المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[كِتَاب الْجِهَادِ] ‌ ‌[بَاب التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب - شرح الزرقاني على الموطأ - جـ ٣

[الزرقاني، محمد بن عبد الباقي]

فهرس الكتاب

[كِتَاب الْجِهَادِ]

[بَاب التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْجِهَادِ بَاب التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

21 -

كِتَابُ الْجِهَادِ

بِكَسْرِ الْجِيمِ أَصْلُهُ الْمَشَقَّةُ، يُقَالُ: جَهِدْتُ جِهَادًا بَلَغْتُ الْمَشَقَّةَ، وَشَرْعًا: بَذْلُ الْجُهْدِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ.

وَيُطْلَقُ عَلَى مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ بِتَعَلُّمِ أُمُورِ الدِّينِ ثُمَّ الْعَمَلِ بِهَا ثُمَّ عَلَى تَعْلِيمِهَا، وَعَلَى مُجَاهَدَةِ الشَّيْطَانِ بِدَفْعِ مَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ وَمَا يُزَيِّنُهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ، وَعَلَى مُجَاهَدَةِ الْفُسَّاقِ بِالْيَدِ ثُمَّ اللِّسَانِ ثُمَّ الْقَلْبِ.

وَأَمَّا مُجَاهَدَةُ الْكُفَّارِ فَبِالْيَدِ وَالْمَالِ وَاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَشُرِعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ اتِّفَاقًا.

وَلِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: هَلْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ؟ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَيُؤَيِّدُهُ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ عَلَى كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِنَصْرِ الْإِسْلَامِ.

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: كَانَ عَيْنًا عَلَى الْأَنْصَارِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مُبَايَعَتُهُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى أَنْ يُؤْوُهُ وَيَنْصُرُوهُ، فَتَخَرَّجَ مِنْ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ كِفَايَةً فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي حَقِّ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى التَّعْمِيمِ، بَلْ فِي حَقِّ الْأَنْصَارِ إِذَا طَرَقَ الْمَدِينَةَ طَارِقٌ، وَفِي حَقِّ الْمُهَاجِرِينَ إِذَا أُرِيدَ قِتَالُ أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ ابْتِدَاءً، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ وَقَدْ كَانَ عَيْنًا فِي الْغَزْوَةِ الَّتِي يَخْرُجُ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى مَنْ عَيَّنَهُ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ.

وَأَمَّا بَعْدَهُ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ كَأَنْ يَدْهَمَ الْعَدُوُّ، وَبِتَعْيِينِ الْإِمَامِ، وَتَتَأَدَّى الْكِفَايَةُ بِفِعْلِهِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلٌ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً اتِّفَاقًا فَبَدَلُهَا كَذَلِكَ، وَقِيلَ: يَجِبُ كُلَّمَا أَمْكَنَ وَهُوَ قَوِيٌّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ جِهَادَ الْكُفَّارِ مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِمَّا بِيَدِهِ وَإِمَّا بِلِسَانِهِ وَإِمَّا بِمَالِهِ وَإِمَّا بِقَلْبِهِ.

1 -

بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ

973 -

957 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) - بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ)

ص: 3

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) زَادَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ» " أَيْ يَعْقِدُ نِيَّتَهُ إِنْ كَانَتْ خَالِصَةً لِإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ فَذَلِكَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي نِيَّتِهِ حُبُّ الْمَالِ وَالدُّنْيَا وَاكْتِسَابُ الذِّكْرِ فَقَدْ أَشْرَكَ مَعَ سَبِيلِ اللَّهِ الدُّنْيَا.

(كَمَثَلِ الصَّائِمِ) نَهَارَهُ (الْقَائِمِ) لَيْلَهُ لِلصَّلَاةِ (الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ) بِضَمِّ التَّاءِ لَا يَضْعُفُ وَلَا يَنْكَسِرُ (مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ) تَطَوُّعًا، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَأَجْرُهُ مُسْتَمِرٌّ، فَكَذَلِكَ الْمُجَاهِدُ لَا تَضِيعُ سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِهِ بِلَا ثَوَابٍ (حَتَّى يَرْجِعَ) مِنْ جِهَادِهِ.

قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ} [التوبة: 120](سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 120) الْآيَتَيْنِ، وَمَثَّلَهُ بِالصَّائِمِ الْقَائِمِ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ لِنَفْسِهِ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَاللَّذَّاتِ، وَالْمُجَاهِدُ مُمْسِكٌ لَهَا عَلَى مُحَارَبَةِ الْعَدُوِّ، حَابِسٌ لَهَا عَلَى مَنْ يُقَاتِلُهُ.

قَالَ الْبَوْنِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يَسْتَطِيعُ كَوْنَهُ قَائِمًا مُصَلِّيًا لَا يَفْتُرُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّكْثِيرَ.

وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ.

زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: الْخَاشِعِ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: أَحَالَ ثَوَابَ الْجِهَادِ عَلَى الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْرِفُ مِقْدَارَهُ لِمَا قَرَّرَ الشَّرْعُ مِنْ كَثْرَتِهِ وَعَرَّفَ مِنْ عِظَمِهِ.

قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا تَفْخِيمٌ عَظِيمٌ لِلْجِهَادِ ; لِأَنَّ الصِّيَامَ وَغَيْرَهُ مِمَّا ذُكِرَ مِنَ الْفَضَائِلِ قَدْ عَدَلَهَا كُلَّهَا الْجِهَادُ حَتَّى صَارَتْ جَمِيعُ حَالَاتِ الْمُجَاهِدِ وَتَصَرُّفَاتِهِ الْمُبَاحَةِ تَعْدِلُ أَجْرَ الْمُوَاظِبِ عَلَى الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَفِيهِ أَنَّ الْفَضَائِلَ لَا تُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا هِيَ إِحْسَانٌ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ شَاءَهُ، انْتَهَى.

ثُمَّ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْخَبَرِ الْمَارِّ: " «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ؟ إِلَى أَنْ قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ» "، إِمَّا لِأَنَّ الْمُرَادَ الذِّكْرُ الْكَامِلُ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ذِكْرُ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ بِالشُّكْرِ وَاسْتِحْضَارِ عَظَمَةِ الرَّبِّ وَهَذَا لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ، وَفَضْلُ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذِكْرِ اللِّسَانِ الْمُجَرَّدِ بِاعْتِبَارِ أَحْوَالِ الْمُخَاطَبِينَ كَمَا مَرَّ مَعَ مَزِيدِ حُسْنٍ فِي بَابِ ذِكْرِ اللَّهِ مِنْ أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ.

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الَّتِي هِيَ وَسَائِلُ ; لِأَنَّ الْجِهَادَ وَسِيلَةٌ إِلَى إِعْلَانِ الدِّينِ وَنَشْرِهِ وَإِخْمَادِ الْكُفْرِ وَدَحْضِهِ، فَفَضْلُهُ بِحَسَبِ فَضْلِ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ» " فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ عُمُومَ حَدِيثِ الْبَابِ، أَوْ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ خَرَجَ قَاصِدًا الْمُخَاطَرَةَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَأُصِيبَ.

ص: 4

- (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تَكَفَّلَ اللَّهُ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " تَضَمَّنَ اللَّهُ " وَلِلْبُخَارِيِّ: " انْتَدَبَ اللَّهُ " وَكُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، الْوَعْدُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111](سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 111) وَذَلِكَ التَّحَقُّقُ عَنْ وَجْهِ الْفَضْلِ مِنْهُ، سبحانه وتعالى.

وَعَبَّرَ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَفَضُّلِهِ تَعَالَى بِالثَّوَابِ بِلَفْظِ الضَّمَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُخَاطَبِينَ فِيمَا تَطْمَئِنُّ بِهِ نُفُوسُهُمْ (لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ) الْكُفَّارَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَرْعًا وَإِنْ كَانَتْ جَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ فِي سَبِيلِهِ (لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ) وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ قَالَ: " «أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِي ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ضَمِنْتُ إِنْ رَجَعْتُهُ أَنْ أَرْجِعَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» " الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ يَقُولُ: " «إِلَّا الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِي هُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ إِنْ رَجَعْتُهُ رَجَعْتُهُ بِأَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» " الْحَدِيثَ.

(وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ كَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَقِيلَ تَصْدِيقُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَخْبَارِ لِلْمُجَاهِدِينَ مِنْ عَظِيمِ الثَّوَابِ، قَالَ: وَالْمَعْنَى لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا مَحْضُ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى (أَنْ يُدْخِلَهُ) إِنِ اسْتُشْهِدَ (الْجَنَّةَ) بِلَا حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ وَلَا مُؤَاخَذَةٍ بِذَنْبٍ، فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ مُكَفِّرَةً لِذُنُوبِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، أَوِ الْمُرَادُ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ سَاعَةَ مَوْتِهِ كَمَا وَرَدَ أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169](سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 169) قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ دَفْعًا لِإِيرَادِ مَنْ قَالَ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الشَّهِيدِ وَالرَّاجِعِ سَالِمًا لِأَنَّ حُصُولَ الْأَجْرِ يَسْتَلْزِمُ دُخُولَ الْجَنَّةِ، وَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ دُخُولٌ خَاصٌّ.

(أَوْ يَرُدَّهُ) عَطْفًا عَلَى " يُدْخِلَهُ "، وَفِي رِوَايَةِ الْأُوَيْسِيِّ " أَوْ يَرْجِعَهُ " بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالنَّصْبِ (إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ) خَالِصٍ إِنْ لَمْ يَغْنَمْ شَيْئًا (أَوْ غَنِيمَةٍ) مَعَ أَجْرٍ وَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ لِنَقْصِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَجْرِ الَّذِي بِلَا غَنِيمَةٍ، وَالْحَامِلُ عَنِ التَّأْوِيلِ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا غَنِمَ لَا أَجْرَ لَهُ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لِأَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْغَنِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَتَمُّ أَجْرًا عِنْدَ وُجُودِهَا، فَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ

ص: 5

الْحِرْمَانِ لَا فِي نَفْيِ الْجَمْعِ.

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُجَاهِدَ إِمَّا أَنْ يَتَشَهَّدَ أَوْ لَا، وَالثَّانِي لَا يَنْفَكُّ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ مَعَ إِمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا، فَالْقَضِيَّةُ مَانِعَةُ خُلُوٍّ لَا مَانِعَةُ جَمْعٍ.

وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَرَجَّحَهُ التُّورِبِشْتِيُّ، وَقَدْ وَقَعَ بِالْوَاوِ لِيَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ فِي الْمُوَطَّأِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ مَقَالٌ وَلَمْ يُخْتَلَفْ رِوَايَةً فِي أَنَّهَا بِأَوْ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِالْوَاوِ، وَلَكِنْ رَوَاهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ يَحْيَى بِأَوْ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ مِينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بِالْوَاوِ وَقَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مَحْفُوظَةً تَعَيَّنَ أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ نُحَاةِ الْكُوفِيِّينَ، لَكِنْ فِيهِ إِشْكَالٌ صَعْبٌ لِاقْتِضَائِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وُقُوعَ الضَّمَانِ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لِكُلِّ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْغُزَاةِ يَرْجِعُ بِلَا غَنِيمَةٍ، فَمَا فَرَّ مِنْهُ مُدَّعًى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَقَعَ فِي نَظِيرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى ظَاهِرِهَا إِنْ رَجَعَ بِغَنِيمَةٍ رَجَعَ بِلَا أَجْرٍ، كَمَا يَلْزَمُ عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ أَنَّ كُلَّ غَازٍ يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ مَعًا انْتَهَى.

وَهَذَا الْإِشْكَالُ لِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَأَجَابَ الدَّمَامِينِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَرِدُ إِذَا كَانَ الْقَائِلُ إِنَّهَا لِلتَّقْسِيمِ قَدْ فَسَّرَ الْمُرَادَ بِمَا ذَكَرَهُ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ إِنْ فَاتَتْهُ الْغَنِيمَةُ. . . إِلَخْ.

وَأَمَّا إِنْ سَكَتَ عَنْهُ فَلَا يَتَّجِهُ الْإِشْكَالُ، إِذْ يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ أَنْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ وَحْدَهُ أَوْ غَنِيمَةٍ وَأَجْرٍ كَمَا مَرَّ، وَالتَّقْسِيمُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَحِيحٌ وَالْإِشْكَالُ سَاقِطٌ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهَا لِلتَّقْسِيمِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فَلَهُ الْأَجْرُ إِنْ فَاتَتْهُ الْغَنِيمَةُ، وَإِنْ حَصَلَتْ فَلَا لَمْ يَرِدِ الْإِشْكَالُ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ تَنْكِيرَ أَجْرٍ لِتَعْظِيمِهِ وَيُرَادُ بِهِ الْأَجْرُ الْكَامِلُ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ إِنْ فَاتَتْهُ الْغَنِيمَةُ الْأَجْرُ الْكَامِلُ، وَإِنْ حَصَلَتْ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الْأَجْرُ الْمَخْصُوصُ وَهُوَ الْكَامِلُ فَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ مُطْلَقِ الْأَجْرِ عَنْهُ انْتَهَى.

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ فَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ وَأَنَّ الَّذِي يَغْنَمُ يَرْجِعُ بِأَجْرٍ لَكِنَّهُ أَنْقَصُ مِنْ أَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ فَتَكُونُ الْغَنِيمَةُ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْغَزْوِ فَإِذَا قُوبِلَ أَجْرُ الْغَانِمِ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَتَمَتُّعِهِ بِهِ بِأَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ كَانَ أَجْرُ مَنْ غَنِمَ دُونَ أَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ خَبَّابٍ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:" «فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا» " وَاسْتُشْكِلَ نَقْصُ ثَوَابِ الْمُجَاهِدِ بِأَخْذِ الْغَنِيمَةِ بِمُخَالَفَتِهِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ وَاشْتُهِرَ مِنْ تَمَدُّحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِحِلِّ الْغَنِيمَةِ وَجَعْلِهَا مِنْ فَضَائِلِ أُمَّتِهِ، فَلَوْ نَقَصَتِ الْأَجْرَ مَا وَقَعَ التَّمَدُّحُ بِهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ أَجْرَ أَهْلِ بَدْرٍ أَنْقَصُ مِنْ أَجْرِ أَهْلِ أُحُدٍ مَثَلًا، مَعَ أَنَّ أَهْلَ

ص: 6

بَدْرٍ أَفْضَلُ بِاتِّفَاقٍ، ذَكَرَ هَذَا الِاسْتِشْكَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَحَكَاهُ عِيَاضٌ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَجَابَ بِضَعْفِ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدِ بْنِ هَانِئٍ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَهَذَا مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُمَا وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ تَجْرِيحٌ لِأَحَدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ نَقْصَ الْأَجْرِ عَلَى غَنِيمَةٍ أُخِذَتْ عَلَى غَيْرِهَا، وَظُهُورُ فَسَادِ هَذَا الْوَجْهِ يُغْنِي عَنْ رَدِّهِ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ ثُلُثُ أَجْرٍ وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَنْ قَصَدَ الْغَنِيمَةَ فِي ابْتِدَاءِ جِهَادِهِ وَحَمَلَ تَمَامَهُ عَلَى مَنْ قَصَدَ الْجِهَادَ مَحْضًا وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا الْقِسْمَ رَاجِعٌ إِلَى مَنْ أَخْلَصَ لِقَوْلِهِ: لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ. . . إِلَخْ

وَقَالَ عِيَاضٌ: الْوَجْهُ عِنْدِي إِجْرَاءُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا وَاسْتِعْمَالُهُمَا عَلَى وَجْهِهِمَا وَلَمْ يُجِبْ عَنِ الْإِشْكَالِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَهْلِ بَدْرٍ.

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بَلِ الْحُكْمُ فِيهِمَا جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْأُجُورَ تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ زِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ لِأَنَّ لَهَا دَخْلًا فِي الْأَجْرِ، وَإِنَّمَا الْمُشْكِلُ الْعَمَلُ الْمُتَّصِلُ بِأَخْذِ الْغَنَائِمِ، يَعْنِي فَلَوْ نَقَصَتِ الْأَجْرَ لَمَا كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُثَابِرُونَ عَلَيْهَا، فَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْ جِهَةِ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْمَصَالِحِ الْجُزْئِيَّةِ عَلَى بَعْضٍ ; لِأَنَّ أَخْذَهَا أَوَّلُ مَا شُرِعَ كَانَ عَوْنًا عَلَى الدِّينِ وَقُوَّةً لِضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ يُغْتَفَرُ لَهَا نَقْصُ الْأَجْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِشْكَالِ ذَلِكَ بِحَالِ أَهْلِ بَدْرٍ فَالَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ التَّقَابُلَ بَيْنَ كَمَالِ الْأَجْرِ وَنَقْصِهِ لِمَنْ يَغْزُو بِنَفْسِهِ إِذَا لَمْ يَغْنَمْ أَوْ يَغْزُو فَيَغْنَمُ، فَغَايَتُهُ أَنَّ حَالَ أَهْلِ بَدْرٍ مَثَلًا عِنْدَ عَدَمِ الْغَنِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ عِنْدَ وُجُودِهَا، وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ أَنَّ حَالَهُمْ هُمْ أَفْضَلُ مِنْ حَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَرِدْ فِيهِمْ نَصٌّ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَغْنَمُوا كَانَ أَجْرُهُمْ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ مَغْفُورًا لَهُمْ وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْمُجَاهِدِينَ أَنْ لَا يَكُونَ وَرَاءَهُمْ مَرْتَبَةٌ أُخْرَى، وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ بِحِلِّ الْغَنَائِمِ فَلَا يَرِدُ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْحِلِّ وَفَاءُ الْأَجْرِ لِكُلِّ غَازٍ، وَالْمُبَاحُ فِي الْأَصْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ ثَبَتَ أَنَّ أَخْذَ الْغَنِيمَةِ وَسَلْبَهَا مِنَ الْكُفَّارِ يُحَصِّلُ الثَّوَابَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَصِحَّةُ ثُبُوتِ الْفَضْلِ فِي أَخْذِهَا وَصِحَّةُ التَّمَدُّحِ بِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ غَازٍ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ أَجْرِ غَزَاتِهِ نَظِيرُ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ شَيْئًا أَلْبَتَّةَ.

قُلْتُ: وَالَّذِي مَثَّلَ بِأَهْلِ بَدْرٍ أَرَادَ التَّهْوِيلَ، وَإِلَّا فَالْأَمْرُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ آخِرًا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ مَعَ أَخْذِ الْغَنِيمَةِ أَنْقَصَ أَجْرًا عَمَّا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ غَنِيمَةٌ أَنْ يَكُونُوا فِي حَالِ أَخْذِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ كَمَنْ شَهِدَ أُحُدًا لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَغْنَمُوا شَيْئًا بَلْ أَجْرُ الْبَدْرِيِّ فِي الْأَصْلِ أَضْعَافُ أَجْرِ مَنْ بَعْدَهُ، مِثَالُ ذَلِكَ لَوْ فُرِضَ أَنَّ أَجْرَ الْبَدْرِيِّ بِلَا غَنِيمَةٍ سِتُّمِائَةٍ وَأَجْرَ الْأُحُدِيِّ مَثَلًا بِلَا غَنِيمَةٍ مِائَةٌ فَإِذَا نَسَبْنَا ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو كَانَ لِأَخْذِهِ الْغَنِيمَةَ مِائَتَانِ وَهِيَ ثُلُثُ السِّتِّمِائَةِ فَيَكُونُ أَكْثَرَ أَجْرًا مِنَ الْأُحُدِيِّ، وَإِنَّمَا امْتَازَ أَهْلُ بَدْرٍ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ شَهِدَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَكَانَتْ مَبْدَأَ اشْتِهَارِ

ص: 7

الْإِسْلَامِ وَقُوَّةِ أَهْلِهِ، فَكَانَ لِمَنْ شَهِدَهَا مِثْلُ أَجْرِ مَنْ شَهِدَ الْمَغَازِيَ الَّتِي بَعْدَهَا جَمِيعًا فَصَارَتْ لَا يُوَازِيهَا شَيْءٌ فِي الْفَضْلِ.

وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِنَقْصِ أَجْرِ مَنْ غَنِمَ أَنَّ الَّذِي لَا يَغْنَمُ يَزْدَادُ أَجْرُهُ لِحُزْنِهِ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ كَمَا يُؤْجَرُ مَنْ أُصِيبَ بِمَالِهِ، فَكَأَنَّ الْأَجْرَ لَمَّا نَقَصَ عَنِ الْمُضَاعَفَةِ بِسَبَبِ الْغَنِيمَةِ عُدَّ ذَلِكَ كَالنَّقْصِ مِنْ أَصْلِ الْأَجْرِ، وَلَا يَخْفَى مُبَايَنَةُ هَذَا التَّأْوِيلِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ حِكْمَةً لَطِيفَةً بَالِغَةً، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُجَاهِدِينَ ثَلَاثَ كَرَامَاتٍ: دُنْيَوِيَّتَانِ وَأُخْرَوِيَّةٌ، فَالدُّنْيَوِيَّتَانِ: السَّلَامَةُ وَالْغَنِيمَةُ، وَالْأُخْرَوِيَّةُ: دُخُولُ الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَجَعَ سَالِمًا غَانِمًا فَقَدْ حَصَلَ لَهُ ثُلُثَا مَا أَعَدَّ اللَّهُ وَبَقِيَ لَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ رَجَعَ بِلَا غَنِيمَةٍ عَوَّضَهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ثَوَابًا فِي مُقَابَلَةِ مَا فَاتَهُ، فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنْ يُقَالَ لِلْمُجَاهِدِ: إِذَا فَاتَكَ شَيْءٌ مِنْ أَجْرِ الدُّنْيَا عَوَّضْتُكَ عَنْهُ ثَوَابًا، وَأَمَّا الثَّوَابُ الْمُخْتَصُّ بِالْجِهَادِ فَحَاصِلٌ لِلْفَرِيقَيْنِ مَعًا، وَغَايَةُ مَا فِيهِ غَيْرُ النِّعْمَتَيْنِ الدُّنْيَوِيَّتَيْنِ الْجَنَّةُ؛ وَإِنَّمَا هِيَ بِفَضْلِ اللَّهِ، وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ التَّمْثِيلِ فِي الْأَحْكَامِ، وَأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ لِأَعْيَانِهَا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ الْخَالِصَةِ إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا انْتَهَى.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْخُمُسِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي التَّوْحِيدِ عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ.

ص: 8

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٌ وَلَوْ أَنَّهَا قُطِعَتْ طِيَلَهَا ذَلِكَ فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ فَهِيَ لَهُ أَجْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا فِي ظُهُورِهَا فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحُمُرِ فَقَالَ لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] »

ـــــــــــــــــــــــــــــ

975 -

959 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السَّمَّانِ) بَائِعِ السَّمْنِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْخَيْلُ) زَادَ الْقَعْنَبِيُّ لِثَلَاثَةٍ (لِرَجُلٍ أَجْرٌ) أَيْ ثَوَابٌ (وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ سَاتِرٌ لِفَقْرِهِ وَلِحَالِهِ (وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ) أَيْ إِثْمٌ، وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي الثَّلَاثَةِ أَنَّ الَّذِي يَقْتَنِيهَا إِمَّا لِرُكُوبٍ أَوْ تِجَارَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إِمَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ فِعْلُ طَاعَةٍ وَهُوَ الْأَوَّلُ أَوْ مَعْصِيَةٍ وَهُوَ الْأَخِيرُ أَوْ لَا وَلَا وَهُوَ الثَّانِي.

(فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ أَعَدَّهَا لِلْجِهَادِ (فَأَطَالَ لَهَا) الْحَبْلَ الَّذِي رَبَطَهَا فِيهِ حَتَّى تَسْرَحَ الرَّعْيَ (فِي مَرْجٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَجِيمٍ مَوْضِعُ كَلَأٍ، وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُطْمَئِنِّ (أَوْ رَوْضَةٍ) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ الرَّوْضَةُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ (فَمَا أَصَابَتْ) أَيْ أَكَلَتْ وَشَرِبَتْ وَمَشَتْ (فِي طِيَلِهَا) بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ فَلَامٍ: حَبْلُهَا الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ وَيُطَوَّلُ لَهَا لِتَرْعَى، وَيُقَالُ لَهُ طِوَلٌ بِالْوَاوِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْضًا

ص: 8

وَلَمْ يَأْتِ بِهِ رِوَايَةٌ هُنَا كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ، إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ:" «إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ» "(ذَلِكَ مِنَ الْمَرْجِ) الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ ذَاتِ كَلَأٍ يُرْعَى فِيهِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهَا تَمْرَجُ فِيهِ أَيْ تَسْرَحُ وَتَجِيءُ وَتَذْهَبُ كَيْفَ شَاءَتْ.

(أَوِ الرَّوْضَةِ) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي كَسَابِقِهِ (كَانَ) مَا أَصَابَتْهُ وَفِي نُسْخَةٍ كَانَتْ بِالتَّأْنِيثِ نَظَرًا لِمَعْنَى مَا (لَهُ حَسَنَاتٍ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجِدُهَا مَوْفُورَةً (وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا ذَلِكَ، فَاسْتَنَّتْ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَشَدِّ النُّونِ جَرَتْ بِنَشَاطٍ (شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَالْفَاءِ فِيهِمَا شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْعَالِيَ يُشْرِفُ عَلَى مَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ، وَالشَّرَفُ: الْعَالِي مِنَ الْأَرْضِ فَبَعُدَتْ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي رَبَطَهَا فِيهِ وَرَعَتْ فِي غَيْرِهِ (كَانَتْ آثَارُهَا) بِالْمَدِّ وَالْمُثَلَّثَةِ فِي الْأَرْضِ بِحَوَافِرِهَا عِنْدَ خُطُوَاتِهِ (وَأَرْوَاثُهَا) بِمُثَلَّثَةٍ جَمْعُ رَوْثٍ أَيْ ثَوَابُهَا لَا أَنَّهَا بِعَيْنِهَا تُوزَنُ (حَسَنَاتٍ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا (فَشَرِبَتْ مِنْهُ) بِغَيْرِ قَصْدِ صَاحِبِهَا (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ) بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ وَلِلْقَعْنَبِيِّ أَنْ يَسْقِيَهَا (بِهِ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ (كَانَ ذَلِكَ) أَيْ شُرْبُهَا وَإِرَادَتُهُ أَنْ يَسْقِيَهَا بِغَيْرِهِ (لَهُ حَسَنَاتٍ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْجَرُ عَلَى التَّفَاصِيلِ الَّتِي تَقَعُ فِي فِعْلِ الطَّاعَةِ إِذَا قَصَدَ أَجْرَهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تِلْكَ بِعَيْنِهَا.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: قِيلَ إِنَّمَا أُجِرَ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ لَا يَنْتَفِعُ بِشُرْبِهَا فِيهِ فَيَغْتَمُّ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ فَيُؤْجَرُ، وَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ حَيْثُ تَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَيَغْتَمُّ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ فَيُؤْجَرُ، وَكُلُّ ذَلِكَ عُدُولٌ عَنِ الْقَصْدِ (فَهِيَ لَهُ أَجْرٌ) فِي الْوَجْهَيْنِ.

(وَ) الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي هِيَ لَهُ سَتْرٌ (رَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ النُّونِ الثَّقِيلَةِ وَتَحْتِيَّةٍ أَيِ اسْتِغْنَاءً عَنِ النَّاسِ، يُقَالُ: تَغَنَّيْتُ بِمَا رَزَقَنِي اللَّهُ تَغَنِّيًا، وَتَغَانَيْتُ تَغَانِيًا، وَاسْتَغْنَيْتُ اسْتِغْنَاءً كُلُّهَا بِمَعْنًى، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَطْلُبُ بِنِتَاجِهَا أَوْ بِمَا حَصَّلَ مِنْ أُجْرَتِهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ تَغَنِّيًا عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ (وَتَعَفُّفًا) عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ.

وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: أَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَعَفُّفًا وَتَكَرُّمًا وَتَجَمُّلًا (وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا) بِلَا حِسَابٍ إِلَيْهَا وَالْقِيَامَ بِفِعْلِهَا وَالشَّفَقَةَ عَلَيْهَا فِي رُكُوبِهَا، وَخَصَّ رِقَابَهَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا تُسْتَعَارُ كَثِيرًا فِي الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 92)(وَلَا) فِي (ظُهُورِهَا) بِإِطْرَاقِ فَحْلِهَا وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لَا يُحَمِّلُهَا مَا لَا تُطِيقُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الزَّكَاةُ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ

ص: 9

وَأَبِي حَنِيفَةَ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ لِطُرُوقِ الِاحْتِمَالِ (فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ) سَاتِرٌ مِنَ الْمَسْكَنَةِ (وَ) الثَّالِثُ الَّذِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ (رَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا) بِالنَّصْبِ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِ الْفَخْرِ أَيْ تَعَاظُمًا (وَرِيَاءً) أَيْ إِظْهَارًا لِلطَّاعَةِ، وَالْبَاطِنُ بِخِلَافِهِ، وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ: وَأَمَّا الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَالَّذِي يَأْخُذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا وَرِيَاءً لِلنَّاسِ (وَنِوَاءً) بِكَسْرِ النُّونِ وَالْمَدِّ أَيْ مُنَاوَأَةً وَعَدَاوَةً (لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ) قَالَ الْخَلِيلُ: نَاوَأْتُ الرَّجُلَ نَاهَضْتُهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَحَكَى عِيَاضٌ فَتْحَ النُّونِ وَالْقَصْرَ، وَحَكَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ فَإِنْ ثَبَتَ فَمَعْنَاهُ بُعْدًا.

وَقَالَ الْبَوْنِيُّ: يُرْوَى نَوًى بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَيُرْوَى نِوَاءً بِالْمَدِّ مَصْدَرٌ انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِيهِ فِيمَا قَبْلَهُ بِمَعْنَى: " أَوْ "، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَدْ تُفْرَدُ فِي الْأَشْخَاصِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَذْمُومٌ عَلَى حِدَتِهِ، وَفِيهِ بَيَانُ فَضْلِ الْخَيْلِ وَأَنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ إِذَا اتُّخِذَتْ فِي طَاعَةٍ أَوْ مُبَاحٍ وَإِلَّا فَهِيَ مَذْمُومَةٌ كَمَا قَالَ (فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ) أَيْ إِثْمٌ، وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنَ الْحَدِيثِ الْحَصْرَ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ: اتِّخَاذُ الْخَيْلِ يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَمْنُوعًا، فَدَخَلَ فِي الْمَطْلُوبِ: الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ، وَفِي الْمَمْنُوعِ: الْمَكْرُوهُ وَالْحَرَامُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُبَاحَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْقِسْمَ الثَّانِيَ الَّذِي يُتَخَيَّلُ فِيهِ ذَلِكَ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا فَيَلْحَقُ بِالْمَنْدُوبِ، وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم غَالِبًا إِنَّمَا يَعْتَنِي بِذِكْرِ مَا فِيهِ حَضٌّ أَوْ مَنْعٌ، أَمَّا الْمُبَاحُ الصِّرْفُ فَيَسْكُتُ عَنْهُ لِمَا عَلِمَ أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْهُ عَفْوٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْقِسْمُ الثَّانِي هُوَ فِي الْأَصْلِ مُبَاحٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا ارْتَقَى إِلَى النَّدْبِ بِالْقَصْدِ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مِنِ ابْتِدَائِهِ مَطْلُوبٌ.

(وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحُمُرِ) بِضَمَّتَيْنِ هَلْ لَهَا حُكْمُ الْخَيْلِ أَوْ عَنْ زَكَاتِهَا؟ وَبِهِ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ السَّائِلِ صَرِيحًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَعْصَعَةُ بْنُ نَاجِيَةَ عَمُّ الْفَرَزْدَقِ لِقَوْلِهِ: «قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] (سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ: الْآيَةُ 7) إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، فَقُلْتُ مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَسْمَعَ غَيْرَهَا حَسْبِي» .

رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَجَزَمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ (فَقَالَ: لَمْ يُنْزَلْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى فِيهَا شَيْءٌ) مَنْصُوصٌ، وَفِي رِوَايَةٍ:" مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى فِيهَا "(إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ) لِكُلِّ الْخَيِّرَاتِ وَالْمَسَرَّاتِ (الْفَاذَّةُ) بِالْفَاءِ وَشَدِّ الْمُعْجَمَةِ سَمَّاهَا جَامِعَةً لِشُمُولِهَا الْأَنْوَاعَ مِنْ طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ وَفَاذَّةً لِانْفِرَادِهَا فِي مَعْنَاهَا.

قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ لَمْ يَتَكَرَّرْ مِثْلُهَا فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظِهَا، وَيُحْتَمَلْ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَحْدَهَا، وَالْفَاذُّ هُوَ

ص: 10

الْمُنْفَرِدُ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الْمُرَادُ أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ عَمِلَ فِي اقْتِنَاءِ الْحَمِيرِ طَاعَةً رَأَى ثَوَابَ ذَلِكَ، وَإِنْ عَمِلَ مَعْصِيَةً رَأَى عِقَابَهَا.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَعْنِي أَنَّهَا مُنْفَرِدَةٌ فِي عُمُومِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْآيَةُ أَعَمُّ مِنْهَا لِأَنَّهَا تَعُمُّ كُلَّ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَأَمَّا الْخَيْرُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَاهُ فِي الْقِيَامَةِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الشَّرُّ فَتَحْتَ الْمَشِيئَةِ.

قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي الْخَيْلِ كَانَ بِوَحْيٍ لِقَوْلِهِ فِي: " «الْحُمُرُ لَمْ يُنْزَلْ عَلَى فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا» ". . . إِلَخْ، وَهَذَا يُعَضِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِوَحْيٍ وَتَلَا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4](سُورَةُ النَّجْمِ: الْآيَةُ 3، 4) وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ: " «أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» " وَبِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكْتُبُ كُلَّ مَا أَسْمَعُ مِنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَإِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا» "{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة: 7] أَيْ نَمْلَةٍ صَغِيرَةٍ، وَقِيلَ: الذَّرُّ مَا يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ مِنَ الْهَبَاءِ {خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ تَعْلِيمُ الِاسْتِنْبَاطِ وَالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ شَبَّهَ مَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ حُكْمَهُ فِي كِتَابِهِ وَهِيَ الْحُمُرُ بِمَا ذَكَرَهُ مَنْ يَعْمَلُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَهَذَا نَفْسُ الْقِيَاسِ الَّذِي يُنْكِرُهُ مَنْ لَا فَهْمَ عِنْدَهُ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقِيَاسِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْلَالٌ بِالْعُمُومِ وَإِثْبَاتٌ لِصِيغَتِهِ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ أَوْ وَقَفَ، وَفِيهِ تَحْقِيقٌ لِإِثْبَاتِ الْعَمَلِ بِظَوَاهِرِ الْعُمُومِ وَأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ حَتَّى يَدُلَّ التَّخْصِيصُ، وَإِشَارَةٌ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ الْخَاصِّ الْمَنْصُوصِ وَالْعَامِّ الظَّاهِرِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ دُونَ الْمَنْصُوصِ فِي الدَّلَالَةِ، وَهُوَ حُجَّةٌ أَيْضًا فِي عُمُومِ النَّكِرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ نَحْوُ:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت: 46](سُورَةُ فُصِّلَتْ: الْآيَةُ 46) وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى عُمُومِ آيَةِ {فَمَنْ يَعْمَلْ} [الأنبياء: 94] الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هَذِهِ أَحْكَمُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ وَأَصْدَقُ.

وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ آيَتَيْنِ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاةِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8](سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ: الْآيَةُ 7، 8) الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُسَاقَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي الْجِهَادِ وَعَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَفِي التَّفْسِيرِ وَفِي الِاعْتِصَامِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ مُطَوَّلًا مِنْ طُرُقٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.

ص: 11

وَحَدَّثَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا رَجُلٌ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا بَعْدَهُ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَتِهِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

976 -

960 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ) بْنِ حَزْمٍ (الْأَنْصَارِيِّ) أَبِي طُوَالَةَ بِضَمِّ الْمُهْمِلَةِ الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَيُقَالُ بَعْدَ

ص: 11

ذَلِكَ.

(عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلٌ وَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:( «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا» ؟) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ أَكْثَرِهِمْ ثَوَابًا وَأَرْفَعِهِمْ دَرَجَةً، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَتَقْدِيرُهُ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ وَإِلَّا فَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ حَمَلُوا النَّاسَ عَلَى الشَّرَائِعِ وَالسُّنَنِ وَقَادُوهُمْ إِلَى الْخَيْرِ أَفْضَلُ وَكَذَا الصِّدِّيقُونَ كَمَا جَاءَ بِهِ الْأَحَادِيثُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «أَنَّ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ رَجُلًا عَمِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ» " بِمِنْ " الَّتِي لِلتَّبْعِيضِ (رَجُلٌ آخِذٌ) اسْمُ فَاعِلٍ (بِعِنَانِ) - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - لِجَامِ (فَرَسِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لِبَذْلِهِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ، وَوُصِفَ بِأَنَّهُ آخِذٌ بِعِنَانِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو غَالِبًا مِنْ ذَلِكَ رَاكِبًا أَوْ قَائِدًا هَذَا مُعْظَمُ أَمْرِهِ، فَوَصَفَ بِذَلِكَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آخِذًا بِعِنَانِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قِيلَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ» " قَالَ الْحَافِظُ: كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِ الْقَائِمِ بِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ وَحَصَّلَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ لَا مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْجِهَادِ وَأَهْلِ الْوَاجِبَاتِ الْعَيْنِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَظْهَرُ فَضْلُ الْمُجَاهِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي.

( «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا» ) وَفِي رِوَايَةٍ " مَنْزِلَةً "(بَعْدَهُ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَتِهِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا إِشَارَةً إِلَى قِلَّتِهَا (يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) زَادَ فِي الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ: " وَيَعْتَزِلُ شُرُورَ النَّاسِ " وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: " قِيلَ: ثُمَّ مَنْ قَالَ: «مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» " وَإِنَّمَا كَانَ تِلْوَ الْمُجَاهِدِ فِي الْفَضْلِ لِأَنَّ مُخَالِطَ النَّاسِ لَا يَسْلَمُ مِنِ ارْتِكَابِ الْآثَامِ فَقَدْ لَا يَفِي هَذَا بِهَذَا، فَفِيهِ فَضْلُ الْعُزْلَةِ لِمَا فِيهَا مِنَ السَّلَامَةِ مِنْ غَيْبَةٍ وَلَغْوٍ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ قَالَ الْجُمْهُورُ: مَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا: " «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» " وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " «يَأْتِي النَّاسَ زَمَانٌ يَكُونُ خَيْرَ النَّاسِ فِيهِ مَنْزِلَةً مَنْ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَطْلُبُ الْمَوْتَ فِي مَظَانِّهِ وَرَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَدَعُ النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.

وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِشِعْبٍ فِيهِ عَيْنٌ عَذْبَةٌ أَعْجَبَهُ فَقَالَ: لَوِ اعْتَزَلْتُ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ مَقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَامًا» " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّمَا

ص: 12

وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِذِكْرِ الشِّعْبِ وَالْجَبَلِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ خَالِيًا مِنَ النَّاسِ فَكُلُّ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ عَنْهُمْ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

ص: 13

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُولَ أَوْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

977 -

961 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) الْأَنْصَارِيُّ وَيُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ، مِنَ الثِّقَاتِ (عَنْ أَبِيهِ) الْوَلِيدِ يُكَنَّى أَبَا عُبَادَةَ وُلِدَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَاتَ بَعْدَ السَّبْعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ (عَنْ جَدِّهِ) عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ أَبِي الْوَلِيدِ الْمَدَنِيِّ الْبَدْرِيِّ أَحَدِ النُّقَبَاءِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ: كَانَ طُولُهُ عَشَرَةَ أَشْبَارٍ مَاتَ بِالرَّمْلَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَلَهُ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ عَاشَ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ (قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَضُمِّنَ بَايَعَ مَعْنَى عَاهَدَ فَعُدِّيَ بِعَلَى فِي قَوْلِهِ (عَلَى السَّمْعِ) لَهُ بِإِجَابَةِ أَقْوَالِهِ (وَالطَّاعَةِ) لَهُ بِفِعْلِ مَا يَقُولُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: السَّمْعُ هُنَا يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الطَّاعَةِ (فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ) أَيْ يُسْرِ الْمَالِ وَعُسْرِهِ (وَالْمَنْشَطِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُعْجَمَةِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ آخِرُهُ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنَ النَّشَاطِ (وَالْمَكْرَهِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أَيْضًا أَيْ وَقْتَ النَّشَاطِ إِلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَقْتَ الْكَرَاهِيَةِ كَذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي وَقْتِ الْكَسَلِ وَالْمَشَقَّةِ فِي الْخُرُوجِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ الْمَنْشَطُ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رَفَاعَةَ عَنْ عُبَادَةَ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ عَهْدُنَا بِالْتِزَامِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي حَالَتَيِ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالسَّرَّاءِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمُفَاعَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْإِيذَانِ بِأَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُمْ أَيْضًا بِالْأَجْرِ وَالثَّوَابِ وَالشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْحِسَابِ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا الْتَزَمُوا، زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: وَعَلَى أَثْرِهِ عَلَيْنَا ( «وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ» ) أَيِ الْمُلْكَ وَالْإِمَارَةَ (أَهْلَهُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ عَلَى الْأَنْصَارِ وَمَنْ لَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ لَا يُنَازِعُوا أَهْلَهُ وَهُمْ قُرَيْشٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِمَّا أُخِذَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَنْ لَا يُنَازِعُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ الْأَمْرَ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ الْأَمْرِ إِذَا صَارَ لِغَيْرِهِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ زِيَادَةَ: " وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ لَكَ فِي الْأَمْرِ حَقًّا "، وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ زِيَادَةُ:" وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ " وَفِي الْبُخَارِيِّ زِيَادَةُ: " إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا " أَيْ ظَاهِرًا بَادِيًا انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتُلِفَ فِي أَهْلِهِ فَقِيلَ أَهْلُ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَالْفَضْلِ فَلَا يُنَازَعُونَ لِأَنَّهُمْ أَهْلُهُ، أَمَّا أَهْلُ الْفِسْقِ وَالْجَوْرِ وَالظُّلْمِ فَلَيْسُوا بِأَهْلِهِ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ تَعَالَى:{لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 124)

ص: 13

وَإِلَى مُنَازَعَةِ الظَّالِمِ الْجَائِرِ ذَهَبَتْ طَوَائِفُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَعَامَّةُ الْخَوَارِجِ، أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَقَالُوا: الِاخْتِيَارُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ فَاضِلًا عَدْلًا مُحْسِنًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ الْجَائِرِ أَوْلَى مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِبْدَالِ الْأَمْنِ بِالْخَوْفِ وَهَرْقِ الدِّمَاءِ وَشَنِّ الْغَارَاتِ وَالْفَسَادِ وَذَلِكَ أَعْظَمُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَفِسْقِهِ، وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ وَالْعَقْلُ وَالدِّينُ أَنَّ أَوْلَى الْمَكْرُوهَيْنِ أَوْلَاهُمَا بِالتَّرْكِ.

(وَأَنْ نَقُولَ) بِاللَّامِ (أَوْ نَقُومَ) بِالْمِيمِ شَكٌّ مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَوْ مَالِكٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْأَلْفَاظِ وَمُرَاعَاتِهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ) أَيْ فِي نُصْرَةِ دِينِهِ (لَوْمَةَ لَائِمٍ) مِنَ النَّاسِ، وَاللَّوْمَةُ الْمَرَّةُ مِنَ اللَّوْمِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِيهَا وَفِي التَّنْكِيرِ مُبَالَغَتَانِ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا نَخَافُ شَيْئًا قَطُّ مِنْ لَوْمِ أَحَدٍ مِنَ اللُّوَّامِ، وَ " لَوْمَةَ " مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ فِي الْمَعْنَى، وَفِيهِ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَلْحَقْهُ فِي تَغْيِيرِهِ إِلَّا اللَّوْمُ الَّذِي لَا يَتَعَدَّى إِلَى الْأَذَى وَجَبَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِقَلْبِهِ، وَكَمَا وَجَبَتْ مُجَاهَدَةُ الْكُفَّارِ حَتَّى يَظْهَرَ دِينُ اللَّهِ كَمَا قَالَ:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78](سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 78) كَذَلِكَ يَجِبُ مُجَاهَدَةُ كُلِّ مَنْ عَانَدَ الْحَقَّ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ جُمْهُورُ رُوَاتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا خَالَفَهُ عَنْ مَالِكٍ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ مَبْسُوطًا أَضْرَبْتُ عَنْهُ لِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يَلْتَفِتَا إِلَيْهِ وَاعْتَمَدَا رِوَايَةَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ.

ص: 14

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنْ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلْ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]

ـــــــــــــــــــــــــــــ

978 -

962 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ) عَامِرُ (بْنُ الْجَرَّاحِ) أَحَدُ الْعَشَرَةِ (إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وَمَا يُتَخَوَّفُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ (مِنْهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ مَصْدَرٌ أَوِ اسْمُ مَكَانٍ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ مَكَانُ نُزُولٍ (شِدَّةٍ يَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَهُ

ص: 14

فَرَجًا وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ) لِلْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " «خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا مَسْرُورًا فَرِحًا يَضْحَكُ وَيَقُولُ: لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا - إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5 - 6](سُورَةُ الشَّرْحِ: الْآيَةُ 5، 6) إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُرْسَلًا.

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا.

قَالَ الْبَاجِيُّ: قِيلَ إِنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا عُرِّفَ الْعُسْرُ اقْتَضَى اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ فَكَأَنَّ الْعُسْرَ الْأَوَّلَ هُوَ الثَّانِي، وَلَمَّا نُكِّرَ الْيُسْرُ كَانَ الْأَوَّلُ فِيهِ غَيْرَ الثَّانِي.

قَالَ: وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ عَقِبَ هَذِهِ الْآيَةِ لِقَوْلِهِ: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52] ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْيُسْرَيْنِ عِنْدَهُ الظَّفَرُ بِالْمُرَادِ وَالْأَجْرِ، فَالْعُسْرُ لَا يَغْلِبُ هَذَيْنِ الْيُسْرَيْنِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمُؤْمِنِ أَحَدُهُمَا، قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي وَجْهٌ ظَاهِرٌ، (وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا} [آل عمران: 200] عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمَصَائِبِ وَعَنِ الْمَعَاصِي {وَصَابِرُوا} [آل عمران: 200] الْكُفَّارَ فَلَا يَكُونُوا أَشَدَّ صَبْرًا مِنْكُمْ {وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] أَقِيمُوا عَلَى الْجِهَادِ.

{وَاتَّقُوا اللَّهَ} [آل عمران: 200] فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] تَفُوزُونَ بِالْجَنَّةِ وَتَنْجُونَ مِنَ النَّارِ

ص: 15

[بَاب النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ

979 -

963 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ» ) بِالْمُصْحَفِ أَيْ وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ (إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) الْكُفَّارِ، فَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ السَّفَرِ بِالْمُصْحَفِ لَا السَّفَرِ بِالْقُرْآنِ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ نَفْسَهُ لَا يُمْكِنُ السَّفَرُ بِهِ، وَهَذَا مُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ: قَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ.

وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ مَنْ يُحْسِنُ الْقُرْآنَ لَا يَغْزُو الْعَدُوَّ فِي دَارِهِمْ، قَالَ الْحَافِظُ هَذَا اعْتِرَاضُ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ، وَادَّعَى الْمُهَلَّبُ أَنَّ مُرَادَهُ تَقْوِيَةُ الْقَوْلِ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَيْشِ الْكَثِيرِ فَيَجُوزُ وَالطَّائِفَةِ الْقَلِيلَةِ فَيُمْنَعُ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ) أَيِ النَّهْيُ (مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ) فَيُؤَدِّيَ إِلَى اسْتِهَانَتِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا قَالَ

ص: 15

يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ فَقَالَ: خَشْيَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ فَجَعَلَهُ مِنَ الْمَرْفُوعِ، وَكَذَا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ:" «نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» " قَالَ الْحَافِظُ: أَشَارَ إِلَى تَفَرُّدِ ابْنِ وَهْبٍ بِرَفْعِهَا عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ قَوْلَ مَالِكٍ.

وَقَدْ رَفَعَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ أَيْضًا عِنْدَ أَحْمَدَ وَاللَّيْثِ، وَأَيُّوبُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَصَحَّ أَنَّ التَّعْلِيلَ مَرْفُوعٌ وَلَيْسَ بِمُدْرَجٍ، وَلَعَلَّ مَالِكًا كَانَ يَجْزِمُ بِرَفْعِهِ ثُمَّ صَارَ يَشُكُّ فِيهِ فَجَعَلَهُ مِنْ تَفْسِيرِ نَفْسِهِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ أَنْ لَا يُسَافَرَ بِالْمُصْحَفِ فِي السَّرَايَا وَالْعَسْكَرِ لِصَغِيرٍ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ وَفِي التَّكْبِيرِ الْمَأْمُونِ خِلَافٌ فَمَنَعَ مَالِكٌ أَيْضًا مُطْلَقًا.

وَفَصَّلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَدَارَ الشَّافِعِيُّ الْكَرَاهَةَ مَعَ الْخَوْفِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ مِنَ الْكَافِرِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنِ اسْتِهَانَتِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ إِنَّمَا اخْتُلِفَ هَلْ يَصِحُّ لَوْ وَقَعَ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ أَمْ لَا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ تَعْلِيمِ الْكَافِرِ الْقُرْآنَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ مُطْلَقًا، وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مُطْلَقًا.

وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ.

وَفَصَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فَأَجَازَهُ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ فَمَنَعَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ كَتْبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرَقْلَ بَعْضَ آيَاتٍ.

وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ الْكِتَابَةِ إِلَيْهِمْ بِمِثْلِهِ، زَادَ بَعْضُهُمْ مَنْعَ بَيْعِ كُتُبِ فِقْهٍ فِيهَا آثَارٌ، قَالَ السُّبْكِيُّ: بَلِ الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ كُتُبُ عِلْمٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا آثَارٌ تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، قَالَ وَلَدُهُ التَّاجُ: وَيَنْبَغِي مَنْعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْعِيِّ كَكُتُبِ النَّحْوِ وَالْفِقْهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا لَمْ يَذْكُرَا التَّعْلِيلَ لِلِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِهِ، وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ مَخَافَةَ. . . إِلَخْ

ص: 16

[بَاب النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فِي الْغَزْوِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ قَالَ فَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ بَرَّحَتْ بِنَا امْرَأَةُ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ بِالصِّيَاحِ فَأَرْفَعُ السَّيْفَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَذْكُرُ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكُفُّ وَلَوْلَا ذَلِكَ اسْتَرَحْنَا مِنْهَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

3 -

النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فِي الْغَزْوِ

980 -

964 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) الْأَنْصَارِيِّ (قَالَ) مَالِكٌ: (حَسِبْتُ أَنَّهُ) أَيِ ابْنَ شِهَابٍ (قَالَ) عَنْ (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ) الْأَنْصَارِيِّ أَبِي الْخَطَّابِ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَيُقَالُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِيَحْيَى وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ بُكَيْرٍ وَبِشْرِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ:

ص: 16

حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: " عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ " بِالشَّكِّ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبٍ وَلَمْ يَقُلْ: عَبْدُ اللَّهِ وَلَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ " وَلَا حَسِبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَاتَّفَقَ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ عَلَى إِرْسَالِهِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ فَقَالَ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) الْخَمْسَةَ (الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَقَافَيْنِ مُصَغَّرٌ وَهُوَ أَبُو رَافِعٍ الْيَهُودِيُّ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَيُقَالُ: سَلَامٌ، وَبِالثَّانِي جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَأَفَادَ الْحَافِظُ أَنَّهُ اسْمُهُ الْأَصْلِيُّ وَأَنَّ الَّذِي سَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ مِنْ حَدِيثِهِ مُطَوَّلًا، قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ أَبُو رَافِعٍ مِنْ خَيْبَرَ وَيُقَالُ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ حِصْنَهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ فِي طَرَفِ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَعِنْدَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: فَطَرَقُوا بَابَ أَبِي رَافِعٍ بِخَيْبَرَ فَقَتَلُوهُ فِي بَيْتِهِ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: " «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُعِينُ عَلَيْهِ» " وَذَكَرَ ابْنُ عَائِذٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ أَعَانَ غَطَفَانَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم.

وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ كَانَ فِيمَنْ حَزَّبَ الْأَحْزَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَمَعَهُ أَرْبَعَةٌ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَأَبُو قَتَادَةَ وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِيٍّ وَيُقَالُ فِيهِ خُزَاعِيُّ بْنُ الْأَسْوَدِ وَنَهَاهُمْ (عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ) فَذَهَبُوا إِلَى خَيْبَرَ فَكَمَنُوا فَلَمَّا هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ جَاءُوا حَتَّى قَامُوا عَلَى بَابِهِ وَقَدَّمُوا ابْنَ عَتِيكٍ لِأَنَّهُ كَانَ بِالْيَهُودِيَّةِ فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ أَبِي رَافِعٍ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِئْتُ أَبَا رَافِعٍ بِهَدِيَّةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: أُنَاسٌ نَلْتَمِسُ الْمِيرَةَ، قَالَتْ: ذَاكُمْ صَاحِبُكُمْ، فَادْخُلُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا دَخَلْنَا أَغْلَقْنَا عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الْحُجْرَةَ تَخَوُّفًا أَنْ يُحَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ (قَالَ) ابْنُ كَعْبٍ (فَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ) أَيِ الْخَمْسَةِ الَّذِينَ ذَهَبُوا لِقَتْلِهِ (يَقُولُ: بَرَّحَتْ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ الثَّقِيلَةِ وَالْمُهْمَلَةِ أَيْ أَظْهَرَتْ (بِنَا امْرَأَةُ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ بِالصِّيَاحِ) وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ: فَلَمَّا رَأَتِ السِّلَاحَ أَرَادَتْ أَنْ تَصِيحَ فَأَشَارَ إِلَيْهَا ابْنُ عَتِيكٍ بِالسَّيْفِ فَسَكَتَتْ.

وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَصَاحَتِ امْرَأَتُهُ فَنَوَّهَتْ بِنَا فَيُمْكِنُ أَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا صَاحَتْ صِيَاحًا لَمْ يُسْمَعْ ثُمَّ أَرَادَتْ رَفْعَ صَوْتِهَا وَمُدَاوَمَةَ الصِّيَاحِ لِتُسْمِعَ الْجِيرَانَ فَرَفَعُوا عَلَيْهَا السِّلَاحَ فَسَكَتَتْ (فَأَرْفَعُ السَّيْفَ عَلَيْهَا) لِأَقْتُلَهَا (ثُمَّ أَذْكُرُ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكُفُّ) عَنْ قَتْلِهَا (وَلَوْلَا ذَلِكَ) أَيْ نَهْيُهُ (اسْتَرَحْنَا مِنْهَا) .

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا صَاحَتْ بِنَا امْرَأَتُهُ جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا يَرْفَعُ عَلَيْهَا سَيْفَهُ ثُمَّ يَذْكُرُ نَهْيَهُ صلى الله عليه وسلم فَيَكُفُّ يَدَهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَرَغْنَا مِنْهَا بِلَيْلٍ، فَعَلَوْهُ بِأَسْيَافِهِمْ، وَالَّذِي بَاشَرَ قَتْلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ كَمَا

ص: 17

فِي الْبُخَارِيِّ، وَالْقِصَّةُ مَبْسُوطَةٌ فِي السِّيَرِ.

ص: 18

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

981 -

965 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرْسَلَهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَوَصَلَهُ جَمَاعَةٌ كَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَابْنِ بُكَيْرٍ وَأَبِي مُصْعَبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمَعْنِ بْنِ عِيسَى فَقَالُوا: مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ) أَيْ غَزْوَةِ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا فِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (امْرَأَةً) لَمْ تُسَمَّ (مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ) فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فَقَالَ: " مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ "(وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ) لِضَعْفِهِنَّ عَنِ الْقِتَالِ (وَالصِّبْيَانِ) لِقُصُورِهِمْ عَنْ فِعْلِ الْكُفْرِ وَلِمَا فِي اسْتِبْقَائِهِمْ جَمِيعًا مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِمْ إِمَّا بِالرِّقِّ أَوْ بِالْفِدَاءِ فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يُفَادَى بِهِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ كَمَا نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْعِ الْقَصْدِ إِلَى قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَحَكَى الْحَازِمِيُّ قَوْلًا بِجَوَازِ قَتْلِهِمَا عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ الصَّعْبِ وَزَعَمَ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِأَحَادِيثِ النَّهْيِ وَهُوَ غَرِيبٌ، وَقَدْ أَشَارَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى نَسْخِ حَدِيثِ الصَّعْبِ بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ، رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ قَالَ:" «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يَبِيتُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ قَالَ: " هُمْ مِنْهُمْ» وَفِي ابْنِ حِبَّانَ عَنِ الصَّعْبِ أَنَّهُ السَّائِلُ، وَالْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ هُمْ مِنْهُمْ أَيْ فِي الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَهِيَ مَا إِذَا لَمْ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَى قَتْلِ الرِّجَالِ إِلَّا بِذَلِكَ وَقَدْ خِيفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا أُصِيبُوا لِاخْتِلَاطِهِمْ بِهِمْ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِبَاحَةُ قَتْلِهِمْ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ إِلَيْهِمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَرْكِهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا بِدُونِ دَعْوَى نَسْخِ هَذَا، وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ مَنْ وَصَلَهُ عَنْ مَالِكٍ وَكَأَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ بِالْوَجْهَيْنِ.

ص: 18

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَ جُيُوشًا إِلَى الشَّامِ فَخَرَجَ يَمْشِي مَعَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ أَمِيرَ رُبْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَاعِ فَزَعَمُوا أَنَّ يَزِيدَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ وَمَا أَنَا بِرَاكِبٍ إِنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ إِنَّكَ سَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ فَذَرْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ وَسَتَجِدُ قَوْمًا فَحَصُوا عَنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ مِنْ الشَّعَرِ فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلَا بَعِيرًا إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلَا تَحْرِقَنَّ نَحْلًا وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ وَلَا تَغْلُلْ وَلَا تَجْبُنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

982 -

966 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَ جُيُوشًا إِلَى الشَّامِ فَخَرَجَ) الصِّدِّيقُ (يَمْشِي مَعَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ الْأُمَوِيِّ، صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَمَّرَهُ عُمَرُ عَلَى دِمَشْقَ حَتَّى مَاتَ بِهَا سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ بِالطَّاعُونِ، (وَكَانَ) يَزِيدُ (أَمِيرَ رُبْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَاعِ) الَّتِي أَمَّرَهَا الصِّدِّيقُ إِلَى الشَّامِ، وَأُمَرَاءُ الْبَاقِي أَبُو عُبَيْدَةَ رُبْعٌ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِي رُبْعٌ

ص: 18

وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ رُبْعٌ (فَزَعَمُوا أَنَّ يَزِيدَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ) حَتَّى نَتَسَاوَى فِي السَّيْرِ (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ وَمَا أَنَا بِرَاكِبٍ إِنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لِكَوْنِهَا مَشْيًا فِي طَاعَةٍ، وَقَدِ اقْتَدَى الصِّدِّيقُ فِي ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَعَثَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ فَخَرَجَ يَمْشِي فِي ظِلِّ رَاحِلَةِ مُعَاذٍ وَهُوَ رَاكِبٌ لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ بِذَلِكَ فَمَشَى مَعَهُ مِيلًا كَمَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَسَاكِرَ (ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ سَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا) وَقَفُوا (أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ) وَهُمُ الرُّهْبَانُ (فَذَرْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ) لِكَوْنِهِمْ لَا يُقَاتِلُونَ وَلَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ لَا تَعْظِيمًا لِفِعْلِهِمْ بَلْ هُمْ أَبْعَدُ عَنِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَمَا هُمْ (وَسَتَجِدُ قَوْمًا فَحَصُوا) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ الصَّادِ مُهْمَلَةً (عَنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ مِنَ الشَّعْرِ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَعْنِي الشَّمَامِسَةَ وَهُمْ رُؤَسَاءُ النَّصَارَى جَمْعُ شَمَّاسٍ (فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ) أَيِ اقْتُلْهُمْ (وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا) لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِمَا (وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا) لَا قِتَالَ عِنْدَهُ (وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا) رُجِيَ لِلْمُسْلِمِينَ (وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا) كَذَلِكَ (وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا أَيْ أَكْلٍ (وَلَا تَحْرِقَنَّ نَحْلًا) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ حَيَوَانُ الْعَسَلِ (وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ) قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: رَجَاءَ أَنْ يَطِيرَ فَيَلْحَقَ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْتَفِعُونَ بِهَا (وَلَا تَغْلُلْ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ (وَلَا تَجْبُنْ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ تَضْعُفْ عِنْدَ اللِّقَاءِ.

ص: 19

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِهِ أَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمْ اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَقُلْ ذَلِكَ لِجُيُوشِكَ وَسَرَايَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

982 -

967 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) خَامِسَ أَوْ سَادِسَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (كَتَبَ إِلَى عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِهِ أَنَّهُ بَلَغَنَا) وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ

ص: 19

الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ (عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً) فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تَخْرُجُ مِنْهُ تُغِيرُ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكُونُ خُلَاصَةَ الْعَسْكَرِ وَخِيَارَهُمْ مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُخْفِي ذَهَابَهَا فَتَسْرِي فِي خُفْيَةٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا أُخِذَتْ مِنَ السِّرِّ، وَلَا يَصِحُّ لِاخْتِلَافِ الْمَادَّةِ لِأَنَّ لَامَ السِّرِّ رَاءٌ وَهَذِهِ يَاءٌ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِلَافَهَا إِنَّمَا يَمْنَعُ الِاشْتِقَاقَ الصَّغِيرَ وَهُوَ رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلٍ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى وَالْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَخْذِ مُجَرَّدُ الرَّدِّ لِلْمُنَاسَبَةِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي أَكْثَرِ الْحُرُوفِ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: السَّرِيَّةُ مِنْ خَمْسَةٍ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةٍ، وَفِي النِّهَايَةِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَمِائَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ (يَقُولُ لَهُمُ اغْزُوَا بِاسْمِ اللَّهِ) أَيِ ابْدَءُوا بِذِكْرِ اللَّهِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ أَخْلِصُوا نِيَّاتِكُمْ (تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ) كَأَنَّهُ بَيَانٌ لِسَبِيلِ اللَّهِ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ اقْتَضَاهُ كَأَنَّهُ قِيلَ مَا هُوَ فَلِذَا تَرَكَ الْعَاطِفَ (لَا تَغْلُوا) أَيْ لَا تَخُونُوا فِي الْمَغْنَمِ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ آخِذَهُ يَغُلُّهُ فِي مَتَاعِهِ أَيْ يُخْفِيهِ، وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ (وَلَا تَغْدِرُوا) بِكَسْرِ الدَّالِ ثُلَاثِيٌّ أَيْ لَا تَتْرُكُوا الْوَفَاءَ (وَلَا تُمَثِّلُوا) بِالتَّشْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ أَيْ لَا تُقَطِّعُوا الْقَتْلَى (وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا) أَيْ صَبِيًّا وَيَقُولُ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ يُؤَمِّرُهُ (وَقُلْ ذَلِكَ لِجُيُوشِكَ وَسَرَايَاكَ) وَقَوْلُهُ:(إِنْ شَاءَ اللَّهُ) لِلتَّبَرُّكِ (وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ) وَفِيهِ فَوَائِدُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ تَحْرِيمُ الْغَدْرِ وَالْغُلُولِ وَقَتْلِ الصِّبْيَانِ إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَكَرَاهَةُ الْمُثْلَةِ وَاسْتِحْبَابُ وَصِيَّةِ الْإِمَامِ أُمَرَاءَهُ وَجُيُوشَهُ بِالتَّقْوَى وَالرِّفْقِ وَتَعْرِيفِ مَا يَحْتَاجُونَ فِي غَزْوِهِمْ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَمَا يَحِلُّ لَهُمْ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ قَالَهُ النَّوَوِيُّ.

ص: 20

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْوَفَاءِ بِالْأَمَانِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِ جَيْشٍ كَانَ بَعَثَهُ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَطْلُبُونَ الْعِلْجَ حَتَّى إِذَا أَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ وَامْتَنَعَ قَالَ رَجُلٌ مَطْرَسْ يَقُولُ لَا تَخَفْ فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَعْلَمُ مَكَانَ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْإِشَارَةِ بِالْأَمَانِ أَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ فَقَالَ نَعَمْ وَإِنِّي أَرَى أَنْ يُتَقَدَّمَ إِلَى الْجُيُوشِ أَنْ لَا تَقْتُلُوا أَحَدًا أَشَارُوا إِلَيْهِ بِالْأَمَانِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

968 -

4 - مَا جَاءَ فِي الْوَفَاءِ بِالْأَمَانِ

- (مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ) يُقَالُ هُوَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَلَا يَبْعُدُ ذَلِكَ، فَقَدْ

ص: 20

رَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُضَرَ الْأَنْدَلُسِيِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ: الطَّلْحُ الْمَنْضُودُ: الْمَوْزُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِ) أَيْ أَمِيرِ (جَيْشٍ) لَمْ يُسَمَّ (أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَطْلُبُونَ الْعِلْجَ) الرَّجُلَ الضَّخْمَ مِنْ كِبَارِ الْعَجَمِ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يُطْلِقُهُ عَلَى الْكَافِرِ مُطْلَقًا، وَالْجَمْعُ عُلُوجٌ وَأَعْلَاجٌ مِثْلُ حِمْلٍ وَحُمُولٍ وَأَحْمَالٍ (حَتَّى إِذَا أَسْنَدَ) صَعِدَ (فِي الْجَبَلِ وَامْتَنَعَ قَالَ رَجُلٌ مَطْرَسْ) هِيَ كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ (يَقُولُ) أَيْ مَعْنَاهَا (لَا تَخَفْ) كَذَا لِيَحْيَى مَطْرَسْ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَلِغَيْرِهِ مَتْرَسْ، قَالَ الْحَافِظُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ، وَإِسْكَانِ الرَّاءِ فَمُهْمَلَةٍ وَقَدْ تُخَفَّفُ التَّاءُ وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ مِنَ الْعَجَمِ، وَقِيلَ بِإِسْكَانِ التَّاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ رِوَايَةُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيِّ مَطْرَسْ بِالطَّاءِ بَدَلَ التَّاءِ، قَالَ ابْنُ قَرْقُولٍ هِيَ كَلِمَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّاوِيَ فَخَّمَ الْمُثَنَّاةَ فَصَارَتْ تُشْبِهُ الطَّاءَ كَمَا يَقَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ عُمَرُ: إِذَا قَالَ مَتْرَسْ فَقَدْ آمَنَهُ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ كُلَّهَا أَيِ اللُّغَاتِ، وَيُقَالُ إِنَّهَا ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ لُغَةً سِتَّ عَشْرَةَ فِي وَلَدِ سَامٍ وَمِثْلُهَا فِي وَلَدِ حَامٍ وَالْبَقِيَّةُ فِي وَلَدِ يَافِثَ.

(فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) إِنْ شَاءَ أَبْقَاهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا (لَا أَعْلَمُ مَكَانَ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ) أَيْ حَدِيثُ عُمَرَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (بِالْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ) أَيْ قَوْلُهُ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا، قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: يُحْتَمَلُ أَنَّ قَسَمَ عُمَرَ تَغْلِيظٌ لِئَلَّا يَفْعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْأَئِمَّةُ تُخَوِّفُ بِأَغْلَظِ شَيْءٍ يَكُونُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ رَأَى إِنْ قَاتَلَهُ لِأَخْذِ سَلَبِهِ بَعْدَ أَنْ آمَنَهُ يَكُونُ مُحَارِبًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِالْحِرَابَةِ لَا أَنَّهُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ لِحَدِيثِ:" «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» "(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْإِشَارَةِ بِالْأَمَانِ أَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ) فَيَحْرُمُ نَقْضُهُ كَمَا يَحْرُمُ بِالصَّرِيحِ (وَإِنِّي أَرَى أَنْ يُتَقَدَّمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (إِلَى الْجُيُوشِ أَنْ لَا تَقْتُلُوا أَحَدًا أَشَارُوا إِلَيْهِ بِالْأَمَانِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ

ص: 21

الْكَلَامِ وَلِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا خَتَرَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَرَاءٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ. الْخَتْرُ أَقْبَحُ الْغَدْرِ (قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ) جَزَاءً لِمَا اجْتَرَحُوهُ مِنْ نَقْضِ الْعَهْدِ الْمَأْمُورِ بِالْوَفَاءِ بِهِ، وَهَذَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «خَمْسٌ بِخَمْسٍ: مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلَّا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ، وَمَا حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الْفَقْرُ، وَلَا ظَهَرَتْ فِيهِمُ الْفَاحِشَةُ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الْمَوْتُ، وَلَا طَفَّفُوا الْمِكْيَالَ إِلَّا مُنِعُوا النَّبَاتَ وَأُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَلَا مَنَعُوا الزَّكَاةَ إِلَّا حُبِسَ عَنْهُمُ الْقَطْرُ» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَلَهُ شَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ.

ص: 22

[بَاب الْعَمَلِ فِيمَنْ أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ إِذَا بَلَغْتَ وَادِيَ الْقُرَى فَشَأْنَكَ بِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5 -

بَابُ الْعَمَلِ فِي مَنْ أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

985 -

969 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: إِذَا بَلَغْتَ وَادِيَ الْقُرَى) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَقْصُورٌ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ رَأَسُ الْمَغْزَاةِ فَمِنْهُ يُدْخَلُ إِلَى أَوَّلِ الشَّامِ (فَشَأْنَكَ بِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ مَلَّكَهُ لَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ خِيفَةَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُعْطِي فَتَتْلَفَ الْعَطِيَّةُ وَلَمْ يَبْلُغْ صَاحِبُهُ مُرَادَهُ فِيهَا، فَإِذَا بَلَغَ الْوَادِيَ كَانَ أَغْلَبُ أَحْوَالِهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ حَتَّى يَغْزُوَ.

ص: 22

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ إِذَا أُعْطِيَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الْغَزْوِ فَيَبْلُغُ بِهِ رَأْسَ مَغْزَاتِهِ فَهُوَ لَهُ.

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْغَزْوَ فَتَجَهَّزَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَالَ لَا يُكَابِرْهُمَا وَلَكِنْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إِلَى عَامٍ آخَرَ فَأَمَّا الْجِهَازُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرْفَعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يَفْسُدَ بَاعَهُ وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يُصْلِحُهُ لِلْغَزْوِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَجِدُ مِثْلَ جَهَازِهِ إِذَا خَرَجَ فَلْيَصْنَعْ بِجَهَازِهِ مَا شَاءَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

986 -

970 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ إِذَا أُعْطِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الْغَزْوِ فَيَبْلُغُ بِهِ رَأْسَ مَغْزَاتِهِ فَهُوَ لَهُ) مِلْكًا وَفِيهِ حِلُّ ذَلِكَ لِلْغَازِي وَإِنْ غَنِيًّا فَلَيْسَ كَالصَّدَقَةِ

ص: 22

(سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْغَزْوَ فَتَجَهَّزَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَالَ لَا يُكَابِرْهُمَا) أَيْ لَا يُغَالِبْهُمَا وَيُعَانِدْهُمَا وَلِابْنِ وَضَّاحٍ: لَا أَرَى أَنْ يُكَابِرَهُمَا (وَلَكِنْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إِلَى عَامٍ آخَرَ) وَفِي الصَّحِيحِ: " «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» " أَيْ خُصَّهُمَا بِجِهَادِ النَّفْسِ فِي رِضَاهُمَا وَبِرِّهِمَا، فَعَبَّرَ عَنِ الشَّيْءِ بِضِدِّهِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى ; لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إِيصَالُ الضَّرَرِ الَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لِغَيْرِهِمَا لَهُمَا وَلَيْسَ بِمُرَادٍ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ مِنْ كُلْفَةِ الْجِهَادِ وَهُوَ تَعَبُ الْبَدَنِ وَالْمَالِ.

وَفِي مُسْلِمٍ قَالَ: " «ارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا» "، وَفِي أَبِي دَاوُدَ:" «ارْجِعْ فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا» " وَعِنْدَهُ أَيْضًا " «ارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا» " قَالَ الْجُمْهُورُ: يَحْرُمُ الْجِهَادُ إِذَا مَنَعَ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلَا إِذَنْ.

فَفِي ابْنِ حِبَّانَ: " «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ قَالَ: الصَّلَاةُ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الْجِهَادُ، قَالَ: فَإِنَّ لِي وَالِدَيْنِ، فَقَالَ: آمُرُكَ بِوَالِدَيْكَ خَيْرًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لِأُجَاهِدَنَّ وَلَأَتْرُكَنَّهُمَا، قَالَ: فَأَنْتَ أَعْلَمُ» " فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى جِهَادِ فَرْضِ الْعَيْنِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ.

(فَأَمَّا الْجِهَازُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرْفَعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يَفْسُدَ بَاعَهُ وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يُصْلِحُهُ لِلْغَزْوِ) فِي الْعَامِ الْآخَرِ (فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَجِدُ مِثْلَ جَهَازِهِ) بِفَتْحٍ (إِذَا خَرَجَ فَلْيَصْنَعْ بِجَهَازِهِ مَا شَاءَ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى تَحْصِيلِهِ.

ص: 23

[بَاب جَامِعِ النَّفْلِ فِي الْغَزْوِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَ سُهْمَانُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

6 -

بَابُ جَامِعِ النَّفَلِ فِي الْغَزْوِ

النَّفَلُ بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الْفَاءُ وَاحِدُ الْأَنْفَالِ زِيَادَةٌ يُزَادُهَا الْغَازِي عَلَى نَصِيبِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَمِنْهُ نَفْلُ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَا عَدَا الْفَرِيضَةَ.

ص: 23

987 -

971 (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً) فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي جُمَادَى، وَقِيلَ: فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ، وَكَانَ أَمِيرَهَا أَبُو قَتَادَةَ وَكَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا (فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ جِهَةَ (نَجْدٍ) لِأَجْلِ مُحَارِبٍ بِهَا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنَّ عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ فَسَارَ اللَّيْلَ وَكَمَنَ النَّهَارَ فَهَجَمَ عَلَى حَاضِرٍ مِنْهُمْ عَظِيمٍ فَأَحَاطَ بِهِمْ وَقَاتَلَ مِنْهُمْ رِجَالٌ فَقَتَلَ مَنْ أَشْرَفَ مِنْهُمْ (فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ:" فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا " وَذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّهَا مِائَةُ بَعِيرٍ وَأَلْفَا شَاةٍ (فَكَانَ سُهْمَانُهُمْ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْهَاءِ جَمْعُ سَهْمٍ أَيْ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ (اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا) وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ جَمِيعُ الْأَنْسِبَاءِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ غَلَطٌ (أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اتَّفَقَ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ عَلَى رِوَايَتِهِ بِالشَّكِّ إِلَّا الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ فَرَوَاهُ عَنْ شُعَيْبٍ وَمَالِكٍ جَمِيعًا فَقَالَ: اثْنَيْ عَشَرَ فَلَمْ يَشُكَّ وَكَأَنَّهُ حَمَلَ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَلَى رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَهُوَ مِنْهُ غَلَطٌ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بِغَيْرِ شَكٍّ فَكَأَنَّهُ أَيْضًا حَمَلَ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَلَى رِوَايَةِ اللَّيْثِ، وَالْقَعْنَبِيُّ إِنَّمَا رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَلَى الشَّكِّ فَلَا أَدْرِي أَمِنَ الْقَعْنَبِيِّ جَاءَ هَذَا حِينَ خَلَطَ حَدِيثَ اللَّيْثِ بِحَدِيثِ مَالِكٍ أَمْ مِنْ أَبِي دَاوُدَ؟ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِ نَافِعٍ: اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا بِلَا شَكٍّ لَمْ يَقَعِ الشَّكُّ فِيهِ إِلَّا مِنْ قِبَلِ مَالِكٍ.

(وَنُفِّلُوا) بِضَمِّ النُّونِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زِيَادَةً عَلَى السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ (بَعِيرًا بَعِيرًا) وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي الْقَسْمِ وَالتَّنْفِيلِ هَلْ كَانَا مَعًا مِنْ أَمِيرِ ذَلِكَ الْجَيْشِ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَحَدِهِمَا؟ فَلِأَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «فَخَرَجْتُ فِيهَا فَأَصَبْنَا نَعَمًا كَثِيرًا وَأَعْطَانَا أَمِيرُنَا بَعِيرًا لِكُلِّ إِنْسَانٍ، ثُمَّ قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَسَمَ بَيْنَنَا غَنِيمَتَنَا فَأَصَابَ كُلُّ رِجْلٍ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا بَعْدَ الْخُمُسِ» " وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «بَعَثَنَا صلى الله عليه وسلم فِي جَيْشٍ قِبَلَ نَجْدٍ وَانْبَعَثَتْ سَرِيَّةٌ مِنَ الْجَيْشِ فَكَانَ سُهْمَانُ الْجَيْشِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا وَنَفَّلَ أَهْلَ السَّرِيَّةِ بَعِيرًا بَعِيرًا فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا» " وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: إِنَّ ذَلِكَ الْجَيْشَ كَانَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَيِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ السَّرِيَّةُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَمَا عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: وَظَاهِرُ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّ ذَلِكَ وَأَجَازَهُ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم.

وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ

ص: 24

عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَهُ أَيْضًا: " وَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا يُحْمَلُ عَلَى التَّقْرِيرِ فَتَجْتَمِعُ الرِّوَايَتَانِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ نَفَّلَهُمْ فَأَجَازَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَجَازَتْ نِسْبَتُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا.

قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: إِنَّ النَّفَلَ مِنَ الْخُمُسِ لَا مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ كَهَؤُلَاءِ فِي نَافِعٍ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْجَيْشَ إِذَا انْفَرَدَتْ مِنْهُ قِطْعَةٌ فَغَنِمَتْ شَيْئًا كَانَتِ الْغَنِيمَةُ لِلْجَمِيعِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا تَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ إِذَا خَرَجَ الْجَيْشُ جَمِيعُهُ ثُمَّ انْفَرَدَتْ مِنْهُ قِطْعَةٌ انْتَهَى.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْجَيْشَ الْقَاعِدَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْخَارِجَ إِلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ، بَلْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُنْقَطِعَ مِنَ الْجَيْشِ عَنِ الْجَيْشِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ يَنْفَرِدُ بِمَا يَغْنَمُهُ، وَإِنَّمَا قَالُوا بِمُشَارَكَةِ الْجَيْشِ لَهُمْ إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ يَلْحَقُهُمْ عَوْنُهُ وَغَوْثُهُ لَوِ احْتَاجُوا، وَهَذَا الْقَيْدُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ التَّنْفِيلُ وَمَعْنَاهُ تَخْصِيصُ مَنْ لَهُ أَثَرٌ فِي الْحَرْبِ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَالِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ كَأَنْ يُحَرِّضَ عَلَى الْقِتَالِ وَيَعِدَ بِأَنْ يُنَفِّلَ الرُّبْعَ إِلَى الثُّلُثِ قَبْلَ الْقَسْمِ لِأَنَّ الْقِتَالَ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلدُّنْيَا فَلَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا، وَخَصَّهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ مَنْ بَعْدَهُ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مُدَّعِي الْإِجْمَاعِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ أَوْ مِمَّا عَدَا الْخُمُسَ؟ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالَّذِي يَقْرُبُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ مِنَ الْخُمُسِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِثْنَيْ عَشَرَ إِلَى سُهْمَانِهِمْ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُمُ اسْتِحْقَاقُهُ مِنَ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ الْمُوَزَّعَةِ عَلَيْهِمْ فَيَبْقَى النَّفَلُ مِنَ الْخُمُسِ.

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.

ص: 25

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ فِي الْغَزْوِ إِذَا اقْتَسَمُوا غَنَائِمَهُمْ يَعْدِلُونَ الْبَعِيرَ بِعَشْرِ شِيَاهٍ.

قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَجِيرِ فِي الْغَزْوِ إِنَّهُ إِنْ كَانَ شَهِدَ الْقِتَالَ وَكَانَ مَعَ النَّاسِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَكَانَ حُرًّا فَلَهُ سَهْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَا سَهْمَ لَهُ وَأَرَى أَنْ لَا يُقْسَمَ إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ مِنْ الْأَحْرَارِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

988 -

972 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ) يَعْنِي الصَّحَابَةَ (فِي الْغَزْوِ إِذَا اقْتَسَمُوا غَنَائِمَهُمْ) وَكَانَ فِيهَا إِبِلٌ وَغَنَمٌ (يَعْدِلُونَ) بِكَسْرِ الدَّالِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ (الْبَعِيرَ بِعَشْرِ شِيَاهٍ) أَيْ يَجْعَلُونَهَا مُعَادِلَةً أَيْ مُمَاثِلَةً لَهُ وَقَائِمَةً مَقَامَهُ، وَأَصْلُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ:" «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِتِهَامَةَ فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا فَعَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ» ". (قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَجِيرِ فِي الْغَزْوِ) لِنَحْوِ حِرَاسَةٍ (إِنَّهُ كَانَ شَهِدَ) حَضَرَ (الْقِتَالَ وَكَانَ مَعَ النَّاسِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَكَانَ حُرًّا فَلَهُ سَهْمُهُ

ص: 25

وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) أَيْ لَمْ يَشْهَدِ الْقِتَالَ وَكَانَ رَقِيقًا (فَلَا سَهْمَ لَهُ وَأَرَى) أَعْتَقِدُ (أَنْ لَا يُقْسَمَ إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ مِنَ الْأَحْرَارِ) لَا لِغَائِبٍ وَلَا رَقِيقٍ.

ص: 26

[بَاب مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ]

قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ وُجِدَ مِنْ الْعَدُوِّ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ تُجَّارٌ وَأَنَّ الْبَحْرَ لَفِظَهُمْ وَلَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ مَرَاكِبَهُمْ تَكَسَّرَتْ أَوْ عَطِشُوا فَنَزَلُوا بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُسْلِمِينَ أَرَى أَنَّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ يَرَى فِيهِمْ رَأْيَهُ وَلَا أَرَى لِمَنْ أَخَذَهُمْ فِيهِمْ خُمُسًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

7 -

بَابُ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ

(قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ وُجِدَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (مِنَ الْعَدُوِّ عَلَى سَاحِلِ) أَيْ شَاطِئِ (الْبَحْرِ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فَزَعَمُوا) أَيِ الْعَدُوُّ الَّذِينَ وُجِدُوا (أَنَّهُمْ تُجَّارٌ وَأَنَّ الْبَحْرَ لَفَظَهُمْ) بِفَاءٍ وَظَاءٍ مُعْجَمَةٍ أَلْقَاهُمْ فِي السَّاحِلِ (وَلَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ تَصْدِيقَ ذَلِكَ وَلَا أَنَّ مَرَاكِبَهُمْ تَكَسَّرَتْ أَوْ عَطِشُوا فَنَزَلُوا بِغَيْرِ إِذَنِ الْمُسْلِمِينَ أَرَى أَنَّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ يَرَى فِيهِمْ رَأْيَهُ وَلَا أَرَى لِمَنْ أَخَذَهُمْ فِيهِمْ خُمُسًا) لِأَنَّهُمْ لَمْ يُوجِفُوا عَلَيْهِمْ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ.

ص: 26

[بَاب مَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ]

قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ مِنْ طَعَامِهِمْ مَا وَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الْمَقَاسِمُ قَالَ مَالِكٌ وَأَنَا أَرَى الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ يَأْكُلُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ كَمَا يَأْكُلُونَ مِنْ الطَّعَامِ وَلَوْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يَحْضُرَ النَّاسُ الْمَقَاسِمَ وَيُقْسَمَ بَيْنَهُمْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْجُيُوشِ فَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أُكِلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَلَا أَرَى أَنْ يَدَّخِرَ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ الطَّعَامَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَتَزَوَّدُ فَيَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَيَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ فَيَأْكُلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ بِلَادَهُ فَيَنْتَفِعَ بِثَمَنِهِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ بَاعَهُ وَهُوَ فِي الْغَزْوِ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ بَلَغَ بِهِ بَلَدَهُ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا تَافِهًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

8 -

بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ

قَالَ مَالِكٌ: (لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ مِنْ طَعَامِهِمْ مَا وَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الْمَقَاسِمُ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ.

زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَالْفَوَاكِهَ.

وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَالسَّمْنَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ " وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَإِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُ الْقُوتِ وَمَا يَصْلُحُ بِهِ وَكُلِّ طَعَامٍ يُعْتَادُ أَكْلُهُ عُمُومًا.

وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الطَّعَامَ يَعِزُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الضَّرُورَةُ نَاجِزَةً.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: " كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لِأَخْذِهِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ» .

زَادَ مُسْلِمٌ: فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَبَسِّمًا.

زَادَ الطَّيَالِسِيُّ: فَقَالَ هُوَ لَكَ " وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: " «أَنَّ

ص: 26

صَاحِبَ الْمَغَانِمِ كَعْبَ بْنَ عَمْرٍو أَخَذَ مِنْهُ الْجِرَابَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِرَابِهِ» " وَكَأَنَّهُ عَرَفَ شِدَّةَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ فَسَوَّغَ لَهُ الِاسْتِئْثَارَ بِهِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ يَأْكُلُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ كَمَا يَأْكُلُونَ مِنَ الطَّعَامِ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مَأْكُولٌ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ لِلْأَكْلِ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ كَمَا يَأْتِي.

(وَلَوْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يَحْضُرَ النَّاسُ الْمَقَاسِمَ وَيُقْسَمَ بَيْنَهُمْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْجُيُوشِ) وَفِي الْحَدِيثِ: " «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» "(فَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أُكِلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ) دُونَ سَرَفٍ (وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ) فَلَا يَجُوزُ بِلَا حَاجَةٍ (وَلَا أَرَى أَنْ يَدَّخِرَ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ) لِأَنَّ الْمُبَاحَ لِضَرُورَةٍ لَا يَتَعَدَّاهَا.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ.

وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: يَأْخُذُ مَا لَمْ يَنْهَ الْإِمَامُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْغُلُولِ، وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الطَّعَامِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فَلْيُقْتَصَرْ عَلَيْهِ وَفِي مَعْنَاهُ الْعَلَفُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ رُكُوبِ دَوَابِّهِمْ وَلُبْسِ ثِيَابِهِمْ وَاسْتِعْمَالِ سِلَاحِهِمْ حَالَ الْحَرْبِ وَرَدِّهِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَشَرَطَ الْأَوْزَاعِيُّ فِيهِ إِذْنَ الْإِمَامِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ كُلَّمَا فَرَغَتْ حَاجَتُهُ وَلَا يَسْتَعْمِلَهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ وَلَا يَنْتَظِرَ بِرَدِّهِ انْقِضَاءَهَا لِئَلَّا يُعَرِّضَهُ لِلْهَلَاكِ، وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا:" «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَأْخُذْ دَابَّةً مِنَ الْمَغْنَمِ يَرْكَبُهَا حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا إِلَى الْمَغَانِمِ» " وَذُكِرَ فِي الثَّوْبِ كَذَلِكَ.

(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ الطَّعَامَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَتَزَوَّدُ فَيَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَيَصْلُحُ) أَيْ يَجُوزُ (لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ) يَمْنَعَهُ (فَيَأْكُلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ) أَنْ (يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ بِلَادَهُ فَيَنْتَفِعَ بِثَمَنِهِ؟ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ بَاعَهُ وَهُوَ فِي الْغَزْوِ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ لِلْحَاجَةِ وَالْبَيْعُ زَائِدٌ عَلَيْهَا فَيُمْنَعُ (وَإِنْ بَلَغَ بِهِ بَلَدَهُ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا تَافِهًا) لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ لَا إِنْ كَانَ كَثِيرًا.

ص: 27

[بَاب مَا يُرَدُّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَسْمُ مِمَّا أَصَابَ الْعَدُوُّ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبَقَ وَأَنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهُمَا الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِيمَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ إِنَّهُ إِنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى أَهْلِهِ وَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَلَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَازَ الْمُشْرِكُونَ غُلَامَهُ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ مَالِكٌ صَاحِبُهُ أَوْلَى بِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا غُرْمٍ مَا لَمْ تُصِبْهُ الْمَقَاسِمُ فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ لِسَيِّدِهِ بِالثَّمَنِ إِنْ شَاءَ قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَازَهَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ فَقُسِمَتْ فِي الْمَقَاسِمِ ثُمَّ عَرَفَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْقَسْمِ إِنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ وَأَرَى أَنْ يَفْتَدِيَهَا الْإِمَامُ لِسَيِّدِهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْتَدِيَهَا وَلَا يَدَعُهَا وَلَا أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا وَلَا يَسْتَحِلَّ فَرْجَهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ لِأَنَّ سَيِّدَهَا يُكَلَّفُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا إِذَا جَرَحَتْ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ أُمَّ وَلَدِهِ تُسْتَرَقُّ وَيُسْتَحَلُّ فَرْجُهَا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَخْرُجُ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي الْمُفَادَاةِ أَوْ لِتِجَارَةٍ فَيَشْتَرِيَ الْحُرَّ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ يُوهَبَانِ لَهُ فَقَالَ أَمَّا الْحُرُّ فَإِنَّ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَرَقُّ وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ بِمَنْزِلَةِ مَا اشْتُرِيَ بِهِ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ سَيِّدَهُ الْأَوَّلَ مُخَيَّرٌ فِيهِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَدْفَعَ إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْلِمَهُ أَسْلَمَهُ وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَسَيِّدُهُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً فَيَكُونُ مَا أَعْطَى فِيهِ غُرْمًا عَلَى سَيِّدِهِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَدِيَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

9 -

بَابُ مَا يُرَدُّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَسْمُ مِمَّا أَصَابَ الْعَدُوُّ

973 -

(مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبَقَ) أَيْ هَرَبَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ (وَأَنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ) بِعَيْنٍ وَرَاءٍ مُخَفَّفَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ أَيِ انْطَلَقَ هَارِبًا عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَيْرِ وَهُوَ حِمَارُ الْوَحْشِ أَيْ هَرَبَ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: أَرَادَ أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلَهُ فِي النِّفَارِ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ عَارَ الْفَرَسُ وَالْكَلْبُ عِيَارًا أَيْ أَفْلَتَ وَذَهَبَ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: يُقَالُ ذَلِكَ لِلْفَرَسِ إِذَا فَعَلَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبَطَّالِ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَلَى طَرِيقَةٍ عِيَارٌ، وَمِنْهُ سَهْمٌ عَائِرٌ إِذَا لَمْ يُدْرَ مِنْ أَيْنَ أَتَى (فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهُمَا الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ) وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ:" وَأَنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ خَالِدٌ فَرَدَّهُ ".

وَلَهُ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ كَانَ عَلَى فَرَسٍ يَوْمَ لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ ظَبْيًا وَأَسَدًا وَاقْتَحَمَ الْفَرَسُ بِابْنِ عُمَرَ جَرْفًا فَصَرَعَهُ وَسَقَطَ عَبْدُ اللَّهِ فَعَارَ الْفَرَسُ فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ وَأَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُوُّ رَدَّ خَالِدٌ فَرَسَهُ عَلَيْهِ " فَصَرَّحَ بِأَنَّ قِصَّةَ الْفَرَسِ كَانَتْ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَقَ عَبْدٌ لَهُ فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَظَهَرَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " فَصَرَّحَ بِأَنَّ قِصَّةَ الْفَرَسِ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ وَقِصَّةَ الْعَبْدِ بَعْدَهُ، وَوَافَقَ ابْنُ نُمَيْرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَصَحَّحَهُ الدَّاوُدِيُّ وَأَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَكَذَا صَوَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.

(قَالَ مَالِكٌ فِيمَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ إِنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ

ص: 28

الْمَقَاسِمُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى أَهْلِهِ) لِوُقُوعِ رَدِّ فَرَسِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِهِ لَهُ قَبْلَ الْقَسْمِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ.

(وَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَلَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ) وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَسَلْمَانُ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَآخَرُونَ وَنُقِلَ عَنِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَبِهِ جَاءَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ بَعِيرًا لَهُ أَصَابَهُ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: إِنْ أَصَبْتَهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ فَهُوَ لَكَ، وَإِنْ أَصَبْتَهُ بَعْدَمَا قُسِمَ أَخَذْتُهُ بِالْغَنِيمَةِ» " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ لَكِنَّهُ تَقَوَّى بِأَثَرِ ابْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مَالِكٍ: إِلَّا فِي الْآبِقِ فَقَالَ هُوَ وَالثَّوْرِيُّ: صَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ مُطْلَقًا.

(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَازَ الْمُشْرِكُونَ غُلَامَهُ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُهُ أَوْلَى) أَحَقُّ بِهِ (بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا غُرْمٍ مَا لَمْ تُصِبْهُ الْمَقَاسِمُ فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ) الْمَقَاسِمُ (فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ لِسَيِّدِهِ بِالثَّمَنِ إِنْ شَاءَ) لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَهَا شُبْهَةُ الْمِلْكِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: لَا يَمْلِكُ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالْغَلَبَةِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ وَبَعْدَهَا.

وَعَنْ عَلِيٍّ وَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالْحَسَنِ: لَا يُرَدُّ أَصْلًا وَيَخْتَصُّ بِهِ الْغَانِمُونَ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَازَهَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ فَقُسِّمَتْ فِي الْمَقَاسِمِ ثُمَّ عَرَفَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْقَسْمِ أَنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ) بَعْدَ جَرَيَانِ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا بِأُمُومَةِ الْوَلَدِ (وَأَرَى أَنْ يَفْتَدِيَهَا الْإِمَامُ لِسَيِّدِهَا) مِنَ الْفَيْءِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَى سَيِّدِهَا) وُجُوبًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ عَلَى (أَنْ يَفْتَدِيَهَا وَلَا يَدَعَهَا) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ (وَلَا أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا وَلَا يَسْتَحِلَّ فَرْجَهَا) لِجَرَيَانِ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا (وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ) إِذَا حَازَهَا الْحَرْبِيُّونَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ لَا تُسْتَرَقُّ وَلَا يَحِلُّ فَرْجُهَا وَعَلَّلَ كَوْنَهَا بِمَنْزِلَتِهَا بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ سَيِّدَهَا يُكَلَّفُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا إِذَا جَرَحَتْ) إِنْسَانًا (فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ) وَحِينَئِذٍ (فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ

ص: 29

أُمَّ وَلَدِهِ تُسْتَرَقُّ وَيُسْتَحَلُّ فَرْجُهَا) فَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى مَا قَبْلَهُ.

(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ إِلَى الْعَدُوِّ فِي الْمُفَادَاةِ) لِمَا أَسَرُوهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (أَوِ التِّجَارَةِ يَشْتَرِي الْحُرَّ أَوِ الْعَبْدَ أَوْ يُوهَبَانِ لَهُ) مَا الْحُكْمُ؟ (فَقَالَ: أَمَّا الْحُرُّ فَإِنَّ اشْتِرَاءَهُ بِهِ) بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (دَيْنٌ) خَبَرُ إِنَّ وَفِي نُسْخَةٍ بِتَقْدِيرِ يَكُونُ دَيْنًا (عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَرَقُّ) لِوُجُوبِ فِدَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَحُرْمَةِ مَقَامِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْفِدَاءِ، فَوَجَبَ رُجُوعُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَا كَانَ يَلْزَمُهُ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي فِدَاءِ نَفْسِهِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

(وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً) بِالْهَمْزِ عَلَى الْهِبَةِ (فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ بِمَنْزِلَةِ مَا اشْتُرِيَ بِهِ) لِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ كَالْبَيْعِ (وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ سَيِّدَهُ الْأَوَّلَ مُخَيَّرٌ فِيهِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَدْفَعَ إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْلِمَهُ أَسْلَمَهُ) لِمَنِ اشْتَرَاهُ (وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَسَيِّدُهُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً فَيَكُونَ مَا أَعْطَى فِيهِ غُرْمًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مَصْدَرُ غَرِمَ أَيْ مُؤَدًّى (عَلَى سَيِّدِهِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَدِيَهُ) وَإِنْ أَحَبَّ تَرْكَهُ لَهُ، وَسَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَيَلْزَمُهُ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ فَيُخَيَّرُ.

ص: 30

[بَاب مَا جَاءَ فِي السَّلَبِ فِي النَّفَلِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ قَالَ فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي قَالَ فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ مَا بَالُ النَّاسِ فَقَالَ أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّالِثَةَ فَقُمْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ قَالَ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا هَاءَ اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَاشْتَرَيْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

10 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّلْبِ فِي النَّفَلِ

990 -

974 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عُمَرَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ كَمَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ

ص: 30

لِيَحْيَى، وَقَوْمٌ: عَمْرٌو بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَلِلشَّافِعِيِّ: عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَهُمَا أَخَوَانِ وَعُمَرُ بِالضَّمِّ أَجَلُّ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ، وَلَيْسَ لِعَمْرٍو بِالْفَتْحِ إِلَّا عِنْدَ مَنْ صَحَّفَهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (ابْنِ كَثِيرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ (ابْنُ أَفْلَحَ) بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، وَذَكَرُهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ (عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ) نَافِعِ بْنِ عَبَّاسٍ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ أَوْ تَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ مَعْرُوفٌ بِاسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ الْمَدَنِيُّ الْأَقْرَعُ الثِّقَةُ (مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ) حَقِيقَةً كَمَا جَزَمَ النَّسَائِيُّ وَالْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِلُزُومِهِ وَكَانَ مَوْلَى عَقِيلَةَ الْغِفَارِيَّةِ (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) الْحَارِثِ أَوِ النُّعْمَانِ أَوْ عَمْرِو (بْنِ رِبْعِيٍّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَمُهْمَلَةٍ الْأَنْصَارِيِّ السُّلَمِيِّ بِفَتْحَتَيْنِ الْمَدَنِيِّ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَصِحَّ شُهُودُهُ بَدْرًا، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَصَحِّ الْأَشْهَرِ (أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَنُونٍ وَادٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ عَقِبَ فَتْحِ مَكَّةَ (فَلَمَّا الْتَقَيْنَا) مَعَ الْمُشْرِكِينَ (كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَيْ حَرَكَةٌ فِيهَا اخْتِلَاطٌ وَتَقَدُّمٌ وَتَأَخُّرٌ، وَعَبَّرَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ لَفْظِ هَزِيمَةٍ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْجَوْلَةُ فِي الْجَيْشِ كُلِّهِ بَلْ ثَبَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَطَائِفَةٌ مَعَهُ أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِيهِمْ مِائَةٌ، وَقَدْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم الِانْهِزَامُ، وَلَمْ يُرْوَ قَطُّ أَنَّهُ انْهَزَمَ فِي مَوْطِنٍ، بَلِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِإِقْدَامِهِ وَثَبَاتِهِ فِي جَمِيعِ الْمُوَاطِنِ لَا سِيَّمَا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ نَحْوَ الْكُفَّارِ وَيَقُولُ:«أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» .

ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ فَمَا خَلَقَ اللَّهِ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ فَوَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ ثُمَّ تَرَاجَعَ إِلَيْهِ مَنْ وَلَّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

(قَالَ) أَبُو قَتَادَةَ: (فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَأَشْرَفَ عَلَى قَتْلِهِ وَصَرْعِهِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِمَا (قَالَ: فَاسْتَدَرْتُ لَهُ) مِنَ الِاسْتِدَارَةِ وَيُرْوَى فَاسْتَدْبَرْتُ مِنَ الِاسْتِدْبَارِ (حَتَّى أَتَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ) وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَآخَرَ يَخْتِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فَأَسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فَرَفَعَ يَدَهُ لِيَضْرِبَنِي فَأَضْرِبُ يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا ثُمَّ أَخَذَنِي فَضَمَّنِي " قَالَ الْحَافِظُ: يَخْتِلُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ يُرِيدُ أَخْذَهُ عَلَى غِرَّةٍ، وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ ضَمِيرَ

ص: 31

ضَرَبْتُهُ لِهَذَا الثَّانِي الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَخْتِلَ الْمُسْلِمَ (عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ عِرْقٌ أَوْ عَصَبٌ عِنْدَ مَوْضِعِ الرِّدَاءِ مِنَ الْعُنُقِ بَيْنَ الْعُنُقِ وَالْمَنْكِبِ، وَعُرِفَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ فَأَضْرِبُ يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَدِ الذِّرَاعُ وَالْعَضُدُ إِلَى الْكَتِفِ، زَادَ التِّنِّيسِيُّ: فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ أَيِ الَّتِي كَانَ لَابِسُهَا وَخَلَصَتِ الضَّرْبَةُ إِلَى يَدِهِ فَقَطَعْتُهَا (فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ) أَيْ شِدَّةً كَشِدَّتِهِ وَيُحْتَمَلُ قَارَبْتُ الْمَوْتَ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا الْمُشْرِكَ كَانَ شَدِيدَ الْقُوَّةِ جِدًّا (ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي) أَيْ أَطْلَقَنِي (قَالَ: فَلَقِيتُ عُمَرَ) فِيهِ حَذْفٌ بَيَّنَهُ رِوَايَةُ اللَّيْثِ فَتَحَلَّلَ وَدَفَعْتُهُ ثُمَّ قَتَلْتُهُ وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ فَإِذَا بِعُمَرَ (بْنِ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ) قَدْ وَلَّوْا؟ (فَقَالَ: أَمْرُ اللَّهِ) أَيْ حُكْمِ اللَّهِ وَمَا قَضَى بِهِ أَوْ أَرَادَ مَا حَالُ النَّاسِ بَعْدَ التَّوَلِّي، فَقَالَ: أَمْرُ اللَّهِ غَالِبٌ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.

(ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا) تَرَاجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ «قَالَ لِلْعَبَّاسِ: نَادِ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَلَمَّا سَمِعُوا نِدَاءَهُ أَقْبَلُوا كَأَنَّهُمُ الْإِبِلُ» .

وَفِي رِوَايَةٍ الْبَقَرُ إِذَا حَنَّتْ عَلَى أَوْلَادِهَا يَقُولُونَ: «يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ فَتَرَاجَعُوا فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَصْدُقُوا الْحَمْلَةَ فَاقْتَتَلُوا مَعَ الْكُفَّارِ فَقَالَ: الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا وَقَتَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَانْهَزَمُوا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ» .

(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا) أَوْقَعَ الْقَتِيلَ عَلَى الْمَقْتُولِ بِاعْتِبَارِ مَا آلَ إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36](سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 36)(لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ) بِفَتْحِ الْمُهْمِلَةِ وَاللَّامِ وَمُوَحَّدَةٍ مَا يُوجَدُ مَعَ الْمُحَارِبِ مِنْ مَلْبُوسٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا تَدْخُلُ الدَّابَّةُ.

وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: يَخْتَصُّ بِأَدَاةِ الْحَرْبِ.

وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِيهِ بِلَا بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ.

وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ: يُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ لِأَبِي قَتَادَةَ بِلَا بَيِّنَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَفِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ شَهِدَ لَهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَصِحَّ فَيُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ أَنَّهُ الْقَاتِلُ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَنَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ يُكْتَفَى بِهِ.

(قَالَ) أَبُو قَتَادَةَ: (فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي) بِقَتْلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ (ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ( «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالَ: فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ» ثُمَّ قَالَ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -

ص: 32

(ذَلِكَ) الْقَوْلَ الْمَرَّةَ (الثَّالِثَةَ فَقُمْتُ «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟» ) تَقُومُ وَتَقْعُدُ (قَالَ: فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ) وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: " إِنِّي ضَرَبْتُ رَجُلًا عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ فَأَعْجَلْتُ عَنْهُ "(فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ) وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ مِنْ جُلَسَائِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ اسْمَهُ أَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِيٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ الَّذِي أَخَذَ السَّلَبَ قُرَشِيٌّ (صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أَبُو قَتَادَةَ (وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ) بِهَمْزَةِ قَطْعِ وَكَسْرِ الْهَاءِ (مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَا هَاءَ اللَّهِ) بِالْأَلِفَيْنِ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ أَيْضًا بِلَامٍ بَعْدَ الْهَاءِ مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ شَيْءٍ مِنَ الْأَلِفَيْنِ، وَيَجُوزُ إِظْهَارُ أَلِفٍ وَاحِدَةٍ بِلَا هَمْزَةٍ نَحْوُ: الْتَقَتْ حَلْقَتَا الْبِطَانِ وَحَذْفُ الْأَلِفِ وَثُبُوتُ هَمْزَةِ الْقَطْعِ، وَفِيهِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ وَاوِ الْقَسَمِ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ وَلَمْ يُسْمَعْ إِلَّا مَعَ اللَّهِ فَلَا يُقَالُ لَاهَا الرَّحْمَنِ كَمَا سُمِعَ لَا وَالرَّحْمَنِ.

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ هَاءَ اللَّهِ بِالْهَمْزِ، الْقِيَاسُ تَرْكُهُ.

وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ رُوِيَ يَرْفَعُ اللَّهُ أَيْ يَأْتِي اللَّهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنْ ثَبَتَ الرَّفْعُ رِوَايَةً فَهَا لِلتَّنْبِيهِ وَاللَّهُ مُبْتَدَأٌ وَلَا يَعْمِدُ خَبَرُهُ، وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ، وَقَدْ نَقَلَ الْأَئِمَّةُ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَرِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى غَيْرِهِ وَهُوَ قَسَمٌ أَيْ لَا وَاللَّهِ (إِذًا) بِكَسْرِ الْأَلِف ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ مُنَوَّنَةٍ كَمَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الْمُعْتَمَدَةِ وَالْأُصُولِ الْمُحَقَّقَةِ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَكَذَا يَرْوِيهِ الْمُحَدِّثُونَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَاهَا اللَّهِ ذَا وَالْهَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ وَالْمَعْنَى لَا وَاللَّهِ يَكُونُ ذَا.

وَنَقَلَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي عَنِ الْمَازِنِيِّ قَوْلَ الرُّوَاةِ لَاهَا اللَّهِ إِذًا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ لَاهَا اللَّهِ ذَا أَيْ ذَا يَمِينِي وَقَسَمِي.

وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ إِذًا وَإِنَّمَا هُوَ ذَا وَهِيَ صِلَةٌ فِي الْكَلَامِ لَا وَاللَّهِ هَذَا مَا أُقْسِمُ بِهِ، وَتَوَارَدَ كَثِيرٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لَفْظَ إِذًا خَطَأٌ وَإِنَّمَا هُوَ ذَا.

وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: يُمْكِنُ تَوْجِيهُ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا وَاللَّهِ لَا يُعْطَى إِذًا وَيَكُونُ لَا يَعْمِدُ. . . إِلَخْ، تَأْكِيدًا لِلنَّفْيِ الْمَذْكُورِ وَمُوَضِّحًا لِلسَّبَبِ فِيهِ.

وَقَالَ الطَّيْبِيُّ: الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ كَقَوْلِكَ لِمَنْ قَالَ لَكَ افْعَلْ كَذَا: وَاللَّهِ إِذًا لَا أَفْعَلُ، فَالتَّقْدِيرُ وَاللَّهِ إِذْ لَا يَعْمِدُ. . . إِلَخْ

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إِذًا زَائِدَةً كَمَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي قَوْلِ الْحَمَاسِيِّ:

إِذًا لَقَامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ.

فِي جَوَابِ قَوْلِهِ:

لَوْ كُنْتُ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تَسْتَبِحْ إِبِلِي

بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: الرِّوَايَةُ صَوَابٌ فَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنْ وَاوِ الْقَسَمِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ

ص: 33

فِي الْقَسَمِ آلَلَّهِ لَأَفْعَلَنَّ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَقَصْرِهَا، فَكَأَنَّهُمْ عَوَّضُوا مِنَ الْهَمْزَةِ هَاءٌ فَقَالُوا هَا اللَّهِ لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا وَلِذَا قَالُوا بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الَّذِي مَدَّ مَعَ الْهَاءِ كَأَنَّهُ نَطَقَ بِهَمْزَتَيْنِ أُبْدِلَ مِنْ أَحَدِهِمَا أَلِفًا اسْتِثْقَالًا لِاجْتِمَاعِهِمَا كَمَا تَقُولُ: أَأَللَّهُ، وَالَّذِي قَصَرَ كَأَنَّهُ نَطَقَ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَقُولُ أَلِلَّهِ.

وَأَمَّا إِذًا فَهِيَ بِلَا شَكٍّ حِرَفُ جَزَاءٍ وَتَعْلِيلٍ مِثْلُ «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ: " أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا إِذًا» " فَلَوْ قَالَ فَلَا وَاللَّهِ إِذًا لَسَاوَى مَا هُنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْتَجْ لِلْقَسَمِ فَتَرَكَهُ، فَقَدْ وَضَحَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَمُنَاسَبَتُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى تَكَلُّفٍ بَعِيدٍ يَخْرُجُ عَنِ الْبَلَاغَةِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ جَعَلَ الْهَاءَ لِلتَّنْبِيهِ وَذَا لِلْإِشَارَةِ وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالْمُقْسَمِ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا فَيَطَّرِدَ وَلَا فَصِيحًا فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْفَصِيحِ، وَلَا مَرْوِيًّا بِرِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ، وَمَا وُجِدَ لِلْعُذْرِيِّ وَالْعَبْدَرِيِّ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَاهَا اللَّهِ ذَا فَإِصْلَاحٌ مِمَّنِ اغْتَرَّ بِكَلَامِ النُّحَاةِ وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْغِرْنَاطِيُّ مِمَّنْ أَدْرَكْنَاهُ: اسْتَرْسَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُدَمَاءِ إِلَى أَنِ اتَّهَمُوا الْأَثْبَاتَ بِالتَّصْحِيفِ فَقَالُوا الصَّوَابُ ذَا بَاسِمِ الْإِشَارَةِ، وَيَا عَجَبًا مِنْ قَوْمٍ يَقْبَلُونَ التَّشْكِيكَ عَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ وَيَطْلُبُونَ لَهَا تَأْوِيلَاتٍ، وَجَوَابُهُمْ أَنَّ هَا اللَّهِ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْمَ الْإِشَارَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ، وَأَمَّا جَعْلُ لَا يَعْمِدُ جَوَابَ فَأَرْضِهِ فَهُوَ سَبَبُ الْغَلَطِ وَلَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ شَرْطٍ مَقْدُورٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَدَقَ فَأَرْضِهِ، فَكَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ إِذَا صَدَقَ فِي أَنَّهُ صَاحِبُ السَّلَبِ إِذًا لَا يَعْمِدُ فَيُعْطِيكَ حَقَّهُ فَالْجَزَاءُ صَحِيحٌ لِأَنَّ صِدْقَهُ سَبَّبَ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا تَكَلُّفَ فِيهِ انْتَهَى.

وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ، وَالَّذِي قَبْلَهُ أَقْعَدُ، وَيُؤَيِّدُهُ كَثْرَةُ وُقُوعِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرَيْرَةَ لَمَّا ذَكَرَتْ أَنَّ أَهْلَهَا يَشْتَرِطُونَ الْوَلَاءَ قَالَتْ: فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ إِذًا، وَفِي «قِصَّةِ جُلَيْبِيبٍ بِالْجِيمِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُصَغَّرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ عَلَيْهِ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى أَبِيهَا فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا فَذَهَبَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَتْ: لَا هَاءَ اللَّهِ إِذًا وَقَدْ مَنَعْنَاهَا فُلَانًا» ، صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ.

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ لَوْ لَبِسْتَ مِثْلَ عَبَاءَتِي هَذِهِ، قَالَ: لَا هَاءَ اللَّهِ إِذًا لَا أَلْبَسُ مِثْلَ عَبَاءَتِكَ هَذِهِ.

وَفِي تَهْذِيبِ الْكَمَالِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فِي مَرَضِهَا فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكِ؟ قَالَتْ: أَصْبَحْتُ ذَاهِبَةً، قَالَ: فَلَا إِذًا وَكَانَ فِيهِ دُعَابَةٌ.

وَوَقَعَ أَيْضًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ بِقَسَمٍ وَبِغَيْرِ قَسَمٍ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي «قِصَّةِ صَفِيَّةَ لَمَّا قَالَ صلى الله عليه وسلم أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَقِيلَ: إِنَّهَا طَافَتْ فَقَالَ: فَلَا إِذًا» .

وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي فِي «سُؤَالِهِ عَنْ أَحَبِّ النَّاسِ فَقَالَ: عَائِشَةُ، قَالَ: لَمْ أَعْنِ النِّسَاءَ؟ قَالَ: فَأَبَوْهَا إِذًا» .

وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي «قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي أَصَابَتْهُ الْحُمَّى فَقَالَ: بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ، قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا» .

وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ عَنْ سُفْيَانَ: لَقِيتُ لِيطَةَ بْنَ

ص: 34

الْفَرَزْدَقِ فَقُلْتُ: أَسَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِيكَ؟ قَالَ: إِي هَا اللَّهِ إِذًا سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ.

وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي فَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي فَلَمْ أَرْضَ كَمَالَهَا أَفَلَا أَعُودُ لَهَا؟ قَالَ: بَلَى هَا اللَّهِ إِذًا.

انْتَهَى مَا اقْتَطَفْتُهُ مِنْ فَتْحِ الْبَارِي فَقَدْ أَطَالَ النَّفَسَ فِي ذَلِكَ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا.

ثُمَّ أَرَادَ بَيَانَ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ (لَا يَعْمِدُ) بِالتَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ لَا يَقْصِدُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إِلَى أَسَدٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ إِلَى رَجُلٍ كَأَنَّهُ أَسَدٌ فِي الشَّجَاعَةِ (مِنْ أَسَدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالسِّينِ (يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) أَيْ صُدُورِ قِتَالِهِ عَنْ رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَيْ بِسَبَبِهِمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82](سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ 82) أَوِ الْمَعْنَى: يُقَاتِلُ ذَبًّا عَنْ دِينِ اللَّهِ إِعْلَاءً لِكَلِمَةِ اللَّهِ نَاصِرًا لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ، أَوْ يُقَاتِلُ لِنَصْرِ دِينِ اللَّهِ وَشَرِيعَةِ رَسُولِهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.

(فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ) أَيْ سَلَبَ قَتِيلِهِ الَّذِي قَتَلَهُ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ، فَأَضَافَهُ إِلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، قَالَ الْحَافِظُ: ضُبِطَ لِلْأَكْثَرِ بِالتَّحْتِيَّةِ فِي يَعْمِدُ وَيُعْطِي، وَضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِالنُّونِ فِيهِمَا انْتَهَى.

وَعِبَارَةُ النَّوَوِيِّ ضَبَطُوهُمَا بِالْيَاءِ وَالنُّونِ وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ.

(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ) أَبُو بَكْرٍ (فَأَعْطِهِ) بِهَمْزَةِ قَطْعِ أَمْرٌ لِلَّذِي اعْتَرَفَ بِأَنَّ السَّلَبَ عِنْدَهُ (إِيَّاهُ) أَيِ السَّلَبَ، وَفِي هَذِهِ مَنْقَبَةٌ جَلِيلَةٌ لِأَبِي قَتَادَةَ حَيْثُ سَمَّاهُ الصِّدِّيقُ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ وَصَدَقَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْتُ الدِّرْعَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَرَاءٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَتَيْنِ، ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ بِسَبْعِ أَوَاقٍ فِضَّةً (فَاشْتَرَيْتُ بِهِ مَخْرَفًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَيَجُوزُ كَسْرِ الرَّاءِ أَيْ بُسْتَانًا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُخْتَرَفُ مِنْهُ الثَّمَرُ أَيْ يُجْتَنَى، وَإِمَّا بِكَسْرِ الْمِيمِ فَهُوَ اسْمُ الْآلَةِ الَّتِي يُخْتَرَفُ بِهَا قَالَهُ الْحَافِظُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْأَوَّلِ فَقَطْ وَلَا كَذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: مَخْرَفٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ كَالْمَسْجِدِ أَيِ الْبُسْتَانِ، وَقِيلَ السِّكَّةُ مِنَ النَّخْلِ يَكُونُ صَفَّيْنِ يَخْتَرِفُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ أَنْ يَجْتَنِيَ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: هِيَ الْجُنَيْنَةُ الصَّغِيرَةُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ نَخَلَاتٌ يَسِيرَةٌ انْتَهَى.

وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ خِرَافًا بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهُوَ الثَّمَرُ الَّذِي يُخْتَرَفُ أَيْ يُجْتَنَى وَأَطْلَقَهُ عَلَى الْبُسْتَانِ مَجَازًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: بُسْتَانُ خِرَافٍ.

وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الْبُسْتَانَ الْمَذْكُورَ كَانَ يُقَالُ لَهُ الْوِدِّيَّيْنِ (فِي بَنِي سَلِمَةَ) بِكَسْرِ اللَّامِ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ قَوْمُ أَبِي قَتَادَةَ (فَإِنَّهُ لِأَوَّلِ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ) بِفَوْقِيَّةٍ فَأَلِفٍ فَمُثَلَّثَةٍ أَيِ اقْتَنَيْتُهُ وَأَصَّلْتُهُ وَأَثْلَةُ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ (فِي الْإِسْلَامِ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَوَّلُ مَالٍ اعْتَقَدْتُهُ أَيْ جَعَلْتُهُ عُقْدَةً وَالْأَصْلُ فِيهِ مِنَ الْعَقْدِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا عَقَدَ عَلَيْهِ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيْدِيُّ

ص: 35

الْأَنْدَلُسِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الصِّدِّيقِ إِلَّا هَذَا فَإِنَّهُ لِثَاقِبِ عِلْمِهِ وَشِدَّةِ صَرَامَتِهِ وَقُوَّةِ إِنْصَافِهِ وَصِحَّةِ تَحْقِيقِهِ بَادَرَ إِلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ فَزَجَرَ وَأَفْتَى وَأَمْضَى وَأَخْبَرَ فِي الشَّرِيعَةِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم بِحَضْرَتِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ بِمَا صَدَقَهُ فِيهِ وَأَجْرَاهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ الْكُبْرَى إِلَى مَا لَا يُحْصَى مِنْ فَضَائِلِهِ الْأُخْرَى انْتَهَى.

وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ» "«وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: إِنِّي ضَرَبْتُ رَجُلًا عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ فَأَعْجَلْتُ عَنْهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَخَذْتُهَا فَأَرْضِهِ مِنْهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ أَوْ سَكَتَ فَسَكَتَ فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَا يُفِيئُهَا اللَّهُ عَلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِهِ وَيُعْطِيكَهَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ عُمَرُ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ قَدْ أَخْرَجَ بِهِ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو قَتَادَةَ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ فَهُوَ أَتْقَنُ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَيْضًا قَالَ ذَلِكَ تَقْوِيَةً لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ مِنْ كُلِّ مَقْتُولٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا، وَفِي الْبَيْعِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَفِي الْمَغَازِي عَنِ التِّنِّيسِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَشِيمٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.

ص: 36

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْأَنْفَالِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْفَرَسُ مِنْ النَّفَلِ وَالسَّلَبُ مِنْ النَّفَلِ قَالَ ثُمَّ عَادَ الرَّجُلُ لِمَسْأَلَتِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ الْأَنْفَالُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَا هِيَ قَالَ الْقَاسِمُ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُحْرِجَهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.

قَالَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ الْعَدُوِّ أَيَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ قَالَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْاجْتِهَادِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ إِلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

991 -

975 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا) لَمْ يُسَمَّ (يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَرَسُ مِنَ النَّفَلِ وَالسَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ، قَالَ) الْقَاسِمُ (ثُمَّ عَادَ) الرَّجُلُ (لِمَسْأَلَتِهِ) كَأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ الْجَوَابَ (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ: الْأَنْفَالُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ){يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1](مَا هِيَ) لِأَنَّ جَوَابَكَ مُجْمَلٌ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ الْمَشْيَخَةَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَبَتُوا تَحْتَ الرَّايَاتِ وَأَمَّا الشُّبَّانُ فَسَارَعُوا إِلَى الْقَتْلِ وَالْغَنَائِمِ فَقَالَتِ الْمَشْيَخَةُ لِلشُّبَّانِ: أَشْرِكُونَا مَعَكُمْ كُنَّا لَكُمْ رَدْءًا وَلَوْ كَانَ مِنْكُمْ شَيْءٌ لَلَجَأْتُمْ إِلَيْنَا

ص: 36

فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1](سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 1) الْآيَةَ فَقَسَمَ صلى الله عليه وسلم الْغَنَائِمَ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ» " وَلِابْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخُمُسِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.

فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ نَفْسُهُ رَوَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَنْفَالِ فِي الْآيَةِ الْغَنَائِمُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُفْصِحْ لِلرَّجُلِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ رَآهُ مُتَعَنِّتًا.

(قَالَ الْقَاسِمُ: فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى كَادَ) قَارَبَ (أَنْ يُحْرِجَهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ وَسَقَطَتْ أَنْ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ أَفْصَحُ (ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا) أَيْ صِفَتُهُ (مَثَلُ صَبِيغٍ) بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ فَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ ابْنِ عِسْلٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَيُقَالُ بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ ابْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ الْحَنْظَلِيُّ لَهُ إِدْرَاكٌ وَمَثَّلَهُ بِهِ لِأَنَّهُ رَآهُ مُصْغٍ لِلْعِلْمِ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ حَقِيقٌ أَنْ يُصْنَعَ بِهِ مِثْلُ صَبِيغٍ (الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) أَخْرَجَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، ثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، ثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلًا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ عَنِ النَّاسِ فَقَالَ: إِنَّ فِيهَا رَجُلًا يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ يُقَالُ لَهُ صَبِيغٌ يُرِيدُ قُدُومَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِهِ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَخْتَلِفُ إِلَى الثَّنِيَّةِ يَسْأَلُ عَنْ صَبِيغٍ حَتَّى طَلَعَ بَعِيرٌ وَقَدْ لَهِجَ بِأَنْ يَقُولَ مَنْ يَلْبَسُ الْفِقْهَ بِفِقْهِهِ إِلَيْهِ، فَانْتَزَعَ الرَّجُلُ خِطَامًا مِنْ يَدِهِ حَتَّى أَتَى بِهِ عُمَرَ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا ثُمَّ حَبَسَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ أَيْضًا فَقَالَ صَبِيغٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي فَأَجْهِزْ عَلَيَّ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شِفَايَ فَقَدْ شَفَيْتَنِي شَفَاكَ اللَّهُ فَأَرْسَلَهُ عُمَرُ.

وَرَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَنَافِعٌ قَالَا: " قَدِمَ الْمَدِينَةَ رَجُلٌ فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ وَأَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغٌ، قَالَ: وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى دَمِيَ رَأْسُهُ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ ذَهَبَ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُهُ فِي رَأْسِي ثُمَّ نَفَاهُ إِلَى الْبَصْرَةِ " وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَنَسٍ وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدٍ وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ وَزَادُوا عَنِ الثَّالِثِ وَكَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ: لَا تُجَالِسُوهُ فَلَوْ جَاءَ وَنَحْنُ مِائَةٌ لَتَفَرَّقْنَا.

وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى لَا تُجَالِسْ صَبِيغًا وَأَحْرِمْهُ عَطَاءَهُ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدٍ قَالَ: جَاءَ صَبِيغٌ التَّمِيمِيُّ إِلَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنِ الذَّارِيَاتِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَأَمَرَ عُمَرُ فَضُرِبَ مِائَةَ سَوْطٍ فَلَمَّا بَرَأَ دَعَاهُ فَضَرَبَهُ مِائَةً أُخْرَى ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى قَتَبٍ وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: حَرِّمْ عَلَى النَّاسِ مُجَالَسَتَهُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى فَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ أَنَّهُ صَلَحَ حَالُهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَلَمْ يَزَلْ صَبِيغٌ وَضِيعًا فِي قَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ سَيِّدًا فِيهِمْ.

قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: اتَّهَمَهُ عُمَرُ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ.

وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ

ص: 37

أَنَّهُ كَانَ أَحْمَقَ وَأَنَّهُ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ صَبِيغٌ مِنَ الْخَوَارِجِ فِي مَذَاهِبِهِمْ قَالَ: وَإِنَّمَا أَتَى مَالِكٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ تَفْسِيرًا لِلسَّلَبِ لِأَنَّ سَلَبَ قَتِيلِهِ كَانَ دِرْعًا وَزَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ الْفَرَسُ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ مَالِكٍ وَالرُّمْحُ وَذَلِكَ كُلُّهُ آلَاتُ الْمُقَاتِلِ لَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ آلَاتِهِ.

(سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنَ الْعَدُوِّ أَيَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ) أَيْ أَمِيرِ الْجَيْشِ (وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الْإِمَامِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ) مِنْهُ بِمَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ.

وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: يُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ السَّلَبَ أَوْ يُخَمِّسَهُ وَاخْتَارَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي.

وَعَنْ مَكْحُولٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ يُخَمَّسُ مُطْلَقًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41](سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 41) وَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا.

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ سَوَاءٌ قَالَ أَمِيرُ الْجَيْشِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَوْ لَا.

وَأَجَابُوا عَنْ عُمُومِ الْآيَةِ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا. . . إِلَخْ، وَتُعُقِّبَ بِقَوْلِهِ:( «وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ إِلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ» ) وَهِيَ آخِرُ مَغَازِيهِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا قِتَالٌ وَغَنِيمَةٌ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ حُفِظَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَضَى بِسَلَبِ أَبِي جَهْلٍ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ.

وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ قَتَلَ رَجُلًا يَوْمَ أُحُدٍ فَسَلَّمَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَلَبَهُ.

وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَتَلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ رَجُلًا فَنَفَّلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَلَبَهُ.

ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ مُقَرَّرًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَإِنْكَارِهِ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَخْذَ السَّلَبِ مِنَ الْقَاتِلِ.

وَرَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: تَعَالَ بِنَا نَدْعُو فَقَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي رَجُلًا شَدِيدًا بَأْسُهُ فَأُقَاتِلُهُ وَيُقَاتِلُنِي ثُمَّ ارْزُقْنِي عَلَيْهِ الظَّفَرَ حَتَّى أَقْتُلَهُ وَآخُذَ سَلَبَهُ " الْحَدِيثَ.

وَفِي مَغَازِي ابْنِ إِسْحَاقَ: " أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَلِيٍّ لَمَّا قَتَلَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ: هَلَّا اسْتَلَبْتَ دِرْعَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْعَرَبِ خَيْرٌ مِنْهَا؟ فَقَالَ إِنَّهُ اتَّقَانِي بِسَوْءَتِهِ " وَلِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَتْ صَفِيَّةُ فِي حِصْنِ حَسَّانَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَذُكِرَ الْحَدِيثُ فِي قِصَّةِ قَتْلِهَا الْيَهُودِيَّ وَقَوْلِهَا لِحَسَّانَ انْزِلْ فَاسْلُبْهُ مِنْ حَاجَةٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ قَبْلَ يَوْمِ حُنَيْنٍ وَإِعْطَاؤُهُ السَّلَبَ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ لِأَنَّهُ لِلْإِمَامِ يَجْتَهِدُ فِيهِ بِمَا شَاءَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ كَمَا هُوَ صَرِيحٌ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ

ص: 38

ذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ لِئَلَّا تَضْعُفَ نِيَّاتُ الْمُجَاهِدِينَ.

وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا أَوْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَإِذَا قَالَهُ قَبْلَهُ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ اسْتَحَقَّهُ الْقَاتِلُ، وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ.

ص: 39

[بَاب مَا جَاءَ فِي إِعْطَاءِ النَّفَلِ مِنْ الْخُمُسِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنْ الْخُمُسِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّفَلِ هَلْ يَكُونُ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مَوْقُوفٌ إِلَّا اجْتِهَادُ السُّلْطَانِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ فِي مَغَازِيهِ كُلِّهَا وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ نَفَّلَ فِي بَعْضِهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

11 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي إِعْطَاءِ النَّفَلِ مِنَ الْخُمُسِ

992 -

976 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنَ الْخُمُسِ) قَالَ الْحَافِظُ: ظَاهِرُهُ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ تَفْضِيلَ بَعْضِ الْجَيْشِ لِمَعْنًى فِيهِ فَذَلِكَ مِنَ الْخُمُسِ لَا مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَإِنِ انْفَرَدَتْ قِطْعَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَنْفُلَهَا مِمَّا غَنِمَتْهُ دُونَ سَائِرِ الْجَيْشِ فَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ انْتَهَى.

وَهَذَا الشَّرْطُ قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَتَحَدَّدُ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1](سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 1) فَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَهَا اهـ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) مِنَ الْخِلَافِ.

(سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ النَّفَلِ هَلْ يَكُونُ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ؟ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مَوْثُوقٌ) بَيَانٌ لِمَعْرُوفٍ (إِلَّا اجْتِهَادُ السُّلْطَانِ) مَنْ لَهُ سَلْطَنَةٌ؛ الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ (وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفَلَ فِي مَغَازِيهِ كُلِّهَا وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ نَفَلَ فِي بَعْضِهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ) وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِ مَغْنَمٍ وَغَيْرِهِ (وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنَ الْإِمَامِ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ) وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُنَفِّلُ مِنْ أَوَّلِ الْغَنِيمَةِ وَلَا يُنَفِّلُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ.

ص: 39

[بَاب الْقَسْمِ لِلْخَيْلِ فِي الْغَزْوِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَقُولُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ ذَلِكَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يَحْضُرُ بِأَفْرَاسٍ كَثِيرَةٍ فَهَلْ يُقْسَمُ لَهَا كُلِّهَا فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ بِذَلِكَ وَلَا أَرَى أَنْ يُقْسَمَ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ الَّذِي يُقَاتِلُ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ إِلَّا مِنْ الْخَيْلِ لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] وَقَالَ عز وجل {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] فَأَنَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِنْ الْخَيْلِ إِذَا أَجَازَهَا الْوَالِي وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُئِلَ عَنْ الْبَرَاذِينِ هَلْ فِيهَا مِنْ صَدَقَةٍ فَقَالَ وَهَلْ فِي الْخَيْلِ مِنْ صَدَقَةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

12 -

بَابُ الْقَسَمِ لِلْخَيْلِ فِي الْغَزْوِ

977 -

(مَالِكٌ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَقُولُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمٌ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ ذَلِكَ) وَقَدْ رَوَاهُ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا» " فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَسْهَمَ لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ» " وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْفَرَسِ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ فَقَطْ.

وَاحْتَجُّوا لَهُ بِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بِلَفْظِ: أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ وَهْمٌ مِنْ رَاوِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِمَا بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ أَوَّلًا وَهْمٌ، وَمَعْنَاهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ بِسَبَبِ فَرَسِهِ سَهْمَيْنِ غَيْرَ سَهْمِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مَجْمَعِ بْنِ جَارِيَةَ بِجِيمٍ وَتَحْتِيَّةٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي قِصَّةِ خَيْبَرَ قَالَ:" «فَأَعْطَى لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا» " وَفِي إِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَلَوْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَوْلَى، وَلَا سِيَّمَا وَالْأَسَانِيدُ الْأُوَّلُ أَثْبَتُ وَمَعَ رَاوِيهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ سَهْمًا فَكَانَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ» " وَلِلنَّسَائِيِّ عَنِ الزُّبَيْرِ:" «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَرَفَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِقَرَابَتِهِ» " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ: انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ دُونَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أُفِضِّلَ بَهِيمَةً عَلَى مُسْلِمٍ وَهِيَ شُبْهَةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ السِّهَامَ كُلَّهَا لِلرَّجُلِ، قَالَ الْحَافِظُ: لَوْ لَمْ يَثْبُتِ الْحَدِيثُ لَكَانَتِ الشُّبْهَةُ قَوِيَّةً لِأَنَّ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ، فَلَوْلَا الْفَرَسُ مَا ازْدَادَ الْفَارِسُ سَهْمَيْنِ عَنِ الرَّاجِلِ، فَمَنْ جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْفَرَسِ وَبَيْنَ الرَّاجِلِ، وَتُعُقِّبَ هَذَا أَيْضًا بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَالْإِنْسَانِ، فَلَمَّا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ بِالْمُسَاوَاةِ فَلْتَكُنِ الْمُفَاضَلَةُ كَذَلِكَ، وَقَدْ فَضَّلَ الْحَنَفِيَّةُ الدَّابَّةَ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ

ص: 40

فَقَالُوا: إِذَا قَتَلَ كَلْبَ صَيْدٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ أَدَّاهَا، فَإِنْ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ إِلَّا دُونَ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالْحَقُّ أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْخَبَرِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا قَالَ فَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى لَكِنَّ الثَّابِتَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ كَالْجُمْهُورِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّ الْفَرَسَ يَحْتَاجُ إِلَى مُؤْنَةٍ لِخِدْمَتِهَا وَعَلَفِهَا وَبِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا مِنَ الْغَنَاءِ فِي الْحَرْبِ مَا لَا يَخْفَى.

(سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يَحْضُرُ بِأَفْرَاسٍ كَثِيرَةٍ فَهَلْ يُقْسَمُ لَهَا كُلِّهَا؟ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ بِذَلِكَ وَلَا أَرَى أَنْ يُقْسَمَ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ الَّذِي يُقَاتِلُ عَلَيْهِ) وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ لَا أَكْثَرَ لِحَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: " «أَسْهَمَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِفَرَسَيَّ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ وَلِي سَهْمًا فَأَخَذْتُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ» " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ يُسْهِمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى بِسَهْمٍ لِكُلٍّ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ.

(قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى الْبَرَاذِينَ) جَمْعُ بِرْذَوْنٍ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُرَادُ الْجُفَاةُ الْخِلْقَةُ مِنَ الْخَيْلِ وَأَكْثَرُ مَا تُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ وَلَهَا جَلَدٌ عَلَى السَّيْرِ فِي الشِّعَابِ وَالْجِبَالِ وَالْوَعْرِ بِخِلَافِ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ.

(وَالْهُجُنَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَالْجِيمِ جَمْعُ هَجِينٍ كَبُرُدٍ وَبَرِيدٍ وَهُوَ مَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ عَرَبِيٌّ، وَقِيلَ الْهَجِينُ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ، وَأَمَّا الَّذِي أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ فَيُسَمَّى الْمُقْرِفَ، وَعَنْ أَحْمَدَ الْهَجِينُ الْبِرْذَوْنُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْحُكْمِ (إِلَّا مِنَ الْخَيْلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: وَ) خَلَقَ (الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا) وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَّ بِرُكُوبِ الْخَيْلِ وَقَدْ أَسْهَمَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَاسْمُ الْخَيْلِ يَقَعُ عَلَى الْبِرْذَوْنِ وَالْهَجِينِ بِخِلَافِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَكَأَنَّ الْآيَةَ اسْتَوْعَبَتْ مَا رُكِبَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لِمَا يَقْتَضِيهِ الِامْتِنَانُ، فَلَمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْبِرْذَوْنِ وَالْهَجِينِ فِيهَا دَلَّ عَلَى دُخُولِهِمَا فِي الْخَيْلِ قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ.

(وَقَالَ عز وجل: وَأَعِدُّوا لَهُمْ) لِقِتَالِهِمْ (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) قَالَ صلى الله عليه وسلم هِيَ الرَّمْيُ (وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى حَبْسِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (تُرْهِبُونَ) تُخَوِّفُونَ (بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الْكُفَّارَ، فَعُمُومُ الْخَيْلِ شَامِلٌ لِلْبَرَاذِينِ وَالْهَجِينِ (فَأَنَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِنَ الْخَيْلِ إِذَا أَجَازَهَا الْوَالِي)

ص: 41

عَلَى الْجَيْشِ (وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُئِلَ) وَالسَّائِلُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ كَمَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ (عَنِ الْبَرَاذِينِ هَلْ فِيهَا صَدَقَةٌ؟) وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ صَدَقَةٍ بِزِيَادَةِ مِنْ (فَقَالَ: وَهَلْ فِي الْخَيْلِ مِنْ صَدَقَةٍ) أَيْ زَكَاةٍ فَجَعَلَهَا مِنَ الْخَيْلِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ مَكْحُولٍ " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هَجَنَ الْهَجِينَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَرَّبَ الْعِرَابَ فَجَعَلَ لِلْعَرَبِيِّ سَهْمَيْنِ وَلِلْهَجِينِ سَهْمًا» " وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ قَالَ: أَغَارَتِ الْخَيْلُ فَأَدْرَكَتِ الْعِرَابُ وَتَأَخَّرَتِ الْبَرَاذِينُ فَقَامَ الْمُنْذِرُ الْوَادِعِيُّ فَقَالَ: لَا أَجْعَلُ مَا أَدْرَكَ كَمَا لَمْ يُدْرِكْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ: هَبِلَتِ الْوَدَاعِيَّ أُمُّهُ لَقَدْ أُذْكِرْتُ بِهِ امْضُوهَا عَلَى مَا قَالَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَسْهَمَ لِلْبَرَاذِينِ دُونَ سِهَامِ الْعُرْبِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ شَاعِرُهُمْ: وَمِنَّا الَّذِي قَدْ سَنَّ فِي الْخَيْلِ سُنَّةً وَكَانَتْ سَوَاءً قَبْلَ ذَاكَ سِهَامُهَا وَهَذَا مُنْقَطِعٌ أَيْضًا، وَقَدْ أَخَذَ بِهِ أَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَعَنْهُ كَالْجَمَاعَةِ، وَعَنْهُ إِنْ بَلَغَتِ الْبَرَاذِينُ مَبَالِغَ الْعَرَبِيَّةِ سُوِّيَ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا فُضِّلَتِ الْعَرَبِيَّةُ وَاخْتَارَهَا بَعْضُهُمْ، وَعَنِ اللَّيْثِ يُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ وَالْهَجِينِ دُونَ سَهْمِ الْفَرَسِ.

ص: 42

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْغُلُولِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ صَدَرَ مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ سَأَلَهُ النَّاسُ حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْ الْأَرْضِ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

13 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغُلُولِ

بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ أَيِ الْخِيَانَةِ فِي الْمَغْنَمِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ آخِذَهُ يَغُلُّهُ أَيْ يُخْفِيهِ فِي مَتَاعِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161](سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 161) وَعِيدٌ عَظِيمٌ.

994 -

978 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَرْفُوعًا ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ هَذَا ثَانِيهَا (عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ شُعَيْبِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي صَدُوقٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ وَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ

ص: 42

طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ صَدَرَ) رَجَعَ (مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعْرَانَةَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَخِفَّةِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِ الْعَيْنِ وَشَدِّ الرَّاءِ وَالْأُولَى أَفْصَحُ (سَأَلَهُ النَّاسُ) وَزَادَ فِي الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ فَقَالُوا: اقْسِمْ عَلَيْنَا فَيْئَنَا (حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ) أَيْ سَمَرَةَ بِفَتْحِ الْمِيمِ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ ذَاتِ شَوْكٍ، فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُقْفِلَةً مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَتِ النَّاسُ الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمَرَةَ (فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ) أَيْ عَلَقَ شَوْكُهَا بِهِ (حَتَّى نَزْعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ) وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ: فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ وَهُوَ مَجَازٌ وَالْمُرَادُ خَطِفَتْهُ الْأَعْرَابُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) زَادَ النَّسَائِيُّ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ (رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي) وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ فَوَقَفَ وَقَالَ: أَعْطُونِي رِدَائِي يَعْنِي خَلِّصُوهُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَأَعْطُوهُ لِي، وَإِنْ كَانُوا خَطَفُوهُ فَالرَّدُّ بِلَا تَخْلِيصٍ (أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أُقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ) رَدَّ (اللَّهُ عَلَيْكُمْ) مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرَّدُّ وَالرُّجُوعُ، وَمِنْهُ سُمِّي الظِّلُّ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْئًا لِرُجُوعِهِ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، فَكَأَنَّ أَمْوَالَ الْكُفَّارِ سُمِّيَتْ فَيْئًا لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ لِلْمُؤْمِنِينَ إِذِ الْإِيمَانُ هُوَ الْأَصْلُ وَالْكَفْرُ طَارٍ عَلَيْهِ.

(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) إِنْ شَاءَ أَبْقَاهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَهُوَ قَسَمٌ كَانَ يُقْسِمُ بِهِ كَثِيرًا (لَوْ أَفَاءَ) بِالْهَمْزِ وَلَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ (اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمَرِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ شَجَرٌ (تِهَامَةَ) جَمْعُ سَمَرَةٍ بِالتَّاءِ شَجَرَةٌ طَوِيلَةٌ مُتَفَرِّقَةُ الرَّأْسِ قَلِيلَةُ الظِّلِّ صَغِيرَةُ الْوَرَقِ وَالشَّوْكِ صُلْبَةُ الْخَشَبِ قَالَهُ ابْنُ التِّينِ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هِيَ الْعِضَاهُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ الْخَفِيفَةِ آخِرُهُ هَاءٌ وَصْلًا وَوَقْفًا شَجَرُ الشَّوْكِ كَطَلْحٍ وَعَوْسَجٍ وَسِدْرٍ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَرَقُ السُّمَرَةِ أَثْبَتُ وَظِلُّهَا أَكْثَفُ وَيُقَالُ هِيَ شَجَرَةُ الطَّلْحِ، وَلِلنَّسَائِيِّ:" لَوْ أَنَّ لَكُمْ بِعَدَدِ شَجَرِ تِهَامَةَ " وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ: " لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ "(نَعَمًا) بِفَتْحَتَيْنِ وَالنَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ (لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ بَيْنَكُمْ (ثُمَّ لَا تَجِدُونِي) بِنُونٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: تَجِدُونَنِي بِنُونَيْنِ (بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا) أَيْ إِذَا جَرَّبْتُمُونِي لَا تَجِدُونِي ذَا بُخْلٍ وَلَا ذَا جُبْنٍ وَلَا ذَا كَذِبٍ، فَالْمُرَادُ نَفْيُ الْوَصْفِ مِنْ أَصْلِهِ لَا نَفْيُ الْمُبَالَغَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الثَّلَاثَةُ ; لِأَنَّ كَذَّابًا مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ، وَجَبَانًا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وَبَخِيلًا مُحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَفِي

ص: 43

جَمْعِهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ لَطِيفَةٍ لِأَنَّهَا مُتَلَازِمَةٌ، وَكَذَا أَضْدَادُهَا الصِّدْقُ وَالْكَرَمُ وَالشَّجَاعَةُ، وَأَصْلُ الْمَعْنَى هُنَا الشَّجَاعَةُ، فَإِنَّ الشُّجَاعَ وَاثِقٌ مِنْ نَفْسِهِ بِالْخُلْفِ مِنْ كَسْبِ سَيْفِهِ فَبِالضَّرُورَةِ لَا يَبْخَلُ، وَإِذَا سَهُلَ عَلَيْهِ الْعَطَاءُ لَا يَكْذِبُ بِالْخُلْفِ فِي الْوَعْدِ لِأَنَّ الْخُلْفَ إِنَّمَا يَنْشَأُ مِنَ الْبُخْلِ، وَقَوْلُهُ:" لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ " تَنْبِيهٌ بِطْرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا سَمَحَ بِمَالِ نَفْسِهِ فَلِأَنْ يَسْمَحَ بِقَسْمِ غَنَائِمِهِمْ عَلَيْهِمْ أَوْلَى، وَاسْتِعْمَالُ ثُمَّ هُنَا لَيْسَ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَاهَا وَإِنْ كَانَ الْكَرَمُ يَتَقَدَّمُ الْعَطَاءَ، لَكِنَّ عِلْمَ النَّاسِ بِكَرَمِ الْكَرِيمِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْعَطَاءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِثُمَّ الدَّلَالَةَ عَلَى تَرَاخِي الْعِلْمِ بِالْكَرَمِ عَنِ الْعَطَاءِ وَإِنَّمَا التَّرَاخِي هُنَا لِعُلُوِّ رُتْبَةِ الْوَصْفِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَعْلَى مِنَ الْعَطَاءِ بِمَا لَا يُتَعَارَفُ أَنْ يَكُونَ الْعَطَاءُ عَنْ كَرَمٍ، فَقَدْ يَكُونَ عَطَاءً بِلَا كَرَمٍ كَعَطَاءِ الْبَخِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَفِيهِ ذَمُّ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهَا، وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْحِلْمِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَسَعَةِ الْجُودِ وَالصَّبْرِ عَلَى جُفَاةِ الْأَعْرَابِ، وَجَوَازُ وَصْفِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ بِالْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِخَوْفِ ظَنِّ أَهْلِ الْجَهْلِ بِهِ خِلَافَ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ مِنَ الْفَخْرِ الْمَذْمُومِ وَرِضَى السَّائِلِ بِالْحَقِّ لِلْوَعْدِ إِذَا تَحَقَّقَ مِنَ الْوَاعِدِ التَّنْجِيزُ، وَأَنَّ الْخِيَارَ لِلْإِمَامِ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ إِنْ شَاءَ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَرْبِ وَإِنْ شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ.

(فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) عَنْ نَاقَتِهِ (قَامَ فِي النَّاسِ: فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَحْتِيَّةٍ بِزِنَةِ لِحَافٍ أَيِ الْخَيْطَ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْخَائِطِ وَأَعُدُّ الْخُيُوطَ الْمَعْرُوفَةَ وَإِنِ احْتَمَلَ الْخِيَاطُ الْإِبْرَةَ لَكِنْ يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ: (وَالْمِخْيَطَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ فَإِنَّهُ الْإِبْرَةُ بِلَا خِلَافٍ، وَهَذَا خَرَجَ عَلَى التَّقْلِيلِ لِيَكُونَ مَا فَوْقَهُ أَوْلَى بِالدُّخُولِ فِي مَعْنَاهُ (فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ) شَيْءٌ يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْنٌ أَوْ سُبَّةٌ فِي الدُّنْيَا (وَنَارٌ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَشَنَارٌ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ فَأَلِفٍ فَرَاءٍ أَقْبَحُ الْعَيْبِ وَالْعَارِ (عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الشَّنَارُ لَفْظَةٌ جَامِعَةٌ لِمَعْنَى النَّارِ وَالْعَارِ وَمَعْنَاهَا الشَّيْنُ وَالنَّارُ يُرِيدُ أَنَّ الْغُلُولَ شَيْنٌ وَعَارٌ وَمَنْقَصَةٌ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابٌ وَنَارٌ فِي الْآخِرَةِ.

(قَالَ: ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنَ الْأَرْضِ وَبَرَةً) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ شَعْرَةً (مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا) شَكَّ الرَّاوِي، وَلِلنَّسَائِيِّ:" ثُمَّ مَالَ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَأَخَذَ مِنْهَا وَبَرَةً فَوَضَعَهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ "(ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ) الْوَبَرَةِ (إِلَّا الْخُمُسُ) فَإِنَّهُ لِي أَعْمَلُ فِيهِ بِرَأْيِي (وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) بِاجْتِهَادِي لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ مَقْسُومَةٌ عَلَى الْمُقَاتِلِينَ: الشَّرِيفُ وَالْمَشْرُوفُ وَالرَّفِيعُ وَالْوَضِيعُ وَالْغَنِيُّ

ص: 44

وَالْفَقِيرُ وَالسَّوَاءُ، لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلِاجْتِهَادِ بِالِاتِّفَاقِ الْمُتَلَقَّى لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي سَهْمِ الْفَارِسِ كَمَا تَقَدَّمَ.

