيء.

أنبأنا عبد الرحمن بن محمد، وفاطمة بنت علي، قالا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن غيلان، أخبرنا أبو إسحاق المزكي، أخبرنا أحمد بن حمدون بن رستم، قال: قلت ببلخ لمحمد بن الفضل البخاري: حدثكم عيسى بن موسى غنجار، حدثنا أبو حمزة السكري، عن الأعمش، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم للعنب الكرم، فإنما الكرم قلب ابن آدم"

(1)

. فأقر به، وقال: نعم، غريب، ما رواه عن الأعمش، عن أيوب، غير أبي حمزة، ولا عنه سوى غنجار. وقع لنا عاليًا.

رواه الطبراني في "معجمه"، عن محمد بن إبراهيم الرازي، حدثنا إبراهيم بن محمد المؤدب، حدثنا أبي، حدثنا غنجار.

= أبي حمزة عن رقبة، وكذا قال ابن رميح عن الفربري، قلت: وبذلك جزم أبو نعيم في "المستخرج" وهو يروي الصحيح عن الجرجاني عن الفربري، فالاختلاف فيه حينئذ عن الفربري، ثم رأيته سقط أيضا من رواية النسفي، لكن جعل بين عيسى ورقبة ضبة، ويغلب على الظن أن أبا حمزة ألحق لي رواية الجرجاني، وقد وصفوه بقلة الإتقان، وعيسى المذكور هو ابن موسى البخاري ولقبه غنجار بمعجمة مضمومة ثم نون ساكنة ثم جيم، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، وقد وصل الحديث المذكور من طريق عيسى المذكور عن أبي حمزة وهو محمد بن ميمون السكري عن رقبة الطبراني في مسند رقبة المذكور، وهو بفتح الراء والقاف والموحدة الخفيفة ابن مصقلة بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وقد تبدل سينا بعدها قاف، ولم ينفرد به عيسى فقد أخرجه أبو نعيم من طريق علي بن الحسن شقيق عن أبي حمزة نحوه، لكن بإسناد ضعيف.

(1)

صحيح: أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير""1/ 77" وقد تحرف فيه "عيسى بن موسى" إلى "أبو عيسى". وأخرجه البخاري "6183"، ومسلم "2247" من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ:"لا تقولوا: كرم؛ فإن الكرم قلب المؤمن" وفي لفظ عند مسلم: "لا تسموا العنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم". وفي لفظ عند مسلم أيضا "2247""10" من حديث أبي هريرة مرفوعا: "لا يقولن أحدكم للعنب الكرم، إنما الكرم الرجل المسلم".

ووقع عند مسلم "2247""12" من حديث علقمة بن وائل، عن أبيه مرفوعا بلفظ: لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب والحبلة". والحبلة: هي شجر العنب.

ص: 436

‌1301 - عيسى بن يونس

(1)

: " ع"

ابن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله، الإمام، القدوة، الحافظ، الحجة، أبو عمرو، وأبو محمد الهمداني، السبيعي، الكوفي، المرابط بثغر الحدث

(2)

، أخو الحافظ إسرائيل.

أخبرنا أبو حفص عمر بن غدير الطائي، أخبرنا عبد الصمد بن محمد، أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا الحسين بن محمد، أخبرنا محمد بن أحمد الغساني، أخبرنا عبد الله بن علي بن إبراهيم العمري بالموصل، حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش، حدثنا عيسى بن يونس، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد، أو أمة، أو فرس، أو بغل

(3)

. هذا حديث غريب جدًا.

قرأت على أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا تميم المؤدب، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، حدثنا أبو يعلي، حدثنا أحمد بن جباب، حدثني عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود"

(4)

. أخرجه: النسائي، عن عثمان بن خرزاذ، عن أحمد بن جناب.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 488"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2798"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 261" و"2/ 295" و"3/ 194 و 229"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة رقم 1618"، وتاريخ بغداد "11/ 152"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 261"، والكاشف "2/ ترجمة 4478"، والعبر "1/ 203 و 300 و 449"، وتهذيب التهذيب "8/ 237"، وتقريب التهذيب "2/ 103"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5615"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 320".

(2)

ثغر الحدث: قلعة حصينة بين ملطية وسميساط ومرعش من الثغور الشامية، ويقال لها الحمراء، وقلعتها على جبل يقال له: الأحيدب.

(3)

ليس في شيء من دواوين السنة بهذا اللفظ، لكن ورد عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى، فطرحت جنينها، فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغُرة: عبد أو وليدة". أخرجه مالك "2/ 855"، ومن طريقه أخرجه أحمد "2/ 236"، والبخاري "5759" و"6904" ومسلم "1618" "34" والنسائي "8/ 48 - 49"، والطحاوي "3/ 205"، والبيهقي "8/ 112 - 113"، والبغوي "2544" عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به.

(4)

صحيح لغيره أخرجه أحمد "2/ 261 و 499"، والترمذي "1752"، والنسائي "8/ 137" من حديث ابن عمر، به.

وورد عن أبي هريرة: عند أحمد "2/ 240 و 401"، وابن أبي شيبة "8/ 431"، والبخاري "3462" و"5899"، ومسلم "2103"، وأبو داود "4203"، والنسائي "8/ 137"، والبيهقي "7/ 309".

ص: 437

حدث عن: أبيه، وأخيه، ولم يدرك السماع من جده، كان صبيًا في زمانه. وروى أيضًا عن: سليمان التيمي، وهشام بن عروة، وأبي حيان التيمي، والجريري، وزكريا بن أبي زائدة، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وطلحة بن يحيى، وعبد الملك بن أبي سليمان، وعبيد الله بن أبي زياد القداح، وعمر بن سعيد بن أبي حسين، وعوف، ومجالد، وعبيد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعمر مولى غفرة، وحسين المعلم، وهشام بن حسان، وابن أبي ليلى، ومعمر، والأوزاعي، وشعبة، ومسعر، والثوري، وخلق كثير.

وكان واسع العلم، كثير الرحلة، وافر الجلالة.

حدث عنه: بقية، وابن وهب، والوليد بن مسلم، وإسماعيل بن عياش، وطائفة من أقرانه.

وحدث عنه: حماد بن سلمة -أحد شيوخه- والحكم بن موسى، وبشر الحافي، وسليمان بن بنت شرحبيل، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن حجر، وعلي بن خشرم، ومسدد، وعمرو الناقد، ومحمد بن مهران الجمال، ومؤمل بن الفضل، ونصر بن علي الجهضمي، ويحيى بن معين، ويزيد بن موهب، ويعقوب الدورقي، وهشام بن عمار، وأبو نعيم الحلبي، وأحمد بن جناب، وأحمد بن عبدة الضبي، والحسن بن عرفة، وسعيد بن يحيى الأموي، وسفيان، ووكيع، والنفيلي، وأمم سواهم.

وقد حدث عنه أبوه؛ يونس بن أبي إسحاق، ومات أبوه قبل ابن عرفة بأكثر من مائة عام.

وثقه أحمد، وأبو حاتم، والنسائي، وابن خراش، وطائفة.

قال أحمد بن حنبل: هو أصح حديثًا من أبيه. قيل له: فإسرائيل? قال: ما أقربهما! وقال المروذي: عن أحمد: ثبت، وكنا نخبر أنه سنة في الغزو، وسنة في الحج، وقد قدم بغداد في شيء من أمر الحصون، فأمر له بمال، فأبى أن يقبله.

الأثرم، عن أحمد، قال: كان عيسى بن يونس يسند حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية، ويثيب عليها

(1)

. والناس يرسلونه. وكذا قال: ابن معين.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "2585"، وأبو داود "3536"، والترمذي "1953" من طرق عن عيسى بن يونس، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: فذكرته.

ص: 438

قال عثمان بن سعيد: سألت يحيى بن معين، قلت: فعيسى بن يونس أحب إليك، أو أبو معاوية? فقال: ثقة، وثقة. وقال حرب بن إسماعيل: سئل علي ابن المديني عن عيسى بن يونس، فقال: بخ بخ، ثقة، مأمون.

وقال ابن عمار: هو أثبت من إسرائيل، عيسى حجة.

وقال العجلي: ثقة، ثبت، يسكن الثغر.

وقيل: إنه زار ابن عيينة، فقال: مرحبًا بالفقيه ابن الفقيه ابن الفقيه.

قال أبو زرعة: كان حافظًا.

وقال أبو همام السكوني: حدثنا عيسى بن يونس الثقة الرضى.

وقال ابن راهويه: قلت لوكيع: إني أريد أن أذهب إلى عيسى بن يونس. قال: تأتي رجلا قد قهر العلم.

إبراهيم بن هاشم البغوي: سمعت بشر بن الحارث يقول: كان عيسى بن يونس يعجبه خطي، فكان يأخذ القرطاس، فيقرؤه علي. قال: كتبت من نسخة قوم شيئًا ليس من حديثه. قال: كأنهم لما رأوا إكرامه لي، أدخلوا عليه في حديثه. قال: فجعل يقرأ علي، ويضرب على تلك الأحاديث، فغمني ذلك، فقال: لا يغمك، لو كان واوًا، ما قدروا أن يدخلوه علي، أو قال: لو كان واوًا لعرفته.

وروى حنبل، عن أبي نعيم: أنه فضل عيسى بن يونس على إبراهيم بن يوسف السبيعي، وقال: لم يسمع إبراهيم من أبيه.

قال أحمد بن داود الحُدَّاني: سمعت عيسى بن يونس يقول: لم يكن من أسناني -أو قال: من أترابي- أبصر بالنحو مني، فدخلني منه نخوة، فتركته.

قال: ورأيت فَرَجًا خادم أمير المؤمنين جاء إلى عيسى وهو قاعد بدرب الحدث على بابه، فكلمه، فما رفع به رأسًا، ولا نظر إليه، فانصرف ذليلا.

أبو سعيد الأشج: حدثنا عمر بن أبي الرطيل، عن أبي بلال الأشعري، عن جعفر البرمكي، قال: ما رأينا في القراء مثل عيسى بن يونس، أرسلنا إليه، فأتانا بالرقة، فاعتل قبل أن يرجع. فقلت له: يا أبا عمرو! قد أمرنا لك بعشرة آلاف. فقال: هيه. قلت: خمسون ألفًا. قال: لا حاجة لي فيها. فقلت: ولم؟ والله، لأهنينكها، هي -والله- مائة ألف. قال:

ص: 439

لا والله، لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنة ثمنًا، ألا كان هذا قبل أن ترسلوا إلي، فأما على الحديث، فلا، ولا شربة ماء، ولا إهليلجة

(1)

.

قال أحمد بن داود: وسمعت محمد بن عبيد الطنافسي يقول لأصحاب الحديث: ألا تكونون مثل عيسى بن يونس، كان إذا أقبل إلى الأعمش، ومعه الشباب والشيوخ، ينظرون إليه، وإلى هديه وسمته.

وروى محمود بن غيلان، عن محمد بن عبيد، قال: رأيت أصحاب الأعمش الذين لا يفارقونه: عيسى بن يونس، وأبو بكر بن عياش، وحفص بن غياث.

الحسن بن علي الحلواني، عن محمد بن داود، سمعت عيسى بن يونس يقول: أربعون حديثًا حدثنا بها الأعمش، فيها ضرب الرقاب، لم يشركني فيها غير محمد بن إسحاق، وربما قال له الأعمش: من معك? فيقول: عيسى. فيقول: ادخلا، وأجيفا الباب. وكان يسأله عن حديث الفتن.

إبراهيم بن موسى، عن الوليد بن مسلم، قال: ما أبالي من خالفني في الأوزاعي، ما خلا عيسى بن يونس، فإني رأيت أخذه أخذًا محكمًا.

قال أحمد بن جَناب: غزا عيسى بن يونس خمسًا وأربعين غزوة، وحج كذلك.

قال يحيى بن معين: رأيت عيسى بن يونس عليه قباء محشو، وخفان أحمران -يعني: كان بزي الأجناد.

وقال محمد بن المنكدر الكندي: جاء المأمون إلى عيسى بن يونس، فسمع منه، فأعطاه عشرة آلاف، فردها.

قال أحمد بن جناب، وسليمان بن عمرو، وعلي بن بحر، وعبد الله بن جعفر: مات سنة سبع وثمانين. وقال المدائني، ومحمد بن المثنى، والداني، ومحمد بن مصفى: سنة ثمان وثمانين.

زاد ابن مصفى: في نصف شعبان.

(1)

الإهليلج: عقير من الأدوية معروف، وهو معرب.

ص: 440

‌1302 - أبو بكر بن عياش

(1)

: " خ، (4) "

ابن سالم الأسدي مولاهم الكوفي، الحناط -بالنون- المقرئ، الفقيه، المحدث، شيخ الإسلام، وبقيه الأعلام، مولى واصل الأحدب.

وفي اسمه أقوال: أشهرها شعبة، فإن أبا هاشم الرفاعي، وحسين بن عبد الأول، سألاه عن اسمه. فقال شعبة: وسأله يحيى بن آدم، وغيره عن اسمه، فقال: اسمي كنيتي. وأما النسائي، فقال: اسمه محمد. وقيل: اسمه مطرف. وقيل: رؤبة. وقيل: عتيق. وقيل: سالم. وقيل: أحمد، وعنترة، وقاسم، وحسين، وعطاء، وحماد، وعبد الله.

قال هارون بن حاتم: سمعته يقول: ولدت سنة خمس وتسعين.

قرأ أبو بكر القرآن، وجوده ثلاث مرات على: عاصم بن أبي النجود. وعرضه أيضًا -فيما بلغنا- عن عطاء بن السائب، وأسلم المِنْقري.

وحدث عن: عاصم، وأبي إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وإسماعيل السدي، وصالح مولى عمرو بن حريث حدثه، عن أبي هريرة، وحصين بن عبد الرحمن، وأبي حصين عثمان بن عاصم، وحميد الطويل، والأعمش، وهشام بن حسان، ومنصور بن المعتمر، ومغيرة بن مقسم، ومطرف بن طريف، ويحيى بن هانئ المرادي، ودهثم بن قران، وسفيان التمار، وحبيب بن أبي ثابت -وهو من كبار شيوخه- وعبد العزيز بن رفيع، وهشام بن عروة، وخلق سواهم.

حدث عنه: ابن المبارك، والكسائي، ووكيع، وأبو داود، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، وعلي بن محمد الطنافسي، والحسن بن عرفة، وأبو هشام الرفاعي، ويحيى الحماني، وهناد بن السري، وخلق كثير، آخرهم موتًا: أحمد بن عبد الجبار العُطاردي.

وتلا عليه جماعة، منهم: أبو الحسن الكسائي -ومات قبله- ويحيى العليمي، وأبو يوسف الأعشى، وعبد الحميد بن صالح البرجمي، وعروة بن محمد الأسدي، وعبد الرحمن بن أبي حماد. وأخذ عنه الحروف تحريرًا وإتقانًا: يحيى بن آدم.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "9/ ترجمة 100"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 150 و 182" و"2/ 172"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 421"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 250"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 10016"، وتهذيب التهذيب "12/ 34"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 334".

ص: 441

ذكره أحمد بن حنبل، فقال: ثقة، ربما غلط، صاحب قرآن وخير.

قال أبو حاتم: سمعت علي بن صالح الأنماطي، سمعت أبا بكر بن عياش يقول: القرآن كلام الله، ألقاه إلى جبريل، وألقاه جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم منه بدأ، وإليه يعود.

وقال ابن المبارك: ما رأيت أحدًا أسرع إلى السنة من أبي بكر بن عياش.

وقال يحيى بن معين: ثقة.

وقال غير واحد: إنه صدوق وله أوهام.

وقال أحمد: كان يحيى بن سعيد لا يعبأ بأبي بكر، وإذا ذكر عنده، كلح وجهه.

وروى مهنا بن يحيى، عن أحمد بن حنبل، قال: أبو بكر كثير الغلط جدًا، وكتبه ليس فيها خطأ.

قال علي بن المديني: سمعت يحيى القطان يقول: لو كان أبو بكر بن عياش بين يدي، ما سألته عن شيء، ثم قال: إسرائيل فوقه.

قال محمد بن عبد الله بن نمير: أبو بكر ضعيف في الأعمش، وغيره.

وقال عثمان الدارمي: أبو بكر، وأخوه حسن: ليسا بذاك.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي بكر، وأبي الأحوص، فقال: ما أقربهما، لا أبالي بأيهما بدأت. وقال أبي: أبو بكر وشريك في الحفظ سواء، غير أن أبا بكر أصح كتابًا.

وقال نعيم بن حماد: سمعت أبا بكر يقول: سخاء الحديث كسخاء المال.

قلت: فأما حاله في القراءة، فقيم بحرف عاصم، وقد خالفه حفص في أزيد من خمس مائة حرف، وحفص أيضًا حجة في القراءة، لين في الحديث.

وقد وقع لي حديث أبي بكر عاليًا، فأنبأنا أحمد بن سلامة، والخضر بن عبد الله بن حمويه، وأحمد بن أبي عصرون، عن أبي الفرج بن كليب، أخبرنا علي بن بيان، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا إسماعيل بن محمد، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأحرمنا بالحج، فلما قدمنا مكة، قال:"اجعلوا حجكم عمرة". فقال الناس: يا رسول الله! فكيف نجعلها عمرة، وقد أحرمنا بالحج? قال:"انظروا الذي آمركم به، فافعلوا". فردوا عليه القول، فغضب، ثم انطلق حتى دخل على عائشة غضبان، فرأت الغضب في وجهه،

ص: 442

فقالت: من أغضبك؟ أغضبه الله. قال: "وما لي لا أغضب، وأنا آمر بالأمر، فلا أتبع". هذا حديث صحيح من العوالي، يرويه: عدة في وقتنا، عن النحيب، وابن عبد الدائم، بسماعهما من ابن كليب. أخرجه ابن ماجه

(1)

، عن الثقة، عن أبي بكر.

قال عثمان بن أبي شيبة: أحضر هارون الرشيد أبا بكر بن عياش من الكوفة، فجاء ومعه وكيع، فدخل ووكيع يقوده، فأدناه الرشيد، وقال له: قد أدركت أيام بني أمية وأيامنا، فأينا خير? قال: أنتم أقوم بالصلاة، وأولئك كانوا أنفع للناس. قال: فأجازه الرشيد بستة آلاف دينار، وصرفه، وأجاز وكيعًا بثلاثة آلاف. رواها محمد بن عثمان، عن أبيه.

قال أبو داود: حدثنا حمزة بن سعيد المروزي -وكان ثقة- قال: سألت أبا بكر بن عياش، فقلت: قد بلغك ما كان من أمر ابن علية في القرآن. قال: ويلك! من زعم أن القرآن مخلوق، فهو عندنا كافر زنديق، عدو الله، لا نجالسه، ولا نكلمه.

روى يحيى بن أيوب، عن أبي عبد الله النخعي، قال: لم يفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة.

ابن أبي شيخ: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: زاملت أبا بكر بن عياش إلى مكة، فما رأيت أورع منه، لقد أهدى له رجل رطبًا، فبلغه أنه من بستان أخذ من خالد بن سلمة المخزومي، فأتى آل خالد، فاستحلهم، وتصدق بثمنه.

قال أبو عبد الله المعيطي: رأيت أبا بكر بن عياش بمكة، جاءه سفيان بن عيينة، فبرك بين يديه، فجاء رجل يسأل سفيان عن حديث، فقال: لا تسألني عن حديث ما دام هذا الشيخ قاعدًا. رواها: يعقوب بن شيبة، عن المعيطي، وقال: فجعل أبو بكر يقول: يا سفيان! كيف أنت، وكيف عائلة أبيك?

قال أحمد بن حنبل: سمعت أبا بكر يقول: قال لي عبد الملك بن عمير: حدثني. وكنت أحدث أبا إسحاق السبيعي، فيستمع إليَّ، وكنت أحدث الأعمش، فيستعيدني.

قال أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر يقول: أنا أكبر من سفيان الثوري بسنتين.

وقال سفيان بن عيينة: أبو بكر أكبر مني بعشر سنين.

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 286"، وابن ماجه "2982" من طريق أبي بكر بن عياش، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، اختلط بآخره كما أنه مشهور بالتدليس، وقد عنعنه.

ص: 443

وقال الأخنسي: سمعت أبا بكر يقول: والله لو أعلم أن أحدًا يطلب الحديث بمكان كذا وكذا، لأتيت منزله حتى أحدثه.

وعن محمد بن عيسى بن الطباع، قال: شهد أبو بكر بن عياش عند شريك، فكأنه رأى من شريك استخفافًا، فقال: أعوذ بالله أن أكون جبارًا. قال: فقال شريك: ما كنت أظن أن هذا الحناط هكذا أحمق.

وقال أبو أحمد الزبيري: كنت عند الثوري، وكان أبو بكر بن عياش غائبًا، فجاءه أخوه الحسن بن عياش، فقال سفيان: أيش حال شعبة، قدم بعد? يعني أخاه.

وقال بشر الحافي: قال عيسى بن يونس: سألت أبا بكر بن عياش عن الحديث، فقال: إن كنت تحب أن تحدث، فلست بأهل أن تؤتى، وإن كنت تكره أن تؤتى، فبالحري أن تنجو.

قال يعقوب الفسوي: سمعت أحمد بن يونس -وذكروا له حديثًا أنكروه من حديث أبي بكر، عن الأعمش- فقال: كان الأعمش يضرب هؤلاء ويشتمهم ويطردهم، وكان يأخذ بيد أن أبي بكر، فيجلس معه في زاوية لحال القرآن.

وقال أبو هشام الرفاعي: قال أبو بكر بن عياش للحسن بن الحسن بالمدينة: ما أبقت الفتنة منك? فقال: وأي فتنة رأيتني فيها? قال: رأيتهم يقبلون يدك ولا تمنعهم.

أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نص القرآن، لأن الله -تعالى- يقول:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8]. قال: فمن سماه الله صادقًا، فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال يعقوب بن شيبة الحافظ: كان أبو بكر معروفًا بالصلاح البارع، وكان له فقه، وعلم الأخبار، وفي حديثه اضطراب.

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطًا من أبي بكر.

وقال يزيد بن هارون: كان أبو بكر بن عياش فاضلًا، لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة.

وقال يحيى بن عبد الحميد الحماني: حدثني أبو بكر بن عياش، قال: جئت ليلة إلى زمزم، فاستقيت منه دلوًا لبنًا وعسلا.

ص: 444

قال أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر يقول: الخلق أربعة: معذور، ومخبور، ومجبور، ومثبور، فالمعذور: البهائم، والمخبور: ابن آدم، والمجبور: الملك، والمثبور: الجن.

وعن أبي بكر بن عياش، قال: أدنى نفع السكوت السلامة، وكفى به عافية، وأدنى ضرر المنطق الشهرة، وكفى بها بلية.

روى عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيى بن معين، قال: الحسن بن عياش، وأخوه أبو بكر: ثقتان.

قال أحمد بن يزيد: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: سمعت الأعمش يقول لأصحاب الحديث إذا حدث بثلاثة أحاديث: قد جاءكم السيل، وأنا اليوم مثل الأعمش.

فقلت: من فوائد أبي عمرو أحمد بن محمد النيسابوري، حدثنا أبو تراب محمد بن الفرج، قال: سمعت خالد بن عبد الله الكوفي يقول: كان في سكة أبي بكر بن عياش كلب، إذا رأى صاحب محبرة، حمل عليه، فأطعمه أصحاب الحديث شيئًا، فقتلوه. فخرج أبو بكر، فلما رآه ميتًا، قال: إنا لله، ذهب الذي كان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.

قال يحيى بن آدم: قال لي أبو بكر: تعلمت من عاصم القرآن، كما يتعلم الصبي من المعلم، فلقي مني شدة، فما أحسن غير قراءته، وهذا الذي أحدثك به من القراءات إنما تعلمته من عاصم تعلمًا.

وفي رواية عن أبي بكر، قال: أتيت عاصمًا وأنا حدث.

وقال هارون بن حاتم: سمعت رجلا أنه سأل أبا بكر: أقرأت على أحد غير عاصم? قال: نعم، على: عطاء بن السائب، وأسلم المنقري.

هذا إسناد لم يصح.

قال يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش، قال: تعلمت القرآن من عاصم خمسًا خمسًا، ولم أتعلم من غيره، ولا قرأت على غيره.

يحيى عن أبي بكر، قال: اختلفت إلى عاصم نحوًا من ثلاث سنين، في الحر والشتاء والمطر، حتى ربما استحييت من أهل مسجد بني كاهل.

وقال لي عاصم: أحمد الله -تعالى- فإنك جئت وما تحسن شيئًا. فقلت: إنما خرجت من المكتب، ثم جئت إليك.

ص: 445

قال: فلقد فارقت عاصمًا وما أسقط من القرآن حرفًا.

قال عبيد بن يعيش: سمعت أبا بكر يقول: ما رأيت أحدًا أقرأ من عاصم، فقرأت عليه، وما رأيت أحدًا أفقه من المغيرة

(1)

، فلزمته.

وعن أبي بكر بن عياش، قال: الدخول في العلم سهل، لكن الخروج منه إلى الله شديد.

وعن بشر بن الحارث سمع أبا بكر بن عياش يقول: يا ملكي ادعوا الله لي، فإنكما أطوع لله مني.

وقد روي من وجوه متعددة أن أبا بكر بن عياش مكث نحوًا من أربعين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة.

وهذه عبادة يخضع لها، ولكن متابعة السنة أولى، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث

(2)

، وقال عليه السلام:"لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث"

(3)

.

قال أبو العباس بن مسروق: حدثنا يحيى الحمَّاني، قال: لما حضرت أبا بكر الوفاة، بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك? انظري إلى تلك الزاوية، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة.

(1)

هو: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، أبو هاشم، ويقال أبو هشام المدني، ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة، كان ثقة قليل الحديث.

(2)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 158"، والبخاري "5052"، ومسلم "1159""182"، والنسائي "4/ 210"، والبيهقي في "السنن""2/ 396" من طرق عن عبد الله بن عمرو في حديث طويل مرفوعا، وفيه:"واقرأ القرآن في كل شهر". قال: قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في كل عشرين". قال: قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في كل عشر". قال قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا". قال: فشددت فشدد علي.

قال: وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر". واللفظ لمسلم. وأخرجه مسلم "1159""184" عن عبد الله بن عمرو مثله.

(3)

صحيح: على شرطهما: أخرجه أحمد "2/ 164 و 189 و 195"، وأبو داود "1390"، والترمذي "2949"، وابن ماجه "1347" من طريق قتادة، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله، عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره.

ص: 446

قال سفيان بن عيينة: قال لي أبو بكر بن عياش: رأيت الدنيا في النوم عجوزًا مشوهة.

وروى ابن أبي الدنيا، عن محمد بن عبيد القرشي -وهو والده، إن شاء الله- قال: قال أبو بكر بن عياش: وددت أنه صفح لي عما كان مني في الشباب، وأن يدي قطعتا.

سئل أبو بكر عن القرآن، فقال: هو كلام الله، غير مخلوق.

وعن أبي بكر، قال: إمامنا

(1)

يهمز "مؤصدة"، فأشتهي أن أسد أذني إذا همزها.

قال أحمد بن يونس: قلت لأبي بكر بن عياش: لي جار رافضي قد مرض. قال: عده مثل ما تعود اليهودي، والنصراني، لا تنوي فيه الأجر.

قال يوسف بن يعقوب الصفَّار: سمعت أبا بكر يقول: ولدت سنة سبع وتسعين، وأخذت رزق عمر بن عبد العزيز، ومكثت خمسة أشهر، ما شربت ماء، ما أشرب إلا النبيذ.

قلت: النبيذ الذي هو نقيع التمر، ونقيع الزبيب، ونحو ذلك، والفقاع، حلال شربه، وأما نبيذ الكوفيين الذي يسكر كثيره، فحرام الإكثار منه عند الحنفية، وسائر العلماء، وكذلك يحرم يسيره عنه الجمهور، ويترخص فيه الكوفيون، وفي تحريمه عدة أحاديث.

وكان الإمام أبو بكر قد قطع الإقراء قبل موته بنحو من عشرين سنة، ثم كان يروي الحروف، فقيدها عنه يحيى بن آدم عالم الكوفة، واشتهرت قراءة عاصم من هذا الوجه، وتلقتها الأمة بالقبول، وتلقاها أهل العراق.

وأما الحديث: فيأتي أبو بكر فيه بغرائب ومناكير.

قال محمد بن المثنى: ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي: حديث أبي بكر بن عياش، عن منصور، عن مجاهد، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عمر: لا تقطع الخمس إلا في خمس. وحديث مطرف، عن الشعبي: أن عمر قال: لا يرث قاتل خطاء ولا عمدًا، حدث بهما أبو بكر، فأيهما أنكر عندك? -وكان حديث مطرف عندي أنكر- فقال: حديث منصور. ثم قال عبد الرحمن: قد سمعتهما منه أربعين سنة.

قال أحمد بن عبد الله بن يونس: حدثنا أبو بكر، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: أتى رجل أهله، فرأى ما بهم من الخصاصة، فخرج إلى البرية، فقالت امرأته: اللهم ارزقنا ما يعتجن ويختبز. قال: فإذا الجفنة ملأى عجينًا، وإذا الرحى تطحن، وإذا التنور

(1)

هو: عاصم بن بهدلة، وهو ابن أبي النجود، أحد القراء السبعة. وهو إمامه في القراءة.

ص: 447

ملأى جنوب شواء. فجاء زوجها، فقال: عندكم شيء? قالت: نعم، رزق الله. فجاء، فكنس ما حول الرحى، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لو تركها لدارت -أو: لطحنت- إلى يوم القيامة"

(1)

. فهذا حديث منكر.

قال أحمد بن حنبل: كان يحيى بن سعيد ينكر: حديث أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد. قال: ذكر عند ابن مسعود امرأة، فقالوا: إنها تغتسل ثم تتوضأ. فقال: أما إنها لو كانت عندي لم تفعل ذلك. قال أحمد: نراه وهم أبو بكر، وإنما هذا يرويه الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة.

الحسن بن عليل العنزي: حدثنا محمد بن إسماعيل القرشي، عن أبي بكر بن عياش، قال: قال لي الرشيد: كيف استخلف أبو بكر رضي الله عنه? قلت: يا أمير المؤمنين! سكت الله، وسكت رسوله، وسكت المؤمنون. فقال: والله ما زدتني إلا عمى. قلت: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أيام، فدخل عليه بلال فقال:"مروا أبا بكر يصلي بالناس". فصلى بالناس ثمانية أيام والوحي ينزل، فسكت رسول الله لسكوت الله، وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأعجبه ذلك، وقال: بارك الله فيك.

زكريا الساجي: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثني محمد بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن أبي بكر بن عياش، قال: طلب الرشيد أبي، فمضى إليه، فقال: إن أبا معاوية حدثني بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون قوم بعدي ينبزون بالرافضة، فاقتلوهم، فإنهم مشركون"، فوالله لئن كان الحديث حقًا، لأقتلنهم. فلما رأيت ذلك، خفت، وقلت: يا أمير المؤمنين! لئن كان ذلك، فإنهم ليحبونكم أشد من بني أمية، وهم إليكم أميل. قال: فسري عنه، وأمر لي بأربع بدر، فأخذتها.

قلت: محمد بن عبد الله: مجهول.

قال أبو سعيد الأشج: قدم جرير بن عبد الحميد، فأخلي له مجلس أبي بكر بن عياش، فقال أبو بكر: والله لأخرجن غدًا من رجالي رجلين، لا يبقى عند جرير أحد. قال: فأخرج أبا إسحاق السبيعي، وأبا حصين.

(1)

منكر: أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير""2/ 189" من طريق العباس بن الفضل الأسفاطي، قال حدثنا أحمد بن يونس، به.

وقال العقيلي في إثره: يروي أبو بكر عن البصريين عن حميد وهشام غير حديث منكر.

وذكر الحديث الحافظ الذهبي في ترجمة أبي بكر بن عياش "4/ 500" وعدَّهُ من جملة منكراته.

ص: 448

الأحمسي: ما رأيت أحدًا أحسن صلاة من أبي بكر بن عياش.

قال نُعيم بن حَمَّاد: كان أبو بكر بن عياش يبزق في وجوه أصحاب الحديث.

وقد اعتنى أبو أحمد بن عدي بأمر أبي بكر، وقال: لم أر له حديثًا منكرًا من رواية ثقة عنه.

قال يوسف بن يعقوب الصفار، وغيره، ويحيى بن آدم، وأحمد بن حنبل: مات أبو بكر في جمادى الأولى، سنة ثلاث وتسعين ومائة.

قلت: عاش ستًّا وتسعين سنة.

أخبرنا ابن قوام، وجماعة قالوا: أخبرنا، ابن الزبيدي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا الداودي، أخبرنا ابن حمويه، أخبرنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا يوسف بن راشد، حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا أبو بكر، عن حميد، عن أنس، سمعه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان يوم القيامة، شفعت، فقلت: يا رب! أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة، فيدخلون، ثم أقول: يا رب! أدخل الجنة من كان في قلبه أدنى شيء"

(1)

. فقال أنس: كأني أنظر إلى أصابع رسول الله.

هذا من أغرب ما في الصحيح. ويوسف: هو القطان، نسبه إلى جده. وأحمد: هو اليربوعي.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "7509".

ص: 449

‌1303 - عَبيدة بن حُميد

(1)

: " خ، (4) "

ابن صهيب، العلامة، الإمام، الحافظ، أبو عبد الرحمن الكوفي، الحذاء. يقال: ولاؤه لبني تيم. وقيل: لبني ليث. وقيل: لضبة، ولم يكن حذاء.

حدث عن: الأسود بن قيس، ويزيد بن أبي زياد، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والركين بن الربيع، والأعمش، ومنصور، ويوسف بن صهيب، وموسى بن أبي عائشة، وعبد العزيز

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 329"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1788"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 171"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 479"، وتاريخ بغداد "11/ 120"، والكاشف "2/ ترجمة 3697"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 5458"، والعبر "1/ 306"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 288"، وتهذيب التهذيب "7/ 81"، وتقريب التهذيب "1/ 547"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4673"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 326".

ص: 449

ابن رفيع، وعبد الملك بن عمير، ومُطَرَّف بن طريف، وأبي مالك الأشجعي، وحميد الطويل، وعطاء بن السائب، وقابوس بن أبي ظَبيان، وخلق سواهم.

وعنه: سفيان الثوري -وهو أكبر منه- وأحمد بن حنبل، وفروة بن أبي المغراء، وقتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان، وعلي بن حجر، وعمرو الناقد، وهناد بن السري، ووهب بن بيان، وابن نمير، وإبراهيم بن مجشر، والحسن بن محمد الزعفراني، وخلق كثير.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سئل أبي عنه، فقال: هو أحب إليَّ من زياد البكائي، وأصلح حديثًا.

وروى الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل، قال: ما أحسن حديثه! هو أحبُّ إليَّ من زياد بن عبد الله.

وقال أبو بكر الأثرم: أحسن أبو عبد الله الثناء على عبيدة بن حميد جدًا، ورفع أمره، وقال: ما أدري ما للناس وله? ثم ذكر صحة حديثه، فقال: كان قليل السقط، وأما التصحيف، فليس تجده عنده.

قال أبو عبد الله: أول ما كتبت عنه في مسجد عفان، ثم كتبت عنه سنة ثمانين، وسنة إحدى وثمانين، في مدينة الوَضاح.

وقال أحمد بن سعد عن يحيى بن معين: ثقة.

وروى عثمان بن سعيد، عن يحيى، قال: ما به المسكين من بأس، ليس له بَخْتٌ.

وقال جعفر بن أبي عثمان الطَّيالسي: عن يحيى بن معين: لم يكن به بأس، كان ينزل في درب المفضل، ثم انتقل إلى قصر وضاح، فعابوه أنه يقعد عند أصحاب الكتب.

وقال علي بن المديني: أحاديثه صحاح، وما رويت عنه شيئًا. وضعفه، وقال مرةً: ما رأيت أصح حديثًا من عبيدة الحذاء، ولا أصح رجالا.

وقال يعقوب بن شيبة: لم يكن من الحفاظ المتقنين.

ذكره سعدويه يومًا، فقال: كان صاحب كتاب، وكان مؤدبًا للأمين، وكان حذاء.

وقال ابن عمَّار: ثقة.

وقال زكريا الساجي: ليس بالقوي، هو من أهل الصدق، كان أحمد بن حنبل يقول: هو قليل السقط، وأما التصحيف، فليس تجده عنده، ورفع أمره جدًّا.

وقال النسائي، وغيره: ليس به بأس.

وعن ابن نُمير، قال: قرأت عليه القرآن منذ خمسين سنة، وكتبت عنه صحيفة عن عمار الدهني، وكان شريك يستعين به في المسائل.

وقال ابن سعد: ثقة، صالح الحديث، صاحب نحو، وعربية، وقراءة، قدم من الكوفة أيام هارون أمير المؤمنين، فصيره مع ابنه محمد، فلم يزل معه حتى مات.

قال هارون بن حاتم: سألت عبيدة بن حميد: متى ولدت? قال: سنة سبع ومائة. قال: ومات سنة تسعين ومائة.

وقال مُطيَّن: مات سنة تسعين.

ص: 450

‌1304 - عَبدة بن سُليمان

(1)

: " ع"

الحافظ، الحجة، القدوة، أبو محمد الكِلابي، الكوفي.

حدث عن: عاصم الأحول، وهشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وطائفة.

وعنه: أحمد، وابن راهويه، وأبو خيثمة، وأبو كريب، وأبو سعيد الأشج، وآخرون.

قال أحمد بن حنبل: هو ثقة ثقة وزيادة، مع صلاح وشدة فقر، عليه فروة خلقة، لا تساوي كبير شيء.

وقال أحمد العِجلي: ثقة، صالح، صاحب قرآن، كان يُقرئ.

قلت: توفي في ثالث رجب، سنة ثمان وثمانين ومائة، بالكوفة، وصلى عليه قرابته المحدث محمد بن ربيعة الكلابي.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 390"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1879"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 167"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 457"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 290"، والعبر "1/ 299"، والكاشف "2/ ترجمة 3574"، وتهذيب التهذيب "6/ 458"، وتقريب التهذيب "1/ 530"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4518"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 320".

ص: 451

‌1305 - عبَّاد بن العَّوام

(1)

: " ع"

ابن عمر بن عبد الله بن المنذر، الإمام، المحدث، الصدوق، أبو سهل الكِلابي، الواسطي.

حدث عن: أبي مالك الأشجعي، وعبد الله بن أبي نجيح المكي، وأبي إسحاق الشيباني، وابن عون، وسعيد الجُريري، وعدة.

وعنه: أحمد بن حنبل، وعمرو الناقد، وزياد بن أيوب، وعلي بن مسلم الطوسي، والحسن بن عرفة، وخلق سواهم.

وثقه أبو داود، وغيره.

وقال ابن سعد: كان من نبلاء الرجال في كل أمره. قال: وكان يتشيع، فحبسه الرشيد زمانًا، ثم خلى عنه، فأقام ببغداد.

قلت: أظنه خرج مع إبراهيم، فلذلك سجنه.

قال الحسن بن عرفة: سألني وكيع عن عباد بن العوام، ثم قال: ليس عندكم أحد يشبهه.

قلت: توفي سنة بضع وثمانين ومائة.

أخبرنا عبد الحافظ، أخبرنا موسى، أخبرنا ابن البناء، أخبرنا علي بن البسري، أخبرنا المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن أبي سمينة، حدثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن قتادة، عن زرارة، عن عمران بن حصين:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث: يقرأ في الأولى: بـ "سبح"، وفي الثانية: بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثالثة: بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

(2)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 330"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 427" و"2/ 271"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 425"، وتاريخ بغداد "11/ 104"، والكاشف "2/ ترجمة 2596"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 248"، والعبر "1/ 203 و 293"، وتهذيب التهذيب "5/ 99"، وتقريب التهذيب "1/ 393"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3316"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 310".

(2)

صحيح: أخرجه النسائي "3/ 247"، من طريق شبابة، عن شعبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران، به.

وأخرجه النسائي "3/ 235" من طريق علي بن ميمون، عن مخلد بن يزيد الحرَّاني، حدثنا سفيان الثوري، عن زُبيد اليامي، عن سعيد بن عبد الرحمن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، به ورواه الطبراني "12679"، وابن عدي في "الكامل""5/ 367 - 368"، وأبو نعيم في "الحلية""5/ 62" والبيهقي "3/ 41" من طرق عن عطاء بن مسلم الخفاف، حدثنا العلاء بن المسيب، عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس، به.

قلت: إسناده ضعيف، عطاء بن مسلم الخفاف، ليس بالقوي. وحبيب بن أبي ثابت، مدلس، وقد عنعنه.

ص: 452

‌1306 - عمر بن علي

(1)

: " ع"

ابن عطاء بن مُقَدِّم، الإمام، الحافظ، الحجة، المدلس، أبو حفص الثقفي مولاهم، المقدمي، البصري، والد محمد وعاصم، وعم الإمام محمد بن أبي بكر المقدمي.

يروي عن: هشام بن عروة، وأبي حازم الأعرج، وخالد الحذاء، وإسماعيل بن أبي خالد، وابن إسحاق، والأعمش، وطبقتهم.

حدث عنه: أحمد، وعمرو بن علي، وابن المديني، وخليفة بن خياط، وأحمد بن المقدام، وأحمد بن عبدة، وحفص بن عمرو الربالي، ومحمد بن بشار، وخلق كثير.

وثقه ابن سعد، وغيره.

وقال ابن معين: ما به بأس.

وقال أبو حاتم: لا يحتج به.

وقال محمد بن سعد: ثقة، كان يدلس تدليسًا شديدًا، يقول: سمعت وحدثنا، ثم يسكت ساعة، ثم يقول: هشام بن عروة، سليمان الأعمش.

قلت: قد احتمل أهل الصحاح تدليسه، ورضوا به.

توفي في جمادى الأولى، سنة تسعين ومائة.

أخبرنا علي بن أحمد العلوي، أخبرنا أبو الحسن القطيعي، أخبرنا أبو بكر بن الزاغوني، أخبرنا أبو نصر الزينبي، أخبرنا أبو طاهر الذهبي، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا الحسن بن

داود المنكدري، حدثنا عمر بن علي المقدمي، حدثنا ابن إسحاق، سمعت أبا سعد الخطمي، قال ابن صاعد -وهو شرحبيل بن سعد- قال: سمعت جابرًا يقول: صلى بي رسول الله صلى الله وبجبار بن صخر، فأقامنا خلفه. غريب.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 291"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2098"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 169 و 595 و 613" و"2/ 95"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 678"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1213"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 272"، والكاشف "2/ ترجمة 4164"، والعبر "1/ 306" وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6172"، وتهذيب التهذيب "1/ 485"، وتقريب التهذيب "2/ 61"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5215"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 326".

ص: 453

‌1307 - الأشجعي

(1)

: " خ، م، ت، س، ق"

عبيد الله بن عبيد الرحمن -وقيل: ابن عبد الرحمن، الحافظ، الثبت، الإمام، أبو عبد الرحمن الأشجعي، الكوفي نزيل بغداد.

حدث عن: هشام بن عروة، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر، ومجمع بن يحيى الأنصاري، وهارون بن عنترة، ومساور الوراق، ومالك بن مغول، وسفيان، وشعبة، وجماعة.

وعنه: ابن المبارك، وأبو النضر هاشم، وعبد الرحمن بن غزوان قراد، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن يمان بن معين، وأبو خيثمة، وعثمان بن أبي شيبة، وأحمد بن حميد الكوفي، وأبو كريب، وأبو همام السكوني، ويعقوب الدورقي، وخلق، وابناه: أبو عبيدة، وعباد.

قال إبراهيم بن إسماعيل بن النضر: سمعت الأشجعي: سمعت من سفيان الثوري ثلاثين ألف حديث.

وقال أبو داود السجستاني: كان عند الأشجعي، ويحيى بن آدم، عن سفيان: ثلاثون ألفًا.

وقال ابن سعد: روى الأشجعي كتب الثوري على وجهها، وروى عنه "الجامع".

وكان من أهل الكوفة، فلم يزل ببغداد حتى مات.

وقال أحمد بن سليمان الرهاوي: سمعت قبيصة يقول: لما مات سفيان، أرادوا الأشجعي على أن يقعد -يعني: مكان سفيان- فأبى، حتى كلموا زائدة، فقعد.

قال أبو بكر الأعين: سألت أحمد بن حنبل عن أصحاب سفيان، فقال: يحيى القطان، ووكيع، وعبد الرحمن، ثم الأشجعي.

(1)

ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 716"، وتاريخ بغداد "10/ 311" وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 289"، والعبر "1/ 282"، وتهذيب التهذيب "7/ ترجمة 64".

ص: 454

وروى أبو داود، عن أحمد، قال: كان الأشجعي يكتب في المجلس، فمن ذاك، صح حديثه.

وروى عباس، عن يحيى بن معين، قال: ليس أحد في حديث الثوري يشبه هؤلاء: ابن المبارك، ويحيى بن سعيد، ووكيع، وابن مهدي، وأبو نعيم، فقيل له: والأشجعي? قال: الأشجعي: ثقة، مأمون، ولكن هاتوا من يروي عنه.

قلت: صدق، فإن الرواية عنه عزيزة؛ لتقدم موته، وقلة ما خرج عنه.

ثم قال: وبعد هؤلاء في سفيان: يحيى بن آدم، وعبيد الله بن موسى، وأبو أحمد الزبيري، وأبو حذيفة، وقبيصة، ومعاوية بن هشام، والفريابي، وأبو داود الحفري.

وروى عثمان بن سعيد، عن ابن معين: ثقة، صالح.

وروى أحمد بن محمد بن محرز، عن ابن معين، قال: ما كان بالكوفة أحد أعلم بسفيان من الأشجعي، كان أعلم به من ابن مهدي، ومن يحيى بن سعيد

، وسمى جماعة.

وقال أبو حاتم: سألت يحيى بن معين، عن مهران بن أبي عمر، والأشجعي، في سفيان، فقال: الأشجعي -كأنه قدمه- ومهران كانت فيه عجمة.

وقال النسائي: ثقة.

قال ابن حبان: عبيد الرحمن أخو مبارك بن فضالة، عن بكر المزني، يروي عنه مسلم بن إبراهيم، قال: وليس في المحدثين عبيد الرحمن سواه، ووالد الأشجعي.

وقال أبو داود: في أول سنة اثنتين وثمانين ومائة مات الأشجعي.

وقال الأشجعي: كتبت عن سفيان ثلاثين ألفًا.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا أحمد بن أبي الفتح، والفتح بن عبد الله، أخبرنا محمد بن عمر القاضي، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، أخبرنا علي بن عمر الحربي، أخبرنا أحمد بن الحسن الصوفي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا الأشجعي، عن موسى، فروى عن الحسن، قال: إن أزهد الناس في العالم جيرانه، وشر الناس لميت أهله، يبكون عليه، ولا يقضون دينه.

ص: 455

‌1308 - عبد الله بن مصعب

(1)

:

ابن ثابت، ابن الخليفة عبد الله بن الزبير بن العوام، الأمير الكبير، أبو بكر الأسدي، الزبيري، والد مصعب الزبيري.

روى عن: موسى بن عقبة، وأبي حازم، وهشام بن عروة.

وعنه: ابنه، وهشام بن يوسف، وآخرون.

وكان جميلًا، سريًّا، محتشمًا، فصيحًا، مفوهًا، وافر الجلالة، محمود الولاية، كان يحبه المهدي، ويحترمه.

جمع له الرشيد مع اليمن إمرة المدينة.

بعث إليه الوزير أبو عبيد الله بألفي دينار، فأبى، وقال: لا أقبل إلا من خليفة.

وقد لينه ابن معين.

وقال أبو حاتم: هو من بابة عبد الرحمن بن أبي الزناد.

قلت: عاش سبعين سنة، وتوفي سنة أربع وثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "10/ 173".

ص: 456

‌1309 - حاتم بن إسماعيل

(1)

: " ع"

المحدث، الحافظ، أبو إسماعيل الكوفي، ثم المدني، مولى بني عبد المدان.

حدث عن: هشام بن عروة، ويزيد بن أبي عبيد، وجعفر الصادق، وخُثَيم بن عراك، والجُعَيد بن عبد الرحمن، ومعاوية بن أبي مُزَرِّد، وعمران القصير.

وعنه: القعنبي، وقتيبة، وإسحاق، وهناد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كُريب، وعدد كثير.

قال أحمد بن حنبل: هو أحب إلي من الدراوردي.

ووثقه جماعة.

قال ابن حبان: توفي في جمادى الأولى، في تاسعه، سنة سبع وثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "3/ ترجمة 1154"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 1595"، والعبر "1/ 292"، وتهذيب التهذيب "2/ 128"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".

ص: 456

‌1310 - بقية بن الوليد

(1)

: " خت، م، (4) "

ابن صائد بن كعب بن حَريز، الحافظ، العالم، محدِّث حمص، أبو يحمد الحميري، الكلاعي، ثم الميتمي، الحمصي، أحد المشاهير الأعلام.

ولد سنة عشر ومائة، سمع ذلك منه: يزيد بن عبد ربه الجُرْجُسي.

