الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (3)
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم:(شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح) للإمام زين الدين أحمد بن أحمد عبد اللطيف الزبيدي، المتوفى سنة 893هـ.
مع مطلع هذه الحلقة يسرني أن أرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحباً بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: توقفنا عند قول المؤلف:
باب: أمور الإيمان
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالترجمة موجودة في الأصل في الصحيح، ولكن المختصر لم يذكر تراجم تفصيلية لكتاب الإيمان، إنما اقتصر على الترجمة الكبرى: كتاب الإيمان، والمحقق -وفقه الله- زاد هذه التراجم، وجعلها بين معكوفتين للدلالة على أنها من وضعه، وليست من أصل الكتاب.
يقول -رحمه الله تعالى-:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان)) راوي الحديث أبو هريرة يقول النووي -رحمه الله تعالى-: اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولاً، أصحها عند الأكثرين أن اسمه: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، يقول: وروينا عنه قال: كان اسمي في الجاهلية عبد شمس، وسميت في الإسلام عبد الرحمن.
وقال: هو أول من كني بأبي هريرة، قال: لأني وجدت هرة فحملتها في كمي، فقيل: أنت أبو هريرة.
أسلم أبو هريرة رضي الله عنه عام خيبر بالاتفاق، سنة سبع، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لزمه، وواظب عليه، وحمل عنه من العلم شيئاً كثيراً، وهو أكثر الصحابة رواية بإجماع العلماء، روى عن النبي عليه الصلاة والسلام خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً، اتفق الشيخان منها على ثلاثمائة وخمسة وعشرين، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين، ومسلم بمائة وتسعين.
توفي بالمدينة سنة 59هـ، وقيل: ثمان، وقيل: سبع، ودفن بالبقيع رضي الله عنه وأرضاه-، هكذا في شرح النووي.
انفرد البخاري بثلاثة وتسعين إذا أضيفت إلى ما اتفق عليه الشيخان ثلاثمائة وخمسة وعشرين يكون المجموع ثمانية عشر وأربعمائة، لكن الحافظ ابن حجر يقول: مجموع ما أخرجه البخاري من المتون المستقلة على التحرير أربعمائة حديث وستة وأربعون حديثاً، على التحرير، والحافظ ابن حجر يعنى بهذه الأعداد بدقة؛ لأنه شرح الصحيح، ويبين ما في كل باب، أو في كل كتاب من الأحاديث المرفوعة والموقوفة والموصولة والمعلقة، فضبط العدد بالتحرير -رحمه الله تعالى-.
قوله: ((الإيمان بضع)) البضع بكسر الباء، وحُكي فتحها، يقول في القاموس: وهو ما بين الثلاث والتسع أو إلى الخمس، أو ما بين الواحد إلى أربعة، أو من أربع إلى تسع أو سبع، على كل حال الخلاف فيه كبير بين أهل اللغة، يقول الفراء: هو خاص بالعشرات إلى التسعين، فلا يقال: بضع ومائة، ولا بضع وألف، ويكون مع المذكر بهاء، ومع المؤنث بغير هاء؛ يعني كالعدد، فتقول: بضعة وسبعون رجلاً، وبضع وعشرون امرأة، ولا تعكس؛ لأن العدد يخالف المعدود، فتقول: أربعة وعشرون رجلاً، وأربع وعشرون امرأة، وعلى هذا تقول: مكان الأربع والأربعة بضعة وبضع، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: بضعة ((الإيمان بضعة وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان)) ففي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: بضعة، بتأنيث بضعة، على تأويل الشعبة بالنوع، إذا فسرت الشعبة بالطائفة من الشيء فعلى هذا يكون معنى الحديث الإيمان بضعة وستون نوعاً، والحياء نوع من الإيمان، يقول النووي والكرماني: بضعة في أكثر الأصول، وقال ابن حجر: في بعض الروايات، عبارة ابن حجر تدل على أن الأكثر بضع لا بضعة؛ لأنه قال في بعض الروايات، قال القسطلاني: وصوب العيني قول الكرماني تعصباً، والذي رأيته في هامش فرع اليونينية: كهي، قال الأصيلي: صوابه بضع، يعني: بإسقاط الهاء، الآن الكرماني مع النووي يقولون في أكثر الأصول: بضعة بالتأنيث، وابن حجر يقول: في بعض الروايات: بضعة، بضعة في بعض الروايات، فابن حجر رحمه الله عكس كلام الكرماني، والقسطلاني يقول: صوب العيني قول الكرماني تعصباً، تعصباً على من؟ على ابن حجر؛ لأنه ينقل كلام ابن حجر غالباً، ويبهمه ثم يتعقبه، وأحياناً يشم منه رائحة التعصب أنه لمجرد، كلامه في التعقب لمجرد نقض القول لابن حجر.
وعلى كل حال كل من ابن حجر والعيني من العلماء المعتبرين الذين لهم قدم راسخة في هذا الشأن، وإن كان الحافظ أرجح في الحديث وعلومه.
المقدم: لكن يستقيم بضعة مع شعبة يا شيخ في اللغة؟ يستقيم؟
قلنا: على التأويل.