زَادَ النَّسَائِيُّ: " «فَقَامَ رَجُلٌ وَمَعَهُ كُبَّةُ شَعْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذْتُ هَذِهِ لِأُصْلِحَ بِهَا بَرْدَعَةً، فَقَالَ: أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكَ، فَقَالَ: أَمَّا إِذَا بَلَغَتْ مَا أَرَى فَلَا أَرَبَ لِي فِيهَا وَنَبَذَهَا» " وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ شَيْبَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَسَيْفُهُ مُلَطَّخٌ دَمًا فَقَالَ: دُونَكِي هَذِهِ الْإِبْرَةَ تَخِيطِينَ بِهَا ثِيَابَكِي فَدَفَعَهَا إِلَيْهَا فَسَمِعَ الْمُنَادِيَ يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَلْيَرُدُّهُ حَتَّى الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ فَرَجَعَ عَقِيلٌ فَأَخَذَهَا فَأَلْقَاهَا فِي الْغَنَائِمِ.

ص: 45

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ قَالَ «تُوُفِّيَ رَجُلٌ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُودَ مَا تُسَاوِينَ دِرْهَمَيْنِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

995 -

979 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ (أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِيَحْيَى وَهُوَ غَلَطٌ سَقَطَ عَنْهُ شَيْخُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَفِي التَّقْرِيبِ أَبُو عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ صَوَابُهُ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ الْبُخَارِيُّ يُقَالُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثُمَّ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ انْتَهَى.

وَأَبُوهُ أَبُو عَمْرَةَ صَحَابِيٌّ شَهِيدٌ بَدْرِيٌّ اسْمُهُ بَشِيرٌ وَقِيلَ أُسَامَةُ وَقِيلَ ثَعْلَبَةُ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ، فَعُلِمَ أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ وَمُصْعَبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ (الْجُهَنِيَّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ الْمَدَنِيَّ الصَّحَابِيَّ الْمَشْهُورَ مَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً.

(قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ) لَمْ يُسَمَّ (يَوْمَ خَيْبَرَ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَآخِرُهُ رَاءٌ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ إِلَّا يَحْيَى فَقَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ وَالصَّحِيحُ خَيْبَرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مِنْ خَرَزِ يَهُودَ وَلَمْ يَكُنْ بِحُنَيْنٍ يَهُودُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَكَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مِنْ خَرَزِ يَهُودَ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَهُودُ يُؤْخَذُ خَرَزُهُمْ وَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ (فَزَعَمَ زَيْدٌ) أَيْ قَالَ حَقًّا كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" زَعَمَ جِبْرِيلُ " وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْكَذِبِ وَمِنْهُ: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: 7](سُورَةُ التَّغَابُنِ: الْآيَةُ 7) وَعَلَى قَوْلٍ لَمْ يُوثَقْ بِهِ كَقَوْلِهِ: كَذَا زَعَمُوا خَيْرُ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمَا هُنَا مِنَ الْأَوَّلِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُصَلِّي عَلَى ذِي كَبِيرَةٍ (فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ)

ص: 45

أَيْ عَدَمِ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا ذَنْبَهُ ( «فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) خَانَ فِي الْغَنِيمَةِ (قَالَ) زَيْدٌ (فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ) جَمْعُ خَرَزَةٍ بِزِنَةِ قَصَبٍ وَقَصَبَةٍ مَا يُنْظَمُ (يَهُودَ مَا يُسَاوِينَ) وَفِي رِوَايَةٍ مَا تُسَاوِي (دِرْهَمَيْنِ) فَفِي هَذَا تَعْظِيمُ أَمْرِ الْغُلُولِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ.

ص: 46

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْكِنَانِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ يَدْعُو لَهُمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنْ الْقَبَائِلِ قَالَ وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْدَعَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ جَزْعٍ غُلُولًا فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

996 -

980 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْكِنَانِيِّ) قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ عَنِ اسْمِ أَبِي بُرْدَةَ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ (أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ) جَمْعُ قَبِيلَةٍ الْجَمَاعَةُ الْمُجْتَمِعُونَ مِنْ قَوْمٍ شَتَّى (يَدْعُو لَهُمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنَ الْقَبَائِلِ) بِغَيْرِ دُعَاءٍ (قَالَ: وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْدَعَةِ) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَمُعْجَمَةٍ حِلْسٌ يُجْعَلُ تَحْتَ الرَّحْلِ هَذَا أَصْلُهُ لُغَةً وَفِي عُرْفِ زَمَانِنَا هِيَ لِلْحِمَارِ بِمَنْزِلَةِ السِّرَاجِ لِلْفَرَسِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هِيَ الْفِرَاشُ الْمُبَطَّنُ (رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي قِلَادَةٌ (جَزْعٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ خَرَزٌ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ الْوَاحِدَةُ جَزْعَةٌ مِثْلُ تَمْرٍ وَتَمْرَةٍ (غُلُولًا) خِيَانَةً (فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ زَجْرٌ لَهُمْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْمَوْتَى الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ الْمَوَاعِظَ وَلَا يَمْتَثِلُونَ الْأَوَامِرَ وَلَا يَجْتَنِبُونَ النَّوَاهِيَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتَى الَّذِينَ انْقَطَعَ عَمَلُهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يُقْضَى لَهُمْ بِتَوْبَةٍ انْتَهَى، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو عُمَرَ، وَقَالَ: أَعْلَمُ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ مُسْنَدًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.

ص: 46

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ سَالِمٍ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا إِلَّا الْأَمْوَالَ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ قَالَ فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غُلَامًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى وَادِي الْقُرَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

997 -

981 - (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ) بِمُثَلَّثَةٍ (بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ الْمَدَنِيِّ

ص: 46

(عَنْ أَبِي الْغَيْثِ) بِمُعْجَمَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ فَمُثَلَّثَةٍ (سَالِمٍ) الْمَدَنِيِّ وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ مِنِ اسْمِهِ وَقَدْ سُمِّيَ هُنَا فَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ قَالَ لَا يُوقَفُ عَلَى اسْمِهِ صَحِيحًا، نَعَمْ لَا يُعْرَفُ اسْمُ أَبِيهِ (مَوْلَى) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ مُطِيعٍ) بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ لَهُ رُؤْيَةٌ وَأَمَّرَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ قُتِلَ مَعَهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ) بِمُعْجَمَةٍ آخِرُهُ رَاءٌ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ يَحْيَى وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لِجَمَاعَةِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَغَلَطَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى فَقَالَ " حُنَيْنٍ " نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.

وَحَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ أَنَّ ثَوْرَ بْنَ زَيْدٍ وَهِمَ فِي قَوْلِهِ: خَرَجْنَا؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَخْرُجْ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ وَإِنَّمَا قَدِمَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ خَيْبَرَ بَعْدَ أَنْ فُتِحَتْ، يَعْنِي كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:" قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ وَقَدِ اسْتَخْلَفَ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ " الْحَدِيثَ وَفِيهِ: " فَزَوَّدْنَا شَيْئًا حَتَّى أَتَيْنَا خَيْبَرَ وَقَدِ افْتَتَحَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْرَكُونَا فِي سِهَامِهِمْ» " وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ «عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ بِلَفْظِ: " انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى وَادِي الْقُرَى» " فَلَعَلَّ ثَوْرًا وَهِمَ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَزَعَمَ أَنَّ رِوَايَتَهُ أَرْجَحُ لَا تُسْمَعُ، فَأَيْنَ يَقَعُ سَمَاعُهُ مِنْ سَمَاعِ مَالِكٍ حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَيْهِ؟ وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ فِي مُسْلِمٍ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ إِلَى وَادِي الْقُرَى» " فَلَعَلَّ هَذَا أَصْلُ الْحَدِيثِ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَضَرَ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ (فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا) وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَا فِضَّةً (إِلَّا الْأَمْوَالَ: الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ) كَذَا لِيَحْيَى وَحْدَهُ، وَلِلشَّافِعِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِمْ: إِلَّا الْأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ الْمَحْفُوظُ.

وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ: إِلَّا الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ وَالْأَمْوَالَ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: " حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ الدِّيلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً إِنَّمَا غَنِمْنَا الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي وَهِيَ سَالِمَةٌ مِنَ الِاعْتِرَاضِ بِحَمْلِ قَوْلِهِ افْتَتَحْنَا أَيِ الْمُسْلِمُونَ، وَلَهُ نَظَائِرُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَجَوَّزَ أَبُو إِسْحَاقَ مَعَ جَلَالَتِهِ إِسْنَادَهُ بِسَمَاعِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَضَى بِأَنَّهَا خَيْبَرُ لَا حُنَيْنٌ، وَرَفَعَ الْإِشْكَالَ قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ وَهِيَ دَوْسٌ لَا تُسَمِّي الْعَيْنَ مَالًا وَإِنَّمَا الْأَمْوَالُ عِنْدَهُمُ الثِّيَابُ وَالْمَتَاعُ وَالْعَرُوضُ وَعِنْدَ غَيْرِهِمُ الْمَالُ الصَّامِتُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ لَا يُسَمَّى مَالًا.

وَقَدْ نَقَلَ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَنِ الْمُفَضَّلِ الضَّبِّيِّ قَالَ: الْمَالُ عِنْدَ الْعَرَبِ الصَّامِتُ وَالنَّاطِقُ، الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْجَوْهَرُ، وَالنَّاطِقُ الْبَعِيرُ وَالْبَقَرُ وَالشَّاةُ، فَإِذَا قُلْتَ عَنْ حَضَرِيٍّ كَثُرَ مَالُهُ فَالْمُرَادُ الصَّامِتُ،

ص: 47

وَإِنْ قُلْتَ عَنْ بَدَوِيٍّ فَالْمُرَادُ النَّاطِقُ انْتَهَى.

وَقَدْ أَطْلَقَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْبُسْتَانِ مَالًا كَمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ، فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَالَ مَا لَهُ قِيمَةٌ، لَكِنْ قَدْ يَغْلِبُ عَلَى قَوْمٍ تَخْصِيصُهُ بِشَيْءٍ كَمَا حَكَاهُ الْمُفَضَّلُ، فَتُحْمَلُ الْأَمْوَالُ عَلَى الْمَوَاشِي وَالْحَوَائِطِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا يُرَادُ بِهَا النُّقُودُ لِأَنَّهُ نَفَاهَا أَوَّلًا، ثُمَّ لَا تَخَالُفَ بَيْنَ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْرَكُونَا فِي سِهَامِهِمْ، وَبَيْنَ قَوْلِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: وَلَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الْفَتْحَ غَيْرُنَا يَعْنِي الْأَشْعَرِيِّينَ لِأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِرْضَاءِ أَحَدٍ مِنَ الْغَانِمِينَ.

وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ فَلَمْ يُعْطِهِمْ إِلَّا عَنْ طِيبِ خَوَاطِرِ الْمُسْلِمِينَ.

(قَالَ: فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ) أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكٍ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ بِلَفْظِ جَمْعِ الضِّبِّ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: وَهَبَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُذَامَ يُدْعَى رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ.

وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ الْجُذَامِيِّ ثُمَّ الضُّبَنِيِّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا نُونٌ وَقِيلَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ نِسْبَةً إِلَى بَطْنٍ مِنْ جُذَامَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ رِفَاعَةُ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي نَاسٍ مِنْ قَوْمِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى خَيْبَرَ فَأَسْلَمُوا وَعَقَدَ لَهُ عَلَى قَوْمِهِ (غُلَامًا) عَبْدًا (أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْعَيْنَ الْمُهْمَلَتَيْنِ صَحَابِيٌّ رضي الله عنه (فَوَجَّهَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (رَسُولُ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْفَزَارِيِّ: ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم إِلَى وَادِي الْقُرَى) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَقْصُورٌ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ (حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا) بِالْمِيمِ بِلَا فَاءٍ (مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ: وَقَدِ اسْتَقْبَلَتْنَا يَهُودُ بِالرَّمْيِ وَلَمْ نَكُنْ عَلَى تَعْبِيَةٍ (إِذْ جَاءَهُ) أَيْ مِدْعَمًا (سَهْمٌ عَائِرٌ) بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَهَمْزَةٍ فَرَاءٍ بِزِنَةِ الْفَاعِلِ أَيْ لَا يُدْرَى مَنْ رَمَى بِهِ، وَقِيلَ هُوَ الْحَائِدُ عَنْ قَصْدِهِ (فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ) وَفِي رِوَايَةِ الْفَزَارِيِّ: الشَّهَادَةُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلَّا) رَدْعٌ لَهُمْ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ) كِسَاءٌ يُشْتَمَلُ بِهِ وَيُلْتَفُّ فِيهِ، وَقِيلَ إِنَّمَا تُسَمَّى شَمْلَةً إِذَا كَانَ لَهَا هُدْبٌ (الَّتِي أَخَذَهَا) ، وَفِي رِوَايَةٍ أَصَابَهَا (يَوْمَ خَيْبَرَ) بِمُعْجَمَةٍ أَوَّلُهُ وَرَاءٍ بِلَا نَقْطٍ آخِرُهُ عَلَى الصَّوَابِ (مِنَ الْغَنَائِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ) بِزِنَةِ تَفْتَعِلُ عِنْدَ ابْنِ وَضَّاحٍ وَلِابْنِ يَحْيَى لَتُشْعَلُ

ص: 48

بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (عَلَيْهِ نَارًا) قَالَ الْحَافِظُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَقِيقَةً بِأَنْ تَصِيرَ الشَّمْلَةُ فَيُعَذَّبَ بِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا سَبَبٌ لِعَذَابِ النَّارِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الشِّرَاكِ الْآتِي.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " «كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: هُوَ فِي النَّارِ فِي عَبَاءَةٍ غَلَّهَا» " وَكَلَامُ عِيَاضٍ يُشْعِرُ بِاتِّحَادِ قِصَّتِهِ مَعَ قِصَّةِ مِدْعَمٍ، وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ تَغَايُرُهُمَا، فَإِنَّ قِصَّةَ مِدْعَمٍ كَانَتْ بِوَادِي الْقُرَى وَمَاتَ بِسَهْمٍ وَغَلَّ شَمْلَةً، وَالَّذِي أَهْدَاهُ رِفَاعَةُ بِخِلَافِ كِرْكِرَةَ فَأَهْدَاهُ هَوْزَةُ بْنُ عَلِيَّ وَكَانَ نُوبِيًّا أَسْوَدَ يُمْسِكُ دَابَّتَهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْقِتَالِ فَأَعْتَقَهُ أَيْ وَغَلَّ عَبَاءَةً وَلَمْ يَمُتْ بِسَهْمٍ بَلْ ذَكَرَ الْبَلَاذُرِيُّ أَنَّهُ مَاتَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم فَافْتَرَقَا.

نَعَمْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ: " «لَمَّا كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ قَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: كَلَّا إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ» " فَهَذَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُهُ بِكِرْكِرَةَ بِفَتْحِ الْكَافَيْنِ وَبِكَسْرِهِمَا قَالَهُ عِيَاضٌ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي كَافِهِ الْأُولَى.

أَمَّا الثَّانِيَةُ فَمَكْسُورَةٌ اتِّفَاقًا.

وَقَوْلُهُ: هُوَ فِي النَّارِ أَيْ يُعَذَّبُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.

(قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ (بِشِرَاكٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَخِفَّةِ الرَّاءِ سَيْرُ النَّعْلِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ (أَوْ شِرَاكَيْنِ) شَكَّ الرَّاوِي (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْفَزَارِيِّ (فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ) تُعَذَّبُ بِهَا أَوْ سَبَبٌ لِعَذَابِ النَّارِ، وَالشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي وَفِيهِ تَعْظِيمُ الْغُلُولِ وَإِنْ قَلَّ.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ ثَوْرٍ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي نَازِلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِنَحْوِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكٍ ثَلَاثَةٌ.

ص: 49

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبُ وَلَا فَشَا الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا كَثُرَ فِيهِمْ الْمَوْتُ وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمْ الرِّزْقُ وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الدَّمُ وَلَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

998 -

982 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُمَرَ مُتَّصِلًا (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ) مَوْقُوفًا وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ رَأْيًا، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِنَحْوِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِدُونِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ (مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ) الْخِيَانَةُ فِي الْغَنِيمَةِ (فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أَلْقَى فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) بِالضَّمِّ الْخَوْفُ مُعَامَلَةً بِالنَّقِيضِ فَإِنَّ الْمَالَ يُقَوِّي

ص: 49

الْقَلْبَ فَلَمَّا أَخَذُوهُ بِغَيْرِ حِلٍّ خَافُوا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: مِنْ عَدُوِّهِمْ فَجَبُنُوا عَنْ لِقَائِهِمْ فَظَهَرَ الْعَدُوُّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ لَا يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ غَلَّ دُونَ مَنْ لَمْ يَغُلَّ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّغْيِيرِ وَلَمْ يَفْعَلُوا وَلَمْ تُنْكِرْهُ قُلُوبُهُمْ، قَالَ تَعَالَى:{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} [هود: 116](سُورَةُ هُودٍ: الْآيَةُ 116) وَقَالَ تَعَالَى: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165](سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 165)(وَلَا فَشَا) ظَهَرَ وَانْتَشَرَ (الزِّنَى فِي قَوْمٍ قَطُّ) وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَى فَاعِلِهِ (إِلَّا كَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ) كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ( «وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمُ الرِّزْقُ» ) أَيِ الْبَرَكَةُ فِيهِ أَوْ ضُيِّقَ عَلَيْهِمْ لَا أَصْلُ الرِّزْقِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا وَنَحْوِهِ كَحَدِيثِ: " «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» " وَبَيْنَ أَحَادِيثَ: " «إِنَّ الرِّزْقَ لَا تُزِيدُهُ الطَّاعَةُ وَلَا تُنْقِصُهُ الْمَعْصِيَةُ» ".

(وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ) عَنْ عَمْدٍ أَوْ جَهْلٍ (إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الدَّمُ) وَلِابْنِ مَاجَهْ مَرْفُوعًا «وَلَا حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الْفَقْرُ» " وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا.

(وَلَا خَتَرَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَرَاءٍ بِلَا نَقْطٍ غَدَرَ (قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ) جَزَاءً لِمَا اجْتَرَحُوا مِنْ نَقْضِ الْعَهْدِ الْمَأْمُورِ بِالْوَفَاءِ بِهِ

ص: 50

[بَاب الشُّهَدَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ» فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ ثَلَاثًا أَشْهَدُ بِاللَّهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

14 -

بَابُ الشُّهَدَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

999 -

983 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) بِمُلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ قَالَهُ عِيَاضٌ (لَوَدِدْتُ) بِلَامٍ مَفْتُوحَةٍ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِغَيْرِ لَامٍ وَكَسْرِ الدَّالِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ (أَنِّي أُقَاتِلُ) بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا (فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ) وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ أُقْتَلُ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بَدَلُ الْفَاءِ، قَالَ

ص: 50

الطِّيبِيُّ: ثُمَّ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى تَرَاخِي الزَّمَانِ لَكِنَّ الْحَمْلَ عَلَى تَرَاخِي الرُّتْبَةِ هُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ التَّمَنِّيَ حُصُولُ دَرَجَاتٍ بَعْدَ الْقَتْلِ وَالْإِحْيَاءِ لَمْ يَحْصُلْ قَبْلُ، وَمِنْ ثَمَّ كَرَّرَهَا لِنَيْلِ مَرْتَبَةٍ بَعْدَ مَرْتَبَةٍ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى.

(فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ ثَلَاثًا أَشْهَدُ بِاللَّهِ) أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ، وَفَائِدَةُ التَّأْكِيدِ لِتَطْمَئِنَّ نَفْسُ سَامِعِهِ إِلَيْهِ وَلَا يَشُكَّ فِيمَا حَدَّثَهُ بِهِ وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، وَيَأْتِي مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ زِيَادَةٌ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ، وَاسْتُشْكِلَ هَذَا التَّمَنِّي مِنْهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، وَأَجَابَ ابْنُ التِّينِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67](سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 67) وَرَدَّ بِأَنَّ نُزُولَهَا كَانَ فِي أَوَائِلِ مَا قَدِمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرَّحَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ بِسَمَاعِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي أَوَائِلِ سَنَةِ سَبْعٍ، وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ تَمَنِّيَ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" «وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَبَرَ» " وَلَهُ نَظَائِرُ فَكَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي بَيَانِ فَضْلِ الْجِهَادِ وَتَحْرِيضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَهَذَا أَشْبَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَجَوَازِ قَوْلِهِ: وَدِدْتُ حُصُولَ كَذَا مِنَ الْخَيْرِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِأَنَّ فِيهِ إِظْهَارَ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ وَالرَّغْبَةِ فِيهِ، وَالْأَجْرُ يَقَعُ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ وَتَمَنِّي مَا يَمْتَنِعُ عَادَةً وَفِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذْ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَعْيَانِ مَا تَخَلَّفَ عَنْهُ أَحَدٌ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْخِطَابَ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَادِرِ، أَمَّا الْعَاجِزُ فَمَعْذُورٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 95) وَأَدِلَّةُ كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّمَنِّي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.

ص: 51

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُقَاتِلُ فَيُسْتَشْهَدُ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1000 -

984 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّلَقِّي بِالثَّوَابِ وَالْإِنْعَامِ وَالْإِكْرَامِ، أَوِ الْمُرَادُ تَضْحَكُ مَلَائِكَتُهُ وَخَزَنَةُ جَنَّتِهِ أَوْ حَمَلَةُ عَرْشِهِ وَذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا غَيْرُ مَعْهُودٍ انْتَهَى.

وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: إِنَّ اللَّهَ لَيَعْجَبُ مِنْ رَجُلَيْنِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الضَّحِكُ الَّذِي يَعْتَرِي الْبَشَرَ ثُمَّ مَا يَسْتَخِفُّهُمُ الْفَرَحُ أَوِ الطَّرَبُ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِهَذَا الصَّنِيعِ الَّذِي يَحِلُّ مَحَلَّ الْإِعْجَابِ عِنْدَ الْبَشَرِ فَإِذَا رَأَوْهُ وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ رِضَى اللَّهِ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا وَقَبُولِهِ لِلْأَجْرِ وَمُجَازَاتِهِمَا عَلَى

ص: 51

صَنِيعِهِمَا بِالْجَنَّةِ مَعَ اخْتِلَافِ حَالَيْهِمَا، وَتَأَوَّلَ الْبُخَارِيُّ الضَّحِكَ عَلَى مَعْنَى الرَّحْمَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ وَتَأْوِيلُهُ عَلَى مَعْنًى أَقْرَبَ، فَإِنَّ الضَّحِكَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى وَالْقَبُولِ وَالْكِرَامُ يُوصَفُونَ عِنْدَمَا يَسْأَلُهُمُ السَّائِلُ بِالْبِشْرِ وَحُسْنِ اللِّقَاءِ فَيَكُونُ مَعْنَى يَضْحَكُ اللَّهُ يُجْزِلُ الْعَطَاءَ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ يُعْجِبُ مَلَائِكَتَهُ وَيُضْحِكُهُمْ مِنْ صَنِيعِهِمَا وَهَذَا مَجَازٌ يَكْثُرُ مِثْلُهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَانَ أَكْثَرُ السَّلَفِ يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَأْوِيلِهِ وَيَرْوُونَهُ كَمَا جَاءَ.

وَيَنْبَغِي أَنَّ يُرَاعَى فِي مِثْلِ هَذَا الْإِمْرَارِ اعْتِقَادُ أَنْ لَا تُشْبِهَ صِفَاتُ اللَّهِ صِفَاتِ الْخَلْقِ، وَمَعْنَى الْإِمْرَارِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُرَادِ مِنْهُ مَعَ اعْتِقَادِ التَّنْزِيهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِقْبَالُ بِالرِّضَى تَعْدِيَتُهُ بِإِلَى تَقُولُ ضَحِكَ فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ طَلْقَ الْوَجْهِ مُظْهِرًا لِلرِّضَى عَنْهُ.

(يَقْتُلُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالُوا كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ) بِضَمِّ الْيَاءِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ فَيَقْتُلُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ) بِأَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ (فَيُقَاتِلُ) الْكُفَّارَ (فَيُسْتَشْهَدُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْقَاتِلَ الْأَوَّلَ كَانَ كَافِرًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مَا اسْتَنْبَطَهُ الْبُخَارِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ:" «ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْآخَرِ فَيَهْدِيهِ إِلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُسْتَشْهَدُ» " وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «قِيلَ كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَكُونُ أَحَدُهُمَا كَافِرًا فَيَقْتُلُ الْآخَرَ ثُمَّ يُسْلِمُ فَيَغْزُو فَيُقْتَلُ» " وَلَكِنْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَيْضًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: " ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ " كَمَا لَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ ثُمَّ تَابَ الْقَاتِلُ وَاسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ دُخُولَ مِثْلِ هَذَا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ قَاتِلَ الْمُسْلِمِ عَمْدًا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَابْنِ عَبَّاسٍ أَخْذًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 93) رَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ صلى الله عليه وسلم وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا: " «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا أَوِ الرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمَّدًا» " لَكِنْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ ذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ التَّشْدِيدَ وَالتَّغْلِيظَ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَجَمِيعُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَصَحَّحُوا تَوْبَةَ الْقَاتِلِ كَغَيْرِهِ وَقَالُوا: الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ لِتَظَاهُرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ عُصَاةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَدُومُ عَذَابُهُمْ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ.

ص: 52

- (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) بِقُدْرَتِهِ أَوْ فِي مُلْكِهِ (لَا يُكْلَمُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَيْ يُجْرَحُ (أَحَدٌ) مُسْلِمٌ كَمَا قُيِّدَ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل أَيِ الْجِهَادِ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى مُؤَكِّدَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَعْنَى الْمُعْتَرَضِ فِيهِ وَتَفْخِيمِ شَأْنِ مَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} [آل عمران: 36](سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 93) أَيْ بِالشَّيْءِ الَّذِي وَضَعَتْ وَمَا عَلَقَ بِهِ مِنْ عَظَائِمِ الْأُمُورِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَتْمِيمًا لِلصِّيَانَةِ عَنِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَتَنْبِيهًا عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْغَزْوِ، وَأَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَخْلَصَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.

(إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ فَمُوَحَّدَةٍ (دَمًا) أَيْ يَجْرِي مُتَفَجِّرًا أَيْ كَثِيرًا (اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ) أَيْ كَرِيحِهِ إِذْ لَيْسَ هُوَ مِسْكًا حَقِيقَةً بِخِلَافِ لَوْنِ الدَّمِ فَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ لِأَنَّهُ دَمٌ حَقِيقَةً فَلَيْسَ لَهُ مِنْ أَحْكَامِ الدِّمَاءِ وَصِفَاتِهَا إِلَّا اللَّوْنُ فَقَطْ.

قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ كَذَلِكَ لِيَكُونَ مَعَهُ شَاهِدُ فَضِيلَتِهِ بِبَذْلِهِ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى مَنْ ظَلَمَهُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ أَوْ تَبْرَأَ جِرَاحَتُهُ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا مَاتَ صَاحِبُهُ بِهِ قَبْلَ انْدِمَالِهِ لَا مَا انْدَمَلَ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ أَثَرَ الْجِرَاحَةِ وَسَيَلَانَ الدَّمِ يَزُولُ، وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ أَنَّ لَهُ فَضْلًا فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الَّذِي يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا كَذَلِكَ.

وَيُؤَيِّدُهُ مَا لِابْنِ حِبَّانَ عَنْ مُعَاذٍ: " عَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ " وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ جُرِحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ نُكِبَ نَكْبَةً فَإِنَّهَا تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغْزَرِ مَا كَانَتْ لَوْنُهَا الزَّعْفَرَانُ وَرِيحُهَا الْمِسْكُ» " قَالَ: وَعُرِفَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالشَّهِيدِ بَلْ تَحْصُلُ لِكُلِّ مَنْ جُرِحَ انْتَهَى.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالُوا وَهَذَا الْفَضْلُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ جُرِحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَفِي إِقَامَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» " لَكِنْ تَوَقَّفَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي دُخُولِ مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ فِي هَذَا الْفَضْلِ لِإِشَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى اعْتِبَارِ الْإِخْلَاصِ بِقَوْلِهِ: " وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ " وَالْمُقَاتِلُ دُونَ مَالِهِ لَا يَقْصِدُ وَجْهَ اللَّهِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ

ص: 53

صَوْنَ مَالِهِ وَحِفْظَهُ فَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِدَاعِيَةِ الطَّبْعِ لَا بِدَاعِيَةِ الشَّرْعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ شَهِيدًا أَنْ يَكُونَ دَمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَرِيحِ الْمِسْكِ رَأَى بَذْلَ نَفْسِهِ فِيهِ لِلَّهِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ هَذَا الْفَضْلَ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ.

ص: 54

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَتْلِي بِيَدِ رَجُلٍ صَلَّى لَكَ سَجْدَةً وَاحِدَةً يُحَاجُّنِي بِهَا عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1002 -

986 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَتْلِي بِيَدِ رَجُلٍ صَلَّى لَكَ سَجْدَةً وَاحِدَةً يُحَاجُّنِي) يُجَادِلُنِي (بِهَا عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرَادَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُهُ مُخَلَّدًا فِي النَّارِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا مَنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلَّهِ سَجْدَةً وَلَمْ يَعْمَلْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْإِيمَانِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فَجَعَلَ قَتْلَهُ بِالْمَدِينَةِ بِيَدٍ فَيْرُوزَ النَّصْرَانِيِّ أَوِ الْمَجُوسِيِّ أَبِي لُؤْلُؤَةَ عَبْدِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ الصَّحَابِيِّ.

ص: 54

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَمْ فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَمَرَ بِهِ فَنُودِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ قُلْتَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَعَمْ إِلَّا الدَّيْنَ كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1003 -

987 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا نِسْبَةً إِلَى الْمَقْبَرَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفُ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَالْجُمْهُورِيُّ، وَرَوَاهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى وَالْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ لَمْ يَذْكُرَا يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ فَيُمْكِنُ أَنَّ مَالِكًا سَمِعَهُ مِنْ يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدٍ، وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ انْتَهَى.

أَيْ بِلَا وَاسِطَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ فَأَثْبَتَ الْوَاسِطَةَ وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَ بِهِ بِالْوَجْهَيْنِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ (عَنْ أَبِيهِ) الصَّحَابِيِّ فَارِسِ الْمُصْطَفَى (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَقَامَ رَجُلٌ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْجِهَادِ حَالَ كَوْنِي (صَابِرًا مُحْتَسِبًا) أَيْ مُخْلِصًا (مُقْبِلًا) عَلَى الْقِتَالِ وَزَادَ (غَيْرَ مُدْبِرٍ) لِبَيَانِ كَوْنِ الْإِقْبَالِ فِي جَمِيعِ

ص: 54

الْأَحْوَالِ إِذْ قَدْ يُقْبِلُ مَرَّةً وَيُدْبِرُ أُخْرَى فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُقْبِلٌ (أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ) يُكَفِّرُ (فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ نَادَاهُ) دَعَاهُ (رَسُولُ اللَّهِ) بِنَفْسِهِ (أَوْ أَمَرَ بِهِ فَنُودِيَ لَهُ) شَكَّ الرَّاوِي (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَخْبِرْنِي (كَيْفَ قُلْتَ؟ فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ) الْمَذْكُورَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ إِلَّا الدَّيْنَ

) بِفَتْحِ الدَّالِ فَلَا يُكَفِّرُهُ إِلَّا عَفْوُ صَاحِبِهِ أَوِ اسْتِيفَاؤُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ الْخَطَايَا تُكَفَّرُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَعَ الِاحْتِسَابِ وَالنِّيَّةِ فِي الْعَمَلِ، وَأَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ الْمَقْبُولَةَ لَا تُكَفِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ إِلَّا مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ، فَأَمَّا التَّبِعَاتُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْقِصَاصِ.

قَالَ: وَهَذَا فِي دَيْنٍ تَرَكَ لَهُ وَفَاءً وَلَمْ يُوصِ بِهِ أَوْ قَدَرَ عَلَى الْأَدَاءِ فَلَمْ يُؤَدِّ أَوْ أَنَّهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ أَوْ سَرَفٍ وَمَاتَ وَلَمْ يُوَفِّهِ، أَمَّا مَنْ أَدَانَ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ لِفَاقَةٍ وَعُسْرٍ وَمَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَلَا يُحْبَسُ عَنِ الْجَنَّةِ لِأَنَّ عَلَى السُّلْطَانِ فَرْضًا أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ دَيْنَهُ مِنَ الصَّدَقَاتِ أَوْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ أَوِ الْفَيْءِ.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ تَشْدِيدَهُ صلى الله عليه وسلم فِي الدَّيْنِ كَانَ قَبْلَ الْفُتُوحِ انْتَهَى.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى جَمِيعِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَإِنَّ الْجِهَادَ وَالشَّهَادَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لَا تُكَفِّرُ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَإِنَّمَا تُكَفِّرُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ الْحَافِظُ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُكَفِّرُ التَّبِعَاتِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ، وَلَيْسَ لِلشَّهَادَةِ مَعْنًى إِلَّا أَنْ يُثْبِتَ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ ثَوَابًا مَخْصُوصًا وَيُكْرِمَهُ كَرَامَةً زَائِدَةً، وَقَدْ بَيَّنَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ مَا عَدَا التَّبِعَاتِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ كَفَّرَتِ الشَّهَادَةُ سَيِّئَاتِهِ غَيْرَ التَّبِعَاتِ وَنَفَعَهُ عَمَلُهُ الصَّالِحُ فِي مُوَازَنَةِ مَا عَلَيْهِ مِنَ التَّبِعَاتِ وَيَبْقَى لَهُ دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ خَالِصَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ فَهُوَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ لَا تُكَفَّرُ لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْمُشَاحَّةِ وَالتَّضْيِيقِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ خَطِيئَةٌ، وَهُوَ مَا اسْتَدَانَهُ صَاحِبُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ بِأَنْ أَخَذَهُ بِحِيلَةٍ أَوْ غَصَبَهُ فَثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ الْبَدَلُ أَوْ أَدَانَ غَيْرَ عَازِمٍ عَلَى الْوَفَاءِ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنَ الْخَطَايَا، وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجِنْسِ وَيَكُونَ الدَّيْنُ الْمَأْذُونُ فِيهِ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ، فَلَا يَلْزَمُ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِ لِمَا يَلْطُفُ اللَّهُ بِعَبْدِهِ مِنِ اسْتِيهَابِهِ لَهُ وَتَعْوِيضِ صَاحِبِهِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ مَاتَ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنِ الْوَفَاءِ وَلَوْ وَجَدَ وَفَاءً وَفَّى؟ قُلْتُ: إِنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي لَزِمَ ذِمَّتَهُ إِنَّمَا لَزِمَهَا بِطَرِيقٍ لَا يَجُوزُ تَعَاطِي مِثْلِهِ كَغَصْبٍ أَوْ إِتْلَافٍ مَقْصُودٍ فَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِوُصُولِهِ إِلَى مَنْ وَجَبَ لَهُ أَوْ بِإِبْرَائِهِ مِنْهُ وَلَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ، وَإِنَّمَا تَنْفَعُ التَّوْبَةُ فِي الْأُخْرَوِيَّةِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِمُخَالَفَتِهِ إِلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ لَزِمَهُ بِطْرِيقٍ سَائِغٍ وَهُوَ عَازِمٌ

ص: 55

عَلَى الْوَفَاءِ وَلَمْ يَقْدِرْ فَهَذَا لَيْسَ بِصَاحِبِ ذَنْبٍ حَتَّى يَتُوبَ عَنْهُ وَيُرْجَى لَهُ الْخَيْرُ فِي الْعُقْبَى مَا دَامَ عَلَى هَذَا الْحَالِ انْتَهَى، وَهُوَ نَفِيسٌ، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى مَعْنَاهُ أَبُو عُمَرَ كَمَا رَأَيْتُهُ.

(كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي عُمَرَ: " إِلَّا الدَّيْنَ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ كَمَا زَعَمَ جِبْرِيلُ " أَيْ قَالَ مِنْ إِطْلَاقِ الزَّعْمِ عَلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنَ الْوَحْيِ مَا يُتْلَى وَمَا لَا يُتْلَى وَمَا هُوَ قُرْآنٌ وَمَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34](سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 34) أَنَّ الْقُرْآنَ الْآيَاتُ وَالْحِكْمَةَ السُّنَّةُ وَكُلٌّ مِنَ اللَّهِ، إِلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ فَإِنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى انْتَهَى.

وَفِي الطَّبَرَانِيِّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ: " «الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا إِلَّا الْأَمَانَةَ وَالْأَمَانَةَ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَمَانَةَ فِي الصَّوْمِ وَالْأَمَانَةَ فِي الْحَدِيثِ وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ» " وَهَذَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ الْبَابِ الظَّاهِرِ فِي أَنَّهُ يُكَفِّرُ جَمِيعَ حُقُوقِ اللَّهِ وَمِنْهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ إِلَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقُ اسْتِشْهَادٍ.

وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ مُقَيَّدٌ بِأَنَّهُ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ.

ص: 56

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ هَؤُلَاءِ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَلَسْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ بِإِخْوَانِهِمْ أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَلَى وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ بَكَى ثُمَّ قَالَ أَئِنَّا لَكَائِنُونَ بَعْدَكَ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1004 -

988 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ (أَنَّهُ بَلَغَهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مُرْسَلٌ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ لَكِنَّ مَعْنَاهُ يَسْتَنِدُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ كَثِيرَةٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ) أَيْ لِأَجْلِهِمْ وَفِي شَأْنِهِمْ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مَقْتُولِينَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَهُمْ سَبْعُونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَأَنَسٌ فِي الصَّحِيحِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسِتَّةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ وَهُوَ الْمُؤَيَّدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران: 165](سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 165) اتَّفَقَ عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ أَهْلُ أُحُدٍ، وَأَنَّ إِصَابَتَهُمْ مِثْلَيْهَا يَوْمَ بَدْرٍ بِقَتْلِ سَبْعِينَ وَأَسْرِ سَبْعِينَ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِمْ إِنْ ثَبَتَتْ فَإِنَّمَا نَشَأَتْ مِنَ الْخِلَافِ فِي تَفْصِيلِهِمْ وَلَيْسَتْ زِيَادَةً حَقِيقَةً.

(هَؤُلَاءِ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) بِمَا فَعَلُوهُ مِنْ بَذْلِ أَجْسَامِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ وَتَرْكِ مَنْ لَهُ الْأَوْلَادُ أَوْلَادَهُ كَأَبِي جَابِرٍ تَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ طَيِّبَةً بِذَلِكَ قُلُوبُهُمْ فَرِحِينَ مُسْتَبْشِرِينَ بِوَعْدِ خَالِقِهِمْ حَتَّى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ كَأَنَسِ بْنِ النَّضْرِ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حِينَ خَرَجَ:

ص: 56

اللَّهُمَّ لَا تَرُدَّنِي إِلَى أَهْلِي كَعَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَلَّفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِكِبَرِ سِنِّهِ فَخَرَجَ رَجَاءَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْيَمَانُ وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَحُذِفَ الْمَشْهُودُ بِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ أَشْهَدُ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الذُّنُوبِ الْمُوبِقَاتِ وَمِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالْمُنَافَسَةِ فِي الدُّنْيَا وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى.

فَجَعَلَ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ.

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: أَشْهَدُ مِنَ الشَّهَادَةِ وَهِيَ وِلَايَةٌ وَقِيَادَةٌ فَوُصِلَتْ بِحَرْفِ عَلَى لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ وَعَلَيْهِ.

وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ لَكِنْ لَمَّا كَانَ صلى الله عليه وسلم كَالرَّقِيبِ الْمُؤْتَمَنِ عَلَى أُمَّتِهِ عُدِّيَ بِعَلَى ( «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: أَلَسْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ بِإِخْوَانِهِمْ أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا؟» ) فَلِمَ خُصَّ هَؤُلَاءِ بِشَهَادَتِكَ عَلَيْهِمْ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَلَى) أَنْتُمْ إِخْوَانُهُمْ. . . إِلَخْ، (وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي) فَلِذَا خَصَّصْتُهُمْ بِالشَّهَادَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ هُوَ لَا " أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ " (فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ بَكَى) كَرَّرَهُ لِمَزِيدِ أَسَفِهِ عَلَى فِرَاقِ الْمُصْطَفَى (ثُمَّ قَالَ: أَئِنَّا لَكَائِنُونَ) أَيْ مَوْجُودُونَ (بَعْدَكَ) اسْتِفْهَامُ تَأَسُّفٍ لَا حَقِيقِيٍّ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِمَّنْ خَلَّفَهُمْ بَعْدَهُ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَصَابَ الدُّنْيَا بَعْدَهُ وَأَصَابَتْ مِنْهُ، أَمَّا الْخُصُوصُ وَالتَّعْيِينُ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ.

ص: 57

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا وَقَبْرٌ يُحْفَرُ بِالْمَدِينَةِ فَاطَّلَعَ رَجُلٌ فِي الْقَبْرِ فَقَالَ بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِئْسَ مَا قُلْتَ فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرَدْتُ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا مِثْلَ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا مِنْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَعْنِي الْمَدِينَةَ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1005 -

989 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا وَقَبْرٌ يُحْفَرُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ لِمَيِّتٍ (بِالْمَدِينَةِ) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ فِي الْمَدِينَةِ (فَاطَّلَعَ) نَظَرَ (رَجُلٌ فِي الْقَبْرِ فَقَالَ: بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ مَوْضِعُ الضُّجُوعِ جَمْعُهُ مَضَاجِعُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِئْسَ مَا قُلْتَ) لِأَنَّ الْقَبْرَ لِلْمُؤْمِنِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ (فَقَالَ الرَّجُلُ: لَمْ أُرِدْ هَذَا) أَيْ ذَمَّ الْقَبْرِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرَدْتُ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْجِهَادِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا مِثْلَ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فِي الثَّوَابِ وَالْفَضْلِ وَلَكِنَّ الدَّفْنَ بِالْمَدِينَةِ مَزِيدُ الْفَضْلِ (مَا عَلَى الْأَرْضِ

ص: 57

بُقْعَةٌ) بِضَمِّ الْبَاءِ فِي الْأَكْثَرِ فَيُجْمَعُ عَلَى بُقَعٍ كَغُرْفَةٍ وَتُفْتَحُ فَتُجْمَعُ عَلَى بِقَاعٍ مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ أَيْ قِطْعَةٌ (مِنَ الْأَرْضِ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا مِنْهَا) أَيِ الْمَدِينَةِ قَالَ ذَلِكَ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) لِلتَّأْكِيدِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا أَحَدُ الْأَدِلَّةِ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ، وَكَذَا أَثَرُ عُمَرَ الَّذِي يَلِيهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَحْفَظُهُ مُسْنَدًا وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ مَوْجُودٌ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ اهـ.

وَفِيهِ حُضُورُهُ صلى الله عليه وسلم الْجَنَائِزَ وَحَفْرَ الْقَبْرِ وَالدَّفْنَ لِلْمَوْعِظَةِ وَالِاعْتِبَارِ وَرِقَّةِ الْقَلْبِ لِيُتَأَسَّى بِهِ فِيهِ وَيَكُونَ سُنَّةً بَعْدَهُ، وَأَنَّ الْكَلَامَ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيُحْمَدُ عَلَى حُسْنِهِ وَيُلَامُ عَلَى ضِدِّهِ حَتَّى يُعْلَمَ مُرَادُ قَائِلِهِ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ دُونَ ظَاهِرِهِ.

ص: 58

[بَاب مَا تَكُونُ فِيهِ الشَّهَادَةُ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَوَفَاةً بِبَلَدِ رَسُولِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

15 -

بَابُ مَا تَكُونُ فِيهِ الشَّهَادَةُ

1006 -

990 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) فِيهِ انْقِطَاعٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ) وَفِي الْبُخَارِيِّ: " ارْزُقْنِي "(شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ) فَاسْتُجِيبَ لَهُ فَقَتَلَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ فَيْرُوزُ النَّصْرَانِيُّ عَبْدُ الْمُغِيرَةِ بْنُ شُعْبَةَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَحَصَلَ لَهُ ثَوَابُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا.

(وَوَفَاةً بِبَلَدِ رَسُولِكَ) فَتُوفِّيَ بِهَا مِنْ ضَرْبَةِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ فِي خَاصِرَتِهِ وَدُفِنَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي طَلَبِهِ الْمَوْتَ بِهَا إِظْهَارٌ لِمَحَبَّتِهِ إِيَّاهَا أَعْلَى مِنْ مَكَّةَ وَعُمَرُ مِنَ الْقَائِلِينَ بِفَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ.

وَرَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ قَالَتْ: " سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ قَتْلًا فِي سَبِيلِكَ وَوَفَاةً فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ، قَالَتْ فَقُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ هَذَا؟ قَالَ يَأْتِي اللَّهُ بِهِ إِذَا شَاءَ " وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: " إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِأَمْرِهِ إِنْ شَاءَ ".

ص: 58

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ وَدِينُهُ حَسَبُهُ وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ وَالْجُرْأَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ شَاءَ فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّا لَا يَئُوبُ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنْ الْحُتُوفِ وَالشَّهِيدُ مَنْ احْتَسَبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1007 -

991 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي

ص: 58

السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ فَائِدٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ (قَالَ: كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ) أَيْ فَضْلُهُ إِنَّمَا هُوَ بِالتَّقْوَى قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13](سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: الْآيَةُ 13) وَفِي الْمَرْفُوعِ: " «كَرَمُ الْمَرْءِ دِينُهُ» أَيْ بِهِ يَشْرُفُ وَيَكْرُمُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا قَوْلًا وَفِعْلًا " وَالْكَرَمُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَالْمَنْفَعَةِ لَا مَا فِي الْعُرْفِ مِنَ الْإِنْفَاقِ وَالْبَذْلِ سَرَفًا وَفَخْرًا.

(وَدِينُهُ حَسَبُهُ) أَيْ شَرَفُهُ انْتِسَابُهُ إِلَى الدِّينِ لَا إِلَى الْآبَاءِ، وَفِي الْمَرْفُوعِ:" وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ " بِالضَّمِّ أَيْ لَيْسَ شَرَفُهُ بِشَرَفِ آبَائِهِ بَلْ بِمَحَاسِنِ أَخْلَاقِهِ.

وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَرَادَ أَنَّ الْحَسَبَ يَحْصُلُ لِلرَّجُلِ بِكَرَمِ أَخْلَاقِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ وَإِذَا كَانَ حَسِيبَ الْآبَاءِ فَهُوَ أَكْرَمُ لَهُ.

(وَمُرُوءَتُهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَبِالْهَمْزِ (خُلُقُهُ) بِضَمَّتَيْنِ أَيْ إِنَّ الْمُرُوءَةَ الَّتِي يُحْمَدُ النَّاسُ عَلَيْهَا وَيُوصَفُونَ بِأَنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ إِنَّمَا هِيَ مَعَانٍ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَخْلَاقِ مِنَ الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَالْجُودِ وَالْإِيثَارِ.

قَالَ الْعَلَائِيُّ: حَاصِلُ الْمُرُوءَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لَكِنَّهَا إِذَا كَانَتْ غَرِيزَةٌ تُسَمَّى مُرُوءَةً، وَقِيلَ الْمُرُوءَةُ إِنْصَافُ مَنْ دُونَكَ، وَالسُّمُوُّ إِلَى مَنْ فَوْقِكَ، وَالْجَزَاءُ عَمَّا أُوتِيَ إِلَيْكَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.

وَفِي الْمَرْفُوعِ: " وَمُرُوءَتُهُ عَقْلُهُ " أَيْ لِأَنَّ بِهِ يَتَمَيَّزُ عَنِ الْحَيَوَانَاتِ وَيَعْقِلُ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ وَيَكُفُّهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا الرَّدِيَّةِ وَطِبَاعِهَا الدَّنِيَّةِ وَيُؤَدِّي إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنَ الْحَقِّ وَالْخَلْقِ.

(وَالْجُرْأَةُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ بِوَزْنِ الْجُرْعَةِ الْهُجُومُ وَالْإِسْرَاعُ بِغَيْرِ تَوَقُّفٍ

(وَالْجُبْنُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ ضَعْفٌ لِلْقَلْبِ (غَرَائِزُ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ فِرَاءٍ آخِرُهُ زَايٌ مَنْقُوطَةٌ جَمْعُ غَرِيزَةٍ أَيْ طَبَائِعُ لَا تُكْتَسَبُ، وَجَمْعٌ إِمَّا لِأَنَّ الْجَمْعَ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ (يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ شَاءَ) مِنْ خَلْقِهِ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى عَنْ مَعْدِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْمُوَطَّأِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى هُنَا، وَمَعْدِيٌّ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الشَّاذَكُونِيُّ: كَانَ مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ وَكَانَ يُعَدُّ مِنَ الْأَبْدَالِ، وَصَحَّحَهُ لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ بِهَذَا السَّنَدِ:" «الْحَسَبُ الْمَالُ وَالْكَرَمُ التَّقْوَى» ".

وَرَوَى بَعْضُهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَتُعُقِّبَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفْعُهُ: " «كَرَمُ الْمُؤْمِنِ دِينُهُ وَمُرُوءَتُهُ وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ» "( «فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ» ) لِأَنَّهُ لِجُبْنِهِ لَا يَسْتَطِيعُ الدَّفْعَ عَنْهُمَا فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمَا ( «وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّا لَا يَئُوبُ» ) يَرْجِعُ (بِهِ إِلَى رَحْلِهِ) لِأَنَّ قِتَالَهُ بِمَحْضِ الْهُجُومِ وَالسُّرْعَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِنَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِ.