وروى عن: محمد بن زياد الألهاني، وصفوان بن عمرو السَّكْسكي، وبحير بن سعد، وثور بن يزيد، وبشر بن عبد الله بن يسار، وحبيب بن صالح الطائي، وحصين بن مالك الفزاري، والسري بن ينعم الجُبْلاني، وضُبَارة بن مالك، وعثمان بن زفر، وعتبة بن أبي حكيم، ومحمد بن عبد الرحمن بن عِرْق اليحصبي، ومحمد بن الوليد الزبيدي، ومسلم بن زياد، ويونس بن يزيد الأيلي، والوضين بن عطاء، ويزيد بن عوف، وأبي بكر بن أبي مريم، وحريز بن عثمان، وأمم سواهم، والأوزاعي، وشعبة، ومالك، وابن المبارك، وينزل إلى: يزيد بن هارون، وأقرانه. وقد روى عن: تلميذه؛ إسحاق بن راهويه.

وكان من أوعية العلم، لكنه كدر ذلك بالإكثار عن الضعفاء، والعوام والحمل عمن دب ودرج.

وروى عنه: شعبة، والحمادان، والأوزاعي، وابن جريج -وهم من شيوخه- وابن المبارك، ويزيد بن هارون، والوليد بن مسلم، ووكيع -وهم من أقرانه- وإسماعيل بن عياش -وهو أكبر منه- وحَيوة بن شُريح، ويزيد بن عبد ربه، وأسد بن موسى، وداود بن رشيد، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن جحر، ونعيم بن حماد، وهشام بن عمار، وإبراهيم بن موسى الفراء، وسويد بن سعيد، وعمرو بن عثمان بن سعيد، وأخوه؛ يحيى، وأبو التقي هشام بن عبد الملك، ومحمد بن مُصفى، وعيسى بن أحمد العسقلاني، ومحمد بن عمرو بن حنان، ومهنا بن يحيى، وهشام بن خالد الأزرق، ويعقوب الدورقي، وعبدة بن عبد الرحيم المروزي، وخلق كثير، خاتمتهم: أبو عتبة أحمد بن الفرج الحجازي.

روى رباح بن زيد الكوفي، عن ابن المبارك، قال: إذا اجتمع إسماعيل بن عياش، وبقية بن الوليد، فبقية أحب إلي.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2012"، والضعفاء الكبير للعقيلي "1/ ترجمة 203"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 1728"، والمجروحين لابن حبان "1/ 200"، والكامل لابن عدي "2/ ترجمة 302"، وتاريخ بغداد "7/ 123"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 269"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 1250"، وتهذيب التهذيب "1/ 473"، وتقريب التهذيب "1/ 105".

ص: 457

وروى سفيان بن عبد الملك، عن ابن المبارك، قال: بقية كان صدوقًا، لكنه يكتب عمن أقبل وأدبر.

وقال يحيى بن المغيرة الرازي، عن ابن عيينة: لا تسمعوا من بقية ما كان في سنة، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره.

قلت: لهذا أكثر الأئمة على التشديد في أحاديث الأحكام، والترخيص قليلا، لا كل الترخيص في الفضائل والرقائق، فيقبلون في ذلك ما ضعف إسناده، لا ما اتهم رواته، فإن الأحاديث الموضوعة، والأحاديث الشديدة الوهن، لا يلتفتون إليها، بل يروونها للتحذير منها، والهتك لحالها، فمن دلسها، أو غطى تبيانها، فهو جان على السنة، خائن لله ورسوله، فإن كان يجهل ذلك، فقد يعذر بالجهل، ولكن سلو أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون

(1)

.

قال أبو معين الرازي، عن يحيى بن معين، قال: كان شعبة مبجلا لبقية حيث قدم بغداد.

عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سئل أبي عن بقية، وإسماعيل، فقال: بقية أحب إلي، وإذا حدث عن قوم ليسوا بمعروفين، فلا تقبلوه.

قال أحمد بن زهير: سئل ابن معين، عن بقية، فقال: إذا حدث عن الثقات مثل صفوان بن عمرو، وغيره، وأما إذا حدث عن أولئك المجهولين، فلا، وإذا كنى الرجل أو لم يسم اسمه، فليس يساوي شيئًا.

(1)

يقول محمد أيمن الشبراوي -عفا الله عنه: حقيق بالذكر أن الأحاديث الضعيفة لا يجوز العمل بها في مجال العقائد والأحكام باتفاق العلماء. أما العمل بالأحاديث الضعيفة في مجال فضائل الأعمال فقد اشترط العلماء للعمل بها ثلاثة شروط: الأول: أن يشهد لهذا الحديث الضعيف أصل من أصول الدين أو قاعدة كلية. الشرط الثاني: أن لا يكون الحديث ضعيفا شديد الضعف فلا يجوز العمل بخبر انفرد به كذاب أو متهم بالكذب. الشرط الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط.

أما الأحاديث الشديدة الضعف فلا يجوز العمل بها في العقائد أو الأحكام أو الفضائل باتفاق العلماء.

وقد أنكر جمهرة من العلماء العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال مثل البخاري، ومسلم، وداود الظاهري، وابن حزم، وغيرهم من العلماء. وقالوا بأن أحاديث فضائل الأعمال أعمال لها أحكام، ولا تخرج عن الأحكام الخمسة: الواجب، والمندوب، والحرام، والمكروه، والمباح. ففي الصحيح غنية عن الاستدلال بالضعيف من الأحاديث. أما رواية الأحاديث الموضوعة والشديدة الضعف فلا يجوز روايتها إلا على سبيل التحذير منها وهتك أستار كل من رواها من الوضاعين والمتهمين. وقد أجمع علماء السلف والخلف قاطبة على عدم جواز العمل بهاتيك الأحاديث الموضوعة أو الشديدة الضعف لا في مجال العقائد أو الأحكام أو فضائل الأعمال.

ص: 458

وسئل: أيما أثبت هو أو إسماعيل? قال: كلاهما صالحان.

يعقوب بن شيبة عن أحمد بن العباس، سمعه يحيى بن معين يقول: بقية يحدث عمن هو أصغر منه، وعنده ألفا حديث عن شعبة صحاح، كان يذاكر شعبة بالفقه. ولقد قال لي أبو نعيم: كان بقية يضن بحديثه عن الثقات، طلبت منه كتاب صفوان، قال: كتاب صفوان? ثم قال ابن معين: كان يحدث عن الضعفاء بمائة حديث قبل أن يحدث عن الثقة بحديث.

قال يعقوب بن شيبة: بقية: ثقة، حسن الحديث إذا حدث عن المعروفين، ويحدث عن قوم متروكي الحديث، وضعفاء، ويحيد عن أسمائهم إلى كناهم، وعن كناهم إلى أسمائهم، ويحدث عمن هو أصغر منه.

حدث عن سويد بن سعيد الحدثاني.

قال ابن سعد: كان بقية ثقة في الرواية عن الثقات، ضعيفًا في روايته عن غير الثقات.

قلت: وهو أيضًا ضعيف الحديث إذا قال: عن، فإنه مدلس.

وقال أحمد العجلي: ثقة عن المعروفين، فإذا روى عن مجهول، فليس بشيء.

وقال أبو زرعة: بقية عجب، إذا روى عن الثقات، فهو ثقة، ويحدث عن قوم لا يعرفون، ولا يضبطون. وقال: ما له عيب، إلا كثرة روايته عن المجهولين، فأما الصدق، فلا يؤتى من الصدق.

وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب إلي من إسماعيل بن عياش.

وقال أبو عبد الرحمن النسائي: إذا قال: حدثنا وأخبرنا، فهو ثقة، وإذا قال: عن فلان، فلا يؤخذ عنه؛ لأنه لا يدري عمن أخذه.

وقال أبو أحمد بن عدي: يخالف في بعض روايته الثقات، وإذا روى عن أهل الشام، فإنه ثبت، وإذا روى عن غيرهم، خلط، وإذا روى عن المجهولين، فالعهدة منهم، لا منه، وهو صاحب حديث، يروي عن الصغار والكبار، ويروي عنه الكبار من الناس، وهذه صفة بقية.

وقال ابن حبان: سمع بقية من شعبة، ومالك، وغيرهما أحاديث مستقيمة، ثم سمع من أقوام كذابين عن شعبة، ومالك، فروى عن الثقات بالتدليس ما أخذ عن الضعفاء.

قال أبو مسهر الغساني: أحاديث بقية ليست نقية، فكن منها على تقية.

ص: 459

وقال أبو إسحاق الجوزجاني: رحم الله بقية، ما كان يبالي إذا وجد خرافة عمن يأخذه، فإن حدث عن الثقات، فلا بأس به.

وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن ضمرة، وبقية، فقال: ضمرة أحب إلينا، ضمرة ثقة، رجل صالح.

قال أبو داود: بقية أحسن حالا من الوليد بن مسلم، وليس هذا عند الناس كذا.

قال حجاج بن الشاعر: سئل سفيان بن عيينة عن حديث من هذه الملح، فقال: أبو العجب أخبرنا، بقية بن الوليد أخبرنا.

قال إمام الأئمة ابن خزيمة: لا أحتج ببقية. ثم قال: حدثنا أحمد ابن الحسن الترمذي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: توهمت أن بقية لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل، فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير، فعلمت من أين أتي.

قال أبو حاتم بن حبان: دخلت حمص، وأكبر همي شأن بقية، فتتبعت حديثه، وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه، فرأيته ثقة، مأمونًا، ولكنه كان مدلسًا، يدلس على عبيد الله بن عمر، وشعبة، ومالك، ما أخذه عن مثل مجاشع بن عمرو، والسري بن عبد الحميد، وعمر بن موسى المَيْتَمي، وأشباههم، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء عنهم، فكان يقول: قال عبيد الله، وقال مالك، فحملوا عن بقية، عن عبيد الله، وعن بقية بن مالك، وسقط الواهي بينهما، فالتزق الموضوع ببقية، وتخلص الواضع من الوسط.

وكان ابن معين يوثقه.

وحدثنا سليمان بن محمد الخزاعي بدمشق، حدثنا هشام بن خالد، حدثنا بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من أدمن على حاجبه بالمشط، عوفي من الوباء"

(1)

.

(1)

باطل: أخرجه ابن حبان في "المجروحين""1/ 201 - 202" حدثنا سليمان بن محمد الخزاعي، بدمشق، حدثنا هشام بن خالد الأزرق، حدثنا بقية، به.

وقال ابن حبان في إثره: "موضوع، يشبه أن يكون بقية سمعه من إنسان ضعيف عن ابن جريج فدلس عليه فالتزق كل ذلك به".

ص: 460

وبه: إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جامع أحدكم زوجته، فلا ينظر إلى فرجها، فإن ذلك يورث العمى"

(1)

.

وبه: قال -عليه الصلاة السلام: "تربوا الكتاب وسحوه من أسفله، فإنه أنجح للحاجة"

(2)

.

وبه: "من أصيب بمصيبة، فاحتسب ولم يشك إلى الناس، كان حقًّا على الله أن يغفر له"

(3)

.

(1)

موضوع: أخرجه ابن حبان في "المجروحين""1/ 200"، وابن عدي في "الكامل""2/ 75"، وابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق هشام بن خالد حدثنا بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، به مرفوعا.

وقال ابن حبان: "كان بقية يروي عن كذابين ويدلس، وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه، فيشبه أن يكون هذا من بعض الضعفاء عن ابن جريج ثم دلس عنه، وهذا موضوع".

وقال ابن أبي حاتم "2/ 295" بعد أن ذكر هذا الحديث وحديثين آخرين معه: "وقال أبي: هذه الثلاثة الأحاديث موضوعة لا أصل لها، وكان بقية يدلس، فظن هؤلاء أنه يقول في كل حديث: "حدثنا" ولم يفتقدوا الخبر منه". وأقره الذهبي في "الميزان" وجعله أصل قوله في ترجمة هشام: "يروى عن ثقات الدماشقة، لكن يروج عنه".

(2)

منكر: أخرجه ابن حبان في "المجروحين""1/ 202"، وابن عدي في "الكامل""2/ 75" من طريق هشام بن خالد الأزرق حدثنا بقية، حدثني ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، به.

وقال ابن حبان بعد أن ذكر أحاديث بهذا الإسناد: كلها موضوعة.

وقد تقدم تخريجنا لهذا الحديث من طريق جابر في تعليقنا السابق رقم "426" في هذا الجزء فراجعه ثمت فإنك ستقف على شواهد منكرة له لا يزيد الحديث بها إلا وهنا على وهن فراجعه ثمت تفد علما ثرا وهذا من فضل الله علي لقوله للتحدث بنعمة الله علينا كما قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]، فالحمد لله على نعمائه حمدا كثيرا طيبا ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد.

(3)

موضوع: أخرجه الطبراني في "الكبير""11/ 11438" من طريق هشام بن خالد، حدثنا بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا.

وأورده الهيثمي في "المجمع""2/ 331" وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه بقية مدلس".

قلت: ومن طريقه رواه ابن أبي حاتم في "العلل""2/ 126/ 1871" وقال في إثره: "قال أبي هذا حديث موضوع لا أصل له، وكان بقية يدلس فظنوا هؤلاء أنه يقول في كل حديث حدثنا ولا يعتقدون الخبر منه".

ص: 461

وحديث: "لا تأكلوا بالخمس، فإنها أكلة الأعراب، ولا بالمشيرة والإبهام، ولكن بثلاث، فإنها سنة"

(1)

.

وهذه بواطيل.

وقال أبو حاتم في حديث: يورث العمى، وحديث: المصيبة، وحديث: الأكل بالخمس: هذه موضوعات لا أصل لها

(2)

.

أحمد بن يونس الحمصي: حدثنا الوليد بن مسلم، عن بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس:"رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في دم الحُبُون"

(3)

.

عمر بن سنان المنبجي، وعبدان: حدثنا أبو التقي هشام بن عبد الملك، حدثنا بقية، حدثني مالك بن أنس، عن عبد الكريم الهمداني، عن أبي حمزة، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل نسي الأذان والإقامة، فقال:"إن الله يجاوز عن أمتي السهو في الصلاة"

(4)

. ثم قال ابن حبان عقيبه: عبد الكريم: هو الجزري، وأبو حمزة: هو أنس بن مالك، حدثناه عبدان وابن سنان.

(1)

موضوع: أخرجه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"، وهو من مظان الأحاديث الضعيفة والموضوعة وما لا أصل له، ومتن الحديث تمجه الأفهام المستقيمة، والعقول المستنيرة بضياء السنة المشرفة الصحيحة، لذا قال ابن أبي حاتم في "العلل" "2/ 295/ 2394" بعد أن ذكر هذا الحديث والحديثين الذين ذكرناهما قبل:"قال أبي هذه الثلاثة الأحاديث موضوعة لا أصل لها وكان بقية يدلس فظن هؤلاء أنه يقول في كل حديث حدثنا ولم يفتقدوا الخبر منه".

(2)

قاله ابن أبي حاتم في "العلل""2/ 295/ 2394"، فقد ذكر هذه الأحاديث ثمت وأردفها بالقول السابق الذين ذكرناه في التعليق السابق".

(3)

موضوع: أخرجه ابن عدي في "الكامل""2/ 75" من طريق محمد بن عوف، حدثنا أحمد بن يونس الحمصي، به، وذكر الذهبي الحديث في ترجمة "بقية بن الوليد""1/ 333" مع الأحاديث السابقة، وعد جميعها من الموضوعات.

(4)

باطل: أخرجه ابن عدي في "الكامل""2/ 75" حدثنا عمر بن سنان وعبدان قالا حدثنا هشام بن عبد الملك، حدثنا بقية، به.

وقال ابن عدي في إثره: وهذا الحديث باطل لا يرويه عن مالك غير بقية، وعبد الكريم الهمداني، هو عبد الكريم الجزري، وأبو حمزة، إنما يريد به أنس بن مالك، وإنما نبت عبدان الأهوازي على هذا الحديث حتى أدخله في مسند أنس بن مالك، وقد روى بقية هذا الحديث بإسناد آخر والعتبة على عبدان، فقال أخبرنا هشام بن عبد الملك، عن بقية وهو مرسل فقلت له: إنما هو أبو حمزة يعني به أنس، فقال: ما علمت، ودعا بمسند أنس فكتبه فيه، وعند بقية لهذا الحديث إسناد آخر عن مجهول.

ص: 462

قلت: هذا الحديث لا يحتمل، وقد رواه الوليد بن عتبة المقرئ، قال: حدثنا بقية، حدثنا عبيد رجل من همدان، عن قتادة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس، قال: قيل: يا رسول الله! الرجل ينسى الأذان والإقامة؟ فهذا أشبه، مع أن عبيدًا لا يدري من هو، فهو آفته

(1)

.

محمد بن محمد الباغندي: حدثنا سليمان بن سلمة الخبائري، حدثنا بقية، حدثنا مالك، عن الزهري، عن أنس، عن النبي -عليه الصلاة السلام:"انتظار الفرج عبادة"

(2)

. وهذا باطل، ما رواه مالك، بل ولا بقية، بل المتهم به سليمان.

وكذلك الآفة في حديث الخضر: بينما هو يمشي في سوق بني إسرائيل، بطوله. رواه: عبد الوهاب بن الضحاك -ذاك العُرْضي المتهم- وسليمان بن عبيد الله الرقي -الذي قال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء- كلاهما عن بقية، حدثنا محمد بن زياد، عن أبي أمامة الباهلي، مرفوعًا.

ولبقية، عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، مرفوعًا:"من أدرك ركعة من الجمعة وتكبيرتها فقط، فقد أدرك الصلاة".

فهذا منكر، وإنما يروي الثقات عن الزهري بعض هذا بدون ذكر الجمعة، ودون قوله:"وتكبيرتها فقط".

ولبقية: حدثنا ابن المبارك، عن جرير بن حازم، عن الزبير بن الخريت، عن عكرمة، عن ابن عباس، مرفوعًا:"نهى عن طعام المتباريين"

(3)

. وهذا الصواب مرسل.

(1)

ذكره ابن عدي في "الكامل""2/ 76".

(2)

موضوع: أخرجه ابن عدي في "الكامل""2/ 76"، والخطيب في "تاريخه""2/ 155" من طريق سليمان بن سلمة، به، وقال ابن عدي في إثره: وهذا حديث باطل عن مالك بهذا الإسناد لا يروى عنه غير بقية.

قلت: بقية مشهور بالتدليس، ولا يغتر بتصريحه بالتحديث فإن الراوي عنه سليمان بن سلمة الخبائري، وهو كذاب كما قال الذهبي في ترجمته، وذكر هذا الحديث.

(3)

صحيح لغيره: أخرجه أبو داود "3754"، وابن عدي في "الكامل""2/ 77" من طريق جرير بن حازم، عن الزبير بن خريت، به.

قلت: هو مرسل صحيح الإسناد، وللحديث شاهد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ "المتباريان لا يجابان ولا يؤكل طعامهما". أخرجه ابن السماك في جزئه "ورقة 64/ 1" حدثنا سعيد بن عثمان الأهوازي، أخبرنا معاذ بن أسد، نا علي بن الحسن الضرير، عن أبي حمزة السكري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، به.

قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات.

ص: 463

عباس الدوري: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يحيى بن معين، عن يزيد الجرجسي، حدثنا بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، رفعه: أنه سلم تسليمة

(1)

.

فحاصل الأمر: أن لبقية عن الثقات أيضًا ما ينكر، وما لا يتابع عليه.

مهنا بن يحيى: حدثنا بقية، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن أبي هريرة، مرفوعًا:"يحشر الحكارون، وقتلة النفس إلى جهنم في درجة واحدة"

(2)

. تفرد به: مهنا، وهو صدوق. وفي سنده انقطاع.

بقية بن الوليد: قال شريك، عن كليب بن وائل، عن ابن عمر، مرفوعًا:"لا تساكنوا الأنباط في بلادهم، ولا تناكحوا الخوز، فإن لهم أصولا تدعوهم إلى غير الوفاء"

(3)

. وهذا منكر جدًّا، قد أسقط بقية من حدثه به عن شريك.

قال العقيلي: حدثنا محمد بن سعيد، حدثنا عبد الرحمن بن الحكم، عن وكيع، قال: ما سمعت أحدًا أجرأ على أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بقية.

قال عبد الحق في "الأحكام" له في مواضع: بقية لا يحتج به. وروى أيضًا له أحاديث ساكتًا عن تليينها.

قال الحافظ أبو الحسن بن القطان: بقية يدلس عن الضعفاء، ويستبيح ذلك، وهذا إن صح، مفسد لعدالته.

(1)

أخرجه ابن عدي في "الكامل""2/ 77" من طريق سلميان بن سلمة، حدثنا بقية، عن الزبيدي، به.

قلت: إسناده موضوع، فيه بقية، وهو مدلس يدلس تدليس التسوية، والراوي عنه سليمان بن سلمة الخبائري كذاب كما قال الذهبي. لكن أحاديث الاقتصار على التسليمة الواحدة وردت عن عدد من الصحابة، عن عائشة، وعن أنس، وسعد بن أبي وقاص، ومن حديث سهل بن سعد الساعدي، وسلمة ابن الأكوع، وهي صحيحة بمجموعها.

(2)

منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل""2/ 78" من طريق مهنأ بن يحيى الشامي، به.

قلت: إسناده واه، فيه بقية بن الوليد، مدلس، يدلس تدليس التسوية. وفيه مهنأ بن يحيى الشامي، قال الأزدي: منكر الحديث. وقال الدارقطني: ثقة نبيل.

والحديث ذكره السيوطي في "اللآلئ المصنوعة""2/ 146" وقال في إثره: "لا يصح بقية مدلس عن الضعفاء والمتروكين".

(3)

منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل""2/ 78"، وهو منكر ظاهر النكارة وكذا قال ابن عدي في إثره:"وهذا حديث منكر لا أعلم يرويه غير بقية".

ص: 464

قلت: نعم، تيقنا أنه كان يفعله، وكذلك رفيقه الوليد بن مسلم، وغير واحد، ولكنهم ما يظن بهم أنهم اتهموا من حدثهم بالوضع لذلك، فالله أعلم.

أخبرنا عبد الخالق بن عبد السلام ببعلبك، أخبرنا أبو محمد بن قدامة الفقيه، أخبرنا طاهر بن محمد، أخبرنا عبدوس بن عبد الله الهمداني، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الطوسي، حدثنا محمد بن يعقوب الأصم، حدثنا أبو عتبة، حدثنا بقية، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني أزهر بن عبد الله، سمعت عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كنا نسمع أنه يقال: إذا اجتمع عشرون رجلا أو أكثر، أو أقل فلم يكن فيهم من يهاب في الله، فقد حضر الأمر.

كثير بن عبيد: حدثنا بقية، حدثنا شعبة، حدثني عاصم الأحول، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، مرفوعًا:"من تكفل لي أن لا يسأل امرأ شيئًا، أتكفل له بالجنة"

(1)

. غريب جدًّا.

محمد بن مصفى، وآخر، قالا: حدثنا بقية، عن الأوزاعي، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، مرفوعًا:"مجوس هذه الأمة القدرية"

(2)

.

(1)

صحيح: أخرجه أبو داود "1643" من طريق عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي العالية، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل له بالجنة، فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدا شيئا".

قلت: إسناده حسن، عاصم، هو ابن بهدلة، صدوق. وأخرجه أحمد "5/ 276" من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، به، وأخرجه النسائي "5/ 96" من طريق يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن قيس، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، عن ثوبان مرفوعا بلفظ:"من يضمن لي واحدة وله الجنة"، قال يحيى: هاهنا كلمة معناها: أن لا يسأل الناس شيئا.

(2)

حسن لغيره: أخرجه ابن ماجه "92"، والطبراني في "الصغير""ص 127"، وابن أبي عاصم في "السنة""328"، والآجري في "الشريعة""ص 190" من طريق محمد بن مصفى، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه أبو الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس، وهو مدلس وقد عنعنه. وفيه ابن جريج مدلس أيضا، وقد عنعنه. وقد صرح بقية بن الوليد بالتحديث في سند ابن أبي عاصم في "السنة" فأمنا شر تدليسه.

وللحديث شاهد عن حذيفة مرفوعا: "إن لكل أمة مجوسا وإن مجوس هذه الأمة الذين يزعمون أن لا قدر فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم هم شيعة الدجال".

أخرجه أبو داود، وأحمد "5/ 406، 407" من طريق سفيان عن عمر مولى غفرة، عن رجل، عن حذيفة به مرفوعا. =

ص: 465

عطية بن بقية: حدثنا أبي، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"السباق أربعة: أنا سابق العرب، وبلال سابق الحبشة، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق الفرس"

(1)

. وهذا حديث منكر، فرد، والأظهر أن بلالا ليس بحبشي، وأما صهيب، فعربي من النمر بن قاسط.

صح من غير وجه، عن ابن المبارك، قال: بقية أحب إليَّ من إسماعيل بن عياش.

وروى مسلم

(2)

، عن ابن راهويه، عمن حدثه: أن ابن المبارك قال: نعم الرجل بقية، لولا أنه يكني الأسماء، ويسمي الكنى، كان دهرًا يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي، فنظرنا، فإذا هو عبد القدوس.

أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: روي بقية عن عبيد الله مناكير.

وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: أيما أحب إليك: بقية أو محمد ابن حرب? فقال: ثقة، وثقة.

قلت: وكان بقية شيخًا حمصيًّا مزاحًا.

قال أبو التقي اليزني: سمعت بقية يقول: ما أرحمني ليوم الثلاثاء، ما يصومه أحد.

= قلت: إسناده ضعيف لجهالة الرجل الذي لم يسم، وعمر مولى غفرة ضعيف، وفيه اضطراب في إسناده فأخرجه أحمد "2/ 86" حدثنا أنس بن عياض، حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة، عن عبد الله بن عمر مرفوعا به. وأخرجه أحمد "2/ 125" من طريق عبد الرحمن بن صالح بن محمد الأنصاري، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة، عن نافع عن ابن عمر، به. وتابعه زكريا بن منظور، حدثنا أبو حازم، عن نافع، به دون قوله:"هم شيعة الدجال" أخرجه الآجري "ص 190". وزكريا بن منظور ضعيف، فيتقوى أحدهما بالآخر فيما اتفقا عليه. لا سيما ويشهد له الحديث قبله. وقد رواه من طريق زكريا الطبرانيُّ في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" للهيثمي "7/ 205" وقال: وثقه أحمد بن صالح وغيره، وضعفه جماعة.

(1)

حسن لغيره: أخرجه ابن عدي في "الكامل""2/ 75" من طريق عطية، به.

قلت: إسناده ضعيف، فيه بقية، وهو مدلس، يدلس تدليس التسوية. وله شاهد عن أنس: أخرجه الحاكم "3/ 285" من طريق محمد بن غالب، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا عمرة بن زادان، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه به قلت: وإسناده ضعيف عمارة بن زادان البصري، ضعيف، ضعفه الدارقطني، وأبو داود.

(2)

ذكره مسلم في "مقدمة صحيحه""ص 26" قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال سمعت بعض أصحاب عبد الله قال: قال ابن المبارك: نعم الرجل بقية

" فذكره.

ص: 466

ابن عدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق، سمعت بركة بن محمد الحلبي يقول: كنا عند بقية في غرفة، فسمع الناس يقولون: لا، لا. فأخرج رأسه من الروزنة، وجعل يصيح معهم: لا، لا. فقلنا: يا أبا يحمد، سبحان الله! أنت إمام يقتدى بك! قال: اسكت، هذه سنة بلدنا. بركة واه.

وقال أبو علي النيسابوري الحافظ: أخبرنا محمد بن خالد البردعي بمكة، حدثنا عطية بن بقية، قال: قال أبي: دخلت على هارون الرشيد، فقال لي: يا بقية! إني أحبك. فقلت: ولأهل بلدي يا أمير المؤمنين? قال: إنهم جند سوء، لهم كذا كذا غدرة. ثم قال: حدثني؟ فقلت: حدثنا محمد بن زياد، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سابق العرب

"، وذكر الحديث. فقال: زدني. فقلت: حدثني محمد بن زياد، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا، مع كل ألف سبعين ألفًا، وثلاث حثيات من حثيات ربي"

(1)

. قال: فامتلأ من ذلك فرحًا، وقال: يا غلام! الدواة. وكان القيم بأمره الفضل بن الربيع، ومرتبته بعيدة، فناداني: يا بقية! ناول أمير المؤمنين الدواة بجنبك. قلت: ناوله أنت يا هامان. فقال: أسمعت ما قال أمير المؤمنين? قال: اسكت، فما كنت عنده هامان حتى أكون أنا عنده فرعون.

محمد بن مُصفَّى: حدثنا بقية، قال: قال لي شعبة: بحر لنا، بحر لنا، أي: حدثنا عن بحير بن سعد. وقال حيوة بن شريح: حدثنا بقية، قال لي شعبة: أهد لي حديث بحير. فبعث بها إليه، يعني: صحيفة بحير فمات شعبة، ولم تصل إليه.

عمر بن سنان المَنْبِجِي: حدثنا عبد الوهاب بن الضحاك، قال لي بقية: فقال لي شعبة: يا أبا يحمد! نحن أبصر بالحديث وأعلم به منكم. قلت: أتقول ذا يا أبا بسطام? قال: نعم. قلت: فما تقول في رجل ضرب على أنفه، فذهب شمه? فتفكر فيها، وجعل ينظر، وقال: أيش تقول يا أبا يحمد? فقلت: حدثنا ابن ذي حماية، قال: كان مشيختنا يقولون: يجعل في أنفه الخردل، فإن حركه، علمنا أنه كاذب، وإن لم يحركه، فقد صدق.

ابن أبي السري العسقلاني: عن بقية، قال لي شعبة: ما أحسن حديثك! ولكن ليس له أركان. فقلت: حديثكم أنتم ليس له أركان تجيئني بغالب القطان، وحميد الأعرج، وأبي

(1)

حسن: أخرجه أحمد "5/ 268"، والترمذي "2437"، وابن ماجه "4286"، وابن أبي عاصم في "السنة""589" من طرق عن إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد الألهاني، به.

قلت: إسناده حسن، إسماعيل بن عياش، صدوق في روايته عن أهل بلده، وقد روى عن الألهاني، وهو حمصي شامي مثله.

ص: 467

التياح، وأجيئك بمحمد بن زياد الألهاني، وأبي بكر بن أبي مريم الغساني، وصفوان بن عمرو السكسكي، يا أبا بسطام! أيش تقول لو ضرب رجل رجلا، فذهب شمه? قال: ما عندي فيها شيء

، الحديث.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء، عن عبد الرحيم بن أبي سعد، أخبرنا عبد الله بن محمد الفراوي، أخبرنا محمد بن عبيد الله، أخبرنا عبد الملك بن حسن، أخبرنا أبو عوانة الحافظ، حدثنا سعيد بن عمرو السكوني، وعطية بن بقية، وأبو عتبة الحمصيون، قالوا: حدثنا بقية، حدثنا الزبيدي، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دعي إلى عرس أو نحوه، فليجب"

(1)

.

وبه: أخبرنا أبو عوانة، حدثنا الدبري، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا أحدكم أخاه، فليجب، عرسًا، كان أو غيره"

(2)

.

وبه، أخبرنا أبو عوانة، حدثنا أبو أمية، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا ليث، عن محمد بن عبد الرحمن بن غنج، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دعا أحدكم أخاه، فليأته، عرسًا، أو نحوه". وهذا صحيح، ولم يخرجه مسلم. وأخرج الأول عن ابن راهويه، عن عيسى بن المنذر، عن بقية، وليس لبقية في الصحيح سواه.

قال أبو الحسن الدارقطني: كنية بقية: أبو يحمد، وأهل الحديث تقوله لفتح الياء.

قال حيوة بن شريح: سمعت بقية يقول: لما قرأت على شعبة أحاديث بحير بن سعد، فقال: يا أبا يحمد! لو لم أسمعها منك، لطرت.

أبو أحمد بن عدي: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، حدثنا مسهر، حدثنا بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي راشد، قال: أخذ بيدي أبو أمامة وقال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قال:"يا أبا أمامة، إن من المؤمنين من يلين له قلبي"

(3)

.

قال أبو التقي اليزني: من قال: إن بقية قال: حدثنا، فقد كذب، ما قال قط إلا: حدثني فلان.

قال ابن سعد، ومطين، وطائفة: مات بقية سنة سبع وتسعين ومائة.

قلت: وفيها مات حافظ العراق وكيع، وحافظ مصر ابن وهب، وهشام بن يوسف قاضي اليمن، وشعيب بن حرب بالمدائن، وعثمان بن سعيد ورش مقرئ مصر.

وعاش بقية: سبعًا وثمانين سنة رحمه الله.

(1)

صحيح: وقد صرح بقية بالتحديث فأمنا شر تدليسه، فالإسناد صحيح.

(2)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق "19667"، ومن طريق مسلم "1429""100"، وأبو داود "3738" عن معمر، به.

(3)

ضعيف: في إسناده بقية بن الوليد، وهو مدلس، مشهور بتدليس التسوية، وقد عنعنه. وهو عند ابن عدي في "الكامل""2/ 72 و 76" من طريق بقية، عن محمد بن زياد الألهاني، به. وقال ابن عدي في إثره: وهذا الحديث لا أعرفه إلا ببقية.

ص: 468

‌1311 - العباس

(1)

:

ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، الأمير، نائب الشام، أبو الفضل العباسي.

ولي الشام لأخيه المنصور، وولي الجزيرة للرشيد، وحج بالناس مرات، وغزا الروم مرة في ستين ألفًا.

قال شباب: دخل الروم، وبث سراياه، فغنم، ونصر في سنة تسع وخمسين.

ونقل غير واحد: أن العباس هذا، كان من رجالات بني هاشم جودًا، ورأيًا، وشجاعة، وكان الرشيد يهابه ويجله.

قال شباب: ولد سنة عشرين ومائة. وتوفي: سنة ست وثمانين ومائة.

وكان أنبل بني العباس في وقته.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "1/ 95" و"12/ 124"، والعبر "1/ 192"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 120"، وتهذيب تاريخ دمشق "7/ 253".

ص: 469

‌1312 - القاضي أبو يوسف

(1)

:

هو الإمام، المجتهد، العلامة، المحدث، قاضي القضاة، أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الأنصاري، الكوفي.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3463"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 133" و"3/ 4"، وتاريخ بغداد "14/ 242"، وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ 378"، وتاريخ جرجان للسهمي "444"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 273"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9794"، والعبر "1/ 284"، ومرآة الجنان لليافعي "1/ 382"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 107"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 298".

ص: 469

وسعد بن بُجَير له صحبة، وهو سعد ابن حَبْتَة؛ وهي أمه، وهو بَجَلي، من حلفاؤء الأنصار، شهد الخندق، وغيرها.

مولد أبي يوسف في سنة ثلاث عشرة ومائة.

حدث عن: هشام بن عروة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وأبي إسحاق الشيباني، وعبيد الله بن عمر، والأعمش، وحجاج بن أرطاة، وأبي حنيفة، ولزمه، وتفقه به، وهو أنبل تلامذته، وأعلمهم، تخرج به أئمة: كمحمد بن الحسن، ومعلى بن منصور، وهلال الرأي، وابن سماعة، وعدة.

وحدث عنه: يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن الجعد، وأسد بن الفرات، وأحمد بن منيع، وعلي بن مسلم الطوسي، وعمرو بن أبي عمرو الحراني، وعمرو الناقد، وعدد كثير.

وكان أبوه فقيرًا، له حانوت ضعيف، فكان أبو حنيفة يتعاهد أبا يوسف بالدراهم، مائة بعد مائة.

فروى علي بن حرملة التيمي، عنه قال: كنت أطلب العلم وأنا مقل، فجاء أبي، فقال: يا بني! لا تمدَّنَّ رجلك مع أبي حنيفة، فأنت محتاج. فآثرت طاعة أبي، فأعطاني أبو حنيفة مائة درهم، وقال: الزم الحلقة، فإذا نفذت هذه، فأعلمني. ثم بعد أيام أعطاني مائة.

ويقال: إنه ربي يتيمًا، فأسلمته أمه قصارًا.

وعن محمد بن الحسن، قال: مرض أبو يوسف، فعاده أبو حنيفة، فلما خرج، قال: إن يمت هذا الفتى، فهو أعلم من عليها.

قال أحمد بن حنبل: أول ما كتبت الحديث، اختلفت إلى أبي يوسف، وكان أميل إلى المحدثين من أبي حنيفة ومحمد.

قال إبراهيم بن أبي داود البُرُلُسي: سمعت ابن معين يقول: ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث، ولا أحفظ، ولا أصح رواية من أبي يوسف.

وروى عباس، عن ابن معين: أبو يوسف صاحب حديث، صاحب سنة.

وعن يحي البرمكي، قال: قدم أبو يوسف، وأقل ما فيه الفقه، وقد ملأ بفقهه الخافقين.

قال أحمد: كان أبو يوسف منصفًا في الحديث.

ص: 470

وعن أبي يوسف، قال: صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة.

وعن هلال الرأي، قال: كان أبو يوسف يحفظ التفسير، ويحفظ المغازي، وأيام العرب، كان أحد علومه الفقه.

وعن ابن سماعة، قال: كان ورد أبي يوسف في اليوم مائتي ركعة.

قال ابن المديني: ما أخذ على أبي يوسف إلا حديثه في الحجر، وكان صدوقًا.

قال يحيى بن يحيى التميمي: سمعت أبا يوسف عند وفاته يقول: كل ما أفتيت به، فقد رجعت عنه، إلا ما وافق الكتاب والسنة. وفي لفظ: إلا ما في القرآن، واجتمع عليه المسلمون.

قال بشر بن الوليد: سمعت أبا يوسف: من طلب المال بالكيمياء، أفلس، ومن طلب الدين بالكلام، تزندق، ومن تتبع غريب الحديث، كذب.

قال ابن عدي: لا بأس به.

وقال النسائي في "طبقات الحنفية": وأبو يوسف ثقة.

وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه.

بكار بن قتيبة: سمعت أبا الوليد، قال: لما قدم أبو يوسف البصرة مع الرشيد، اجتمع الفقهاء والمحدثون على بابه، فأشرف عليهم، وقال: أنا من الفريقين جميعًا، ولا أقدم فرقة. على فرقة قال: وكان قاضي الآفاق، ووزير الرشيد، وزميله في حَجِّه.

محمد بن شجاع: حدثنا الحسن بن أبي مالك، سمعت أبا يوسف يقول: لا نصلي خلف من قال: القرآن مخلوق. ولا يفلح من استحلى شيئًا من الكلام.

قلت: بلغ أبو يوسف من رئاسة العلم ما لا مزيد عليه، وكان الرشيد يبالغ في إجلاله.

قال محمد بن سعدان: حدثنا أبو سليمان الجوزجاني، سمعت أبا يوسف يقول: دخلت على الرشيد وفي يده دُرَّتان يقبلهما، فقال: هل رأيت أحسن منهما? قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: وما هو? قلت: الوعاء الذي هما فيه. فرمى بهما إلي، وقال: شأنك بهما.

قال بشر بن الوليد: توفي أبو يوسف يوم الخميس، خامس ربيع الأول، سنة اثنتين وثمانين ومائة.

وقال غيره: مات في غرة ربيع الآخر، وعاش تسعًا وستين سنة. وقد أفردت له ترجمة في كراس.

وما أنبل قوله الذي رواه جماعة، عن بشر بن الوليد، سمعت أبا يوسف يقول: العلم بالخصومة والكلام جهل، والجهل بالخصومة والكلام علم.

قلت: مثاله شبه وإشكالات من نتائج أفكار أهل الكلام، تورد في الجدال على آيات الصفات وأحاديثها، فيكفر هذا هذا، وينشأ الاعتزال، والتجهم، والتجسيم، وكل بلاء. نسأل الله العافية.

ص: 471

‌1313 - أبو إسحاق الفزاري

(1)

: " ع"

الإمام، الكبير، الحافظ، المجاهد، إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لَوْذَان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذُبيان بن بَغيض بن رَيْث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الفزاري، الشامي.

ولجدهم خارجة صحبة، وهو أخو عيينة بن حصن.

حدث عن: أبي إسحاق السبيعي، وكليب بن وائل، وعطاء بن السائب، وليث بن أبي سليم، وعبد الملك بن عمير، وسهيل بن أبي صالح، وأسلم المنقري، وأبي إسحاق الشيباني، وهشام بن عروة، وحميد الطويل، وسليمان الأعمش، وخالد الحذاء، وعبيد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعاصم بن كليب، والعلاء بن المسيب، والثوري، وزائدة، وابن شوذب، وشعيب بن أبي حمزة، ومالك، وخلق.

وكان من أئمة الحديث.

حدث عنه: الأوزاعي، والثوري -وهما من شيوخه- وابن المبارك، وبقية، وابن عمه؛ مروان بن معاوية الفزاري، وأبو أسامة، وزكريا بن عدي، وعاصم بن يوسف اليربوعي، وأبو توبة الحلبي، وعبد الله بن عون الخراز، وعبد الملك بن حبيب المصيصي -شيخ لأبي داود- ومحبوب بن موسى الفراء، وموسى بن أيوب النصيبي، ومعاوية بن عمرو الأزدي، وعمرو الناقد، ومحمد بن عبد الرحمن بن سهم، وأبو نعيم الحلبي، وخلق كثير.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1005"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 177"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 259"، والعبر "1/ 290"، وتهذيب التهذيب "1/ 151".

ص: 472

ذكره أبو حاتم، فقال: الثقة، المأمون الإمام.

وقال النسائي: ثقة، مأمون، أحد الأئمة.

قال الخليلي: قال الحُميدي: قال لي الشافعي: لم يصنف أحد في السير مثل كتاب أبي إسحاق.

وقال أبو حاتم: اتفق العلماء على أن أبا إسحاق الفزاري إمام يقتدى به، بلا مدافعة.

قال: وقال الحميدي: جاء رجل إلى ابن عيينة، فقال: حدثني أبو إسحاق عنك بكذا. فقال: ويحك! إذا سمعت أبا إسحاق يحدث عني، فلا يضرك أن لا تسمعه مني.

وقال أحمد العجلي: كان ثقة، صاحب سنة، صالحًا، هو الذي أدب أهل الثغر، وعلمهم السنة، وكان يأمر وينهى، وإذا دخل الثغر رجل مبتدع، أخرجه، وكان كثير الحديث، وكان له فقه.

أمر سلطانًا ونهاه، فضربه مائتي سوط، فغضب له الأوزاعي، وتكلم في أمره.

قال سفيان بن عيينة: كان إمامًا.

وقال محمد بن يوسف الأصبهاني البناء: حدث الأوزاعي بحديث، فقال: حدثني الصادق المصدوق أبو إسحاق الفزاري.

وقال أبو صالح الفراء: لقيت الفضيل بن عياض، فعزاني بأبي إسحاق، وقال: ربما اشتقت إلى المصيصة، ما بي فضل الرباط، إلا أن أرى أبا إسحاق رحمه الله.

قلت: آخر من حدث عنه وفاة: علي بن بكار المصيصي الصغير، وبقي إلى نحو سنة ستين ومائتين.

وقيل: إن أبا إسحاق روى حديثًا عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن، والصواب أن بينهما زائدة. والله أعلم.

قال أبو داود: مات سنة خمس.

وقال البخاري: سنة ست وثمانين ومائة.

وأما محمد بن سعد، فوهم، وقال: مات سنة ثمان وثمانين ومائة.

قلت: من أبناء الثمانين هو، أو جاوزها بقليل.

قال أبو مسهر: قدم أبو إسحاق الفزاري دمشق، فاجتمع الناس ليسمعوا منه، فقال:

ص: 473

اخرج إلى الناس، فقل لهم: من كان يرى القدر، فلا يحضر مجلسنا، ومن كان يرى رأي فلان، فلا يحضر مجلسنا. فخرجت، فأخبرتهم.

وقال أبو حاتم: ثقة، مأمون، عظيم الغناء في الإسلام.

ويروى أن هارون الرشيد أخذ زنديقًا ليقتله، فقال الرجل: أين أنت من ألف حديث وضعتها? قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري، وابن المبارك يتخللانها، فيخرجانها حرفًا حرفًا.

قال أبو داود الطيالسي: توفي أبو إسحاق الفزاري وليس على وجه الأرض أحد أفضل منه.

وعن سفيان بن عيينة، قال: والله ما رأيت أحدًا أقدمه على أبي إسحاق الفزاري.

وقال عطاء الخفاف: كنت عند الأوزاعي، فأراد أن يكتب إلى أبي إسحاق الفزاري، فقال لكاتبه: ابدأ به، فإنه -والله- خير مني.

قال علي بن بكار الزاهد: رأيت ابن عون فمن بعده، ما رأيت فيهم أفقه من أبي إسحاق الفزاري.

قال عبد الرحمن بن مهدي: إذا رأيت شاميًا يحب الأوزاعي، وأبا إسحاق، فاطمئن إليه.

قال سفيان بن عيينة: دخلت على هارون، فقال: يا أبا إسحاق! إنك في موضع وفي شرف قلت: يا أمير المؤمنين! ذاك لا يغني عني في الآخرة شيئًا.

وقال أبو أسامة: سمعت الفضيل بن عياض يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، وإلى جنبه فرجة فذهبت لأجلس، فقال: هذا مجلس أبي إسحاق الفزاري.

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق القرافي، أخبرنا المبارك بن أبي الجود، أخبرنا أحمد بن أبي غالب العابد، أخبرنا عبد العزيز بن علي، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا محمد بن هارون الحضرمي، حدثنا زيد بن سعد، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدخل على مؤمن سرورًا، فقد سرني، ومن سرني، فقد اتخذ عند الله عهدًا، ومن اتخذ عند الله عهدًا، فلن تمسه النار أبدًا". هذا حديث شبه موضوع، مع لطافة إسناده، وزيد هذا: لم أجد له ذكرًا في دواوين الضعفاء، والآفة منه.

ص: 474

إبراهيم بن سعيد الجوهري: قلت لأبي أسامة: أيهما أفضل: فضيل بن عياض، أو أبو إسحاق الفزاري? فقال: كان فضيل رجل نفسه، وكان أبو إسحاق رجل عامة.

وقال عبيد بن جَنَّاد: قال عطاء بن مسلم: قلت لأبي إسحاق الفزاري: ألا تسب من ضربك? قال: إذًا أحبه.

فلما مات أبو إسحاق، قال عطاء: ما دخل على الأمة من موت أحد، ما دخل عليهم من موت أبي إسحاق.

قال ابن مهدي: كان الأوزاعي والفزاري إمامين في السنة.

وروى معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق، قال الأوزاعي في الرجل يسأل: أمؤمن أنت حقًّا? قال: إن المسألة عن ذلك بدعة، والشهادة عليه تعمق لم نكلفه في ديننا، ولم يشرعه نبينا القول فيه جدل، والمنازعة فيه حدث، وذكر فَصْلا نافعًا.

ص: 475

‌1314 - البَكَّائي

(1)

: " خ، م، ت، ق"

الشيخ، الحافظ، المحدث، أبو محمد زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري، البكَّائي، الكوفي، راوي السيرة النبوية عن ابن إسحاق.

حدث عن: حُصين بن عبد الرحمن، وعبد الملك بن عمير، وعطاء بن السائب، ومنصور بن المعتمر، وعاصم الأحول، وسليمان الأعمش، وعدة.

وعنه: عبد الملك بن هشام النحوي، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، وزياد بن أيوب، والحسن بن عرفة، وزكريا زحمويه، وآخرون.

قال أحمد، وغيره: ليس به بأس.

وقال عبد الله بن إدريس: ما أحد في ابن إسحاق أثبت من زياد البكائي؛ لأنه أملى عليه مرتين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 396"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 1218"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 444" و"3/ 276"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 529"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 2425"، والمجروحين لابن حبان "1/ 306"، والكامل لابن عدي "3/ ترجمة 691"، وتاريخ بغداد "8/ 476"، والأنساب للسمعاني "1/ 270"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 248" والعبر "1/ 287"، والكاشف "1/ ترجمة 1712"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 2949"، وتهذيب التهذيب "3/ 375"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2208".

ص: 475

وقال ابن معين: ثقة في ابن إسحاق.

وروى عباس، عن يحيى، قال: ليس بشيء، قد كتبت عنه المغازي.

وقال ابن المديني: لا أروي عنه شيئًا.

وقال صالح جزرة: هو في نفسه ضعيف الحديث، لكنه من أثبت الناس في المغازي، باع داره، وخرج يدور مع ابن إسحاق.

وقال النسائي: ليس بالقوي.

وقال أبو زرعة: صدوق.

وقال أبو حاتم: لا يحتج به.

وقال الترمذي: كثير المناكير.

قال ابن حبان: حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا زحمويه، حدثنا زياد، عن إدريس الأودي، عن عون بن أبي جُحَفية، عن أبيه، قال: أذن بلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى، وأقام مثل ذلك

(1)

.

ثم قال ابن حبان: هذا باطل، قد رواه الثوري، والناس، عن عون، ولم يذكروا تثنية الإقامة.

توفي في سنة ثلاث وثمانين ومائة.

(1)

صحيح لغيره: أخرجه ابن حبان في "المجروحين""1/ 303"، والدارقطني "1/ 242" من طريق زكريا بن يحيى زحمويه حدثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل، به.

قلت: إسناده ضعيف، آفته زياد بن عبد الله بن الطفيل، قال أبو حاتم: لا يُحتج به. وقال ابن المديني والنسائي، وابن سعد، ضعيف. والحديث ذكره الذهبي في ترجمته في "الميزان" وعده من مناكيره. وقال ابن حبان في إثر هذا الحديث:"هذا خبر باطل ما أذن بلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى "مثنى" و"ما" أقام مثل ذلك إنما كان أذانه مثنى "مثنى" وإقامته فرادى وهذا الخبر رواه الثوري والناس عن عون بن أبي جحيفة بطوله ولم يذكروا فيه تثنية الأذان و"لا" الإقامة وإنما قالوا: خرج بلال فأذن فقط". ثم قال: "قال ابن عدي: زياد بن عبد الله قد روى عنه الثقات من الناس وما أرى في روايته بأسا".