المقدم: التأويل.
ما تمشي إلا على التأويل، الشعبة بالنوع، لا بد أن تأول الشعبة بالنوع، ويلجأ إلى مثل هذا التأويل إذا حصل ما يخالف القواعد، فلا بد من اللجوء إلى التأويل.
يقول القسطلاني: صوب العيني قول الكرماني تعصباً، والذي رأيته في هامش فرع اليونينية: كهي، قال الأصيلي: صوابه بضع، يعني: بإسقاط الهاء، صوابه من حيث الرواية أو من حيث العربية؟ الرواية ثابتة في اللفظين عن البخاري، لكن لعل القصد -قصد الأصيلي- الصواب من حيث العربية، يقول: والذي رأيته في هامش اليونينية فرع اليونينية: كهي، هذا كلام القسطلاني، والذي رأيته في هامش فرع اليونينية: كهي، اليونيني شرف الدين الحنبلي له عناية في الصحيح كما هو معروف، نسخته تعرف باليونينية، وهي أضبط النسخ على الإطلاق؛ لأنه قرأ الكتاب مراراً على الروايات كلها، وذكر فروق هذه الروايات، كما أنه قرأ الكتاب مراراً على ابن مالك، الإمام النحوي المعروف، قرأه مراراً، ويصوب له الروايات المناسبة المطابقة أو الموافقة لعلم العربية.
المقدم: وفي شيء مطبوع موافق لهذه النسخة يا شيخ الآن؟
الرموز والفروق -فروق الروايات- التي أثبتها اليونيني على نسختها، ورمز لكل رواية برمز هي التي طبعت عنها النسخة البولاقية، سواء السلطانية سنة (1311هـ) أو التي تليها بعد أن صححت سنة (1313هـ و1314هـ) تعتبر من أنفس الطبعات هذه.
يقول: في هامش فرع اليونينية: كهي، هذا كلام القسطلاني، لماذا اضطر إلى الفرع وقدمها على الأصل؟ لماذا ما قال: في هامش اليونينية وانتهى الإشكال؟ قال: في هامش فرع اليونينية: كهي، وهذا يستعمله كثيراً القسطلاني؛ لماذا يقدم الفرع على الأصل؟ أولاً: لم يتيسر له الحصول على الأصل في أول الأمر، وجد الفرع -فرع اليونينية-، وقابل نسخته عليها ستة عشر مرة، حتى أتقن نسخته؛ ولذا شرحه من أضبط الشروح بالنسبة للفظ الصحيح، سواء كان في المتون والأسانيد وصيغ الأداء وغيرها، قابل نسخته التي شرحها على الفرع اليونيني ستة عشر مرة، ثم تيسير له أن وجد المجلد الثاني من اليونينية الأصلية، فقابل عليها مراراً، ثم وجد المجلد الأول بعد حين فقابل عليه وجد الفرع مطابق تماماً للأصل، فاعتنى به، وقدمه على الأصل؛ لأنه هو السابق في الوجود بالنسبة له، هذا هو السبب، قوله: وستون، يقول ابن حجر: لم تختلف الطرق عن أبي عامر، يعني: العقدي، شيخ شيخ المؤلف في ذلك، وتابعه يحيى الحماني عن سليمان بن بلال، وأخرجه أبو عوانة من طريق بشر بن عمرو عن سليمان بن بلال، فقال: بضع وستون أو بضع وسبعون، على الشك، وكذا وقع التردد في رواية مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار، ورواه أصحاب السنن الثلاثة من طريقه، فقالوا: بضع وسبعون من غير شك، ورجح البيهقي رواية البخاري لأن سليمان لم يشك، قال الحافظ: وفيه نظر لما في رواية بشر من التردد، قال ابن حجر: لكن يرجح بضع وستون على بضع وسبعين بأنه المتقين؛ لأن العدد الأقل دائماً هو المتقين، وما عداه مشكوك فيه، رجح الحليمي وعياض والنووي رواية بضع وسبعون لكونها زيادة ثقة، قال: ابن حجر لا يستقيم ذلك؛ لأن الذي زادها لم يستمر على الجزم بها، لا سيما مع اتحاد المخرج، وبهذا يتبين شفوف ونظر البخاري، يعني: دقة نظر الإمام البخاري.
المقدم: لأنه لم يروِ إلا الستون فقط، السبعين
…
ما رواها.
المقدم: نعم.
يقول: قال ابن حجر: لا يستقيم ذلك أن نقول: إن السبعين .. ، زيادة العشرة زيادة الثقة، أولاً: مجيء زيادة الثقة في اللفظ الواحد في الكلمة الواحدة منهم من يرويها ستين، ومنهم من يرويها سبعين، نقول: هذه زيادة ثقة، نعم؟
المقدم: لا يمكن.
اختلاف.
المقدم: نعم.
