الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} آل عمران (102) {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا
…
وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
…
عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} النساء (1){يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فقد ألف الإمام الأشعري رحمه الله مجموعة من الكتب والرسائل التي تعالج قضايا العقيدة، بعضها قد كتب في الفترة التي سبقت تحوله عن الاعتزال، وبعضها قد كتب في الفترة التي أعقبت انتقاله رحمه الله إلى منهج أهل السنة والجماعة. وقد كانت هذه الكتب - ولا زالت - موضع دراسة الباحثين المهتمين
بالأشعري ومذهب الأشاعرة، وقد أثارت - ولا تزال - تثير الجدل حول نسبتها إلى الأشعري وظهورها التاريخي عما استقر عليه حاله. ومنشأ ذلك الكذب عليه من جهة محبيه، ومن جهة مبغضيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالأشعري ابتلي بطائفتين: طائفة تبغضه، وطائفه تحبه، كل منهما يكذب عليه ويقول: إنما صنف هذه الكتب تقية، وإظهاراً لموافقة أهل الحديث والسنة، من الحنابلة وغيرهم. وهذا كذب على الرجل، فإنه لم يوجد له قول باطن يخالف الأقوال التي أظهرها، ولا نقل أحد من خواص أصحابه، ولا غيرهم عنه ما يناقض هذه الأقوال الموجودة في مصنفاته، فدعوى المدعي بأنه كان يبطن خلاف ما يظهر دعوى مردودة شرعًا وعقلاً. بل من تدبر كلامه في هذا الباب - في مواضع - تبين له قطعًا أنه كان ينصر ما أظهره، ولكن الذين يحبونه ويخالفون في إثبات الصفات الخبرية يقصدون نفي ذلك عنه، لئلا يقال: إنهم خالفوه مع كون ما ذهبوا إليه من السنة، قد اقتدوا بحجته التي على ذكرها يعولون، وعليها يعتمدون. والفريق الآخر: دافعوا عنه لكونهم رأوا المنتسبين إليه لا يظهرون إلا خلاف هذا القول ولكونهم اتهموه بالتقية
(1)
. ولهذا اخترت بعد استخارة الله ـ جل وعلا ـ واستشارة عدد من العلماء
(1)
انظر مجموع الفتاوى 12/ 402.
وطلبة العلم الكتابة عن الإمام الأشعري رحمه الله من رجوعه إلى أهل السنة والجماعة وترك الاعتزال وعلم الكلام، حيث ظل الإمام الأشعري _ رحمه الله بعد رجوعه إلى الحق يدافع عن دين الله، ويؤلف في الرد على أهل الأهواء والبدع المخالفين لمذهب السلف إلى أن توفاه الله تعالى، فانتشرت كتبه في الآفاق، وتوزع تلامذته بين الأمصار ـ ولكن بعض متأخري الأشاعرة للأسف ـ خالفوا إمامهم في كثير من الأمور، وسلكوا طريقة ابن كلاب، والتي بين الأشعري في المقالات أنها ليست على طريقة أهل الحديث
(1)
، بل سار بعض أتباعه المتأخرين وهم قلة ولله الحمد، على منهج التجهم والاعتزال، والذي نسبوه ظلماً وجوراً لأهل السنة والجماعة، ولكن الحق يرفض ذلك، وكان الأحرى بهم والأولى أن يرجعوا إلى نصوص الوحيين وفهم السلف الصالح لهما، والذي تنبه له إمامهم رحمه الله في طوره الأخير، فكان الأحرى بهم إن كانوا حقاً منتسبين إليه أن يقفوا على منهجه، ويستفيدوا من كتبه وخاصة الإبانة، ورسالته إلى أهل الثغر، والمقالات وألا ينسبوا له زوراً وبهتاناً ما لم يقل به، ولتوضيح هذه الحقيقة اخترت الكتابة للإمام الأشعري ليكون موضوعاً لرسالتي وإني أسأل الله أن أكون قد وفقت فيما
(1)
انظر المقالات ص 138، 142، 144.
كتبته، وأن يكتب لهذه الرسالة القبول وأن يجعلها ذخراً لي ولجميع من وقفوا معي، أو استفادوا منها في {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [الشعراء].
أهمية البحث:
1 -
انتشار المذهب الأشعري قديماً وحديثاً، حتى أصبحت تتبناه بعض الجامعات والمعاهد المنتشرة في العالم الإسلامي.
2 -
إبراز أقوال أهل السنة والجماعة على لسان الإمام الأشعري رحمه الله أدعى لقبوله لدى المنتسبين إليه.
موضوع البحث:
موضوع البحث له علاقة وطيدة بالعقيدة؛ حيث إنّ الإمام الإشعري رحمه الله يتناول في مؤلفاته مسائل الصفات، والقدر، واليوم الآخر وما يتعلق فيه من رؤيا الرب ـ جلا وعلا ـ وإثبات الحوض، والصراط، والميزان، وعذاب القبر، والإمامة، وإثبات صحة خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم وغيرها من مسائل العقيدة، ويستدل لهذه المسائل بأدلة من الكتاب والسنة والعقل
أهداف الدراسة:
1 -
بيان آراء أبي الحسن الأشعري التي توافق أهل السنة في هذا
الكتاب، وتخالف ما عليه متأخرو الأشاعرة، وخاصة في مسائل الصفات الخبرية، والعلو، والاستواء.
2 -
إبراز وجوه الارتباط في الاستدلال عند الأشعري بين النقل والعقل.
حدود الدراسة:
دراسة حياة الإمام الأشعري رحمه الله وما مر به من أطوار.
إجراءات الدراسة:
الإجراءات التي سوف أسير عليها بإذنه تعالى في هذه الدراسة تتلخص فيما يلي:
1 -
ذكر مقدمة تبين أهمية الموضوع وخطة البحث ومنهجي فيه.
2 -
الاعتناء بعزو الآيات القرآنية بذكر اسم السورة ورقم الآية.
3 -
وأما الأحاديث والآثار فخرجتها من مصادرها الأصلية مضيفًا إلى ذلك الحكم عليهما حسب ما وقفت عليه من أقوال أهل العلم بشيء من الاختصار، وإن كان في ا لصحيحين أو أحدهما. اكتفيت بعزوه إليهما.
4 -
نسبة الأقوال إلى قائليها، وذلك بأخذ الحكم والكلام من مصادره الأصلية المعتمدة تفاديًا لحصول الخطأ وتمسكًا بمنهج البحث
السليم فإذا كان الكلام المنقول بعينه وضع بين قوسين وكتب في الهامش المرجع مباشرة، وإذا كان المقصود الإحالة أو مع شيء من الاختصار كتب في الهامش انظر.
5 -
إيضاح الألفاظ الغامضة بالرجوع إلى القواميس التي تعتني بذلك.
6 -
التعريف بالأعلام وعرفت بالبلدان الواردة في أصل الدراسة.
تصور أجزاء الدراسة،
ويشمل المقدمة والتمهيد وأربعة فصول.
المقدمة:
التمهيد ويشمل:
1 -
أهمية البحث.
2 -
موضوع البحث.
3 -
مشكلة البحث.
4 -
أهداف الدراسة.
5 -
حدود الدراسة.
6 -
الصعوبات التي واجهها الباحث.
7 -
إجراءات الدراسة.
قسم الدراسة، ويحتوي على أربعة فصول:
الفصل الأول: حياة أبي الحسن الأشعري وفيه مباحث:
المبحث الأول: اسمه ونسبه.
المبحث الثاني: كنيته ولقبه.
المبحث الثالث: ولادته تاريخها ومكانها.
المبحث الرابع: ثناء العلماء عليه.
المبحث الخامس: مذهبه الفقهي.
المبحث السادس: شيوخه.
المبحث السابع: تلاميذه.
المبحث الثامن: وفاته.
الفصل الثاني: عصره، وفيه مباحث:
المبحث الأول: الحالة السياسية.
المبحث الثاني: الحالة الاجتماعية.
المبحث الثالث: الناحية العلمية.
الفصل الثالث: تطوّر حياته العقدية والفكرية، وفيه مباحث:
المبحث الأول: طور الاعتزال.
المبحث الثاني: أسباب رجوعه عن الاعتزال.
المبحث الثالث: ما بعد مرحلة الاعتزال.
الفصل الرابع: مؤلفاته، وفيه مباحث:
المبحث الأول: المصنفات التي وصلت إلينا وبعضها مطبوع الآن.
المبحث الثاني: النسخ المخطوطة.
المبحث الثالث: المؤلفات التي لم تصل إلينا ونسبها بعض الباحثين للأشعري.
المبحث الرابع: الكتب التي ألفها من سنة 320 إلى وفاته سنة 324.
تم تذييل البحث بالفهارس التالية:
- فهرس الآيات القرآنية.
- فهرس الأحاديث النبوية.
- فهرس الآثار.
- فهرس الأعلام المترجم لهم في الحاشية.
- فهرس الفرق والطوائف والملل.
- فهرس الكلمات الغريبة
- فهرس الأماكن والبلدان.
- فهرس المراجع.
- فهرس محتويات البحث.
الفصل الأول
حياة أبي الحسن الأشعري
وفيه ثمانية مباحث
المبحث الأول: اسمه ونسبه.
المبحث الثاني: كنيته ولقبه.
المبحث الثالث: ولادته تاريخها ومكانها.
المبحث الرابع: ثناء العلماء عليه.
المبحث الخامس: مذهبه الفقهي.
المبحث السادس: شيوخه.
المبحث السابع: تلاميذه.
المبحث الثامن: وفاته.
الفصل الأول: حياة أبي الحسن الأشعري، وفيه مباحث:
المبحث الأول: اسمه ونسبه
هو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو موسى عبد الله بن قيس بن حضار الأشعري اليماني الأصل البصري المولد. أما والده، فهو أبو إسماعيل بن إسحاق كان من أهل السنة والجماعة، كما كان محدثاً، ويدل على ذلك أن والده لما حضرته الوفاة، وكان ابنه علي صغيراً، أوصى به إلى أحد أئمة الحديث، وهو الإمام زكريا بن يحيى الساجي
(1)
. ولاشك أن هذا يؤكد أن والده كان من أهل السنة والجماعة حيث قال ابن عساكر
(2)
: ذكر الإمام أبو بكر بن فورك
(3)
: أن أباه أبو بشر
(1)
هو أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن الساجي، الشافعي، كان من أئمة الحديث؛ له كتاب (اختلاف العلماء وكتاب علل الحديث) قال عنه الذهبي: الإمام الثبت الحافظ، محدث البصرة وشيخها ومفتيها، أخذ عنه أبو الحسن الأِشعري مقالة السلف في الصفات، توفي سنة (307) بالبصرة، انظر سير أعلام النبلاء (14/ 197) باختصار.
(2)
أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر الشافعي. ولد سنة (499 هـ) وكان من أئمة أهل الحديث في زمانه. توفي سنة (570) هـ في دمشق. انظر مقدمة تهذيب تاريخ دمشق (1/ 7) وانظر شذرات الذهب 6/ 395 والسير 20/ 554.
(3)
هو محمد بن الحسن بن فُوَركِ، أبو بكر الأنصاري، الأصبهاني. قال عنه الذهبي: الإمام العلامة الصالح، شيخ المتكلمين، حدث عنه أبو بكر البيهقي، وصنف التصانيف الكثيرة كان أشعرياً، رأساً في فن الكلام، روى عنه الحاكم حديثاً، وقال عنه ابن عساكر: قال عنه عبد الغفار بن إسماعيل: محمد بن الحسن بن فُوَرك أبو بكر، بلغت تصانيفه في أصول الدين، وأصول الفقه، ومعاني القرآن، قريباً من المئة، توفي سنة (406) هـ. انظر سير أعلام النبلاء (17/ 214). و تبيين كذب المفتري ص 232.
إسماعيل بن إسحاق، كان سنيًا، جماعيًا، حديثياً حيث أوصى به أبو الحسن عند وفاته إلى زكريا بن يحيى الساجي رحمه الله وهو إمام في الفقه والحديث، وله كتب منها: كتاب اختلاف الفقهاء، وكان يذهب مذهب الشافعي، وقد روى عنه الشيخ أبو الحسن الأشعري في كتاب التفسير أحاديث كثيرة ـ يعني الساجي ـ
(1)
ونسبه ينتهي إلى الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري
(1)
انظر تبيين كذب المفتري ص 35
- رضي الله عنه
(1)
. وقد طعن الحسن بن علي الأهوازي
(2)
في صحة نسبه إلى الصحابي الجليل أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه حيث قال: (ومن أعجب الأشياء أنه ليس يعرف بالبصرة إلا بابن أبي بشر، وأصحابه ينفرون من هذا الاسم ولا يصفونه به، وسمعت شيوخاً من أهل البصرة يقولون: ما فرارهم من هذا الاسم إلا لسبب؛ وذلك أن جده أبا بشر كان يهودياً أسلم على يد رجل ينسب إلى الأشعريين، فانتسب إلى ذلك. والله أعلم)
(3)
. وقد رد عليه ابن عساكر حيث قال: «إن في إطباق الناس على تسميته بالأشعري تكذيباً لما قاله هذا المفتري»
(4)
، ثم بين خطأ الطعن بالحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعوهن: التطاعن في الأنساب»
(5)
. ثم بين أن مجرد الانتساب لا ينفع إذا
(1)
هو الصحابي الجليل عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، التقى بجعفر بن أبي طالب في الحبشة ثم خرج معه إلى المدينة مسلماً. استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على زبيد، وعدن، وساحل اليمن، واستعمله عمر على الكوفة والبصرة؛ وكان من أحسن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم صوتاً، وروى له الجماعة ومناقبه وفضائله كثيرة جداً توفي رضي الله عنه سنة (42) وقيل: سنة (50) وقيل: (51) وقيل: (52) وقيل: (53) في مكة وهو ابن 63 سنة. انظر: تهذيب الكمال (15/ 446) وطبقات ابن سعد (2/ 344) وسير أعلام النبلاء (2/ 380).
(2)
هو أبو علي الأهوازي، الحسن بن علي بن إبراهيم، المقرئ المحدث، مقرئ أهل الشام، وصاحب التصانيف، قال عنه الذهبي: هو الشيخ الإمام العلامة، ولد سنة 362 هـ، وألف كتاباً طويلاً في الصفات فيه كذب، توفي ـ سامحه الله ـ سنة 446 هـ قال الزركلي: كان يحط على الأشعري قلت: وقد استطال ابن عساكر في ذمه. غفر الله للجميع. انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 13، وشذرات الذهب 5/ 199، وتبيين كذب المفتري ص 364، والأعلام للزركلي.
(3)
انظر مثال ابن أبي بشر ص 185.
(4)
انظر تبيين كذب المفتري ص 35.
(5)
أخرجه أحمد في المسند برقم (9872) وبلفظ آخر برقم (7908) كما أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز باب ما جاء في كراهية النوح حديث رقم (1001) كما أخرجه الطيالسي برقم (2395) قال عنه أبو عيسى: هذا حديث حسن، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث برقم (735)، وقال عنه شعيب: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن. انظر: الموسوعة الحديثية (15/ 539).
عُري المنتسب عن فعل الخير والاكتساب وهذا مما لا يدفع، إلا أن الأصل إذا طاب وسما زكا الفرع المنسوب إليه ونما لاسيما إذا كان الفرع طيباً في نفسه مميزاً بالصفات الحميدة عن أبناء جنسه مشهوداً له بالزكاء في نبته وغرسه مشهوراً بحسن فهمه وصحة حسه، وقد استدل بحفظ الله تعالى للأبناء كثمرة لصلاح آبائهم بقوله تعالى:{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}
(1)
كما أراد أن يبين فضل الأشعري بفضل نسبه بقوله صلى الله عليه وسلم: «الناس معادن، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا»
(2)
ثم استطرد في ذكر الأدلة في تأكيد هذا المعنى
(3)
.
قلت: والأمر لا يحتمل كل هذا فالأكرم عند الله هو الأتقى كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
(4)
. فإن انضم إلى التقى نسب شريف فنورٌ على نور، وإلا فلا يضر من لا نسب له شيء إذا كان صالحاً
(1)
سورة الكهف الآية [82].
(2)
أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قوله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} حديث رقم [3383]. وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف عليه السلام. برقم [2378].
(3)
انظر تبيين كذب المفتري من صـ (364 - 376).
(4)
سورة الحجرات، آية:13.
تقياً، وخير ما يؤكد ذلك بلال بن رباح الحبشي رضي الله عنه
(1)
، وسلمان الفارسي رضي الله عنه
(2)
. فهؤلاء الأفذاذ لم يحظوا بنسب عريق لكنهم حظوا بصحبة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
(1)
هو بلال بن رباح الحبشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووالدته حمامه، اشتراه الصديق رضي الله عنه من أمية بن خلف عندما كان يعذبه، فأعتقه فلازم بلال بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأذن له وشهد معه جميع المشاهد، وكان خازن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات رضي الله عنه بالشام زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في طاعون عمواس وقيل مات سنة [26]. انظر الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 455) وأسد الغابة ترجمة (493).
(2)
هو سلمان أبو عبد الله الفارسي ويقال له: سلمان ابن الإسلام وسلمان الخير، قيل أصله من أصبهان، قال ابن عبد البر: يقال إنه شهد بدراً، وكان عالماً زاهداً، ذكر البخاري أنه تداوله بضعة عشر سيداً. اختلف في عمره اختلافاً كثيراً، وقال الذهبي: ظهر لي أنه مازاد عن الثمانين، آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي الدرداء، قيل مات سنة [36] هـ وقيل [37]. انظر الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 118). وسير أعلام النبلاء (1/ 505) وأسد الغابة (2/ 417) ترجمة (2149).
المبحث الثاني
كنيته ولقبه
كان يكنى بأبي الحسن، ويلقب بالأشعري، واختلف في سبب تسميته بالأشعري إلى قولين:
القول الأول: لأن والدته ولدته والشعر على بدنه وقد أوردها ابن خلكان
(1)
حيث قال: «وإنما قيل له أشعر، لأن أمه ولدته، والشعر على بدنه. ثم قال: هذا ما قاله السمعاني
(2)
والله أعلم»
(3)
وقد أشار بعض الباحثين إلى استبعاد هذه الرواية لما يلي:
(1)
هو: أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان ولد سنة [608] هـ تولى قضاء الشام وسكن مصر له كتاب جليل القدر وهو وفيات الأعيان. قال عنه الذهبي: كان إماماً فاضلاً، متقناً، عارفاً بالمذاهب، توفي في رجب سنة [681]. انظر: شذرات الذهب (7/ 647)، ومقدمة وفيات الأعيان (1/ 5).
(2)
هو: عبد الكريم بن محمد بن منصور بن محمد تاج الإسلام السمعاني المروزي، ولد بمرو سنة [506] هـ تتلمذ على عدد كبير من أهل العلم حتى أوصلهم ابن خلكان إلى أكثر من (4000) بل عدهم البعض إلى (7000) من مؤلفاته (معجم البلدان)، (ومعجم الشيوخ) و (الأنساب) من أبرز تلامذته الحافظ ابن عساكر وأبو المظفر السمعاني، توفي رحمه الله بمرو سنة (562) هـ. انظر سير أعلام النبلاء (20/ 456). ومقدمة كتابه الأنساب (1/ 3).
(3)
وفيات الأعيان (3/ 285).
1 -
أن العقل يستبعد أن يولد الطفل والشعر على بدنه.
2 -
أن الرواية التي ذكرت الخبر وردت بصيغة التمريض.
3 -
أن رواية السمعاني لم يقتنع بها ابن خلكان فهو يلقي تبعة القول على السمعاني ولحقه بعبارة «هذا ما قاله السمعاني والله أعلم» والعبارة ظنية
(1)
. قلت: ولكني رجعت إلى قول الإمام السمعاني، فوجدته يتحدث عن أصل القبيلة وليس عن شخص أبي الحسن الأشعري رحمه الله -حيث قال: والأشعري هو نبت بن أدد. قال ابن الكلبي
(2)
: «وإنما سمي الأشعر بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ: الأشعر، لأن أمه ولدته وهو: أشعر، والشعر على كل شيء منه، فسمي الأشعري
(3)
. وهذا يدل على أن قول السمعاني ليس المقصود به أبا الحسن، كما أن هذا القول هو قول الكلبي، وليس قول السمعاني، كما أن العقل لا يستبعد أن يولد الطفل وعليه شعر.
(1)
انظر نشأة الأشعرية وتطورها صـ 168.
(2)
محمد بن السائب أبو النظر الكلبي الكوخي، الإخباري، النسابة، صاحب كتاب الجمهرة في النسب، مصنفاته تزيد على مائة وخمسين. من مصنفاته: التاريخ، والأخبار. وكان حافظاً علامة إلا أنه متروك الحديث، روى عن أبيه وعمه مجالد. توفي عام 204 هـ انظر شذرات الذهب 3/ 27 والأعلام 8/ 54. ووالده محمد بن السائب الكلبي المفسر المتوفى سنة 146 هـ حيث كان من أصحابه: عبد الله بن سبأ ذكرت هذا من قبيل التبيين.
(3)
انظر الأنساب 1/ 173.
القول الثاني: أنه نسبه إلى جده المجاهر بن الأشعر، والأشعر من أهل اليمن وقد أطال ابن عساكر في الحديث عن نسبه
(1)
.
الترجيح: أنه لقب بذلك بسبب انتسابه لقبيلة أشعر
(2)
لأن من قدح بذلك ليس معه دليل.
أما
ألقابه
وكناه: فله عدة ألقاب أشهرها:
1 -
أبو الحسن وهو الأشهر عند عامة أهل العلم.
2 -
ناصر الدين: حيث قال ابن عساكر بأنه نودي على جنازته بناصر الدين
(3)
.
3 -
إمام المتكلمين: حيث قال الذهبي
(4)
في ترجمته: العلامة إمام
(1)
انظر تبيين كذب المفتري من صـ 34 وما بعدها.
(2)
قبيلة مشهورة من اليمن تنتسب إلى الأشعر وهو: نبت بن أود، بن زيد بن يشخب بن غريب بن زيد بن كهلان بن سبا. انظر الأنساب للسمعاني 1/ 173.
(3)
انظر تبيين كذب المفتري (صـ 147).
(4)
هو الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايمان بن عبد الله الذهبي، ولد في عام 673 هـ كان من أسرة تركمانية الأصل، تتلمذ على يد شيخ الإسلام ابن تيمية وعلى جمال الدين المزي والبرزالي وغيرهم. وقد أحبه شيخ الإسلام - «وحق له ذلك» ، ومن أهم كتبه ومؤلفاته: تاريخ الإسلام، وسير أعلام النبلاء، والمستدرك على مستدرك الحاكم، والموقظة على مصطلح الحديث والعلو للعلي الغفار، حتى أوصلها بعض الباحثين إلى مائتين وأربعة عشر مؤلفاً. توفي رحمه الله سنة 748 هـ. انظر الترجمة الوافية في مقدمة سير أعلام النبلاء 1/ 12 - 90.
المتكلمين
(1)
، كما وصفه بذلك ابن خلدون
(2)
عندما قال: إمام المتكلمين
(3)
.
4 -
ناصر السنة
(4)
. وله ألقاب أخرى منها: إمام أهل السنة، وقدوة أهل السنة. ولكن من النادر أن يعرف الأشعري باسمه الحقيقي (علي) حيث لا يوجد هذا الاسم إلا في كتب التراجم، أما ما عدا ذلك فلا يذكر إلا بلقبه أو كنيته.
(5)
(1)
انظر سير أعلام النبلاء (15/ 85).
(2)
هو: ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد الحضري الأشبيلي ولد سنة 732 في تونس، برع في الأدب والكتابة، تولى قضاء المالكية في القاهرة، وقد سجن عدة مرات في عدد من البلدان. من أهم كتبه: التاريخ الكبير، والمقدمة. توفي في رمضان سنة 808 انظر: شذرات الذهب 9/ 114 والأعلام 3/ 330.
(3)
انظر مقدمة ابن خلدون ص 435.
(4)
إتحاف السادة المتقين 2/ 4.
(5)
للمزيد في هذه المسألة. انظر كشف الظنون (1/ 440). وصبح الأعشى (1/ 454).
المبحث الثالث
ولادته: تاريخها، ومكانها
اختلف المترجمون للأشعري في تحديد سنة ولادته، فقيل ولد سنة [260] هـ وقد انتصر لهذا القول ابن عساكر حتى قال: لا أعلم لقائل هذا القول في تاريخ مولده مخالفاً
(1)
. في حين ذكر ابن خلكان بأن هناك قولاً بأن ولادته سنة [270] هـ
(2)
. وأما المقريزي
(3)
فقد ذكر بأن ولادته سنة [266] هـ
(4)
. ولعل الأقرب في تاريخ ولادته هو ما ذكره ابن عساكر، بل وعليه أغلب المصادر القديمة. وقال الزبيدي
(5)
: (قيل: ولد
(1)
انظر تبيين كذب المفترى صـ (146)، والمنتظم لابن الجوزي 14/ 29.
(2)
انظر وفيات الأعيان (3/ 284).
(3)
وهو تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر العبيدي المقريزي قال عنه ابن العباد: الإمام العالم البارع، عمدة المؤرخين وعين المحدثين. ولد سنة [761] هـ في القاهرة، وكان يميل إلى المذهب الظاهري. له العديد من المؤلفات ومن أبرزها (الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية)(والسلوك في معرفة دول الملوك) توفي بالقاهرة عام [845] هـ انظر شذرات الذهب (9/ 370).
(4)
الخطط 3/ 314.
(5)
محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني الزبيدي، أبو الفيض، الملقب والمعروف بمرتضى، علامة باللغة والحديث والرجال والأنساب، من كبار المصنفين. أصله من واسط في - العراق - ولد في بلجرام إحدى مدن الهند عام 1145 ونشأ في زبيد - إحدى مدن اليمن - رحل إلى الحجاز وأقام في مصر - من أهم كتبه - تاج العروس في شرح القاموس طبع في عشرة مجلدات، وكذلك كتاب إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين، وأسانيد الكتب الستة، وله عدة مؤلفات قيمة. توفي في مصر عام 1205. انظر: الأعلام للزركلي 7/ 70.
سنة ستين ومائتين. وقيل: سنة سبعين ومائتين، والأول أشهر)
(1)
. أما مكان ولادته ففي مدينة البصرة ولم أجد في ذلك مخالفاً بأنها كانت في البصرة
(2)
.
(1)
انظر إتحاف السادة المتقين 2/ 4.
(2)
هي مدينة في العراق، أنشئت في أيام عمر رضي الله عنه سنة سبع للهجرة ـ وقد اشتق اسمها من الحجارة السوداء، وسرعان ما اتسعت هذه المدينة فإذا هي والكوفة تصبحان من عواصم العراق الجديدة، وقد اشتهرت في كل الأزمنة بأنهارها، وتشتهر الآن بصناعة الحديد والصلب واستخراج البترول وتكريره. انظر بلدان الخلافة الشرقية ص 64 ـ 67، وموسوعة المدن العربية ص 233.
المبحث الرابع
ثناء العلماء عليه
1 -
(1)
. وقال أيضاً: «ولأبي الحسن ذكاء مفرط، وتبحر في العلم، وله أشياء حسنة، وتصانيف جمة تقضي له بسعة العلم»
(2)
.
2 -
قال بكر الصيرفي
(3)
: «كانت المعتزلة
(4)
قد رفعوا رؤوسهم حتى
(1)
انظر سير أعلام النبلاء 15/ 86، وانظر العلو 2/ 1255.
(2)
سير أعلام النبلاء 15/ 87، وانظر: العلو 2/ 1255.
(3)
هو المحدث الإمام أبو أحمد بكر بن محمد حمدان المروزي الصيرفي، سمع من عدد من المحدثين كعبد الصمد بن الفضل، وأبي حاتم الرازي، وروى عنه ابن عدي والحاكم وابن مندة، مات في بخارى سنة [345] هـ. انظر سير أعلام النبلاء (15/ 555).
(4)
المعتزلة هي فرقة من الفرق الإسلامية، ويسمون بأصحاب العدل والتوحيد ويلقبون بالقدرية والعدلية وقد ظهرت هذه الفرقة في زمن الحسن البصري عندما حدث الخلاف بينه وبين واصل بن عطاء في قضية القدر والمنزلة بين المنزلتين، وقيل لهم معتزلة لاعتزالهم قول الأمة في دعواهم أن الفاسق من أمة الإسلام لا مؤمن ولا كافر. والمعتزلة هم أرباب الكلام وأصحاب الجدل، ويقولون إنهم سموا معتزلة لأن الحسن بن علي رضي الله عنهما عندما بايع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما سلم إليه الأمر، اعتزلوا الحسن ومعاوية - عليهما رضوان الله - وجميع الناس، وذلك أنهم كانوا من أصحاب علي، ولزموا منازلهم ومساجدهم، وقالوا: نشتغل بالعلم والعبادة، فسموا بذلك معتزلة؟! وهذا غير صحيح وإنما قيل لتحسين صورتهم، اوالأول أشهر وأصوب. والمعتزلة عشرون فرقة وقيل ثماني عشرة فرقة وهم: الجبائية، والضرارية، والجاحظية، والهذيلية، والنظامية، والعطائية، والبهنسية، والقوطية، والقصبية، والهابطية، والرعينية، والميسوية، والبعجورية، والعبادية، والمعمرية، والإسكافية، والمقبورة، والغفارية، وهذه الفرقة الضالة هي التي ابتدعت القول بخلق القرآن، وقد اتفقت جميع طوائف المعتزلة على نفي رؤية الله - تعالى - بالأبصار في دار القرار، وعلى أن العبد قادر وخالق لأفعاله خيرها وشرها، وعلى أن المؤمن إذا مات من غير توبة عن كبيرة فعلها استحق الخلود في النار، وكم من مصائب وبلايا. وأصولهم خمسة:
1/ العدل، 2/ التوحيد، 3/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 4/ المنزلة بين المنزلتين،
5/ الوعد والوعيد.
انظر الملل والنحل صـ (39) والفرق بين الفرق صـ 15 والمعتزلة وأصولهم الخمسة صـ 14 وعقائد الثلاث والسبعين فرقة 1/ 325 - 441 والتبيين والرد ص 49.
أظهر الله الأشعري فحجزهم في أقماع
(1)
السمسم»
(2)
قلت: ومعه في هذا الوجه حق فمن قرأ الإبانة علم مدى قوة حججه العقلية والنقلية.
3 -
قال القاضي عياض رحمه الله
(3)
: «وصنف لأهل السنة
(1)
القمع: هو ما التزق بأعلى العنب والتمر ونحوهما. انظر: لسان العرب 8/ 295 مادة قمع. وضربه على سبيل التشبيه لما فعله الأشعري بالمعتزلة فكأنه حشرهم في مكان ضيق كقمع السمسم. ولم أجد لهذا التشبيه مثالاً عند العرب، حيث رجعت إلى أمثلتها وسألت بعض أهل الاختصاص فلم أجد جواباً أكثر مما ذكرته، والله أعلم.
(2)
انظر تاريخ مدينة السلام للبغدادي 13/ 261. انظر الأنساب (1/ 174) وسير أعلام النبلاء (15/ 86) وطبقات الشافعية 3/ 349.
(3)
هو الإمام العلامة شيخ الإسلام، القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي، ثم السبتي المالكي، ولد سنة 476 هـ اهـ. وتوفي سنة 544 هـ.
وقال عنه ابن العماد: كان عديم النفير، شديد التعصب للسنة والتمسك بها، حتى أمر بإحراق كتب الغزالي لأمر توهم منها ا. هـ. له مؤلفات منها: الشفاء، وترتيب المدارك والإكمال في شرح صحيح مسلم. انظر سير أعلام النبلاء 20/ 212 وما بعدها وشذرات الذهب 6/ 226.
التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنة وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى ورؤيته وقدم كلامه وقدرته، وأمور السمع الواردة من الصراط، والميزان، والشفاعة، والحوض، وفتنة القبر التي نفتها المعتزلة، وغير ذلك من مذاهب أهل السنة والحديث، فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية، ودفع شبه المبتدعين ومن بعدهم من الملحدة والرافضة، وصنف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة»
(1)
4 -
والسبكي
(2)
رحمه الله حيث قال: «شيخنا وقدوتنا إلى الله
(1)
ترتيب المدارك 5/ 24.
(2)
هو قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الشافعي، ولد بالقاهرة سنة [727] هـ قرأ على المزي ولازم الذهبي، وذكره الذهبي في المعجم الكبير وأثنى عليه، وقال ابن كثير: جرى عليه من المحن والشدائد مالم يجر على قاض قبله، وحصل له من المناصب مالم يحصل لأحد قبله، من كتبه:(شرح مختصر ابن الحاجب، وشرح منهاج البيضاوي). مات سنة 771 هـ ووالده تقي الدين السبكي الذي ألف كتاب (شفاء السقام في زيارة خير الأنام)، ورد عليه ابن عبد الهادي رحمه الله في (الصارم المنكي في الرد على السبكي) انظر في ترجمته شذرات الذهب (8/ 378). والدرر الكامنة (2/ 425) وطبقات الشافعية (4/ 256).
تعالى الشيخ أبو الحسن الأشعري البصري، شيخ طريقة أهل السنة والجماعة، وإمام المتكلمين وناصر سنة سيد المرسلين، والذاب عن الدين، والساعي في حفظ عقائد المسلمين، سعياً يبقى أثره إلى يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين. إمام حبر، وتقي بر، حمى جناب الشرع من الحديث المفترى، وقام في نصرة ملة الإسلام فنصرها نصراً مؤزراً»
(1)
.
5 -
وقال تقي الدين ابن قاضي شهبة
(2)
: «إمام المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين، والذاب عن الدين والمصحح لعقائد المسلمين»
(3)
.
6 -
وقال الباقلاني
(4)
: «أفضل أحوالي أن أفهم كلام الشيخ أبي الحسن،
(1)
طبقات الشافعية الكبرى (3/ 347).
(2)
هو أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب الأسدي شمس الدين بن قاضي شهبة. ولد سنة 691 هـ، كان معروفاً بمعرفة الفقه والنحو. من أهم كتبه:(طبقات الشافعية، وشرح التبيين، وشرح المنهاج للنووي، والإعلام بتاريخ الإسلام، ومختصر تهذيب الكمال للمزي، والمنتقى من الأنساب للسمعاني). توفي سنة [851] هـ رحمه الله. انظر الدرر الكامنة (4/ 110) والنجوم الزاهرة (7/ 314) ومقدمة كتاب طبقات الشافعية (1/ 19).
(3)
انظر طبقات الشافعية (1/ 114).
(4)
هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن شعفر البصري البغدادي الباقلاني، تاريخ ولادته مجهول، ولد بالبصرة وكان من المتكلمة، تتلمذ على عدد من تلاميذ أبي الحسن الأشعري وهم: أبو الحسن الباهلي، ومحمد الشيرازي، ومحمد بن يعقوب الطائي، كما تتلمذ على أبي ذر الهروي، وابن اللبان، وأثنى عليه عدد من العلماء كالذهبي، حيث قال عنه: الإمام العلامة أوحد المتكلمين ومقدم الأصوليين، ثقة إمام بارع مؤلفاته تبلغ (55) مؤلفاً ومن أهمها: التمهيد ورسالة الحرة والإبانة عن إبطال مذهب أهل الكفر والضلالة، وشرح اللمع لأبي الحسن الأشعري. انظر سير أعلام النبلاء (17/ 190) ومعجم المؤلفين (10/ 109).
وكان لا يتكلم في علم الكلام إلا حيث وجب عليه نصرة الحق»
(1)
. وقال الخطيب البغدادي
(2)
: «أبو الحسن الأشعري، المتكلم، صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة
(3)
، والجهمية
(4)
وغيرهم من المعتزلة
(1)
انظر طبقات الشافعية (1/ 114/ 115).
(2)
الإمام الأوحد، العلامة المفتي، الحافظ الناقد، محدث الوقت أبو بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، صاحب التصانيف، وخاتمة الحفاظ، ولد سنة 392 هـ قال عنه أبو إسحاق الشيرازي: إن الخطيب يشبه بالدار قطني في معرفة الحديث وحفظه من أهم كتبه: تاريخ بغداد والجامع والكفاية والرواة عن مالك والفقيه والمتفقه. مات رحمه الله وعمره ثلاث وسبعون سنة. انظر سير أعلام النبلاء (18/ 270) والنجوم الزاهرة (5/ 87).
(3)
الإلحاد: هو مذهب فلسفي يقوم على فكرة أساسها إنكار وجود الله عز وجل يدعي الملاحدة أن الكون وجد بلا خالق، وبأن المادة أزلية أبدية، وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت، وله في القديم مسميات كالزندقة، والدهرية والذي وصفهم الله عز وجل بقوله تعالى:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24]. وهم دهريون كما قال اليمني: وأما الدهرية، فإنهم ينفون الربوبية، ويحيلون الأمر والنهي وينكرون جواز الرسالة ويجعلون الطينية قديمة، ويجحدون العقاب ولا يعرفون الحلال ولا الحرام، [ولا يقرون] في جميع العالم [برهانا] يدل على صانع ولا مصنوع، وخالق ومخلوق، تعالى الله عن إفك الكل، وعصمنا عن الأباطيل برحمته. انظر عقائد الثلاث والسبعين فرقة لأبي محمد اليمني 2/ 767. انظر: الفصل 1/ 47 - 54 والملل والنحل 2/ 215 وعقائد الثلاث والسبعين فرقة 2/ 767 والموسوعة الميسرة 2/ 813 وكواشف زيوف 433.
(4)
الجهمية: هم أصحاب جهم بن صفوان السمرقندي، أبو محرز من موالي بني راسب، رأس الجهمية الضال المبتدع، هلك في زمن صغار التابعين، وقد زرع شراً عظيماً، قتله مسلم بن أحوز المازني بمرو - مدينة تقع في تركستان على مصب نهر مرغاب - أحد قادة مضر بن سيار. والجهمية من الجبرية الخالصة وظهرت بدعتهم بسمرقند - إحدى مدن أوزبكستان على الحدود الأفغانية. وافق جهم وأتباعه المعتزلة في نفي الصفات الأزلية، وزاد عليهم بأشياء منها:
1 -
لا يجوز أن يوصف الباري بصفة يوصف بها خلقه؛ لأن ذلك يقتضي تشبيهاً؛ فنفى كونه: حياً، عالماً، وأثبت كونه: قادراً، فاعلاً، خالقاً، لأنه لا يوصف شيء من خلقه: بالقدرة، والفعل، والخلق.
2 -
إثبات علوم حادثة للباري - تعالى - لا في محل؛ قال: لا يجوز أنه يعلم الشيء قبل خلقه.
3 -
ويقول في القدرة الحادثة: إن الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة؛ وإنما هو مجبور على أفعاله: لا قدرة له، ولا إرادة، ولا اختيار.
4 -
ومنها قوله: إن حركات أهل الخلد لن تنقطع، والجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما فيهما.
5 -
ومنها قوله: من أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه لم يكفر بجحده؛ لأن العلم والمعرفة لا يزولان بالجحد.
وهو ينفي الرؤيا ويقول: بأن القرآن مخلوق. ولهذه الفرقة الضالة طوام أخر. انظر الملل والنحل للشهرستاني ص 67، 68، 69، وعقائد الثلاث وسبعين فرقة 1/ 273، و 1/ 296 والفرق بين الفرق 158 والتبيين والرد ص 110 ومقالات الإسلاميين ص 219.
والرافضة
(1)
،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
الرافضة: سموا بهذا الاسم لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقيل: بل لرفضهم مقالة زيد بن علي رضي الله عنهما، حيث تولى أبو بكر وعمر، وذلك أن جماعة منهم أتوا إليه فقالوا: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيراً، فقالوا: فكيف وقد نازعوكم أمركم؟ قال: ما سمعت أحداً من أهل بيتي يذكرهما إلا بخير، فرفضوا مقالته وتفرقوا عنه، فلما أدبروا رفع يده إلى السماء فقال: اللهم اجعل لعنتي ولعنة آبائي عليهم فإنهم رفضوني، كما رفضت الخوارج علياً رضي الله عنه فسُموا بذلك رافضة، وهم شرار هذه الأمة. وظهرت فرقة السبيئة في زمن علي رضي الله عنه وقالوا لعلي: أنت الله ـ تعالى ربنا عما قالوا علواً كبيراً ـ فأحرق علي قوماً منهم ونفا ابن سبأ إلى المدائن، ثم افترقت بعد زمن علي رضي الله عنه إلى أصناف:
1 -
الزيدية: ومن فرق الزيدية: الجارودية، السليمانية.
2 -
الإمامية ومن فرقها: الكاملية، والمحمدية، والباقرية، والعمارته، والناووسية، والشميطية، والإسماعيلية، والمباركية، والموسوية، والقطعية، والاثنا عشرية، والهاشمية، والزرادية، والبوتسية، والسيطانية.
4 -
الكيسانية.
ومن الرافضة ظهرت الفرق الباطنية. انظر للمزيد عقائد الثلاث والسبعين فرقة 1/ 446، 449 والملل والنحل 1/ 417، 159 والفرق بين الفرق ص 22 حتى 49 ومقالات الإسلاميين من صـ 25 إلى 82 والتنبيه والرد ص 29 - 48.
والخوارج
(1)
، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
هم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه يوم الحكمين حيث كرهوا الحكم والتحكيم، وهم الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم:«إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» أخرجه البخاري في كتاب استتابة المرتدين حيث رقم (6934) ومسلم في كتاب الزكاة، باب التحريض على مثل الخوارج 7/ 169 ومعنى يمرقون من الدين: أي يجوزونه ويتعدونه، كما يخرق السهم الشيء والمرمي به ويخرج منه. انظر النهاية في غريب الحديث 4/ 320. وكل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت عليه الجماعة يسمى خارجياً؛ سواء كان الخروج في أيام الصحابة، أو كان بعدهم على التابعين؛ والأئمة في كل زمان والخوارج من أضل فرق الأمة وأجمعت ـ قطع الله دابرها ـ على تكفير علي رضي الله عنه واختلفوا هل كفره يزل أم لا؟ وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر، إلا النجدات فإنها لا تقول بذلك. وأجمعوا على أن الله سبحانه وتعالى يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائمًا إلا النجدات. وقد افترقت الخوارج إلى طوائف وفرق منهم الأزارقة، والإباضية، والغونية، والمطبخية، والأخنسية، والشمراخية، والبكارية، والمعلومية، واليزيدية، والبكرية، والعبدلية، والمغالية، والصلتية، والميمونية، والحمزية، والخلفية، والأطرافية، والشعبية، والحازمية، والثعالبة، والمعيدية، والرشيدية، والسيانية، والمكرمية، والإباضية، والحفصية والحارنية. وكل فرقة من هذه الفرق منسوبة إلى شيخها ومصنف كتبها. وللخوارج ألقاب منها: الحرورية، السواة، المارقة، المحكمة، وهم يرضون الألقاب كلها،! إلا المارقة، فإنهم ينكرون أن يكونوا مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية. وللخوارج من الطوام القول بخلق القرآن، ومن نظر إلى امرأة أجنبية أو قبلها فهو مشرك، بل تمادى نافع بن الأزرق وقال بإباحة قتل الأطفال والعميان والعرجان والعجائز والمرضى، واستحلوا الأمانات. للمزيد من الفائدة انظر مقالات الإسلاميين من 84 - 113 والملل والنحل من 91 - 109 وعقائد الثلاث والسبعين فرقة 1/ 18 - 42 والفرق بين الفرق 49 - 78 والتنبيه والرد ص 62 - 68. وهناك رسالة دكتوارة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، قد طبعت ولله الحمد وهي بعنوان: الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية لعلي بن علي عواجي.
وسائر أصناف المبتدعة»
(1)
. وقال ابن تغري بردي
(2)
: «أبو الحسن،
(1)
انظر تاريخ مدينة الإسلام 13/ 260.
(2)
هو: جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي الرومي الحنفي، ولد سنة 812 في مصر وتوفي فيها سنة 874، تتلمذ على يد المقريزي والعيني، ويعد من كبار المؤرخين. ومن أهم كتبه: المنهل الصافي، والمستوفي بعد الوافي، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، وحوادث الدهور في مدى الأيام والشهور، والبشارة في تكملة الإشارة، وحلية الصفات في الأسماء والصناعات، وأجازه الإمام ابن حجر رحمه الله. انظر شذرات الذهب 9 - 472 والبدر الطالع 2/ 351 ومقدمة النجوم الزاهرة 1/ 3.
صاحب التصانيف في الكلام والأصول والملل والنحل»
(1)
(2)
. وقال الزبيدي: «أبو الحسن الأشعري الإمام الناصر للسنة إمام المتكلمين»
(3)
. وقال ابن العماد الحنبلي
(4)
: «الإمام العلامة، البحر الفهامة، أبو الحسن الأشعري، صاحب المصنفات، ومما بيض به وجوه أهل السنة النبوية، وسود به رايات أهل الاعتزال والجهمية، فأبان به وجه الحق الأبلج ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج، مناظراته مع شيخه الجبائي
(5)
، التي بها قصم ظهر
(1)
انظر النجوم الزاهرة 3/ 298.
(2)
انظر وفيات الأعيان 3/ 284، 285.
(3)
إتحاف السادة المتقين 2/ 4.
(4)
هو أبو الفلاح: عبد الحي بن أحمد بن محمد العكبري الدمشقي الصالحي الحنبلي المعروف بابن العماد ولد في صالحية دمشق، سنة 1032 هـ وتوفي في مكة بعد أداء الحج عام 1089 وقد ترك بعده ثروة من الكتب من أهمها:(بقية أولي النهى في شرح المنتهى) حيث شرح فيه كتاب منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح والزيادات و (شذرات الذهب في أخبار من ذهب) انظر معجم المؤلفين 5/ 107 والأعلام 3/ 290.
(5)
هو: أبو علي، محمد بن عبد الوهاب البصري. شيخ المعتزلة. كان مبتدعاً ضاراً ويقف في أبي بكر وعمر: أيهما أفضل؟ من كتبه «الأصول» «النهي عن المنكر» «التعديل والتجويز» مات في البصرة سنة 303 وابنه شيخٌ للمعتزلة وهو أبي هاشم الجبائي. انظر سير أعلام النبلاء 14/ 183 وشذرات الذهب 4/ 18 الفهرست 213.
كل مبتدع ومراءٍ، ثم ذكر قصة المناظرة
(1)
، ثم قال: ولهذه المناظرة دلالة على أن الله - تعالى - خص من شاء برحمته، وخص آخر بعذابه، وإلى أبي الحسن انتهت رئاسة الدنيا في الكلام، وكان في ذلك المقدم المقتدى الإمام»
(2)
. قلت: ولاشك بأن هناك مبالغات في مدحه رحمه الله والثناء عليه وإعطائه منزلة أعلى من منزلته ومثال ذلك السبكي عندما بالغ في مدحه وذكر عنه: «أنه مكث عشرين سنة يصلي الصبح بوضوء العتمة»
(3)
وهذا الخبر لا يشك عاقل بعدم صحته بل ومخالفته للسنة النبوية، فالرسول صلى الله عليه وسلم حذر من مثل هذه الأعمال، فقال:«أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»
(4)
. والأحاديث في مثل هذا المعنى كثيرة، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ويرقد فهل يسوغ لأحد مخالفته؟ لاشك بأن هذه مبالغة ومناقب لا تعلي من قدره؛ لأن فيها مخالفة للسنة. ومن هذه المبالغات قول السبكي: «وكانت نفقته في كل سنة سبعة عشر
(1)
انظر ص 123 من هذه الرسالة.
(2)
انظر شذرات الذهب 4/ 129، 131.
(3)
طبقات الشافعية 13/ 351
(4)
أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، حديث رقم 5063 ومسلم في كتاب النكاح باب استحباب النكاح حديث رقم 1401.
درهماً، كل شهر درهم وشيء يسير»
(1)
وهذا الرقم لا يصدقه عقل ولا يقبل به عاقل، بل بالغ رحمه الله عندما قال:(واعلم أنا لو أردنا استيعاب مناقب الشيخ لضاقت بنا الأوراق، وكلت الأقلام، ومن أراد معرفة قدره، وأن يمتلئ قلبه من حبه، فعليه بكتاب «تبيين كذب المفتري، فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري» الذي صنفه الحافظ ابن عساكر، وهو من أجل الكتب وأعظمها فائدة، وأحسنها. فيقال: كل سُنِّي لا يكون عنده كتاب «التبيين» لابن عساكر فليس من أمر نفسه على بصيرة. ويقال: لا يكون الفقيه شافعياً على الحقيقة حتى يحصل كتاب «التبيين» لابن عساكر. وكان مشيختنا يأمرون الطلبة بالنظر فيه)
(2)
. قلت: وهذه من المبالغات العظيمة، فالذي تضيق الأوراق عن مدحه وتكل الأقلام هو: رسول الله صلى الله عليه وسلم. بل ومن المؤسف أنه قيد السنية بكتاب التبيين، وهذا أمر عجيب وتحكم غريب أن يوصف الإنسان بالسنية ويحكم عليه من خلال اقتناء كتاب من كتب المناقب، وبخاصة أن هناك من قدح بالكتاب وانتقده، فها هو أحد الأشاعرة يقول منتقداً: «وكتاب ابن عساكر هذا هو أوسع المصادر لدينا عن الأشعري، إلا أنه ملئ بالبشارات والرؤى والأشعار، مما يجعله بعيد الصلة عن المنهج العلمي، ولذلك يجب أن نأخذ ما يقوله ابن عساكر بحذر، فهو كتاب في المناقب
(1)
الطبقات 3/ 351.
(2)
طبقات الشافعية 3/ 351، 352.
يصدر فيه كاتبه عن حب شيخه، ويلجأ إلى أساليب الرؤى والبشارات في تأييد أقواله، وهي ليست أساليب علمية»
(1)
قلت: كيف يجعل كتاب التبيين علامة على السنية وعلى الفقه؟ وهو كتابُ ترجمه كُلُّه مدح وثناء، وقدح بالمخالف. ثم ماذا يكون مصير من لم يعرف الأشعري رحمه الله؟ وكما قال المقبلي
(2)
: «فليت شعري كيف حال من تقدم الأشعري ومن لا يعلم بوجود الأشعري؟ وليته جعل ذلك في الشافعي
(3)
، أو مالك
(4)
،
(1)
نشأة الأشعرية وتطورها ص 167.
(2)
صالح بن مهدي بن علي بن عبد الله بن سليمان بن أسعد بن منصور المقبلي ثم الصنعاني ثم المكي ولد سنة 1047 هـ في قرية المقبل في الشمال الغربي من مدينة صنعاء في اليمن وتوفي في مكة عام 1108 كان بارعاً في جميع العلوم ملتزماً بالدليل نابذاً التقليد، ومن مؤلفاته: حاشية البحر الزخار، والعلم الشامخ الذي اعترض فيه على الصوفية وعلماء الكلام، وكان يجمل كتبه ببعض الأشعار. انظر البدر الطالع 1/ 288 ترجمة 204 والأعلام 3/ 197.
(3)
الشافعي: هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ينتهي نسبه إلى عبد مناف بن قصي حيث يجتمع مع الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الجد فهو ابن عم رسول الله. ولد سنة (150 هـ) وهو الإمام عالم العصر ناصر الحديث فقيه الملة تلقى العلم عن عدد كبير، منهم سفيان بن عيينة حدث عنه الحميدي والإمام أحمد بن حنبل وخلق كثير، صنف التصانيف في الأصول والفروع ومن أهم كتبه «الأم» أثنى عليه عدد كبير من أهل العلم، وله ديوان مطبوع توفي رحمه الله سنة (204 هـ).
انظر: طبقات الفقهاء للشافعيين (1/ 19/ 77)، وسير أعلام النبلاء 10/ 5).
(4)
مالك: هو الإمام شيخ الإسلام إمام دار الهجرة، مالك بن أنس بن مالك الأصبحي. ولد رحمه الله سنة (93)، تلقى العلم عن نافع والزهري وخلق عظيم، وروى عنه يحيى بن كثير ويحيى بن سعيد وخَلق، قال الشافعي:(إذا ذُكِرَ العلماء فمالك النجم)، أَلّف الموطأ رحمه الله بطلب من الخليفة. توفي رحمه الله سنة (179 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء (8/ 48). وانظر ترتيب المدارك (1/ 44 ـ 129).
أو البخاري، أو أحد من ذلك النمط الرفيع، الطراز البديع. وأما الأشعري فأين أثره الصالح في الكتاب والسنة الذي انتفع به منتفع، واهتدى به متبع، ثم ذكر بعضاً من أخطاء الأشعري»
(1)
قلت: ولا شك أن هناك من أثنى على الأشعري وهناك من ذمه، وهو كما قال شيخ الإسلام:«الأشعري ابتلي بطائفتين: طائفة تبغضه، وطائفة تحبه، كل منهما يكذب عليه، فكل يبالغ في ذلك»
(2)
، قلت: والمفروض العدل والإنصاف، فابن عساكر بالغ في المدح، والمقبلي أنقص من قدر الإمام، والإنصاف والعدل عزيز.
(1)
انظر العلم الشامخ 289، 290.
(2)
انظر الفتاوى 12/ 204.
المبحث الخامس
مذهبه الفقهي
اختلف في مذهبه الفقهي إلى عدة أقوال:
1 -
القول الأول: إنه حنفي
المذهب
(1)
.
حيث ذكر عبد القادر القرشي
(2)
: أنَّ علي بن إسماعيل، الإمام الكبير، والذي إليه تنسب الطائفة الأشعرية كان حنفياً وذكر قول مسعود ابن شيبة
(3)
: بأنه كان حنفي المذهب، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
نسبة للإمام أبي حنيفة، وهو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي الكوفي، ولد سنة ثمانين للهجرة رأى أنساً لما قدم عليهم الكوفة، قال عنه الذهبي: الإمام فقيه الملة عالم العراق، روى عن عطاء بن أبي رباح ونافع وغيرهم كثر، ثم قال عني بطلب الآثار، أما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك، حدث عنه خلق منهم إسماعيل الصيرفي، قال ابن المبارك: أبو حنيفة أفقه الناس، وقال: يحيى بن سعيد: لا يكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله. توفي رحمه الله سنة خمسين ومائة، له سبعون سنة .... انظر: سير أعلام النبلاء 6/ 390، وانظر شذرات الذهب 2/ 229.
(2)
هو محيي الدين عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفا الحنفي القرشي ولد سنة 696 وتوفي سنة 775 من أهم مؤلفاته «شرح معاني الآثار» و «الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، انظر شذرات الذهب 8/ 408 والجواهر المضيئة 1/ 10، والدرر الكامنة 3/ 6.
(3)
هو مسعود بن شيبة بن الحسين السندي عماد الدين، الملقب شيخ الإسلام له كتاب التعليم وله طبقات أصحابنا هذا كل ما ذكر من ترجمته في الجواهر المضية 3/ 469. ولم أجد له ترجمة في غيرها.
معتزلي الكلام
(1)
.
القول الثاني: إنه مالكي
المذهب وذكر ذلك القاضي عياض
(2)
.
القول الثالث: إنه شافعي
المذهب وعلى هذا أكثر أهل العلم. قال السُّبكي: وقد زعم بعض الناس أن الشيخ كان مالكي المذهب، وليس ذلك بصحيح، إنما كان شافعياً تفقه على أبي إسحاق المروزي
(3)
. مضى على ذلك الأستاذ أبو بكر بن فورك والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني
(4)
وأما المالكي فهو القاضي أبو بكر بن الباقلاني شيخ الأشاعرة
(5)
. وقد رجح الشيخ الدكتور عبد الرحمن المحمود
(6)
هذا القول حيث قال:
(1)
انظر الجواهر المضية 2/ 544، 555 و 4/ 33، والخطط للمقريزي 4/ 194.
(2)
انظر ترتيب المدارك 5/ 24 والديباج 2/ 64.
(3)
إبراهيم بن أحمد ولد بخراسان، انتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي في بغداد، قال عنه الذهبي: الإمام الكبير شيخ الشافعية وفقيه بغداد، ارتحل إلى مصر وتوفي فيها عام 340 انظر وفيات الأعيان 1/ 26 وشذرات الذهب 4/ 217، والأعلام 1/ 28 وسير أعلام النبلاء 15/ 429.
(4)
هو: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفرايني الملقب بركن الدين، الفقيه الشافعي المتكلم الأصولي من أهم كتبه الجامع في أصول الدين ورسالته في أصول الفقه توفي في نيسابور سنة 418 رحمه الله. انظر وفيات الأعيان 1/ 28 والأعلام 1/ 61.
(5)
انظر طبقات الشافعية الكبرى 3/ 352.
(6)
هو الدكتور عبدالرحمن بن صالح محمود ولد في مدينة البكيرية في المملكة العربية السعودية، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1409 هـ، وعمل وكيلاً لكلية أصول الدين، وله عدد من المؤلفات من أبرزها: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من الأشاعرة والحكم بغير ما أنزل الله ويعد من أبرز العلماء في المملكة في مجال العقيدة للمزيد انظر موسوعة أسبار 2/ 493
«والأرجح أنه كان شافعي المذهب، وهو الذي عليه أكثر العلماء»
(1)
.
القول الرابع: أنه شافعي ومالكي،
وهذا ما رجحه ابن عساكر حيث قال: «وأما علم الفقه فقد كان يذهب منه مذهب الشافعي أو مذهب مالك وأهل المدينة، وصنف في أصوله كتباً نسخها بالأدلة المبينة»
(2)
. كما رجحه الزبيدي حيث قال: «ولم لا يكون الشيخ عارفاً بالمذهبين يُعني بهما كما كان ابن دقيق العيد
(3)
وغيره من جهابذة العلماء، ويكون دعوى كل
(1)
موقف ابن تيمية من الأشاعرة 1/ 340.
(2)
انظر التبيين ص 400.
(3)
هو تقي الدين أبو الفتح القشيري، محمد بن علي بن وهب القشيري المنفلوطي الشافعي المالكي المصري ابن دقيق العيد. ولد في سنة [625] هـ تلقى العلم على يد والده المالكي وعلى عز الدين بن عبد السلام الشافعي، ولي قضاء الديار المصرية، ترك ابن دقيق من المصنفات الكثير، من أهمهما: الإلمام في الحديث، والعدة في شرح العمدة، وشرح مختصر ابن الحاجب، وكان رحمه الله بليغاً وشاعراً مجيداً ومن شعره العجيب:
تمنيت أن الشيب عاجل لمتي
…
وقرب مني في صبايا مزاره
لآخذ من عصر الشباب نشاطه
…
وآخذ من عصر المشيب وقاره
انظر شذرات الذهب (8/ 13). والنجوم الزاهرة (8/ 164) وطبقات الشافعية الكبرى (9/ 207).
من الفريقين صحيحاً فتأمل؟»
(1)
. قلت: ولاشك أن هذا القول ضعيف؛ لأن اجتهاد العالم واستفادته من المذاهب الأخرى لا تعني عدم انتمائه لمذهب معين، مع العلم أن الأشعري لم يكن معروفاً بالفقه وليس له اجتهادات فقهية معروفة، ومقارنته بابن دقيق العيد خطأ بين، فابن دقيق تميز عن الأشعري بالفقه والحديث.
الترجيح:
قلت: والراجح بأنه شافعي المذهب، والذي يرجح شافعيته رحمه الله أقوال أكثر الباحثين كما سبق، والله أعلم.
(1)
انظر: إتحاف السادة المتقين 2/ 6.
المبحث السادس
شيوخه
أ - من الأمور الملاحظة أن المؤرخين الذين ترجموا للأشعري في الفترة الأولى من حياته لم يذكروا الكثير من سيرة الرجل وعلى من تلقى العلم سوى ما ذكره ابن عساكر عن ابن فورك أن والده كان من أهل الحديث ودليل ذلك أنه أوصى عند وفاته أن يتولى تربية ابنه زكريا بن يحيى الساجي وقد روى عنه أبو الحسن الأشعري في كتاب التفسير أحاديث كثيرة
(1)
. وهذه الوصية تبين لنا أن الأب أراد أن يكون ابنه من أهل الحديث وأن يسير على هذا الطريق المبارك طريق أهل السنة والجماعة البعيد عن أمزجة أهل الأهواء التي كانت موجودة في ذلك العصر.
ب ـ إن من الأمور الملاحظة أن الأشعري لم يكن مشهوراً بالرواية عن أهل الحديث مع كثرة المحدثين في عصره، سوى ما رواه عن بعض شيوخه في كتابه التفسير، ولعل الذي منعه من الاستفادة من المحدثين زواج والدته من أحد رؤوس الاعتزال أبي علي الجبائي الذي قام بتربيته تربية كلامية مما أثر على نشأته وحول مساره، ونقل المقريزي قول مسعود ابن شيبة عن سبب تمرس الأشعري في علم الكلام، فقال: «لأنه كان
(1)
انظر تبيين كذب المفتري ص 35.
ربيب أبي علي الجبائي وهو الذي رباه وعلمه الكلام حيث تتلمذ على زوج أمه أبي علي الجبائي، واقتدى برأيه في الاعتزال عدة سنين حتى صار من أئمة المعتزلة، ثم رجع عنها
(1)
. وهذا يؤكد أن زواج أمه من الجبائي غير مسار حياة الأشعري الأولى مما حرمه الاستفادة من أهل الحديث الذين كانوا متوافرين في عصره ولكن معاشرته لزكريا الساجي في بداية الطلب جعلته يروي عنه بعض الأحاديث، وعن غيره في التفسير. ولعلي هنا أذكر أبرز المشائخ الذين تتلمذ عليهم وهم:
1 -
زكريا الساجي
(2)
.
2 -
أبو خليفة الجمحي
(3)
. نص على ذلك السبكي، وابن عساكر، والذهبي
(4)
.
3 -
سهل بن نوح
(5)
وممن نص على ذلك ابن عساكر، والسبكي
(6)
.
(1)
انظر المقريزي، الخطط المقريزية (3/ 314). وانظر تبيين كذب المفترى ص 35، 400 وشيخ الإسلام. انظر مجموع الفتاوى 3/ 228.
(2)
انظر سير أعلام النبلاء 14/ 198، طبقات السبكي 3/ 99.
(3)
هو عبد الرحمن بن سلام بن عبيد الله الجمحي، مولاهم البصري، الإمام الثقة أبو حرب. حدث عن: إبراهيم بن طهمان، وحماد بن سلمة، وجماعة. وحدث عنه: مسلم، وأبو زرعة، وآخرون مات بالبصرة سنة 231 انظر سير أعلام النبلاء 10/ 65.
(4)
انظر الطبقات 3/ 355، وانظر سير أعلام النبلاء 15/ 86، والتبيين ص 400.
(5)
بذلت جهداً للحصول على ترجمة له فلم أجد وكل ما عثرت عليه هو قول السبكي بأن الأشعري قد روى عنه. انظر طبقات الشافعية الكبرى (3/ 355).
(6)
انظر التبيين ص 400 والطبقات 3/ 355.
4 -
محمد بن يعقوب المقبري
(1)
، وقد نص على هذا التتلمذ ابن عساكر والسبكي
(2)
.
5 -
عبد الرحمن بن خلف الضبي
(3)
.
6 -
أحمد بن عمر بن سريج البغدادي
(4)
. قال ابن كثير: وتفقه بابن سريج
(5)
.
7 -
القفال الشاذلي
(6)
. قال السبكي: القفال أخذ علم الكلام من
(1)
لم أعثر على ترجمة كسابقه، وأقصى ما وجدته هو ما ذكره السبكي عنه بأنه بصري وأن الأشعري قد روى عنه بالتفسير. انظر طبقات الشافعية الكبرى (3/ 355.
(2)
التبيين ص 400 والطبقات 3/ 355.
(3)
هو عبد الرحمن بن خلف بن الحصين، أبو محمد الضبي البصري، وهو ابن فضالة بن المبارك بن فضالة يعرف بأبي رويق. قدم بغداد وحدث بها عن عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، وحجاج بن نصير الفساطيطي، ومسلم بن إبراهيم، ومحمد بن كثير، وإبراهيم بن بشار، وعبد الله بن رجاء العداني، ومحمد بن عمر الرومي روى عنه أبو محمد بن صاعد، والقاضي أبو عبد الله المحاملي، ومحمد بن جعفر المطيري، وإسماعيل بن محمد الصفار. وقال الخطيب البغدادي: وما علمت به بأساً. توفي رحمه الله سنة [279] هـ بالبصرة. انظر تاريخ مدينة السلام (11/ 564، 565).
(4)
قال عنه الذهبي: الإمام شيخ الإسلام، فقيه العراقيين، أبو العباس، أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، القاضي الشافعي، صاحب المصنفات ولد لبضع وأربعين ومائتين، سمع من: الحسن الزعفراني، وأبي داود السجستياني، وطبقتهم. توفي رحمه الله سنة [303 هـ] انظر سير أعلام النبلاء (14/ 201) والفهرست (ص 299).
(5)
انظر البداية (15/ 101).
(6)
قال الذهبي: هو الإمام العلامة الفقيه الأصولي اللغوي، عالم خرسان، أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي الشافعي القفال الكبير، إمام وفقيه بما وراء النهر، وصاحب التصانيف. قال الحاكم: كان أعلم أهل ما وراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في طلب الحديث. سمع أبا بكر بن خزيمة، وابن جرير الطبري، وطبقاتهم، وحدث عنه ابن مندة والحاكم. انظر سير أعلام النبلاء (16/ 283).
الأشعري، والأشعري كان يقرأ عليه الفقه، كما كان هو يقرأ عليه الكلام
(1)
.
8 -
أبو علي الجبائي
(2)
:
9 -
أبو إسحاق المروزي: - حيث نص ابن خلكان على هذا حيث قال: «وكان أبو الحسن يجلس أيام الجمع في حلقة أبي إسحاق المروزي الفقيه في جامع المنصور ببغداد
(3)
»
(4)
. وقد سبقه إلى هذا القول الخطيب البغدادي حيث قال: «وكان يجلس أيام الجمعات في حلقة أبي إسحاق
(1)
طبقات الشافعية الكبرى 3/ 202.
(2)
انظر مجموع الفتاوى 3/ 228.
(3)
بغداد: أم الدنيا وسيدة البلاد، قال ابن الأنباري: أصل بغداد للأعاجم، والعرب تختلف في لفظها إذ لم يكن أصلها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم، قال بعض الأعاجم: تفسيره (بستان رجل) فباغ بستان، وداد اسم رجل. وقال حمزة بن الحسن: بغداد اسم فارسي يعرب عن باغ دأدويه، ويقال كان أحد ملوك الفرس اختطها وأراد أن يسميها (ادخلوها بسلام)، فلما بناها المنصور العباسي سماها (مدينة السلام)، وهي على نهر دجلة وعاصمة الدولة العباسية، وهي عاصمة العراق حالياً، وأكبر مدنه وتشتهر بصناعة الحديد والصلب والغزل والإلكترونيات. للاستزادة: ينظر معجم البلدان 1/ 360 وموسوعة المدن العربية ص 236.
(4)
انظر وفيات الأعيان 3/ 284.
المروزي الفقيه في جامع المنصور»
(1)
. وهؤلاء هم الذين عثرتُ عليهم من مشايخ الأشعري، وقد أراد ابن عساكر رحمه الله أن يعلل لعدم استفادة الأشعري من أئمة الحديث بعلة غير مقنعة، عندما قال:«وأما علم الحديث فقد سمع منه قدر ما تدعوه الحاجة إليه، وحصل منه ما يسع الاعتماد في الاستدلال عليه، وقد روى في تفسيره أحاديث كثيرة عن سهل بن نوح البصري، ومحمد بن يعقوب المقري وعبد الرحمن بن خلف الضبي، وأبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي وأبي يحيى زكريا ابن يحيى الساجي وغيرهم، وإنما لم ينشر عنه الحديث بالرواية لأنه كان قد قصر همته على الدراية وصرفها إلى ما تقوى به الأصول، فلهذا عز إلى حديثه الوصول»
(2)
قلت: وهذا لا شك، تعليل عليل، وكان من الأفضل الاعتذار له بزواج أمه من ذلك المعتزلي الذي حرمه وأبعده عن أهل الحديث. ومع هذا كله فليس لأحد من هؤلاء العلماء أثر على حياته إلا الجبائي، وقد أنقذ الله عز وجل الأشعري من ذلك التأثير.
(1)
انظر كتاب تاريخ مدينة السلام 13/ 260.
(2)
انظر. كتاب تبيين كذب المفتري صـ 400.
المبحث السابع
تلاميذه
من الأمور اللافتة للنظر أن الأشعري رحمه الله لم يكن له في بداية حياته تلاميذ عندما كان في مرحلة الاعتزال، ولكن بعد رجوعه إلى المنهج الحق كثر أتباعه، وانكب الناس على التتلمذ على يديه. ومن الملاحظ أيضاً أن هذا الإقبال والانكباب اقتصر على علم العقيدة فقط، فلم يُعْرَفْ له تلامذة لا في الفقه ولا في الحديث ولعل السبب في ذلك يعود إلى:
1 -
قلة بضاعته في علم الحديث.
2 -
عدم وجود مذهب فقهي خاص به، وإنما هو مقلد للشافعي، أو مالك، أو أبي حنيفة.
3 -
تميزه في علم العقيدة، وبروزه ومعرفته بخفايا ومثالب المعتزلة، شجع الناس على الإقبال عليه والوثوق بعلمه وبخاصة أن رجوعه إلى الحق وإعلان ذلك أمام الناس علانية يدل على شجاعة وعلى حب للخير. ولعل هذه الأسباب كافية فيما يظهر لي لأن تكون سبباً في إقبال الناس عليه وأخذهم العقيدة منه. وقد قسم ابن عساكر رحمه الله تلامذة الأشعري وأتباعه إلى خمس طبقات:
الطبقة الأولى: حيث ذكر فيها أربعة من أصحابه الذين أخذوا عنه
مباشرة أو ممن أدركه ممن قال بقوله أو تعلم منه، أدركوه وقالوا بقوله أو تعلموا منه.
الطبقة الثانية: ذكر فيها تسعة عشر من أصحاب أصحابه ممن سلكوا مسلكه في الأصول وتأدبوا بآدابه.
الطبقة الثالثة: ذكر فيها خمسة عشر من الأعلام.
الطبقة الرابعة: ذكر فيها ثمانية من العلماء المستبصرين بتبصيره وإيضاحه في الاقتداء والمتابعة.
الطبقة الخامسة: - ذكر فيها ستة عشر ممن أدرك بعضهم بالمعاصرة، وبعضهم الآخر بالرؤية والمجالسة
(1)
. وسوف أكتفي بذكر بعض تلامذته وخاصة الطبقة الأولى:
1 -
أبو عبد الله بن مجاهد البصري
(2)
: وقد نص على هذا التتلمذ الخطيب البغدادي حيث قال: محمد بن أحمد صاحب أبي الحسن الأشعري
(3)
، وابن
(1)
انظر تبيين كذب المفتري ص 177 - 330.
(2)
هو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي البصري، من أهل البصرة، سكن بغداد، توفي رحمه الله سنة 370 هـ. قال عنه الخطيب ذكر لنا غير واحد أنه كان حسن التدين جميل الطريقة رحمه الله. انظر تاريخ بغداد 2/ 200، وسير أعلام النبلاء (16/ 305، وتبيين كذب المفتري ص 177.
(3)
انظر تاريخ بغداد 2/ 200.
عساكر حيث ذكره في أول الطبقة الأولى»
(1)
. والذهبي حيث قال: «الأستاذ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد صاحب أبي الحسن الأشعري»
(2)
.
2 -
أبو الحسن الباهلي:
(3)
وقد عده من التلامذة ابن عساكر في التبيين، بل عده الرجل الثاني في الطبقة الأولى
(4)
. وممن عده من التلامذة الذهبي، حيث قال عنه:«الباهلي العلامة، شيخ المتكلمين، أبو الحسن الباهلي البصري، تلميذ أبي الحسن الأشعري»
(5)
. والسبكي عندما ذكر التلامذة قال: وأخصهم بالشيخ أربعة:
(1)
انظر تبيين كذب المفتري ص 177.
(2)
انظر سير أعلام النبلاء 161/ 305.
(3)
هو أبو الحسن الباهلي شيخ المتكلمين كان الإسفراييني يقول: أنا بجانب شيخنا أبي الحسن الباهلي كقطرة في بحر، وكان يرخي السترة بينه وبين تلامذته، حتى كان من شدة اشتغاله بالله مثل واله أو مجنون، وعندما كان يسأل عن سبب الحجاب كان يقول لتلامذته: إنكم ترون السوقة، وهم أهل الغفلة فتروني بالعين التي ترونهم، حتى إنه كان يحتجب من جاريته. قلت: ولاشك بأن هذا من الغلو، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى أئمة الكفر ويرى من يرونهم وما احتجب عن ذلك. وما أظن ذلك من المناقب توفي رحمه الله في حدود سنة 370 هـ، انظر: تبيين كذب المفتري صـ 178 وسير أعلام النبلاء 16/ 304.
(4)
انظر التبيين صـ 178.
(5)
انظر السير 16/ 304.
1 -
ابن مجاهد 2 - أبو الحسن الباهلي، العبد الصالح
(1)
- بندار بن الحسين خادم أبي الحسن
(2)
. وقد نص على تتلمذه ابن عساكر في التبيين حيث عده الرجل الثالث في الطبقة الأولى
(3)
، وكذلك السبكي في الطبقات عندما قال: وأخصهم بالشيخ أربعة: ثم قال: والثالثُ بندار خادمه
(4)
.
4 -
علي بن مهدي الطبري:
(5)
وقد نص على تتلمذه ابن عساكر حيث عده الرجل الرابع في الطبقة الأولى
(6)
. والسبكي حيث قال: علي بن محمد أبو الحسن الطبري، تلميذ الشيخ أبي الحسن الأشعري، صحبه
(1)
انظر طبقات الشافعية 3/ 368.
(2)
هو: أبو الحسين بندار بن الحسين الشيرازي الصوفي سكن أرجان إحدى مدن فارس، كان خادماً لأبي الحسن الأشعري وكان عالماً بالأصول، وحدث عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي بحديث واحد، وكان من أصحاب الشبلي، وكان ذا أموال فأنفقها وتزهد، توفي في بندار سنة 353 هـ وغسله أبو زرعة الطبري. انظر: التبيين ص 179 وسير أعلام النبلاء 16/ 108، وطبقات الشافعية 3/ 224.
(3)
انظر التبيين ص 179.
(4)
انظر طبقات الشافعية 3/ 368، 369، 224.
(5)
هو: أبو الحسن، علي بن محمد بن مهدي أبو الحسن الطبري. كان من المبرزين في عالم الكلام، وكان حافظاً للفقه وأيام العرب، وكان على مذهب الشافعي في الفقه، ذكر عمر كحالة بأنه توفي في سنة 380 انظر: ترجمته تبيين كذب المفتري ص 181، وطبقات الشافعية 3/ 466، ومعجم المؤلفين 7/ 234.
(6)
انظر التبيين ص 181.
بالبصرة وأخذ عنه
(1)
، كما عده الرجل الرابع في الطبقة الأولى حيث قال: والرابع أبو الحسن الطبري
(2)
. وهؤلاء هم الأربعة الأبرز، كما أن هناك بعض التلامذة ولعل من أبرزهم:
5 -
أبو بكر القفال: وكان من شيوخ الأشعري كما سبق أن مر معنا ومن تلامذته، ذكره ابن عساكر حيث قال: ومنهم أبو بكر القفال الشاشي الفقيه رحمه الله
(3)
ونقل السبكي أن الحافظ بن عساكر قال: «بلغني أنه كان مائلاً عن الاعتدال قائلاً بالاعتزال في أول أمره، ثم رجع إلى مذهب الأشعري» ولم أعثر على هذه العبارة عند ابن عساكر بنفس هذه اللفظة حيث زاد السبكي لفظة. ثم رجع إلى مذهب الأشعري
(4)
.
6 -
أبو سهل الصعلوكي:
(5)
وقد نص ابن عساكر على تتلمذه على يد أبي الحسن حيث قال - حينما عدد تلامذته - قال: ومنهم أبو سهل
(1)
انظر طبقات الشافعية 3/ 466.
(2)
انظر التبيين 3/ 369.
(3)
انظر التبيين ص 182.
(4)
انظر تبيين كذب المفتري ص 183.
(5)
هو محمد بن سليمان بن محمد الحنفي العجلي الصعلوكي النيسابوري، الفقيه الشافعي المتكلم ولد سنة 296 هـ، سمع من إمام الأئمة بن خزيمة قال الحاكم: هو خير زمانه، توفي رحمه الله في سنة 369 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 16/ 235، وتبيين كذب المفتري ص 183.
الصعلوكي النيسابوري
(1)
، كذلك السبكي
(2)
.
7 -
ابن خفيف
(3)
: وقد نص على التتلمذ ابن عساكر في التبيين حيث قال عنه ما ذكره التلامذة ومنهم أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي
(4)
وقال السبكي عندما ترجم له: - رحل ابن خفيف إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري، وأخذ عنه، وهو من أعيان تلامذته
(5)
.
8 -
أبو زيد المروزي
(6)
وممن أثبت تتلمذه ابن عساكر حيث قال: ذكر أبو بكر بن فورك أنه ممن استفاد من أبي الحسن الأشعري من أهالي خرسان
(7)
. والسبكي حيث قال: بعد أن عدد الآخذين عن الشيخ ومنهم الشيخ أبو زيد المروزي
(8)
مع ملاحظة أن الجزم بأن هؤلاء قد تلقوا العلم عنه مباشرة يحتاج
(1)
انظر: تبيين كذب المفتري ص 183.
(2)
انظر: طبقات الشافعية 3/ 368.
(3)
هو أبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي شيخ الصوفية ولد سنة 260 هـ. حدث عن حماد ابن مدرك، توفي سنة 371 انظر: سير أعلام النبلاء 16/ 342، والتبيين صـ 190.
(4)
انظر التبيين صـ 190.
(5)
انظر طبقات الشافعية 3/ 150.
(6)
هو أبو زيد محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد المروزي. قال عنه الذهبي: الشيخ الإمام المفتي القدوة الزاهد، حدث عنه الحاكم والدارقطني وآخرون ولد سنة 301 هـ. مات رحمه الله بمرو سنة 371 هـ انظر: سير أعلام النبلاء 16/ 313، والتبيين صـ 188.
(7)
انظر: التبيين صـ 188.
(8)
انظر: الطبقات 3/ 368.