يقول محمد أيمن الشبراوي: لكن الحديث قد رواه عبد الله بن زيد: عند ابن أبي شيبة في "مسنده""136"، والطحاوي "79 - 80"، وابن خزيمة "380"، والبيهقي "1/ 240" من طريق وكيع، عن الأعمش عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصاري

قلت: وإسناده صحيح. وصححه ابن خزيمة فقال: "أما ما رواهُ العراقيون عن عبد الله بن زيد فقد ثبت من جهة النقل"، ورواه أبو محذورة: عند أبي داود "502"، والترمذي "192"، والنسائي "1/ 103"، وابن ماجه "709"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار""1/ 130 و 135"، وابن أبي شيبة "1/ 203"، وأحمد "3/ 409". فإفراد الإقامة وتثنيتها صحيح، وكلاهما وارد صحيح، والعمل بأيهما جائز.

ص: 476

‌1315 - عبد الواحد

(1)

: " ع"

ابن زياد، الإمام، الحافظ، أبو بشر -وقيل: أبو عُبيدة- العبدي مولاهم، البصري.

حدث عن: كليب بن وائل، وحبيب بن أبي عمرة، والمختار بن فلفل، وعاصم الأحول، وسليمان الأعمش، وعمارة بن القعقاع، وطبقتهم.

وعنه: أبو داود الطيالسي، وعفان، ومسدد، ويحيى بن يحيى، وعبيد الله القواريري، وقتيبة بن سعيد، وخلق كثير.

وثقه أحمد بن حنبل.

وقال يحيى بن معين: ليس بشيء.

ولينه يحيى القطان، وقال: قلما رأيته يطلب العلم.

وقال أبو داود الطيالسي: عمد عبد الواحد إلى أحاديث كان الأعمش يرسلها، فوصلها كلها.

قال ابن المديني: سمعت القطان يقول: ما رأيت عبد الواحد يطلب حديثًا قط بالبصرة، ولا الكوفة، فكنا نجلس على بابه يوم الجمعة بعد الصلاة، فأذاكره حديث الأعمش، لا يعرف منه حرفًا.

قلت: قد كان من علماء الحديث، وحديثه مخرج في الصحاح، ولكن عبد الوارث أحفظ منه وأتقن.

قال الفلاس، وغيره: توفي سنة ست. وقال أحمد بن حنبل: سنة سبع وسبعين ومائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 289"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1706"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 168 و 344" و"3/ 122"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1015"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 108"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1443"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 244"، والكاشف "2/ ترجمة 3549"، والعبر "1/ 269"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5287"، وتهذيب التهذيب "6/ 434"، وتقريب التهذيب "1/ 526"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4490".

ص: 477

أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن أبي روح، أخبرنا تميم المؤدب، أخبرنا أبو سعد الأديب، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى، حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم الأحول، عن عبد الله، وهو ابن سرجس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزًا ولحمًا -أو قال: ثريدًا- فقلت: غفر الله لك يا رسول الله. قال: "ولك". قلت له: أستغفر لك رسول الله? قال: نعم، ولك، وتلا:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "2346"، وأحمد "5/ 82" من طريق عاصم الأحول، به.

ص: 478

‌1316 - جرير بن عبد الحميد

(1)

: " ع"

ابن يزيد، الإمام، الحافظ، القاضي، أبو عبد الله الضبي، الكوفي.

نزل الري، ونشر بها العلم. ويقال: مولده بأعمال أصبهان. ونشأ بالكوفة.

قال محمد بن حُميد، عن جرير: ولدت سنة مات الحسن، سنة عشر

(2)

.

حدث عن: عبد الملك بن عمير، وبيان بن بشر، وعبد العزيز بن رفيع، ومغيرة بن مقسم، ومطرف بن طريف، والعلاء بن المسيب، وثعلبة بن سهيل، وعاصم الأحول، وسليمان التيمي، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وإبراهيم بن محمد بن المنتشر، ورقبة بن مصقلة، وعطاء بن السائب، وليث بن أبي سليم، وأبي إسحاق الشيباني، وسليمان الأعمش، وأبي حيان التيمي، وإسماعيل بن أبي خالد، وموسى بن أبي عائشة، ويزيد بن أبي زياد، ومنصور بن المعتمر، وقابوس بن أبي ظبيان، والمختار بن فُلْفُل، وخلق كثير.

وينزل إلى ابن إسحاق، ومالك، وكان من مشايخ الإسلام.

حدث عنه: ابن المبارك، ومحمد بن عيسى بن الطبَّاع، ويحيى بن يحيى، وقتيبة، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 381"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2235"، والضعفاء الكبير للعقيلي "1/ ترجمة 244"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 2080"، وتاريخ بغداد "7/ 253"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 1466"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 257"، والكاشف "1/ ترجمة 780"، وتهذيب التهذيب "2/ 75"، وتقريب التهذيب "1/ 127"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 127".

(2)

أي: عشر ومائة.

ص: 478

راهويه، وإبراهيم بن موسى الفراء، وأبو خيثمة، وإسحاق بن موسى الخطمي، وزياد بن أيوب، وعبد الله بن محمد الأذرمي

(1)

، وسفيان بن وكيع، وعلي بن حجر، ومحمد بن عمرو زُنَيج، ومحمد بن قدامة بن أعين، ويحيى بن أكثم، ويعقوب الدورقي، ويوسف بن موسى، وعمرو بن رافع، وعثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن قدامة الطوسي، ومحمد بن قدامة بن إسماعيل السلمي البخاري، وخلق كثير.

وقد نسبه عيسى بن سليمان الوراق، عن يوسف بن موسى، فقال: جرير بن عبد الحميد بن جرير بن قرط بن هلال بن أبي قيس بن وحف بن عبد بن غنم بن عبد الله بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد؟ قال: وعاش سبعًا وسبعين سنة.

قال ابنُ سعد: كان ثقة، كثير العلم، يرحل إليه.

وقال ابن عَمَّار: هو حجة، كانت كتبه صحاحًا، وما كان زيه زي محدث، فإذا حدث

أي: كان يشبه العلماء.

وقال زُنَيج

(2)

: سمعت جريرًا يقول: رأيت ابن أبي نَجيح، ولم أكتب عنه شيئًا، ورأيت جابرًا الجعفي، فلم أكتب عنه شيئًا، ورأيت ابن جريج، ولم أكتب عنه. فقال له رجل: ضيعت يا أبا عبد الله. قال: لا، أما جابر، فكان يؤمن بالرجعة، وأما ابن أبي نجيح، فكان يرى القدر، وأما ابن جريج، فإنه أوصى بنيه بستين امرأة، وقال: لا تزوجوا بهن، فإنهن أمهاتكم -كان يرى المتعة.

قلت: أما امتناعه من الجعفي، فمعذور؛ لأنه كان مبتدعًا، ولم يكن بالثقة، وأما الآخران، ففرط فيهما، وهما من أئمة العلم، وإن غلطا في اجتهادهما.

قال سليمان بن حرب: كان جرير بن عبد الحميد، وأبو عوانة يتشابهان في رأي العين، ما كانا يصلحان إلا أن يكونا راعيي غنم. وقد كتبت عن جرير بمكة.

يعقوب بن شيبة: سمعت أبا الوليد الطيالسي، قال قدمت الري بعقب موت شعبة، ومعي أبو داود، وحملت معي أصل كتابي عن شعبة. قال: فكان جرير يجالسنا عند تاجر، فسمعنا نذكر الحديث، قال: فيعجب بالحديث إعجاب رجل سمع العلم وليس له حفظ،

(1)

نسبة إلى إذرمة، وهي قرية عند نصيبين من الجزيرة كما ذكر ابن الأثير في "اللباب".

(2)

زُنَيج: هو محمد بن عمرو بن بكر الرازي، أبو غسان، ثقة، وهو من الطبقة العاشرة وهم كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ممن لم يلق التابعين. روى له مسلم، وأبو داود، وابن ماجه.

ص: 479

فسمعني أذكر: عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، حديث صفوان بن عسال

(1)

، أو حديث:"إنكما علجان، فعالجا عن دينكما"

(2)

. فقال: اكتبه لي. فكتبته له، وحدثته به. قال: وتحدثت بحديث فضالة بن عبيد: حديث القلادة

(3)

، قال: فاستحسنه، وقال: اكتبه لي، فكتبته له، وحدثته به عن ليث بن سعد. فقال لي: قد كتبت عن

(1)

ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 239 و 240"، والترمذي "2733" و"3144" وقال حسن صحيح، والنسائي "7/ 111"، وابن ماجه "3705"، والبيهقي في "دلائل النبوة""6/ 286" والعقيلي في "الضعفاء""2/ 261" من طرق عن شعبة، به ولفظه عن صفوان بن عسال قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي فقال صاحبه: لا تقل نبي، إنه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات بينات، فقال لهم:"لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرفوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولوا الفرار يوم الزحف، وعلكيم خاصة اليهود أن لا تعتدوا في السبت، قال: فقبلوا يده ورجله"، فقال: نشهد أنك نبي. قال: "فما يمنعكم أن تتبعوني؟ ". قالوا: إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود".

قلت: إسناده ضعيف، عبد الله بن سلمة المرادي، تغيَّر حفظه كما قال الحافظ في "التقريب" وقال البخاري: لا يتابع في حديثه. وقال أبو حاتم: تعرفُ وتُنْكرُ.

وقال شعبة: روى عبد الله بن سلمة هذا الحديث بعد ما كبر -أي بعد تغير حفظه.

(2)

ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 107"، والطيالسي "101"، وأبو داود "229"، وابن ماجه "594"، والحاكم "1/ 152"، والبزار "708"، وأبو يعلى "406" و"408"، وابن خزيمة "208"، والبيهقي "1/ 88 - 89" من طرق عن شعبة، به. ولفظه عن عبد الله بن سلمة قال: دخلت على عليٍّ رضي الله عنه أنا ورجلان رجل منا ورجل من بني أسد أحسب، فبعثهما عليٌّ رضي الله عنه وجها -أي إلى جهة يتوجهان إليها- وقال: إنكم علجان فعالجا عن دينكما، ثم قال فدخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة فتمسح بها ثم جعل يقرأ القرآن، فأنكروا ذلك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه -أو قل يحجزه- عن القرآن شيء ليس الجنابة".

قلت: وإسناده ضعيف، لأجل عبد الله بن سلمة المرادي، وقد علمت أقوال الأئمة فيه في الحديث السابق، فراجعه ثمَّت.

(3)

صحيح: أخرجه أحمد "6/ 21"، ومسلم "1591""90"، وأبو داود "3352"، والترمذي "1255"، والنسائي "7/ 279" من طريق قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن أبي شجاع سعيد بن يزيد، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن فَضالة بن عُبيد قال: اشتريتُ يوم خيبر قلادةً باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصَّلتها. فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تباع حتى تُفصَّل".

قوله: بقلادة: القلادة من حلي النساء. تعلقها المرأة في عنقها.

ففصلتها: أي ميزت ذهبها وخرزها.

ص: 480

منصور، ومغيرة

، وجعل يذكر الشيوخ. فقلت له: حدثنا. فقال: لست أحفظ، كتبي غائبة عني، وأنا أرجو أن أوتى بها، قد كتبت في ذلك، فبينا نحن كذلك، إذ ذكر يومًا شيئًا من الحديث. فقلت: أحسب أن كتبك قد جاءت. قال: أجل. فقلت لأبي داود: جليسنا جاءته كتبه من الكوفة، اذهب بنا ننظر فيها. قال: فأتيناه، فنظرنا في كتبه.

وقال إبراهيم بن هاشم: ما قال لنا جرير قط ببغداد: حدثنا، ولا في كلمة واحدة. فقلت: تراه لا يغلط مرة، فكان ربما نعس، فنام، ثم ينتبه، فيقرأ من الموضع الذي انتهى إليه.

ونزل ببغداد على ابن المسيب، فلما عبر إلى الجانب الشرقي، جاء المد، فقلت لأحمد بن حنبل: تعبر? فقال: أمي لا تدعني. فعبرت أنا، فلزمته، ولم يكن السندي يدع أحدًا يعبر -يعني: لكثرة المد- فلبثت عنده عشرين يومًا، فكتبت عنه ألفًا وخمسمائة حديث، وكتبت عنه قبل أن يخرج إلى مكة حديثًا بالسفينتين على دابته.

يعقوب السدوسي: سمعت علي بن المديني يقول: كان جرير بن عبد الحميد صاحب ليل وكان له رَسَنٌ، يقولون: إذا أعيى، تعلق به -يريد أنه كان يصلي.

ثم قال يعقوب: ذكر لأبي خيثمة إرسال جرير للحديث، وأنه لم يكن يقول: حدثنا، وقيل له: تراه كان يدلس? فقال أبو خيثمة: لم يكن يدلس؛ لأنا كنا إذا أتيناه وهو في حديث الأعمش، أو منصور، أو مغيرة، ابتدأ، فأخذ الكتاب، فقال: حدثنا فلان، ثم يحدث عنه منهم في حديث واحد، ثم يقول بعد: منصور منصور، أو الأعمش الأعمش، لا يقول في كل حديث: حدثنا حتى يفرغ المجلس.

قال يعقوب: وحدثنا عبد الرحمن بن محمد، سمعت سليمان الشاذكوني يقول: قدمت على جرير، فأعجب بحفظي، وكان لي مكرمًا. قال: فقدم يحيى بن معين، والبغداديون الذين معه، وأنا ثم، فرأوا موضعي منه، فقال له بعضهم: إن هذا إنما بعثه يحيى القطان، وعبد الرحمن، ليفسد حديثك عليك، ويتبع عليك الأحاديث، وكان قد حدثنا عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: فبينا أنا عند ابن أخيه يومًا، إذ رأيت على ظهر كتاب لابن أخيه: عن ابن المبارك، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: فقلت لابن أخيه، عمك هذا مرة يحدث بهذا عن مغيرة، ومرة عن سفيان، عن مغيرة، ومرة عن ابن المبارك عن سفيان عن مغيرة، فينبغي أن تسأله ممن سمعه -وكان هذا الحديث موضوعًا. قال: فوقفت جريرًا عليه، فقلت له: حديث طلاق الأخرس ممن سمعته؟ قال: حدثنيه رجل من خراسان، عن ابن المبارك. قلت: فقد رويته مرة: عن مغيرة، ومرة عن سفيان عن مغيرة، ومرة عن رجل عن ابن

ص: 481

المبارك عن سفيان عن مغيرة، ولست أراك تقف على شيء، فمن الرجل? قال: رجل من أصحاب الحديث جاءنا. قال: فوثبوا بي، وقالوا: ألم نقل لك: إنما جاء ليفسد عليك حديثك؟ قال: فوثب بي البغداديون، وتعصب لي قوم من أهل الري، حتى كان بينهم شر شديد.

قال عبد الرحمن بن محمد: فقلت لعثمان بن أبي شيبة: حديث طلاق الأخرس عمن هو عندك? قال: عن جرير، عن مغيرة قوله.

"وقال عبد الرحمن": وكان عثمان يقول لأصحابنا: إنما كتبنا عن جرير من كتبه. فأتيته، فقلت: يا أبا الحسن! كتبتم عن جرير من كتبه? قال: فمن أين؟! وجعل يروغ. قلت له: من أصوله، أو من نسخ? فجعل يحيد، ويقول من كتب. فقلت: نعم، كتبتم على الأمانة من النسخ؟ فقال: كان أمره على الصدق، وإنما حدثنا أصحابنا أن جريرًا قال لهم حين قدموا -عليه وكانت كتبه تلفت: هذه نسخة أحدث بها على الأمانة، ولست أدري، لعل لفظًا يخالف لفظًا، وإنما هي على الأمانة.

عباس، عن يحيى، سمعت ابن عيينة يقول: قال لي ابن شبرمة: عجبًا لهذا الرازي! عرضت عليه أن أجري عليه مائة درهم في الشهر من الصدقة، فقال: يأخذ المسلمون كلهم مثل هذا? قلت: لا. قال: فلا حاجة لي فيها. ثم قال يحيى: وسمعت جريرًا يقول: عرضت علي بالكوفة ألفا درهم يعطوني مع القراء، فأبيت، ثم جئت اليوم أطلب ما عندهم، أو ما في أيديهم!

قلت: يزري بذلك على نفسه.

الحُمَيدي عن سفيان: رأيت جريرًا يقود مغيرة، فقلت لعمر بن سعيد: من هذا الشاب? قال لي عمر: هذا شاب لا بأس به.

قال حنبل: سئل أبو عبد الله: من أحب إليك: شريك أو جرير? فقال: جرير أقل سقطًا، شريك كان يخطئ.

عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: جرير أحب إليك في منصور، أو شريك? قال: جرير أعلم به.

وقال أحمد العجلي: جرير: كوفي، ثقة، نزل الري، وكان رباح إذا أتاه الرجل يقول: أريد أن أكتب حديث الكوفة، قال: عليك بجرير، فإن أخطأك، فعليك بمحمد بن فضيل.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن الأحوص وجرير في حديث حصين، فقال: كان

ص: 482

جرير أكيس الرجلين، جرير أحب إليَّ. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: نعم، جرير ثقة، وهو أحب إليَّ في هشام بن عروة من يونس بن بُكَير.

وقال النسائي: ثقة.

وقال ابن خِراش: صدوق.

وقال أبو القاسم اللالكائي: مجمع على ثقته.

قد ذكر أنه قال: ولدت سنة عشر. وأما حنبل بن إسحاق، فقال: حدثني أبو عبد الله، قال ولد جرير سنة سبع ومائة.

قلت: وفي سنة سبع ولد سفيان بن عيينة، لكن سفيان بكَّر قبل جرير بالطلب، فلقي زياد بن عِلاقة، وعمرو بن دينار، والكبار بالكوفة والحرمين.

وقال يوسف بن موسى القطان: مات جرير عشية الأربعاء، ليوم خلا من جمادى الأولى، سنة ثمان وثمانين ومائة. قال: وهو ابن ثمان وسبعين سنة إلى التسع والسبعين، وصلى عليه ابنه عبد الله.

قلت: وفيها أرخه غير واحد.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا عبد الصمد بن محمد -وأنا في الرابعة- أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا الحسين بن طلاب، أخبرنا محمد بن أحمد بن جميع، أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الحكم البزار بكفربَيَّا

(1)

، حدثنا محمد بن قدامة، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول من يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعًا".

تابعه زائدة بن قدامة. أخرجه مسلم

(2)

من طريقهما، فوقع لنا عاليًا.

(1)

بكفربَيَّا: مدينة بإزاء المصيصة على شاطئ جيحان -معجم البلدان لياقوت الحموي.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "196""330" و"332".

ص: 483

‌1317 - سويد

(1)

: " ت، ق"

ابن عبد العزيز قاضي بعلبك، أبو محمد السُّلَمي مولاهم، الدمشقي، الفقيه المقرئ.

تلا على يحيى الذِّماري، وغيره.

أخذ القراءة عنه: أبو مُسْهِر، والربيع بن ثعلب، وهشام. وحدث عن: أيوب، وأبي الزبير، وحصين، وعاصم الأحول، وعدة.

وعنه: دُحَيم، وابن عائذ، وابن ذَكوان، وداود بن رُشَيد، ومحمد بن أبي السَّري.

ولد: سنة ثمان ومائة.

وتوفي: سنة أربع وتسعين ومائة.

قال ابن معين: هو واسطي، سكن دمشق، ليس حديثه بشيء.

وقال أبو حاتم: ليس بالقوي.

وقال الدارقطني: يعتبر به.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 407"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2282"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 183" و"2/ 307 و 316 و 399"، والضعفاء والمتروكين للنسائي "ترجمة 259"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ 157"، والمجروحين لابن حبان "1/ 350"، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم "4/ ترجمة 1020"، والكامل لابن عدي "3/ 424"، والعبر "1/ 314"، وميزان الاعتدال "2/ 249"، والكاشف "1/ ترجمة 2216"، وتهذيب التهذيب "4/ 276"، وتقريب التهذيب "1/ 340"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2829"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 341".

ص: 484

‌1318 - أبو خالد الأحمر

(1)

: " ع"

الإمام، الحافظ سليمان بن حيان الأزدي، الكوفي.

كان مولده بجرجان في سنة أربع عشرة ومائة.

حدث عن: حُميد الطويل، وسليمان التيمي، وهشام بن عروة، وليث بن أبي سليم، وأبي مالك الأشجعي، وإسماعيل بن أبي خالد، وعدة.

وعنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نُمَيْر، وأبو بكر أبن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبو كريب، وأبو سعيد الأشج، ويوسف بن موسى، وهناد، والحسن بن حماد سجادة، والحسن بن حماد الضبي، والحسن بن حماد المرادي، وخلق.

قال العِجلي: ثقة، يؤاجر نفسه من التجار.

وقال أبو حاتم: صدوق، ووثقه جماعة.

وقال ابن معين: صدوق، وليس بحجة، وتابعه على هذا ابن عدي.

وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: هو ثقة، وليس بثبت.

قلت: كان موصوفًا بالخير والدين، وله هفوة، وهي خروجه مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، وحديثه محتج به في سائر الأصول.

توفي سنة تسع وثمانين ومائة.

قال محمد بن مثنى السِّمْسَار: قال بشر الحافي: سمعت أبا خالد الأحمر يقول: يأتي زمان تعطل فيه المصاحف، يطلبون الحديث والرأي، فإياكم وذلك، فإنه يصفق الوجه، ويشغل القلب، ويكثر الكلام.

وقع لي من عوالي أبي خالد في "المحامليات"

(2)

، وغير ذلك.

وكان من أئمة الحديث، منافرًا للكلام والرأي والجدال.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 391"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 1780"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 276 و 727" و"2/ 187" و"3/ 142 و 219"، والكنى للدولابي "1/ 162" والضعفاء الكبير "2/ 124"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 477"، والكامل لابن عدي "3/ ترجمة 750"، وحلية الأولياء "10/ ترجمة 500"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3443"، والكاشف "1/ ترجمة 2100"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 258"، وتهذيب التهذيب "4/ 181"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2681"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 325".

(2)

المحامليات للقاضي الإمام العلامة الحافظ شيخ بغداد ومحدثها أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي البغدادي، كان نظير ابن صاعد في العلو والثقة، والمحاملي نسبة إلى المحامل التي يحمل فيها الناس في السفر، كتابه هذا ستة عشر جزءا حديثيا. توفي سنة ثلاثين وثلاثمائة. وآخر من روى حديثه عاليا أبو القاسم سبط السلفي.

ص: 485

‌الطبقَةُ التاسِعَةُ:

‌1319 - حَفْص بن غِيَاث

(1)

: " ع"

ابن طلق بن معاوية بن مالك بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن جُشَم بن وهبيل بن سعد بن مالك بن النخع.

الإمام، الحافظ العلامة القاضي، أبو عمر النخعي الكوفي، قاضي الكوفة، ومحدثها، وولي القضاة ببغداد أيضًا.

مولده سنة سبع عشرة ومائة.

وسمع من: عاصم الأحول، وسليمان التيمي، ويحيى بن سعيد، وهشام بن عروة، ويزيد بن أبي عبيد، والعلاء بن المسيب، والأعمش، ومحمد بن زيد بن المهاجر، وابن جريج، وأبي إسحاق الشيباني، وأبي مالك الأشجعي، وحبيب بن أبي عمرة، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة، وعبيد الله بن عمر، وليث بن أبي سليم، وهشام بن حسان، والعلاء بن خالد، وجده طلق، وخلق سواهم.

وعنه: يحيى بن سعيد القطان رفيقه، وابن مهدي، وابن عمه طلق بن غَنَّام، وابنه عمر بن حفص، ويحيى بن يحيى، وأحمد، وإسحاق، ويحيى، وعلي، وابنا أبي شيبة، وأحمد الدورقي، وسفيان بن وكيع، وسَلْم بن جُنَادة، وسهل بن زَنجَلة، وصدقة بن الفضل، وأبو سعيد الأشج، وعلي بن خَشْرَم، وعمرو الناقد، وابن نمير، وهارون بن إسحاق، وهنَّاد، وأبو كُرَيب، وأبو هشام الرفاعي، وأمم سواهم، آخرهم: أحمد بن عبد الجبار العُطَاردي.

قال أحمد بن كامل: ولى الرشيد قضاء الشرقية ببغداد حفصًا، ثم نقله إلى قضاء الكوفة.

قال أبو جعفر الجمال: آخر القضاة بالكوفة حفص بن غياث -يعني: الأكابر.

وقال يحيى بن معين، وغيره: ثقة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 389"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2804"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 9 و 85"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 803"، وتاريخ بغداد "8/ 188"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 202"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 279"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 2160"، والكاشف "1/ ترجمة 1174"، وتهذيب التهذيب "2/ 415"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1529"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 340".

ص: 486

قال عبد الخالق بن منصور: سئل يحيى: أيهما أحفظ: ابن إدريس أو حفص? فقال: ابن إدريس

(1)

كان حافظًا، وكان حفص صاحب حديث، له معرفة. قيل: فابن فضيل? قال: كان ابن إدريس أحفظ.

وقال العجلي: ثقة مأمون فقيه. كان وكيع ربما يسأل عن الشيء، فيقول: اذهبوا إلى قاضينا، فاسألوه وكان شيخًا عفيفًا مسلمًا.

وقال يعقوب بن شيبة: حفص ثقة ثبت إذا حدث من كتابه، ويُتَّقَى بعض حفظه.

وروي عن يحيى القطان قال: حفص أوثق أصحاب الأعمش.

وقال محمد بن عبد الله بن نمير: حفص أعلم بالحديث من ابن إدريس.

أبو حاتم عن أحمد بن أبي الحواري، قال: حدثت وكيعًا بحديث، فعجب، فقال: من جاء به? قلت: حفص بن غياث. قال: إذا جاء به أبو عمر، فأي شيء نقول نحن?

وقال أبو زُرْعة: ساء حفظه بعدما استقضي، فمن كتب عنه من كتابه، فهو صالح.

وقال أبو حاتم: هو أتقن وأحفظ من أبي خالد الأحمر.

محمد بن عبد الرحيم صاعقة، عن ابن المديني قال: كان يحيى يقول: حفص ثبت. قلت: إنه يهم? فقال: كتابه صحيح.

قال يحيى: لم أر بالكوفة مثل هؤلاء الثلاثة: حِزَام، وحفص، وابن أبي زائدة، كان هؤلاء أصحاب حديث. قال علي: فلما أخرج حفص كتبه، كان كما قال: يحيى، إذا فيها أخبار وألفاظ.

عباس عن يحيى، قال: حفص أثبت من عبد الواحد بن زياد، وأثبت من ابن إدريس.

وقال النسائي، وغيره: ثقة.

وقال ابن معين: جميع ما حدث به حفص ببغداد والكوفة إنما هو من حفظه، ولم يخرج كتابًا، كتبوا عنه ثلاثة آلاف حديث أو أربعة آلاف من حفظه.

وقال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يقدم بعد الكبار من أصحاب الأعمش غير حفص بن غياث، وكان عيسى بن شاذان يقدم حفصًا، وبعض الحفاظ قدم أبا معاوية.

(1)

هو: عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي، بسكون الواو، أبو محمد الكوفي، ثقة فقيه عابد، من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين، وهي الطبقة الثامنة، روى له الجماعة.

ص: 487

وقال داود بن رشيد: حفص كثير الغلط.

وقال ابن عمار: كان حفص لا يرد على أحد حرفًا، يقول: لو كان قلبك فيه، لفهمته. وكان عسرًا في الحديث جدًّا، لقد استفهمه إنسان حرفًا في الحديث، فقال: والله لا سمعتها مني، وأنا أعرفك. وقلت له: ما لكم! حديثكم عن الأعمش إنما هو عن فلان عن فلان، ليس فيه: حدثنا ولا سمعت? قال: فقال: حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا عمار، عن حذيفة يقول:"ليأتين أقوام يقرءون القرآن، يقيمونه إقامة القدح، لا يدعون منه ألفًا ولا واوًا، ولا يجاوز إيمانهم حناجرهم". قال: وذكر حديثا آخر مثله، قال: وكان عامة حديث الأعمش عند حفص على الخبر والسماع.

قال ابن عمار: وكان بشر الحافي إذا جاء إلى حفص بن غياث، وإلى أبي معاوية، اعتزل ناحية ولا يسمع منهما، فقلت له? فقال: حفص هو قاض، وأبو معاوية مرجئ يدعو إليه، وليس بيني وبينهم عمل.

قال إبراهيم بن مهدي: سمعت حفص بن غياث، وهو قاض بالشرقية يقول لرجل يسأل عن مسائل القضاء: لعلك تريد أن تكون قاضيًا? لأن يدخل الرجل إصبعه في عينه، فيقتلعها، فيرمي بها، خير له من أن يكون قاضيًا.

قال أبو بكر بن أبي شيبة: سمعت حفص بن غياث يقول: والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة.

ومات يوم مات ولم يخلف درهمًا، وخلف عليه تسعمائة درهم دينًا.

قال سَجَّادة

(1)

: كان يقال: ختم القضاء بحفص بن غياث.

قال سعيد بن سعيد الحارثي، عن طلق بن غَنَّام قال: خرج حفص يريد الصلاة، وأنا خلفه في الزقاق، فقامت امرأة حسناء، فقالت: أصلح الله القاضي، زوجني، فإن إخوتي يضرون بي، فالتفت إليَّ، وقال: يا طلق! اذهب، فزوجها إن كان الذي يخطبها كفؤًا، فإن كان يشرب النبيذ حتى يسكر، فلا تزوجه، وإن كان رافضيًّا، فلا تزوجه. فقلت: لم قلت هذا? قال: إن كان رافضيًّا فإن الثلاث عنده واحدة، وإن كان يشرب النبيذ حتى يسكر، فهو يطلق ولا يدري.

(1)

سَجَّادة: هو لقب الحسن بن حماد بن كُسَيب الحضرمي أبي علي البغدادي، صدوق من الطبقة العاشرة، وهي طبقة كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ممن لم يلق التابعين روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه.

ص: 488

وعن وكيع قال: أهل الكوفة اليوم بخير، أميرهم داود بن عيسى، وقاضيهم حفص بن غياث، ومحتسبهم حفص الدَّوْرَقي.

وقال محمد بن أبي صفوان الثقفي: سمعت معاذ بن معاذ يقول: ما كان أحد من القضاة يأتيني كتابه أحب إلي من كتاب حفص، وكان إذا كتب إلي، كتب: أما بعد، أصلحنا الله وإياك بما أصلح به عباده الصالحين، فإنه هو الذي أصلحهم. فكان ذلك يعجبني من كتابه.

قال يحيى بن زكريا بن حيويه: قدم إلينا محمد بن طريف البجلي رطبًا، فسألنا أن نأكل، فأبيت عليه، فقال: سمعت حفص بن غياث يقول: من لم يأكل طعامنا لم نحدثه.

قال عمر بن حفص: سمعت أبي يقول مررت بطاق اللحامين، فإذا بعليان جالس، فسمعته يقول: من أراد سرور الدنيا وحزن الآخرة، فليتمن ما هذا فيه، فوالله لقد تمنيت أني كنت مت قبل أن ألي القضاء.

وقال بشر الحافي: قال حفص بن غياث: لو رأيت أني أسر بما أنا فيه، لهلكت.

أخبرنا المسلم بن محمد في كتابه، أخبرنا الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا القاضي أبو الطيب، وابن روح، قالا: أخبرنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن مخلد، حدثني أبو علي بن علان إملاء سنة 266، حدثني يحيى بن الليث، قال: باع رجل من أهل خراسان جمالا بثلاثين ألف درهم من مَرْزُبان المجوسي، وكيل أم جعفر، فمطله بثمنها، وحبسه، فطال ذلك على الرجل، فأتي بعض أصحاب حفص بن غياث، فشاوره. فقال: اذهب إليه، فقل له: أعطني ألف درهم، وأحيل عليك بالمال الباقي، وأخرج إلى خراسان، فإذا فعل هذا فالقني حتى أشير عليك. ففعل الرجل، وأعطاه مرزبان ألف درهم. قال: فأخبره. فقال: عد إليه، فقل: إذا ركبت غدًا، فطريقك على القاضي، تحضر، وأوكل رجلا يقبض المال، وأخرج، فإذا جلس إلى القاضي فأدع عليه بمالك، فإذا أقر، حبسه حفص، وأخذت مالك. فرجع إلى مرزبان، وسأله، فقال: انتظرني بباب القاضي. فلما ركب من الغد، وثب إليه الرجل، فقال: إن رأيت أن تنزل إلى القاضي حتى أوكل بقبض المال، وأخرج. فنزل مرزبان، فتقدما إلى حفص بن غياث. فقال الرجل: أصلح الله القاضي، لي على هذا الرجل تسعة وعشرون ألف درهم. فقال حفص: ما تقول يا مجوسي? قال: صدق، أصلح الله القاضي. قال: ما تقول يا رجل، فقد أقر لك? قال: يعطيني مالي. فقال: ما تقول؟ قال: هذا المال على السيدة. قال: أنت أحمق تقر ثم تقول: هو على السيدة! ما

ص: 489

تقول يا رجل? قال: أصلح الله القاضي، إن أعطاني مالي، وإلا حبسته. قال: ما تقول يا مجوسي? قال: المال على السيدة. قال القاضي: خذوا بيده إلى الحبس. فلما حبس، بلغ الخبر أم جعفر، فغضبت، وبعثت إلى السندي: وجه إلي مرزبان -وكانت القضاة تحبس الغرماء في الحبس- فعجل السندي، فأخرجه، وبلغ حفصًا الخبر، فقال: أحبس أنا؛ ويخرج السندي!! لا جلست أو يرد مرزبان الحبس. فجاء السندي إلى أم جعفر، فقال: الله الله في، إنه حفص بن غياث، وأخاف من أمير المؤمنين أن يقول لي: بأمر من أخرجت? رديه إلى الحبس، وأنا أكلم حفصًا في أمره. فأجابته، فرجع مرزبان إلى الحبس، فقالت أم جعفر لهارون: قاضيك هذا أحمق، حبس وكيلي، واستخف به، فمره لا ينظر في الحكم، وتولي أمره إلى أبي يوسف، فأمر لها بالكتاب، وبلغ حفصًا الخبر. فقال للرجل: أحضرني شهودًا حتى أسجل لك على المجوسي بالمال، فجلس حفص، فسجل على المجوسي بالمال، وورد كتاب هارون مع خادم له، فقال: هذا كتاب أمير المؤمنين. قال: مكانك، نحن في شيء حتى نفرغ منه. فقال: كتاب أمير المؤمنين. قال: انظر ما يقال لك. فلما فرغ حفص من السجل، أخذ الكتاب من الخادم، فقرأه، فقال: اقرأ على أمير المؤمنين السلام، وأخبره أن كتابه ورد، وقد أنفذت الحكم. فقال الخادم: قد -والله- عرفت ما صنعت؛ أبيت أن تأخذ كتاب أمير المؤمنين حتى تفرغ مما تريد، والله لأخبرنه بما فعلت. قال له: قل له ما أحببت. فجاء الخادم فأخبر هارون، فضحك، وقال للحاجب: مر لحفص بثلاثين ألف درهم، فركب يحيى بن خالد، فاستقبل حفصًا منصرفًا من مجلس القضاء. فقال: أيها القاضي، قد سررت أمير المؤمنين اليوم، وأمر لك بمال، فما كان السبب في هذا? قال: تمم الله سرور أمير المؤمنين، وأحسن حفظه وكلاءته، ما زدت على ما أفعل كل يوم. قال: على ذلك? قال ما أعلم إلا أن يكون سجلت على مرزبان المجوسي بما وجب عليه. قال: فمن هذا سر أمير المؤمنين. فقال حفص: الحمد لله كثيرًا. فقالت أم جعفر لهارون: لا أنا ولا أنت إلا أن تعزل حفصًا، فأبى عليها، ثم ألحت عليه فعزله عن الشرقية، وولاه قضاء الكوفة، فمكث عليها ثلاث عشرة سنة.

قال: وكان أبو يوسف لما ولي حفص، قال لأصحابه: تعالوا نكتب نوادر حفص، فلما وردت أحكامه وقضاياه علي أبي يوسف، قال له أصحابه: أين النوادر التي زعمت تكتبها? قال: ويحكم، إن حفصًا أراد الله، فوفقه.

قال أحمد بن حنبل: رأيت مقدم فم حفص بن غياث مضببة أسنانه بالذهب.

ص: 490

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول في حديث حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"خمروا وجوه موتاكم، ولا تشبهوا باليهود"

(1)

. فأنكره أبي، وقال: أخطأ، قد حدثناه حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء مرسلا.

وسئل يحيى بن معين عن حديث لحفص بن غياث، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر:"كنا نأكل ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي"

(2)

. فقال: لم يحدث به إلا حفص، كأنه وهم فيه، سمع حديث عمران بن حدير، فغلط بهذا.

ويروى عن أحمد أنه قال: كان حفص يخلط في حديثه.

قلت: احتج بهذه الكلمة بعض قضاتنا على أن حفصًا لا يحتج به في تفرده عن رفاقه بخبر: "فينادى بصوت إن الله يأمرك أن تبعث بعثًا إلى النار"

(3)

فهذه اللفظة ثابتة في "صحيح البخاري"، وحفص فحجة، والزيادة من الثقة فمقبولة، والله أعلم.

(1)

ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير""11/ 11436"، والدارقطني "2/ 297"، والبيهقي "3/ 394"، من طرق عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي، حدثنا حفص بن غياث، به.

قلت إسناده ضعيف، فيه ابن جريج، مدلس، مشهور بالتدليس، وقد عنعنه. وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي" "3/ 394" بعد أن ذكره مرسلا كما أورده المؤلف قال:"هو مرسل كما بينه البيهقي فيما بعد ثم هو مع إرساله منكر لا يجوز أن يقوله عليه السلام لأنه لا يقول إلا الحق واليهود لا تكشف وجوه موتاها ثم على تقدير صحته لا يشهد لرواية ابن أبي حرة لأنها في المحرم وهذا الحديث يعم كل الموتى".

(2)

صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "8/ 205"، ومن طريقه أخرجه عبد بن حميد "785"، وأحمد "2/ 108"، والترمذي "1880"، وابن ماجه "3301" والدارمي "2/ 120"، والطحاوي مختصرا "4/ 273" والخطيب في "تاريخه""8/ 195 - 196 و 196" من طريق عن حفص بن غياث، به.

وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب من حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.

وأخرجه الطيالسي "1904"، وأحمد، والدارمي "2/ 120"، وابن الجارود "867"، والدولابي في "الكنى""1/ 127"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار""4/ 273 و 274"، والبيهقي في "السنن""7/ 283"، وفي "شعب الإيمان""5988" و"5989" من طرق عن عمران بن حدير، عن يزيد بن عطارد السدوسي أبي البَزَري قال: سألت ابن عمر عن الشرب قائما؟ فقال: قد كنَّا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نشرب قياما، ونأكل ونحن نسعى.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "4741" من طريق عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره في حديث طويل: وأوله: "يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار

". الحديث.

ص: 491

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بقراءتي، أخبرنا أحمد بن يوسف الدقاق، والفتح بن عبد الله، قالا: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر القاضي، وقرأت على أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا يوسف بن أيوب الزاهد، قالا: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد البزاز، أخبرنا علي بن عمر الحربي، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أقال مسلمًا عثرته، أقاله الله عز وجل يوم القيامة"

(1)

.

أخرجه أبو داود عن يحيى، فوقع موافقة عالية، ورواه: عبد الله بن أحمد في زيادات "المسند" عن يحيى، وهو يعد في أفراد يحيى بن معين.

أنبأني الخضر بن عبد السلام الجويني، وأحمد بن عبد السلام، وأحمد بن أبي الخير إجازة، عن عبد المنعم بن كليب، وقرأت على محمود بن أبي بكر اللغوي، أخبرنا النجيب عبد اللطيف بن الصَّيْقَل، أخبرنا ابن كليب، أخبرنا علي بن أحمد الرزاز، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني حفص بن غياث، عن حجاج بن أرطاة، عن محمد بن عبد العزيز الراسبي، عن مولى لأبي بكرة، عن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذنبان يعجلان، ولا يغفران: البغي وقطيعة الرحم"

(2)

.

أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا سالم بن الحسن، أخبرنا نصر الله القزاز، أخبرنا أبو سعد بن خُشَيْش، أخبرنا أبو علي بن شاذان، أخبرنا أبو عمرو بن السّمّاك، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا حفص بن غياث، حدثنا الحجاج، عن معروف قال: خرجنا بأكلب لنا، فاستقبلنا عبد الله بن عمر، فقال: إذا أرسلتموها، فقولوا: بسم الله، اللهم اهد صدورها

(3)

.

(1)

صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "2/ 252"، وأبو داود "3460"، وابن ماجه "2199" والحاكم "2/ 45"، والبيهقي "6/ 27"، والخطيب في "تاريخ بغداد""8/ 196" من طريق الأعمش، به.

(2)

صحيح: أخرجه الطيالسي "880"، وأحمد "5/ 36 و 38"، والبخاري في "الأدب المفرد""67"، وأبو داود "4902"، والترمذي "2511"، وابن ماجه "4211"، والحاكم "2/ 162" و"4/ 163" والبيهقي "10/ 234" من طرق عن عيينة بن عبد الرحمن الغطفاني، عن أبيه، عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم". وصححه الترمذي، والحاكم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالوا.

(3)

في إسناده الحجاج، وهو ابن أرطاة، الفقيه الكوفي، المشهور، وهو مدلس، وقد عنعنه.

ص: 492

قال هارون بن حاتم: سمعت حفص بن غياث يقول: ولدت سنة سبع عشرة ومائة.

قال هارون: وفلج حفص حين مات ابن إدريس، فمكث في البيت إلى أن مات: سنة أربع وتسعين ومائة في العشر، وصلى عليه الفضل بن العباس أمير الكوفة يومئذ.

وفيها أرخ موته خليفة، وابن نمير، وأبو سعيد الأشج، والعطاردي.

وأما سلم بن جنادة، فقال: مات سنة خمس وتسعين.

وقال محمد بن المثنى وأبو حفص الفلاس: مات سنة ست وتسعين، والصحيح الأول.

ص: 493

‌1320 - مروان بن شجاع

(1)

: " خ، د، ت، ق"

العالم المحدث، أبو عمرو الأموي مولاهم، الجزري، الحراني.

حدث ببغداد عن خصيف، وهو مكثر عنه، وعن عبد الكريم بن مالك الجزري، وسالم الأفطس، وجماعة.

روى عنه: أحمد بن حنبل، وسُرَيج بن يونس، وأحمد بن مَنيع، ويحيى بن معين، ويعقوب الدَّورقي، والحسن بن عرفة، وزياد بن أيوب، وآخرون.

قال أحمد: لا بأس به. وقال غيره: صدوق.

وقال أبو حاتم: ليس بحجة.

وقال ابن حبان: يروي المقلوبات عن الثقات.

قلت: حديثه في درجة الحسن. توفي: سنة أربع وثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 485"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 1597"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 452"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1249"، والمجروحين لابن حبان "3/ 13 - 14"، وتاريخ بغداد "13/ 147"، والكاشف "3/ ترجمة 5464"، والمغني "2/ ترجمة 6166"، والعبر "1/ 289"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8428"، وتهذيب التهذيب "10/ 94"، وتقريب التهذيب "2/ 239"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6927"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 306".

ص: 493

‌1321 - مروان بن سالم الجَزَري

(1)

: " ق"

فأصله شامي.

حدث عن: صفوان بن سليم، وسليمان الأعمش، وعبد الملك بن أبي سليمان.

روى عنه: الوليد بن مسلم، ونُعيم بن حمَّاد، وأبو همام الوليد بن شجاع، وآخرون.

أجمعوا على ضعفه.

وقال أحمد بن حنبل: ليس بثقة.

وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال النسائي، والدارقطني: متروك الحديث.

قلت: كلاهما مذكور في "ميزان الاعتدال"، وهما متعاصران. ذُكِر هذا الثاني للتمييز.

قال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات.

قلت: وتفرد بهذا عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: قيل: يا رسول الله! أرأيت الرجل يذبح وينسى أن يسمي? فقال: "اسم الله على كل مسلم "

(2)

.

وله، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعًا:"أول ما يجازى به المؤمن أن يغفر لجميع من شيع جنازته"

(3)

.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1602"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 42"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1787"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1255"، والمجروحين لابن حبان "3/ 13"، والكامل لابن عدي "6/ ترجمة 1870"، والكاشف "3/ ترجمة 5463"، والمغني "2/ ترجمة 6164"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8425"، وتهذيب التهذيب "10/ 93 - 94" وتقريب التهذيب "2/ 239"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6925".

(2)

منكر: أخرجه الدارقطني "4/ 295"، والطبراني في "الأوسط"، وفيه مروان بن سالم الجزري، قال: البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث.

(3)

منكر: آفته مروان بن سالم الجزري، وهو منكر الحديث كما ذكره في الحديث السابق.

ص: 494

‌1322 - بِشْر بن المُفَضَّل

(1)

: " ع"

ابن لاحق، الإمام، الحافظ المجود أبو إسماعيل الرَّقاشي مولاهم، البصري.

حدث عن: أبيه، وحميد الطويل، ومحمد بن المنكدر، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعاصم بن كليب، وخالد الحذاء، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وخالد بن ذكوان، وداود بن أبي هند، وحاتم بن أبي صغيرة، وسعيد الجُرَيري، وسعيد بن يزيد أبي مسلمة، وابن أبي عروبة، وسهيل بن أبي صالح، وأبي ريحانة عبد الله بن مَطر، وعبيد الله بن عمر، ومحمد بن زيد بن المهاجر، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي، وابن جُدعان، وعُمارة بن غَزِية، وخلق.

وعنه: أبو الوليد، ومُسَدَّد، ويحيى بن يحيى، وبشر بن معاذ العَقَدي، وزياد بن يحيى الحساني، وعلي بن المديني، وعمرو الفَلاس، ونصر بن علي، وأحمد بن حنبل، والقواريري، ووهب بن بقية، وخلق سواهم.

روى أبو بكر الأسدي، عن أحمد بن حنبل، قال: إلى بشر المنتهى في التثبت بالبصرة.

وقال معاوية بن صالح: قلت لابن معين: من أثبت شيوخ البصرة? قال: بشر بن المفضل، مع جماعة سماهم.

وقال ابن أبي داود: سمعت أبي يقول: ليس من العلماء أحد إلا وقد أخطأ في حديثه إلا بشر بن المفضل، وابن عُلَية.

وقال محمد بن عبد الرحيم، عن علي بن المديني، قال: كان بشر يصلي كل يوم أربعمائة ركعة، ويصوم يومًا، ويفطر يوما، وذكر عنده إنسان من الجهمية، فقال: لا تذكروا ذاك الكافر.

قال أبو زُرْعة، وأبو حاتم، وأبو عبد الرحمن النسائي: هو ثقة.

وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وكان عثمانيًّا توفي: سنة ست وثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 290"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 1769"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 1410"، والعبر "1/ 296"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 286"، والكاشف "1/ ترجمة 601" وتهذيب التهذيب "1/ 458"، وتقريب التهذيب "1/ 101".

ص: 495

وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: دخلت البصرة أول دخلة في رجب سنة ست وثمانين، واعتُقِلَ لسان بشر بن المفضل قبل أن يخرج، ومات: سنة سبع وثمانين.

قلت: كان من أبناء الثمانين. وقع لي من عواليه:

قرأت على إسماعيل بن عبد الرحمن المُعَدَّل، أخبركم الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد في سنة ست عشرة وستمائة، أخبرنا خطيب الموصل أبو الفضل بن الطوسي، وشُهْدَة الكاتبة، وتَجَنِّي الوهبانية، قالوا: أخبرنا طِرَاد بن محمد الزينبي، وقرأت على محمد بن عبد الوهاب السعدي، أخبركم علي بن مختار، قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا القاسم بن الفضل، قالا: أخبرنا هلال بن محمد الحفَّار، أخبرنا الحسين بن يحيى بن عيَّاش، حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المِقْدَام العجلي سنة تسع وأربعين ومائتين، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا شعبة، عن جَبَلَة بن سُحَيم، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من جر ثوبه من مخيلة، فإن الله لا ينظر إليه"

(1)

.

وبه، حدثنا شعبة، عن محارب بن دِثار: سمعت ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه من مخيلة، فإن الله لا ينظر إليه"

(2)

.

وبه، حدثنا شعبة، عن مسلم بن يَنَّاق: رأيت ابن عمر في دار خالد، فرأى رجلا يجر إزاره، فقال: ممن أنت? فقال: من بني ليث. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: "من جر إزاره، لا يريد بذلك إلا المخيلة، لم ينظر الله إليه"

(3)

.

بشر بن المفضل، عن بشير بن ميمون الشَّقَري، عن عمه أسامة بن أخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "ما اسمك"؟. قال: أصرم. فقال: "أنت زُرْعة"

(4)

.

هذا صحيح غريب معدود في أفراد بشر. خرجه أبو داود.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "2/ 81"، ومسلم "2085""43" من طريق شعبة، به.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "5791"، ومسلم "2085"، والنسائي "8/ 206"، وأحمد "2/ 42 و 46".

(3)

صحيح: أخرجه مسلم "2085""45"، وأحمد "2/ 45" من طريق مسلم بن يَنَّاق عن ابن عمر، به.