( «وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنَ الْحُتُوفِ» ) أَيْ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَوْتِ كَالْمَوْتِ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَلِأَنْ يَمُوتَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ مَوْتِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَرْتَاعَ مِنْهُ وَلَا يَهَابَ هَيْبَةً تُوَرِّثُ الْجُبْنَ.

قَالَ الشَّاعِرُ:

ص: 59

فِي الْجُبْنِ عَارٌ وَفِي الْإِقْدَامِ مَكْرُمَةٌ

وَالْمَرْءُ بِالْجُبْنِ لَا يَنْجُو مِنَ الْقَدَرِ

( «وَالشَّهِيدُ مَنِ احْتَسَبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ» ) أَيْ رَضِيَ بِالْقَتْلِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ رَجَاءَ ثَوَابِهِ تَعَالَى.

ص: 60

[بَاب الْعَمَلِ فِي غَسْلِ الشَّهِيدِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَكَانَ شَهِيدًا يَرْحَمُهُ اللَّهُ.

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ الشُّهَدَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَإِنَّهُمْ يُدْفَنُونَ فِي الثِّيَابِ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا قَالَ مَالِكٌ وَتِلْكَ السُّنَّةُ فِيمَنْ قُتِلَ فِي الْمُعْتَرَكِ فَلَمْ يُدْرَكْ حَتَّى مَاتَ قَالَ وَأَمَّا مَنْ حُمِلَ مِنْهُمْ فَعَاشَ مَا شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا عُمِلَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

16 -

بَابُ الْعَمَلِ فِي غَسْلِ الشُّهَدَاءِ

1008 -

992 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْمُصَلِّي عَلَيْهِ إِمَامًا صُهَيْبٌ رضي الله عنهما.

(وَكَانَ شَهِيدًا يَرْحَمُهُ اللَّهُ) بِيَدِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ لَعَنَهُ اللَّهُ.

- (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: الشُّهَدَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ فِي الثِّيَابِ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا) لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا» " وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاتِهِ عَلَيْهِمْ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ فَالْمُرَادُ دُعَاؤُهُ لَهُمْ كَدُعَائِهِ لِلْمَيِّتِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتُلِفَ فِي صَلَاتِهِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ أَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِثِيَابِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا.

(قَالَ مَالِكٌ: وَتِلْكَ السُّنَّةُ فِيمَنْ قُتِلَ فِي الْمُعْتَرَكِ فَلَمْ يُدْرَكْ حَتَّى مَاتَ، قَالَ: وَأَمَّا مَنْ حُمِلَ مِنْهُمْ فَعَاشَ مَا شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا عُمِلَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه) جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ

ص: 60

عُمَرَ عَاشَ بَعْدَ الْجِرَاحَةِ وَتَكَلَّمَ وَصَلَّى وَأَوْصَى وَجَعَلَ الْخِلَافَةَ شُورَى وَقُبِضَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

ص: 61

[بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ الشَّيْءِ يُجْعَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ بَعِيرٍ يَحْمِلُ الرَّجُلَ إِلَى الشَّامِ عَلَى بَعِيرٍ وَيَحْمِلُ الرَّجُلَيْنِ إِلَى الْعِرَاقِ عَلَى بَعِيرٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ احْمِلْنِي وَسُحَيْمًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَسُحَيْمٌ زِقٌّ قَالَ لَهُ نَعَمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

17 -

بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الشَّيْءِ يُجْعَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

1010 -

993 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ بَعِيرٍ يَحْمِلُ الرَّجُلَ) الْوَاحِدَ (إِلَى الشَّامِ عَلَى بَعِيرٍ) لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ بِهَا وَأَنَّهَا أَكْثَرُ الْجِهَاتِ جِهَادًا وَرِبَاطًا (وَيَحْمِلُ الرَّجُلَيْنِ إِلَى الْعِرَاقِ عَلَى بَعِيرٍ) لِقِلَّةِ الْعَدُوِّ (فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ احْمِلْنِي وَسُحَيْمًا) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْشُدُكَ) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ نَشَدْتُكَ (اللَّهَ أَسُحَيْمٌ زِقٌّ؟ قَالَ نَعَمْ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَرَادَ الرَّجُلُ التَّحَيُّلَ عَلَى عُمَرَ لِيُوهِمَهُ أَنَّ لَهُ رَفِيقًا يُسَمَّى سُحَيْمًا فَيَدْفَعَ إِلَيْهِ مَا يَحْمِلُ رَجُلَيْنِ فَيَنْفَرِدَ هُوَ بِهِ، وَكَانَ عُمَرُ يُصِيبُ الْمَعْنَى بِظَنِّهِ فَلَا يَكَادُ يُخْطِئُهُ فَسَبَقَ إِلَى ظَنِّهِ أَنَّ سُحَيْمًا الَّذِي ذُكِرَ هُوَ الزِّقُّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: زِقٌّ كَانَ فِي رَحْلِهِ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِنْ ذَكَائِهِ وَفِطْنَتِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: " «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي مُحَدِّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فَعُمَرُ» انْتَهَى.

وَفِي الصَّحَاحِ غَيْرُهُ مِنْ جُمْلَةِ مَعَانِي السُّحَيْمِ زِقُّ الْخَمْرِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا تَرْجَمَ يَحْيَى وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى هَذَا الْأَثَرِ، وَتَرْجَمَ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ بُكَيْرٍ مَا يُكْرَهُ مِنَ الرَّجْعَةِ فِي الشَّيْءِ يُجْعَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَذَكَرَا حَدِيثَ عُمَرَ فِي الْفَرَسِ الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ السَّابِقَيْنِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ثُمَّ ذَكَرَا أَثَرَ عُمَرَ هَذَا.

ص: 61

[بَاب التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءٍ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ وَجَلَسَتْ تَفْلِي فِي رَأْسِهِ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ يَشُكُّ إِسْحَقُ قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُضْحِكُكَ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ قَالَ فَرَكِبَتْ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

18 -

بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ

يَعْنِي زِيَادَةً عَلَى مَا سَبَقَ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ مَرَّتْ بِلَفْظِهَا أَوَّلَ كِتَابِ الْجِهَادِ لَكِنَّ أَحَادِيثَهُمَا مُتَغَايِرَةٌ فَلَا تَكْرَارَ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ جَعْلُ جَمِيعِ الْأَحَادِيثِ تَرْجَمَةً وَاحِدَةً.

ص: 61

1011 -

994 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ) عَمِّهِ (أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْمَدِّ وَالصَّرْفِ مُذَكَّرٌ وَبِالْقَصْرِ وَالتَّأْنِيثِ وَمَنْعِ الصَّرْفِ (يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ) بِحَاءٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ (بِنْتِ مِلْحَانَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَمُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَنُونٍ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْأَنْصَارِيَّةِ خَالَةِ أَنَسٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ أَقِفْ لَهَا عَلَى اسْمٍ صَحِيحٍ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَيُقَالُ إِنَّهَا الرُّمَيْصَا بِالرَّاءِ وَالْغُمَيْصَا بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَلَا يَصِحُّ، بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ لِأُخْتِهَا أُمِّ سُلَيْمٍ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَدِيثَيْنِ لِأَنَسٍ وَجَابِرٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ.

(فَتُطْعِمُهُ) مِمَّا فِي بَيْتِهَا مِنَ الطَّعَامِ (وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) أَيْ كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ حِينَئِذٍ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ هَذَا ظَاهِرُهُ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ التَّصْرِيحُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُبَادَةَ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ وَجَمَعَ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهَا كَانَتْ إِذْ ذَاكَ زَوْجَتُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْحَافِظُ يَحْمِلُ رِوَايَةَ إِسْحَاقَ عَلَى أَنَّهَا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ أَرَادَ وَصْفَهَا بِهِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَظَهَرَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْدُ وَهَذَا أَوْلَى لِاتِّفَاقِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي طُوَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَلَى أَنَّ عُبَادَةَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ ظَاهِرُ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي طُوَالَةَ عَنْ أَنَسٍ:" «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بِنْتِ مِلْحَانَ» " وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فَقَالَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ أُمِّ حَرَامٍ وَهُوَ الْمُعْتَمِدُ وَكَأَنَّ أَنَسًا لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ فَحَمَلَهُ عَنْ خَالَتِهِ (فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَطْعَمَتْهُ) لَمْ يُوقَفْ عَلَى تَعْيِينِ مَا أَكَلَ عِنْدَهَا يَوْمَئِذٍ (وَجَلَسَتْ تَفْلِي) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ مِنْ فَلَى يَفْلِي كَضَرَبَ يَضْرِبُ أَيْ تُفَتِّشُ (فِي) شَعْرِ (رَأْسِهِ) لِإِخْرَاجِ الْهَوَامِّ أَوْ لِلتَّنْظِيفِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ فِيهِ قَمْلٌ وَلَا يُؤْذِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَصْلًا وَإِنَّمَا تُفَلِّي ثَوْبَهُ لِلتَّنْظِيفِ مِنْ نَحْوِ الْغُبَارِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيُمَكِّنُهَا مِنَ التَّفْلِيَةِ لِأَنَّهَا ذَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّهَا خَالَةُ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّ أُمَّهُ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كَانَتْ إِحْدَى خَالَاتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَهِيَ مَحْرَمٌ لَهُ، عَلَى أَنَّهُ مَعْصُومٌ لَيْسَ كَغَيْرِهِ، وَلَا يُقَاسُ بِهِ سِوَاهُ انْتَهَى.

وَحَكَى النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا

ص: 62

مَحْرَمٌ، وَصَحَّحَ الْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ أَنْ لَا مَحْرَمِيَّةَ بَيْنَهُمَا فِي جُزْءٍ أَفْرَدَهُ لِذَلِكَ وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَلْوَةِ بِهَا، فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ مَعَ وَلَدٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ خَادِمٍ أَوْ تَابِعٍ، وَالْعَادَةُ تَقْضِي الْمُحَافَظَةَ بَيْنَ الْمَخْدُومِ وَأَهْلِ الْخَادِمِ لَا سِيَّمَا إِذَا كُنَّ مُسِنَّاتٍ مَعَ مَا ثَبَتَ لَهُ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعِصْمَةِ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَإِلَيْهِ أَوْمَأَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّةِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم جَوَازُ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا لِمَكَانِ عِصْمَتِهِ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، قَالَ: وَثُبُوتُ الْعِصْمَةِ مُسَلَّمٌ لَكِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ (فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا) أَيْ فِي يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ بِالْقَافِ أَيْ نَامَ وَقْتَ الْقَائِلَةِ (ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ) سُرُورًا بِكَوْنِ أُمَّتِهِ تَبْقَى بَعْدَهُ مُظْهِرَةً أُمُورَ الْإِسْلَامِ قَائِمَةً بِالْجِهَادِ حَتَّى فِي الْبَحْرِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ.

(قَالَتْ) أُمُّ حَرَامٍ (فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ؟) بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ ( «قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ» ) بِشَدِّ الْيَاءِ حَالَ كَوْنِهِمْ ( «غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ» ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ (هَذَا) بِمَعْنَى ذَلِكَ (الْبَحْرِ) أَيْ وَسَطَهُ أَوْ مُعْظَمَهُ أَوْ هُوَ لَهُ أَقْوَالٌ، وَلِمُسْلِمٍ: يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ أَيِ السُّفُنَ الَّتِي تَجْرِي عَلَى ظَهْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ غَالِبُ جَرْيِهَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي وَسَطِهِ قِيلَ الْمُرَادُ وَسَطُهُ وَإِلَّا فَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالرُّكُوبِ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ الْأَخْضَرِ فَقِيلَ الْمُرَادُ الْأَسْوَدُ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْأَخْضَرُ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِلْبَحْرِ لَا مُخَصِّصَةٌ إِذْ كُلُّ الْبِحَارِ خُضْرٌ، فَإِنْ قِيلَ الْمَاءُ بَسِيطٌ لَا لَوْنَ لَهُ، قُلْتُ تُتَوَهَّمُ الْخُضْرَةُ مِنِ انْعِكَاسِ الْهَوَاءِ وَسَائِرِ مُقَابَلَاتِهِ إِلَيْهِ (مُلُوكًا) نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ مِثْلَ مُلُوكٍ كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَالٌ ثَانِيَةٌ مِنْ نَاسٍ بِالتَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ (عَلَى الْأَسِرَّةِ) جَمْعُ سَرِيرٍ كَسُرُرٍ بِضَمَّتَيْنِ (أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ - يَشُكُّ) بِالْمُضَارِعِ (إِسْحَاقُ -) شَيْخُ مَالِكٍ فِي اللَّفْظِ الَّذِي قَالَهُ أَنَسٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: رَأَى صلى الله عليه وسلم صِفَتَهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الصافات: 44](سُورَةُ الصَّافَّاتِ: الْآيَةُ 44) وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ صِفَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا أَيْ أَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ مَرَاكِبَ الْمُلُوكِ لِسِعَةِ مَالِهِمْ وَاسْتِقَامَةِ أَمْرِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَالْإِتْيَانُ بِالتَّمْثِيلِ فِي مُعْظَمِ طُرُقِ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ لَا أَنَّهُمْ نَالُوا ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ مَوْضِعُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي أُثِيبُوا بِهِ عَلَى جِهَادِهِمْ مِثْلُ مُلُوكِ الدُّنْيَا عَلَى أَسِرَّتِهِمْ، وَالتَّشْبِيهُ بِالْمَحْسُوسِ أَبْلَغُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ.

(قَالَتْ) أُمُّ حَرَامٍ (فَقُلْتُ) زَادَ ابْنُ وَضَّاحٍ لَهُ ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا» ) وَاسْتُشْكِلَ

ص: 63

الدُّعَاءُ بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يُمَكِّنَ مِنْهُ كَافِرًا يَعْصِي اللَّهَ بِقَتْلِهِ فَيَقِلَّ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ وَتُسَرُّ قُلُوبُ الْكُفَّارِ، وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْفِقْهِ أَنْ لَا يَتَمَنَّى مَعْصِيَةَ اللَّهِ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ.

وَأَجَابَ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْمَدْعُوَّ بِهِ قَصْدًا إِنَّمَا هُوَ نَيْلُ الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الْمُعَدَّةِ لِلشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا قَتْلُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِلدَّاعِي وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْوُجُودِ لِأَنَّ اللَّهَ أَجْرَى حُكْمَهُ أَنْ لَا يَنَالَ تِلْكَ الدَّرَجَةَ إِلَّا شَهِيدٌ، فَاغْتُفِرْ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الْعُظْمَى مِنْ دَفْعِ الْكُفَّارِ وَإِذْلَالِهِمْ وَقَهْرِهِمْ بِقَصْدِ قَتْلِهِمْ حُصُولُ مَا يَقَعُ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنْ قَتْلِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَازَ تَمَنِّي الشَّهَادَةِ لِمَا بَذَلَ عَلَيْهِ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ فِي إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ حَتَّى بَذَلَ نَفْسَهُ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ.

وَقَوْلُ ابْنِ التِّينِ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَمَنِّي الشَّهَادَةِ إِنَّمَا فِيهِ تَمَنِّي الْغَزْوِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ الثَّمَرَةُ الْعُظْمَى الْمَطْلُوبَةُ فِي الْغَزْوِ.

(ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ) ثَانِيًا (فَنَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ) حَالَ كَوْنِهِ (يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْتُ) زَادَ ابْنُ وَضَّاحٍ لَهُ ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُضْحِكُكَ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) يَرْكَبُونَ الْبَرَّ (مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ) قَالَ ( «مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى» ) مِنْ تَشْبِيهِمْ بِالْمُلُوكِ، وَشَكَّ إِسْحَاقُ ( «قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ: أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ» ) الَّذِينَ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ الْبَحْرِ، زَادَ أَبُو عِوَانَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: وَلَسْتِ مِنَ الْآخِرِينَ.

وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْأُولَى «يَغْزُونَ هَذَا الْبَحْرَ» وَفِي الثَّانِيَةِ «يَغْزُونَ قَيْصَرَ» ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَةَ إِنَّمَا غَزَتْ فِي الْبَرِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ أَخْرَجَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أُمِّ حَرَامٍ «قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ: مِمَّ تَضْحَكُ؟ فَقَالَ: عُرِضَ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ» ، لَكِنَّ الْمَرْوِيَّ فِي الْبُخَارِيِّ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ.

(قَالَ) أَنَسٌ (فَرَكِبَتْ) أُمُّ حَرَامٍ (الْبَحْرَ) مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ (فِي زَمَانِ) غَزْوِ (مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَمِيرَ الْجَيْشِ مِنْ جِهَةِ عُثْمَانَ عَلَى غَزَاةِ قُبْرُسَ وَهِيَ أَوَّلُ غَزْوَةٍ كَانَتْ إِلَى الرُّومِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ السِّيَرِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ.

قَالَ الْبَاجِيُّ وَعِيَاضٌ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ.

( «فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ» ) أَيْ مَاتَتْ لَمَّا رَجَعُوا مِنَ الْغَزْوِ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةِ قِتَالٍ.

فَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ غَازِيًا

ص: 64

أَوَّلُ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ نَزَلُوا الشَّامَ فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ.

وَلَهُ أَيْضًا: فَلَمَّا قُرِّبَتْ لَهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَوَقَعَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا.

وَلِمُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» " وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ صُرِعَ عَنْ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ» " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَفِي حَدِيثِ أُمِّ حَرَامٍ أَنَّ حُكْمَ الرَّاجِعِ مِنَ الْغَزْوِ حُكْمُ الذَّاهِبِ إِلَيْهِ فِي الثَّوَابِ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أُمِّ حَرَامٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا: " «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا، قُلْتُ: أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَ: أَنْتِ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ، فَقُلْتُ: أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَ: لَا» " قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ مَنْقَبَةٌ لِمُعَاوِيَةَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ، وَلِابْنِهِ يَزِيدَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا مَدِينَةَ قَيْصَرَ وَهِيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ.

وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ وَابْنُ التِّينِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِهِ فِي ذَلِكَ الْعُمُومِ أَنْ لَا يَخْرُجَ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ، إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّ قَوْلَهُ مَغْفُورٌ لَهُمْ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْمَغْفِرَةِ حَتَّى لَوِ ارْتَدَّ وَاحِدٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعُمُومِ اتِّفَاقًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: مَغْفُورٌ لِمَنْ وُجِدَ شَرْطُ الْمَغْفِرَةِ فِيهِ مِنْهُمْ، وَاحْتِمَالُ أَنَّ يَزِيدَ لَمْ يَحْضُرْ مَعَ الْجَيْشِ مَرْدُودٌ إِلَّا أَنْ يُرَادَ: لَمْ يُبَاشِرِ الْقِتَالَ فَيُمْكِنُ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِيرًا عَلَى ذَلِكَ الْجَيْشِ اتِّفَاقًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَكَانَ فِيهِ أَبُو أَيُّوبَ فَمَاتَ فَدُفِنَ عِنْدَ بَابِ مَدِينَةِ قَيْصَرَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَفِيهِ جَوَازُ رُكُوبِ الْبَحْرِ الْمِلْحِ، وَذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَنَعَ مِنْهُ فَلَمَّا مَاتَ اسْتَأْذَنَ مُعَاوِيَةُ عُثْمَانَ فَأَذِنَ لَهُ فِي رُكُوبِهِ فَلَمْ يَزَلْ يُرْكَبُ إِلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَمَنَعَ مِنْ رُكُوبِهِ ثُمَّ رُكِبَ بَعْدَهُ إِلَى الْآنَ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَإِنَّمَا مَنَعَ الْعُمَرَانِ رُكُوبَهُ فِي التِّجَارَةِ وَطَلَبِ الدُّنْيَا أَمَّا فِي الْجِهَادِ وَالْحَجِّ فَلَا، وَقَدْ أَبَاحَتِ السُّنَّةُ رُكُوبَهُ لِلْجِهَادِ، فَالْحَجُّ الْمُفْتَرَضُ أَوْلَى.

قَالَ: وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يُجِيزُونَ رُكُوبَهُ فِي طَلَبِ الْحَلَالِ إِذَا تَعَذَّرَ الْبَرُّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي حُرْمَةِ رُكُوبِهِ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ رُكُوبَ النِّسَاءِ الْبَحْرَ لِمَا يُخْشَى مِنِ اطِّلَاعِهِنَّ عَلَى عَوْرَاتِ الرِّجَالِ وَعَكْسِهِ إِذْ يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْ ذَلِكَ، وَخَصَّهُ أَصْحَابُهُ بِالسُّفُنِ الصِّغَارِ، أَمَّا الْكِبَارُ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الِاسْتِتَارُ بِأَمَاكِنَ تَخُصُّهُمْ فَلَا حَرَجَ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْقَائِلَةِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْإِعَانَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَعَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِمَا سَيَقَعُ فَوَقَعَ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم وَفَضْلُ شَهِيدِ الْبَحْرِ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ: " «مَنْ لَمْ يُدْرِكِ الْغَزْوَ مَعِي فَلْيَغْزُ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّ غَزَاةً فِي الْبَحْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَزْوَتَيْنِ فِي الْبَرِّ» " الْحَدِيثَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَشَهِيدُ الْبَرِّ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ» " وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي الِاسْتِئْذَانِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 65

- (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» ) بِعَدَمِ طِيبِ نُفُوسِهِمْ بِالتَّخَلُّفِ عَنِّي وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى آلَةِ السَّفَرِ وَلَا لِي مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، فَالِاسْتِدْرَاكُ الْآتِي مُفَسِّرٌ لِلْمُرَادِ بِالْمَشَقَّةِ كَرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:" «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ (لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَتَخَلَّفُ عَنْ سَرِيَّةٍ) » قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تُبْعَثُ إِلَى الْعَدُوِّ (تَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْجِهَادِ ( «وَلَكِنِّي لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ» ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " وَلَكِنْ لَا أَجِدُ حَمُولَةً وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ " وَالْحَمُولَةُ، بِالْفَتْحِ: الْإِبِلُ الْكِبَارُ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا ( «وَلَا يَجِدُونَ مَا يَتَحَمَّلُونَ عَلَيْهِ فَيَخْرُجُونَ» ) مَعِي لِعَجْزِهِمْ عَنْ آلَةِ السَّفَرِ مِنْ مَرْكُوبٍ وَغَيْرِهِ.

وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «لَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلُهُمْ وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً فَيَتْبَعُونِي» "( «وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي» ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " وَيَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي " وَلِلطَّبَرَانِيِّ: " وَيَشُقُّ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ "(فَوَدِدْتُ) بِكَسْرِ الدَّالِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ: تَمَنَّيْتُ، وَسَبَقَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ:" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ "( «أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ» ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِي الْجَمِيعِ، وَتَمَنَّى ذَلِكَ حِرْصًا مِنْهُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ الشَّاكِرِينَ بَذْلًا لِنَفْسِهِ فِي مَرْضَاتِ رَبِّهِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ وَرَغْبَةً فِي الِازْدِيَادِ مِنَ الثَّوَابِ وَلِتَتَأَسَّى بِهِ أُمَّتُهُ.

قَالَ الْحَافِظُ: حُكْمُهُ: إِيرَادُ هَذِهِ عَقِبَ تِلْكَ إِرَادَةُ تَسْلِيَةِ الْخَارِجِينَ فِي الْجِهَادِ عَنْ مُرَافَقَتِهِ لَهُمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْوَجْهُ الَّذِي تَسِيرُونَ لَهُ فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ مَا أَتَمَنَّى لِأَجْلِهِ أَنْ أُقْتَلَ مَرَّاتٍ، فَمَهْمَا فَاتَكُمْ مِنْ مُرَافَقَتِي وَالْقُعُودِ مَعِي مِنَ الْفَضْلِ يَحْصُلُ لَكُمْ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ مِنْ فَضْلِ الْجِهَادِ فَرَاعَى خَوَاطِرَ الْجَمِيعِ.

وَقَدْ خَرَجَ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ الْمَغَازِيِ وَخَلَّفَ عَنْهُ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ حَيْثُ رَجُحَتْ مَصْلَحَةُ خُرُوجِهِ عَلَى مُرَاعَاةِ حَالِهِمْ، وَفِيهِ بَيَانُ شِدَّةِ شَفَقَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ بِهِمْ وَالْحَضُّ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ، وَجَوَازُ تَرْكِ بَعْضِ الْمَصَالِحِ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ أَوْ أَرْجَحَ، أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ وَالسَّعْيِ فِي إِزَالَةِ الْمَكْرُوهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ.

ص: 66

- (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (قَالَ: لَمَّا كَانَ) وُجِدَ (يَوْمُ أُحُدٍ) ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ وَقِيلَ يَجُوزُ تَأْنِيثُهُ عَلَى تَوَقُّعِ الْبُقْعَةِ فَيُمْنَعُ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ، جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ فَرْسَخٍ مِنْهَا لِأَنَّ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَبَيْنَ بَابِهَا الْمَعْرُوفِ بِبَابِ الْبَقِيعِ مِيلَانِ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ مِيلٍ تَزِيدُ يَسِيرًا (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ) بْنِ عَمْرِو النَّجَّارِيِّ أَحَدِ نُقَبَاءِ الْأَنْصَارِ شَهِدَ بَدْرًا وَآخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ: إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا فَأَمْسِكْ مَالِي وَلِي زَوْجَتَانِ فَأَيَّتَهُمَا أَحْبَبْتَ أُطَلِّقُهَا ثُمَّ تَتَزَوَّجُهَا، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ (الْأَنْصَارِيِّ) أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ رُمْحًا شَرْعَى إِلَيْهِ كَمَا عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ.

(فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ) آتِيكَ بِخَبَرِهِ (فَذَهَبَ الرَّجُلُ) هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْأَثِيرِ وَالْيَعْمَرِيُّ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ.

وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: " «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ لِطَلَبِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَقَالَ لِي: إِنْ رَأَيْتَهُ فَأَقْرِهِ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ تَجِدُكَ؟» " فَلَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ الثَّلَاثَةَ مُتَعَاقِبِينَ أَوْ دُفْعَةً وَاحِدَةً (يَطُوفُ) يَمْشِي (بَيْنَ الْقَتْلَى) زَادَ الْوَاقِدِيُّ: " فَنَادَى فِي الْقَتْلَى يَا سَعْدُ بْنَ الرَّبِيعِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ فَأَجَابَهُ بِصَوْتٍ ضَعِيفٍ "(فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: بَعَثَنِي إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِآتِيَهُ بِخَبَرِكَ) وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: " أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ "(قَالَ) أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ (فَاذْهَبْ إِلَيْهِ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ) وَزَادَ الْوَاقِدِيُّ: " وَقُلْ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ وَقُلْ لَهُ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ "(وَأَخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ طُعِنْتُ اثْنَتَيْ) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ ثِنْتَيْ (عَشْرَةَ طَعْنَةً) بِعَدَدِ الرِّمَاحِ الَّتِي رَآهَا صلى الله عليه وسلم شَرْعَى إِلَيْهِ.

وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: " فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ سَبْعُونَ طَعْنَةً مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ " وَلَا تَنَافِيَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَ) أَخْبِرْهُ (أَنِّي قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلِي) فَأَنَا فِي الْأَمْوَاتِ

ص: 67

(وَأَخْبِرْ قَوْمَكَ) وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ: " وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ "(إِنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ حَيٌّ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ: " ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَهُ " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: " هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَحْفَظُهُ وَلَا أَعْرِفُهُ مُسْنَدًا وَهُوَ مَحْفُوظٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَا يَشْهَدُ لِبَعْضِهِ.

ص: 68

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَغَّبَ فِي الْجِهَادِ وَذَكَرَ الْجَنَّةَ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْكُلُ تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ إِنِّي لَحَرِيصٌ عَلَى الدُّنْيَا إِنْ جَلَسْتُ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْهُنَّ فَرَمَى مَا فِي يَدِهِ فَحَمَلَ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1014 -

997 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) مُرْسَلٌ وَصَلَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ جَابِرٍ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَغَّبَ فِي الْجِهَادِ» ) يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» كَمَا عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ (وَذَكَرَ الْجَنَّةَ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ فَرَمَى بِالتَّمْرَةِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ» "(وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) هُوَ عُمَيْرٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ ابْنُ الْحُمَامِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ الْخَزْرَجِيُّ (يَأْكُلُ تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ: إِنِّي لَحَرِيصٌ عَلَى الدُّنْيَا إِنْ جَلَسْتُ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْهُنَّ) ؛ أَيْ: مِنْ أَكْلِ التَّمَرَاتِ (فَرَمَى مَا فِي يَدِهِ) مِنَ التَّمْرِ وَقَالَ: فَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ (فَحَمَلَ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ) الْقَوْمَ (حَتَّى قُتِلَ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ يَقُولُ:

رَكَضْنَا إِلَى اللَّهِ بِغَيْرِ زَادٍ

إِلَّا التُّقَى وَعَمَلَ الْمَعَادِ

وَالصَّبْرَ فِي اللَّهِ عَلَى الْجِهَادِ

وَكُلُّ زَادٍ عُرْرضَةُ النَّفَادِ

غَيْرَ التُّقَى وَالْبِرِّ وَالرَّشَادِ

وَقَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ الْعُقَيْلِيُّ.

قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَهُوَ أَوَّلُ قَتِيلٍ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَوَّلُهُمْ مِهْجَعٌ.

وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَوَّلُهُمْ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ، وَعِدَّةُ شُهَدَاءِ بَدْرٍ

ص: 68

أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا سِتَّةُ مُهَاجِرِينَ وَثَمَانِيَةُ أَنْصَارٍ بَيَّنْتُهُمْ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ.

ص: 69

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ الْغَزْوُ غَزْوَانِ فَغَزْوٌ تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ وَيُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ وَيُطَاعُ فِيهِ ذُو الْأَمْرِ وَيُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ فَذَلِكَ الْغَزْوُ خَيْرٌ كُلُّهُ وَغَزْوٌ لَا تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ وَلَا يُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ وَلَا يُطَاعُ فِيهِ ذُو الْأَمْرِ وَلَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ فَذَلِكَ الْغَزْوُ لَا يَرْجِعُ صَاحِبُهُ كَفَافًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1015 -

998 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ) مَوْقُوفًا، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ عَنْ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «الْغَزْوُ غَزْوَانِ» ) غَزْوٌ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَغَزْوٌ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي، فَاخْتَصَرَ الْكَلَامَ وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْغُزَاةِ وَعَدِّ أَصْنَافِهَا وَشَرْحِ حَالِهِمْ وَبَيَانِ أَحْكَامِهِمْ عَنْ ذِكْرِ الْقِسْمَيْنِ وَشَرْحِ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُفَصَّلًا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ.

(فَغَزْوٌ تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ) قَالَ الْبَاجِيُّ:؛ أَيْ: كَرَائِمُ الْمَالِ وَخِيَارُهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ:؛ أَيِ: النَّاقَةُ الْعَزِيزَةُ عَلَيْهِ الْمُخْتَارَةُ عِنْدَهُ، وَقَالَ الْبَوْنِيُّ:؛ أَيِ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ سُمِّيَتْ كَرِيمَةً لِأَنَّهَا كَرَمٌ عَنِ السُّؤَالِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ:؛ أَيْ: مَا يُكْرَمُ عَلَيْكَ مِنَ الْمَالِ مِمَّا يَقِيكَ بِهِ اللَّهُ شُحَّ نَفْسِكَ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:

وَقَدْ تُخْرِجُ الْحَاجَاتُ يَا أُمَّ مَالِكٍ

كَرَائِمَ مِنْ رَبٍّ بِهِنَّ ضَنِينُ

(وَيُيَاسَرُ) بِضَمِّ الْيَاءِ الْأُولَى (فِيهِ الشَّرِيكُ) ؛ أَيْ: يُؤْخَذُ بِالْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ مَعَ الرَّفِيقِ نَفْعًا بِالْمَعُونَةِ وَكِفَايَةً لِلْمُؤْنَةِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مُوَافَقَتَهُ فِي رَأْيِهِ مِمَّا يَكُونُ طَاعَةً وَمُتَابَعَتَهُ عَلَيْهِ وَقِلَّةَ مُشَاحَّتِهِ فِيمَا يُشَارِكُهُ فِيهِ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ عَمَلٍ (وَيُطَاعُ فِيهِ ذُو الْأَمْرِ) بِأَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً إِذْ لَا طَاعَةَ فِيهَا إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ.

(وَيُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ) بِأَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الْمَشْرُوعَ فِي نَحْوِ نَهْبٍ وَقَتْلٍ وَتَخْرِيبٍ (فَذَلِكَ الْغَزْوُ خَيْرٌ كُلُّهُ) أَيْ ذُو خَيْرٍ وَثَوَابٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ فَجَمِيعُ حَالَاتِهِ مِنْ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ وَنَوْمٍ وَيَقَظَةٍ جَالِبَةٌ لِلْخَيْرِ وَالثَّوَابِ؛ أَيْ: أَنَّ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ لَهُ أَجْرٌ، وَلَفْظُ الْمَرْفُوعِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فَأَمَّا مَنْ غَزَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَأَطَاعَ الْإِمَامَ وَأَنْفَقَ الْكَرِيمَةَ وَيَاسَرَ الشَّرِيكَ وَاجْتَنَبَ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّ نَوْمَهُ وَنَبْهَهُ أَجْرٌ كُلُّهُ.

(وَغَزْوٌ لَا يُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ وَلَا يُيَاسَرُ) بِضَمِّ الْيَاءِ الْأُولَى (فِيهِ الشَّرِيكُ وَلَا يُطَاعُ فِيهِ ذُو الْأَمْرِ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (وَلَا يُجْتَنَبُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِي الْأَرْبَعَةِ (فِيهِ الْفَسَادُ فَذَلِكَ الْغَزْوُ لَا يَرْجِعُ صَاحِبُهُ كَفَافًا) مِنْ كَفَافِ الشَّيْءِ وَهُوَ خِيَارُهُ أَوْ مِنَ الرِّزْقِ؛ أَيْ: لَا يَرْجِعُ بِخَيْرٍ أَوْ بِثَوَابٍ يُغْنِيهِ، أَوْ لَا يَعُودُ رَأْسًا بِرَأْسٍ بِحَيْثُ لَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ، بَلْ عَلَيْهِ الْوِزْرُ الْعَظِيمُ وَلَفْظُ

ص: 69

الْمَرْفُوعِ وَأَمَّا مَنْ غَزَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَعَصَى الْإِمَامَ وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَنْ يَرْجِعَ بِالْكَفَافِ.

ص: 70

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْخَيْلِ وَالْمُسَابَقَةِ بَيْنَهَا وَالنَّفَقَةِ فِي الْغَزْوِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

19 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخَيْلِ وَالْمُسَابَقَةِ بَيْنَهَا وَالنَّفَقَةِ فِي الْغَزْوِ

1016 -

999 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا» ) جَمْعُ نَاصِيَةٍ الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَنَّى بِالنَّوَاصِي عَنْ جَمِيعِ الْفَرَسِ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ مُبَارَكُ النَّاصِيَةِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاسْتَبْعَدَهُ الْحَافِظُ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:" «الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ» " وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: " «الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ» " قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَصَّ النَّاصِيَةَ لِكَوْنِهَا الْمُقَدَّمَ مِنْهَا إِشَارَةً إِلَى الْفَضْلِ فِي الْإِقْدَامِ بِهَا عَلَى الْعَدُوِّ دُونَ الْمُؤَخَّرِ لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى الْإِدْبَارِ.

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَرِيرٍ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسِهِ بِأُصْبُعِهِ وَيَقُولُ: الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا» ".

( «الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ) ؛ أَيْ: إِلَى قُرْبِهِ، أَعْلَمَ بِهِ أَنَّ الْجِهَادَ قَائِمٌ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، زَادَ الشَّيْخَانِ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ مَرْفُوعًا:" «الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ» " بِرَفْعِهِمَا بَدَلٌ مِنَ الْخَيْرِ أَوْ بِتَقْدِيرِ هُوَ الْأَجْرُ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «قَالُوا: بِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ» " وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ؛ أَيِ: الْخَيْلُ الْمُتَّخَذَةُ لِلْغَزْوِ بِأَنْ يُقَاتَلَ عَلَيْهَا أَوْ تُرْبَطَ لِلْغَزْوِ، وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا:«الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ» ، الْحَدِيثَ السَّابِقَ.

وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الْخَيْلِ؛ أَيْ: أَنَّهَا بِصَدَدِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا الْخَيْرُ، فَأَمَّا مَنِ ارْتَبَطَهَا لِعَمَلٍ صَالِحٍ فَالْوِزْرُ لِطَرَيَانِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْعَارِضِ.

وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: " «الْخَيْرُ مَعْقُودٌ» " وَلَيْسَ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِهِ، نَعَمْ لَفْظُ " «مَعْقُودٌ فِيهِمَا» " مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ وَجَرِيرٍ فِي مُسْلِمٍ، وَأَحْمَدَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي الطَّبَرَانِيِّ، وَأَبِي يَعْلَى وَجَابِرٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَعْنَاهُ مُلَازِمٌ لَهَا كَأَنَّهُ مَعْقُودٌ فِيهَا.

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيَجُوزُ أَنَّ الْخَيْرَ الْمُفَسَّرَ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ لِأَنَّ الْخَيْرَ لَيْسَ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ حَتَّى يُعْقَدَ عَلَى النَّاصِيَةِ، لَكِنْ شَبَّهَهُ لِظُهُورِهِ وَمُلَازَمَتِهِ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ مَعْقُودٍ يُجْعَلُ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ فَنَسَبَ الْخَيْرَ إِلَى لَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَذِكْرُ النَّاصِيَةِ تَجْرِيدٌ لِلِاسْتِعَارَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ يُدْخِلُونَ الْمَعْقُولَ فِي جِنْسِ الْمَحْسُوسِ وَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِمَا يُحْكَمُ عَلَى الْمَحْسُوسِ مُبَالَغَةً فِي اللُّزُومِ.

وَقَالَ عِيَاضٌ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ وَجِيزِ لَفْظِهِ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْعُذُوبَةِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الْحُسْنِ مَعَ الْجِنَاسِ السَّهْلِ الَّذِي بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْخَيْرِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَالَ

ص: 70

الَّذِي يُكْتَسَبُ بِاتِّخَاذِ الْخَيْلِ مِنْ خَيْرِ وُجُوهِ الْأَمْوَالِ وَأَطْيَبِهَا وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَالَ خَيْرًا.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَفْضِيلِ الْخَيْلِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ غَيْرِهَا مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ.

وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ: " «لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ النِّسَاءِ مِنَ الْخَيْلِ» ".

وَقَالَ عِيَاضٌ: إِذَا كَانَ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا شُؤْمٌ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ حَدِيثَ: " «إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ: الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ» " فِي غَيْرِ خَيْلِ الْجِهَادِ، وَأَنَّ الْمُعَدَّةَ لَهُ هِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِالْخَيْرِ، أَوْ يُقَالَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ فَسَّرَ الْخَيْرَ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ تِلْكَ الْفَرَسُ يُتَشَاءَمُ بِهَا، وَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَزِيدُ بَسْطٍ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ، حَيْثُ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ ثَمَّةَ، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.

ص: 71

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ مِمَّنْ سَابَقَ بِهَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1017 -

1000 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ» ) أَجْرَى بِنَفْسِهِ أَوْ أَمَرَ أَوْ أَبَاحَ (بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ بِأَنْ عُلِفَتْ حَتَّى سَمِنَتْ وَقَوِيَتْ ثُمَّ قُلِّلَ عَلَفُهَا بِقَدْرِ الْقُوتِ وَأُدْخِلَتْ بَيْتًا وَغُشِّيَتْ بِالْجِلَالِ حَتَّى حَمِيَتْ وَعَرِقَتْ فَإِذَا جَفَّ عَرَقُهَا خَفَّ لَحْمُهَا وَقَوِيَتْ عَلَى الْجَرْيِ (مِنَ الْحَفْيَاءِ) ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ فَتَحْتِيَّةٍ وَمَدٍّ، مَكَانٌ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَيَجُوزُ الْقَصْرُ، وَحَكَى الْحَازِمِيُّ تَقْدِيمَ التَّحْتِيَّةِ عَلَى الْفَاءِ وَحَكَى ضَمَّ أَوَّلِهِ وَخَطَّأَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ.

(وَكَانَ أَمَدُهَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ؛ أَيْ: غَايَتُهَا (ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنَ الْمَدِينَةِ يَمْشِي مَعَهُ الْمُوَدِّعُونَ إِلَيْهَا، قَالَ سُفْيَانُ: بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ اخْتِلَافٌ قَرِيبٌ، وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ.

( «وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ» ) بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ الثَّقِيلَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِسُكُونِ الضَّادِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ (مِنَ الثَّنِيَّةِ) الْمَذْكُورَةِ (إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ) بِضَمِّ الزَّايِ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فَقَافٍ، ابْنُ عَامِرٍ قَبِيلَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَإِضَافَةُ " مَسْجِدِ " إِلَيْهِمْ إِضَافَةُ تَمْيِيزٍ لَا مِلْكٍ، قَالَ سُفْيَانُ: وَبَيْنَهُمَا مِيلٌ، وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ.

(وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا) ؛ أَيْ: بِالْخَيْلِ أَوْ بِهَذِهِ الْمُسَابَقَةِ، وَهَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ

ص: 71

عَنْ نَفْسِهِ كَمَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ: الْعَبْدُ فَعَلَ كَذَا.

وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرِي.

وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرِي فَوَثَبَ بِي فَرَسٌ جِدَارًا.

وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: فَسَبَقْتُ النَّاسَ فَطَفَّفَ بِي الْفَرَسُ مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ؛ أَيْ: جَاوَزَ بِي الْمَسْجِدَ الَّذِي هُوَ الْغَايَةُ، وَأَصْلُ التَّطْفِيفِ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُسَابَقَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعَبَثِ بَلْ مِنَ الرِّيَاضَةِ الْمَحْمُودَةِ الْمُوصِلَةِ إِلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ فِي الْغَزْوِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الِاسْتِحْبَابِ وَالْإِبَاحَةِ بِحَسَبِ الْبَاعِثِ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ مَجَّانًا وَعَلَى الْأَقْدَامِ، وَكَذَا التَّرَامِي بِالسِّهَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَسْلِحَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّدْرِيبِ عَلَى الْحَرْبِ وَفِيهِ جَوَازُ إِضْمَارِ الْخَيْلِ، وَلَا يَخْفَى اخْتِصَاصُ اسْتِحْبَابِهَا بِالْخَيْلِ الْمُعَدَّةِ لِلْغَزْوِ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الْإِعْلَامِ بِالِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْمُسَابَقَةِ، وَنِسْبَةُ الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِهِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ " سَابَقَ "؛ أَيْ: أَمَرَ أَوْ أَبَاحَ؛ أَيْ: شَامِلٌ لِذَلِكَ، وَجَوَازُ إِضَافَةِ الْمَسْجِدِ إِلَى مَخْصُوصِينَ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ خِلَافًا لِلنَّخَعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18](سُورَةُ الْجِنِّ: الْآيَةُ: 18) وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَجَوَازُ مُعَامَلَةِ الْبَهَائِمِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِمَا يَكُونُ تَعْذِيبًا لَهَا فِي غَيْرِ الْحَاجَةِ كَالْإِجَاعَةِ وَالْإِجْرَاءِ، وَتَنْزِيلُ الْخَلْقِ مَنَازِلَهُمْ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم غَايَرَ بَيْنَ مَنْزِلَةِ الْمُضَمَّرِ وَغَيْرِ الْمُضَمَّرِ وَلَوْ خَلَطَهُمَا لَأَتْعَبَ مَا لَمْ تُضَمَّرْ.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّلَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَمُوسَى وَاللَّيْثُ بْنُ عُقْبَةَ وَأَيُّوبُ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.

ص: 72

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ لَيْسَ بِرِهَانِ الْخَيْلِ بَأْسٌ إِذَا دَخَلَ فِيهَا مُحَلِّلٌ فَإِنْ سَبَقَ أَخَذَ السَّبَقَ وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1018 -

1001 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: لَيْسَ بِرِهَانِ الْخَيْلِ بَأْسٌ) وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:" «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَرَاهَنَ» " وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بَعِوَضٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُتَسَابِقِينَ كَمَا قَالَ (إِذَا دَخَلَ فِيهَا مُحَلِّلٌ فَإِنْ سَبَقَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (أَخَذَ السَّبَقَ) بِفَتْحَتَيْنِ؛ أَيِ: الرَّهْنَ الَّذِي يُوضَعُ لِذَلِكَ (وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْرِجُ الْمُحَلِّلُ مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا لِيَخْرُجَ الْعَقْدُ مِنْ صُورَةِ الْقِمَارِ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَبَقًا فَمَنْ غَلَبَ أَخَذَهُ فَهَذَا مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بِلَا عِوَضٍ، لَكِنْ قَصَرَهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى الْخُفِّ

ص: 72

وَالْحَافِرِ وَالنَّصْلِ لِحَدِيثِ: " «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَخَصَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالْخَيْلِ وَأَجَازَهُ عَطَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

ص: 73

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُئِيَ وَهُوَ يَمْسَحُ وَجْهَ فَرَسِهِ بِرِدَائِهِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي عُوتِبْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1019 -

1002 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) مُرْسَلٌ وَصَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْفِهْرِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُئِيَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهَمْزٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ ( «يَمْسَحُ وَجْهَ فَرَسِهِ بِرِدَائِهِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي عُوتِبْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ» ) وَوَصَلَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي كِتَابِ الْخَيْلِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ شَيْخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَقَالَ فِي إِذَالَةِ الْخَيْلِ.

وَلَهُ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَقَالَ: " «إِنَّ جِبْرِيلَ بَاتَ اللَّيْلَةَ يُعَاتِبُنِي فِي إِذَالَةِ الْخَيْلِ» "؛ أَيِ: امْتِهَانِهَا.

قَالَ الْبَوْنِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ ذَلِكَ وَحْيٌ فِي الْمَنَامِ وَيَحْتَمِلُ فِي الْيَقَظَةِ؛ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ الثَّانِي.

ص: 73

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ أَتَاهَا لَيْلًا وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: 177] »

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1020 -

1003 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ) الْخُزَاعِيِّ الْبَصْرِيِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ) بِوَزْنِ " جَعْفَرٍ " مَدِينَةٌ كَبِيرَةٌ ذَاتُ حُصُونٍ وَمَزَارِعَ عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرُدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ: سُمِّيَتْ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنَ الْعَمَالِيقِ نَزَلَهَا، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: خَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَقِيَّةِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ فَأَقَامَ يُحَاصِرُهَا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً إِلَى أَنْ فَتَحَهَا فِي صَفَرٍ (أَتَاهَا لَيْلًا) لَا تُخَالِفُهُ رِوَايَةُ الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ: صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً، لِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُمْ قَدِمُوهَا لَيْلًا وَبَاتُوا دُونَهَا ثُمَّ رَكِبُوا إِلَيْهَا بُكْرَةً بِالْقِتَالِ وَالْإِغَارَةِ، وَيُشِيرُ إِلَى هَذَا قَوْلُهُ:( «وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ» ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ " أَغَارَ "، وَفِي لَفْظٍ: لَا يُغِيرُ عَلَيْهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ: لَمْ يُغِرْ بِهِمْ، بِكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْضًا مِنَ " الْإِغَارَةِ "، وَلِبَعْضِ الرُّوَاةِ: لَمْ يَقْرَبْهُمْ، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ (حَتَّى يُصْبِحَ) ؛ أَيِ: يَطْلُعَ الْفَجْرُ.

وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِذَا سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِلَّا أَغَارَ، قَالَ فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا

ص: 73

رَكِبَ» (فَخَرَجَتْ يَهُودُ) وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ وَلِلتِّنِّيسِيِّ: فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ، زَادَ أَحْمَدُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: إِلَى زُرُوعِهِمْ.

وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُمْ سَمِعُوا بِقَصْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ وَكَانُوا يَخْرُجُونَ كُلَّ يَوْمٍ مُسَلَّحِينَ مُسْتَعِدِّينَ فَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي قَدِمَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ نَامُوا فَلَمْ تَتَحَرَّكْ لَهُمْ دَابَّةٌ وَلَمْ يَصِحْ لَهُمْ دِيكٌ فَخَرَجُوا (بِمَسَاحِيهِمْ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُخَفَّفًا، جَمْعُ مِسْحَاةٍ كَالْمَجَارِفِ إِلَّا أَنَّهَا مِنْ حَدِيدٍ، طَالِبِينَ زُرُوعَهُمْ (وَمَكَاتِلِهِمْ) بِفَوْقِيَّةٍ جَمْعُ مِكْتَلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ، الْقُفَّةُ الْكَبِيرَةُ يُحَوَّلُ فِيهَا التُّرَابُ وَغَيْرُهُ (فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا) هَذَا (مُحَمَّدٌ) أَوْ جَاءَ مُحَمَّدٌ (وَاللَّهِ) قَسَمٌ (مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ) ؛ أَيِ: الْجَيْشُ كَمَا فَسَّرَ بِهِ الْبُخَارِيُّ سُمِّيَ خَمِيسًا لِأَنَّهُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: مَيْمَنَةٌ وَمَيْسَرَةٌ وَمُقَدِّمَةٌ وَقَلْبٌ وَجَنَاحَانِ، وَضَبَطَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مَعَهُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَكْبَرُ) كَبَّرَ حِينَ أَنْجَزَ لَهُ وَعْدَهُ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثَلَاثًا، وَفِي أُخْرَى:«فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ (خَرِبَتْ خَيْبَرُ) » ؛ أَيْ: صَارَتْ خَرَابًا، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قِيلَ تَفَاءَلَ بِخَرَابِهَا بِمَا رَآهُ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ آلَاتِ الْخَرَابِ مِنَ الْمَسَاحِي وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ أَخَذَهُ مِنِ اسْمِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ.