إلى دليل، خاصة وقد بالغ ابن عساكر رحمه الله في ذكرهم، وذكر أئمة أعلام لم يذكر من ترجم لهم هذا التتلمذ، مع أن ابن عساكر قد نبه على أن هذا التتلمذ قد لا يكون مباشراً حيث قال:«وقد قسمتهم خمس طبقات، وجدتها على تصحيح قوله متفقات، فالطبقة الأولى هم أصحابه، الذين أخذوا عنه ومن أدركه ممن قال بقوله أو تعلم منه»
(1)
وقد أوضح هذا المعنى السبكي حيث قال: وربما كان في هؤلاء من لم يثبت عندنا أنه جالس الشيخ، ولكن كلهم عاصروه، وتمذهبوا بمذهبه، وقرؤوا كتبه، وأكثرهم جَالسوه، وأخذوا عنه شفاهة
(2)
. وفيما يظهر أن هناك تناقضاً بعبارة السبكي، حيث بين أنه لم يثبت عنده عن بعضهم المجالسة ثم قال: لأنهم كلهم عاصروه، وتمذهبوا بمذهبه، وقرؤوا كتبه، قلت: فكيف يُعد ذلك تلميذاً بمجرد قراءة الكتاب والتمذهب بالمذهب؟! فالتلميذ الحقيقي هو من أخذ عن الشيخ مباشرة وعاصره، وليس بمجرد قراءة كتابه أو التمذهب بمذهبه. وقد نبه الشيخ المحمود على أنه ليس كل من ذكر يُعد تلميذاً حيث قال: - أما من يسميهم ابن عساكر بالطبقة الأولى من أصحاب الأشعري فلم يثبت عنهم كلهم تتلمذهم عليه
(3)
.
والخلاصة أن للأشعري رحمه الله تلامذة كثر وأتباع أكثر، وقد
(1)
انظر: تبيين كذب المفتري صـ 177.
(2)
طبقات الشافعية 3/ 368.
(3)
انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة هامش 5 في 1/ 344.
ذاع صيته في الآفاق، حتى كانت رسائل الاستفتاء ترد إليه، وإجابته بالرد عليهم مدونة كرسالته إلى أهل الثغر، بل كان يناظر أرباب البدع حتى قال أبو سهل الصعلوكي:«حضرنا مع الشيخ أبي الحسن مجلساً بالبصرة، فناظر المعتزلة ـ خذلهم الله ـ وكانوا ـ يعني كثيراً ـ فأتى على الكل وهزمهم، كلما انقطع واحد، تناول الآخر حتى انقطعوا عن آخرهم، فعدنا في المجلس الثاني، فما عاد منهم أحد»
(1)
. وقد كثر المنتمون للأشعري في الأقطار الإسلامية، وانتسب إليه الكثيرون من أصحاب المذاهب جلهم من الشافعية والمالكية والأحناف، أما الحنابلة فقلة قليلة. ولكن من الأُمور اللافتة للنظر أنَّ هناك الكثير من أهل العلم يُنسبون إلى الأَشاعرة لوجود التأويل عندهم في بعض الصفات، مع أنهم لا علاقه لهم بالأشعري، ومن هؤلاء ابن الجوزي، حيث نجده عندما ترجم للأشعري. ترجم له ترجمة الناقم عليه، لا المادح له، فضلاً عن عدم كونها ترجمة تلميذٍ لشيخه، وما أدل على ذلك من قوله:(وكان على مذهب المعتزلة زماناً طويلاً، وتشاغل بالكلام، وأظهر مقالة، خبطت عقائد الناس، وأوجدت الفتن المتصلة ثم قال بعد ذلك: وقبره اليوم عافي الأثر، لا يلتفت إليه)
(2)
، ومما يؤكد ذلك أيضاً، أنه ترجم له ترجمةً لا تتجاوز الخمسةَ والعشرين سطراً، فهل هذه ترجمةُ تلميذٍ لشيخه خاصةً وأنه صاحب قلمٍ سيَّال؟! وكتابُه المنتظم، شاهدٌ على ذلك، كما أنَّ ترجمته
(1)
انظر طبقات الشافعية ص 349.
(2)
انظر المنتظم 14/ 29 ـ 31.
للإمام أحمد بن حنبل
(1)
ـ قدَّس الله روحه ـ كانت في مجلَّدٍ حافلٍ، وهذا يؤكد على أنه ليس أشعرياً، فموافقته لهم في بعض الأقوال، لا تعني انتسابه إليهم
(2)
. وهذا يؤكد أن أكثر الناس ليسوا أشاعرة كما يُشاع، بل هذا أكثر الأشاعرة تعصباً وهو الحافظ ابن عساكر يقول: «فإن قيل إن الجم الغفير في سائر الأزمان وأكثر العامة في جميع البلدان لا يعتقدون بالأشعري، ولا يقلدونه ولا يرون مذهبه، ولا يعتقدونه وهم السواد الأعظم وسبيلهم السبيل الأقوم: قيل لا عبرة بكثرة العوام
…
»
(3)
.
(1)
هو الإمام حقاً، وشيخ الإسلام: أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن حنبل ابن هلال الشيباني المروزي ثم البغدادي ربِّي رحمه الله يتيماً، حيث ولد في سنة أربع وستين ومائة، طاف رحمه الله البلاد والآفاق لسماع العلم، وكان من أجل شيوخه الإمام الشافعي حيث روى عنه في المسند عشرين حديثاً كما روى عن سفيان بن عيينة، وعبد الرزاق والعشرات غيرهم. وروى عنه العشرات. منهم البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم، امتحن رحمه الله في مسألة خلق القرآن، فصبر وثبت حتى كان كالجبل، مما جعله لأهل السنة إماماً، قال البخاري: - سمعت الطيالسي يقول: لما ضرب أحمد لو كان هذا في بني إسرائيل لكان أحدوثة، وقيل عن صبره: نصر الله الدين بأبي بكر يوم الردة وبأحمد يوم المحنة، وقال علي بن المديني إذا ابتليت بشيء فأفتاني أحمد لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان. صنف رحمه الله المسند والرد على الجهمية توفي رحمه الله سنة إحدى وأربعين ومائتين ترجم له ابن الجوزي في مجلد كامل وعنون له بمناقب الإمام أحمد، انظر في ترجمته البداية والنهاية 14/ 380/ 429 كما ترجم له الذهبي في قرابة مائتي صفحة انظر سير أعلام النبلاء 11/ 177 - 358.
(2)
حيث ألّف كتاباً ـ أي ابن الجوزي ـ في مناقب الإمام أحمد، وحققه الدكتور عبد الله التركي، وهو من إصدارات دار هجر.
(3)
انظر التبيين 331.
المبحث الثامن
وفاته
اختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاة الأشعري، وإليك الآراء في تاريخ وفاته من قبل المؤرخين:
1 -
نيف وعشرين وثلاثمائة
(1)
.
2 -
نيف وثلاثين وثلاثمائة للهجرة
(2)
.
3 -
ثلاثين وثلاثمائة
(3)
.
4 -
بعد الثلاثين وثلاثمائة
(4)
.
5 -
بضع وثلاثين وثلاثمائة
(5)
.
6 -
عشرين وثلاثمائة
(6)
.
7 -
أربع وعشرين وثلاثمائة
(7)
.
(1)
انظر التبيين صـ 646.
(2)
المنتظم 14/ 30، وفيات الأعيان 3/ 284، الجواهر المضية 2/ 545.
(3)
طبقات الشافعية لشهبة 1/ 115 البداية والنهاية 15/ 101، وشذرات الذهب 4/ 130 وفيات الأعيان 3/ 284.
(4)
شذرات الذهب 4/ 130.
(5)
البداية والنهاية 15/ 101.
(6)
طبقات الشافعية لشهبة 1/ 115.
(7)
النجوم الزاهرة 3/ 295 وفيات الأعيان 3/ 284، وطبقات الشافعية لشهبة 1/ 115 والبداية والنهاية 15/ 101 والجواهر المضية 2/ 545.
قلت: وهذا القول الأخير هو الأقرب وعليه غالبية المصادر، وقد رجح ابن عساكر هذا القول حيث قال: وسنة أربع وعشرين وثلاثمائة فيها مات أبو الحسن وكذا ذكر الأستاذ أبو بكر بن فورك تلميذ تلميذه أبي الحسن، الباهلي وهو أعلم بأمره
(1)
، وكانت وفاته ببغداد
(2)
. ولم أجد فيها خلاف.
(1)
التبيين صـ 147.
(2)
انظر التبيين 147.
الفصل الثاني
عصره
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الحالة السياسية.
المبحث الثاني: الحالة الاجتماعية.
المبحث الثالث: الحالة العلمية.
عصره
إن من الأمور المهمة التي يستحسن معرفتها، معرفة البيئة التي يعيش فيها الإنسان، لأن الإنسان مدني بطبعه مما يؤدي به إلى التفاعل مع البيئة المحيطة به مما يجعله يتأثر بها، وقد يؤثر عليها، فالإنسان بطبعه لا يستطيع أن يعيش منعزلاً عن الآخرين. فالقضايا الاجتماعية والسياسية، والعلمية، تؤثر ولاشك في تكوين الإنسان. ولذا يستحسن عند دراسة علم من الأعلام، دراسة البيئة المحيطة به، وذلك للوقوف على أهم الأحداث التي أدت إلى ظهوره. والأشعري ولاشك، له شأن عند أهل الإسلام، وله تأثيره على طائفة من أهل العلم، وهذا يدفع إلى إلقاء الضوء على عصره في النواحي السياسية والاجتماعية والعلمية للخلوص إلى مدى تأثير ظروف عصره على حياته. فالأشعري رحمه الله عاش بين سنتي 260 و 324 هـ على حسب القول الراجح، وهذا يقود إلى دراسة مختصرة - لهذه الفترة التي تصل إلى أربعة وستين عاماً. من خلال المباحث الآتية:
المبحث الأول: الحالة السياسية
عاش الأشعري: بقوة وهج الخلافة العباسية، وإن شئت قلت في منتصف عمر الخلافة العباسية؛ لأن سقوطها كان سنة 656 هـ. والفترة التي عاشها الأشعري تمثل العصر العباسي الثاني في بغداد، وكان هذا العصر عصر ضعف وانحطاط عاصر فيه الأشعري ستة من الخلفاء العباسيين هم.
1 -
المعتمد على الله
(1)
.
2 -
المعتضد بالله
(2)
:
3 -
المكتفي بالله
(3)
:
(1)
هو الخليفة العباسي أبو العباس، وقيل أبو جعفر أحمد بن المتوكل على الله، جعفر بن المعتصم، أمه رومية اسمها فتيان ولد سنة 229 هـ، كان قد استخلف بعد قتل المهتدي بالله سنة 256 هـ. توفي رحمه الله سنة 279 هـ - دفن في سامراء وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة انظر سير أعلام النبلاء 12/ 540. انظر البداية والنهاية 14/ 643.
(2)
هو الخليفة العباسي أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الموفق بن جعفر المتوكل، بويع له بعد وفاة المعتمد سنة 279 هـ. وكان من خيار خلفاء بني العباس ورجالهم. دامت خلافته تسع سنوات وتسعة أشهر، وتوفي سنة 289 هـ وله من العمر سبع وأربعون سنة. انظر البداية والنهاية 14/ 644. مروج الذهب 4/ 463.
(3)
هو أمير المؤمنين الخليفة العباسي علي بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق ولد سنة 264 هـ كان يضرب به المثل بحسنه، تولى الخلافة بعد وفاة والده سنة تسع وثمانين ومائتين، واستمر في الخلافة ستة أعوام ونصف العام، وكثرت في زمانه الفتن، وفي عصره انتشرت القرامطة. توفي سنة 295 هـ. وله من العمر ثلاث وثلاثون سنة. انظر البداية والنهاية 14/ 714 وسير أعلام النبلاء 13/ 479 هـ. ومروج الذهب 4/ 493 هـ.
4 -
المقتدر بالله
(1)
:
5 -
القاهر بالله
(2)
:
6 -
الراضي بالله
(3)
:
(1)
هو الخليفة العباسي أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد، بويع بعد أخيه المكتفي بالله سنة 295 هـ. وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وما ولي أحد قبله أصغر منه. مما أدى إلى انخرام نظام الزعامة في أيامه، وصغر منصب الخلافة، كان مؤثراً للشهوات، منهمكاً باللعب والجواري ولا يأبه إلى أعباء الأمور، وقتل في بغداد سنة 320 هـ. فكانت خلافته أربعاً وعشرين سنة وأحد عشر شهراً. وكان له من العمر ثمان وثلاثون سنة. انظر سير أعلام النبلاء 15/ 43 - البداية والنهاية 14/ 744، 15، 60 ومروج الذهب 4/ 505.
(2)
هو أمير المؤمنين، الخليفة العباسي أبو منصور محمد بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق بن طلحة تولى الخلافة سنة عشرين وثلاثمائة بعد مصرع أخيه المقتدر. خلع أخاه المقتدر ثم استرد المقتدر الخلافة سنة سبع عشرة وثلاثمائة وقد عفا عنه المقتدر. فلما ولي الخلافة، أساء التعامل مع حاشية أخيه وعذبهم بل ضرب أم المقتدر بالله. ولم يكن متمكناً من الأمور، وسيطر عليه الرافضي علي بن بليق، والذي كان يسب معاوية على المنابر، وفي عصره عذب الإمام البربهاوي، ثم انتقم الله من ابن بليق فذبحه القاهر. كان أهوجاً سفاكاً للدماء كثير التلون قبيح السيرة مدمناً للخمور، خلع من الخلافة سنة 322 ثلاثمائة واثنين وعشرين ومات في سنة 339 عن عمر قدره ثلاث وخمسون سنة. انظر سير أعلام النبلاء 15/ 98 والبداية 15/ 62، ومروج الذهب 4/ 519.
(3)
هو أمير المؤمنين أبو العباس محمد بن المقتدر بالله ولقبوه بالراضي بالله. ولد سنة سبع وتسعين ومائتين وأمه رومية وكان أسمر قصيراً نحيفاً، استخلف بعد عمه القاهر سنة 322 وكان آخر خليفة خطب يوم الجمعة، وكان سمحاً جواداً سمع من البغوي توفي سنة 329 هـ وله اثنتان وثلاثون سنة انظر سير أعلام النبلاء 15/ 103، والبداية والنهاية 15/ 80. ومروج الذهب/ 4/ 527.
ولا شك بأن معاصرة ستة من الخلفاء سيجعل من هذه المرحلة ثرية بالأحداث، ولعلي أذكر أبرز الأحداث التي مرت في هذه الحقبة الزمنية منها:
أولاً: اشتداد
فتنة الزنوج
(1)
حتى دخلوا إلى واسط
(2)
في العراق وذكر
(1)
هم أتباع علي بن محمد بن محمد عبد الرحيم وأمه قرة بنت علي بن رحيب بن محمد بن حكيم من بني أسد بن خزيمة، وأصله من قرية من قرى الري، كان أجيراً، ثم ادعى بالبصرة أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ثم شخص إلى البحرين سنة 249 فادعى بأنه علي بن محمد بن الفضل بن الحسين بن عبد الله ابن عباس بن علي بن أبي طالب فتبعه جماعة من أهل هجر، فوقعت بسببه فتن وبلايا، وحروب كثيرة، بل أنزله أهل البحرين منزلة النبي وجبي له الخراج، ولما خرج إلى البصرة التف عليه خلق من الزنج وكان يزعم لبعض الجهلة من أتباعه أنه يحيى بن عمر أبو الحسن المقتول بالكوفة، وكان يدعي أنه حفظ سوراً من القرآن في ساعة واحدة جرى بها لسانه لا يحفظها غيره في مدة، وأنه خوطب من سحابه بأن يقصد البصرة، ثم رحل إلى بغداد وانتسب بها إلى محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد، وكان يزعم أنه يعلم ما في ضمائر أصحابه وكان قد عبر دجيلان، واجتمع إليه السودان فخطب بهم وبين بأنه يريد أن يرفع أقدارهم ويملكهم العبيد والأموال والمنازل، وحلف لهم على ذلك، وبأنه لم يخرج إلا غضباً لله، فجاء يهودي فسجد له وزعم أنه يجد صفته في التوراة، واستمرت حروبهم المتتالية واستمرت فتنته حتى قتل الخبيث ـ لا رحمه الله في أول سنة سبعين ومئتين بعد فتنة بلغت ست عشرة سنة. انظر: تاريخ الطبري 5/ 441 ـ 582، والمنتظم 12/ 85 ـ 225 البداية والنهاية 14/ 511 ـ 514، سير أعلام النبلاء 12/ 543.
(2)
واسط: عدة مواضع أشهرها وأعظمها واسط الحجاج، وهي مدينة متوسطة بين البصرة والكوفة، والأهواز، وهي على خمسين فرسخاً من كل واحدٍ منها وهي إحدى مدن العراق الكبرى، قبل بناء بغداد، وهي أرض وفيرة الخصب، بجانب دجلة الغرب، سميت بواسط، لأنها بوسط المسافة بينهما، وهناك مواضع أخرى باسم واسط منها واسط بنجد والجزيرة.
وأما واسط البلد المعروف، فهي تذكر والنسبة إليها واسطي، شرع الحجاج في بنائها عام 48 هـ، وفرغ منها سنة 86 هـ. للاستزادة: ينظر معجم البلدان 8/ 434، وبلدان الخلافة الشرقية ص 59 ـ 61.
ابن الجوزي
(1)
أن الزنوج دخلوا واسطاً فخلى الناس البلد، وخرجوا عنه حفاة على وجوههم، وكانوا يدخلون المنازل فيجدونها مفروشة، ومضى الناس [كان] يأخذ أحدهم عمامته أو رداءه فيشد بها رجليه ويمشي، وضربت واسط بالنار
(2)
. وذكر الطبري
(3)
أن صاحب الزنج دخل على هرمز
(4)
فاستباحها، وذكر رحمه الله الكثير من أخبار الزنج ودورهم في
(1)
هو أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي القرشي الحنبلي ولد سنة 529 هـ له مصنفات منها، زاد المسير، وصفوة الصفوة، وغيرها كثير قال عنه الذهبي: - هو الإمام الحافظ المفسر شيخ الإسلام، كان ذا حظ عظيم وصيت بعيد في الوعظ توفي سنة 597 هـ انظر سير أعلام النبلاء 21/ 365 وانظر الشذرات 5/ 536.
(2)
انظر المنتظم 12/ 191 في ذكر أحداث سنة 264.
(3)
هو محمد بن جرير الطبري أبو جعفر ولد سنة 224 هـ وطلب العلم بعد الأربعين وله تصانيف منها تفسير الطبري وغيرهما وقال عنه ابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير. وقال عنه أبو حامد الإسفرايني، لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيراً ومن آثاره أيضاً تاريخ الأمم والملوك. توفي سنة 310 هـ. انظر سير الأعلام 14/ 267 والشذرات 4/ 53. والبداية والنهاية 14/ 146.
(4)
إحدى المدن المشهورة في نواحي خوزستان والعامة يسمونها رامز، وهي على مسيرة ثلاثة أيام من شرق الأهواز، ومازالت تعرف بهذا الاسم، إنما سميت بذلك نسبة إلى الملك هرمز واشتهرت هذه المدينة بدود القز، وكان بها دار كتب مشهورة يُدرس فيها. انظر معجم البلدان 4/ 382، 383. وبلدان الخلافة الشرقية 278 ـ 279.
هذه الحقبة
(1)
. وتظهر خطورة الزنج بأفعالهم الشنيعة حتى قال الذهبي عن إحدى المعارك مع الزنج: «لقد تمت معهم ملحمة لم يسمع بمثلها، وظهر المسلمون» ، وقال أيضاً عن الزنج وقائدهم:«وقُتلَ خلق من جيشه وتحيز هو في طائفة وعظم البلاء وكاد الخبيث أن يملك الدنيا، وكان كذاباً مُمَخرقاً ماكراً شجاعاً، ادعى أنه بعث إلى الخلق، فرد الرسالة. وكان يدعي علم الغيب، لعنه الله» . كما تحدث عن سيره إلى الأهواز
(2)
وإلى البطائح
(3)
حيث قال: وأما الخبيث فدخل البطائح وبثق حوله الأنهار -
(1)
انظر تاريخ الطبري 5/ 526 حتى 589 وانظر سير أعلام النبلاء 12/ 542.
(2)
مفردها هوز وجمعها الأهواز وكانت قاعدة لإقليم خوزستان، وهي مدينة بين البصرة وفارس ولكن تسمية خوزستان قد بطلت، وصارت هذه الولاية التابعة لبلاد فارس تسمى عربستان (أي إقليم العرب) ولكن الرئيس الإيراني محمد شاه بهلوي قد أعاد تسميتها خوزستان، وهي تقع على نهر دجيل الأهواز وذلك تصغير لنهر دجلة وتغير اسمه من دجيل إلى نهر كارون، وقد اشتهرت المدينة بكثرة العقارب والحيات والماء الحميم والتراب السبخ، ويقتات أهلها خبز الرز وهو عسر الهضم. انظر بلدان الخلافة الشرقية ص 269 ومعجم البلدان 1/ 410.
(3)
البطائح: جمع بطيحة، وهي من مدن العراق تقع بين واسط والبصرة، وتبطح في رقعة يبلغ عرضها خمسين ميلاً وطولها قرابة مئتي ميلاً، وكانت البطيحة يأتيها الماء من نهر الفرات ومع أن هواءها وخم، فإن تربتها كانت في غاية الخصب، وهي مدينة ينبت فيها القصب. انظر: معجم البلدان 1/ 356 وبلدان الخلافة الشرقية 59 ـ 61.
وتحصن. ثم قال: فسار خبيث الزنج إلى الأهواز، فوضع السيف وقتل نحواً من خمسين ألفاً وسبى أربعين ألفاً، وذهب تحت السيف خلائق من الفريقين بعد حرب دامت بضعة عشر شهراً»
(1)
.
والخلاصة أن الزنج في هذه المرحلة، أحدثوا قلاقل في البلاد الإسلامية، من جراء حملاتهم المتتالية ومذاهبهم الفاسدة مما كان لها أثر عظيم في تلك الحقبة من التاريخ.
ثانياً: في تلك الحقبة أيضاً ظهر
أمر القرامطة
(2)
، ففي هذا العصر
(1)
انظر سير أعلام النبلاء. 12/ 542 بتصرف واختصار.
(2)
القرامطة من الفرق الباطنية، مؤسسها حمدان قرمط أصله من خوزستان ظهر في الكوفة سنة 258 وأظهر الزهد والتقشف واستمال إليه بعض الناس وأراهم كتاباً قيل أوله: بسم الله الرحمن الرحيم، يقول الفرج بن عثمان، وهو عيسى وهو الكلمة وهو المهدي وهو أحمد بن محمد بن الحنفية وهو جبريل. وفي الكتاب كثير من كلمات الكفر والتحليل والتحريم وكثر أتباعه والمقتدون به. وقبض عليه أيام الخليفة المتوكل وقتل سنة 263 هـ. وقال البغدادي: وظهرت دعوة الباطنية في أيام المأمون من حمدان قرمط ومن عبد الله بن ميمون القداح وليست الباطنية من فرق ملة الإسلام بل هي من فرق المجوس، ثم دلل لقوله أن الباطنية لما تأولت أصول الدين على الشرك احتالت أيضاً في تأويل كلام الشريعة على وجوه تؤدي إلى رفع الشريعة أو إلى مثل أحكام المجوس، وذكر دليلاً على ذلك: أن الغلام الذي ظهر ونام في البحرين والإحساء بعد سليمان القرمطي سن لاتباعه اللواط وأوجب قتل الغلام الذي يمتنع عمّن يريد الفجور به وأمر بقطع يد من أطفأ ناراً بيده. والقرامطة لاشك ولا ريب بأنهم جاؤوا بالأعاجيب وقتلوا الحجيج. انظر للمزيد الفرق بين الفرق ص 16، 216، وانظر فضائح الباطنية ص 22.
ظهرت هذه الفرقة الفاسدة، التي عم شرها وتمادى أذاها، وهذه الفرقة من فرق الباطنية
(1)
وهم قوم تبعوا طريق الملحدين وجحدوا الشرائع، ويظهر خطر هذه الفرقة لأنها من الفرق الباطنية المتلونة فإنهم يدعون أن لظواهر
(1)
الباطنية فرقة ضالة تؤمن بأن لكل ظاهر من الكتاب والسنة باطناً، ولكل تنزيل تأويل، وظهرت هذه الفرقة في أيام المأمون وهي ليست من فرق الإسلام بشيء، وهم يسمون بالباطنية والقرامطة والمزدكية والخرمية والقرمطبة والخريدينية والإسماعيلية والسبعية، ومذهبهم ظاهره الرفض وباطنه الكفر المحض، والباطنية القدامى يخلطون مذهبهم ببعض كلام الفلاسفة، ومن ذلك معتقدهم في الصفات وغيرها، وقد أسس هذه الجماعة ميمون بن ديصان المعروف بالقدَّاح، ومحمد بن الحسن المعروف بدندان، قال شيخ الإسلام: إن الباطنية قد يقال في كلام الناس على صنفين:
أحدهما: من يقول: إن للكتاب والسنة باطناً يخالف ظاهرها، فهؤلاء هم المشهورون عند الناس باسم الباطنية من القرامطة وسائر أنواع الملاحدة، وهذا الصنف قسمان: قسم يرون ذلك في الأعمال الظاهرة حتى في الصلاة والصوم والحج والزكاة وتحريم المحرمات من الفواحش والظلم والشرك ونحو ذلك، وقسم يقولون بالباطن المخالف للظاهر في العمليات وأما العمليات فيقرونها على ظاهرها وهذا قول عقلاء الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام مع أنهم في التزام الأعمال الشرعية مضطرون لما في قلوبهم من المرض والنفاق.
والصنف الثاني: الذين يتكلمون في الأمور الباطنية من الأعمال والعلوم لكن مع قولهم إنها توافق الظاهر ومع اتفاقهم على أن من ادعى باطناً يخالف الظاهر فهو منافق زنديق، فهؤلاء هم المشهورون بالتصوف عند الأمة.
للمزيد: انظر بيان تلبيس الجهمية 2/ 167 ـ 170 اعتقادات فرق المسلمين والمشركين 119 ـ 120، المعجم الفلسفي 1/ 195، والفرق بين الفرق 213.
القرآن والإخبار بواطن، وقد خدعوا الناس بإظهارهم الزهد والصلاح، ودخلوا على الناس، من خلال زعمهم ظلم الأمة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه
(1)
وقتلهم الحسين
(2)
وسبيهم لأهله كما أظهروا العفاف والتقشف وترك الدنيا والإعراض عنه الشهوات، وكانوا يأمرون كذباً بالصدق والأمانة والأمر بالمعروف، فكانوا يتعاملون مع أهل المجون والخلاعة معاملة أخرى ويقرون عندهم أن العبادة بله والورع حماقة، وإنما الفطنة باتباع اللذة وقضاء الوطر، وقد يستصحبون من له صوت جميل في
(1)
هو: أمير المؤمنين علي بن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الناس إسلاماً في قول بعض أهل العلم ولد قبل البعثة بعشر سنين فربي في حجر الرسول ولم يفارقه، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك وقال له ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ببنته فاطمة، وقد زعمت الرافضة محبته ووضعوا له مناقب هو غني عنها، بل بالغ بعضهم وأنزله في منزلة حتى ادعى له الألوهية. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث وكان أحد أصحاب الشورى الذين نص عليهم عمر، تولى الخلافة بعد عثمان رضي الله عنهما -ولقي الله جل وعلا شهيداً مقتولاً مظلوماً سنة 40 هـ بعد خلافة راشدة عادلة مدتها خمس سنين إلا ثلاثة أشهر فرضي الله عنه وأرضاه. انظر للمزيد من معرفة سيرته الإصابة في تمييز الصحابة 4/ 464، ومروج الذهب 3/ 358،
(2)
هو: الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي. أبو عبد الله سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، ولد سنة أربع وقيل ست، وقيل سنة سبع، وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه، وروى عن أبيه وعن أمه. قتل الحسين رضي الله عنه يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وكذا قال الجمهور. انظر الإصابة 2/ 67.
القرآن، فإذا قرأ تكلم داعيهم ووعظ وقدح في السلاطين وعلماء الزمان وجهال العامة. كما كان من مناهجهم أنهم لا يتكلمون مع عالم بل مع الجهال ويجتهدون في زلزلة العقائد بإلقاء المتشابه. وكل مالا يظهر للعقول معناه فيقولون: ما معنى الاغتسال من المني دون البول؟ ولم كانت أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة؟ وفي قوله: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} أترى ضاقت القافية؟ وما نظن هذا إلا لفائدة لا يفهمها كثير من الناس. ويقولون: لم كانت السموات سبعاً؟ ثم يشوقون إلى جوانب هذه الأشياء، فإن سكت السائل سكتوا، وإن ألح، قالوا: عليك بالعهد والميثاق على كتمان السر، فإنه الدر الثمين، فيأخذون عليه العهود والمواثيق كتمان هذا، ويقولون في الإيمان: «وكل مالك صدقة، وكل امرأة لك طالق ثلاثاً إن أخبرت بذلك ثم يخبرونه ببعض الشيء، ويقولون هذا لا يعلمه إلا آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون هذا الظاهر له باطن، وفلان 106/ ب
(1)
يعتقد ما نقول ولكنه يستره ويذكرون له بعض الأفاضل ولكنه ببلد بعيد»
(2)
، واستفحل أمر القرامطة في الكوفة، وكثروا بسواد الكوفة، حتى بلغ من استفحالهم أنهم أحدثوا ديناً غير الإسلام، حيث رفع بعض أهل الكوفة إلى السلطان حول هذا الأمر. وبينوا فيه أنهم يرون السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إلا من بايعهم على دينهم، ولكن السلطان لم يلتفت إليهم. ولم يسمع منهم. ومن عجائب
(1)
وهذه من الرموز عندهم.
(2)
انظر المنتظم 12/ 294 انظر تاريخ الطبري 5/ 601، 1/ 602.
هؤلاء القرامطة أنهم جاؤوا بكتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. يقول الفرج بن عثمان، وهو من قرية يقال نصرانة، داعية إلى المسيح وهو عيسى وهو الكلمة، وهو المهدي، وهو أحمد بن محمد بن الحنفية وهو جبريل. وذكر أن المسيح تصور له في جسم إنسان، وقال له: إنك الداعية؛ وإنك الحجة، وإنك الناقة، وإنك الدابة، وإنك روح القدس، وإنك يحيى بن زكريا، وعرفه أن الصلاة أربع ركعات: ركعتان قبل طلوع الشمس، وركعتان قبل غروبها، وأن الأذان في كل صلاة أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله (مرتين) أشهد أن آدم رسول الله، أشهد أن نوحاً رسول الله، أشهد أن إبراهيم رسول الله، أشهد أن موسى رسول الله، وأشهد أن عيسى رسول الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وأشهد أن أحمد بن محمد بن الحنفية رسول الله وأن يقرأ في كل ركعة الاستفتاح، وهي من المنزل على أحمد بن محمد بن الحنفية، والقبلة إلى بيت المقدس، والحج إلى بيت المقدس. ويوم الجمعة يوم الإثنين لا يعمل فيه شيء. والسورة الحمد لله بكلمته وتعالى باسمه، المتخذ لأوليائه الذين عرفوا عبادي سبيلي. واتقوني يا أولي الألباب، وأنا الذي لا أسأل عما أفعل، وأنا العليم الحكيم. وأنا الذي أبلو عبادي، وامتحن خلقي، فمن صبر على بلائي ومحنتي واختباري ألقيته في جنتي، وأخلدته في نعمتي، ومن زال عن أمري وكذب رسلي أخلدته مهاناً في عذابي، وأتممت أجلي وأظهرت أمري، على ألسنة رُسلي، وأنا الذي لم يعل علي من جبار إلا وضعته، ولا عزيز إلا أذللته، وليس الذي أصَرَّ على
أمره وداوم على جهالته، وقالوا: - لن نبرح عليه عاكفين وبه مؤمنين أولئك هم الكافرون، ثم يركع ويقول في ركوعه: سبحان ربي رب العزة وتعالى عما يصف الظالمون! يقولها (مرتين) فإذا سجد قال الله أعلى، الله أعظم الله أعظم. ومن شرائعه أن الصوم يومان في السنة وهما المهرجان
(1)
والنيروز
(2)
وأن النبيذ حرام والخمر حلال ولا غسل من جنابة إلا الوضوء كوضوء الصلاة، وأن من حاربه وجب قتله ومن لم يحاربه ممن خالفه أخذت
(1)
المهرجان: هو عيد من أعياد المجوس، مدته ستة أيام ويسمى السادس منه المهرجان الأكبر، وهو في اليوم السادس عشر من شهر مهرماه أحد شهور الفرس ويوافق السادس والعشرين من تشرين الأول - بينه وبين ا لنوروز مائة وسبعة وستون يوماً.
يقع في وسط زمان الخريف، حتى قال شاعرهم فيه:
أحب المهرجان لأن فيه سروراً للملوك ذوي السناء
سبب تسميتهم لهذا اليوم بهذا الاسم لأنهم كانوا يسمون شهورهم أسماء ملوكهم، وكان لهم ملك يسمى مهر عُرف فيهم بالعنف والعسف، فمات في النصف من هذا الشهر فسمي من ذلك اليوم مهرجاناً. للمزيد انظر صبح الأعشى 2/ 420/ 421.
(2)
النيروز وهو المعروف باسم عيد النيروز هو أحد أعياد المجوس بل هو عيدهم الأكبر ويقع في أول يوم من سنتهم ولهم بسبب اتخاذه عيداً حكايات منها: - أن ملكهم جم شاذ ملك الأقاليم السبعة والجن والإنس، اتخذ له عجلة وركبها، وكان يسير بها في الهواء حيث شاء فكان يوم ركوبها في أول يوم من شهر أفردين ما، وهو الشهر الأول من أشهر الفرس، وكان مدة ملكه لا يريهم وجهه فلما ركبها أبرز لهم وجهه، وكان له حظ من الجمال فجعلوا رؤيتهم له عيداً واسمه نوروزا. ومن الفرس من يزعم أنه اليوم الذي خلق الله فيه النور ومدة احتفالهم بهذا العيد ستة أيام، ولهم فيه عجائب - غرائب. انظر تاريخ اليعقوبي 1/ 174 وبلوغ الارب للألوسي 1/ 348.
منه الجزية، ولا يؤكل كل ذي ناب ولا كل ذي مخلب
(1)
. وهذا يؤكد بأن هؤلاء الذين يعظمون المهرجان والنيروز هم مجوس في الأصل
(2)
. وهم أعداء للدين والملة، بل إنهم في هذه الفترة فعلوا بأهل الإسلام مالا يجرؤ على فعله إلا الملاحدة من أخذهم للحجر الأسود. فما أن وصل الحجاج إلى مكة سالمين، فما شعروا وهم في البلد الأمين وفي الشهر الحرام، إلا بالقرمطي ـ لعنه الله ـ، قد خرج عليهم في يوم التروية، فانتهب أموالهم واستباح قتالهم، فقتل الناس في رحاب مكة وشعابها، حتى في المسجد
(1)
تاريخ الطبري 5/ 603.
(2)
المجوسية: ديانة وثنية تقول بإلهين اثنين أحدهما إله للخير والآخر إله للشر. وبينهما صراع دائم إلى قيام الساعة، والتي تقوم حسب زعمهم
…
نتيجة لانتصار إله الخير على إله الشر، وقد اختلف العلماء في سبب تسميتها إلى أقوال عديدة منها:
1 -
نسبة إلى رجل اسمه مجوس.
2 -
نسبة إلى قبيلة من قبائل المجوس.
3 -
إنها وصف لعبادة النار.
واختلف أهل العلم في المجوس هل هم أهل كتاب ولهم رسول ولكنهم بدلوا وحرفوا أم لا؟، والذي عليه الجمهور أنهم ليسوا بأهل كتاب. وقد رجح ذلك القرطبي وابن قدامة وابن القيم رحمهم الله. والقول الثاني: أنهم أهل كتاب لكنهم بدلوا وحرفوا، واستدلوا بما عند البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عنهم: سنوا بهم سنة أهل الكتاب. كما استدلوا بأخذ عمر وعلي رضي الله عنهما الجزية منهم. ووجه الجمهور هذا القول، وذكر الشيخ وسيأتي في الملل والنحل أنهم أصحاب شبهة كتاب، انظر (الموسوعة الميسرة 2/ 1149، والملل والنحل ص 193 - ص 197.
الحرام وفي جوف الكعبة، حتى قتلهم في البيت قتلاً ذريعاً، لم يسلم منه طائف ولا مصلٍّ، بل وجلس أميرهم أبو طاهر
(1)
ـ لعنه الله ـ على باب الكعبة والرجال تصرع حوله في المسجد الحرام، وفي الشهر الحرام ثم في يوم التروية، الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول:
أنا بالله وبالله أنا
…
يخلق الخلق وأفنيهم أنا
فكان الناس يفرون، فيتعلقون بأستار الكعبة، فلا يجدي ذلك عنهم شيئاً، بل يقتلون وهم كذلك، ويطوفون فيقتلون في الطواف، وقد كان بعض أهل الحديث يومئذ يطوف، فلما قضى طوافه أخذته السيوف فلما وجب أنشد وهو كذلك:
ترى المحبين صرعى في ديارهم
…
كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
ثم أمر القرمطي - لعنه الله - أن تدفن القتلى ببئر زمزم ودفن كثيراً منهم في أماكنهم وحتى في المسجد الحرام، ولم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصل عليهم، لأنهم شهداء في نفس الأمر، بل من خيار الشهداء، وهدم قبة زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها، وشققها بين أصحابه وأمر رجلاً أن يصعد على ميزاب الكعبة فأراد أن يقتلعه فسقط على أم
(1)
ملك البحرين أبو طاهر سليمان بن حسن القرمطي، الأعرابي الزنديق الذي سار إلى مكة في سبعمائة فارس فاستباح الحجيج كلهم في الحرم، وقد جاء بالأعاجيب واستباح المحرمات ودعا إلى عمل قوم لوط وتوفي هذه الطاغية في رمضان وفي هجر بالجدري فلا رحم الله فيه مغرز إبرة. انظر سير أعلام النبلاء. 15/ 320، وشذرات الذهب 4/ 179.
رأسه ومات ـ لعنه الله ـ وصارَ إلى أمه الهاوية فانكف اللعين عند ذلك عن الميزاب، ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود، وجاءه رجل فضرب الحجر بمثقل في يده وقال أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود ـ شرفه الله وكرمه وعظمه ـ وأخذوه معهم حين راحوا إلى بلادهم، وظلّ عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردوه
(1)
. وقد ألحد هذا اللعين في المسجد الحرام إلحاداً لم يسبقه إليه أحد عسى أن يجاز به على ذلك بعذاب من لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ـ جل وعلا ـ وإنما حمل هؤلاء على هذا الصنيع أنّهم كانوا كفاراً زنادقة وكانوا ممالئين للفاطميين
(2)
. وذكر ابن الجوزي: بأن هذا الخبيث قد قلع قبة بئر زمزم
(1)
انظر البداية والنهاية 15/ 38، 39.
(2)
الفاطميون: قوم ينتسبون إلى عبد الله بن محمد الجيب بن جعفر المصدق بن محمد الفاطمي العلوي من ولد جعفر الصادق. ويسمون العبيديون وهم من غلاة الشيعة الباطنية وأنشئت دولتهم في المغرب ومصر وتسموا بالفاطميين، وهم ينتسبون إلى عبد الله بن ميمون القداح، الذي خرج من صلبه عبيد الله المهدي وادعى أنه شريف علوي فاطمي، قال عن نفسه: إنه نبي، رحل إلى المغرب سنة 296، واستطاع أن يكون له قوة حتى أصبح بعد ذلك ملكاً، ثم استطاعت هذه الدولة أن تضم إليها مصر عن طريق جوهر الصقلي عام 350 في عهد المعز لدين الله، وبنى فيها القاهرة والأزهر، وجملة اعتقاد هذه الفرقة: إنكار وجود الله والكفر بالنبوات وإبطال الشرائع، ثم تولى بعد ذلك الحاكم بأمر الله وأسس دار الحكمة فاجتمع بها زنادقة الإسماعيلية والفرس وخدعوا هذا الخبيث حتى ادعى الألوهية، ودعا إليها في عام 408 على يد ثلاثة من الإسماعيلية وهم: حمزة بن علي الزوزني، ومحمد بن إسماعيل الدرزي مؤسس مذهب الدروز، والحسن بن حيدرة الفرغاني، واستمرت هذه الدولة جاثمة على صدر الأمة مئتين وثمانين عامًا، أظهروا فيها من المنكرات العظيمة والفساد المستشري، وتعظيم الأضرحة وسب الصحابة، حتى قيض الله صلاح الدين الأيوبي فقضى عليهم. انظر البداية والنهاية 15/ 39. ومجموع فتاوى ابن تيمية 35/ 120 ـ 144 وعلاقة الفاطميين بدول المغرب العربي، والحركات الباطنية في العالم الإسلامي 199 ـ 223 وكتاب: قضية نسب الفاطميين أمام منهج النقد التاريخي، وكتاب وجاء دور المجوس ص 75 ـ 76.
وعرى الكعبة، ثم ذكر قصة أسر القرامطة أحد أهل الحديث حيث قال: وأخبرني رجل من أصحاب الحديث أسرته القرامطة واستعبدته سنين، ثم هرب منها إلى أمكنة قال: وكان يملكني رجل منهم يسومني سوء العذاب، يستخدمني أعظم خدمة، ويعربد إذا سكر فسكر ليلة وأقامني حياله، وقال: ما تقول في محمد هذا صاحبكم؟ فقلت: لا أدري، ولكن ما تعلمني أيها المؤمن أقوله، فقال كان رجلاً سائساً قال: - فما تقول في أبي بكر
(1)
؟ قلت: لا أدري، قال: كان رجلاً ضعيفاً مهيناً، قال: فما تقول في
(1)
هو الخليفة الراشد الصديق الصحابي الجليل عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة التيمي القرشي أول من أسلم من الرجال وثاني اثنين إذ هما في الغار، لقبه النبي الكريم بالصديق ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر، أحب الصحابة وأقربهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت الراية معه في يوم تبوك وحج في الناس أول حجة في الإسلام في السنة التاسعة للهجرة، واستقر خليفة في الأرض بعد وفاة النبي صلوات الله عليه ولقبه المسلمون خليفة رسول الله. ولم يختلف أحد من الصحابة بأفضليته وأوليته، وقد بذل من نفسه وماله في سبيل الله مالا يخفى على عاقل وسمي بالعتيق لجماله، حيث كان أبيض نحيفاً، خفيف العارضين مع
…
الوجه، وقيل سمي عتيقاً لأنه قديم في الخير وقيل غير ذلك، وكان أنسب العرب وأعلم قريش بأنسابها أسلم رضي الله عنه وله أربعون ألف درهم، ومات ولم يترك ديناراً ولا درهماً. اعتق سبعة من أهل الإسلام منهم بلال بن رباح. ومناقبه رضي الله عنه كثيرة جداً وترجم له ابن عساكر في تاريخه قدر مجلد، توفي رضي الله عنه في يوم الاثنين في جمادي الأولى سنة 13 هـ. وهو ابن ثلاث وستين سنة بعد خلافة راشدة عادلة عمرها سنتان وثلاثة أشهر واثنان وعشرون يوماً. انظر الإصابة في تمييز الصحابة 4/ 144/ 150، وأسد الغابة 3/ 208.
عمر؟
(1)
قلت: لا أدري، قال: كان والله فظاً غليظاً، قال فما تقول في عثمان؟
(2)
قلت: لا أدري قال: كان جاهلاً أحمق، قال: فما تقول في
(1)
هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي، ثاني الخلفاء الراشدين، شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة أسلم في السنة السابعة من البعثة، أعز الله به الإسلام ولي الخلافة بعد الصديق في السنة الثالثة عشرة بعد الهجرة فتحت في عصره الشام والعراق ومصر، عرف بعدله وعزمه وسداده وقوة جأشه وحنكته وشجاعته وعبادته وزهده وورعه قتل مغدوراً مطعوناً بخنجر مسموم على يدي مجوسي حاقد ترجم له في أسد الغابة 3/ 641، والإصابة 2/ 511.
(2)
هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذو النورين زوج رقية وأم كلثوم بنتا الرسول صلى الله عليه وسلم. ولد بعد الفيل بست سنين، أسلم قديماً على يد الصديق وأحد المبشرين بالجنة ومن المنفقين في سبيل الله وهو أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجته رقية، بويع في الخلافة بعد الفاروق رضي الله عنهما، مات رضي الله عنه مقتولاً مظلوماً، على أيدي طغاة في الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين للهجرة، وهو ابن اثنين وثمانين سنة بعد خلافة راشدة عادلة دامت إحدى عشر سنة وإحدى عشر شهراً واثنين وعشرين يوماً. انظر الإصابة 4/ 377 أسد الغابة 3/ 584.
علي؟ قلت: لا أدري، قال: - كان ممخرقاً
(1)
، ثم قال المحدث: فإذا القوم زنادقة، لا يؤمنون بالله، ولا يفكرون في أحد من الصحابة»
(2)
. ومما يؤكد بأن هؤلاء القوم زنادقة، ما ذكره ابن الجوزي في المنتظم، حيث قال نقلاً عن أحد الشهود: كنت أطوف بالبيت فإذا بقرمطي سكران وقد دخل المسجد بفرسه، حتى بال في الطواف، وجرد سيفه ليضرب به من لحق به، وكنت قريباً منه، فعدوت، فلحق رجلاً كان إلى جنبي فضربه فقتله، ثم وقف وصاح: يا حمير أليس قلتم في هذا البيت من دخله كان آمناً، فكيف يكون آمناً، فكيف يكون آمناً وقد قتلته الساعة بحضرتكم. قال: فخشيت من الرد عليه أن يقتلني، ثم طلبت الشهادة، فجئت حتى لصقت به وقبضت على لجامه وجعلت ظهري مع ركبتيه لئلا يتمكن من ضربي بالسيف، ثم قلت: اسمع قال: قلت: إن الله عز وجل لم يرد أن {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}
(3)
، إنما أراد من دخله فأمنوه، وتوقعت أن يقتلني، فلوى رأس فرسه وخرج من المسجد وما كلمني
(4)
. ولاشك فإن فتنة هؤلاء
(1)
والممخرق: هو ما تلعب به الصبيان من الخيرق، انظر لسان العرب 10/ 76 ويقصد بذلك أن علياً رضي الله عنه ألعوبة ـ فلعن الله ذلك الزنديق الذي وصف النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بهذه الأوصاف الدنيئة.
(2)
انظر المنتظم 13/ 282 ـ 283، والبداية 15/ 40.
(3)
سورة آل عمران، آية:97.
(4)
انظر المنتظم 13/ 282. والبداية 15/ 40، 41.
القوم، كانت كبيرة، وأثرهم كان عظيماً، وبلغ من استهانتهم في حرمات الله، مالا يتصوره عاقل، ولاشك بأن هذه الأفعال والتصرفات تدل دلالة واضحة على ضعف الخلافة العباسية، وضعف حمايتهم لبيت الله الحرام.
ثالثاً: كما كان هذا العصر الذي عاشه أبو الحسن امتداداً لما قبله، والذي شهد
سيطرة الأتراك
على جميع أمور الدولة. فكان الخليفة في أيديهم كالأسير، حتى بلغ من سيطرتهم وسطوتهم أنهم يعزلون من الخلفاء من يشاءون، فمن أعجبهم من الخلفاء أبقوه، ومن لم يعجبهم خلعوه أو قتلوه، وكانت السيطرة والسطوة للوزير، أما الخليفة فليس له إلا الاسم. وكان الوزراء، إذا مات خليفة أو خلعوه، اختاروا خليفة من بعده ممن ليس أهلاً لها إما لصغر سنه أو ممن يتوسمون فيه الخضوع والانقياد لرغباتهم، أما إذا كان الخليفة يظهر القوة والتعنت، بادروا للتخلص منه، كما كانوا لا يتورعون زرع الفتنة وإثارة الخلاف بين بني العباس، حتى تدوم لهم سيطرتهم ومثال ذلك: عندما ولوا المقتدر بالله أبا الفضل جعفر ابن المعتضد، وكان عمره ثلاث عشرة سنة، قال ابن كثير: «وكان في بيت مال الخاصة خمسة عشر ألف ألف دينار، وفي بيت مال العامة ستمائة ألف دينار ونيف، وكانت الجواهر الثمينة،
بالحواصل
(1)
من لدن بني أمية، وأيام بني العباس، قد تناهى جمعها، فما زال يفرقها في حظاياه وأصحابه حتى أنفذها، ثم قال: وكان له من الخدم والحجاب والحشمة التامة شيء كثير جداً»
(2)
. قلت: ولاشك بأن هذا الإسراف والعبث في أموال بيت المال وإنفاقه، على الوزراء والحاشية يدل على خلوص هؤلاء الأتراك إلى مبتغاهم. وقد تحدث محمود شاكر رحمه الله فقال:
(3)
(4)
. قلت:
(1)
الحواصل: هو ما خلص من الفضة من حجارة المعدن، ويقال للذي يخلصه محصل، والمحصلة هي المرأة التي تحصل تراب المعدن انظر لسان العرب 11/ 154.
(2)
انظر البداية والنهاية 14/ 7434، والمنتظم 13/ 60.
(3)
هو: محمود بن محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد القادر، ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي ولد بالإسكندرية عام 1307 هـ، كان له مع محب الدين الخطيب فكرة إنشاء جمعية الشبان المسلمين، حصل على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي عام 1404 هـ من أهم كتبه: التاريخ الإسلامي، المتنبي، طبقات فحول الشعراء، جمهرة نسب قريش. توفي سنة 1418 هـ. انظر: معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين 3/ 1318 ـ 1321 وأبو فهر محمود محمد شاكر مقالة في مجلة الأدب الإسلامي المجلد الرابع العدد السادس عشر، ص 4 ـ 7.
(4)
انظر التاريخ الإسلامي 6/ 49.
وسيطرة الأتراك استمرت حتى زعزعت دولة بني العباس.
رابعاً: وكانت تلك الأمور السياسية هي أبرز الأحداث، ويضاف إلى ما سبق أن هذه الفترة كانت فترة انشغال خلفاء بني العباس عمَّا أوجب الله عليهم، حيث انشغلوا في الدنيا، وتعامل بعضهم مع الرعية تعاملاً فيه الكثير من القسوة. ومن أولئك المقتدر: قال عنه الذهبي: كان جيد العقل، صحيح الرأي، ولكنه كان مؤثراً للشهوات، نقل ذلك عن أبي علي التنوخي
(1)
قال: وكان منهوماً باللعب، والجواري لا يلتفت إلى أعباء الأمور فدخل عليه الداخل، وكان سمحاً، متلفاً للأموال حيث محقَ مالاً لا يعد ولا يحصى
(2)
.
5 -
انشغل بعض خلفاء هذه الحقبة بالمجون والفسق وإشباع الشهوات، واللهو عن كثير من أمور الخلافة.
6 ـ كما أن من الأمور الملاحظة في هذا العصر رجوع بعض الخلفاء إلى أقوال الناس وسيطرة المرأة، وغلبت آرائهن على الرجال فمثلاً، الخليفة المقتدر جعل الأمر والنهي بيد أمه
(3)
حتى أطلق عليها المؤرخون اسم
(1)
هو: القاضي العلامة أبو علي المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي البصري الأديب. ولد بالبصرة سنة 327 هـ وكان إخبارياً متفنناً، من مؤلفاته الفرج بعد الشدة، والنشور، عاش سبعاً وخمسين سنة وكانت وفاته في المحرم سنة 384 هـ وكان قد تولى القضاءراماهرمز وعسكر مكرم انظر سير أعلام النبلاء 16/ 524.
(2)
انظر سير أعلام النبلاء 15/ 43، 45 باختصار.
(3)
هي: شغب، أم أمير المؤمنين المقتدر ـ بالله الملقبة بالسيدة، كانت في غاية الحشمة والرئاسة أَيام خلافة وَلدها، وكانت امرأة صالحة، وكان دخلها في السنة ألف ألف دينار أي مليون وكانت تتصدق بأكثر ذلك على الحجاج، حيث كانت تأمر بأن تسهل الطُّرْقُ، وأَن يُوفَّر للحجَّاج أَطباء، وقد عذبها القاهر، قال ابن كثير: ولما استقرَّّ أمرُ القاهر في الخلافة ـ وهو ابنُ زوجها المعتضد، وقد كانت حَضَنَتْه حين توفيت أُمُّه وخلصته من ابنها لما كان مؤنس قد بايعه به ولم يتمَّ ذلك، عاقبها القاهر عقوبةً عظيمةً جداً، حتى كان يعلقها برجلها، ورأسُها منكوسُ، فربما بالت فينحدر على وجهها، ليقررها على الأموال التي في يدها، فلم يجد لديها شيئاً سوى ثيابها، ومصاغها وحليتِّها في صناديق لها، وقيمتها مائةُ وثلاثون ألف دينار، لأن جميع ما كان يدخلها تتصدَّق به، ووقفتْ شيئاً كثيراً، ولكن كان لها أملاكٌ أمر ببيعها، وأتى بالشهود ليشهدوا عليها بالتوكيل في بيعها، فامتنع الشهود من أداء الشهادة حتى يُحِلُّو ها، فرُفع السترُ بإذن الخليفة فقالوا لها: أنت شغبٌ جارية المعتضد أم جعفر المقتدر فبكت بكاءً طويلاً ثم قالت: نعم، وبكى الشهود وتفكروا في تقلب الزمان، وتَنَقُّلِ الحَدَثان، وكانت وفاتها في جمادَى الأولى من هذه السنة ودُفنت بالرُّصافة ـ رحمها الله ـ سنه إحدى وعشرين وثلاثمائة. انظر البداية والنهاية 15/ 74 ـ 75، وانظر النجوم الزاهرة، 3/ 272، والمنتظم 13/ 322.
السيِّدْ
(1)
. قال ابن الأثير
(2)
: إن المقتدر أهمل من أحوال الخلافة كثيراً، وحكم فيها النساء والخدم، وفرط في الأموال، كما أنها ـ أي والدته ـ عينت
(1)
انظر الكامل في التاريخ 8/ 243.
(2)
هو: الإمام عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري المؤرخ الشافعي، أخو مجد الدين، صاحب النهاية في غريب الحديث ولد سنة خمس وخسمين وخمسمائة. وكان إماماً نسابة مؤرخاً، صنف: التاريخ المشهور بالكامل، واختصر الأنساب للسمعاني وهذبه، وأسد الغابة في معرفة الصحابة، توفي رحمه الله في سنة ثلاثين وستمائة. انظر سير أعلام النبلاء 22/ 353، وشذرات الذهب 7/ 241.
قهرمانتها
(1)
مسؤولة عن المظالم، وبذلك تعدى الأمر جلوس الوزراء للمظالم إلى جلوس بعض النساء
(2)
، فانظر إلى ما بلغه نفوذ تلك المرأة الرومية، بل إِنها إذا غضبت هي أو قهرمانتها، من أحد الوزراء، أصبح مصيره العزل لا محالة. وقال ابن كثير:«كان المقتدر يبذر ويفرط في الأموال وطاعة النساء، وعزل وزراء حتى قيل: إن جملة ما صرفه في الوجوه الفاسدة والتبذير ما يقارب 80 ألف ألف دينار «80 مليون دينار»
(3)
. ومما يدل على شدة سيطرتها، أن القاهر لما تولى الخلافة استدعى أم المقتدر وهي مريضة، وقد تزايد بها الوجع من شدة جزعها على ولدها حين بلغها قتله، وكيف بقي مكشوف العورة فبقيت أياماً لا تأكل شيئاً، ثم وعظها النساء حتى أكلت شيئاً يسيراً من الخبز والملح، ومع هذا كله استدعاها القاهر، فقررها على أموالها، فذكرت ما يكون للنساء من الحلي والمصاغ والثياب، ولم تقر بشيء من الأموال والجواهر، وقالت له: لو كان عندي من هذا شيء ما سلمت ولدي، فأمر بضربها وعلقت من رجليها، ومسها بعذاب شديد من العقوبة وأشهدت على نفسها ببيع أملاكها، وأرادها على بيع أوقافها، فامتنعت من ذلك وأبت أشد الإباء
(4)
.
(1)
القهرمانة: هي مديرة البيت ومسئولة شؤونه، ومنه القول المأثور المرأة ريحانة وليست بقهرمانة. انظر المعجم الوسيط 2/ 770.
(2)
انظر الكامل في التاريخ 8/ 443، باختصار وتصرف.
(3)
انظر البداية 15/ 59، 60.
(4)
انظر البداية والنهاية 15/ 63.
المبحث الثاني
الحالة الاجتماعية
لقد عاش الأشعري في هذه الحقبة التي كثرت فيها الاضطرابات والفتن، والتمزق الذي كانت تعيشه الدولة العباسية، كل ذلك كان مؤثراً تأثيراً ملموساً على الناحية الاجتماعية، وذلك لما تم بيانه من قبل، فعدم الاستقرار السياسي أدى إلى عدم الاستقرار الاجتماعي، فقد عمت الفوضى، ومن ذلك مثلاً: أنه في سنة سبع وثلاثمائة كسرت العامة الحبوس فأفلت من كان فيها
(1)
. كذلك ارتفعت الأسعار في سنة ثمان وثلاثمائة فاضطربت العامة لذلك، وذهبوا إلى قصر الإمارة، وقتل منهم جماعة، ومنعوا يوم الجمعة الإمام من الصلاة، وهدموا المنابر، وخربوا مجالس الشرطة، وأحرقوا الجسور وأمر السلطان بمحاربة العوام، فأخذوا وضربوا
(2)
. ووقع في سنة 322 نهب ببغداد
(3)
(4)
،
(1)
انظر المنتظم 13/ 189.
(2)
انظر المنتظم 13/ 194 بتصرف واختصار.
(3)
بغداد هي: مدينة عراقية، أسسها ثاني خلفاء بني العباس على نهر دجلة، حتى أصبحت قاعدة الخلافة العباسية، وعاصمة العراق، وقد لحقها خراب أدى إلى نقل الخلافة منها إلى سامراء، ثم عادوا إليها في عام 279 وظلت عاصمة إلى يومنا هذا، ويبلغ طولها اليوم من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها نحواً من عشرين كيلومتراً. وهي مركز تجاري وثقافي وتشتهر بالصناعات الإلكترونية والحديد والصلب والغزل والنسيج والزراعة. انظر بلدان الخلافة 42 ـ 51 وموسوعة المدن ص 236.
(4)
انظر المنتظم 13/ 365.
ومن ذلك أيضاً في سنة 324 هـ أن الجند أحدقوا بدار الخلافة، ونصبوا خيامهم فيها وحولها وملكوها
(1)
وكان كثير من الخلفاء يستأثرون بالمال على الناس، ويخزنونها لأنفسهم، ويجعلون الناس في جوع وفقر مع أن بيت المال مليء، وقد ذكر أحمد أمين
(2)
بأن الناس في عصر الأشعري كانوا ينقسمون من الناحية الاجتماعية إلى ثلاث فئات:
1 -
الفئة الأولى: طبقة الأرستقراطيين من خلفاء ووزراء وتجار كبار وأشراف.
2 -
الفئة الثانية وهي الفئة الوسطى من تجار متوسطين وملاك متوسطين ونحوهم.
3 -
الفئة الثالثة وهي فئة فقيرة وهي عامة الشعب من صغار الفلاحين وصغار العمال، والعلماء الذين بعدوا عن الخلفاء، والأمراء
(3)
.
(1)
انظر المنتظم 13/ 356.
(2)
هو: أحمد بن أمين بن الشيخ إبراهيم الطباخ، ولد في القاهرة سنة 295 هـ، ودرس في الأزهر، تولى القضاء، ثم عين عميداً لكلية الآداب بالجامعة المصرية، وكان عضواً بالمجمع اللغوي في القاهرة، له الكثير من المقالات في مجلتي الرسالة والثقافة، وله العديد من الكتب من أبرزها: فجر الإسلام، وضحى الإسلام، وظهر الإسلام. انظر: الأعلام للزركلي 1/ 379. قلت: والرجل عنده ميل واضح للاعتزال والتجهم، بل وله كلام خطير في مدحهم كقوله: ولهؤلاء الجهمية وجهة نظر محترمة!! ولكنهم لما خرجوا على الأمويين شنع هؤلاء عليهم، انظر: ظهير الإسلام 4/ 22 فجعل القدح بالجهمية مسألة سياسية لا عقدية.
(3)
انظر ظهر الإسلام ص 12.
وكان المجتمع في هذا العصر العباسي يتألف من أجناس متعددة من عرب وفرس وبربر وأتراك، كما أن من فئات المجتمع طبقة الأرقاء، الذين تكونت من خلالهم فتنة الزنج التي استمرت خمسة عشر عاماً من 255 إلى 270، وكلفت الكثير من الأموال والدماء. وكانت نظرة خلفاء بني العباس إلى هؤلاء الأرقاء لم تكن نظرة ازدراء، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك: مؤنس، الخادم الأكبر عند المعتضد، حيث قال عنه الذهبي: «مؤنس، الخادم الأكبر، الملقب بالمظفر المعتضدي أحد الخدام الذين بلغوا رتبة الملوك، وكان خادماً أبيضَ فارساً شجاعاً سائساً داهية، وبقي مؤنس ستين سنة أميراً وعاش تسعين سنة. وخلف أموالاً لا تحصى
(1)
. ولعل السر في نظرة الخلفاء للأرقاء نظرة احترام يعود كما قال أحمد أمين: «لأن كثيرين منهم كانت أمهاتهم من الرقيق، وقد أولع الخلفاء وكبار ورجال الدولة باتخاذ الإماء من غير العرب، حتى إنهم كانوا يفضلونهن، أحياناً على العربيات الحرائر»
(2)
. أما اليهود والنصارى في ذلك العصر، فكانوا في غالب الأقطار الإسلامية، وكانوا يتمتعون بعدل الإسلام
(3)
. أما عامة الناس، فكانوا يعانون من فقر وفاقة، ذكر ابن العماد الحنبلي أنه في سنة 260 كان
(1)
انظر سير أعلام النبلاء 15/ 56.
(2)
انظر ظهر الإسلام 1/ 97.
(3)
انظر تاريخ الإسلام لحسن إبراهيم 3/ 425.
كسر
(1)
الحنطة بمئة وخمسين ديناراً، ودام أشهراً
(2)
، وفي عام 278 غار ماء النيل
(3)
. وقال ابن كثير:
(4)
«في هذه السنة غار ماء النيل، وهذا شيء لم يعهد مثله ولا بلغنا في الأخبار السالفة، فغلت الأسعار بمصر بسبب ذلك جداً
(5)
. كما غلت الأسعار في سنة ثمان وثلاثمائة قال ابن كثير: غلت الأسعار في هذه السنة ببغداد فاضطربت العامة
(6)
. كما ذكر ابن كثير أنه في سنة ثلاثمائة وثلاث وعشرين، غلت الأسعار حتى بيع الكرس من
(1)
الكسر: مكيال لأهل العراق. يساوي ستين قفيزاً، أي ما يعادل اثني عشر وسقاً، وكل وسق ستون صاعاً. انظر لسان العرب 5/ 136.
(2)
انظر شذرات الذهب 3/ 264.
(3)
غار: أي سفل في الأرض والغور المطمئن في الأرض. انظر الصحاح للجوهري 2/ 489.
(4)
هو: الإمام الحافظ العمدة، شيخ المحدثين المؤرخ المفسر عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء القرشي الدمشقي. ولد في دمشق سنة إحدى وسبعمائة، تتلمذ على يد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وعلى يد الحافظ المزي، وأوذي كما أوذي شيخه شيخ الإسلام بسبب رأيه في مسألة الطلاق. أثنى عليه الكثير من العلماء، فقال عنه الذهبي،:«الفقيه المحدث ذو الفضائل» وقال عنه ابن حجر: «صارت تصانيفه في البلاد» له العديد من المؤلفات ومن أهمها: تفسير القرآن العظيم، واختصار علوم الحديث، وجامع المسانيد والبداية والنهاية، وبلغت كتبه خمسة وعشرين مؤلفاً توفي رحمه الله سنة 774 هـ. انظر ترجمته في مقدمة البداية والنهاية 13/ 1، والبدر الطالع 1/ 153 والأعلام 1/ 317.
(5)
انظر البداية والنهاية 14/ 635، والمنتظم 12/ 287.
(6)
انظر البداية والنهاية 14/ 815.
الحنطة بمئة وعشرين ديناراً
(1)
. كما ذكر ابن كثير بأنه كان بُخراسان
(2)
غلاءٌ شديدٌ وفناءٌ كثير، بحيث كان يهمهم أمر دفن الموتى
(3)
.
كما وقع ببغداد في سنة أربع وعشرين وثلاثمائة غلاء عظيم وفناء كثير بحيث انعدم الخبز فيها خمسة أيام، ومات من أهل البلد خلق كثير، وأكثر ذلك كان من الضعفاء، وكان الموتى يلقون في الطرقات ليس لهم من يقوم بأمرهم، ويحمل على الجنازة الواحدة الاثنان من الموتى، وربما يوضع معهم صبي، وربما حفرت الحفرة الواحدة فتوسع حتى يوضع فيها جماعة، ومات من أصبهان
(4)
نحو مائتي ألف ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
انظر البداية والنهاية 15/ 89، والمنتظم 13/ 351.
(2)
خراسان: بلاد واسعة أول حدودها مما يلي العراق. وقد فتحت أكثر بلادها عنوة في أيام عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، وينسب إليها باسم الخراساني. أمّا خراسان في الوقت الحاضر فهي منقسمة بين ثلاث دول هي: روسيا وأفغانستان وإيران وتتكون من المدن التالية: نيسابور، مرو، هراة، بلخ. وغالباً ما تطلق على القسم الشمالي الغربي من أفغانستان .... ومع اتساع خراسان وتكونها من سهول وجبال ورمال، فإنها في جملتها معتدلة المناخ، لطيفة الهواء، ليس فيها مناطق حارة متقدة الحرارة، ولا مناطق باردة شديدة البرودة، وهي قليلة الأمطار. للاستزادة: ينظر معجم البلدان 1/ 289، 2/ 350. وخراسان في العصر القزويني 1 ـ 5 وبلدان الخلافة الشرقية 423 وخرسان 6 ـ 8.
(3)
انظر البداية والنهاية 15/ 91.
(4)
أصبهان: مدينة بأرض فارس منهم من يفتح الهمزة وهم الأكثر وكسرها آخرون منهم السمعاني وأبو عيد البكري وهي مدينة عظيمة مشهورة من أعلام المدن، وعرفت هذه المدينة بعظم خيرات أراضيها ووفرة مياهها وهي تقع اليوم على نهر زندرود وقد نسبت هذه المدينة على ما أجمعت عليها الروايات إلى اليهود الذين أسكنهم بختنصر فيها. انظر معجم البلدان 1/ 167. انظر بلدان الخلافة الشرقية ص 238.
إنسان
(1)
. وقال ابن العماد إنه في سنة أربع وعشرين وثلاثمائة اشتد الجوع وكثر الموت، فمات بأصبهان نحو مائتي ألف
(2)
. أما الأمراض وغيرها ففي هذا العصر الكثير من المآسي، ففي سنة ثلاثمائه مثلاً كثرت الأمراض ببغداد والأسقام والآلام وكَلِبَت الكلاب
(3)
حتى الذئاب في البادية، وكانت تقصد الناس والبهائم بالنهار، فمن عضته أهلكته
(4)
. وكانت تطلب الناس والدواب، فإذا عضت إنساناً هلك.
(1)
انظر البداية 15/ 96.
(2)
انظر البداية والنهاية 14/ 778 والمنتظم 13/ 133 وشذرات الذهب 4/ 126.
(3)
ومعنى كلبت الكلاب، أي: تعودت أكل الناس، انظر. لسان العرب 1/ 722.
(4)
انظر البداية والنهاية 14/ 778 والمنتظم 13/ 133 وشذرات الذهب 3/ 324.
المبحث الثالث
الناحية العلمية
لقد شهد العصر الذي عاشه الأشعري ازدهاراً من الناحية العلمية وتميز بوجود عدد من العلماء، سواء من أئمة الحديث أو الفقه، كذلك بعض الأئمة في العقيدة، كما وُجدَ بعض الأعلام لبعض الفرق والطوائف، والعصر الذي عاشه الأشعري على الرغم مما فيه من اضطرابات وفتن وقلاقل، إلا أنه يعد من أزهى العصور العلمية والفكرية التي شهدتها الأمة، وخاصة في بغداد. كما شهد هذا العصر فتنة الحلاج
(1)
. وفي هذا العصر دونت بعض كتب السنة من قبل الأئمة،
(1)
هو: الحسين بن منصور بن محيي، الفارسي، الحلاج، ويقال له أبو مغيث، الفارسي البيضاوي الصوفي، والبيضاء مدينة ببلاد فارس، نشأ الحسين، بتستر وصحب .. ابن عبد الله التستري والجنيد، وأبا الحسين النوري، ثم تصوف الحلاج، وتعبد، فبالغ في المجاهدة والترهب ثم فتن، فدخله من الكبر، والرئاسة، فسافر إلى الهند وتعلم السحر، فحصل به حالة شيطانية. ولعل غلوه هو الذي أوصله لمثل هذه الحالة، وذكر ابن كثير شيئاً من حالته فقال: وكان يصابر نفسه ويجاهدها، فلا يجلس إلا تحت السماء في وسط المسجد في البرد والحر، ولا يأكل إلا بعض قرص، ويشرب قليلاً من الماء معه، وذلك وقت الفطور، مدة سنة كاملة ويجلس على صخرة في قبالة الحرم في جبل أبي قبيس. وقال الذهبي: «قال ابن الوليد: كان المشايخ يستثقلون كلامه، وينالون منه لأنه كان يأخذ نفسه بأشياء تخالف الشريعة وطريقة الزهاد، وكان يدعي المحبة لله، ويظهر منه ما يخالف دعواه.
قلت: لاريب أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم علم لمحبة الله لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الآية 31/ آل عمران]. وقال ابن العماد بدت منه كفريات أباحت دمه واشتبه على الناس السحر بالكرامات، فضل به خلق كثير، كدأب من سيبقي ومن يكون إلى مقتل الدجال الأكبر، والمعصوم من عصمه الله،. آه. وذكر ابن كثير أنه كان حلولياً، يرى بأن الله قد حل فيه «جل الله عما يقول هذا المارق علواً كبيراً به» ومن شعره
جبلت وحلت في روحي كما
…
يجبل العنبر بالمسك الفتق
فإذا مسك شيء مسني
…
فإذا أنت أنا لا نفترق
وقوله أيضاً:
مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة بالماء الزلال
فإذا مسك شيء مسني فإذا أنت أنا في كل حال
ولهذا المارق الكثير من الخرافات وادعاء الألوهية، حتى إن الذهبي كتب في سيرته، أربعين صفحة، وابن كثير أربعاً وعشرين صفحة، وذكر ابن كثير بأن الفقهاء، وفي بعض نسخ العلماء، أجمعوا على كفره وقتله، وقد قتل هذا المارق سنة 309 شر قتلة حيث ضرب قبل قتله ألف سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، ثم ضرب عنقه، وأحرقت جثته، بعد أن نزعت منها يداه ورجلاه، وعلقتا بجوار رأسه، وقد افتتن بعد مقتله خلق، ولست بصدد ذكر فتنته، وإنما إيراد شيء من ترجمته. انظر البداية والنهاية 14/ 818 - 842، وسير أعلام النبلاء، 14/ 313 - 354، وشذرات الذهب 4/ 41 - 47.
ومن أهمها صحيح مسلم
(1)
وكتاب السنن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
هو: الإمام الكبير الحافظ المغوار، الحجة الصادق أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد القشيري النيسابوري أحد الأئمة من حفاظ الحديث، ولد سنة أربع ومائتين سنة 204 وروى رحمه الله، عن الكثير من الأئمة، وتتلمذ على يده أعداد لم يروِ عنهم في صحيحه كعلي بن الجعد، وعلي بن المديني، ومحمد بن علي الذهلي، أما من روى عنهم في الصحيح منهم فخلق كثير، ومن أبرزهم: الإمام أحمد بن أحمد، وإسحاق بن راهويه توفي رحمه الله بعد أن ترك للأمة صحيحه. توفي سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور عن بضع وخمسين سنة. للمزيد من ترجمته انظر البداية والنهاية 14/ 551 - 557.، وسير أعلام النبلاء 12/ 557 - 580.
للإمام ابن ماجه
(1)
، وكتاب السنن للإمام أبي داود السجستاني
(2)
، وسنن الترمذي
(3)
.
(1)
هو: الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه، القزويني، ولد رحمه الله سنة تسع ومائتين، وكان من أئمة الحديث، قال ابن كثير: - له كتاب السنن المشهورة وهي دالة على علمه وعمله وتبحره واطلاعه واتباعه للسنة النبوية في الأصول والفروع، ويشتمل على اثنين وثلاثين كتاباً وألف وخمسمائة باب، ويحتوي على أربعة آلاف حديث كلها جياد سوى اليسير، وقد حكي عن أبي زرعة الرازي أنه انتقد منها بضعة عشر حديثاً، وربما يقال: إنها موضوعة أو منكرة جداً. وله تفسير حافل وتاريخ من لدن الصحابة إلى عصره، وكانت وفاته رحمه الله -سنة ثلاث وسبعين ومائتين عن أربع وستين سنة. انظر البداية والنهاية، 14/ 608 - 609، وسير أعلام النبلاء 13/ 277، شذرات الذهب 3/ 308.
(2)
أبو داود السجستاني هو: الإمام المحدث سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن عامر شيخ السنة من الحفاظ ولد سنة 202، ألف كتابه السنن في بغداد وعرضه على الإمام أحمد، فاستجاده واستحسنه وذكر ابن كثير عن البغدادي أنه قال: إن أبا داود كان يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب، وروى عنه خلق منهم النسائي، توفي رحمه الله سنة خمس وسبعين ومائتين عن ثلاث وسبعين سنة. انظر البداية والنهاية 14/ 616/ 619.، وسير أعلام النبلاء 13/ 203 - 221. شذرات الذهب 3/ 313.
(3)
هو: الإمام محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك، وقيل محمد بن عيسى بن يزيد ابن سورة بن السكن، أبو عيسى السلمي الترمذي الضرير. قيل إنه ولد أعمى، والصحيح أنه أصابه في كبره، ولد سنة عشر ومائتين وسمع من خلق كثير من أبرزهم الإمام البخاري، وإسحاق بن راهوية، وحدث عنه خلق منهم المروزي، وأحمد النسفي، ومحمد بن محبوب، راوي الجامع. قال الحاكم مات البخاري. وما خلف في خراسان، بعده كالترمذي، من أهم كتبه الجامع، والعلل، والشمائل، توفي رحمه الله سنة تسع وسبعين ومائتين. انظر البداية والنهاية 14/ 647 - 649، وسير أعلام النبلاء 13/ 270 - 277.
وكتاب السنن الكبرى للإمام النسائي
(1)
. فأنت تلحظ هنا خمسة من الكتب الستة دونت في عصر أبي الحسن الأشعري رحمه الله، مما يدل على ارتفاع شأن الحديث في عصره أما كتب السنة التي دونت في عصره من غير الكتب الستة فكثيرة، ومن أهمها: السنن للدارمي
(2)
.
(1)
هو: الإمام الحافظ الثبت، شيخ الإسلام، أحمد بن شعيب بن علي بن سنان، بن بحر، بن دينار، الخرساني النسائي أبو عبد الرحمن النسائي. ولد رحمه الله في سنة خمس عشرة ومائتين، وسمع من عدد من الأعلام منهم إسحاق بن راهويه وهشام بن عمار والبزار، وحدث عنه عدد من الأعلام منهم أبو جعفر الطحاوي، وأبو القاسم الطبراني، وكان من بحور العلم مع الفهم والإتقان، وكان شيخاً مهيباً، ألف وصنف كثيراً من الكتب، ومن أهم كتبه السنن، حتى قيل إن للنسائي شرطاً في الرجال أشد من شرط مسلم، حتى سمى بعضهم كتابه الصحيح، وكان معروفاً بالعبادة من صوم وصلاة وحج. قال عنه الدارقطني: كان أفقه مشايخ مصر في عصره، توفي رحمه الله بفلسطين، سنة ثلاث وثلاثمائة وكان عمره ثمانياً وثمانين سنة. انظر البداية 14/ 793 - 796، وسير أعلام النبلاء 14/ 125 - 135.
(2)
هو: الإمام العلامة، الحافظ عثمان بن سعيد، بن خالد بن سعيد الدارمي، السجستاني، الحافظ الحجة، صاحب المسند والتصانيف. ولد قبل مائتين بيسير، سمع من عدد من الأعلام من أبرزهم سليمان بن حرب، ونعيم بن حماد. كما سمع من إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وعلي بن المديني، صنف كتاباً في الرد على بشر المريسي، كما أن له كتاباً في الرد على الجهمية، قال عنه سليمان بن حرب: وكان قذى في أعين المبتدعة، ومن أهم كتبه المسند الكبير، توفي رحمه الله في سنة ثمانين ومائتين. انظر سير أعلام النبلاء 13/ 319 - 326، والبداية والنهاية 14/ 654، شذرات الذهب 3/ 330.
وصحيح ابن خزيمة
(1)
، كما دون في هذا العصر الإمام الطحاوي
(2)
كُتبه النافعة كمشكل الآثار، ـ وعقيدته ـ التي شرحها ابن أبي العز
(3)
التي
(1)
هو: إمام الأئمة، شيخ الإسلام، محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي، ولد رحمه الله سنة ثلا ث وعشرين ومائتين، كان رحمه الله من أوعية العلم، وله كتاب الصحيح، من أنفع الكتب وأجلها، وهو من المجتهدين في دين الإسلام. سمع من إسحاق بن راهويه وعشرات من أهل العلم، حدث عنه البخاري ومسلم في غير الصحيحين، ذكر ابن الجوزي له قصة عجيبة مع محمد بن نصر ومحمد بن جرير، ومحمد بن هارون حينما نفذ زادهُم، وكان شديداً على أهل البدع، وله مجلد كبير أسماه التوحيد، توفي رحمه الله سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. انظر ترجمته المطولة في البداية والنهاية 15/ 9. وسير أعلام النبلاء 14/ 365 - 382، والمنتظم 13/ 233.
(2)
هو: الإمام العلامة، الحافظ الكبير، محدث الديار المصرية، وفقيهها، أبو جعفر أحمد بن محمد بن مسلمة، بن عبد الملك الأزدي الحجري، المصري الطحاوي الحنفي. ولد رحمه الله في سنة تسع وثلاثين ومائتين، كان من أصحاب التصانيف، وبرز في علمي الحديث والفقه، ومن أبرز كتبه العقيدة الطحاوية، ومشكل الآثار، وأحكام القرآن، ومعاني الآثار. توفي رحمه الله سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، انظر سير أعلام النبلاء 15/ 27، البداية والنهاية 15/ 71.