(4)

صحيح: أخرجه أبو داود "4954" من طريق مسدد، عن بشر بن المفضل، به.

ص: 496

‌1323 - أبو سفيان المَعْمَري

(1)

: " م، س، ق"

الحافظ الحجة، أبو سفيان محمد بن حُميد البصري، المعمري. اشتهر بذلك لارتحاله إلى معمر باليمن. وكان من الصلحاء العباد والمتقنين المتقين.

حدث عن: هشام بن حسان، ومعمر، وسفيان الثوري، وغيرهم.

وعنه: سُريج بن يونس، وأبو خَيثمة، والنفيلي، وابن نمير، وعمرو الناقد، وأبو سعيد الأشج، وحميد بن الربيع، وسفيان بن وكيع، وآخرون.

وثقه: يحيى بن معين، وأبو داود.

وهذا لم يرو له البخاري، وروي: لأبي سفيان الحميري الواسطي، وفيه شيء.

قال الخطيب: محمد بن حُميد اليشكري المعمري مذكور بالصلاح والعبادة.

وقال يحيى بن معين: عبد الرزاق أحبُّ إليَّ منه.

قال ابن قانع: مات المعمري سنة اثنتين وثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 166"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1611"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1272"، وتاريخ بغداد "2/ 257"، والعبر "1/ 283"، والكاشف "3/ ترجمة 4884"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7452"، وتهذيب التهذيب "9/ 131 - 132"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6167".

ص: 497

‌1324 - حسان بن إبراهيم

(1)

: " خ، م، د"

الإمام الفقيه المحدث، قاضي كرمان؛ أبو هشام الكوفي ثم الكرماني.

حدث عن: سعيد بن مسروق، الثوري، وعاصم الأحول، ويونس بن يزيد الأيلي، وجماعة.

وعنه: الأزرق بن علي، وعلي بن المديني، وأحمد بن عبدة الضَّبَّي، وعلي بن حُجر، وإسحاق بن شاهين، وآخرون كثيرون.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "3/ ترجمة 148"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 320"، والضعفاء الكبير للعقيلي "1/ ترجمة 309"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1056"، والكامل لابن عدي "2/ ترجمة 501"، وتاريخ بغداد "8/ 260"، والعبر "1/ 293"، والكاشف "1/ ترجمة 1003"، وميزان الاعتدال "1/ 477"، والمغني "1/ ترجمة 1368"، وتهذيب التهذيب "2/ 245"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1298"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".

ص: 497

قال يحيى بن معين: لا بأس به.

وقال الدارقطني: ثقة. وقال النسائي: ليس بالقوي.

واستنكر له أحمد بن حنبل أحاديث.

مات سنة ست وثمانين ومائة.

قال العقيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثت أبي بحديث لحسان بن إبراهيم، رواه عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن حسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك". فقال أبي: ما هذا من حديث عاصم، هذا من حديث ليث بن أبي سليم

(1)

. فذكرت لأبي عن حسان، عن عبد الملك الكوفي، سمعت العلاء، سمع مكحولا، عن أبي أمامة، وواثلة:"كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة، لم يلتفت ورمى ببصره إلى موضع سجوده". فأنكره أبي، وقال: اضرب عليه

(2)

.

(1)

صحيح لغيره: أخرجه العقيلي في "القضاء""1/ 255" بهذا الإسناد.

وأخرجه الترمذي "314"، وأحمد "6/ 282"، وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم""84" من طريق ليث بن أبي سليم، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن جدتها فاطمة الكبرى، به. وفيه ليث بن أبي سليم، ضعيف، وفيه الانقطاع بين فاطمة بنت الحسين، وجدتها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها لم تدركها لأن فاطمة الكبرى ماتت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهور وكانت أول آل بيته لحاقا به صلى الله عليه وسلم. لكن للحديث شاهد عند مسلم "713"، وأبي داود "465"، وابن ماجه "772" من حديث أبي حميد أو أبي أسيد مرفوعا بلفظ:"إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك".

(2)

أخرجه العقيلي في "الضعفاء""1/ 255" في ترجمة "حسان بن إبراهيم الكرماني" ومن طريقة عن عبد الملك الكوفي، به.

ص: 498

‌1325 - عبد الله بن إدريس

(1)

: " ع"

ابن يزيد بن عبد الرحمن، الإمام، الحافظ، المقرئ، القدوة، شيخ الإسلام، أبو محمد، الأودي، الكوفي.

ولد سنة عشرين ومائة.

وحدث عن: أبيه، وحصين بن عبد الرحمن، وسهيل بن أبي صالح، وهشام بن عروة، وأبي إسحاق الشيباني، وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وابن جريج، ومسعر، وسفيان، والحسن بن عبيد الله، وأبي مالك الأشجعي، والمختار بن فلفل، ويزيد بن عبد الله بن أبي بردة، وعاصم بن كليب، وليث بن أبي سليم، ويزيد بن أبي زياد، وابن عجلان، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن إسحاق، وخلق.

وتلا على نافع، وكان من أئمة الدين.

حدث عنه: مالك -وهو من مشايخه- وابن المبارك، ويحيى بن آدم، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو بكر، وعثمان ابنا أبي شيبة، وهناد، وأبو كريب، وأبو سعيد الأشج، والحسن بن عرفة، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي، وخلق كثير.

وقد أقدمه الرشيد بغداد ليوليه قضاء الكوفة، فامتنع.

قال بشر بن الحارث: ما شرب أحد ماء الفرات فسلم، إلا عبد الله ابن إدريس.

وقال أحمد بن حنبل: كان ابن إدريس نسيج وحده.

قال يعقوب ابن شيبة: كان عابدًا، فاضلا، كان يسلك في كثير من فتياه ومذاهبه مسالك أهل المدينة، يخالف الكوفيين، وكان بينه وبين مالك صداقة. ثم قال: وقد قيل: إن جميع ما يرويه مالك في "الموطأ"، فيقول: بلغني عن علي رضي الله عنه أنه سمعه من ابن إدريس.

قال أبو حاتم: هو حجة، إمام من أئمة المسلمين.

وقيل: لم يكن بالكوفة أحد أعبد لله من ابن إدريس.

قال ابن عرفة: لم أر بالكوفة أفضل منه.

أبو داود: عن إسحاق بن إبراهيم، عن الكسائي، قال: قال لي هارون الرشيد: من أقرأ الناس? فقلت: عبد الله بن إدريس. قال: ثم من? قلت: ثم حسين الجعفي. قال: ثم من? قلت: رجل آخر.

وعن حسين العَنْقَزِي، قال: لما نزل بابن إدريس الموت، بكت بنته. فقال: لا تبكي يا بنية، فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 389"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 97"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 44"، وتاريخ بغداد "9/ 415"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 262"، والكاشف "2/ ترجمة 2650"، والعبر "1/ 308"، وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة 337"، وتهذيب التهذيب "5/ 144" وتقريب التهذيب "1/ 401"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3380"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 330".

ص: 499

قال محمد بن عبد الله بن عمار: كان ابن إدريس إذا لحن أحد في كلامه، لم يحدثه.

قال يحيى بن معين: سمعت ابن إدريس يقول: عندي قوصرة ملكاية، وراوية من حوض الربابين، ودبة زيت، ما أحد أغنى مني.

وكان ابن إدريس يحرم النبيذ، وقال: قلت لحفص بن غياث: اترك الجلوس في المسجد. فقال: أنت قد تركت ذلك ولم تترك؟ قلت: لأن يأتيني البلاء وأنا فار، أحب إلي من أن يأتيني وأنا متعرض له.

قال أبو خيثمة: سمعت ابن إدريس يقول:

كل شراب مسكر كثيره

فإنه محرم يسيره

إني لكم من شره نذيره

قال أبو بكر بن أبي شيبة: سمعت ابن إدريس يقول: كتبت حديث أبي الحوراء، فكتبت تحته:"حور عين".

قلت: لم يكن لهم في ذلك الوقت شكل بعد.

قال يعقوب بن شيبة: حدثنا عبيد بن نعيم، حدثنا الحسن بن الربيع البوراني، قال: قرئ كتاب الخليفة إلى ابن إدريس وأنا حاضر: من عبد الله هارون أمير المؤمنين، إلى عبد الله بن إدريس. قال: فشهق ابن إدريس شهقة، وسقط بعد الظهر، فقمنا إلى العصر وهو على حاله، وانتبه قبيل المغرب، وقد صببنا عليه الماء، فلا شيء. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، صار يعرفني حتى يكتب إلي، أي ذنب بلغ بي هذا?!

قلت: قد وثقه: يحيى بن معين، وعبد الرحمن بن خِراش، والناس.

وقيل بل كان مولده سنة خمس عشرة ومائة، ومات بالكوفة، في ذي الحجة، سنة اثنتين وتسعين ومائة.

قال ابن عمَّار الموصلي كان ابن إدريس من عباد الله الصالحين، من الزهاد، وكان ابنه أعبد منه، ولم أر بالكوفة أحدًا أفضل من عبد الله بن إدريس، وعبدة بن سليمان.

وقال النسائي: ثقة، ثبت.

وقال أحمد بن جواس: سمعت ابن إدريس يقول: ولدت سنة خمس عشرة، وكذا قال أحمد بن حنبل، وجماعة في مولده، وهو المحفوظ.

ص: 500

وروى العباس بن الوليد الخلال، عن عرفة بن إسماعيل، عن ابن إدريس، قال: سمعت شعبة يقول: مات حماد بن أبي سليمان سنة عشرين ومائة، ثم قال ابن إدريس: وفيها مولدي، فهذا قول شاذ.

وتوفي سنة (92)، قاله أحمد، وابن مثنى، والأشج، وابن سعد، وزاد في عشر ذي الحجة، وقد غلط بعض القراء، وزعم أن ابن إدريس تلا على ابن كثير، ما لحقه، ولا قارب.

ورُويَ عن رجل، عن وكيع: أن عبد الله بن إدريس امتنع من القضاء، وقال للرشيد: لا أصلح. فقال الرشيد: وددت أني لم أكن رأيتك. فقال: وأنا وددت أني لم أكن رأيتك، فخرج، ثم ولى حفص ابن غياث، وبعث الرشيد بخمسة آلاف إلى ابن إدريس، فقال للرسول -وصاح به: مر من هنا. فبعث إليه الرشيد: لم تل لنا، ولم تقبل صلتنا، فإذا جاءك ابني المأمون، فحدثه. فقال: إن جاء مع الجماعة حدثناه، وحلف ألا يكلم حفص بن غياث حتى يموت.

أبو سعيد الأشج: حدثنا ابن إدريس، قال لي الأعمش: والله لأحدثتك شهرًا. فقلت: والله لا أتيتك سنة. قال: ثم أتيته بعد سنة. فقال: ابن إدريس? قلت: نعم. قال: أحب أن يكون للعربي مرارة.

قال حسين بن عمرو العَنْقَزِي: لما نزل بعبد الله بن إدريس الموت: بكت بنته. فقال: لا تبكي، قد ختمت في هذا البيت أربعة آلاف ختمة.

قال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني، وجعل يذم قراءة حمزة، وقال: إنما نزل القرآن بلغة قريش، وهي التفخيم، فقال له: بشر بن موسى: حدثنا نوفل. فقال ابن المديني: نوفل ثقة. قال: سمعت عبد الله بن إدريس يقول لحمزة: اتق الله، فإنك رجل تتأله، وهذه القراءة ليست قراءة عبد الله، ولا قراءة غيره. فقال حمزة: أما إني أتحرج أن أقرأ بها في المحراب. قلت: لم? قال: لأنها لم تكن قراءة القوم. قلت: فما تصنع بها إذًا? قال: إن رجعت من سفري، لأتركنها. ثم قال ابن إدريس: ما أستجيز أن أقول لمن يقرأ لحمزة: إنه صاحب سنة.

قلت: اشتهر تحذير ابن إدريس من ذلك، والله يغفر له، وقد تلقى المسلمون حروفه بالقبول، وأجمعوا اليوم عليها. وأعلى ما يقع حديث ابن إدريس في جزء ابن عرفة.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن البسري، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن إدريس، وجرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله -تعالى- فيها خيرًا من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة".

أخرجه مسلم

(1)

عن عثمان، عن جرير وحده.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "757".

ص: 501

‌1326 - محمد بن سَلَمَة

(1)

: " م، (4) "

الإمام، المحدث، المفتي، أبو عبد الله الحَرَّاني.

حدث عن: خُصَيف الجزري، ومحمد بن عجلان، ومحمد بن إسحاق، وخاله أبي عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد، وجماعة.

روى عنه: أبو جعفر النُّفَيلي، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن الصَّبَّاح الجرجرائي، والحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، وعمرو بن هشام أبو أمية، وأبو يوسف محمد بن أحمد الصيدلاني، ومحمد بن وهب بن أبي كريمة، وعدة.

قال ابن سعد: كان ثقة، فاضلا، توفي في آخر سنة إحدى وتسعين ومائة.

وقال أبو جعفر النُّفَيلي: مات في أول سنة اثنتين وتسعين ومائة.

قلت: حديثه في الكتب سوى صحيح البخاري.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 485"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 302"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 387 و 506 و 511" و"3/ 162"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 1494"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 296"، والكاشف "3/ ترجمة 4957"، والعبر "1/ 307"، وتهذيب التهذيب "9/ 193" وتقريب التهذيب "2/ 166"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6265"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 529".

ص: 502

‌1327 - الأبْرَش

(1)

: " د، ت"

سلمه بن الفضل الرازي الأبرش، الإمام، قاضي الري، أبو عبد الله

حدث عن: ابن إسحاق، وأيمن بن نابل، وحجاج بن أرطاة، وعمرو بن أبي قيس، وسفيان الثوري، وطائفة.

وعنه: عبد الله المسندي، ويحيى بن معين، وعثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن حُمَيد، ويوسف بن موسى القطان، وعدة.

وثقه ابن معين.

وقال أبو حاتم: لا يحتج به.

وقال البخاري: عنده مناكير.

وقال النسائي: ضعيف.

وقال أبو زُرْعة: أهل الري لا يرغبون فيه؛ لظلم فيه.

وقال ابن معين: كان يتشيع، وكان معلم كتاب.

وقال ابن سعد: ثقة. يقال: إنه من أخشع الناس في صلاته.

قلت: كان قويًا في المغازي.

توفي سنة إحدى وتسعين ومائة، وقد سمع منه ابن المديني، وتركه.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 381"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2044"، والضعفاء والمتروكين للنسائي "ترجمة 241"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 650"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 739"، والمجروحين لابن حبان "1/ 337"، والكامل لابن عدي "3/ ترجمة 790"، والعبر "1/ 307"، والكاشف "1/ ترجمة 2063"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3410"، وتهذيب التهذيب "4/ 153"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2642"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 328".

ص: 503

‌1328 - مروان بن معاوية

(1)

: " ع"

ابن الحارث، بن عثمان بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر، الإمام، الحافظ، الثقة، أبو عبد الله الفزاري، الكوفي، ثم الدمشقي.

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا أحمد بن أبي الفتح، والفتح بن عبد السلام، وأخبرنا أبو حفص الطائي، عن أبي اليمن الكندي، قالوا: أخبرنا أبو الفضل الأرْمَوي، وأخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا يوسف بن أيوب الزاهد، قالا: أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، أخبرنا علي بن عمر السكري، أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، حدثنا

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 329"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 1598"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1785"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1246"، وتاريخ بغداد "13/ 149"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 275"، والعبر "1/ 311"، والكاشف "3/ ترجمة 5467"، وتهذيب التهذيب "10/ 96"، وتقريب التهذيب "2/ 239"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6930"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 333".

ص: 503

يحيى بن معين سنة سبع وعشرين ومائتين، حدثنا مروان بن معاوية، حدثنا هلال بن سويد الأحمري: سمعت أنسًا يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدي له ثلاث طوائر، فأطعم خادمه طيرًا، فلما كان الغداة، أتاه به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألم أنهك أن تخبأ شيئًا لغد؟ فإن الله -تعالى- يأتي برزق كل غد"

(1)

.

حديث غريب. وهلال واه، ويقال: هو أبو ظلال.

مروان هو ابن عم الإمام أبي إسحاق الفزاري، وكان ينبغي أن يلصق به؛ لأنه في طبقته.

ولد في خلافة هشام بن عبد الملك.

وحدث عن: حميد الطويل، وعاصم الأحول، وسليمان التيمي، وأبي مالك الأشجعي، وعوف الأعرابي، وسعد بن عبيد، والحسن بن عمرو الفُقَيمي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهاشم بن هاشم بن عتبة، ويزيد بن كيسان، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وبهز بن حكيم، وأيمن بن نابل، ورشدين بن كُرَيب، وطلحة بن يحيى، وعبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، وعبيد الله بن عبد الله الأصم، وعطاء بن عجلان، ومحمد بن سوقة، وابن إسحاق، وهلال بن عامر، وخلق كثير.

كان جوالا في طلب الحديث.

حدث عنه: الحميدي، وزكريا بن عدي، وسعيد بن منصور، ويحيى بن معين، وابن راهويه، وأبو خَيْثَمة، وعلي بن المديني، وابن نمير، وأحمد بن منيع، ومحمد بن سلام البيكندي، وأبو بكر بن أبي شيبة، ودُحَيم، وعمرو الناقد، وأبو كُرَيب، ومحمد بن يحيى العدني، ويعقوب الدَّورقي، ومحمد بن هشام بن ملاس، وأبو عمار الحسين بن حريث، وزياد بن أيوب، والحسن بن عرفة، وسليمان بن عبد الرحمن، وسويد بن سعيد، وعمرو بن رافع القزويني، وعمرو بن عثمان، وكثير بن عبيد، وأمم سواهم.

وحديثه يروى اليوم بعلو في "جزء ابن عرفة".

روى أبو بكر الأسدي، عن أحمد بن حنبل، قال: ثبت، حافظ. وروى: أبو داود، عن أحمد، قال: ما كان أحفظه! كان يحفظ حديثه.

وروى عثمان الدارمي، عن يحيى: ثقة

(1)

ضعيف جدا: أخرجه أحمد "3/ 198"، وفي "الزهد" له "37"، وفيه هلال بن سويد، وهو واه كما قال الذهبي في "الميزان".

ص: 504

وكذا وثقه النسائي، وغير واحد.

وقال علي بن المديني: ثقة فيما روى عن المعروفين، وضعفه فيما روى عن المجهولين.

قلت: إنما الضعف من قبلهم، كان يروى عن كل ضرب، وقد كان سفيان الثوري مع جلالته يفعل كذلك.

وقال علي بن الحسين بن الجُنيد: قال ابن نمير: كان مروان يلتقط الشيوخ من السكك.

وقال العجلي: ثقة، ثبت، ما حدث عن المعروفين، وما حدث عن المجهولين ففيه ما فيه، وليس بشيء.

وقال أبو حاتم: صدوق، لا يدفع عن صدق، وتكثر روايته عن الشيوخ المجهولين.

وقال عباس الدُّوري: سألت يحيى بن معين عن حديث مروان بن معاوية، عن علي بن أبي الوليد، فقال: هذا هو علي بن غُراب، والله ما رأيت أحيل للتدليس منه.

قال دُحَيم، وغيره: مات فجأة، سنة ثلاث وتسعين ومائة، قبل التروية بيوم.

ص: 505

‌1329 - معاذ بن معاذ

(1)

: " ع"

ابن نصر بن حسان بن الحُرِّ بن مالك بن الخَشْخاش التميمي، القاضي، الإمام، الحافظ، أبو المثنى العنبري، البصري.

حدث عن: سليمان التيمي، وأشعث بن عبد الملك، وعوف الأعرابي، ومحمد بن عمرو، وأبي كعب صاحب الحرير، وكَهْمَس، وقُرَّة بن خالد، والنَّهَّاس بن قَهْم، وابن عون، وحميد الطويل، وحاتم بن أبي صغيرة، وعمران بن حُدَير، وشعبة، وعاصم بن محمد العمري، والثوري، وخلق.

وعنه: أحمد، وإسحاق، ويحيى، وعلي، وبُندار، ومحمد بن مثنى، وإسحاق بن موسى الخَطْمِي، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن حاتم السمين، وعبد الوهاب بن الحكم الوراق، وأبو خَيثمة، وعمرو الفلاس، ومحمد بن يحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن سنان

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 293"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 1571"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1132"، وتاريخ بغداد "13/ 131"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 306"، والكاشف "3/ ترجمة 5606"، والعبر "1/ 320"، وتهذيب التهذيب "10/ 194"، وتقريب التهذيب "2/ 257"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7063"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 345".

ص: 505

القطان، وعبد الله بن هاشم الطوسي، وابناه؛ المثنى وعبيد الله، وسعدان بن نصر، وخلق كثير.

وقد روى أيضًا عنه: عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو أكبر منه.

قال أحمد بن حنبل: معاذ بن معاذ، إليه المنتهى في التثبت بالبصرة، وقال: هو قرة عين في الحديث. رواها: المَرُّوذِي، عنه.

وروى عنه: ولده؛ عبد الله بن أحمد، أنه قال: ما رأيت أفضل من حسين الجعفي، وسعيد بن عامر، ولا رأيت أعقل من معاذ بن معاذ، كأنه صخرة.

وقال الكَوْسَج عن يحيى بن معين، وأبو حاتم الرازي: ثقة.

وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: أيهما أحب إليك، أزهر السمان في ابن عون، أو معاذ بن معاذ? قال: ثقتان. قلت: فمعاذ أثبت في شعبة، أو غندر? قال: ثقة، وثقة.

وقال النَّسائي: معاذ ثقة، ثبت.

قال عمرو بن علي: سمعت يحيى بن سعيد يقول: طلبت الحديث مع رجلين من العرب: خالد بن الحارث الهجيمي، ومعاذ بن معاذ العَنْبَري، وأنا مولى لقريش، لتيم، فوالله ما سبقاني إلى مُحَدِّث قط، فكتبا شيئًا حتى أحضر، وإذا تابعاني، لا أبالي من خالفني من الناس. وسمعت يحيى بن سعيد يقول: ما بالكوفة، ولا البصرة، ولا الحجاز أثبت من معاذ بن معاذ، وما أبالي إذا تابعني من خالفني، وقد كان شعبة يحلف: لا يحدث، فيستثني معاذًا وخالدًا.

وورد أن يحيى بن سعيد قال في سجوده مرة: اللهم اغفر لخالد بن الحارث، ومعاذ بن معاذ. ثم قال: حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، قال أبو الدرداء: إني لأستغفر لسبعين من إخواني في سجودي، أسميهم بأسماء آبائهم.

قال محمد بن عيسى بن الطباع: ما علمت أحدًا قدم بغداد إلا وقد تُعُلِّقَ عليه في شيء من الحديث، إلا معاذًا العنبري، ما قدروا أن يتعلقوا عليه بحديث، مع شغله بالقضاء.

قال أحمد بن عبدة: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: لما قدم بنو العباس، بدءوا بالصلاة قبل الخطبة، فانصرف الناس وهم يقولون: بدلت السنة، بدلت السنة يوم العيد.

قال الفلاس: سمعت يحيى القطان يقول: ولدت سنة عشرين ومائة، في أولها، وولد معاذ بن معاذ في سنة تسع عشرة ومائة، في آخرها، كان أكبر مني بشهرين.

ص: 506

وقال عبيد الله بن معاذ: مات أبي سنة ست وتسعين ومائة.

وقال ابن سعد: كان ثقة، ولي قضاء البصرة لهارون أمير المؤمنين، ثم عُزِل، وتوفي بالبصرة، في ربيع الآخر، سنة ست وتسعين ومائة.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، وعلي بن محمد، قالا: أخبرنا الحسن بن صَبَّاح، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا أبو الحسن الخلعي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر بن محمد البزاز، أخبرنا أحمد بن محمد بن زياد، حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، حدثنا معاذ العنبري، حدثنا حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة، فإذا أنا بنهر يجري، حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا مسك أذفر، فقلت: ما هذا يا جبريل? قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل"

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "3/ 103 و 115 - 116"، والبخاري "4964"، وأبو داود "4748"، والترمذي "3375"، والنسائي "2/ 132 و 134" عن أنس، به.

ص: 507

‌1330 - محمد بن حرب

(1)

: " ع"

الإمام، الحافظ، الفقيه، أبو عبد الله الخولاني، الحمصي، الأبْرَش، كاتب الزبيدي.

حدث عن: محمد بن زياد الألهاني، وبحير بن سعد، وعمر بن رُؤبة، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وصفوان بن عمرو، والأوزاعي، وعدة.

حدث عنه: أبو مسهر، ومحمد بن وهب بن عطية، وإسحاق بن راهويه، وكثير بن عبيد، وأبو التَّقِيِّ اليزني، ومحمد بن مُصَفَّى، وأبو عتبة الحجازي، وخلق كثير.

ذكر ابن سعد: أنه ولي قضاء دمشق.

ووثقه يحيى بن معين، وغيره، وكان مجودًا لحديث الشاميين.

قال أبو حاتم: صالح الحديث.

وقال محمد بن عوف الطائي: ثقة.

قال الكلاباذي: حديثه في العلم

(2)

، والطب

(3)

، وصلاة الخوف

(4)

. يعني: من صحيح البخاري.

قال يزيد بن عبد ربه: مات سنة أربع وتسعين ومائة.

أخبرنا محمد بن داود الخطيب، أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أخبرنا القاسم بن عبد الله، أخبرنا وجيه بن طاهر، أخبرنا أحمد بن الحسن الأزهري، أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون، أخبرنا أبو حامد بن الشرقي، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، حدثنا محمد بن وهب، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا محمد بن الوليد، أخبرنا الزهري، عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية، في وجهها سفعة، فقال:"استرقوا لها فإن بها النظرة". رواه البخاري

(5)

، عن محمد الذهلي.

ويقع لي حديث محمد بن حرب عاليًا في صفة المنافق.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 470"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 161"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 385" و"2/ 316" و"3/ 4 - 5"، والكنى للدولابي "2/ 59"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1299"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 287"، والكاشف "3/ ترجمة 4859"، والعبر "1/ 315"، وتهذيب التهذيب "9/ 109"، وتقريب التهذيب "2/ 153"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6135"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 341".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري في "كتاب العلم" حديث رقم "77" قال البخاري رحمه الله حدثني محمد بن يوسف، قال حدثنا أبو مسهر، قال حدثني محمد بن حرب، حدثني الزبيدي، عن الزهري عن محمود بن الربيع، قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري "5739" في "كتاب الطب" حدثنا محمد بن خالد، حدثنا محمد بن وهب بن عطية الدمشقي، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي، أخبرنا الزهري، عن عروة بن الزبير، عن زينب ابنة أبي سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال:"استرقوا لها فإن بها النظرة".

(4)

صحيح: أخرجه البخاري "944" في "كتاب الخوف" حدثنا حيوة بن شريح، قال حدثنا محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم، ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة ولكن يحرس بعضُهم بعضًا.

(5)

صحيح: أخرجه البخاري "5739"، ومسلم "2197" من طريق محمد بن حرب، به.

ص: 508

‌1331 - البَرْمَكي

(1)

:

الوزير الملك أبو الفضل جعفر، ابن الوزير الكبير أبي علي يحيى ابن الوزير خالد بن برمك الفارسي.

كان خالد من رجال العالم، توصل إلى أعلى المراتب في دولة أبي جعفر، ثم كان ابنه يحيى كامل السؤدد، جليل المقدار، بحيث إن المهدي ضم إليه ولده الرشيد، فأحسن تربيته، وأدبه، فلما أفضت الخلافة إلى الرشيد، رد إلى يحيى مقاليد الأمور، ورفع محله، وكان يخاطبه: يا أبي، فكان من أعظم الوزراء، ونشأ له أولاد صاروا ملوكًا، ولا سيما جعفر، وما أدراك ما جعفر? له نبأ عجيب، وشأن غريب، بقي في الارتقاء في رتبة، شرك الخليفة في أمواله، ولذاته، وتصرفه في الممالك، ثم انقلب الدست في يوم، فقتل، وسجن أبوه وأخوته إلى الممات، فما أجهل من يغتر بالدنيا!

وقال الأصمعي: سمعت يحيى بن خالد يقول: الدنيا دول، والمال عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة.

قال إسحاق الموصلي: كانت صلة يحيى إذا ركب لمن سأله مائتي درهم، أتيته وقد شكوت إليه ضيقًا، فقال: ما أصنع بك؟ ما عندي شيء، ولكني قد جاءني خليفة صاحب مصر، يسأل أن أستهدي صاحبه شيئًا، فأبيت، فألح وبلغني أن لك جارية بثلاثة آلاف دينار، فهو ذا أستهديه إياها، فلا تنقصها من ثلاثين ألف دينار شيئًا. قال: فما شعرت إلا والرجل قد أتى، فساومني بالجارية، فبذل عشرين ألفًا، فلنت، فبعتها، فلما أتيت يحيى، عنفني، ثم قال: وهذا خليفة صاحب فارس، قد جاءني في نحو هذا، فخذ جاريتك مني، فإذا ساومك، لا تنقصها من خمسين ألف دينار. قال: فأتاني، فبعتها بثلاثين ألفًا فلما، صرت إلى يحيى، قال: ألم نؤدبك? خذ جاريتك. قلت: قد أفدت بها خمسين ألف دينار، ثم تعود إلي، هي حرة، وإني قد تزوجتها.

قيل: إن ولدًا ليحيى، قال له وهم في القيود: يا أبة، بعد الأمر والنهي والأموال صرنا إلى هذا?! قال: يا بني! دعوة مظلوم غفلنا عنها، لم يغفل الله عنها.

مات يحيى مسجونًا، بالرقة، سنة تسعين ومائة، عن سبعين سنة.

فأما جعفر، فكان من ملاح زمانه، كان وسيمًا، أبيض، جميلا، فصيحًا، مفوهًا، أديبًا، عذب العبارة، حاتمي السخاء، وكان لعابًا، غارقًا في لذات دنياه، ولي نيابة دمشق، فقدمها في سنة ثمانين ومائة، فكان يستخلف عليها، ويلازم هارون، وكان يقول: إذا أقبلت الدنيا عليك، فأعط، فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت، فأعط، فإنها لا تبقى.

قال ابن جرير: هاجت العصبية بالشام، وتفاقم الأمر، فاغتم الرشيد، فعقد لجعفر، وقال: إما أن تخرج أو أخرج. فسار، فقتل فيهم، وهذبهم، ولم يدع لهم رمحًا، ولا قوسًا، فهجم الأمر، واستخلف على دمشق عيسى بن المعلى، ورد.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 152"، ووفيات الأعيان "1/ 328 و 346"، والعبر "1/ 298"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 123"، وشذرات الذهب "1/ 311".

ص: 509

قال الخطيب: كان جعفر عند الرشيد بحالة لم يشاركه فيها أحد، وجوده أشهر من أن يذكر، وكان من ذوي اللَّسَن والبلاغة. يقال: إنه وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، ونظر في جميعها، فلم يخرج شيئًا منها عن موجب الفقه، كان أبوه قد ضمه إلى القاضي أبي يوسف حتى فقه.

وعن ثمامة بن أشرس، قال: ما رأيت أبلغ من جعفر البرمكي، والمأمون.

قيل: اعتذر إلى جعفر رجل، فقال: قد أغناك الله بالعذر منا عن الاعتذار إلينا، وأغنانا بالمودة لك عن سوء الظن بك.

قال جَحْظَةُ: حدثنا ميمون بن مهران، حدثني الرشيدي، حدثني مُهَذَّب حاجب العباس بن محمد -يعني: أخا المنصور: أن العباس نالته إضاقة، فأخرج سفطًا فيه جوهر بألف ألف، فحمله إلى جعفر، وقال أريد عليه خمسمائة ألف. قال: نعم، وأخذ السفط. فلما رجع العباس إلى داره، وجد السفط قد سبقه، ومعه ألف ألف، ودخل جعفر على الرشيد، فخاطبه في العباس، فأمر له بثلاثمائة ألف دينار.

وعن إبراهيم الموصلي، قال: حج الرشيد وجعفر وأنا معهم، فقال لي جعفر: انظر لي جارية لا مثل لها في الغناء والظرف. قال: فأرشدت إلى جارية لم أر مثلها، وغنت، فأجادت، فقال مولاها: لا أبيعها بأقل من أربعين ألف دينار. قلت: قد أخذتها. فأعجب بها جعفر فقالت الجارية: يا مولاي، في أي شيء أنت? قال: قد عرفت ما كنا فيه من النعمة، فأردت أن تصيري إلى هذا الملك، فتسعدي. قالت: لو ملكت منك ما ملكت مني، ما بعتك بالدنيا، فاذكر العهد -وقد كان حلف أن لا يأكل لها ثمنًا- فتغرغرت عيناه، وقال لجعفر: اشهدوا أنها حرة، وأني قد تزوجتها، وأمهرتها داري، فقال جعفر: انهض بنا. فدعوت الحمالين لنقل الذهب، فقال جعفر: والله لا صحبنا منه درهم، وقال لمولاها: أنفقه عليكما.

قيل: كان في خزائن جعفر دنانير، زنة الواحد مائة مثقال، كان يرمي بها إلى أصطحة الناس سكته.

وأصفر من ضرب دار الملوك

يلوح على وجهه جعفر

يزيد على مائة واحدا

متى يعطه معسر يوسر

وقيل: بل الشعر لأبي العتاهية، وكان على الدينار صورة جعفر.

قال صاحب "الأغاني": أخبرنا عبد الله بن الربيع، حدثني أحمد بن إسماعيل، عن

ص: 510

محمد بن جعفر قال: شهدت أبي يحدث جدي وأنا صغير، قال: أخذ بيدي أمير المؤمنين، فأقبل يخترق الحجر، حتى انتهينا إلى حجرة، ففتحها، ودخلنا، فأغلقها، وقعدنا على باب ونقره، فسمعت صوت عود، فغنت امرأة، فأجادت، فطربت والله، ثم غنت، فرقصنا معًا، وخرجنا، فقال لي: أتعرف هذه? قلت: لا. قال: علية أختي، والله لئن لفظت به لأقتلنك. فقال له جدي: فقد لفظت به، والله ليقتلنك.

وقيل: إن امرأة كلابية أنشدت جعفرًا:

إني مررت على العقيق وأهله

يشكون من مطر الربيع نزورا

ما ضرهم إذ مر فيهم جعفر

أن لا يكون ربيعهم ممطورا

قد اختلف في سبب مصرع جعفر على أقوال: فقيل: إن جبريل بن بختيشوع الطبيب قال: إني لقاعد عند الرشيد، فدخل يحيى بن خالد، وكان يدخل بلا إذن، فسلم، فرد الرشيد ردًّا ضعيفًا، فوجم يحيى. فقال هارون: يا جبريل! يدخل عليك أحد بلا إذن? قلت: لا. قال: فما بالنا? فوثب يحيى، وقال: قدمني الله يا أمير المؤمنين قبلك، والله ما هو إلا شيء خصصتني به، والآن فتبت، فاستحيى الرشيد، وقال: ما أردت ما تكره، ولكن الناس يقولون.

وقيل: إن ثمامة قال: أول ما أنكر يحيى بن خالد من أمره، أن محمد بن الليث رفع رسالة إلى الرشيد، يعظه، وفيها: إن يحيى لا يغني عنك من الله شيئًا، فأوقف الرشيد يحيى على الرسالة، وقال: أتعرف محمد بن الليث? قال: نعم، هو منهم على الإسلام. فسجنه، فلما نكبت البرامكة، أحضره، وقال: أتحبني? قال: لا والله. قال: أتقول هذا قال: نعم، وضعت في رجلي القيد، وحلت بيني وبين عيالي بلا ذنب، سوى قول حاسد يكيد الإسلام وأهله، ويحب الإلحاد وأهله. فأطلقه، وقال: أتحبني? قال: لا، ولا أبغضك. فأمر له بمائة ألف، وقال: أتحبني? قال: نعم. قال: انتقم الله ممن ظلمك. فقال الناس في البرامكة وكثروا.

وقيل: إن يحيى دخل بعد على الرشيد، فقال للغلمان: لا تقوموا له، فاربد لون يحيى.

وقيل: بل سبب قتل جعفر، أن الرشيد سلم له يحيى بن عبد الله بن حسن العلوي، فرق له، وأطلقه سرًّا، فجاء رجل ينعته إلى الرشيد، وأنه رآه بحلوان، فأعطى الرجل مالا.

وقيل: بل أنشأ جعفر دارًا، أنفق عليها عشرين ألف ألف درهم، فأسرف.

ص: 511

وقيل: اعتمر يحيى بن خالد، فتعلق بالأستار، وقال: رب ذنوبي عظيمة، فإن كنت معاقبي، فاجعل عقوبتي في الدنيا، وإن أحاط ذلك بسمعي، وبصري، ومالي، وولدي، حتى أبلغ رضاك، فقدح الأمير ابن ماهان عند الرشيد في موسى بن يحيى بن خالد، وأعلمه طاعة أهل خراسان له، وأنه يكاتبهم، فاستوحش الرشيد منه، وركبه دين، فاختفى من الغرماء، فتوهم الرشيد أنه سار إلى خراسان، ثم ظهر، فسجنه، فهذا أول نكبتهم، فأتت أمه تلاطف الرشيد، فقال: يضمنه أبوه، فضمنه.

وغضب الرشيد أيضًا على الفضل بن يحيى، لتركه الشرب معه، وكان الفضل يقول: لو علمت أن شرب الماء ينقص مروءتي، لتركته، وكان مشغوفًا بالسماع، وكان جعفر ينادم الرشيد، ويأمره أبوه بالإقلال من ذلك، فلا يسمع. وقال يحيى: يا أمير المؤمنين! أنا أكره مداخل جعفر معك، فلو اقتصرت به على الإمرة دون العشرة. قال: يا أبت ليس ذا بك، بل تريد أن تقدم الفضل عليه.

ابن جرير: حدثنا أحمد بن زهير، أظنه عن عمه زاهر بن حرب، أن سبب هلاك البرامكة، أن الرشيد كان لا يصبر عن جعفر وأخته عباسة، وكان يحضرهما مجلس الشراب، فيقوم هو، فقال: أزوجكها على أن لا تمسها. قال: فكانا يثملان، ويذهب الرشيد، ويثب جعفر عليها، فولدت منه غلامًا، فوجهته إلى مكة، فاختفى الأمر، ثم ضربت جارية لها، فوشت بها، فلما حج الرشيد، هم بقتل الطفل، ثم تأثم من ذلك، فلما وصل إلى الحيرة، بعث إلى مسرور الخادم، ومعه أبو عصمة، وأجناد، فأحاطوا بجعفر ليلا، فدخل عليه مسرور وهو في مجلس لهوٍ، فأخرجه بعنف، وقيده بقيد حمار، وأتى به، فأمر الرشيد بقتله.

وعن مسرور قال: وقع على رجلي يقبلها، وقال: دعني أدخل فأوصي. قلت: لا سبيل إلى ذا، فأوص بما شئت فأوصى، وأعتق مماليكه، ثم ذبحته بعد أن راجعت فيه الرشيد، وجئته برأسه. ووجه الرشيد جندًا إلى أبيه، فأحاطوا به وبأولاده ومواليه، وأخذت أموالهم وأملاكهم، وبعثت جثة جعفر إلى بغداد، فصلب، ونودي: ألا لا أمان لمن آوى برمكيًّا، وصلب الرشيد أنس بن أبي شيخ على الزندقة، وكان مختصًّا بالبرامكة.

عن إبراهيم بن المهدي قال: خلا جعفر يومًا بندمائه وأنا فيهم، وتضمخ بالطيب، فجاءه عبد الملك بن صالح، فدخل فاربد وجه جعفر، فدعا عبد الملك غلامه، فنزع سواده، وقلنسوته، وأتى مجلسنا، فألبسوه حريرًا، وأطعم وشرب. فقال: والله ما شربته قبل اليوم، فأخف عليَّ، ونادم أحسن منادمة، وسري عن جعفر، وقال: أذكر حوائجك، فإني لا

ص: 512

أستطيع مقابلة ما كان منك. قال: في قلب أمير المؤمنين علي موجدة، فتخرجها. قال: قد رضي عنك أمير المؤمنين. قال: وعلي أربعة آلاف ألف. قال: قضي دينك. قال: وابني إبراهيم، أحب أن أزوجه. قال: قد زوجه أمير المؤمنين بالعالية بنته. قال: وأوثر أن يولى بلدًا. قال: قد ولاه أمير المؤمنين مصر، فخرج ونحن متعجبون من إقدام جعفر على هذه الأمور العظيمة، من غير استئذان، وركب إلى الرشيد، فأمضى له الجميع.

قال ابن خلكان: بلغ من أمر جعفر أن الرشيد اتخذ له ثوبًا له زيقان يلبسه هو وهو، ولم يكن له عنه صبر، وكانت عباسة أخت الرشيد أعز امرأة عليه، فكان متى غابت أو غاب جعفر تنغص، وقال لجعفر: سأزوجكها لمجرد النظر، فاحذر أن تخلو بها، فزوجه. فقيل: إنها أحبته، وراودته، فأبى، وأعيتها الحيلة، فبعثت إلى والدة جعفر: أن ابعثيني إلى ابنك كأنني جارية لك، تتحفينه بها، فأبت. فقالت: لئن لم تفعلي، لأقولن عنك: إنك دعوتيني إلى هذا، ولئن ولدت من ابنك، ليكونن لكم الشرف، فأجابتها. قال: فافتضها، فقالت: كيف رأيت خديعة بنات الخلفاء، فأنا مولاتك، فطار السكر من رأسه، وقام، وقال لأمه: بعتيني -والله- رخيصًا، وحبلت منه، فلما ولدت، وكلت بالولد خادمًا ومرضعًا، وبعثتهم إلى مكة، ثم وشت بها زبيدة، فحج، وتحقق الأمر، فأضمر السوء للبرامكة، وأشار أبو نواس إلى ذلك، فقال:

ألا قل لأمين اللْـ

ـلَه وابن القادة الساسه

إذا ما ناكث سرْ

رَك أن تعدمه راسه

فلا تقتله بالسيف

وزوجه بعباسه

وسئل سعيد بن سالم عن ذنب البرامكة، فقال: ما كان منهم بعض ما يوجب ما فعل الرشيد، لكن طالت أيامهم، وكل طويل يُمَلُّ.

وقيل: رفعت القصة إلى الرشيد فيها:

قل لأمين الله في أرضه

ومن إليه الحل والعقد

هذا ابن يحيى قد غدا مالكًا

مثلك ما بينكما حد

أمرك مردود إلى أمره

وأمره ما إن له رد

وقد بنى الدار التي ما بنى الـ

ـفرس لها مثلا ولا الهند

الدر والياقوت حصباؤها

وتربها العنبر والند

ونحن نخشى أنه وارث

ملكك إن غيبك اللحد

ص: 513

فقرأها، وأثرت فيه.

وقيل: إن أخته قالت له: ما رأيت لك سرورًا منذ قتلت جعفرًا، فلم قتلته? قال: لو علمت أن قميصي يعلم السبب لمزقته.

عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي خطيب الكوفة، قال: دخلت على أمي يوم الأضحى، وعندها عجوز في أثواب رثة، فقالت: تعرف هذه? قلت: لا. قالت: هذه والدة جعفر البرمكي، فسلمت عليها، ورحبت بها، وقلت: حدثينا ببعض أمركم. قالت: لقد هجم عليَّ مثل هذا العيد، وعلى رأسي أربعمائة جارية، وأنا أزعم أن ابني عاق لي، وقد أتيتكم يقنعني جلد شاتين، أجعل أحدهما فراشًا لي. قال: فأعطيتها خمسمائة درهم، فكادت تموت فرحًا.

لم يزل يحيى، وآله محبوسين، وحالهم حسنة، إلى أن سخط الرشيد على ابن عمه عبد الملك بن صالح، فعمهم بسخطه، وجدد لهم التهمة، وضيق عليهم.

ودامت جثة جعفر معلقة مدة، وعلقت أطرافه بأماكن، ثم أحرقت.

وقيل: لم يحبس محمد بن يحيى.

وفي تاريخ ابن خلكان: أن الرشيد دعا ياسرًا غلامه، فقال: قد انتخبتك لأمر لم أر له الأمين ولا المأمون، فحقق ظني. قال: لو أمرتني بقتل نفسي لفعلت. قال: ائتني برأس جعفر، فوجم لها. قال: ويلك ما لك? قال: الأمر عظيم، ليتني مت قبل هذا. قال: امض ويلك. فمضى، فأتى جعفرًا، فقال: يا ياسر! سررتني بإقبالك، لكن سؤتني بدخولك بلا إذن. قال: الأمر وراء ذلك يا جعفر، قد أمرت بكذا. قال المسكين -وأقبل يقبل قدمه- وقال: دعني أدخل وأوصي. قال: لا سبيل إلى ذلك، فأوص. فقال: لي عليك حق، فارجع إلى أمير المؤمنين، وقل: قتلته، فإن ندم كانت حياتي على يدك. قال: لا أقدر. قال: فآتي معك إلى مخيمه، وأسمع كلامه، وقولك له. قال: أما هذا فنعم، وذهب به، فلما دخل ياسر، قال: ما وراءك? فذكر له قول جعفر، فشتمه، وقال: لئن راجعتني، لأقدمنك قبله، فخرج وضرب عنقه، وأتاه برأسه. فقال: يا ياسر جئني بفلان وفلان فلما أتاه بهما قال: اضربا عنقه، فإني لا أقدر أرى قاتل جعفر.

وقال أبو العتاهية:

قولا لمن يرتجي الحياة أما

في جعفر عبرة ويحياه

ص: 514

كانا وزيري خليفة الله ها

رون هما ما هما وزيراه

فذالكم جعفر برمته

في حالق رأسه ونصفاه

والشيخ يحيى الوزير أصبح قد

نحاه عن نفسه وأقصاه

شتت بعد الجميع شملهم

فأصبحوا في البلاد قد تاهوا

كذاك من يسخط الإله بما

يرضي به العبد يجزه الله

سبحان من دانت الملوك له

نشهد أن لا إله إلا هو

طوبى لمن تاب قبل عثرته

فتاب قبل الممات طوباه

قال المحدث عبد الله بن روح المدائني: ولدت يوم قتل جعفر بن يحيى، وهو أول صفر، سنة سبع وثمانين ومائة، عاش سبعًا وثلاثين سنة، ومات أخوه الفضل في سنة اثنتين وتسعين ومائة، وكان أخًا للرشيد من الرضاعة، وأمه بربرية، وكان قد ولي إمرة خراسان، وكان من نبلاء الرجال، وكان أكرم وأجود من جعفر، لكنه كان ذا تيه وكبر عظيم، وصل مرة عمرو بن جميل التميمي بألف ألف درهم، وعاش خمسًا وأربعين سنة، وله عدة أخوة.

ص: 515

‌1332 - يزيد بن مَزْيَد

(1)

:

ابن زائدة، أمير العرب، أبو خالد الشيباني، أحد الأبطال والأجواد، وهو ابن أخي الأمير معن بن زائدة. ولي اليمن، ثم ولي أذربيجان وأرمينية للرشيد، وقتل رأس الخوارج الوليد بن طريف.

وكان يزيد مع فرط شجاعته وكرمه من دهاة العرب، وتمت له حروب مع الوليد، حتى إنه بارزه بنفسه، فتصاولا نحو ساعتين، وتعجب منهما الجمعان، ثم ضرب رجل الوليد، فسقط، وكلاهما من بني شيبان.

وقيل: إن الرشيد قال له: يا يزيد! ما أكثر أمراء المؤمنين في قومك! قال: نعم، إلا أن منابرهم الجذوع.

وقيل: إن الرشيد أعطاه لما بعثه لحرب الوليد ذو الفقار، وقال: ستنصر به.

فقال مسلم بن الوليد:

أذكرت سيف رسول الله سنته

وبأس أول من صلى ومن صاما

يعني: عليًّا رضي الله عنه.

قال الأصمعي: رأيت الرشيد متقلدًا سيفًا، فقال: ألا أريك ذو الفقار? قلت: بلى. قال: استل سيفي. فاستللته فرأيت، فيه ثماني عشرة فقارة.

ولمنصور بن الوليد:

لو لم يكن لبني شيبان من حسب

سوى يزيد لفاتوا الناس بالحسب

قيل: نظر يزيد إلى لحية عظيمة مخضوبة، فقال لصاحبها: أنت من لحيتك في مؤنة. قال: أجل، ولذلك أقول:

لها درهم للطيب في كل ليلة

وآخر للحناء يبتدران

ولولا نوال من يزيد من مزيد

لصوت في حافاتها الجلمان

وبلغنا أن يزيد بن مزيد أهديت له جارية، فافتضَّها، فمات على صدرها ببرذعة، سنة خمس وثمانين ومائة، وخلف ابنيه الأميرين: خالدًا، ومحمدًا.

ولمسلم فيه مدائح بديعة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 334"، ووفيات الأعيان "4/ ترجمة 820"، وخزانة الأدب للبغدادي "3/ 54".

ص: 516

‌1333 - أبو معاوية

(1)

: " ع"

محمد بن حازم مولى بني سعد بن زيد مناة بن تميم، الإمام، الحافظ، الحجة، أبو معاوية السعدي، الكوفي، الضرير، أحد الأعلام.

قال أحمد، وجماعة: ولد سنة ثلاث عشرة ومائة.

وعمي وهو ابن أربع سنين، فأقاموا عليه مأتمًا. قاله: أبو داود. ويقال: عمي ابن ثمان سنين.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 392"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 191"، والكنى للدولابي "2/ 117"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1360"، وتاريخ بغداد "5/ 243"، والأنساب للسمعاني "8/ 152"، والكاشف "3/ ترجمة 4889"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7466" و"4/ 10618" وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة 678"، وتهذيب التهذيب "9/ 137"، وتقريب التهذيب "2/ 157" وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6174".