هذا اختلاف وليس من الزيادات، لكن يمكن أن يقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام أُخبر أولاً، أو تحدث أولاً عن الشعب في أول الأمر بأنها بضع وستون، ثم تحدث بعد ذلك أنها بضع وسبعون، وحينئذٍ لا إشكال ولا اختلاف، كما قال عليه الصلاة والسلام:((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة)) وفي حديث ابن عمر: ((تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) أُخبر النبي عليه الصلاة والسلام بالعدد الأول، ثم تفضل الله سبحانه وتعالى بزيادة الدرجتين لمن اعتنى بصلاة الجماعة، وعلى هذا لا يكون هناك اختلاف، ومنهم من يقول: إن العدد لا مفهوم له، لو حصل مثل هذا التعارض قال: العدد لا مفهوم له، ومنهم من يطلق دائماً يقول: العدد لا مفهوم له، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، نعم إذا عُرض مفهوم العدد بمنطوق أقوى منه نعم يلغى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [(80) سورة التوبة] يعني مقتضاه لو استغفر لهم واحد وسبعين مرة أنهم يغفر لهم، لكن هذا المفهوم معارض بـ {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] وحينئذٍ يلغى المفهوم، أما إذا كان المفهوم سواء كان لعدد أو لغيره دون معارض فإنه لا بد من اعتباره.
المقدم: إذاً -أحسن الله إليكم- عدم رواية البخاري لهذه الزيادة ليس لذات السند وإنما للمتن؟
نعم للشك الموجود.
المقدم: أي نعم، أما سند الحديث في الزيادة ليس فيه شيء، ولذلك رواه مسلم.
نعم، هو مخرج في مسلم.
المقدم: نعم.
يقول القسطلاني: هل المراد حقيقة العدد أو المبالغة؟ قال الطيبي: الأظهر أن المراد أو إرادة المعنى تكثير، ويكون ذكر البعض للترقي، يعني أن شعب الإيمان أعداد مبهمة، ولا نهاية لكثرتها، ولو أراد التحديد لم يبهم، وقال آخرون: المراد حقيقة العدد، ويكون النص وقع أولاً على البضع والستين لكونها الواقع، ثم تجددت العشر الزائدة فنص عليها، يقول النووي: وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أعلى هذه الشعب وأدناها، كما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم:((أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) فبين صلى الله عليه وسلم أن أعلاها التوحيد المتعين على كل مكلف، والذي لا يصح غيره من الشعب إلا بعد صحته، وأن أدناها ما يندفع به ضرر المسلمين، وبقي بينهما تمام العدد، فيجب علينا الإيمان به، وإن لم نعرف أعيان جميع أفراده، كما نؤمن بالأنبياء والملائكة -صلوات الله وسلامه عليهم-، وإن لم تعرف أعيانهم وأسماؤهم.
وقد صنف العلماء في تعيين هذه الشعب كتباً كثيرة، من أغزرها فوائد، وأعظمها جلالة كتاب: المنهاج في شعب الإيمان لأبي عبد الله الحليمي، وهو كما قال النووي: من أعلام الإسلام، ثم حذا الإمام الحافظ
…
المقدم: مطبوع يا شيخ أحسن الله إليك؟
أيه، مطبوع في ثلاثة مجلدات، مطبوع، لكنه بحاجة إلى خدمة، مطبوع في ثلاثة مجلدات، وهو ما يزال بحاجة إلى خدمة، وهو كتاب نفيس، لا يستغني عنه طالب علم، ثم حذا الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي حذوه حذو الحليمي، وزاد عليه وأتى من التحقيق والفرائد بما لا مزيد عليه، في كتابه الحافل:(شعب الإيمان) فرحمهم الله تعالى.
وكذلك كتاب شعب الإيمان للبيهقي مطبوع في عشرين مجلداً، وطبع في أقل من ذلك بدون تعليقات، وهو أيضاً مختصر شعب الإيمان للبيهقي مختصر اختصره القزويني في جزء لطيف، قال القاضي عياض: تكلف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد، وفي الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبة، ولا يقدح عدم معرفة حصر ذلك على التفصيل في الإيمان، أقول: لا شك أن تعيين المبهم الذي أبهمه الشرع من غير نص عليه من الشارع، والجزم بأن هذا هو مراد الله سبحانه وتعالى، أو مراد رسوله فيما حدث به عليه الصلاة والسلام عن ربه، لا شك أن في هذا صعوبة؛ لأن مثل هذا يحتاج إلى توقيف، ولا يمكن حصرها بطريق الاجتهاد، يقول ابن حجر: ولم يتفق من عد الشعب على نمط واحد، وأقربها إلى الصواب طريقة ابن حبان، لكن لم نقف على بيانها من كلامه، وفي صحيحه المرتب المسمى:(بالإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) للأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، يقول ابن حبان: قد تتبعت معنى الخبر مدة، وذلك أن مذهبنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم قط إلا بفائدة، ولا من سننه شيء لا يُعلم معناه، فجعلت أعد الطاعات من الإيمان، فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئاً كثيراً، فرجعت إلى السنن فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان، فإذا هي تنقص من البضع والسبعين، فرجعت إلى ما بين الدفتين من كلام ربنا، وتلوته آية آية بالتدبر، وعددت كل طاعة عدها الله -جل وعلا- من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البعض والسبعين، فضممت الكتب إلى السنن، وأسقطت المعاد منها، فإذا كل شيء عده الله -جل وعلا- من الإيمان في كتابه، وكل طاعة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان في سننه تسع وسبعون شعبة، لا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء، فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم كان في الخبر أن الإيمان بضع وسبعون شعبة في الكتاب والسنن، فذكرت هذه المسألة بكمالها بذكر الشعب في كتاب وصف الإيمان وشعبه، هذا الكتاب لابن حبان، كتاب اسمه:(وصف الإيمان وشعبه) هذا لا وجود له، ولم يقف عليه الحافظ، ولذا قال: لكن لم نقف على بيانها من كلامه، لو وقف على الكتاب لوقف عليها من كلامه، بما أرجو أن فيه
الغنية للمتأمل إذا تأملها، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب.