(3)
هو: علي بن علي بن محمد بن محمد بن وهيب بن جبير الدمشقي الصالحي ولد رحمه الله في عام إحدى وثلاثين وسبعمائة في مدينة دمشق، وكان رحمه الله ذا مكانة علمية حيث تولى القضاء في دمشق وله العديد من المصنفات ومن أهمها. شرح العقيدة الطحاوية. وكتاب الاتباع والعديد من المؤلفات. وامتحن رحمه الله في آخر حياته بسبب وقوفه في وجه التوسل، وسجن، وتوفي رحمه الله في عام سبعمائة واثنين وستين وكان عمره آنذاك واحداً وستين عاماً. انظر الدرر الكامنة 3/ 87، ومنهج الإمام ابن أبي العز حيث ترجم له ترجمة وافية بين ص 18 - ص 41.
نفع الله بها، وكتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل
(1)
. كما صنف في هذا العصر أعظم كتب التفسير جامع البيان للإمام الطبري. و
من أئمة هذا العصر
أيضاً، الإمام أبو بكر المروذي
(2)
. ومن العلماء الكبار في هذا العصر الإمام بقي بن مخلد
(3)
. كما تميز هذا العصر، بوجود
(1)
هو: عبد الله بن أحمد بن حنبل، أبو عبد الرحمن الشيباني، كان إماماً حافظاً، ناقداً محدثاً، ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين، روى عن أبيه المسند بأكمله والزهد، حدث عنه النسائي، وسليمان الطبراني، وشهد له أكبر شيوخه بمعرفة الحديث، ومن كتبه: السنة، والرد على الجهمية، توفي رحمه الله سنة تسعين ومائتين، وكان عمره سبعاً وسبعين سنة، انظر البداية والنهاية 14/ 720، سير أعلام النبلاء 13/ 516.
(2)
هو: الإمام الفقيه، صاحب الإمام أحمد شيخ الإسلام أبو بكر، أحمد بن محمد، بن الحجاج، المروذي، ولد رحمه الله في حدود المائتين، وكان من الأئمة الأذكياء، حتى كان أحمد يقدمه على جميع أصحابه، ويأنس به، وقد نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة وكان من أهل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى قال الخلال: لا أعلم أحداً أقوم بأمر الإسلام من أبي بكر المروذي، وقال أبو بكر بن صدفه: ما علمت أحداً ذبَّ عن دين الله مثل المروذي، وكان إماماً في السنة شديد الاتباع، توفي رحمه الله في سنة خمس وسبعين ومائتين انظر في ترجمته البداية والنهاية 14/ 614، وسير أعلام النبلاء 13/ 173، والمنتظم 12/ 264، وشذرات الذهب 3/ 313.
(3)
هو: الإمام، شيخ الإسلام، أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد الأندلسي، القرطبي، الحافظ، ولد رحمه الله في حدود سنة مائتين، ورحل رحمه الله إلى العراق، فسمع من الإمام أحمد وغيره، وكان رجلاً صالحاً عابداً، وكان مجاب الدعوة، وذكر له ابن كثير في ذلك قصة عجيبة، له العديد من المؤلفات ومن أهمها المسند: الذي بوبه على الفقه، وروى فيه عن ألف وستمائة صحابي، حتى فضله ابن حزم على مسند أحمد. وانتقد ابن كثير هذا القول، ثم اعتذر لابن حزم، حيث قال: لعل ابن حزم لم يطلع عليه، أولعله سمع من أحمد المسند «أي بقي» وزاد عليه، توفي رحمه الله سنة ستٍ وسبعين ومائتين. انظر في ترجمته البداية والنهاية 14/ 621، وسير أعلام النبلاء 13/ 285.
عدد من الفقهاء، منهم، داود بن علي الظاهري
(1)
، والربيع بن سليمان المرادي
(2)
، والإمام ابن قتيبة
(3)
. ومن أئمة هذا العصر أيضاً الإمام
(1)
هو: داود بن علي بن خلف، قال عنه الذهبي: الإمام البحر، الحافظ، العلاَّمة، أبو سليمان البغدادي، المعروف بالأصبهاني، مولى أمير المؤمنين المهدي، رئيس أهل الظاهر، ولد سنة 200 سمع من سليمان بن حرب، والقعنبيُّ، ومسدد بن مُسرهد وإسحق بن راهويه، وحدث عنه زكريا الساجي وكان إماماً ناسكاً ورعاً زاهداً. ذكر ابن كثير: أن الإمام أحمد تكلم فيه، بسبب كلامه في القرآن عندما قال: لفظه به مخلوق، وكان من الفقهاء المشهورين، ولكن ضيق على نفسه بنفيه القياس الصحيح، توفي سنة مائتين وسبعين. انظر: سير أعلام النبلاء 13/ 97 ـ 108، البداية والنهاية 14/ 594.
(2)
هو: الربيع بن سليمان، بن عبد الجبار، بن كامل، أبو محمد المرادي مولاهم البصري، صاحب الإمام الشافعي، وناقل علمه المولود في سنة أربع وسبعين ومائة، قال عنه الذهبي: هو الإمام المحدث الفقيه، الكبير، بقية الأعلام، سمع من عبد الله بن وهب، وعدد كبير، وحدَّث عنه أبوداود، وابن ماجه والنسائي، والترمذي، قال عنه أبو سعيد بن يونس: ثقة، توفي رحمه الله وهو لم يزل مؤذناً في جامع الفسطاط سنة 270، انظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء، 12/ 587 ـ 591، البداية والنهاية 14/ 595.
(3)
هو: الإمام، عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الدينوري، صاحب المصنفات البديعة، ومن أهمها غريب القرآن، وغريب الحديث، ومشكل القرآن، ومشكل الحديث، وكتاب الرؤيا، وكتاب الرد على من يقول بخلق القرآن، حدَّث عن جمع من العلماء من أهمهم إسحق بن راهويه، توفي رحمه الله سنة سبعين ومائتين. انظر: ترجمته في البداية والنهاية 14/ 596، وسير أعلام النبلاء 13/ 296.
إبراهيم بن إسحاق الحربي
(1)
. والإمام محمد بن نصر المروزي
(2)
. ولم يقتصر التميز العلمي لعلماء هذا العصر على علماء الحديث والفقه فقط، بل حتى أئمة اللغة حيث برز بعضهم في هذا العصر، ومنهم المبَرِّد
(3)
،
(1)
هو: الإمام، الحَبْر، الحافظ العلامة، شيخ الإسلام، أبو إسحاق، إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير بن ديْسَمْ الحربي البغدادي، صاحب التصانيف، ولد سنة ثمانٍ وتسعين ومائة، ولازم الإمام أحمد رحمه الله روى عنه الكثير، حتى كان يقاس بأحمد بعلمه وزهده وورعه. قال الحاكم: سمعت محمداً القاضي يقول: لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي في الفقه والحديث والأدب والزهد، من مصنفاته غريب الحديث، وله حكاياتٌ عجيبة وقصصٌ ذكرت في ترجمته. توفي رحمه الله سنة خمسٍ وثمانين ومائتين. وكانت جنازته مشهودة، انظر: سير أعلام النبلاء 13/ 356، 370، والبداية والنهاية 14/ 680، وشذرات الذهب 3/ 355.
(2)
هو الإمام الفقيه، محمد بن نصر بن الحجاج المروزي، شيخ الإسلام أبو عبد الله الحافظ.
ولد في بغداد سنة 202 قال عنه الحاكم: إمام عصره بلا مُدافعة في الحديث، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة والتابعين، قال أبو بكر الصيرفي: لو لم يصنِّف ابن نصر إلا كتاب القسامة لكان من أفقه الناس. وكان من أعجب الناس في خشوعه في صلاته، وذكر الذهبي شيئاً من ذلك، كما ذكر ابن كثير في ترجمته أخباراً عجيبة له، توفي رحمه الله في سنة 294. انظر: البداية والنهاية 14/ 735، وسير أعلام النبلاء 14/ 33، وشذرات الذهب 3/ 397.
(3)
المبرد: هو: إمام النحو أبو العباس، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي، الثمالي، البصري النحوي الإخباري، كان رحمه الله إماماً في اللغة والعربية، وكان آية في النحو، والذي لقبه بالمبَرِّد، هو المازني، حيث قال له: أنت المبرد أي المثبت للحق، ثم غلب عليه، وذُكر غير ذلك، وله عدد من المؤلفات منها الكاملُ في الأدب، وذكر في ترجمته أشياء ظريفة. انظر: البداية والنهاية 14/ 680، سير أعلام النبلاء 13/ 576.
كما صُنف في هذا العصر مرجع من أهم مراجع اللغة، وهو كتاب الصِّحاح للجوهري
(1)
. ومن علماء الكلام، أبو منصور الماتريدي
(2)
. كما وُجد في هذا العصر بعض علماء الاعتزال، ومن أشهرهم: أبو علي الجبائي، وأحمد بن مخالد
(3)
. وشيخ المعتزلة الكعبي
(4)
، كما ظهر في هذا
(1)
هو: إمام اللغة، أبو نصر، إسماعيل بن حماد، التركي، الأكراري، اللغوي، أحد أئمة اللسان، له مصنف عجيب وهو كتاب الصِّحاح، وكان ممن يُضرب به المثل في ضبط اللغة، وله نظمٌ حسن ومقدمة في النحو، وكانت ميتتُه عجيبة حيث مات متردياً من سطح داره في نيسابور، وكان سبب ذلك شيءٌ غريب ذكر في ترجمته، وكانت وفاته في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة.
انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 80، وشذرات الذهب 4/ 497.
(2)
هو: محمد بن محمد بن محمود، الماتريدي، السمرقندي، وماتريد: مدينة في سمرقند فيما وراء النهر كما ذكر ذلك ياقوت في معجم البلدان 5/ 32. تتلمذ على يد عدد من الشيوخ، من أشهرهم، أبو نصر العياضي، ولأبي منصور كتبٌ كثيرة في الفقه وأصوله وفي التفسير وفي علم الكلام .... وغالب كتبه الكلامية، في الرد على معتزلة عصره، والرد على الباطنية والروافض، توفي رحمه الله في 333 هـ. انظر: الجواهر المضية 3/ 360، كما ترجم له الشيخ عبد الرحمن المحمود وعن منهجه مع مقارنته بالأشعري في مبحث كامل. انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة 2/ 477، 492.
(3)
هو: أحمد بن مخالد، وفي بعض النسخ ابن خلاَّد مولى المعتصم، وكان من دعاة المعتزلة، أخذ الكلام عن جعفر بن مبشِّرٍ المعتزلي، وسليمان بن حفص المعتزلي، صاحبُ بشر المريسي وأبي هذيل العلاف، وكان أحد الضعفاء، توفي في سنة تسع وستين ومائتين. انظر البداية والنهاية 14/ 485.
(4)
هو: أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي، البلخي، العالم المشهور، كان رأس طائفة من المعتزلة، يُقال لهم «الكعبية» وهو صاحب مقالاتٍ، ومن مقالاته: أن الله سبحانه وتعالى ليست له إرادة، وأن جميع أفعاله واقعة منه بغير إرادة، ولا مشيئة منه لها. وكان من كبار المتكلمين، ومن نظراء الجبائي، وله اختيارات في علم الكلام، وله العديد من المؤلفات ككتاب التفسير الكبير، وكتاب الجدل، توفي في مستهل شعبان سنة سبع عشرة وثلاثمائة. انظر: وفيات الأعيان 3/ 45، شذرات الذهب 4/ 93، وسير أعلام النبلاء 14/ 313، 15/ 255.
العصر بعض أعلام المتصوفة، ومنهم سهل بن عبد الله التستري
(1)
، والجنيْد
(2)
. كما وُجد في هذا العصر، بعض أعلام الرافضة، وكان من أبرزهم الكُليني
(3)
، والحسين بن أحمد
(4)
. وبعض أعلام الملاحدة ومنهم
(1)
هو: سهل بن عبد الله بن يونس، أبو محمد التستري، الصوفي الزاهد، صحب خاله محمد بن سَوار، ولقي في الحج ذا النون، المصري وصَحبِه، روى عنه الحكايات: عمر بن واصل، وأبو محمد الجريري، وعباس بن عاصم، ومحمد بن المنذر الجهمي، وطائفةٌ. توفي سنة ثلاثٍ وثمانين ومائتين. انظر: سير أعلام النبلاء 13/ 330، البداية والنهاية 14/ 665.
(2)
هو: الجنيد بن محمد الناهوندي، أبو القاسم الخزَّاز، وُلد سنة نيفٍ وعشرين ومائتين، وتفقه على أبي ثور، وصَحِبَ الحارث المحاسِبي، وحُفظت عنه بعض الحكم، وبولغ في وصف تعبُّده، حتى قيل بأنه مكث أربعين سنة لا يأوي إلى فراش، توفي رحمه الله سنة ثمان وتسعين ومائتين. انظر: البداية والنهاية 14/ 767، سير أعلام النبلاء 14/ 66.
(3)
هو: شيخ الشيعة وعالم الإمامية، أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي الكليني. صاحب كتاب الكافي، هلك في بغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. انظر: سير أعلام النبلاء 15/ 280، والأعلام 7/ 145، ولهذا الهالك، في صحيحه «كَذِبِه» من المعتقدات الباطلة المفتراة على الأئمة، مما لا يقول به مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر فعامله الله بما يستحق.
(4)
هو: الحسين بن أحمد، بن محمد، بن زكريا، الصنعاني، قال عنه الذهبي: كان من دهاة الرجال الخبيرين بالجدل وإغواء بني آدم، وذكر ابن كثير: أن غير واحدٍ من أهل التاريخ ذكروا بأنه كان يهودياً، وهلك عدوُّ الله الخبيث مقتولاً على يد أمير المؤمنين المهدي في سنة ثمان وتسعين ومائتين. انظر: سير أعلام النبلاء 14/ 59. البداية والنهاية 14/ 772.
ابن الراوندي
(1)
، كما وجد كثيرٌ من الأعلام، سواء أكانوا من الأتقياء الأخيار أو من الفسقة الفجار، ومع وجود بعض أعلام الملاحدة والرافضة، إلاَّ أن أهل السنة كانت لهم قوة ومنعة، ولله الحمد والمنة، لوجود أعلامهم الكبار، ومن دلالة ارتفاع قدرهم، أمْرُ أمير المؤمنين المعتضد بنوادي بغداد، بألا يُمَكَّنَ أحدٌ من القُصَّاص ومن أشبههم من الجلوس في المساجد أو الطرقات، وألا تُباع كُتب الكلام والفلسفة والجدل بين الناس
(2)
. كما شهد العصر، انحسار المذهب المعتزلي، بعد أن استطاع علماء أهل السُّنة الانتصار عليهم وتفنيد شبهاتهم.
والخلاصةُ أن هذا العصر يُعَدُّ من أثرى العصور في كثرة المؤلفات، التي نفع الله بها المؤمنين، وخاصة كتب السُنَّة، التي سبق أن مرَّ معنا أن خمسةً من الكتب الستةِ عاش مؤلفوها في هذا العصر.
(1)
هو: أبو الحسن، أحمد بن يحيى، بن إسحاق، المعروف بابن الراوندي، ذكر الذهبي بأنه الريوندي، قال عنه الذهبي: الملحدُ عدو الدين صاحب التصانيف في الحطِّ على الملة، وكان. يلازم الرافضة والملاحدة، وقال عنه ابن كثير: إنه أحد مشاهير الزنادقة والملحدين، وصنف كتاباً في الرِّد على القرآن، أسماه الدامغ أ. هـ. قال ابن عقيل: عجبي كيف لم يُقْتَلْ وقد صنَّف الدامغ ولهذا الملحد عجائب. انظر: في ترجمته البداية والنهاية 4/ 764، سير أعلام النبلاء 14/ 59، والمنتظم 13/ 108.
(2)
انظر: البداية والنهاية 14/ 642 مع اختصار يسير.
الفصل الثالث
تطور حياته العقدية
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: طور الاعتزال.
المبحث الثاني: أسباب رجوعه عن الاعتزال.
المبحث الثالث: ما بعد مرحلة الاعتزال.
الفصل الثالث
تطور حياته العقدية والفكرية
من الأمور المهمة في هذا البحث، معرفة الأطوار العقدية التي مر بها الأشعري، حتى يتم التوصل إلى آخر أطواره العقدية التي استقرت عليها عقيدته، خَاصةً وأنها قد شغلت الناس قديماً وحديثاً، فما المتقدم من هذه الأطوار؟ وما المتأخر؟ حتى يستطيع الباحث أن يحكم بكل تجرد واعتدال، على الطور الأخير الذي استقر عليه الأشعري؟ وهل له علاقة بما حدث عند الأشاعرة من تطوراتٍ، أم لا؟ ومعرفة الطور النهائي له دور في معرفة آخر الكتب التي ألفها الأشعري، مع التأكيد على أن هذا البحث سيبحث هذه المسألة بكل تَجَرُّدٍ وإنصاف ـ بحول الله تعالى ـ. حتى يتم الوصول إلى الحقيقة، فهذه الأطوار العقدية قد تناولها كثيرٌ من الباحثين، وسبب ذلك: أن مذهب الأشاعرة انتشر في جميع أنحاء العالم الإسلامي، حتى كاد يستقر في بعض الأزمنة والأمكنة ما استقر في بعض الأذهان، من أن مذهبه هو مذهب أهل السنة والجماعة. ولاشك بأن هذا القول فيه جور على أهل السنة والجماعة؛ لأن في غالب ما سطره الأشعري، قبل تحوله، وما سطره الأشاعرة من بعده، وخاصة متأخروهم، مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة. كما أن من اللافت للنظر: أنه في هذه العصور المتأخرة أصبح كثير من دور العلم
والجامعات، في العالم الإسلامي، تُدَرِسُ هذا المذهب وتقرره
(1)
، ولذا فإن معرفة الطور الذي استقر عليه الأشعري، أمر في غاية الأهمية، حتى يعلم المنتسبون إليه، هل هم فعلاً مُنْتَمُونَ لما هو عليه شيخهم، أم أنهم يسيرون في طريق مخالف لما هو عليه في آخر أطواره. والله أسأل أن يوفقني لمعرفة هذا الطور، الذي استقر عليه الإمام الأشعري رحمه الله. وسوف أُقَسِّمُ هذا الفصل إلى عدة مباحث:
(1)
ولا أدل على ذلك من أنَّ من ألقى نظرة في قائمة مواد التوحيد والعقيدة الإسلامية في الجامع الأزهر في مصر الذي يحتل مكانة علمية في العالم الإسلامي، يجد أن المناهج الدراسية في كثير منها ترجع لمؤلفات أعلام الأشاعرة مثل:
1 -
أم البراهين، الصغرى للشيخ محمد يوسف السنوسي، بشرح الشيخ السنوسي والشيخ الهدهدي والشيخ الباجوري.
2 -
أم البراهين الكبرى لأبي عبد الله محمد السنوسي.
3 -
جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم اللقاني، بشرح عبد السلام اللقاني.
4 -
العقائد النسفية بشرح سعد الدين التفتازاني.
5 -
الخريدة للشيخ أحمد الدردير.
6 -
المقاصد للشيخ سعد الدين التفتازاني.
7 -
المواقف للقاضي عضد الدين الإيجي.
8 -
طوالع الأنوار للبيضاوي، بشرح الأصفهاني.
9 -
متن بليحة بشرح الشيخ «السقا» .
10 ـ متن السباوي بشرح الباجوري. انظر الإنحرافات العقدية 2/ 49.
المبحث الأول
طور الاعتزال
لقد مر فيما سبق أن والده توفي عنه وهو صغير، وأوصى به إلى الإمام الساجي من أهل السنة والجماعة، ولكن والدته تزوجت بعد وفاة والده من أبي علي الجبائي وكان من رموز المعتزلة في ذلك الوقت، فاحتضن هذا الصبي ورباه على فكره، وهذا الطور لم أجد أحداً خالف في أنه الطور الأول عند الأشعري، فقد أثبت جميع من ترجم للأشعري أن طوره الأول كان هو الاعتزال، حيث لم يشك أحد في هذا، وإليك أقوال أهل العلم في المسألة:
1 ـ أقدم هذه الأقوال ما ذكره ابن النديم في الفهرست، حيث قال عندما ترجم للأشعري:«وكان أولاً معتزلياً، ثم تاب من القول بالعدل وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصرة في يوم الجمعة، رقى كرسياً ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه نفسي: أنا فلان ابن فلان، كنت أقول بخلق القرآن وأن الله لا يرى بالأبصار، وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع معتقد للرد على المعتزلة، فخرج بفضائحهم ومعايبهم»
(1)
.
(1)
انظر الفهرست لابن النديم ص 225.
2 ـ وقد أكد هذا القول الإمام أبو نصر السجزي رحمه الله
(1)
حيث ذكر في رسالته المسماة الرد على من أنكر الحرف والصوت نقلاً عن خلف المعلم
(2)
، بأن الأشعري أقام أربعين سنة على الاعتزال، ثم أظهر التَوْبَةَ، فرجع عن الفروع وثبت على الأصول، وقال بعدها وهذا كلام خبير بمذهب الأشعري وغوره
(3)
.
3 ـ كما أكد هذا التحول ابن الجوزي حيث قال رحمه الله عندما ترجم له: «وكان على مذهب المعتزلة زماناً طويلاً، ثم عَنَّ له مخالفتهم، وأظهر مقالة خبطت عقائد الناس، وأوجبت الفتن المتصلة، وكان الناس لا يختلفون في أن هذا المسموع كلام الله، وأنه نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم، فالأئمة المعتمد عليهم قالوا إنه قديم، والمعتزلة قالوا: هو
(1)
هو: أبو نصر السجزي نسبة إلى سجزستان، الحافظ عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي البكري، نزل مصر. توفي بمكة بالمحرم، وكان متقناً مكثراً، بصيراً بالحديث والسنة، واسع الرواية، رحل بعد الأربعمائة، فسمع بخراسان، والعراق، والحجاز، ومصر وروى عن الحاكم، وأبي أحمد القرطبي، وطبقتهما. ومن مصنفاته الإبانة الكبرى في أن القرآن غير مخلوق، والرد على من أنكر الحرف والصوت، توفي رحمه الله سنة 444. انظر سير أعلام النبلاء 17/ 654 وشذرات الذهب 5/ 194، الأعلام 4/ 394.
(2)
هو: أبو سعيد: خلف بن عمر، وقيل: عثمان، وقيل: عثمان بن خلف، كان إمام أهل زمانه بالفقه، وكان يعرف بمعلم الفقهاء، ولد سنة 299 وقيل 297، توفي سنة 371 وقيل 373 وكان من علماء المالكية بالقيروان. انظر: الديباج المذهب 1/ 347 وترتيب المدارك 2/ 488.
(3)
انظر: الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 140 ـ 141.
مخلوق، فوافق الأشعري المعتزلة في أن هذا مخلوق، وقال: ليس هذا كلام الله، إنما كلام الله صفة قائمة بذاته، ما نزل ولا هو مما يسمع، ومازال منذ أظهر هذا خائفاً على نفسه لخلافه أهل السنة. ثم ذكر قصة رجوعه وهو في المسجد، وقال بعدها: كان الأشعري تلميذ الجبائي يدرس عليه ويتعلم منه، لا يفارقه أربعين سنة، ثم قال بعد ذلك: قد رجعت عن الاعتزال
(1)
.
4 ـ وأكد ذلك ابن خلكان أيضاً حيث قال: (وكان أبو الحسن الأشعري، أولاً معتزلياً، ثم تاب من القول بالعدل، وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة)
(2)
، ثم ذكر تمام القصة التي مرت معنا.
5 ـ كما أكد ذلك أيضاً، عبد القادر بن أبي الوفاء القرشي الحنفي. حيث قال:(كان حنفي المذهب، معتزلي الكلام، لأنه كان رَبيْبَ أبي علي الجُبائي، وهو الذي رباه وعلمه الكلام)
(3)
، ثم قال في موضع آخر: (ثم إنه فارق أبا علي لشيء جرى بينهما وانضم إلى ابن كُلاب
(4)
، وأمثاله،
(1)
انظر المنتظم 14/ 29، 30، باختصار.
(2)
انظر وفيات الأعيان 3/ 285.
(3)
انظر الجواهر المضية 2/ 544، 545.
(4)
هو عبد الله بن سعيد بن كلاب بن القطان البصري، أبو محمد ويقال عبد الله بن محمد، قال عنه الذهبي: - رأس المتكلمين في البصرة في زمانه، صاحب التصانيف في الرد على المعتزلة، وربما وافقهم، أخذ عنه الكلام داود الظاهري، والرجل أقرب المتكلمين إلى السنة وصنف في التوحيد، وله كتاب الصفات، وكتاب خلق الأفعال، وكتاب الرد على المعتزلة، اهـ. وذكر بأنه لقب بالكلاب لقوة مناظرته، بحيث كان يجتذب من يناظره، كما يجتذب الكلاب الشيء، وقد علق الشيخ المحمود على هذا بقوله: ومما يلاحظ هنا أنه يقال له ابن كلاب - ليس كلاباً مما يدل على أن هذا اللقب ليس له وإنما لأبيه، وأحد أجداده وهذا يجعل التعليل الذي ذكروه محل نظر، ا. هـ انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 11/ 174، وطبقات الشافعية الكبرى 2/ 299 موقف ابن تيمية 1/ 438.
وانشق عن أصول المعتزلة، واتخذ مذهباً لنفسه، ورد على المعتزلة)
(1)
. كما أكد ذلك، الإمام ابن كثير، حيث قال: وقد كان معتزلياً قبل ذلك، فتاب منه بالبصرة
(2)
.
7 ـ وأكد ذلك الذهبي حيث قال: (وبلغنا أن أبا الحسن تاب وصعد منبره بالبصرة، وقال: إني كنت أقول بخلق القرآن وأن الله لا يرى بالأبصار وأن الشر فعلي ليس بقدر، وإني تائب معتقد الرد على المعتزلة)
(3)
.
8 ـ وذكر أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي، ذلك فقال:«وكان معتزلياً ثم تاب»
(4)
.
9 ـ كما ذكر القاضي شهبة رجوعه، فقال: (أخذ علم الكلام أولاً عن الجبائي شيخ المعتزلة ثم فارقه، ورجع عن الاعتزال، وأظهر ذلك
(1)
انظر الجواهر المضية 2/ 544، 545 و 4/ 33، 34.
(2)
انظر البداية والنهاية 15/ 101.
(3)
انظر سير أعلام النبلاء 15/ 89.
(4)
انظر النجوم الزاهرة 3/ 298.
وشرع في الردِّ عليهم، والتصنيف على خلافهم)
(1)
.
(2)
.
11 ـ وذكر ابن العماد الحنبلي ما يؤكد ذلك، حيث قال:«إنه أخذ علم الجدل والنظر عن أبي علي الجبائي، ثم رد على المعتزلة، ثم ذكر قوله في كتاب الإبانة»
(3)
.
12 ـ وذكر الزركلي ذلك فقال: - (وتلقى مذهب المعتزلة وتقدم فيهم، ثم رجع وجاهر بخلافهم)
(4)
.
(1)
انظر طبقات الشافعية للقاضي شهبة 1/ 114.
(2)
انظر طبقات الشافعية 3/ 348.
(3)
انظر شذرات الذهب 4/ 129 - 130.
(4)
انظر الأعلام 4/ 263.
13 ـ وقال الألوسي: والأشعري كان قد نشأ على الاعتزال، ثم ذكر القصة التي سبق ذكرها في رجوعه
(1)
.
14 ـ وقال أحمد أمين: إنه نشأ معتزلياً ولكنه تَحَوَّلَ
(2)
. فهذه الأقوال جميعها تؤكد بأنه كان على مذهب أهل الاعتزال في بداية حياته، حتى بلغ الأربعين سنة في بعض الروايات. والخلاصة أن هناك روايتين:
الأولى: تقول بأنه ظل على الاعتزال أربعين سنة، وعلى هذه الرواية تكون سنه حين عودته فوق الخمسين؛ لأن الأربعين التي ظل فيها على الاعتزال يضاف إليها بضع عشرة سنة تلك التي كان فيها صغيراً لا يتحمل أياً من المذاهب والمعتقدات.
الثانية: تلك الرواية والتي تقول: «إنه ظل على الاعتزال حتى بلغ الأربعين .. » وعلى هذا لا يكون أبو الحسن رحمه الله قد أمضى في الاعتزال أربعين سنة؛ بل انخلع عنه عند بلوغه الأربعين. فيحسم من هذه الأربعين بضع عشرة سنة، تلك التي كانت قبل القدرة على تحمل المذاهب والمعتقدات .. على هذا يكون أبو الحسن قد أنفق في الاعتزال حوالي ثمانية وعشرين عاماً.
(1)
انظر جلاء العينين ص 249.
(2)
ظهر الإسلام 4/ 59.
المبحث الثاني
أسباب رجوعه عن الاعتزال؟
اُخْتُلِفَ في سبب رجوعه، فبعض الروايات تجعل رجوعه مَنَامات رآها، وبعضهم يرى بأن ذلك من خلال خلل بان له في مذهب المعتزلة، اكتشفها في بعض مناظراته لهم، إلى غير ذلك، فأسهمت في رجوعه. ولعلي هنا استعرض الأقوال في ذلك:
القول الأول: الرؤى التي رآها في منامه:
الرؤيا الأولى:
ذكرها ابن عساكر في تبيينه، فقال:«فأما سبب رجوع أبي الحسن عما كان عليه وتبرؤه مما كان يدعو إليه، فسببه، أن الشيخ أبا الحسن رحمه الله، لما تبحر في كلام الاعتزال، وبلغ الغاية، كان يورد الأسئلة على أستاذه في كل درس ولا يجد فيها جواباً شافياً فتحير في ذلك، فحكى عنه أنه قال: (وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد فقمت وصليت ركعتين، وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم، ونمت، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكَ بسُنَّتِي» فانتبهت، وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار، فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظِهْرِيّاً»)
(1)
.
(1)
انظر تبيين كذب المفتري ص 38 ـ 39.
الرؤيا الثانية:
وذكر رواية أخرى قريبة منها قال: «بينما أنا نائم في العشر الأول من شهر رمضان، رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: يا علي! انصر المذاهب المروية عَنِّي؛ فإنها الحق، فلما استيقظت دخل علي أمر عظيم، ولم أزل مفكراً مهموماً لِرُؤْيَايَ، ولما أنا عليه من إيضاح الأدلة في خلاف ذلك، حتى كان العشر الأوسط، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: ما فعلت فيما أمرتك به؟» فقلت: يا رسول الله! وما عسى أن أفعل، وقد خرَّجت للمذاهب المروية عنك وجوهاً يحتملها الكلام، واتبعت الأدلة الصحيحة التي يجوز إطلاقها على الباري عز وجل؟ فقال لي: انصر المذاهب المروية عني؛ فإنها الحق، فاستيقظت وأنا شديد الأسف والحزن، فأجمعت على ترك الكلام، واتبعت الحديث وتلاوة القرآن، فلما كانت ليلة سبع وعشرين ـ وفي عادتنا بالبصرة أن يجتمع القراء وأهل العلم والفضل، فيختمون القرآن في تلك الليلة ـ مكثت فيهم على ما جرت عادتنا، فأخذني من النعاس مالم أتمالك معه أن قمت. فلما وصلت إلى البيت نمت وبي من الأسف على ما فاتني من ختم تلك الليلة أمر عظيم، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: ما صنعت فيما أمرتك؟ فقلت: قد تركت الكلام ولزمت كتاب الله وسنتك، فقال لي: «أنا ما أمرتك
(1)
بترك الكلام، وإنما أمرتك بنصرة المذاهب المروية عني، فإنها الحق. فقلت: يا
(1)
في الأصل: أنا أمرتك. وهذا فيه اضطراب ومفسد للسياق والصحيح ما أثبته. انظر التبين ص 41.
رسول الله! كيف أدع مذهباً تصورت مسائله وعرفت أدلته منذ ثلاثين سنة لرؤيا؟ فقال لي: لولا أني أعلم أن الله تعالى يمدك بمدد من عنده لما قمت عنك حتى أبين وجوههم، وكأنك تعدُّ إتياني إليك هذا رؤيا، ورؤياي جبريل كانت رؤيا، إنك لا تراني في هذا المعنى بعدها، فجد فيه فإن الله سيمدك بمدد من عنده، فقال: فاستيقظت وقلت: ما بعد الحق إلا الضلال، وأخذت في نصرة الأحاديث في الرؤية والشفاعة والنظر وغير ذلك، فكان يأتيني شيء والله ما سمعته من خصم قط، ولا رأيته في كتاب، فعلمت أن ذلك من مدد الله تعالى، الذي بشرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(1)
.
الرؤيا الثالثة:
وقد وردت رواية ثالثة أخرى في كتاب تبيين كذب المفتري تقول: «إن الشيخ أبا الحسن رحمه الله لما تبحر في كلام الاعتزال وبلغ غاية، كان يورد الأسئلة على أستاذيه في الدرس، ولا يجد فيها جواباً شافياً، فتحير في ذلك فحكى عنه أنه قال: وقع في صدري بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد، فقمت وصليت ركعتين، وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم، ونمت، فر
أيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك بسنتي، فانتبهت وعارضت مسائل الكلام، فما وجدت في القرآن
(1)
انظر تبين كذب المفتري ص 40 ـ 41.
والأخبار أثبته، ونبذت ما سواه ورائي ظهرياً»
(1)
قلت: وهذا هو السبب الأول الذي أدى إلى تحول الأشعري عن الاعتزال عند بعض الباحثين، ومما لاشك فيه، أن الرؤى من الأمور التي أقرت بها الشريعة الإسلامية. حيث قال صلى الله عليه وسلم:«لم يبق من النبوة إلا المبشرات» ، قالوا: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة»
(2)
. فالرسول صلى الله عليه وسلم جعل الرؤيا من المبشرات، بل قد يرى المؤمن في منامه رؤيا تحثه على طاعة الله، ومن ذلك مثلاً ما أخرجه الإمام البخاري رحمه الله
(3)
عن سالم بن عبد الله بن عمر
(4)
، عن أبيه
(1)
انظر تبيين كذب المفتري ص 38 ـ 39، وانظر طبقات الشافعية للسبكي 3/ 342.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب التعبير باب المبشرات حديث رقم - 6990 - وأبو داود في سننه في كتاب الأدب باب: ما جاء في الرؤيا حديث رقم (5017)، والنسائي في السنن الكبرى في التعبير باب الرؤيا حديث رقم (7631)، ومالك في الموطأ في كتاب الرؤيا باب ما جاء في الرؤيا رقم (956).
(3)
هو: إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، مولاهم، أبو عبد الله، البخاري، ولد رحمه الله في سنة أربع وتسعين ومائة، - رحل في طلب الحديث إلى سائر محدثي الأمصار، وسمع من عدد من الأعلام، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، وصنف التصانيف، ومن أهمها الجامع الصحيح والتاريخ، وكان إماماً حافظاً عالماً ورعاً، وأثنى عليه أئمة علم الحديث، ذكر الذهبي في سيره جمعاً منهم، وحصلت له رحمه الله محنة مع أمير بخارى، وتوفي رحمه الله سنة ست وخمسين ومائتين وعاش اثنين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوماً. انظر سير أعلام النبلاء 12/ 391 - 469 وتهذيب الكمال 24/ 430 - 468.
(4)
هو: الإمام الزاهد، الحافظ، مفتي المدينة، أبو عبد الله، وأبو عمر، سالم بن عبد الله بن عمر، ابن الخطاب، القرشي العدوي، المدني، وأمه أم ولد، والده الصحابي الجليل عبد الله بن عمر، روى عن أبيه وعن عدد كبير من الصحابة، وهو من كبار التابعين، ويعتبر إسناده عن أبيه أقوى الأسانيد، قال أحمد وإسحاق: أصح الأسانيد الزهري عن سالم عن أبيه، وكان والده يحبه ويجله، حتى كان يقول وهو يقبله: شيخ يقبل شيخاً، فلما لامه الناس بذلك أنشأ فقال:
يلومونني في سالم وألومهم
…
وجلدة بين العين والأنف سالم
توفي رحمه الله في سنة ست ومائة. انظر سير أعلام النبلاء 4/ 457 - 467، وتهذيب الكمال 10/ 145 - 154.
عبد الله بن عمر
(1)
قال: (كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله، وكنت غلاماً شاباً، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، قال: -
(1)
هو: الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أسلم وهو صغير، ثم هاجر مع أبيه قبل أن يحتلم، واستصغر يوم أحد، أول غزوة حضرها هي الخندق، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، وجاهد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري حينما قال نعم: الرجل عبد الله لو كان يصلِّي من الليل، فكان بعد لا ينام من الليل إلا القليل، وكان شديد الاتباع للسنة، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، مات رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين بعد أن بلغ من العمر سبعاً وثمانين سنة. انظر سير أعلام النبلاء 3/ 203 - 239، وتهذيب الكمال 15/ 332 وما بعدها.
فلقينا ملك آخر فقال لي: لَمْ تُرَعْ؟ فقصصتها على حفصة،
(1)
فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال «نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل، فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً»
(2)
فهذه الرؤيا تعامل معها ابن عمر رضي الله عنه بما ينبغي. فلا ريب إذاً أن الرؤيا لها اعتبارها متى ما توفرت الصفات والشروط والاعتبارات الأخرى التي ليس هنا مجال بحثها. كما أن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حقٌ، حيث وردت في ذلك أحاديث كثيرة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي»
(3)
. قلت: وهذا لا إشكال فيه عند أهل السنة والجماعة، ولكن، هل ما نقل عن رؤى الأشعري حقيقية أم مكذوبة؟ فالمتأمل في هذه الروايات لمنامات الأشعري يلحظ أنها لا
(1)
هي: أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عدي القرشي، زوجها هو المعصوم صلى الله عليه وسلم ووالدها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أحد، ذكر ابن سعد عدة روايات عن موقف والدها من تزويجها، من أبي بكر وعثمان قبل أن يخطبها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت رضي الله عنها، صوامة قوامة، توفيت رضي الله عنها في شعبان في سنة خمس وأربعين في زمن خلافة معاوية رضي الله عنه وهي يومئذ ابنة ستين سنة، انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 8/ 65.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه في أبواب التهجد، باب: فضل قيام الليل، حديث رقم (1121، 1122)، ومسلم في صحيحه في فضائل الصحابة، فضل عبد الله بن عمر حديث رقم 2479.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب التعبير، باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، حديث رقم 6994، كما أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الرؤيا. باب قوله صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فقد رآني، حديث رقم 2266.
تخلو من ركاكة في الأسلوب، وتكلف وتصنع، توحي للمتأمل عدم صحتها، أو على الأقل عدم دقة نقلها، لذا انتقدها عدد من الباحثين، منهم:
1 ـ الدكتور عبد الرحمن المحمود حيث قال: «ويلاحظ ما دخل هذه الرويات من زيادات حتى يقول الرسول: «انظر علم الكلام» ، وقد يكون لمسألة الرؤيا أصل، لكن ليس بهذه الأساليب والروايات التي لم يتصل سند شيءٍ منها»
(1)
.
2 ـ جلال موسى، حيث قال: هذه الرواية - على طولها - قد أثبتناها هنا لنكشف بالتحليل عن مقدار الوضع فيها، فرؤية الرسول في هذه الرسالة وضعت بدقة بحيث تكون في أول رمضان والثلث الثاني والثالث وفي ليلة القدر
(2)
بالذات، وهذا راجع للمأثور عن فضائل هذا الشهر وتلك الليلة بالذات، وحتى يكون مجيء النبي لأبي الحسن الأشعري في هذه الأوقات خاصة أمراً يكاد يكون أقرب إلى التصديق، حتى لا ينكشف أمر الصنعة في الرواية، ثم إن أسئلة رسول الله تنحصر في مسائل معينة بالذات، هي التي تهم أبا الحسن الأشعري، كموقفه من التأويل العقلي، ومسألة رؤية الله في الآخرة. والمعروف عن الأشعري أنه يعارض المعتزلة في تأويلهم للآيات ولا يوافق عليه ويخشاه، ثم إذا كان رسول الله وافق على رأيه. فلماذا يسكت الأشعري، ولا يظهر للناس شيئاً، حتى
(1)
انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة 1/ 373.
(2)
القطع بأن ليلة القدر ليلة معينة بذاتها؛ جمهور أهل العلم على خلافه.
يأتيه رسول الله في العشر الثاني ليسأله عما فعل، فيجمع كتب الكلام، ويشتغل بكتب الحديث وتفسير القرآن؟ وهذا مخالف تماماً لما نعرفه من استحسان الأشعري الخوض في الكلام ودفاعه الحار عن علم الكلام، بل هو الذي أيد عقيدة أهل السنة والجماعة بالبراهين العقلية والأدلة المنطقية
(1)
. قلت: في هذا الكلام وجه حق، ولكن يُعَابُ على المؤلف جرأته وقطعه بأن جميع هذ الرؤى موضوعة.
3 ـ إبراهيم برقان حيث قال: إن الأحاديث النبوية الشريفة وإن أكدت صدق رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فإنه لا ينكر من يراه صلى الله عليه وسلم كذلك ويحدثه بأمر من الأمور، يكون ذلك سبباً في تغيير مجرى حياته الفكرية، لكن رواية ابن عساكر لا تعتبر دليلاً قاطعاً على حدوث مثل هذه الرؤى للأشعرى، وتبقى فرضاً بحاجة إلى إثبات. ويصعب على الباحث الموضوعي، أن يقبل بهذه الرواية، قبولاً تاماً، وبخاصة أن مضمونها يوحي إلى تكلف فيها، وذلك عندما رد الأشعري على الرسول صلى الله عليه وسلم في المرة الثالثة بقوله: كيف أدعُ مذهباً تصورت مسائله، وعرفت أدلته منذ ثلاثين سنة لرؤيا، فالذي يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام لا يجادله، وإنما يقف موقف الممتثل له، ناهيك عن أنني بذلْتُ جهداً لكي أتحقق من صحة سند هذه الروايات التي ذكرها ابن عساكر إلا أنني لم أجد ترجمة لرجال السند
(1)
انظر: نشأة الأشعرية وتطورها ص 173.
تجريحاً أو تعديلاً
(1)
. قلت: وكذلك صنعت فلم أجد.
4 ـ كما تعجب عبد الرحمن بدوي
(2)
من هذه الرؤى وعلق بقوله:
أ- إن فيها الدفاع عن علم الكلام وأنه لا يتنافى مع السنة، مما يؤذن بأَنَّ أصحابها أشاعرة ـ أي من قالوا بالرؤى المنامية ـ.
ب - الدفاع عن مذهب الأشعري بوصفه مطابقاً لسنة النبي.
جـ- بعضها يرمي إلى الطعن في مذهب المعتزلة ودمغه بالكفر، وإن كان اللجوء إلى الرؤى التي فيها يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بكذا وكذا أمراً شائعاً لدى الفقهاء، بل وبعض المتكلمين، إلا أنَّ الرواية المذكورة في مجموعها تَتَنَافَى مع واقع الحال من ضرورة التطور الذهني بحيث تبدأ الشكوك تتزايد حتى تؤدي إلى التحول وإعلان القطيعة مع ما سار عليه الأمر حتى ذلك الوقت، وهذا لا يتفق مع هذه الرؤى التي تكاد أن تكون
(1)
انظر: الإمام الأشعري وآراؤه الكلامية في كتاب اللمع ص 19.
(2)
هو عبد الرحمن بدوي، ولد سنة 1335 هـ في قرية (شرباص) في مصر، وقضى جزءاً من حياته في (باريس)، نال درجة الماجستير في مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية، والدكتوراه في الزمن الوجودي، عمل في جامعة عين شمس حتى نال الأستاذية، ثم انتقل إلى عدة دول، كالكويت وليبيا وإيران، وهو من فلاسفة مصر المعاصرين، له العديد من الكتب منها: ربيع الفكر اليوناني، مؤلفات الغزالي والخوارج والشيعة، ومذاهب الإسلاميين، توفي سنة 1423 هـ. انظر سلسلة الموسوعات الإسلامية 3/ 650 ـ 654. وهناك رسالة دكتوراه في جامعة أم القرى حول عبد الرحمن بدوي وآرائه الاعتقادية، للدكتور عبد القادر الغامدي.
تعبيراً عن تَحَوُّلاتٍ مُفَاجِئة
(1)
.
الترجيح:
الذي يترجح عدم صحة الرؤى المنامية جملة لما يلي:
أ ـ إن الأسلوب الذي عرضت فيه هذه الرؤى لا يمكن قبوله، فكيف جعلها بعض المؤرخين هي السبب الرئيس في تَحَوُّلِ الأشعري؟ فهذا محل نظر!
ب ـ كما لا يمكن تصديق هذه الروايات التي ذكرت الرؤى، لأنها لا تخلو حقيقة من تكلف، بل يظهر في بعضها أسلوب الوضع، ولعل أقرب الأدلة على ذلك، أنه أظهر الرسول صلى الله عليه وسلم مستحسناً لعلم الكلام عندما قال: - «أنا ما نَهَيْتُكَ عن علم الكلام؟» وعلم الكلام مذموم عند أهل السنة والجماعة، وما كان يعرف عند أصحاب القرون المفضلة، فكيف يظهر أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم يُقره؟! هذه وحدها كافية لرد بعض هذه الرؤى.
جـ ـ من الأمور التي تدعو لعدم قبول هذا السبب أنَّ من سبقوا ابن عساكر رحمه الله لم يذكروها. مع أنهم أقرب عهداً بهذه الرؤى المنامية ـ لو صحت منه ـ، ناهيك عن أن هذه الرؤى لم تثبت بأسانيد صحيحة أو متصلة، وعلى هذا، فلا يمكن أن يُعَوَّلَ عليها.
د ـ إن كثيراً من هذه الروايات فيها زيادات وإضافات لا يشكُّ بأنها موضوعة مكذوبة، لذا يتوجب علينا أن نخضع هذه المرويات للنقد
(1)
انظر: مذاهب الإسلاميين ص 497، بتصرف يسير.
العلمي المتجرد من العاطفة، ناهيك عن أن غالب هذه المرويات قد ذكرت في كتب التراجم، وغالبها من غير أسانيد، لذا فإن اعتمادها وجعلها حقيقة واقعة يرفضه الشرع والعقل، وعلينا أيضاً ألا ندعها بكلية ونسقط قيمتها، بل علينا أن نأخذ ما تؤيده الشواهد وحفّت به القرائن، فينبغي أن نميز ما فيها من زيادات وإضافات موضوعة فلا نرفضها جملة واحدة ولا نقبلها جملة واحدة دون بيان؛ لأن هناك من قبلها بالكلية ورفض مجرد الحوار حول مصداقيتها، فجعلها حقيقةً ثابتة هي عنده بحكم النص المُنَزَّل، فالطعن فيها عنده كالطعن بالشرع.
هـ ـ هناك عبارة وردت في إحدى هذه الرؤى، وهي الرؤيا الثالثة، وفيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«وإنما أمرتك بنصرة المذاهب المروية عني، فإنها الحق» وهنا ثمة سؤال يُطْرَح: هل روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم مذاهب كما في هذه الرواية، أم منهج واحد كما هو معروف؟ وهو منهج الحق، قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}
(1)
فالحق واحد والباطل سُبُله كثيرة، وهذه الإشكالية تؤكد عدم صحة هذه الرؤى، أو على الأقل عدم إيرادها بألفاظها الصحيحة، وإن كنت أَمِيْلُ بأن لهذه الرؤى المنامية أصلاً صحيحاً، بل قد تكون ساعدت وأسهمت في تحوّل الإمام الأشعري إلى منهج الحقّ لكن مع التأكيد بعدم قبول جميع هذه
(1)
سورة الأنعام، الآية:158.
الروايات دون تمحيص أو تدقيق، كما سبق أن بينته، والله أعلم.
القول الثاني: مناظراته مع شيخه الجبائي.
يُعَدُّ هذا السبب، أكثر الأسباب شيوعاً، وقناعة وقبولاً عند أهل العلم؛ لأن مناظراته مع شيخه الجبائي، وخاصة مناظرته حول الصلاح والأصلح، كان لها دور فاعل في رجوع الأشعري عن مذهبه، وهذه المناظرات دونت بعدة صِيَغٍ، ولعل أشهر هذه الروايات والصيغ ما أوردها ابن خلكان في ترجمة الجبائي، حيث قال:
المناظرة الأولى:
أن أبا الحسن سأل أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة أحدهم كان مؤمناً، براً، تقياً، والثاني كان كافراً، فاسقاً، شقياً، والثالث كان صغيراً، فماتوا فكيف حالهم؟ فقال الجبائِي: أما الزاهد ففي الدرجات، وأما الكافر ففي الدركات، وأما الصغير فمن أهل السلامة، فقال الأشعري: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟ فقال الجبائي: لا، لأنه يقال له: إن أخاك إنما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعته الكثيرة، وليس لك تلك الطاعات، فقال الأشعري: فإن قال ذلك الصغير: التقصير ليس مني، فإنك ما أَبْقَيْتَنِي ولا أقدرتني على الطاعة فقال الجبائي: يقول الباري جل وعلا: كنت أعلم أنك لو بقيت لعصيت وصرت مستحقاً للعذاب الأليم، فراعيت مصلحتك، فقال الأشعري: فلو قال الأخ الكافر: يا إله العالمين، كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلم راعيت مصلحته دوني؟ فقال الجبائي للأشعري: إنك
مجنون، فقال: لا، بل وقف حمار الشيخ في العقبة، فانقطع الجبائي. وهذه المناظرة دالة على أن الله تعالى خص من شاء برحمته وخص آخر بعذابه، وأن أفعاله غير معللة بشيء من الأغراض
(1)
.
المناظرة الثانية:
حيث أوردها الفخر الرازي
(2)
بصياغة أخرى قريبة من هذه، ولكنه جعل المخاطب للجبائي امرأة عجوز ألقمها الأشعري
(1)
انظر وفيات الأعيان/ 4/ 267، والطبقات الكبرى للسبكي 3/ 356. وهذه وردت من غير سند فلا يعول عليها.
(2)
هو: فخر الدين، محمد بن عمر، بن الحسين القرشي البكري الطبرستاني، أبو عبد الله، وأبو المعالي، المعروف، بالفخر الرازي، ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، قال عنه الذهبي: العلامة الكبير ذو الفنون، الأصولي المفسر كبير الأذكياء والحكماء، والمصنفين، ا. هـ. تعلم الفقه على المذهب الشافعي، وله العديد من المصنفات ومن أهمها: تفسيره المشهور بالتفسير الكبير ومفاتح الغيب. ومن كتبه المحصول في أصول الفقه، كان معظماً عند ملوك الخوارزمية، حتى أكرموه، فأصبح من الأثرياء. وقعت له خصومات مع الكرامية، رجع رحمه الله في أواخر حياته إلى منهج السلف، قال الذهبي: مات في سنة 606 هـ وله بضع وستون سنة، وقد اعترف في آخر عمره، حيث يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً. رأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه 2] وقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر 10] وأقرأ في النفي، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى، 11] ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي، وقال ابن كثير: وكان مع غزارة علمه، وتبحره في فن الكلام يقول: من لزم مذهب العجائز كان هو الفائز وأوحى عند موته برجوعه إلى طريقة السلف. وتسليم ما ورد على الوجه المراد اللائق بجلال الله تعالى. انظر في ترجمته البداية والنهاية 17/ 11. وسير أعلام النبلاء 21/ 500.
السؤال حيث كان يقصد من خلاله إحراجه، حيث قال: إن الشيخ أبا الحسن الأشعري لما فارق مجلس أستاذه أبي علي الجبائي، وترك مذهبه، وكثر اعتراضه، على أقاويله، عظمت الوحشة بينهما، فاتفق أن يوماً من الأيام عقد الجبائي مجلس التذكير وحضر عنده عالم من الناس، وذهب الشيخ أبو الحسن إلى ذلك المجلس، وجلس في بعض الجوانب مختفياً عن الجبائي، وقال لبعض من حضر هناك من العجائز: إني أعلمك مسألة، فاذكريها لهذا الشيخ، قولي له: كان لي ثلاثة من البنين، واحد كان في غاية الدين والزهد، والثاني كان في غاية الكفر والفسق، والثالث كان صبياً لم يبلغ، فماتوا على هذه الصفات فأخبرني أيها الشيخ عن أحوالهم؟ فقال الجبائي: أما الزاهد ففي درجات الجنة، وأما الكافر ففي دركات النار وأما الصبي فمن أهل السلامة. قال قولي له: لو أن الصبي أراد أن يذهب إلى تلك الدرجات العالية، التي يصل منها أخوه الزاهد هل يمكنه منه؟ فقال الجبائي: لا، لأن الله يقول: إنما وصل إلى تلك الدرجات العالية بسبب أنه أتعب نفسه في العلم والعمل، وأنت ليس معك ذلك، فقال أبو الحسن: قولي له لو أن الصبي حينئذ يقول: يارب العالمين! ليس الذنب لي، لأنك أمتني قبل البلوغ، ولو أمهلتني فربما زدت على أخي الزاهد في الزهد والدين؟ فقال الجبائي: - يقول الله له: علمت أنك لو عشت لطغيت، وكفرت وكنت تستوجب النار، فقبل أن تصل إلى تلك الحالة راعيت مصلحتك، وأمتك حتى تنجو من العقاب، فقال أبو
الحسن: قولي له: لو أن الأخ الكافر الفاسق رفع رأسه من الدرك الأسفل من النار، فقال: يارب العالمين ويا أحكم الحاكمين ويا أرحم الراحمين، كما علمت من ذلك الأخ الصغير أنه لو بَلَغَ كَفَرَ، علمت مني ذلك، فلم راعيت مصلحته وما راعيت مصلحتي؟ قال الراوي: فلما وصل الكلام إلى هذا الموضع انقطع الجبائي، فلما نظر أبو الحسن، علم أن هذه المسألة منه، لا من العجوز
(1)
. وقد انتقد مؤلف نشأة الأشعرية وتطورها، هذه المناظرة فقال: إن العقل لا يقبل أن تكون مسألة كهذه سبباً في ترك مذهب اعتنقه الأشعري أربعين عاماً، وإنما الرواية وضعت لبيان عجز الجبائي، وتفوق الأشعري عليه، ونحن لا نمانع أن يكون التلميذ أبلغ من أستاذه، ولكن ذلك لا يكون دافعاً لترك قوله
(2)
.
قلت: ودعوى الوضع هنا، ليس مقبولاً، لافتقاره للأدلة، كما أن احتجاجه بأن مثل هذا السبب لا يكون دافعاً لترك هذا المذهب الذي عاش فيه أربعين سنة، ليس بحجة، لأن الإنسان قد يعيش في الكفر ستين أو سبعين سنة أو أكثر أو أقل، ثم بعد ذلك يستجيب للإسلام، فإذا كان هذا ملموساً واقعاً، ومقبولاً عقلاً، على أنه تخلى عما كان عليه بالكلية، فكيف بمسلم قد ضل عن الحق مع بقاء أصل الإسلام عنده؟ فلاشك بأن هذا
(1)
انظر تفسير الفخر الرازي 7/ 194 عند تفسير الآية 125 من سورة الأنعام. وهذه وردت من غير سند فلا يعول عليها.
(2)
انظر نشأة الأشعرية وتطورها ص 176.
الرجوع أقرب وأولى، فليس هناك وجه للإنكار بناءً على مثل هذه الحجج الواهية، بل لو فرض بأنها موضوعة كما يقول، أليس فيها دلالة على فساد مذهب الاعتزال؟! أو ليس من أصول أهل الاعتزال: تقديم العقل على النقل، والقول بفعل الأصلح، الذي نقضته هذه القصة، بعيداً عن كونها حقيقة وقعت أو حكاية لُفِقت! فدعوى الوضع قول بلا برهان، ولا يسلم لقائله.
المناظرة الثالثة:
وهناك مناظرة أخرى حول هل يسمى الله عاقلاً؟ أدت إلى رجوع الأشعري، وهي: «دخل رجل على الجبائي فقال هل يجوز أن يسمى الله تعالى عاقلاً؟ فقال: الجبائي: لا، لأن العقل مشتق من العقال وهو المانع، والمنع في حق الله محال، فامتنع الإطلاق. قال الشيخ أبو الحسن فقلت له: فعلى قياسك لا يسمى الله سبحانه وتعالى حكيماً، لأن هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام، وهي الحديدة المانعة للدابة من الخروج، ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت رضي الله عنه
(1)
:
(1)
حسان: هو الصحابي الجليل، حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن زيد بن عمر بن مالك الأنصاري الخزرجي. شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينصب له المنبر في المسجد، وكان يقول له - كما في الصحيحين -:«أجب عني، اللهم أيده بروح القدس» ، وكان يقول - كما في الصحيحين أيضاً -:«اُهْجُهمْ وجبريل معك» ، أسلم وله من العمر ستون سنة، ومات وله من العمر مائة وعشرون سنة. سنة أربع وخمسين، فيكون عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام، وذكر ابن الأثير في أسد الغابة أن أباه ثابت وجده المنذر وأبا جده حرام، عاش كل واحد منهم مائة وعشرين سنة انظر أسد الغابة 3/ 7 والإصابة 2/ 57.
فنحكم بالقوافي من هجانا
…
ونضرب حين تختلط الدماء
(1)
وقول الآخر وهو: جرير
(2)
:
أبني حنيفة أَحْكِمُوا سفهاءكم
…
إني أخاف عليكم أن أغضبا
(3)
أي نمنع القوافي من هجانا، وامنعوا سفهاءكم، فإذا كان اللفظ مشتقاً من المنع، والمنع على الله محال، لزمك أن تمنع إطلاق حكيم عليه، سبحانه وتعالى. قال: فلم يحرهُ جواباً إلا أنه قال لي: فلم منعت أنت أن يسمى الله سبحانه وتعالى عاقلاً، وأجزت أن يسمى حكيماً؟ قال: - فقلت له: لأن طريقتي في مأخذ أسماء الله الإذن الشرعي دون القياس اللغوي، فأطلقت حكيماً لأن الشرع أطلقه، ومنعت عاقلاً لأن الشرع منعه، ولو
(1)
انظر ديوان حسان بن ثابت ص 59. وفي النسخة التي حققها د/ سيد حنفي وردت لفظة: حيثُ بدل من لفظة: حين.
(2)
هو: جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي، اليربوعي من بني تميم، ولد في اليمامة سنة ثمان وعشرين من الهجرة، كان من أشعر الناس حتى قال ابن خلكان: أجمعوا على أنه ليس في شعراء الإسلام مثل جرير والفرزدق، وكان بينهما مهاجات وتفاخر، وفضل جرير بأبياته الأربعة، فخراً ومدحاً وهجاءً وتشبيباً «الغزل» وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله لا يأذن لأحد من الشعراء غير جرير، ولما مات الفرزدق بكى جرير وقال: إني لأعلم أني قليل البقاء بعده، عاش بعده أربعين يوماً وقد قارب المائة. توفي رحمه الله في سنة مائة وعشرة. وديوانه مطبوع في جزأين انظر شذرات الذهب 2/ 55، والأعلام 2/ 119.
(3)
انظر: ديوان جرير 1/ 466.
أطلقه الشرع لأطلقته
(1)
. وقد انتقد صاحب كتاب نشأة الأشعرية، هذه الرواية أيضاً. وقال: «لقد وضعها أعداء المعتزلة لتشويه آراء الجبائي، مع أننا لا ننكر أن للجبائي وسائر المعتزلة بعض الآراء المتطرفة، ولكن هذا لا يمنع من القول بأن الرواية يُشم منها الوضع هي الأخرى لإلزام المعتزلة أقوالاً تتنافى مع مرادهم، وإن كان سياق المذهب في النهاية يؤدي إليها، إلا أن الحقيقة أن لازم المذهب ليس بمذهب
(2)
، قلت: بأن ما ذكره جلال موسى لا يجافي الحقيقة فيما يظهر، والله أعلم. وإن كانت هذه القصة تحكي الواقع الحقيقي لهذا المذهب الفاسد. والناقد عليه أن يناقش الأصل فهل ما قيل في هذه المناظرة عن الاعتزال حقيقي أم كذب؟ فكون القصة صنعت لهدم المذهب المعتزلي لا يعنينا، وإنما الذي يعنينا هل هي افترت على المعتزلة، وأظهرتهم بغير صورتهم الحقيقية؟ أم أنها ذكرت ما في هذا المذهب الفاسد من تَخَبُّطَاتٍ بكل صراحة، فلماذا هذا التشكيك؟ إن الحقيقة تقول لا، بل هي تناقش قضية مُسلَّماً بها عند المعتزلة، والذي يظهر أن هذه المناظرة ـ لو صحت ـ لكانت حدثت بعد رجوعه، لأنها سبب من أسباب رجوعه لأن المناظرة أثبت فيها الأشعري أن مُعْتَقَدَهُ ومنهجه الاعتماد على النقل وتقديمه على العقل، والسياق لا يدل على أن هذا المنهج قد جدَّ عند الأشعري أثناء المناظرة. وهذه الرواية تدل
(1)
انظر طبقات الشافعية الكبرى 3/ 357 - 358. والقصة تحتاج إلى إثبات.
(2)
انظر نشأة الأشعرية وتطورها ص 178 باختصار.
أيضاً على أن المناظرات بينهما كثيرة بعضها وقعت قبل الرجوع وكانت سبباً من أسبابه، وبعضها وقعت بعد الرجوع؛ لأنه لا مانع عقلاً ولا شرعاً من تكرار هذه المناظرات وقصرها على طور واحد، تحكم بلا دليل، والله أعلم.
القول الثالث تكافؤ الأدلة:
إن سبب رجوع الأشعري هو حيرته من جراء تكافؤ الأدلة بين الفرق عنده، بحيث لم يعد لطائفة عنده مزية عن طائفة.
1 ـ قال ابن عساكر: الأشعري شيخنا وإمامنا ومن عليه معولنا قام على مذاهب المعتزلة أربعين سنة، وكان لهم إماماً ثم غاب عن الناس في بيته خمسة عشر يوماً، فبعد ذلك خرج إلى الجامع، فصعد المنبر» وقال:«معاشر الناس! إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة، لأني نظرت فَتَكَافَأَتْ عندي الأدلة، ولم يترجح عندي حق على باطل ولا باطل على حق، فاستهديت الله تبارك وتعالى، فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه، وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به ودفع الكتب إلى الناس، فمنها كتاب «الُّلمَع» وكتاب أظهر فيه عوار المعتزلة سماه بكتاب «كشف الأسرار وهتك الأستار» وغيرهما، فلما قرأ تلك الكتب أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة أخذوا بما فيها وانتحلوه واعتقدوا تقدمه، واتخذوه
إماماً حتى نسب مذهبهم إليه»
(1)
.
2 ـ وانفرد ابن عساكر برواية أخرى قريبة من هذه، حيث قال:«لم يشعر الناس يوم الجمعة إلا وإذا بالأشعري، قد طلع على منبر الجامع بالبصرة بعد صلاة الجمعة ومعه شريط شده في وسطه ثم قطعه وقال: «اشهدوا علي! إني كنت على غير دين الإسلام، وإني قد أسلمت الساعة، وإني تائب، مما كنت فيه، من القول بالاعتزال» ، ثم نزل
(2)
. وقد شكك جلال موسى، في هذه أيضاً فقال: - مما لاشك فيه أن ابن عساكر هو مصدر هذه الرواية التي أخذها عنه ابن خلكان والسبكي، فابن عساكر يُصَرِّحُ أن الكتب التي دفعها إلى الناس، منها، كتاب اللمع، وكتاب كشف الأسرار وهتك الأستار، كشف فيها عوار المعتزلة وهذا وحده يكفي دليلاً على وضع هذه الرواية، وعدم الدقة فيها.
1 ـ فلا يعقل أن يكون الأشعري ألف هذين الكتابين خلال الخمسة عشر يوماً التي غابها.
(1)
انظر: تبيين كذب المفتري 39 - 40، وانظر الفهرست لابن النديم ص 225، ووفيات الأعيان 3/ 285 والخطط 4/ 193.
(2)
أما الرواية الثانية فقد انفرد بها ابن عساكر في التبيين، ونقد السند، وقال الحمراني: مجهول انظر التبيين ص 40، وقال عبد الرحمن بدوي: وهذه الرواية أظهر الروايات تكلفاً وزيفاً، لأنها فضلاً عن افتعالها تقرر أن الاعتزال كفر وأن المعتزلي كافر، ومن غير المعقول أن يكون الأشعري قد قال مثل هذا الكلام وأصدر هذا الحكم بهذه الحدة، انظر: مذهب الإسلاميين ص 494.
2 ـ ولا يعقل كذلك أن يكون ألفها وهو على مذهب المعتزلة وقبل رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم التي يذكر الأشعري أنها كانت السبب في التحوُّلِ، وإلا كان الرجل غير صادق العقيدة، إذ يؤمن بمذهب ويؤلف على مذهب آخر، وليس الأمر بمثل هذه البساطة.
3 ـ ثم إننا لا نصدق أن الأشعري يتعرى من ثوبه، وهو على المنبر ويوم الجمعة كدليل على تركه أقوال المعتزلة فهو تشبيه يتسم بالبساطة والسَّذَاجَةِ، وليست هناك غاية وراء غيابه هذه الفترة اليسيرة، إلا إذا كان ابن عساكر، يعتبرها فترة تحول بين مذهبين مختلفين.
4 ـ ثم إن كتاب اللمع من المعتقد أنه من مؤلفات الأشعري في فترة النضج وليس من مؤلفات فترة التحول
(1)
. والدكتور جلال موسى شكك في هذه الرواية أيضاً فهو لا يتصور أن يؤلف الأشعري كتابين خلال خمسة عشر يوماً، ولم يذكر دليلاً واحداً على صدق دعواه سوى ترديده عبارة: لا يعقل كذا ولا يعقل كذا .. وسيعارض بقول قائل: بل يعقل كذا ويعقل كذا، وسيحتار القراء إلى أي العقلين يحتكمون؟! كما أن هذا مردود عليه، لأن العالم إذا تفرغ للتأليف والتصنيف قد يُصنف أكثر من ذلك، فمثلاً، شيخ الإسلام ابن تيمية
(2)
رحمه الله أصل لقضية القضاء
(1)
انظر نشأة الأشاعرة ص 174 - 175.
(2)
هو الإمام ا لعلامة، شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني، ولد رحمه الله، في سنة ستمائة وإحدى وستين، تتلمذ رحمه الله على يد بعض أهل بيته في بداية حياته، ثم على يد عدد من العلماء كشرف الدين المقدسي، وتقي الدين الواسطي، عرف رحمه الله بعلمه الغزير وقلمه السيال وأمره بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاده حتى إنه قاد الجهاد أمام التتار، كما عرف بالعفو والصفح عن مخالفيه، مجموع الفتاوى 2/ 464، تجد الشواهد على ذلك، وانبرى رحمه الله بالرد على الرافضة، وكتابه منهاج السنة خير شاهد على ذلك، أُوذي رحمه الله وامتحن، بسبب عقيدته، وصدعه بالحق، وسجن كثيراً. مرة بسبب الحموية ومرة بسبب الواسطية وأخرى بسبب شد الرحال إلى القبر الشريف. وهكذا وأسباب أخرى. ألف رحمه الله العديد من المؤلفات من أهمها: درء تعارض العقل والنقل، ومنهاج السنة، والعقيدة الطحاوية والعقيدة الحموية، والتسعينية والنبوات، والإيمان، والأصفهانية، والعشرات وغيرها، توفي رحمه الله في سجن القلعة، سنة ثمان وعشرين وسبعمائة مظلوماً، وكانت جنازته مشهودة. انظر في ترجمته البداية والنهاية 18/ 295. والجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون وهو مجلد ضخم قرابة سبعمائة صفحة، كما ترجم له الشيخ عبد الرحمن المحمود ترجمة وافية بقرابة خمسة وعشرين صفحة. انظر موقف ابن تيمية من الأشاعرة 1/ 151.
والقدر في مجلس واحد .. عندما قال له السائل وهو من النصارى
أيا علماء الدين ذمي دينكم
…
تحير دلوه بأوضح حجة
إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم
…
ولم يرضه مني، فما وجه حيلتي
فرد عليه شيخ الإسلام في نفس المجلس بما يزيد على مائة وعشرين بيتاً نظماً، وكان من حوله يظنونه سيرد نثراً: فابتدأ بقوله:
سؤالك يا هذا سؤال معاند
…
مخاصم رب العرش باري البرية
ومن يك خصماً للمهيمن يرجعن على أم رأس هاو في الحفيرة
(1)
وهذا الحافظ ابن حجر
(2)
رحمه الله ألف متناً في المصطلح وأسماه نخبة الفكر، وهو مسافر، ذكر ذلك ابن الوزير
(3)
حيث قال: إن الحافظ ابن حجر، كتبها في سفره إلى مكة سنة سبع عشرة
(4)
ونظمها الإمام الصنعاني
(5)
رحمه الله في يوم واحد بأكثر من مائتي بيت من الشعر
(1)
انظر مجموع الفتاوى 8/ 246، 255.
(2)
هو أبو الفضل، شيخ الإسلام، الحافظ، أمير المؤمنين في الحديث أبو الفضل أحمد بن علي ابن محمد بن حجر العسقلاني، المصري، ولد رحمه الله سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، تلقى العلم على يد البلقيني وابن الملقن والعراقي، وغيرهم من أهل العلم، برع في العديد من العلوم، وخاصة علم الحديث، ومعرفة الرجال، له العديد من المؤلفات ومن أعظمها: فتح الباري، وتعليق التعليق، وإتحاف المهرة، وأطراف المسند، وتهذيب التهذيب، وله ديوان شعر، توفي رحمه الله سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. انظر في ترجمته شذرات الذهب 9/ 395 والنجوم الزاهرة 15/ 259.
(3)
هو محمد بن إبراهيم، بن علي بن الفضل، الحسين القاسم، أبو عبد الله، من أعيان اليمن ولد رحمه الله في سنة سبعمائة وخمس وسبعين، له كتب عظيمة منها إيثار الحق على الخلق، والعواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، والعديد من المؤلفات توفي رحمه الله في سنة ثمانمائة وأربعين، انظر الأعلام للزركلي 5/ 300، والبدر الطالع 2/ 81 - 82.
(4)
انظر إسبال المطر ص 19.
(5)
هو محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد، ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وهو المعروف بالصنعاني ويعرف كذلك بالأمير. ولد سنة ألف وتسع وتسعين، له العديد من المؤلفات، من أهمها: سبل السلام في شرح بلوغ المرام، وإسبال المطر، والروض النظيف وتطهير الاعتقاد، كما أنه من فحول الشعر، توفي رحمه الله في سنة ألف وواحد وثمانين ومائة انظر البدر الطالع 2/ 133. والأعلام 6/ 38.
المنظوم، حيث قال:
وبعد فالنخبة في علم الأثر
…
مختصر يا حَبَّذا من مختصر
ألفها الحافظ في حال السفر
…
وهو الشهاب بن علي بن حجر
كذلك قال:
طالعتها يوماً من الأيام
…
فاشتقت أن أودعها نظامي
فتم من بكرة ذاك اليوم
…
إلى المسا عند وفود النوم
(1)
فإذا كان هؤلاء الأعلام، قد أَلَّفُوا ونظموا في خلال سُويعات، فلماذا نتعجب من أن يُؤَلِّفَ الأشعري في خمسة عشر يوماً؟ وهو منقطع عن الناس انقطاعاً تاماً ثم ما المانع، أن يكون صَنَّف هذه الكتب بعد الرؤيا؟
والخلاصة، أن ما ذكره من علة للقدح في القصة لا يسلم له به خاصة وأنه رد جميع ما ذكر من غير مستند، أو دليل أو حجة بينة. أما مسألة تعجّبه من خلع الأشعري ثوبه، كدلالة على انخلاعه من الاعتزال فمعه في هذا حق من وجهة نظري، لأن مثل هذا الفعل لا يتصور من إنسان عادي، فكيف من عالم! وإن كان بعضهم قد ذكر بأن الأشعري قد يكون:
أ ـ لبس أكثر من ثوب، وبخاصة أن الروايات لم تذكر أنه تعرى،
(1)
انظر إسبال المطر ص 29، 30.
وفعله لا يَتَعَدَّى أن يكون اجتهاداً منه في هذه المسألة، وهذا هو المتوقع بلا ريب، إن كان هذا قد حصل فعلاً.
ب ـ قد يكون قصده لفت الأنظار من أجل انقداحها في الأذهان، وذلك لأنه أراد أن يترك أثراً في نفوس الناس محسوساً وشاهداً ملموساً على تركه وبراءته من الاعتزال وطبعي أن يكون قد رتب لهذا قبل الخروج إلى المسجد، فالطبيعي إذاً أن يكون قد لبس غير الثوب الذي خلعه وإن كنت أميل إلى عدم قبولها خاصة وغالب الروايات لم تذكرها، ناهيك عن أن خلع الرجل ثوبه أمام الرجال أمرٌ مذموم حتى ولو كان قد لبس أكثر من ثوب، مع التأكيد أنه يجب استبعاد أن يكون الأشعري قد تعرى أمام الناس؛ لأن مثل هذا الظن والتصور لا يرد إلا على ذهن من يريد دفع هذه الرواية ونفيها ابتداء دون بحث أو تأمل وتدقيق، وأمّا استدلاله على عدم صحة الخير بحجة تأخر تأليف اللمع، فهذا كلام بعيد تماماً عن المنهج العلمي في البحث، فهذه دعوى لم يذكر على صحتها دليلاً واحداً؛ بل هذه الرواية لو صحت لكانت دليلاً وحجة لمن يَرَوْنَ تأخر تأليف كتاب الإبانة، وبأن اللمع من مؤلفات الأشعري بعد التحول مباشرة، والله أعلم.
القول الرابع: حيرته.
عد بعض أهل العلم أن سبب تحول الأشعري، هي الحيرة التي أَقْلَقَتُهُ بسبب عدم اقتناعه بالاعتزال فكانت سبباً رئيساً لتركه الاعتزال. حيث
ذكر ابن عساكر: أن الأشعري كان يعيش في حيرة من أمره، وكان يطرح الأسئلة على أساتذته في الدرس، ولا يجد فيها جواباً شافياً، فتحير في ذلك، فحكي عنه أنه قال: وقع في صدري، في بعض الليالي، شيء مما كنت فيه من العقائد، فقمت فصليت ركعتين، وسألت الله - تعالى - أن يهديني الطريق المستقيم
(1)
. فالحيرة والشك كانت دافعاً عند الأشعري، حتى إنها قادته إلى ترك الاعتزال. «العصر الذي نشأ فيه الأشعري، كان عصراً برزت فيه المناظرات، وأظهرت له هذه المناظرات، ما في الفكر المعتزلي من مغالطات، وأيقظت له هذه المناظرات بواكير نشأته السنية، وكشفت له عوارض اعتزالية، مما أثمر عن عدم قناعة الأشعري بالفكر المعتزلي»
(2)
. قلت: وفي هذا إشارة لوجود تأثر قديم عند الأشعري من جراء تتلمذه على شيخه زكريا الساجي رحمه الله. ولاشك، أن الباحث عن الحقيقة، والراغب في الوصول إلى الحق، والبعد عن الأهواء وَالأَمْزِجَة، سيكتشف، عوار المعتزلة وغيرها من الفرق الضالة. وسيعلم بأن الحق، هو اتباع ما في الكتاب والسنة والسير على نهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، في فهمهما.
(1)
انظر التبيين 38 - 39.
(2)
انظر الإمام أبو الحسن وآراؤه الكلامية بتصرف 21.
القول الخامس: قسوة المعتزلة في امتحان العلماء.
هناك من الباحثين المعاصرين، من عزا ذلك إلى ما اشتهر عن المعتزلة من القسوة في التعامل مع مخالفيهم، فممارسات المعتزلة في امتحان العلماء والمخالفين لهم في الرأي، وإكراههم على التسليم لهم، بما يعتقدونه من آراء كمحاولة إجبار الناس والعلماء على قبول قول المعتزلة في قضية خلق القرآن
(1)
مثلاً أدى إلى تَوَلُّدِ كراهية هذا الفكر عند
(1)
عاش الناس في أيام المأمون أياماً عصيبة، حيث أظهر بدعته في القول بخلق القرآن، وأصدر في سنة ثماني عشرة ومائتين، كتاباً إلى نائبه ببغداد يأمره فيه بأن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن، وبأن القرآن محدث ليس بقديم، وبأن كل محدث مخلوق، وقد أقر بعض الفقهاء هذا الأمر ووافقوا المأمون وهم له كارهون، فاشتهر أمرهم بين الناس، وأحضر خلقاً من علماء الحديث والفقهاء والقضاة وأئمة المساجد. فأقروا بما أقر به أولئك، فاشتد عزم المأمون، ثم كتب إلى نائبه بالأدلة التي اعتمد عليها وأمر أن يقرأ ذلك على الناس. ثم أمر بأن يحضر جمعاً من كبار العلماء وأئمة الحديث فأحضر الإمام أحمد - قدس الله روحه - وجمعاً من علماء عصره، فامتحنهم، فكان إذا سألهم عن القرآن قالوا: هو كلام الله، وكانت معه رقعة طلب منهم أن يقروه بما فيها، ومفادها:(أشهد أن لا إله إلا الله، أحداً فرداً، لم يكن قبله شيء ولا بعده شيء، ولا يشبهه شيء من خلقه في معنى من المعاني، ولا وجه من الوجوه)، فكانوا يقرونه بما في هذه الورقة، وكانوا يفعلون ذلك مكرهين، لأن من لا يوقع كان يعزل من وظيفته وإن كان له رِزقٌ على بيت المال قطع، وإن كان مفتياً منع من الإفتاء. فلما جاء الدور على الإمام أحمد، رفض الإجابة ونفى خلق القرآن، وأعلن اعتقاده الصحيح بأنه منزل غير مخلوق فحمل الإمام إلى المأمون، ولكن الله أهلك المأمون قبل أن يلتقي الإمام أحمد. فتولى بعده ابنه المعتصم، وانضم إليه أحمد بن أبي دؤاد، وكان مع الإمام أحمد محمد بن نوح، وناله مع أحمد أذى كثير، ومات محمد بن نوح في الطريق وصلى عليه أحمد. وحمل أحمد إلى المعتصم، وقد قُيِّدَ رحمه الله وضرب وأوذي، وجرت بينه وبين خصومه مناظرات طويلة ليس هذا مجال ذكرها، واستمرت المحنة، حتى أيام الواثق، وانتهت بأيام المتوكل والذي أقر بألاَّ تُباع - ومنع نشر كتب الكلام والفلسفة بين الناس. انظر البداية والنهاية 14/ 207 - 224، تاريخ الطبري 8/ 631، سير أعلام النبلاء 11/ 177 - 358.