ص: 516

حدث عن: هشام بن عروة، وعاصم الأحول، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، وسهيل، وإسماعيل بن أبي خالد، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة، وداود بن أبي هند، وعبيد الله بن عمر، وأبي مالك الأشجعي، وأبي إسحاق الشيباني، ومحمد بن سوقة، والكلبي، وسعيد بن طريف الإسكاف، وإسماعيل بن مسلم المكي، وبشار بن كدام، وجعفر بن برقان، وجويبر بن سعيد، وحجاج بن أرطاة، والحسن بن عمرو الفقيمي، وخالد بن إلياس، وسعد بن سعيد، وعمرو بن ميمون بن مهران، وأبي بردة عمرو بن يزيد، وقنان بن عبد الله، وليث بن أبي سليم، وخلق كثير.

وعنه: ابنه إبراهيم، وابن جريج شيخه، والأعمش شيخه، ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن يحيى، وعمرو بن عون، وأحمد بن يونس، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وإسحاق، وأبو كريب، وابنا أبي شيبة، وعلي، وأبو خيثمة، وسعيد بن منصور، وابن نمير، وهناد، وقتيبة، وعلي بن محمد الطنافسي، وأحمد بن أبي الحواري، وأحمد بن منيع، وعلي بن حرب، وأخوه أحمد بن حرب، وأحمد بن سنان، والحسن بن عرفة، والحسن بن محمد الزعفراني، وسهل بن زنجلة، وصدقة بن الفضل، وسعدان بن نصر، وعبد الرحمن بن محمد الطرسوسي، وعلي بن إشكاب، ومحمد بن إسماعيل الحساني، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، ومحمد بن طريف، ومحمد بن عبد الله المخرمي، ومحمد بن المثنى العنزي، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، ويعقوب الدورقي، وخلق كثير، خاتمتهم، أحمد بن عبد الجبار العطاردي.

سئل أحمد عن أبي معاوية وجرير في الأعمش، فقدم أبا معاوية.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان أبو معاوية إذا سئل عن أحاديث الأعمش، يقول: قد صار حديث الأعمش في فمي علقمًا، أو أمر، لكثرة ما تردد عليه. ثم قال أبي: أبو معاوية في غير حديث الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظًا جيدًا، وسمعت أبي يقول: كان -والله- حافظًا للقرآن.

وقال يحيى بن معين: هو أثبت من جرير في الأعمش. قال: وروى: أبو معاوية، عن عبيد الله أحاديث مناكير، وقال: هو أثبت أصحاب الأعمش بعد سفيان وشعبة.

أحمد بن زهير: عن ابن معين، قال لنا وكيع: من تلزمون? قلنا: نلزم أبا معاوية. قال: أما إنه كان يعد علينا في حياة الأعمش ألفًا وسبعمائة. فقلت لأبي معاوية: إن وكيعًا، قال كذا وكذا. فقال: صدق، ولكني مرضت مرضة، فأنسيت أربعمائة.

ص: 517

عباس، عن يحيى، قال أبو معاوية: حفظت من الأعمش ألفًا وستمائة، فمرضت مرضة، فذهب عني منها أربعمائة. قال يحيى: كان عنده ألف ومائتان، وعند وكيع عن الأعمش ثمانمائة. قلت ليحيى: كان أبو معاوية أحسنهم حديثًا عن الأعمش? قال: كانت تلك الأحاديث الكبار العالية عنده.

قال علي بن المديني: كتبنا عن أبي معاوية، عن الأعمش ألفًا وخمسمائة حديث، وكان عند جرير ألف ومائتان عن الأعمش، وكان عند الأعمش ما لم يكن عند أبي معاوية، أربعمائة ونيف وخمسون حديثًا.

محمود بن غيلان، عن أبي نعيم، سمعت الأعمش يقول لأبي معاوية: أما أنت، فقد ربطت رأس كيسك.

ومحمود بن غيلان: سمعت شبابة يقول: جاء أبو معاوية إلى مجلس شعبة، فقال: يا أبا معاوية! سمعت حديث كذا من الأعمش? قال: نعم. فقال شعبة: هذا صاحب الأعمش، فاعرفوه.

وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا نعيم يقول: لزم أبو معاوية الأعمش عشرين سنة.

وقال أحمد بن عمر الوكيعي: ما أدركنا أحدًا كان أعلم بأحاديث الأعمش من أبي معاوية.

قال أحمد بن داود الحراني: سمعت أبا معاوية يقول: البصراء، كانوا عيالا علي عند الأعمش.

وقال ابن عمار: سمعت أبا معاوية يقول: كل حديث أقول فيه: "حدثنا"، فهو ما حفظته من في المحدث، وما قلت: ذكر فلان، فهو ما لم أحفظه من فيه، وقرئ عليه من كتاب، فحفظته وعرفته.

قال العجلي: كوفي، ثقة، يرى الإرجاء، وكان لين القول فيه.

وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، ربما دلس، كان يرى الإرجاء، فيقال: إن وكيعًا لم يحضر جنازته لذلك.

وقال أبو داود: كان رئيس المرجئة بالكوفة.

وقال النسائي: ثقة.

وقال ابن خراش: صدوق، وهو في الأعمش ثقة، وفي غيره فيه اضطراب.

ص: 518

وقال ابن حبان: كان حافظًا، متقنًا، ولكنه كان مرجئًا، خبيثًا.

وقال جرير بن عبد الحميد: كنا نَرْقَع الحديث عند الأعمش، ثم نخرج، فلا يكون أحد أحفظ منا لحديثه من أبي معاوية.

وكان هارون الرشيد يجل أبا معاوية، ويحترمه، قيل: إنه أكل عنده، فغسل يديه، فكان الرشيد هو الذي صب على يده، وقال: تدري يا أبا معاوية من يصب عليك، ثم وصله بذهب كثير.

قال محمد بن عبد الله بن نمير: مات أبو معاوية سنة أربع وتسعين ومائة.

وقال علي بن المديني، وجماعة: مات سنة خمس وتسعين. وزاد بعضهم: في صفر -أو أول ربيع الأول.

أخبرنا أبو الغنائم بن محاسن، أخبرنا جدي عبد الله بن أبي نصر القاضي، أخبرنا عيسى بن أحمد، حدثنا الحسين بن علي، أخبرنا عبد الله بن يحيى، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، وعن ابن سيرين، عن تميم الداري: أنه قرأ القرآن في ركعة.

أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي السهل، ومحمد بن علي بن السباك، وعلي بن سالم، قالوا: أخبرنا أبو الفتح بن شاتيل، ونصر الله القزاز، قالا: أخبرنا أبو القاسم الربعي، زاد ابن شاتيل، فقال: وأخبرنا الحسين بن علي، قالا: أخبرنا محمد بن محمد البزاز، حدثنا محمد بن عمرو الرزاز، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير بن عبد الله، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل، وقال:"أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهري المشركين". قالوا: يا رسول الله! ولم? قال: "لا تراءى ناراهما"

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه أبو داود "2645"، والترمذي "1604" من طريق هناد بن السري، عن أبي معاوية، به، وأخرجه الترمذي "1605" حدثنا هناد، حدثنا عبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم مثل حديث أبي معاوية ولم يذكر فيه عن جرير وهذا أصح.

وقال أبو عيسى: وأكثر أصحاب إسماعيل، عن قيس بن أبي حازم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية ولم يذكروا فيه عن جرير.

وأخرجه النسائي "8/ 36" من طريق أبي خالد، عن إسماعيل، به.

وأخرجه أحمد "4/ 365"، والنسائي "7/ 148"، والبيهقي "9/ 13" من طريق أبي وائل، عن أبي نخيلة البجلي قال: قال جرير: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع فقلت: يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك واشترط علي فأنت أعلم قال: "أبايعيك على أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين".

وله شاهد عند أبي داود "2787" من حديث سمرة بن جندب مرفوعا بلفظ: "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله".

وله شاهد آخر عند النسائي "5/ 83"، وابن ماجه "2536" من طريق بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده مرفوعا بلفظ:"لا يقبل الله من مشرك بعدما أسلم عملا حتى يفارق المشركين إلى المسلمين". وإسناده حسن.

ص: 519

‌1334 - أبو معاوية الأسود

(1)

:

من كبار أولياء الله. صحب سفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم، وغيرهما، وكان يعد من الأبدال.

وقيل: إنه ذهب بصره، فكان إذا أراد التلاوة في المصحف، أبصر بإذن الله.

قال أحمد بن أبي الحواري: جاء إلى أبي معاوية الأسود جماعة، ثم قالوا: ادع الله لنا. فقال: اللهم ارحمني بهم، ولا تحرمهم بي.

قال أحمد بن فضيل العكي: غزا أبو معاوية الأسود، فحضر المسلمون حصنًا فيه علج، لا يرمي بحجر ولا نشاب إلا أصاب، فشكوا إلى أبي معاوية، فقرأ:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]، استروني منه. فلما وقف، قال: أين تريدون بإذن الله? قالوا: المذاكير. فقال: أي رب، قد سمعت ما سألوني، فأعطي ذلك: بسم الله، ثم رمى المذاكير، فوقع.

قال أبو داود: لما مات علي بن الفضيل، حج أبو معاوية الأسود من طرسوس ليعزي الفضيل.

ومن كلامه: من كانت الدنيا همه، طال غدًا غمه، ومن خاف ما بين يديه، ضاق به ذرعه، وله مواعظ وحكم.

(1)

ترجمته في حلية الأولياء "8/ ترجمة 405".

ص: 520

‌1335 - إبراهيم المَوْصلي

(1)

:

رئيس المطربين، أبو إسحاق إبراهيم بن ماهان بن بهمن الفارسي الأصل، الأرجاني مولى بني حنظلة. صحب بالكوفة فتيانًا في طلب الغناء، فاشتد عليه أخواله، فهرب إلى الموصل، وكان ماهان قدم من أرجان، وهذا حمل، فولد بالكوفة سنة خمس وعشرين ومائة.

فبرع في الآداب، والشعر، والموسيقى، وسافر في تطلب ذلك، إلى أن برع واشتهر، وبعد صيته، واتصل بالخلفاء والبرامكة، وحصل الأموال، وكان ندي الصوت جدًّا، ماهر بالعود، لعابًا، مترفًا -سامحه الله- وله أخبار في "الأغاني".

وهو والد العلامة الأديب إسحاق الموصلي.

مات سنة ثمان وثمانين ومائة. قاله: عمر بن شبة.

ويقال عاش إلى ما بعد الثمانين.

(1)

ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني "5/ 154"، وتاريخ بغداد "6/ 175"، ووفيات الأعيان "1/ ترجمة 10"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 126"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 318".

ص: 521

‌1336 - المُعَافَى

(1)

: "خ، د، س"

المعافى بن عمران بن نفيل بن جابر بن جبلة، الإمام، شيخ الإسلام، ياقوتة العلماء، أبو مسعود الأزدي، الموصلي، الحافظ.

ولد سنة نيف وعشرين ومائة.

وسمع هشام بن حسان، وجعفر بن برقان، وحنظلة بن أبي سفيان، وابن جريج، وثور بن يزيد، وسيف بن سليمان المكي، وأفلح بن حميد، وموسى بن عبيدة، والأوزاعي، وابن أبي عروبة، وعمر بن ذر، ومحل بن محرز الضبي، والثوري، ومسعر بن كدام، وعبد الحميد بن جعفر، ويونس بن أبي إسحاق، ومالك بن مغول، وخلقًا من طبقتهم.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 487"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2146"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 177" و"2/ 780"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1835"، وتاريخ بغداد "13/ 226"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 267"، والكاشف "3/ ترجمة 5611"، وتهذيب التهذيب "10/ 199"، وتقريب التهذيب "2/ 258"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7067"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 308".

ص: 521

وكان من أئمة العلم والعمل، قل أن ترى العيون مثله.

حدث عنه: موسى بن أعين، وابن المبارك، وبقية بن الوليد، ووكيع بن الجراح -وهم من جيله- وبشر بن الحارث، والحسن بن بشر، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، ومحمد بن جعفر الوركاني، ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، وعبد الله بن أبي خداش، ومحمد بن أبي سمينة، ومسعود بن جويرية، وهشام بن بَهْرام المدائني، وأبو هاشم محمد بن علي الموصلي، وولده؛ أحمد بن المعافى، وعبد الوهاب بن فليح المكي، وموسى بن مروان الرَّقِّي، وعدة.

وقد ساق الحافظ يزيد بن محمد الأزدي في "تاريخ الموصل" له ترجمة المعافى في عشرين ورقة، فمن ذلك قال: حدثنا موسى بن هارون الزيات، حدثنا أحمد بن عثمان، سمعت أحمد بن داود الحُداني، حدثنا عيسى بن يونس، قال: خرج علينا الأوزاعي، ونحن ببيروت: أنا، والمعافى بن عمران، وموسى بن أعين، ومعه كتاب "السنن" لأبي خلتقمر، فقال: لو كان هذا الخطأ في أمة، لأوسعهم خطأ. قال يزيد بن محمد: صنف المعافى في الزهد، والسنن، والفتن، والأدب، وغير ذلك.

قال أحمد بن يونس: كان سفيان الثوري يقول: المعافى بن عمران ياقوتة العلماء.

وقال بشر بن الحارث: إني لأذكر المعافى اليوم، فأنتفع بذكره، وأذكر رؤيته، فأنتفع.

وقال وكيع: حدثنا المعافى وكان من الثقات.

وعن بشر الحافي، قال: كان ابن المبارك يقول: حدثني الرجل الصالح -يعني: المعافى.

وروى أحمد بن عبد الله بن يونس، عن سفيان الثوري، قال: امتحنوا أهل الموصل بالمعافى.

ويروى عن الأوزاعي أنه قال: لا أقدم على المعافى الموصلي أحدًا.

وقال محمد بن سعد: كان المعافى ثقة، خيرًا، فاضلا، صاحب سنة.

بشر بن الحارث: سمعت المعافى يقول: سمعت الثوري يقول: إذا لم يكن لله في العبد حاجة، نبذه إلى السلطان.

قال بشر بن الحارث: كان المعافى يحفظ الحديث والمسائل، سألته عن الرجل يقول للرجل: اقعد هنا ولا تبرح. قال: يجلس حتى يأتي وقت صلاة، ثم يقوم.

ص: 522

وقال محمد بن عبد الله بن عمارة: رأيت المعافى بن عمران -ولم أر أفضل منه- يسأل عن تجصيص القبور، فكرهه

(1)

.

علي بن مضاء: حدثنا هشام بن بَهْرَام، سمعت المعافى يقول: القرآن كلام الله، غير مخلوق.

وقال الهيثم بن خارجة: ما رأيت رجلا آدب من المعافى بن عمران، وبلغنا أن المعافى كان أحد الأسخياء الموصوفين، أفنى ماله الجود، كان إذا جاءه مَغَلُّه، أرسل منه إلى أصحابه ما يكفيهم سنة، وكانوا أربعة وثلاثين رجلا.

قلت: كان من وجوه الأزد.

قال بشر الحافي: كان المعافى في الفرح والحزن واحدًا، قتلت الخوارج له ولدين، فما تبين عليه شيء، وجمع أصحابه، وأطعمهم، ثم قال لهم: آجركم الله في فلان وفلان. رواها: جماعة، عن بشر.

وقال محمد بن عبد الله بن عمار كنت عند عيسى بن يونس، فقال: أسمعت من المعافى? قلت: نعم. قال: ما أحسب أحدًا رأى المعافى، وسمع من غيره، يريد بعلمه -الله- تعالى.

قال بشر بن الحارث: سمعت المعافى يقول: أجمع العلماء على كراهة السكنى -يعني: ببغداد.

وقيل لبشر: نراك تعشق المعافى؟ قال: وما لي لا أعشقه، وقد كان سفيان الثوري يسميه الياقوتة.

قال علي بن حرب الطائي: رأيت المعافى أبيض الرأس واللحية، عليه قميص غليظ، وكمه يبين منه أطراف أصابعه.

قال يحيى بن معين: المعافى ثقة.

قال بشر الحافي: كان المعافى صاحب دنيا واسعة، وضياع كثيرة، قال مرة رجل: ما أشد البرد اليوم، فالتفت إليه المعافى، وقال: استدفأت الآن? لو سكت، لكان خيرًا لك.

(1)

وذلك لما أخرجه مسلم "970" بإسناده عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه".

ص: 523

قلت: قول مثل هذا جائز، لكنهم كانوا يكرهون فضول الكلام، واختلف العلماء في الكلام المباح، هل يكتبه الملكان، أم لا يكتبان إلا المستحب الذي فيه أجر، والمذموم الذي فيه تبعة؟ والصحيح كتابة الجميع، لعموم النص في قوله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، ثم ليس إلى الملكين اطلاع على النيات والإخلاص، بل يكتبان النطق، وأما السرائر الباعثة للنطق، فالله يتولاها.

وقد أوصى المعافى رحمه الله أولاده بوصية نافعة، تكون نحوًا من كراس.

وقد وقع لنا من عواليه، وله "مسند" صغير، سمعناه.

أخبرنا السيد الحافظ تاج الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد المحسن العلوي الغرافي، بقراءتي عليه بالإسكندرية، في شهر رمضان، سنة خمس وتسعين وستمائة، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر بن خلف القطيعي قراءة عليه ببغداد، في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، وأنا في الخامسة، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر بن السري، والمجلد "ح". وأخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد الزاهد، أخبرنا الإمام شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد السهروردي سنة عشرين وست مائة، أخبرنا هبة الله بن أحمد القصار، قالا: أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا محمد -يعني: ابن أبي سمينة- حدثنا المعافى بن عمران، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن أنس، قال:"كنت أسكب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه عن جميع أزواجه في الليلة الواحدة".

هذا حديث حسن الإسناد. أخرجه: ابن ماجه

(1)

من حديث وكيع، عن صالح.

توفي المعافى -فيما قاله سلمة بن أبي نافع، ومحمد بن عبد الله بن عمار: سنة خمس وثمانين ومائة. وقال الهيثم بن خارجة، ورباح بن الجراح -شيخ لحاتم بن الليث: توفي سنة ست وثمانين ومائة. وأما علي بن حسين الخواص، فقال: مات سنة أربع وثمانين ومائة.

ومما رواه المعافى بن عمران، عن سفيان، عن حجاج بن فرافصة، عن بديل، قال: من عرف الله عز وجل أحبه، ومن أبصر الدنيا، زهد فيها والمؤمن لا يلهو حتى يغفل، فإذا تذكر حزن.

(1)

صحيح: أخرجه ابن ماجه "589"، وإسناده ضعيف، آفته صالح بن أبي الأخضر فإنه ضعيف، أجمعوا على ضعفه، وأخرجه مسلم "309" من طريق شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد.

وللحديث طرق أخرى كثيرة عن أنس: عند عبد الرزاق "1061"، والنسائي "1/ 143"، وابن ماجه "588"، وابن خزيمة "231".

ص: 524

‌1337 - المعافى بن عمران الحمصي

(1)

:

أما المعافى بن عمران الحمصي، فهو المحدث، أبو عمران الحميري، الظهري.

يروي عن: عبد العزيز بن الماجشون، ومالك بن أنس، وعبد الله بن لهيعة، وشعيب بن زريق، وإسماعيل بن عياش.

حدث عنه: كثير بن عبيد، وأبو التقي هشام اليزني، ويزيد بن عبد ربه، ومحمد بن مصفى، وسعيد بن عمرو السكوني، ومزداد بن جميل، وأبو حميد أحمد بن محمد العَوْهِي، وآخرون.

ذكره ابن حبان في الثقات، وهو صدوق -إن شاء الله- لا شيء له في الكتب الستة. مات: بعد المائتين.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1836"، وتهذيب التهذيب "10/ 200"، وتقريب التهذيب "2/ 258"، وخلاصة الخزرجي "7068".

ص: 525

‌1338 - أبو ضمرة

(1)

: " ع"

الإمام، المحدث، الصدوق، المعمر، بقية المشايخ، أبو ضمرة أنس بن عياض الليثي، المدني. مولده سنة أربع ومائة.

حدث عن: صفوان بن سليم، وأبي حازم الأعرج، وسهيل بن أبي صالح، وربيعة الرأي، وشريك بن أبي نَمِر، وهشام بن عروة، وعدة.

وعمر دهرًا، وتفرد في زمانه.

حدث عنه: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأحمد بن صالح، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وخلق كثير.

وروى عنه من أقرانه: بقية بن الوليد.

قال أبو زرعة والنسائي: لا بأس به.

وقال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أحدًا أحسن خلقًا من أبي ضمرة رحمه الله ولا أسمح بعلمه منه، قال لنا: والله لو تهيأ لي أن أحدثكم بكل ما عندي في مجلس، لفعلت.

قلت: عاش ستًّا وتسعين سنة، توفي سنة مائتين.

وقع لي من عواليه: أخبرتنا خديجة بنت الرضى، أخبرنا أحمد بن عبد الواحد، أخبرنا عبد المنعم بن عبد الله، أخبرنا عبد الغفار الشِّيرُويي، أخبرنا محمد بن موسى، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت:"والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين عندي بعد العصر قط"

(2)

.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1591"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 190"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 1055"، والعبر "1/ 332"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 304"، والكاشف "1/ ترجمة 482"، وتهذيب التهذيب "1/ 375"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 358".

(2)

صحيح: أخرجه البخاري "591"، ومسلم "835""299" من طريق هشام بن عروة، به.

ص: 525

‌1339 - حَكَّام بن سَلْم

(1)

: " م، (4) "

الإمام، الصادق، أبو عبد الرحمن الكِنَاني، الرَّازي.

سمع: حميدًا الطويل، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن أبي سليمان، وطبقتهم.

حدث عنه: يحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن نمير، ومحمد بن عمرو زنيج، ومحمد بن حميد الرازيان، والحسن بن محمد الزعفراني، وموسى بن نصر، وآخرون.

وكان من نبلاء العلماء.

وثقه أبو حاتم، وغيره.

مات سنة تسعين ومائة، بمكة، وكان قد قدم للحج، وحدث ببغداد في السنية، توفي قبل يوم عرفة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 381"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 455"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 83"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1427"، وتاريخ بغداد "8/ 281"، والعبر "1/ 303"، والكاشف "1/ ترجمة 1180"، وتهذيب التهذيب "2/ 422"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1717"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 325".

ص: 526

‌1340 - ابن الإمام

(1)

:

نائب دمشق، الأمير محمد بن الإمام إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي.

ولي دمشق لابن عمه المهدي، ثم للرشيد، وولي مكة والموسم، وكان كبير الشأن، يذكر للخلافة.

حدث عن: جعفر الصادق، وعن المنصور.

روى عنه: ابنه موسى، وحفيده؛ عبد الصمد، وغيرهما.

وهو راوي حديث: "أكرموا الشهود"

(2)

. وما علمت أحدًا تجاسر على تضعيف هؤلاء الأمراء لمكان الدولة.

عاش ثلاثًا وستين سنة. وتوفي ببغداد، سنة خمس وثمانين ومائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغدد "1/ 384"، والعبر "1/ 292"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".

(2)

منكر: أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير""3/ 84"، والخطيب في "تاريخ بغداد""5/ 94" و"6/ 138" من طريق عبد الصمد بن علي الهاشمي، قال حدثني عمي إبراهيم بن محمد، عن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكرموا الشهود، فإن الله يستخرج بهم الحقوق، ويرفع بهم الظلم"، وذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمة عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي الأمير في "ميزان الاعتدال" "2/ 620": وقال: وهذا منكر، وما عبد الصمد بحجة، ولعل الحفاظ إنما سكتوا عنه مداراة للدولة. وذكر الشوكاني الحديث في "الفوائد المجموعة" "581" وقال: صرح الصغاني بأنه موضوع.

ص: 527

‌1341 - يحيى بن خالد

(1)

:

ابن برمك الوزير الكبير، أبو علي الفارسي.

من رجال الدهر حزمًا، ورأيًا، وسياسة، وعقلا، وحذقًا بالتصرف، ضمه المهدي إلى ابنه الرشيد ليربيه، ويثقفه، ويعرفه الأمور فلما استخلف، رفع قدره، ونوه باسمه، وكان يخاطبه: يا أبي، ورد إليه مقاليد الوزارة، وصير أولاده ملوكًا، وبالغ في تعظيمهم إلى الغاية

مدة إلى أن قتل ولده جعفر بن يحيى، فسجنه، وذهبت دولة البرامكة -كما ذكرنا في ترجمة جعفر.

قال الأصمعي: سمعت يحيى يقول: الدنيا دُوَلٌ والمال عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة.

قال إسحاق الموصلي: كانت صلات يحيى لمن تعرض له إذا ركب، مائتي درهم. فقال لي أبي: شكوت إلى يحيى ضيقًا، فقال: كيف أصنع؟ ما عندي شيء، لكن أدلك على أمر، فكن فيه رجلا، جاءني وكيل صاحب مصر، يطلب أن أستهدي منه شيئًا، فأبيت، فألح، وقد بلغني أنك أعطيت في جارية لك ثلاثة آلاف دينار، فهو ذا أستهديه إياها، وأخبره أنها قد أعجبتني، فلا تنقصها عن ثلاثين ألف دينار. قال: فوالله ما شعرت إلا والرجل يسومني الجارية، فبذل فيها عشرين ألف دينار، فضعف قلبي عن ردها. فلما صرت إلى الوزير، قال: إنك لكذا، كنت صبرت، وهذا خليفة صاحب فارس قد جاءني في مثل هذا، فخذ جاريتك، فإذا ساومك، لا تنقصها من خمسين ألف دينار. قال: فجاءني، فلنت، وبعتها بثلاثين ألفًا. فلما صرت إلى الوزير، قال: ألم تؤدبك الأولى عن الثانية، خذ جاريتك إليك. فقلت: قد أفدت بها خمسين ألف دينار، أشهدك أنها حرة، وأني قد تزوجتها.

قيل: إن أولاد يحيى قالوا له وهم في القيود مسجونين: يا أبة! صرنا بعد العز إلى هذا! قال: يا بني! دعوة مظلوم غفلنا عنها، لم يغفل الله عنها.

مات يحيى بن خالد: في سجن الرقة، سنة تسعين ومائة، وله سبعون سنة.

وكان أبوه أحد الأعيان المذكورين.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 128"، ووفيات الأعيان "6/ ترجمة 806"، والعبر "1/ 306"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 288".

ص: 528

‌1342 - الفضل بن يحيى

(1)

:

وكان ابنه الفضل من رجال الكمال، ولي إمرة خراسان، وعمل الوزارة، وكان فيها -قيل- أسخى من جعفر، ولكنه يضرب بكبره وتيهه المثل، وصل مرة لعمرو التميمي بستين ألف دينار، وكان أخًا للرشيد من الرضاعة. مات: كهلا، سنة اثنتين وتسعين، مسجونًا، وكان قد أخرب بيت النار الذي ببلخ، وكان جدهم برمك مُوبِدان

(2)

به.

وعمل الوزارة مدة لهارون، ثم حولها منه إلى جعفر، واستعمل على المشرق كله هذا، واستعمل جعفرًا على المغرب كله.

وكان الفضل غارقًا في اللذات المُرْدية، حتى تعطلت الأمور، فكتب إليه الشيخ النحس أبوه، بأن يتستر، ويقنع بالليل، فسمع منه، وكان على هناته شجاعًا، مهيبًا، كثير الغزو، وكان يقول: تعلمت الكرم والتيه من عمارة بن حمزة. أتيته في جائحة لأبي، فطولب بأموال، فكلمته، فما بش بي، وطلبت منه أن يقرضنا ثلاثة آلاف ألف درهم، فقال: حتى ننظر. ورحت، فوجدت المال قد بعث به إلى أبي، ثم عاد أبي إلى رتبته، وحصل، ثم بعث معي بالوفاء، فكلمته، فقال: ويحك! أكنت صيرفيًّا لأبيك? أخرج عني، وخذ المال لك. فرددت بالمال إلى أبي، فأعطاني منه ألف ألف درهم.

وقيل: أتاه رجل يمت

(3)

بأمر، فقال: يا هذا! ما حاجتك? قال: رثاثة ملبسي تخبرك. قال: فبم تمت? قال: إني في سنك، ومن جيرانك، واسمي كاسمك. قال: وما علمك بالولادة؟ قال: حكت لي أمي أنها ولدتني صبيحة مولدك، وقيل لها: ولد الليلة ليحيى بن خالد ابن سموه الفضل. قال: فسمتني أمي الفضيل إكبارًا لاسمك. فتبسم الفضل، وأمر له بخمسة وأربعين ألفًا، ومركوبًا، ثم استعمله ديوانًا.

ضرب الفضل مائتي سوط في المصادرة، حتى كاد يتلف، ثم داواه الجرائحي مدة.

(1)

ترجمته في العبر "1/ 309"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 330".

(2)

الموبد: صاحب معبد النار، والموبدان هو رئيسهم.

(3)

يمت: أي يتوسل أو يتقرب بمودة أو قرابة.

ص: 529

‌1343 - الأحمر

(1)

:

شيخ العربية، علي بن المبارك. وقيل: علي بن الحسن، تلميذ الكسائي، ناظر سيبويه مرة.

قال ثعلب: كان الأحمر يحفظ -سوى ما يحفظ- أربعين ألف بيت شاهدًا في النحو.

وقال الأحمر: وصلني في يوم ثلاثمائة ألف درهم.

وكان متمولا، متجملا، فاخر البزة، كأن داره دار ملك بالخدم والحشم.

أخذ عنه: إسحاق النديم، وسلمة بن عاصم، ويقال: إن محمد بن الجهم أدركه.

وقيل: كان شابًّا، من رجالة باب الخلافة، وكان يتوقد ذكاء، فرأى الكسائي يدخل ويخرج، فلزمه إلى أن برع، فندبه لتعليم أولاد الرشيد، نيابة عن نفسه.

توفي الأحمر: بطريق مكة، فتوجع الفراء لموته.

فقيل: مات سنة أربع وتسعين ومائة.

(1)

ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 104"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 158".

ص: 529

‌1344 - منصور بن عَمَّار

(1)

:

ابن كثير الواعظ، البليغ، الصالح، الرباني، أبو السري السلمي، الخراساني -وقيل: البصري- كان عديم النظير في الموعظة والتذكير.

روى عن: الليث، وابن لهيعة، ومعروف الخياط، وهقل بن زياد، والمنكدر بن محمد، وبشير بن طلحة، وجماعة. ولم يكن بالمتضلع من الحديث.

حدث عنه: ابناه سليم، وداود، وزهير بن عباد، وأحمد بن منيع، وعلي بن خشرم، وعبد الرحمن بن يونس الرقي، ومنصور بن الحارث، وغيرهم.

وعظ بالعراق، والشام، ومصر، وبعد صيته، وتزاحم عليه الخلق، وكان ينطوي على زهد، وتأله، وخشية، ولوعظه وقع في النفوس.

قال أبو حاتم: صاحب مواعظ، ليس بالقوي.

وقال ابن عدي: حديثه منكر.

وقال الدارقطني: يروي عن ضعفاء أحاديث لا يتابع عليها.

وذكر ابن يونس في "تاريخه": أن الليث بن سعد حضر وعظه، فأعجبه، ونفذ إليه بألف دينار. وقيل: أقطعه خمسة عشر فدانًا، وإن ابن لهيعة أقطعه خمسة فدادين.

قال أبو بكر بن أبي شيبة: كنا عند ابن عيينة، فسأله منصور بن عمار عن القرآن، فزبره، وأشار إليه بعكازه. فقيل: يا أبا محمد، إنه عابد. فقال: ما أراه إلا شيطانًا.

وعن عبدك العابد، قال: قيل لمنصور: تتكلم بهذا الكلام، ونرى منك أشياء?! قال: احسبوني درة على كناسة.

وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت عبد الرحمن بن مطرف يقول: رؤي منصور بن

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1509"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 777"، والكامل لابن عدي "6/ ترجمة 1881"، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني "9/ ترجمة 455"، وتاريخ بغداد "13/ 71"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8790"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 244".

ص: 530

عمار بعد موته، فقيل: ما فعل الله بك? قال: غفر لي، وقال لي: يا منصور! غفرت لك على تخليط فيك كثير، إلا أنك كنت تحوش

(1)

الناس إلى ذكري.

أحمد بن منيع: حدثنا منصور بن عمار، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة -أو حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يكون لأصحابي بعدي زلة، يغفرها الله لهم بسابقتهم، ثم يعمل بها قوم بعدهم، يكبهم الله في النار"

(2)

.

منصور بن الحارث: حدثنا منصور بن عمار، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد، عن أبي الخير، عن عقبة، مرفوعًا:"مشاش الطير يورث السل"

(3)

.

عبد الرحمن بن يونس: حدثنا منصور، حدثني ابن لهيعة، عن الأسود، عن عروة، عن عائشة، قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عقد عباء بين كتفيه وقال: "إنما لبست هذا، لأقمع به الكبر"

(4)

.

وساق ابن عدي مناكير لمنصور، تقضي بأنه واه جدًا.

أبو شعيب الحراني: حدثنا علي بن خشرم، قال منصور بن عمار: لما قدمت مصر، كانوا في قحط، فلما صلوا الجمعة، ضجوا بالبكاء والدعاء، فحضرتني نية، فصرت إلى الصحن، وقلت: يا قوم! تقربوا إلى الله بالصدقة، فما تقرب بمثلها، ثم رميت بكسائي، فقال: هذا جهدي، فتصدقوا، حتى جعلت المرأة تلقي خرصها، حتى فاض الكساء، ثم هطلت السماء، وخرجوا في الطين، فدفعت إلى الليث وابن لهيعة، فنظرا إلى كثرة المال، فوكلوا به الثقات،

(1)

تحوش: تجمع وتسوق.

(2)

منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل""6/ 394" من طريق أحمد بن منيع، حدثنا منصور بن عمار، به. وفي إسناده علتان: الأولى: منصور بن عمار، قال ابن عدي: منكر الحديث. والثانية: ابن لهيعة، ضعيف.

(3)

منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل""6/ 394، 395" من طريق منصور بن الحارث بن أبي منصور، حدثنا منصور بن عمار، به.

وقال ابن عدي: "مساس" بالسين المهملة. وذكر الذهبي الحديث في "ميزان الاعتدال" في ترجمة منصور ابن عمار وقال: "مشاش الطير" بالشين المعجمة. وعد الذهبي الحديث والحديث السابق من جملة منكراته. وفي الإسناد ابن لهيعة، وهو ضعيف لسوء حفظه.

(4)

منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل""6/ 395" من طريق عبد الرحمن بن يونس الرقي، حدثني منصور بن عمار، به.

قلت: إسناده واه، فيه العلتان السابقتان.

ص: 531

ورحت أنا إلى الإسكندرية، فبينا أنا أطوف على حصنها، إذا رجل يرمقني، قلت: مالك? قال: أنت المتكلم يوم الجمعة? قلت: نعم قال: صرت فتنة، قالوا: إنك الخضر، دعا فأجيب. قلت: بل أنا العبد الخاطئ. فقدمت مصر، فأقطعني الليث خمسة عشر فدانًا.

أبو داود: حدثنا قتيبة، عن منصور قال: قدمت مصر، وبها قحط، فتكلمت، فبذلوا صدقات كثيرة، فأتى بي الليث، فقال: ما حملك على الكلام بغير أمر؟ قلت أصلحك الله، أعرض عليك، فإن كان مكروهًا، نهيتني. قال: تكلم، فتكلمت. قال: قم، لا يحل أن أسمع هذا وحدي. قال: وأخرج لي جارية، تعد قيمتها ثلاثة مائة دينار وألف دينار، وقال: لا تعلم بها ابني، فتهون عليه.

أبو حاتم: حدثنا سليم بن منصور، حدثنا أبي قال: أعطاني الليث ألف دينار.

وقال علي بن خشرم: سمعت منصورًا يقول: المتكلمون ثلاثة: الحسن البصري، وعون بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز.

وقيل: إن الرشيد لما سمع وعظ منصور، قال: من أين تعلمت هذا? قال: تفل في في رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، وقال لي: يا منصور! قل.

قال أبو العباس السراج: حدثنا أحمد بن موسى الأنصاري، قال: قال منصور بن عمار: حججت، فبت بالكوفة، فخرجت في الظلماء، فإذا بصارخ يقول: إلهي وعزتك، ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وعصيت وما أنا بنكالك جاهل، ولكن خطيئة أعانني عليها شقائي، وغرني سترك، فالآن من ينقذني، فتلوت هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]. قال فسمعت دكدكة، فلما كان من الغد، مررت هناك، فإذا بجنازة وعجوز تقول: مر البارحة رجل تلا آية، فتفطرت مرارته، فوقع ميتًا.

قال سُليم بن منصور: كتب بشر المريسي إلى أبي: أخبرني عن القرآن. فكتب إليه: عافانا الله وإياك، نحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة، تشارك فيها السائل والمجيب، تعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه، وما أعرف خالقًا إلا الله، وما دونه مخلوق، والقرآن كلام الله، فانته بنفسك وبالمختلفين فيه معك إلى أسمائه التي سماه الله بها، ولا تسم القرآن باسم من عندك، فتكون من الضالين.

قال الكوكبي: حدثنا حريز بن أحمد بن أبي دؤاد، حدثني سلمويه بن عاصم، قال: كتب بشر إلى منصور بن عمار يسأله عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]

كيف استوى? فكتب إليه: استواؤه غير محدود، والجواب فيه تكلف، ومسألتك عنه بدعة، والإيمان بجملة ذلك واجب.

لم أجد وفاة لمنصور، وكأنها في حدود المائتين.

ص: 532

‌1345 - العباس بن الأحنف

(1)

:

ابن أسود بن طلحة الحنفي اليمامي.

من فحول الشعراء، وله غزل فائق.

وهو خال إبراهيم بن العباس الصولي الشاعر.

توفي ببغداد، سنة اثنتين وتسعين ومائة، وكان من أبناء ستين سنة. ومات أبوه الأحنف: سنة خمسين ومائة، بالبصرة.

(1)

ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني "8/ 352"، وتاريخ بغداد "12/ 127"، ووفيات الأعيان "3/ ترجمة 319"، والعبر "1/ 312"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 334".

ص: 533

‌1346 - غُنْدَر

(1)

: " ع"

محمد بن جعفر، الحافظ، المجود، الثبت، أبو عبد الله الهذلي مولاهم، البصري، الكرابيسي، التاج، أحد المتقنين.

ولد سنة بضع عشرة ومائة.

وروى عن: حسين المعلم، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وعوف الأعرابي، وابن جريج، وجعفر بن ميمون الأنماطي، ومعمر، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة، فأكثر عنه، وجود وحرر.

روى عنه: علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وابن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو بن علي، ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن الوليد البسري، وإبراهيم بن محمد بن عرعرة، وخليفة بن خياط، وسليمان بن أيوب صاحب

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 296"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 119"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1223"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 281"، والكاشف "3/ ترجمة 4843"، والعبر "1/ 311"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7324"، وتهذيب التهذيب "9/ 96"، وتقريب التهذيب "2/ 151"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6115"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 333".

ص: 533

البصري، وأحمد بن منيع، والعباس بن يزيد البحراني، ويحيى بن حكيم المقوم، ونصر بن علي، وخلق كثير.

قال يحيى بن معين: كان أصح الناس كتابًا، وأراد بعض الناس أن يخطئ غندرًا، فلم يقدر.

قال أحمد بن حنبل: قال غندر: لزمت شعبة عشرين سنة.

قلت: ما أظنه رحل في الحديث من البصرة، وابن جريج هو الذين سماه غندرًا، وذلك لأنه تعنت ابن جريج في الأخذ، وشغب عليه أهل الحجاز، فقال: ما أنت إلا غندر.

قال يحيى بن معين: أخرج غندر إلينا ذات يوم جرابًا فيه كتب، فقال: اجهدوا أن تخرجوا فيها خطأ. قال: فما وجدنا فيه شيئًا، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا منذ خمسين سنة.

قال عبد الرحمن بن مهدي: كنا نستفيد من كتب غندر في حياة شعبة.

وقيل: كان غندر يتجر في الطيالسة

(1)

وفي الكرابيس

(2)

وكان من خيار أصحاب الحديث، ومجوديهم. وقيل: كان مغفلا.

قال الحسين بن منصور النيسابوري: سمعت علي بن عثام يقول: أتيت غندرًا -فذكر من فضله وعلمه بحديث شعبة- فقال لي: هات كتابك. فأبيت إلا أن يخرج كتابه، فأخرجه، وقال: يزعم الناس أني اشتريت سمكًا، فأكلوه، ولطخوا به يدي وأنا نائم، فلما استيقظت، طلبته، فقالوا لي: أكلت فشم يدك، أفما كان يدلني بطني. ثم قال ابن عثام: وكان مغفلا.

قال علي بن المديني: هو أحب إلي في شعبة من عبد الرحمن بن مهدي.

وقال ابن مهدي: غندر في شعبة، أثبت مني.

وروى سلمة بن سليمان، عن ابن المبارك قال: إذا اختلف الناس في حديث شعبة، فكتاب غندر حكم بينهم.

قال أبو حاتم الرازي: كان غندر صدوقًا، مؤديًا، وفي حديث شعبة ثقة، وأما في غير شعبة، فيكتب حديثه، ولا يحتج به.

وروى عباس، عن يحيى بن معين قال: كان غندر يجلس على رأس المنارة، يفرق زكاته،

(1)

الطيلسان: وشاح يلبس على الكتف.

(2)

الكرابيس: جمع كرباس، وهو الثوب الغليظ من القطن. وهو معرب.

ص: 534

فقيل له: لم تفعل هذا? قال: أرغب الناس في إخراج الزكاة فاشترى سمكًا وقال لأهله: أصلحوه ونام فأكل عياله السمك ولطخوا يده فلما انتبه قال: هاتوا السمك قالوا: قد أكلت فقال: لا قالوا: فشم يدك ففعل ثم قال: صدقتم ولكن ما شبعت.

ابن المرزبان: حدثنا أبو محمد المروزي حدثنا عبد الله بن بشر عن سليمان بن أيوب صاحب البصري قال: قلت لغندر: إنهم يعظمون ما فيك من السلامة قال: يكذبون علي قلت: فحدثني بشيء يصح منها قال: صمت يومًا فأكلت فيه ثلاث مرات ناسيًا ثم أتممت صومي.

ونقل ابن مروان في "المجالسة" قال: حدثنا جعفر بن أبي عثمان: سمعت يحيى بن معين يقول: دخلنا على غندر فقال: لا أحدثكم بشيء حتى تجيئوا معي إلى السوق وتمشون فيراكم الناس فيكرموني قال: فمشينا خلفه إلى السوق فجعل الناس يقولون له: من هؤلاء يا أبا عبد الله? فيقول: هؤلاء أصحاب الحديث جاءوني من بغداد يكتبون عني.

قال يحيى بن معين: والتفت غندر يومًا إلي فقال: اعلم أني منذ خمسين سنة أصوم يومًا وأفطر يومًا قلت: اتفق أرباب الصحاح على الاحتجاج بغندر وكانت وفاته في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة وهو في عشر الثمانين رحمه الله.

أخبرنا عمر بن غدير الطائي: أخبرنا عبد الصمد بن محمد حضورًا أخبرنا علي بن المسلم أخبرنا الحسين بن محمد القرشي أخبرنا محمد ابن أحمد الغساني أخبرنا أبو روق أحمد بن محمد بالبصرة حدثنا محمد بن الوليد البسري حدثنا غندر حدثنا شعبة عن ملك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها"

(1)

.

(1)

صحيح على شرط الشيخين: أخرجه مالك "2/ 424 - 525"، ومن طريقه أخرجه عبد الرزاق "10283"، وابن أبي شيبة "4/ 136"، والشافعي "2/ 12"، وسعيد بن منصور "556"، وأحمد "1/ 219 و 241 - 242 و 345 و 362"، ومسلم "1421""66"، وأبو داود "2098"، والترمذي "1108"، والنسائي "6/ 84"، وابن ماجه "1870"، والدارمي "2/ 138"، وابن الجارود "709"، والدارقطني "3/ 239 - 240 و 241"، والطبراني في "الكبير""10/ 10743 و 10744 و 10745"، والبيهقي "7/ 118 و 122"، والبغوي "2254" عن عبد الله بن الفضل، به، وأخرجه عبد الرزاق "10282"، وابن أبي شيبة "4/ 136"، والطبراني "10/ 10746"، والبيهقي "7/ 118" من طرق عن عبد الله بن الفضل، به.

ص: 535

ورواه صالح بن كيسان، وزياد بن سعد، عن ابن الفضل هذا. أخرجه: الستة، سوى البخاري، من حديث الثلاثة، عنه.

أخبرنا أحمد بن عبد الحميد في سنة اثنتين وتسعين وستمائة، وجماعة قالوا: أخبرنا عبد الرحمن بن نجم سنة سبع وعشرين، أخبرتنا شُهْدة الكاتبة، أخبرنا الحسين بن طلحة، وأخبرنا أحمد بن المؤيد، أخبرنا محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدينوري، أخبرنا عمي أبو بكر محمد، أخبرنا عاصم بن الحسن، قالا: أخبرنا أبو عمر بن مهدي، أخبرنا الحسين بن إسماعيل، حدثنا محمد بن الوليد، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن خالد الحذاء، عن أبي بشر، عن حمران بن أبان، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله، دخل الجنة"

(1)

.

(1)

صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "1/ 65 و 69"، ومسلم "26"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة""1113" و"1114"، وأبو عوانة "1/ 7"، وابن منده "32" من طرق عن خالد الحذاء، به.

وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة""1115" من طريق شعبة، عن بيان بن بشر، عن حمران، به.

ص: 536

‌1347 - شُعَيب

(1)

: " ع، سوى ت"

ابن إسحاق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد، الإمام، الفقيه، أبو شعيب القرشي مولاهم، الدمشقي، الحنفي.

أخذ الفقه عن: أبي حنيفة، وكان من ثقات أهل الرأي، متقنًا، مجودًا للحديث.

حدث عن: هشام بن عروة، وعبيد الله بن عمر، وابن جريج، والأوزاعي، وعدة.

روى عنه: إسحاق، ودُحَيم، وابن عائذ، وداود بن رشيد، وعبد الوهاب الجوبراني، وآخرون. ولم يلحقه ولده شعيب بن شعيب.

توفي بدمشق، في رجب، سنة تسع وثمانين ومائة، وله اثنتان وسبعون سنة.

وهو معدود في كبار الفقهاء رحمه الله. روى له: الجماعة، سوى الترمذي.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 641"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2583"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 180" و"2/ 641"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1498"، والكاشف "2/ ترجمة 2303"، وتهذيب التهذيب "4/ 347"، وتقريب التهذيب "1/ 351"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2954".

ص: 536

‌1348 - السِّيناني

(1)

: " ع"

هو الإمام، الحافظ، الثبت، أبو عبد الله الفضل بن موسى المروزي. وسينان: قرية من أعمال مرو.

مولده في سنة خمس عشرة ومائة، فهو أسن من ابن المبارك، وعاش بعده مدة.

رحل وسمع من: هشام بن عروة، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبيد الله بن عمر، وخثيم بن عراك، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وحسين المعلم، ومعمر بن راشد، وطبقتهم.

حدث عنه: علي بن حُجْر، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن أكثم، وأبو عمار الحسين بن حريث، وعلي بن خَشْرم، ومحمود بن غيلان، ومحمود بن آدم، وآخرون.

قال أبو نعيم الملائي: هو أثبت من عبد الله بن المبارك.

وقال وكيع: ثقة، صاحب سنة أعرفه.

أحمد بن علي الأبار: حدثنا علي بن خَشْرَم، حدثنا الفضل بن موسى، قال: كان علينا عامل بمرو، وكان نَسَّاءً، فقال: اشتروا لي غلامًا، وسموه بحضرتي حتى لا أنسى اسمه، ثم قال: ما سميتموه? قالوا: واقد. قال: فهلا اسمًا لا أنساه أبدًا? -أو قال: فهذا اسم ما أنساه أبدًا. وقال: قم يا فرقد.

قال الحسين بن حريث: سمعت السيناني يقول: طلب الحديث حرفة المفاليس، ما رأيت أذل من أصحاب الحديث.

وقال إسحاق بن راهويه: كتبت العلم، فلم أكتب عن أحد أوثق في نفسي من هذين الرجلين: الفضل بن موسى، ويحيى بن يحيى التميمي.

قال محمد بن حمدويه المروزي: مات الفضل السيناني ليلة دخل هَرْثَمة بن أعيَن واليًا على خراسان، في حادي عشر ربيع الأول، سنة اثنتين وتسعين ومائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 372"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 523"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 357 و 518" و"2/ 18"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 390"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 278"، والكاشف "2/ ترجمة 4546"، والعبر "1/ 307"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6754"، وتهذيب التهذيب "8/ 286"، وتقريب التهذيب "2/ 111"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5728"، وشذرات الذهب "1/ 329".

ص: 537

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا الفضل بن موسى السيناني، أخبرنا الجُعَيد، عن عائشة بنت سعد، قالت: سمعت سعدًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكيد أهل المدينة أحد بسوء، إلا انماع كما ينماع الملح في الماء"

(1)

.

هذا حديث صحيح، غريب، ولم يخرجه أحد من أرباب الكتب الستة، سوى البخاري، فرواه عن الثقة، عن السيناني، فوقع لنا بدلًا عاليًا.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 180"، والبخاري "1877"، ومسلم "1387"، وأبو يعلى "804"، والبيهقي "5/ 197"، والبغوي "2014" من حديث سعد بن أبي وقاص، به.