يقول ابن حجر: وقد لخصت مما أوردوه ما أذكره، وهو أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن، فأعمال القلب فيه المعتقدات والنيات، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة، الإيمان بالله ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شيء، واعتقاد حدوث ما دونه، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، والقدر خيره وشره، والإيمان باليوم الآخر، ويدخل فيه المسألة في القبر، والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط، والجنة والنار، ومحبة الله، والحب والبغض فيه، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاد تعظيمه، ويدخل فيه الصلاة عليه، وإتباع سنته، والإخلاص ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق والتوبة والخوف والرجاء والشكر والوفاء والصبر والرضا بالقضاء والتوكل والرحمة والتواضع، ويدخل فيه توقير الكبير ورحمة الصغير، وترك الكبر والعجب، وترك الحسد، وترك الحقد، وترك الغضب، هذه أعمال القلب، وأعمال اللسان وتشتمل على سبع خصال: التلفظ بالتوحيد، وتلاوة القرآن، وتعلم العلم وتعليمه، والدعاء والذكر، ويدخل فيه الاستغفار، واجتناب اللغو.
وأعمال البدن وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة: منها ما يختص بالأعيان، وهي خمسة عشرة خصلة: التطهير حساً وحكماً، ويدخل فيه اجتناب النجاسات، وستر العورة، والصلاة فرضاً ونفلاً، والزكاة كذلك، وفك الرقاب والجود، ويدخل فيه إطعام الطعام، وإكرام الضيف، والصيام فرضاً ونفلاً، والحج والعمرة كذلك، والطواف والاعتكاف، والالتماس ليلة القدر، والفرار بالدين، ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك، والوفاء بالنذر، والتحري في الأيمان، وأداء الكفارات، ومنها ما يتعلق بالإتباع وهي ست خصال: التعفف بالنكاح، والقيام بحقوق العيال، وبر الوالدين، واجتناب العقوق، وتربية الأولاد، وصلة الرحم، وطاعة السادة، أو الرفق بالعبيد.
ومنها ما يتعلق بالعامة، وهي سبعة عشرة خصلة: القيام بالأمرة مع العدل، ومتابعة الجماعة، وطاعة أولي الأمر، والإصلاح بين الناس، ويدخل فيه قتال الخوارج والبغاة، والمعاونة على البر، ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود والجهاد، ومنه المرابطة وأداء الأمانة، ومنها أداء الخمس، والقرض مع وفائه، وإكرام الجار، وحسن المعاملة، وفيه جمع المال من حله، وإنفاق المال في حقه، ومنه ترك التبذير والإسراف، ورد السلام، وتشميت العاطس، وكف الأذى من الناس واجتناب اللهو، وإماطة الأذى عن الطريق، فهذه تسع وستون خصلة، ويمكن عده تسع وسبعين خصلة باعتبار أفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذُكر، والله أعلم، هكذا ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى-.
وعندي أن الإبهام وعدم التوقيف في مثل هذه الأمور مقصد شرعي؛ لكي يتنافس المسلمون، ويجتهد المؤمنون في تتبع جميع ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحرص على العمل بجميع ذلك وحصرها، والجزم بأن هذا مراد الله سبحانه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فيه جزم بغير علم، إذاً المسألة تحتاج إلى توقيف نظير ما جاء في الحث على إحصاء الأسماء الحسنى، جاء في الحديث الصحيح:((إن لله سبحانه وتعالى تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة)) وما جاء بيانها في المرفوع، تركت هذه ليعتنى بالأسماء الحسنى كلها، فكل اسم من الأسماء الحسنى يعتنى به، ويدعى به الرب -جل وعلا-، من باب حث الناس على العناية بهذه الأسماء، ومثله إبهام ليلة القدر كي يجتهد الناس في طلب ليلة القدر، ولو بينت في ليلة معينة لاعتنى بها الناس، وترك الناس ما عداها، ومثلها ساعة الجمعة جاءت أحاديث تدل على أنها في منتصف النهار، وجاء أنها في آخر ساعة وغير ذلك.
المقدم: أحسن الله إليكم: ألا يمكن أن يقال: إن هذا الحديث في رد على من زعم أن الإيمان هو الاعتقاد فحسب؛ لأنه جمع الأصول الثلاثة، القول والعمل والاعتقاد، فقول: لا إله إلا الله هذه شعبة مهمة، وهي بالقول، والحياء قلبي، وإماطة الأذى عن الطريق بالفعل، ألا يمكن أن يرد عليهم بهذا الحديث وأمثاله؟
هو سيأتي وجه إدخال الحديث في كتاب الإيمان -إن شاء الله تعالى-، وفيه بيان هذا -إن شاء الله-.