الأشعري. يقول أحمد أمين: «إنّ الناس كانوا قد مَلُّوا كثرة المناظرات، والمحن التي شهدوها أو سمعوا بها، كمحنة خلق القرآن، فكرهوا هذه الطائفة التي سببت لهم كل هذه المشاكل، وأخذ كثير منهم بأزر من يجابههم
(1)
. إن ممارسات المعتزلة في امتحان العلماء المخالفين لهم في الرأي، وإكراههم على القول بخلق القرآن، ولَّد نفوراً لدى العلماء. كما نفر منهم الناس، وجعلهم في معزل عن مشاركتهم في أمور حياتهم
(2)
. وهذا أمر لا ينكر، فابن كثير مثلاً يذكر من أساليب المعتزلة في القول بخلق القرآن، أنهم كانوا يعزلون من لا يجيب من وظائفه، وإن كان له رزق على بيت المال قطع، وإن كان مفتياً منع من الإفتاء، وإن كان شيخ حديث مُنعَ عن الإسماع والأداء، ووقعت فتنة صماء ومحنة شنعاء وداهية دهياء، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم العزيز الحكيم
(3)
. ولكن الجزم بأن هذا هو السبب غير مقبول، لأن تحول إنسانٍ عن معتقده بناء
(1)
انظر ظهر الإسلام 4/ 60.
(2)
أبو الحسن وآراؤه الكلامية ص 20.
(3)
انظر البداية والنهاية 14/ 211.
على مثل هذا السبب مستبعد، نعم قد يكون هذا سبباً مع أسبابٍ أخرى يُقَوِّي بعضها بعضاً، أمَّا أن يستقل وحده برجوع الشيخ عن الاعتزال فبعيد جداً، بل انتصار الخلفاء لقول المعتزلة في خلق القرآن كان قبل مولد الأشعري، بل قبل نهيهم عن القول بخلق القرآن، وكان قبل مولده أيضاً، بل الأشعري كان معتزلياً عشرات السنين في وقت كان الخليفة ينهى عن هذا القول الضال ومع ذلك اعتنق الأشعري هذا التيار الذي لم يكن منصوراً من الخليفة في زمانه، ولكن الذي يظهر أنه ترك هذا المذهب الفاسد بعد أن بان له فساده وهداية الله له.
القول السادس: قوة أبي الحسن في المناظرات:
ذكر أحمد أمين: أن أبا الحسن كان قوي الحجة، فلفت الأنظار إليه، وكان مع قوة حَجَّتِهِ معروفاً بالصلاح والتقوى وحسن المنظر، مما جذب نفوس الناس إليه، حيث وجدوا فيه الشخص الذي يلقون حملهم عليه إذا عدل عن الاعتزال
(1)
. وما أدري كيف استساغ أحمد أمين، أن يجعل هذا سبباً؟! فالمتأمل في هذا الكلام لا يجد فيه سبباً للتحول بل هذا الكلام يستساغ عندما يجعل هذا سبباً لمن أراد كثرة الأتباع، أما جعله سبباً لتحوله عن عقيدته فغير مقبول إطلاقاً ولذلك ظهر عنده الخلط، فقال قبل هذا التعليل: «فكان ذلك من الأسباب، التي دعته إلى ترك الاعتزال،
(1)
انظر ظهر الإسلام 4/ 59 بتصرف يسير.
وفي نظري أنه انتصر على المعتزلة لأسباب، ثم ذكر أسباباً بعضها مُتَعَلِّقٌ بشخص أبي الحسن، والآخر متعلق بأسباب تَحَوُّلِهِ
(1)
، والغريب أنه جعل من الأسباب حاجة الناس إلى من يلقون عليه حملهم إذا عدل عن الاعتزال»
(2)
. قلت: وما أدري كيف تجرأ أحمد أمين على ذلك الزمن الذي وجد فيه العديد من الأئمة: كمسلم والترمذي وأبي داود والنسائي وبقي بن مخلد، والدارمي، وعبد الله ابن الإمام أحمد، وإبراهيم بن إسحاق وغيرهم من الأعلام، حتى يجعل أحمد أمين الناس قد افتقدوا القدوة، ولم يجدوا عالماً، بل قوله يُوحي: بأن الناس كانوا معتزلة، أو غالبهم على أقل تقدير، ثم تحولوا عن الاعتزال إلى مُتابعة الأشعري رحمه الله وإن كانت عبارته، تدل على أنه قصد جميع الناس من أهل الإسلام، لأنه قال: مما جذب نفوس الناس إليه، ووجدوا فيه الشخص الذي يلقون حملهم عليه، إذا عدلوا عن الاعتزال. ولاشك بأن في هذا قدحاً في أهل ذلك الزمن، فأهله عنده كانوا معتزلة، وكأن أهل السنة والحديث لا وجود لهم، ثم بعد ذلك تحولوا إلى الأشعرية، مع أن الأشعري رحمه الله لم ينتشر مذهبه إلا بعد وفاته بقرنين، بل ولم يعرف له تلامذة معاصرين له إلا قلة قليلة. فكيف تجرأ أحمد أمين على هذا التحليل الغريب العجيب وكيف استساغه؟!
(1)
انظر ظهر الإسلام 4/ 59.
(2)
انظر ظهر الإسلام 4/ 59.
القول السابع: تَخَلِّي السلطات عن نصر الاعتزال.
ذكر أحمد أمين: أن السلطات الحكومية من عهد المتوكل
(1)
قد تَخَلَّت عن نصرة المعتزلة، وأغلبُ الناس يمالئون الحكومة أينما كانت، ويخافون أن يعتنقوا مذهباً لا ترضاه، فهربوا من الاعتزال إلى من يهاجم الاعتزال
(2)
. وكلام أحمد أمين يوحي بأن الأشعري ليس وحده الذي ترك الاعتزال، بل غالب الناس تركوا الاعتزال من جراء هذا السبب. وقد علق جلال موسى على هذا الكلام فقال: إن هذا التفسير يعني: أن الناس إذا كانت قبلت مذهب الأشعري فلم يكن ذلك عن رضا واقتناع، وإنما لأن السلطات الحكومية ترغب ذلك وترضاه، ولأن دولة المعتزلة كانت قد ذلت، ولكن ذلك لا يقوم دليلاً على أن الأشعري ترك مذهب المعتزلة
(1)
هو: أمير المؤمنين أبو الفضل جعفر بن المعتصم، محمد بن الرشيد العباسي، ولد سنة سبع ومائتين، وتولى الخلافة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وهو ابن خمس وعشرين سنة. وقتل وهو ابن إحدى وأربعين سنة، في سنة سبع وأربعين ومائتين، فكانت خلافته أربع عشر سنة وتسعة أشهر. كان رحمه الله من أهل الخير والصلاح، حيث أحيا الله به السنة وأمات التجهم، حتى رزق حب العامة له، بتركه الهزل واللهو. ذكر ابن كثير: - أنه رؤي في المنام، وهو واقف بين يدي الله، وسأله الرائي عمرو بن شيبان: - ما فعل بك ربك؟ قال غفر لي بقليل من السنة أحييتها. اهـ. قتل رحمه الله مظلوماً على يد ابنه محمد: انظر ترجمته في شذرات الذهب 3/ 218 والبداية والنهاية 14/ 450 ومروج الذهب 4/ 361.
(2)
ظهر الإسلام 4/ 60.
لأسباب سياسية
(1)
.
قلت: ولاشك بأن هذا التفسير غير مقبول لأسباب:
1 -
إن وصف الإمام الأشعري بأنه غير عقيدته إرضاء للحاكم تهمة بلا دليل، وحكم على النوايا والخفايا التي لا يعلمها إلا الله.
2 -
إن المتوكل رحمه الله توفي قبل مولد الأشعري بثلاث عشرة سنة، وأصبح الحكام من بعده يحرصون على نصر السنة. فالأشعري إذاً، ولد ونشأ ومات في عصر ارتفاع مقام أهل السنة، وظل هو مخالفاً لما هم عليه ـ أي أهل السنة ـ عشرات السنين. فدل على أن اعتزاليته كانت عن قناعة، وتحوله عن قناعة، فليس للحكومات في ذلك دور. بل لم يثبت أنه تعرض لأذى حاكم، حتى يقال إن هذا كان سبباً في التحول. والذي يظهر أن هذا السبب من أضعف الأسباب مع الذي قبله.
القول الثامن: إسراف المعتزلة في تمجيد العقل.
عدَّ بعض الباحثين أن إسراف المعتزلة في تمجيد العقل له دور في ذلك. لأنّ إسراف المعتزلة في اعتمادها على العقل، وفي تأويلها العقلي للنصوص المخالفة لآرائها، وتوغلها في قضايا الفلسفة والمنطق، جعلها تبتعد عن الغاية الرئيسة للهدف الذي سخرت نفسها من أجله، كل ذلك ولدّ في الأشعري رد فعل جعله يتجه إلى الأخذ بالنصوص النقلية مطوعاً
(1)
نشأة الأشعرية 181.
العقل في خدمتها
(1)
. ولاشك بأن هذا السبب مقبول ومنطقي، لكنه لا يصح أن يفرد وحده، لأنه قد يكون سبباً في الحيرة وسبباً في المناظرة أيضاً.
القول التاسع: رغبة الأشعري بالجمع بين الفقه والكلام.
عزا بعض الباحثين سبب رجوع الأشعري إلى رغبته بأن يجمع بين الفقهاء والمحدثين، وبين أهل الكلام، رغبة منه في جمع الكلمة بعد اشتداد العداوة بين أهل الحديث وأهل الكلام، فقاده فكره إلى التحول عن الاعتزال مع استفادته منهم في بعض المسائل، وانضمامه لأهل الحديث. قال جلال موسى: الأشعري كان رجلاً ألْمعياً ذا نظر ثاقب ورأي، رأى أن الفقهاء والمحدثين قصروا همتهم على التفقه في الدين بدلائله وحججه من التفسير والحديث والإجماع والقياس، ورأى المتكلمين قصروا همتهم على الدفاع عن الدين ضد غوائل أعدائه، مستخدمين نفس أسلحتهم من الجدل والمنطق وتحكيم العقل وطرح النص جانباً، وكان العداء بين الفريقين شديداً، فساءل الأشعري نفسه: - وما الذي يمنع أن يكون المرء فقيهاً متكلماً ويجمع بين الأمرين وهو ليس جمعاً بين متناقضين؟ وكما رأى المعتزلة تجعل العقل رائداً والحنابلة تجعل النص رائداً، فساءل نفسه: وهل
(1)
انظر أبو الحسن وآراؤه الكلامية في اللمع ص 21.
هناك ما يمنع من الجمع بين الاثنين؟
(1)
ولذلك يقول الكوثري
(2)
: إن الأشعري نشأ في ظروف حرجة تعاني منها الأمة، فغار الإمام أبو الحسن على ما حل بالمسلمين من ضروب النكال، فقام لنصر السنة، وقمع البدعة، فسعى أولاً للإصلاح بين الفريقين من الأُمة بإرجاعهما عن تطرفهما إلى الوسط العدل قائلاً للأولين: أنتم على الحق إذا كنتم تريدون بخلق القرآن اللفظ والتلاوة والرسم، وللآخرين: أنتم مصيبون إذا كان مقصودكم بالقديم: الصفة القائمة بذات الباري غير البائنة منه
(3)
. قلت: هذا الذي يزعم الكوثري أنَّ الأشعري يُريد أن يجمع الناس عليه مذهبٌ باطل وهو أنّ كلام الله معنى واحد قائمٌ بذاته وأمّا ألفاظ القرآن وحروفه
(1)
انظر: الأشعرية 186 باختصار.
(2)
هو محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري الجركسي، الحنفي، جدلي متكلم، ولد في القسطنطينية سنة ست وتسعين ومائتين بعد الألف للهجرة. عمل أستاذاً في جامعة استنبول، هرب أثناء الحرب العالمية خوفاً من أتاتورك إلى مصر، وظل متنقلاً بين مصر والشام، حتى استقر في دار المحفوظات بمصر، فترجم ما فيها من الوثائق التركية إلى العربية، له من المؤلفات عدد كثير، منها: تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب ويقصد بذلك الخطيب البغدادي ـ رحم الله الجميع ـ. وله كتاب آخر بعنوان الاستبصار في التحدث عن الجبر والاختيار، وله عدد من المقالات، توفي في القاهرة في عام 1371 هـ، وقع كثيراً في شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، والإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وغيرهم. ومازالت آثار كتاباته موجودة. انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي 6/ 127 معجم المؤلفين 10/ 4.
(3)
انظر تعليق الكوثري على تبيين كذب المفتري ص 23 في الهامش.
فهي مخلوقة، يُعد خليطاً بين مذهب متأخري الأشاعرة ومذهب المعتزلة، وهذا التحليل عن الكوثري انتصار لما هو عليه من مذهب باطل. ولاشك بأن هذا التعليل للمتأمل عَليلٌ، والتعليل به غير مقبول إطلاقاً، فالأشعري رحمه الله لم تكن مشكلته مع المعتزلة، وخلافه حول قضية خلق القرآن فقط، بل خلافه معهم في عشرات القضايا، بل حتى خلاف في مصادر التلقي الأساسية، كما أنه أعلن التخلي التام عن هذا المذهب الفاسد، بل ورد عليهم وقدح بهم على رؤوس الأشهاد. فهل الذي يريد التوفيق والإصلاح يسعى لإسقاط شيوخه من المعتزلة؟ وهل الذي يسعى للإصلاح يعلن تخليه التام عن ذلك المذهب الفاسد وعلى رؤوس الأشهاد؟ بل ويخلع ثيابه ـ إن صحت الرواية ـ دلالة على خلعه مذهبهم، بل في بعض الروايات يعلن أن لم يسلم إلا اليوم ثم يقال بأن الأشعري كان يريد التوسط، هذا قول غير مقبول ويفتقر إلى الأدلة. والغريب أن هذا القول وجد من يؤيده، فهذا أحدُ الباحثين يقول: إن الأشعري رأى أن طريقة المعتزلة ستؤدي بالإسلام إلى الدمار، كما أن طريقة المحدثين والمشبهة ستؤدي إلى الجمود والانهيار مع ما في ذلك من تفرقة كلمة الأمة وغرس بذور الشقاق بينها، وأنه من الخير لهذه الجماعة أن يلتقي العقليون والمنطقيون على مذهب وسط يُوَحِّدُ القلوب، ويعيد الوحدة إلى الصفوف
مع احترام النص والعقل معاً
(1)
. قلت: وما أدري! كيف قبلوا بهذا التعليل مع أنهم يرددون ويؤكدون بأن الأشعري قد انخلع من الاعتزال، وحجر المعتزلة في أقماع السمسم كما يعلنون؟! بل ويعلن أحدهم أن الأشعري وجد الأدلة متكافئة، فاستهدى الله، فهداه إلى منهجه، وأيده في طريقه برؤية رسوله صلى الله عليه وسلم فمضى قدماً وأخرج للناس مذهباً جديداً؟ تلقاه أغلبها بالقبول والاطمئنان
(2)
. قلت: إن الإعلان بأن أبا الحسن أتى بمذهب جديد قدح به، وكافٍ لرد مذهبه لأن الإسلام قد كمل بوفاته صلى الله عليه وسلم وليس بحاجة إلى إكمال، وهذا وحده كاف لرد مثل هذا السبب.
القول العاشر: حدوث تغير في عقله.
زعم بعض المعتزلة أن الأشعري رجع عن الاعتزال بسبب تغير حدث في عقله
(3)
. وقد انتقد ابن عساكر هذا القول بشدة، وحق له، حيث قال: هذا قول جاهل لم يؤته الله في دينه بصيرة وقائله من المعتزلة الضلال
(4)
.
قلت: ولاشك بأن هذا القول، وهذا التعليل، محجوج وغير مقبول. وليس هذا غريباً على المعتزلة، لأنهم يرون أن من خالفهم لا يحسن
(1)
انظر الأشعري لحموده غرابه ص 66.
(2)
انظر أبو الحسن ص 66.
(3)
انظر التبيين ص 380.
(4)
انظر التبيين ص 380.
استخدام عقله. بل الأشعري رجع عندما ظهر له عوار المعتزلة، ورجوعه دليل على رجاحة عقله وقوة حجته وضعف المذهب الفاسد، فالتعليل عليل وضعيف.
القول الحادي عشر: عدم الاطمئنان للفكر المعتزلي.
قال فاروق الدسوقي: إن منهج المعتزلة الفكري يحتم على صاحبه أن لا يطمئن ولا يثق إلا في النتائج المتفقة مع أحكام العقل حسب زعمهم. أما الأشعري فقد نبذ هذا السبيل العقلي المحض، حيث لم يحصل به في صدره الاطمئنان حيال نتائجه، كما أن تفكيره العقلي نقضه وأظهر له معايبه وعجزه. فلجأ إلى سبيل آخر هو الدعاء وطلب الهدى من الله عز وجل ولهذا دلالة منهجية هامة، وهي أن الأشعري ترك العقل كقبلةٍ أولى وأساس وحيد ومرجع أسمى وحكم أعلى ينبغي على المفكر المعتزلي أن يتوجه إليه في هذا كله، ويعول عليه أولاً وأخيراً
(1)
. قلت: ولا شك بأن هذا سبب ولَّد الحيرة عند الأشعري رحمه الله ولكن لا يستقل لوحده بكونه سبب التحول.
القول الثاني عشر: موت قريب له.
ذكر بعض خصومه: أن سبب رجوعه هو: أن قريباً له مات، فتاب لئلا يمنعه الحاكم من الميراث، حيث كان قريبه ذا مال كثير، وكان قاضي
(1)
انظر القضاء والقدر 2/ 311، 312.
البصرة في ذلك الوقت يغلو في السنة، فقال للأشعري: أهل ملتين لا يتوارثان، فمنعه من الميراث بتأويل تَأَوَّلَهُ، فأظهر التوبة وأخذ الميراث
(1)
. وهذا التعليل غريب وعجيب لأسباب:
1 ـ لم نسمع أن معتزلياً منع من الميراث، وكيف يحرم والمعتزلة من أهل القبلة؟
2 ـ كما أن فيها تهمة، بأن الأشعري باع عقيدته من أجل مَتَاعٍ قليل في الدنيا. ولو فرضنا جدلاً بأنه فعلاً رجع من أجل هذا السبب، فما الدافع الذي جعله يستمر في الرد على المعتزلة بعد استلامه الميراث إذا كان قد تركهم عن غير اقتناع كما يزعمون؟! ولكن الخصوم، يصنعون من المبررات ما هو ممجوج حتى يثبتوا بأن من تركهم لم يكن مقتنعاً بقولهم، وإنما الأمور الدنيوية المادية هي سبب ذلك، مع أن الأشعري كما في بعض الروايات كان زاهداً في دُنْيَاهُ، حيث كانت نفقته في كل سنة سبعة عشر درهماً
(2)
، فكيف يقال بعد ذلك أنه كان من أهل الدنيا، بل وباع عقيدته من أجلها ـ سبحانك ربي هذا بهتان عظيم ـ؟!
القول الثالث عشر: غيرة الأشعري من ابن زوج أمه
أبي هاشم الجبائي.
حيث كان تلميذاً لأبيه، ولذا ترك الأشعري المعتزلة ويؤكد ذلك أن الأشعري قد أغفل ذكر أبي هاشم الجبائي مع مكانته في كتابه المقالات
(1)
مثالب ابن أبي بشر ص 155، والتبيين 381.
(2)
انظر التبيين ص 142.
ولم يتطرق له
(1)
. قلت: هذا التعليل عَلِيْلٌ لأمور:
أ ـ لم يذكره المؤرخون من قبل.
ب ـ عدم ورود أي دليل على أن هناك غيرة حدثت بينهما، أو أن الجبائي قدم ولده، بل الظاهر أنَّ الجبائي عُني بالأشعري كثيراً؛ بل قد يكون أكثر من ولده الذي ولد قبل الأشعري بثلاث عشرة سنة، فلا مجال للغيرة بينهم فهو ليس من أقرانه بالسن.
جـ ـ عدم الرد على أبي هاشم في المقالات لا يدل على غيرته منه، بل الأشعري لا يرد إلا على الخصوم، ورده ليس مزية يُكرِمُ بها من يرد عليه؛ لذا حَرَمَ منها أبا هاشم، بل رده نقد ومذمة للمردود عليه، وخصومه أولى بالنقد والذم، ولو كان يغار من ابن زوج أمه، لبادر بالرد عليه، فكيف جعلوا هذا سبباً؟.
د ـ ثبت أن الأشعري رد على أبي هاشم الجبائي في كتاب أسماه «جوابات عن أسئلة أبي هاشم» أَمْلَاهُ استجابة لطلب ابن صالح الطبري
(2)
، على حسب قائمة ابن فورك، وهذا وحده كافٍ لإسقاط هذا السبب.
(1)
انظر شيخ أهل السنة الإمام أبو الحسن 5/ 175 ونسب القول للمستشرق الدكتور وات.
(2)
انظر التبيين 136 ومذاهب الإسلاميين ص 513.
القول الرابع عشر: البحث عن المنزلة.
ذكر بعض خصوم الأشعري أنه ترك هذا المذهب لأنه لم يظفر عند العامة بسمو المنزلة وأظهر التوبة ليؤخذ عنه ويقبل عليه ويجعل له منزلة، فبلغ بذلك بعض ما أراد
(1)
قلت: وهذا التعليل ذكره بعض خصومه من أجل إسقاطه، وقد رد ابن عساكر على هذا التعليل بقوله: «وقول من زعم أنه أظهر التوبة ليؤخذ عنه ويسمع ما يُلقى إلى المتعلمين منه، وتعلو منزلته عند العامة، فذلك مالا يصفه من يؤمن بالبعث يوم القيامة، كيف يستجيز مسلم أن يظهر ضد ما يبطن ويضمر خلاف ما يبدي ويعلن لاسيما فيما يتعلق بالاعتقادات
(2)
؟!
قلت: وهذه التهمة كسابقتها من التهم التي يريد أن يخلص من خلالها إلى أن مذهب أصحابها حقٌ، ولا يمكن أن يدعه إنسان إلا لأسباب خارجية، وإلا فمن المعلوم أنَّ أصحاب المذاهب غالباً ما تنتشر مذاهبهم بعد سنين من وفاتهم وليس في حال الحياة كما صورها هذا القول، وهذه هي أهم الأسباب التي ذكرت حول سبب تركه لمذهب الاعتزال.
الترجيح:
لقد شغلت الأسباب التي أدت إلى ترك الأشعري مذهب الاعتزال
(1)
انظر مثالب ابن أبي بشر ص 155، والتبيين 381.
(2)
انظر التبيين ص 382.
الباحثين في القديم والحديث، ولم يتفق جميع الباحثين على سبب واحد من بين الأسباب الكثيرة التي جُعلت سبباً لتحوله، فالمناظرات مثلاً أقنعت فئة ولم تقنع أخرى، وكذلك ا لرؤى المنامية وغيرها.
1 ـ فابن عساكر مثلاً بعد ما عرض عدداً من الأقوال، رأى بأن السبب الرئيس في تحوله هو اتباعه الحق لما بان له وترك ما عداه، دونما جعل سبب بعينه هو سبب التحول
(1)
.
2 ـ أما عبد الرحمن بدوي، فيرى أن عدم وجود جواب شافٍ من أساتذته على أسئلته هو الأقرب للتصديق، وذلك لأنه عنده يبين ما يعقل وقوعه للأشعري.
(2)
3 ـ أما الشيخ الدكتور عبد الرحمن المحمود فإنه يرى بأن كل ما ذكر لا يرقى أي منه إلى درجة اليقين، لأنه لم يرد عن الأشعري عن طريق صحيح، أو في أحد كتبه المعتمدة السبب المباشر عن تحوله ورجوعه، ثم قال: لذلك لابد من التماس ذلك في أكثر من سبب، علماً بأن الرجوع إلى الحق ونبذ الباطل إنما هو عودة إلى الهداية الموافقة للفطرة، وهو أمر يقذفه الله في قلب عبده المؤمن، فليس الأمر غريباً أو مخالفاً للمعقول حتى يتلمس له السبب، والله أعلم
(3)
.
4 ـ في حين رجح محمود غرابه، بأن سبب الرجوع كان أمراً دينياً،
(1)
انظر التبيين ص 382.
(2)
انظر مذاهب الإسلاميين 497.
(3)
انظر مواقف ابن تيمية من الأشاعرة 1/ 377.
وهداية نبوية، وردت إليه في صورة رؤيا، وهي صدى لما أحسه أبوالحسن في نفسه من مشاكل نفسية وروحية
(1)
.
5 ـ ورجح أحمد أمين كراهية الناس للمعتزلة بسبب ما صنعوه في الناس في قضية خلق القرآن
(2)
.
الترجيح: أما الذي يترجح عندي في مسألة سبب تحوله، أنها ليست مقصورة على سبب واحد فقط بل عدة أسباب مجتمعة؛ حيث إن غالب الأسباب التي ذكرت لا تعارض بينها، فقد تكون حيرته هي السبب ثم عدم إجابة مشايخه في مرحلة الاعتزال على أسئلته التي حيرته والتي كان يظهر من خلالها عجز المعتزلة عن الإجابة عليها وزاد من ذلك تمجيدهم الزائد للعقل، فاضطر بعد ذلك لإجراء مناظرة مع شيخه، فانكشف له ضعف حجة شيخه، ثم تأكد عنده فساد مذهبهم من خلال الرؤيا التي رآها، فلا أجد ثمة تعارض بين غالب هذه الروايات، وبخاصة أن أوجه الجمع بينها ممكنة، أما ما ذكره المعتزلة من أسباب فمرفوضة جملة وتفصيلاً؛ لأنها ناشئة عن حقد وعداوة ناهيك عن افتقارها للأدلة والبراهين المؤيدة لها. والخلاصة: أن هذه الأسباب غير كافية لبيان سبب رجوع الرجل عن مذهبه الذي عاش عليه طويلاً وإنما السبب المقنع الذي يمكن قبوله هو بيان الحق له وهداية الله إياه وهو كغيره من الناس قد
(1)
انظر أبو الحسن الأشعري ص 63 - 64 باختصار بسيط.
(2)
ظهر الإسلام 4/ 59.
يضل ثم يهتدي، وما كنت أرغب أن أعطي هذه القضية حيزاً كبيراً لولا أن العلماء والباحثين في القديم والحديث قد اعتنوا بها، فأحببت جمع جميع هذه الأقوال في موضع واحد حتى يسهل للقارئ الاطلاع عليها، خاصة وأنني لم أجد من قام بجمعها في كتابٍ واحدٍ؛ بل هي متناثرة في بطون عشرات الكتب.
المبحث الثالث
ما بعد مرحلة الاعتزال
مما لاشك فيه أن الأشعري كان في الطور الأول من حياته معتزلياً، ثم بعد ذلك رجع عن هذا الاعتزال وَاخْتُلِفَ في هذا الرجوع، فهناك من جعله يرجع عن الفروع ويبقى على الأصول، وهناك من جعله يمر بعد الاعتزال بطورين:
أ- موافقة السلف الصالح وأهل الحديث.
ب-اتباع ابن كلاب،
وهناك من جعل العكس.
أ-اتباع ابن كلاب.
ب-موافقة السلف الصالح وأهل الحديث.
وهناك من جعله بعد الاعتزال يمر بطور واحد وهو اتباع أهل الحديث، وهناك من جعله يمر بطور واحد أيضاً ولكنه قائم على منهج التوسط بين أهل الحديث والمعتزلة، وهناك من جعله يمر بطور التوسط ثم متابعة ابن كلاب مع وجود بقايا كلامية عنده لم يتخلص منها. فهذه ستة أقوال: وَلَعَلِّي في هذا المبحث أتعرض لهذه الأقوال وَأُبِيِّنُ ما هو الطور الأخير الذي انتهى إليه أمر الأشعري رحمه الله؟
القول الأول:
هناك من يرى أنه عند رجوعه عن منهج المعتزلة الفاسد كان رجوعاً عن الفروع فقط، مع بقاء الأصول، وقال بهذا القول خلف المعلم، حيث قال: «أقام الأشعري أربعين سنة على الاعتزال، ثم أظهر التوبة، فرجع عن الفروع وثبت على الأصول
(1)
. وقال أبو نصر السجزي مؤيداً لقول خلف المعلم: «وهذا كلام خبير بمذهب الأشعري وغوره»
(2)
. بل وشنع السجزي على الأشعري وقال: «الأشعري وأقرانه يتظاهرون بالرد على المعتزلة وهم معهم، بل أخس حالاً منهم في الباطن»
(3)
.
قلت: أما أصحاب هذا القول، فلقد جافوا الحقيقة؛ لأنه رحمه الله رجع عن كثيرٍ من أصولهم بعد تركه الاعتزال مباشرة، ويلحظ ذلك من قرأ كتبه التى ألفها قبل الإبانة سواء: المقالات، أو الموجز، أو حتى اللمع. أما في الإبانة فقد رجع عن جميع أصولهم، ومقولة أنه رجع عن الفروع فقط قول غير صحيح، لذا رد شيخ الإسلام رحمه الله على هذا
(1)
انظر: رسالة السجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 140. ودرء تعارض العقل والنقل 7/ 236.
(2)
انظر: رسالته في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 141.
(3)
الرد على من أنكر الصوت والحرف ص 81.
القول، وأوضح مقصد قائله. فقال: ليس مراده بالأصول ما أظهروه من مخالفة السنة فإن الأشعري مخالف لهم فيما أظهروه من مخالفة السنة، كمسألة الرؤية، والقرآن، والصفات. ولكن أصولهم الكلامية العقلية التي بنوا عليها الفروع المخالفة للسنة، مثل هذا الأصل الذي بنوا عليه حدوث العالم وإثبات الصانع، فإن هذا أصل أصولهم وأن الأصل الذي بنت عليه المعتزلة كلامها في أصول الدين، هو هذا الأصل الذي ذكره الأشعري، لكنه مخالف لهم في كثير من لوازم ذلك وفروعه، وجاء كثير من أتباعه المتأخرين، فأعطوا الأصول ـ التي سلَّمها للمعتزلة ـ حقها من اللوازم، فوافقوا المعتزلة على موجبها وخالفوا شيخهم أبا الحسن وأئمة أصحابه، فنفوا الصفات الخبرية، ونفوا العلو، وفسروا الرؤية بمزيد علم لا ينازعهم فيه المعتزلة، وقالوا: ليس بيننا وبين المعتزلة خلاف في المعنى، وإنما خلافهم مع المجسمة، وكذلك قالوا في القرآن: إن القرآن، الذي قالت المعتزلة: إنه مخلوق، نحن نوافقهم على خلقه، ولكن ندعي ثبوت معنى آخر، وأنه واحد قديم
(1)
.
قلت: ومخالفة الأشعري في بداية تحوله لغالب أصول المعتزلة يظهر بأن هذا القول ضعيف، فمسألة الرؤيا ومسألة خلق القرآن من أعظم
(1)
انظر الدرء 7/ 237.
أصول الأشاعرة ومع ذلك فقد نقضها أمَّا في طوره الأخير فقد نقضها كلها، وهذا يدل على أن رجوعه كان عن الأصول وليس عن الفروع فقط والله أعلم.
القول الثاني:
أن الأشعري مر بعد الاعتزال بطور واحدٍ وهو: اتباع منهج السلف الصالح. ولكن منهج السلف في نظرهم هم الأشاعرة والكلابية، وهذا ما اتجه إليه أغلب الباحثين والمؤرخين لحياة الأشعري، فإنهم لا يذكرون في الغالب إلا طوراً واحداً بعد الاعتزال:
1 ـ فابن النديم أقدم من أرخ للأشعري ذكر في الفهرست: أن الأشعري كان معتزلياً ثم تاب من القول بالعدل، وخلق القرآن
(1)
. فهو هنا لم يذكر إلا طوراً واحداً بعد الاعتزال. وهكذا أغلب من ترجموا للأشعري لم يذكروا له إلا طوراً واحداً.
2 ـ أبو بكر ابن فورك حيث قال: انتقل الشيخ أبو الحسن من مذاهب المعتزلة إلى نصرة مذاهب أهل السنة والجماعة بالحجج العقلية وصنف بذلك الكتب
(2)
.
3 ـ فوقية حسين: ترى أن الأشعري مر بعد طور الاعتزال بطور الانتماء إلى عقائد السلف، وبقي على هذا الطور حتى مات. وتعلن استبعادها لمختلف الفروض الأخرى، فهي ترفض أن يكون الأشعري صاحب موقف متوسط بين المعتزلة والسلف، كما ترفض فرضية أنه تخلص من مرحلة الاعتزال تدريجياً، كما رفضت، الفرضية القائلة: بأنه
(1)
انظر الفهرست ص 225.
(2)
انظر تبيين كذب المفتري ص 127.
أخذ بأصول السلف ثم رجع إلى الاعتزال
(1)
.
4 ـ وقد أيد إبراهيم برقان هذا الرأي، وذكر حجة غريبة له: وهي أنه ارتأى هذا القول من باب تعزيز الجوامع المشتركة دون التفصيل في مواضع الاختلافات
(2)
.
5 ـ فاروق الدسوقي حيث قال: إن الإمام الأشعري انتقل بشعلة الفكر الإسلامي المتوهجة من المنهج العقلي المتطرف عند المعتزلة إلى رواق أهل السنة والجماعة، حيث ظلال القرآن الكريم، والحديث الشريف، أما الذين أحدثوا عقيدة وسطاً بين المعتزلة وبين السلف فهم الأشاعرة اللاحقون على الأشعري، أما الأشعري فإن هذا الأمر يبدو لنا بعيداً تماماً عنه، فلقد ترك لنا الأشعري من أعماله الفكرية ما يجعلنا نضعه مع السلف الذين يتمسكون بظاهر النص مع التنزيه المطلق لله عز وجل كالحنابلة، والحجة البالغة على هذا القول كتابه الإبانة عن أصول الديانة، حيث يبدأ فيه بالهجوم العنيف على المعتزلة والجهمية والرافضة. كما أن الأشعري بين أن القرآن والسنة هما مصدرا العقيدة، وذكر أن طريقة الإمام أحمد بن حنبل في فهم هذين المصدرين ومنهجه في التعامل الفكري هو المنهج الصحيح، ومن هنا يحق لنا القول: بأن الأشعري في
(1)
انظر الإبانة تحقيق فوقية ص 34، ص 91، 92.
(2)
انظر الإمام أبو الحسن وآراؤه الكلامية في اللمع ص 15.
كتابه الإبانة ليس إلا واحداً من الحنابلة في الأصول منهجاً وموضوعاً
(1)
.
قلت: ولكن المشكلة عند أصحاب هذا القول أنهم يفهمون السلفية فهماً خاطئاً، ودليل ذلك: أن فاروق الدسوقي مثلاً يعلن عدم التعارض بين كتابي الإبانة واللمع، مع أن التعارض بينهما واضح. حيث قال: والذي أراه وأقرره في اطمئنان: هو أن الكتابين متفقان تماماً منهجاً وموضوعاً، والاختلاف الظاهر هو نتيجة للنظرة السطحية فيما لا يمس المنهج ولا العقيدة التي يحتويها كل منهما، وممالا شك فيه أن الأشعري عاد من الاعتزال إلى عقيدة السلف مرة واحدة، وظل عليها حتى موته. ثم قال: إن دعوى اختلاف اللمع عن الإبانة دعوة باطلة، يحاول ترسيخها أعداء السلف وأهل البدع من المسلمين وأهل الزيغ من الملحدين، ثم قال مناقضاً نفسه: إنه مما لاشك فيه، أن بين الكتابين اختلافاً لكن الذي نرفضه، هو أن يكون بين العقيدة المتضمنة في كل منهما اختلاف، وذلك يُحَتِّمُ علينا أن نجيب عن هذا السؤال: هل الاختلاف بين عقيدة الكتابين يصل إلى حد التناقض، أو التغاير؟! حتى يتحتم علينا أن ننسخ أحدهما بالآخر تبرئة لصاحبهما من التناقض أم أن الأمر لا يستحق ذلك؟! ثم أجاب على هذا السؤال بقوله: علينا أولاً أن
(1)
انظر القضاء والقدر في الإسلام 2/ 314، 315 باختصار وتصرف.
ننظر في اسمي الكتابين، لما لهما من دلالة في تحقيق نصوص الكتابين، ومقارنة العقيدة في كُلٍّ منهما، فالإبانة يوحي بأن الأشعري في ذهنه القديم عقيدة القرآن الكريم والسنة إلى المسلمين وبالذات إلى عامة المسلمين، لأن المقصود بالديانة هنا الإسلام. ومن هنا يمكننا القول: إن كتاب الإبانة مكتوب وموجه للباحثين عن الحق من المسلمين، المخلصين، لإزالة شبهات المبطلين والمشككين من نفوسهم. إذاً، هدف الإبانة: تبيين أصول الدين للمسلمين أما اسم كتاب اللمع: فهو اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، واسم الكتاب يدل دلالة قاطعة على أن الاختلاف بينه وبين الإبانة ليس في العقيدة ولكن في أمرين هامين يؤثران في منهج الكتاب وأسلوبه:
1 -
الهدف: ثم بين أن الهدف من كتاب الإبانة: هو تبين أصول الدين للمسلمين. بينما الهدف من اللمع هو: الرد على أهل الزيغ من غير المسلمين، وأهل البدع من المسلمين.
2 -
اختلاف المخاطب أيضاً، فكتاب الإبانة مكتوب وموجه للباحثين عن الحق من المسلمين، بينما اللمع يخاطب به الأشعري أهل الزيغ من الملاحدة؛ أن الكتاب يبدأ بالدليل على وجود الصانع والخالق للمحدثات، ثم يدلل بعد ذلك على أنه لا يشبه المخلوقات، ثم يبرهن
على وحدانيته، كما أنه يبرهن على البعث .. الخ
(1)
. والرد على هذا القول بما يلي:
أ ـ لاشك بأن هذا الكلام يحمل الكثير من التناقض فغالب من رد عليهم في الإبانة هم من رد عليهم في اللمع وإن كان أضاف في اللمع طوائف أخرى، فهذا لا يعني اختلاف الهدف والمخاطب، وإنما اختلف الأسلوب والمنهج، ولكن الذي يظهر أن الدكتور فاروق لم يقرأ الإبانة كاملة، أو قرأها على عجالة من أمره، وإلا فهي مليئة بالردود على الجهمية والمعتزلة، ولكنها زادت عن غيرها بأن فيها بياناً واضحاً لمنهج أهل السنة، ورأيُ فاروق هنا غير مسبوق. إذن أصحاب هذا القول: يرون أنه رجع إلى منهج السلف والحديث ولكن مفهوم أهل الحديث عندهم هم من يثبتون الصفات السبع، وهذا خطأ جسيم؛ لأن هذا منهج المتكلمة لا أهل السنة.
ب ـ وَيُرَدُّ على أصحاب هذا القول أيضاً! بأن الأشعري قد ألف العديد من الكتب بعد رجوعه كاللمع والمقالات وفيها مخالفة صريحة لأقوال أهل السنة، ومثال ذلك ما نقله عنه ابن حزم أنه قال: روى عن الأشعري أنه قال: المعجز الذي يتحدى الناس بالمجياء بمثله، هو الأول
(1)
انظر القضاء والقدر 2/ 322، 324 باختصار وتصرف.
الذي لم يزل مع الله تعالى، ولم يفارقه قط، ولا أنزل إلينا ولا سمعناه
(1)
. قال ابن حزم: وهذا كلام في غاية النقصان والبطلان، إذ من المحال، أن يكلف أحد أن يجياء بمثل ما لم يعرفه قط ولا سمعه فيلزمه ولابد، بل هو نفس قوله: إنه إذا لم يكن المعجز إلا ذلك فإن المسموع المتلو عندنا ليس معجزاً، بل مقدور عليه، أو على مثله وأيضاً فإنه خلاف القرآن، لأن الله تعالى ألزمهم بسورة أو عشر سور فيه
(2)
. فهل هذا قول من اتبع السلف الصالح؟ إن القول بأن الأشعري قد رجع رجوعاً كاملاً من بداية أمره مردود بالأدلة، مدموغ بالبرهان، وفي اللمع ورسالة استحسان الخوض في علم الكلام براهين واضحة على ذلك. ولا غرابة من أصحاب هذا القول لأنهم يرون أن منهج الأشعري في المقالات واللمع هي أقوال أهل الحديث.
جـ ـ ومما يؤكد أنه عند رجوعه مباشرة عن الاعتزال لم يسلك مسلك السلف الصالح، ذلك أنه في المقالات قال تحت باب: أقوال مثبتي أنه في مكان «وقال أهل السنة: ليس بجسم»
(3)
. مع أن أهل السنة لا يقولون مثل هذه العبارات لا نفياً ولا إثباتاً بل يفصلون القول بالمسألة.
(1)
انظر الفصل 2/ 50.
(2)
انظر الفصل 2/ 50، 51.
(3)
انظر مقالات الإسلاميين 1/ 168.
قال شيخ الإسلام رحمه الله إن لوازم نفاة الجسم أعظم من لوازم مثبتيه، فإن من نفاه يُقال عنه إنه يلزمه أن الله لا يُرى، وأن الله لا يتكلم، وأن القرآن مخلوق، وأن الله ليس على العرش، وأنه لا يقوم به صفة
(1)
، ثم قال متأخرو الأشعرية: يلزمه القول بأنه جسم، وكذلك كل من أثبت الرؤية يقول نُفاتها: وكثير ممن يثبتها أنه يلزمه القول بالتجسيم، وإن كان لا يقول بذلك
(2)
، وقال أيضاً: فكلام السلف والأئمة كثير مشهور في أن الجهمية وهم أول من نفى الجسم، وملازمه في الإسلام إنما هم معطلون في الحقيقة
(3)
. وقال أيضاً: فإننا نعلم خلقاً من الجهمية الذين ينكرون الصفات، ويقولون هذا تجسيم والله ليس بجسم
(4)
، وقال أيضاً: ليس هناك قولاً مأثوراً لا من كتاب ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من سلف الأمة وأئمتها، فإنه ليس في هؤلاء من نفى ما ينفيه هؤلاء بلفظ الجسم
(5)
، وقال أيضاً: فلفظ المجسمة لا يوجد فيه ذكر في الكتاب والسنة، وكلام السلف والأئمة لا بمدح ولا بذم، ولا يوجد أيضاً ذم هذا المعنى
(1)
انظر بيان تلبيس الجهمية 5/ 362.
(2)
انظر بيان تلبيس الجهمية 5/ 362.
(3)
انظر بيان تلبيس الجهمية 5/ 366.
(4)
بيان تلبيس الجهمية 5/ 381.
(5)
انظر بيان تلبيس الجهمية 5/ 387 بتصرف يسير.
الذي سمي تجسيماً في كلام أحد من سلف الأمة وأئمتها
(1)
وقال أيضاً: كلام السلف كثير مستفيض في ذم الجهمية والمعتزلة على نفي الصفات، ولم يعرف عن السلف ذم لهؤلاء الرافضة على ما يقال إنه التجسيم، ولا شاع عنهم من عيب الرافضة بذلك، ما شاع عنهم من عيب المعتزلة عن النفي، ولا يحفظ عن أحد من السلف ذم المجسمة، ولا ذم من يقول بالجسم، ولا نحو هذا أصلاً، فإذا كانوا متفقين على ذم الجهمية نفاة الصفات بنفي الجسم وملازمته، ولم يذموا أحداً لخصوص كونه أثبت الجسم، ولم ينفه كما نفاه نفاة الجسم، على أن ذم هؤلاء ذم لا أصل له في الكتاب والسنة، ولا كلام أحد من سلف الأمة، وأن النفاة مذمومون بالكتاب والسنة والإجماع، نعم ذم السلف من كان يزيد في الإثبات على ما جاء في الكتاب والسنة من المشبهة والمجسمة، كما وجد هذا في كلام غير واحد من السلف رضي الله عنهم، فيذموهم ذماً خاصاً على ما زادوا من الباطل، وما وصفوا الله تعالى به، مما هو مُنَزَّهٌ عنه، وذموهم على التجسيم الذي ابتدعوه، وخالفوا به الكتاب والسنة، ولم يكن في كلامهم نفياً عاماً وذماً عاماً، كما يوجد في كلام النفاة
(2)
. وقال أيضاً: من نفى الجسم من أهل الإثبات وأراد بنفيه ما يتضمنه من الباطل دون
(1)
انظر بيان تلبيس الجهمية 5/ 394 بتصرف يسير.
(2)
بيان تلبيس الجهمية 5/ 396 ـ 397 باختصار.
الحق لم يكن هذا مما يذم في العقل والدين
(1)
، والخلاصة أن أهل السنة يفصلون في المسألة إزاء مثل هذه الألفاظ، ويستفسرون عن معناها، فإن أراد مُطْلقُها نفياً أو إثباتاً معنى باطلاً كفهم المعتزلة، إن كل شئ حلت فيه الأعراض فهو جسم، ولذا نفوا الصفات عن الله عز وجل لاعتقادهم أن الصفات أعراض، فلو اتصف الله بها ـ عندهم ـ للزم من ذلك أن يكون جسماً والله عندهم منزه عن الجسمية
(2)
. ونفاه بسبب هذا الفهم الخاطئ للجسم الكلابية والأشاعرة لأنهم يرون أنها أعراض، والعرض لا يكون إلا في جسم
(3)
. فأهل السنة يردون هذا القول، وإن أراد النافي أو المثبت معني صحيحاً موافقاً للشرع قبل قوله، ولكن يوضح له المعنى الشرعي والوقوف علي ما نص عليه الله عز وجل في كتابه أو بينه رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأسماء والصفات توقيفية
(4)
. وللأشعري في رسالته لأهل الثغر مخالفات لأهل السنة في مسألة القبيح والحسن، وبأن مصدرهم الشرع فقط
(5)
. فهو نفى أن يكون للعقل دور في معرفة الحسن والقبيح
(1)
المرجع السابق 5/ 452، وللمزيد انظر نفس المرجع 5/ 324 - 404.
(2)
انظر شرح الطحاوية 260 - 261.
(3)
انظر رسالة الأشعري لأهل الثغر 218.
(4)
انظر قول المعتزلة في شرح الأصول الخمسة ص 226 ـ 229.
(5)
انظر رسالته لأهل الثغر 243.
وقصرهما على الدليل الشرعي فقط، مع أن للعقل دوراً في معرفة الحسن والقبيح
(1)
. قلت: بالعقل تعرفُ أضرار النجاسات فهذا يدل اعتماد العقل في معرفة الحسن والقبيح إذا لم يعارض الشرع، والخلاصة أن الأشعري عند رجوعه مباشرة جاء بما فيه مخالفة صريحة لأهل السنة، وهذا يؤكد على أنه مر قبل رجوعه بمرحلة التوسط.
(1)
انظر مدارج السالكين 1/ 182 ومفتاح دار السعادة 2/ 13 ورسالة السجزي لأهل زبيد 207 - 209.
القول الثالث:
إن الأشعري مر بعد الاعتزال بطور واحد وهو متابعته لابن كلاب. وإن كانت له آراء مستقلة، توسط فيها بين المعتزلة والمثبتة نشأ عنها ما يسمى بالمذهب الأشعري، وهذا قول عامة الأشاعرة، أما كتاب الإبانة فإما أن يتغافلوا عنه أو يقولوا بإثباته. لكنهم يفسرون ما فيه من الإثبات، بأن ذلك جاء على طريقة التفويض، وأن هذا لا يتعارض مع القول بتأويل بعض الصفات
(1)
. وهذا القول شبيه بالقول الثاني إلا أن أصحابه يؤكدون بأن هذا الرجوع لم يكن رجوعاً لأهل الحديث، وإنما كان اتباعاً لمنهج ابن كلاب ومسلكه الكلامي.
1 ـ وقد نص على هذا القول ابن فورك
(2)
، حيث ذكر: أن أصولهما واحدة، فقال في كتابه الذي سماه مقالات الشيخ الإمام أبي محمد عبدالله ابن سعيد: «أنه هو إمام المتكلمين الصفاتية، وهو الذي سلك سبيله، وأتمَّ به أبو الحسن الأشعري، ثم قال بعد ذلك: إن قواعد دينهم وطرائقهم، متساعدة غير مختلفة، وأنه ليس بينهم خلاف يَبْرَأُ بعضهم من بعض لأجله، ثم قال: إن في كلام شيخنا أبي الحسن رحمه الله في كتاب مقالات أهل القبلة ما يَدُلُّ على ما أقول، وإن مذهب الشيخ الإمام
(1)
انظر موقف شيخ الإسلام 1/ 377.
(2)
هذا يدل على أن له أكثر من رأي أو أنه يرى بأن طريقة ابن كُلاب هي منهج أهل السنة، وهذا الأرجح.
الأوحد أبي محمد عبد الله بن سعيد هو مذهب مشايخ أهل الحديث وأئمتهم، في الأصول والفروع المتعلقة بها. وإنَّ شيخنا علي بن إسماعيل الأشعري، إنما بنى على ما أسس، ورتب الكلام على ما هذب، وفرَّع على ما أصَّل غير ناقض منه أصلاً، ولا حالٍّ منه عقداً، ثم قال الفصل الأول: في ذكر ما حكى شيخنا أبو الحسن في كتاب المقالات من جمل مذاهب أصحاب الحديث وقواعده، وما أبان في آخره، أنه يقول بجميع ذلك وأن الشيخ أبا محمد عبد الله بن سعيد وأصحابه بذلك يقولون وبأكثر منه
(1)
. وقد انتقد شيخ الإسلام رحمه الله ما ذكره ابن فورك فقال: «لقد نقل ألفاظ أبي الحسن الأشعري من كتاب المقالات وفي مواضع غيَّر كلامه بزيادة ونقصان تارة غلطاً وتارة عمداً باجتهاده لاعتقاده أن الصواب هو الذي ذكره دون ما وجده فيما ذكره أبو الحسن»
(2)
ثم شرعَ رحمه الله في بيان الحق، حيث قال: إن أبا الحسن قد حكى عن أهل الحديث أنهم يقولون: الإيمان قول وعمل وأنه يزيد وينقص، وابن فورك قد حكى عن ابن كلاب: إنكار أن يكون العمل إيماناً
(3)
. وما قاله ابن فورك ليس صحيحاً، فالأشعري في المقالات يُفرق
(1)
انظر جملة هذه المقالات فيما نقلها عنه شيخ الإسلام في بيان التلبيس 1/ 82 باختصار.
(2)
انظر جملة هذه المقالات فيما نقلها عنه شيخ الإسلام في بيان التلبيس 1/ 82 باختصار.
(3)
انظر بيان التلبيس 1/ 83.
بين جملة أقوال أهل الحديث وأقوال أصحاب ابن كُلاب
(1)
مع أن الأشعري رحمه الله يُفرق بين أصحاب الحديث وأصحاب ابن كُلاب، والشاهد أن ابن فورك نص على متابعة الأشعري لابن كلاب، ولم يذكر أن للأشعري طوراً بعد الاعتزال غير هذا الطور.
2 ـ وقال الشهرستاني
(2)
: إن عبد الله بن سعيد، كان من جملة السلف إلاَّ أنه باشر علم الكلام، وأيد عقائد السلف، بحجج كلامية، وبراهين أصولية، حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسألة من مسائل الصلاح والأصلح، فتخاصما، وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة، فأيد مقالاتهم بمناهج كلامية، وصار ذلك مذهباً لأهل السنة والجماعة، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية
(3)
. فهنا الآن نص من الشهرستاني على أن الأشعري بعد طور الاعتزال سلك طريقة ابن
(1)
انظر مقالات الإسلاميين 1/ 229.
(2)
هو محمد بن عبد الكريم بن أحمد ابن أبي بكر أبو الفتح، ولد سنة سبع وستين وأربعمائة في شهرستان، له العديد من المصنفات منها: الملل والنحل، ونهاية الإقدام في علم الكلام، والذي ذكر في أوله:
لقد طفت في تلك المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم
قال عنه ابن خلكان: كان إماماً مبرزاً، فقيهاً، متكلماً، واعظاً، توفي في شعبان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. انظر وفيات الأعيان 4/ 273، وشذرات الذهب 6/ 246.
(3)
انظر الملل والنحل 1/ 74.
كلاب ولم يذكر طوراً غيره.
3 ـ المقريزي، حيث قال: وكان أبو الحسن علي الأشعري قد أخذ عن أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي ولازمه عدة أعوامٍ، ثم بدا له فترك مذهب الاعتزال، وسلك طريق أبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن كلاب، ونسج على قوانينه في الصفات والقدر
(1)
، وقال في موضع آخر وسلك بعض طريق ابن كلاب
(2)
.
4 ـ وذكر الألوسي: أنَّ الأشعري عندما ترك الاعتزال سلك طريق ابن أبي كلاب حيث قال: إن الأشعري قد نشأ على الاعتزال ثم رجع عن الاعتزال، وأخذ في الرد عليهم، وسلك بعد ذلك طريق ابن كلاب، وبقي على قواعده، وصنف تصانيف كثيرة
(3)
. فقد صرح الألوسي بأن الأشعري اتبع بعد الاعتزال طريق ابن كلاب واستمر على قواعده، ولم يذكر هنا أنه انتمى للسلف الصالح أصحاب أهل الحديث.
5 ـ الكوثري، حيث قال: أما (الإبانة) التي كان قدمها إلى البربهاري في أوائل انتقاله إلى معتقد أهل السنة، فتحتوي على بعض آراء غير مبرهنة جارى فيها النقلة ليتدرّج بهم إلى الحقّ، لكنه لم ينفع ذلك ـ على
(1)
انظر الخطط 4/ 191.
(2)
انظر الخطط 4/ 193.
(3)
انظر جلاء العينين ص 249.
تلاعب الأقلام فيها ـ فاستقر رأيه ـ بعد عهد في الإفراط والتفريط ـ على ما نقله هؤلاء عنه من الآراء المعتدلة
(1)
، والخلاصة: أن أصحاب هذا القول رجحوا بأنه في طوره الأخير سلك طريق ابن كلاب وأدلتهم:
أ ـ استقرائي تاريخي، وذلك لأن عامة الأشاعرة وأئمة أصحابه هم أعلم الناس بأحواله وكتبه وقد قرروا من المذهب الأشعري الذي نسبوه إليه ما يختلف اختلافاً واضحاً في كثير من مسائله مع منهج السلف الصالح، ولذا تجدهم ينسبون أنفسهم إليه ولو كان عندهم علم أصول السلف ومنهجهم لما انتسبوا إليه وتركوا من هم أجل وأفضل علماً من الأشعري بالاتفاق، كمالك وأحمد والشافعي وأبي حنيفة رحمهم الله فانتسابهم للأشعري وتركهم لهؤلاء دليل واضح على مخالفة الأشعري عندهم لهؤلاء الأئمة ومن ثم انتسبوا إليه وتركهم.
ب ـ ما في كتبه غير الإبانة من مخالفة صريحة لأهل السنة والحديث، انظر على سبيل المثال: نفيه لصفات الأفعال الاختيارية في رسالته لأهل الثغر
(2)
. ويرد على أصحاب هذا القول بما يلي:
أ ـ أن الأشعري أعلن عند رجوعه أنه متبع لأهل السنة، بل وأعلن
(1)
انظر الإنصاف ص 11.
(2)
انظر رسالته لأهل الثغر ص 214، 215.
في الإبانة، انتسابه للإمام أحمد، فكيف يقال أنه اتبع ابن كلاب؟! وهو الذي أعلن أيضاً أن منهج ابن كلاب مخالف لمنهج أهل الحديث الذين ينتمي إليهم الأشعري حيث قال في المقالات: - عند شرحه قول ابن كلاب في الأسماء: «وكان يَزْعُمُ أن صفات الباري لا تتغاير» ، وهذا الكلام يقتضي مخالفته ثم ذكر بعدها عبارة، واختلف أصحاب عبد الله بن كلاب»
(1)
، ولم يذكر أنه من أصحاب ابن كلاب. بل ووصف ابن كلاب بأنه كان يزعم أن صفات الباري لا تتغاير، فهل هذه عبارة يقولها تابع بحق إمامه؟!! بل إنه أعلن صراحةً أنه من أهل الحديث وأن أهل الحديث مُغَايرُون لابن كلاب، فعند ذكره جملة أقوالهم قال: - «وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب» . ثم قال بعدها، ذكر قول أصحاب عبد الله بن سعيد القطان
(2)
. قلت: فهل يُلزم أصحاب هذا القول الأشعري أن يكون كلابياً، وقد بين إنه من أهل الحديث، وأصحاب ابن كلاب ليسوا منهم. نعم الأشعري وافق ابن كُلاب في الكثير من القضايا الكلامية، ولكنه لم يقصد الانتماء إليه بل حدث التوافق في الأقوال وهذا لا يلزم أن يكون الأشعري تلميذاً أو تابعاً لابن كلاب، خاصة وأنه قد بين أن ما يقول به مخالف لقول أصحاب ابن كلاب، لكنه قد يكون موافقاً لابن كلاب في بعض آرائه، واتفاق أصحاب المذاهب على بعض
(1)
انظر مقالات الإسلاميين 232.
(2)
انظر مقالات الإسلاميين 226.
الأقوال لا يعني أنّ أحدهما تابعٌ للآخر.
ب ـ أن كتاب الإبانة يَدُلُّ دلالة أكيدة على أن الأشعري، رجع إلى منهج السلف الصالح، وإنما التأثر كان في المرحلة الثانية من حياته. فهذا القول مرفوض مطلقاً، وكما قال الشيخ المحمود:«إن هذا القول مع ظهور ضعفه فهو خارج محل النقاش لأنه يقوم على دعوى أن الأشعري يتأول أحياناً الصفات الخبرية، وأنه قال بالتفويض، أو المجاملة للحنابلة حين ألف الإبانة وإلا فليس هذا معتقده، وكل هذا من أجل تبرير التطور الذي حدث للمذهب الأشعري حين انحرف الأشعرية عن كثير من آراء شيخهم أبي الحسن رحمه الله»
(1)
.
قلت: وأول من قال إن الأشعري ألف الإبانة مجاملة ووقاية، هو أبو علي الأهوازي عندما قال:«وللأشعري لعنه الله وأخزاه كتاباً في السنة قد جعله أصحابه وقاية لهم من أهل السنة سماه كتاب الإبانة صنَعه في بغداد لما دخلها فلم يقبل ذلك من الحنابلة وهجروه»
(2)
. وقد دافع شيخ الإسلام رحمه الله عن فرية اتهام أبي الحسن رحمه الله أنه ألف الكتاب مجاملة فقال: - والأشعري ابتلي بطائفتين: طائفة تبغضه وطائفة
(1)
انظر موقف شيخ الإسلام 1/ 385. وهذا القول هو الأول عند الشيخ المحمود، أما في هذه الرسالة فهو القول الثاني.
(2)
انظر مثالب ابن أبي بشر للأهوازي ص 157.
تحبه، كل منهما يكذب عليه ويقول: إنما صنف هذه الكتب تقية وإظهاراً لموافقة أهل الحديث والسنة من الحنبلية وغيرهم وهذا كذب على الرجل، فإنه لم يوجد له قول باطن يخالف الأقوال التي أظهرها، ولا نقل أحداً من خواص أصحابه، ولا غيرهم عنه ما يناقض هذه الأقوال الموجودة في مصنفاته، فدعوى المدعي أنه كان يبطن خلاف ما يظهر دعوى مردودة شرعاً وعقلاً، بل من تدبر كلامه في هذا الباب - في مواقع - تبين له قطعاً أنه كان ينصر ما أظهره، ولكن الذين يحبونه ويخالفونه في إثبات الصفات الخبرية يقصدون نفي ذلك عنه، لئلا يقال إنهم خالفوه، مع كون ماذهبوا إليه من السنة، قد اقتدوا فيه بحجته التي على ذكرها يعولون، وعليها يعتمدون
(1)
. قلت وقد افتراها عليه بعض من أحبوه وطائفة ممن كرهوه. وهذه الفرية أكدها المستشرق مكدونالد
(2)
أيضاً حيث قال: إن الأشعري اضطر إلى كتابة الإبانة وهو لا يؤمن بما فيها وذلك على سبيل
(1)
انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 12/ 204.
(2)
ماكدونالد: دنكان بلاك، مستشرق أمريكي، وُلد سنة 1863 وهَلَكَ عدو الله، سنة 1943. أسس مدرسة كندي للبعثات، وأنشأ مع زويمر مجلة العالم الإسلامي، وكان من أعضاء المجمع العلمي العربي، ومن أوسع المستشرقين اطلاعاً على الدين الإسلامي. قال الدكتور خالد القاسم: كان في غاية ما يكون من التحامل، وكتب عن لفظ الجلالة بتخبط عجيب، واتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مخترع الصفات، وطعن في الرسول والرسالة. انظر: العقيدة الإسلامية في دائرة المعارف، 150، 151. وانظر في ترجمته الأعلام للزركلي 2/ 330، موسوعة المستشرقين لبدوي ص 372.
التقية من الحنابلة أصحاب النفوذ في بغداد أو في أخريات أيامه
(1)
. كما أكدها أيضاً حموده غرابة نقلاً عن ماكدونالد وموافقاً له حيث قال: الأشعري اضطر إلى ترك الصورة العقلية وإثبات الوجه واليدين وغير ذلك بعد رحيله إلى بغداد وهو بذلك اصطنع هذه الكتب إرضاءً للحنابلة، وربما لِيَدْفَعَ شَرَّهم أيضاً، فليست المسألة مسألة عقيدة ولكنها مسألة ملاءمة للظروف ومراعاة لما تقتضيه. ثم عقب على قول المستشرق بقوله: ولعل ما يشهد لذلك قول بعضهم: إن الأشاعرة قد جعلوا الإبانة من الحنابلة وقايةً ولكن السادة السلفية لا يرضيهم هذا التعليل
(2)
.
قلت: وليت حموده غرابة رد هذا القول كما رَدَّه دسوقي، عندما قال: وهذا تعريض حاقد من مستشرق بأحد أئمة المسلمين، حيث يصفه بالجبن كما أنه يصف الحنابلة بالاستبداد الفكري وهذا قول ينقصه الدليل
(3)
. إن من الخطأ والظلم أن يُتَّهَمَ الإنسان في عقيدته، ويشتد ذلك عندما تأتي هذه التهمة من بعض المنتمين إليه، ولو قبلنا بمثل هذا القول لادعى بعض المعتزلة، أن الأشعري ترك الاعتزال تقية أيضاً، لأن المعتزلة في ذلك الوقت قد خبا نجمهم، ولذا اتبع مخالفيهم تقية، وهكذا يصنع كل مخالف مع من خالفه مثل هذا القول، فما أسهل وأيسر التُهم عند عجز بعض
(1)
انظر القضاء والقدر 2/ 316.
(2)
انظر مقدمة كتاب اللمع، تصحيح حمودة غرابة ص 7.
(3)
انظر القضاء والقدر 316.
الباحثين عن الوصول إلى الحقيقة. فما الذي يجعلنا أن نقبل دعوى الأول ونرفض دعوى الثاني؟ هذا كلام ممجوج مرفوض لا يدعمُه دليل.
جـ ـ كما أنه يلاحظ على أصحاب هذا القول أنهم يفرقون بين اللمع والإبانة، وقد رد عليهم الدكتور المحمود بقوله: - أمّا رأي الدكتور فاروق دسوقي - ومن وافقه - مبناه على أن الأشعري من المثبتة، وأنه قال بأقوال أهل السنة والإمام أحمد، وبنى ذلك على أنه ليس هناك تعارض بين اللمع والإبانة وأن مباحثهما متقاربة، وإنما الاختلاف فقط في الأسلوب والطريقة، لأن الأشعري هدف من اللمع الرد على أهل الزيغ والبدع. وهدف من الإبانة بيان الأدلة على أصول الديانة، فخلص من هذه الدراسة والمقارنة إلى أن الأشعري رجع إلى مذهب الإمام أحمد، وهذا القول ربما يكون له وجاهة - مع بعض التحفُّظ أيضاً - لو أن الأشعري ليس له إلا هذين الكتابين، أما وقد ثبت أن للأشعري كتباً كثيرة نقل منها العلماء، وهي تدل على أن للأشعري بعض الآراء الكلابية التي لا توافق مذهب السلف، فيصبح هذا الرأي ضعيفاً جداً
(1)
.
قلت: وأما ما ذكره الكوثري ـ عفا الله عنا وعنه ـ ظناً منه أنه بهذا القول يدافع عن الأشعري، فوقع من حيث يدري أو لا يدري في الطعن فيه، فكان عليه على الأقل إن كان لا يرى أن مرحلة الإبانة
(1)
انظر موقف شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 380.
مرحلة استقر بها الأشعري على قوله الأخير، فعليه أن يجعلها من وجهة نظره مرحلة خاطئة مرّ بها الأشعري كخطئه عندما مر في مرحلة الاعتزال. وإن كان لا يوافق على هذا القول لو نحاه واتجه له، أما أن يجعل الأشعري أَلَّفَه كوسيلة لاستدراج الناس لا كعقيدة يؤمن بها، فهذه فرية يكذبها الواقع، فكان على الكوثري أن يجعل الأشعري قد مرّ بعدة أطوار ويتعامل مع الحقائق التاريخية كوقائع يفسرها بما أملى عليه اجتهاده، ولكنه فيما يظهر لي قدّم معتقده وحكم على كتاب الإبانة بما يوافق معتقده؛ لكي ينسجم مع ما مال إليه من تجهم واعتزال، والأشعري منه برئ كبراءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة والسلام وإلا فلا يمكن لإمام أن يؤلف كتاباً في الاعتقاد للناس وهو لا يعتقد بما فيه، هذا رأي مبني على تخرصات وتخمينات يكذبها منهج الإمام الأشعري، ويرفضها التاريخ، وأحببت أن أنبه إليها كي لا يغتّر أحد بكلامه الذي قلب فيه الحقائق.
القول الرابع: أن الأشعري مَرَّ بعد رجوعه في طَوْرَيْنِ، وهما:
1 -
أنه رجع أولاً إلى مذهب السلف.
2 -
أنه انتقل بعد مذهب السلف إلى التوسط واستقر عليه، ونشأ عنه ما يسمى بالمذهب الأشعري، وأدلة هؤلاء تقوم على أن كتاب اللمع هو آخر كتبه ومن أدلتهم ما يلي:
أولاً: أن الأشعري عندما رجع من الاعتزال انتقل إلى مذهب السلف الذي يسمي بالحنابلة، وقاده إلى ذلك الحماس والاندفاع، ثم بعد ذلك انتقل إلى الطور الأخير الذي توسط فيه. قال حموده غرابه: فقد اندفع الرجل في طريقه متحمساً حماسة قد يشفق عليه الإنسان منها، وأخذت كتاباته في أول عهده تفيض حرارة وتبجيلاً لمذهب السلف وطعناً في المعتزلة. ولعلَّ كتاب الإبانة وهو يصور هذه المظاهر يعود إلى تلك الفترة من حياته، كما نلاحظ أن هذا الاندفاع وتلك الحماسة في إثبات الوجه واليدين والعرش وما إلى ذلك كما تقول الحنابلة قد أخذت تخف مع الزمن، وشرع الرجل في استعادة توازنه يوماً بعد يوم، إلى أن انتهى إلى مكانه الوسط بين المعتزلة، والحنابلة، حيث تجلت فيه تلك الملكة النقدية العميقة التي استفاد أصولها من أساتذته الأُوَلْ
(1)
. ولعل كتاب «اللمع» ـ كما نرجح ـ هو الذي يمثل مذهبه الوسط في صورته النهائية ثم قال
(1)
يقصد شيوخ المعتزلة كالجبائي.
(ورأيي يعتمد على حقيقةٍ نفسية وأخرى علمية).
أ ـ فمن الناحية النفسية، يكون المرء في أثناء تحوله من رأي إلى رأي أشد عداءً لرأيه الأول، ولاشك أن إثبات الوجه واليدين والعرش إلى غير ذلك على أية صورة مما يتفق مع هذه الحقيقة لبعد ذلك بعداً سحيقاً عن آراء المعتزلة.
ب ـ أما من الناحية العلمية فإننا نجد الكتب التي تجنبت ذكر ذلك أعمق وأدق في تصوير مذهبه من الكتب المثبتة لها مما يدل على أن هذه الكتب العميقة لم تكتب إلا بعد أن تركز المذهب في صورته الصحيحة، وهذا يستلزم أو على الأقل يرجح أنها كانت متأخرة في الزمن عن الكتب التي صدرت عن الأشعري في بدء تحوله، من مذهب إلى مذهب، وأياً كانت الحقيقة فقد ظل الأشعري مخلصاً في عدائيته للمعتزلة حتى آخر رمق من حياته
(1)
، قلت: وهذا لا يستند إلى أدلة تاريخية أو علمية بل أدلة تحليلية صوابها أكثر من خطئها.
ثانياً: البعد والعمق في اللمع ـ من وجهة نظرهم ـ: حيث قال جلال موسى: والذي يمكن استخلاصه من ذلك: أن مرحلة الإبانة أسبق من مرحلة اللمع، لأننا نلمس في اللمع عمقاً ودقة لا نجدهما في الإبانة، الذي يكاد يكون مجموعة من الردود تتوالى على المسألة الواحدة فالإبانة
(1)
انظر أبو الحسن الأشعري 67 - 68 باختصار.
من مؤلفات مرحلة التحول واللمع من مؤلفات مرحلة النضج، وأي مقارنة بين الكتابين تؤكد صحة هذا الرأي
(1)
. قلت: وهذا القول لا يستند إلى أدلة علمية بل في الإبانة من القوة العلمية واستحضار الأدلة ما ليس في اللمع. «والإبانة كتاب احتجاج وليس كتاب حجة لنقل مذاهب الناس»
(2)
. فهو هنا لم يوضح لنا مقصده في العمق والنضج، فهل يقصد بالعمق طريقة الاستدلال بالأدلة العقلية وتأويل الأدلة النقلية، كما هى في اللمع، إن كان هذا مقصده بالعمق والنضج فلا بأس بالمقصد، ويقال له ألا ترى أن الأشعري رحمه الله عندما كان معتزلياً كان أكثر نضجاً وعمقاً في هذا الاتجاه، بل كان إماماً في اعتماد التأويلات العقلية وتعطيل الأدلة النقلية، ومع ذلك فر رحمه الله من هذا العمق المزعوم والنضج المكذوب!! فهل يُسمى التعطيل للوحيين عمقاً؟! وتقديم النقل عليهما نضجاً؟!! ـ سبحانك ربي هذا بهتان عظيم.
ثالثاً: قالوا: ومن المؤكد على أن الإبانة هي المتقدمة أننا نجد أن الأشعري فيها متحمساً، ومتحاملاً على المعتزلة، وأبعد ما يكون عن آرائهم، وهذه ظاهرة نفسية، يجدها المرء في نفسه تجاه رأيه الذي يتركه إبان تركه أو بعد التخلي عنه
(3)
. وهذه القوة في الهجوم ليست موجودة
(1)
انظر نشأة الأشعرية وتطورها ص 195.
(2)
انظر بيان التلبيس 1/ 117.
(3)
القضاء والقدر 2/ 319.
في اللمع فهذا يدل على أن الرجل رجع للاعتدال.
رابعاً: حاول أصحاب هذا القول تفنيد خلو العمد من ذكر الإبانة، والتي هي من الأدلة التي اعتمد عليها أصحاب قول إن الإبانة، هي آخر كتبه وعليها استقر مذهبه. فقالوا: إن ابن عساكر لم يهمل ذكر كتاب الإبانة لأنه ذكر كتاب المختصر في التوحيد والقدر. والراجح أنه كتاب الإبانة، ودليل ذلك أن ابن عساكر ذكر أنه في أبواب من الكلام وفي إثبات رؤيا الله في الأبصار والكلام في سائر الصفات .. الخ ما ذكره
(1)
. وعندما نطابق بين موضوعات الإبانة وبين هذا الكتاب يتبين اتفاقهما موضوعاً وترتيباً
(2)
. وقد انتقد فاروق دسوقي هذا القول فقال: إن هذا لا يكفي بأن يكون الكتابان كتاباً واحداً، لمجرد تشابه الموضوعات وترتيبها، لأن ذلك قائم بين كثير من كتب علم الكلام وبين كتب الأشعري. بدليل اتفاق بعض الأبواب بين اللمع والإبانة، كما أن ابن عساكر ذكر أن في كتاب المختصر كلاماً في التولُّد
(3)
. بينما ليس في الإبانة ذلك
(4)
.
(1)
انظر التبيين 131، 132.
(2)
انظر القضاء والقدر 2/ 320، وعزاه لمحمد جلال موسى في بحث له بعنوان:(الجبر عند الأشاعرة). ولم أجد البحث.
(3)
هو: ولد الشيء من الشيء أنشأه، والتوليد عند المعتزلة هو الفعل الصادر من الفاعل بوسط ويقابله المباشرة، وهي الفعل الصادر من الفاعل بلا وسط، فالتولد هو صورة الشيء عن الشيء بواسطة ثالث، انظر المعجم الفلسفي ص 368، وانظر: المقالات ص 296.
(4)
القضاء والقدر 2/ 320.
خامساً:
قصة عزوها لابن خلكان،
ومضمونها:
أنَّ الأشعري بعد رجوعه دفع للناس ما كتبه على طريقة الجماعة من الفقهاء، والمحدثين، والإبانة هو الذي كتبه الأشعري على هذه الطريقة
(1)
. وقد بحثت في وفيات الأعيان فلم أ} جدها في ترجمة الأشعري وقلت لعلها في قصة مناظرته مع الجبائي، فبحثت فيها في ترجمة الجبائي وقصة المناظرة فلم أعثر عليها
(2)
. كما بين الدكتور المحمود أنه لم يعثر عليها، حيث قال: والقصة نسبت إلى طبعة الدكتور عرفان عبد الحميد، وبعد الرجوع إلى هذه الطبعة لم أجدها، كما لم أجدها لا في الطبعة الأولى ولا في طبعة دار صادر
(3)
. قلت: ولو فرضنا أن القصة حقيقية، فما الذي يؤكد أن المقصود بهذا الكتاب هو الإبانة. خاصة وأن غالب الأشاعرة يرون أن منهجهم هو منهج أهل الحديث ومما يؤكد ذلك أن ابن عساكر المتوفى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، ذكر أنَّ الأشعري قد دفع للناس بكتاب اللمع، وابن خلكان المتوفى بعده بمئة وعشر سنوات قد ذكر أنه قذف إليهم بالكتاب الذي ألفه على طريقة الفقهاء، والمحدثين فيكون ابن خلكان، قد وصف اللمع بهذا الوصف، فهم يرون اللمع من وجهة نظرهم هو آخر كتاب وأنهم أهل الحديث، فيكون هذا مؤكداً على أن مقصد ابن خلكان لو كانت القصة صحيحة هو اللمع، فهنا تتعاضدُ الأقوال على أن
(1)
موقف ابن تيمية 1/ 380.
(2)
انظر وفيات الأعيان 3/ 284، 4/ 267، حيث لم أجدها عند ابن خلكان.
(3)
انظر موقف ابن تيمية من الأشاعرة 1/ 380، 381 هامش 1.
اللمع هو أول مُؤلَّفٍ للأشعري بعد الاعتزال، والله أعلم.
سادساً: استبعد أصحاب هذا القول أن يتخلى الأشعري عن مُبَاحَثَاتِهِ الكلامية إلى هذه العقيدة البسيطة، التى قلد فيها الإمام أحمد رحمه الله فالأشعري عندهم من أبرع الناس في المناظرات ولا يمكنه أن يتخلى عن هذا. والرد على هذه الشبهة:
أ ـ أن هذا مبني على تخرصات لا دليل عليها، بل الدليل ضدها، فإذا كانت عقيدة الإمام أحمد رحمه الله بسيطة ووصفوها بغيرها من الألفاظ الموجعة المؤلمة التي أستحي من ذكرها، فإن الإمام الأشعري رحمه الله قد أعلن رجوعه إليها واقتناعه بها مع بساطتها كما يدعون تهكماً بها وسخرية، بل وأعلن تخليه عن الباطل ولو كان عميقاً بظنهم. فهذا هو القرار الذي اتخذه، والعقيدة التي آمن بها. فلماذا تفرون من الحقيقة؟!
ب ـ غاب عن هؤلاء أن الإمام الباقلاني رحمه الله وهو من أشهر أتباع الإمام الأشعري رحمه الله قد أخذ بكل ما في كتاب الإبانة من حيث إثبات الصفات الخبرية والاستواء والكلام والرؤيا وغيرها، فدل هذا على أنه قد اطلع على كتب شيخه واختار أفضلها وأنقاها وأحظاها بالدليل وآخرها. فقولهم من أبعد الأقوال عن الحق.
جـ ـ ويرد عليهم أيضاً بما رُدَ فيه على أصحاب القول الثاني ويزاد عليه، أن الإبانة هي آخر مؤلفاته. وقد سلك فيها منهج السلف الصالح رحمهم الله ورضي عنهم ـ.
القول الخامس: أنه مر بعد الاعتزال بطورين:
أ- أنه تابع ابن كلاب.
ب -أنه رجع إلى مذهب الحق، ولكنه بقيت عليه بقايا اعتزالية، وهذا قول لبعض العلماء وبعض الباحثين منهم:
1 ـ ما ذكره الحافظ ابن عساكر رحمه الله عن بعض أهل المغرب أنه قال لما سئل هل الأشعري كان معتزلياً؟ فأجاب أنه لما رجع عن ذلك أبقى للمعتزلة نكتاً لم ينقضها
(1)
. قلت: وهذه العبارة قد يفهم منها أنها بقايا بقيت عنده بعد رجوعه عن الاعتزال وهذا هو الأرجح، وقد يفهم منها أنه لم يقم بالرد على جميع شبه المعتزلة، ولكن قد يكون هذا القول ناشئاً عما ذكره في كتبه الأولى، وليس عما كتبه في الإبانة وإذا كان هذا فلا خلاف؛ لأن ما في كتبه الأولى لا تخلو من هذه البقايا، والله أعلم.
2 ـ الشيخ الدكتور عبد الرحمن المحمود حيث قال بعد مناقشته للأدلة: وهذه الأدلة تدل على أن الأشعري وإن كان في الإبانة قد قرب كثيراً من مذهب أهل السنة إلا أنه قد بقيت عليه بقايا من مذهب ابن كلاب، والله أعلم
(2)
.
3 ـ قال الفيومي: «والحق أن من ينظر في توسط الأشعري، وفي
(1)
التبيين ص 39.
(2)
موقف شيخ الإسلام 1/ 409.
استخدامه منهج المعتزلة في الجدل والمناظرة ودفاعه عن الخوض في علم الكلام يلمس أثر المعتزلة الواضح في فكر أبي الحسن، ويرى صدق عبارة ابن تيمية من أن فيه بقايا من اعتزال
(1)
. واستدل أصحاب هذا القول بأن مسألة القول أن الأشعري في كتابه الإبانة رجع رجوعاً كاملاً لمنهج السلف ينغص عليه ما في الإبانة من المسائل التي خالف فيها الأشعري السلف وذكروا ملاحظات على الإبانة ستتم مناقشتها، ولكن لابد من معرفة بعض القواعد قبل المناقشة، ومن أهمها:
1 -
رد ما أجمله إلى ما فصله. فرد المجمل إلى المفصل هو المنهج السليم للحكم على الإنسان
2 -
الحكم على ظاهر قوله لا على باطنه، وحمل كلامه على الوجه الحسن، خير من حمله على مقصد آخر لم يتفوه به، مما يؤدي إلى أن يُحمل كلامه على خلاف ما يريد، كما من الواجب أن يحكم على صريح قوله لا على لازم قوله، وخاصة في قضية الحكم على عقيدة الإنسان.