وأخرجه أحمد "2/ 279 و 309 و 357"، والحميدي "1167"، ومسلم "1386"، وابن ماجه "3114" وأبو نُعيم في "الحلية""9/ 42" من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ "من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء".

ص: 538

‌1349 - يزيد بن سَمُرَة

(1)

:

الرهاوي، المذحجي، أبو هران، الزاهد، شامي.

عن: عطاء الخراساني، ويحيى السيباني، والأوزاعي، والحكم بن عبد الرحمن.

وعنه: ابن وهب، وأبو مُسْهِر، ويحيى بن بكير، وابن عائذ، وهشام بن عمار، وآخرون.

قال أبو زرعة الدمشقي: كان من أهل فضل وزهد.

وقال ابن يونس: لم يذكروه بجرح. والرها: بطن من مذحج.

قلت: فأما.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3229"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 1125".

ص: 538

‌1350 - يزيد بن شجرة

(1)

:

أبو شجرة الرَّهاوي، فقديم. يقال: له صحبة.

كان أمير الجيش في غزو الروم

أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن أبي عبيدة، واستعمله معاوية.

قال شباب: استشهد سنة ثمان وخمسين.

وقال ابن سعد: قتل هو وأصحابه في البحر، سنة ثمان.

قال منصور، عن مجاهد: كان يزيد بن شجرة مما يذكرنا نبكي، وكان يصدق بكاءه بفعله رضي الله عنه.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 446"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 1135".

ص: 539

‌1351 - ابن عُلَيَّة

(1)

: " ع"

إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، الإمام، العلامة، الحافظ، الثبت، أبو بشر الأسدي مولاهم، البصري الكوفي، الأصل المشهور: بابن علية؛ وهي أمه.

ولد سنة مات الحسن البصري، سنة عشر ومائة.

قال أبو أحمد الحاكم: أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن سهم بن مقسم البصري مولى بني أسد بن خزيمة، وأمه علية مولاة لبني أسد. سمع: أبا بكر محمد بن المنكدر التيمي، وأبا بكر أيوب بن أبي تميمة، ويونس بن عبيد.

قلت: وإسحاق بن سويد، وعلي بن زيد، وحميد الطويل، وعطاء بن السائب، وعبد الله بن أبي نَجيح، وسهيل بن أبي صالح، وليث بن أبي سليم، وعبد العزيز بن صهيب، وأبا التياح الضُّبَعي، وسعيدًا الجُرَيري، وحبيب بن الشهيد، وابن جريج، وحجاج بن أبي عثمان الصواف، وحنظلة السَّدوسي، وخالدًا الحَذَّاء، وروح بن القاسم، وسليمان التيمي، وعاصم بن سليمان، وعوف بن أبي جميلة، ومحمد بن الزبير الحنظلي، ويرد بن سنان الدمشقي نزيل البصرة، وداود بن أبي هند، وعلي بن الحكم البُناني، ومنصور بن عبد الرحمن الأشل، والوليد بن أبي هشام، ويحيى بن عتيق، ويحيى بن ميمون العطار، ويحيى بن يزيد الهُنَائي، وأبا ريحانة السعدي، وخلقًا كثيرًا.

روى عنه: ابن جريج، وشعبة -وهما من شيوخه- وحماد بن زيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، ويحيى بن معين، وأبو حفص

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 325"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 1078"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 513"، وتاريخ بغداد "6/ 229"، والعبر "1/ 310"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 843"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 303"، والكاشف "1/ ترجمة 352"، وتهذيب التهذيب "1/ 275"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 144"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 333".

ص: 539

الفلاس، وعمرو بن رافع القزويني، وأحمد بن منيع، وزياد بن أيوب، وعلي بن حجر، وأحمد بن حرب، ومحمد بن بشار، ويعقوب الدورقي، ونصر بن علي، والحسن بن عرفة، ومؤمل بن هشام، وعبيد الله بن معاذ، وخليفة بن خياط، ومحمد بن المثنى، والحسن بن محمد الزعفراني، وخلق كثير، خاتمتهم: موسى بن سهل بن كثير الوشاء، الباقي إلى سنة ثمان وسبعين ومائتين.

وكان فقهيًا، إمامًا، مفتيًا، من أئمة الحديث، وكان يقول: من قال: ابن علية، فقد اغتابني.

قلت: هذا سوء خلق رحمه الله شيء قد غلب عليه، فما الحيلة?! قد دعا النبي صلى الله عليه وسلم غير واحد من الصحابة بأسمائهم مضافًا إلى الأم، كالزبير ابن صفية، وعمار بن سمية.

قال مؤمل بن هشام: سمعت إسماعيل يقول: لقيت محمد بن المنكدر، وسمعت منه أربعة أحاديث. قلت: هو أكبر شيخ له. قال: فقلت ذا شيخ، فلما قدمت البصرة، إذا أيوب السختياني يقول: حدثنا محمد بن المنكدر.

قال غندر: نشأت في الحديث يوم نشأت، وليس أحد يقدم في الحديث على ابن علية.

وقال أبو داود السجستاني: ما أحد من المحدثين إلا وقد أخطأ، إلا إسماعيل بن علية، وبشر بن المفضل.

قال يحيى بن معين: كان ابن علية ثقة، تقيًّا، ورعًا.

وقال يونس بن بُكَير: سمعت شعبة يقول: إسماعيل ابن علية سيد المحدثين.

وقال عمرو بن زُرارة النيسابوري: صحبت ابن علية أربع عشرة سنة، فما رأيته تبسم فيها.

قلت: ما في هذا مدح ولكنه، مؤذن بخشية وحزن.

قال عفان بن مسلم: حدثنا خالد بن الحارث، قال: كنا نشبه ابن علية بيونس بن عُبيد.

وقال إبراهيم بن عبد الله الهَرَوي: سمعت يزيد بن هارون يقول: دخلت البصرة وما بها خلق يفضل على ابن علية في الحديث.

وقال زياد بن أيوب: ما رأيت لإسماعيل ابن علية كتابًا قط. وكان يقال: ابن علية يعد الحروف.

ص: 540

قال حماد بن سلمة: ما كنا نشبه شمائل إسماعيل ابن علية إلا بشمائل يونس، حتى دخل فيما دخل فيه.

قلت: يريد ولايته الصدقة، وكان موصوفًا بالدين، والورع، والتأله، منظورًا إليه في الفضل والعلم، وبدت منه هفوات خفيفة، لم تغير رتبته إن شاء الله.

وقد بعث إليه ابن المبارك بأبيات حسنة يعنفه فيها، وهي:

يا جاعل العلم له بازيا

يصطاد أموال المساكين

احتلت للدنيا ولذاتها

بحيلة تذهب بالدين

فصرت مجنونًا بها بعدما

كنت دواء للمجانين

أين رواياتك فيما مضى

عن ابن عون وابن سيرين

ودرسك العلم بآثاره

في ترك أبواب السلاطين

تقول أكرهت فماذا كذا

زل حمار العلم في الطين

لا تبع الدين بالدنيا كما

يفعل ضلال الرهابين

وروى الخطيب في "تاريخه": أن الحديث الذي أخذ على إسماعيل شيء يتعلق بالكلام في القرآن.

دخل على الأمين محمد بن هارون، فشتمه محمد، فقال: أخطأت، وكان حدث بهذا الحديث:"تجيء البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان تحاجان عن صاحبهما"

(1)

. فقيل لابن علية: ألهما لسان? قال: نعم. فقالوا: إنه يقول: القرآن مخلوق، وإنما غلط.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "804"، وأحمد "5/ 249" من طريق أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه. اقرءوا الزّهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما. اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة". قال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة.

قوله: "الزهراوين": سميتا الزهراوين لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما. "كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان": قال أهل اللغة: الغمامة والغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه سحابة وغبرة وغيرهما. قال العلماء: المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين. "كأنهما فرقان من طير صواف": الفرقان هما قطيعان وجماعتان. "من طير صواف" أي جماعة صافة، وهي من الطيور ما يبسط أجنحتها في الهواء.

"تحاجان عن أصحابهما": أي تدافعان الجحيم والزبانية. وهو كناية عن المبالغة في الشفاعة.

ص: 541

قال الفضل بن زياد: سألت أحمد بن حنبل عن وهيب وابن علية: أيهما أحب إليك إذا اختلفا? فقال: وهيب، وما زال إسماعيل وضيعًا من الكلام الذي تكلم فيه، إلى أن مات. قلت: أليس قد رجع وتاب على رءوس الناس? قال: بلى، ولكن ما زال لأهل الحديث -بعد كلامه ذلك- مبغضًا، وكان لا ينصف في الحديث، كان يحدث بالشفاعات، وكان معنا رجل من الأنصار، يختلف إلى الشيوخ، فأدخلني عليه، فلما رآني، غضب، وقال: من أدخل هذا عليَّ?

قلت: معذور الإمام أحمد فيه.

قال الإمام أحمد: بلغني أنه أدخل على الأمين، فلما رآه، زحف، وجعل يقول: يا ابن الفاعلة! تتكلم في القرآن. وجعل إسماعيل يقول: جعلني الله فداك، زلة من عالم. ثم قال أحمد: إن يغفر الله له -يعني: الأمين- فبها ثم قال أحمد: وإسماعيل ثبت.

قال الفضل بن زياد: قلت: يا أبا عبد الله! إن عبد الوهاب قال: لا يحب قلبي إسماعيل أبدًا، لقد رأيته في المنام كأن وجهه أسود. فقال أحمد: عافى الله عبد الوهاب، ثم قال: لزمت إسماعيل عشر سنين إلى أن أعيب. ثم جعل يحرك رأسه كأنه يتلهف، ثم قال: وكان لا ينصف في التحدث.

قلت: توفي إسماعيل في ذي القعدة، سنة ثلاث وتسعين ومائة، عن ثلاث وثمانين سنة، وحديثه في كتب الإسلام كلها.

وله أولاد مشهورون، منهم قاضي دمشق أبو بكر محمد بن إسماعيل ابن علية، شيخ للنسائي، ثقة، حافظ، مات أبوه وهو صبي، فما لحق الأخذ عن أبيه، وسمع من: ابن مهدي، وإسحاق الأزرق، ويزيد بن هارون، يروي عن: مكحول البيروتي، وابن جَوْصَا، وطائفة، مات سنة أربع وستين ومائتين.

ولابن علية ابن آخر، جَهْمِي شيطان، اسمه: إبراهيم بن إسماعيل، كان يقول بخلق القرآن، ويناظر.

وابن آخر، اسمه: حماد بن إسماعيل، لحق أباه، وهو من شيوخ مسلم.

قال محمد بن سعد الكاتب: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، مولى عبد الرحمن بن قطبة الأسدي؛ أسد خزيمة، كوفي، كان جده مقسم من سبي القيقانية، وهي ما بين خراسان وزابلسان، وكان إبراهيم ابن مقسم تاجرًا من الكوفة، كان يقدم البصرة للتجارة، فتخلف، وتزوج علية بنت حسان؛ مولاة لبني شيبان، وكانت نبيلة عاقلة، لها دار بالعوقة بالبصرة،

ص: 542

تعرف بها، وكان صالح المري وغيره من وجوه البصرة وفقهائها يدخلون عليها، فتبرز لهم، وتحادثهم، وتسائلهم، وأقام ابنها إسماعيل بالبصرة.

وقال خليفة بن خياط: مات أبو بشر ببغداد، سنة أربع وتسعين.

وروى علي بن الجعد، عن شعبة، قال: ابن علية ريحانة الفقهاء.

وروى علي بن المديني، عن يحيى القطان، قال: ابن علية أثبت من وهيب.

وقال ابن مهدي: هو أثبت من هشيم.

وروى عفان قال: كنا عند حماد بن سلمة، فأخطأ في حديث، وكان لا يرجع إلى قول أحد، فقيل له: قد خولفت فيه. فقال: من? قالوا: حماد بن زيد، فلم يلتفت. فقيل: إن إسماعيل ابن علية يخالفك. فقام، ودخل ثم خرج، فقال: القول ما قال إسماعيل.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: إليه -يعني: إسماعيل- المنتهى في التثبت بالبصرة.

وعن أبيه، قال: فاتني مالك، فأخلف الله علي سفيان بن عيينة، وفاتني حماد بن زيد، فأخلف الله علي إسماعيل ابن علية، كان حماد بن زيد لا يفرق من مخالفة وهيب والثقفي، ويفرق من إسماعيل إذا خالفه. وكذلك رواه: مسلم، عن أحمد بن حنبل.

وروى أبو بكر بن أبي الأسود، قال: نشأت في الحديث يوم نشأت، وما أحد يقدم في الحديث على إسماعيل ابن علية.

وروى أحمد بن محمد بن محرز، عن يحيي بن معين: كان إسماعيل ثقة، مأمونًا، صدوقًا، مسلمًا، ورعًا، تقيًّا.

وقال قتيبة: كانوا يقولون: الحفاظ أربعة: إسماعيل، ووهيب، وعبد الوارث، ويزيد بن زريع.

وروى يعقوب السدوسي، عن الهيثم بن خالد، قال: اجتمع حفاظ البصرة، فقال أهل الكوفة لهم: نحوا عنا إسماعيل، وهاتوا من شئتم.

وقال زياد بن أيوب: ما رأيت لابن علية كتابًا قط. وكان يقال: ابن علية يعد الحروف.

وقال أبو داود: ما أحد من المحدثين إلا وقد أخطأ، إلا إسماعيل ابن علية، وبشر بن المفضل.

ص: 543

وقال النسائي: ابن علية ثقة، ثبت.

وقال ابن سعد: كان ثبتًا، حجة، ولي صدقات البصرة، وولي ببغداد المظالم في آخر خلافة هارون، فنزل هو وولده بغداد، واشترى بها دارًا، وتوفي بها، وصلى عليه ابنه إبراهيم؛ أحد كبار الجهمية، وممن ناظر الشافعي، وله تصانيف، ودفن في مقابر عبد الله بن مالك.

قال الخطيب: وزعم علي بن حجر أن علية إنما هي جدته لأمه.

قال العيشي: قال لي عبد الوارث بن سعيد: أتتني علية بابنها، فقالت: هذا ابني، يكون معك، ويأخذ بأخلاقك. قال: وكان من أجمل غلام بالبصرة.

قال علي بن المديني: ما أقول: إن أحدًا أثبت في الحديث من إسماعيل.

قال أبو داود: أرواهم عن الجريري: إسماعيل ابن علية.

وقال أبو جعفر أحمد بن سعيد الدارمي: لا يعرف لابن علية غلط، إلا في حديث جابر في المدبر

(1)

، جعل اسم الغلام اسم المولى، واسم المولى اسم الغلام.

قال أحمد بن إبراهيم الدورقي: أخبرنا بعض أصحابنا: أن ابن علية لم يضحك منذ عشرين سنة.

وقال محمد بن المثنى: بت ليلة عند ابن علية، فقرأ ثلث القرآن، وما رأيته ضحك قط.

قال عبيد الله العيشي: حدثنا الحمادان: أن ابن المبارك كان يتجر، ويقول: لولا خمسة ما تجرت: السفيانان، وفضيل بن عياض، وابن السماك، وابن علية، فيصلهم. فقدم ابن المبارك سنة، فقيل له: قد ولي ابن علية القضاء، فلم يأته، ولم يصله، فركب إليه ابن علية، فلم يرفع به رأسًا، فانصرف، فلما كان من الغد، كتب إلى عبد الله رقعة يقول: قد كنت منتظرًا لبرك، وجئتك فلم تكلمني، فما رأيت مني? فقال ابن المبارك: يأبى هذا الرجل إلا أن نقشر له العصا. ثم كتب إليه:

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "997"، وأبو داود "3957"، والنسائي "7/ 304" من طرق عن إسماعيل -يعني: ابن علية- عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر أن رجلا من الأنصار "يقال له أبو مذكور" أعتق غلاما له عن دبر يقال له يعقوب عن دبر ولم يكن له مال غيره، فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"من يشتريه"؟. فاشتراه نعيم بن عبد الله بن النحام بثمانمائة درهم، فدفعها إليه، ثم قال:"إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، فإن كان فيها فضل فعلى عياله، فإن كان فيها فضل فعلى ذي قرابته". أو قال: "على ذي رحمه، فإن كان فضلا فههنا وههنا".

ص: 544

يا جاعل العلم له بازيا

يصطاد أموال المساكين

الأبيات المذكورة: فلما قرأها، قام من مجلس القضاء، فوطئ بساط هارون الرشيد، وقال: الله الله، ارحم شيبتي، فإني لا أصبر على الخطأ. فقال: لعل هذا المجنون أغرى عليك. ثم أعفاه، فوجه إليه ابن المبارك بالصرة.

هذه حكاية منكرة من جهة أن العيشي يرويها عن الحمادين، وقد ماتا قبل هذه القصة بمدة، ولعل ذلك أدرجه العيشي.

قال سهل بن شاذويه: سمعت علي بن خشرم يقول: قلت لوكيع: رأيت إسماعيل ابن علية يشرب النبيذ حتى يحمل على الحمار، يحتاج من يرده إلى منزله فقال وكيع: إذا رأيت البصري يشرب، فاتهمه. قلت: وكيف? قال: إن الكوفي يشربه تدينًا، والبصري يتركه تدينًا.

وهذه حكاية غريبة، ما علمنا أحدًا غمز إسماعيل يشرب المسكر قط، وقد انحرف بعض الحفاظ عنه بلا حجة، حتى إن منصور بن سلمة الخزاعي تحدث مرة، فسبقه لسانه، فقال: حدثنا إسماعيل ابن علية

، ثم قال: لا، ولا كرامة، بل أردت زهيرًا. وقال: ليس من قارف الذنب كمن لم يفارقه، أنا -والله- استتبته.

قلت: يشير إلى تلك الهفوة الصغيرة، وهذا من الجرح المردود، وقد اتفق علماء الأمة على الاحتجاج بإسماعيل بن إبراهيم العدل المأمون. وقد قال عبد الصمد بن يزيد مردويه: سمعت إسماعيل ابن علية يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق.

وقد كان بين ابن طبرزد وبين ابن علية أربعة أنفس في حديثين مشهورين من "الغيلانيات"، وهذا غاية في العلو، رواهما عن ابن الحصين، أخبرنا أبو طالب محمد، بن محمد أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا موسى بن سهل، حدثنا إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

(1)

.

أخبرناه أحمد بن عبد السلام، وجماعة كتابة، بسماعهم من عمر بن طبرزد.

(1)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 446"، وعبد الرزاق "9410"، والطيالسي "1855"، والحميدي "699"، وأحمد "2/ 6 و 7 و 10 و 63"، والبخاري "2990"، ومسلم "1869""92" و"93" و"94"، وأبو داود "2610"، وابن ماجه "2880"، وابن أبي داود في "المصاحف""ص 205 و 206 و 207 و 208 و 209"، وابن الجارود "1064"، والبيهقي "9/ 108"، والبغوي "1233" من طرق عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو.

ص: 545

قرأت على أبي الحسن علي بن أحمد الغرافي، أخبركم محمد بن أحمد القطيعي، أخبرنا محمد بن عبيد الله، أخبرنا محمد بن محمد الهاشمي، أخبرنا أبو طاهر الذهبي، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا المؤمل بن هشام اليَشْكُري، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا أيوب، عن محمد، قال: مكثت عشرين سنة يحدثني من لا أتهم: أن ابن عمر طلق امرأته ثلاثًا وهي حائض، فأمر أن يراجعها، فجعلت لا أتهمهم، ولا أعرف الحديث، حتى لقيت أبا غلاب يونس بن جبير الباهلي -وكان ذا ثبت

(1)

فحدثني: أنه سأل ابن عمر، فحدثه أنه طلقها واحدة وهي حائض، فأمر أن يراجعها. قال: فقلت له: أفحسبت عليه? قال: فمه، أو إن عجز

(2)

.

قال أحمد، والفلاس، وزياد بن أيوب، ومحمود بن خداش، وطائفة: مات ابن علية في سنة ثلاث وتسعين ومائة.

وقال يعقوب السدوسي: ابن علية: ثبت جدًّا، توفي يوم الثلاثاء، لثلاث عشرة خلت من ذي القعدة، سنة ثلاث وتسعين.

وقال يعقوب بن سفيان الحافظ: عن محمد بن فضيل، قال: كنا بمكة سنة ثلاث وتسعين، فقدم علينا راشد الخفاف، فقال: دفنا إسماعيل ابن علية يوم الخميس، لخمس -أو ست- بقين من ذي القعدة. وقال: سرنا تسعة أيام -يريد: سار من بغداد إلى مكة في هذه المدة اليسيرة، وهذا سير سريع. وأما من قال: مات سنة أربع وتسعين، فقد غلط.

(1)

أي: متثبتا.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "1471""7" حدثني علي بن حجر السعدي، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، به. وأخرجه البخاري "5258"، ومسلم "1471""10" من طريق قتادة، عن أبي غلاب يونس بن جبير قال: قلت لابن عمر: رجل طلق امرأته وهي حائض، فقال: تعرفُ ابن عمر؟ إن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأمره أن يراجعها فإذا طهرت فأراد أن يطلقها فليطقها. قلت: فهل عد ذلك طلاقا؟ قال: أرأيتَ إن عجز واستحمق.

ص: 546

‌1352 - عبد الرحمن بن القاسم

(1)

: " خ، س"

عالم الديار المصرية، ومفتيها، أبو عبد لله العتقي مولاهم، المصري، صاحب مالك الإمام.

روى عن: مالك، وعبد الرحمن بن شريح، ونافع بن أبي نعيم المقرئ، وبكر بن مضر، وطائفة قليلة.

وعنه: أصبغ، والحارث بن مسكين، وسُحْنُون، وعيسى بن مَثْرود، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وآخرون.

وكان ذا مال ودنيا، فأنفقها في العلم. وقيل: كان يمتنع من جوائز السلطان، وله قدم في الورع والتأله.

قال النسائي: ثقة، مأمون.

وقال الحارث بن مسكين: سمعته يقول: اللهم امنع الدنيا مني، وامنعني منها.

وعن مالك: أنه ذُكِرَ عنده ابن القاسم، فقال: عافاه الله، مثله كمثل جراب مملوء مسكًا.

وقيل: إن مالكًا سئل عنه، وعن ابن وهب، فقال: ابن وهب رجل عالم، وابن القاسم فقيه.

وعن أسد بن الفرات، قال: كان ابن القاسم يختم كل يوم وليلة ختمتين. قال: فنزل بي حين جئت إليه عن ختمة، رغبة في إحياء العلم.

وبلغنا عن ابن القاسم، قال: خرجت إلى الحجاز اثنتي عشرة مرة، أنفقت في كل مرة ألف دينار.

وعن ابن القاسم، قال: ليس في قرب الولاة، ولا في الدنو منهم خير.

أحمد ابن أخي ابن وهب: حدثنا عمي، قال: خرجت أنا وابن القاسم بضع عشرة سنة إلى مالك، فسنة أسأل أنا مالكًا، وسنة يسأله ابن القاسم.

وروى الحارث بن مسكين، عن أبيه قال: كان ابن القاسم وهو حدث في العبادة، أشهر منه في العلم. ثم قال الحارث: كان في ابن القاسم العبادة، والسخاء، والشجاعة، والعلم، والورع، والزهد.

محمد بن وضَّاح: أخبرني ثقة ثقة، عن علي بن معبد، قال: رأيت ابن القاسم في النوم، فقلت: كيف وجدت المسائل? فقال: أف أف. قلت: فما أحسن ما وجدت? قال: الرباط بالثغر. قال: ورأيت ابن وهب أحسن حالا منه.

وقال سُحْنُون: رأيته في النوم، فقلتُ: ما فعل الله بك? قال: وجدت عنده ما أحببت.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1325"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 129"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 346"، والكاشف "2/ ترجمة 3330"، وتهذيب التهذيب "6/ 252"، وتقريب التهذيب "1/ 495"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4218"، وشذرات الذهب "1/ 329".

ص: 547

قلت: فأي عمل وجدت? قال: تلاوة القرآن. قلت: فالمسائل? فأشار يُلَشِّيها. وسألته عن ابن وهب، فقال: في عليين.

قال الطحاوي: بلغني عن ابن القاسم، قال: ما أعلم في فلان عيبًا إلا دخوله إلى الحكام، ألا اشتغل بنفسه?!

قال سعيد بن الحداد: سمعت سُحْنُون يقول: كنت إذا سألت ابن القاسم عن المسائل، يقول لي: يا سحنون! أنت فارغ، إني لأحس في رأسي دويًا كدوي الرحا -يعني: من قيام الليل. قال: وكان قَلَّما يعرض لنا إلا وهو يقول: اتقوا الله، فإن قليل هذا الأمر مع تقوى الله كثير، وكثيره مع غير تقوى الله قليل.

وعن سُحْنُون قال: لما حججنا، كنت أزامل ابن وهب، وكان أشهب يزامله يتيمه، وكان ابن القاسم يزامله ابنه موسى، فكنت إذا نزلت، ذهبت إلى ابن القاسم أسائله من الكتب، وأقرأ عليه إلى قرب الرحيل، فقال لي ابن وهب وأشهب: لو كلمت صاحبك يفطر عندنا. فكلمته، فقال: إنه ليثقل علي ذلك. قلت: فبم يعلم القوم مكاني منك? فقال: إذا عزمت على ذلك، فأنا أفعل. فأتيت، فأعلمتهما، فلما كان وقت التعريس، قام معي، فأصبت أشهب وقد فرش أنطاعه، وأتى من الأطعمة بأمر عظيم، وصنع ابن وهب دون ذلك، فلما أتى عبد الرحمن، سلم، وقعد، ثم أدار عينه في الطعام، فإذا سكرجة فيها دقة، فأخذها بيده، فحرك الأبزار حتى صارت ناحية، ولعق من الملح ثلاث لعقات، وهو يعلم أن أصل ملح مصر طيب، ثم قام، وقال: بارك الله لكم، واستحييت أن أقوم. قال: فتكلم أشهب، وعظم عليه ما فعل. قال له ابن وهب: دعه دعه، وكنا نمشي بالنهار، ونلقي المسائل، فإذا كان في الليل، قام كل واحد إلى حزبه من الصلاة. فيقول ابن وهب لأصحابه: ما ترون إلى هذا المغربي يلقي المسائل بالنهار، وهو لا يدرس بالليل? فيقول له ابن القاسم: هو نور يجعله الله في القلوب.

قال: ونزلنا بمسجد، ببعض مدائن الحجاز، فنمنا، فانتبه ابن القاسم مذعورًا، فقال لي: يا أبا سعيد! رأيت الساعة كأن رجلًا دخل علينا من باب هذا المسجد، ومعه طبق مغطى، وفيه رأس خنزير، أسأل الله خيرها. فما لبثنا حتى أقبل رجل معه طبق مغطى بمنديل، وفيه رطب من تمر تلك القرية، فجعله بين يدي ابن القاسم، وقال: كل قال: ما إلى ذلك من سبيل. قال: فأعطه أصحابك. قال: أنا لا آكله، أعطيه غيري! فانصرف الرجل، فقال لي ابن القاسم: هذا تأويل الرؤيا. وكان يقال: إن تلك القرية، أكثرها وقف غصبت.

ص: 548

قال الحارث بن مسكين: كان ابن القاسم في الورع والزهد شيئًا عجيبًا.

أخبرنا يوسف بن أبي نصر، وعبد الله بن قوام، وجماعة، قالوا: أخبرنا الحسين بن المبارك، أخبرنا عبد الأول، أخبرنا أبو الحسن الداوودي، أخبرنا أبو محمد بن حَمَّويه، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا أبو عبد الله البخاري، حدثنا سعيد بن تَلِيد، حدثنا أبن القاسم، عن بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو لبثت في السجن مثل ما لبث يوسف، ثم جاءني الداعي، لأجبته"

(1)

الحديث.

أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر بن منير، أخبرنا أبو محمد العثماني، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن شبل، أخبرنا عبد الحق بن محمد بن هارون الفقيه، حدثنا الحسين بن عبد الله الأجدابي، حدثنا هبة الله بن أبي عقبة التميمي، حدثنا جبلة بن حمود الصدفي، حدثنا سحنون، أخبرني عبد الرحمن بن القاسم، حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: إذا أحب عبدي لقائي، أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي، كرهت لقاءه"

(2)

.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أخبرنا محمد بن غسان، أخبرنا علي بن الحسن الحافظ، أخبرنا أبو القاسم النسيب، أخبرنا أبو القاسم السُّمَيْسَاطي، أخبرنا عبد الوهاب بن الحسن، أخبرنا ابن جوصا، حدثنا عيسى بن مَثْرَود، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، حدثني مالك

عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، ثم يضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن، فيصلي ركعتين خفيفتين.

رواه مسلم

(3)

وحده، عن يحيى بن يحيى التميمي، عن مالك.

قال أبو سعيد بن يونس: ولد ابن القاسم سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وتوفي في صفر، سنة إحدى وتسعين ومائة رحمه الله عاش تسعا وخمسين سنة.

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "3372" و"4537"، ومسلم "151""238"، وابن ماجه "4026"، وابن جرير الطبري في "جامع البيان""5974" و"19400"، والبغوي في "شرح السنة""63" والطحاوي في "شرح مشكل الآثار""326" من طرق عن ابن وهب قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لثبت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي". وأخرجه البخاري "4694"، وابن جرير "5973" و"19399"، والطحاوي "327"، والبيهقي في "الأسماء والصفات""ص 507"، وابن منده في "الإيمان""369" من طريق سعيد بن عيسى بن تليد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن بكر بن مُضَر، عن عمرو بن الحارث، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، به.

(2)

صحيح: أخرجه مالك "1/ 240"، ومن طريقه أخرجه البخاري "7504"، والنسائي "4/ 10" عن أبي الزناد، به، وأخرجه أحمد "2/ 418"، والنسائي "4/ 10" عن قتيبة بن سعيد، عن المغيرة بن عبد الرحمن القرشي، عن أبي الزناد، به.

(3)

صحيح: أخرجه مسلم "736".

ص: 549

‌1353 - محمد بن يوسف

(1)

:

ابن معدان، الزاهد، العابد، القدوة، أبو عبد الله الأصبهاني، عروس الزهاد.

له حديث واحد، وهو منكر

(2)

.

وروى عن: يونس بن عبيد، والأعمش، وأبان، والحمادين آثارًا.

وعنه: ابن مهدي، والقطان، وابن المبارك، والشَّاذَكُوني، وزهير بن عباد، وصالح بن مِهران، وآخرون.

وكان ابن المبارك يأتيه، ويحبه، وهو من أجداد أبي نعيم الحافظ لأبيه.

قال يحيى القطان: ما رأيت خيرًا منه، فذكر له الثوري، فقال: هذا شيء، وهذا شيء.

وكان لا يضع جنبه، وقد رابط وزار قبر أبي إسحاق الفزاري، وكان يأتيه في العام من أصبهان سبعون دينارًا، فيحج، ويرجع إلى الثغر رحمه الله.

(1)

ترجمته في الجرح والتعديل "8/ ترجمة 540"، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني "8/ ترجمة 400"، وتاريخ أصبهان "2/ 171"، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 117".

(2)

موضوع: أخرجه أبو نعيم في "الحلية""8/ 237"، وفي "تاريخ أصبهان""2/ 172" من طريق محمد بن يوسف، عن عمر بن صبح، عن أبان، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحول الله تعالى يوم القيامة ثلاث قرى من زبرجدة خضراء تزف إلى أزواجهن: عسقلان، والإسكندرية، وقزوين". وفيه علتان: الأولى: عمر بن صبح، ليس بثقة ولا مأمون.

قال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث. وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال الأزدي: كذاب والعلة الثانية: أبان بن أبي عياش، قال يحيى بن معين والنسائي: متروك. وقال أبو إسحاق السعدي الجوزجاني: ساقط. وساق ابن عدي لأبان جملة أحاديث منكرة.

ص: 550

‌1354 - خالد بن الحارث

(1)

: " ع"

ابن عبيد بن سليمان بن عبيد بن سفيان، ويقال: خالد بن الحارث بن سليم بن عبيد بن سفيان، الحافظ، الحجة، الإمام، أبو عثمان الهُجَيمي، البصري. وبنو الهُجَيم من بني العنبر، من تميم.

روى عن: هشام بن عروة، وحُميد الطويل، وأيوب، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وعبد الملك بن أبي سليمان، وعوف، وابن عون، وبشر بن صحار، وعبد الحميد بن جعفر، وابن أبي عروبة، وشعبة، وابن عجلان، وحسين المعلم، وخلق كثير.

وكان من أوعية العلم، كثير التحري، مَليح الإتقان، متين الديانة.

حدث عنه: شعبة -وهو من شيوخه- ومُسَدَّد، وأحمد بن حنبل، وابن المديني، وعمرو بن علي، وإسحاق بن راهويه، وحميد بن مسعدة، ومحمد بن المثنى، ونصر بن علي، وأحمد بن المقدام، والحسن بن قَزَعة، والحسن بن عرفة، وهو آخر من روى عنه.

روي محمد بن عبد الله بن عمار، أن يحيى القطان قال: ما رأيت أحدًا خيرًا من سفيان، وخالد بن الحارث.

وروى الأثرم، عن أحمد بن حنبل، قال: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة -يعني: خالدًا.

وروى المروذي، عن أحمد، قال: كان خالد بن الحارث يجيء بالحديث كما يسمع، وكان ابن مهدي يجيء بالحديث كما يسمع، وكان وكيع يجهد أن يجيء بالحديث كما يسمع، وكان ربما قال في الحرف أو الشيء: يعني كذا.

وقال أبو زرعة: كان يقال له: خالد الصدوق.

وقال أبو حاتم: ثقة، إمام. وقال النسائي: ثقة، ثبت.

وقال عمرو بن علي: ولد سنة عشرين ومائة، ومات سنة ست وثمانين ومائة، فرأيت معتمرًا، وبشر بن المفضل في جنازته.

وقال ابن سعد: مات بالبصرة، سنة ست.

أخبرنا أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الحنبلي في كتابه، عن عبد المنعم بن كليب، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا محمد بن محمد بن مخلد، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا خالد بن الحارث البصري، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، أخبرنا قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث: أنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع حتى يحاذي بهما فروع أذنيه"

(2)

.

أخرجه مسلم، والنسائي، من حديث سعيد، وشعبة، عن قتادة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 291"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 490"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 178 و 218" و"2/ 44 و 138 و 145" و"3/ 16"، والكنى للدولابي "2/ 27"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1460"، والعبر "1/ 293"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة رقم 285"، والكاشف "1/ ترجمة 1317"، وتهذيب التهذيب "3/ 82"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1742"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "391"، والنسائي "2/ 182".

ص: 551

‌1355 - إبراهيم بن الأغلب

(1)

:

التميمي، أمير المغرب، دخل إلى القيروان، فبايعوه، وانضم إليه خلق، فأقبل يلاطف نائب القيروان هرثمة بن أعين، فاستعمله على ناحية الزاب، فضبطها. وآخر أمره استعمله على المغرب الرشيد، وعظم، وأحبه أهل المغرب.

وكان فصيحًا، خطيبًا، شاعرًا، ذا دين، وفقه، وحزم، وشجاعة، وسؤدد.

أخذ عن: الليث بن سعد، وغيره.

بنى مدينة سماها: العباسية، ومهد المغرب، وعاش ستًّا وخمسين سنة.

مات في شوال، سنة ست وتسعين ومائة، فقام بعده ابنه عبد الله.

(1)

ترجمته في الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "5/ 327".

ص: 552

‌1356 - عبد الصمد بن علي

(1)

:

ابن حبر الأمة عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، الأمير الكبير، أبو محمد الهاشمي، العباسي، عم السفاح والمنصور.

ولد بالبلقاء، سنة نيف ومائة.

وحدث عن: أبيه.

روى عنه: المهدي، وغيره.

قيل مات بأسنان اللبن، وكانت ملتصقة.

وكان عظيم الخلقة، ضخمًا، وقد خرج عند موت السفاح مع أخيه عبد الله على المنصور، وحاربهما أبو مسلم الخراساني، وتقلبت به الأيام، وعاش إلى الآن

(2)

، وكان الرشيد يجله ويحترمه، ولى إمرة دمشق، وإمرة البصرة، وغير ذلك.

ويروى عنه: إسماعيل -ابنه- وعبد الواحد ويعقوب ابنا جعفر ابن أخيه سليمان بن علي.

وله حديث سمعناه في "جزء البانياسي" في إكرام الشهود

(3)

، وهو منكر من رواية عبد الصمد بن موسى الهاشمي؛ أمير الحج، عن عمه إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، عنه عن أبيه، عن جده.

وكان في تعدد النسب نظير يزيد الخليفة، وسعيد بن زيد أحد العشرة، وقد أضر بأخرة كأبيه وجده.

وأمه هي كثيرة، التي شبب بها ابن قيس الرقيات، حيث يقول:

عاد له من كثيرة الطرب

فعينه بالدموع تنسكب

مات عبد الصمد: بالبصرة، سنة خمس وثمانين ومائة، وعمره ثمانون سنة.

(1)

ترجمته في الضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1053"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 266"، وتاريخ بغداد "11/ 37"، ووفيات الأعيان "3/ ترجمة 388"، والعبر "1/ 290"، وميزان الاعتدال "2/ 620"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 307".

(2)

أي: عاش إلى زمن هارون الرشيد.

(3)

منكر: تقدم تخريجنا له قريبا في هذا الجزء برقم تعليق "655"، وهو عند العقيلي في "الضعفاء الكبير""3/ 84"، والخطيب في "تاريخ بغداد""5/ 94" و"6/ 138" ولفظه "أكرموا الشهود، فإن الله يستخرج بهم الحقوق، ويرفع بهم الظلم" فراجع تخريجنا له ثمَّت.

ص: 553

‌1357 - الكسائي

(1)

:

الإمام، شيخ القراءة والعربية، أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي مولاهم الكوفي، الملقب: بالكسائي؛ لكساء أحرم فيه.

تلا على: ابن أبي ليلى عرضًا، وعلى حمزة

(2)

.

وحدث عن: جعفر الصادق، والأعمش، وسليمان بن أرقم، وجماعة.

وتلا أيضا على: عيسى بن عمر المقرئ.

واختار قراءة اشتهرت، وصارت إحدى السبع.

وجالس في النحو الخليل، وسافر في بادية الحجاز مدة للعربية، فقيل: قدم وقد كتب بخمس عشرة قنينة حبر. وأخذ عن: يونس

(3)

.

قال الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو، فهو عيال على الكسائي.

قال ابن الأنباري: اجتمع فيه أنه كان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم في الغريب، وأوحد في علم القرآن، كانوا يكثرون عليه، حتى لا يضبط عليهم، فكان يجمعهم، ويجلس على كرسي، ويتلو، وهم يضبطون عنه، حتى الوقوف.

قال إسحاق بن إبراهيم: سمعت الكسائي يقرأ القرآن على الناس مرتين.

وعن خلف، قال: كنت أحضر بين يدي الكسائي وهو يتلو، وينقطون على قراءته مصاحفهم.

تلا عليه: أبو عمر الدوري، وأبو الحارث الليث، ونصير بن يوسف الرازي، وقتيبة بن مهران الأصبهاني، وأحمد بن أبي سريج، وأحمد بن جبير الأنطاكي، وأبو حمدون الطيب، وعيسى بن سليمان الشيزري، وعدة.

ومن النقلة عنه: يحيى الفراء، وأبو عبيد، وخلف البزار.

وله عدة تصانيف، منها:"معاني القرآن"، وكتاب في القراءات، وكتاب "النوادر الكبير"، ومختصر في النحو، وغير ذلك.

وقيل: كان أيام تلاوته على حمزة يلتف في كساء، فقالوا: الكسائي.

ابن مسروق: حدثنا سلمة، عن عاصم، قال الكسائي: صليت بالرشيد، فأخطأت في آية، ما أخطأ فيها صبي، قلت: لعلهم يرجعين، فوالله ما اجترأ الرشيد أن يقول: أخطأت، لكن قال: أي لغة هذه? قلت: يا أمير المؤمنين! قد يعثر الجواد. قال: أما هذا فنعم.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2368"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1000"، وتاريخ بغداد "11/ 403"، ووفيات الأعيان لابن خَلَّكان "3/ ترجمة 433"، والعبر "1/ 302"، وتهذيب التهذيب "7/ 313"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 130"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 162"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 321".

(2)

هو: حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، أحد القراء السبعة، المتوفى سنة "156 هـ".

(3)

هو: يونس بن حبيب الضبي، إمام النحاة بالبصرة في عصره. توفي سنة "182 هـ".

ص: 554

وعن سلمة، عن الفراء: سمعت الكسائي يقول: ربما سبقني لساني باللحن.

وعن خلف بن هشام: أن الكسائي قرأ على المنبر: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا} [الكهف: 34]، بالنصب، فسألوه عن العلة، فثرت في وجوههم، فمحوه، فقال لي: يا خلف! من يسلم من اللحن?

وعن الفَرَّاء، قال: إنما تعلم الكسائي النحو علي كبر، ولزم معاذًا الهراء مدة، ثم خرج إلى الخليل.

قلت: كان الكسائي ذا منزلة رفيعة عند الرشيد، وأدب ولده الأمين، ونال جاهًا وأموالًا، وقد ترجمته في أماكن.

سار مع الرشيد، فمات بالري، بقرية أرَنْبُوية، سنة تسع وثمانين ومائة، عن سبعين سنة. وفي تاريخ موته أقوال. فهذا أصحها.

ص: 555

‌1358 - محمد بن الحسن

(1)

:

ابن فَرْقَد، العلامة، فقيه العراق، أبو عبد الله الشيباني، الكوفي، صاحب أبي حنيفة.

ولد بواسط، ونشأ بالكوفة.

وأخذ عن أبي حنيفة بعض الفقه، وتمم الفقه على القاضي أبو يوسف.

وروى عن: أبي حنيفة، ومِسْعَر، ومالك بن مِغْوَل، والأوزاعي، ومالك بن أنس.

أخذ عنه: الشافعي -فأكثر جدًّا- وأبو عبيد، وهشام بن عبيد الله، وأحمد بن حفص فقيه بخارى، وعمرو بن أبي عمرو الحَرَّاني، وعلي بن مسلم الطوسي، وآخرون.

وقد سقت أخباره في جزء مفرد.

قال ابن سعد: أصله جَزَري، سكن أبوه الشام، ثم ولد له محمد سنة اثنتين وثلاثين ومائة. غلب عليه الرأي، وسكن بغداد.

قلت: ولي القضاء للرشيد بعد القاضي أبي يوسف، وكان مع تبحره في الفقه، يُضْرَب بذكائه المثل.

كان الشافعي يقول: كتبت عنه وقر بُخْتِيّ

(2)

، وما ناظرت سمينًا أذكى منه، ولو أشاء أن أقول: نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن، لقلت؛ لفصاحته.

وقال الشافعي: قال محمد بن الحسن: أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرًا، وسمعت من لفظه سبع مائة حديث.

وقال ابن معين: كتبت عنه "الجامع الصغير".

قال إبراهيم الحربي: قلت للإمام أحمد: من أين لك هذه المسائل الدقاق? قال: من كتب محمد بن الحسن.

قيل: إن محمدًا لما احتضر، قيل له: أتبكي مع العلم? قال: أرأيت إن أوقفني الله، وقال: يا محمد! ما أقدمك الري، الجهاد في سبيلي، أم ابتغاء مرضاتي? ماذا أقول?

قلت: توفي إلى رحمة الله سنة تسع وثمانين ومائة، بالري.

(1)

ترجمته في الضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1606"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1253"، والمجروحين لابن حبان "2/ 275"، وتاريخ بغداد "2/ 172"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 567"، والعبر "1/ 302"، وميزان الاعتدال "3/ 513"، ولسان الميزان "5/ 121"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 321".

(2)

البُّختي: واحد البُّخت، وهي الإبل.

ص: 555

‌1359 - المحاربي

(1)

: " ع"

الحافظ، الثقة، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن زياد الكوفي.

ولد في دولة هشام بن عبد الملك.

وحدث عن: عبد الملك بن عمير، وليث بن أبي سُليم، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وفضيل بن غزوان، وجويبر بن سعيد، وجبريل بن أحمر، وعاصم الأحول، ومحمد بن عمرو بن عَلْقمة، ومُطَّرِح بن يزيد، وعمار بن سيف، وعمر بن ثابت الرازي، والليث بن سعد، وخلق.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 392"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 1102"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 328" و"2/ 711"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 948"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1342"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 291"، والكاشف "2/ ترجمة 3347"، والعبر "1/ 319"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4952"، وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة 453"، وتهذيب التهذيب "6/ 295"، تقريب التهذيب "1/ 497"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4239"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 343".

ص: 556

روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو كريب، وهناد بن السري، وأبو سعيد الأشج، والحسن بن عرفة، وعلي بن حرب، وابنا أبي شيبة، وخلق.

قال وكيع: ما كان أحفظه للطوال!

وقال يحيى بن معين: ثقة.

وقال أبو حاتم: صدوق.

وذكره أبو داود، فقال: ابنه عبد الرحيم بن المحاربي أحفظ منه.

وقال أبو نعيم: كنا نكون عند سفيان الثوري، فإذا مر حديث من أحاديث الزهد، قال: ابن المحاربي! خذ إليك هذا من بابتك.

وقال يحيى بن معين: له أحاديث مناكير عن المجهولين.

وقال أبو حاتم أيضًا: يروي عن المجهولين أحاديث منكرة، فيفسد حديثه بذلك.

قال أبو جعفر العُقَيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: بلغنا أن المحاربي كان يدلس، ولا نعلم أنه سمع من معمر شيئًا، وأنكر أبي روايته عن معمر، فقيل لأبي: إن المحاربي يروي عن عاصم، عن أبي عثمان، عن جَرير البَجَلي حديث:"تبنى مدينة بين دجلة ودجيل"

(1)

. فقال أبي: كان المحاربي جليسًا لسيف بن محمد؛ ابن أخت الثوري، وكان سيف كذابًا، وأظن المحاربي سمع هذا منه.

قلت: لم يذكر عبد الله من حدثه بهذا عن المحاربي، فهو -إن صح أن المحاربي حدث به- قوي الإسناد على نكارته.

مات المحاربي في سنة خمس وتسعين ومائة.

أخبرنا محمد بن حازم، ومحمد بن علي بن فضل، وأحمد بن مؤمن، ومحمد بن علي السلمي، قالوا: أخبرنا الحسين بن هبة الله التغلبي، أخبرنا الحسين بن الحسن الأسدي

(1)

كذب: أخرجه ابن عدي في "الكامل""3/ 432"، والضعفاء في الكبير للعقيلي "2/ 348"، والخطيب في "تاريخ بغداد" من طريق المحاربي، عن عاصم، به.

وقال ابن عدي والعقيلي في إثره: كان المحاربي جليسا لسيف بن محمد ابن أخت سفيان وكان سيف كذابا وأظن المحابي سمعه منه. قيل له إن عبد العزيز بن أبان رواه عن سفيان، فقال: كل من حدث به عن سفيان فهو كذاب. وذكر الذهبي في "ميزان الاعتدال""3/ 165" في ترجمة عمار بن سيف هذا الحديث، وقال حديث منكر جدا، وذكره.

ص: 557

أخبرنا علي بن محمد المصيصي، أخبرنا محمد، وأحمد ابنا الحسين بن سهل بن الصياح ببلد، قالا: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن أحمد الإمام، حدثنا علي بن حرب، حدثنا المحاربي، عن ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن أمشي على جمرة أو سيف، أحب إليَّ من أن أمشي على قبر امرئ مسلم، وما أبالي وسط القبور قضيت حاجتي أم وسط السوق"

(1)

. إسناده صالح.

(1)

صحيح: أخرجه ابن ماجه "1567" من طريق محمد بن إسماعيل بن سمرة، عن المحاربي، به. وقد توبع محمد بن إسماعيل هذا؛ فرواه أبو يعلى من طريق حفص بن عبد الله أبي عمر الحلواني، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، به.

وللحديث شاهد عن أبي مرثد الغنوي: عند مسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي.

ص: 558

‌1360 - يحيى بن سعيد

(1)

: " ع"

ابن أبان بن سعيد بن العاص بن أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي.

الإمام، المحدث، الثقة، النبيل، أبو أيوب القرشي، الأموي، الكوفي، وله عدة أخوة.

وهو والد سعيد بن يحيى الأموي؛ صاحب "المغازي".

مولده سنة بضع عشرة ومائة.

روى عن: يحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، ويزيد بن عبد الله بن أبي بردة، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وسفيان الثوري، وخلق كثير.

وحمل المغازي عن: محمد بن إسحاق.

حدث عنه: أحمد بن حنبل، وسريج بن يونس، وولده؛ سعيد بن يحيى، وحميد بن الربيع، وخلق.

قال أحمد بن حنبل: عنده عن الأعمش غرائب، وليس به بأس.

وروى أحمد بن زهير، عن ابن معين: ثقة.

وقال غير واحد: لا بأس به.

قلت: سكن بغداد، ويلقب بالجمل، مات سنة أربع وتسعين ومائة.

ومات قبلة بسنة: أخوه محمد.

وأخوهما عُبيد: يروي عن إسرائيل، وجماعة.

وأخوهم عبد الله بن سعيد: لغوي، شاعر.

وأخوهم الخامس عنبسة: يروي عن ابن المبارك، وطائفة، وهو أصغرهم.

وأخوهم السادس: اسمه

روى عن: زهير بن معاوية.