المقدم: جيد، الموضوع الآخر كأن البخاري لم يروِ هذا الحديث إلا في هذا الباب فحسب؟
نعم، ليس في
…
المقدم: ليس في الصحيح؟
ليس في الصحيح إلا هذا الموضع فقط.
المقدم: جميل.
ذكرنا في الحديث أن من أهل العلم من اجتهد في حصر هذه الشعب، وتتطلبها من الكتاب والسنة، وحصل على العدة المذكورة، وابن حجر -رحمه الله تعالى- اجتهد، وذكر بعد أن قسمها إلى ما يتعلق بالقلب واللسان والجوارح، ثم ذكر الخصال المتعلقة بالقلب، ثم اللسان، ثم الجوارح، ولكن حقيقة بالنسبة لي أنا لا أرى مثل هذه الأعداد التي ليس فيها نص على أن هذا هو مراد النبي عليه الصلاة والسلام من حديثه، وذكرت أن الإبهام وعدم التوقيف في مثل هذه الأمور من مقاصد الشرع، وله نظائر كساعة الجمعة وليلة القدر، وإحصاء الأسماء الحسنى، وما أشبه ذلك، من أجل أن يجتهد الناس، ويحرصوا على تتبع هذه الشعب كل شخص بنفسه، ويحرص على تدبر الكتاب من أجل أن يستخرج هذه الشعب، ومثل ذلك تتبع ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ليجتهد ويعمل، كل هذا مما يبعث العمل عند المسلم، ولا يجعله يتكل على غيره، كما أن ليلة القدر باستطاعته عليه الصلاة والسلام أن يقول: هي الليلة الفلانية، ولا يجعل الناس يجتهدون حتى بلغت الأقوال في ليلة القدر ما يقرب من خمسين قولاً لأهل العلم، ما يقرب من خمسين قولاً.
المقدم: عن هذه الليلة ....
مع أن رمضان ثلاثين ليلة، والجماهير كلهم على أنها في العشر، التمسوها في العشر، في السبع الأواخر، ومع ذلك بلغت الأقوال قرابة خمسين قولاً، كل هذا من أجل أن يجتهد الناس في تحصيل هذه الليلة العظيمة الأجر، على أن القاضي عياض -رحمه الله تعالى- يقول: ولا يقدح عدم معرفة ذلك على التفصيل في الإيمان، إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة، والإيمان بأن هذا العدد واجب على الجملة، وتفصيل الأصول، وتعيينها على هذا العدد يحتاج إلى توقيف.
يقول الخطابي: هذه منحصرة في علم الله وعلم رسوله صلى الله عليه وسلم، موجودة في الشريعة على أن الشرع لم يوقفنا عليها، وذلك لا يضرنا في علمنا بتفاصيل ما كلفنا به، فما أمرنا بالعمل به عملنا، وما نهانا عنه انتهينا، وإن لم نحط بحصر أعداده، نعم اعملوا وكل عمل أجره مثبت موفور لصاحبه، ما لم يخدشه برياء أو غيره، والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، لسنا بحاجة إلى مثل تتبع هذه الأشياء.
زاد مسلم في روايته: ((أعلاها لا إله إلا الله، وأدنها إماطة الأذى عن الطريق)) قال ابن حجر: وفي هذا إشارة إلى أن مراتبها متفاوتة، لا شك أنها متفاوتة، أين قول: لا إله إلا الله أول واجب على المكلف، الكلمة التي يدخل به المرء الإسلام ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) وبين إماطة الأذى عن الطريق؟! يجد المسلم ما يؤذي المارة فينحينه عن الطريق، لا شك أن هذه من شعب الإيمان، لكن أين هذا من قول: لا إله إلا الله؟ يقول ابن حبان: والدليل على أن الإيمان أجزاء وشعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خبر عبد الله بن دينار: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله)) فذكر جزءً من أجزاء شعبه، هي كلها فرض على المخاطبين في جميع الأحوال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل: وإن رسول الله، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار، وما يشبه هذا من أجزاء هذه الشعبة، واقتصر على ذكر جزء واحد منها، حيث قال:((أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله)) فدل على أن سائر الأجزاء من هذه الشعبة كلها من الإيمان، ثم عطف فقال:((وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) فذكر جزء من أجزاء شعبه هي نفل كلها للمخاطبين في كل الأوقات، فدل ذلك على أن سائر الأجزاء التي هي من هذه الشعبة، وكل جزء من أجزاء الشعب التي بين الجزأين المذكورين في هذا الخبر اللذين هم من أعلى الإيمان وأدناها كله من الإيمان، فذكر الأعلى والأدنى وسكت عن ما بين الأعلى والأدنى.