3 -
أن يحاكم من خلال آخر ما كتب لا أوله، وعدم ربط كلامه القديم بكلامه الجديد، خاصة إذا كان الكلام القديم موهماً، والكلام المتأخر واضحاً، فكيف بمثل هذا العالم الذي يكاد أهل السنة أن
(1)
انظر شيخ أهل السنة 5/ 186.
يتفقوا على أنه مر في كتابه الإبانة بطور ثالث خالف فيه ما كان يعتقده في كتبه السابقة، بل وحدث شبه إجماع بينهم بأن هذا الكتاب هو آخر كتبه.
4 -
جمع شتات كلامه في المسألة الواحدة من نفس الكتاب حتى يرد المجمل إلى المفصل والمبهم إلى المفسر لا العكس. قال شيخ الإسلام رحمه الله: «يجب أن يُفسر كلام المتكلم بعضه ببعض، ويُؤخذ كلامه هاهنا وهاهنا
(1)
، والمنهج العلمي بجمع شتات ما كتبه في جميع مؤلفاته، وسني عمره منهج سليم لا إشكال فيه، ولكنه خاص بمن عنده ثبات في المنهج ولم يعلن عن تغيره وتراجعه، ولم يمر بأطوار متعددة، بل جميع حياته طور واحد، وهذا لا ينطبق على الإمام الأشعري الذي مر بأطوار متعددة، يبحث من خلالها عن منهج أهل السنة والجماعة، ولذا فمن الصعب أن يُجمع شتات ما كتبه للحكم على عقيدته، بل لو سُلك هذا المنهج معه سيجعل هناك من يُعيده إلى طور الاعتزال، فهذا الإمام أعلن عن رجوعه وتخليه عن عقيدة الاعتزال الفاسدة، بل وأعلن صراحة بأنه يسير على منهج الإمام أحمد وجعله الرئيس الكامل؛ لذا فالحكم على عقيدته من خلال ما كتبه في الإبانة فقط هو
(1)
انظر: الجواب الصحيح 4/ 44.
منهج العدل معه خاصة وقد صرح في مقدمتها أنه يسير في هذا الكتاب على منهج الإمام، وعندما استعرضت ما أبداه أصحاب هذا القول على كتاب الإبانة ظهر لي أنهم لم يجدوا في الإبانة ما يسعفهم لترجيح ما ثبت عنده، ولذلك ربطوا بين ما سطره الأشعري في كتبه القديمة بما سطره في كتاب الإبانة، حيث لم يجدوا فيما ظهر لي ملحظاً واحداً مما لاحظوه يستطيعوا من خلاله بأن يجزموا أن الأشعري خالف السلف في كتابه الإبانة، وسوف أستعرض ما ذكروه من ملاحظات حتى أستطيع من خلالها أن أثبت ما لاحظوه على الإبانة أو أنفيه، فأقول:
- الملاحظة الأولى: قول الأشعري: (فلما كان الله عز وجل لم يزل عالماً، لم يجز أن يكون بخلاف العلم موصوفاً، استحال أن يكون لم يزل بخلاف الكلام موصوفاً، لأن خلاف الكلام الذي لا يكون معه كلام سكوت أو آفة، كما أن خلاف العلم الذي لا يكون معه علم هو جهل، أو شك أو آفة، ويستحيل أن يوصف ربنا عز وجل بخلاف العلم، ولذلك يستحيل أن يوصف بخلاف الكلام من السكوت والآفات، فوجب لذلك أن يكون لم يزل متكلماً، كما وجب أن يكون لم يزل عالماً)
(1)
، وقالوا: ويلاحظ في هذا
(1)
انظر الإبانة ص 506 ـ 508 من هذه الرسالة.
النص أن الأشعري جعل كلام الله أزلياً، كما أن علم الله أزلي، ثم ذكر أنه يستحيل أن يكون لم يزل بخلاف الكلام موصوفاً، وخلاف الكلام يفسره بأنه سكوت أو آفة وهذا واضح الدلالة أنه قصد أن الله لا يتكلم بكلام بعد كلام، بل كلامه كله قديم أزلي، ثم وضح ذلك بقوله:(فوجب لذلك أن يكون لم يزل متكلماً كما وجب أن يكون لم يزل عالما). ويمكن أن يقارن بكلام له مشابه في كتاب اللمع -يقول في كتابه هذا: «ومما يدل من القياس على أن الله تعالى لم يزل متكلما أنه لو كان لم يزل غير متكلم وهو ممن لا يستحيل عليه الكلام لكان موصوفاً بضد من أضداد الكلام من السكوت أو الآفة» مناقشة هذه الملاحظة: -
1 -
لا يفهم في أي حال من الأحوال أن قصد الإمام الأشعري في هذا الكلام أن كلام الله قديم في الأزل غير متجدد، وبأن الله غير متكلم حيث شاء متى شاء وكيف شاء. فهذا لم يذكره الأشعري في كلامه هذا، بل إن قوله:«إن الله لم يزل متكلماً لأن ضد الكلام سكوت أو آفة» ، دليل قاطع على أن الأشعري يرى أن صفة الكلام صفة ذاتية فِعْلِية، ويؤكد ذلك أنه جعل خلاف عدم الكلام السكوت. فلو كان قصد الأشعري بأنه متكلم في القديم وليس له كلام بعد كلام ما استقام مع قوله لم يزل متكلماً؛ لأن الكلام القديم الذي ليس بعده كلام يناقض تماما قوله لم يزل متكلما؛ لأن عبارة لم يزل متكلما، تدل
على أن صفة كلام الله عند الأشعري صفة فعلية اختيارية، فهو لم يقل أن الله متكلماً بالأزل، بل قال لم يزل متكلما، ففرق بين هذا وذاك، ولذا نجد السلف يذكرون في كتبهم عندما يبينوا بأن صفة الكلام صفة فعلية اختيارية يُعَبِّرُون عن ذلك بعبارة لم يزل متكلماً. قال الإمام ابن منده (بياناً آخر يدل على أن الله عز وجل لم يزل متكلماً
(1)
. فعبارة: لم يزل متكلماً تدل صراحة على أن صفة الكلام صفة فعلية اختيارية، لا تعبر لا عن الكلام النفسي ولا على الكلام القديم.
2 -
عندما شبه الأشعري صفة الكلام بالعلم، لم يرد المطابقة بين الكلام والعلم في جميع الحالات كما هو واضح من طريقة مناقشته ومجادلته لخصومه، وإنما أراد أن يثبت للخصوم بأن عدم الاتصاف بالكلام كعدم الاتصاف بالعلم. فهو يقول لهم: ما الذي يجعلكم تثبتون صفة العلم، ولا تثبتون صفة الكلام؟ فهو إذاً سلك هنا معهم مسلكاً سلكه القرآن مع أهل الشرك في مسألة تقرير الألوهية، فقد أرشدهم الله بأن يستدلوا بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية؛ لأن المشركين كانوا يسلمون بتوحيد الربوبية وينازعون بالألوهية، كقوله تعالى {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ
(1)
انظر التوحيد لابن منده ص 599.
اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)} [يونس: 31] وقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85)} [سورة المؤمنون: 84 - 89]. قال العلامة محمد بن إبراهيم
(1)
في شرحه لكشف الشبهات: وهذا مما احتج به تعالى عليهم، حيث احتج عليهم بما أقروا به من ربوبيته، على ما جحدوه من توحيد العبادة، فإن توحيد الربوبية هو الأصل وهو الدليل على توحيد الألوهية
(2)
. فأنت تجد هنا أن الأشعري سلك مع المعتزلة مسلك إقرارهم وإلزامهم بالمُجْمَع عليه. على المخْتَلف فيه؛ لأن المجمع عليه يدل على المختلف فيه ولا يلزم المطابقة من كل وجه كما سبق أن بينت.
(1)
هو: سماحة الإمام العلامة محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب آل الشيخ رحمه الله، ولد في مدينة الرياض عام 1311 هـ، تلقى العلم على يد والده الذي كان أحد علماء زمانه، وعلى يد عمه عبد الله بن عبد اللطيف، وعلى المشايخ سعد بن عتيق وحمد بن فارس. أسس رحمه الله الجامعة الإسلامية في المدينة، ورأس الكثير من الكليات والمعاهد، والمؤسسات الخيرية، وتولى رئاسة مجلس القضاء الأعلى والإفتاء في المملكة، من أهم آثاره: فتاواه في ثلاثة عشر مجلداً، وشرح كشف الشبهات، ورسالة تحكيم القوانين والعشرات غيرها، توفي رحمه الله في مدينة الرياض عام 1389 هـ. انظر: للمزيد من ترجمته علماء نجد خلال ثمانية قرون 1/ 242 ـ 263 وموسوعة أسبار 3/ 952.
(2)
انظر كشف الشبهات ص 36.
3 -
إن هذا المسلك يجعل الإقرار بصفة العلم يقتضي الإقرار بصفة الكلام مسلكاً سلكه الأشعري في الكثير من القضايا في كتابه هذا؛ بل نجده حتى في مسألة العلم عندما نفى بعضهم علم الله. قال لهم: إذا أَوْجَبْتُم أن لله كلاماً، وليس له علم، لأن الكلام أخص من العلم، والعلم أعم منه، فقولوا: أن لله قدرة، لأن العلم عندكم أعم من القدرة ..... ، بل نجده يلزمهم بالإقرار بصفة الإرادة قياساً على صفة العلم، والشاهد هنا أن هذه الإلزامات التي سلكها لا تقتضي فيما يظهر أنه يقصد المطابقة من كل وجه.
4 -
لو فرضنا صحة ما ذكره أصحاب هذا القول، فإن هذا لازم قول الأشعري، وليس صريح قوله. ولازم القول ليس بقول، كما أن لازم المذهب ليس بمذهب. فما بالنا والإمام الأشعري رحمه الله لم يقل ذلك ولم يقصده فيما يظهر من خلال نصوصه؛ لأن نصوصه ناطقةٌ بأن ربنا لم يزل متكلماً، لأن لم يزل تقتضي الاستمرار، فوصف الأشعري لله سبحانه وتعالى بهذه الجملة} لايزال متكلماً} إنما يفيد التجدد والاستمرار. فإن ثمة فرقاً بين أن يقال:} إنه تعالى كان متكلماً} أو: «إنه تعالى - تكلم وانتهى من الكلام» ، وبين أن يقال:«إنه سبحانه - لايزال متكلماً» فإن العبارات الأولى تفيد الانقطاع عن الكلام. وأما العبارة الأخيرة فتفيد - يقيناً وبالنص - التجدد والاستمرار. وذلك يتضح مما لو قلنا هل انتهى الخطيب من خطبته؟
فتقول: لم يزل يخطب ولا يفهم السامع من قولك لم يزل بأن هذا الخطيب قد خطب وانتهى وخطبته قديمة؛ بل يفهم السامع أن هذا الخطيب كان وما زال على منبره يخطب، وكقولك: لم يزل المطر نازلاً، ففرق بين كلمة لم يزل وفي الأزل فلو قال الإمام الأشعري بأن كلام الله أزلي لكان مع أصحاب هذا القول وجه احتجاج لكنه ما قال قط أزلي بل قال لم يزل فثمة فرق بين هذا وذاك.
5 -
شهد الأئمة الأثبات أن الأشعري في مسألة القرآن على منهج السلف الصالح، كشيخ الإسلام رحمه الله
(1)
.
6 -
المتتبع لما ذكره الأشعري في كتاب الإبانة حول الكلام لا يجده ولو مرة واحدة ينطق بالكلام القديم، أو الكلام النفسي كما هو منهج عامة الأشاعرة، بل تجد له عبارات تدل على أنه يرى بأن صفة الكلام لله عز وجل صفة ذاتية اختيارية فعلية وهذا واضح من أقواله الآتية.
أ- واعلموا - رحمكم الله - أن أقوال الجهمية: إن كلام الله مخلوق يلزمهم به أن يكون الله عز وجل لم يزل كالأصنام التي لا تنطق ولا تتكلم لو كان لم يزل غير متكلم؛ لأن الله عز وجل يُخْبرُ عن إبراهيم عليه السلام أنه قال لقومه لما قالوا له: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ
(1)
انظر: الدرء 7/ 235 ـ 237.
هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)} [الأنبياء: 62 - 63] فاحتج عليهم بأن الأصنام إذا لم تكن ناطقة متكلمة لم تكن آلهه، وأن الإله لا يكون غير ناطق ولا متكلم، فلما كانت الأصنام التي لا يَسْتَحِيْلُ أن يحييها الله وينطقها لا تكون آلهة، فكيف يجوز أن يكون من يَسْتَحِيْلُ عليه الكلام في قدمه إلهاً. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وإذا لم يجز أن يكون الله سبحانه في قدمه بمرتبة دون مرتبة الأصنام التي لا تنطق، فقد وجب أن يكون لم يزل متكلماً
(1)
. قلت: فأنت تلحظ هنا أنه احتج عليهم بأن الإله لابد أن يكون متكلماً بعكس الأصنام التي لا تنطق، ثم استدل بأن الله إذا لم يجز أن يكون في قدمه بمرتبة دون مرتبة الأصنام التي لا تنطق، فقد وجب أن يكون لم يزل متكلماً وهذا كلام منه واضح وصريح بأن الله لم يزل متكلماً حقيقةً وليس كلامه قديم ولا نفسي، بل لأنه الإله المتكلم بالقديم المنزه عن مشابهة الأصنام، كذلك يجب أن يكون متكلماً في الحاضر والمستقبل، وهذه دلالة أكيدة لمن تأملها بأن الأشعري يفرق بين الأزل ولم يزل، ويقصد بلفظة لم يزل صفة الكلام الفعلية الاختيارية.
(1)
انظر: الإبانة بتحقيقي: ص 315.
ب - بل له نص أوضح من ذلك، حيث قال رحمه الله: (وقد قال الله تعالى مخبراً عن نفسه أنه يقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16] وجاءت الرواية أنه يقول هذا القول فلا يرد عليه أحد شيئاً، فيقول:{لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16] فإذا كان الله عز وجل قائلاً مع فناء الأشياء إذ لا إنسان ولا ملك ولا حي ولا جآن ولا شجر ولا مدر فقد صح أن كلام الله عز وجل خارج عن الخلق؛ لأنه لا يوجد شيء من المخلوقات موجود.
(1)
قلت: فهذا نص صريح منه بأن الله تعالى متكلم مع فناء الأشياء، وهذا لا يقتضي أن يكون الكلام عنده قديماً ولا نفسياً بل كلام حقيقي يليق بجلاله عز وجل لا قديماً ولا نفسيّاً لا يعبر عنه أحد من خلقه، بل هو المتكلم في وقت لا يوجد فيه أحد من الخلق وهذه من أوضح الدلالات أن الأشعري يرى أن الكلام من صفات الذات الفعلية بل بيَّن شيخنا المحمود - وفقه الله - في كتابه أنه نُسب للأشعري في كلام الله أقوال ليست موجودة في كتبه الموجودة
(2)
قلت: وهذا فيما يظهر لي تنبيه منه- وفقه الله - بعدم اعتبار مثل تلك النقول التي لا توجد في كتبه بل لعل تلك إشارة
(1)
انظر: الإبانة بتحقيقي ص 316 ـ 318.
(2)
(انظر موقف ابن تيمية من الأشاعرة 1/ 421.
منه بأن المعتمد هو ما سطره في كتبه لا ما نقل عنه خاصة وقد ثبت أن هناك من قَوَّل الأشعري ما لم يقله كابن فورك رحمه الله. لذا ينبغي أن يستحضر المتكلم في هذه القضية وغيرها أن ثمة فرقاً حقيقياً - وليس لفظياً - بين عقيدة أبي الحسن الأشعري - رحمه الله تعالى-بعامة، وصفة الكلام بخاصة وبين عقيدة الأشاعرة باعتبارها فرقة كلامية شهيرة. من حيث أن الأشعري رحمه الله قد رجع عن آرائه الكلامية التي قال بها في فورة حنقه على المعتزلة وخروجه عنها، وبراءته منها. إن هذا الذي نقوله وننبه إليه يشمل كافة ما قاله الأشعري رحمه الله مخالفاً السلف. حيث رجع عنه في الجملة عند الجميع، وفي التفصيل عند المحققين حيث أن الشيخ أبا الحسن قد شهد وأشهد على نفسه، في كلام صريح واضح لا لبس فيه ولا خفاء، أنه قد رجع عما كان عليه إلى عقيدة السلف الصالح - رضوان الله عليهم -، وتحديداً إلى عقيدة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وكرر ذلك وأكده وأثبته. ومقتضى ذلك لدى المنصف؛ أن ننظر في عقيدة السلف الصالح والإمام أحمد رحمهم الله، ونقرر أنها هي عينها عقيدة الشيخ أبي الحسن رحمه الله.
جـ - بل للأشعري رحمه الله نص صريح أَقْوَى من جميع ما سبق يهدم من خلاله عقيدة الكلام النفسي، حيث قال: وقد قال
الله عز وجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)} [النساء: 164] والتكليم هو المشافهة بالكلام، ولا يجوز أن يكون كلام المتكلم حالاً في غيره، مخلوقاً في شيء سواه، كما لا يجوز ذلك في العلم
(1)
قلت: فهذا تصريح منه بأن الكلام يقتضي المشافهة، وهذا يخالف ما عليه كثير من الأشاعرة، والماتريدية والكلابية، بأن كلام الله معنىً واحد قائم بالنفس
(2)
. وهذا يدل على أن الأشعري رحمه الله مخالف لما عليه الأشاعرة من اعتقادهم بالكلام النفسي؛ لأن المشافهة في لغة العرب - كما ذكر ابن منظور - هي المخاطبة من فيَّك إلى فيه
(3)
وهذا دليل بين في أنه يثبت بأن الله جل وعلا شافه موسى عليه الصلاة والسلام، فخاطبه جل وعلا وسمع موسى كلام الله حينئذ بلا واسطة ولا يمكن أن يكون هذا إلا بحرف وصوت مسموع.
د - ومما يؤكد أن الإمام الأشعري رحمه الله يقصد بقوله: لم يزل متكلماً إثبات الصفة الفعلية، وليس قصده أنه تكلم بالأزل ثم لم يعد متكلماً. أنه نقل كلام الإمام أحمد عندما قال: فالقرآن
(1)
(انظر: الإبانة بتحقيقي ص 318 ـ 319.
(2)
(انظر الإنصاف للباقلاني ص 149 - 173 وشرح المواقف للجرجاني 4/ 156، وانظر مجموع الفتاوى 8/ 424.
(3)
انظر لسان العرب 13/ 507.
من علم الله وفيه أسماء الله، فلا نَشُكُّ أنه غير مخلوق، وهذا كلام الله عز وجل ولم يزل الله به متكلماً
(1)
. فنقله كلام الإمام أحمد إقرار منه وتأييد.
هـ - وقال في موطن آخر: ويقال لهم: «خبرونا أن من زعم أن الله متكلم قائل لم يزل آمراً ناهياً» لا قول له ولا كلام، ولا أمر ولا نهي، أليس هو مناقض خارج عن جملة المسلمين؟ فلابد من نعم، يقال لهم: فكذلك من قال: إن الله: عالم ولا علم له، كان مناقضاً خارجاً عن جملة المسلمين
(2)
. وفي الجملة، هذه بعض النقول التي أوردها الإمام الأشعري في كتابه الإبانة عن مسألة الكلام. فجلى بوضوحٍ منهجه ومذهبه الموافق للسلف بأن صفة كلام الله عز وجل عند الأشعري صفة ذاتية فعلية.
7 -
إن المنهج السليم عند النقد أن يقوم الناقد بإجراء الكلام على ظاهره، بل نص الأشعري بوجوب «أن يجري الكلام على ظاهره ولا يزول عن ظاهره إلا بحُجَّة»
(3)
. فالتزام الأشعري بهذه القاعدة العظيمة دليلٌ على اتباعه للسلف الذين يرفضون التأويل
(1)
(انظر الإبانة بتحقيقي ص: 338.
(2)
انظر الإبانة بتحقيقي ص: 475.
(3)
انظر الإبانة بتحقيقي ص: 307 بتصرف يسر.
والتعطيل؛ لذا كان على أصحاب هذا القول أن يجروا كلام الأشعري على ظاهره.
8 -
لقد بين الأشعري في مقدمة كتابه الإبانة أنه متبع للإمام أحمد، بل ونقل عنه مؤيداً له في مسألة عدم خلق القرآن، وكذلك نقله عن العشرات من أئمة السلف يقتضي أن الأشعري في الإبانة وافق كلامه كلام السلف في مسألة عدم خلق القرآن وبأنه كلام الله غير مخلوق وبأن الله لم يزل متكلماً.
الملاحظة الثانية: أورد أصحاب هذا القول بأن في الإبانة أدلة أخرى تدعم فيها ما ذهبوا إليه. من أن الأشعري مخالف للسلف في مسألة صفة الكلام، حيث أورد ما قاله الأشعري في كتابه الإبانة عندما قال: وقال الله عز وجل: {قُلْ لَوْ
…
كَانَ
…
الْبَحْرُ
…
مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ
…
قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ
…
رَبِّي} [الكهف: 109]. فلو كانت البحار مداداً لكتبه لنفدت البحار وتكسرت الأقلام - ولم يلحق الفناء كلمات ربي، كما لا يلحق الفناء علم الله عز وجل، ومن فني كلامه لحقته الآفات وجرى عليه السكوت، فلما لم يجز ذلك على ربنا عز وجل صح أنه لم يزل متكلماً؛ لأنه لو لم يكن متكلماً وجب السكوت والآفات - تعالى ربنا عن قول الجهمية علواً كبيراً. قال أصحاب هذا القول: فقد ربط - الأشعري - الكلام بالعلم في كونه صفة أزلية قائمة بذات الله أزلاً وأبداً، وكلمات الله لا نهاية لها كما دلت على
ذلك هذه الآية وغيرها، لكنها لا تدل على أن الله لا يتكلم بكلام بعد كلام إذا شاء متى شاء، وأنه كلم موسى بعد أن لم يكن مكلماً له، والأشعري جعل ضد الكلام السكوت وهذا يوحي بأنه يمنع من ذلك
(1)
. وهذه الملاحظة تُناقش بما يلي:
1 -
بما سبق من الرد على الملاحظة الأولى
2 -
لم يقل الأشعري بهذا الكلام الذي أورده أصحاب هذا القول بأن الله لا يتكلم بكلام بعد كلام؟! فليس بالنص كلمة واحدة توافق هذا الحكم الذي ظهر لأصحاب هذا القول، بل النص الذي أورده الأشعري يقتضي بأن الله متكلم بالقديم وفي الحال وفي المستقبل، لأنه جعل ضد الكلام السكوت، بل لو جعل أصحاب هذا القول الخلل عند الأشعري نفيه لصفة السكوت لكانوا قد أصابوا كبد الحقيقة.
3 -
ليس شرطاً على الأشعري أنه كلما أثبت صفة الكلام أثبت جميع لوازم هذه الصفة؛ لأن لكل استدلالٍ ما يناسبه، فهو هنا في مقام إثبات صفة الكلام وبأنه غير مخلوق وليس بصدد بيان صفة الكلام ومقتضيات الصفة؛ لأنه هنا يناقش خصوماً يرون بأن القرآن ليس كلام الله وبأنه مخلوق.
(1)
(الموقف 1/ 401.
4 -
الدليل القرآني الذي استدل به الأشعري في هذا المقام على أن الله لم يزل متكلماً وهو قوله تعالى في سورة الكهف: {قُلْ لَوْ
…
كَانَ
…
الْبَحْرُ
…
مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [آية 109] هو نفس الدليل الذي استدل به السلف بأن الله لم يزل متكلماً
(1)
. وهذا الدليل يستدل به من يرى استمرار صفة الكلام وعدم انقطاعها ولا يستدل به من يره الكلام القديم.
5 -
أن الإمام الأشعري قد وصف الله عز وجل بأنه لا يزال متكلماً باعتبار الكلام المتجدد والمستمر صفة كما يتصف الله تعالى بها. ثم نزه ربه سبحانه - عن صفة النقص التي تتمثل - كما قال الأشعري - في وصفه - تعالى - بالسكوت أو عدم الكلام أو الآفة التي تمنع عن الكلام .. فلو أنه رحمه الله قد وصف ربه بصفة الكلام الذاتي الذي لا يتجدد ولا يستمر، لتحقق فيه - تعالى الله - ما اعتبره الأشعري صفة نقص وآفة وهو السكوت عن الكلام، أو عدم الكلام. فكلام الشيخ الأشعري رحمه الله واضح في أنه سبحانه إذا لم يكن متكلماً فهو موصوف بالسكوت أو الآفة. وكلاهما صفة نَقْصٍ يتنزه الله عنها. وهذا النقص الذي نزه الأشعري ربنا عنه.
(1)
(انظر: التوحيد لابن منده ص 599.
6 -
الذي يظهر أن مقصود الأشعري بالسكوت الذي نزه الله عنه هو السكوت الدائم بعد الكلام القديم ولا يظهر لي أن قصده أن الله لا يتصف بصفة السكوت التي أجمع عليها السلف فثمة فرق بين مقصده بالسكوت وما أجمع عليه السلف بأن الله يوصف بالسكوت وبأنه صفة من صفات الله الفعلية الاختيارية المتعلقة بمشيئته سبحانه وتعالى ولا يوجد ثمة تعارض بين إثبات صفة السكوت وبين إثبات صفة الكلام، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع بأن الله يوصف بالسكوت
(1)
.
7 -
استدلاله رحمه الله بقوله تعالى: {قُلْ لَوْ
…
كَانَ
…
الْبَحْرُ
…
مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ
…
قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}
(2)
دليل على ان كلام الله ليس قديماً ولا منتهياً؛ فهو عنده غير منتهى، وهذا مخالف لما عليه بعض متأخري الأشاعرة والكلابية، ومن وافقهم.
الملاحظة الثالثة: والأشعري يقول: إن إرادة الله أَزَلِيَّةٌ، ولا يجعلها من صفات الأفعال بأنه يريد في وقت دون وقت، ويقرن الإرادة بالكلام في هذا الباب كما يربطهما جميعاً بالعلم، فكما أن علم الله صفة لذاته وأنه أزلي وأنه لا يجوز أن يقال علم بعد أن لم يكن عالماً
(1)
انظر مجموع الفتاوى (6/ 179).
(2)
سورة الكهف، آية:109.
لأنه يدل على وصف الله بالنقص، فكذلك الإرادة والكلام، يقول في الإبانة: (يقال لهم [أي للمعتزلة]: ألستم تدعون أن الله تعالى لم يزل عالماً؟ فمن قولهم: نعم، قيل لهم: فلم لا قلتم: إن مالم يزل عالماً أنه يكون في وقت من الأوقات لم يزل مريداً أن يكون في ذلك الوقت، ومالم يزل عالماً أنه لا يكون فلم يزل مريداً أن لا يكون، وإنه لم يزل مريداً أن يكون ما علم كما علم؟
(1)
. ثم قال: (فإن قالوا: لا يجوز أن يكون علم الله محدثاً، لأن من لم يكن عالماً ثم علم لحقه النقصان، قيل لهم: ولما لا يجوز أن تكون إرادة الله محدثة مخلوقة، لأن من لم يكن مريداً ثم أراد لحقه النقصان، وكما لا يجوز أن تكون إرادته تعالى محدثة مخلوقة كذلك لا يجوز أن يكون كلامه محدثاً مخلوقاً
(2)
، ثم قالوا: وقد يَتَبَادَرُ إلى الذهن أنه قصد الرد على من قال بخلق القرآن - وهذا حق - لكنه قصد أيضاً المنع من أن الله يتكلم بكلام بعد كلام بإرادته ومشيئته، وأن الله يريد إذا شاء، متى شاء وعلل ذلك بأنه يلزم منه أن يلحقه النقصان
(3)
.
الرد على هذه الملاحظة من وجوه:
(1)
انظر الإبانة بتحقيقي ص: 488، 489.
(2)
انظر الإبانة بتحقيقي ص: 489، 490.
(3)
انظر الموقف 1/ 401 - 402.
1 -
لقد استقر فيما يظهر لي عند أصحاب هذا القول أن الأشعري يرى بأن كلام الله قديم وبأنه غير متكلم متى شاء، كيف شاء، وتقرر ذلك عندهم، مما جعلهم يحملون جميع ما يذكره الأشعري بناء على هذا الحكم المسبق الذي استقوه من كتبه السابقة على الإبانة وإلا فالإمام الأشعري في هذا النص الذي نقله أصحاب هذا القول لم يذكر فيه الإمام الأشعري أن إرادة الله أزلية، ولم ينف أنها من صفات الأفعال بل أراد أن يثبت صفة الإرادة مع قوم ينفون هذه الصفة، فقياسه صفة الإرادة بصفة العلم والكلام عائد عنده إلى محاكمتهم بالمتفق عليه حتى يؤمنوا بالمختلف فيه. وليس مقصوده في هذا القياس المطابقة من كل وجه كما سبق بيانه والله أعلم.
2 -
فهم أصحاب هذا القول بأنه قد يتبادر إلى الذهن أنه قصد الرد على من قالوا بخلق القرآن، ثم قالوا: وهذا حق
(1)
. قلت: فطالما أنهم فهموا بأن هذا هو المتبادر إلى الذهن، وبأن المتبادر إلى الذهن من قول الأشعري حق، فلما لم يكتفوا بهذا الحق؟ خاصة وأن هذا الحق واضح وَجَلِيٌّ وتم الوصول إليه بلا تكلف، والإنسان دائماً يبحث عن ما فيه الاعتذار لأخيه المسلم، فكيف لإمام من أئمة أهل الإسلام؟! فليتهم اكتفوا بهذا الحق دون أن يبحثوا عما يصرفهم
(1)
انظر موقف ابن تيمية من الأشاعرة 1/ 402.
عن هذا المحمل الطيب الذي ألجأهم إلى ربط كلام الأشعري في الإبانة بكلامه في رسالته إلى أهل الثغر التي قالها في مرحلة التوسط فكان عليهم أن يُجْرُوا كلام الأشعري على ظاهره خاصة وأن المتبادر إلى الذهن من كلامه هو موافقته للسلف في هذه المسألة وهو استخدام هذا الدليل بالرد على من قال بخلق القرآن، ومن هنا يتجلى أن هذه الملاحظة التي أوردها أصحاب هذا القول مبنية على حكم مسبق استقر عندهم بسبب إلمام بعضهم بكتب الأشعري السابقة، ولذا تجدهم يربطون بين كلام الأشعري في هذا الكتاب بكلامه في كتبه السابقة وهذا كما قلت هو المنهج الحق بالأصل لكن مع غير الإمام الأشعري وكتابه الإبانة لأن الأشعري في كتابه هذا استقر على منهج السلف الصالح أما لو كان الأشعري غير مُغَيِّرٍ لمنهجه أو أن أصحاب هذا القول لا يرونه مر بثلاثة أطوار لكان معهم هنا الحق فيما توصلوا إليه، خاصة وقد أرشد أهل العلم إلى ذلك بأن الحكم على الشخص يكون من خلال جميع كتبه
(1)
. أما الأشعري فالإبانة هي آخر ما كتب ونقض فيها الكثير مما أورده في
(1)
انظر: في بيان منهج الربط الصارم المسلول 2/ 512، والجواب الصحيح 4/ 44، ومجموع الفتاوى 2/ 374، وفي الإخانئية ص 310، وفي الاستقامة 1/ 92 و 191 و 396 و 2/ 38 والرد على البكري 2/ 623 والمغني لابن قدامة 9/ 139 وفتح الباري 5/ 395 وغيرها.
كتبه السابقة فما سطره بها هي ما استقر عليه مذهبه، فلا حاجة هنا إلى الرجوع إلى كتبه السابقة لمعرفة عقيدته التي استقر عليها.
الملاحظة الرابعة: ذكر أصحاب هذا القول بأن: الرضا والغضب، عند الكلابية: أزليان، ولذلك التزموا بالقول بالموافاة، ومقتضاهما أن الله لم يزل راضياً عمن يعلم أنه يموت مؤمناً، وإن كان أكثر عمره كافراً، ساخطاً على من يعلم أنه يموت كافراً، وإن كان أكثر عمره مؤمناً ثم بين أصحاب هذا القول بأن معناه: بأن الله لم يزل راضياً عن الصحابة، حتى وهم قبل إسلامهم يقاتلون المسلمين، ويشركون بالله، ورضاه عنهم أزلي، وكذلك العكس، وهذا حتى لا يقولوا بتجدد الحوادث في ذاته، تعالى إذا قيل إنه كان ساخطاً على هذا ثم رضي عنه، ثم نقلوا قول الأشعري في الإبانة (ثم يقال لهم: إن كان غضب الله مخلوقاً، وكذلك رضاه وسخطه. فإن قلتم لا. قلتم: إن كلامه غير مخلوق؟ ومن زعم أن غضب الله مخلوق لزمه أن غضب الله وسخطه على الكافرين يفنيان، وإن رضاه عن الملائكة والنبيين يفنى حتى لا يكون راضياً عن أوليائه، ولا ساخطاً على أعدائه، وهذا الخروج عن الإسلام
(1)
. قال بعدها أصحاب هذا القول: «قول الإمام الأشعري: (لزمه أن غضب الله وسخطه على الكافرين يفنيان)
(2)
هذا
(1)
(انظر الإبانة بتحقيقي ص: 330، 331 وانظر 314.
(2)
المرجع السابق.
عنده خاص فيمن عُلم أنه يموت كافراً، أما الإنسان لو عاش سنين طويلة كافراً ثم أسلم ومات على إسلامه، فهذا - عند الأشعري - لا يجوز أن يقال إن الله كان ساخطاً عليه في وقت كفره، ثم رضي عنه لما أسلم، وإنما يقال: إن الله لم يزل راضياً عنه حتى في حال كفره لأنه علم أنه يموت مؤمناً، وهذا بناء على أصله الكلابي
(1)
. الرد على هذه الملاحظة:
1 -
الذي يظهر هنا أن الأشعري في هذا النص ليس بصدد تقرير عقيدة الموافاة فعقيدة الموافاة ما قال بها الأشعري في هذا النص قط ولم يَتَفَوَّه بها.
2 -
أن المتأمل في هذا النص يجعله يحكم بأن الأشعري يهدم عقيدة الموافاة لأنها عقيدة بدعية قد تقتضي الخروج عن الإسلام وكما قال أبو محمد بن حزم في تعريفها قائلاً: (اختلف المتكلمون في معنى عبروا عنه بلفظ الموافاة وهو أنهم قالوا في إنسان مؤمن صالح مجتهد في العبادة ثم مات مرتداً كافراً وآخر كافراً متمرداً أو فاسقاً ثم مات مسلماً تائباً: كيف كان حكم كل واحد منهما قبل أن ينتقل إلى ما مات عليه عند الله تعالى؟ ثم بين بأن الأشاعرة يذهبون إلى أن الله عز وجل لم يزل راضياً عن الذي مات مسلماً تائباً، ولم يزل ساخطاً
(1)
انظر الموقف 1/ 403.
على الذي مات كافراً أو فاسقاً ثم ذكر بأنهم احتجوا بأن الله عز وجل لا يتغير علمه، ولا يرضى ما سخط، ولا يسخط ما رضي، لأن الرضى والسخط عند الأشاعرة من صفات الذات لم يزالا ولا يتغيران، ثم بين بأن هذا المذهب مخالف لما عليه سائر أهل الإسلام وشبَّه ابن حزم احتجاج الأشاعرة هنا باحتجاج اليهود في إبطال النسخ ثم شرع في الرد على هذه العقيدة الفاسدة بمالا نظير له
(1)
.. قلت: فهل في كلام الأشعري ما يدل على أنه يقول بهذه العقيدة، بل المدقق في كلامه يجعله يعتقد بأنه مخالف لها؛ لأنه جعل أن من اعتقد بمعتقد المعتزلة يقوده اعتقاده هذا إلى أن رضا الله وسخطه يفنيان، وهذا ليس له علاقة بعقيدة الموافاة التي ترى استمرار الرضا والسخط ففرق بين هذا وذاك، بل نجد الأشعري في كتاب المقالات ينسب هذه العقيدة الضالة إلى ابن كُلاب، وهو يفرق في المقالات بين جملة أقوال أصحاب عبدالله بن سعيد بن كلاب وبين أهل الحديث، فنجده في المقالات يقول: قال عبدالله بن كلاب: لم يزل الله راضياً عمن يعلم أنه يجوز مؤمناً وإن كان أكثر عمره كافراً
…
إلخ
(2)
. فأنت تلحظ هنا أنه نسب القول بالموافاة لابن كلاب، وأخرجها من جملة أقوال أصحاب الحديث التي يؤمن بها، ومن
(1)
(انظر الفصل 2/ 365
(2)
انظر المقالات ص 138.
عرف قاعدة الأشعري ومنهجه في المقالات عرف أنه يورد أقوال المخالفين جملة، وقد يكون في أقوالهم بعض الحق، ثم يورد أقوال أهل السنة الموافقة لهم، فإذا أورد قولاً لأهل البدع، ثم أورد أقوال أهل السنة ولم يورد ذلك القول الذي أورده من جملة أقوال المبتدعة علم أن ذلك القول لا يُعد عنده من أقوال أهل السنة، ولذا لم يورد عقيدة الموافاة من اعتقادات أهل السنة، مع أنه أوردها من ضمن اعتقادات أصحاب ابن كُلاب. فهل بعد هذا يجوز أن ينسب له القول بهذه العقيدة الفاسدة؟.
3 -
ذهب أصحاب هذا القول إلى أن هذا عند الأشعري خاص فيمن عُلم أنه يموت كافراً أما الإنسان لو عاش سنين طويلة كافراً ثم أسلم ومات على إسلامه فهذا عند الأشعري لا يجوز أن يُقال إن الله كان ساخطاً عليه في وقت كفره
(1)
.. قلت: فما أدري من أين جاء أصحاب هذا القول بهذا التفصيل؟ وما الذي جعلهم يحملون كلام الأشعري على هذا المقتضى بل وقادهم هذا الفهم بأن يجعلوا مقصد الأشعري فيمن عُلم أنه يموت كافراً، مع أن الأشعري رحمه الله لم يتطرق إلى هذا التفصيل ولم يفرق بين الحالات، بل هذا الذي فهمه أصحاب هذا القول هو على خلاف ما ساقه الأشعري
(1)
انظر الموقف 1/ 403.
فيما يظهر لي، لأن الأشعري قال بأن قول المعتزلة يقتضي فناء سخط الله ورضاه وبيَّن أن هذا هو الخروج عن الإسلام، فما علاقة هذا الكلام بعقيدة الموافاة؟
4 -
كلام الإمام الأشعري في هذا الباب هو في معرض تقرير أن كلام الله غير مخلوق وأثبت هذا بحجة عقلية وليس بصدد تقرير عقيدة الموافاة أو نفيها ففرق بين هذا وذاك خاصة وأن كلامه الذي نقل منه أصحاب هذا القول لو لم يقتطع منه هذا الجزء لتجلى بوضوح أن غرض الأشعري من إيراد هذا الاستدلال هو إثبات صفة الكلام.
الملاحظة الخامسة:
ذكر أصحاب هذا القول أن المعتزلة استدلوا على قولهم بأن القرآن مخلوق بقوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)}
(1)
[الأنبياء: 2]. ثم نقلوا إجابة الأشعري على هذه الآية بقوله الذكر الذي عناه الله عز وجل ليس هو القرآن، بل هو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ووعظه إياهم
(2)
فعقب أصحاب هذا القول بقولهم: (والذي دعاه إلى هذا التأويل البعيد خوفه من أن يوصف القرآن بأنه محدث، والحدوث: في اصطلاح أهل الكلام بمعنى الخلق، فالمحدث هو المخلوق،
(1)
سورة الأنبياء، آية:2.
(2)
انظر ص 559 من هذه الرسالة.
وهذا هو الذي فر منه الأشعري، لكن الحدوث في لغة العرب يكون بمعنى التجدد، فيسمون ما تجدد حادثاً، وما تقدم على غيره قديماً، فلماذا لم يفسر الأشعري هذه الآية بالمعنى الثاني وهو أن المقصود به القرآن؟ ولا يقتضي ذلك أن يكون مخلوقاً، وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه لذلك فقال: (باب قول الله تعالى: {كُلَّ
…
يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)} [الرحمن: 29]، {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2]، وقوله تعالى:{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} [الطلاق: 1]، وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} . [الشورى: 11]، وقال ابن مسعود
(1)
، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث، أن لا تكلموا في الصلاة»
(2)
، ثم قالوا وهذا بناء على قول أهل السنة: إن الله يتصف
(1)
هو: الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن. حليف بني زهرة، أسلم مبكراً في مكة حين أسلم سعيد بن زيد وزوجته فاطمة بنت الخطاب، وقيل: إنه أسلم سادس ستة، وهو أول من جهر بالقرآن في مكة حتى أوذي في ذلك، خدم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهاجر الهجرتين وصلى القبلتين، وشهد بدراً وأحداً وسائر المشاهد، من أعلم الصحابة بالقرآن والتفسير، وقد شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك. وجهه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الكوفة يعلِّم الناس، واستقدمه عثمان إلى المدينة، وتوفي بها سنة 32 هـ. انظر ترجمته في: الاستيعاب (2/ 308 ـ 316)، والإصابة (2/ 360 ـ 362)، ترجمته رقم (4954).
(2)
انظر: صحيح الإمام البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {كُلَّ
…
يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} باب رقم (42) قبل حديث 7522.
بالصفات الاختيارية، وإن من صفات كماله تعالى أنه لم يزل متكلماً إذا شاء، وهذا الذي قال به الإمام أحمد والبخاري وغيرهما وردوا على الكلابية الذين ينكرون هذا
(1)
. ثم قال أصحاب هذا القول: والظاهر أن تأويل الأشعري للآية {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] اشتهر عند الأشاعرة الذين التزموا هذا الأصل
(2)
.
الرد على هذه الملاحظة
1 -
لاشك بأن القول الراجح في تفسير الآية بأنه القرآن، ولكن من حق الأشعري كإمام أن يختار القول الراجح عنده من بين هذه الأقوال؛ لأن القول بأن المقصود بالذكر هنا السنة، ليس تأويلاً كما ذكروا بل هو القول الثاني لأهل السنة، أورده أئمة من أئمة أهل السنة عند تفسيرهم للآية، فمثلاً الإمام البغوي ذكر عند تفسيره للآية بأنه القرآن ثم قال: وقيل الذكر المحدث ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وبينه من السنن والمواعظ
(3)
. كذلك فعل الإمام أبو المظفر
(1)
انظر: الدرء 2/ 291.
(2)
(انظر موقف ابن تيمية من الأشاعرة 1/ 404.
(3)
(انظر تفسير البغوي 5/ 309 عند تفسيره للآية 2 من سورة الأنبياء.
السمعاني في تفسيره
(1)
. فلو كان تأويلاً ما ذكراه من دون أن ينكراه.
2 -
لماذا حكم أصحاب هذا القول على الأشعري أنه رجح هذا القول فراراً من أن يقول بالصفات الفعلية؟ ولماذا جعلوا اختيار هذا القول تأويلاً للآية عند الأشعري. مع أن هذا القول هو القول الثاني عند أهل السنة؟ فهل يُوصف كل من اختار القول الثاني ـ بأنه السنة ـ بأنه مؤول؟! لا أعتقد أن أصحاب هذا القول يحكمون على كل من اختار هذا القول بأنه مؤول بل هو قول وجيه مع من اختاره حجة. ثم هناك ثمة تساؤل!
هل فعلاً الأشعري لا يقول بالصفات الفعلية الاختيارية كما ذكر أصحاب هذا القول؟ ولذا يفر من كل ما يقتضي إثبات صفات الأفعال؟ الجواب: لا. بل
الأشعري مُثْبتٌ للصفات الفعلية
الاختيارية وقد شهد بذلك له شيخ الإسلام، حيث قال: بعد ما ذكر الأشعري آيات سورة النجم {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 8 - 9] حيث أثبت شيخ الإسلام عند هذا الموضع بأن الأشعري من القائلين بالصفات الفعلية الإختيارية عندما قال رحمه الله: واستدلاله بهذه الآيات - يعني الأشعري في الإبانة - يدل على أن الله فوق العرش عنده ويقتضي كلامه هذا أن الله عنده هو الذي يأتي ويجيء إذ لولا ذلك لم يصح الدليل
(1)
(انظر: تفسير القرآن للسمعاني 3/ 367 عند تفسيره للآية 2 من سورة الأنبياء.
كما تقدم
(1)
. وقال أيضاً وهذا صريح في أن قربه إلى خلقه عنده - أي الأشعري - من الصفات الفعليه، حيث قال كيف يشاء. والقرب بالعلم والقدرة لايجوز تعليقه بالمشيئة، لأن علمه، وقدرته من لوازم ذاته، فهذا من اتفاق عامة الصفاتية على إثبات قرب الخلق إلى الله عز وجل وقربه إليهم، وهذا (الذي) قاله الأشعري وحكاه عن أهل السنة، تلقاه عن زكريا بن يحيى الساجي وغيره من أئمة البصريين، وهذا اللفظ الذي ذكره في القرب محفوظ عن حماد بن زيد إمام أهل السنة في عصر مالك والثوري
(2)
(3)
. وقال شيخ الإسلام أيضاً: (بعد قول الأشعري أن الله رفع عيسى): فهذه دلالة الأشعري، وهو من أكبر أئمة المتكلمين الصِّفاتيَّة،
(1)
(انظر بيان التلبيس (8/ 28).
(2)
هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، من كبار أتباع التابعين، أخرج له السِّتة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. ولد سنة سبع وتسعين. قال: عبد الرحمن بن مهدي: «ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري» . وقال شعبة بن الحجاج: «سفيان أحفظ مني» . وقال عباس الدوري: «رأيت يحيى بن معين لا يقدِّم على سفيان في زمانه أحدًا في الفقه، والحديث، والزهد، وكل شيء» . قال الخطيب البغدادي: «كان إمامًا من أئمة المسلمين، وعلمًا من أعلام الدين مجمعًا على أمانته بحيث يستغنى عن تزكيته مع الإتقان والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد» . مات سفيان سنة سبع وستين ومائة. انظر ترجمته في: «طبقات ابن سعد» (6/ 371)، و «تقدمة الجرح والتعديل» (1/ 55)، و «تاريخ بغداد» (9/ 151)، و «تهذيب الكمال» (11/ 154)، و «تذكرة الحفاظ» (1/ 203).
(3)
انظر بيان التلبيس (8/ 189 - 191).
تصرح بأنه كان يثبت أن الله نفسه تأتيه عباده ويأتي عباده، مع قوله بأنه ليس بجسم، وكذلك أبو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب قبله وغيرهما. فإذا كان هؤلاء يقررون هذا التقرير، فكيف بمن لا ينفي الجسم ولا يثبته، أو بمن يثبته؟! وهذا الاستدلال منه ومن غيره من علماء الأمة وسلفها بهذه الأحاديث على أن الله فوق، يبين أن نزول الرب عندهم، ليس مجرد نزول شيء من مخلوقاته، مثل ملائكته، أو نعمته أو رحمته، ونحو ذلك، إذ لو كان المراد بهذا الحديث عندهم: هو نزول بعض المخلوقات لم يصح الاحتجاج به، على أنه فوق العرش، فإن ذلك يكون كإنزال المطر، وخلق الحيوان، وذلك مما لايستدل به على مسألة العرش، كما يستدل بقوله:(ينزل ربنا) فلما استدلُّوا بقوله: (ينزل ربنا) علم أنهم كانوا يقولون: إن الله هو الذي يُنزل لتستقيم الدلالة. ولهذا كل من أنكر أن الله فوق العرش، لا يمنع أن الله ينزل - ذلك الوقت - بعض المخلوقات
(1)
.
قلت: بل صرح الأشعري كما في المقالات بالمجيء والنزول، حيث قال عند ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث جملةً: ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم «إن الله ينزل إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر؟»
(2)
كما جاء في الحديث، وَيُقِرُّونَ أن الله يجئ
(1)
(انظر بيان تلبيس الجهمية (8/ 29 - 30 و 184 و 185).
(2)
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة آخر الليل، حديث 1145، 6321، ومسلم 758.
يوم القيامة كما قال {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)}
(1)
وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء، قال -تعالى- {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ
…
مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)}
(2)
إلى أن قال: فهذه جملة مما يأمرون به ويستعملونه ويرونه، وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله
(3)
. فهل يقال بعد هذه الشهادة من شيخ الإسلام ابن تيمية والمدعومة بالدليل بأن الأشعري ليس من القائلين بالصفات الفعلية؟ والذي أظنه وأعتقده أن الذي دفع أصحاب هذا القول إلى إبداء هذه الملاحظات عدم ثبوت قول الأشعري بالصفات الفعلية عندهم، ولعل إيراد هذه النقول عن شيخ الإسلام دافع للتأمل وإعادة النظر فيما ذكره الأحياء من أصحاب هذا القول من ملاحظات على الإبانة خاصة وأن هذه الملاحظات التي أوردوها وذكروا بأنها مخالفة لأهل السنة لم يتطرق إليها علماء أفذاذ، كشيخ الإسلام ابن تيمية الذي نقل من الإبانة كثيراً
(4)
، ولم يجعلها مخالفة
(1)
سورة الفجر، آية:22.
(2)
سورة ق، آية:16.
(3)
(انظر المقالات (ص 228) وانظر العلو (2/ 1241). عند شرح الحديث (497).
(4)
وما يدل على مكانة الكتاب عنده أنه نقل منه في العديد من كتبه ومن ذلك الدرء. انظر: 5/ 6، 6/ 297 - 201 - 204، 205، 7/ 301، 219، والتسعينية 1/ 266، 2/ 454، 3/ 1007، 1008، 1037، والمنهاج 2/ 228 وشرح الأصبهانية 327، والفتاوى 3/ 224، 226، 5/ 144، 188، وبيان تلبيس الجهمية 1/ 65، 103، 131، 133، 135 و 2/ 156، 586 - 604، 3/ 310، 354، 377، 378، 477، 479، 741، 748 و 4/ 486 و 5/ 74 ـ 77، 283، 365، 366، 516 و 5/ 74 ـ 77، 283، 365، 366، 516 و 8/ 20 ـ 28، 120، 147 ـ 149، 182 ـ 187، 189.
لأقوال أهل السنة. وما ذكرته لا يعني الانتقاص أبداً من قدر ومقام أصحاب هذا القول بل هو بحث علمي يسعى من خلاله الجميع إلى ذكر ما يدينون به الرب جل وعلا والحق أحق أن يتبع، مع التأكيد على أن أصحاب هذا القول متفقون مع القول السادس ـ إلى حد كبير ـ؛ لأنهم أثبتوا أنه مر بالتوسط لوجود اللمع والمقالات وغيرها، فلم يجعلوا رجوعه كلياً للسلفية ثم أثبتوا الإبانة، ولكن لوجود بعض المخالفات لمنهج أهل السنة والجماعة فيها، كما ظهر لهم ما جعلهم يتجهون لهذا القول، وأن إقرارهم ـ من وجهة نظرهم ـ برجوعه الكلي يقتضي نسبة هذه الأقوال لمنهج السلف وهذا خطأ جسيم ـ عندهم ـ، ورفض الإبانة كلياً خطأ أكبر، فأقروا برجوعه إلى السلف مع وجود بقايا اعتزالية عنده، من وجهة نظرهم ـ وهو إلى أهل السنة والحديث أقرب ـ عندهم ـ فهو سلفي من أهل الحديث ولكن ما عنده من أخطاء ينبه عليها. ولكن يُعاب عليهم أنهم جعلوه في صفة الكلام مخالف لأهل السنة، والمخالفة في صفة الكلام مخالفة في الأصول مع أنه موافق كما ظهر في هذا الأصل لأهل السُّنة؛ بل لو كان في صفة الكلام مخالفاً لأهل السنة لحُكم عليه من السلف بأنه لم يسلك إلا طوراً واحداً، والله أعلم.
القول السادس:
إن الأشعري مر بعد طور الاعتزال بطورين:
أ ـ التوسط والسير على طريقة ابن كلاب وألف في ذلك كتبه المختلفة كاللمع، والمقالات.
ب ـ رجوعه أخيراً إلى مذهب السلف، من خلال تأليفه كتاب الإبانة. وهذا قول عدد كبير من أهل العلم منهم:
1 ـ شيخ الإسلام رحمه الله حيث قال: وكنت أقرر هذا للحنابلة وأبين أن الأشعري وإن كان من تلامذة المعتزلة ثم تاب فإنه كان تلميذ الجبائي، ومال إلى طريقة ابن كلاب، وأخذ عن زكريا الساجي أصول الحديث بالبصرة، ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنابلة بغداد أموراً أخرى، وذلك آخر أمره كما ذكره هو وأصحابه في كتبهم
(1)
. ووضح قوله في هذه القضية أكثر عندما قال: وأبو الحسن الأشعري عندما رجع عن مذهب المعتزلة سلك طريقة ابن كلاب، ومال إلى أهل السنة والحديث، وانتسب إلى الإمام أحمد، كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها كالإبانة، والموجز، والمقالات، وغيرها، وكان مختلطاً بأهل السنة والحديث كاختلاط المتكلم بهم
(2)
. فشيخ الإسلام هنا أقر بانتساب الأشعري
(1)
انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 228.
(2)
انظر درء تعارض العقل والنقل 2/ 16.
للإمام أحمد وبين أنه مال إلى أهل السنة، وهذا دليل على أنه من أهل السنة. وقد يقول قائل: إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال في موضع آخر: والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية. أخذوا من هؤلاء كلاماً صحيحاً ومن هؤلاء أصولاً عقلية ظنوها صحيحة وهي فاسدة. فمن الناس من مال إليه من الجهة السلفية، ومن الناس من مال إليه من الجهة البدعية الجهمية
(1)
(2)
. وقال في موطن آخر بوجود بعض البقايا عند الأشعري عندما قال: وأما مسألة قيام الأفعال الاختيارية به: فإن ابن كلاب والأشعري وغيره ينفونها، وعلى ذلك بنوا قولهم في مسألة القرآن
(3)
، وبسبب ذلك وغيرهم تكلم الناس فيهم في هذا الباب بما هو معروف في كتب أهل العلم، ونسبوهم إلى البدعة وبقايا بعض الاعتزال فيهم
(4)
. وهنا أكد رحمه الله على أن الأشعري بقيت عليه بقايا اعتزالية. لأن أئمة السنة ينكرون على ابن كلاب والأشعري بقايا من
(1)
انظر مجموع فتاوى ابن تيمية ص 16/ 471.
(2)
انظر منهاج السنة النبوية (1/ 486 ـ 487).
(3)
وشيخ الإسلام يرى بأن الإمام الأشعري في مسألة القرآن من أهل السنة، وهذا ولا شك قوله الأخير. انظر الدرء 7/ 237.
(4)
انظر درء التعارض 2/ 18.
التَّجَهُّمِ والاعتزال. وإنكار اتصاف الله بالأفعال القائمة التي يشاؤوها، ويختاروها، وأمثال ذلك من المسائل التي أشكلت على من كان أعلم من الأشعري بالسنة والحديث وأقوال السلف والأئمة
(1)
. قلت: والذي يظهر لي بأن شيخ الإسلام رحمه الله يتحدث هنا عن الطور الثاني الذي مر به الأشعري لسببين:
السبب الأول: لأنه هنا أنكر على الأشعري عدم قوله بالصفات الفعلية وذكر في موطن آخر أن الأشعري من القائلين بالصفات الفعلية واستشهد على هذا بما ذكره الأشعري في الإبانة في مسألة القرب وربطه له بالمشيئة، حيث قال شيخ الإسلام معلقاً على ما ذكر الإمام الأشعري في مسألة القرب مستدلاً بآيات سورة النجم {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 8 - 9] واستدلاله بهذه الآيات - يعني الأشعري في الإبانة - يدل على أن الله فوق العرش عنده، ويقتضي كلامه هذا أن الله عنده هو الذي يأتي ويجيء، إذ لولا ذلك لم يصح الدليل كما تقدم
(2)
. وقال أيضاً: وهذا صريح في أن قربه إلى خلقه عنده - أي الأشعري - من الصفات الفعلية، حيث قال كيف يشاء. والقرب بالعلم والقدرة لا يجوز تعليقه بالمشيئة، لأن علمه، وقدرته من لوازم ذاته، فهذا من اتفاق عامة الصفاتية على إثبات قرب الخلق إلى الله عز وجل
(1)
انظر الدرء 7/ 97.
(2)
(انظر بيان التلبيس (8/ 28).
- وقربه إليهم، وهذا الذي قاله الأشعري وَحَكَاهُ عن أهل السنة، تلقاه عن زكريا بن يحيى الساجي وغيره من أئمة البصريين وهذا اللفظ الذي ذكره في القرب محفوظ عن حماد بن زيد
(1)
إمام أهل السنة في عصر مالك والثوري
(2)
. قلت: فهنا شهد ابن تيمية للأشعري بأنه من القائلين بصفات الأفعال الاختيارية، وهذا دليل واضح بأن شيخ الإسلام عندما انتقد الأشعري كان يتكلم عن مرحلة التوسط التي مر بها الأشعري وهي أشهر مراحلة، وهي التي أكثر فيها التصنيف والتأليف؛ لأن ذكر في موضع أن الأشعري لا يقول بصفات الأفعال الاختيارية وهنا يقول بها.
السبب الثاني: توضيح شيخ الإسلام السبب الذي من أجله وصف الإمام الأشعري بأن لديه بقايا كلامية، حيث ذكر شيخ الإسلام: بأن ما ذكره الأشعري واستدل به على حدوث محل الصفات والأعراض، يقصد من
(1)
حماد: هو حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري الأزرق، مولى آل جرير بن حازم، أخرج له البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، قيل: إنه كان ضريرًا، ولعله طرأ عليه؛ لأنه صحَّ أنه كان يكتب. قال عبد الرحمن بن مهدي:«أئمة الناس في زمانهم أربعة: سفيان الثوري بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام، وحماد بن زيد بالبصرة» ، وكان حماد بن زيد أثبت الناس في أيوب السَّختياني. مات حماد بن زيد سنة تسع وسبعين، وله إحدى وثمانون سنة، انظر ترجمته في:«طبقات ابن سعد» (7/ 286)، و «تقدمة الجرح والتعديل» (1/ 176)، و «تاريخ بغداد» (3/ 137)، و «تهذيب الكمال» (7/ 239)، و «تذكرة الحفاظ»:(1/ 228).
(2)
(انظر بيان التلبيس (8/ 189 - 191).
خلاله أن هذه الطريقة تغني الناس عن تلك الطريقة الطويلة، الكثيرة المقدمات، الغامضة التي يقع فيها نزاع، فبحث الأشعري مع المعتزلة في هذه الطريقة من جنس بحوثه معهم في غير ذلك من أصولهم، فإنه يُبَيِّنُ تناقضهم، ويلزمهم فيما نفوه نظير ما يلزمونه لأهل الإثبات فيما أثبتوه، فيستفاد من مناظرته لهم معرفة فساد كثيرٍ من أصولهم، ولكن سلم لهم أصولاً وافقهم عليها، فقال جمهور طوائف العقلاء من أهل السنة والحديث وغيرهم، ومن المعتزلة: إن هذه مناقضة مخالفة لصريح المعقول. ولهذا من قال: بقيت عليه بقية من الاعتزال، وقالوا: إنه وافقهم على بعض أصولهم. وليس مراده بالأصول ما أظهروه من مخالفة السنة، فإن الأشعري مخالف لهم فيما أظهروه من مخالفة السنة، كمسألة الرؤيا، والقرآن
(1)
، والصفات. ولكن أصولهم الكلامية العقلية التي بنوا عليها الفروع المخالفة للسنة كالأصل الذي بنوا عليه حدوث العالم وإثبات الصانع، فإن هذا أصل أصولهم، ذكره الأشعري، لكنه مخالف لهم في كثير من لوازم ذلك وفروعه، وجاء كثير من أتباعه المتأخرين فوافقوا المعتزلة على موجبها، وخالفوا شيخهم أبا الحسن وأئمة أصحابه، فنفوا الصفات الخبرية، ونفوا العلو، وفسّروا الرؤية بمزيد علم لا ينازعهم فيه المعتزلة، وقالوا: ليس بيننا وبين المعتزلة خلاف في المعنى، وإنما خلافهم مع
(1)
وهذا دليل على أنه يرى بأن الأشعري في القرآن مخالف للمعتزلة.
المجسّمة، وكذلك قالوا في القرآن: إن القرآن، الذي قالت المعتزلة: إنه مخلوق، نحن نوافقهم على خلقه، ولكن ندَّعي ثبوت معنى آخر، وأنه واحد قديم
(1)
.
السبب الثالث: ومما يدل على أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى بأن رجوعه رجوعاً تاماً أنه نسب كتاب الإبانة ـ وهو آخر كتبه ـ لمنهج أهل السنة والجماعة وليس الإمام الأشعري رحمه الله فحسب، بل جميع من اتبعوه على ما قاله في كتابه الإبانه، ولم يظهروا مقالة تناقض الإبانة وساروا في فلكه في هذا المضمار عُدّوا من أهل السنة. حتى قال شيخ الإسلام: «وأما من قال منهم بكتاب الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره، ولم يظهر مقالة تناقض ذلك، فهذا يعد من أهل السنة
(2)
. بل قال رحمه الله الإبانة صنفها الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك
(3)
، وقال: «هو آخر كتبه، وقد صنفه في بغداد في آخر عمره لما زاد استبصاره بالسنة
(4)
. فكل هذه مؤكدات بأنه يرى بأن رجوعه كان تاماً.
السبب الرابع: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يذكر ملاحظة واحدة على الإبانة مع أنها أكثر كتب الأشعري التي نقل منها، محتجاً بها،
(1)
وهذا دليل على أن الذين يقولون بأن القرآن قديم هم أتباع الأشعري، لا الأشعري رحمه الله انظر الدرء 7/ 235 ـ 237 باختصار وتصرف يسير.
(2)
مجموع الفتاوى 6/ 359.
(3)
انظر: مجموع الفتاوى 6/ 359.
(4)
انظر: بيان التلبيس (1/ 143).
فدل هذا دلالة أكيدة على أنه يراها طوره الأخير. والخلاصة أن الحق أن يجمع شتات كلام شيخ الإسلام بعضه مع بعض حتى يُحكم على قوله الأخير، فتحمل نقوده التي وجهها للأشعري على ما كتبه في مرحلة التوسط؛ لأن ما كتبه الإمام الأشعري في تلك المرحلة، وفي ذلك الطور كثيراً جداً، بل هي التي انتشرت في الآفاق، وهي التي حاكمه عليها غالب العلماء، بعكس طوره الأخير الذي كان في آخر عمره؛ لذا لم يتمكن أن يؤلف فيه إلا مؤلفاً واحداً فقط وهو كتابه النفيس الإبانة؛ ولذا فإن علينا الفصل بين ما كتبه في مرحلة التوسط، وبين ما تكتبه في مرحلة الرجوع التام، والذي ثبت لي أن النقود التي وجهها شيخ الإسلام للأشعري هي لأقواله في مرحلة التوسط؛ لأنه نسب له مرة عدم القول بصفات الأفعال الاختيارية، ثم نسب له القول بها، ومعلوم بأن الإثبات مقدم على النفي. فيُعد هو المتأخر، ولا يمكن أن نصف شيخ الإسلام بأنه متناقض؛ بل يقال: نفى قول الأشعري بصفات الأفعال بناء على ما كتبه في مرحلة التوسط، ولما اطلع على الإبانة وثبت لديه بأنها آخر مؤلفات الأشعري وظهر له قوله فيها بصفات الأفعال أثنى عليه وشهد له بها، وهذا دليل على عدله وإنصافه رحمه الله.
2 ـ وقد أيد هذا القول الإمام ابن القيم حيث قال رحمه الله: ولما رجع الأشعري عن مذهب المعتزلة سلك طريق ابن كلاب ومال إلى
أهل السنة والحديث، وانتسب إلى الإمام أحمد، كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها كالإبانة، والموجز، والمقالات وغيرها
(1)
.
3 ـ الإمام الذهبي: حيث قال: الأشعري كان معتزلياً ثم تاب، ووافق أصحاب الحديث في أشياء يخالفون فيها المعتزلة، ثم وافق أصحاب الحديث في أكثر ما يقولونه، فله ثلاثة أحوال: حال كان معتزلياً، وحال كان سنياً في بعض دون البعض، وكان في غالب الأحوال سنياً، وهو الذي علمناه من حاله، فرحمه الله وغفر له وسائر المسلمين
(2)
. وفي هذا الكلام ما يدل على أنه لا يراه قد رجع رجوعاً تاماً، ولكنه قال فيما بعد بأنه رجع ووافق أئمة الحديث في جمهور ما يقولونه، وهذا يقتضي الرجوع التام، حيث قال في العلو:«كان أبو الحسن أولاً معتزلياً أخذ عن أبي علي الجبائي ثم نابذه ورد عليه، وصار متكلماً لأهل السنة، ووافق أئمة الحديث في جمهور ما يقولونه، وهو ما سقناه عنه من أنه نقل إجماعهم على ذلك وأنه موافقهم، وكان يتوقد ذكاءً، أخذ علم الأثر عن الحافظ زكريا الساجي. فلو انتهى أصحابُنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن هذه ولزموها لأحسنوا»
(3)
، وهذا الكلام يدل دلالة واضحة أنه يرى بأن الأشعري مر بالأطوار الثلاثة، وبأن طوره الأخير هو الرجوع لأهل السنة
(1)
انظر اجتماع الجيوش الإسلامية ص 167، حيث عزاه لشيخ الإسلام ونقله مؤيداً له.
(2)
انظر: كتاب العرش 2/ 302، 303.
(3)
انظر العلو 2/ 1254 ـ 1255.
وموافقته لجمهور أهل الحديث في جمهور ما يقولونه.
4 ـ الحافظ ابن كثير، حيث قال: ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة.
الحالة الثانية: إثبات الصفات العقلية السبع، وهي: الحياة، والعلم والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام. وتأويل الخبرية، كالوجه، واليدين، والقدم، والساق، ونحو ذلك.
الحالة الثالثة: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف، وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً وشرحها الباقلاني ونقلها ابن عساكر، وهي التي مال إليها الباقلاني وإمام الحرمين
(1)
وغيرهما من أئمة الأصحاب المتقدمين في أواخر أقوالهم والله
(1)
هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني. ولد في أول سنة تسع عشرة وأربعمائة، قال عنه الذهبي: الإمام الكبير شيخ الشافعية: اهـ. تتلمذ على يد عدد من أهل العلم ومن أبرزهم الحافظ أبو نعيم الأصفهاني، وتتلمذ على يده مجموعة منهم أبو حامد الغزالي، اشتهر باسم إمام الحرمين، بسبب أنه جاور في الحرمين، وكان مع فرط ذكائه ليس له عناية بالحديث، لا متناً ولا إسناداً، وكان قد بالغ في علم الكلام، وصنف الكتب الكثيرة فيه، ثم هداه الله إلى مذهب السلف. وقال عبارته الشهيرة ومنها: عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطف بِرِّه وإلا فالويل لابن جوين. ومن أهم مؤلفاته: الورقات في أصول الفقه، والشامل في أصول الدين وغيرهما. انظر سير أعلام النبلاء 18/ 468 والمنتظم 16/ 244 وهناك دراسة عنه في موقف ابن تيمية من الأشاعرة 2/ 600.
أعلم
(1)
.
5 ـ الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
(2)
، حيث قال رحمه الله بأن الأشعري رجع عن مذهب المعتزلة، واعتنق مذهب أهل السنة من غير تحريف ولا تعطيل
(3)
. وهذا كلام واضح وصريح بأن الإمام ابن باز يرى بأن رجوعه كان رجوعاً تاماً.
6 ـ محب الدين الخطيب
(4)
، حيث قال: أبو الحسن علي بن إسماعيل، نشأ في أول أمره على الاعتزال، ثم أيقظ الله بصيرته فأعلن رجوعه عن ضلالة الاعتزال ومضى في هذا الطور الثاني نشيطاً يؤلف، ويناظر،
(1)
انظر طبقات الفقهاء الشافعيين 1/ 199.
(2)
هو عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الإمام العلامة ولد رحمه الله سنة 1330 هـ تلقى العلم على عدد من العلماء من أبرزهم الشيخ محمد بن إبراهيم، وسعد بن عتيق، عمل قاضياً في الخرج ورئيساً للجامعة الإسلامية ولإدارة البحوث العلمية والإفتاء ورئيساً لهيئة كبار العلماء، له العديد من المؤلفات منها: التحقيق والإيضاح، والفوائد الجلية، وله العديد من الفتاوى جمعت في العديد من المجلدات، توفي رحمه الله سنة 1420 هـ. انظر: جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز وموسوعة أسبار 2/ 582.
(3)
انظر: الإبانة عن أصول الديانة ص 43.
(4)
هو محب الدين ابن أبي الفتح محمد بن عبد القادر بن صالح الخطيب ولد سنة ألف وثلاثمائة وثلاثة في مدينة دمشق، كان من كبار الدعاة إلى الله في عصره حكم عليه الأتراك بالإعدام، له العديد من المؤلفات والتحقيقات، كتحقيقه للمنتقى من منهاج الاعتدال والعواصم من القواصم، توفي رحمه الله سنة ألف وثلاثمائة وتسع وثمانين انظر الأعلام 5/ 282
ويلقي الدروس في الرد على المعتزلة، سالكاً طريقاً وسطاً بين طريقة الجدل والتأويل، وطريقة السلف. ثم محض طريقته، وأخلصها لله بالرجوع الكامل إلى طريقة السلف. وقال في مكان آخر: إن أبا الحسن كانت له ثلاثة أطوار:
أولاها: انتماؤه إلى المعتزلة.
والثاني: خروجه عليهم، ومعارضته لهم بأساليب متوسطة بين أساليبهم ومذهب السلف.
والطور الثالث: انتقاله إلى مذهب السلف وتأليفه في ذلك كتاب الإبانة
(1)
.
7 ـ كما أَيَّدَ هذا القول: الشيخ محمد بن صالح العثيمين
(2)
. حيث قال في كتابه القواعد المثلى: إن أبا الحسن كان له مراحل ثلاث في العقيدة:
(1)
انظر المنتقى ص 44، ص 46.
(2)
هو الإمام العلامة محمد بن صالح العثيمين، ولد في مدينة عنيزة سنة ألف وثلاثمائة وسبع وأربعين تتلمذ على يد جده عبد الرحمن بن دامغ، وعلى العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ثم رحل إلى الرياض فتلقى العلم على يد الإمام عبد العزيز بن باز والعلامة الشنقيطي ـ رحمهما الله ـ وعمل عضواً بهيئة التدريس بجامعة الإمام، وعضواً بهيئة كبار العلماء حتى وفاته رحمه الله عام 1421 هـ. له العديد من المؤلفات ومن أهمها الشرح الممتع والقول المفيد في شرح كتاب التوحيد. انظر للمزيد في ترجمته موسوعة أسبار 3/ 1017.
المرحلة الأولى: مرحلة اعتناق الاعتزال أربعين عاماً.
ثم مرحلة ثانية: بين الاعتزال المحض والسنة المحضة حيث سلك فيها طريق ابن كلاب.
ثم المرحلة الثالثة: وهي مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث. مقتدياً بالإمام أحمد رحمه الله كما قَرَّرَهُ في كتابه الإبانة عن أصول الديانة وهو من آخر كتبه أو آخرها
(1)
.
8 ـ حافظ حكمي، حيث بين أن الأشعري صنف الإبانة على قول أهل الحديث
(2)
.
9 ـ إسماعيل الأنصاري
(3)
، حيث بين أن الأشعري تاب من الاعتزال وألف الإبانة من دون تأويل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل
(4)
.
10 ـ صالح بن فوزان الفوزان
(5)
، حيث قال: استقر الأشعري بعد
(1)
انظر القواعد المثلى ص 80، ص 81.
(2)
انظر: معارج القبول ص 310.
(3)
هو: إسماعيل بن محمد الأنصاري، ولد في مالي سنة 1340 هـ تلقى العلم على يد كثير من العلماء في بلاده، كالشيخ محمد الأنصاري، والإدريسي. وانتقل للسعودية فعمل في المعهد العلمي، ثم عمل مفتياً في دار الإفتاء، كما عمل مدرساً في المسجد الحرام، له العديد من المؤلفات، منها: الإيمان بشرح عمدة الأحكام، كما حقق الكثير من الكتب مثل الصارم المنكي توفي رحمه الله سنة 1417 هـ. انظر: علماء نجد في ثمانية قرون 1/ 570 وموسوعة أسبار 1/ 199.
(4)
انظر: الإبانة ص 45.
(5)
هو العلامة: صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وعضو اللجنة الدائمة، تولى التدريس في المعهد العلمي بالرياض، وكلية الشريعة، وكلية أصول الدين، ثم عميداً للمعهد العالي للقضاء، عُرف عنه محبته للسلف وعلومهم، ومحاربة البدع. وله عدد من المؤلفات، منها: الملخص الفقهي، وله شرح «الواسطية» و «كتاب التوحيد» وهي من أجل الشروح وأنفعها، ومازالت دروسه ومحاضراته قائمة، ومؤلفاته متتابعة. انظر: موسوعة أسبار 1/ 414.
الاعتزال على عقيدة السلف التي جاء بها القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
11 ـ حماد الأنصاري: حيث قال: ثبت ثبوتاً لا شك فيه ولا مرية أن أبا الحسن الأشعري استقر أمره أخيراً بعد أن كان معتزلياً على عقيدة السلف
(2)
.
12 ـ عبد الله شاكر الجنيدي محقق رسالة الأشعري إلى أهل الثغر: حيث قال: الأطوار التي مر بها الأشعري ثلاثاً، وذكر الطور الثالث، وذكر فيه أن الأشعري انتسب إلى الإمام أحمد وطابق كلامه كلامه في الصفات كصفة الكلام
(3)
. وبالجملة فهذا القول قال به عدد من أهل العلم وبعض المستشرقين
(4)
. ومستند هؤلاء الأعلام ما يلي:
الدليل الأول: أن الأشعري مَرَّ في طور الاعتزال عشرات السنين، وكان بعيداً كل البعد عن فهم مذهب السلف فرجع بعد الاعتزال إلى مرحلة
(1)
انظر: الإبانة عن أصول الديانة ص 4.
(2)
انظر: الإبانة ص 13.
(3)
انظر: تحقيقه لرسالة أهل الثغر ص 67، 68.
(4)
انظر للمزيد القضاء والقدر، 316 والعقائد السلفية 1/ 343.
التوسط بين الاعتزال وأهل الحديث، ولم يكن في هذه المرحلة قد فهم منهج أهل الحديث كما ينبغي فألف في هذه الفترة بعض الكتب التي تابع فيها ابن كلاب، كاللمع، ثم بعد ذلك بان له الحق وانجلت عنه الظلمة فألف كتاب الإبانة. فالإنسان يغلب عليه التدرج شيئاً فشيئاً في تنقلاته، لأن الإنسان يتضح له الأمر شيئاً فشيئاً. وينتقل إليه خطوة خطوة، فالأشعري قد وصل إلى الحق على مراتب، فترك أولاً مذهب المعتزلة إلى مذهبه العقلي، ثم ترك أخيراً مذهبه العقلي إلى مذهب السلف، فأصاب الحق كله ومات مرضياً عنه
(1)
. وقال باحث آخر: «من غير المعقول أن يتحول إنسان كائناً من كان، بين عشية وضحاها من عقيدة إلى عقيدة مضادة لها تماماً، وإنما يترك مذهب المعتزلة إلى مذهب كلامي أقل غلواً في تمجيد العقل وهو مذهب ابن كلاب، ثم يتخلص من كل الآثار الكلامية في آخر مراحل تطوره، فيتبنى المذهب السلفي ويؤلف كتاب الإبانة
(2)
.
الدليل الثاني: إن عدداً من علماء الكلام رجعوا في أواخر حياتهم عن مذاهبهم الكلامية واتبعوا ما قاله السلف محتذين بذلك حذو شيخهم من هؤلاء
(3)
:
(1)
انظر القضاء والقدر 2/ 317 وكتاب اللمع تحقيق حموده غرابة ص 7.
(2)
الفرق الإسلامية وأصولها 1/ 133، 134 بتصرف واختصار.
(3)
انظر الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية 1/ 134.
أ ـ الغزالي
(1)
حيث ذكر ابن أبي العز الحنفي أن الغزالي رحمه الله انتهى أمره إلى الوقف والحيرة في المسائل الكلامية ثم أعرض عن تلك الطرق وأقبل على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فمات والبخاري على صدره
(2)
.
ب ـ كذلك أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، حيث قال: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن؛ اقرأ في الإثبات:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}
(3)
{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}
(4)
، واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ
…
شَيْءٌ}
(5)
، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}
(6)
. ثم قال:
(1)
هو الشيخ أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي، ولد سنة 450 هـ. تلقى العلم على يد الإسماعيلي وأبي المعالي الجويني، تولى التدريس في نظامية بغداد ونال منزلة رفيعة، وفي هذه الفترة تحول إلى العزلة والتصوف ثم رجع في آخر حياته إلى أهل الحديث. توفي سنة 505 هـ، وترك مؤلفات عدة منها الأربعين في أصول الدين وتهافت الفلاسفة والمستصفى وإحياء علوم الدين. انظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء 19/ 322، ووفيات الأعيان 4/ 216. وألف عبدالرحمن بدوي مؤلفاً ضخماً في مؤلفات الغزالي، وانظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة حيث ترجم له ترجمة وافية 2/ 662.
(2)
انظر شرح الطحاوية ص 177.
(3)
سورة طه، آية:5.
(4)
سورة فاطر، آية:10.
(5)
سورة الشورى، آية:11.
(6)
سورة طه، آية:110.
«ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي»
(1)
. وقال أبياته الشهيرة
(2)
:
نِهايةُ إقدمِ العُقولِ عِقالُ
…
وأكثر سعي العالمين ضلالُ
وأرواحنا في وحشةٍ من جُسومِنا
…
وحاصل دُنيانا أذىً ووَبالُ
ولم نَستفِد من بحثنا طول عُمِرنا
…
سِوى أن جمعنا فيه قِيلَ وقالوا
وكم مِنْ جِبالٍ قد عَلَتَ شُرُفاتِها
…
رِجالٌ فزالوا والجبالُ جِبالُ
وكم قد رَأينا من رجالٍ ودولةٍ
…
فبادُوا جميعاً مسرعين وزالوا
والحاصل أن عدداً من أساطين الفلاسفة وعلم الكلام رجعوا عن مذاهبهم الكلامية عند وفاتهم فلماذا يستغرب مثل هذا على الأشعري خاصة وأنه ألف كتاباً فيه عقيدته الموافقة في مجمله لأهل الحديث بل وأعلن قبل ذلك عن رجوعه صراحة.
الدليل الثالث: كيف يعقل أن يعلن رجل عرف بإمامته كالأشعري بأن قوله الذي يقول به وديانته التي يدين بها التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ثم يتراجع عنه، وهل الرجوع عن هذا الحق ـ لو كان حاصلاً ـ إلا رجوع ما قد فرّ
(1)
انظر شرح الطحاوية ص 178.
(2)
انظر شرح الطحاوية ص 177 ـ 178 واجتماع الجيوش الإسلامية 179 ـ 180، وطبقات الشافعية 8/ 90، 96، تاريخ الإسلام للذهبي 18/ 242، وفيات الأعيان 4/ 250، عيون الأنباء ص 466.
منه وهو التجهم والاعتزال.
الدليل الرابع: أنّ ما كتبه الأشعري في الإبانة لا يمكن أن ينسخه أي كتاب من كتبه إلا في حالين اثنين، وهما في غاية البطلان:
أ ـ أن يرجع عمَّا في الإبانة وهذا رجوع عمَّا في الكتاب والسنة، والأشاعرة يُقرون بأن ما في الإبانة هو الإثبات وبأنهم متأولة فإليك قول أحد رموز الأشاعرة في الأزمنة المتأخرة يقرون بأن الصورة السلفية التي عليها شيخ الإسلام ابن تيمية والوهابية والتي تجلت في الإبانة هي منهج الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ حيث قال حمودة غرابة: (بل إني أعتقد أن الصورة السلفية كما اعتنقها الصحابة والإمام أحمد وربما ابن تيمية والوهابيون لا يتعارض إلا قليلاً جداً مع مذهب الأشاعرة الذين أولوا هذه الأشياء؛ أعني الوجه واليدين والاستواء إلى غير ذلك، بالذات والقدرة والاستيلاء مثلاً
(1)
. فهو هنا اعترف بأن متأخري الأشاعرة قد خالفوا الصحابة والإمام أحمد ـ وكفى بهذه حجة ـ فهذا اعتراف بأن الأشعري في الإبانة وافق الصحابة وابتعد عن فكرة التنزيه التي سلكها متأخرو الأشاعرة هرباً من التمثيل والتشبيه فوقعوا في التعطيل
(2)
.
ب ـ أو أن الرجل منافق ـ وحاشاه ذلك ـ في قوله أنه يأخذ بما دل
(1)
انظر مقدمة تحقيقه لكتاب اللمع ص 9 بالهامش.
(2)
انظر مقدمة تحقيقه لكتاب اللمع ص 9 بالهامش.
عليه الكتاب والسنة وهو لا يعتقد ذلك. وهذان الاحتمالان باطلان يقيناً ويجزم بذلك من يعرف سيرة الرجل وثناء العلماء عليه، بل كان الرجل في قمة انحسار المذهب الاعتزالي انتسب إليه ودافع عنه ونافح فلو كان منافقاً لما نصر الاعتزال أربعين عاماً من عمره وهم في مرحلة ضعف وانحسار.
الدليل الخامس: الأشعري في كتاب مقالات الإسلاميين يذكر باباً بعنوان: «هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة» وَيُورِدُ فيه عقيدة أهل الإثبات كما يراها أهل الحديث، وكما هي في الإبانة تماماً، ثم يعقب في النهاية عليها بقوله:«فهذه جملة ما يأمرون به وما يستعملونه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله. ثم ذكر عقيدة ابن كلاب في الباب الذي يلي هذا الباب فقال: «فأما أصحاب عبد الله بن سعيد القطان، فإنهم يقولون بأكثر مما ذكرناه عن أهل السنة» ثم لم يُعَقِّب بعد ذلك بانتسابه إلى عقيدته، كما فعل مع أصحاب الحديث وأهل السنة؛ لأن ابن كُلاب يستعمل التأويل
(1)
. وأنت تَلْحَظُ عبارته التي ينفي فيها أن يكون بينه وبين ابن كلاب اتفاق تام، إذا قال: بأنهم يقولون بأكثر مما ذكرنا عن أهل السنة. وهذا يَدُلُّ على تركه طريقة ابن كُلاب.
(1)
انظر مقالات الإسلاميين 226.
الدليل السادس أدلة كون الإبانة آخر كتب الإمام الأشعري:
وذلك لأن اللمع يحكي انتسابه لابن كُلاب، وأما الإبانة فتدل على انتمائه للسلف، والإبانة هي آخر كتبه، وطالما أنها من آخر كتبه فهي تعبر عن منهجه، ومذهبه، وأدلة كون الإبانة هي آخر كتبه متعددة، فمنها مثلاً:
أولاً: ما ذكره ابن عساكر في قصة رجوع الأشعري: أنه عندما صعد على المنبر وأعلن رجوعه، ودفع بالكتب إلى الناس فمنها كتاب اللمع وكتاب أظهر فيه عوار المعتزلة سماه بكتاب كشف الأسرار وهتك الأستار وغيرهما
(1)
. فأنت تَلْحَظُ هنا أن الأشعري قد ألف اللمع في مرحلة ما بعد الاعتزال مباشرة، وهذا دليل على أن الإبانة متأخرة عنه، وقد كتبت بعده لأنها قطعاً، ليست من مؤلفاته قبل الاعتزال وما قال أحد بذلك، ولم تكن من الكتب التي دفعها للناس بعد تحوله مباشرة، فدل ذلك على تَأَخُّرِ تأليفها.
ثانياً: أن الأشعري، لما ذكر مؤلفاته في كتابه العمد لم يذكر منها الإبانة، مع أن ابن فورك قد بَيَّنَ أن هذه المؤلفات التي أوردها في العمد ألفها إلى سنة عشرين وثلاثمائة. فلو كانت من ضمنها لذكرها، ولما أضاف ابن فُورك ما ألفه بعد ذلك لم يذكر من ضمنها الإبانة؛ لأسباب سَيَتمُّ التطرُّق لها في الفصل الخاص بالإبانة. وابن عساكر قد نقل نصوصاً
(1)
انظر التبيين ص 39.
من الإبانة، وإن لم يذكرها ضمن ما اسْتَدْرَكَهُ على ابن فورك بسبب أنه نقل نصوصاً منها فرآها كافية لإثباتها ولبيان معرفته بها، بل هذا النقل منها أقوى من مجرد ذكر عنوان الكتاب بأسلوب السرد الخالي من التفصيل.
ثالثاً: أن من المؤكدات القوية أيضاً على تأخر تأليف كتاب الإبانة قصة الأشعري مع البربهاري
(1)
شيخ الحنابلة، وذلك أن الأشعري، لما قدم بغداد جاء إلى أبي محمد البربهاري، فجعل يقول: - رددت على الجبائي، رددت على المجوس، وعلى النصارى. فقال أبو محمد: لا أدري ما تقول! ولا نعرف إلا ما قاله الإمام أحمد. فخرج وصنف الإبانة، فلم يقبل منه
(2)
. وهذه القصة دليل على تأخر كتاب الإبانة.
(1)
هو شيخ الحنابلة القدوة الإمام الحسن بن علي ابن خلف البربهاري، قال عنه ابن كثير: هو العالم الزاهد الفقيه، الحنبلي الواعظ وقد بلغ من زهده وورعه أنه تنزه عن ميراث أبيه وكان سبعين ألفاً لأمر كرهه. وكان شديداً على أهل البدع والمعاصي. صحب المروزي وسهلاً التستري، توفي رحمه الله سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. انظر المنتظم 14/ 14 والبداية والنهاية 15/ 137، وسير أعلام النبلاء 15/ 90.
(2)
انظر سير أعلام النبلاء 15/ 90 وطبقات الحنابلة 2/ 18، والوافي 12/ 246، وتبيين كذب المفتري 390، 391. وقد ضعف ابن عساكر هذه القصة حيث قال: وأدل دليل على بطلانها قوله: أنه لم يظهر ببغداد إلى أن خرج منها، وهو بعد إذ صار إليها لم يفارقها ولا رحل عنها فإن بها كانت منيته وفيها قبره وتربته انظر التبيين ص 391 وقال الشيخ المحمود: إن ابن عساكر أنكر القصة ولم ينكر تأخر الإبانة انظر موقف ابن تيمية 1/ 382. قلت: وهو الظاهر من كلامه والله أعلم.
رابعاً: نجد في الإبانة إثبات الصفات الخبرية والعقلية كالاستواء، بل ونجد فيها الاعتماد على الوحيين ونبذ التأويل، ولا يتحدث فيها الأشعري عن القضايا الكلامية التي ذكرها في اللمع، وهذا دليل على تدرجه بالتخلي عن علم الكلام؛ لأن معرفته في هذه المرحلة لعلم الكلام أكثر من معرفته لمنهج أهل الحديث، لذا كان اللمع أقرب لمنهج المتكلمة من منهج أهل الحديث كحال مؤلفه في تلك الفترة.
خامساً: إن عدداً من الأعلام قالوا: بأن الإبانة هي آخر مؤلفاته، ومنهم:
1 ـ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. حيث قال في بيان التلبيس: وهذا الكتاب هو من أشهر تأليف الأشعري وآخرها
(1)
. وقال في موضع آخر: قال أبو الحسن في كتابه الذي سماه الإبانة: وقد ذكر أصحابه أنه آخر كتاب صنفه، وعليه يعتمدون في الذب عنه عند من يطعن عليه
(2)
وقال في موطن آخر: الإبانة صنفها الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك
(3)
. وقال في موطن آخر: هذا آخر كتبه وقد صَنَّفَهُ في
(1)
انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/ 136.
(2)
مجموع الفتاوى 5/ 93.
(3)
مجموع الفتاوى 6/ 359.
بغداد في آخر عمره لما زاد استبصاره بالسنة
(1)
.
2 ـ ابن درباس
(2)
: - حيث قال رحمه الله في رسالته في الذب عن الأشعري: أما بعد، فاعلموا معاشر الإخوان، وفقنا الله وإياكم للدين القويم، وهدانا أجمعين، للصراط المستقيم بأن كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي ألفه الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، هو الذي استقرَّ عليه أمره فيما كان يعتقده
(3)
.
3 ـ ابن العماد الحنبلي، حيث قال: الإبانة في أصول الديانة وهو آخر كتاب صنفه وعليه يعتمد أصحابه، في الذب عنه، عند من يطعن عليه
(4)
.
4 ـ الحافظ بن كثير، حيث قال: وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً
(5)
.
(1)
انظر: بيان تلبيس الجهمية (1/ 143).
(2)
هو قاضي الديار المصرية، الإمام الأوحد صدر الدين، عبد الملك بن عيسى بن درباس الكردي الشافعي. ولد بالموصل سنة عشرة وخمسمائة. سمع من الحافظ، ابن عساكر، وروى عنه الحافظ المنذري، توفي رحمه الله في سنة خمس وستمائة، انظر: سير أعلام النبلاء 21/ 474، والنجوم الزاهرة 6/ 175.
(3)
انظر رسالته في الذب عن أبي الحسن الأشعري، ص 115.
(4)
انظر طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1/ 199، إتحاف السادة المتقين 2/ 6.
(5)
انظر شذرات الذهب 4/ 131.
5 ـ نعمان الألوسي
(1)
، حيث قال: - تحت عنوان عقيدة الأشعري، روى غير واحد من المصنفين عن الشيخ أبي الحسن الأشعري أنه قال في كتابه الإبانة في أصول الديانة»: وهو آخر كتاب صنفه
(2)
.
6 ـ خالد النقشبندي
(3)
، حيث قال: نرى كتب الأشعري في العقائد مشحونة بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة، والخوض في كثير من التأويلات والتدقيقات، ثم اعتذر في كتابه الإبانة عن أصول الديانة، الذي هو آخر مؤلفاته، وعليها التأويل في مذهب الأشعري
(4)
.
7 ـ حافظ حكمي، حيث قال: وأمّا أبو الحسن الأشعري رحمه الله
(1)
هو: نعمان بن محمود بن عبد الله الألوسي، أبو البركات خير الدين، ولد ببغداد سنة 1252 م، وكان فقيهاً، ولي القضاء في العديد من البلدان، من آثاره: كتاب جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، وغاية المواعظ. توفي سنة 1317 هـ. انظر: معجم المؤلفين 13/ 107، ومقدمة تحقيق جلاء العينين 3/ 6.
(2)
انظر جلاء العينين ص 462.
(3)
هو خالد بن أحمد بن حسين أبو البهاء، ضياء الدين النقشبندي، ولد في سنة 1190 هاجر في صباه إلى بغداد، ورحل إلى الشام حيث توفي بدمشق في الطاعون عام 1242 هـ له العديد من المؤلفات منها شرح العقائد العضدية ورسالة في إثبات مسألة الإرادة الجزئية، واسمها العقد الجوهري في الفرق بين كسب الماتريدي والأشعري انظر الأعلام 2/ 294، ومعجم المؤلفين 4/ 95.
(4)
انظر جلاء العينين ص 157، حيث نقل الألوسي كلام النقشبندي وقال: وقال العلامة شيخ مشايخنا الشيخ خالد النقشبندي.
فالذي قَرَّرَهُ في كتابه الإبانة الذي هو من آخر ما صنف
(1)
.
8 ـ محب الدين الخطيب، حيث قال: وكتب بذلك كتبه الأخيرة، ومنها في أيدي الناس كتاب الإبانة وقد نص مترجموه على أنها آخر كتبه
(2)
.
9 ـ الشيخ الدكتور عبد الرحمن المحمود، حيث قال: هذه خلاصة أدلة الذين يقولون بتأخر الإبانة عن اللمع، وهي كما يلاحظ أدلة علمية تعتمد على نقل العلماء وأقوالهم. أما أدلة القول الأول فليس في واحد منها ما يَنُصُّ على تأخر اللمع وتقدم الإبانة؛ فعبارة ابن خلكان مجملة، وجميع الذين يميلون إلى المذهب الأشعري يقولون: إن كتبه كلها تسير على طريقة الفقهاء والمحدثين، لا يفرقون بين الإبانة واللمع، أمَّا الدليل النفسي وأن الإنسان عند انتقاله يكون متحمساً فيقابله دليل نفسي آخر وهو التدرج الذي ورد في أدلة القول الآخر، أمَّا مسألة النضج، ففي الإبانة مناقشات للمعتزلة لا تَقِلُّ قوة عمّا في اللمع، فيتبين بذلك أن الإبانة آخر مؤلفات الأشعري
(3)
.
10 ـ عبد الفتاح أحمد
(4)
، حيث ذكر الخلاف حول أيهما الذي صنفه
(1)
انظر: معارج القبول ص 310.
(2)
انظر المنتقى ص 44 هامش 2.
(3)
موقف ابن تيمية 1/ 384، 385.
(4)
الدكتور عبد الفتاح أحمد فؤاد أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم العلوم الاجتماعية بكلية التربية بجامعة الإسكندرية بمصر ـ وبحثت عن ترجمة له فلم أجد والسبب في ذلك أنه مُعاصر وغالب المعاصرين لا توجد لهم تراجم.
الأشعري بعد طور الاعتزال، وذكر أنه يرجح أنَّ كتاب اللمع هو الذي ألفه الأشعري في تلك الفترة لأنه هاجم المعتزلة هجوماً شديداً، لكنه لم يتحول دفعة واحدة إلى مذهب السلف، فلم يذكر في اللمع الإمام أحمد، وإنما كان هذا الطور بمثابة مرحلة وُسْطَى بين علماء السلف وبين المتكلمين المناصرين للسنة، خاصة ابن كُلاب
(1)
.
11 ـ أحمد بن حجر آل بوطامي حيث قال: فإن قال قائل بأي دليل تُرَجِّحُون قَوْلَكم: إن الإبانة متأخر عن كتابه اللمع وأمثاله. فالجواب
أ ـ أنه اللائق بإمامته وجلالة قدره.
ب ـ إن الذين كتبوا عنه من المؤرخين ذكروا عنه هذا المعتقد الصحيح، ثم قال: فلو كان الإمام استقرت عقيدته على التأويل في آخر الأمور، لذكر ابن عساكر وغيره من المؤرخين
(2)
.
12 ـ راجح الكردي، حيث قال: ولكن الواقع أن الرأي الذي انتهى إليه هو اعتبارها صفات، وخاصة في كتابه الأخير كتاب الإبانة عن
(1)
الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية 1/ 132.
(2)
انظر العقائد السلفية 157 ـ 158 باختصار.
أصول الديانة
(1)
. وهذا القول قال به عدد كبير من الباحثين أيضاً
(2)
.
خامساً: لو أن الإبانة قبل اللمع لأعلن رجوعه عما أقره في كتاب الإبانة، كما أعلن رجوعه عن الاعتزال من قبل. ولو قال قائل: وهو أيضاً في الإبانة لم يعلن رجوعه عن العقيدة التي أقرها في اللمع. فالجواب
أ ـ إن هذا لا يستدعي هذا الإعلان، لأنه هنا قد أتم انضمامه لعقيدة السلف التي سبق وأن أعلن انتماءه إليها
(3)
.
ب ـ وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مُزيلاً شبهة عدم براءته من اقواله السابقة: أن الإبانة صنفه ببغداد في آخر عمره لما زاد استبصاره في السنة، ولعله لم يفصح في بعض الكتب القديمة، بما أفصح به فيه وفي أمثاله، وإن كان لم ينف فيها ما ذكره هنا في الكتب المتأخرة، ففرق بين عدم القول وبين القول، وبين القول بالعدم
(4)
.
جـ ـ ليس من المناسب أن يعلن رجوعه عما في كتبه السابقة قبل
(1)
انظر علاقة صفات الله بذاته ص 128.
(2)
ومنهم الشيخ إبراهيم الحلبي في كتابه اللمعة في تحقيق مباحث الوجود والحدوث والقدر وأفعال العباد ص 57 والشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني كما في القول الجلي ص 36، ومحمد أحمد محمود في كتابه الحنابلة في بغداد ص 168 ورضا نعمان في علاقات الإثبات والتفويض ص 41، 44، نقلاً عن موقف شيخ الإسلام 1/ 384.
(3)
انظر القضاء والقدر للدسوقي 2/ 319 بتصرف.
(4)
انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/ 143.
الإبانة، كما أعلنه بعد رجوعه عن الاعتزال، وذلك يعود إلى أن تلك الكتب في مرحلة الاعتزال كلها ضلال، أما بعد رجوعه فإن في غالبها الكثير من الحق؛ لأنه لم يصل إلى الحق جملة واحدة، فلو أعلن رجوعه لأعلن رجوعه عن الحق. فلعله اكتفى بأنه إذا أورد مسألة في كتبه الجديدة تخالف السابقة فإن هذا بمثابة الرجوع ولو لم يعلنه، بل اعتقد بأن إعلانه في الإبانة اتباعه للإمام أحمد تأكيداً على رجوعه التام ولله الحمد.
سادساً: أن الأشعري في الإبانة رفض التأويل مطلقاً، وقدم النقل على العقل، وهاجم تفسير الاستواء بالاستيلاء، وأورد الآيات القرآنية الدالة على الاستواء. كما أثبت صفات الله عز وجل كالوجه والعين واليدين على قول أهل السنة، فلا يعقل أن يرجع إلى عقيدة التأويل مرة أخرى، خاصة وأنه أثبت أن التأويل منهج للفرق الضالة. وإلا لاعتبر متذبذباً غير مستقر، فمرة معتزلي ثم متأولاً ثم سلفياً على منهج أهل الحديث ثم مؤولاً. ثم لو كانت عقيدته استقرت على التأويل لذكره ابن عساكر وغيره من المؤرخين
(1)
. إن هذه الأدلة كافية لإثبات أن الأشعري قد ألف الإبانة متأخراً. وبأن منهجه الذي استقرَّ عليه والطور الذي لقي بعده ربه هي عقيدته السلفية التي أثبتها في الإبانة، وهذا هو القول الراجح بالنسبة لما ألف أخيراً. وأصحاب هذا القول أنه مر بالتوسط،
(1)
انظر: العقائد السلفية ص 158.
ومن ثم السير على منهج السلف، وبأن رجوعه كان رجوعاً تاماً، فقولهم لا يجافي الحقيقة، خاصة وعمدتهم على هذا القول هو كتابه الإبانة الذي يُعد آخر مؤلفاته وقد أقرها أئمة السلف، بل وجعلوا من قال بما فيها من أهل السنة والجماعة.
الترجيح:
إن من أصعب الأمور التي مَرَّت عَلَيَّ في بحثي هذا هو الترجيح في مثل هذه المسألة الشائكة، والتي يجبُ على الإنسان عدم التسرع في القول فيها دون إمعان نظر وتأمل وتدبر، ولكن بعد تأمل وتدبر ومناقشات واستخارة اتضح لي أن الخلاف قد انحسر بين الرأيين الخامس والسادس.
والمتأمل يجد أن القول السادس والذي يرى بأنه رجع رجوعاً تامّاً هو الأقرب للصواب، وذلك للأمور الآتية:
1 -
أن الإنسان عندما ينتمي لمذهب فاسد عدة سنين لابد أن يتأثر به، ويغلب عليه، وعندما يعود إلى الحق فقد تكون معرفته بالمذهب الصحيح ناقصة، وهذا ما عاناه الإمام الأشعري رحمه الله بشكل واضح، ولذا تأثر في بداية تحوله بمذهب ابن كلاب ظناً منه انه منهج أهل السنة والجماعة، دون أن يقصد بذلك متابعة ابن كلاب أو أن يدور في خلده أنه على خلاف الحق. بدليل أنه أعلن في المقالات أنه من أهل الحديث بعكس أصحاب ابن كلاب كما مر من قبل.
2 -
أن الأشعري بعد أن قرأ وتدبر وأمعن النظر في الفرق والمذاهب تبين له الحق، فوفقه الله لتأليف كتاب الإبانة فألفه على منهج أهل السنة والجماعة.
3 -
أن الأشعري عندما ألف كتاب الإبانة كان يقصد ويرغب أن يكون موافقاً لأهل السنة على أكمل وجه، ولكن بقاءه عشرات السنين
على مذهب المعتزلة جعله لا يحيط بمذهب السلف في جميع المسائل.
4 -
إن أخطاء الأشعري في عدة قضايا، لا تمنع في أي حال من الأحوال من الحكم بأنه رجع إلى منهج السلف؛ لأن هذه المخالفات لا تَعْدُو أموراً منها:
أ ـ أن هذه الأخطاء إن وجدت فهي من دقائق علم الكلام الذي لم يكن معروفاً عند السلف، وكما قال شيخ الإسلام: بأن هذه المسائل أشكلت على من كان أعلم من الأشعري بالسنة والحديث وأقوال السلف والأئمة
(1)
.
ب ـ أن هذه الأخطاء ليست من صريح قوله، بل غالبها من لازم قوله، ولازم القول ليس بقول.
5 ـ اعتمد الأئمة الأعلام كتاب الإبانة وشهدوا بأنه من مصنفات أهل السنة
(2)
.
6 -
شيخ الإسلام رحمه الله من أعلم الناس بأمور أهل الكلام والعقائد لم يذكر على الأشعري خطأ واحداً في الإبانة، مع أنه نقل منه عشرات الصفحات في غالب كتبه مستشهداً بقوله راداً به على أتباع الأشعري، وغيرهم من الجهمية والمعتزلة، وكذلك فعل الإمام ابن
(1)
انظر الدرء 7/ 97.
(2)
انظر الإبانة بتحقيقي.
القيم رحمه الله.
7 -
كتاب الإبانة نُسب وهو آخر كتبه لمنهج أهل السنة والجماعة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وليس هو فحسب، بل جميع من اتبعوه على ما قاله في كتابه الإبانه، ولم يظهروا مقالةً تُنَاقِضُ الإبانة وَسَارُوا في فَلَكِهِ في هذا المضمار عُدّوا من أهل السنة. حتى قال شيخ الإسلام: «وأما من قال منهم بكتاب الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره، ولم يظهر مقالة تناقض ذلك، فهذا يعد من أهل السنة
(1)
.
8 -
وإن قال قائل: أن الأشعري في الإبانة لم يذكر البراءة من أقواله السالفة التي خالف فيها السلف في بعض المسائل فذلك يعود لأنه:
أ- ربما لم يَتَنَبَّه لذلك؛ لأن المخالفات تَخَلَّصَ منها تدريجياً فتجده في اللمع والتي أظنها من أقدم كتبه بعد الاعتزال تميل لأهل السنة أكثر من المتجهمة والمعتزلة، ثم نجده في المقالات يقارب أهل السنة كثيراً، ثم استقر في الإبانة على المنهج الحق، ولذا فالأمر عنده كان تلقائياً، وكل كتابٍ يَنْسَخُ ما قَبْلَهُ، إذا حدث التعارض، فليس ملزماً أنه في كل مسألة يذكر براءته من قوله السابق، بل قوله اللاحق ينسخ السابق.
ب- وربما ـ وهو الراجح ـ أنه اكتفى بما كتبه في الإبانة وهو في حد ذاته براءة كاملة من كل ما كان عليه.
(1)
مجموع الفتاوى 6/ 359.
جـ - وربما لم يهتم بما كان عليه، بل كان همه بيان ما صار إليه.
د- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مُزيلاً شبهة عدم براءته من أقواله السابقة: أن الإبانة صنفه ببغداد في آخر عمره لما زاد استبصاره في السنة، ولعله لم يفصح في بعض الكتب القديمة، بما أفصح به فيه وفي أمثاله، وإن كان لم ينف فيها ما ذكره هنا في الكتب المتأخرة، ففرق بين عدم القول، وبين القول، وبين القول بالعدم
(1)
. قلت: إن إعلانه في الإبانة اتباعه للإمام أحمد تأكيداً على رجوعه التام ولله الحمد.
9 -
إن الخلاف الناشئ بين أيهما صنف آخراً الإبانة أم اللمع؟ لأنه لابد لأحدهما أن ينسخ الآخر، بسبب الاختلاف الناشئ بينهما في بعض المسائل، وتبين بعد التحقيق أن الإبانة هو آخر مصنفاته، لأن الواقع يقول: أن ما كتبه في الإبانة لا يمكن أن ينسخه أى كتاب من كتبه؛ لأن جميع كتبه بينها توافق من خلال المنهج والأسلوب ماعدا الإبانة، فكونها أولاً يكذبه التاريخ والواقع، وكونها وسطاً يكذبه العقل والمنطق للمتأمل؛ لأن هذا لا يحدث إلا من:
أ - مضطرب لا يعي ما يقول، وحاشا الإمام الأشعري ذلك.
ب - أو منافق مراوغ ألفه تقية، وهذه فرية زرعها معتزلي وسقاها مستشرق وتبنَّاها متجهمة ومتأخرِّو الأشاعرة وحاشا الأشعري ذلك.
(1)
بيان تلبيس الجهمية 1/ 143.
10 -
إن تسلسل رجوع الإمام الأشعري رحمه الله يُؤَكِّدُ أنه رَجَعَ إلى عقيدة السلف الصالح القائمة على الكتاب والسنة، التي كان عليها الصحابة والتابعون وأئمة أهل السنة والجماعة.
11 -
أنه أَعْلَنَ انتماءه لمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ومما يؤكد ذلك أن الأشعري رحمه الله اعتمد بعد رجوعه على نصوص الكتاب والسنة، وارتفعت مكانتهما عنده. فهو يقول بكل وضوح: (قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة المحدثين، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل ـ نضر الله وجهه، ورفع درجته وأجزل مثوبته، قائلون، ولما خالف قوله مخالفون؛ لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مُقَدَّمٍ وجليل معظم وكبير مفهم
(1)
. إن مجرد إعلان انتماءه للإمام أحمد وبذله غاية الجهد في معرفة الحق دليلٌ كافٍ على أنه رجع لأهل السنة، بل وأعلن ذلك في الإبانة ولم يعلنه باللمع.
(1)
انظر الإبانة ص 201 بتحقيقي.
12 -
لو أن كل إمام وقع منه خطأ في العقيدة أبعد عن أهل السنة ووصف بأنه ضال؛ لأُخرج من أئمة أهل السنة عدداً لا بأس به كالإمام ابن خزيمة عندما نفى صفة الصورة. ولذا قال الإمام الذهبي رحمه الله «ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه، وبدعناه، لقل من يسلم من الأئمة معنا. رحم الله الجميع بمنه وكرمه»
(1)
، فهذه لا تعدو إن وجدت أن تكون أخطاء واجتهاداتٍ يُرجَى لصاحبها الأجر والمغفرة، ويلتمس له العذر قدر المستطاع، أمَّا من كان ديْدنه وغالب أحواله وأقواله المخالفة فهذا لا يُنسبُ لأهل السنة.
13 -
أن وصفنا بأن عنده بقايا وجدت أيضاً في كتاب الإبانة تدل على أنه وقع فيها عامداً متعمداً لمخالفة أهل السنة في هذه المسال ومقتنعاً بأن ما عليه أهل الباطل من جهمية ومعتزلة في هذه المسائل هو الحق، ومع عليه أهل السنة في هذه المسائل باطل، أما لو قلنا بأنه أخطأ في بعض القضايا فهذا يدل على أنه هذا اجتهاده ففرق بين هذا وذاك.
14 ـ هناك عدة جامعات سلفية اعتمدتها وقامت بطباعتها وهي:
أ ـ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وحظيت هذه الطبعة
(1)
انظر: سير أعلام النبلاء 14/ 374 ـ 376 باختصار.
بعناية العلامة الشيخ صالح الفوزان.
ب ـ الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وقد اعتنى بها العلامة حماد الأنصاري رحمه الله وقدم لها الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله ولم يذكرا ملاحظات عليها.
جـ ـ ها هي جامعة أم القرى تتبناها كرسالة علمية يُشرف عليها العلامة عبد الله الغنيمان ـ حفظه الله ـ فكل هذه المؤكدات رَجَّحت لدي القول بأنه رجع رجوعاً تامًّا، وهذا ما أدين الله به وما توفيقي إلا بالله.
15 ـ إن أهم الملاحظات التي ذكرها أصحاب القول الخامس تتعلق بصفة الكلام وعدم قوله بالصفات الفعلية، وقد تم توضيحها ـ ولله الحمد ـ وثبت بأنه من القائلين بالصفات الفعلية، ومن المثبتين لصفة الكلام على الوجه اللائق به عز وجل، بل لو كان الأمر كما قالوا لما قيل: بأن عليه بقايا فقط، بل لقيل: بأن هناك أصولاً للمعتزلة ثبت عليها ولم يتراجع عنها أو ينقضها وهذا ما لم يقله أصحاب القول الخامس بل قاله أصحاب القول الأول، ومن ثم فلم تعد هناك ملاحظات جوهرية يمكن اعتبارها لترجيح القول الخامس، فترجح لدى القول السادس والذي ينص على رجوعه إلى منهج أهل السنة والجماعة ولله الحمد رجوعاً تاماً.
مسألة:
هل كان الإمام الأشعري مكفراً لأهل القبلة؟
من الأمور التي أثارها بعض أهل العلم على الإمام الأشعري رحمه الله القول بأنه يكفر العامة، وهذا الكلام قبل الخوض في تفاصيله لا بد من معرفة قواعد مهمة وهي:
1 ـ أنَّ الإنسان محاسب بما خطه يراعه، أو نقله عنه الثقات من أتباعه، فإذا وجد ثمة تعارض فيما خطه في كتبه مع ما نقل عنه، فإن العدل والإنصاف يقتضي أن نقدم ما كتبه، على ما نقل عنه، خاصة إذا كانت القضية تتعلق بمسائل الاعتقاد.
2 ـ كما أنه من العدل والإنصاف أن يعتبر في الحكم على الإنسان بما ذكره في كتبه المتأخرة، إذا عارضت كتبه المتقدمة، فالمتأخر ناسخ للمتقدم، وهذه مسألة لابد من معرفتها قبل مناقشة ما أثير عن الإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله من أنه رجع عن تكفير أهل القبلة. فهل ما أثير عنه صحيح؟؟ أم لا أصل له؟؟ وبعد التتبع والتأمل، وجدت أن لهذا الكلام أصلاً، ووجدت مصدرين لهذا القول:
المصدر الأول: ما نقله الإمام البيهقي في سننه، وهو كما لا يخفى على باحث متتبع أنه أشعري في المعتقد؛ حيث قال في السنن: (سمعت أبا حازم عمر بن أحمد العبدوي الحافظ يقول: سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري رحمه الله في داري ببغداد دعاني فقال: أشهد علي أنني لا أكفر أحداً من أهل هذه
القبلة؛ لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد وإنما هذا اختلاف العبارات)
(1)
.
المصدر الثاني: ما نقله العز بن عبدالسلام رحمه الله في قواعده وهو أيضاً معروف بأشعريته، حيث قال:(وقد رجع الأشعري رحمه الله عند موته عن تكفير أهل القبلة؛ لأن الجهل بالصفات ليس جهلاً بالموصوفات، وقال: اختلفنا في عبارات، والمشار إليه واحد)
(2)
.
مناقشة القول:
1 -
المتأمل في هذه النقول يجد أنها نقول لا يعتد بها؛ وذلك لوجود الاختلاف في ألفاظها ومعانيها، فنجد مثلاً:
أولاً: فيما نقله البيهقي مسنداً لا تجد في عباراته أنه قال: أتراجع عن التكفير؛ بل أكد منهجه عندما قال: «أشهد علي أنني لا أكفر أحداً من أهل القبلة» ، وهنا لم يبين هل كان يكفر العامة أم الخاصة، العلماء أم المقلدين؟ وإنما بين منهجاً عاماً، وهو أنه لا يكفر أحداً من أهل القبلة.
ثانياً: نجد فيما نقله العز بن عبدالسلام، غير مسندٍ بين أنه رجع عن تكفير أهل القبلة، وهذا النقل لا يعتد به لأمور:
(1)
انظر: السنن الكبرى 1/ 349.
(2)
انظر: القواعد الكبرى الموسوم بقواعد الأحكام في إصلاح الأنام للعز ابن عبدالسلام 1/ 306.
أ- أنه غير مسند حتى تتضح صحة الرواية من عدمها.
ب- مناقض لما ذكره الأشعري في كتبه الأخيرة.
جـ- عدم اتفاقه مع ما نقله الإمام البيهقي في سننه.
2 -
مما لا شك فيه أن الإمام الأشعري رحمه الله كان في بداية حياته معتزلياً، ومن المعروف أن الفكر المعتزلي، كالفكر الخارجي القائم على التكفير لمرتكبي كبائر الذنوب والمعاصي، والإمام الأشعري رحمه الله كان متأثراً بهذا الفكر في طور الاعتزال ومعتنقاً له، ولا يمكن أن يلام على فكر مذهب تخلص منه وتاب عنه.
3 -
عندما انتقل الإمام الأشعري إلى طور موافقة ابن كلاب، تخلص من الفكر المعتزلي، ولم يَظهر عليه في كتبه في تلك الفترة أثرٌ من الفكر المعتزلي في التكفير، بل الذي يظهر خلاف ذلك.
4 -
في طور الأشعري الأخير، وانتمائه للسلف الصالح، واتباعه للإمام أحمد، وتأليفه في هذا الطور كتابه:(الإبانة) أظهر سيره على منهج السلف في البعد عن تكفير العامة، والمذنبين. والعدل والإنصاف يقتضي الحكم عليه فيما سطره في آخر كتبه حتى يتسنى لنا أن نعرف منهجه. والمتتبع لكتابه الإبانة يجد نصوصاً صريحة في بعده عن منهج التكفير في المسائل التي لا تقتضي التكفير، فمثلاً:
1 -
نجده يقول: (وندين بأن لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب
يرتكبه. كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنهم كافرون)
(1)
.
فهنا أعلن صراحة بأن منهجه أن لا يكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ويعلن أنه مخالف لمنهج الخوارج القائم على التكفير، وهذا دليل صريح على بعده عن منهج التكفير غير المنضبط بضوابط الشرع.
2 -
كما نجده في الإبانة يعلن بأن فاعل الكبيرة لا يكفر عنده بمجرد إتيان الكبيرة، وإنما يكفر عنده إذا كان مستحلاً لهذا الفعل؛ حيث قال:(ونقول: إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل: الزنا والسرقة، وما أشبههما مستحلاً لها غير معتقد بتحريمها كان كافراً)
(2)
.
3 -
وأكد الإمام الأشعري في كتابه الإبانة اتباعه لمنهج السلف في الصلاة خلف كل بر وفاجر، حيث قال:(ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد وسائر الصلوات والجماعات خلف كل بر وغيره)
(3)
.
فهذه النقول التي أوردها في كتابه الإبانة تؤكد أن منهجه الذي استقر عليه هو: منهج أهل السنة البعيد كل البعد عن التكفير لمرتكبي الصغائر
(1)
انظر: الإبانة بتحقيقي ص 228.
(2)
انظر: الإبانة بتحقيقي ص 230.
(3)
انظر: الإبانة بتحقيقي ص 251.
والكبائر من الذنوب والمعاصي غير المخرجة من الملة، وهذا المنهج لم يلتزم به في مرض موته فقط، وإنما التزم به في آخر حياته.
والخلاصة: إنَّ الإمام الأشعري ألف كتاب الإبانة في الأربع سنوات الأخيرة من عمره، ولا يُعلم هل هو في آخر سنة من حياته؟ أم قبلها بثلاث سنوات؟ وهو يعبر بوضوح عن منهجه السلفي الوسطي المعتدل والله أعلم.
الفصل الرابع
مؤلفاته
و فيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: المصنفات التي وصلت إلينا وبعضها مطبوع الآن.
المبحث الثاني: النُسخ المخطوطة.
المبحث الثالث: المؤلفات التي لم تصل إلينا ونسبها بعض الباحثين للإمام الأشعري.
المبحث الرابع: الكتب التي ألفها من عشرين وثلاثمائة إلى وفاته أربع وعشرين وثلاثمائة.
الفصل الرابع
مؤلفاته
لاشك أن الأشعري نال هذه المنزلة وهذه الرفعة من خلال ما تركه من آثار ومصنفات، وقد اختلف الباحثون في عددها. فهناك من أوصلها إلى خمس مؤلفات ومنهم من أوصلها إلى ثمانين وثلاثمائة مصنف. ومنهم مَنْ توسط في ذلك، فلم يبالغ في الزيادة أو في النقصان. وسوف أورد ما أجمل ثم أفصل، فمثلاً: ابن النديم وهو صاحب أقدم كتاب ترجم للأشعري، أثبت خمسة كتب وهي كتاب اللمع، وكتاب الموجز، وكتاب إيضاح البرهان. وكتاب التبيين عن أصول الدين، وكتاب الشرح والتفصيل في الرد على أهل الإفك والتضليل
(1)
. وقد جعل صاحب نشأة الأشاعرة؛ أن هذا دليل واضح على الحقد الذي ملأ قلب ابن النديم على الأشعري وذلك يعود إلى كونه معتزلياً شيعياً، وإلا فكيف يجعل غزيرُ الإنتاج، عميق البحث، ذو الأفق الواسع، لا تتعدى مؤلفاته خمس مؤلفات؟
(2)
وأما ابن عساكر فقد أوصلها إلى - أكثر من ثلاثمائة مصنف
(3)
وابن تيمية أوصلها إلى 380
(4)
. وكتاب
(1)
انظر الفهرست ص 225.
(2)
انظر نشأة الأشاعرة ص 189.
(3)
انظر التبيين ص 136.
(4)
انظر بيان التلبيس 1/ 145.
ابن عساكر أوسع المصادر التي ذكرت مصنفات الأشعري؛ حيث ذكر فيها أسماء ثمانية وتسعين مصنفاً، مع نبذة مختصرة عن بعضها. وقد قسمها إلى قسمين:
القسم الأول: يضم ما صنفه إلى سنة 320 هـ، وقد ذكر فيها: - اثنين وسبعين مصنفاً.
القسم الثاني: مصنفاته من سنة 320 هـ إلى وفاته، وذكر فيها ثلاثة وعشرين مصنفاً. كما ذكر ابن عساكر أن ابن حزم
(1)
ذكر أن لأبي الحسن خمسة وخمسين تصنيفاً
(2)
وعلق ابن عساكر على هذا بقوله: «وقد ترك ابن حزم من عدد مصنفاته أكثر من مقدار النصف»
(3)
. وقد التمس السبكي العذر لابن حزم بقوله: إن ابن حزم ذكر مقدار ما وقف عليه في بلاد
(1)
هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، ولد بقرطبة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، قال عنه ابن كثير: - هو الإمام الحافظ العلامة، مصنف الكتب المفيدة، التي قيل: أنها بلغت أربعمائة مجلدة أي: قريباً من ثمانين ألف ورقة، وكان أديباً طبيباً شاعراً اهـ. وقال عنه الذهبي: الإمام الأوحد، البحر سمع من عدد من الأعلام، منهم يحيى بن مسعود، وحدث عنه عدد منهم أبو عبد الله الحميدي، ثم ذكر ما خطه أبو بكر بن العربي عليه، ثم قال: ولابن حزم مصنفات، وذكر منها: المحلى، وكتاب حجة الوداع، توفي رحمه الله سنة ست وخمسين وأربعمائة. انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 184، والبداية 15/ 795.
(2)
انظر: التبيين ص 98، وطبقات السبكي 3/ 359.
(3)
انظر: التبيين ص 92.
الغرب.
(1)
وهذه الروايات المختلفة تدل على غزارة الإنتاج عند الأشعري. ولا يستطيع أحد من خلالها أن يحدد مقدارها بالدقة خاصة وأنه لم يصل إلينا إلا عددٌ قليلٌ منها. وسوف يتم التطرُق إلى ذكر المؤلفات التي كتبها، ووصلت إلينا معلومات عنها، وسوف يقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث:
(1)
انظر: طبقات السبكي 3/ 359، ولعله يقصد ببلاد الغرب الأندلس.
المبحث الأول
المصنفات التي وصلت إلينا وبعضها مطبوع الآن
وهي:
أولاً: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين:
يعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب التي ألفها الأشعري، واشتهرت عنه، ولم يعرف أن هناك من أنكره ولكن الملاحظ أن عنوان الكتاب عند من أثبتوه هو مقالات المسلمين
(1)
، وقد أثنى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذا الكتاب فقال: وكتاب مقالات الإسلاميين للأشعري؛ وهو أجمع كتابٍ رأيته في هذا الفن
(2)
في حين أنه في الكتب
(1)
انظر التبيين ص 131.
(2)
انظر كتاب النبوات 2/ 631، وانظر التسعينية 3/ 1031، والمنهاج 5/ 279 و 6/ 303 والفتاوى 6/ 308 والرد على البكري 377 والاستقامة 1/ 77 والصفدية 1/ 246. بل ونقل منه في العديد من كتبه ومن ذلك في بيان التلبيس 1/ 84 - 88، 244 - 225 وفي 2/ 163 - 165، 528 - 559 وفي 3/ 290 - 355، 377، 760، 765 وفي 4/ 403 وفي 5/ 327 - 364 - 507 وفي 7/ 147 - 184 - 591 وفي 8/ 188 وفي الدرء 1/ 93، 261 وفي 2/ 25، 174، 289، 322، 331، 333، 357 وفي 6/ 304 وفي 7/ 246، 276.
وفي الفتاوى 3/ 171، 225 وفي 4/ 174 وفي 5/ 144، 152، 185، 187 وفي 6/ 527 وفي 7/ 543، 550 وفي 12/ 363 وفي 13/ 174.
وفي المنهاج: 2/ 217، 220، 234، 242، 248، 299، 301، 303، 316، 394، 508، 512، 515، 617، 618، 622 وفي 3/ 8، 460، 464، 466، 470 وفي 5/ 243، 277 وفي 6/ 303 وفي 7/ 366 وفي 8/ 9.
وفي حديث النزول 181/ 261 وفي المحمودية 491 وفي الصفدية 1/ 246، 2/ 58 وفي الاستقامة 1/ 77 وفي الرد على البكري 377 وفي التسعينية 1/ 261، 268، 313، 345 وفي 2/ 377، 380، 381، 383، 428، 468، 683، 684 وفي 3/ 872، 1031 وفي النبوات 2/ 631. وهذه دلالة أكيدة على مكانة الكتاب عنده وأهميته.
المطبوعة بعنوان مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، ولذا ينبغي أن يسمى الكتاب باسمه الذي جاء على عنوان المخطوطات
(1)
. وقد نشر الكتاب لأول مرة في استنبول
(2)
سنة 1929 م ضمن مجموعة النشريات الإسلامية، برقم 12 في مجلدين يحتويان على النص، ومجلد فهارس، وقد استند في نشرته إلى خمس مخطوطات أهمها:
أ ـ أيا صوفيا برقم 2363/ 6.
ب ـ حيدر أباد برقم 2920.
ومن هذه الطبعة النقدية الممتازة أعيد طبعه في القاهرة في جزأين سنة 1950 م دون فهارس ولا ذكر للفروق بين النسخ، مع مزيد من الأخطاء
(1)
انظر مذاهب الإسلاميين 527 - 528.
(2)
استنبول: وهي التي كانت تعرف بالقسطنطينية، أما اسم استنبول فهو مسماها البيزنطي، مع ملاحظة أن المسعودي ذكر أن الروم في أيامه كانوا يسمون عاصمتهم (بولين)، ومعناها: المدينة، وإذا أرادوا أنها دار الملك لعظمها قالوا: استنبول ولا يدعونها القسطنطينية، وإنما العرب تعبر عنها بذلك. انظر بلدان الخلافة الشرقية ص 170. قلت: وهي المدينة الثانية من مدن جمهورية تركيا وجزء منها في آسيا والجزء الاخر في أوربا.
والتحريفات، ومع حواش لا قيمة لها؛ بل هي مجرد لغو وحشو
(1)
. وقد أثنى الدكتور: المحمود على هذه الحواشي فقال: إنها حواشٍ جيدة
(2)
. ثم أعيد طبعه في سنة 1411 هـ ـ 1991 م. أما آخر طبعاته فهي طبعة المكتبة العصرية في بيروت عبارة عن جزأين في مجلد واحد، صدر في عام 1426 هـ. وقد بين المحقق أنه قام بضبط النص من خلال العودة إلى الأصول التي استقى منها المؤلف، والكتاب يدل عنوانه على موضوعه حيث تناول الفرق الإسلامية الرئيسة، وينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: يتعرض من خلاله المصنف إلى التعريف بأهم الفرق، فهو يعرف بالشيعة، وفرقها، وبالخوارج، وفرقها، والمعتزلة والمرجئة
(3)
،
(1)
انظر مذاهب الإسلاميين ص 523.
(2)
موقف شيخ الإسلام 1/ 346.
(3)
الإرجاء مشتق من الرجاء، لأن المرجئة يرجون لأصحاب المعاصي الثواب من الله تعالى فيقولون، لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، أو يكون مشتقاً من الإرجاء وهو التأخير، لأنهم أخروا حكم أصحاب الكبائر إلى الآخرة، وأول من قال بالإرجاء أبو محمد الحسن بن محمد المعروف بابن الحنفية، ثم انقسمت إلى طوائف وفرق. ذكر أبو محمد اليماني: - بأنها ثماني عشرة فرقة هي الجهمية والكرامية والمريسية والكلابية، والفيلانية، والنجارية، والإلهامية، والمقاتلية، واليونسية، والجعدية، والشبيهية، والصالحية، والثوبانية، والحشوية، والمهاجرية، واللقطية، والسفطائية، والشمرية. وقد اجتمعت هذه الفرق على أنه لا يدخل النار إلا كافر كما أجمعوا على أن الإيمان لا يكون قولاً باللسان ومعرفة بالقلب وعملاً بالجوارح. بل جعلت الجهمية، أن الإيمان هو المعرفة بالله ورسوله ولهذه الفرقة الضالة مصائب وطوام. انظر في تعريفها عقائد الثلاث والسبعين فرقة 1/ 271، ومقالات الإسلاميين 1/ 114. والملل والنحل 1/ 111.
وفرقها، وأصحاب الحديث، وأهل السنة، إلى غير ذلك من الفرق.
أما القسم الثاني: فيتناول مسائل في دقيق الكلام وآراء مختلف الفرق فيها، وخاصة المعتزلة، وبالجملة: فإن الكتاب ينم عن معرفة الأشعري الواسعة بمذاهب أهل الكلام، وخاصة المعتزلة، ولذلك فصل أقوالهم ومذاهبهم وفروق أقوالهم الدقيقة، وهناك سمات وملاحظات عامة على الكتاب من أهمها:
1 -
التكرار: فالأشعري كثيراً ما يكرر الأقوال، وخاصة حينما يتكلم عن الطوائف وأقوالها، ثم يعيد الكلام عن بعض الموضوعات وأقوال الطوائف فيها. لذلك قال هلموت ريتر
(1)
ـ أحد ناشري الكتاب ـ في مقدمته لنشرته: إن المؤلف ألف كتابه: - بعضه بحسب ترتيب الفرق الدينية، وبعضه بحسب ترتيب المسائل. وزاد في التقسيمات والتفريعات. وقسم كتابه إلى قسمين:
الأول: في المسائل الكبرى في علم الكلام (الجليل).
(1)
هليموت ريتر، ولد سنة 1892 م، وهومن أعلام المستشرقين الذين عنوا بالدراسات الإسلامية، وأشرف على معهد الآثار الألماني في استانبول طوال ثلاثين سنة، وأنشأ له المكتبة الإسلامية لغرض تحقيق النصوص الإسلامية اختير عميداً لكلية الآداب في فرانكفورت، من أوائل من حقق مقالات الإسلاميين، وحقق مختلف الحديث لابن قتيبة وعشرات الكتب، توفي سنة 1971 م. انظر: المستشرقون 2/ 460.
والثاني: في المسائل الدقيقة في علم الكلام (الدقيق)، ويذكر تفصيلاً في القسم الثاني ما سبق أن أجمله في القسم الأول؛ لهذا اضطر إلى التكرار، وذكر الشيء نفسه في مواضع متعددة. وهذا يعد عيباً في التأليف
(1)
. وذكر الدكتور بدوي، أن رتر استند في تأييده إلى ما ذكره الحسن العسكري
(2)
ـ وهو أحد المخلصين للأشعري ـ عندما قال عن الأشعري: «ولم يكن من أهل التصنيف، وكان إذا أخذ القلم يكتب ربما ينقطع ويأتي بكلام غير مرض»
(3)
. فقال رتر: هذا ما لاحظه حتى تلاميذ الأشعري الأقدمين، أن شيخهم غير متقن للتصنيف، وإن حاول ابن عساكر في دفاعه الشامل عن الأشعري دون تمييز أن يضع مبرراً للأشعري عندما قال:«إن هذا كان حاله في الابتداء، أما بعد أن من الله عليه في الهداية فتصانيفه مستحسنة، مهذبة، وتواليفه وعباراته مستجادة مستصوبة»
(4)
. وقد أيد عبد الرحمن بدوي حكم الحسن العسكري وحكم رتر، وقال: إنه صائب تماماً. إذ يلاحظ في هذا الكتاب «مقالات الإسلاميين» كثرة التفريع ـ أحياناً ـ بدون موجب، وكثرة التكرار للرأي الواحد في مواضع متعددة، وعدم
(1)
انظر مقدمة الناشر ص 12 - 13 نقلاً عن مذاهب الإسلاميين ص 524 - 525.
(2)
هو كما ذكر ابن عساكر: أبو محمد الحسن بن محمد العسكري بالأهواز، وكانن من المخلصين في مذهبه ـ أي الأشعري ـ المتقدمين في نصرته. انظر: التبيين 91، وهذا غاية ما وجدت.
(3)
انظر التبيين ص 91.
(4)
انظر التبيين ص 91 - 92، وانظر كلام رتر في مذاهب الإسلاميين ص 525.
الفصل بين مذاهب الفرق بوضوح
(1)
. بل أدى هذا التكرار إلى أن يطرح البعض تساؤلاً: هل هذا الكتاب بنصه الحالي كتاب واحد أم ثلاثة كتب؟ لأن هذا النص حدث فيه تملص وتحول في مواضعه بعضها إلى بعض. ولذا فإن القول بأن هذا الكتاب، هو في الحقيقة نص لثلاثة كتب مختلفة، متباينة، هي المقالات وكتاب في دقيق الكلام، وكتاب في الأسماء والصفات
(2)
. وقد انتقد بدوي هذا القول بشدة فقال: «ولا أدل على سخف هذا الرأي من أنه كان يكفي صاحبه أن يرجع إلى أسماء مؤلفات الأشعري في الإثبات كلها، ليرى أنه لا يوجد له كتب بهذه العناوين الثلاثة، وإنما يوجد فقط اسم «مقالات المسلمين»
(3)
. فمن أين له ـ إذن ـ أن يزعم هذا الزعم الغريب؟! وهذه حجة فيلولوجيه لا سبيل إلى دحضها، ولا معنى للدفاع عن مقدرة الأشعري على إحكام التأليف بانتحال هذا الافتراض الذي لا يقوم على أي أساس. ثم من قال إن الأشعري كان محكم التأليف مرتب التنظيم بحيث لا نفترض في تأليفه تكراراً أو اضطراباً؟! خصوصاً وهو يتناول موضوعاً متشعباً كل التشعب وهو اختلاف المسلمين في مسائل الكلام
(4)
. أما ما استند إليه صاحب
(1)
انظر مذاهب الإسلاميين ص 525.
(2)
انظر مذاهب الإسلاميين ص 525، 526.
(3)
انظر التبيين ص 131 وطبقات السبكي 3/ 361.
(4)
مذاهب الإسلاميين ص 526.
هذا القول من أن كون مؤلفات الأشعري الأخرى كالإبانة واللمع، ليس فيها مظهر الاضطراب المتجلي في كتاب مقالات الإسلاميين فغير صحيح؛ لأمور منها:
أ ـ إن في الإبانة واللمع تكراراً، فهما غير خاليان من التكرار؛ بل يوجد فيهما تكرار.
ب ـ إن موضوع الإبانة، وموضوع اللمع لا يحتملان التكرار الكثير؛ لأنه يعرض فيهما مذهبه، وهذا لا يمكنه من التكرار. بعكس عرض آراء الفرق التي تحتاج إلى تكرار
(1)
. وقد أكد الدكتور: المحمود على مسألة التكرار حيث قال: «ويلاحظ على هذا الكتاب التكرار» ؛ فكثيراً ما يكرر الأقوال، وخاصة حين يتكلم عن الطوائف وأقوالها ثم يعيد الكلام عن بعض الموضوعات وأقوال الطوائف فيها
(2)
. قلت: والتكرر عيب في حالات ومزية في حالات، والتكرار الذي عند الأشعري في المقالات أمر طبيعي، لأن أقوال الفرق تتوافق مما يلزمه بإعادة ذكرها، خاصة إذا كانت فرقاً من طائفة واحدة. أما من ادعى أنه غير مُحسن للتصنيف فهذه بينها وبين الحق خرط القتاد
(3)
فتصانيفه ماتعة وحججه داحضة، وهو كغيره
(1)
انظر مذاهب الإسلاميين ص 525، 526 باختصار وتصرف.
(2)
انظر موقف ابن تيمية 1/ 345.
(3)
الخرط هو: قشرك الورق عن الشجرة اجتذاباً بكفك، والقَتَاد: شجر له شوك أمثال الإبر .. وهذا مثل يضرب للأمر دونه مانع. انظر: المنتقى من أمثال العرب ص 72.
من البشر لا يبلغ الكمال.
3 -
أن الكتاب يعتبر من أهم المراجع لأقوال المعتزلة، بل وفيه أقوال عدة لشيخ أبي الحسن في مرحلة الاعتزال أبي علي الجبائي، الذي لم يصل إلينا من مؤلفاته شيء ولكن في هذا الكتاب عدة أقوال له. مما يجعله المصدر الرئيس لأقوال الجُبائي.
4 -
في هذا الكتاب ذكر لأقوال علماء السلف، الذين يسميهم الأشعري مرة بأهل الحديث ومرة بأهل السنة بإجمال. وقد يعود هذا إلى كونه غير خبير بتفاصيل أقوالهم؛ مثال ذلك: أنه ذكر عنهم أنهم يقولون: «إن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله» وهذا ليس من مذهب أهل السنة
(1)
.
ثانياً: رسالته إلى أهل الثغر.
لم يذكر الأشعري رحمه الله عنواناً معيناً لهذا الكتاب وسبب ذلك يعود لأن هذا الكتاب عبارة عن أجوبة موجهة إلى أهل الثغر
(2)
، ولذا، اختلفت التسميات فيما بعد، كل على حسب فهمه، ومن الأمثلة على ذلك.
أ ـ ابن عساكر أسماها جواب ومسائل، كتب بها إلى أهل الثغر في
(1)
انظر موقف ابن تيمية 1/ 345 - 346.
(2)
انظر التبيين ص 136.
تبيين ما سألوه عنه من مذاهب أهل الحق
(1)
.
ب ـ شيخ الإسلام ابن تيمية أسماها: رسالة إلى أهل الثغر
(2)
.
جـ ـ وقد استشهد بها ابن القيم في نونيته.
وكذا علي الأشعري فإنه
…
في كتبه قد جاء بالتبيان
من موجز وإبانة ومقالة
…
ورسائل للثغر ذات بيان
(3)
وهذه الرسالة قد أثبتها عدد من الأعلام وأول من قام بنشرها، مجموعة كلية الإلهيات 7/ 154 وما يتلوها و 8/ 50 وما يتلوها سنة 1928 كما ذكر ذلك بدوي
(4)
. ورسالته إلى أهل الثغر هي من الكتب
(1)
انظر درء تعارض العقل والنقل 7/ 186. والنبوات 10/ 260، 295 وحديث النزول 418. والفتاوى 5/ 290 و 6/ 268، 456 وبيان التلبيس 2/ 138.
(2)
والثغر المسمى بباب الأبواب، ويقال له الباب، وهي مدينة على بحر طبرستان. وهي محكمة البناء بنائها أنوشروان، وهي إحدى الثغور الجليلة، العظيمة، وقد أطال ياقوت في وصفها وذكر قصة بنائها انظر معجم البلدان 1/ 242. وقال بدوي بأن باب الأبواب ممر وحصن في الطرف الشرقي من القوقاز، في دربند الفارسية، وسمي في هذا العصر الحديث باسم باب الحديد، والباب الحديدي: - دربند والأبواب، هي مخارج الأودية في شرق القوقاز، وهي أجل موانئ بحر قزوين وتصنع في دربند ثياب الكتان التي تجلب لسائر بلاد العالم، كما تميزت أراضيها بوفرة الزعفران. انظر: بلدان الخلافة 215 ـ 215 ز، مذاهب الإسلاميين 521.
(3)
انظر نونية ابن القيم ص 69، 70.
(4)
انظر مذاهب الإسلاميين ص 521.
التي لها نسخ خطية. وحققت رسالة علمية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1407 هـ للدكتور عبد الله شاكر الجنيدي، وقد شكك بعض الباحثين في صحة نسب هذا الكتاب للأشعري؛ لوجود بعض العلل منها:
1 -
إنه ورد في نسختها عبارة تاريخ 267.
2 -
عدم تطرقه فيها لآراء المعتزلة.
3 -
التحفظ في تقرير الموقف للقول بإن القرآن قديم وغير مخلوق
(1)
.
وقد ردت الدكتورة فوقية حسين هذا الاعتراض بقولها:
1 -
إن الأشعري قد تناول مسألة خلق القرآن في هذه الرسالة عندما قال: إن الله لم يزل موجوداً، حياً، قادراً عالماً مريداً، متكلماً، سميعاً، بصيراً
(2)
(3)
. ثم قالت فوقية: «فأنا أرى أن الأشعري قد أثبت أن كلام الله قديمٌ بلا تحفظ، وأن كل ما هنالك أنه تناول المسائل في هذه الرسالة بأسلوب يبعد عن عنف الحِجَاجْ الذي لا يلجأ إليه إلا إذا كان يواجه
(1)
انظر مذاهب الإسلاميين 522، 523.
(2)
انظر رسالته إلى أهل الثغر ص 213 وص 217.
(3)
انظر رسالة إلى أهل الثغر ص 214، 215.
خصوماً، وهو في هذه الرسالة لا يواجه خصماً وإنما يرد على استفسار لجماعة من المؤمنين بجهة من جهات العالم الإسلامي المترامي الأطراف»
(1)
.
قلت: ولاشك أن الأشعري، قد قرر هنا أن القرآن كلام الله غير مخلوق، كما رد محقق رسالة أهل الثغر على هذا بقوله:«إن الأشعري قد قرر في هذه الرسالة أن القرآن كلام الله غير مخلوق» ، ويظهر ذلك في قول الأشعري في الإجماع السادس «وأجمعوا على أن أمره عز وجل وقوله غير محدث ولا مخلوق، وقد دل الله على صحة ذلك بقوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}. [الأعراف آية 54]. ففرق الله بين خلقه وأمره، وقال تعال: - {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: الآية 82]» . إلى غير ذلك مما ذكره الأشعري في هذه الرسالة مستدلاً به على أن القرآن كلام الله غير مخلوق
(2)
.
قلت: وأمَّا أنه يقول بأن كلام الله قديم فليس واضحاً ولا صريحاً أمَّا في الإبانة فلا شك أنه قد نفى الكلام القديم ببيانه أن موسى عليه السلام كلم ربه عز وجل وذكر بأن التكليم هو بالمشافهة، وهذا
(1)
انظر الإبانة ص 71 بتحقيق فوقية.
(2)
انظر رسالة إلى أهل الثغر ص 107 انظر نص الكلام في نفس الرسالة ص 221، 222، 223.
نقض للكلام النفسي والقديم، ولله الحمد والمنة.
2 ـ عدم تطرقه لآراء المعتزلة:
قالت فوقية: إن عدم ورود إشارة عن المعتزلة؛ فلأنه في هذه الرسالة لم يتعرض للمعتزلة. فلماذا يجب أن يزج بهم حيث لا حاجة إليهم؟! فإن الأشعري في هذه الرسالة في معرض الحديث عما يلائم ظروف أهل باب الأبواب الفكرية، فهم يواجهون فئات أخرى غير المعتزلة. إنهم أولاً وقبل كل شيء في حاجة إلى شرح تقريري لأصول السلف، وهو ما فعله الأشعري في هذه الرسالة إليهم
(1)
. وقد أيد محقق رسالة إلى أهل الثغر ما ذهبت إليه فوقية، وزاد على ذلك بقوله:«هذه الرسالة ـ أيضاً ـ رد فيها على المعتزلة؛ عندما أثبت عقيدة السلف. وقد دخل معهم في مناقشات ـ أيضاً ـ كما في الاجماعين: الثالث والخامس من هذه الرسالة»
(2)
.
قلت: وليس شرطاً أن يتطرق العالم لجميع الفرق في جميع رسائله، فإذا كان الأشعري تخصص في بيان مثالب المعتزلة فليس لزاماً عليه أن يذكرهم في كل ما يكتبه، والتشكيك بعدم صحة نسبة الكتاب إليه بناءً على هذا التعليل غير مقبول البتة.
(1)
انظر الإبانة ص 71 بتحقيق فوقية.
(2)
انظر رسالة إلى أهل الثغر ص 106، 107 وانظر الإجماع الثالث ص 213 والإجماع الخامس ص 216.
3 -
ومن الأمور التي شككت في صحة نسبة هذه الرسالة هو ورود تاريخ 267، عندما قال الأشعري في الرسالة:«ووقفت ـ أيدكم الله ـ على ما ذكرتموه من إحمادكم جوابي عن المسائل التي كنتم أنفذتموها إلي في العام الماضي، وهو سنة سبع وستين ومائتين»
(1)
. وقد ذكر بدوي أن أحد الباحثين فسر التاريخ المذكور بأنه ربما ورد محرفاً، وصوابه مائتين وسبع وتسعين
(2)
.
قلت: ولاشك أن هذا التاريخ خطأ يقيناً، فإما أن يكون تصحيفاً من أحد النساخ، والصواب مائتين وسبع وتسعين، أو أنه من وضع أحد النُساخ من خصومه، من أجل التشكيك في نسبة الكتاب لأنه لا يعقل أن يكون الأشعري قد ألفه وهو لم يبلغ السابعة من عمره؟! خاصة وأنه حتى عمر الأربعين كان معتزلياً. وذلك لأنَّ هذا الكتاب مخالف لما عليه أهل الاعتزال. والذي يترجح ـ عندي ـ أن العبارة مقحمة، والأقرب أنها من أحد النُسَّاخ ومتعمدة؛ لأن الأشعري ليس من منهجه ذكر التواريخ، والعبارة لمن تأملها واضحة الإقحام؛ لأن من كتبها يريد إبراز عام سبع وستين ومائتين
(3)
، والتكلف يظهر في قوله: «إنني وقفت على إحمادكم جوابي، في المسائل التي كنتم أنفذتموها إلي في العام الماضي، وهو سنة سبع وستين ومائتين، فلو
(1)
انظر رسالة إلى أهل الثغر ص 131.
(2)
انظر مذاهب الإسلاميين ص 523 وانظر موقف شيخ الإسلام 1/ 347.
(3)
انظر رسالته لأهل الثغر ص 131.
كانت من قوله رحمه الله لكان كاف أن يقول في العام الماضي، فلفظه العام الماضي ثم إظهار تاريخ العام الماضي الذي يظهر أنه قد ألفها وهو في السابقة من عُمره كاف لرد هذه العبارة. وإن كنت لا أميل ـ غالباً ـ إلى التشكيك في الكتب، وإظهار أن فيها دساً؛ لأن في هذا فتح باب شر، وجعل الهوى حاكماً في مثل هذه القضايا، ولكن في هذه المسألة، والتي يرفض العقل قبول أن تؤلف ولم يتجاوز عمر مؤلفها سبع سنوات، متوجه لردها أو على الأقل قبول التعليل بأنها مصحفة.
موضوع الكتاب:
يعتبر هذا الكتاب ذو قيمة علمية عالية لمكانة مؤلفه ولأن فيه جمعاً لعقيدة السلف في الجملة؛ حيث عرض ما أجمع عليه السلف في مسائل العقيدة المختلفة، كالصفات والرؤية، والقدر، والنبوة، والإيمان، وعذاب القبر والصراط، والشفاعة، ومكانة الصحابة
…
الخ. وقد لاحظ المحقق أن المؤلف في هذه الرسالة عنده ميول إلى النزعة الكلامية التي ورثها من المعتزلة، كذلك استخدامه لبعض الألفاظ التي لم يستعملها السلف لا إثباتاً ولا نفياً، كنفي لفظة الجسم
(1)
. كما لم يكن المؤلف صريحاً في بعض المواقف، كحديثه عن صفة الرضا والغضب
(2)
.
(1)
انظر ص 218 في الرسالة إلى أهل الثغر عندما قال رحمه الله إنه عز وجل ليس بجسم.
(2)
انظر رسالة أهل الثغر ص 111.
ثالثاً: - اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع:
هذا الكتاب لم يشك أحد في نسبته إلى أبي الحسن الأشعري. وقد أثبته ابن عساكر في (التبيين)، حيث نقل عن ابن فورك الذي ذكر مؤلفات الأشعري كما أوردها في كتابه (العُمَد في الرؤيا) حيث وصف الأشعري كتابه اللمع بقوله:«وألفنا كتاباً لطيفاً، سميناه كتاب «اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع»
(1)
كما أثبته شيخ الإسلام ابن تيمية
(2)
. وهذا الكتاب نشر لأول مرة، عن طريق الأب ريتشارد يوسف مكارثي اليسوعي
(3)
، في بيروت سنة 1953 م. ثم أعاد نشره الدكتور حموده زكي غرابه، في القاهرة سنة 1955 م. وقد دُرس منهج الأشعري وآراءه الكلامية في هذا الكتاب، في جامعة آل البيت في الأردن عن طريق الباحث: إبراهيم محمد خالد عبدالفتاح برقان في عام 1997 م.
(1)
انظر التبيين ص 130.
(2)
انظر الدرء 7/ 305، 8/ 70 والنبوات 1/ 260 والفتاوى 16/ 268، 456، 470.
(3)
هو يوسف مكارثي اليسوعي، ولد في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1913 م، تخرج من كلية الصليب المقدس، ثم نال الدكتوراه في الفلسفة، انضم إلى الرهبنة سنة 1933 م، اهتم بالدراسات الإسلامية، وحقق كتاب اللمع وترجمه للغة الإنجليزية ووضع في ذيله مؤلفات الأشعري، كذلك صنع في رسالة استحسان الخوض في علم الكلام للأشعري، والتمهيد للباقلاني. انظر: المستشرقون 3/ 309.
قيمة الكتاب العلمية:
للكتاب قيمة علمية كبيرة لأمور منها:
1 -
قيمة مؤلفه العلمية حيث يُعَدُّ من أعلام العقيدة وعلم الكلام.
2 -
إن بعض أهل العلم قاموا بشرحه كالباقلاني
(1)
.
3 -
إن هذا الكتاب يعد من أهم المصادر للوقوف على أهم آراء الأشعري الكلامية من خلال ردوده على الخصوم ودحضه لاستدلالاتهم.
4 -
إن فيه الكثير من القضايا الكلامية التي رد فيها على المعتزلة.
موضوع الكتاب.
قسم الأشعري كتابه هذا إلى مقدمة وعشرة أبواب وناقش في الأبواب المسائل الآتية: الله وصفاته، الكلام في القرآن، الكلام في الإرادة، وأنها تعم سائر المحدثات، الكلام في الرؤية، الكلام في القدر، والكلام في الاستطاعة، والكلام في التعديل والتجوير، الكلام في الإيمان، الكلام في الخاص والعام، والوعد والوعيد، والكلام في الإمامة
(2)
.
(1)
ذكر ذلك أبو علي السكوني في كتابه عيون المناظرات ص 380.
(2)
انظر للمزيد مذاهب الإسلاميين ص 528، 533 والإمام أبو الحسن وآراءه الكلامية في اللمع ص 41 - 58 وموقف ابن تيمية 1/ 346، وتحقيق الإبانة لفوقية 45، 46.
رابعاً: رسالة استحسان الخوض في علم الكلام
هذه الرسالة من الرسائل التي لا يمكن الجزم بأنها من مؤلفات الأشعري، ولم يذكرها ابن فورك في مؤلفات الأشعري، كذلك لم يذكرها ابن عساكر في استدراكه على ابن فورك. وهذه الرسالة طبعت لأول مرة في الهند في حيدرآباد سنة 1323 هـ، ثم أعيدت طباعتها سنة 1344 هـ، ثم أعاد طباعتها مكارثي في بيروت سنة 1953 م، وهذه الرسالة ليست لها أية مخطوطات. وإن كانت فوقية تميل إلى أن كتاب (رسالة في الرد على من ظن أن الاشتغال بالكلام بدعة) هي رسالة استحسان الخوض في علم الكلام
(1)
. وهذا أمر غير بعيد لتطابق الأسماء، كما أنَّ من غير المستبعد أن يكون تغيير عنوان الكتاب قد حصل من أحد النساخ. وأما التشكيك في صحة نسبتها إلى الأشعري فيرجع إلى ما يلي:
1 -
أنها خلت من قائمة ابن فورك وما استدركه عليه ابن عساكر. وهما من أحرص الناس على معرفة كتب الإمام أبي الحسن، كما لم يذكرها ابن النديم من قبلهم. وإن كان ابن النديم لم يقصد سرد مؤلفات الإمام الأشعري، بل ذكر خمسة كتب على سبيل المثال لا الحصر، فلا يمكن الاحتجاج بقوله.
2 -
انعدام أيَّة مخطوطات عنها.
(1)
انظر الإبانة بتحقيق فوقية ص 72.
3 -
شكك مكارثي في صحة نسبتها؛ حيث يميل إلى أنها من تأليف أحد متأخري الأشاعرة.
4 -
ذكر بدوي أن أسلوبها يختلف عن أسلوب الأشعري في سائر كتبه.
5 -
يميل بدوي أيضاً لتأكيد صحة مقولة: إن مشكلة الخوض في علم الكلام أو الإمساك عنه مشكلة متأخرة عن عصر الأشعري، ولم يكن ثمة أمر يدعو للخوض فيه.
6 -
وقد ذكرت فوقية حسين، أنها قامت بتحقيق الرسالة لإثبات عدم صحة نسبتها إلى الأشعري تحت عنوان (كتب منسوبة للأشعري)، وذكرت أنه مازال تحت الطبع
(1)
. أما الدكتور: عبد الرحمن المحمود فله رأي آخر؛ حيث يميل إلى صحة نسبتها؛ حيث قال: «إن الرسالة مروية بالإسناد، ولها نسخ خطية، كما أن هناك تشابهاً في بعض العبارات مع اللمع الثابت نسبته إلى الأشعري. ولعلها هي المقصودة برسالة الحث على البحث التي ذكرها ابن عساكر، ولا يمنع أن تكون من مؤلفات الأشعري الأولى»
(2)
. والذي يترجح صحة نسبتها؛ لأن الخلاف ـ هنا ـ بين من نفاها وبين ما أثبتها قائماً
(1)
انظر للمزيد من الفائدة مذاهب الإسلاميين 518 - 521 وتحقيق الإبانة لفوقيه ص 72 - 74.
(2)
انظر مواقف ابن تيمية من الأشاعرة 1/ 356.
في الأصل على عدم وجود مخطوط وطالما أن الدكتور المحمود قد أثبت وجود مخطوط، فقد زال الإشكال، ودل هذا على صحة نسبتها خاصة، وأن الخلاف ليس حول موضوع التأويل والإثبات حتى يظن بأنَّ من أثبتها قد أثبتها لنصرة مذهبه، بل من أثبتها لا يحبذ الاشتغال بعلم الكلام فيتوجه القبول بصحة نسبتها؛ لأنه يرى أن اختلاف الاسم واتفاق المضمون بينها وبين رسالة الحث على البحث موجود، والتحريف وقع في الاسم فقط، ورسالة الحث على البحث أثبتها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نقلاً عن الحافظ ابن عساكر رحمه الله
(1)
.
خامساً: الإبانة: وسيأتي لها تفصيل خاص.
سادساً: رسالة في الإيمان: - تعد هذه الرسالة من الرسائل التي استدركها ابن عساكر على ابن فورك، حيث قال: «وقد وقع لي أشياء لم يذكرها في تسمية تواليفه، منها: رسالة في الإيمان
(2)
، ولها مخطوط في مكتبة الجامعة الأردنية بعنوان مسألة الإيمان وتحت رقم 3854 ورقة 50 - 52، وهذه الرسالة ذكر حمودة بأنها محققة، ولم يجدها بعد البحث والسؤال، وقد بذل جهداً ـ كما ذكر ـ، لكنه لم يحصل على ما يفيد عنها شيئاً
(3)
. قلت:
(1)
ورسالة الحث على البحث أثبتها شيخ الإسلام، انظر: بيان التلبيس 1/ 145.
(2)
انظر التبيين ص 136.
(3)
انظر الإمام أبو الحسن وآراءه الكلامية في اللمع ص 28، والإبانة عن أصول الديانة ص 86، بتحقيق فوقية. ومذاهب الإسلاميين ص 514 وموقف شيخ الإسلام 1/ 356.
كذلك فعلتُ حيث بحثت عنها فلم أجدها بعد بحث وتقصٍ وأسفار.
سابعاً: العُمد في الرؤية:
وقد أثبت هذا الكتاب ابن عساكر حيث قال: إن أبا الحسن، ذكر في كتابه الذي سماه العُمد في الرؤية أسامي أكثر كتبه
(1)
. كما ذكره السبكي في الطبقات
(2)
وشيخ الإسلام ـ ابن تيمية
(3)
. ولكن لم تصل منه إلا قطعة صغيرة، أورد منها ابن عساكر جزءاً في كتابه التبيين، أما الكتاب كاملاً وبقيته فمفقود غير موجود كغالب مؤلفات الأشعري.
ثامناً: - تفسير القرآن:
وقد أورده ابن عساكر فقال: «وله كتاب صنفه في تفسير القرآن يعتبر أدل دليل على تبرزه في العلم على الأقران، وهو الذي سماه تفسير القرآن، والرد على من خالف البيان من أهل الإفك والبهتان»
(4)
. كما أثبت هذا الكتاب المقريزي، وقال:«وللأشعري كتاب في تفسير القرآن يقال أنه في سبعين مجلداً»
(5)
. وهذا الكتاب - ورد بأن اسمه المخترن حيث ذكر ابن عساكر أن الأشعري ألف في القرآن كتابه الملقب
(1)
انظر التبيين ص 128.
(2)
انظر بيان التلبيس 1/ 145.
(3)
انظر طبقات الشافعية 3/ 360.
(4)
انظر التبيين ص 136.
(5)
انظر الخطب 4/ 194.
بالمختزن، وذكر بأن بعض أصحابه قد اطلع على طرف منه، وكان قد بلغ سورة الكهف، وقد انتهى إلى مائة كتاب، ولم يترك الأشعري آية تعلق بها بدعي إلا أبطل تعلقه بها وجعلها حجة لأهل الحق، وبين المُجمل، وشرح المشكل
(1)
. وقد أثبت أبو بكر ابن العربي
(2)
(3)
. وذكر السبكي: أن الأشعري قد روى عن جمع من المحدثين ومنهم زكريا الساجي. الكثير من الأحاديث في تفسيره،
(1)
انظر التبيين ص 117.
(2)
هو: محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد المعاثيري الإشبيلي المالكي، ولد رحمه الله في سنة ثمان وستين وأربعمائة في إشبيليا، له رحمه الله العديد من المؤلفات من أهمها: أحكام القرآن، كذلك شرحه للترمذي المسمى بعارضة الأحوذي، وله قانون التأويل والعواصم من القواصم، وله العشرات غيرها، توفي رحمه الله في مدينة فاس في سنة ثلاثة وأربعين وخمسمائة. انظر سير أعلام النبلاء 20/ 197 ومقدمة العواصم من القواصم ص 13 - 29 حيث ترجم له ترجمة وافية.
(3)
انظر العواصم من القواصم ص 97 - 98.
ثم ذكر بأن تفسيره كتاب حافل جامع، ثم ذكر بأنه قد اطلع على الجزء الأول منه فوجده بأنه كله رد على المعتزلة وتبيينٌ لفساد تأويلاتهم، وكثرة تحريفهم، ثم بين أن في مقدمة تفسيره ما يقضي ناظره العجب منه. ثم ذكر أن شيخه الذهبي ذكر أن الأشعري لما صنفه كان على مذهب الاعتزال
(1)
. وقد عقب الكوثري على هذا القول بقوله: «وغريب من الذهبي أن يزعم أن هذا التفسير مما ألفه على طريقة الاعتزال، وأنت ترى أنه ما ألفه إلا للرد على المعتزلة، ويقع للذهبي أمثال هذا في تراجم المتكلمين من أهل السنة ـ سامحه الله ـ
(2)
.