ذكرهم الدارقطني.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 398" و"7/ 339"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2984"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 133"، والكنى للدولابي "1/ 102"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ 403"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 625"، وتاريخ بغداد "14/ 132"، والكاشف "3/ ترجمة 6284"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 308"، والعبر "1/ 315"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9524"، وتهذيب التهذيب "11/ 213"، وتقريب التهذيب "2/ 348"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 341".

ص: 558

‌1361 - وكيع

(1)

: " ع"

ابن الجراح بن مَليح بن عدي بن فرس بن جمجمة بن سفيان بن الحارث بن عمرو بن عبيد بن رؤاس، الإمام، الحافظ، محدث العراق، أبو سفيان الرؤاسي، الكوفي، أحد الأعلام.

ولد سنة تسع وعشرين ومائة. قاله: أحمد بن حنبل.

وقال خليفة، وهارون بن حاتم: ولد سنة ثمان وعشرين، واشتغل في الصغر.

وسمع من: هشام بن عروة، وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وابن عون، وابن جريج، وداود الأودي، ويونس بن أبي إسحاق، وأسود بن شيبان، وهشام بن الغاز، والأوزاعي، وجعفر بن برقان، وزكريا بن أبي زائدة، وطلحة بن عمرو المكي، وفضيل بن غزوان، وأبي جناب الكلبي، وحنظلة بن أبي سفيان، وأبان بن صمعة، وأبان بن عبد الله البجلي، وأبان بن يزيد، وإبراهيم بن الفضل المخزومي، وإبراهيم بن يزيد الخُوزي، وإدريس

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 394"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2618"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 168"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 437"، وتاريخ بغداد "13/ 466"، والأنساب للسمعاني "6/ 174"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 284"، والكاشف "3/ ترجمة 6164"، والعبر "1/ 324"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9356"، وتهذيب التهذيب "11/ 123"، وتقريب التهذيب "2/ 331"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 349"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 153".

ص: 559

ابن يزيد، وإسماعيل بن رافع المدني، وإسماعيل بن سليمان الأزرق، وإسماعيل بن أبي الصفيرا، وإسماعيل بن مسلم العبدي، وأفلح بن حميد، وأيمن بن نابل، وبدر بن عثمان، وبشير بن المهاجر، وحريث بن أبي مطر، وأبي خلدة خالد بن دينار، وخالد بن طهمان، ودلهم بن صالح، وسعد بن أوس، وسعدان الجهني، وسعيد بن السائب، وسعيد بن عبيد الطائي، وسلمة بن نبيط، وطلحة بن يحيى، وعباد بن منصور، وعثمان الشحام، وعمر بن ذر، وعيسى بن طهمان، وعيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، وكهمس، والمثنى بن سعيد الضبعي، والمثنى بن سعيد الطائي، وابن أبي ليلي، ومسعر بن حبيب، ومسعر بن كِدَام، ومعاوية بن أبي مزرد، ومصعب بن سليم، وابن أبي ذئب، وسفيان، وشعبة، وإسرائيل، وشريك، وخلق كثير.

وكان من بحور العلم، وأئمة الحفظ.

حدث عنه: سفيان الثوري -أحد شيوخه- وعبد الله بن المبارك، والفضل بن موسى السيناني -وهما أكبر منه- ويحيى بن آدم، وعبد الرحمن بن مهدي، والحميدي، ومسدد، وعلي، وأحمد، وابن معين، وإسحاق، وبنو أبي شيبة، وأبو خيثمة، وأبو كريب، وابن نمير، وأبو هشام الرفاعي، وعبد الله بن هاشم الطوسي، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي، وإبراهيم بن عبد الله العبسي، وأمم سواهم.

وكان والده ناظرًا على بيت المال بالكوفة، وله هيبة وجلالة.

وروى عن: يحيى بن أيوب المقابري. قال: ورث وكيع من أمه مائة ألف درهم.

قال يحيى بن يمان: لما مات سفيان الثوري، جلس وكيع موضعه.

قال القَعْنَبي: كنا عند حماد بن زيد، فلما خرج وكيع، قالوا: هذا راوية سفيان. قال حماد: إن شئتم قلت: أرجح من سفيان.

الفضل بن محمد الشَّعراني: سمعت يحيى بن أكثم يقول: صحبت وكيعًا في الحضر والسفر، وكان يصوم الدهر، ويختم القرآن كل ليلة.

قلت: هذه عبادة يخضع لها، ولكنها من مثل إمام من الأئمة الأثرية مفضولة، فقد صح نهيه -عليه الصلاة السلام- عن صوم الدهر، وصح أنه نهى أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، والدين يسر، ومتابعة السنة أولى، فرضي الله عن وكيع، وأين مثل وكيع؟! ومع هذا فكان ملازمًا لشرب نبيذ الكوفة الذي يسكر الإكثار منه، فكان متأولا في شربه، ولو تركه

ص: 560

تورعًا، لكان أولى به، فإن من توقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، وقد صح النهي والتحريم للنبيذ المذكور، وليس هذا موضع هذه الأمور، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، فلا قدوة في خطأ العالم، نعم، ولا يوبخ بما فعله باجتهاد، نسأل الله المسامحة.

قال يحيى بن معين: وكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه.

وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحدًا أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع.

قلت: كان أحمد يعظم وكيعًا، ويفخمه.

قال محمد بن عامر المصيصي: سألت أحمد: وكيع أحب إليك أو يحيى بن سعيد? فقال: وكيع. قلت: كيف فضلته على يحيى، ويحيى ومكانه من العلم والحفظ والإتقان ما قد علمت? قال: وكيع كان صديقًا لحفص بن غياث، فلما ولي القضاء، هجره، وإن يحيى كان صديقًا لمعاذ بن معاذ، فلما ولي القضاء، لم يهجره يحيى.

وقال محمد بن علي الوراق: عرض القضاء على وكيع، فامتنع.

محمد بن سلام البيكندي: سمعت وكيعًا يقول: من طلب الحديث كما جاء، فهو صاحب سنة، ومن طلبه ليقوي به رأيه، فهو صاحب بدعة.

قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: قد حدث وكيع بدمشق، فأخذ عنه: هشام بن عمار، وابن ذكوان.

قال أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا محمد بن يزيد، حدثني حسين أخو زيدان، قال: كنت مع وكيع، فأقبلنا جميعًا من المصيصة -أو طرسوس- فأتينا الشام، فما أتينا بلدًا إلا استقبلنا واليها، وشهدنا الجمعة بدمشق، فلما سلم الإمام، أطافوا بوكيع، فما انصرف إلى أهله -يعني: إلى الليل- قال: فحدث به مليحًا ابنه، فقال: رأيت في جسد أبي آثار خضرة مما زحم ذلك اليوم.

قال محمد بن عبد الله بن عمار: أحرم وكيع من بيت المقدس.

وقال محمد بن سعد: كان وكيع ثقة، مأمونًا، عاليًا، رفيعًا، كثير الحديث، حجة.

قال محمود بن غيلان: قال لي وكيع: اختلفت إلى الأعمش سنين.

وقال محمد بن خلف التيمي: أخبرنا وكيع، قال: أتيت الأعمش، فقلت: حدثني. قال: ما اسمك? قلت: وكيع. قال: اسم نبيل، ما أحسب إلا سيكون لك نبأ، أين تنزل من

ص: 561

الكوفة? قلت: في بني رؤاس. قال: أين من منزل الجراح بن مليح? قلت: ذاك أبي؟ وكان على بيت المال. قال لي أذهب، فجئني بعطائي، وتعال حتى أحدثك بخمسة أحاديث. فجئت إلى أبي، فأخبرته، قال: خذ نصف العطاء، واذهب، فإذا حدثك بالخمسة، فخذ النصف الآخر، حتى تكون عشرة. فأتيته بنصف عطائه، فوضعه في كفه، وقال: هكذا. ثم سكت، فقلت: حدثني. فأملى علي حديثين، فقلت: وعدتني بخمسة. قال: فأين الدراهم كلها? أحسب أن أباك أمرك بهذا، ولم يدر أن الأعمش مدرب، قد شهد الوقائع، اذهب، فجئني بتمامه، فجئته، فحدثني بخمسة، فكان إذا كان كل شهر، جئته بعطائه، فحدثني بخمسة أحاديث.

قال قاسم بن يزيد الجرمي: كان الثوري يدعو وكيعًا وهو غلام، فيقول: يا رؤاسي! تعال، أي شيء سمعت? فيقول: حدثني فلان بكذا، وسفيان يتبسم، ويتعجب من حفظه.

قال ابن عمار: ما كان بالكوفة في زمان وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث من وكيع، وكان جهبذًا سمعته يقول: ما نظرت في كتاب منذ خمس عشرة سنة، إلا في صحيفة يومًا. فقلت له: عدوا عليك بالبصرة أربعة أحاديث غلطت فيها. قال: وحدثتهم بعبادان بنحو من ألف وخمسمائة، أربعة أحاديث ليست بكثيرة في ذلك.

وقال يحيى بن معين: سمعت وكيعًا يقول: ما كتبت عن الثوري قط، كنت أتحفظ، فإذا رجعت إلى المنزل كتبتها.

قال محمد بن عمران الأخنسي: سمعت يحيى بن يمان يقول: نظر سفيان إلى عيني وكيع، فقال: لا يموت هذا الرؤاسي حتى يكون له شأن. فمات سفيان، وجلس وكيع مكانه.

قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي بكر بن عياش: حدثنا. قال: قد كبرنا ونسينا الحديث، اذهب إلى وكيع في بني رؤاس.

قال الشاذكوني: قال لنا أبو نعيم يومًا: ما دام هذا التنين حيًا -يعني: وكيعًا- ما يفلح أحدًا معه.

قلت: كان وكيع أسمر، ضخمًا، سمينًا.

قال ابن عدي: حديث عن نوح بن حبيب، عن عبد الرزاق، قال: رأيت الثوري، وابن عيينه، ومعمرًا، ومالكًا، ورأيت ورأيت، فما رأت عيناي قط مثل وكيع.

ص: 562

قال المفضل الغلابي: كنا بعبادان، فقال لي حماد بن مسعدة: أحب أن تجيء معي إلى وكيع. فأتيناه، فسلم عليه، وتحدثنا، ثم انصرفنا، فقال لي حماد: يا أبا معاوية! قد رأيت الثوري، فما كان مثل هذا.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: كان وكيع حافظًا حافظًا، ما رأيت مثله.

وقال بشر بن موسى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت قط مثل وكيع في العلم، والحفظ، والإسناد، والأبواب، مع خشوع وورع.

قلت: يقول هذا أحمد مع تحريه وورعه، وقد شاهد الكبار، مثل هشيم، وابن عيينة، ويحيى القطان، وأبي يوسف القاضي، وأمثالهم.

وكذا روى عن أحمد: إبراهيم الحربي، قال جعفر بن محمد بن سوار النيسابوري: سمعت عبد الصمد بن سليمان البلخي: سألت أحمد ابن حنبل عن يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن، ووكيع، وأبي نعيم، فقال: ما رأيت أحفظ من وكيع، وكفاك بعبد الرحمن معرفة وإتقانًا، وما رأيت رجلًا أوزن بقوم من غير محاباة، ولا أشد تثبتًا في أمور الرجال من يحيى بن سعيد، وأبو نعيم أقل الأربعة خطأ، وهو عندي ثقة، موضع الحجة في الحديث.

وقال صالح بن أحمد: قلت لأبي: أيما أثبت عندك، وكيع أو يزيد? فقال: ما منهما -بحمد الله- إلا ثبت، وما رأيت أوعى للعلم من وكيع، ولا أشبه من أهل النسك منه، ولم يختلط بالسلطان.

وقال الترمذي: سمعت أحمد بن الحسن: سئل أحمد بن حنبل عن وكيع وابن مهدي، فقال: وكيع أكبر في القلب، وعبد الرحمن إمام.

وقال زاهد دمشق أحمد بن أبي الحَوَاري: ما رأيت فيمن لقيت أخشع من وكيع.

علي بن الحسين بن حبان: عن أبيه: سمعت ابن معين يقول: ما رأيت أفضل من وكيع. قيل: ولا ابن المبارك? قال: قد كان ابن المبارك له فضل، ولكن ما رأيت أفضل من وكيع، كان يستقبل القبلة، ويحفظ حديثه، ويقوم الليل، ويسرد الصوم، ويفتي بقول أبي حنيفة رحمه الله وكان قد سمع منه كثيرًا.

قال صالح بن محمد جَزَرة: سمعت يحيى بن معين يقول: ما رأيت أحدًا أحفظ من وكيع. فقال له رجل: ولا هشيم? فقال: وأين يقع حديث هشيم من حديث وكيع?! قال

ص: 563

الرجل: إني سمعت علي بن المديني يقول: ما رأيت أحدًا أحفظ من يزيد بن هارون. فقال: كان يزيد يتحفظ، كانت له جارية تحفظه من كتاب.

قال قتيبة: سمعت جريرًا يقول: جاءني ابن المبارك، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن! من رجل الكوفة اليوم? فسكت عني، ثم قال: رجل المصرين وكيع.

تمتام: حدثنا يحيى بن أيوب، حدثني بعض أصحاب وكيع الذين كانوا يلزمونه: أن وكيعًا كان لا ينام حتى يقرأ جزءه من كل ليلة ثلث القرآن، ثم يقوم في آخر الليل، فيقرأ المفصل، ثم يجلس، فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر.

وقال أبو سعيد الأشج: حدثنا إبراهيم بن وكيع، قال: كان أبي يصلي، فلا يبقى في دارنا أحد إلا صلى، حتى جارية لنا سوداء.

عباس: حدثنا يحيى بن معين: سمعت وكيعًا يقول كثيرًا: وأي يوم لنا من الموت? ورأيته أخذ في كتاب "الزهد" يقرؤه، فلما بلغ حديثًا منه، ترك الكتاب، ثم قام، فلم يحدث، فلما كان من الغد، وأخذ فيه، بلغ ذلك المكان، قام أيضًا ولم يحدث، حتى صنع ذلك ثلاثة أيام. قلت ليحيى: وأي حديث هو? قال: حديث "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل".

قال ابن عمار: كان وكيع يصوم الدهر، ويفطر يوم الشك والعيد، وأخبرت أنه كان يشتكي إذا أفطر في هذه الأيام.

وعن سفيان بن وكيع، قال: كان أبي يجلس لأصحاب الحديث من بكرة إلى ارتفاع النهار، ثم ينصرف، فيقيل، ثم يصلي الظهر، ويقصد الطريق إلى المشرعة التي يصعد منها أصحاب الروايا، فيريحون نواضحهم، فيعلمهم من القرآن ما يؤدون به الفرض إلى حدود العصر، ثم يرجع إلى مسجده، فيصلي العصر، ثم يجلس يدرس القرآن، ويذكر الله إلى آخر النهار، ثم يدخل منزله، فيقدم إليه إفطاره، وكان يفطر على نحو عشرة أرطال من الطعام، ثم تقدم إليه قرابة، فيها نحو من عشرة أرطال من نبيذ، فيشرب منها ما طاب له على طعامه، ثم يجعلها بين يديه، ثم يقوم، فيصلي ورده من الليل، كلما صلى شيئًا، شرب منها، حتى ينفدها، ثم ينام.

روى هذه الحكاية الدارقطني، عن القاضي ابن أم شيبان، عن أبيه، عن أبي عبد الرحمن بن سفيان بن وكيع، عن أبيه.

قال إسحاق بن بهلول: قدم علينا وكيع، فنزل في مسجد الفرات، وسمعت منه، فطلب

ص: 564

مني نبيذًا، فجئته به، وأقبلت أقرأ عليه الحديث وهو يشرب، فلما نفد ما جئته به، أطفأ السراج. قلت: ما هذا? قال: لو زدتنا، زدناك.

قال جعفر الطيالسي: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت رجلا يسأل وكيعًا، فقال: يا أبا سفيان! شربت البارحة نبيذًا، فرأيت فيما يرى النائم كأن رجلا يقول: شربت خمرًا. فقال وكيع: ذلك الشيطان.

وقال نعيم بن حماد: تعشينا عند وكيع -أو قال: تغدينا- فقال: أي شيء تريدون أجيئكم منه: نبيذ الشيوخ، أو نبيذ الفتيان? فقلت: تتكلم بهذا? قال: هو عندي أحل من ماء الفرات. قلت له: ماء الفرات لم يختلف في حله، وقد اختلف في هذا.

قلت: الرجل -سامحه الله- لو لم يعتقد إباحته، لما قال هذا.

عن إبراهيم بن شماس، قال: لو تمنيت، كنت أتمنى عقل ابن المبارك وورعه، وزهد ابن فضيل ورقته، وعبادة وكيع وحفظه، وخشوع عيسى بن يونس، وصبر حسين الجعفي، صبر ولم يتزوج، ولم يدخل في شيء من أمر الدنيا.

وروى بعض الرواة عن وكيع، قال: قال لي الرشيد إن أهل بلدك طلبوا مني قاضيًا، وقد رأيت أن أشركك في أمانتي وصالح عملي، فخذ عهدك. فقلت: يا أمير المؤمنين! أنا شيخ كبير، وإحدى عيني ذاهبة، والأخرى ضعيفة.

قال علي بن خَشْرَم: ما رأيت بيد وكيع كتابًا قط، إنما هو حفظ، فسألته عن أدوية الحفظ، فقال: إن علمتك الدواء، استعملته? قلت: إي والله. قال: ترك المعاصي، ما جربت مثله للحفظ.

وقال طاهر بن محمد المصيصي: سمعت وكيعًا يقول: لو علمت أن الصلاة أفضل من الحديث، ما حدثتكم.

قال سفيان بن عبد الملك صاحب ابن المبارك: كان وكيع أحفظ من ابن المبارك.

وقال أحمد العجلي: وكيع: كوفي، ثقة، عابد، صالح، أديب، من حفاظ الحديث، وكان مفتيًا.

وقال أبو عبيد الآجري: سئل أبو داود: أيما أحفظ: وكيع أو عبد الرحمن بن مهدي? قال: وكيع أحفظ، وعبد الرحمن أتقن، وقد التقيا بعد العشاء في المسجد الحرام، فتواقفا، حتى سمعا أذان الصبح.

ص: 565

عباس، وابن أبي خيثمة: سمعا يحيى يقول: من فضل عبد الرحمن بن مهدي علي وكيع، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

قلت: هذا كلام رديء، فغفر الله ليحيى، فالذي أعتقده أنا أن عبد الرحمن أعلم الرجلين، وأفضل، وأتقن، وبكل حال هما إمامان نظيران.

قال أبو داود: ما رئي لوكيع كتاب قط، ولا لهشيم، ولا لحماد بن زيد، ولا لمعمر.

قال ابن المديني: أوثق أصحاب سفيان الثوري: ابن مهدي، والقطان، ووكيع.

وقال أبو حاتم: أشهد على أحمد بن حنبل قال: الثبت عندنا بالعراق: وكيع، ويحيى القطان، وعبد الرحمن.

رواها أحمد بن أبي الحواري، عن أحمد بن حنبل أيضًا، ثم قال: فذكرته ليحيى بن معين، فقال: الثبت عندنا بالعراق وكيع.

الساجي: حدثني أحمد بن محمد، سمعت يحيى بن معين يقول: ما رأيت أحفظ من وكيع.

قال يعقوب الفسوي -وبلغه قول يحيى: من فضل عبد الرحمن على وكيع، فعليه اللعنة: كان غير هذا أشبه بكلام أهل العلم، ومن حاسب نفسه، لم يقل مثل هذا، وكيع خير، فاضل، حافظ.

وقد سئل أحمد بن حنبل: إذا اختلف وكيع وعبد الرحمن، بقول من نأخذ? فقال: نوافق عبد الرحمن أكثر، وخاصة في سفيان، كان معنيًّا بحديثه، وعبد الرحمن يسلم منه السلف، ويجتنب شرب المسكر، وكان لا يرى أن يُزْرَع في أرض الفرات.

قلت: عبد الرحمن له جلالة عجيبة، وكان يغشى عليه إذا سمع القرآن. نقله: صاحب "شريعة المقارئ".

عباس الدوري: قلت ليحيى: حديث الأعمش إذا اختلف وكيع وأبو معاوية? قال: يوقف حتى يجيء من يتابع أحدهما. ثم قال: كانت الرحلة إلى وكيع في زمانه.

قال أبو حاتم الرازي: وكيع أحفظ من ابن المبارك.

قال حنبل بن إسحاق: سمعت ابن معين يقول: رأيت عند مروان ابن معاوية لوحًا فيه أسماء شيوخ: فلان رافضي، وفلان كذا، ووكيع رافضي، فقلت لمروان: وكيع خير منك.

ص: 566

قال: مني? قلت: نعم. فسكت، ولو قال لي شيئًا، لوثب أصحاب الحديث عليه. قال: فبلغ ذلك وكيعًا، فقال: يحيى صاحبنا، وكان بعد ذلك يعرف لي، ويرحب.

قلت: مر قول أحمد: إن عبد الرحمن يسلم منه السلف، والظاهر أن وكيعًا فيه تشيع يسير، لا يضر -إن شاء الله- فإنه كوفي في الجملة، وقد صنف كتاب فضائل الصحابة، سمعناه قدم فيه باب مناقب علي على مناقب عثمان رضي الله عنهما.

قال الحسين بن محمد بن عفير: حدثنا أحمد بن سنان، قال: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يتحدث في مجلسه، ولا يقوم أحد ولا يبرى فيه قلم، ولا يبتسم أحد، وكان وكيع يكونون في مجلسه كأنهم في صلاة، فإن أنكر من أمرهم شيئًا، انتعل، ودخل، وكان ابن نمير يغضب ويصيح، وإن رأى من يبري قلمًا، تغير وجهه غضبًا.

قال تميم بن محمد الطوسي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: عليكم بمصنفات وكيع.

محمد بن أحمد بن مسعود: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، سمعت أبي يقول: أخطأ وكيع في خمسمائة حديث.

وقال علي بن المديني: كان وكيع يلحن، ولو حدثت عنه بألفاظه، لكانت عجبًا، كان يقول: حدثنا مِسْعَر، عن "عيشة".

نقلها: يعقوب بن شيبة، عنه.

وقال أحمد بن حنبل: كان وكيع أحفظ من عبد الرحمن بكثير.

قال عبد الله بن أحمد: عن أبيه: ابن مهدي أكثر تصحيفًا من وكيع، لكنه أقل خطأ.

وقال إبراهيم الحربي: سمعت أحمد يقول: ما رأت عيناي مثل وكيع قط، يحفظ الحديث جيدًا، ويذاكر بالفقه، فيحسن مع ورع واجتهاد، ولا يتكلم في أحد.

قال الحافظ أحمد بن سهل النيسابوري: دخلت على أحمد بن حنبل بعد المحنة، فسمعته يقول: كان وكيع إمام المسلمين في زمانه.

قال سلم بن جنادة: جالست وكيعًا سبع سنين، فما رأيته بزق، ولا مس حصاة، ولا جلس مجلسًا فتحرك، وما رأيته إلا مستقبل القبلة، وما رأيته يحلف بالله.

وقال أبو سعيد الأشج: كنت عند وكيع، فجاءه رجل يدعوه إلى عرس، فقال أثم نبيذ؟ قال: لا. قال: لا نحضر عرسًا ليس فيه نبيذ. قال: فإني آتيكم به، فقام.

ص: 567

وروى عن وكيع: أن رجلًا أغلظ له، فدخل بيتًا، فعفر وجهه، ثم خرج إلى الرجل، فقال: زد وكيعًا بذنبه، فلولاه، ما سلطت عليه.

نصر بن المغيرة البخاري: سمعت إبراهيم بن شماس يقول: رأيت أفقه الناس وكيعًا، وأحفظ الناس ابن المبارك، وأورع الناس الفضيل.

قال مروان بن محمد الطاطري: ما رأيت فيمن رأيت أخشع من وكيع، وما وصف لي أحد قط إلا رأيته دون الصفة، إلا وكيعًا، رأيته فوق ما وصف لي.

قال سعيد بن منصور: قدم وكيع مكة، وكان سمينًا، فقال له الفضيل بن عياض: ما هذا السمن وأنت راهب العراق?! قال: هذا من فرحي بالإسلام، فأفحمه.

أبو سعيد الأشج: سمعت وكيعًا يقول: الجهر بالبسملة بدعة.

قال الفضل بن عنبسة: ما رأيت مثل وكيع من ثلاثين سنة.

وقال إسحاق بن راهويه: حفظي وحفظ ابن المبارك تكلف، وحفظ وكيع أصلي، قام وكيع، فاستند، وحدث بسبع مائة حديث حفظًا.

وقال محمود بن آدم: تذاكر بشر بن السري ووكيع ليلة -وأنا أراهما- من العشاء إلى الصبح، فقلت لبشر: كيف رأيته? قال: ما رأيت أحفظ منه.

وقال سهل بن عثمان: ما رأيت أحفظ من وكيع.

قال أحمد بن حنبل: كان وكيع مطبوع الحفظ.

وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كانوا إذا رأوا وكيعًا، سكتوا -يعني: في الحفظ والإجلال.

وقال أبو حاتم: سئل أحمد عن يحيى وابن مهدي ووكيع، فقال: وكيع أسردهم.

أبو زرعة الرازي: سمعت أبا جعفر الجمال يقول: أتينا وكيعًا، فخرج بعد ساعة وعليه ثياب مغسولة، فلما بصرنا به، فزعنا من النور الذي رأيناه يتلألأ من وجهه. فقال رجل بجنبي: أهذا ملك? فتعجبنا من ذلك النور.

وقال أحمد بن سنان: رأيت وكيعًا إذا قام في الصلاة، ليس يتحرك منه شيء، لا يزول ولا يميل على رجل دون الأخرى.

قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت وكيعًا يقول: ما نعيش إلا في سترة، ولو كشف الغطاء، لكشف عن أمر عظيم، الصدق النية.

ص: 568

قال الفلاس: ما سمعت وكيعًا ذاكرًا أحدًا بسوء قط.

قلت: مع إمامته، كلامه نزر جدًّا في الرجال.

قال أحمد بن أبي الحواري، عن وكيع: ما أخذت حديثًا قط عرضًا. فذكرت هذا لابن معين، فقال: وكيع عندنا ثبت.

قال عبد الرحمن بن الحكم بن بشير: وكيع عن الثوري غاية الإسناد، ليس بعده شيء، ما أعدل بوكيع أحدًا. فقيل له: فأبو معاوية? فنفر من ذلك.

قلت: أصح إسناد بالعراق وغيرها: أحمد بن حنبل، عن وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي "المسند" بهذا السند عدة متون.

قال عبد الله بن هاشم: خرج علينا وكيع يومًا، فقال: أي الإسنادين أحب إليكم: الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله، أو: سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبد الله? فقلنا: الأعمش، فإنه أعلى. فقال: بل الثاني، فإنه فقيه، عن فقيه، عن فقيه، عن فقيه، والآخر شيخ، عن شيخ، وحديث يتداوله الفقهاء، خير من حديث يتداوله الشيوخ.

نوح بن حبيب، حدثنا وكيع، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حضرت موت سفيان، فكان عامة كلامه: ما أشد الموت! قال نوح: فأتيت عبد الرحمن، فقلت له: حدثنا عنك وكيع، فكان متكئًا، فقعد، وقال: أنا حدثت أبا سفيان، جزاه الله خيرًا ومن مثل أبي سفيان?! وما يقال لمثل أبي سفيان?!

وقيل: إن وكيعًا وصل إنسانًا مرة بصرة دنانير؛ لكونه كتب من محبرة ذلك الإنسان، وقال: اعذر، فلا أملك غيرها.

علي بن خَشْرَم: سمعت وكيعًا يقول: لا يكمل الرجل حتى يكتب عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه.

وعن مليح بن وكيع، قال: لما نزل بأبي الموت، أخرج يديه، فقال: يا بني! ترى يدي ما ضربت بهما شيئًا قط. قال مليح: فحدثت بهذا داود بن يحيى بن يمان، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله! من الأبدال? قال: الذين لا يضربون بأيديهم شيئًا، وإن وكيعًا منهم.

قلت: بل الذي يضرب بيده في سبيل الله أشرف وأفضل.

ص: 569

محنة وكيع -وهي غريبة- تورط فيها، ولم يرد إلا خيرًا، ولكن فاتته سكتة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع، فليتق عبد ربه، ولا يخافن إلا ذنبه".

قال علي بن خَشْرَم: حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله البهي: أن أبا بكر الصديق جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فأكب عليه، فقبله، وقال: بأبي وأمي، ما أطيب حياتك وميتتك. ثم قال البهي: وكان تُرِكَ يومًا وليلة، حتى ربا بطنه، وانثنت خنصراه. قال ابن خشرم: فلما حدث وكيع بهذا بمكة، اجتمعت قريش، وأرادوا صلب وكيع، ونصبوا خشبة لصلبه، فجاء سفيان بن عيينه، فقال لهم: الله الله، هذا فقيه أهل العراق، وابن فقيهه، وهذا حديث معروف. قال سفيان: ولم أكن سمعته، إلا أني أردت تخليص وكيع.

قال علي بن خشرم: سمعت الحديث من وكيع بعدما أرادوا صلبه، فتعجبت من جسارته. وأخبرت أن وكيعًا احتج، فقال: إن عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر، قالوا: لم يمت رسول الله، فأراد الله أن يريهم آية الموت.

رواها أحمد بن محمد بن علي بن رزين الباشاني، قال: حدثنا علي ابن خشرم. وروى الحديث عن وكيع: قتيبة بن سعيد.

فهذه زلة عالم، فما لوكيع، ولرواية هذا الخبر المنكر، المنقطع الإسناد! كادت نفسه أن تذهب غلطًا، والقائمون عليه معذورون، بل مأجورون، فإنهم تخيلوا من إشاعة هذا الخبر المردود، غضًّا ما لمنصب النبوة، وهو في بادئ الرأي يوهم ذلك، ولكن إذا تأملته، فلا بأس -إن شاء الله- بذلك، فإن الحي قد يربو جوفه، وتسترخي مفاصله، وذلك تفرع من الأمراض "وأشد الناس بلاء الأنبياء". وإنما المحذور أن تجوز عليه تغير سائر موتى الآدميين ورائحتهم، وأكل الأرض لأجسادهم، والنبي صلى الله عليه وسلم فمفارق لسائر أمته في ذلك، فلا يبلى، ولا تأكل الأرض جسده، ولا يتغير ريحه، بل هو الآن -وما زال- أطيب ريحًا من المسك، وهو حي في لحده، حياة مثله في البرزخ التي هي أكمل من حياة سائر النبيين، وحياتهم بلا ريب أتم وأشرف من حياة الشهداء الذين هم بنص الكتاب:{أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]، وهؤلاء حياتهم الآن التي في عالم البرزخ حق، ولكن ليست هي حياة الدنيا من كل وجه، ولا حياة أهل الجنة من كل وجه، ولهم شبه بحياة أهل الكهف. ومن ذلك اجتماع آدم وموسى لما احتج عليه موسى، وحجه آدم بالعلم السابق، كان اجتماعهما حقًا، وهما في عالم البرزخ، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أخبر أنه رأى في السماوات آدم، وموسى،

ص: 570

وإبراهيم، وإدريس، وعيسى، وسلم عليهم، وطالت محاورته مع موسى، هذا كله حق، والذي منهم لم يذق الموت بعد، هو عيسى عليه السلام فقد تبرهن لك أن نبينا صلى الله عليه وسلم ما زال طيبًا مطيبًا، وأن الأرض محرم عليها أكل أجساد الأنبياء، وهذا شيء سبيله التوقيف، وما عنف النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم لما قالوا له بلا علم: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت?! يعني: قد بليت. فقال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".

وهذا بحث معترض في الاعتذار عن إمام من أئمة المسلمين، وقد قام في الدفع عنه مثل إمام الحجاز؛ سفيان بن عيينة، ولولا أن هذه الواقعة في عدة كتب، وفي مثل "تاريخ الحافظ ابن عساكر"، وفي "كامل الحافظ ابن عدي"، لأعرضت عنها جملة، ففيها عبرة. حتى قال الحافظ يعقوب الفسوي في "تاريخه": وفي هذه السنة حدث وكيع بمكة، عن ابن أبي خالد، عن البهي

، فذكر الحديث. ثم قال: فرفع ذلك إلى العثماني، فحبسه، وعزم على قتله، ونصبت خشبة خارج الحرم، وبلغ وكيعًا، وهو محبوس. قال الحارث بن صديق: فدخلت عليه لما بلغني، وقد سبق إليه الخبر. قال: وكان بينه وبين ابن عيينه يومئذ متباعد، فقال لي: ما أرانا إلا قد اضطررنا إلى هذا الرجل، واحتجنا إليه. فقلت: دع هذا عنك، فإن لم يدركك، قتلت. فأرسل إلى سفيان، وفزع إليه، فدخل سفيان على العثماني -يعني: متولي مكة- فكلمه فيه، والعثماني يأبى عليه. فقال له سفيان: إني لك ناصح، هذا رجل من أهل العلم، وله عشيرة، وولده بباب أمير المؤمنين، فشخص لمناظرتهم. قال: فعمل فيه كلام سفيان، فأمر بإطلاقه. فرجعت إلى وكيع، فأخبرته، فركب حمارًا، وحملنا متاعه، وسافر، فدخلت على العثماني من الغد، فقلت: الحمد لله الذي لم تبتل بهذا الرجل، وسلمك الله. قال: يا حارث، ما ندمت على شيء ندامتي على تخليته، خطر ببالي هذه الليلة حديث جابر بن عبد الله، قال: حولت أبي والشهداء بعد أربعين سنة، فوجدناهم رطابًا يثنون، لم يتغير منهم شيء. ثم قال الفسوي: فسمعت سعيد بن منصور يقول: كنا بالمدينة، فكتب أهل مكة إلى أهل المدينة بالذي كان من وكيع، وقالوا: إذا قدم عليكم، فلا تتكلوا على الوالي، وارجموه حتى تقتلوه. قال: فعرضوا علي ذلك، وبلغنا الذي هم عليه، فبعثنا بريدًا إلى وكيع أن لا يأتي المدينة، ويمضي من طريق الربذة، وكان قد جاوز مفرق الطريقتين، فلما أتاه البريد، رد، ومضى إلى الكوفة.

ونقل الحافظ ابن عدي في ترجمة عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد أنه هو الذي أفتى بمكة بقتل وكيع.

ص: 571

وقال ابن عدي: أخبرنا محمد بن عيسى المروزي -فيما كتب إلي- قال: حدثنا أبي، عيسى بن محمد، قال: حدثنا العباس بن مصعب، حدثنا قتيبة، حدثنا وكيع، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، فساق الحديث. ثم قال قتيبة: حدث وكيع بمكة بهذا سنة حج الرشيد، فقدموه إليه، فدعا الرشيد سفيان بن عيينه، وعبد المجيد بن أبي رواد، فأما عبد المجيد، فإنه قال: يجب أن يقتل، فإنه لم يرو هذا إلا من في قلبه غش للنبي صلى الله عليه وسلم. وقال سفيان: لا قتل عليه، رجل سمع حديثًا، فأرواه، والمدينة شديدة الحر، توفي النبي صلى الله عليه وسلم فترك ليلتين؛ لأن القوم في إصلاح أمر الأمة، واختلفت قريش والأنصار، فمن ذلك تغير. قال قتيبة: فكان وكيع إذا ذكر فعل عبد المجيد، قال: ذاك جاهل، سمع حديثًا لم يعرف وجهه، فتكلم بما تكلم.

قلت: فرضنا أنه ما فهم توجيه الحديث على ما تزعم، أفمالك عقل وورع? أما سمعت قول الإمام علي: حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ أما سمعت في الحديث:"ما أنت محدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلا كان فتنة لبعضهم"؟ ثم إن وكيعًا بعدها تجاسر وحج، وأدركه الأجل بفيد.

قال أبو حاتم الرازي: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع بحديث في الكرسي، قال: فاقشعر رجل عند وكيع، فغضب، وقال: أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث، ولا ينكرونها.

قال يحيى بن يحيى التميمي: سمعت وكيعًا يقول: من شك أن القرآن كلام الله -يعني: غير مخلوق- فهو كافر.

وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي: سمعت وكيعًا يقول: نسلم هذه الأحاديث كما جاءت، ولا نقول: كيف كذا? ولا لم كذا? يعني: مثل حديث: "يحمل السماوات على إصبع".

قال أبو هشام الرفاعي: سمعت وكيعًا يقول: من زعم أن القرآن مخلوق، فقد زعم أنه محدث، ومن زعم أن القرآن محدث، فقد كفر.

قال علي بن عثام: مرض وكيع، فدخلنا عليه، فقال: إن سفيان أتاني، فبشرني بجواره، فأنا مبادر إليه.

قال أبو هشام الرفاعي: مات وكيع سنة سبع وتسعين ومائة، يوم عاشوراء، فدفن بفيد. يعني: راجعًا من الحج

ص: 572

وقال أحمد بن حنبل: حج وكيع سنة ست وتسعين، ومات بفيد.

قلت: عاش ثمانيًا وستين سنة، سوى شهر، أو شهرين.

قال قيس بن أنيف: سمعت يحيى بن جعفر البيكَنْدي: سمعت عبد الرزاق يقول: يا أهل خراسان؛ إنه نعي لي إمام خراسان -يعني: وكيعًا قال: فاهتممنا لذلك، ثم قال: بعدًا لكم يا معشر الكلاب، إذا سمعتم من أحد شيئًا، اشتهيتم موته.

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد بن علي الهمذاني الزاهد بقراءتي، أخبركم أحمد بن أبي الفتح الدقاق، وأبو الفرج بن عبد السلام، وأخبرنا أبو حفص الطائي، عن أبي اليمن الكندي، قالوا: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر القاضي. وأخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد الهروي، أخبرنا يوسف بن أيوب الزاهد "ح". وأخبرنا عمر بن عبد المنعم، عن عبد الجليل بن مندويه، أخبرنا نصر بن مظفر، قالوا ثلاثتهم: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النَّقُّور، أخبرنا علي بن عمر الحربي، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا علي بن هاشم، ووكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات صاحبكم، فدعوه".

رواه أبو داود.

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا سعيد بن أحمد بن البناء، أخبرنا أبو القاسم بن البسري، أخبرنا أبو طاهر المخلِّص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن هشام، عن قتادة، عن أنس، عن زيد بن ثابت، قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة. قلنا: كم كان قدر ما بينهما? قال: خمسون آية.

أخرجه مسلم، عن ابن أبي شيبة، على الموافقة.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا عبد الصمد بن محمد القاضي -وأنا حاضر- أخبرنا علي بن المُسَلَّم، أخبرنا الحسين بن محمد القرشي، أخبرنا محمد بن أحمد الغساني، حدثنا محمد بن الحسن البغدادي بالرملة، حدثنا محمد بن حسان الأزرق، حدثنا وكيع، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم الإدام الخل"

(1)

.

(1)

صحيح: أخرجه مسلم "2051" و"2052".

ص: 573

‌1362 - الجراح بن مليح

(1)

: " بخ، م، د، ت، ق"

وقد كان والد وكيع على بيت المال في دولة الرشيد، وكان على دار الضرب بالري. ويقال: محتده من نواحي الري، من بُليدة أستوا.

حدث عن: زياد بن عِلاقة، وأبي إسحاق، وسماك بن حرب، ومنصور بن المعتمر، وعدة.

روى عنه: ولده، وعبد الرحمن بن مهدي، وقبيصة، ومسدد، ويحيى الحماني، وعثمان بن أبي شيبة، وآخرون.

روى حنش بن حرب، عن وكيع، قال: ولد أبي بالسُّغْد، وولد شريك ببخارى.

وقال ابن سعد: ولي الجراح بن مليح بيت المال بمدينة السلام، وكان ضعيفًا في الحديث، عسرًا في الحديث، ممتنعًا به.

وروى جعفر بن أبي عثمان، عن يحيى بن معين، قال: ما كتبت عن وكيع، عن أبيه، ولا من حديث قيس شيئًا قط.

وروى عثمان الدارمي، عن يحيى، قال: الجراح ليس به بأس.

وروى عباس، عن يحيى: ثقة.

وروى أحمد بن أبي خيثمة، عن يحيى: ضعيف الحديث، وهو أمثل من أبي يحيى الحِمَّاني.

وقال ابن عمار: ضعيف.

وقال أبو داود: ثقة.

وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال ابن عدي: حديثه لا بأس به، وهو صدوق، لم أجد في حديثه منكرًا فأذكره.

وقال البرقاني: سألت الدارقطني عن والد وكيع، قال: ليس بشيء، وهو كبير الوهم. قلت: يعتبر به? قال: لا.

وقال خليفة: توفي سنة خمس وسبعين ومائة. وقال ابن قانع: سنة ست.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 380"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2286"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 445" و"3/ 131"، والمجروحين لابن حبان "1/ 219"، وتاريخ بغداد "7/ 252" وميزان الاعتدال "1/ 389"، والكاشف "1/ ترجمة 774"، وتهذيب التهذيب "2/ 66".

ص: 574

‌1363 - يوسف بن أسباط

(1)

:

الزاهد، من سادات المشايخ، له مواعظ وحكم.

روى عن: مُحِلِّ بن خليفة، والثوري، وزائدة بن قدامة.

وعنه: المسيَّب بن واضح، وعبد الله بن خُبَيق، وغيرهما.

نزل الثغور مرابطًا.

قال المسيَّب: سألته عن الزهد، فقال: أن تزهد في الحلال، فأما الحرام، فإن ارتكبته، عذبك.

وسئل يوسف: ما غاية التواضع? قال: أن لا تلقى أحدًا إلا رأيت له الفضل عليك.

وعنه قال: للصادق ثلاث خصال: الحلاوة، والملاحة، والمهابة.

وعنه: خلقت القلوب مساكن للذكر، فصارت مساكن للشهوات، لا يمحو الشهوات إلا خوف مزعج، أو شوق مقلق، الزهد في الرئاسة أشد منه في الدنيا.

قال ابن خُبَيق: قلت لابن أسباط: لم لا تأذن لابن المبارك يسلم عليك? قال: خشيت أن لا أقوم بحقه، وأنا أحبه.

وعن يوسف: إذا رأيت الرجل قد أشِرَ وَبطِرَ، فلا تعظه، فليس للعظة فيه موضع، لي أربعون سنة، ما حَكَّ في صدري شيء، إلا تركته.

قال شعيب بن حرب: ما أقدم على يوسف بن أسباط أحدًا.

وعن يوسف، قال: يجزئ قليل الورع والتواضع من كثير الاجتهاد في العمل.

وثقه ابن معين.

وقال أبو حاتم: لا يحتج به.

وقال البخاري: دفن كتبه، فكان حديثه لا يجيء كما ينبغي.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3414"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 2084"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 910"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 401"، وميزان الاعتدال "4/ 462".

ص: 575

‌1364 - إسحاق الأزرق

(1)

: " ع"

هو الإمام، الحافظ، الحجة، أبو محمد إسحاق بن يوسف بن مرداس القرشي، الواسطي، الأزرق.

مولده سنه سبع عشرة ومائة.

حدث عن: الأعمش، وابن عون، وفُضَيل بن غَزْوان، ومِسْعَر بن كِدَام، وسفيان، وشريك، وعدة.

وكان من جلة المقرئين، تلا على: حمزة الزيات. وأخذ الحروف عن: أبي بكر بن عياش، وغيره، وله اختيار معروف. حمله عنه: إسماعيل ابن هود الواسطي، وعبد الله بن هانئ، وغيرهما.

وكان من أئمة الحديث، روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأحمد بن منيع، ومحمد بن المثنى، وسعدان بن نصر، وأبو جعفر بن المنادي، وخلق.

وكان حجة وفاقًا، له قدم راسخ في التقوى. قيل: إنه مكث عشرين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء -رحمة الله عليه- وكان من أعلم الناس بشريك.

قالوا: توفي سنة خمس وتسعين ومائة.

روى عن شريك ستة آلاف حديث.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد لله بن أحمد، أخبرنا هبة الله بن هلال، أخبرنا عبد الله بن علي الدقاق سنة أربع وثمانين وأربعمائة، أخبرنا علي بن محمد المعدل، أخبرنا محمد بن عمرو الرزاز، حدثنا محمد بن عبيد الله، حدثنا إسحاق بن الأزرق، حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية، لم يزده الإسلام إلا شدة"

(2)

.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 315"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 1300"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 841"، والعبر "1/ 318"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 299"، والكاشف "1/ ترجمة 332"، وتهذيب التهذيب "1/ 257"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 343".

(2)

صحيح: أخرجه مسلم "2530".

ص: 576

‌1365 - محمد بن فُضَيل

(1)

: " ع"

ابن غزوان، الإمام، الصدوق، الحافظ، أبو عبد الرحمن الضبي مولاهم، الكوفي، مصنف كتاب "الدعاء"، وكتاب "الزاهد"، وكتاب "الصيام"، وغير ذلك.

حدث عن: أبيه، وحصين بن عبد الرحمن، وعاصم الأحوال، وعمارة بن القعقاع، وبيان بن بشر، وإبراهيم الهجري، وعطاء بن السائب، وهشام بن عروة، وابن أبي خالد، وزكريا بن أبي زائدة، وليث بن أبي سليم، ومسعر، وحبيب بن أبي عمرة، وخلق كثير.

حدث عنه: أحمد، وأبو عبيد، وإسحاق، وعلي بن حرب، وأحمد بن بديل، وأحمد بن سنان القطان، وعمرو بن علي، وبنو أبي شيبة، وأبو كريب، وأبو سعيد الأشج، وأحمد بن حرب، وعلي بن المنذر الطريقي، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي، وعدد كثير، وجم غفير، على تشيع كان فيه، إلا أنه كان من علماء الحديث، والكمال عزيز.

وثقه يحيى بن معين.

وقال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث، شيعي.

وقال أبو داود السجستاني: كان شيعيًا، متحرقًا.

قلت: تحرقه على من حارب أو نازع الأمر عليًا رضي الله عنه وهو معظم للشيخين رضي الله عنهما. وكان ممن قرأ القرآن على حمزة الزيات. وقد أدرك منصور بن المعتمر، ودخل عليه، فوجده مريضًا، وهذا أوان أول سماعه للعلم.

قال محمد بن سعد: بعضهم لا يحتج به.

وكان أبو الأحوص يقول: أنشد الله رجلا يجالس ابن فضيل، وعمرو بن ثابت، أن يجالسنا.

قال يحيى الحماني: سمعت فضيلا -أو حدثت عنه- قال: ضربت ابني البارحة إلى الصباح أن يترحم على عثمان رضي الله عنه فأبى علي.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 389"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 652"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 173" و"3/ 112"، والكنى للدولابي "2/ 64"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 263"، والإكمال لابن ماكولا "7/ 16"، والأنساب للسمعاني "8/ 145"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 294"، والكاشف "3/ ترجمة 5194"، والعبر "1/ 319"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 8062"، وتهذيب التهذيب "9/ 405"، وتقريب التهذيب "2/ 200"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 659"، وشذرات الذهب "1/ 344".

ص: 577

وقال الحسن بن عيسى بن ماسرجس: سألت ابن المبارك عن أسباط، وابن فضيل فسكت، فلما كان بعد ثلاثة أيام، قال: يا حسن! صاحباك لا أرى أصحابنا يرضونهما.

قلت: مات في سنة خمس وتسعين ومائة. وقيل: سنة أربع.

وقد احتج به أرباب الصحاح.

أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعيد الطبيب، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن خلاد الباهلي، حدثنا محمد بن فضيل، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسحروا، فإن في السحور بركة"

(1)

.

أخرجه النسائي، عن زكريا خياط السنة

(2)

، عن الباهلي، فوقع بدلًا عاليًا بدرجتين، وحديثه أعلى من هذا في "جزء ابن عرفة".

(1)

صحيح: أخرجه الطيالسي "2006"، وأحمد "3/ 229 و 243"، ومسلم "1095"، والترمذي "708"، والنسائي "4/ 141"، وأبو يعلى "2848"، والبيهقي "4/ 236"، والبغوي "1727" و"1728" من طرق عن أبي عوانة، عن قتادة، عن أنس، به، وأخرجه عبد الرزاق "7598"، وابن أبي شيبة "3/ 8"، وأحمد "3/ 99 و 229 و 258 و 281"، والبخاري "1923"، ومسلم "1095"، والترمذي "708"، وابن ماجه "1692"، وابن خزيمة "1937"، وابن الجارود "383"، والبيهقي "4/ 236"، والبغوي "1728" من طرق عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، به.

(2)

هو: زكريا بن يحبى بن إياس بن سلمة السجزي، أبو عبد الرحمن المعروف بخياط السنة، سمى بذلك لأنه كان يخيط أكفان أهل السنة، روى له النسائي وهو من أقرانه، قال النسائي: ثقة. وقال في موضع آخر: أحد الثقات. وقال عبد الغني بن سعيد: حافظ ثقة.

ص: 578

‌1366 - يحيى القطان

(1)

: " ع"

يحيى بن سعيد بن فروخ، الإمام الكبير، أمير المؤمنين في الحديث، أبو سعيد التميمي مولاهم، البصري، الأحول، القطان، الحافظ.

ولد في أول سنة عشرين ومائة.

سمع: سليمان التيمي، وهشام بن عروة، وعطاء بن السائب، وسليمان الأعمش، وحسينًا المعلم، وحميدًا الطويل، وخثيم بن عراك، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبيد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن عون، وابن أبي عروبة، وشعبة، والثوري، وأخضر بن عجلان، وإسرائيل بن موسى -نزيل الهند- وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وأشعث بن عبد الله الحداني، وبهز بن حكيم، وجعفر بن محمد، وحاتم بن أبي صغيرة، وحبيب بن الشهيد، وحجاج بن أبي عثمان الصواف، وزكريا بن أبي زائدة، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وعبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، وعبد الملك بن أبي سليمان، وعثمان بن الأسود المكي، وفضيل بن غزوان، ومحمد بن عجلان، وخلقًا كثيرًا.