قوله في الحديث: ((والحياء شعبة من الإيمان)) الشعبة القطعة والخصلة والجزء، والحياء بالمد، قالوا في اللغة: تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو من لوازمه، الترك هو من لوازم الحياء، وليس هو الحياء، يقول الواحدي: قال أهل اللغة: الاستحياء من الحياة، واستحيا الرجل من قوة الحياء فيه لشدة علمه بمواقع العيب، قال: والحياء من قوة الحس ولطفه، لا شك أن الذي يستحي هو الشخص الحساس، أما الشخص الذي لا يكترث، وليست لديه الحساسية المطلوبة شرعاً مثل هذا لا يستحي، والاستحياء كما في قوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي} [(26) سورة البقرة] هو بياءين كما هو معروف في لغة قريش، وإن كانت لغة تميم بياء واحدة، ولذا جاء في الحديث:((إذا لم تستحي -بياء- فاصنع ما شئت)) لا بد من ذكر الياء؛ لأنه حذف واحدة وبقي واحدة للجازم، هذه لغة قريش، وأما مقتضى لغة تميم تقول:((إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)) في الصحيح متن الحديث على لغة قريش: ((إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) والترجمة من صنيع الإمام البخاري على لغة تميم، باب:(إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)) هذا من اللطائف.
الحياء في الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، نقل النووي في شرحه عن الرسالة لأبي قاسم القشيري، وهي رسالة مشهورة معروفة عند أهل العلم، وإن كانت لا تسلم من شيء من المخالفات التي يعتني بها بعض العباد والمتصوفة، لأبي قاسم القشيري عن الجنيد قال: رؤية الآلاء -أي: النعم- ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء، لا شك أن الذي يؤدي العمل على الوجه المطلوب لا يستحي، لكن إذا طلب منك عمل فقصرت فيه، ووفيت الأجر كامل لا بد أن يتولد بينهما حياء، تستحي من هذا الشخص الذي أكرمك، وهذا في حق المخلوق، تستحي من هذا الشخص الذي أكرمك وأعطاك الأجر كاملاً، وعملت له عملاً ناقصاً، وقد جاء مدح الحياء في نصوص كثيرة، قوله عليه الصلاة والسلام:((الحياء من الإيمان)) وقوله: ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) وقوله: ((إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) وغير ذلك من النصوص، قال القاضي عياض وغيره من الشراح: إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة، قد يقول قائل: كثير من الناس يستحي غريزة جبلة، فكيف يرتب عليه الثواب وهو غريزة؟ نعم؟
المقدم: نعم.
جبلة في الشخص، يقول: إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة لأنه يكون تخلقاً واكتساباً كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة، لكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم، فهو من الإيمان لهذا؛ ولكونه باعثاً على أفعال الخير، ومانعاً من المعاصي، نعم الغرائز موجودة في الإنسان، لكن تكييف هذه الغرائز وتسيرها على مراد الله سبحانه وتعالى اكتساب، فهو يثاب على هذا المكتسب، وعلى تطويعه النفس على مراد الله سبحانه وتعالى، وأما كونه خيراً كله ولا يأتي إلا بخير فقد يُستشكل من حيث أن صاحب الحياء قد يستحيي أن يواجه بالحق رجلاً يجله فيترك أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال بالحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة هذا مشاهد، إذا رأى الإنسان من يجله حينئذٍ يستحيي من أن ينكر عليه ما يرتكبه من منكر، أو ما يفرط به من واجب، وهذا موجود بين المسلمين، ويزداد سوء حقيقة إذا وجد مِن مَن ينتسب إلى العلم، والجواب كما في شرح النووي عن هذا الإشكال أن هذا المانع المذكور ليس بحياء حقيقة، يعني: ليس بحياء شرعي، وإن سماه الناس حياء عرفاً، ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز ومهانة وضعف، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف أطلقوه مجازاً لمشابهته الحياء الحقيقي، وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع عن التقصير في حق ذي الحق.
قال ابن حجر: فإن قيل: لم أفرده بالذكر؟ نعود إلى المسألة السابقة، وهي أن الإنسان قد يستحيي ممن يجله فلا ينكر عليه، وهذه لا شك أنها مع الأسف الشديد في هذه الأزمان وهذه العصور موجودة عند كثير من المسلمين، ولا شك أن عدم القيام بما يجب على الإنسان لا سيما ممن ينتسب إلى العلم من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ولرسوله، ولأئمة والمسلمين وعامتهم، لا شك أن هذا ضعف، هنا يقول ابن حجر: فإن قيل: لم أفرده، يعني: الحياء بالذكر؟ أجيب: بأنه كالداعي إلى باقي الشعب إذ الحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، فيأتمر وينزجر، والله الموفق.
لا شك أن الحياء الشرعي يبعث على باقي الشعب، فكيف تستحيي ممن أغرقك بالنعم وأنت تزعم أنك تستحيي منه، وأنت لا تأتمر بأوامره، ولا تنزجر عن نواهيه، لا يمكن أن تتصف بهذه الصفة من الحياء الذي تزعمه إلا إذا امتثلت الأوامر، واجتنبت النواهي، ولذا يقول الحافظ: أجيب بأنه كالداعي إلى باقي الشعب إذ الحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، فيأتمر وينزجر، والله الموفق.