قلت: ولعل مستند الكوثري، تناقض الروايتين اللتين أوردهما السبكي، فمرة يبين أنه كله رد على المعتزلة، ومرة بأنه ألفه حين كان معتزلياً، وقول ابن العربي (أن القاضي عبد الجبار قد نقل منه، يعتبر مؤكداً بأنه قد ألفه حينما كان معتزلياً، والعجيب أن السبكي رحمه الله أورد قول الذهبي رحمه الله بدون تعقيب مع أن منهجه التعقيب، خاصة على شيخه الذهبي والطبقات شاهدٌ على ذلك)
(3)
مع العلم بأنني قد اطلعت في السير على قول الذهبي فلم أجده ذكر هذا القول، فلعل
(1)
طبقات الشافعية 3/ 355، 354 باختصار وتصرف يسير.
(2)
انظر تبيين كذب المفتري ص 109.
(3)
انظر كلام السبكي عندما قال عن الذهبي: فعند ذلك تقضي التعجب من هذا الذهبي، وتعلم إلى ماذا يشير المسكين! فوبخْه ثم وبخه، انظر: طبقات الشافعية 3/ 352.
السبكي أخذه عنه مشافهة أو وجده في مؤلفٍ آخر غير السير. فأنت تلحظ هنا أن ابن عساكر أسماه مرة في تفسير القرآن، ومرة بالمختزن، فلعلهما مسميان لكتاب واحد وقد ذكر الذهبي:(أن هذا الكتاب من مؤلفات الأشعري)
(1)
. ولكن الغريب أن الأشعري ذكر في كتابه العمد أن له كتاباً اسمه المختزن، وذكر أنه ألفه في ضروب من الكلام
(2)
. وهاهنا إشكال يطرح السؤال التالي: هل المختزن هذا الذي ألفه في علم الكلام - غير المختزن الذي ألفه في تفسير القرآن؟! فبعض الباحثين يرى أن للأشعري كتابين اسمهما المختزن، أحدهما: في علم الكلام، والآخر في تفسير القرآن
(3)
. وقد رفضت فوقية هذا الرأي، وقالت:«هذا أمر غير مقبول، بل إن ابن فورك قد أخطأ في تسجيل اسم أحد الكتابين»
(4)
.
قلت: والذي يترجح أن هناك كتابيْن اسمهما المختزن، وقد أوردهما ابن عساكر، ورفض فوقية ليس له ما يبرره خاصة وأنه ليس هناك ما يمنع ـ عادة ـ من تكرار الاسم، بل ولعل أحدهما ألفه قبل الاعتزال كما ذكر الذهبي ويُفهم من كلام ابن العربي، والآخر بعد تركه الاعتزال، والله أعلم. وهذه هي الكتب التي وصلت إلينا، وبعضها قد اندثر كتفسيره للقرآن، والعمد
(1)
انظر سير أعلام النبلاء 15/ 88.
(2)
انظر التبيين ص 133.
(3)
انظر الإبانة تحقيق فوقية ص 55.
(4)
انظر تحقيق فوقية للإبانة ص 55.
في الرؤية، أما البقية فهي مطبوعة ومتداولة، أما بقية الكتب فإنما تُعرف بأسمائها دون أن يذكر أحد أنه اطلع عليها حتى يبين مضمونها، وغاية ما هنالك اجتهادات لبيان مضمون الكتاب من خلال العنوان فقط، وأظن هذا لا يكفي، والله المستعان.
المبحث الثاني
الكتب التي لها نسخ مخطوطة ولم تطبع حتى الآن
ذكر ابن فورك وابن عساكر والسبكي، ومن بعدهم فوقية حسين، بأن للأشعري عشرات الكتب والمؤلفات، ولكن وللأسف أن غالب هذه الكتب والمؤلفات لا تعرف إلا من خلال اسمها أما مضمونها فنادراً ما يعرف. وسوف أورد هنا ما وقفت عليه من أسماء مؤلفاته التي لها نسخ خطية ولم تطبع حتى الآن من خلال ما ذكره الباحثون هي كالتالي:
أولاً: شجرة اليقين: هذا الكتاب لم يورده ابن عساكر ولا ابن فورك من قبله، كما لم يذكره بروكلمان، والباحثون من بعده، ولكن فوقية حسين ذكرت بأنه قد ورد في فهرس مخطوطات دار الكتب المصرية، ص 3 منه. كما أن له نسخة أخرى بالخزانة الملكية بالرباط بالمغرب، وذكرت بأن بياناته كما في الفهرس كالآتي: مصنف مرتب على جملة أبواب في النور المحمدي، والملائكة، وخلق الموت، وحيل الشيطان، وذكر الأرض، والقبر والصبر، وجواب منكر ونكير، وأحوال البعث والنشر، ويلي ذلك وصيتان، إحداهما في التمسك بالصبر والأخرى في كيفية أداء الحج. ثم ذكرت تفصيلات أخرى عن هذا المؤلف
(1)
. كما ذكر إبراهيم برقان: أنه
(1)
انظر الإبانة تحقيق فوقية ص 83، 84.
وقف على مخطوطة لهذا الكتاب في مكتبة الأسد بدمشق
(1)
تحت رقم 18286 ومصدره حلب برقم 737، وتاريخ النسخ 506 هـ، وعدد الأوراق 52 ورقة، كما ذكر أنه قد اطلع على مطبوع لهذه النسخ الخطية في مكتبة الجامعة الأردنية
(2)
. وهنا لدي ملاحظات:
1 ـ إنَّ هذا الكتاب يحتاج في إثبات نسبته إلى الأشعري إلى مزيد من البحث؛ خاصة وأن الباحثين في القديم لم يشيروا إليه.
2 ـ من اطلع على بعض عباراته ـ كما أوردت الدكتورة فوقية ـ رحمها الله ـ نصاً منه ـ يشعر بأنه لمتصوف لا لمتكلم، حيث قال في العبارة: «بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد وآله: كتاب شجرة اليقين تأليف الإمام أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه، وقد جاء في الخبر أن الله تعالى، خلق شجرة لها أربعة أغصان فسماها شجرة
(1)
دمشق الشام بكسر أوله، وفتح ثانيه هكذا رواه الجمهور، البلدة المشهورة قصبة الشام وهي جنة الأرض ـ بلا خلاف ـ لحسن عمارة ونضارة بقعة وكثرة فاكهة، ونزاهة رقعة، وكثرة مياه ووجود مآرب قيل سميت بذلك لأنهم دمشقوا في بنائها أي أسرعوا، وهناك أقوال أخرى منها النسبة لأحد أبناء سام بن نوح. وقد بنيت في زمن قديم جداً فيقال على رأس ثلاثة آلاف ومائة وخمس وأربعين سنة من حملة الدهر الذي يقولون إنه سبعة آلاف سنة. وولد الخليل إبراهيم عليه السلام بعد بنائها بخمس سنين وقد فتحت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت عاصمة الدولة الأموية. للاستزادة: انظر معجم البلدان 2/ 463.
(2)
انظر الأشعري وآراؤه الكلامية في كتابه اللمع ص 28.
اليقين، ثم خلق نور محمد صلى الله عليه وسلم»
(1)
، ثم ذكرت بعد ذلك عبارات يشم من رائحتها ومن ركاكة أسلوبها أنها لصوفي أراد أن يروج لها، فانتحل اسم الأشعري، فاسمها ومضمونها بعيدان كل البعد عن الأشعري وأسلوبه.
ثانياً: كتاب مقدمة سيدي أبي الحسن الأشعري في علم التوحيد وهذا الكتاب ذكرت فوقية (أنه من المخطوطات المنسوبة للأشعري)، وهذا الكتاب خلت منه قائمتا ابن فورك وابن عساكر ولكنه وجد في جامعة الأزهر في قسم العقيدة، (الأزهر 278003 عقيدة، برقم 3203، أربع ورقات تاريخ النسخ 1150)، وله رقم آخر (عام وهو 41145 توحيد)، وأول هذا المؤلف:«بسم الله الرحمن الرحيم، وبه ثقتي، قال الشيخ أبو الحسن الأشعري ـ رحمه الله تعالى، ورضي عنه ـ أول واجب النظر، وذلك بلوغ المكلف الذي يلفظه بالكلام» .. ثم يستمر الكلام في هذه المخطوطة فيتعرض لصفات الله جل وعلا. ثم يتعرض لرؤية الله في الأبصار في الآخرة، وأما آخره فيبين بأن جميع الصحابة أفضل ممن بعدهم، وأن فاطمة سيدة نساء العالمين
(2)
. وفضلها جماعة على عائشة،
(1)
للاطلاع على بعض العبارات الورادة في هذه الرسالة انظر تحقيق فوقية للإبانة ص 83، 84.
(2)
هي فاطمة الزهراء، بنت إمام المتقين ورسول رب العالمين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي صلى الله عليه وسلم، وأمها خديجة بنت خويلد القرشية رضي الله عنها. ولدت رضي الله عنها عندما كانت قريش تشيد بناء البيت قبل النبوة بخمس سنين، وهي أصغر بنات الرسول وأحبهن إليه، وتزوجها ابن عمها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله عنه بعد الهجرة وأنجبت منه ولديه الحسن والحسين، وقد انقطع نسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا منها. وقد أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم. بقوله: سيدة نساء أهل الجنة فاطمة إلا ما كان من مريم، رواه البخاري في صحيحه، وفضائلها رضي الله عنها كثيرة توفيت رضي الله عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر انظر للمزيد من سيرتها الإصابة 8/ 262 والطبقات الكبرى 8/ 16.
ووقف الشيخ أبو الحسن الأشعري في تفضيل إحداهما على الأخرى. ثم أشارت فوقية ـ بعد ذلك ـ أنه بعد البحث تبين لها أن مقدمة سيدي أبي الحسن الأشعري ليست بقلمه، ثم ذكرت أنها ستقدم مزيداً من الدراسة عنها بكتاب لها تحت الطبع بعنوان (مصنفات منسوبة إلى الأشعري)
(1)
. وقد ذكر الشيخ المحمود في تعليقه ـ على نسخته الخاصة ـ على نسخة فوقية عند عبارة «وفاطمة سيدة نساء العالمين، وفضلها جماعة على عائشة» ، بأنها ليست للأشعري
(2)
.
قلت: والذي يترجح عندي أن هذا الكتاب ليس للأشعري؛ لأمور منها:
1 -
إنها خلت منها قائمتا ابن فورك وابن عساكر، ولم يذكرها أحد من أهل العلم الذين ترجموا للأشعري رحمه الله.
2 -
أن عنوان الكتاب يدل على أنَّ من قد كتبها غير أبي الحسن؛ لأن العنوان (سيدي أبي الحسن الأشعري في علم التوحيد).
3 -
أن لفظة (سيدي)، ليست من الألفاظ المشتهرة عند السلف؛ بل هي من الألفاظ المستحدثة؛ وغالباً ما تستعمل هذه اللفظة عند المتصوفة.
(1)
انظر تحقيق فوقية للإبانة ص 81، 82، 83.
(2)
تحقيق فوقية للإبانة ص 83.
المبحث الثالث
المؤلفات التي لم تصل إلينا ولا أعلم لها نسخ خطية
وإنما نسبها بعض الباحثين للأشعري
ذكر ابن فورك وابن عساكر بأن للأشعري العشرات من الكتب، ولكن هذه الكتب لم تصل إلينا، بل لم يطلعوا عليها في الغالب، وسوف أتطرق إليها في هذا القسم أما ما وصل إلينا أو نقلوا جزءاً منه في كتبهم، فتَّم التطرق إليه في القسم الأول. ولعل أهم مصدر لهذه الكتب هو كتاب ابن فورك الذي عنون له تحت مسمى ـ مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري ـ وقد تطرق شيخ الإسلام رحمه الله لهذا الكتاب في الدرء ونقل عن ابن فورك قوله: وكان ذلك على أثر ما جمعت من متفرق مقالات شيخنا الأشعري
(1)
. وكتاب ابن فورك هذا طبع سنة 1987 بتحقيق دانيال جيماريه، وذكر ابن عساكر بأن هذه الكتب صنفها الأشعري إلى سنة عشرين وثلاثمائة وهذه الكتب سيتم تقسيمها إلى فرعين: - الفرع الأول: الكتب التي ألفها إلى سنة عشرين وثلاثمائة وهي:
أولاً: الفصول: في الرد على الملحدين والخارجين عن الملة كالفلاسفة
(1)
انظر الدرء 6/ 121.
والطبائعيين، والدهريين وأهل التشبيه، والقائلين بقدم الدهر على اختلاف مقالاتهم، وأنواع مذاهبهم، ثم رد فيه على البراهمة
(1)
واليهود والنصارى والمجوس، وهو كتاب كبير يشتمل على اثنى عشر كتاباً، أول كتاب إثبات النظر وحجة العقل والرد على من أنكر ذلك. ثم ذكر علل الملحدين والدهريين وما احتجوا به في قدم العالم وتكلم عليها. واستوفى ما ذكره ابن الراوندي في كتابه المعروف بكتاب التاج وهو الذي نصر فيه القول بقدم العالم
(2)
. كما أثبته شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
(3)
. وقد علق مكارثي على هذا القول بأنه ربما يكون عنوان الكتاب، أصول وليس فصول. وقد أظهر اطمئنانه إلى صحة نسبة الكتاب إلى الأشعري لما تضمنه الكتاب من مسائل تطرق لها في كتب أخرى
(4)
. وقد أيدت فوقية ما ذكره مكارثي، إلا أنها رأت التريث لحين العثور على الكتاب
(1)
البراهمة: ينسبون إلى «براهما» أكبر الآلهة عند الهندوس، وقد أنكر الشهرستاني نسبتهم إلى إبراهيم الخليل عليه السلام، لأنهم ينكرون النبوة أصلاً، وهي من ديانات الهند وهي أصل الهندوسية. للاستزادة: ينظر الملل والنحل للشهرستاني 3/ 706 ـ 707، إغاثة اللهفان لابن القيم 2/ 222.
(2)
انظر التبيين 128 - 129 وانظر طبقات الشافعية 3/ 360 ومذاهب الإسلاميين ص 505، وسير أعلام النبلاء 15/ 87.
(3)
انظر التسعينية 3/ 773 وبيان تلبيس الجهمية 1/ 144.
(4)
انظر مذهب الأشعري في الاعتقاد من كتاب مذهب الأشعري في الكلام ص 202 للأب مكارثي. نقلاً عن تحقيق فوقية للإبانة ص 42.
والاطلاع عليه. أمّا حول مسألة عنوان الكتاب وأنه أصول وليس فصول، فبينت أنها لا ترجح قوله؛ لأن فيه الرد على فرق متعددة؛ وليس فيه عرض لأصول المذاهب
(1)
. ولا أعتقد أن مكارثي أصاب في عنوانه، وتشكيكه ـ هذا ـ ليس له ما يبرره. وما أدري ما هدفه من ذلك؟! وما هو مستنده؟!
ثانياً: الموجز: حيث ذكر ابن فورك بما نقله عنه ابن عساكر أن الأشعري ذكر في كتابه العُمَدْ أن له كتاباً اسمه الموجز وأنه يشتمل على اثنى عشر كتاباً على حسب تنوع مقالات المخالفين من الخارجين من الملة والداخلين فيها، وآخره كتاب الإمامة تكلم في إثبات إمامة الصديق رضي الله عنه وأبطل قول من قال بالنص (وإنه لابد من إمام معصوم في كل عصر
(2)
. وقد نقل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نصوصاً
(3)
. وقد علق مكارثي على هذا الكتاب بقوله: إنه عرض أو سرد لنفس المسائل الواردة في كتبه الأخرى، وأن مسألة الإمامة التي وردت في آخر هذا الكتاب هي نفسها التي وردت في كتابيه: اللمع، والإبانة مما يؤكد بأن الكتاب له دور، ومسألة الإمامة في النهاية تدل على اتجاهه السني ولعل
(1)
انظر تحقيق فوقية للإبانة بتصرف ص 42.
(2)
انظر التبيين ص 129. وانظر طبقات الشافعية 3/ 360 ومذاهب الإسلاميين ص 55 والخطط للمقريزي 4/ 193 وسير الأعلام 15/ 87.
(3)
انظر منهاج السنة 5/ 360 وأثبته بالفتاوى 7/ 550.
وضعها على هذا النحو يرجع إلى أنها مسألة ليست عقائدية
(1)
. والكتاب ثابت للأشعري، أما مسألة أن الإمامة ليست قضية عقدية فليس بصحيح بل هي تدرس في قضايا العقيدة ولكنها ليست من الأصول التي يتعلق بها إيمان المرء أو كفره.
ثالثاً: كتاب في خلق الأعمال: حيث قال الأشعري: «وألفنا كتاباً في خلق الأعمال، نقضنا فيه اعتلالات المعتزلة والقدرية في خلق الأعمال، وكشفنا عن تمويههم في ذلك»
(2)
. وقد لاحظ مكارثي أن هذا الكتاب يحتوي ما ورد في المسألة الخامسة من كتاب اللمع
(3)
وليس لملاحظة مكارثي مزيد فائدة، فذكر مسألة عقدية مجملة وإفرادها في كتاب أمرٌ سائغ ومعروف.
رابعاً: الاستطاعة: حيث قال الأشعري في العُمَدْ: «وألفنا كتاباً كبيراً في الاستطاعة على المعتزلة نقضنا فيه استدلالاتهم على أنها قبل الفعل ومسائلهم وجواباتهم»
(4)
. وقد لاحظ مكارثي بأن هذه المسألة وردت في المسألة السادسة من كتابه اللمع
(5)
.
(1)
انظر دراسة مكارثي عن الأشعري ص 213 نقلاً عن فوقية ص 43.
(2)
انظر التبيين ص 139. وانظر طبقات الشافعية 3/ 360 ومذاهب الإسلاميين ص 506 وسير أعلام النبلاء 15/ 87.
(3)
انظر دراسة مكارثي عن الأشعري ص 213 نقلاً عن فوقية ص 43.
(4)
انظر التبيين ص 129، وانظر طبقات الشافعية 3/ 360 ومذاهب الاسلاميين ص 506.
(5)
انظر دراسة مكارثي ص 213 نقلاً عن فوقية ص 44.
خامساً: كتاب الصفات: حيث قال الأشعري: وألفنا كتاباً كبيراً في الصفات، تكلمنا عن أصناف المعتزلة والجهمية والمخالفين لنا فيها في نفيهم علم الله وقدرته وسائر صفاته وعلى أبي الهذيل
(1)
، والنظام
(2)
، وعلي معمر
(3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
هو: شيخ الكلام ورأس المعتزلة محمد بن الهذيل بن عبيد الله البصري، المعتزلي، ولد سنة خمس وثلاثين ومائة، كان صاحب تصانيف، وضلال مبين، وتصانيفه كثيرة ولكنها بحمد الله غير موجودة ولم يكن تقياً، وورد أنه كان صاحب خمر، وكان يرى أن عذاب جهنم ونعيم الجنة ينتهيان وأنكر صفات البارئ حتى العلم والقدرة، وقد طال عمره حتى خرف وعمي، وقيل أنه عُمِّر حتى بلغ مائة سنة. واختلف في سنة وفاته، فقيل ست وعشرين ومائتين وقيل سبع وعشرين ومائتين، وقيل خمس وثلاثين ومائتين انظر سير أعلام النبلاء 11/ 173 و 10/ 542، وتاريخ بغداد 3/ 366، ولسان الميزان 5/ 413.
(2)
هو: شيخ المعتزلة إبراهيم بن سيار بن هانئ أبو إسحاق النظام كان من أئمة المعتزلة وتكلم في القدر وانفرد بمسائل عظام، وكان يقول (إن الله لا يقدر على الظلم والشر، وأن الله لا يقدر على إخراج أحد من جهنم وبأنه جل وعلا لا يقدر على إصلاح ما خلق)، وكان متهماً بالزندقة، وقيل كان على دين البراهمة المنكرين للنبوة والبعث وله كتب عدة وهي لا توجد والحمد لله منها الطفرة، وكان من تلامذته الجاحظ فبئس الشيخ والتلميذ، هلك عدو الله بعد أن سقط في غرفته وهو سكران. في سنة بضع وعشرين ومائتين، وقيل إحدى وثلاثين ومائتين انظر سير أعلام النبلاء 10/ 541، والأعلام 1/ 43.
(3)
هو: معمر بن عمر بن عباد البصري السلمي المعتزلي كان يقول بإن في العالم أشياء موجودة لا نهاية لها ولا لها عند الله عدد ولا مقدار وهذا ضلال مبين مدحوض بقوله تعالى: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] ومردود بقوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] ولذلك قامت عليه المعتزلة بالبصرة ففر إلى بغداد. وكان يزعم أن الله لم يخلق لوناً، ولا طولاً، ولا عرضاً، ولا عمقاً، ولا رائحة، ولا حسناً، ولا قبحاً، ولا سمعاً ولا بصراً، بل ذلك فعل الأجسام بطباعها وهو مردود عليه بقوله تعالى:{خلق الموت والحياة} وكان بينه وبين النظام مناظرات ومنازعات وله تصانيف في الكلام هلك سنة 215 هـ - انظر سير أعلام النبلاء 10/ 546، الفهرست لابن النديم ص 207.
وعلي الفوطي
(1)
. وعلى من قال بقدم العالم، وفي فنون كثيرة من فنون الصفات في إثبات الوجه لله، واليدين، وفي استوائه على العرش، وعلى الناشئ
(2)
ومذهبه في الأسماء والصفات
(3)
.
سادساً: كتاب جواز رؤية الله بالأبصار: أثبت ابن عساكر نقلاً عن ابن الفورك نقلًا عن الأشعري في العُمَدِ، قول الأشعري: وقد ألفت كتاباً في جواز رؤية الله بالأبصار، ونقضنا فيه جميع اعتلالات المعتزلة في نفيها،
(1)
هو: أبو محمد هشام بن عمر الفوطي المعتزلي الكوفي قال عنه الذهبي: صاحب ذكاء وجدال وبدعة ووبال أخذ عنه عباد بن سليمان وغيره وكان ينهى عن قوله حسبنا الله ونعم الوكيل وكان يقول: عن الله لا يعذب كافراً بالنار ولا يحيي أرضاً بمطر ولا يهدي ولا يضل وذكر الذهبي حكاية له أوردها المبرد ثم قال: بعدها هذا غاية ما عند هؤلاء المتقعرين من العلم عبارات وشقاشق لا يعبأ الله بها يحرفون الكلم عن مواضعه قديماً وحديثاً فنعوذ بالله من الكلام وأهله - انظر سير أعلام النبلاء 10/ 547 والفهرس لابن نديم ص 214.
(2)
هو: أبو العباس، عبد الله بن محمد بن شِرْشِير الأنباري الملقب بالنَّاشي، من كبار المتكلمين، وأعيان الشعراء، ورؤوس المنطق، وكان قوي العربية والعروض، صنف في المنطق وله قصيدة نحو أربعة آلاف بيت في عدة فنون. وكان من أذكياء العالم. سكن مصر ومات فيها سنة ثلاث وتسعين ومئتين. انظر: سير أعلام النبلاء 14/ 40، والمنتظم 13/ 45، والنجوم الزاهرة 3/ 158.
(3)
انظر التبيين ص 129 وطبقات الشافعية 3/ 360 وسير أعلام النبلاء 15/ 87، ومذاهب الإسلاميين ص 506، والإبانة لفوقيه ص 44.
وإنكارها، وإبطالها
(1)
.
سابعاً: اختلاف الناس بالأسماء، والأحكام، والخاص، والعام، وقد أثبت هذا الكتاب ابن عساكر فيما نقله عن الأشعري في العُمَدْ
(2)
.
ثامناً: كتاب الرد على المجسمة: وقد أثبته ابن عساكر نقلاً عن الأشعري في العُمَدْ حيث قال: وألفنا كتاباً بالرد على المجسمة
(3)
. وذكرت فوقية بأن مكارثي علق على هذا الكتاب بأنه رد على المشبهة
(4)
.
تاسعاً: كتاب الجسم: بيَّن الأشعري في كتابه العُمَد أنه ألف كتاباً في الجسم قال: لأننا نرى أن المعتزلة لا يمكنهم أن يجيبوا عن المسائل الجسمية كما يمكننا ذلك، وبينا لزوم مسائل الجسمية على أصولهم
(5)
. وقال مكارثي: بأن هذا الكتاب كان تفسيراً؛ لأنه اكتفى فيه ببيان المقصود بالتجسيم
(6)
. وما أدري ما المستند الذي
(1)
انظر التبيين ص 129 وطبقات الشافعية 3/ 360 وسير أعلام النبلاء 15/ 87 ومذاهب الإسلاميين 506، والإبانة لفوقيه ص 44.
(2)
انظر التبيين ص 129، وسير أعلام النبلاء 15/ 87 وطبقات السبكي 3/ 360، والإبانة بتحقيق فوقية ص 44، ومذاهب الإسلاميين ص 506.
(3)
انظر التبيين ص 130 وسير أعلام النبلاء 15/ 87 وطبقات السبكي 3/ 360 ومذاهب الإسلاميين 506 والإبانة لفوقيه ص 45.
(4)
انظر مكارثي ص 214، نقلًا عن فوقية ص 45.
(5)
انظر التبيين ص 130، ومذاهب الإسلاميين ص 506 والإبانة لفوقيه ص 45.
(6)
انظر دراسة مكارثي ص 214 نقلاً عن فوقية ص 45.
استند عليه مكارثي، في بيان محتويات كتاب لم يطلع فيه إلا على اسمه؟! ثم بعد ذلك يصف الكتاب كأنه قرأه من أوله إلى آخره!
عاشراً: إيضاح البرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان: قال الأشعري في العُمَد: وألفنا كتاباً سميناه كتاب إيضاح البرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان
(1)
. وقد بين الأشعري بأن كتابه هذا مدخلٌ للحلول التي تطرَّق لها في الموجز
(2)
.
حادي عشر: اللمع الكبير قال الأشعري: إنه ألف كتاباً سماه باللمع الكبير جعله مدخلاً إلى كتابه إيضاح البرهان
(3)
.
ثاني عشر: اللمع الصغير: ذكر الأشعري بأنه ألف كتاباً أسماه باللمع الصغير من أجل أن يكون مدخلاً إلى اللمع الكبير
(4)
.
ثالث عشر: الشرح والتفصيل في الرد على أهل الإفك والتضليل: بين الأشعري في العمد أنه ألف كتاب الشرح والتفصيل من أجل أن
(1)
انظر التبيين ص 130 وسير أعلام النبلاء 15/ 87، وطبقات السبكي 3/ 360، والخطط للمقريزي 4/ 193. والإبانة لفوقية: ص 45. ومذاهب الإسلاميين ص 506.
(2)
انظر التبيين ص 130.
(3)
انظر التيين 130، وطبقات السبكي 3/ 360، ومذاهب الإسلاميين ص 507، والإبانة لفوقية ص 46.
(4)
انظر التبيين ص 130 وطبقات السبكي 3/ 360، ومذاهب الإسلاميين 507 وتحقيق فوقية للإبانة ص 46.
يكون للمبتدئين ومقدمة ينظر فيها قبل كتاب اللمع وهو كتاب يصلح للمتعلمين
(1)
. وقد علق مكارثي بأن الأشعري، قد راعى التبسيط في عدد من مصنفاته، ومنها هذا المصنف
(2)
.
رابع عشر: المختصر: بين الأشعري بأنه ألف كتاباً مختصراً من أجل أن يكون مدخلاً للشرح والتفصيل
(3)
. وذكرت فوقية بأن عنوان هذا المؤلف يدل على أنه يصح أن يضم إلى الكتاب السابق أي الشرح والتفصيل
(4)
. قلت: ولا أظن ذلك صحيحاً؛ لأن كونه مدخلاً، يدل على أنه يناقش القضايا بأسلوب مجمل، ومن ثم فلا داعي إلى أن يضم إلى الكتاب السابق، ولو كان هذا مقبولاً لفعله. وإني لأعجب كيف تصدر هذه الأحكام في حق كُتب لم تصل إلينا، ولا نعلم عن محتوياتها شيء؟ ثم يقال مثل هذا القول.
خامس عشر: نقض الأصول: حيث ذكر الأشعري بأنه ألف كتاباً كبيراً من أجل نقض كتاب الأصول لأبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي وقد كشفنا فيه تمويهه في سائر الأبواب، التي تكلم فيها عن أصول
(1)
انظر التبيين ص 130 وسير أعلام النبلاء 15/ 87، وطبقات السبكي 3/ 360، والخطط للمقريزي 4/ 193. ومذاهب الإسلاميين ص 507 والإبانة لفوقية ص 46.
(2)
انظر دراسة مكارثي ص 215 نقلاً عن فوقية ص 46.
(3)
انظر التبيين ص 130 ومذاهب الإسلاميين ص 507 والإبانة لفوقية ص 46.
(4)
انظر الإبانة تحقيق فوقية ص 46.
المعتزلة، وذكرنا ما للمعتزلة من الحجج في ذلك بما لم يأت به، ونقضناه بحجج الله الزاهرة وبراهينه الباهرة، ويأتي كلامنا عليه في نقضه في جميع مسائل المعتزلة وأجوبتها في الفنون التي اختلفنا نحن وهم فيها
(1)
. وقد علق مكارثي على هذا فقال: هذا هو الجبائي الذي كان معلماً للأشعري لفترة طويلة
(2)
. قلت: ولكنَّ الله هدى الأشعري من شُبه الجبائي، فأظهر لنا كتبه الماتعة النافعة وخاصة الإبانة. فلله الحمد والشكر.
سادس عشر: كتاب نقض تأويل الأدلة: ذكر الأشعري في العمد هذا الكتاب فقال: وألفنا كتاباً كبيراً نقضنا فيه الكتاب المعروف بنقض تأويل الأدلة على البلخي في أصول المعتزلة، وأبنَّا عن شبهه التي أوردها بأدلة الله الواضحة، وأعلامه اللائحة، وضممنا إلى ذلك نقض ما ذكره من الكلام في الصفات في عيون المسائل، والجوابات
(3)
. وقد علق مكارثي على هذا فقال: بأن التعريف به غير واضح؛ لأن العبارة بالعربية بها شيء من الغموض، ولكن الكتاب للبلخي الذي يقال له أيضاً الكعبي
(4)
.
(1)
انظر التبيين ص 130، وسير الأعلام 15/ 87، وطبقات الشافعية 3/ 361، ومذاهب الإسلاميين ص 507 والإبانة لفوقيه 46، 47.
(2)
انظر مكارثي ص 216 عن فوقية ص 46.
(3)
انظر التبيين ص 130، وسير أعلام النبلاء 15/ 87 وطبقات الشافعية 3/ 361، ومذاهب الإسلاميين 507 والإبانة تحقيق فوقية ص 47.
(4)
انظر مكارثي ص 216 نقلاً عن فوقيه.
سابع عشر: جمل المقالات ذكر الأشعري بأنه ألف كتاباً في جمل مقالات الملحدين وجمل أقاويل الموحدين، وسميناه (كتاب جمل المقالات)
(1)
. ويسمى مقالات غير الإسلاميين
(2)
.
ثامن عشر: الجوابات في الصفات عن مسائل أهل الزيغ والشبهات
قال ابن عساكر بأنه أكبر كتبه، وقال عنه الأشعري في العمد وألفنا كتاباً كبيراً في الصفات سميناه كتاب «الجوابات في الصفات» عن مسائل أهل الزيغ والشبهات». نقضنا فيه كتاباً كنا ألفناه قديماً فيها على تصحيح مذهب المعتزلة لم يؤلف لهم كتاب مثله، ثم أبان الله سبحانه لنا الحق فرجعنا عنه فنقضناه وأوضحنا بطلانه
(3)
. ويتضح من خلال هذا الكلام أن هذا الكتاب رد فيه الأشعري السلفي على الأشعري المصحح للاعتزال، وهذا يدل على قوة رجوعه للحق. كما يدل على أنه كان متمكناً في الاعتزال؛ لأنه قال: لم يؤلف لهم كتاب مثله.
(1)
انظر التبيين ص 131 وطبقات الشافعية 3/ 361، وسير أعلام النبلاء 15/ 87، ومذاهب الإسلاميين ص 507 والإبانة تحقيق فوقية ص 94.
(2)
انظر الدرء 1/ 158 والفتاوى 9/ 230.
(3)
انظر التبيين ص 131 - وسير أعلام النبلاء 15/ 87، وطبقات الشافعية 3/ 361، ومذاهب الإسلاميين ص 507، والإبانة تحقيق فوقية ص 49.
تاسع عشر: كتاب في الرد على ابن الراوندي في الصفات والقرآن حيث ذكر الأشعري في العُمَد بأنه ألف كتاباً على ابن الراوندي في الصفات والقرآن
(1)
. قالت فوقية: وهذا كتاب قد يكون مضمونه إثبات أن القرآن كلام الله غير مخلوق، خلافاً لما قالته المعتزلة
(2)
. قلت: ولكنه لا يقصرهُ على مسألة خلق القرآن فقط؛ لأنه ذكر باقي الصفات أيضاً فلم يقصر على صفة الكلام. فلماذا حصرته فوقية ـ رحمها الله ـ على مسألة واحدة فقط؟!
عشرون: كتاب نقض فيه كتاباً للخالدي، (اللفظ في القرآن والصفات). ذكر الأشعري في العمد بأنه ألف كتاباً نقض فيه كتاباً للخالدي
(3)
(اللفظ في القرآن والصفات) قبل أن يؤلف كتابه الملقب بالملخص
(4)
.
الحادي والعشرون: القامع لكتاب الخالدي في الإرادة: حيث ذكر الأشعري في العُمَد ما نصه: وألفنا كتاباً نقضنا به كتاباً للخالدي في إثبات
(1)
انظر التبيين ص 131، وسير أعلام النبلاء 15/ 88، وطبقات الشافعية 3/ 361 ومذاهب الإسلاميين، 508، والإبانة تحقيق فوقية ص 50.
(2)
الإبانة لفوقيه ص 50.
(3)
ولم أعثر على ترجمة للخالدي، كما أن مكارثي وفوقية لم يوفقا أيضاً في الوصول إلى تعريف له.
(4)
انظر التبيين ص 131 ومذاهب الإسلاميين ص 508 والإبانة تحقيق فوقية ص 50.
حدوث إرادة الله تعالى وأنه شاء ما لم يكن وكان ما لم يشأ وأوضحنا بطلان قوله في ذلك وسميناه (القامع لكتاب الخالدي في الإرادة)
(1)
.
الثاني والعشرون: نقض المهذب: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً نقض فيه كتاباً للخالدي في المقالات قد أسماه الخالدي المهذب. سمينا نقضه فيما نخالفه فيه من كتابه (الدافع للمهذب)
(2)
.
الثالث والعشرون: كتاب نقض الخالدي: حيث ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً نقض فيه كتاباً ألفه الخالدي في نفي خلق الأعمال، وتقديرها عن رب العالمين
(3)
. وهذا الكتاب كما يتضح أنه رد على المعتزلة.
الرابع والعشرون: نقض الخالدي: حيث ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً نقض فيه كتاباً للخالدي، نفى الخالدي من خلاله رؤية الله تعالى بالأبصار
(4)
.
(1)
انظر التبيين ص 131 وسير الأعلام النبلاء 15/ 88، ومذاهب الإسلاميين ص 508 والإبانة في تحقيق فوقية ص 50.
(2)
انظر التبيين ص 131، ومذاهب الإسلاميين ص 508، والإبانة تحقيق فوقية ص 50.
(3)
انظر تبيين كذب المفتري ص 131 ومذاهب الإسلاميين ص 508، الإبانة لفوقية ص 51.
(4)
انظر التبيين ص 131، والإبانة لفوقية ص 51، وقد التبس الأمر على بدوي، فظنه الدافع للمهذب فلم يورده من كتب الأشعري ظناً منه أنهما كتاب واحد انظر مذاهب الإسلاميين ص 508.
الخامس والعشرون: الرد على البلخي: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً نقض به كتاباً ألفه البلخي، كان يقصد من خلاله البلخي أن يصلح ما غلط به ابن الراوندي في الجدل
(1)
، قلت: ويظهر من العنوان أن البلخي أخطأ في الرد كما أخطأ ابن الرواندى.
السادس والعشرون: الاستشهاد: حيث ذكر الأشعري في العُمَد أنه ألف كتاباً في الاستشهاد؛ أراد من خلاله أن يلزم المعتزلة على محجتهم في الاستشهاد بالشاهد على الغائب، وأن يثبتوا علم الله، وقدرته، وسائر صفاته
(2)
. وقد ذكر مكارثي أن الباقلاني وقف نفس الوقفة في كتابه التمهيد، بالاستدلال بالشاهد على الغائب
(3)
.
السابع والعشرون: المختصر في التوحيد والقدر: قال الأشعري في العمد: وألفنا كتاباً سميناه المختصر في التوحيد والقدر في أبواب من الكلام منها: الكلام في إثبات رؤية الله بالأبصار، والكلام في سائر الصفات، والكلام في أبواب القدر كلها، وفي التولد، وفي التعجير والتوليد وسألناهم فيها عن مسائل كثيرة ضاقوا بالجواب عنها ذرعاً ولم
(1)
انظر التبيين ص 131، مذاهب الإسلاميين 508، الإبانة لفوقية ص 51.
(2)
انظر التبيين ص 131، ومذاهب الإسلاميين 508 والإبانة لفوقية ص 51.
(3)
انظر التمهيد للباقلاني ص 70 - ص 81 وانظر مكارثي ص 218 نقلاً عن فوقية ص 52.
يجدوا إلى الانفكاك عنها بحجة سبيلاً
(1)
.
الثامن والعشرون: شرح آداب الجدل: حيث ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً في شرح آداب الجدل
(2)
. وقال مكارثي: إن هذا الكتاب له ارتباط بكتابه الذي نقض به كتاب البلخي وبين فيه البلخي أنه أصلح ما غلط به ابن الراوندي في الجدل
(3)
وعلقت فوقية على قول مكارثي بأنها ترى عكس ذلك بأن يكون هذا الكتاب هو الأصل الذي بسط به الأشعري أصوله في الجدل، وبين فيه قواعده وآدابه، وأما الكتاب الذي رد فيه على البلخي؛ فيكون تطبيقاً للأصول الواردة في هذا المصنف حيث يشرح آداب الجدل
(4)
. وما أدري ما هي المعايير التي اعتمدا عليها في الحكم على هذا الكتاب، وهما لم يطلعا عليه؟ بل ولم تَرِدْ لهما أية معلومات، فما هذا إلا رجمٌ بالغيب فالكتاب مفقود، ولم يصل إلينا سوى مسماه، فلا داعي للتخرص بمحاولة ربطه بكتاب آخر، وغاية ما لدينا أن عنوانه يتحدث عن آداب يجب مراعاتها في الجدل.
التاسع والعشرون: كتاب الطبريين: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف
(1)
انظر التبيين ص 131 - 132 ومذاهب الإسلاميين ص 508 والإبانة بتحقيق فوقية ص 52.
(2)
انظر التبيين ص 132 وسير أعلام النبلاء 15/ 88، ومذاهب الإسلاميين ص 509 والإبانة بتحقيق فوقية ص 52.
(3)
انظر دراسة مكارثي ص 219 نقلاً عن فوقية ص 52.
(4)
انظر الإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
كتاباً أسماه بكتاب الطبريين في فنون كثيرة من المسائل الكثيرة
(1)
. ويذكر مكارثي أن هذا الكتاب عبارة عن ردود على أسئلة أرسلت إلى الأشعري من أهل هذه الجهة
(2)
. وعلقت فوقية على هذا القول بأنه رأي سليم، كما ذكرت بأنها توافق مكارثي بأن هذا الموقف لا يتعلق بهذا الكتاب فقط، بل يتعلق بالكتب الثمانية التالية: جواب الخراسانية، كتاب الأرجارنيين، جواب السيرافيين
(3)
، جواب العمانيين
(4)
، جواب الجرجانيين
(5)
، جواب الدمشقيين، جواب الواسطيين، جوابات
(1)
انظر التبيين ص 132 ومذاهب الإسلاميين ص 509 والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
(2)
انظر دراسة مكارثي ص 219 نقلاً عن فوقية ص 53.
(3)
نسبة إلى مدينة سيراف وكانت من أجل مواني فارس وكانت تقارب شيراز في الكبر والفخامة وقد اشتهر أهلها في تجارة العود والعنبر والكافور والجواهر والخيزران وكان سوقها من أكبر أسواق اللؤلؤ وقد أسرف أهلها في البناء حتى كانوا يجلبون الساج والأخشاب من بلاد الزنج وأصيبت بزلزال في عام 366 هـ استمر سبعة أيام حتى هرب الناس إلى البحر وتهدم أكثر بنيانها، وبذهاب دولة بني بوية زالت هذه المدينة التي كانت تعرف باسم سيلاو. انظر بلدان الخلافة الشرقية ص 25، 295 ـ 330.
(4)
عُمان: دولة عربية على ساحل بحر اليمن والهند. وتقع في الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية وبها عدة جزر صغيرة تقع بالبحر العربي ويحدها من الشرق خليج عمان والخليج العربي وسكانها يزيد عن ثلاثة ملايين نسمة. وكما تشتمل على بلدان كثيرة ذات نخل وزروع إلا أن حرها يضرب به المثل، وأكثر أهلها خوارج أباضية. للاستزادة، ينظر: معجم البلدان 4/ 150. وموسوعة المدن العربية 265.
(5)
جرجان: بالضم تنسب إلى جرجان بن لادذ بن سام بن نوح عليه السلام، وأنه أول من بناها، وقد فتحت في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أقليم يقع بين طبرستان وخراسان من بلاد المشرق ويقال جرجان هي قصبة بلاد خوارزم. ونقل الحموي عن الأصطخري أن جرجان قطعتان إحداهما المدينة والأخرى تسمى بكراباذ وبينهما نهر يجري. أ. هـ. ويمتد أقليم جرجان شرقاً من بحر قزوين إلى الصحراء التي تفصل خراسان عن الأراضي الزراعية، وهي التي يقال لها إقليم خوارزم. وينسب إليها عدد من العلماء والأعيان فيقال الجرجاني. انظر: معجم البلدان 1/ 474، تأريخ جرجان ص 44، تاج العروس 5/ 554. وبلدان الخلافة ص 21.
الرامهرمزيين. إنها عبارة عن ردود على أسئلة أرسلت إلى الأشعري من أهل الجهات الوارد ذكرها في عنوان كل كتاب. ويتبين من توضيح ابن عساكر نقلاً عن ابن فورك أن هذه مسائل في أبواب ومسائل الكلام، وأجناسه، وأنواعه، وأغلبها فيما كان يدور بين الأشعري والمعتزلة، والجرجانيين مثلاً، وأنها بالنسبة للدمشقيين كانت في لطائف الكلام، وبالنسبة للواسطين (في فنونه)، وأما بالنسبة للجوابات الأخيرة وهي لأهل (رامهرمز)، فبين ابن عساكر أن بعض المعتزلة كان من رامهرمز وكتب يسأله الجواب عن مسائل كانت تدور في نفسه فأجابه عنها، ويعلق مكارثي بعد ذكر الجوابات للرامهرمزيين بأن هذه الكتب، أو المسائل المتعددة والواردة، من جهات مختلفة تكشف عن اتساع بقعة المهتمين بأسلوب الأشعري في الرد على المعتزلة لدحض آرائهم
(1)
.
(1)
انظر الإبانة بتحقيق فوقية ص 53 ودراسة مكارثي ص 219.
الثلاثون: جواب الخرسانية: حيث ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً بعنوان (جواب الخرسانية في ضروب من المسائل الكثيرة)
(1)
.
الحادي والثلاثون: كتاب الإرجائيين: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف هذا الكتاب في أبواب مسائل الكلام
(2)
.
الثاني والثلاثون: جواب السيرفيين: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً في جواب السيرفيين في أجناس الكلام
(3)
.
الثالث والثلاثون: جواب العمانيين: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً أسماه كتاب (العمانيين في أنواع من الكلام)
(4)
.
الرابع والثلاثون: جواب الجرجانيين: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً أسماه (جواب الجرجانيين) في مسائل تدور بينه وبين المعتزلة
(5)
.
(1)
انظر التبيين ص 132، وسير أعلام النبلاء 15/ 88، ومذاهب الإسلاميين ص 509، والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
(2)
انظر التبيين ص 132، ومذاهب الإسلاميين ص 509، والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
(3)
انظر التبيين ص 132، وانظر سير أعلام النبلاء 15/ 88 ومذاهب الإسلاميين ص 509 والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
(4)
انظر التبيين ص 132، ومذاهب الإسلاميين ص 509، والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
(5)
انظر التبيين ص 132، وسير أعلام النبلاء 15/ 88، ومذاهب الإسلاميين ص 509، والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
الخامس والثلاثون: جواب الدمشقيين: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً أسماه (جواب الدمشقيين) في لطائف من الكلام
(1)
.
السادس والثلاثون: جواب الواسطيين: ذكر الأشعري في اللمع أنه ألف كتاباً أسماه (جواب الواسطيين) في فنون من الكلام
(2)
.
السابع والثلاثون: جوابات الرامهرمزيين: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً أسماه (جوابات الرامهرمزيين) بسبب أن بعض المعتزلة من رامهرمز كتب إليه يسأله الجواب عن مسائل كانت تدور في نفسه فأجاب عنها في هذا الكتاب
(3)
.
الثامن والثلاثون: المسائل المنثورة البغدادية: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاب أسماه المسائل المنثورة البغدادية ذكر فيه مجالس دارت بينه وبين أعلام المعتزلة
(4)
.
التاسع والثلاثون: المنتحل: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً أسماه المنتحل في المسائل المنشورات البصريات
(5)
.
(1)
انظر التبيين ص 132 ومذاهب الإسلاميين ص 509 والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
(2)
انظر التبيين ص 132، ومذاهب الإسلاميين ص 509، والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
(3)
انظر التبيين ص 132، ومذاهب الإسلاميين ص 509، والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
(4)
انظر التبيين ص 132، وسير أعلام النبلاء 15/ 88، ومذاهب الإسلاميين ص 509 والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
(5)
انظر التبيين ص 132، ومذاهب الإسلاميين ص 509، والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
الأربعون: الفنون: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً أسماه الفنون في الرد على الملحدين
(1)
.
الحادي والأربعون: النوادر في دقائق الكلام: ذكر الأشعري في اللمع أنه ألف كتاباً أسماه النوادر في دقائق الكلام
(2)
.
الثاني والأربعون: الإدراك: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً أسماه الإدراك في فنون من لطائف الكلام
(3)
. ذكر مكارثي أنه من الجائز أن يقرأ الكتاب اسم الأدراك
(4)
. وقد علقت فوقية على هذا الكلام بقولها: إن تغيير الاسم يؤدي إلى معنى مختلف
(5)
. قلت: ولاشك في أن القراءتين مختلفتان وتؤديان إلى معنيين مختلفين والجزم بإحداهما دون الأخرى خطأ بين، ولكن ورد الاسم في نسخته الأصلية بدون همزة يجعل وجهة نظر مكارثي مقبولة في هذه المسألة.
(1)
انظر التبيين ص 132، وسير أعلام النبلاء 15/ 88، ومذاهب الإسلاميين ص 509، والإنابة بتحقيق فوقية ص 53.
(2)
انظر التبيين ص 132، وسير أعلام النبلاء 15/ 88، ومذاهب الإسلاميين ص 509، والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
(3)
انظر التبيين ص 132، ومذاهب الإسلاميين ص 509، والإبانة بتحقيق فوقية ص 53.
(4)
انظر كلام مكارثي ص 220، 221 نقلاً عن فوقية ص 54.
(5)
انظر الإبانة تحقيق فوقية ص 54.
الثالث والأربعون: نقض كتاب اللطيف على الإسكافي
(1)
: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً نقض به الكتاب المعروف باللطيف على الإسكافي
(2)
.
الرابع والأربعون: نقض كلام عباد بن سليمان في دقائق الكلام
ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً نقض فيه كلام عباد بن سليمان
(3)
في دقائق الكلام
(4)
.
(1)
هو أبو جعفر: محمد بن عبد الله السمرقندي، ثم الإسكافي المتكلم، قال عنه الذهبي: كان علامة أعجوبة في الذكاء وسعةً في المعرفة مع الدين والتصوف والنزاهة وكان في صباه خياطاً برع في علم الكلام وكان المعتصم معجباً به كثيراً وكان إذا ناظر أصغى إليه وسكت الحاضرون له مصنفات عدة منها نقض كتاب حسن النجار وكتاب الرد على من أنكر خلق القرآن وكتاب تفضيل علي وكان يتشيع مات 240 هـ فلما بلغ محمد بن عيسى برغوث موته سجد انظر سير أعلام النبلاء ص 10/ 550 والأنساب 1/ 155.
(2)
انظر التبيين ص 132 ومذاهب الإسلاميين ص 509 والإبانة تحقيق فوقية ص 54.
(3)
هو أبو سهل: عباد بن سلمان البصري المعتزلي من أصحاب هشام الفوطي كان يخالف المعتزلة في أشياء اخترعها لنفسه وكان أبو علي الجبائي يصفه بالحذق في الكلام ويقول لولا جنونه وله كتاب «إنكار أن يخلق الناس أفعالهم وكتاب تثبيت دلالة الأعراض» وكتاب «إثبات الجزء الذي لا يتجزأ انظر سير أعلام النبلاء 10/ 551 وسماه هنا سليمان وذكرى 10/ 547 بأنه عباد بن سليمان وهو الصحيح.
(4)
انظر التبيين ص 132، 133، ومذاهب الإسلاميين ص 509، والإبانة بتحقيق فوقية ص 55.
الخامس والأربعون: نقض كتاب علي بن عيسى
(1)
: قال الأشعري في (العمد) وألفت كتاباً نقضت فيه كتاباً لعلي بن عيسى من تأليفه
(2)
.
قلت: وقد وهم مكارثي حينما ظن أن علي بن عيسى هذا هو علي بن عيسى الوزير
(3)
؛ فعلي بن عيسى الوزير كان من أهل الحديث، وكان من أبعد الناس عن الاعتزال، ولعل هذا سهو منه وجَلَّ من لا يسهو
(4)
.
السادس والأربعون: المختزن: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً في ضروب من الكلام أسماه المختزن ذكر فيه مسائل للمخالفين لم يسألوه عنها ولا سطروها في كتبهم ولم يتجهوا للسؤال عنها، وبأنه أجاب عنها
(1)
قال عنه الذهبي: أبو الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي المعتزلي أخذ عنه الزجاج وابن دريد وطائفة وعنه أبو القاسم التنوخي والجوهري وهلال بن الحسن صنف في التفسير واللغة والنحو والكلام وكان يتشيع ويقول علي أفضل الصحابة وكان أبو حيان التوحيدي يبالغ في تعظيمه. وسمي بالرماني نسبة إلى بيع الرمان أو إلى قصر الرمان بواسط - توفي سنة 384 هـ عن 88 سنة انظر سير أعلام النبلاء 16/ 533 والبداية والنهاية 15/ 455.
(2)
انظر التبيين ص 133 ومذاهب الإسلاميين ص 509 والإبانة بتحقيق فوقية ص 55.
(3)
علي بن عيسى بن داوود بن الجراح البغدادي الكاتب. قال عنه الذهبي: هو الإمام المحدث الصادق الوزير العادل وزر غير مرة للمقتدر وللقاهر وكان عديم النظر في فنه ولد سنة 284 هـ وكان رحمه الله كثير الصلوات والصدقات وله كتاب في الدعاء وكتاب في معاني القرآن وأطال في ترجمته رحمه الله توفي سنة 334 هـ وعمره 90 سنة. انظر سير أعلام النبلاء 15/ 298 والفهرس لابن نديم «161» .
(4)
انظر قول مكارثي - في تحقيق الإبانة لفوقية ص 55.
بما وفقه الله تعالى له
(1)
. والمختزن هذا ـ فيما يظهر ـ أنه غير كتابه المختزن في تفسير القرآن.
السابع والأربعون: كتاب في باب شيء: ذكر الأشعري في (العمد) أنه ألف كتاباً في باب شيء وأن الأشياء هي أشياء، وإن عدمت، رجعنا عنه ونقضناه، فمن وقع عليه فلا يعولنا عليه
(2)
. وظاهر كلامه هذا يفهم منه ما يلي:
أ- إن (الشيء) كتاب قديم له، ألفه في حال الاعتزال، وقد تراجع عنه وذكره هنا من بين أسامي كتبه؛ حتى يحذر منه، وهذه شجاعة منه، وقوة في الرجوع إلى الحق، وإظهار منه أنه لم يتمادَ في الباطل.
ب- إن (شيئاً) هذا مؤلف جديد له دمج إليه كتابه القديم (شيء) وجعلهما كتاباً واحداً بحيث يورد كلامه القديم ثم يقوم بنقضه، وهذا ما رجحه مكارثي وبدوي حيث أورداه على مسمى واحد
(3)
.
ج- إن (شيئاً) كتاب قديم له، وقد نقض ما فيه من ضلال في كتب أخرى له، وهذا هو الذي يظهر؛ لأنه أعلن هنا أنه ألف كتاباً اسمه (شيء) فعلى مَنْ اطلع عليه أن يحذر منه، ثم ذكر أنه قد قام بالرد على
(1)
انظر التبيين ص 133 ومذاهب الإسلاميين ص 509 والإبانة لفوقية ص 55.
(2)
انظر التبيين ص 133 - ومذاهب الإسلاميين ص 510 والإبانة بتحقيق فوقية ص 56.
(3)
انظر مذاهب الإسلاميين ص 510. ومكارثي ص 222 نقلاً عن فوقية ص 56.
هذا الكتاب، ولم يذكر اسم الكتاب الذي نقض به (شيء) فدل هذا على أنه لم ينقض (شيئاً) بكتاب منفرد، بل نقضه في مواضع شتى والله أعلم.
الثامن والأربعون: الاجتهاد في الأحكام: حيث ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً في الاجتهاد في الأحكام
(1)
. والظاهر أنَّ هذا الكتاب في الفقه، ولم أجد فيما نسب للأشعري من كتب في الفقه غيره.
التاسع والأربعون: القياس: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً في إثبات أن القياس يخص ظاهر القرآن
(2)
. ذكر مكارثي أن المشكلة التي تطرق إليها الأشعري هنا هي مشكلة خلق القرآن
(3)
. وعلقت فوقية فقالت: أرى أن الأشعري قصد أن يبين ضرورة عدم إخراج القرآن عن ظاهره إلا لعلة وهذه وقفة منهجية تقوم على أصول السلف الصالح في تفسيرهم الصحيح للقرآن
(4)
. قلت: وما أدري ما الأسس والمعايير التي اعتمدا عليها لبيان محتوى الكتاب؟! ومنتهى ما لديهما عنوانه فقط، مع العلم بأن العنوان يمكن أن يفسر بعدة تفسيرات، واجتهادهما هذا لا يقران عليه من وجهة نظري؛ لأن فيه تحكماً بلا دليل.
(1)
انظر التبيين ص 133، ومذاهب الإسلاميين ص 510، والإبانة بتحقيق فوقية ص 56.
(2)
انظر التبيين ص 133 ومذاهب الإسلاميين ص 510 والإبانة بتحقيق فوقية ص 56.
(3)
انظر مكارثي ص 222 نقلًا عن فوقية ص 56.
(4)
انظر الإبانة بتحقيق فوقية ص 55، 56.
الخمسون: المعارف: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً في المعارف لطيفاً
(1)
. وعلق مكارثي أنه ربما يكون عبارة عن رسالة في حد العلم وأقسامه
(2)
. ولا أظن أن ما ذكره مكارثي صحيح؛ لأن هذه المواضيع لم يناقشها الأشعري بعد رجوعه، ولو كان من كتبه القديمة لنبه إلى ذلك ولا أظن أحداً يستطيع أن يفسر ويحلل محتوى كتاب من خلال عنوان، وليس لازماً أن يجتهد الإنسان في كل قضية.
الحادي والخمسون: الأخبار وتخصيصها: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً في الأخبار وتخصيصها
(3)
. وذكر مكارثي أن مثل هذا الموضوع قد ورد في كتاب التمهيد للباقلاني
(4)
. وهنا أيضاً يُطْرحَ تساؤلٌ: كيف حكم مكارثي على كتاب لم يطلع عليه؟
الثاني والخمسون: الفنون: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً في أبواب الكلام أسماه الفنون وبين أن هذا الكتاب غير كتاب الفنون الذي ألفه في الرد على الملحدين
(5)
. وليت الأشعري بيّن الفرق بين كتابيه المختزن كما بين الفرق بين كتابيه الفنون لأزال بذلك إشكالاً.
(1)
انظر التبيين ص 133. ومذاهب الإسلاميين ص 510 والإبانة بتحقيق فوقية ص 57.
(2)
انظر مكارثي ص 222 نقلًا عن فوقية ص 57.
(3)
انظر التبيين ص 133 ومذاهب الإسلاميين ص 510 والإبانة بتحقيق فوقية ص 57.
(4)
انظر مكارثي ص 222 نقلا عن فوقية ص 57.
(5)
انظر التبيين ص 133، ومذاهب الإسلاميين ص 510، والإبانة ص 57.
الثالث والخمسون: جواب المصريين: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً سماه جواب المصريين أتى فيه على كثير من أبواب الكلام
(1)
.
الرابع والخمسون: كتاب العجز عن الشيء غير العجز عن ضده ذكر الأشعري في العمد: أنه ألف كتاباً في أن العجز عن الشيء غير العجز عن ضده، وأن العجز لا يكون إلا من الموجود، وأنه نصر فيه من قال من أصحابه بذلك
(2)
.
الخامس والخمسون: المسائل على أهل التثنية: قال الأشعري في العمد: وألفنا كتاباً فيه مسائل على أهل التثنية سميناه: مسائل على أهل التثنية
(3)
.
السادس والخمسون: كتاب مجرّد: قال الأشعري في العمد: وألفنا كتاباً مجرداً ذكرنا فيه جميع اعتراضات الدهريين في قول الموحدين: إن الحوادث أولاً أنها لا تصح، وأنها لا تصح إلا من محدث، وفي أن المحدث واحد وأجبناهم عنه بما فيه إقناع للمسترشدين، وذكرنا أيضاً اعتلالات لهم في قدم الأجسام، وهذا الكتاب غير كتبنا التي ذكرناها في صدر كتابنا هذا، وهو موسوم بالاستقصاء لجميع اعتراضات الدهريين وسائر أصناف
(1)
انظر التبيين ص 133 ومذاهب الإسلاميين ص 510 والإبانة بتحقيق فوقية ص 57.
(2)
انظر التبيين ص 133، ومذاهب الإسلاميين ص 510 والإبانة بتحقيق فوقية ص 57.
(3)
انظر التبيين ص 133 ومذاهب الإسلاميين ص 510، والإبانة بتحقيق فوقية ص 57.
الملحدين
(1)
. واختار مكارثي عنواناً لهذا الكتاب من اجتهاده وهو: الاستقصاء لجميع اعتراضات الدهريين وسائر أصناف الملحدين
(2)
. وليس من حق مكارثي أن يغير من عنوان مؤلف حتى ولو كان مؤدى الهدف واحد.
السابع والخمسون: كتابا عن الدهريين في اعتلالاتهم: قال الأشعري في العمد: - وألفنا كتاباً عن الدهريين في اعتلالاتهم في قدم الأجسام بأنها لا تخلو لو كانت محدثة من أن يكون أحدثها لنفسه أو لعلة
(3)
.
الثامن والخمسون: كتاب نقَضَ به اعتراضاً على داود بن علي الأصبهاني في مسألة الاعتقاد
(4)
.
التاسع والخمسون: زيادات النوادر: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً أسماه زيادات النوادر
(5)
وذكر مكارثي أنه يصح أن يضم هذا الكتاب إلى كتاب النوادر في دقائق الكلام الذي صنفه الأشعري
(6)
. وما أدري ما المستند الذي جعل مكارثي يقول مثل هذا الكلام مع أن غاية ما
(1)
انظر التبيين ص 133، ومذاهب الإسلاميين ص 510، والإبانة بتحقيق فوقية ص 58.
(2)
انظر دراسة مكارثي ص 223، نقلا عن فوقية ص 58.
(3)
انظر التبيين ص 134، مذاهب الإسلاميين 510 والإبانة تحقيق فوقية ص 58.
(4)
انظر التبيين ص 134 ومذاهب الإسلاميين ص 510 والإبانة تحقيق فوقية ص 58.
(5)
انظر التبيين ص 134، ومذاهب الإسلاميين ص 511، والإبانة تحقيق فوقية ص 60.
(6)
انظر دراسة مكارثي ص 224 نقلاً عن فوقية ص 60.
لديه عنوان الكتاب، زيادات النوادر وما يُدري ما هي الزيادات؟ ولو كان مقصد المؤلف أن هذه زيادات على نوادره في دقائق الكلام لأوضح ذلك أو على الأقل أوضحه ابن فورك أو ابن عساكر.
الستون: كتاب جوابات أهل فارس: ذكر الأشعري في اللمع: أنه ألف كتاباً أسماه جوابات أهل فارس
(1)
.
الحادي والستون: كتاب عن اعتلال من زعم أن الموت يفعل بطبعه:
ذكر الأشعري في اللمع: أنه ألف كتاباً أخبرنا فيه عن اعتلال من زعم، أن الموت يَفْعَلُ بطبعه، ونقض عليه اعتلالهم، وأوضح عن تمويههم
(2)
. وعلقت فوقية على هذا الكتاب فقالت: «إن هذا الكتاب وغيره مما يبرز أساليب الخصوم في التمويه، والمراوغة تحتاج إلى حنكة في معرفة أساليب العقل مثل تلك التي اكتسبها الأشعري قبل خروجه عن الاعتزال، والتي كان يمكن أن يكتسبها بين أهل السنة لو كانت وجدت مثل هذه الدربة لديهم»
(3)
.
قلت: وما أدري ما المستند الذي اعتمدت عليه فوقية حسين للحكم
(1)
انظر التبيين ص 134 ومذاهب الإسلاميين 511 والإبانة تحقيق فوقية ص 60.
(2)
انظر التبيين ص 134 ومذاهب الإسلاميين ص 511، والإبانة تحقيق فوقية ص 60.
(3)
الإبانة تحقيق فوقية ص 60.
على هذا الكتاب بمثل هذا الوصف؟! كما أنها أخطأت خطأً بيناً عندما قالت: إن الأشعري قد عرف أساليب العقل، عندما كان معتزلياً، وهذا الاكتساب كان يمكنه أن يكتسبه من أهل السنة أيضاً لكنهم يفتقدون هذه الدربة، وقولها هذا لاشك أنه خطأ بين؛ فإن أهل السنة عندهم قدرة الرد على الخصوم من خلال الكتاب والسنة، والعقل، أما الأساليب المخالفة للكتاب والسنة فهم في غنية عنها ولا حاجة لهم بها
(1)
.
الثاني والستون: كتابٌ في الرؤية: حيث ذكر الأشعري في العمد: أنه ألف كتاباً في الرؤية نقض به اعتراضات الجبائي في مواضع متفرقة من كتب جمعها محمد بن عمر الصيمري
(2)
ورواها عنه فأبنَّا فسادها، وأوضحناه، وكشفناه
(3)
. وقد علقت فوقية على هذا الكتاب بقولها: إن هذا الكتاب قد يكون في الرؤية الصالحة، وهو الموضوع الذي انشغل به الأشعري لفترة بعد رؤيته النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وهو ما صرح به عقب
(1)
قلت: أهل السنة لهم اهتمام بالقضايا العقلية. انظر: كتاب درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما أن للدكتور سعود العريفي رسالة ماتعة بعنوان الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد ففيهما وغيرهما رد على كلام فوقية ـ رحمها الله ـ.
(2)
هو: أبو عبد الله محمد بن عمر الصَّيْمَري، شيخ المعتزلة أخذ عن أبي علي الجبائي، وانتهت إليه رئاسة الكلام بعد الجبائي، وكان ذكياً، له كتاب كبير في الرد على ابن الراوندي، وكتاب المسائل وغير ذلك توفي سنة خمسة عشر وثلاثمائة، انظر سير أعلام النبلاء 14/ 480، والأعلام 6/ 311، ولكنه أخطأ عندما كتبه الصَّيْمَري، مع أنه نقل نص الكلام من الذهبي.
(3)
انظر التبيين ص 134، ومذاهب الإسلاميين ص 511، والإبانة بتحقيق فوقية ص 61.
حكايته هذه الرؤيا ومما يرجح هذا الفرض أن الجبائي اعترض عليه. وهذا وضع طبيعي؛ لأن هذه الرؤيا الصالحة هي التي أكدت تهيأ الأشعري للتخلص من الاعتزال بصفة قاطعة، لأن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام هي رؤية الحق. والذي يترجح أيضاً أن هذا الكتاب ليس هو نفس كتابه الآخر العمد في الرؤيا. وإن كان عنوانه يحمل لفظ الرؤية التي قد تكون رؤية في المنهج، أي رؤية في الموقف من النص المنزل، أي رؤية لبيان أصول اعتقاد الأشعري
(1)
. وما أدري لماذا اتجهت فوقية لهذا التأويل؟ واستبعدت أو لم تتطرق لما هو أولى من أعظم مسائل الخلاف بين الأشعري والمعتزلة وهي قضية رؤية الرب في الدار الآخرة؛ فهذه القضية أولى أن تكون موضوع النزاع بين الأشعري والجبائي وليست قضية الرؤيا المنامية، ولم تذكر الروايات اعتراض الأشاعرة على رؤيا الأشعري المنامية، وإن كنت لا أحبذ الحكم على الكتاب، وذكر محتوياته من خلال العنوان فقط لأنه لا يفي بالغرض غالباً.
الثالث والستون: الجوهر في الرد على أهل الزيغ والمنكر: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً أسماه: الجوهر في الرد على أهل الزيغ والمنكر
(2)
.
(1)
انظر الإبانة تحقيق فوقية ص 61.
(2)
انظر التبيين ص 134، مذاهب الإسلاميين 511، والإبانة لفوقيه ص 61.
الرابع والستون: كتاب أجاب فيه عن مسائل الجبائي في النظر والاستدلال وشرائطه: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً أجاب فيه عن مسائل الجبائي في النظر والاستدلال وشرائطه
(1)
.
الخامس والستون: آداب الجدل: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً أسماه آداب الجدل
(2)
. ويرى مكارثي أن موضوعه يرتبط بكتاب أرسطو
(3)
في الجدل. كما أنه رجح أن يكون كتاب الأشعري شرح آداب الجدل هو شرح لهذا الكتاب مما يرجح أن يكون ما ورد في قائمة كتب الباقلاني عن شرح آداب الجدل، ليست أكثر من شرح لكتاب الأشعري. ويحيل إلى كتاب التمهيد للباقلاني ص 258 ليؤكد ما ذهب إليه
(4)
. وترى فوقية أن ربط الكلام في الجدل عند الأشعري بكلام
(1)
انظر التبيين ص 134 مذاهب الإسلاميين 511، والإبانة لفوقيه ص 61.
(2)
انظر التبيين ص 134، ومذاهب الإسلاميين 511 والإبانة لفوقيه 62.
(3)
هو: أرسطو طاليس من عظماء فلاسفة اليونان، واسمه أرسطوطا ليس بن نيقيو ماخوس، ولد في أول سنة من ملك أردشير بن دارا ولما بلغ السنة السابعة عشرة من عمره، أسلمه أبوه إلى أفلاطون «بئس المعلم والمتعلم» فمكث عنده أكثر من عشرين سنة، حيث درس في أكاديمية أفلاطون في أثينا. وهو مؤسس علم المنطق وهو مؤسس مذهب المشائين، وكان يلقب بالمعلم الأول، والحكيم المطلق، هلك سنة ثلاثمائة واثنتين وعشرين ق. م انظر الموسوعة الفلسفية 1/ 98، والفلسفة اليونانية 381 والملل والنحل للشهرستاني 2/ 116.
(4)
انظر مكارثي ص 225 نقلاً عن فوقية ص 62.
أرسطو أمر لا يدل على معرفة مكارثي بحقيقة مفهوم الجدل عند المسلمين. أما عن صلة أقوال الباقلاني في آداب الجدل بكلام الأشعري فهو أمر جائز مع أنه ليس في كلام الباقلاني ما يحيل إلى الأشعري. كما يجب أن نبين: أن آداب الجدل عبارة عن قواعد وأصول. يثبتها كل متكلم لنفسه وللآخرين
(1)
. ولاشك بأن ما ذكره مكارثي غير مسلم به، ولا يعدو أن يكون تحكماً بلا دليل وافتئاتاً على مؤلفه.
السادس والستون: الرد على مقالات الفلاسفة: ذكر الأشعري في العمد أنه ألف كتاباً في مقالات الفلاسفة
(2)
خاصة
(3)
.
السابع والستون: الرد على الفلاسفة: ذكر الأشعري في اللمع: أنه ألف كتاباً في الرد على الفلاسفة، يشتمل على ثلاث مقالات ذكر منها: نقضه علل ابن قيس الدهري. وتكلم فيها على القائلين بالهيولي
(4)
(1)
انظر الإبانة تحقيق فوقية ص 62، 63 باختصار وتصرف.
(2)
الفلاسفة: هم أصحاب الفلسفة وكلمة فيلسوف، معناها: محب الحكمة فإن فيلو بمعنى محب وسوف بمعنى حكمة والحكمة قولية وفعلية. أما الحكمة القولية: وهي العقلية أيضاً فهي كل ما يعقله العاقل .. وما يجري مجراه مثل الرسم وبالبرهان، وما يجري مجراه مثل: الاستقراء، فيعبر عنه بهما. أما الحكمة العقلية فهي كل ما يفعله الحكيم لغاية كمالية. انظر الملل والنحل للشهرستاني 2/ 57، والمواعظ والاعتبار 2/ 344
(3)
انظر التبيين ص 134، مذاهب الإسلاميين 511، والإبانة تحقيق فوقية ص 63.
(4)
لفظ يوناني معناه الأصل والمادة، وهي نوعان: هيولي بالقوة، أي المادة بالقوة، ولا تخرج الهيولي من القوة إلى الفعل إلا بحلول الصورة فيها. حينئذ تكون: هيولي أي مادة بالفعل، إنما يحصل بقبوله الصورة الجسمانية، كقوة قابلة للصورة، وليس في ذاته صورة إلا بمعنى القوة» انظر معيار العلم ص 264، والمعجم الفلسفي 1/ 536.
والطبائع. ونقض فيها علل أرسطو في السماء والعالم
(1)
.
(1)
انظر التبيين ص 134، مذاهب الإسلاميين 511، والإبانة فوقية ص 63.
المبحث الرابع
الكتب التي ألفها من سنة عشرين وثلاثمائة إلى وفاته
سنة أربع وعشرين وثلاثمائة
الثامن والستون: نقض المضاهاة على الإسكافي: ذكر ابن فورك أن الأشعري ألف كتاباً من أجل نقض المضاهاة على الإسكافي بالتسمية في القدر
(1)
. وقد علق عليها مكارثي: أنه في نفس المسألة التي ناقشها الأشعري في كتابه اللمع
(2)
. وهذه عادة مكارثي، لا يكاد يمر كتاب دون أن يعلق عليه دونما اعتبار أن ما قاله صواب أم خطأ.
الثامن والستون: العمد في الرؤية: حيث ذكر ابن فورك رحمه الله أن الأشعري ألف كتاباً أسماه العمد في الرؤية
(3)
وأثبته ابن تيمية رحمه الله
(4)
.
التاسع والستون: كتاب في معلومات الله ومقدوراته. ذكر ابن فورك أن الأشعري ألف كتاباً بعنوان: كتاب في معلومات الله ومقدوراته وأنه لا
(1)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين 512، والإبانة تحقيق فوقية 64.
(2)
انظر دراسة مكارثي 226 نقلاً عن فوقية ص 64.
(3)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين ص 512.
(4)
انظر التسعينية 3/ 1038.
نهاية لها رداً على أبي الهذيل
(1)
.
السبعون: كتاب في الصفات: ذكر ابن فورك أن الأشعري ألف كتاباً على حارث الوراق
(2)
في الصفات فيما نقض على ابن الراوندي
(3)
.
الحادي والسبعون: كتاب على أهل التناسخ:
(4)
حيث ذكر ابن فورك أن الأشعري ألف كتاباً على أهل التناسخ
(5)
.
الثاني والسبعون: كتاب في الرد في الحركات على أبي الهذيل
(6)
.
(1)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين ص 512، والإبانة ص 64.
(2)
لم أجد له ترجمة بعد بحث طويل.
(3)
انظر التبيين 135، ومذاهب الإسلاميين 512، والإبانة تحقيق فوقية 64.
(4)
التناسخ: هو أن تتكرر الأكوار والأدوار إلى مالا نهاية له، ويحدث في كل دور مثل ما حدث في الأول. والثواب والعقاب في هذه الدار، لا في دار أخرى لا عمل فيها والأعمال التي نحن فيها، إنما هي أجزية على أعمال سلفت منا في الأدوار الماضية، فالراحة والسرور والفرح والدعة التي نجدها: هي مرتبة على أعمال البر التي سلفت منا في الأدوار الماضية والغم، والحزن، والضنك، والكلفة التي نجدها: مرتبة على أعمال الفجور التي سبقت منا. وكذا كان في الأول. وكذا يكون في الآخر. والانصرام من كل وجه غير متصور من الحكيم. والقائلون بالتناسخ أصناف: فمنهم من لا يرى المعاد والبعث بعد الموت، ومنهم من أجاز أن تنتقل روح الإنسان إلى كلب وروح الكلب إلى إنسان، وحُكي هذا القول عن بعض الفلاسفة كسقراط، وأفلاطون، وهو معتقد بعض الأديان في الهند انظر للمزيد الملل والنحل للشهرستاني 2/ 54، والفرق بين الفرق للبغدادي 203 - 208.
(5)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين 513، والإبانة تحقيق فوقية ص 65.
(6)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين 513، والإبانة ص 65. وأبو الهذيل العلاف يقول بفناء حركات أهل الجنة والنار، وقد رد عليه ابن القيم في النونية.
الثالث والسبعون: كتاب على أهل المنطق
(1)
. ذكر ابن فورك: - أن الأشعري ألف كتاباً في الرد على أهل المنطق
(2)
.
الرابع والسبعون: مسائل سأل عنها الجبائي في الأسماء والأحكام:
حيث ذكر ابن فورك بأن الأشعري ألف كتاباً للإجابة عن مسائل سأل عنها الجبائي في الأحكام
(3)
.
الخامس والسبعون: كتاب في مجالسات في خبر الواحد وإثبات القياس: حيث ذكر ابن فورك بأن للأشعري كتاباً في خبر الواحد وإثبات القياس
(4)
. وذكر مكارثي بأنه كتاب في مسائل سأل عنها الجبائي في الأسماء والأحكام، ومجالسات خبر الواحد وإثبات القياس، مع كتاب
(1)
اختلف في تعريف المنطق، فمنهم من عرفه بأنه آلة العلم، ومنهم من عرفه بأنه القانون الذي يميز صحيح الحل والقياس عن غيره. فيتميز العلم اليقيني، عما ليس يقينياً، وكأنه الميزان، أو المعيار للعلوم كلها وهناك من عرفه بأنه: آلة تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في التفكير بحيث تتوافق العقول السليمة على صحته. انظر المنطق الصوري عند أرسطو للدكتور علي سامي النشار ص 6، ومقاصد الفلاسفة للغزالي ص 36، وعلم المنطق ص 16، 17.
(2)
انظر التبيين 135، ومذهب الإسلاميين 513 والإبانة تحقيق فوقية ص 65.
(3)
انظر التبيين 135، ومذاهب الإسلاميين 513.
(4)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين 513.
على أهل المنطق تتقارب في الموضوع، وما كان يصح التفرقة بينهما، وإن كان قد أعطى كل واحد منهما رقماً على حدة
(1)
.
قلت: ويبدو أن فوقية تميل إلى أنهما كتاب واحد؛ حيث لم تذكر منهما إلا كتاباً على أهل المنطق، ولعل عبارة ابن عساكر هي التي سببت هذا الإشكال عندها؛ لأنه قال: «وكتاب على أهل المنطق، ومسائل سأل عنها الجبائي في الأسماء، والأحكام، ومجالسات في خبر الواحد، وإثبات القياس
(2)
. فلم يفرق بينهما ابن عساكر بلفظ وكتاب على خلاف عادته؛ ففهمت فوقية أنه كتاب واحد مع أن المتأمل لعبارة ابن فورك يفهم أنها ثلاثة كتب؛ لأن الواو هنا عاطفة عطفت الكتب بعضها على بعض من باب عطف الشيء على ما يماثله من جنسه. أما ما قاله مكارثي أن موضوعهما واحد ولا يصح التفريق بينهما فلا يسلم له بهذا الرأي؛ بل ظاهرهما التباين، فكيف حكم على أن موضوعهما واحد؟! مع عدم إطلاعه عليهما، لاسيما أن عنوانيهما مختلفان.
السادس والسبعون: كتاب في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم: ذكر ابن فورك: بأن لابن عساكر كتاباً في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
.
(1)
انظر مكارثي ص 227 نقلاً عن فوقية ص 65.
(2)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين ص 513، والإبانة تحقيق فوقية ص 65.
(3)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين 513، والإبانة تحقيق فوقية 65.
السابع والسبعون: كتاب في الوقوف والعموم. حيث أثبت ابن فورك أن للأشعري كتاباً في الوقوف والعموم
(1)
. قال مكارثي: بأن هناك صعوبة، بفهم كلمة وقوف وإن كان الموضوع فيما يبدو يدور حول مسألة خلق القرآن
(2)
. وهكذا مكارثي يريد أن يجعل له بصمة وتعليقاً، ولو كان معدوم الدليل. أما فوقية فقد قالت: إن العنوان ربما يكون الخصوص والعموم، ويكون الأشعري بصدد بيان بعض أوجه أصول التفسير الصحيح حسب رأي السلف الصالح، ومما هو جدير بالذكر أن ابن حنبل. وقد تعرض لبيان أصول التفسير في كتابه الرد على الزنادقة والجهمية، خاصة فيما يتعلق بقاعدة العموم والخصوص. والأشعري قد صرح بانتمائه إلى الإمام أحمد ابن حنبل، وبالتالي تكون وقفته مع أصول التفسير الصحيح حسب رأي السلف أمراً طبيعياً تقتضيه ظروف مواجهة الخصوم في ذلك الحين
(3)
. قلت: كل هذا من فوقية ومكارثي، اجتهادٌ بلا دليل، ولا يمكن أن نجعل هذا الكتاب في أصول التفسير بناءً على العنوان فقط؛ خاصة أن فوقية قد غيرت العنوان من الوقوف إلى الخصوص حتى يستقيم لها المعنى!