وعني بهذا الشأن أتم عناية، ورحل فيه، وساد الأقران، وانتهى إليه الحفظ، وتكلم في العلل والرجال، وتخرج به الحفاظ: كمسدد، وعلي، والفلاس، وكان في الفروع على مذهب أبي حنيفة -فيما بلغنا- إذا لم يجد النص.

روى عنه: سفيان، وشعبة، ومعتمر بن سليمان -وهم من شيوخه- وعبد الرحمن بن مهدي، وعفان، ومسدد، وابنه؛ محمد بن يحيى، وعبيد الله القواريري، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعلي، ويحيى، وأحمد، وإسحاق، وعمرو بن علي، وبندار، وابن مثنى، ومحمد بن حاتم السمين، وسليمان الشاذكوني، وعبيد الله بن سعيد السرخسي، ويحيى بن حكيم المقوم، وعمر بن شبة، ونصر بن علي، ومحمد بن عبد الله المخرمي، وأحمد بن سنان القطان، وإسحاق الكوسج، وزيد بن أخزم، ويعقوب الدورقي، وخلق كثير، خاتمتهم: محمد بن شداد المسمعي.

وكان يقول: لزمت شعبة عشرين سنة.

قال محمد بن عبد الله بن عمار: روى ابن مهدي في تصانيفه ألفي حديث عن يحيى القطان، فحدث بها ويحيى حي.

وثبت أن أحمد بن حنبل قال: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان.

وقال يحيى بن معين: قال لي عبد الرحمن: لا ترى بعينيك مثل يحيى القطان.

وقال علي بن المديني: ما رأيت أحدًا أعلم بالرجال من يحيى بن سعيد.

وقال بندار: حدثنا يحيى بن سعيد إمام أهل زمانه.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 293"، والتاريخ الكبير "8/ 2983"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 716" و"2/ 140 و 202"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 624"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 438"، وتاريخ بغداد "14/ 135"، والأنساب للسمعاني "10/ 184"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 280"، والكاشف "3/ ترجمة 6285"، والعبر "1/ 327"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9522"، وتهذيب التهذيب "11/ 216"، وتقريب التهذيب "2/ 348"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 355".

ص: 579

وقال أبو الوليد الطيالسي: كان يحيى بن سعيد مولى بني تميم -زعموا- وكان يوقر وهو شاب.

وقال ابن معين: قال لي يحيى بن سعيد: ليس لأحد علي عقد ولا ولاء.

قال العباس بن عبد العظيم: سمعت ابن مهدي يقول: لما قدم الثوري البصرة، قال يا عبد الرحمن! جئني بإنسان أذاكره. فأتيته بيحيى بن سعيد، فذاكره، فلما خرج، قال: قلت لك: جئني بإنسان، جئتني بشيطان -يعني: بهره حفظه.

قال عبد الله بن جعفر بن خاقان: سمعت عمرو بن علي يقول: كان يحيى بن سعيد القطان يختم القرآن كل يوم وليلة، يدعو لألف إنسان، ثم يخرج بعد العصر، فيحدث الناس.

قال ابن خزيمة: سمعت بندارًا يقول: اختلفت إلى يحيى بن سعيد أكثر من عشرين سنة، ما أظنه عصى الله قط، لم يكن في الدنيا في شيء.

عباس الدوري: سمعت يحيى يقول: قال لي يحيى القطان: لو لم أرو إلا عمن أرضى، لم أرو إلا عن خمسة.

قال عبد الله بن بشر الطالقاني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: يحيى بن سعيد أثبت الناس.

وقال جعفر بن أبان الحافظ: سألت أبا الوليد الطيالسي عن خالد بن الحارث، ويحيى بن سعيد القطان، فقال: يحيى أكثر منه بكثير، وأما خالد فثقة، صاحب كتاب. فقال رجل: ما كان بالبصرة مثل خالد بعد شعبة. فقال: وكان شعبة يحسن ما يحسن يحيى? فقلت: فمن كان أكثر عندك: يحيى، أو عبد الرحمن بن مهدي? فإن قومًا يقدمون عبد الرحمن عليه. قال: ما ينصفون، هو أكبر من عبد الرحمن.

وعن أبي عوانة، قال: إن كنتم تريدون الحديث، فعليكم بيحيى القطان. فقال له رجل: فأين حماد بن زيد? قال: يحيى بن سعيد معلمنا.

قال أحمد بن سعيد الدارمي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما كتبت الحديث عن مثل يحيى بن سعيد.

قال ابن معين: روى يحيى القطان عن الأوزاعي حديثًا واحدًا.

قال أبو قدامة السرخسي: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كل من أدركت من الأئمة كانوا

ص: 580

يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ويكفرون الجهمية، ويقدمون أبا بكر وعمر في الفضيلة والخلافة.

مسدد عن يحيى، قال: ما حملت عن سفيان الثوري شيئًا، إلا ما قال: حدثني، وحدثنا سوى حديثين من قول إبراهيم وعكرمة.

قال أبو بكر الصغاني: قال لي ابن معين: يحيى بن سعيد فوق يزيد ابن زريع، وخالد بن الحارث، ومعاذ بن معاذ.

قال يحيى: ربما أتيت التيمي، وليس عنده أحد من خلق الله، وكان إذا حدث في بني مرة، إنما يكون عنده خمسة أو ستة.

قال الحافظ ابن عمار: كنت إذا نظرت إلى يحيى القطان، ظننت أنه لا يحسن شيئًا بزي التجار، فإذا تكلم، أنصت له الفقهاء.

قال أحمد بن محمد بن يحيى القطان: لم يكن جدي يمزح، ولا يضحك إلا تبسمًا، ولا دخل حمامًا، وكان يخضب.

وقال يحيى بن معين: أقام يحيى بن سعيد عشرين سنة يختم القرآن كل ليلة.

وقال علي بن المديني: كنا عند يحيى بن سعيد، فقرأ رجل سورة الدخان، فصعق يحيى، وغشي عليه.

قال أحمد بن حنبل: لو قدر أحد أن يدفع هذا عن نفسه، لدفعه يحيى -يعني: الصعق.

قال أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد: ما أعلم أني رأيت جدي قهقه قط، ولا دخل حمامًا قط، ولا اكتحل، ولا ادهن.

عباس الدوري، عن يحيى، قال: كان يحيى بن سعيد إذا قرئ عنده القرآن، سقط حتى يصيب وجهه الأرض. وقال: ما دخلت كنيفًا قط، إلا ومعي امرأة -يعني: من ضعف قلبه.

قال يحيى بن معين: جعل جار له يشتمه، ويقع فيه، ويقول: هذا الخوزي، ونحن في المسجد. قال: فجعل يبكي، ويقول: صدق، ومن أنا? وما أنا?

قال ابن معين: وكان يحيى يجيء معه بمسباح، فيدخل يده في ثيابه، فيسبح.

قال عبد الرحمن بن مهدي: اختلفوا يومًا عند شعبة، فقالوا له: اجعل بيننا وبينك حكمًا. قال قد رضيت بالأحول -يعني: القطان. فجاء، فقضى على شعبة. فقال شعبة: ومن يطيق نقدك يا أحول؟!

ص: 581

قال ابن سعيد: كان يحيى ثقة، مأمونًا، رفيعًا، حجة.

وقال النسائي: أمناء الله على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: شعبة، ومالك، ويحيى القطان.

قال محمد بن بندار الجرجاني: قلت لابن المديني: من أنفع من رأيت للإسلام وأهله? قال: يحيى بن سعيد القطان.

قال أحمد بن حنبل: إلى يحيى القطان المنتهى في التثبت.

وقال محمد بن أبي صفوان: كان ليحيى القطان نفقة من غلته، إن دخل من غلته حنطة، أكل حنطة، وإن دخل شعير، أكل شعيرًا، وإن دخل تمر، أكل تمرًا.

قال يحيى بن معين: إن يحيى بن سعيد لم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة.

قال عفان بن مسلم: رأى رجل ليحيى بن سعيد قبل موته أن بشر يحيى بن سعيد بأمان من الله يوم القيامة.

قال أحمد: ما رأيت أحدًا أقل خطًا من يحيى بن سعيد، ولقد أخطأ في أحاديث. ثم قال: ومن يعرى من الخطأ والتصحيف?!

قال أحمد بن عبد الله العجلي: كان يحيى بن سعيد نقي الحديث، لا يحدث إلا عن ثقة.

قال أبو قدامة السرخسي: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخاف أن يضيق على الناس تتبع الألفاظ؛ لأن القرآن أعظم حرمة، ووسع أن يقرأ على وجوه إذا كان المعنى واحدًا.

قال شاذ بن يحيى: قال يحيى القطان: من قال: إن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مخلوق، فهو زنديق، والله الذي لا إله إلا هو.

قال أبو حفص الفلاس: كان هجيرى يحيى بن سعيد إذا سكت ثم تكلم يقول: يحيي ويميت وإليه المصير. وقلت له في مرضه: يعافيك الله -إن شاء الله. فقال: أحبه إلي، أحبه إلى الله.

قال أبو حاتم الرازي: إذا اختلف ابن المبارك، ويحيى القطان، وابن عيينة في حديث، آخذ بقول يحيى.

قال ابن المديني: سألت يحيى عن أحاديث عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، فقال: ليست بصحاح.

ص: 582

الفلاس، عن يحيى، قال: كنت أنا، وخالد بن الحارث، ومعاذ بن معاذ، وما تقدماني في شيء قط -يعني من العلم- كنت أذهب معهما إلى ابن عون، فيقعدان ويكتبان، وأجيء أنا، فأكتبها في البيت.

قال محمد بن يحيى بن سعيد: قال أبي: كنت أخرج من البيت، أطلب الحديث، فلا أرجع إلا بعد العتمة.

قلت: كان يحيى بن سعيد متعنتًا في نقد الرجال، فإذا رأيته قد وثق شيخًا، فأعتمد عليه، أما إذا لين أحدًا، فتأن في أمره حتى ترى قول غيره فيه، فقد لين مثل: إسرائيل وهمام، وجماعة. احتج بهم الشيخان، وله كتاب في الضعفاء لم أقف عليه، ينقل منه ابن حزم وغيره، ويقع كلامه في سؤالات علي، وأبي حفص الصيرفي، وابن معين له.

قال عبد الرحمن بن عمر رستة: سمعت علي بن عبد الله يقول كنا عند يحيى بن سعيد، فلما خرج من المسجد، خرجنا معه، فلما صار بباب داره وقف، ووقفنا معه، فانتهى إليه الروبي، فقال يحيى لما رآه: ادخلوا. فدخلنا، فقال للروبي: اقرأ. فلما أخذ في القراءة، نظرت إلى يحيى يتغير، حتى بلغ:{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الدخان: 40]، صعق يحيى، وغشي عليه، وارتفع صوته، وكان باب قريب منه، فانقلب، فأصاب الباب فقار ظهره، وسال الدم، فصرخ النساء، وخرجنا، فوقفنا بالباب، حتى أفاق بعد كذا وكذا، ثم دخلنا عليه، فإذا هو نائم على فراشه وهو يقول:{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} ، فما زالت فيه تلك القرحة حتى مات رحمه الله.

وروى أحمد بن عبد الرحمن العنبري، عن زهير البابي، قال: رأيت يحيى القطان في النوم، عليه قميص بين كتفيه، مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من الله العزيز العليم، براءة ليحيى بن سعيد القطان من النار.

وقال أبو بكر بن خلاد الباهلي: عن يحيى القطان، قال: كنت إذا أخطأت، قال لي سفيان: أخطأت يا يحيى، فحدث يومًا عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يشرب في آنية الذهب والفضة، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم". فقلت: أخطأت يا أبا عبد الله. قال: وكيف هو? قلت: حدثنا عبيد الله عن نافع، عن زيد بن عبد الله، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

. قال:

(1)

صحيح: أخرجه مالك "2/ 924 - 925"، ومن طريقه أخرجه البخاري "5634"، ومسلم "2065"، والطبراني "23/ 927"، والبيهقي "1/ 27"، والبغوي "3030"، عن نافع، به.

ص: 583

صدقت يا يحيى، اعرض علي كتبك. قلت: تريد أن ألقى منك ما لقي زائدة? قال: وما لقي، أصلحت له كتبه وذكرته حديثه.

قلت: أقرب ما بيننا وبين يحيى بن سعيد في هذا الحديث الواحد:

أنبأنا عبد الرحمن بن محمد، وجماعة، قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا ابن غيلان، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا محمد بن شداد، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا إسماعيل، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس"

(1)

.

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا أبو بكر زيد بن هبة الله، أخبرنا أبو القاسم بن قفرجل، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا عبد الواحد بن محمد الفارسي، حدثنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا يعقوب الدورقي، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا أبو حيان يحيى بن سعيد، حدثني يزيد بن حيان، سمعت زيد بن أرقم، قال: بعث إلي عبيد الله بن زياد: ما أحاديث بلغني تحدثها وترويها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكر أن له حوضًا في الجنة? قال: حدثنا ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدناه. قال: كذبت، ولكنك شيخ قد خرفت. قال: أما إنه سمعته أذناي، ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:"من كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار"، ما كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

(1)

صحيح: أخرجه الترمذي "1922" من طريق محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، به، وأخرجه البخاري "7376"، ومسلم "2319" عن جابر بن عبد الله، به، وأخرجه البخاري "5997"، ومسلم "2318"، وأبو داود "5218" من حديث أبي هريرة، به، وأخرجه أحمد "4/ 366" من حديث جرير، به.

(2)

صحيح: ورد من حديث أنس بن مالك، وعقبة بن عامر، وابن عمرو وغيرهم رضي الله عنهم: أما حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: فأخرجه أحمد "3/ 223"، وابن ماجه "32" من طريق الليث بن سعد، عن الزهري، عنه، به.

وأخرجه ابن أبي شيبة "8/ 763"، وأحمد "3/ 116 و 176"، وابنه في "زوائد المسند""3/ 278" والدارمي "1/ 77" من طرق عن سليمان التيمي، عن أنس، به، وأخرجه أحمد "3/ 203 و 209"، وابنه في "زوائد المسند""3/ 278"، والدارمي "1/ 77" من طرق عن حماد بن أبي سليمان، عنه، به.

وأخرجه أحمد "3/ 98"، ومسلم "2" في "المقدمة" من طرق عن عبد العزيز بن صهيب، عنه، به.

وأما حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: عند أحمد "4/ 159"، والطبراني في "الكبير""17/ 843" من طريق ابن لهيعة، عن أبي عشانة، عنه، به.

وأما حديث ابن عمرو رضي الله عنها: أخرجه أحمد "2/ 159"، وأبو خيثمة في "العلم" "45" والخطيب في "تاريخه" "13/ 157" من طريق الوليد بن مسلم قال: حدقنا الأوزاعي، قال: حدثني حسان بن عطية، عن أبي كبشة السلولي، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".

ص: 584

قرأت على أبي الحسن علي بن أحمد العلوي بالثغر، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر القطيعي، أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الزاغوني، أخبرنا محمد بن محمد الزينبي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: أخبرني أبو جمرة: سمعت ابن عباس يقول: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالإيمان بالله عز وجل قال: "تدرون ما الإيمان بالله"؟. قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم"

(1)

.

رواه أبو داود، عن أحمد.

قال محمد بن عمرو بن عبيدة العصفري: سمعت علي بن المديني قال: رأيت خالدا بن الحارث في النوم، فقلت: ما فعل الله بك? قال غفر لي، على أن الأمر شديد. قلت: فما فعل يحيى القطان? قال: نراه كما يرى الكوكب الدري في أفق السماء.

قالوا: توفي يحيى بن سعيد في صفر، سنة ثمان وتسعين ومائة، قبل موت ابن مهدي، وابن عيينة، بأربعة أشهر -رحمهم الله تعالى.

قال أبو بكر بن أبي داود: حدثني أبي، عن محمد بن سعيد الترمذي، قال: قدمت البصرة أكتب الحديث، وكان يحيى بن سعيد القطان يجلس على موضع مرتفع، ويمر به أصحاب الحديث واحدًا واحدًا، يحدث كل إنسان بحديث، فمررت به لأسأله، فقال لي: اصعد، واقرأ حدرًا، واقرأ من سورة واحدة. فقرأت:{إِذَا زُلْزِلَتِ} ، فسقط مغشيًا عليه، فأصابه خشبة جزار.

قال أبو بكر: قال أبي عن علي بن عبد الله، قال: فما رأينا إلا جنازته. قال أبي: قال محمد بن سعيد: وقرأت على عبد الرحمن بن مهدي، فأصابه نحو ذلك.

قال عبد الصمد بن سليمان: سمعت أبا عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل- يقول: انتهى العلم إلى أربعة: إلى ابن المبارك، ووكيع، ويحيى القطان، وعبد الرحمن، فأما ابن المبارك، فأجمعهم، وأما وكيع فأسردهم، وأما يحيى فأتقنهم، وأما عبد الرحمن، فجهبذ. ثم قال: ما رأيت أحفظ ولا أوعى للعلم من وكيع، ولا أشبه بأهل النسك.

قال محمد بن عبد الله بن عمار: قال يحيى بن سعيد: لا تنظروا إلى الحديث، ولكن انظروا إلى الإسناد، فإن صح الإسناد، وإلا فلا تغتروا بالحديث إذا لم يصح الإسناد.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 228"، والبخاري "53"، ومسلم "17""24"، وأبو داود "4677"، والنسائي "8/ 322" من طريق شعبة، به، وأخرجه مسلم "17""23"، وأبو داود "3692" من طريق عباد بن عباد، عن أبي جمرة، به. وأبو جمرة: هو نصر بن عمران بن عصام الضبعي البصري، نزيل خراسان، ثقة ثبت.

ص: 585

‌1367 - شُعَيب بن حرب

(1)

: " خ، د، س"

الإمام، القدوة، العابد، شيخ الإسلام، أبو صالح المدائني، المجاور بمكة من أبناء الخراسانية.

روى عن: إسماعيل بن مسلم العبدي، وعكرمة بن عمار، ومسعر بن كدام، وشعبة، وأبان بن عبد الله البجلي، وصخر بن جويرية، وحريز بن عثمان، والحسن بن عمارة، وسفيان، وإسرائيل، وعبد العزيز بن أبي رواد، ومالك بن مغول، وكامل أبي العلاء، وخلق سواهم.

وعنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن أيوب المقابري، وأحمد بن أبي سريج الرازي، وعلي بن بحر، وأحمد بن محمد بن أبي رجاء، وأيوب بن منصور الكوفي، وحسن بن الجنيد البغدادي، والحسن بن الصباح البزار، وعلي بن محمد الطنافسي، ومحبوب بن موسى، وعبد الله بن السري الزاهد، وعبد الله بن خبيق الأنطاكيون، ومحمد بن منصور الطوسي، ونصير بن الفرج، ويعقوب الدورقي، ومحمد بن عيسى بن حيان المدائني، وآخرون.

روى عباس عن ابن معين: ثقة، مأمون، وكذلك قال أبو حاتم

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 320"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2578"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 444 و 722"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1504"، وتاريخ بغداد "9/ 239"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 293"، والكاشف "2/ ترجمة 2307"، والعبر "1/ 263 و 281" وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 2713"، وتهذيب التهذيب "4/ 350"، وتقريب التهذيب "1/ 352"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2958"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 349".

ص: 586

وقال النسائي: ثقة.

وقال محمد بن سعد: كان من أبناء خراسان، من أهل بغداد، فتحول إلى المدائن، واعتزل بها، وكان له فضل، ثم خرج إلى مكة، فنزلها إلى أن مات بها.

وقال محمد بن منصور: سمعت شعيب بن حرب يقول: ربما درس بعض الإسناد، أكاد أحم.

وقال أحمد بن حنبل: جئنا إلى شعيب أنا، وأبو خيثمة، وكان ينزل مدينة أبي جعفر، على قرابة له، فقلت لأبي خيثمة: سله. فدنا إليه، فسأله، فرأي كمه طويلا، فقال: من يكتب الحديث يكون كمه طويلا?! يا غلام! هات الشفرة. قال: فقمنا، ولم يحدثنا بشيء.

قال أحمد بن الحسين بن إسحاق الصوفي: سمعت سريًا السقطي يقول: أربعة كانوا في الدنيا، أعملوا أنفسهم في طلب الحلال، ولم يدخلوا أجوافهم إلا الحلال: وهيب بن الورد، وشعيب بن حرب، ويوسف بن أسباط، وسليمان الخواص.

قال عبد الله بن خبيق: سمعت شعيب بن حرب: أكلت في عشرة أيام أكلة، وشربت شربة.

أحمد بن الحسين الصوفي: سمعت أبا حمدون الطيب بن إسماعيل يقول: ذهبنا إلى المدائن إلى شعيب بن حرب، وكان قاعدًا على شط دجلة، قد بنى له كوخًا، وخبز له معلق في شريط، ومطهرة، يأخذ كل ليلة رغيفًا، يبله في المطهرة، ويأكله، فقال بيده هكذا، إنما كان جلدًا وعظمًا. فقال: أرى هنا بعد لحمًا، والله لأعملن في ذوبانه، حتى أدخل إلى القبر وأنا عظام تقعقع، أريد السمن للدود والحيات? فبلغ أحمد قوله، فقال: شعيب بن حرب، حمل على نفسه في الورع.

قال محمد بن عيسى المدائني: مات شعيب بمكة، سنة ست وتسعين ومائة. وقال محمد بن المثنى، وغيره: سنة سبع وتسعين ومائة -رحمة الله عليه.

أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الغني بن الخطيب فخر الدين بن تيمية بمصر، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف اللغوي، وأخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الخطيب فخر الدين محمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن البطي، أخبرنا علي بن محمد بن محمد الخطيب، أخبرنا عبد الواحد بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن مخلد سنة ثلاثين وثلاث مائة، حدثنا أبو القاسم عنبس بن إسماعيل القزاز، حدثنا شعيب بن حرب، حدثنا سفيان الثوري، عن مالك بن أنس، حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم، عن أبي قتادة بن ربعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد، فليصل ركعتين قبل أن يقعد"

(1)

.

وبه، أخبرنا محمد بن مخلد، حدثنا العلاء بن سالم، أخبرنا شعيب بن حرب، حدثنا مالك، حدثنا عامر مثله، ولم يذكر سفيان. قال ابن مخلد: هذا هو عندي الصواب.

أما يحيى بن سعيد العطار، ففي الطبقة الآتية.

(1)

صحيح: أخرجه مالك "1/ 162"، وعبد الرزاق "1673"، وابن أبي شيبة "1/ 339"، والحميدي "421"، وأحمد "5/ 295 و 296 و 303 و 305 و 311"، والبخاري "444" و"1163"، ومسلم "714""69"، وأبو داود "467" و"467"، والترمذي "316"، والنسائي "2/ 53"، وابن ماجه "1013"، وابن خزيمة "1825" و"1826" و"1827"، والبيهقي "3/ 53"، والبغوي "480"، وأبو عوانة "1/ 451" من طرق عن عامر بن عبد الله بن الزبير، به.

وأخرجه مسلم "714""70"، وابن خزيمة "1829"، وأبو عوانة "1/ 415 - 416" من طريق عمرو بن سليم، به.

ص: 587

‌1368 - بَهْز بن أسد

(1)

: " ع"

الإمام، الحافظ، الثقة، أبو الأسود العمي، البصري، أخو معلى بن أسد.

حدث عن: شعبة، ويزيد بن إبراهيم التستري، وأبي بكر النهشلي، وعدة.

روى عنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن بشار، وأحمد بن سنان القطان، وعبد الرحمن بن بشر، وعبد الله بن هاشم الطوسي، وآخرون.

قال غير واحد: ثقة.

وقال عبد الرحمن بن بشر: ما رأيت رجلا خيرًا من بَهْز.

قلت: توفي سنة سبع وتسعين ومائة.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 298"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 1983"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 306" و"2/ 140 و 202" و"3/ 156"، والكنى للدولابي "1/ 107"، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم "2/ ترجمة 1715"، والإكمال لابن ماكولا "1/ 380"، والكاشف "1/ ترجمة رقم 657"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 324"، وميزان الاعتدال "1/ 353"، وتهذيب التهذيب "1/ 497".

ص: 588

‌1369 - عبد الرحمن بن مهدي

(1)

: " ع"

ابن حسان بن عبد الرحمن، الإمام، الناقد، المجود، سيد الحفاظ، أبو سعيد العنبري -وقيل: الأزدي- مولاهم، البصري، اللؤلؤي.

ولد سنة خمس وثلاثين ومائة. قاله: أحمد بن حنبل.

وطلب هذا الشأن وهو ابن بضع عشرة سنة.

سمع أيمن بن نابل، وعمر بن أبي زائدة، ومعاوية بن صالح الحضرمي، وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وإسماعيل بن مسلم العبدي قاضي جزيرة قيس، وأبا خلدة خالد بن دينار، وسفيان، وشعبة، والمسعودي، وعبد الله بن بديل بن ورقاء، وأبا يعلى عبد الله بن عبد الرحمن الثقفي، وعبد الجليل بن عطية البصري، وعكرمة بن عمار، وعلي بن مسعدة الباهلي، وعمران القطان، والمثنى بن سعيد الضبعي، ويونس بن أبي إسحاق، وأبا حرة واصل بن عبد الرحمن، وحماد بن سلمة، وأبان بن يزيد، ومالك بن أنس، وعبد العزيز بن الماجِشون، وأممًا سواهم.

حدث عنه: ابن المبارك، وابن وهب -وهما من شيوخه- وعلي، ويحيى، وأحمد، وإسحاق، وابن أبي شيبة، وبُنْدار، وأبو خيثمة، وأحمد بن سنان، والقواريري، وأبو عبيد، وأبو ثور، وعبد الله بن هاشم، وعبد الرحمن بن عمر رستة، ومحمد بن يحيى، وهارون بن سليمان الأصبهاني، وعبد الرحمن بن محمد الحارثي كربزان، ومحمد بن ماهان زنبقة، وخلق يتعذر حصرهم.

وكان إمامًا، حجة، قدوة في العلم والعمل.

قال الخليلي: قال الشافعي: لا أعرف له نظيرًا في هذا الشأن.

قال أحمد بن حنبل: عبد الرحمن أفقه من يحيى القطان. وقال: إذا اختلف عبد الرحمن ووكيع، فعبد الرحمن أثبت؛ لأنه أقرب عهدًا بالكتاب، واختلفا في نحو من خمسين حديثًا للثوري. قال: فنظرنا، فإذا عامة الصواب في يد عبد الرحمن.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 297"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 1123"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1382"، وحلية الأولياء "9/ ترجمة 414"، وتاريخ بغداد "10/ 240"، والكاشف "2/ ترجمة 3368"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 313"، وتهذيب التهذيب "6/ 279"، وتقريب التهذيب "1/ 499"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4259"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 355".

ص: 589

قال أيوب بن المتوكل: كنا إذا أردنا أن ننظر إلى الدين والدنيا، ذهبنا إلى دار عبد الرحمن بن مهدي.

إسماعيل القاضي: سمعت ابن المديني يقول: أعلم الناس بالحديث عبد الرحمن بن مهدي. قلت له: قد كتبت حديث الأعمش، وكنت عند نفسي أنني قد بلغت فيها، فقلت: ومن يفيدني عن الأعمش. فقال لي: من يفيدك عن الأعمش? قلت: نعم. فأطرق، ثم ذكر ثلاثين حديثًا ليست عندي، يتبع أحاديث الشيوخ الذين لم ألقهم أنا، ولم أكتب حديثهم نازلًا. قال إسماعيل: أحفظ من ذلك منصور بن أبي الأسود.

قال محمد بن أبي بكر المقدمي: ما رأيت أحدًا أتقن لما سمع، ولما لم يسمع، ولحديث الناس من عبد الرحمن بن مهدي، إمام، ثبت، أثبت من يحيى بن سعيد، وأتقن من وكيع، كان عرض حديثه على سفيان.

قال عبيد الله بن عمر القواريري: أملى علي عبد الرحمن عشرين ألف حديث حفظًا.

وقال عبيد الله بن سعيد: سمعت ابن مهدي يقول: لا يجوز أن يكون الرجل إمامًا، حتى يعلم ما يصح مما لا يصح.

قال علي بن المديني: كان علم عبد الرحمن في الحديث كالسحر.

وقال أبو عبيد: سمعت عبد الرحمن يقول: ما تركت حديث رجل إلا دعوت الله له، وأسميه.

قال إبراهيم بن زياد سبلان: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق? فقال: لو كان لي سلطان، لقمت على الجسر، فلا يمر بي أحد إلا سألته، فإذا قال: مخلوق، ضربت عنقه، وألقيته في الماء.

قال أبو داود السِّجستاني: التقى وكيع، وعبد الرحمن في الحرم بعد العشاء، فتواقفا، حتى سمعا أذان الصبح.

وروى عن ابن مهدي، قال: لولا أني أكره أن يعصى الله، لتمنيت أن لا يبقى أحدًا في المصر إلا اغتابني! أي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته لم يعمل بها.

وعنه، قال: كنت أجلس يوم الجمعة، فإذا كثر الناس، فرحت، وإذا قلوا حزنت، فسألت بشر بن منصور، فقال: هذا مجلس سوء، فلا تعد إليه فما عدت إليه.

قال عبد الرحمن رُسْتَه: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مهدي، أن أباه قام ليلة، وكان

ص: 590

يحيى الليل كله. قال: فلما طلع الفجر، رمى بنفسه على الفراش حتى طلعت الشمس، ولم يصل الصبح، فجعل على نفسه أن لا يجعل بينه وبين الأرض شيئًا شهرين، فقرح فخذاه جميعًا.

وقال رُسْتَه: سمعت ابن مهدي يقول لفتى من ولد الأمير جعفر بن سليمان: بلغني أنك تتكلم في الرب وتصفه وتشبهه. قال: نعم، نظرنا، فلم نر من خلق الله شيئًا أحسن من الإنسان. فأخذ يتكلم في الصفة والقامة، فقال له: رويدك يا بني حتى نتكلم أول شيء في المخلوق، فإن عجزنا عنه، فنحن عن الخالق أعجز، أخبرني عما حدثني شعبة، عن الشيباني، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18]. قال: رأى جبريل له ست مائة جناح

(1)

، فبقي الغلام ينظر، فقال: أنا أهون عليك، صف لي خلقًا له ثلاثة أجنحة، وركب الجناح الثالث منه موضعًا حتى أعلم. قال: يا أبا سعيد، عجزنا عن صفة المخلوق، فأشهدك أني قد عجزت ورجعت.

قال أبو حاتم الرازي: سئل أحمد بن حنبل عن يحيى، وابن مهدي، فقال: ابن مهدي أكثر حديثًا.

قال أحمد العِجْلي: شرب عبد الرحمن بن مهدي البلاذر

(2)

، وكذا الطيالسي، فبرص عبد الرحمن، وجذم الآخر. قال: وقيل لعبد الرحمن: أيما أحب إليك: يغفر لك ذنبًا، أو تحفظ حديثًا? قال: أحفظ حديثًا.

أبو الربيع الزهراني: سمعت جريرًا الرازي يقول: ما رأيت مثل عبد الرحمن بن مهدي، ووصف حفظه وبصره بالحديث.

قال نُعيم بن حماد: قلت لعبد الرحمن مهدي: كيف تعرف الكذاب? قال: كما يعرف الطبيب المجنون.

قال محمد بن أبي صفوان: سمعت علي بن المديني يقول: لو أخذت، فحلفت بين

(1)

صحيح: أخرجه البخاري "3232"، ومسلم "174" من طرق عن سليمان الشيباني عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، به.

(2)

البلاذر: ثمره شبيهة بنوى التمر، ولبه مثل لب الجوز، حلو لا مضرة فيه، وقشره متخلخل متثقب، في تخلخله عسل لزج ذو رائحة، ومن الناس من يقضمه فلا يضره وخصوصا مع الجوز ذكره ابن سينا في كتابه "القانون""1/ 267".

ص: 591

الركن والمقام، لحلفت بالله أني لم أر أحدا قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي. سمعه: أبو حاتم الرازي منه.

أخبرنا محمد بن قيماز، وغيره، قالوا: أخبرنا عبد الله بن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، أخبرنا عبد الجبار الجراحي، أخبرنا ابن محبوب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، سمعت محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان الثقفي، سمعت علي بن المديني يقول: لو حلفت بين الركن والمقام، لحلفت أني لم أر أحدًا أعلم من عبد الرحمن بن مهدي.

وبه إلى الترمذي: حدثنا أحمد بن الحسن، قال أحمد بن حنبل: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي إمام.

وقال زياد بن أيوب الطوسي: قمنا من مجلس هشيم، فأخذ أحمد، وابن معين، وأصحابه بيد فتى، فأدخلوه مسجدًا، وكتبنا عنه، فإذا الفتى عبد الرحمن بن مهدي.

محمد بن عيسى الطرسوسي: سمعت عبد الرحمن رسته يقول: كانت لعبد الرحمن بن مهدي جارية، فطلبها منه رجل، فكان منه شبه العدة، فلما عاد إليه، قيل لعبد الرحمن: هذا صاحب الخصومات. فقال له عبد الرحمن: بلغني أنك تخاصم في الدين. فقال: يا أبا سعيد! إنا نضع عليهم لنحاجهم بها. فقال: أتدفع الباطل بالباطل؟ إنما تدفع كلامًا بكلام، قم عني، والله لا بعتك جاريتي أبدًا.

قال ابن المديني: قال عبد الرحمن: اترك من كان رأسًا في بدعة يدعو إليهما.

وقال ابن المديني: دخلت على امرأة عبد الرحمن بن مهدي -وكنت أزورها بعد موته- فرأيت سوادًا في القبلة، فقلت: ما هذا? قالت: موضع استراحة عبد الرحمن، كان يصلي بالليل، فإذا غلبه النوم، وضع جبهته عليه.

ويروى عن ابن مهدي، قال: من طلب العربية، فآخره مؤدب، ومن طلب الشعر، فآخره شاعر يهجو أو يمدح بالباطل، ومن طلب الكلام، فآخر أمره الزندقة، ومن طلب الحديث، فإن قام به، كان إمامًا، وإن فرط ثم أناب يومًا، يرجع إليه، وقد عتقت وجادت.

قال يحيى بن يحيى: كنت أسأل عبد الرحمن عن المشايخ بالبصرة.

ونقل غير واحد عن عبد الرحمن بن مهدي، قال: إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى، وأن يكون استوى على العرش، أرى أن يستتابوا، فإن تابوا، وإلا ضربت أعناقهم.

ص: 592

قال ابن المديني: ثم كان بعد مالك بن أنس عبد الرحمن بن مهدي يذهب مذهب تابعي أهل المدينة، ويقتدي بطريقتهم.

وقال: نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة، ثم صار علمهم إلى اثني عشر نفسًا، ثم صار علمهم إلى: يحيى بن سعيد، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وابن المبارك، ووكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن آدم.

قال علي: وأوثق أصحاب سفيان: يحيى القطان، وعبد الرحمن.

قال أحمد بن حنبل: عبد الرحمن ثقة، خيار، صالح، مسلم، من معادن الصدق.

قال ابن مهدي: كان أبو الأسود يتيم عروة، أخًا لهشام بن عروة من الرضاعة. وقد قال هشام: حدثنا أخي محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن أبي، قال: لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم، فقالوا فيهم بالرأي، فضلوا، وأضلوا.

قال أيوب بن المتوكل: كان حماد بن زيد إذا نظر إلى عبد الرحمن ابن مهدي في مجلسه، تهلل وجهه.

وقال صدقة بن الفضل المروزي الحافظ: أتيت يحيى بن سعيد أسأله، فقال لي: الزم عبد الرحمن بن مهدي. وأفادني عنه أحاديث، فسألت عبد الرحمن عنها فحدثني بها.

قال أحمد بن سنان القطان: سمعت مهدي بن حسان يقول: كان عبد الرحمن يكون عند سفيان عشرة أيام وخمسة عشر يومًا بالليل والنهار، فإذا جاءنا ساعة، جاء رسول سفيان في أثره يطلبه، فيدعنا، ويذهب إليه.

قال أحمد بن سنان: وسمعت عبد الرحمن يقول: أفتى سفيان في مسألة، فرآني كأني أنكرت فتياه، فقال: أنت ما تقول? قلت: كذا وكذا، خلاف قوله، فسكت.

قال ابن المديني: حدثنا عبد الرحمن، قال لي سفيان: لو أن عندي كتبي، لأفدتك علمًا.

قال أحمد بن سنان: كان لا يتحدث في مجلس عبد الرحمن، ولا يبرى قلم، ولا يتبسم أحد، ولا يقوم أحد قائمًا، كأن على رءوسهم الطير، أو كأنهم في صلاة، فإذا رأى أحدًا منهم تبسم، أو تحدث، لبس نعله، وخرج.

وقال أحمد بن سنان: سمعت عبد الرحمن يقول: عندي عن المغيرة بن شعبة في المسح على الخفين ثلاثة عشر حديثًا -يعني: الطرق.

ص: 593

قال بندار: سمعت عبد الرحمن يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لكتبت تفسير الحديث إلى جنبه، ولأتيت المدينة حتى أنظر في كتب قوم سمعت منهم.

قال محمد بن عبد الرحيم صاعقة: سمعت عليًا يقول -وذكر الفقهاء السبعة- فقال: كان أعلم الناس بقولهم وحديثهم: ابن شهاب، ثم بعده مالك، تم بعده عبد الرحمن بن مهدي.

وقال أحمد بن حنبل: إذا حدث عبد الرحمن عن رجل، فهو ثقة.

وقال علي: كان ورد عبد الرحمن كل ليلة نصف القرآن.

وقال محمد بن يحيى الذهلي: ما رأيت في يد عبد الرحمن بن مهدي كتابًا قط -يعني: كان يحدث حفظًا.

وقال رسته: سمعت عبد الرحمن يقول: كان يقال: إذا لقي الرجل الرجل فوقه في العلم، فهو يوم غنيمته، وإذا لقي من هو مثله، دارسه، وتعلم منه، وإذا لقي من هو دونه، تواضع له، وعلمه، ولا يكون إمامًا في العلم من حدث بكل ما سمع، ولا يكون إمامًا من حدث عن كل أحد، ولا من يحدث بالشاذ والحفظ للإتقان.

وقال ابن نمير: قال عبد الرحمن بن مهدي: معرفة الحديث إلهام.

قال يوسف بن ضحاك: سمعت القواريري يقول: كان ابن مهدي يعرف حديثه وحديث غيره. وكان يحيى القطان يعرف حديثه، فسمعت حماد بن زيد يقول: لئن عاش عبد الرحمن بن مهدي، لنخرجن رجل أهل البصرة.

قال أبو بكر بن أبي الأسود: سمعت ابن مهدي يقول بحضرة يحيى القطان -وذكر الجهمية- فقال: ما كنت لأناكحهم، ولا أصلي خلفهم.

قال عبد الرحمن بن عمر رُسْتَه: سمعت عبد الرحمن يقول: الجهمية يريدون أن ينفوا الكلام عن الله، وأن يكون القرآن كلام الله، وأن يكون كلم موسى، وقد وكده الله -تعالى- فقال:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].

قال عبد الرحمن رُسْتَه: سألت ابن مهدي عن الرجل يبني بأهله، أيترك الجماعة أيامًا? قال: لا، ولا صلاة واحدة. وحضرته صبيحة بني على ابنته، فخرج، فأذن، ثم مشى إلى بابهما، فقال للجارية: قولي لهما: يخرجان إلى الصلاة. فخرج النساء والجواري، فقلن:

ص: 594

سبحان الله! أي شيء هذا? فقال: لا أبرح حتى يخرجا إلى الصلاة. فخرجا بعدما صلى، فبعث بهما إلى مسجد خارج من الدرب.

قلت: هكذا كان السلف في الحرص على الخير.

قال رسته: وكان عبد الرحمن يحج كل عام، فمات أخوه، وأوصى إليه، فأقام على أيتامه، فسمعته يقول: قد ابتليت بهؤلاء الأيتام، فاستقرضت من يحيى بن سعيد أربعمائة دينار احتجت إليها في مصلحة أرضهم.

ذكر أبو نُعَيم الحافظ لابن مهدي في "الحلية" ترجمة طويلة جدًا، فروى فيها من حديثه مائتين وثمانين حديثًا، وقد لحق صغار التابعين: كأيمن بن نابل، وصالح بن درهم، ويزيد بن أبي صالح، وجرير بن حازم. وكان قد ارتحل في آخر عمره من البصرة، فحدث بأصبهان.

قال بُنْدار: سمعت عبد الرحمن يقول: ما نعرف كتابًا في الإسلام بعد كتاب الله أصح من "موطأ مالك".

وقال رُسْتَه: سمعت عبد الرحمن يقول: أئمة الناس في زمانهم: سفيان بالكوفة، وحماد بن زيد بالبصرة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام.

أبو حاتم بن حِبَّان: حدثنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا عمرو بن علي، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: حدثنا أبو خلدة، فقال له رجل: أكان ثقة? فقال: كان صدوقًا، وكان خيارًا، وكان مأمونًا، الثقة سفيان وشعبة.

ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، سمعت ابن مهدي يقول: لزمت مالكًا حتى ملني. فقلت يومًا: قد غبت عن أهلي هذه الغيبة الطويلة، ولا أعلم ما حدث بهم بعدي. قال: يا بني، وأنا بالقرب من أهلي، ولا أدري ما حدث بهم منذ خرجت.

قال ابن حبان في صدر كتابه في "الضعفاء": إلا أن من أكثرهم تنقيرًا عن شأن المحدثين، وأتركهم للضعفاء والمتروكين، حتى يجعله لهذا الشأن صناعة لهم لم يتعدوها -مع لزوم الدين والورع الشديد، والتفقه في السنن- رجلين: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي.

قال سهل بن صالح: سمعت يزيد بن هارون يقول: وقعت بين أسدين: عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان.

قلت: توفي ابن مهدي بالبصرة، في جمادى الآخرة، سنة ثمان وتسعين ومائة.

ص: 595

وعاش أبوه بعده، وكان شيخًا عاميًّا، ربما كان يمزح بجهل، ويشير إلى الجماعة إلى ابنه، ويشير إلى متاعه، فيقول: هذا خرج من هذا.

وقال عبد الرحمن بن محمد بن سلم: سمعت عبد الرحمن بن عمر، سمعت ابن مهدي يقول: فتنة الحديث أشد من فتنة المال والولد.

قال أبو قدامة: سمعت ابن مهدي يقول: لأن أعرف علة حديث، أحب إلي من أن أستفيد عشرة أحاديث.

قال عبد الله أخو رسته: سمعت ابن مهدي يقول: محرم على الرجل أن يفتي إلا في شيء سمعه من ثقة.

وعن عبد الرحمن: أنه كان يكره الجلوس إلى ذي هوى، أو ذي رأي.

وقال رسته: قام ابن مهدي من المجلس، وتبعه الناس، فقال: يا قوم! لا تطئون عقبي، ولا تمشون خلفي، حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن، قال عمران: خفق النعال خلف الأحمق قل ما يبقى من دينه.

قال رسته: سألت ابن مهدي عن الرجل يتمنى الموت مخافة الفتنة على دينه؟ قال: ما أرى بذلك بأسًا، لكن لا يتمناه من ضر به، أو فاقة، تمنى الموت أبو بكر وعمر ومن دونهما.

وسمعت ابن مهدي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"

(1)

. فقلت: الآمر رجل. فقال: خذ بما لا يريبك حتى لا يصيبك ما يريبك -يعني: الحيل.

وبلغنا عن ابن مهدي، قال: ما هو -يعني: الغرام بطلب الحديث- إلا مثل لعب الحمام، ونطاح الكباش.

قلت: صدق -والله- إلا لمن أراد به الله، وقليل ما هم.

أخبرنا أبو حفص عمرو بن عبد المنعم

(2)

، أخبرنا القاضي جمال الدين عبد الصمد بن

(1)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق "4984"، والطيالسي "1178"، والترمذي "2518"، والنسائي "8/ 327"، والدارمي "2/ 245"، والحاكم "2/ 13" و"4/ 99"، والطبراني في "الكبير""2708" و"2711"، وأبو نعيم في "الحلية""8/ 264"، والبغوي "2032" من طريق بريد بن أبي مريم، السعدي، عن الحسن بن علي، به.

(2)

هو: عمر بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير، الثقة المعمر مسند وقته ناصر الدين، أبو القاسم وأبو حفص الطائي الدمشقي ابن القواس. ذكره الذهبي في "معجم الشيوخ""2/ ترجمة 581".

ص: 596

محمد، أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا أبو نصر بن طلاب، أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جميع بصيدا، حدثنا عبد الملك بن أحمد ببغداد، حدثنا حفص بن عمرو الربالي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الطعام والشراب

(1)

.

قال أبو عبيد الآجُرِّي: سمعت أبا داود يقول: قال أحمد بن سنان: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: لو كان لي عليه سلطان -على من يقرأ قراءة حمزة- لأوجعت ظهره وبطنه.

قلت: جاء نحو هذا عن جماعة، وإنما ذلك عائد إلى ما فيها من قبيل الأداء -والله أعلم- وقد استقر اليوم الإجماع على تلقى قراءة حمزة بالقبول.

(1)

صحيح: أخرجه أحمد "1/ 309"، والحميدي "525"، وابن أبي شيبة "8/ 217 و 220 و 221" وأبو داود "3728"، والترمذي "1888"، وابن ماجه "3429"، والدارمي "2134"، وأبو يعلى "2402"، والبيهقي في "السنن""7/ 284"، وفي "الشعب""6004"، والبغوي "3035" من طريق سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم، به.

وعبد الكريم: هو ابن مالك الجزري الخضرمي.

ص: 597

‌1370 - مسكين

(1)

: " ع"

ابن بكير، الإمام، المحدث، أبو عبد الرحمن الحراني، الحذاء.

حدث عن: ثابت بن عَجلان، وأرطاة بن المنذر، وجعفر بن برقان، والأوزاعي، وشعبة، وطائفة.

روى عنه: أبو جعفر النفيلي، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن أبي شعيب الحراني، وابنه الحسن بن أحمد، ومحمد بن وهب بن أبي كريمة، وموسى بن أيوب النصيبي، وآخرون.

قال أبو حاتم: لا بأس به، صالح الحديث.

وقال غير واحد: صدوق.

وقيل: له عن شعبة ما ينكر.

وقال أبو أحمد الحاكم: له مناكير كثيرة.

قيل: توفي مسكين في سنة ثمان وتسعين ومائة.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 1927"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 185"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1812"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1521"، والكاشف "3/ ترجمة 5501"، والمغني "2/ ترجمة 6203"، والعبر "1/ 328"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8479"، وتهذيب التهذيب "10/ 120"، وتقريب التهذيب "2/ 244"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7400"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 355".

ص: 597

‌1371 - مُعَمَّر

(1)

: " ت، س، ق"

ابن سليمان، الإمام، القدوة، أبو عبد الله النخعي، الرقي.

حدث عن: خُصَيف، وإسماعيل بن أبي خالد، وزيد بن حبان الرقي، وحجاج بن أرطاة، وطائفة.

وعنه: أبو عبيد، وأحمد بن حنبل، وعلي بن حُجْر، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو سعيد الأشج، وقوم آخرهم موتًا: سعدان بن نصر.

وثقه يحيى بن معين.

وذكره الإمام أحمد، فذكر من فضله وهيبته.

وقال أبو عبيد القاسم: كان من خير من رأيت.

قلت: وقع لي من عواليه. ومات في شعبان، سنة إحدى وتسعين ومائة رحمه الله.

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2103"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1704"، والكاشف "3/ ترجمة 5672"، والعبر "1/ 308 و 425"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8692"، وتهذيب التهذيب "10/ 249 - 250"، وتقريب التهذيب "2/ 266"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7132"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 329".

ص: 598

‌1372 - أبو تُمَيْلَة

(1)

: " ع"

يحيى بن واضح المَرْوَزِي الحافظ.

حدث عن: محمد بن إسحاق، وموسى بن عُبيدة، وحسين بن واقد المروزي، وأبي طيبة عبد الله بن مسلم، والأوزاعي، وطبقتهم.

وعنه: أحمد بن حنبل، وابن راهويه، وسعيد الجَرْمي، وزياد بن أيوب، ومحمد بن عمرو زُنَيْج، والحسن بن عرفة، وخلق كثير.

قال يحيى بن معين: ثقة.

وقال أحمد: كتبنا عنه على باب هشيم، ليس به بأس -إن شاء الله.

ووهم أبو حاتم حيث حكى أن البخاري تكلم في أبي تميلة، ومشى على ذلك أبو الفرج بن الجوزي، ولم أر ذكرًا لأبي تميلة في كتاب "الضعفاء" للبخاري، لا في الكبير ولا الصغير. ثم إن البخاري قد احتج بأبي تميلة، وقد كان محدث مرو مع الفضل بن موسى السِّيناني.

مات سنة نيف وتسعين ومائة.

تم الجزء السابع ويليه: الجزء الثامن، وأوله: الوليدُ بن مُسْلم.

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 375"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 3124"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 810"، وتاريخ بغداد "14/ 126"، والكاشف "3/ ترجمة 6372"، والمغني "2/ ترجمة 7062"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9644"، وتهذيب التهذيب "11/ 293"، وتقريب التهذيب "2/ 359".

ص: 599