وجاء تفسير الحياء مرفوعاً عند الترمذي من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استحيوا من الله حق الحياء)) قالوا: إنا لنستحيي من الله يا رسول الله والحمد لله، قال:((ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، وآثر الآخرة على الأولى، فمن يعمل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)) أولاً: هذا الحديث ضعيف، يقول الترمذي: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد وهو ضعيف، لا شك أنه ضعيف، الحديث ضعيف، ولو صح هذا الخبر لكان هذا التفسير من الرسول عليه الصلاة والسلام كما جاء في تفاسير بعض الحقائق التي تختلف فيها الحقائق العرفية عن الحقائق الشرعية، كتفسيره عليه الصلاة والسلام للمفلس، لما سألهم عن المفلس؟ قالوا: المفلس.
المقدم: ((من لا دينار له ولا متاع)).
((من لا دينار له ولا متاع)) فقال عليه الصلاة والسلام: "المفلس من كذا وكذا"
…
إلى آخره، لكن لو صح هذا الخبر، وعرفنا أنه غير صحيح، وهذه الأشياء المذكورة ((تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى)) كل هذه أمور مطلوبة ((من أراد الآخرة ترك زينة الدنيا)) يعني تقلل من الدنيا، وإن كان مأمور بأن لا ينسى نصيبه من الدنيا ((وآثر الآخرة على الأولى)) وهذا أيضاً أمر مطلوب، يقول القسطلاني في الحديث -حديث الباب-: وفي هذا الحديث دلالة على قبول الإيمان الزيادة؛ لأن معناه كما قال الخطابي أن الإيمان الشرعي اسم لمعنى له أجزاء، أدنى وأعلى، والاسم يتعلق ببعض تلك الأجزاء كما يتعلق بكلها، الاسم الذي هو الإيمان الشرعي يتعلق بالشعب كلها كما أنه يتعلق ببعضها، فلا إله إلا الله أعلى شعب الإيمان، وإماطة الأذى عن الطريق أدنى الشعب، الصلاة من الإيمان، الزكاة من الإيمان، الجهاد من الإيمان وهكذا، فالإيمان له أجزاء، وله أيضاً أعلى وأدنى، وما بين ذلك، يعني ....
المقدم: يعني كأن التعليق هذا على اللفظ الآخر؛ لأنه قال: أعلى وأدنى، وبالتالي هذا ليس موجود بنص هذا الحديث:((الإيمان بضع وستون شعبة)) يبدو أن
…
موجودة في بعض طرق الحديث عند غير
…
المقدم: أي نعم. . . . . . . . .
عند مسلم.
المقدم: إذاً هذا التعليق ليس على هذا الموضع يعني.
هم يشرحون الحديث بكامله.
المقدم: نعم.
إذا شرحوا الحديث استحضروا الروايات الأخرى؛ لأن أولى ما يفسر به الحديث الحديث، كما أن أولى ما يفسر به القرآن القرآن، الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله:(باب: أمور الإيمان) قال العيني: أي هذا بابٌ في بيان أمور الإيمان، فيكون ارتفاع باب على أنه خبر مبتدأ محذوف، والمراد بالأمور هي الإيمان؛ لأن الأعمال عنده هي الإيمان، يعني عند البخاري هي الإيمان، فعلى هذا تكون الإضافة بيانية، ويجوز أن يكون التقدير باب الأمور التي للإيمان في تحقيق حقيقته وتكميل ذاته، فعلى هذا تكون الإضافة بمعنى اللام، وفي رواية الكُشمهني: باب أمر الإيمان بالإفراد على إرادة الجنس، يقول ابن بطال: التصديق أول منازل الإيمان، والاستكمال إنما هو بهذه الأمور، وأراد البخاري الاستكمال، ولهذا بوب أبوابه عليه، فقال: باب أمور الإيمان، باب الجهاد من الإيمان، باب الصلاة من الإيمان، باب الزكاة من الإيمان، وأراد بهذه الأبواب كلها الرد على المرجئة القائلين بأن الإيمان قول بلا عمل، وتبيين غلطهم ومخالفتهم للكتاب والسنة، والحديث مخرج في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو موجود في مسند أحمد، وصحيح ابن حبان، وعند غيرهم أيضاً، فهو حديث مشهور مستفيض في دواوين الإسلام.
المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخنا، جاء في حديث: أن الأحنف بن قيس عندما جاء في وفد قومه للنبي صلى الله عليه وسلم تعجل قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وانتظر هو، وجهز نفسه ولباسه وراحلته، يعني: في مكانها المناسب، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام:((إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله)) قال: يا رسول الله أخصلتين جبلت عليهما أم تخلقت بهما؟ قال: ((بل جبلت عليهما)) قال: الحمد لله الذي جبلني على شيء يحبه الله ورسوله، أليس في هذا دليل على أن الخصلة التي جُبل عليها الإنسان سواء كانت الحياء أو غيره -وموضوعنا في الحياء- يؤجر عليها الإنسان، وإن كانت محض فضل من الله لا اكتساب له فيها؟ والله عز وجل هو الممتن بالفضل والجزاء.