(1)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين 513، والإبانة فوقية ص 65.
(2)
انظر دراسة مكارثي ص 227 نقلاً عن فوقية ص 65.
(3)
انظر الإبانة تحقيق فوقية ص 66.
الثامن والسبعون: كتاب في متشابه القرآن: حيث ذكر ابن فورك أن الأشعري ألف كتاباً في متشابه القرآن جمع فيه أقوال المعتزلة والملحدين فيما يطعنون به في متشابه القرآن
(1)
.
التاسع والسبعون: نقد كتاب التاج على ابن الراوندي: ذكر ابن فورك، أن الأشعري نقض كتاب التاج على ابن الراوندي
(2)
، وقد جعل مكارثي كتاب التاج وكتاب متشابه القرآن كتاباً واحداً
(3)
. وهذه عادة مكارثي، في إبداء آرائه في مضامين الكتب دون أن يكون معه دليل.
الثمانون: كتاب في بيان مذهب النصارى: ذكر ابن فورك، أن للأشعري كتاباً فيه بيان لمذهب النصارى
(4)
.
الحادي والثمانون: كتاب في الإمامة: ذكر ابن فورك بأن للأشعري كتاباً في الإمامة
(5)
.
الثاني والثمانون: كتاب فيه الكلام عن النصارى: ذكر ابن فورك أن للأشعري كتاباً فيه الكلام عن النصارى مما يحتج به عليهم من سائر
(1)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين ص 513، والإبانة في تحقيق فوقية ص 66. بتصرف يسير.
(2)
انظر التبيين ص 135 ومذاهب الإسلاميين ص 513، والإبانة فوقية ص 66.
(3)
انظر دراسة مكارثي ص 227 نقلاً عن فوقية ص 66.
(4)
انظر التبيين ص 135 ومذاهب الإسلاميين 513 والإبانة في تحقيق فوقية ص 66.
(5)
انظر التبيين 135 ومذاهب الإسلاميين 513 والإبانة فوقية 66.
الكتب التي يعترفون بها
(1)
.
الثالث والثمانون: كتاب في النقض على ابن الراوندي: ذكر ابن فورك أن للأشعري كتاباً في النقض على ابن الراوندي في إبطال التواتر، وفيما يتعلق به الطاعنون على التواتر، ومسائل في إثبات الإجماع
(2)
.
الرابع والثمانون: كتاب في حكاية مذهب المجسمة: ذكر ابن فورك، بأن للأشعري كتاباً في حكاية مذهب المجسمة وما يحتجون به
(3)
.
الخامس والثمانون: كتاب نقض شرح الكتاب: حيث ذكر ابن فورك، أن للأشعري كتاباً في نقض شرح الكتاب
(4)
. وأعلن مكارثي دهشته من غرابة هذا العنوان إذ يقول متسائلاً أي كتاب؟! ثم يثبت أن عنوان هذا الكتاب هو كتاب نقض شرح الكبار، ويقول بعدها: إذا صحت هذه القراءة فيكون في نقض شرح كبار رجال الخصوم من معتزلة وغيرهم
(5)
.
قلت: وكلام مكارثي ومهران ليس له مستند، فلماذا لا يكون الكتاب ناقضاً بعض كتبه التي صنفها في وقت الاعتزال؟ فما الداعي لأن
(1)
انظر التبيين 135، ومذاهب الإسلاميين 513 والإبانة تحقيق فوقية 66.
(2)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين 513، والإبانة تحقيق فوقية ص 66.
(3)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين 513، والإبانة تحقيق فوقية ص 66.
(4)
انظر التبيين ص 135، ومذاهب الإسلاميين 513، والإبانة تحقيق فوقية ص 66.
(5)
انظر مكارثي ص 228 ومهران ص 102، نقلاً عن فوقية ص 67.
يصنع مهران ويؤيده مكارثي عنواناً جديداً للكتاب؟ ثم يحكمان على الكتاب من خلال ما وضعاه مِنْ عنوان؟!
السادس والثمانون: كتاب في مسائل جرت بينه وبين أبي الفرج المالكي في علة الخمر: حيث ذكر ابن فورك أن الأشعري قد ألف كتاباً حول مسائل جرت بينه وبين أبي الفرج المالكي
(1)
في علة الخمر
(2)
، وهذا الكتاب فقهي.
السابع والثمانون: نقض كتاب أثار العلوية: حيث ذكر ابن فورك بأن الأشعري قد ألف كتاباً في نقض كتاب الآثار العلوية على أرسطوطاليس
(3)
.
الثامن والثمانون: كتاب في جوابات مسائل لأبي هاشم
(4)
: استملاها
(1)
هو: عمر بن محمد المالكي نسبة إلى مذهب الإمام مالك رحمه الله له من الكتب الحادي في الفقه وكتاب اللمع في أصول الفقه، توفي سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي 46/ 83، والفهرست ص 249.
(2)
انظر التبيين 135، 136، ومذاهب الإسلاميين ص 513 والإبانة بتحقيق فوقية ص 67.
(3)
انظر التبيين ص 136 ومذاهب الإسلاميين ص 513 والإبانة بتحقيق فوقية ص 68.
(4)
هو: عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي المعتزلي أخذ عن والده أبي علي الجبائي وكان من كبار المتكلمة وشيخهم وإليه تنسب فرقة البهشمية المعتزلية ولد في سنة 247 هـ له كتاب الجامع الكبير وكتاب العرض وكتاب المسائل العسكرية توفي سنة 321 هـ انظر البداية والنهاية 15/ 75 ن وسير أعلام النبلاء 15/ 63، وشذرات الذهب 4/ 106.
ابن ابي صالح الطبري
(1)
.
التاسع والثمانون: الاحتجاج: ذكر ابن فورك أن الأشعري ألف كتاباً أسماه الاحتجاج
(2)
.
التسعون: الأخبار: ذكر ابن فورك أن للأشعري كتاباً أسماه الأخبار
(3)
. وذكرت فوقية أن الأصح أن هذا الكتاب شرح لكتاب البرهان
(4)
. وهذا أيضاً يحتاج إلى دليل وبينة حتى يُقبل.
الحادي والتسعون: دلائل النبوة: ذكر ابن عساكر عن ابن فورك أن هذا آخر ما بلغنا من أسامي تصانيفه، وأن له كتاباً في دلائل النبوة مفرد
(5)
.
الثاني والتسعون: رسالة الحث على البحث
(6)
.
الثالث والتسعون: الإمامة: ذكر ابن عساكر أن للأشعري كتاباً آخر في
(1)
انظر التبيين ص 136، ومذاهب الإسلاميين ص 513 والإبانة بتحقيق فوقية ص 68.
(2)
انظر التبيين ص 136، ومذاهب الإسلاميين ص 513 والإبانة بتحقيق فوقية ص 68.
(3)
انظر التبيين ص 136 ومذاهب الإسلاميين ص 513، والإبانة بتحقيق فوقية ص 68.
(4)
انظر الإبانة تحقيق فوقية ص 68.
(5)
انظر التبيين 136 ومذاهب الإسلاميين 514 والإبانة بتحقيق فوقية 68.
(6)
انظر تبيين كذب المفتري 136 وبيان التلبيس 1/ 145.
الإمامة مفرداً
(1)
.
قلت: وبعد هذا السرد لكتبه رحمه الله لابد من ملاحظة أمور وهي:
أولاً: هذه هي أسامي الكتب التي عُرفت لأبي الحسن: اثنان ومائة كتاب سواء المطبوع أو التي وردت معلومات عنه، أو ما عرف باسمه من خلال نقل ابن فورك، أو الأشعري نفسه بالعمد. وذكر ابن تيمية نقلاً عن عزيز بن عبد الملك
(2)
: أن تراجم كتب الأشعري أكثر من ثمانين وثلاثمائة مصنف
(3)
، وقد لاحظ بدوي أن ما أورده الأشعري وابن فورك قد خلا من العنوان الأصلي للكتاب، وإنما اكتفى بموضوع الكتاب، وهذا لا يفيد من وجهة نظري في معرفة صحة الكتب التي نسبت للأشعري، ولم ترد في هذا الإثبات
(4)
. وملاحظته هذه غريبة؛ فهل عدم معرفة العنوان الأصلي للكتاب مبرر لطرح مثل هذا التساؤل؟! أليس موضوع الكتاب كافياً لصحة نسبته؟ إن عدم معرفة العنوان
(1)
انظر التبيين 136 ومذاهب الإسلاميين ص 514، والإبانة بتحقيق فوقية ص 68.
(2)
هو: عزيز بن عبد الملك بن منصور أبو المعالي وقيل عزيز المعروف بشَيْذّلّهْ، ففيه شافعي، صنف في الفقه والوعظ وأصول الدين، وكان يناظر بمذهب الأشعري توفي عام 494 هـ. انظر وفيات الأعيان 3/ 259 وشذرات الذهب 5/ 408.
(3)
انظر: بيان التلبيس 1/ 145.
(4)
مذاهب الإسلاميين 515.
الأصلي مؤثر في فهم مضمون الكتاب، وليس مؤثراً في صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه، ولو كان التساؤل حول صحة نسبة كتاب العمد لكان مقبولاً من وجهة نظري. كما حاولت فوقية أن تضع ترتيباً لكتب الأشعري باجتهاد منها فجعلتها كالآتي: -
1 -
الإبانة: ما بين سنة ثلاثمائة إلى ثلاثمائة وعشرين.
2 -
اللمع: قبل سنة ثلاثمائة وعشرين.
3 -
مقالات الإسلاميين: قبل سنة ثلاثمائة وعشرين.
4 -
تفسير القرآن: قبل سنة ثلاثمائة وعشرين.
5 -
رسالة الإيمان: بعد سنة ثلاثمائة وعشرين.
6 -
رسالة في الرد على أهل الثغر: بعد سنة ثلاثمائة وعشرين.
7 -
العمد في الرؤيا: بعد سنة ثلاثمائة وعشرين.
واجتهادها هذا مبني على فهمها، ومن خلال ما ذكره ابن فورك عن الكتب التي صنفها الأشعري قبل سنة عشرين وثلاثمائة، ولكن الغريب أن ابن فورك لم يذكر الإبانة وابن عساكر ذكرها في التبيين، فهي لم ترد أنها من مؤلفات عشرين وثلاثمائة، فكيف جعلتها أول المؤلفات؟! كما أن تفسير القرآن كما ذكره الذهبي فيما نقله عنه السبكي ويفهم من كلام ابن العربي قد ألفه وهو في مرحلة الاعتزال فكيف تجعله مع ما ألف بعد الاعتزال؟!
ثانياً: كما أنه من الملاحظ كثرة كتب الأشعري التي ذكرت له مع قلة
ما وصل إلينا منها.
ثالثاً: كما أن من اللافت للنظر قوة الصراع بين الأشعري والمعتزلة حتى لم يكد يبقى لهم رمزاً إلا ورَدَّ عليه، فهو قد رد على أبي علي الجبائي وأبي هاشم الجبائي، والفوطي والكعبي، والإسكافي، وغيرهم.
رابعاً: كما رد على الفلاسفة كأرسطوطاليس وعلى الملاحدة كابن الراوندي.
خامساً: ندرة ما وصل إلينا من كتبه رحمه الله مع أن مؤلفاته تعدت المئات.
الخاتمة
تم بحمد الله ومنه، والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، عدد ماعلم الله ومثل ماعلم، حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتخبين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وعلى ذريته وأهل بيته صلاة دائمة إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً عليه وعليهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فقد يسر الله لي بفضله وكرمه، وجوده وإحسانه، وآلائه التي لاتحصى عليّ بدراسة حياة الإمام الأشعري رحمه الله وأطواره العقدية، وخلصت في هذه الدراسة إلى مايلي:
أولاً: أن الإمام الأشعري عاش في زمن علمي انتشر فيه التصنيف والتأليف، وهو عصر يعتبر من أهم عصور تدوين العلم في تاريخ الإسلام والمسلمين.
ثانياً: عاش الإمام الأشعري في زمن الخلافة العباسية، وكان الوضع السياسي في زمنه غير مستقر، حيث كثرت فيه الفتن كفتنة الزنوج وغيرها.
ثالثاً: تبين لي من خلال الدراسة أن الأشعري عاش في زمن انتشر فيه الفكر الاعتزالي الخبيث، وظهرت آراؤهم الفكرية وبرز فيه أعلامهم.
رابعاً: تبين لي حقيقة ماكان عليه المعتزلة من إلحاد في أسماء الله
وصفاته، وتأولهم للنصوص الثابتة لما يخالف مقتضى النقل والعقل والإجماع، بل ومايخالف الفطر السليمة وجرأتهم على الله جل وعلا، كما تبين لي أنهم من أبعد الناس عن العقل السليم، ودعوى أنهم أصحاب عقول مقالة أرادوا بها تلميع أنفسهم؛ ليخدعوا بها ضعفاء النفوس من العامة والخاصة.
خامساً: تبين لي أن الإمام الأشعري رحمه الله رجع إلى منهج السلف رجوعاً تاماً لا يقدح فيه بعض الأخطاء الاجتهادية التي لا تتعلق بالأصول، وكانت لبدايته في طلب العلم على يد زكريا الساجي أثرها عليه عند رجوعه، فسلامة الاعتقاد في البداية ساعدته بعد توفيق الله على نبذ معتقد المعتزلة.
سادساً: تبين لي أن الأشعري كان يتوقد - كما قال الذهبي - ذكاءً، وبرز ذكاؤه بشكل عجيب في حججه العقلية التي هدم بها حجج المعتزلة العقلية المزعومة.
سابعاً: أنه مرَّ بثلاثة أطوار عقدية في مراحل عمره المختلفة، وكان آخرها رجوعه التام إلى منهج أهل السنة والجماعة.
ثامناً: الإمام الأشعري رحمه الله في هذا الكتاب، نموذجاً للعالم الصادق، الذي يرتجي مرضاة الله عز وجل، فلا تأخذه العزة بالإثم، ولذا نجده يعلن أمام الأشهاد: أنه أخطأ عندما نهج منهج المعتزلة، ويتوب من هذا الخطأ ويرجع عن هذا الذنب بل ويرد على ما قد ألفه من كتبٍ كتبها
في تلك المرحلة، وبهذا التجرد عن الذاتية والإعتداد بالرأي، يكون مثل هذا العالم نبراساً وقدوةً يحتذى به كل من أخطأ، وعلم بخطئه، فلا يتردد عن الرجوع عن هذا الخطأ، فرضا الله مقدم على الهوى وحب الذات وكل شيء.
تاسعاً: أن له العشرات من المؤلفات كان آخرها كتابه (الإبانة).
ولعل هذه النقاط هي أهم ماخلصت فيه من هذه الرسالة، والتي أسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه، فما كان فيها من صواب فمن الله وما كان فيها من خطأ فمن نفسي، وأسأل الله المغفرة والعافية.
فهرس
المراجع
1 -
الأباطيل والمناكير والصحاح، للحافظ الهمذاني، تحقيق الدكتور عبدالرحمن الفريوائي، الناشر دار الصميعي، الرياض الطبعة الرابعة 1422 هـ.
2 -
الإبانة عن أصول الديانة، تقديم وتحقيق وتعليق الدكتورة فوقية حسين محمود، الناشر دار الأنصار، القاهرة الطبعة الأولى 1397 هـ.
3 -
الإبانة عن أصول الديانة للإمام أبي الحسن الأشعري، تحقيق: بشير عون، تقديم فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري، الناشر: دار البصيرة 1413 هـ.
4 -
الإبانة عن أصول الديانة للإمام أبي الحسن الأشعري، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، د. ت.
5 -
الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية، لابن بطة العكبري، تحقيق: سيد عمران، الناشر: دار الحديث القاهرة 1427 هـ.
6 -
إبطال التأويلات لأخبار الصفات، للقاضي أبي بعلى محمد بن الحسين الفراء، تحقيق: محمد بن حمد الحمود النجدي، الناشر: دار الامام الذهبي في الكويت ط 1، 1410.
7 -
ابن تيمية والتصوف، تأليف: د. مصطفى محمد حلمي، الناشر: دار ابن الجوزي، ط 2005.
8 -
أبو الحسن الأشعري بين المعتزلة والسلف، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العقيدة بجامعة الملك عبد العزيز. إعداد: هادي طالبي.
مكتوبة بالآلة الكاتبة، عام 1399 هـ.
9 -
أبو الحسن الأشعري للدكتور حمودة غرابة - منشورات المكتبة العصرية صيدا - بيروت من مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية 1393.
10 -
إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين - تصنيف: العلامة السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى المتوفى سنة 1205 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة الثالثة 1426 هـ.
11 -
إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: د/ يوسف عبدالرحمن المرعشلي.
12 -
الآثار الواردة عن عمر بن عبدالعزيز، لحياة بن محمد بن جبريل، الناشر: جامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1423 هـ.
13 -
إثبات صفة العلو، للإمام ابن قدامة، تحقيق: بدر بن عبدالله البدر، الناشر: الدار السلفية.
14 -
أثر الحركات الباطنية في عرقلة الجهاد ضد الصليبية. تأليف: يوسف إبراهيم الشيخ عيد، الناشر: دار المعالي، الأردن، 1419 هـ ـ 1998 م.
15 -
اجتماع الجيوش الإسلامية لابن قيم الجوزية، الناشر: دار الشريعة للنشر، الطبعة الأولى 1424 هـ.
16 -
الإجماع، للإمام أبي بكر بن المنذر، بدون تحقيق، الناشر: دار طيبة د. ت.
17 -
الآحاد والمثاني، أحمد بن عمرو بن الضحاك أبو بكر الشيباني، تحقيق باسم فيصل أحمد الجوابرة، الناشر: دار الراية - الرياض 1411.
18 -
أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين، تأليف الدكتور سليمان بن محمد بن علي الدبيخي، الناشر: مكتبة دار المنهاج الرياض، الطبعة الأولى، 1426.
19 -
أحكام القرآن، لأبي بكر الرازي الجصاص، د. ت.
20 -
أحكام أهل الذمة، لابن قيم الجوزية، تحقيق: يوسف بن أحمد وشاكر بن توفيق، الناشر: دار رمادي، في الأردن الطبعة الأولى 1418 هـ.
21 -
إحياء علوم الدين، للغزالي، الناشر: دار المعرفة، بيروت، طبعة 1402 هـ.
22 -
الاختيارات الفقهية، للإمام الألباني، تأليف: إبراهيم أبو شادي، الناشر: دار الغد الجديد، الطبعة الأولى، 1427 هـ ـ 2006 م.
23 -
الأدلة العقلية والنقلية على أصول الاعتقاد، تأليف: الدكتور: سعود بن عبدالعزيز بن محمد العريفي، الناشر: دار عالم الفوائد، مكة، 1419 هـ.
24 -
الأذكار، للإمام أبي زكريا النووي، تحقيق: عبدالقادر الأرنؤوط، الناشر: دار الهدى، الرياض، الطبعة السادسة، 1417 هـ.
25 -
آراء ابن فورك الاعتقادية، عرض ونقد على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة، رسالة دكتوراة مقدمة من: عائشة على روزي الخوقاني ـ جامعةأم القرى 1420 هـ ـ 2000 م.
26 -
الأربعين في أصول الدين للغزالي، تحقيق: عبدالله عبدالحميد عرواني،
الناشر: دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1424 هـ.
27 -
الأربعين في دلائل التوحيد، لأبي إسماعيل الهروي، تحقيق: د. علي بن محمد الفقيهي، الطبعة الأولى، 1404.
28 -
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي الشوكاني، بدون تحقيق، الناشر: دار المعرفة، بيروت - لبنان، 1399 هـ.
29 -
الإرشاد إلى قواطع الأدلة، لأبي المعالي الجويني، تحقيق: محمد مرسي وعلي عبدالمنعم، الناشر: مكتبة الخانجي، 1369 هـ.
30 -
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لمحمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، 1405.
31 -
إزالة الستار عن الجواب المختار لهداية المحتار، تأليف: الشيخ محمد العثيمين، الناشر: دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى، 1410 هـ.
32 -
ازالة الشبهات على الآيات والأحاديث المتشابهات، شمس الدين محمد بن احمد المشهور بابن اللبان الدمشقي، تحقيق: د. فريد مصطفى سلمان، الناشر: دار طويق للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1، 1416.
33 -
إسبال المطر على قصب السكر، للإمام العلامة محمد بن إسماعيل اليماني، تحقيق: الشيخ محمد رفيق الأثري، الناشر: دار السلام بالرياض، الطبعة الأولى. د. ت
34 -
الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، لابن عبدالبر، تحقيق: د/ عبدالمعطي أمين، الناشر: دار قتيبة، د. ت.
35 -
الاستذكار، لابن عبد البر، سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية، 1421.
36 -
الاستغاثة في الرد على البكري، تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية، دراسة وتحقيق: الدكتور/ عبد الله بن دجين السهلي، الناشر: دار الوطن، بالرياض، ط 1، 1417 هـ.
37 -
الاستقامة لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: الدكتور/ محمد رشاد سالم رحمه الله، الناشر: دار الفضيلة، بالرياض، الطبعة الأولى، 1420 هـ.
38 -
أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير، تحقيق: محمد إبراهيم البنا ومحمد أحمد، ومحمود عبد الوهاب، بدون ناشر، د-ت.
39 -
أسرار البلاغة في علم البيان، لعبد القاهر الجرجاني، تعليق السيد محمد رشيد رضا، الناشر: دار المعرفة، بيروت، طبعة، 1401 هـ.
40 -
أسماء الله الحسنى، عبدالله بن صالح بن عبدالعزيز الغصن، الناشر: دار الوطن، الرياض، ط 1، 1417.
41 -
الأسماء والصفات، للإمام البيهقي، تحقيق: عبدالله بن محمد الحاشدي، الناشر: مكتبة السوادي جدة، الطبعة الأولى 1423 هـ.
42 -
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، تحقيق: عادل أحمد وعلي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان الطبعة، الأولى، 1415 هـ.
43 -
أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة. تأليف: الدكتور محمد بن عبدالرحمن الخميس، الناشر: دار الصميعي، 1416 هـ.
44 -
اعتقاد أهل السنة والجماعة، لعدي بن مسافر الأموي الهكاري، تحقيق: حمدي عبدالحميد السلفي، وتحسين إبراهيم الدوسكي، الناشر: مكتبة دار الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، ط 1، 1419.
45 -
الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف تأليف: الإمام أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: الدكتور/ عبدالله الدرويش، الناشر: اليمامة بيروت- الطبعة الثانية 1423 هـ.
46 -
الاعتقاد، لابي الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى الفراء، تحقيق: د. محمد الخميس، الناشر: دار أطلس، الخضراء، ط 1، 1423.
47 -
اعتقادات فرق المسلمين والمشركين لفخر الدين الرازي، تحقيق: محمد المعتصم البغدادي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1407 هـ.
48 -
إعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، للخطابي، تحقيق: محمد بن سعد بن عبدالرحمن آل سعود، من منشورات مركز إحياء التراث الإسلامي، بجامعة أم القرى، بمكة المكرمة.
49 -
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، تحقيق: عبدالعزيز المشيقح، الناشر: دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1417 هـ.
50 -
الأعلام، خير الدين الزركلي، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة عشرة، 2002 م.
51 -
إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، للإمام ابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى.
52 -
الاقتصاد في الاعتقاد، للغزالي، الناشر: دار الكتب العلمية.
53 -
الأجوبة المرضية لتقريب التدمرية، لأبي مصعب بلال بن حبشي طبري الجزائري، الناشر: دار هجر للنشر والتوزيع، ط 1، 1417.
54 -
الإمام أبو الحسن الأشعري فحص نقدي لعلم الكلام الإسلامي تأليف: الدكتور محمد إبراهيم الفيومي، الناشر: دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة الأولى 1423 هـ.
55 -
الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري وآراؤه الكلامية، في كتابه اللمع. رسالة دكتوراة، تأليف: إبراهيم محمد برقان الناشر: جامعة آل البيت في الأردن، عام 1997 م.
56 -
الإمام أبوبكر محمد بن الحسن بن فورك وأثره في المدرسة الأشعرية، إعداد الباحث: السيد أحمد محمود عبدالغفار، رسالة دكتوراة/ جامعة الأزهر، قسم العقيدة والفلسفة، 1409 هـ ـ 1989 م.
57 -
الإمام المجدد العلامة المحدث. محمد ناصر الدين الألباني، تأليف: عمر أبو بكر، الناشر: بيت الأفكار الدولية.
58 -
الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة، تأليف: الدكتور عبدالله الدميجي، الناشر: دار طيبة، الرياض، الطبعة الثانية، 1409 هـ.
59 -
الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع، لابن حجر، تحقيق: صلاح الدين مقبول أحمد، الناشر: الدار السلفية للنشر والتوزيع، طبعة 1409.
60 -
الآمدي وآراؤه الكلامية، للدكتور حسن الشافعي، الناشر: دار السلام للطباعة والنشر، الطبعة الاولى، 1418 هـ.
61 -
الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار، ليحيى بن أبي الخير العمراني، تحقيق: الدكتور سعود الخلف، الناشر: أضواء السلف، ط الأولى، 1419 هـ.
62 -
الانتصار والرد على ابن الروندي الملحد، لأبي الحسين عبدالرحيم الخياط المعتزلي، الناشر: مطبعة دار الكتب المصرية، طبعة 1344 هـ.
63 -
الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، للإمام الحافظ بن عبد البر الأندلسي. الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب 1417 هـ.
64 -
الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث والرابع عشر الهجريين، تأليف: علي بن بخيت الزهراني، تقديم: محمد قطب، الناشر: دار طيبة بمكة المكرمة، ودار آل عمار في الشارقة، الطبعة الثانية، 1418 هـ.
65 -
الأنساب للإمام عبد الكريم السمعاني، وضع حواشيه محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1419 هـ.
66 -
الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف، للأمير محمد الصنعاني، تحقيق: د/ عبدالرزاق العباد، بدون ناشر، الطبعة الأولى، 1421 هـ.
67 -
الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولايجوز الجهل به للباقلاني، تحقيق: عماد الدين حيدر، الناشر: عالم الكتب، بيروت، ط الأولى، 1407.
68 -
الإيمان، لابن منده، تحقيق: د/ علي محمد ناصر الفقيهي، الناشر: دار الفضيلة، الطبعة الرابعة، 1421 هـ.
69 -
الباقلاني وآراؤه الكلامية، رسالة دكتوراة، إعداد: محمد رمضان عبدالله، جامعة الأزهر 1398 هـ ـ 1978 م.
70 -
بدائع الفوائد للإمام ابن القيم، تحقيق: علي بن محمد العمران، الناشر: دار عالم الفوائد، في مكة، الطبعة الأولى، 1425 هـ.
71 -
خلاصة تهذيب الكمال في أسماء الرجال للخزرجي، تحقيق: محمود عبدالوهاب فايد، مطبعة الفجالة الجديدة بدون تاريخ.
72 -
البداية والنهاية للحافظ عماد الدين بن كثير القرشي الدمشقي تحقيق: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر- الطبعة الأولى، 1420 هـ
73 -
براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة، تأليف: د. عبدالعزيز بن أحمد محسن الحميدي، الناشر: دار ابن عفان، القاهرة، 1420 هـ ـ 1999 م.
74 -
البرهان في بيان القرآن، لأبي محمد بن أحمد بن قدامة الحنبلي، تحقيق: د. سعود بن عبدالله الفنيسان، مكتبة الهدى النبوي، الاسلامية، بور سعيد، الطبعة الثانية، 1409 هـ.
75 -
البرهان في علوم القرآن، بدر الدين محمد الزركشي، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الثانية 1391 هـ.
76 -
بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد، للحافظ الهيثمي، تحقيق: عبدالله الدرويش، الناشر: دار الفكر طبعة 1414 هـ.
77 -
البلاغة فنونها وأدابها، لفضل حسن عباس، الناشر: دار الفرقان للنشر
والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، 1407 هـ.
78 -
بلدان الخلافة الشرقية، تأليف: كي لسترنج، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1405 هـ.
79 -
بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، لمحمود شكري الألوسي. شرحه وحققه: محمد بهجت الأثري، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، د. ت.
80 -
تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي لحسن إبراهيم، الناشر: مكتبة النهضة العصرية، القاهرة، الطبعة السابعة، 1965
81 -
تاريخ الإسلام، للذهبي، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت.
82 -
التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت،، الطبعة الخامسة، 1411 هـ.
83 -
تاريخ الطبري، أبو جعفر بن جرير الطبري، محمد أبو الفضل، الناشر: دار المعارف المصرية.
84 -
تاريخ اليعقوبي لأحمد بن أحمد بن جعفر العباسي اليعقوبي، الناشر: دار صادر، بيروت، د. ت.
85 -
تاريخ بغداد، لأحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت.
86 -
تاريخ جرجان لحمزة يوسف الجرجاني، تحقيق: محمد خان، الناشر:
عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثالثة، 1401 هـ.
87 -
تاريخ دمشق، لابن عساكر، تحقيق: أبي عبدالله علي عاشور، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1421 هـ.
88 -
تاريخ مدينة السلام وأخبار محدثيها وذكر قطانها العلماء من غير أهلها ووارديها، تأليف: الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، حققه وضبط نصه وعلق عليه: الدكتور بشار عواد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1422 هـ.
89 -
تأويل مختلف الحديث، للإمام ابن قتيبة، تحقيق: محمد عبدالرحيم، الناشر: دار الفكر، بيروت طبعة، 1415 هـ.
90 -
تأويل مشكل القرآن، لأبي محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة، الطبعة الثانية 1393 هـ، الناشر: دار التراث - القاهرة.
91 -
التبصرة في أصول الفقه، أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، تحقيق: د. محمد حسن هيتو، الناشر: دار الفكر بدمشق 1400 هـ.
92 -
الإحكام في أصول الإحكام، لسيف الدين علي الآمدي، تعليق: الشيخ عبدالرزاق عفيفي، الناشر: مؤسسة النور، الطبعة الأولى، 1387 هـ.
93 -
التبيان في آداب حملة القرآن لمحيي الدين النووي، تحقيق: محمد رضوان، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الأولى، 1422 هـ.
94 -
حكاية المناظرة في القرآن مع بعض أهل البدعة، لابن قدامة المقدسي، تحقيق: عبدالله الجديع، الناشر: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1409 هـ.
95 -
تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري لأبي القاسم ابن عساكر الدمشقي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة الرابعة، 1411.
96 -
تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام الحسن الأشعري لأبي القاسم ابن عساكر الدمشقي، تعليق: محمد زاهد الكوثري الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة مصر، الطبعة الأولى د. ت.
97 -
التحفة المدنية في العقيدة السلفية، لحمد بن ناصر آل معمر. تحقيق: عبدالسلام بن برجس العبدالكريم، الناشر: دار العاصمة بالرياض، الطبعة الأولي، 1413 هـ.
98 -
التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية، الشيخ فالح بن مهدي آل مهدي، تصحيح وتعليق: الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن صالح المحمود، الناشر: دار الوطن الطبعة الأولى، 1414 هـ.
99 -
تخريج الإحياء للعراقي، زين الدين عبد الرحيم العراقي، تحقيق: أبوعبدالله محمود الحداد، الناشر: دار العاصمة للنشر بالرياض، طبعة 1408 - 1987.
100 -
تذكرة الحفاظ، للإمام أبي عبد الله شمس الدين محمد الذهبي، الناشر: دار إحياء التراث العربي.
101 -
البعث والنشور للإمام البيهقي، تحقيق: عامر أحمد حيدر، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية. د. ت
102 -
التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، لابي عبدالله بن محمد بن أبي
بكر القرطبي، الناشر: دار البخاري المدينة المنورة، ط 1، 1417.
103 -
ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضي عياض تحقيق: محمد بن تاويت وآخرون الناشر: وزارة الأوقاف المغربية، الرباط المغرب، د. ت
104 -
التصديق بالنظر إلى الله تعالى في الآخرة، لأبي بكر محمد بن حسين الآجري، تحقيق: سمير بن آمين الزهيري، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت 1408.
105 -
تفسير ابن كثير، للإمام ابن كثير، تحقيق: محمد إبراهيم البنا، الناشر: دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1419 هـ.
106 -
تفسير البغوي معالم التنزيل، للإمام أبي محمد البغوي، تحقيق: محمد عبدالله وعثمان جمعة وسليمان الحرش، الناشر: دار طيبة، الطبعة الثانية، 1414 هـ.
107 -
تفسير التحرير والتنوير، لابن عاشور، بدون محقق، الناشر: الدار التونسية، طبعة، 1984 م.
108 -
تفسير الفخر الرازي: - المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب لمحمد الرازي، قدم له خليل الميسْ، الناشر: المكتبة التجارية لمصطفى الباز، بمكة المكرمة طبعة، 1414 هـ.
109 -
تفسير القرآن، للإمام أبي المظفر السمعاني، تحقيق: ياسر إبراهيم وغنيم عباس، الناشر: دار الوطن، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
110 -
تقريب التدمرية، للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، الناشر: دار ابن
الجوزي بالدمام، الطبعة الأولى، 1419 هـ.
111 -
تقريب التهذيب، أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد عوامة، الناشر: دار الرشد سوريا، طبعة 1406 هـ.
112 -
تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لأحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، طبعة 1384 هـ.
113 -
التمهيد للباقلاني، تحقيق: مكارثي، الناشر: المكتبة الشرقية، بيروت، 1957 م، طبعة أخرى، بتحقيق: الخضيري وأبي ربدة، القاهرة، الناشر: دار الفكر العربي، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1366 هـ ـ 1947 م.
114 -
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، ومحمد عبدالكبير البكري، الناشر: وزارة الأوقاف بالمغرب 1387 هـ.
115 -
التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع - تصنيف: أبي الحسن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي الشافعي - تحقيق وتعليق: يمان بن سعد الدين المياديني - الناشر: دار رمادي للنشر، الطبعة الأولى 1414 هـ- 1994 م.
116 -
التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة، للعلامة ابن سعدي، علق عليها الشيخ ابن باز، ضبط نصها وخرج أحاديثها علي الحلبي، الناشر: دار ابن القيم، الطبعةالأولى،
1409 هـ.
117 -
تنزيه القرآن عن المطاعن، للقاضي عبدالجبار المعتزلي، الناشر: دار النهضة الحديثة د. ت.
118 -
التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، تأليف: العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني. تحقيق وتعليق: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثالثة، 1426 هـ ـ 2005 م.
119 -
تهذيب الكمال في أسماء الرجال لأبي الحجاج المزي، تحقيق: الدكتور بشار عواد، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان الطبعة الثالثة، 1415 هـ.
120 -
تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر، هذبه ورتبه: الشيخ عبد القادر بدران، الناشر: دار إحياء التراث، بيروت الطبعة الثالثة، 1407 هـ.
121 -
التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، تأليف: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق: الدكتور عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان، الناشر: مكتبة الرشد الرياض، الطبعة السادسة، 1418 هـ.
122 -
التوحيد، لأبي منصور محمد الماتريدي، عناية محمد عوض مرعب، الناشر: دار الجامعات المصرية د. ت.
123 -
تيسير التحرير لابن همام، شرح: أمير باد شاه الحنفي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
124 -
الثقات، لابن حبان، تحقيق: محمد عبدالمجيد خان، الناشر: دار الفكر - بيروت. د. ت.
125 -
جامع الأصول في أحاديث الرسول، لابن الأثير، الناشر مكتبة مصطفى أحمد الباز. د. ت.
126 -
جامع التفسير من كتب الأحاديث، أشرف على إخراجه/ خالد عبدالقادر، الناشر: دار طيبة، الرياض الطبعة الأولى، 1421 هـ.
127 -
الجامع الصحيح المختصر، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري، مصطفى ديب البغا، الناشر: دار ابن كثير -بيروت 1407.
125 -
سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي، الناشر: بيت الأفكار الدولية، عمان الأردن.
128 -
جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، لابن رجب الحنبلي بدون محقق، الناشر: دار المعرفة، بيروت د. ت.
129 -
جامع الترمذي، تصنيف أبي عيسى الترمذي، اعتنى به فريق بيت الأفكار الدولية بالرياض، د. ت.
130 -
جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، الناشر: دار ابن الجوزي، ط الأولى، 1414 هـ.
131 -
الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي، تحقيق: الدكتور عبدالله التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1427 هـ.
132 -
الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع: محمد عزيز شمس وعلي ابن محمد العمران بإشراف: العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد - الناشر:
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، الطبعة الثالثة 1427 هـ.
133 -
الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم، تحقيق: الشيخ المعلمي اليماني، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.
134 -
جمهرة النسب، هشام الكلبي، تحقيق: الدكتور ناجي حسن، الناشر: عالم الكتب، بيروت الطبعة الأولى 1407 هـ.
135 -
جمهرة أنساب العرب، لابن حزم، الناشر: دار الكتب العلمية، طبعة 1403 هـ.
136 -
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: د/ علي بن حسن بن ناصر و د/ عبدالعزيز العسكر ود/ حمدان الحمدان، الناشر: دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1414.
137 -
جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله رواية: الشيخ محمد الموسى، إعداد: محمد بن إبراهيم الحمد، الناشر: دار ابن خزيمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1422 هـ.
138 -
الجواهر الحسان في تفسير القرآن، تاليف: عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي. الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، د. ت.
139 -
الجواهر المضية في طبقات الحنفية - لمحي الدين أبي محمد عبد القادر القرشي الحنفي، تحقيق: الدكتور/ عبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: مؤسسة الرسالة ودار هجر للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1413 هـ.
140 -
الجواهر المنيفة في شرح وصية الإمام أبي حنفية، لملا حسين بن اسكندر، طبعت الرسائل السبع الطبعة الثالثة، الناشر: دائرة المعارف
العثمانية، حيدر أباد، الهند 1400 هـ.
141 -
الجوهر النقي، للتركماني، تحقيق: يوسف عبدالرحمن المرعشلي، بحاشية السنن الكبرى للبيهقي- الناشر: دار المعرفة بيروت.
142 -
حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. د. ت
143 -
حاشية إسماعيل الكلنبوي على شرح جلال الدين الدواني، الناشر: دار سعاد طبعة، 1316 هـ.
144 -
الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، الامام الحافظ قوام السنة أبي القاسم، إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني، تحقيق: محمد بن ربيع بن هادي عمير مدخلي، الناشر: دار الراية، الرياض الطبعة الثانية، 1419.
145 -
الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، تأليف: د. محمد أحمد الخطيب، الناشر: دار عالم الكتب، ط 2، 1404 هـ.
146 -
الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى، الدكتور محمد ربيع المدخلي، الناشر: مكتبة لينة للنشر والتوزيع، الطبعة، 1409 هـ.
147 -
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني، الناشر: دار الكتاب العربي بيروت- 1405 هـ.
148 -
الحنابلة في بغداد، تأليف: محمد أحمد محمود، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1406 هـ.
149 -
الحيوان، لأبي عثمان الجاحظ، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد
هارون، الناشر: مكتبة مصطفى الحلبي، مصر، الطبعة الثانية، 1385 هـ.
150 -
خراسان في العصر الغزنوي، للدكتور محمد حسن العماوي، طبعة، 1997 م.
151 -
خراسان لمحمود شاكر، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1398 هـ.
152 -
الخصائص، لعثمان بن جني لأبي الفتح، تحقيق: محمد بن علي النجار، الناشر: دار الهدى بيروت، الطبعة الثانية.
153 -
خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل، للإمام محمد ابن إسماعيل البخاري، دراسة وتحقيق: فهد بن سليمان الفهد، الناشر: دار أطلس الخضراء الطبعة الأولى، الرياض 1425 هـ ـ 2005 م.
154 -
درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، طبعة جامعة الإمام.
155 -
الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، لرودي بادت، ترجمة: مصطفى ماهر، الناشر: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر في القاهرة، طبعة 1967 م.
156 -
الدرة فيما يجب اعتقاده، لابن حزم، تحقيق: د/ أحمد بن ناصر الحمد، الناشر: مكتبة التراث، الطبعة الأولى، 1408 هـ.
157 -
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني. الناشر: دار الجيل، بيروت - لبنان طبعة 1414 هـ.
158 -
دفع التشبيه لابن الجوزي، تعليق: حسن بن على السقاف، الناشر: دار
الإمام النووي، الأردن، عمان، الطبعة الثانية، 1413 هـ.
159 -
دفع إيهام الاضطراب عن آيات الله، للعلامة محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة د. ت.
160 -
الدلالة العقلية في القرآن. تأليف: د. عبد الكريم نوفان عبيدات، دار النفائس، الأردن 1420 هـ ـ 2000 م.
161 -
الدليل لأهل العقول لباغي السبيل بنور الدليل لتحقيق مذهب الحق بالبرهان والصدق، للشيخ أبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجلاني، بدون ناشر د. ت.
162 -
ذم التأويل، للإمام ابن قدامة المقدسي، تحقيق: بدر البدر، الناشر: الدار السلفية الكويت، ط 1، 1406.
163 -
الرؤي والأحلام في السنة النبوية، عبدالله محمد العمري، الناشر: دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى، 1425 هـ.
164 -
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، محمد شومان بن أحمد الرملي، الناشر: دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى، 1423 هـ.
165 -
الرؤية، للإمام الدار قطني، تحقيق: إبراهيم العلي وأحمد الرفاعي، الناشر: مكتبة المنار، الطبعة الأولى، 1411 هـ.
166 -
الرد على الجمهية والزنادقة للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: الدكتور عبد الرحمن عميرة، الناشر: دار اللواء، الرياض، طبعة 1402 هـ.
167 -
الرد على الجهمية، لعثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد الدارمي، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر، الناشر: دار ابن الأثير الكويت.
168 -
الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة، لابن الحنبلي، تحقيق: علي الشبل، الناشر: مجموعة التحف والنفائس الدولية الرياض الطبعة الأولى، 1420 هـ.
169 -
رسالة إلى أهل الثغر، تأليف: الإمام أبي الحسن الأشعري. تحقيق: ودراسة عبد الله بن شاكر الجنيدي. الناشر: مكتبة العلوم والحكم بالمدينة، الطبعة الثانية، 1422 هـ.
170 -
رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري، لعبد الملك بن درباس، تحقيق: علي الفقيهي، الطبعة الأولى، 1404 هـ.
171 -
الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، للإمام ابن الوزير اليماني، تحقيق: علي محمد العمران، الناشر: دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1419 هـ.
172 -
روضة الطالبين وعمدة المفتين، للإمام النووي، إشراف زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1417 هـ.
173 -
الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، تأليف: عبدالرحمن إسماعيل المقدسي، تحقيق: إبراهيم الزيبق. الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
174 -
زاد المسير في علم التفسير، للإمام أبي الفرج بن الجوزي، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الرابعة، 1407 هـ.
175 -
الزهد، لهناد بن السري الكوفي، تحقيق: عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، الناشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي- الكويت.
176 -
زيادة الإيمان ونقصانه، د/ عبدالرزاق العباد، الناشر: دار القلم، الرياض، الطبعة الأولى، 1416 هـ.
177 -
السلسلة الضعيفة، لمحمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المعارف الرياض، 1422 هـ.
178 -
سلسلة الأحاديث الصحيحة لمحمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية، 1407 هـ.
179 -
السنة، لأبي بكر عمرو بن أبي عاصم، بقلم: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الخامسة، 1426 هـ.
180 -
السنة، للإمام أبي بكر الخلال، تحقيق: عطية الزهراني، الناشر: دار الراية، الرياض، طبعة 1410 هـ.
181 -
السنة، لعبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: د/ محمد سعيد سالم القحطاني، الناشر: دار ابن القيم الدمام، طبعة 1406 هـ.
182 -
سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني، محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر-بيروت.
183 -
سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث لأبي داود السجستاني الأزدي، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، الناشر: دار الفكر، بيروت.
184 -
سنن الدارقطني، للإمام علي الدارقطني، تحقيق وتعليق: مجدي منصور الشورى، الناشر: عباس أحمد الباز، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1417 هـ.
185 -
سنن الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد الدارمي، تحقيق: فواز
أحمد زمرلي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، طبعة 1407 هـ.
186 -
السنن الكبرى، للإمام أبي بكر البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا.
187 -
سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي. تحقيق: شعيب الأرنؤوط وأكرم البوشي. الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة العاشرة، 1414 هـ.
188 -
شأن الدعاء، للإمام الخطابي البستي، تحقيق: أحمد بن يوسف، الناشر: دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى، 1404 هـ.
189 -
شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد أشرف على تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط ومحمود الأرنؤوط الناشر: دار ابن كثير، بيروت، الطبعة الأولى، 1411 هـ.
190 -
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، تأليف: هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي أبو القاسم، تحقيق: الدكتور/ أحمد سعد حمدان، الناشر: دار طيبة، الرياض.
191 -
شرح الأصول الخمسة. للقاضي عبدالجبار، تحقيق: عبدالكريم عثمان، الناشر: مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الاولى، 1384 هـ.
192 -
شرح الجلال الدواني على العضدية، لجلال الدين الدواني، الناشر: دار سعادات، طبعة 1316 هـ.
193 -
شرح المقاصد، لمسعود بن عمر التفتازاني، تحقيق: عبدالرحمن عميرة، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1409 هـ.
194 -
شرح الرسالة التدمرية، للشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك، إعداد: سليمان بن صالح الغصن، الناشر: دار كنوز أشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى،
1425 هـ.
195 -
شرح السنة، لأبي محمدد الحسن بن علي بن خلف البربهاري، تحقيق: خالد بن قاسم الردادي، الناشر: دار السلف، الطبعة الثانية، 1418 هـ.
196 -
شرح السنة، للإمام محمد بن الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: علي محمد معوض و عادل أحمد عبدالموجود، الناشر: دار عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1412 هـ.
197 -
شرح حديث النزول، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد بن عبدالرحمن الخميس، الناشر: دار العاصمة، الطبعة الثانية 1418 هـ.
198 -
الترغيب والترهيب، لإسماعيل الأصبهاني، تحقيق: أيمن شعبان، الناشر: دار الحديث د. ت.
199 -
ديوان حسان بن ثابت، شرح: عبد الرحمن البرقوقي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، طبعة 1410 هـ.
200 -
شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، تأليف: الشيخ عبدالله الغنيمان، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع بالرياض، الطبعة الثالثة، 1419 هـ.
201 -
شرح صحيح البخاري، لابي حسن علي بن خلف بن بطال، علق عليه أبو تميم ياسر بن ابراهيم، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1420 هـ.
202 -
شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، تأليف: الشيخ عبدالله الغنيمان، الناشر: دار لينة للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 1419 هـ.
203 -
شرح كتاب الشرح والإبانة على أصول الديانة، تأليف: عبدالله العكبري، اعتنى به محمد إبراهيم الأسيوطي وأحمد عبدالله علي، الناشر: مكتبة عباد الرحمن، الطبعة الأولى، 1428 هـ.
204 -
الشريعة، لأبي بكر محمد بن حسين الآجري، تحقيق: د/ عبدالله الدميجي، الناشر: دار الوطن بالرياض، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
205 -
شعب الإيمان، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: محمد سعيد بسيوني زغلول، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت 1410 هـ.
206 -
شعب الإيمان، لابي محمد عبدالجليل بن موسى القصري، تحقيق: أيمن صالح شعبان وسيدأحمد اسماعيل، الناشر: دار الحديث القاهرة، الطبعة الأولى، 1417 هـ.
207 -
شعب الإيمان، للإمام البيهقي، تحقيق: د. عبدالعلي عبدالحميد حامد، الناشر: الدار السلفية بومباي، الطبعة الأولى، 1417 هـ.
208 -
الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت د. ت.
209 -
شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، لابن القيم الجوزية، تحقيق: مصطفى أبو النضر، الناشر: مكتبة السوادي الطبعة الأولى 1412 هـ.
210 -
صبح الأعشى في صناعة الإنشا - تأليف: أبي العباس أحمد بن علي القلقشندي، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، وعالم الكتب، القاهرة، د. ت.
211 -
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، لمحمد بن حبان بن أحمد لأبي حاتم التميمي البستي، تحقيق: شعيب الأرناؤط، الناشر: مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الثانية، 1414 هـ.
212 -
صحيح البخاري للإمام البخاري، اعتنى به أبو صهيب الكرمي الناشر: بيت الأفكار الدولية د. ت.
213 -
صحيح سنن أبي داود، محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المقارن بالرياض، الطبعة الأولى، 1419 هـ.
214 -
صحيح شرح العقيدة الطحاوية، لحسن بن على السقاف، الناشر: دار الإمام النووي، الأردن، عمان، الطبعة الأولى، 1416 هـ.
215 -
صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي -بيروت.
216 -
الصراع بين أهل السنة والرافضة، نشر الصفحات المطوية من تاريخ الدولة العبيدية الفاطمية، تأليف: د/ علي محمد محمد الصلابي، الناشر: مكتبة الصحابة، الإمارات، 1422 هـ.
217 -
صفة النزول الإلهي ورد الشبهات حولها، تأليف: عبدالقادرمحمد بن يحيى الغامدي الجعيدي، الناشر: مكتبة دار البيان الجديدة، الطائف، الطبعة الأولى، 1421 هـ.
218 -
الصفدية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، الناشر: مكتبة ابن تيمية القاهرة.
219 -
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم، تحقيق: علي محمد الدخيل الله، الناشر: دار العاصمة، الرياض. الطبعة الأولى 1408 هـ.
220 -
الضعفاء الكبير، لأبي جعفر محمد بن عمر بن موسى العقيلي، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1404 هـ.
221 -
ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري، لشهاب الدين أبي محمد الشافعي، تحقيق: الدكتور أحمد الشريف، الناشر دار الصحوة بالقاهرة الطبعة الأولى، 1405 هـ.
222 -
طبقات الحنابلة، للقاضي أبي يعلى الفراء، تحقيق: الدكتور علي محمد عمر، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى 1419 هـ.
223 -
طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين السبكي، تحقيق: عبد الفتاح الحلو ومحمود الطناحي. الناشر: دار إحياء التراث.
224 -
طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة، تحقيق: الدكتور عبد العليم الناشر: دار الندوة الجديدة، بيروت - لبنان طبعة 1408 هـ.
225 -
طبقات الشافعيين لابن كثير الدمشقي، تحقيق: أنور الباز، الناشر: دار الوفاء، الطبعة الأولى 1425 هـ.
226 -
الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد بن منيع البصري، تحقيق: عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410 هـ.
227 -
طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها، لعبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان أبو محمد الأصبهاني، تحقيق: عبد الغفور عبد الحق حسين
البلوشي، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1412 هـ.
228 -
النبوات، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق عبدالعزيز الطويان، الناشر: أضواء السلف الطبعة الأولى، 1420 هـ.
229 -
الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، ليحيى بن حمزة العلوي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1400 هـ.
230 -
طرح التثريب في شرح التقريب، لزين الدين عبدالرحيم بن الحسين العراقي، تحقيق: حمدي الدمرداش، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز، الطبعة الثانية، 1420 هـ، وابنه أبي زرعة العراقي.
231 -
طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن القيم الجوزية، تحقيق: حازم القاضي، الناشر نزار مصطفى الباز، الطبعة الأولى، 1425 هـ.
232 -
طريق الهجرتين وباب السعادتين، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبوعبد الله، عمر بن محمود أبو عمر، دار ابن القيم، الدمام، 1414 هـ.
233 -
ظاهرة التأويل وصلتها باللغة العربية، الدكتور، تأليف: السيد أحمد، بدون تحقيق، الناشر: دار الرشيد، د. ت.
234 -
ظلال الجنة، محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت.
235 -
ظهر الإسلام لأحمد أمين/ الناشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ودار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1425 هـ.
236 -
عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، لابن العربي المالكي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة الأولى، 1418 هـ.
237 -
العدة في أصول الفقه، للقاضي أبي يعلى محمد بن حسين الفراء، تحقيق: د. أحمد بن علي مباركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1400 هـ.
238 -
العرش وما روي فيه، لمحمد بن عثمان بن أبي شيبة، تحقيق: محمد بن حمد الحمود، الناشر: دار المعلا، الكويت، طبعة 1406 هـ.
239 -
العظمة، لعبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني، تحقيق: رضاء الله بن محمد إدريس المباركفوري، دار العاصمة الرياض، الطبعة الثانية، 1419 هـ.
240 -
عقائد الثلاث والسبعين فرقة لأبي محمد اليمني، تحقيق ودراسة: محمد ابن عبد الله زوبان الغامدي، الناشر: مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1414 هـ.
241 -
العقائد السلفية، بالأدلة النقلية والعقلية، تأليف: الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي البنغلي، الناشر: دار الإيمان، الإسكندرية، دار القمة لتوزيع الكتب، طبعة 2005.
242 -
عقود الجمان في المعاني والبيان، لجلال الدين السيوطي، الناشر: مكتبة مصطفى البابي، الطبعة الثانية، 1374 هـ.
243 -
العقود الفضية في أصول الإباضية، تأليف: سالم بن حمد الإباضي، الناشر: اليقظة العربية، سوريا د. ت.
244 -
العقيدة الإسلامية في دائرة المعارف الإسلامية، إعداد: خالد القاسم، رسالة دكتوراه من جامعة أم القرى، بمكة المكرمة لم تنشر بعد.
245 -
عقيدة السلف وأصحاب الحديث، للإمام إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني، تحقيق: د. ناصر بن عبدالرحمن الجديع، الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع الرياض، الطبعة الأولى 1415.
246 -
الاقتصاد في الاعتقاد، لعبدالغني المقدسي، تحقيق: أحمد عطية الغامدي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1414.
247 -
عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن، للشيخ حمود التويجري، الناشر: دار اللواء، الرياض الطبعة الثانية، 1409 هـ.
248 -
علاقات الإثبات والتفويض بصفات رب العالمين، تأليف: رضا نعسان مُعطي، الطبعة الأولى، 1402 هـ.
249 -
علاقات الفاطميين في مصر بدول المغرب، تأليف: الدكتور حسن خضيري أحمد، الناشر: مكتبة مدبولي، القاهرة.
250 -
علاقات صفة الله تعالى بذاته، تأليف: راجح الكردي، الناشر: دار العدوي في عمّان، الأردن، الطبعة الأولى، 1400 هـ.
251 -
العلم الشامخ في تفصيل الحق على الأباء والمشايخ، لصالح المهدي المقبلي اليمني. الناشر: مكتبة دار البيان دمشق - بيروت.
252 -
علم المنطق، للدكتور أحمد السيد علي رمضان، طبعة 1426 هـ.
253 -
علماء نجد خلال ثمانية قرون، تأليف: فضيلة الشيخ عبد الله بن عبدالرحمن البسام، الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1419 هـ.
254 -
العلو للعلي العظيم للإمام الذهبي، حققه: الدكتور عبد الله بن صالح
البراك، الناشر: دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ.
255 -
العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، للعلامة ابن الوزير اليماني تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الثالثة، 1415.
256 -
عون المعبود شرح سنن أبي دواد، لأبي الطيب آبادي، تحقيق: عبدالرحمن محمد عثمان، الناشر: دار الفكر بيروت.
257 -
العين والأثر في مواهب أهل الأثر، لعبدالباقي الحنبلي. تحقيق: عصام رواس قلعجي. الناشر: دار المأمون للتراث، لبنان، الطبعة الأولي، 147 هـ.
258 -
عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، الناشر: دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، طبعة 1965 م.
259 -
عيون ومناظرات لعمر السكوني، تحقيق: سعد غراب، الناشر: الجامعة التونسية، طبعة 1976 م.
260 -
غاية المراد في نظم الاعتقاد، للعلامة نور الدين السالمي، بتعليق: أبوراس عبدالله الكاملي، الناشر: المطبعة الجزائرية الإسلامية، بقسطنطينية طبعة 1371 هـ.
261 -
فتاوى السبكي، للإمام أبي الحسن تقي الدين علي بن عبدالكافي السبكي، الناشر: دار بيروت.
262 -
الفتاوى الكبرى، لشيخ الاسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، ومصطفى عبدالقادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت،
الطبعة الأولى، 1408.
263 -
فتح رب البرية بتلخيص الحموية، لمحمد بن صالح العثيمين، الناشر: دار ابن الجوزي، طبعة 1426 هـ.
264 -
الفتن، لنعيم بن حماد المروزي، تحقيق: سمير أمين الزهيري، الناشر: مكتبة التوحيد، القاهرة 1412 هـ.
265 -
الفتوى الحموية الكبرى، تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية، خرج أحاديثها محمد بن رياض الأثري، الناشر: عالم الكتب، الطبعة الأولى 1426 هـ.
266 -
الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية، د. عبد الفتاح أحمد فؤاد، الناشر: دار الدعوة في الإسكندرية. د. ت.
267 -
الفرق بين الفرق للإمام عبد القاهر البغدادي الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان - الطبعة الثالثة 1426 هـ.
268 -
فضائح الباطنية للإمام أبي حامد الغزالي تحقيق محمد علي قطب الناشر: المكتبة العصرية بيروت الطبعة الأولى 1421 هـ.
269 -
فضائل بني تميم في السنة النبوية، للدكتور عبدالعزيز الفريح، الطبعة الثانية، 1426 هـ.
270 -
الفقه الأكبر، للإمام أبي حنفية النعمان، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن، الهند، الطبعة الثانية، 1373 هـ ـ 1953 م.
271 -
فلسفة المجاز بين البلاغة العربية والفكر الحديث، للدكتور لطفي عبدالبديع، الناشر: النادي الأدبي بجدة الطبعة، الثانية 1406 هـ.
272 -
الفهرست لابن النديم تحقيق: الشيخ إبراهيم رمضان الناشر: دار المعرفة، بيروت الطبعة الأولى 1415 هـ.
273 -
الفوائد البهية في تراجم الحنفية لعبد الحي الكفوي، الناشر: دار المعرفة، بيروت.
274 -
الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، الشوكاني، تحقيق: عبدالرحمن يحيى المعلمي اليماني، الناشر: المكتب الإسلامي بيروت.
275 -
الفوائد، لأبي القاسم تمام بن محمد الرازي، حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: دار الرشد، الرياض، 1418 هـ.
276 -
فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت في أصول الفقه، لعبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
277 -
القدر، لجعفر بن محمد بن الحسين الفريابي، تحقيق: عبد الله بن حمد المنصور، الناشر: أضواء السلف الرياض، 1997 م.
278 -
القرآنيون وشبهاتهم حول السنة، لخادم حسين إلاهي بخش، الناشر: مكتبة الصديق بالطائف، الطبعة الأولى، 1409 هـ.
279 -
القضاء والقدر في الإسلام، للدكتور فاروق الدسوقي، الناشر: دار الاعتصام، القاهرة، د. ت.
280 -
القضاء والقدر، للدكتور عبدالرحمن صالح المحمود، الناشر: دار الوطن، الطبعة الثانية، 1418 هـ.
281 -
قضية نسب الفاطميين أمام منهج النقد التاريخي، تأليف الدكتور: عبد الحليم عويس. د. ت.
282 -
قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر، لصديق حسن خان، تحقيق: د/ عاصم بن عبدالله القريوتي. الناشر: شركة الشرق الأوسط للطباعة د. ت.
283 -
قواعد العقائد، للإمام الغزالي، تحقيق: موسي محمد على، الناشر: عالم الكتب، الطبعة الأولي، 1405 هـ.
284 -
الكامل في التاريخ لابن الأثير، الناشر: دار صادر بيروت طبعة 1358 هـ
285 -
الكامل في ضعفاء الرجال، لابن عدي الجرجاني، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، الناشر: دار الفكر، بيروت 1409.
286 -
كتاب الانتصار والرد على ابن الرواندي الملحد مع مقدمة وتحقيق وتعليقات: للدكتور نيبرج. الناشر: دار الندوة الإسلامية، لبنان، بيروت، ومكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، طبعة 1987 م.
287 -
كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، للإمام محمد بن عبدالوهاب، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية، طبعة 1416 هـ.
288 -
كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتصاف والتفرد للإمام بن مندة، تحقيق: الدكتور علي الفقيهي، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1414 هـ.
289 -
كتاب التوحيد، للإمام الحافظ بن منده، تحقيق: الدكتور/ محمد عبدالله الوهيبي، والدكتور/ موسى بن عبد العزيز الغصن. الناشر: دار الفضيلة، الرياض، الطبعة الأولى، 1428 هـ.
290 -
كتاب الزهد، للإمام وكيع بن الجراح، تحقيق عبدالرحمن الفريوائي، الناشر: دار الصيمعي للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1415 هـ.
291 -
كتاب الضعفاء والمتروكين، لابن الجوزي، تحقيق: عبد الله القاضي، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت.
292 -
كتاب الضعفاء والمتروكين، للنسائي، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، الناشر: دار الوعي- حلب.
293 -
كتاب العرش، للذهبي، تحقيق: الدكتور محمد بن خليفة التميمي، الناشر: أضواء السلف، الرياض، الطبعة الأولى، 1420 هـ.
294 -
كتاب العرش، لمحمد بن عثمان بن أبي شيبة، تحقيق: محمد التميمي، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1418 هـ.
295 -
كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: الدكتور عبد الحميد هنداوي. الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى 1424 هـ.
296 -
كتاب المواعظ والاعتبار، لتقي الدين أبي العباس بن أحمد العبيدي المقريزي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1418 هـ.
297 -
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، للزمخشري، تحقيق: عادل عبد الموجود، الناشر: مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
298 -
كشف اصطلاحات الفنون، للشيخ محمد بن علي التهانوي، بدون
محقق، الناشر: مطبعة إقدام طبعة 1317 هـ.
299 -
كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة، للحافظ على بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1404 هـ.
300 -
كشف الخفاء، للعجلوني، تحقيق: أحمد القلاش، الناشر: دار التراث، القاهرة.
301 -
كشف المشكل من حديث الصحيحين، للإمام أبي فرج عبدالرحمن ابن الجوزي، تحقيق: د. علي بن حسن البواب، الناشر: دار الوطن، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
302 -
كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة، تأليف: عبد الرحمن حبنكة الميداني، الناشر: دار القلم - دمشق، الطبعة الثالثة، 1419 هـ.
303 -
اللآلئ البهية في شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف: أحمد المرداوي الحنبلي، الناشر: مؤسسة النور للطباعة، الطبعة الأولى.
304 -
لسان الميزان، للإمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض وآخرون، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1416 هـ.
305 -
لطائف المعارف في مالمواسم العام من الوظائف، للامام الحافظ ابن رجب، الناشر: مؤسسة الريان، ودار ابن حزم، الطبعة الثانية، 1417 هـ.
306 -
لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، للإمام ابن قدامة بشرح الشيخ محمد بن عثيمين، تحقيق: أشرف عبدالمقصود، الناشر: مكتبة الإمام البخاري، الطبعة الثانية، 1412 هـ.
307 -
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية، للعلامة محمد السفاريني الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1405 هـ.
308 -
لوامع البيانات شرح أسماء الله تعالى والصفات، للرازي، تحقيق: طه عبدالرؤوف، الناشر: دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، 1410 هـ.
309 -
المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين، لسيف الدين الآمدي، تحقيق: الدكتور حسن محمود الشافعي، طبعة 1403 هـ.
310 -
متشابه القرآن، للقاضي عبدالجبار الهمذاني، تحقيق: عدنان محمد زرزور، الناشر: دار التراث، القاهرة.
311 -
متن النونية في عقيدة التوحيد، لناظمها العلامة الشيخ ابن نصر فتح ابن نوح، الناشر: المطبعة العربية، الجزائر، طبعة 1352 هـ.
312 -
مثالب ابن أبي بشر، للحسن بن علي الأهوازي د-ت.
313 -
المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، لضياء الدين بن الأثير، الناشر: دار الرفاعي، الرياض، الطبعة الثانية، 1403 هـ.
314 -
مجاز القرآن، لأبي عبيدة معمر بن مثنى، تحقيق: محمد فؤاد سزكين، الناشر: مكتبة الخانجي ودار الفكر، طبعة الثانية، 1390 هـ.
315 -
المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع، تأليف: د. عبد
العظيم المطعني، الناشر: مكتبة وهبة بالقاهرة.
316 -
المجتبى من السنن، لأحمد بن شعيب أبي عبد الرحمن النسائي، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية، 1406 هـ.
317 -
المجروحين، لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، تحقيق: محمد إبراهيم زايد، الناشر: دار الوعي حلب.
318 -
موسوعة الحافظ ابن حجر العسقلاني، جمع وإعداد: وليد أحمد الحسين وإياد بن عبداللطيف، ومصطفى بن قحطان وبشير بن جواد وعماد بن محمد، مجلة الحكمة، بريطانيا، الطبعة الأولى، 1422 هـ.
319 -
مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار، للشيخ محمد الصديق الهندي، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، طبعة 1387 هـ.
320 -
مجمل اللغة، لابن فارس، تحقيق: زهير سلطان، الناشر: مؤسسة الرسالة في بيروت 1404 هـ.
321 -
مجموع الفتاوى، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، جمع: عبدالرحمن بن محمد القاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
322 -
مجموعة الرسائل والمسائل للإمام ابن تيمية، الناشر: دار الكتب العلمية. د. ت.
323 -
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، للقاضي أبي محمد الأندلسي، الناشر: مكتبة دار الباز، الطبعة الأولى 1413 هـ.
324 -
المحلى، لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، دار الجيل، بيروت.
325 -
محنة الإمام أحمد، لابنه صالح. تحقيق: أحمد عبد الجواد الرومي، مع كتاب أحمد بن حنبل بين محنة الدين ومحنة الدنيا، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى بمصر، الطبعة الأولى 1380 هـ.
326 -
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم الجوزية، اختصار: محمد الموصلي، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة د. ت. تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، تأليف: سليمان بن عبدالله بن عبدالوهاب، بدون تحقيق، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة السابعة 1407 هـ.
327 -
مختصر العلو للذهبي، لمحمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت طبعة 1407 هـ.
328 -
مختصر المعاني، لمسعود التفتازاني، الناشر: مطبعة أحمد كامل، طبعة 1326 هـ.
329 -
مختصر سنن أبي داود ومعالم السنن للخطابي وتهذيب الإمام ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، الناشر: مكتبة السنة المحمدية ومكتبة ابن تيمية، د. ت.
330 -
المختصر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تأليف: علي بن محمد البعلي، المعروف بابن اللحام، تحقيق: د. محمد مظهر بقا، الناشر: مكتب البحث العلمي بجامعة الملك عبد العزيز، 1400 هـ.
331 -
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لا بن القيم الجوزية، تحقيق: محمد المعتصم، الناشر: الكتاب العربي، الطبعة الثانية، 1414 هـ.
332 -
مذاهب الإسلاميين، تأليف: الدكتور عبد الرحمن بدوي، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت الطبعة الأولى، سنة 1996 م.
333 -
مذكرة في أصول الفقه، للإمام محمد الأمين الشنقيطي، الناشر: المكتبة السلفية، بالمدينة المنورة د. ت.
334 -
مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، للإمام محمد بن عبدالله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي اليمني المكي، منشورات مؤسسة الأعلى للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثانية (1390 هـ ـ 1970 م)، مصورة عن طبعة دار المعارف النظامية، الطبعة الاولى، 1338 هـ.
335 -
مراتب الإجماع في العبادة والمعاملات والاعتقادات، للإمام ابن حزم الظاهري، بعناية حسن أحمد أسبر، الناشر: دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ.
336 -
مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، لصفي الدين عبدالمؤمن ابن عبدالحق البغدادي، تحقيق: علي بن محمد البجاوي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى، 1373 هـ.
337 -
مروج الذهب ومعادن الجوهر لعلي المسعودي. الناشر: دار الأندلس، بيروت د. ت.
338 -
المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، طبعة 1411 هـ.
339 -
المستشرقون والتاريخ، لأنور الجندي، ضمن كتاب: الإسلام والمستشرقون، الناشر: عالم المعرفة بجدة، الطبعة الأولى 1405 هـ.
340 -
المستشرقون والدراسات الإسلامية، لمحمد عبد الله ملباري، الناشر: دار الرفاعي للطباعة والنشر، بالرياض، الطبعة الأولى 1410 هـ.
341 -
مسند أبي يعلى، تأليف: أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي، حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث دمشق، طبعة 1404 هـ.
342 -
مسند إسحاق بن راهويه، تحقيق: عبد الغفور بن عبدالحق البلوش، الناشر: مكتبة الإيمان، المدينة المنورة، طبعة 1412 هـ.
343 -
الموسوعة الحديثية لمسند الإمام أحمد، المشرف: د/ عبد الله بن عبدالمحسن التركي، المشرف على التحقيق: الشيخ شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة 1420 هـ.
344 -
مسند الشافعي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.
345 -
المسيح عليه السلام دراسة سلفية، تأليف: رفاعي سرور، الناشر: دار هادف للنشر والتوزيع الطبعة الأولى.
346 -
المسيحية، لأحمد شلبي، الناشر: مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة، الطبعة العاشرة، 2000 م.
347 -
مشكاة المصابيح، للتبريزي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. الناشر:
المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1405 هـ.
348 -
مشكل الآثار، الطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة.
349 -
مشكل الحديث وبيانه، لابن فورك، مخطوط مصور عن مكتبة سليم أغا بتركيا تحت رقم 227.
350 -
مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، الشهاب أحمد بن أبي بكر البوصيري، تحقيق: موسى محمد على ودكتور عزت علي عطية، دار الكتب الحديثة.
351 -
المصنف في الأحاديث والآثار، للحافظ عبدالله بن أبي شيبة، تحقيق: سعيد محمد اللحام، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1409 هـ.
352 -
معارج القبول، بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، تأليف: الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي، تحقيق: أبي معاوية مازن بن عبدالرحمن البحصلي البيروتي، الناشر: مؤسسة الريان، بيروت، ط 1، 1426 هـ.
353 -
معاني القرآن الكريم، للإمام أبي جعفر النحاس، تحقيق محمد الصابوني، الناشر: جامعة أم القرى، الطبعة الأولى، 1410 هـ.
354 -
المعتزلة وأصولهم الخمسة، تأليف: عواد بن عبد الله المعتق، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثالثة، 1417 هـ.
355 -
المعتمد في أصول الفقه، لأبي الحسين محمد بن علي بن الطيب،
تحقيق: محمد بن حميد الله، طبعة 1384 هـ.
356 -
معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين، تأليف: أحمد الجدع، الناشر: دار الضياء، القاهرة، الطبعة الثانية، 1425 هـ.
357 -
المعجم الأوسط، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله وعبد المحسن بن إبراهيم الحسني، الناشر: دار الحرمين، القاهرة.
358 -
معجم البلدان، لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي. الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان د. ت.
359 -
المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية من الفرنسية والإنجليزية واللاتينية، تأليف: الدكتور/ جميل صليبا، الناشر: دار الكتاب، لبنان، الطبعة الأولى، 1971 م.
360 -
معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية، تأليف: عمر رضا الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان. د. ت.
361 -
المعجم الوسيط لإبراهيم وأخرون. الناشر: المكتبة العلمية دت.
362 -
معركة هرمجدون ورجوع عيسى والمهدي المنتظر بين النفي والإثبات في التوراة والإنجيل والقرآن، لأحمد حجازي السقا، الناشر: مكتبة النافذة بالجيزة، مصر، طبعة 2003 م.
363 -
معيار العلم في فن المنطق للغزالي، تحقيق: محمد مصطفى أبو العلاء. الناشر: مكتبة الجندي بمصر. د. ت.
364 -
المغني في أبواب العدل والتوحيد، للقاضي عبدالجبار الهمذاني، الناشر:
دار الثقافة، الطبعة الأولى، 1380 هـ.
365 -
المغني في الضعفاء، للإمام الذهبي، تحقيق: نور الدين عتر، د. ت.
366 -
مفتاح دار السعادة، للإمام ابن القيم، تحقيق بشير عيون، الناشر: دار البيان، دمشق 1419 هـ.
367 -
المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، الناشر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي، د. ت.
368 -
مقاصد الفلاسفة، لأبي حامد الغزالي، تحقيق: الدكتور سليمان دنيا، الناشر: دار المعارف بمصر، 1961 م.
369 -
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين. تأليف: الإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، قدم له وكتب حواشيه الأستاذ نعيم زرزور، المكتبة العصرية صيدا، بيروت، الطبعة الأولى 1426 هـ.
370 -
مقالات الإسلاميين، لابي الحسن الأشعري، تحقيق: ريتر، طبعة 1400 هـ.
371 -
مقدمة ابن خلدون، لعبد الرحمن بن خلدون، الناشر: المكتبة العصرية بيروت، لبنان، تحقيق: درويش الجويدي، الطبعة الأولى، 1415 هـ.
372 -
مقدمة التوحيد، لأبي حفص عمرو بن جميع، الناشر: مطبعة الفجالة الطبعة، الأولى، 1373 هـ.
373 -
المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، لأبي حامد الغزالي، عناية: بسام الجابي، الناشر: دار الجفان والجابي، الطبعة الأولى 1407 هـ.
374 -
الملل والنحل لأبي الفتح الشهرستاني، تحقيق: محمد عبد القادر الفاضلي، الناشر: المكتبة العصرية، بيروت، لبنان طبعة 1426 هـ.
375 -
المنتخب من مسند عبد بن حميد. تحقيق: صبحي البدري السامرائي، الناشر: مكتبة السنة القاهرة، طبعة 1408 هـ.
376 -
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، دراسة وتحقيق: محمد عبد القادر عطا - مصطفى عبدالقادر عطا، راجعه وصححه - نعيم زرزور. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت لبنان، الطبعة الثانية، 1415 هـ.
377 -
المنطق الصوري منذ أرسطو حتى عصورنا الحاضرة، للدكتور علي سامي النشار، الناشر: دار المعارف المصرية، الطبعة الخامسة.
378 -
المنهاج في شرح صحيح مسلم، للإمام النووي اعتنى به فريق بيت الأفكار الدولية، الناشر: بيت الأفكار الدولية د. ت
379 -
منهج الإمام ابن أبي العز الحنفي، تأليف: عبد الله بن عبيد الحافي، نشر: دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، 1424 هـ.
380 -
موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، للحافظ الهيثمي، تحقيق: محمد عبدالرزاق، الناشر: المطبعة السلفية د. ت.
381 -
موسوعة أسبار، للعلماء والمتخصصين في الشريعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية، الناشر: أسبار للدراسات والبحوث والإعلام في الرياض، الطبعة الأولى، 1419 هـ.
382 -
موسوعة الحافظ ابن حجر العسقلاني الحديثية، جمع وإعداد: وليد بن
أحمد وإياد بن عبداللطيف، مصطفى بن قحطان وبشير بن جواد وعماد ابن محمد، الناشر: دار الحكمة الطبعة الأولى، 1422 هـ.
383 -
موسوعة العذاب تأليف: عبود الشالجي الناشر: الدار العربية للموسوعات، بيروت لبنان د. ت.
384 -
موسوعة الفكر الإسلامي، إشراف الدكتور محمود حمدي مرزوق، الناشر: وزارة الأوقاف، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، طبعة 1428 هـ.
385 -
موسوعة المستشرقين، تأليف: عبد الرحمن بدوي، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، 1989 م.
386 -
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، إشراف وتخطيط ومراجعة: د/ مانع بن حماد الجهني، الناشر: دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 1418 هـ.
387 -
الموطأ، للإمام مالك، تحقيق: د/ بشار عواد ومحمود محمد، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1418 هـ.
388 -
موقف ابن تيمية من الأشاعرة، تأليف: الدكتور/ عبد الرحمن المحمود الناشر: مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الأولى 1415 هـ.
389 -
موقف ابن حزم من المذهب الأشعري، تأليف: عبد الرحمن دمشقية، الناشر: دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى 1418 هـ.
390 -
موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة، تأليف: سليمان بن صالح الغصن، الناشر: دار العاصمة، الرياض، الطبعة
الأولى، 1416 هـ.
391 -
ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للشيخ الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي الشهير بالذهبي، تحقيق محمد علي البجاوي، الناشر: دار احياء الكتب العربية، عيسى اليابي الحلبي وشركاه، الطبعة الاولى، (1382 هـ ـ 1963 م).
392 -
النبوات للإمام شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: الدكتور/ عبدالعزيز ابن صالح الطويان، الناشر: أضواء السلف بالرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ.
393 -
نتائج الفكر، لأبي القاسم عبدالرحمن بن عبدالله السهيلي، تحقيق: محمد بن إبراهيم البنا، الناشر: دار الياض للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1404 هـ.
394 -
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، تأليف: جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي. قدم له وعلق عليه محمد حسين شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1413 هـ.
395 -
نزهة النظر شرح نخبة الفكر، للحافظ أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1409 هـ.
396 -
نشأة الأشعرية وتطورها لجلال محمد موسى، الناشر: دار الكتاب اللبناني، بيروت، د. ت.
397 -
نظرة علمية في نسبة كتاب الإبانة جميعه إلى الإمام أبي الحسن
الأشعري، للمؤلف وهبي سليمان غوجي، الناشر: دار ابن حزم للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى.
398 -
نقض الإمام أبي سعيد الدارمي على المريسي الجهمي العنيد، للإمام ابي سعيد عثمان بن سعيد، تحقيق: د. رشيد بن حسن الألمعي، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
399 -
النكت والعيون (تفسير الماوردي)، لأبي الحسين علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، تحقيق: السيد بن المقصود بن عبدالرحيم، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت د. ت.
400 -
النهاية في الفتن والملاحم، للحافظ ابن كثير، تحقيق: محمد أحمد عبدالعزيز، الناشر: دار الجيل، بيروت د. ت.
401 -
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير الجزري، تحقيق: صلاح ابن محمد عويضة، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
402 -
النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد، لجاسم الفهيد الدوسري، دار الخلفاء، الطبعة الأولى، 1404 هـ.
403 -
وجاء دور المجوس، تأليف: عبد الله محمد الغريب. د. ت.
404 -
رسائل الشيعة، للحر العاملي، الناشر: مؤسسة مهر، الطبعة الثانية، 1414 هـ.
405 -
وفاء الضمانة بأداء الأمانة، للإمام محمد المغربي الأباضي، الناشر: مطبعة الأزهار البارونية، طبعة 1326 هـ.
406 -
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأبي العباس بن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر بيروت، لبنان د. ت.
407 -
اليهودية، والحركات الحديثة في اليهودية عرض تاريخي، للدكتور/ عرفان عبد الحميد فتاح، الناشر: دار البيارق، عمّان، الطبعة الأولى 1417 هـ.