الخصال والغرائز والأوصاف التي يمنحها الله سبحانه وتعالى من يشاء من عباده فضلاً منه وتكرماً كما أن بعض العباد عدلاً من الله سبحانه وتعالى لا ظلماً قد يحرمه من بعض هذه الخصال على أن وجود مثل هذه الخصال وفقدان بعض هذه الخصال امتحان وابتلاء من الله سبحانه وتعالى، هذه نعمة من النعم التي يختبر فيها الإنسان، هل يشكر الله سبحانه وتعالى ويؤدي حق الله سبحانه وتعالى على الوجه المطلوب شكراً لهذه النعم التي منها ما جُبل عليه ما يحبه الله ورسوله؟ وبالمقابل من جبل على خصال لا يحبها الله ورسوله كالغضب مثلاً، إذا صبر واحتسب وتتطبع وامتثل أمر النبي عليه الصلاة والسلام بقوله:((لا تغضب)) لا شك أنه ينال من الله سبحانه وتعالى الثواب العظيم والمجاهدة والمصابرة أمر لا بد منه في حال السراء وفي حال الضراء، بعض الناس يبتلى بالغنى، ومع ذلكم قد لا ينجح في هذا الابتلاء، والأصل المال نعمة من الله سبحانه وتعالى، لكن هل يشكر الإنسان؟ وهل يحاول أن يسخر هذا المال لخدمة دينه وأمته أو يعبث به، ويتخبط في مال الله على غير مراد الله، ومثله أو بالمقابل من حرم نعمة المال، هل يصبر ويحتسب ويصبر على ما صبر عليه النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبته الكرام على ما ناله من شضف العيش وشدته، قد كان عليه الصلاة والسلام يُرى الهلال الأول والثاني والثالث ما أوقدت النار.
المقدم: اللهم صلى وسلم عليه
…
ما أوقدت النار في بيته، فالمال ليس بنعمة محضة، إنما هو ابتلاء، كما أن الفقر والمسكنة والحاجة والفاقة ليست بشر محض، المقصود في الأمرين معاً الأثر المترتب عليهما، هل يصبر من ابتلي بالضراء؟ وهل يشكر من ابتلي بالسراء؟ فكون الإنسان يمتن الله عليه سبحانه وتعالى بنعمة ليختبره فيها هل يشكر هذه النعمة ويسخرها في خدمة دينه وأمته أو يكفر هذه النعمة فيضر بها نفسه ويضر بها غيره؟
على سبيل المثال لو أن شيخاً من الشيوخ مدح لطلابه كتاباً من الكتب فهرع بعض الطلبة للبحث عن هذا الكتاب في المكتبات ولم يتيسر لبعضهم، وبعضهم تعب ونالته الكلفة والمشقة في البحث عنه، والبعض الآخر قال لهم الشيخ: إن الكتاب في المكتبة الفلانية، وقسم ثالث قال لهم الشيخ: عندي لكم نسخ من هذا الكتاب، هل يكون الشيخ ظالم للقسم الأول الذي ذهب يبحث عن الكتاب هنا وهناك؟ لا، ليس بظالم، بل يؤجر على هذا البحث، وبحثه عن هذا الكتاب الذي يبين له شرع الله، ويفسر له كلام الله وكلام رسوله، ويجعله يعبد الله سبحانه وتعالى على بصيرة، ويدعو إلى الله على بصيرة هذه عبادة، فالشيخ حينما مدح هذا الكتاب، وانقسم الطلاب إلى ثلاثة أقسام: منهم من تعب في تحصيل هذا الكتاب هذا يؤجر على هذا التعب، والشيخ ليس بظالم له ألبتة، والقسم الثاني: الذي وصف لهم وعين لهم الشيخ مكان هذا الكتاب أيضاً ليس بظالم له في مقابل من أهدى إليه الكتاب، نعم هو تفضل على بعض الطلاب بالهدية، ولا يلزمه التعديل بينهم، نعم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
المقدم: أحسن الله إليكم: هل نستطيع أن نقول: إن الحياء عبادة قلبية لها آثار في الجوارح والقول كما يقسم بعض العلماء العبادات إلى قلبية وغيرها؟
لا شك أن الحياء مبعثه القلب، مصدره القلب، وآثاره على الجوارح ظاهرة، لا شك أنه تغير وانكسار، تبدو على الملامح وتظهر على الوجه آثاره، ثم يتعدى إلى الأفعال، لا شك أن الحيي حق الحياء الحياء الشرعي ينكف عن فعل المحرمات استحياء من الله سبحانه وتعالى، ويفعل المأمورات حياء من الله سبحانه وتعالى فهي عبادة قلبية، آثارها عملية.
المقدم: النبوة الأولى التي قال عنها عليه الصلاة والسلام: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)).
نعم، هذا مما تواطأت عليه الرسالات.
المقدم: المقصود تواطأ الرسالات.
تواطأت عليه الرسالات، وتوارثته الرسل، وجاء مقرراً في الشرائع كلها.
المقدم: وكان المعروف أن الحياء عندهم بهذه الكيفية.
نعم بهذه الكيفية ....
المقدم: نعم ....