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّفَاؤُلُ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى آلَةَ الْهَدْمِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْمِسْحَاةِ مِنْ " سَحَوْتَ " إِذَا قَشَرْتَ أَخَذَ مِنْهُ أَنَّ مَدِينَتَهُمْ سَتُخَرَّبُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: ( «إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ» ) بِفِنَائِهِمْ وَقَرْيَتِهِمْ وَحُصُونِهِمْ وَأَصْلُ السَّاحَةِ الْفَضَاءُ بَيْنَ الْمَنَازِلِ (فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ) ؛ أَيْ: بِئْسَ الصَّبَاحُ صَبَاحُ مَنْ أُنْذِرَ بِالْعَذَابِ، وَفِيهِ جَوَازُ التَّمْثِيلِ وَالِاسْتِشْهَادِ بِالْقُرْآنِ وَالِاقْتِبَاسِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ رَشِيقٍ وَالنَّوَوِيُّ، وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِهِ فِي النَّثْرِ فِي غَيْرِ الْمُجُونِ وَالْخَلَاعَةِ وَهَزْلِ الْفُسَّاقِ لَهُ شَرَبَةِ الْخَمْرِ وَاللَّاطَةِ، وَأَلَّفَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ قَدِيمًا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ كِتَابًا جَمَعَ فِيهِ مَا وَقَعَ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ الْمُتَّصِلَةِ إِلَيْهِمْ، وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّيْخُ دَاوُدُ الشَّاذُلِيُّ الْبَاجِلِيُّ كُرَّاسَةً قَالَ فِيهَا: لَا خِلَافَ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي جَوَازِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ عِيَاضٍ وَالْبَاقِلَّانِيِّ وَقَالَ: كَفَى بِهِمَا حُجَّةً غَيْرَ أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ فِي الشِّعْرِ خَاصَّةً.

وَرَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ وَهَذِهِ أَكْبَرُ حُجَّةٍ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ تَحْرِيمُهُ، وَالْعُمْدَةُ فِي نَفْيِ الْخِلَافِ عَلَى الشَّيْخِ دَاوُدَ فَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَأَئِمَّتُهُ مُجْمِعُونَ عَلَى الْجَوَازِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالْآثَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تَشْهَدُ لَهُمْ، فَمَنْ نَسَبَ تَحْرِيمَهُ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ فَسَّرَ وَأَبَانَ عَنْ أَنَّهُ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ مُلَخَّصًا وَهُوَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْوَهْمِ فِي قَوْلِهِ فِي عُقُودِ الْجُمَانِ:

ص: 74

قُلْتُ وَأَمَّا حُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ

فَمَالِكٌ مُشَدِّدٌ فِي الْمَنْعِ

وَلَيْسَ فِيهِ عِنْدَنَا صَرَاحَهْ

لَكِنَّ يَحْيَى النَّوَوِي أَبَاحَهْ

فِي الْوَعْظِ نَثْرًا دُونَ نَظْمٍ مُطْلَقَا

وَالشَّرَفُ الْمَقْرِيُّ فِيهِ حَقَّقَا

جَوَازُهُ فِي الزُّهْدِ وَالْوَعْظِ وَفِي

مَدْحِ النَّبِيِّ وَلَوْ بِنَظْمٍ فَاقْتَفِي

وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْحَرْبِ وَتَثْلِيثُهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الأنفال: 45](سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 45) ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَفِي الْمَغَازِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِزِيَادَاتٍ.

ص: 75

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1021 -

1004 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ حُمَيْدٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ» ) ؛ أَيْ: شَيْئَيْنِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ، وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا مَرْفُوعًا: بَعِيرَيْنِ شَاتَيْنِ حِمَارَيْنِ دِرْهَمَيْنِ، وَزَادَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ: مِنْ مَالِهِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ؛ أَيْ: فِي طَلَبِ ثَوَابِ اللَّهِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَكْرِيرَ الْإِنْفَاقِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ إِذَا حُمِلَتِ التَّثْنِيَةُ عَلَى التَّكْرِيرِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْإِنْفَاقِ التَّثَبُّتُ مِنَ الْأَنْفُسِ بِإِنْفَاقِ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ} [البقرة: 265](سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 45) ؛ أَيْ: لِيَثْبُتُوا بِبَذْلِ الْمَالِ الَّذِي هُوَ شَقِيقُ الرُّوحِ، وَبَذْلُهُ أَشَقُّ شَيْءٍ عَلَى النَّفْسِ مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ الشَّاقَّةِ (نُودِيَ فِي) ؛ أَيْ: عِنْدَ دُخُولِ (الْجَنَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ مَعْنٍ: " نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ "(يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ) ؛ أَيْ: فَاضِلٌ لَا بِمَعْنَى: أَفْضَلُ، وَإِنْ أَوْهَمَهُ اللَّفْظُ فَفَائِدَتُهُ رَغْبَةُ السَّامِعِ فِي طَلَبِ الدُّخُولِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ.

وَبَيَّنَ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيَانَ الدَّاعِي، وَلَفْظُهُ: دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ؛ أَيْ: خَزَنَةُ كُلِّ بَابٍ؛ أَيْ: قُلْ هَلُمَّ بِضَمِّ اللَّامِ لُغَةٌ فِي فُلَانٍ وَبِهِ ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ، وَقِيلَ تَرْخِيمُهُ فَاللَّامُ مَفْتُوحَةٌ قَالَهُ الْحَافِظُ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ: هَذَا خَيْرٌ أَعَدَّهُ اللَّهُ لَكَ فَأَقْبِلْ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، أَوْ هَذَا خَيْرُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ لِأَنَّ فِيهِ الْخَيْرَ وَالثَّوَابَ الَّذِي أُعِدَّ لَكَ (فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ) ؛ أَيْ: مَنْ كَانَتْ أَغْلَبَ

ص: 75

أَعْمَالِهِ وَأَكْثَرَهَا (دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ) قَالَ الْحَافِظُ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ يُدْعَى مِنْ بَابِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ:" «لِكُلِّ عَامِلٍ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُدْعَى مِنْهُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

( «وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ» ) مَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنَ الْحَدِيثِ (وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ) الْمُكْثِرِينَ مِنْهَا (دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ) وَلَيْسَ هَذَا بِتَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ: مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ، لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ وَلَوْ قَلَّ خَيْرٌ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْعَظِيمَةِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِنْ كُلِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهَذَا اسْتِدْعَاءٌ خَاصٌّ.

(وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ) الْمُكْثِرِينَ مِنْهُ ( «دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ» ) مُشْتَقٌّ مِنَ الرِّيِّ فَخُصَّ بِذَلِكَ لِمَا فِي الصَّوْمِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى أَلَمِ الْعَطَشِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِي الْهَوَاجِرِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: إِنْ كَانَ الرَّيَّانُ عَلَمًا لِلْبَابِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ صِفَةً فَهُوَ مِنَ الرَّوَاةِ الَّذِي يَرْوِي، وَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّائِمَ لِتَعْطِيشِهِ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ لِيَأْمَنَ مِنَ الْعَطَشِ ثَوَابًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِالرَّيَّانِ إِيمَاءٌ إِلَى زِيَادَةِ أَمْرِ الصَّوْمِ وَمُبَادَرَةِ الْقَبُولِ لَهُ، وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ يُدْعَى إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ رَوِيَ مِنْ حَوْضِهِ صلى الله عليه وسلم، رَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْحَوْضُ بِالصَّائِمِينَ وَالْبَابُ مُخْتَصٌّ بِهِمْ قَالَ: وَعَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْبَابِ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِاخْتِصَاصِ الدَّاخِلِينَ فِيهِ بِالرِّيِّ، قَالَ الْحَافِظُ: فَذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَبْوَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَبَقِيَ الْحَجُّ فَلَهُ بَابٌ بِلَا شَكٍّ، وَالثَّلَاثَةُ بَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا:" «إِنَّ لِلَّهِ بَابًا فِي الْجَنَّةِ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا مَنْ عَفَا عَنْ مَظْلَمَةٍ» " وَالْبَابُ الْأَيْمَنُ الَّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ وَالثَّامِنُ لَعَلَّهُ بَابُ الذِّكْرِ، فَفِي التِّرْمِذِيَّ مَا يُومِي إِلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَابُ الْعِلْمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبْوَابِ الَّتِي يُدْعَى مِنْهَا أَبْوَابٌ مِنْ دَاخِلِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الْأَصْلِيَّةِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ ثَمَانِيَةٍ انْتَهَى.

وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الَّذِينَ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ يَتَسَوَّرُونَ كَمَا وَرَدَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا الْبَابَ مِنْ أَسْفَلِ الْجَنَّةِ الَّتِي يَتَسَوَّرُونَ مِنْهَا، فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ دَخَلُوا مِنْهَا مَجَازًا أَوْ أَنَّهُ مُعَدٌّ لَهُمْ تَكْرِيمًا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا مِنْهُ، وَتَبِعَ فِي عَدِّ الْبَابِ الْأَيْمَنِ عِيَاضًا، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَبِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَيْمَنِ مَا عَنْ يَمِينِ الدَّاخِلِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الدَّاخِلِينَ وَإِنَّمَا يَكُونُ بَابًا إِذَا كَانَ اسْمًا وَعَلَمًا عَلَى بَابٍ مُعَيَّنٍ.

(فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) زَادَ مَعْنٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي (مَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ) قَالَ الْمُظَهَّرِيُّ: " مَا " نَافِيَةٌ وَ " مِنْ "

ص: 76

زَائِدَةٌ؛ أَيْ: لَيْسَ ضَرُورَةٌ عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْهَا، إِذْ لَوْ دُعِيَ مِنْ وَاحِدٍ لَحَصَلَ مُرَادُهُ وَهُوَ دُخُولُ الْجَنَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْعَى بَلْ مِنْ جَمِيعِهَا بَلْ هُوَ تَكْرِيمٌ وَإِعْزَازٌ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَغَيْرُهُ: يُرِيدُ مِنْ أَحَدِ تِلْكَ الْأَبْوَابِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَبْوَابِ فَأَطْلَقَ الْجَمِيعَ وَأَرَادَ الْوَاحِدَ.

وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: يُرِيدُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مِنْ أَهْلِ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ وَدُعِيَ مِنْ بَابِهَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَايَةَ الْمَطْلُوبَةَ دُخُولُ الْجَنَّةِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا خَصَّ كُلَّ بَابٍ بِمَنْ أَكْثَرُ نَوْعًا مِنَ الْعِبَادَةِ وَسَمِعَ ذَلِكَ الصِّدِّيقُ رَغِبَ فِي أَنْ يُدْعَى مِنْ كُلِّ بَابٍ وَقَالَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْهَا ضَرَرٌ بَلْ شَرَفٌ وَإِكْرَامٌ فَسَأَلَ فَقَالَ: (فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟) وَيَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ (قَالَ: نَعَمْ) يُقَالُ لَهُ عِنْدَ كُلِّ بَابٍ إِنَّ لَكَ هُنَا خَيْرًا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَكَ لِعِبَادَتِكَ الْمُخْتَصَّةِ بِالدُّخُولِ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

وَقَالَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ: يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ فِي الدُّخُولِ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ إِكْرَامًا لَهُ لِاسْتِحَالَةِ الدُّخُولِ مِنَ الْكُلِّ مَعًا فَإِنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ وَاحِدٍ، وَلَعَلَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي يَكُونُ أَغْلَبَ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا:" «مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» " الْحَدِيثَ وَفِيهِ: " «فُتِحْتَ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» " لِأَنَّهَا تُفْتَحُ لَهُ تَكْرِيمًا، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ.

(وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: الرَّجَاءُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ نَبِيِّهِ وَاقِعٌ، وَبِهِ صُرِّحَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَلَفْظُهُ:" فَقَالَ: أَجَلْ وَأَنْتَ هُوَ يَا أَبَا بَكْرٍ " وَفِي الْحَدِيثِ إِشْعَارٌ بِقِلَّةِ مَنْ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا، وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ لَا وَاجِبَاتُهَا لِكَثْرَةِ مَنْ يَجْتَمِعُ لَهُ الْعَمَلُ بِالْوَاجِبَاتِ، بِخِلَافِ التَّطَوُّعَاتِ فَقَلَّ مَنْ يَجْتَمِعُ لَهُ الْعَمَلُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا، ثُمَّ الْإِنْفَاقُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْجِهَادِ وَالْعِلْمِ وَالْحَجِّ ظَاهِرٌ أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَمُشْكِلٌ، فَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْفَاقِ فِي الصَّلَاةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَسَائِلِهَا مِنْ تَحْصِيلِ آلَاتِهَا مِنْ طَهَارَةٍ وَتَطْهِيرِ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ وَمَكَانٍ.

وَفِي الصِّيَامِ بِمَا يُقَوِّيهِ عَلَى فِعْلِهِ وَخُلُوصِ الْقَصْدِ فِيهِ وَالْإِنْفَاقِ فِي الْعَفْوِ عَنِ النَّاسِ بِتَرْكِ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ حَقٍّ، وَفِي التَّوَكُّلِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَرَضِهِ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ مَعَ الصَّبْرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ، أَوْ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ مِثْلُ ذَلِكَ طَلَبًا لِلثَّوَابِ وَالْإِنْفَاقِ فِي الذِّكْرِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِنْفَاقِ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ بَذْلُ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ فِيهِمَا، فَالْعَرَبُ تُسَمِّي مَا يَبْذُلُهُ الْمَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ صَدَقَةً كَمَا يُقَالُ: أَنْفَقْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ عُمْرِي وَبَذَلْتُ فِيهِ نَفْسِي وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِالزَّوْجَيْنِ النَّفْسُ وَالْمَالُ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ إِلَّا بِالتَّأْوِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَذَا مَنْ قَالَ: النَّفَقَةُ فِي الصِّيَامِ تَقَعُ بِتَفْطِيرِ الصَّائِمِ

ص: 77

وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى بَابِ الصَّدَقَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ، وَأَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ قَلَّ أَنْ تَجْتَمِعَ كُلُّهَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى السَّوَاءِ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُحِبُّ صَالِحِي بَنِي آدَمَ وَتَفْرَحُ بِهِمْ، وَأَنَّ الْإِنْفَاقَ كُلَّمَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ أَفْضَلَ، وَأَنَّ تَمَنِّيَ الْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَطْلُوبٌ.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصِّيَامِ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ فِي الْبُخَارِيِّ، وَيُونُسُ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَمَعْمَرٌ فِي مُسْلِمٍ الْأَرْبَعَةُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.

ص: 78

[بَاب إِحْرَازِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَرْضَهُ]

سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ إِمَامٍ قَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنْ قَوْمٍ فَكَانُوا يُعْطُونَهَا أَرَأَيْتَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَتَكُونُ لَهُ أَرْضُهُ أَوْ تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُ لَهُمْ مَالُهُ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ أَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِأَرْضِهِ وَمَالِهِ وَأَمَّا أَهْلُ الْعَنْوَةِ الَّذِينَ أُخِذُوا عَنْوَةً فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَإِنَّ أَرْضَهُ وَمَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ قَدْ غُلِبُوا عَلَى بِلَادِهِمْ وَصَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّهُمْ قَدْ مَنَعُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ حَتَّى صَالَحُوا عَلَيْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلَّا مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

20 -

بَابُ إِحْرَازِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَرْضَهُ

مَصْدَرُ " أَحْرَزَ " كَذَا مَا جَعَلَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ اسْتُعِيرَ هُنَا لِمِلْكِهِ الْأَرْضَ بِالْإِسْلَامِ، كَانَ إِسْلَامُهُ مَكَانَ حِرْزِهَا وَحِفْظِهَا لَهُ.

(سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ إِمَامٍ قَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنْ قَوْمٍ فَكَانُوا يُعْطُونَهَا) ؛ أَيِ: الْجِزْيَةَ (أَرَأَيْتَ) ؛ أَيْ: أَخْبِرْنِي (مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَتَكُونُ لَهُ أَرْضُهُ أَوْ تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُ لَهُمْ مَالُهُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ يَخْتَلِفُ أَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِأَرْضِهِ وَمَالِهِ) دُونَ الْمُسْلِمِينَ.

(وَأَمَّا أَهْلُ الْعَنْوَةِ الَّذِينَ أُخِذُوا عَنْوَةً) ؛ أَيْ: بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ (مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَإِنَّ أَرْضَهُ وَمَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ قَدْ غُلِبُوا) بِضَمِّ الْغَيْنِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ (وَصَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ) قَالَ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: 27](سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 27)(وَأَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّهُمْ قَدْ مَنَعُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ) مِنَ الْقِتَالِ وَاسْتَمَرَّ (حَتَّى صَالَحُوا عَلَيْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلَّا مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ) فَلَهُمْ أَرْضُهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا وَمَالُهُمْ وَأَعَادَ هَذَا لِأَجْلِ تَعْلِيلِهِ لِلْحُكْمِ الَّذِي قَدَّمَهُ.

ص: 78

[بَاب الدَّفْنِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ وَإِنْفَاذِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه عِدَةَ رَسُولِ اللَّهِ]

ِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّيْنِ ثُمَّ السَّلَمِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا وَكَانَ قَبْرُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّيْلَ وَكَانَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَهُمَا مِمَّنْ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا كَأَنَّهُمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جُرْحِهِ فَدُفِنَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَأُمِيطَتْ يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ ثُمَّ أُرْسِلَتْ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ وَبَيْنَ يَوْمَ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً.

قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ وَيُجْعَلَ الْأَكْبَرُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

21 -

بَابُ الدَّفْنِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ

وَإِنْفَاذِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه عِدَةَ

، بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الدَّالِ مَصْدَرُ وَعَدَ وَعْدًا وَعِدَةً فِي الْخَيْرِ، (النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) .

1023 -

1005 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ) بِصَادَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَعْدَ كُلِّ عَيْنٍ مُهْمَلَاتٌ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ (أَنَّهُ بَلَغَهُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ فِي قَطْعِهِ وَيَتَّصِلُ مَعْنَاهُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ (أَنَّ عَمْرَو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنَ الْجَمُوحِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَمُهْمَلَةٍ ابْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَلِمَةَ الْأَنْصَارِيَّ مِنْ سَادَاتِ الْأَنْصَارِ وَبَنِي سَلِمَةَ وَأَشْرَافِهِمْ.

رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالسَّرَّاجُ وَأَبُو الشَّيْخِ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ جَابِرٍ: " «قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلِمَةَ؟ قَالُوا: الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى أَنْ نُبَخِّلَهُ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَمَدَّ يَدَهُ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ؟ بَلْ سَيِّدُكُمُ الْأَبْيَضُ الْجَعْدُ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ " قَالَ: وَكَانَ عَمْرٌو يُولِمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَزَوَّجَ» .

(وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ ابْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيَّ الْعَقَبِيَّ الْبَدْرِيَّ وَالِدَ جَابِرٍ الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ.

أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى.

وَابْنُ السَّكَنِ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: " «جَزَى اللَّهُ الْأَنْصَارَ خَيْرًا لَا سِيَّمَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ» " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ: " «لَا سِيَّمَا آلِ ابْنِ حَرَامٍ» وَعَمْرٍو "(الْأَنْصَارِيَّيْنِ السَّلَمِيَّيْنِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ نِسْبَةً إِلَى بَنِي سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ الْخَزْرَجِ (كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ: " عَنْ قَبْرِهِمَا " عَلَى تَضْمِينِ " حَفَرَ " مَعْنَى " كَشَفَ " وَإِلَّا فَحَفَرَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ (وَكَانَ قَبْرُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّيْلَ وَكَانَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ) رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ: اجْمَعُوا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا كَانَا مُتَصَادِقَيْنِ فِي الدُّنْيَا» " وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: " «أَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا

ص: 79

رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ تُرَانِي أَمْشِي بِرِجْلِي هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَتْ عَرْجَاءَ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ هُوَ وَابْنُ أَخِيهِ فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِ فَقَالَ: إِنِّي أَرَاكَ تَمْشِي بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِهِمَا وَمَوْلَاهُمَا فَجُعِلُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ» " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ هُوَ ابْنَ أَخِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَمِّهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ فَلَعَلَّهُ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ، قَالَ: وَابْنُ الْجَمُوحِ كَانَ صَدِيقَ عَبْدِ اللَّهِ وَزَوْجَ أُخْتِهِ هِنْدِ بِنْتِ عَمْرٍو (وَهُمَا مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا) ؛ أَيْ: لِيُنْقَلَا مِنْهُ لِمَكَانٍ غَيْرِهِ لِأَجْلِ السَّيْلِ (فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا كَأَنَّهُمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ) لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ جِسْمَ الشَّهِيدِ (وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جُرْحِهِ فَدُفِنَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَأُمِيطَتْ) نُحِّيَتْ (يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ ثُمَّ أُرْسِلَتْ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ){وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 154)(وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ وَبَيْنَ يَوْمِ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً) وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ: " كَانَ أَبِي أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الْآخَرِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ " وَهَذَا يُخَالِفُ فِي الظَّاهِرِ حَدِيثَ الْمُوَطَّأِ، وَجَمَعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَنَظَرَ فِيهِ الْحَافِظُ بِأَنَّ الَّذِي فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ دَفَنَ أَبَاهُ فِي قَبْرٍ وَحْدَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَحَدِيثُ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُمَا وُجِدَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ بَعْدَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ قُرْبُ الْمُجَاوَرَةِ أَوْ أَنَّ السَّيْلَ جَرَفَ أَحَدَ الْقَبْرَيْنِ حَتَّى صَارَا وَاحِدًا.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْقِصَّةَ فِي الْمَغَازِي فَقَالَ: " حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: لَمَّا ضَرَبَ مُعَاوِيَةُ عَيْنَهُ الَّتِي مَرَّتْ عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ انْفَجَرَتِ الْعَيْنُ عَلَيْهِمْ فَجِئْنَا فَأَخْرَجْنَاهُمَا يَعْنِي عَمْرًا وَعَبْدَ اللَّهِ وَعَلَيْهِمَا بُرْدَتَانِ قَدْ غُطِّيَ بِهِمَا وُجُوهُهُمَا وَعَلَى أَقْدَامِهِمَا شَيْءٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَأَخْرَجْنَاهُمَا كَأَنَّهُمَا دُفِنَا بِالْأَمْسِ " وَلَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ عَنْ جَابِرٍ.

(قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ) لَا لِغَيْرِهَا لِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: " «جَاءَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ قَالُوا: أَصَابَنَا قَرْحٌ وَجَهْدٌ قَالَ: احْفِرُوا

ص: 80

وَأَوْسِعُوا وَاجْعَلُوا الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ» " (وَيُجْعَلُ الْأَكْبَرُ) فِي الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا (مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ: "«كَانَ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ» ".

ص: 81

حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَالٌ مِنْ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأْيٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي فَجَاءَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَحَفَنَ لَهُ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1024 -

1006 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْمَدَنِيِّ أَحَدِ الْأَعْلَامِ يُعْرَفُ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ (أَنَّهُ قَالَ) مُنْقَطِعٌ قَالَ أَبُو عَمْرٍو: بِاتِّفَاقِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: (قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) فِي خِلَافَتِهِ (مَالٌ مِنَ الْبَحْرَيْنِ) بِلَفْظِ تَثْنِيَةٍ نَحْوَ بَلَدٍ مَعْرُوفٍ مِنْ مَالِ الْجِزْيَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَالَحَهُمْ عَلَيْهَا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ بَطَّالٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِنَ الْخُمُسِ أَوْ مِنَ الْفَيْءِ.

(فَقَالَ) عَلَى لِسَانِ الْمُنَادِي (مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأْيٌ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ " وَأَى " بِزِنَةِ " وَعَى "، وَعْدٌ وَضَمَانٌ (أَوْ عِدَةٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَخِفَّةِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ؛ أَيْ: وَعْدٌ وَكَأَنَّ الرَّاوِيَ شَكَّ فِي اللَّفْظِ وَإِنِ اتَّحَدَ الْمَعْنَى، وَفِي الْبُخَارِيِّ: دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ، (فَلْيَأْتِنِي) أَفِ لَهُ بِهِ (فَجَاءَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَحَفَنَ لَهُ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ) جَمْعُ حَفْنَةٍ وَهِيَ مَا يَمْلَأُ الْكَفَّيْنِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ حَفَنَ لَهُ حَفْنَةً وَقَالَ عِدَّهَا فَوَجَدَهَا خَمْسَمِائَةٍ فَقَالَ لَهُ: خُذْ مِثْلَيْهَا.

فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ: " «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا؛ أَيْ: ثَلَاثًا، فَلَمَّا قُبِضَ صلى الله عليه وسلم وَجَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا فَحَثَى لِي ثَلَاثًا " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَحَثَى حَثْيَةً وَقَالَ عِدَّهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ قَالَ: فَخُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ» ".

وَفِي أُخْرَى لَهُ أَيْضًا فَقَالَ: " احْثُ فَحَثَوْتُ حَثْيَةً فَقَالَ لِي عِدَّهَا فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَأَعْطَانِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ " وَالْمُرَادُ بِالْحَثْيَةِ الْحَفْنَةُ عَلَى مَا قَالَ الْهَرَوِيُّ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى، وَإِنَّ الْمَعْرُوفَ لُغَةً أَنَّ الْحَثْيَةَ مِلْءُ كَفٍّ وَاحِدٍ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: لَمَّا كَانَ وَعْدُهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْلَفَ نَزَّلُوا وَعْدَهُ مَنْزِلَةَ الضَّمَانِ فِي الصِّحَّةِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَفِيَ وَأَنْ لَا يَفِيَ، وَأَشَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى النَّاسِ بِمَكَارِمِ

ص: 81

الْأَخْلَاقِ أَدَّى أَبُو بَكْرٍ مَوَاعِيدَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَسْأَلْ جَابِرًا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا فِي ذِمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا ادَّعَى شَيْئًا فِي بَيْتِ الْمَالِ الْمَوْكُولِ أَمْرُهُ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فَوَفَّاهُ لَهُ أَبُو بَكْرٍ.

هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ " فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَلَيَّ، قَالَ: قُلْتُ: تَبْخَلُ عَلَيَّ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ " وَإِنَّمَا أَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ إِعْطَاءَ جَابِرٍ حَتَّى قَالَ لَهُ ذَلِكَ، إِمَّا لِأَمْرٍ أَهَمُّ مِنْهُ أَوْ خَشْيَةَ أَنْ يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْحِرْصِ عَلَى الطَّلَبِ، أَوْ لِئَلَّا يَكْثُرَ الطَّالِبُونَ لِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْمَنْعَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلِذَا قَالَ لَهُ مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ. . . إِلَخْ.

وَهَذَا الْمَالُ الْآتِي فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ غَيْرُ الْمَالِ الْآتِي مِنَ الْبَحْرَيْنِ زَمَنَ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم.

فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ: " «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ بِمَالٍ فَسَمِعَتِ الْأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ انْصَرَفَ فَتَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ: أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» ".

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ: " «أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ: انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ» " وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ كَانَ مِائَةَ أَلْفٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 82

[كِتَاب النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ]

[بَاب مَا يَجِبُ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ بَاب مَا يَجِبُ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَلَمْ تَقْضِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اقْضِهِ عَنْهَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

22 -

كِتَابُ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ

جَمْعٌ مَصْدَرُ " نَذَرَ " بِفَتْحِ الذَّالِ " يَنْذُرُ " بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَهُوَ لُغَةُ الْوَعْدِ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.

وَفِي الشَّرْعِ: الْتِزَامُ قُرْبَةٍ غَيْرِ لَازِمَةٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ.

وَحَدِيثُ: " «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» " إِنَّمَا سَمَّاهُ نَذْرًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ كَمَا قَالَ فِي الْخَمْرِ وَبَائِعِهَا مَعَ بُطْلَانِ الْبَيْعِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:" «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ» ".

وَالْأَيْمَانُ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ وَهِيَ خِلَافُ الْيَسَارِ أُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَحَالَفُوا أَخَذَ كُلٌّ يَمِينَ صَاحِبِهِ، أَوْ لِحِفْظِهَا الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ كَحِفْظِ الْيَمِينِ، وَسُمِّيَ أَلِيَّةً وَحَلِفًا، وَشَرْعًا: تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِذِكْرِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، هَذَا إِنْ قُصِدَ بِهَا الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ وَإِلَّا زِيدَ، وَمَا أُقِيمَ مَقَامَهُ لِيَدْخُلَ الْحَلِفُ بِنَحْوِ إِطْلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ وَابْتَدَأَهُ بِالْبَسْمَلَةِ تَبَرُّكًا فَقَالَ:

1 -

بَابُ مَا يَجِبُ مِنَ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ

1025 -

1007 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (بْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ) الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ أَحَدَ النُّقَبَاءِ وَسَيِّدَ الْخَزْرَجِ وَأَحَدَ الْأَجْوَادِ وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ فَنُهِشَ فَأَقَامَ، مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

قَالَ الْحَافِظُ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَتَبِعَهُ اللَّيْثُ وَبَكْرُ بْنُ وَائِلٍ وَغَيْرُهُمَا.

وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَعْدٍ: أَخْرَجَ جَمِيعَ ذَلِكَ النَّسَائِيُّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ

ص: 83

وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ، فَتَرَجَّحَ رِوَايَةُ مَنْ زَادَ عَنْ سَعْدٍ وَيَكُونُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخَذَهُ عَنْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّ مَنْ قَالَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الرِّوَايَةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ عَنْ قِصَّةِ سَعْدٍ فَتَتَّحِدُ الرِّوَايَتَانِ.

(اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي) عَمْرَةُ بِنْتُ مَسْعُودٍ وَقِيلَ: سَعْدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّةُ الْخَزْرَجِيَّةُ أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ (مَاتَتْ) وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَائِبٌ فِي غَزْوَةِ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وَكَانَتْ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ وَكَانَ ابْنُهَا سَعْدٌ مَعَهُ، فَقِدَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَى قَبْرِهَا بَعْدَ دَفْنِهَا بِشَهْرٍ ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ، فَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ مَعَ أَبَوَيْهِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَنْ سَعْدٍ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ (وَعَلَيْهَا نَذْرٌ) وَجَبَ كَانَتْ عَلَّقَتْهُ عَلَى شَيْءٍ حَصَلَ (وَلَمْ تَقْضِهِ) لِتَعَذُّرِهِ بِسُرْعَةِ مَوْتِهَا أَوْ أَخَّرَتْهُ لِجَوَازِ تَأْخِيرِهِ إِذْ لَا يَلْزَمُ تَعْجِيلُهُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ الْفَوَاتُ، وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ عَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ يَجِبْ أَدَاؤُهُ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ، لَمْ يَلْزَمْ قَضَاؤُهُ وَإِنِ فُعِلَ فَحَسَنٌ كَمَا قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" «إِنِّي نَذَرْتُ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ» " فَأَمَرَهُ بِوَفَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ مَا نَذَرَهُ فِي كُفْرِهِ، وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ " عَلَى " إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَجِبُ، كَمَا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ نَذْرَهَا مُطْلَقٌ، إِذْ لَوْ كَانَ مُقَيَّدًا لَاسْتَفْسَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ مِنْهُ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ كَانَ صِيَامًا نَذَرَتْهُ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِي تَضْعِيفِهِ، وَقِيلَ كَانَ عِتْقًا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ:" «أَنَّ سَعْدًا قَالَ: إِنَّ أُمِّي هَلَكَتْ فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ» " وَقِيلَ: كَانَ صَدَقَةً لِآثَارٍ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ وَقِيلَ نَذْرًا مُطْلَقًا عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ انْتَهَى.

وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدِهِ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: " «أَفَيُجْزِي عَنْهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ قَالَ أَعْتِقْ عَنْ أُمِّكَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

قَالَ الْحَافِظُ: فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ النَّذْرَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ الْعِتْقُ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ.

وَيَحْتَمِلُ أَنَّ نَذْرَهَا مُطْلَقٌ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّ كَفَّارَتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَالْعِتْقُ أَعْلَى كَفَّارَاتِ الْيَمِينِ فَلِذَا أَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقْ عَنْهَا.

(فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: اقْضِهِ عَنْهَا) اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا، خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ قَائِلِينَ: سَوَاءٌ كَانَ فِي مَالٍ أَوْ بَدَنٍ.

وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ: " «أَنَّ سَعْدًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَنْفَعُ أُمِّي أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا وَقَدْ مَاتَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: اسْقِ الْمَاءَ» " وَالْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ حَدِيثُ الْبَابِ.

وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: " «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ» " وَلِلْبُخَارِيِّ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: " «أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:

ص: 84

فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا» " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَنْهَا بِذَلِكَ كُلِّهِ الْعِتْقِ وَسَقْيِ الْمَاءِ وَالْحَائِطِ الْمُسَمَّى بِالْمِخْرَافِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْفَاءِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: الِاسْتِفْتَاءُ يَكُونُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِلْعَامِّيِّ مَعَ الْعَالِمِ، وَأَمَّا الْعَالِمَانِ الْمُجْتَهِدَانِ فَسُؤَالُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْمُذَاكَرَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ جَائِزٌ إِذَا الْتَزَمَا شُرُوطَ الْمُنَاظَرَةِ مِنَ الْإِنْصَافِ وَقَصْدِ إِظْهَارِ الْحَقِّ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَأَمَّا سُؤَالُهُ مُسْتَفْتِيًا مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعِلْمِ وَتَمَكُّنِ السَّائِلِ مِنَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا شُغُوفٌ فِي الْعِلْمِ فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ دُونَهُ تَقْلِيدُهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنَ النَّظَرِ؟ وَالِاسْتِدْلَالُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ خَافَ الْعَالِمُ فَوَاتَ حَادِثَةٍ فَذَهَبَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إِلَى جَوَازِ اسْتِفْتَاءِ غَيْرِهِ وَمَنَعَ مِنْهُ سَائِرُ أَصْحَابِنَا وَقَالُوا يَتْرُكُهَا لِغَيْرِهِ وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ.

وَأَمَّا مَا يَخُصُّهُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِمَّا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ انْتَهَى.

وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مُطَابَقَةُ التَّرْجَمَةِ لِلْحَدِيثِ.

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْوَصَايَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَبَكْرُ بْنُ وَائِلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ اخْتِلَافٌ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَ بِهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادٍ مِثْلِهِ انْتَهَى، وَرِوَايَةُ عَبْدَةَ فِي مُسْلِمٍ.

ص: 85

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمَّتِهِ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنَتَهَا أَنْ تَمْشِيَ عَنْهَا قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ لَا يَمْشِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1025 -

1008 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمَّتِهِ) قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: هِيَ عَمْرَةُ بِنْتُ حَزْمٍ عَمَّةُ جَدِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَقِيلَ لَهَا عَمَّتَهُ مَجَازًا وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ لِأَنَّ عَمْرَةَ صَحَابِيَّةٌ قَدِيمَةٌ، رَوَى عَنْهَا جَابِرٌ الصَّحَابِيُّ، فَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهَا مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهَا، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ عَمَّتُهُ الْحَقِيقِيَّةُ وَهِيَ أُمُّ عَمْرٍو وَأُمُّ كُلْثُومٍ انْتَهَى.

وَالْأَصْلُ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَعَلَى مُدَّعِي الْعَمَّةِ الْمَجَازِيَّةِ بَيَانُ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا دَعْوَاهُ خُصُوصًا مَعَ مَا لَزِمَ عَلَيْهَا مِنِ انْقِطَاعِ السَّنَدِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ (أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ) بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنَتَهَا أَنَّهَا تَمْشِي عَنْهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْإِتْيَانَ

ص: 85

إِلَى قُبَاءٍ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ قُرْبَةٌ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَضَاءُ الْمَشْيِ عَنِ الْمَيِّتِ وَكَذَا غَيْرُهُ.

رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ: " إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ " وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ: " لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ " لِأَنَّ النَّفْيَ فِي حَقِّ الْحَيِّ وَالْإِثْبَاتَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَأْخُذْ بِقَوْلِهِ فِي الْمَشْيِ الْأَئِمَّةُ وَلِذَا (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَمْشِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَنْكَرَ مَالِكٌ الْأَحَادِيثَ فِي الْمَشْيِ إِلَى قُبَاءٍ وَلَمْ يَعْرِفِ الْمَشْيَ إِلَّا إِلَى مَكَّةَ خَاصَّةً، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَعْنِي لَا يَعْرِفُ إِيجَابَ الْمَشْيِ لِلْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ.

وَأَمَّا الْمُتَطَوِّعُ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِيمَا مَرَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْتِي قُبَاءً رَاكِبًا وَمَاشِيًا» وَأَنَّ إِتْيَانَهُ مُرَغَّبٌ فِيهِ.

ص: 86

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ قَالَ قُلْتُ لِرَجُلٍ وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ مَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ فَقَالَ لِي رَجُلٌ هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ هَذَا الْجِرْوَ لِجِرْوِ قِثَّاءٍ فِي يَدِهِ وَتَقُولُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقُلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ ثُمَّ مَكَثْتُ حَتَّى عَقَلْتُ فَقِيلَ لِي إِنَّ عَلَيْكَ مَشْيًا فَجِئْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِي عَلَيْكَ مَشْيٌ فَمَشَيْتُ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1026 -

1009 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَوَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَهْدِيِّ، وَرَوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَرَوَى عَنْهُ بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي فَضْلِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: هُوَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ اكْتُفِيَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُمْ.

(قَالَ قُلْتُ لِرَجُلٍ وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَقِهَ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ (مَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ قَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ لَفْظَ الِالْتِزَامِ إِذَا عَرِيَ مِنْ لَفْظِ النَّذْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ (فَقَالَ لِي رَجُلٌ: هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ هَذَا الْجَرْوَ) مُثَلَّثُ الْجِيمِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ، الصَّغِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (لِجَرْوِ قِثَّاءٍ فِي يَدِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِيَدِهِ شُبِّهَتْ بِصِغَارِ أَوْلَادِ الْكِلَابِ لِلِينِهَا وَنُعُومَتِهَا كَذَا فِي الْبَارِعِ (وَتَقُولُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ نَعَمْ) قَالَ الْبَاجِيُّ: مَا كَانَ يَنْبَغِي ذَلِكَ لِلرَّجُلِ فَرُبَّمَا حَمَلَهُ اللَّجَاجُ عَلَى أَمْرٍ لَا يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُ بِالصَّوَابِ، فَإِنْ قَبِلَ وَإِلَّا حَضَّهُ عَلَى السُّؤَالِ، وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ هَذَا الْقَوْلُ تَرَكَ السُّؤَالَ وَإِنْ لَزِمَهُ دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَى السُّؤَالِ عَنْهُ (فَقُلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ) صَغِيرٌ

ص: 86

لَمْ أَتَفَقَّهْ وَإِنْ كُنْتُ بَالِغًا (ثُمَّ مَكَثْتُ حَتَّى عَقَلْتُ) تَفَقَّهْتُ (فَقِيلَ لِي إِنَّ عَلَيْكَ مَشْيًا) لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ لَفْظِ نَذْرٍ وَعَدَمِهِ إِذِ الْمَدَارُ عَلَى الِالْتِزَامِ فَلَمْ يَرَ تَقْلِيدَ هَؤُلَاءِ (فَجِئْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلَ وَقْتِهِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ (فَقَالَ: عَلَيْكَ مَشْيٌ فَمَشَيْتُ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ لَكِنَّهُ يَلْزَمُ إِذَا كَانَ قُرْبَةٌ، وَلَا خِلَافَ فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْأَفْضَلِ الْأَعْلَمِ، وَهَلْ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمَفْضُولِ إِذَا كَمُلَتْ آلَاتُ الِاجْتِهَادِ فِيهِ؟ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، وَعِنْدِي يَجُوزُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَيٍّ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَأَعْلَمُ، وَقَدْ كَانَ جَمِيعُ فُقَهَائِهِمْ يُفْتِي وَيَنْتَهِي النَّاسُ إِلَى قَوْلِهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) وَقَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ فِيهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَالْمَعْرُوفُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ خِلَافُ مَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ: عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَأَظُنُّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِخْبَارًا بِبَاطِلٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ حَتَّى يَقُولَ: نَذَرْتُ الْمَشْيَ أَوْ عَلَيَّ نَذْرُ الْمَشْيِ أَوْ عَلَيَّ لِلَّهِ الْمَشْيُ نَذْرًا.

وَالنَّذْرُ شَرْعًا إِيجَابُ الْمَرْءِ فِعْلَ الْبِرِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا خَالَفَ مَالِكًا فِيهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ " نَذْرٌ " عَلَى مُخَاطَرَةٍ، وَالْعِبَادَاتُ إِنَّمَا تَصِحُّ بِالنِّيَّاتِ لَا بِالْمُخَاطَرَةِ، وَهَذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ طَاعَةٌ؟ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشْيَ إِلَى مَكَّةَ إِنْ لَمْ يُرِدْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.

وَفِي قَوْلِهِ الْمَعْرُوفِ عَنْ سَعِيدٍ خِلَافُ مَا هُنَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ مَا قَالَ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ عَنْهُ فَيَكُونُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ صَحِيحٌ، مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْهُ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَلَا يَضُرُّ مَالِكًا مُخَالَفَةُ الْأَكْثَرِ لَهُ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ بَلْ لَوِ انْفَرَدَ فَلَا ضَرَرَ

ص: 87

[بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَعَجَزَ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ جَدَّةٍ لِي عَلَيْهَا مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَجَزَتْ فَأَرْسَلَتْ مَوْلًى لَهَا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ ثُمَّ لْتَمْشِ مِنْ حَيْثُ عَجَزَتْ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ وَنَرَى عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ الْهَدْيَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ.

1027 -

1010 - (مَالِكٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لَقَبٌ وَاسْمُهُ يَحْيَى

ص: 87

بْنُ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو (اللَّيْثِيُّ) مِنْ بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ كِنَانَةَ كَانَ شَاعِرًا غَزِلًا خَيِّرًا ثِقَةً، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ غَيْرُ هَذَا الْخَبَرِ، وَلِجَدِّهِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ رِوَايَةٌ عَنْ عَلِيٍّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: مَدَنِيُّ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ جَدَّةٍ لِي عَلَيْهَا مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَجَزَتْ) عَنِ الْمَشْيِ (فَأَرْسَلَتْ مَوْلًى لَهَا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَخَرَجْتُ مَعَهُ) لِأَسْمَعَ الْجَوَابَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَا وَاسِطَةٍ (فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ ثُمَّ لِتَمْشِ) إِذَا قَدَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ (مِنْ حَيْثُ عَجَزَتْ) فَتَمْشِي مَا رَكِبَتْ (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ وَنَرَى عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: مَشْيُ مَا رَكِبَتْ (الْهَدْيَ) لِتَفْرِيقِ الْمَشْيِ اللَّازِمِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فَجَعَلَ فِي سَفَرَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَطَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ.

ص: 88

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَا يَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1027 -

1011 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (كَانَا يَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) يَمْشِي مِنْ حَيْثُ عَجَزَ.

ص: 88

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ عَلَيَّ مَشْيٌ فَأَصَابَتْنِي خَاصِرَةٌ فَرَكِبْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ فَسَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرَهُ فَقَالُوا عَلَيْكَ هَدْيٌ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ سَأَلْتُ عُلَمَاءَهَا فَأَمَرُونِي أَنْ أَمْشِيَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ حَيْثُ عَجَزْتُ فَمَشَيْتُ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ يَقُولُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنَّهُ إِذَا عَجَزَ رَكِبَ ثُمَّ عَادَ فَمَشَى مِنْ حَيْثُ عَجَزَ فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيَرْكَبْ وَعَلَيْهِ هَدْيُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ إِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا هِيَ

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أَنَا أَحْمِلُكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَقَالَ مَالِكٌ إِنْ نَوَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةَ وَتَعَبَ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلْيَمْشِ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلْيُهْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى شَيْئًا فَلْيَحْجُجْ وَلْيَرْكَبْ وَلْيَحْجُجْ بِذَلِكَ الرَّجُلِ مَعَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أَحْمِلُكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِنُذُورٍ مُسَمَّاةٍ مَشْيًا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ بِكَذَا وَكَذَا نَذْرًا لِشَيْءٍ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ وَلَوْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ لَعُرِفَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ عُمْرُهُ مَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ هَلْ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ نَذْرٌ وَاحِدٌ أَوْ نُذُورٌ مُسَمَّاةٌ فَقَالَ مَالِكٌ مَا أَعْلَمُهُ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْوَفَاءُ بِمَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ وَلْيَتَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ الْخَيْرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1028 -

1012 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَلَيَّ مَشْيٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّهُ لَزِمَهُ بِنَذْرٍ وَأَمَّا الْيَمِينُ بِمِثْلِ هَذَا فَمَكْرُوهٌ (فَأَصَابَتْنِي خَاصِرَةٌ) ؛ أَيْ: وَجَعُهَا (فَرَكِبْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ فَسَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرَهُ فَقَالُوا: عَلَيْكَ هَدْيٌ) بِدُونِ إِعَادَةِ الْمَشْيِ (فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ سَأَلْتُ عُلَمَاءَهَا فَأَمَرُونِي أَنْ أَمْشِيَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ حَيْثُ

ص: 88

عَجَزْتُ) وَلَا هَدْيَ (فَمَشَيْتُ) أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ لِاخْتِلَافِهِمْ عَلَيْهِ.

(قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ يَقُولُ: عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنَّهُ إِذَا عَجَزَ رَكِبَ) إِذْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (ثُمَّ عَادَ فَمَشَى مِنْ حَيْثُ عَجَزَ) إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ بَعْدُ (فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ) جَمِيعَهُ (فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ) وَلَوْ قَلَّ (ثُمَّ لِيَرْكَبْ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ) مِنَ الْإِبِلِ (أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ) تُجْزِئُهُ (إِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا هِيَ) فَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لَمْ تُجْزِهِ، وَفِي الْوَاضِحَةِ: تُجْزِئُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِنَّمَا أَوْجَبَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ الْهَدْيَ دُونَ الصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ الْمَشْيَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَأَفْضَلُ الْقُرُبَاتِ بِمَكَّةَ إِرَاقَةُ الدِّمَاءِ إِحْسَانًا لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَالْمَوْسِمِ.

(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: أَنَا أَحْمِلُكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَكَّةَ (فَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ نَوَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةَ وَتَعَبَ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَمْلُهُ وَلَا إِحْجَاجُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إِحْجَاجَهُ وَإِنَّمَا قَصَدَ حَمْلَهُ عَلَى عُنُقِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا أَحْمِلُ هَذَا الْعَمُودَ وَشِبْهَهُ إِذْ لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ هُوَ الْحَجُّ مَاشِيًا كَمَا قَالَ.

(وَلْيَمْشِ عَلَى رِجْلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَضْمُونُ كَلَامِهِ لِأَنَّ مَنْ حَمَلَ ثِقَلًا إِنَّمَا يَحْمِلُهُ مَاشِيًا فَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ.

(وَلْيُهْدِ) يُرِيدُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ كَنَذْرِ الْحَفَاءِ انْتَهَى.

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى شَيْئًا) ؛ أَيْ: إِتْعَابَ نَفْسِهِ (فَلْيَحْجُجْ وَلْيَرْكَبْ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَدِّلُ نِيَّتَهُ عَنِ الْقُرْبَةِ لَزِمَهُ الْحَجُّ رَاكِبًا (وَلْيَحْجُجْ بِذَلِكَ الرَّجُلِ مَعَهُ) لِأَنَّ لَفْظَهُ اقْتَضَى إِحْجَاجَهُ (وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَحْمِلُكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ) لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إِرَادَةِ الرَّجُلِ (فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) بِسَبَبِ الرَّجُلِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ الْحَجَّ يَسْقُطُ عَنْهُ (وَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: فَعَلَهُ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: دَلَّتِ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ قَصَدَ الْمَشَقَّةَ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: " نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَاسْتَفْتَيْتُ لَهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لِتَمْشِ يَعْنِي مَا قَدَرَتْ وَلْتَرْكَبْ وَلَا شَيْءَ

ص: 89

عَلَيْهَا " فَلَمْ يَأْمُرْهَا بِهَدْيٍ وَلَمْ يُلْزِمْهَا مَا عَجَزَتْ عَنْهُ.

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ نَذْرِهَا مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ» " وَفِي رِوَايَةٍ فِيهَا ضَعْفٌ وَلْتُهْدِ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُقْبَةَ: " «نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً إِلَى بَيْتِ اللَّهِ غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مُرْ أُخْتَكَ فَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَرْكَبْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» "؛ أَيْ: لِأَنَّهَا حَلَفَتْ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "«إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا فَلْتَحُجَّ رَاكِبَةً وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا» " «وَرَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَتَهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ فَرَكِبَ» وَلَمْ يَذْكُرْ هَدْيًا وَلَا صَوْمًا.

(قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِنُذُورٍ مُسَمَّاةٍ مَشْيًا) بِالنَّصْبِ حَالٌ أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَفِي نُسْخَةٍ " مَشْيٍ " بِالْخَفْضِ بَدَلٌ مِنْ نُذُورٍ (إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ بِكَذَا أَوْ كَذَا نَذْرًا لِشَيْءٍ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ وَلَوْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ لَعُرِفَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ عُمْرُهُ مَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ نَذْرٌ وَاحِدٌ أَوْ نُذُورٌ مُسَمَّاةٌ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: مَا أَعْلَمُهُ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْوَفَاءُ بِمَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ) وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ (فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الزَّمَانِ وَلْيَتَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنَ الْخَيْرِ) الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ.

ص: 90

[بَاب الْعَمَلِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْمَرْأَةِ فَيَحْنَثُ أَوْ تَحْنَثُ أَنَّهُ إِنْ مَشَى الْحَالِفُ مِنْهُمَا فِي عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِذَا سَعَى فَقَدْ فَرَغَ وَأَنَّهُ إِنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مَشْيًا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا وَلَا يَزَالُ مَاشِيًا حَتَّى يُفِيضَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَكُونُ مَشْيٌ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

3 -

بَابُ الْعَمَلِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ.

- (مَالِكٌ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَفِي نُسْخَةٍ سَمِعْتُ (مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوِ الْمَرْأَةِ فَيَحْنَثُ) الرَّجُلُ (أَوْ تَحْنَثُ) الْمَرْأَةُ (أَنَّهُ إِنْ مَشَى الْحَانِثُ مِنْهُمَا فِي عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِذَا سَعَى فَقَدْ فَرَغَ) فَتَبَرُّ يَمِينُهُ

ص: 90

(وَأَنَّهُ إِنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ) كُلٌّ مِنْهُمَا (مَشْيًا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا وَلَا يَزَالُ مَاشِيًا حَتَّى يُفِيضَ) يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَكُونُ مَشْيٌ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) لَا فِي غَيْرِهِمَا.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الْحَالِفَ بِالْمَشْيِ إِلَى مَكَّةَ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ، وَعَلَيْهِ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ إِلَّا رِوَايَةً رَوَاهَا الْعُدُولُ الثِّقَاتُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ أَفْتَى ابْنَهُ عَبْدَ الصَّمَدِ وَكَانَ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إِلَى مَكَّةَ فَحَنَثَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَقَالَ لَهُ أَفْتَيْتُكَ بِقَوْلِ اللَّيْثِ فَإِنْ عُدْتَ لَمْ أُفْتِكَ إِلَّا بِقَوْلِ مَالِكٍ وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى أَنَّ الْحَالِفَ بِهِ أَوْ بِصِيَامٍ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَيْمَانِ إِلَّا الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ الطَّلَاقِ إِنْ حَنَثَ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89](سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 89) فَعَلَى كُلِّ حَالِفٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِلَّا الطَّلَاقَ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ خَصَّصَهُ وَلَمْ يُجْمِعُوا فِي الْعِتْقِ.

ص: 91

[بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النُّذُورِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ وَثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى صَاحِبِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ مَا بَالُ هَذَا فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَسْتَظِلَّ مِنْ الشَّمْسِ وَلَا يَجْلِسَ وَيَصُومَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَجْلِسْ وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ» قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ وَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً وَيَتْرُكَ مَا كَانَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً

ـــــــــــــــــــــــــــــ

4 -

بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النُّذُورِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.

1029 -

1013 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ) الْمَكِّيِّ (وَثَوْرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ (ابْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) مُرْسَلًا قَالَ أَبُو عُمَرَ: يَتَّصِلُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَمِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَ: وَأَظُنُّ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ هُوَ هَذَا لِأَنَّ مُجَاهِدًا رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ صَاحِبُ مُجَاهِدٍ (وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى صَاحِبِهِ) فَجَمَعَ حَدِيثَهُمَا دُونَ بَيَانِ زِيَادَةٍ لِأَحَدٍ لِجَوَازِ ذَلِكَ، وَقَدْ فَعَلَهُ شَيْخُهُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا) وَفِي الْبُخَارِيِّ: «بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالَ

ص: 91

أَبُو إِسْرَائِيلَ» وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ جَابِرٍ «كَانَ أَبُو إِسْرَائِيلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ فَنَذَرَ لَيَقُومَنَّ فِي الشَّمْسِ حَتَّى يُصَلِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الْجُمُعَةَ وَلَيَصُومَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ» .

قَالَ الْحَافِظُ: قِيلَ: اسْمُهُ قُشَيْرٌ بِقَافٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مُصَغَّرٌ، وَقِيلَ: يَسِيرٌ بِتَحْتِيَّةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرٌ أَيْضًا، وَقِيلَ: قَيْصَرُ بِقَافٍ وَصَادٍ بِاسْمِ مَلِكِ الرُّومِ، وَقِيلَ: قَيْسَرُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الصَّادِ، وَقِيلَ: قَيْصٌ بِغَيْرِ رَاءٍ فِي آخِرِهِ، وَفِي مُبْهَمَاتِ الْخَطِيبِ أَنَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ أَنْصَارِيٌّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَلَا يُشَارِكُهُ فِي كُنْيَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ (قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟) مَا حَالُهُ ( «فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَسْتَظِلَّ مِنَ الشَّمْسِ وَلَا يَجْلِسَ وَيَصُومَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَجْلِسْ» ) لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِي عَدَمِ الثَّلَاثَةِ (وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يُسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ) فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ عَلَيْهِ مَعَ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ( «وَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً» ) وَهُوَ الصِّيَامُ (وَيَتْرُكَ مَا كَانَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً) ؛ أَيْ: مَا حُكْمُهُ حُكْمُهَا فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا الْكَفَّارَةُ، وَإِلَّا فَالْقِيَامُ وَعَدَمُ الْكَلَامِ وَالِاسْتِظْلَالُ لَيْسَتْ مَعْصِيَةً لِذَاتِهَا إِذْ أَصْلُهَا مُبَاحٌ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: سَمَّاهُ مَعْصِيَةً وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا لِأَنَّهُ إِذَا نَذَرَ كَانَ مَعْصِيَةً، إِذْ لَا يَحِلُّ نَذْرُ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَإِنْ فَعَلَهُ بِالنَّذْرِ عَصَى وَبِغَيْرِ نَذْرٍ مُبَاحٌ، وَأَيْضًا لِأَنَّهُ إِذَا بَلَغَ بِهِ حَدَّ الضَّرَرِ وَالْعَنَتِ كَانَ مَعْصِيَةً فُعِلَ بِنَذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ انْتَهَى.

وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي إِسْرَائِيلَ نَفْسِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرٍ.

ص: 92

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَتَتْ امْرَأَةٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَتْ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تَنْحَرِي ابْنَكِ وَكَفِّرِي عَنْ يَمِينِكِ فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَيْفَ يَكُونُ فِي هَذَا كَفَّارَةٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} [المجادلة: 3] مِنْكُمْ {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ مَا قَدْ رَأَيْتَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1030 -

1014 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: يَحْيَى (سَمِعَهُ) ؛ أَيْ: الْقَاسِمَ (يَقُولُ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ

ص: 92

ابْنِي، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَنْحَرِي ابْنَكِ وَكَفِّرِي عَنْ يَمِينِكِ) بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَنْحَرُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ دِيَتَهُ.

وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا يَنْحَرُ كَبْشًا كَمَا فَدَى بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَتَلَا. {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107](سُورَةُ الصَّافَّاتِ: الْآيَةُ 107) وَرُوِيَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ: " «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» " وَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ.

وَرُوِيَ الْأَخِيرَانِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: سَمَّاهُ يَمِينًا لِأَنَّ كَفَّارَتَهُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ عِنْدَهُ وَلَعَلَّهُ مِنْهَا أَنَّهَا أَتَتْ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ (فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَكَيْفَ يَكُونُ فِي هَذَا كَفَّارَةٌ؟) وَهُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] (سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةُ 2) ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ مَا رَأَيْتَ) فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. . . إِلَخْ مَعَ أَنَّهُ قَالَ: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2](سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةُ 2) فَكَذَلِكَ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْكَفَّارَةُ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا مَعْنَى لِلِاعْتِبَارِ فِي ذَلِكَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ بِنَذْرٍ، وَنَذْرُ الْمَعْصِيَةِ جَاءَ فِيهِ نَصُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلًا فِي الْحَدِيثِ اللَّاحِقِ:" «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ» " وَفِعْلًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ يَعْنِي السَّابِقَ قَبْلَ أَثَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

ص: 93

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ أَنْ يَنْذِرَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى الشَّامِ أَوْ إِلَى مِصْرَ أَوْ إِلَى الرَّبَذَةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ إِنْ كَلَّمَ فُلَانًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِنْ هُوَ كَلَّمَهُ أَوْ حَنِثَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَاعَةٌ وَإِنَّمَا يُوَفَّى لِلَّهِ بِمَا لَهُ فِيهِ طَاعَةٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1031 -

1015 - (مَالِكٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا يَاءٌ تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثِقَةٌ مَرْضِيٌّ حُجَّةٌ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ» ) عز وجل كَأَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ مَثَلًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ أَوْ يَصُومُ نَفْلًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْتَحَبِّ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ (فَلْيُطِعْهُ) بِالْجَزْمِ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَيَنْقَلِبُ الْمُسْتَحَبُّ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ وَيَتَقَيَّدُ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ النَّاذِرُ.

(وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ (فَلَا يَعْصِهِ) لِحُرْمَةِ وَفَائِهِ بِذَلِكَ النَّذْرِ، إِذْ مَفْهُومُ النَّذْرِ شَرْعًا إِيجَابُ الْمُبَاحِ وَهُوَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الطَّاعَاتِ، وَأَمَّا الْمَعَاصِي فَلَا شَيْءَ فِيهَا مُبَاحٌ حَتَّى يَجِبَ بِالنَّذْرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ النَّذْرُ، فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْعِيدِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَوْ نَذَرَ نَحْرَ وَلَدِهِ فَبَاطِلٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ

ص: 93

مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَفُقَهَاءُ الْحِجَازِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَسَائِرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ مُسْنَدًا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَاصِمٍ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ وَأَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ طَلْحَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيَّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَا أَظُنُّهُ سَقَطَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ إِلَّا عِنْدَ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيِّ فَلَمْ يُسْنِدْهُ وَإِنَّمَا (قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ أَنْ يَنْذِرَ الرَّجُلُ» ) أَوِ الْمَرْأَةُ (أَنْ يَمْشِيَ إِلَى الشَّامِ أَوْ إِلَى مِصْرَ) بِمَنْعِ الصَّرْفِ الْبَلَدُ الْمَعْرُوفُ (أَوْ إِلَى الرَّبَذَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَرْيَةٌ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَتْ عَامِرَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَبِهَا قَبْرُ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.

(أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ، إِنْ كَلَّمَ فُلَانًا) شَرَطَ فِي قَوْلِهِ أَنْ يَمْشِيَ (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِنْ هُوَ كَلَّمَهُ أَوْ حَنَثَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ) غَيْرُ الْكَلَامِ (لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَاعَةٌ) وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ نَذْرُهُ وَيَحْرُمُ فِعْلُهُ بِالنَّذْرِ عَلَى مَا قَالَ الْبَاجِيُّ أَوْ يَلْحَقُ بِالْمَعْصِيَةِ فِي الْحُكْمِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو عُمَرَ.

(وَإِنَّمَا يُوَفَّى لِلَّهِ بِمَا لَهُ فِيهِ طَاعَةٌ) وُجُوبًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ: " «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ".

ص: 94

[بَاب اللَّغْوِ فِي الْيَمِينِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُوجَدُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ اللَّغْوُ.

قَالَ مَالِكٌ وَعَقْدُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَبِيعَ ثَوْبَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِذَلِكَ أَوْ يَحْلِفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ ثُمَّ لَا يَضْرِبُهُ وَنَحْوَ هَذَا فَهَذَا الَّذِي يُكَفِّرُ صَاحِبُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَيْسَ فِي اللَّغْوِ كَفَّارَةٌ.

قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ وَيَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا أَوْ لِيَعْتَذِرَ بِهِ إِلَى مُعْتَذَرٍ إِلَيْهِ أَوْ لِيَقْطَعَ بِهِ مَالًا فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5 -

بَابُ اللَّغْوِ فِي الْيَمِينِ.

1032 -

1016 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ: لَا وَاللَّهِ لَا وَاللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ: وَبَلَى وَاللَّهِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:

ص: 94

؛ أَيْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِذَا قَالَهَا مُفْرَدَةً لَغْوٌ، فَلَوْ قَالَهُمَا مَعًا فَالْأُولَى لَغْوٌ وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةٌ لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ مَقْصُودٌ.

وَفِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الصَّائِغِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَغْوُ الْيَمِينِ هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: كَلَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ» .

وَأَشَارَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى عَطَاءٍ وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أُنْزِلَتْ: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89](سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 89) فِي قَوْلِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ (قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُوجَدُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ اللَّغْوُ) الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَأَمَّا: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ، فَفِيهِمَا الْكَفَّارَةُ. (وَعَقْدُ الْيَمِينِ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89](سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 89) هُوَ (أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَبِيعَ ثَوْبَهُ) مَثَلًا (بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِذَلِكَ أَوْ يَحْلِفُ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ ثُمَّ لَا يَضْرِبُهُ وَنَحْوَ هَذَا) كَلَا يَأْكُلُ كَذَا ثُمَّ يَأْكُلُهُ، أَوْ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا ثُمَّ يُكَلِّمُهُ.

(فَهَذَا الَّذِي يُكَفِّرُ صَاحِبُهُ عَنْ يَمِينِهِ.

وَلَيْسَ فِي اللَّغْوِ كَفَّارَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89](وَأَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِثْمٌ وَهُوَ يَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ) يَقِينًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا (لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا أَوْ لِيَعْتَذِرَ بِهِ إِلَى مُعْتَذَرٍ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالذَّالِ (إِلَيْهِ أَوْ لِيَقْطَعَ) وَفِي نُسْخَةٍ: لِيَقْتَطِعَ (بِهِ مَالًا فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ) وَهِيَ الْغَمُوسُ لِغَمْسِ صَاحِبِهَا فِي الْإِثْمِ.

ص: 95

[بَاب مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْيَمِينِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ قَالَ وَاللَّهِ ثُمَّ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الثُّنْيَا أَنَّهَا لِصَاحِبِهَا مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نَسَقًا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا قَبْلَ أَنْ يَسْكُتَ فَإِذَا سَكَتَ وَقَطَعَ كَلَامَهُ فَلَا ثُنْيَا لَهُ.

قَالَ يَحْيَى وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ كَفَرَ بِاللَّهِ أَوْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ ثُمَّ يَحْنَثُ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُشْرِكٍ حَتَّى يَكُونَ قَلْبُهُ مُضْمِرًا عَلَى الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا يَعُدْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

6 -

بَابُ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنَ الْيَمِينِ.

1033 -

1017 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ وَاللَّهِ) لَأَفْعَلَنَّ كَذَا (ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَجْلِ اسْتِثْنَائِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ وَعَدَمَهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْوُقُوعُ بِخِلَافِهَا مُحَالٌ، وَهَذَا قَدْ رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:" «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: " فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ " وَقَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ أَيُّوبَ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمَحْفُوظُ وَقْفُهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ غَيْرَهُ رَفَعَهُ أَيْضًا وَرِجَالَهُ ثِقَاتٌ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

(قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الثُّنْيَا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مِنْ: ثَنَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا عَطَفْتَهُ، وَالْمُرَادُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ؛ أَيِ: الْإِخْرَاجُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ الْمُسْتَثْنِيَ عَطَفَ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ عُرْفًا إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ (أَنَّهَا لِصَاحِبِهَا مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ) بَلْ وَصَلَهُ بِالْيَمِينِ (وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نَسَقًا يَتْبَعُ بَعْضًا قَبْلَ أَنْ يَسْكُتَ فَإِذَا سَكَتَ وَقَطَعَ كَلَامَهُ فَلَا ثُنْيَا لَهُ) أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْفَاءِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّعْقِيبِ بِلَا تَرَاخٍ فَمَتَى انْفَصَلَ لَمْ يُؤَثِّرْ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ كَفَرَ بِاللَّهِ وَأَشْرَكَ بِاللَّهِ) أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا (ثُمَّ يَحْنَثُ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ فَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِيَمِينٍ (وَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُشْرِكٍ حَتَّى يَكُونَ قَلْبُهُ مُضْمَرًا عَلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ) فَمَتَى كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَمْ يَكْفُرْ بِقَوْلِ ذَلِكَ وَإِنْ أَثِمَ (وَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ) يَتُوبُ إِلَيْهِ (وَلَا يَعُدْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ) وَإِنَّمَا لَمْ يَكْفُرْ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ حَلَفَ

ص: 96

فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» " وَلَمْ يَنْسُبْهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْكُفْرِ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَمَرَهُ بِتَمَامِ الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ.

وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَفَعَهُ " «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ» " وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَالْمُرَادُ بِهِ التَّهْدِيدُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْوَعِيدِ لَا الْحُكْمُ بِكُفْرِهِ كَأَنَّهُ قَالَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ مِثْلُ عَذَابِ مَنِ اعْتَقَدَ مَا قَالَ، وَالْمُرَادُ بِالْكُفْرِ كُفْرُ النِّعْمَةِ بِفِعْلِهِ فِعْلَ الْكُفَّارِ إِذْ كَانُوا يَحْلِفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَكَفْرُ نِعْمَتِهِ بِتَعْظِيمِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْظِيمُهُ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِاللَّهِ فَالْحَالِفُ بِغَيْرِهِ مُعَظِّمٌ لَهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ.

ص: 97

[بَاب مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْأَيْمَانِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ مَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا إِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا التَّوْكِيدُ فَهُوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِرَارًا يُرَدِّدُ فِيهِ الْأَيْمَانَ يَمِينًا بَعْدَ يَمِينٍ كَقَوْلِهِ وَاللَّهِ لَا أَنْقُصُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا يَحْلِفُ بِذَلِكَ مِرَارًا ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَكَفَّارَةُ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ مَثَلًا فَقَالَ وَاللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَلَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا أَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَكَانَ هَذَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ إِنْ كَسَوْتُكِ هَذَا الثَّوْبَ وَأَذِنْتُ لَكِ إِلَى الْمَسْجِدِ يَكُونُ ذَلِكَ نَسَقًا مُتَتَابِعًا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ حَنِثَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ حِنْثٌ إِنَّمَا الْحِنْثُ فِي ذَلِكَ حِنْثٌ وَاحِدٌ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نَذْرِ الْمَرْأَةِ إِنَّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَيَثْبُتُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي جَسَدِهَا وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِزَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِزَوْجِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

7 -

بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنَ الْأَيْمَانِ.

1034 -

1018 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ) بِضَمِّ السِّينِ (بْنِ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سُهَيْلٍ أَيْضًا (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ السَّمَّانِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى» ) غَيْرَهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ فَهُوَ مَفْعُولُ رَأَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ: (خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) يَعْنِي مَنْ حَلَفَ يَمِينًا حَقًّا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَمْرٌ فِعْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَارِ يَمِينِهِ فَلْيَفْعَلْهُ وَلْيُكَفِّرْ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ إِجْزَاءُ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَهُوَ الثَّابِتُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِالْحِنْثِ، وَلِعَجَبٍ أَنَّهُمْ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمْ إِلَّا بِتَمَامِ الْحَوْلِ، وَأَجَازُوا تَقْدِيمَهَا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْوُوا فِي ذَلِكَ مِثْلَ هَذِهِ الْآثَارِ، وَأَبَوْا مِنْ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ مَعَ كَثْرَةِ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ، وَالْحُجَّةُ فِي السُّنَّةِ وَمَنْ خَالَفَهَا مَحْجُوجٌ بِهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا.

ص: 97

(قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: مَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) بِاللَّهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ بِدُونِ قَوْلِهِ:" إِذَا لَمْ يُسَمِّ " فَحَمَلَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى النَّذْرِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ، أَمَّا الْمُقَيَّدُ فَهُوَ الْمُعَيَّنُ فَلَا بُدَّ مِنَ الْوَفَاءِ بِهِ، وَأَمَّا حَمْلُ بَعْضِهِمْ لَهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى رِوَايَةِ سُقُوطِ " إِذَا لَمْ يُسَمِّ " لَكِنَّ الْمَخْرَجَ مُتَّحِدٌ وَالْحَدِيثَ وَاحِدٌ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ.

(فَأَمَّا التَّوْكِيدُ فَهُوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ) زَادَ ابْنُ وَضَّاحٍ مِرَارًا (يُرَدِّدُ فِيهِ الْأَيْمَانَ يَمِينًا بَعْدَ يَمِينٍ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أَنْقُصُهُ) بِإِسْكَانِ النُّونِ وَضَمِّ الْقَافِ وَالصَّادِ (مِنْ كَذَا وَكَذَا يَحْلِفُ بِذَلِكَ مِرَارًا ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَكَفَّارَةُ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) زِيَادَةٌ فِي الْإِيضَاحِ (فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ مَثَلًا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَلَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا أَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَكَانَ هَذَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ) صِفَةُ يَمِينٍ لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ (فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) إِذَا حَنَثَ (وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ الطَّلَاقُ إِنْ كَسَوْتُكِ هَذَا الثَّوْبَ وَأَذِنْتُ لَكِ إِلَى الْمَسْجِدِ يَكُونُ ذَلِكَ نَسَقًا مُتَتَابِعًا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ) بَيَانٌ لِنَسَقًا (فَإِنْ حَنَثَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ حِنْثٌ) لِأَنَّ حِنْثَ الْيَمِينِ يُسْقِطُهَا (إِنَّمَا الْحِنْثُ فِي ذَلِكَ حِنْثٌ وَاحِدٌ) لَا يَتَعَدَّدُ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نَذْرِ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا

ص: 98

يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَيَثْبُتُ) يَسْتَمِرُّ وُجُوبُهُ عَلَيْهَا (إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي جَسَدِهَا وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِزَوْجِهَا) فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ (وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِزَوْجِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَهُ) بِأَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِيهِ أَوْ تَتَأَيَّمَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَالِهَا فَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ.

ص: 99

[بَاب الْعَمَلِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَوَكَّدَهَا ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَمَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَلَمْ يُؤَكِّدْهَا ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

8 -

بَابُ الْعَمَلِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.

1035 -

1019 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَوَكَّدَهَا) قَالَ أَيُّوبُ: قُلْتُ لِنَافِعٍ مَا التَّوْكِيدُ؟ قَالَ: تِرْدَادُ الْأَيْمَانِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ (ثُمَّ حَنَثَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ كُسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) وَلَا يَكْفِي الْإِطْعَامُ عِنْدَهُ (وَمَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَلَمْ يُؤَكِّدْهَا) ؛ أَيْ: لَمْ يُكَرِّرْهَا (ثُمَّ حَنَثَ فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) أُرِيدَ مَا يَشْمَلُ الْفُقَرَاءَ (لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ (مِنْ حِنْطَةٍ) وَنَحْوِهَا، قَالَ تَعَالَى:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89](سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 9){فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] كَفَّارَتُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَتَابُعَهَا.

ص: 99

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ وَكَانَ يَعْتِقُ الْمِرَارَ إِذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1036 -

1020 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ وَكَانَ يُعْتِقُ الْمِرَارَ) ؛ أَيِ: الْمُتَعَدِّدَ وَفِي نُسْخَةٍ " مِرَارًا " بِالتَّنْكِيرِ (إِذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ) عَلَى مَذْهَبِهِ.

ص: 99

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ إِذَا أَعْطَوْا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَعْطَوْا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ وَرَأَوْا ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْهُمْ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِالْكِسْوَةِ أَنَّهُ إِنْ كَسَا الرِّجَالَ كَسَاهُمْ ثَوْبًا ثَوْبًا وَإِنْ كَسَا النِّسَاءَ كَسَاهُنَّ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ دِرْعًا وَخِمَارًا وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يُجْزِئُ كُلًّا فِي صَلَاتِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1036 -

1021

ص: 99

- (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ (أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ) يَعْنِي الصَّحَابَةَ (وَهُمْ إِذَا أَعْطَوْا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَعْطَوْا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ) قَمْحٍ (بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ) ؛ أَيْ: مُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَرَأَوْا ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُمْ) لِأَنَّ جَمِيعَ الْكَفَّارَاتِ بِهِ مَا عَدَا الظِّهَارَ كَمَا مَرَّ.

(قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِالْكُسْوَةِ أَنَّهُ إِنْ كَسَا الرِّجَالَ كَسَاهُمْ ثَوْبًا ثَوْبًا) بِالتَّكْرِيرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ (وَإِنْ كَسَا النِّسَاءَ كَسَاهُنَّ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ) لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ (دِرْعًا) ؛ أَيْ: قَمِيصًا (وَخِمَارًا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مَا يَسْتُرُ الْوَجْهَ بَيَانٌ لِلثَّوْبَيْنِ (وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يُجْزِئُ كُلًّا) مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (فِي صَلَاتِهِ) لَكِنَّ كَوْنَ ذَلِكَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ الرِّجَالَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ إِذِ الْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ.

ص: 100

[بَاب جَامِعِ الْأَيْمَانِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

9 -

بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ.

1037 -

1022 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) اتَّفَقَتِ الرُّوَاةُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَكَى يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْعُمَرِيَّ الْمُكَبِّرَ الضَّعِيفَ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ (أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ) رَاكِبِي الْإِبِلِ عَشَرَةٌ فَصَاعِدًا، وَفِي مُسْنَدِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ فِي غَزَاةٍ (وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ) وَفِي رِوَايَةِ

ص: 100

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) زَادَ الْقَعْنَبِيُّ: أَلَا ( «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» ) لِأَنَّ الْحَلِفَ بِشَيْءٍ يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ وَالْعَظَمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هِيَ لِلَّهِ وَحْدَهُ.

وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: " قَالَ عُمَرُ: «حَدَّثْتُ قَوْمًا حَدِيثًا فَقُلْتُ: لَا وَأَبِي، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ حَلَفَ بِالْمَسِيحِ هَلَكَ وَالْمَسِيحُ خَيْرٌ مِنْ آبَائِكُمْ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا مُرْسَلٌ يَتَقَوَّى بِشَوَاهِدَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مُنْكَرَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ يَرُدَّهَا الْآثَارُ الصِّحَاحُ، وَقِيلَ: أَنَّهَا مُصَحَّفَةٌ مِنْ قَوْلِهِ وَاللَّهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَلَكِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الصِّدِّيقِ فِي قِصَّةِ السَّارِقِ الَّذِي سَرَقَ حُلِيِّ ابْنَتِهِ فَقَالَ: وَأَبِيكَ لَأُنَبِّئَنَّكَ أَوْ لَأُحَدِّثَنَّكَ.

وَأَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ مَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَارْتَضَاهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كَانَ يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدُوا بِهِ الْقَسَمَ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ الْحَلِفِ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا؛ أَيْ: أَفْلَحَ وَرَبِّ أَبِيهِ، قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا انْتَهَى.

وَمَرَّ لِهَذَا مَزِيدٌ فِي الصَّلَاةِ، وَجُمْلَةُ " يَنْهَاكُمْ " فِي مَحَلِّ رَفْعِ خَبَرِ " أَنَّ "، وَ " أَنَّ " مَصْدَرِيَّةٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عِنْدَ الْخَلِيلِ وَالْكِسَائِيِّ أَوْ جَرٍّ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الْجَرِّ؛ أَيْ: يَنْهَاكُمْ عَنْ أَنْ تَحْلِفُوا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَحُكْمُ غَيْرِ الْآبَاءِ مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ كَالْآبَاءِ فِي النَّهْيِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ، وَالْحَاكِمِ وَقَالَ: صَحِيحٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَا وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ: لَا تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ» " وَالتَّعْبِيرُ بِذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ، وَهَلِ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ أَوِ التَّنْزِيهِ؟ قَوْلَانِ شُهِرَا مَعًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِلتَّحْرِيمِ، وَبِهِ قَالَ الظَّاهِرِيَّةُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمُرَادُهُ بِنَفْيِ الْجَوَازِ الْكَرَاهَةُ أَعَمُّ مِنَ التَّحْرِيمِ وَالتَّنْزِيهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ مَكْرُوهَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْحَلِفُ بِهَا، وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَدِيثُ بِالْآبَاءِ لِوُرُودِهِ عَلَى سَبَبِهِ الْمَذْكُورِ أَوْ لِكَوْنِهِ غَالِبَ حَلِفِهِمْ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى:«وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا» ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ قَوْلُهُ:(مَنْ كَانَ حَالِفًا) ؛ أَيْ: مُرِيدًا لِلْحَلِفِ (فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ) لَا بِغَيْرِهِ مِنَ الْآبَاءِ وَغَيْرِهِمْ (أَوْ لِيَصْمُتْ) بِضَمِّ الْمِيمِ كَمَا ضَبَطَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَكَأَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الطُّوفِيُّ سَمِعْنَاهُ بِكَسْرِهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ قِيَاسَ فَعَلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ يَفْعِلُ بِكَسْرِهَا كَـ " ضَرَبَ يَضْرِبُ، وَيَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ فِيهِ دَخِيلٌ كَمَا فِي خَصَائِصِ ابْنِ جِنِّي انْتَهَى.

؛ أَيْ: لَا يَحْلِفْ لَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّمْتُ إِذَا لَمْ يَحْلِفْ بِاللَّهِ، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى:{سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193](سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 193) ؛ أَيْ: أَمْ لَمْ تَدْعُوهُمْ، وَالتَّخْيِيرُ فِي حَقِّ

ص: 101

مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَحْلِفُ لِيَبْرَأَ أَوْ يَتْرُكَ وَيَغْرَمَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ مُبَاحَةٌ لِأَنَّ أَقَلَّ مَرَاتِبِ الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَقْلًا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَلَفَ كَثِيرًا وَأَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ. {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] (سُورَةُ يُونُسَ: الْآيَةُ 53) وَنَظَرًا لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَ " مِنْ " شَرْطِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَكَانَ وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ، وَظَاهِرُهُ تَخْصِيصُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ خَاصَّةً، لَكِنِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ بِاللَّهِ وَذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الْعَلِيَّةِ، فَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بِاللَّهِ الذَّاتُ لَا خُصُوصُ لَفْظِ اللَّهِ، فَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ كَانَ الْمَحْلُوفُ بِهِ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكَعْبَةِ أَوْ لَا كَالْآحَادِ، أَوْ يَسْتَحِقُّ التَّحْقِيرَ كَالشَّيَاطِينِ وَالْأَصْنَامِ، وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ وَلَا كَفَّارَةَ، نَعَمْ اسْتَثْنَى بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ مِنْ ذَلِكَ الْحَلِفَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ بِهِ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَحَدُ رُكْنَيِ الشَّهَادَةِ الَّتِي لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِهِ، بَلْ وَلَا جَوَازُ الْحَلِفِ بِهِ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ صِحَّةِ هَذَا النَّهْيِ الصَّرِيحِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ كَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِيُعَجِّبَ بِهَا الْمَخْلُوقِينَ وَيُعَرِّفَهُمْ قُدْرَتَهُ لِعِظَمِ شَأْنِهَا عِنْدَهُمْ وَلِدَلَالَتِهَا عَلَى خَالِقِهَا، أَمَّا الْمَخْلُوقُ فَلَا يُقْسِمُ إِلَّا بِالْخَالِقِ كَمَا قِيلَ:

وَيُقَبِّحُ مَنْ سِوَاكَ الشَّيْءَ عِنْدِي وَتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْكَ ذَاكَا وَزَادَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ؛ أَيْ: حَاكِيًا عَنْ غَيْرِي، أَيْ: مَا حَلَفْتُ بِأَبِي عَامِدًا وَلَا حَاكِيًا عَنْ غَيْرِي وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْحَاكِيَ لَا يُسَمَّى حَالِفًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَامِلَ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: وَلَا ذَكَرْتُهَا آثِرًا عَنْ غَيْرِي أَوْ ضَمَّنَ " حَلَفْتُ " مَعْنَى " تَكَلَّمْتُ "، أَوْ مَعْنَاهُ يَرْجِعُ إِلَى التَّفَاخُرِ بِالْآبَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا حَلَفْتُ بِآبَائِي ذَاكِرًا لِمَآثِرِهِمْ، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.

ص: 102

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1037 -

1023 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مَعْلُومٌ أَنَّ " بَلَاغَهُ " صَحِيحٌ، وَلَعَلَّ هَذَا بَلَغَهُ مِنْ شَيْخِهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، وَفِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ الثَّلَاثَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ) وَلَفْظُ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ بِسَنَدِهِ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، - وَلَفْظُ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: كُنْتُ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَحْلِفُ (لَا) نَفْيُ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَى الْيَمِينِ (وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ) بِتَقْلِيبِ أَغْرَاضِهَا وَأَحْوَالِهَا لَا بِتَقْلِيبِ ذَاتِ

ص: 102

الْقُلُوبِ، قَالَ الرَّاغِبُ: تَقْلِيبُ اللَّهِ الْقُلُوبَ وَالْأَبْصَارَ صَرْفُهَا عَنْ رَأْيٍ إِلَى رَأْيٍ وَالتَّقْلِيبُ الصَّرْفُ سُمِّيَ قَلْبُ الْإِنْسَانِ قَلْبًا لِكَثْرَةِ تَقَلُّبِهِ، وَيُعَبَّرُ بِالْقَلْبِ عَنِ الْمَعَانِي الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الرُّوحِ وَالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَبُو بَكْرٍ: الْقَلْبُ جُزْءٌ مِنَ الْبَدَنِ خَلَقَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ لِلْإِنْسَانِ مَحَلَّ الْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الْبَاطِنَةِ، وَجَعَلَ ظَاهِرَ الْبَدَنِ مَحَلَّ التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ، وَوَكَّلَ بِهَا مَلَكًا يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَشَيْطَانًا يَأْمُرُ بِالشَّرِّ، فَالْعَقْلُ بِنُورِهِ يَهْدِيهِ، وَالْهَوَى بِظُلْمَتِهِ يُغْوِيهِ، وَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ مُسَيْطِرٌ عَلَى الْكُلِّ، وَالْقَلْبُ يَتَقَلَّبُ بَيْنَ الْخَوَاطِرِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ، وَالْمَحْفُوظُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثَ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَحَنَثَ وَلَا نِزَاعَ فِي أَصْلِ ذَلِكَ، إِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي أَيِّ صِفَةٍ تَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ، وَالتَّحْقِيقُ اخْتِصَاصُهَا بِصِفَةٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ كَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ.

ص: 103

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ وَأُجَاوِرُكَ وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1039 -

1024 - (مَالِكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (بْنِ خَلْدَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ، كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَلِيَ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ.

وَرَوَيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَعَنْ جَدِّهِ عُمَرَ وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَالزُّهْرِيِّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ثِقَةٌ فَقِيهٌ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُهُمَا فِيمَا عَلِمْتُ، وَوَهَمَ الْعُقَيْلِيُّ فَسَمَّاهُ عُمَرَ، وَبَنُو خَلْدَةَ مَعْرُوفُونَ بِالْمَدِينَةِ لَهُمْ أَحْوَالٌ وَشَرَفٌ وَجَلَالَةٌ فِي الْفِقْهِ وَحَمْلِ الْعِلْمِ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ شَيْخِ الْإِمَامِ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ (أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَعِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي السَّائِبِ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَنِ ابْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ) بَشِيرًا وَقِيلَ رِفَاعَةَ وَوَهَمَ مَنْ سَمَّاهُ مَرْوَانَ (ابْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ) الْأَنْصَارِيَّ الْمَدَنِيَّ الْأَوْسِيَّ أَحَدَ النُّقَبَاءِ وَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ (حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ) مِنْ إِشَارَتِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ أَوْ مِنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَارْتَبَطَ بِسَارِيَةِ الْمَسْجِدِ حَتَّى نَزَلَ:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102](سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 102) الْآيَةَ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، فَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ رَبْطِهِ نَفْسَهُ وَتَعَدُّدُ النُّزُولِ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: " «أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ بَعَثُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنِ ابْعَثْ لَنَا أَبَا لُبَابَةَ فَبَعَثَهُ فَقَامَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَبْكُونَ فَرَقَّ لَهُمْ

ص: 103

فَقَالُوا: أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ إِنَّهُ الذَّبْحُ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَنَدِمْتُ وَاسْتَرْجَعْتُ فَنَزَلْتُ وَإِنَّ لِحْيَتِي لَمُبْتَلَّةٌ مِنَ الدُّمُوعِ وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ رُجُوعِي إِلَيْهِمْ حَتَّى أَخَذْتُ مِنْ وَرَاءِ الْحِصْنِ طَرِيقًا أُخْرَى حَتَّى جِئْتُ الْمَسْجِدَ وَارْتَبَطْتُ بِالْأُسْطُوَانَةِ الْمَخْلَقَةِ وَقُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْتُ، وَعَاهَدْتُ اللَّهَ أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا وَلَا أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا، فَلَمَّا بَلَغَهُ صلى الله عليه وسلم خَبَرُهُ وَكَانَ قَدِ اسْتَبْطَأَهُ قَالَ: أَمَا لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، وَأَمَّا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» " وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «أَنَّ تَوْبَةَ أَبِي لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهَا قَالَتْ: فَسَمِعْتُهُ مِنَ السَّحَرِ يَضْحَكُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ تَضْحَكُ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ؟ قَالَ: تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ، قُلْتُ: أَفَلَا أُبَشِّرُهُ؟ قَالَ: مَا شِئْتِ فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْحُجْرَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَثَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ حَتَّى يُطْلِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ أَطْلَقَهُ وَنَزَلَتْ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 102) الْآيَةَ» ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ ارْتَبَطَ بِسِلْسِلَةٍ ثَقِيلَةٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى ذَهَبَ سَمْعُهُ وَكَادَ يَذْهَبُ بَصَرُهُ فَكَانَتِ ابْنَتُهُ تَحُلُّهُ لِلصَّلَاةِ وَلِلْحَاجَةِ فَإِذَا فَرَغَ أَعَادَتْهُ.

وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ ارْتَبَطَ سِتَّ لَيَالٍ تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فَتَحُلُّهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ تَرْبُطُهُ، فَلَعَلَّ امْرَأَتَهُ تَقَيَّدَتْ بِهِ فِي السِّتِّ وَابْنَتَهُ فِي بَاقِي الْبِضْعَ عَشْرَةَ فَلَا خُلْفَ.

(قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ وَأُجَاوِرُكَ) فِي مَسْجِدِكَ أَوْ أَسْكُنُ بِبَيْتٍ بِجِوَارِكَ (وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ) يَصْرِفُهَا فِي وُجُوهِ الْبِرِّ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ يَحْيَى وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَطَائِفَةٍ مِنْهُمْ، وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانَ وَلَا ابْنَ شِهَابٍ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ أَبِي بُكَيْرٍ وَلَا أَكْثَرِ الرُّوَاةِ.

ص: 104

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِيِّ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ قَالَ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يَحْنَثُ قَالَ يَجْعَلُ ثُلُثَ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَلِكَ لِلَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِ أَبِي لُبَابَةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1040 -

1025 - (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي الْمَكِّيِّ الْأُمَوِيِّ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ طَلْحَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْعَبْدَرِيِّ

ص: 104

(الْحَجَبِيِّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ نِسْبَةً إِلَى حِجَابَةِ الْكَعْبَةِ الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ أَخْطَأَ ابْنُ حَزْمٍ فِي تَضْعِيفِهِ (عَنْ أُمِّهِ) صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيَّةُ لَهَا رُؤْيَةٌ وَحَدَّثَتْ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ وَالتَّصْرِيحُ بِسَمَاعِهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِدْرَاكَهَا (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ قَالَ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ) بَرَاءٍ مَكْسُورَةٍ فَفَوْقِيَّةٍ فَأَلِفٍ فَجِيمٍ؛ أَيْ: بَابِهَا (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ) وَلَمْ يَأْخُذِ الْإِمَامُ بِهَذَا، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا غَيْرُهَا.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يَحْنَثُ قَالَ: يَجْعَلُ ثُلُثَ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ (وَذَلِكَ الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِ أَبِي لُبَابَةَ) فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالزُّهْرِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ مَالِهِ كُلِّهِ وَلَا يَتْرُكُ إِلَّا مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَيُقَوِّمُهُ فَإِذَا أَفَادَ قِيمَتَهُ أَخْرَجَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَظُنُّهُ جَعَلَهُ كَالْمُفْلِسِ يُقَسِّمُ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَيَتْرُكُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَفِيدَ فَيُؤَدِّيَ إِلَيْهِمْ.

ص: 105

[كِتَاب الضَّحَايَا]

[بَاب مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ الضَّحَايَا]

ص: 105

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الضَّحَايَا بَاب مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ الضَّحَايَا

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنْ الضَّحَايَا فَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ أَرْبَعًا وَكَانَ الْبَرَاءُ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ يَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 23 - كِتَابُ الضَّحَايَا.

جَمْعُ ضَحِيَّةٍ كَعَطَايَا وَعَطِيَّةِ، وَالْأَضَاحِيُّ جَمْعُ أُضْحِيَّةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِي الْأَكْثَرِ وَكَسْرِهَا إِتْبَاعًا لِكَسْرَةِ الْحَاءِ، وَالْأَضْحَى جَمْعُ أَضْحَاةٍ مِثْلَ أَرْطَى وَأَرْطَاةٍ، اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ مِنَ النَّعَمِ تَقَرُّبَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَتَالِيَيْهِ، قَالَ عِيَاضٌ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الضُّحَى وَهُوَ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ فَسُمِّيَتْ بِزَمَنِ فِعْلِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: ضَحَّى ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ وَقْتَ الضُّحَى هَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ ضَحَّى فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

1 -

بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الضَّحَايَا.

1041 -

1026 - (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَقِيلَ مَوْلَى ابْنِهِ قَيْسٍ يُكَنَّى أَبَا أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيَّ مَوْلَاهُمُ الْمِصْرِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ، بَعَثَهُ صَالِحُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مِصْرَ مُؤَدِّبًا لِبَنِيهِ وَهُوَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ حَافِظٌ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ مُجَاهِدٌ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَبُكَيْرُ بْنُ الْأَشَجِّ وَقَتَادَةُ وَهُمَا مِنْ شُيُوخِهِ، وَمَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ وَابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْهُ وَلَوْ بَقِيَ لَنَا مَا احْتَجْنَا إِلَى مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَقِيلَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عُبَيْدِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنِ فَيْرُوزٍ) الشَّيْبَانِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبِي الضَّحَّاكِ الْكُوفِيِّ نَزِيلِ الْجَزِيرَةِ، ثِقَةٌ مِنْ أَوَاسِطِ التَّابِعِينَ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَمْرٌو عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدٍ فَسَقَطَ لِمَالِكٍ ذِكْرُ سُلَيْمَانَ، وَلَا يُعْرَفُ الْحَدِيثُ إِلَّا لَهُ، وَلَمْ يَرَوِهِ غَيْرُهُ عَنْ عُبَيْدٍ، وَلَا يُعْرَفُ عُبَيْدٌ إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِرِوَايَةِ سُلَيْمَانَ هَذَا عَنْهُ، وَرَوَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَغَيْرُهُمْ، وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَاللَّيْثُ وَابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ

ص: 106

سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدٍ عَنِ الْبَرَاءِ ثُمَّ أَسْنَدَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي التَّمْهِيدِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا لِسُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدٍ مُنْتَقَدٌ، فَقَدْ رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَالْقَاسِمُ مَوْلَى خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدٍ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ.

وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ سُلَيْمَانَ رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدٍ بِوَاسِطَةٍ هِيَ الْقَاسِمُ مَوْلَى خَالِدٍ وَبِدُونِهَا، وَصَرَّحَ سُلَيْمَانُ فِي بَعْضِ الْإِشَارَةِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِقَوْلِهِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ فَيْرُوزٍ (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبِ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ نَزَلَ الْكُوفَةَ اسْتُصْغِرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ لِدَةَ ابْنِ عُمَرَ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: دَلَّ هَذَا أَنَّ لِلضَّحَايَا صِفَاتٌ يُتَّقَى بَعْضُهَا، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا يُتَّقَى مِنْهَا شَيْءٌ لَسُئِلَ هَلْ يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا شَيْءٌ (فَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ أَرْبَعًا) تُتَّقَى وَفِي رِوَايَةٍ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ مِنَ الضَّحَايَا أَرْبَعٌ (وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: يَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ، فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو وَابْنِ لَهِيعَةَ بِسَنَدِهِمْ عَنِ الْبَرَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ قَالَ وَأُصْبُعِي أَقْصَرُ مِنْ أُصْبُعِ رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ مِنَ الضَّحَايَا أَرْبَعٌ (الْعَرْجَاءُ) بِالْمَدِّ (الْبَيِّنُ) ؛ أَيِ: الظَّاهِرُ (ظَلْعُهَا) بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ؛ أَيْ: عَرَجُهَا وَهِيَ الَّتِي لَا تَلْحَقُ الْغَنَمَ فِي مَشْيِهَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِي وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَرْجَاءَ تَجْرِي وَتَمْشِي وَالْعَرَجُ مِنْ صِفَاتِ الْمَشْيِ، وَأَمَّا الَّتِي لَا تَمْشِي فَلَا يُقَالُ لَهَا عَرْجَاءُ، فَإِنْ خَفَّ الْعَرَجُ فَلَمْ يَمْنَعْهَا أَنْ تَسِيرَ بِسَيْرِ الْغَنَمِ أَجْزَأَتْ كَمَا هُوَ مَفْهُومُ الْحَدِيثِ.

(وَالْعَوْرَاءُ) بِالْمَدِّ تَأْنِيثُ " أَعْوَرَ "(الْبَيِّنُ عَوَرُهَا) وَهُوَ ذَهَابُ بَصَرِ إِحْدَى عَيْنَيْهَا، فَإِنْ كَانَ بِهَا بَيَاضٌ قَلِيلٌ عَلَى النَّاظِرِ لَا يَمْنَعُهَا الْإِبْصَارَ أَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ النَّاظِرِ أَجْزَأَتْ، قَالَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ مَفْهُومُ الْحَدِيثِ.

(وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا) بِأَيِّ مَرَضٍ كَانَ بِشَرْطِ وُضُوحِهِ فَهُوَ عَامٌّ عَطَفَ عَلَيْهِ خَاصًّا بِقَوْلِهِ: (وَالْعَجْفَاءُ) بِالْمَدِّ مُؤَنَّثُ " أَعْجَفَ " الضَّعِيفَةُ (الَّتِي لَا تُنْقِي) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَقَافٍ؛ أَيْ: لَا نُقْيَ لَهَا وَالنُّقَيُ الشَّحْمُ، وَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ.

وَفِي رِوَايَةِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ: وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي يُرِيدُ الَّتِي لَا تَقُومُ وَلَا تَنْهَضُ مِنَ الْهُزَالِ، وَهَذِهِ الْعُيُوبُ الْأَرْبَعُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا دَاخِلٌ فِيهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهَا أَبْيَنَ، فَإِذَا لَمْ تُجْزِ الْعَوْرَاءُ وَالْعَرْجَاءُ فَالْعَمْيَاءُ وَالْمَقْطُوعَةُ الرِّجْلِ أَحْرَى، وَفِيهِ أَنَّ الْمَرَضَ

ص: 107

وَالْعَرَجَ الْخَفِيفَيْنِ وَالنُّقْطَةَ الْيَسِيرَةَ فِي الْعَيْنِ وَالْمَهْزُولَةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِغَايَةٍ فِي الْهُزَالِ تُجْزِي الضَّحَايَا، وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا عَدَا الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَلَهُ وَجْهٌ لَوْلَا مَا جَاءَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَمَا يَجِبُ أَنْ يُضَمَّ إِلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خَرَّجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ:" «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَلَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلَا بِمُدَابَرَةٍ وَلَا شَرْقَاءَ وَلَا خَرْقَاءَ، وَالْمُقَابَلَةُ مَا قُطِعَ طَرْفُ أُذُنِهَا وَالْمُدَابَرَةُ مَا قُطِعَ طَرَفَا جَانِبِيِ الْأُذُنِ، وَالشَّرْقَاءُ الْمَشْرُوقَةُ الْأُذُنِ، وَالْخَرْقَاءُ الْمَثْقُوبَةُ الْأُذُنِ» " وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ لَيْسَ بِدُونِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ

وَزَادَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزٍ قَالَ قُلْتُ لِلْبَرَاءِ إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْقَرْنِ نَقْصٌ أَوْ فِي الْأُذُنِ نَقْصٌ أَوْ فِي السِّنِّ نَقْصٌ، قَالَ: فَمَا كَرِهْتَهُ فَدَعْهُ وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

ص: 108

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَّقِي مِنْ الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ الَّتِي لَمْ تُسِنَّ وَالَّتِي نَقَصَ مِنْ خَلْقِهَا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1042 -

1027 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَّقِي مِنَ الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ) ؛ أَيِ: الْهَدَايَا (الَّتِي لَمْ تُسِنَّ) رُوِيَ بِكَسْرِ السِّينِ مِنَ السِّنِّ لِأَنَّ مَعْرُوفَ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُضَحَّى إِلَّا بِثَنْيِ الْمَعَزِ وَالضَّأْنِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ السِّينِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ: الَّتِي لَمْ تَنْبُتُ أَسْنَانُهَا كَأَنَّهَا لَمْ تُعْطَ أَسْنَانَهَا كَمَا تَقُولُ: لَمْ يَلْبُنْ وَلَمْ يَسْمُنْ وَلَمْ يَعْسِلْ؛ أَيْ: لَمْ يُعْطَ ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ النَّهْيِ عَنِ الْهَتْمَاءِ فِي الْأَضَاحِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ لَمْ تُبَدِّلْ أَسْنَانَهَا، وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الْأَضَاحِيِّ وَالْبُدْنِ الثَّنِيَّ فَمَا فَوْقَهُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ، وَهَذَا خِلَافُ الْآثَارِ الْمَرْفُوعَةِ، وَخِلَافُ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ هُمْ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، قَالَ: وَقَوْلُهُ (وَالَّتِي نَقَصَ مِنْ خَلْقِهَا) أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ جَوَازَ الْأُضْحِيَّةِ بِالْبَتْرَاءِ إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ اتِّقَاءَ ابْنِ عُمَرَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِمَا نَقَصَ مِنْهَا خِلْقَةً، وَحَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ أَوْلَى، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْجَمَّاءِ فِي الضَّحَايَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّقْصَ الْمَكْرُوهَ هُوَ مَا تَتَأَذَّى بِهِ الْبَهِيمَةُ وَيُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِهَا وَمِنْ شَحْمِهَا.

(قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ) مِنَ الْخِلَافِ.

ص: 108

[بَاب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الضَّحَايَا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ضَحَّى مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ قَالَ نَافِعٌ فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا فَحِيلًا أَقْرَنَ ثُمَّ أَذْبَحَهُ يَوْمَ الْأَضْحَى فِي مُصَلَّى النَّاسِ قَالَ نَافِعٌ فَفَعَلْتُ ثُمَّ حُمِلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ حِينَ ذُبِحَ الْكَبْشُ وَكَانَ مَرِيضًا لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ مَعَ النَّاسِ قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ لَيْسَ حِلَاقُ الرَّأْسِ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ ضَحَّى وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الضَّحَايَا

1043 -

1028 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ضَحَّى مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ، قَالَ نَافِعٌ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا فَحِيلًا) بَالِغًا؛ أَيْ: وَزَادَ يَاءَ النِّسْبَةِ إِشَارَةً لِتَحَقُّقِ ذُكُورَتِهِ، قَالَ الْبَوْنِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا خَصِيًّا (أَقْرَنَ) ؛ أَيْ: ذَا قَرْنَيْنِ (ثُمَّ أَذْبَحَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَشْتَرِي (يَوْمَ الْأَضْحَى فِي مُصَلَّى النَّاسِ) اتِّبَاعًا لِلْمُصْطَفَى، فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ:" «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» " وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «كَانَ صلى الله عليه وسلم يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى» " وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِبْرَازِ الْإِمَامِ ضَحِيَّتَهُ بِالْمُصَلَّى، وَفِيهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ عَادَتَهُ فَفِيهِ أَفْضَلِيَّةُ الضَّأْنِ فِي الضَّحَايَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ ضَرُورَةً: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُوَاظِبُ إِلَّا عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ.

وَحَدِيثُ الْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «كَانَ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بِالْجَزُورِ أَحْيَانًا وَبِالْكَبْشِ إِذَا لَمْ يَجِدْ الْجَزُورَ» " ضَعِيفٌ فِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ وَفِيهِ مَقَالٌ، وَفِيهِ أَنَّ الذَّكَرَ أَفْضَلُ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ، وَنَدَبَ التَّضْحِيَةَ بِالْأَقْرَنِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَجَمِّ الَّذِي لَا قَرْنَ لَهُ.

(قَالَ نَافِعٌ: فَفَعَلْتُ) مَا أَمَرَنِي بِهِ مِنَ الشِّرَاءِ وَالذَّبْحِ بِالْمُصَلَّى (ثُمَّ حَمَلَ) الْكَبْشَ الْمَذْبُوحَ (إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ) مُقْتَضَى فَاءِ التَّعْقِيبِ أَنَّ الْحِلَاقَ بَعْدَ حَمْلِ الْكَبْشِ إِلَيْهِ، فَأَمَّا إِنِ الظَّرْفِيَّةُ فِي قَوْلِهِ:(حِينَ ذُبِحَ الْكَبْشُ) مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّهَا لَمَّا وَقَعَتْ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ كَأَنَّهَا فُعِلَتْ حِينَهُ وَإِمَّا أَنَّ الظَّرْفِيَّةَ حَقِيقَةٌ وَالتَّجَوُّزُ فِي التَّعْقِيبِ (وَكَانَ مَرِيضًا لَمْ يَشْهَدِ الْعِيدَ مَعَ النَّاسِ) وَلِذَا اسْتَنَابَ فِي الذَّبْحِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَفْضَلَ الذَّبْحُ بِيَدِهِ لِمَنْ يُحْسِنُهُ وَقَدْرَ اتِّبَاعِهِ لِلْفِعْلِ النَّبَوِيِّ.

(قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَيْسَ حِلَاقُ الرَّأْسِ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ ضَحَّى وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ) فَلَا يُعْتَقَدُ وُجُوبُهُ بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ حَلَقَ لِمَرَضِهِ.

ص: 109

[بَاب النَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الضَّحِيَّةِ قَبْلَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ «ذَبَحَ ضَحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَضْحَى فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى قَالَ أَبُو بُرْدَةَ لَا أَجِدُ إِلَّا جَذَعًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ إِلَّا جَذَعًا فَاذْبَحْ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

3 -

بَابُ النَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الضَّحِيَّةِ قَبْلَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ

1044 -

1029 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ بُشَيْرِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرٌ (بْنِ يَسَارٍ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَخِفَّةِ الْمُهْمَلَةِ الْحَارِثِيِّ مَوْلَى الْأَنْصَارِ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الْفَقِيهِ مِنْ أَوَاسِطِ التَّابِعِينَ.

(أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ) وَفِي رِوَايَةِ مَعْنٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ اسْمُهُ هَانِئُ (بْنُ نِيَارٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَتَحْتِيَّةٍ خَفِيفَةٍ الْأَنْصَارِيُّ خَالُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَقِيلَ عَمُّهُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَقِيلَ اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقِيلَ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو وَخُطِّئَ قَائِلُهُ، وَشُبْهَتُهُ قَوْلُ الْبَرَاءِ: لَقِيتُ خَالِيَ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو، لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَالًا آخَرَ لَهُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ، شَهِدَ أَبُو بُرْدَةَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَنْهُ الْبَرَاءُ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ وَكَعْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ نِيَارٍ وَبُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ وَيُقَالُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَسَمَاعُهُ مُمْكِنٌ، وَشَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ حُرُوبَهُ كُلَّهَا، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَقِيلَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ.

(ذَبَحَ ضَحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَضْحَى) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: " «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَوْمَ الْأَضْحَى بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أَصَابَ السُّنَّةَ، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ» ، فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فَتَعَجَّلْتُ وَأَكَلْتُ وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ» " وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ» "؛ أَيْ: لِجَرْيِ الْعَادَةِ بِكَثْرَةِ الذَّبْحِ فِيهِ فَتَتَشَوَّفُ لَهُ النَّفْسُ الْتِذَاذًا بِهِ.

(فَزَعَمَ) ؛ أَيْ: قَالَ أَبُو بُرْدَةَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى» ) أَطْلَقَ عَلَى الْأُولَى اسْمَ الضَّحِيَّةِ لِأَنَّهُ ذَبَحَهَا عَلَى أَنَّهَا ضَحِيَّةٌ فَلَهُ فِيهَا ثَوَابٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَحِيَّةً لِكَوْنِهِ قَصَدَ جَبْرَ جِيرَانِهِ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَى أَهْلِهِ، أَوْ لِأَنَّ صُورَتَهَا صُورَةُ الضَّحِيَّةِ لِأَنَّهُ ذَبَحَهَا فِي يَوْمِ الْأَضْحَى.

(قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: لَا أَجِدُ إِلَّا جَذَعًا) بِجِيمٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ " مِنَ الْمَعَزِ " وَهِيَ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَةً وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِيهِ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ: أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ عَلِمَ أَنَّ الْجَذَعَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ

ص: 110

الْمَنْعِ إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَوْ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ.

( «فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ لَمْ تَجِدْ إِلَّا جَذَعًا فَاذْبَحْ» ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى ابْنِ أَشْقَرَ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِالذَّبْحِ عَنِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ لِفِعْلِهِمَا ذَلِكَ قَبْلَهُ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ، كَذَا قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ.

وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ: " «عِنْدِي عِنَاقُ جَذَعَةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَهَلْ تُجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» "؛ أَيْ: غَيْرَكَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي تَضْحِيَةِ الْمَعْزِ مِنَ الثَّنِيَّةِ، فَفِيهِ تَخْصِيصُ أَبِي بُرْدَةَ بِإِجْزَاءِ ذَلِكَ عَنْهُ.

لَكِنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: " «قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَارَتْ لِي جَذَعَةٌ قَالَ: ضَحِّ بِهَا» " زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ: " وَلَا رُخْصَةَ فِيهَا لِأَحَدٍ بَعْدَكَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنَّ كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَحْفُوظَةً؛ أَيْ: لَيْسَتْ بِشَاذَّةٍ كَانَ هَذَا رُخْصَةً لِعُقْبَةَ كَمَا رَخَّصَ لِأَبِي بُرْدَةَ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي هَذَا الْجَمْعِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا صِيغَةَ عُمُومٍ؛ أَيْ: وَهُوَ نَفْيُ الْإِجْزَاءِ عَنْ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَأَيُّهُمَا تَقَدَّمَ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُقُوعِ لِلثَّانِي، وَيَحْتَمِلُ الْجَمْعُ بِأَنَّ خُصُوصِيَّةَ الْأَوَّلِ نُسِخَتْ بِثُبُوتِ الْخُصُوصِيَّةِ لِلثَّانِي لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي السِّيَاقِ اسْتِمْرَارُ الْمَنْعِ لِغَيْرِهِ صَرِيحًا.

وَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي بُرْدَةَ وَعُقْبَةَ فَحَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ أَصَحُّ مَخْرَجًا؛ أَيْ: لِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَدِيثِ عُقْبَةَ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ رَوَيَاهُ بِدُونِ زِيَادَةِ الْبَيْهَقِيِّ وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ عُقْبَةَ عِنْدَهُ مِنْ مَخْرَجِ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِخْرَاجِهِمَا لِرِجَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ تَخْرِيجِهِمَا بِالْفِعْلِ وَفِيهِ أَنَّ الذَّبْحَ لَا يُجْزِي قَبْلَ الصَّلَاةِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ لِقَوْلِهِ: " «وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هِيَ شَاةُ لَحْمٍ» " وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَهَا، وَقَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ:" «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ فَسَبَقَهُ رِجَالٌ فَنَحَرُوا وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَحَرَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ وَلَا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ» ".

وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1](سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: الْآيَةُ 1) نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ ذَبَحُوا قَبْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا، أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ الذَّبْحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هِيَ شَاةُ لَحْمٍ» " وَحَدِيثِ: " «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ» " وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا فَلَيْسَ فِي نَهْيِهِ عَنِ الذَّبْحِ قَبْلَ الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ بَعْدَهَا وَقَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ نَصٌّ فَكَيْفَ وَالنَّصُّ ثَابِتٌ عَنْ جَابِرٍ بِأَمْرِهِ عليه السلام مَنْ ذَبَحَ قَبْلَهُ بِالْإِعَادَةِ؟ وَفِيهِ أَنْ لَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ «كَجَعْلِهِ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ» ، «وَتَرْخِيصِهِ فِي النِّيَاحَةِ لِأُمِّ عَطِيَّةَ» ، «وَتَرْكِ الْإِحْدَادِ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ لَمَّا مَاتَ زَوْجُهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» ، وَإِنْكَاحِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِيمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ مُرَجَّحَيْنِ

ص: 111

عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ، وَتَرْخِيصِهِ فِي إِرْضَاعِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَهُوَ كَبِيرٌ، وَفِي تَعْجِيلِ صَدَقَةِ عَامَيْنِ لِلْعَبَّاسِ، وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ لِلْوَلَدِ الَّذِي يُولَدُ لِعَلِيٍّ بَعْدَهُ، وَفِي الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا لِعَلِيٍّ، وَفِي فَتْحِ بَابٍ مِنْ دَارِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَهُ، وَفِي فَتْحِ خَوْخَةٍ فِيهِ لِأَبِي بَكْرٍ، وَأَكْلِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ مِنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ، وَفِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِيمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي لُبْسِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَفِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ.

ص: 112

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ عُوَيْمِرَ بْنَ أَشْقَرَ «ذَبَحَ ضَحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ يَوْمَ الْأَضْحَى وَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1045 -

1030 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَبَّادٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ (بْنِ تَمِيمٍ) ابْنِ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ وَقَدْ قِيلَ: لَهُ رُؤْيَةٌ (أَنْ عُوَيْمِرَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرٌ (بْنَ أَشْقَرَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ آخِرُهُ رَاءٌ بِلَا نَقْطٍ ابْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ كَذَا نَسَبَهُ ابْنُ الْبَرْقِيِّ، وَنَسَبُهُ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ تَبَعًا لِابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ أَوْسِيًّا، وَذَكَرُهُ خَلِيفَةُ فِيمَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ نَسَبُهُ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِهِ أَنَّهُ بَدْرِيٌّ (ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ (يَوْمَ الْأَضْحَى وَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) بَعْدَمَا صَلَّى (فَأَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ الِانْقِطَاعُ لِأَنَّ عَبَّادًا لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَلِذَا زَعَمَ ابْنُ مَعِينٍ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، لَكِنَّ سَمَاعَ عَبَّادٍ مِنْ عُوَيْمِرٍ مُمْكِنٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنْ عُوَيْمِرَ بْنَ أَشْقَرَ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَمَا صَلَّى فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ ضَحِيَّتَهُ» .

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبَّادٍ عَنْ عُوَيْمَرٍ: «أَنَّهُ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَأَمَرَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعِيدَ» ، فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى غَلَطِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ ظَنٌّ لَمْ يُصِبْ فِيهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ عَنْ عُوَيْمِرِ بْنِ أَشْقَرَ فَذِكْرُهُ مِثْلَ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَبِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ فِيمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ فِي الْعِلَلِ لَا أَعْرِفُ أَنَّ عُوَيْمِرًا عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا نَفَى عِرْفَانَهُ هَذَا، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ عُوَيْمِرًا أَنْ يُضَحِّيَ بِجَذَعٍ مِنَ الْمَعْزِ» .

وَرَوَى أَبُو يَعْلَى وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا جَذَعٌ مِنَ الضَّأْنِ مَهْزُولَةٌ وَهَذَا جَذَعٌ مِنَ

ص: 112

الْمَعْزِ سَمِينٌ وَهُوَ خَيْرُهُمَا أَفَأُضَحِّي بِهِ؟ قَالَ: ضَحِّ بِهِ فَإِنَّ لِلَّهِ الْخَيْرَ» " وَسَنَدَهُ ضَعِيفٌ.

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ عُنْقُودًا جَذَعًا فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ» ".

وَفِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَاكِمِ عَنْ عَائِشَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: " «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ جَذَعًا مِنَ الْمَعْزِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ» " وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يُجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ فَوَقَعَتِ الْمُشَارَكَةُ لَهُمْ مَعَ أَبِي بُرْدَةَ وَعُقْبَةَ فِي مُطْلَقِ الْإِجْزَاءِ لَا فِي خُصُوصِ مَنْعِ الْغَيْرِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَبَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي بُرْدَةَ وَعُقْبَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ مُجَرَّبًا، ثُمَّ تَقَرَّرَ الشَّرْعُ بِأَنَّ الْجَذَعَ مِنَ الْمَعْزِ لَا يُجْزِئُ وَاخْتَصَّ أَبُو بُرْدَةَ وَعُقْبَةَ بِالرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ يَبْقَى التَّعَارُضُ بَيْنَ حَدِيثَيْهِمَا، فَإِنْ سَاغَ أَحَدُ الْجَمْعَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فَلَا تَعَارُضَ، وَإِنَّ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا صِيغَةُ عُمُومٍ وَالثَّانِي وَهُوَ احْتِمَالُ نَسْخِ خُصُوصِيَّةِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ رَجَعْنَا إِلَى التَّرْجِيحِ، فَحَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ أَصَحُّ كَمَا مَرَّ.

ص: 113

[بَاب ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

4 -

بَابُ ادِّخَارِ لُحُومِ الضَّحَايَا

1046 -

1031 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» ) مِنْ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ كَانَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ، وَصَحَّحَهُ الْمُهَلَّبِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: الضَّحِيَّةُ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهَا فَنُقَدِّمُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوا إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالَتْ: وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(ثُمَّ قَالَ بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ؛ أَيْ: بَعْدَ النَّهْيِ ثَانِيَ عَامِ النَّهْيِ (كُلُوا وَتَصَدَّقُوا) ؛ أَيْ: يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَالْأَمْرُ فِيهِمَا لِلْإِبَاحَةِ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا كَانُوا الْعَامَ الْمُقْبِلَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا الْعَامَ الْمَاضِيَ؟ قَالَ: كَلُّوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا» " وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 113

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَتْ صَدَقَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ادَّخِرُوا لِثَلَاثٍ وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِضَحَايَاهُمْ وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا ذَلِكَ أَوْ كَمَا قَالَ قَالُوا نَهَيْتَ عَنْ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا يَعْنِي بِالدَّافَّةِ قَوْمًا مَسَاكِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1047 -

1032

ص: 113

- (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ عَنْ سَبْعِينَ سَنَةً (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقَدٍ) بِالْقَافِ، ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ ( «أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ» ) مِنْ ذَبْحِهَا (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ (فَقَالَتْ: صَدَقَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقَدٍ (سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ: دَفَّ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْفَاءِ؛ أَيْ: أَتَى (نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ) وَالدَّافَّةُ الْجَمَاعَةُ الْقَادِمَةُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: قَوْمٌ يَسِيرُونَ سَيْرًا لَيِّنًا (حَضْرَةَ الْأَضْحَى) ؛ أَيْ: وَقْتَ الْأَضْحَى ( «فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ادَّخِرُوا» ) بِشَدِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (لِثَلَاثٍ وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ) فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَقَدْ سَأَلُوهُ هَلْ يَفْعَلُونَ كَمَا فَعَلُوا الْعَامَ الْمَاضِيَ؟ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: كَأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ النَّهْيَ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ وَهُوَ الدَّافَّةُ فَإِذَا وَرَدَ الْعَامُّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ حَاكَ فِي النَّفْسِ مِنْ عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ إِشْكَالٌ، فَلَمَّا كَانَ مَظِنَّةَ الِاخْتِصَاصِ عَاوَدُوا السُّؤَالَ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهَذَا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْعَامَّ يَضْعُفُ عُمُومُهُ بِالسَّبَبِ فَلَا يَبْقَى عَلَى أَصَالَتِهِ وَلَا يَنْتَهِي بِهِ إِلَى التَّخْصِيصِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوِ اعْتَقَدُوا بَقَاءَ الْعُمُومِ عَلَى أَصَالَتِهِ لَمَا سَأَلُوا، وَلَوِ اعْتَقَدُوا الْخُصُوصَ أَيْضًا لَمَا سَأَلُوا، فَدَلَّ سُؤَالَهُمْ عَلَى أَنَّهُ ذُو شَأْنَيْنِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْجُوَيْنِيِّ.

( «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِضَحَايَاهُمْ» ) فِي الِادِّخَارِ وَالتَّزَوُّدِ (وَيَجْمُلُونَ) بِالْجِيمِ؛ أَيْ: يُذِيبُونَ (مِنْهَا الْوَدَكَ)، بِفَتْحَتَيْنِ: الشَّحْمَ (وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ) جَمْعُ سِقَاءٍ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَا ذَلِكَ) الَّذِي مَنَعَهُمْ مِنَ الِانْتِفَاعِ (أَوْ كَمَا قَالَ) شَكَّ الرَّاوِي ( «قَالُوا: نَهَيْتَ عَنْ لُحُومِ الضَّحَايَا

ص: 114

بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ» ) بِالْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ فَاءٌ ثَقِيلَةٌ أَصْلُهُ لُغَةً الْجَمَاعَةُ الَّتِي تَسِيرُ سَيْرًا لَيِّنًا (الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ) ؛ أَيْ: قَدِمَتْ (فَكَلُّوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا) بِشَدِّ الدَّالِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (يَعْنِي بِالدَّافَّةِ قَوْمًا مَسَاكِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ) فَأَرَادَ أَنْ يُعِينُوهُمْ وَلِذَا قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ أَيْ: بِمُرَادِ نَبِيهِ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 115

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا فَقَالَ انْظُرُوا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ لُحُومِ الْأَضْحَى فَقَالُوا هُوَ مِنْهَا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا فَقَالُوا إِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَكَ أَمْرٌ فَخَرَجَ أَبُو سَعِيدٍ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضْحَى بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فَانْتَبِذُوا وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا» يَعْنِي لَا تَقُولُوا سُوءًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1048 -

1033 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْمَعْرُوفُ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (الْخُدْرِيِّ) لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَسْمَعْ رَبِيعَةَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنْهُمُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمَعْلُومٌ مُلَازَمَةُ رَبِيعَةَ لِلْقَاسِمِ حَتَّى كَانَ يَغْلِبُ عَلَى مَجْلِسِهِ، وَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَبُرَيْدَةَ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمْ (أَنَّهُ قَدِمَ) بِكَسْرِ الدَّالِ (مِنْ سَفَرٍ فَقَدَّمَ) بِفَتْحِ الدَّالِ الثَّقِيلَةِ (إِلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا) ؛ أَيْ: وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ( «فَقَالَ: انْظُرُوا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ لُحُومِ الْأَضْحَى، فَقَالُوا: هُوَ مِنْهَا، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا؟ فَقَالُوا» :) ؛ أَيْ: أَهْلُهُ؛ أَيْ: زَوْجَتُهُ (إِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَكَ أَمْرٌ) نَاقِضٌ لِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْأَضَاحِي بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ:" فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِيهِ " وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ: أَخِّرُوهُ لَا أَذُوقُهُ (فَخَرَجَ أَبُو سَعِيدٍ) مِنْ بَيْتِهِ (فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ) وَفِي الْبُخَارِيِّ: فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ حَتَّى آتِيَ أَخِي قَتَادَةَ: أَيِ: ابْنَ النُّعْمَانِ، وَكَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لِي: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ (فَأُخْبِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضْحَى» ) ؛ أَيْ: عَنْ إِمْسَاكِهَا وَادِّخَارِهَا وَالْأَكْلِ مِنْهَا (بَعْدَ ثَلَاثٍ) مِنَ الْأَيَّامِ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ يَوْمِ الذَّبْحِ أَوْ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَمَرْتُكُمْ

ص: 115

بِالتَّصَدُّقِ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ الثَّلَاثِ زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ بُرَيْدَةَ: لِيُوَسِّعَ ذُو الطَّوْلِ عَلَى مَنْ لَا طَوْلَ لَهُ (فَكُلُوا) زَادَ بُرَيْدَةُ مَا بَدَا لَكُمْ؛ أَيْ: مُدَّةَ بُدُوِّ الْأَكْلِ لَكُمْ (وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا) فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَحْرِيمٌ وَلَا كَرَاهَةٌ، فَيُبَاحُ الْآنَ الِادِّخَارُ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَالْأَكْلُ مَتَى شَاءَ مُطْلَقًا.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّافِعَةِ لِلْمَنْعِ لَمْ تَبْلُغْ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى النَّهْيِ كَعَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِهِ لِأَنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ لَا مُتَوَاتِرَةٌ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يَبْلُغَ بَعْضَ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ.

وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّ هَذَا مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَدْ كَانَ أَكْلُهَا مُبَاحًا ثُمَّ حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحَ، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَكُونُ النَّسْخُ إِلَّا بِالْأَخَفِّ لَا الْأَثْقَلِ وَأَيُّ هَذَيْنِ كَانَ أَخَفَّ أَوْ أَثْقَلَ فَقَدْ نُسِخَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ.

(وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الِانْتِبَاذِ) فِي أَوَانِي كَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ (فَانْتَبِذُوا) فِي أَيِّ وِعَاءٍ كَانَ ( «وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» ) ؛ أَيْ: مَا شَأْنُهُ الْإِسْكَارُ مِنْ أَيِّ شَرَابٍ كَانَ وَلَا دَخْلَ لِلْأَوَانِي.

وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ: " «نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ وَإِنَّ الظُّرُوفَ لَا تُحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» " وَفِيهِ عَنْهُ أَيْضًا: " «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ إِلَّا فِي ظُرُوفِ الْأَدَمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» " وَهَذَا نَسْخٌ صَرِيحٌ لِحُرْمَةِ نَهْيِهِ عَنِ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ وَنَحْوِهِمَا فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ.

وَاخْتُلِفَ هَلْ بَقِيَتِ الْكَرَاهَةُ؟ وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ أَوْ لَا كَرَاهَةَ؟ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

(وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ) لِحَدَثَانِ عَهْدِكُمْ بِالْكُفْرِ وَكَلَامِكُمْ بِالْخَنَاءِ وَبِمَا يُكْرَهُ فِيهَا، أَمَّا الْآنَ حَيْثُ انْمَحَتْ آثَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ وَصِرْتُمْ أَهْلَ يَقِينٍ وَتَقْوَى (فَزُورُوهَا) زَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ:" «فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ» " قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الْفَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ؛ أَيْ: نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَتِهَا مُبَاهَاةً بِالتَّكَاثُرِ فِعْلَ الْجَاهِلِيَّةِ، أَمَّا الْآنَ فَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَهُدِمَتْ قَوَاعِدُ الشِّرْكِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُوَرِّثُ رِقَّةَ الْقَلْبِ وَتُذَكِّرُ الْمَوْتَ وَالْبِلَا (وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا) بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ (يَعْنِي لَا تَقُولُوا سُوءًا) ؛ أَيْ: قَبِيحًا وَفُحْشًا وَالْخِطَابُ لِلرِّجَالِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ النِّسَاءُ فَلَا يُنْدَبُ لَهُنَّ عَلَى الْمُخْتَارِ لَكِنْ يَجُوزُ بِشُرُوطٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ كَانَ النَّهْيُ عَامًّا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ثُمَّ نُسِخَ بِالْإِبَاحَةِ الْعَامَّةِ أَيْضًا لَهُمَا فَقَدْ زَارَتْ عَائِشَةُ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَزُورُ قَبْرَ حَمْزَةَ، وَقِيلَ: إِنَّمَا نُسِخَ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» ، فَالْحُرْمَةُ مُقَيَّدَةٌ بِذَلِكَ دُونَ الْإِبَاحَةِ لِجَوَازِ تَخْصِيصِهَا بِالرِّجَالِ دُونَهُنَّ بِدَلِيلِ اللَّعْنِ.

ص: 116

[بَاب الشِّرْكَةِ فِي الضَّحَايَا وَعَنْ كَمْ تُذْبَحُ الْبَقَرَةُ وَالْبَدَنَةُ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5 -

بَابُ الشِّرْكَةِ فِي الضَّحَايَا وَعَنْ كَمْ تُذْبَحُ الْبَقَرَةُ وَالْبَدَنَةُ

1049 -

1034 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) رضي الله عنهما (أَنَّهُ «قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ» ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ الْأَكْثَرِ حَتَّى قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا يَجُوزُ فِيهَا غَيْرُهُ.

وَقَالَ النَّحَّاسُ: لَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ أَثِقُ بِعِلْمِهِ فِي أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ وَبِتَشْدِيدِهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَاللُّغَوِيِّينَ، وَأَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ التَّخْفِيفَ: وَادٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشَرَةُ أَمْيَالٍ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلًا عَلَى طَرِيقِ جُدَّةَ، وَلِذَا قِيلَ: إِنَّهَا عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ مَكَّةَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ مَرْحَلَةٍ ( «الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» ) عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ أَشْرَكُوهُمْ فِي الْأَجْرِ كَمَا يَأْتِي، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِعَدُوٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيٌ عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، فَكَأَنَّ الْهَدْيَ الَّذِي نَحَرُوهُ تَطَوُّعًا فَلَمْ يَرَ الِاشْتِرَاكَ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ وَلَا فِي الضَّحِيَّةِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ: يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ حَدِيثَ الْبَابِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُوَطَّأِ بِقَوْلِهِ الْآتِي: وَإِنَّمَا سَمِعْنَا الْحَدِيثَ. . . إِلَخْ.

وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: لَا يُشْتَرَكُ فِي هَدْيٍ وَاجِبٍ وَلَا تَطَوُّعٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ ضَعُفَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَمَنْ وَافَقَهُ بِوُجُوبِ الْهَدْيِ عَلَى الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 96) ؛ أَيْ: مَكَّةَ أَوْ مِنًى، وَالْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ يَحْلِقُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ أُحْصِرَ كَمَا «حَلَقَ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ» ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ وَيَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 117

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ صَيَّادٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ قَالَ كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ بَعْدُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً قَالَ مَالِكٌ وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْحَرُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْبَدَنَةَ وَيَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ الْوَاحِدَةَ هُوَ يَمْلِكُهَا وَيَذْبَحُهَا عَنْهُمْ وَيَشْرَكُهُمْ فِيهَا فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ النَّفَرُ الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ أَوْ الشَّاةَ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا فِي النُّسُكِ وَالضَّحَايَا فَيُخْرِجُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ حِصَّةً مِنْ ثَمَنِهَا وَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ لَحْمِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ وَإِنَّمَا سَمِعْنَا الْحَدِيثَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَكُ فِي النُّسُكِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1050 -

1035 - (مَالِكٌ عَنْ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ (يَسَارٍ) فَنُسِبَ لِجَدِّهِ لِشُهْرَتِهِ بِهِ أَبِي الْوَلِيدِ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ فَاضِلٌ مَاتَ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَأَبُوهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يُقَالُ إِنَّهُ الدَّجَّالُ (أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَخِفَّةِ الْمُهْمَلَةِ (أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ) خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ

ص: 117

الْأَنْصَارِيَّ (قَالَ: كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ) الْوَاحِدَةِ مِنَ الْغَنَمِ (يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ تَبَاهَى) تَغَالَبَ وَتَفَاخَرَ (النَّاسُ بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ (فَصَارَتْ) الضَّحِيَّةُ (مُبَاهَاةً) مُغَالَبَةً وَمُفَاخَرَةً فَبَعُدَتْ عَنِ السُّنَّةِ، فَإِنَّمَا عَابَ ذَلِكَ لِلْمُبَاهَاةِ وَلَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَفْعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الَّذِي اسْتَحَبَّهُ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يُضَحَّى عَنْ كُلِّ مَنْ فِي الْبَيْتِ بِشَاةٍ شَاةٍ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْحَرُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْبَدَنَةَ) فِي الضَّحَايَا (وَيَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ الْوَاحِدَةَ هُوَ يَمْلِكُهَا وَيَذْبَحُهَا عَنْهُمْ وَيُشْرِكُهُمْ فِيهَا) فِي الْأَجْرِ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ كَمَا زَادَهُ الْإِمَامُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ النَّفَرُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الرِّجَالِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ وَقِيلَ إِلَى تِسْعَةٍ وَلَا يُقَالُ نَفَرٌ فِيمَا زَادَ عَلَى عَشَرَةٍ (الْبَدَنَةَ أَوِ الْبَقَرَةَ أَوِ الشَّاةَ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا فِي النُّسُكِ) الْهَدَايَا (وَالضَّحَايَا فَيُخْرِجُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ حِصَّةً مِنْ ثَمَنِهَا وَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ لَحْمِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) كَرَاهَةَ مَنْعٍ بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِي ضَحِيَّةً عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (وَإِنَّمَا سَمِعْنَا الْحَدِيثَ) الْمَذْكُورَ عَنْ جَابِرٍ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَكُ فِي النُّسُكِ) مِلْكًا (وَإِنَّمَا يَكُونُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ) الْوَاحِدِ يُذْكِيهِ صَاحِبُهُ " وَيُشْرِكُ أَهْلَهُ فِي أَجْرِهِ "

ص: 118

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ «مَا نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا بَدَنَةً وَاحِدَةً أَوْ بَقَرَةً وَاحِدَةً» قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1051 -

1036 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَا نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا بَدَنَةً وَاحِدَةً أَوْ بَقَرَةً وَاحِدَةً» ، قَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا لِجَمِيعِ

ص: 118

أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ إِلَّا جُوَيْرِيَةَ فَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ عَلَى الشَّكِّ، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَالزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:" «مَا ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَّا بَقَرَةً» " وَرَوَاهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ.

ص: 119

[بَاب الضَّحِيَّةِ عَمَّا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَذِكْرِ أَيَّامِ الْأَضْحَى]

وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ الْأَضْحَى يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى

ـــــــــــــــــــــــــــــ

6 -

بَابُ الضَّحِيَّةِ عَمَّا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَذِكْرِ أَيَّامِ الْأَضْحَى

1052 -

1037 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: الْأَضْحَى يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: الْأَضْحَى يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ: " «فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» " وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهَا الثَّلَاثَةُ الَّتِي أَوَّلُهَا الْعِيدُ أَوِ الَّتِي بَعْدَهُ خِلَافٌ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا مَرْفُوعًا:" «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ التَّشْرِيقِ فَلْيُعِدْ» "؛ أَيْ: قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ.

ص: 119

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُ ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1052 -

1038 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلَ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ زِرٍّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:" الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ اذْبَحْ فِي أَيِّهَا شِئْتَ وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا " وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: مِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ رَأْيًا فَدَلَّ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ انْتَهَى.

وَذَهَبَ ابْنُ سِيرِينَ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ إِلَى اخْتِصَاصِ الضَّحِيَّةِ بِيَوْمِ النَّحْرِ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "؛ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى» " أَوْ وَجْهُهُ أَنَّهُ أَضَافَ هَذَا الْيَوْمَ إِلَى جِنْسِ النَّحْرِ لِأَنَّ اللَّامَ هُنَا جِنْسِيَّةٌ فَتَعُمُّ فَلَا يَبْقَى نَحْرًا إِلَّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَكِنْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: التَّمَسُّكُ بِإِضَافَةِ النَّحْرِ إِلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ضَعِيفٌ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] 45 (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 28) انْتَهَى.

وَقَدْ أَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْمُرَادَ النَّحْرُ الْكَامِلُ الْمُفَضَّلُ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ كَثِيرًا مَا تُسْتَعْمَلُ لِلْكَمَالِ نَحْوَ:

ص: 119

{وَلَكِنَّ الْبِرَّ} [البقرة: 189](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 189) وَإِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَلِذَا كَانَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ أَفْضَلَ.

ص: 120

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُضَحِّي عَمَّا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ قَالَ مَالِكٌ الضَّحِيَّةُ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِمَّنْ قَوِيَ عَلَى ثَمَنِهَا أَنْ يَتْرُكَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1053 -

1039 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُضَحِّي عَمَّا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَخِلَافُهُ شَاذٌّ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

(قَالَ مَالِكٌ: الضَّحِيَّةُ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ عَلَى كُلِّ مُقِيمٍ وَمُسَافِرٍ إِلَّا الْحَاجَّ (وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ) ؛ أَيْ: فَرْضًا زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ مُرَادَهُ شُرِّعَتْ بِالسُّنَّةِ فَلَا يُنَافِي لِلْوُجُوبِ فَبَيَّنَ الْمُرَادَ، وَالْحُجَّةُ لِلسُّنِّيَّةِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ:" «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» " وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ» ؛ أَيْ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسُّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرِهِ شَيْئًا " فَفِي قَوْلِهِ: أَرَادَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَصَرَّحَ بِالسُّنِّيَّةِ فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:" «الْأَضْحَى عَلَيَّ فَرِيضَةٌ وَعَلَيْكُمْ سُنَّةٌ» " قَالَ الْحَافِظُ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّ فِي رَفْعِهِ خُلْفٌ، فَصَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ خَصَائِصِهِ.

وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: " «كُتِبَ عَلَيَّ النَّحْرُ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ» " وَهُوَ أَيْضًا نَصٌّ فِي أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَتَسَاهَلَ الْحَاكِمُ فَصَحَّحَهُ، وَأَقْرَبُ مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ لِلْوُجُوبِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ:" «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» " أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَالْوَقْفُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْإِيجَابِ، وَحَدِيثُ:" «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ فَقَدْ ذَكَرَ مَعَهَا الْعَتِيرَةَ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عِنْدَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الضَّحِيَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ إِنْ شَاءُوا فَهُوَ كَقَوْلِهِ: فَأَرَادَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا.

(وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِمَّنْ قَوِيَ) ؛ أَيْ: قَدَرَ (عَلَى ثَمَنِهَا أَنْ يَتْرُكَهَا) لِئَلَّا يُفَوِّتَ نَفْسَهُ الْفَضْلَ الْعَظِيمَ.

رَوَى سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ صَدَقَةٍ بَعْدَ صِلَةِ الرَّحِمِ

ص: 120

أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ» " أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ: هُوَ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.

وَأَخْرَجَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضَحُّوا وَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ تَوَجَّهَ بِأُضْحِيَّتِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ إِلَّا كَانَ دَمُهَا وَفَرْثُهَا وَصُوفُهَا حَسَنَاتٍ مُحْضَرَاتٍ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "«وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " اعْمَلُوا قَلِيلًا تُجْزَوْا كَثِيرًا» " قَالَ أَبُو عُمَرَ: هِيَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّنَنَ أَفْضَلُ مِنَ التَّطَوُّعِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا: الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ وَالصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ تَفْضِيلُ الضَّحِيَّةِ إِلَّا بِمِنًى فَالصَّدَقَةُ بِثَمَنِهَا أَفْضَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ ضَحِيَّةٍ.

ص: 121

[كِتَاب الذَّبَائِحِ]

[بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الذَّبَائِحِ بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَأْتُونَنَا بِلُحْمَانٍ وَلَا نَدْرِي هَلْ سَمَّوْا اللَّهَ عَلَيْهَا أَمْ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهَا ثُمَّ كُلُوهَا» قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 24 - كِتَابُ الذَّبَائِحِ

1 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ

جَمْعُ ذَبِيحَةٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحَةٍ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الذَّاكِرِ الْقَادِرِ لَا النَّاسِي وَالْمُكْرَهِ وَالْأَخْرَسِ.

قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121](سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ: 121) وَالنَّاسِي لَا يُسَمَّى فَاسِقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ الْآيَةِ ; لِأَنَّ ذِكْرَ الْفِسْقِ عَقِبَهُ إِنْ كَانَ عَنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ إِهْمَالُ التَّسْمِيَةِ فَلَا يُدْخَلُ النَّاسِي لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ فِسْقًا، وَإِنْ كَانَ عَنْ نَفْسِ الذَّبِيحَةِ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنَ الْمَصْدَرِ، وَالذَّبِيحَةُ الْمَتْرُوكَةُ لِتَسْمِيَةٍ عَلَيْهَا نِسْيَانًا، لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا فِسْقًا، إِذِ الْفِعْلُ الَّذِي نُقِلَ مِنْهُ هَذَا الِاسْمُ لَيْسَ بِفِسْقٍ، فَإِمَّا أَنْ تَقُولَ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْعَمْدِ لَا الْمَنْسِيِّ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، أَوْ نَقُولُ: فِيهَا دَلِيلٌ مِنْ حَيْثُ مَفْهُومِ تَخْصِيصِ النَّهْيِ بِمَا هُوَ فِسْقٌ، فَمَا لَيْسَ بِفِسْقٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ قَالَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الِانْتِصَافِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ظَاهَرُ الْآيَةِ تَحْرِيمُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَخُصَّتْ حَالَةُ النِّسْيَانِ بِالْحَدِيثِ أَوْ يُجْعَلُ النَّاسِي ذَاكِرًا تَقْدِيرًا وَمَنْ أَوَّلَ الْآيَةَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ مِمَّا ذُكِرَ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقَدْ عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ.

1054 -

1040 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ) وَفِي نُسْخَةٍ: حَدَّثَنِي هِشَامٌ (بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ، وَتَابَعَهُ الْحَمَّادَانِ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ هِشَامٍ، وَوَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ حَفْصٍ الْمَدَنِيِّ، وَفِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ سُلَيْمَانَ الْأَحْمَرِ، وَفِي الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ الطُّفَاوِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ

ص: 122

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ، السِّتَّةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَإِرْسَالُهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ يَعْنِي لِأَنَّ رُوَاتَهُ أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْوَاصِلِ إِذَا زَادَ عَدَدُ مَنْ وَصَلَ عَلَى مَنْ أَرْسَلَ وَاحَتَفَّ بِقَرِينَةٍ تُقَوِّي الْوَصْلَ كَمَا هُنَا إِذْ عُرْوَةُ مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ عَائِشَةَ، فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِحِفْظِ مَنْ وَصَلَهُ عَنْ هِشَامٍ دُونَ مَنْ أَرْسَلَهُ، وَالْأَوْلَى أَنَّ هِشَامًا حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُرْسَلًا وَمَوْصُولًا ( «فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ» ) بِضَمِّ اللَّامِ جَمْعُ لَحْمٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى لُحُومٍ وَلِحَامٍ، بِكَسْرِ اللَّامِ (وَلَا نَدْرِي هَلْ سَمَّوُا اللَّهَ عَلَيْهَا أَمْ لَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانُوا؛ أَيِ: السَّائِلُونَ، حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْكُفْرِ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهَا ثُمَّ كُلُوهَا» ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُمْ عَلَى الْأَكْلِ قَائِمَةٌ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ الْفَائِتَةِ عَلَى الذَّبْحِ بَلْ طَلَبَ الْإِتْيَانَ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى الْأَكْلِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: لَا تَهْتَمُّوا بِذَلِكَ وَلَا تَسْأَلُوا عَنْهَا وَالَّذِي يُهِمُّكُمُ الْآنَ أَنْ تَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ وَلَمْ يُعْلَمُ هَلْ سَمَّى عَلَيْهِ أَمْ لَا، يَجُوزُ أَكْلُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ سَمَّى، إِذْ لَا يُظَنُّ بِالْمُؤْمِنِ إِلَّا الْخَيْرُ وَذَبِيحَتُهُ وَصَيْدُهُ أَبَدًا مَحْمُولٌ عَلَى السَّلَامَةِ حَتَّى يَصِحَّ فِيهِ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا.

(قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ) قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121](سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 121) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ وَالْحَدِيثُ نَفْسُهُ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى الْأَكْلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ كَانَتْ نَزَلَتْ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَهْلُ بَادِيَتِهَا، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْأَكْلِ إِنَّمَا هِيَ لِلتَّبَرُّكِ لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلذَّكَاةِ بِوَجْهٍ لِأَنَّهَا لَا تُدْرِكُ الْمَيِّتَ انْتَهَى.

ص: 123

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ أَمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهَا قَالَ لَهُ سَمِّ اللَّهَ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ قَدْ سَمَّيْتُ فَقَالَ لَهُ سَمِّ اللَّهَ وَيْحَكَ قَالَ لَهُ قَدْ سَمَّيْتُ اللَّهَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهَا أَبَدًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1055 -

1041 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ) بِالتَّحْتِيَّةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ) عَمْرِو بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (الْمَخْزُومِيَّ) الْقُرَشِيَّ لَهُ صُحْبَةٌ وَأَبُوهُ

ص: 123

قَدِيمُ الْإِسْلَامِ وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ (أَمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهَا قَالَ لَهُ سَمِّ اللَّهَ فَقَالَ) لَهُ (الْغُلَامُ: قَدْ سَمَّيْتُ، فَقَالَ لَهُ: سَمِّ اللَّهَ وَيْحَكَ، قَالَ:)(قَدْ سَمَّيْتُ اللَّهَ) وَلَمْ يَسْمَعْهُ (فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ: وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهَا أَبَدًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ يُسَمِّي وَلَمْ يُصَدِّقْ إِخْبَارَهُ لِأَنَّهُ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ التَّسْمِيَةُ لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَعِلْمِ عِنَادِهِ بِقَوْلِهِ سَمَّيْتُ وَلَا يُسَمِّي فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ تَرَكَهَا عَمْدًا إِذْ لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ بَدَلَ سَمَّيْتُ لَاكْتَفَى بِذَلِكَ.

ص: 124

[بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ الذَّكَاةِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ كَانَ يَرْعَى لِقْحَةً لَهُ بِأُحُدٍ فَأَصَابَهَا الْمَوْتُ فَذَكَّاهَا بِشِظَاظٍ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ فَكُلُوهَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الذَّكَاةِ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ

1056 -

1042 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: مُرْسَلٌ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ، وَوَصَلَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مَنْ بَنِي حَارِثَةَ) بَطْنٌ مِنَ الْأَوْسِ (كَانَ يَرْعَى لِقْحَةً) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا نَاقَةٌ ذَاتُ لَبَنٍ (لَهُ بِأُحُدٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ الْجَبَلُ الْمَعْرُوفُ بِالْمَدِينَةِ (فَأَصَابَهَا الْمَوْتُ) ؛ أَيْ: أَسْبَابُهُ (فَذَكَّاهَا بِشِظَاظٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِعْجَامِ الظَّاءَيْنِ عُودٌ مُحَدَّدُ الطَّرَفِ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ فَنَحَرَهَا بِوَتَدٍ فَقُلْتُ لِزَيْدٍ: وَتَدٌ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ مِنْ خَشَبٍ؟ قَالَ: بَلْ مِنْ خَشَبٍ.

وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ: فَأَخَذَهَا الْمَوْتُ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَنْحَرُهَا بِهِ فَأَخَذَ وَتَدًا فَوَجَأَهَا بِهِ حَتَّى أَهْرَاقَ دَمَهَا فَعَلَى هَذَا فَالشِّظَاظُ الْوَتَدُ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الشِّظَاظُ الْعُودُ الَّذِي يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ عُرْوَتَيِ الْغِرَارَتَيْنِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ.

( «فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ فَكُلُوهَا» ) أَمْرُ إِبَاحَةٍ.

وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ: " فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا ".

ص: 124

ص: 124

- (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ وَالِابْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ كَمَا رَجَّحَهُ الْحَافِظُ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ (عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) كَذَا وَقَعَ عَلَى الشَّكِّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ فَتْحُونَ فِي الصَّحَابَةِ قَالَهُ فِي الْإِصَابَةِ (أَنَّ جَارِيَةً) لَمْ تُسَمَّ (لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ الشَّهِيرِ (كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهُ بِسَلْعٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ (فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا أَدْرَكَتْهَا) قَبْلَ الْمَوْتِ (فَذَكَّتْهَا) وَفِي رِوَايَةٍ:" فَذَبَحَتْهَا "(بِحَجَرٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ "(فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقَالَ كَعْبٌ لِأَهْلِهِ: " «لَا تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْأَلَهُ» "، أَوْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلَهُ فَأَتَاهُ أَوْ بَعَثَ إِلَيْهِ (فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا فَكُلُوهَا) أَمْرُ إِبَاحَةٍ، وَفِيهِ التَّذْكِيَةُ بِالْحَجَرِ، وَجَوَازُ مَا ذَبَحَتْهُ الْمَرْأَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً طَاهِرَةً أَوْ غَيْرَ طَاهِرَةٍ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَبَاحَ مَا ذَبَحَتْهُ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالشَّافِعِيِّ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَجُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، الثَّلَاثَةُ عَنْ نَافِعٍ نَحْوَهُ

ص: 125

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهَا وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1058 -

1044 - (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَيَرْوِيهِ ثَوْرٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ وُجُوهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5](سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 5) وَهُمُ الْيَهُودُ وَمَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَطْعِمَةِ لَا يُخْتَصُّ حِلُّهَا بِالْمِلَّةِ (وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ} [المائدة: 51]

ص: 125

يُوَادِدْهُمْ وَيُوَالِيهِمْ (مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِتِلَاوَتِهَا أَنَّهُ وَإِنْ جَازَ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّخِذَهُمْ ذَبَّاحِينَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُوَالَاةً لَهُمْ.

ص: 126

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ مَا فَرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلُوهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1058 -

1045 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَا فَرَى) قَطَعَ (الْأَوْدَاجَ فَكُلُوهُ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ قَالَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لَنَا مُدًى فَقَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ» " أَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ وَأَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ.

ص: 126

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا ذُبِحَ بِهِ إِذَا بَضَعَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَيْهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1059 -

1046 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا ذُبِحَ بِهِ إِذَا بَضَعَ) بِفَتْحَتَيْنِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ (لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَيْهِ) وَإِلَّا فَالْمُسْتَحَبُّ الْحَدِيدُ الْمَشْحُوذُ لِحَدِيثِ: " «وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ» ".

ص: 126

[بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ الذَّبِيحَةِ فِي الذَّكَاةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ شَاةٍ ذُبِحَتْ فَتَحَرَّكَ بَعْضُهَا فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا ثُمَّ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ إِنَّ الْمَيْتَةَ لَتَتَحَرَّكُ وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَاةٍ تَرَدَّتْ فَتَكَسَّرَتْ فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا فَذَبَحَهَا فَسَالَ الدَّمُ مِنْهَا وَلَمْ تَتَحَرَّكْ فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ ذَبَحَهَا وَنَفَسُهَا يَجْرِي وَهِيَ تَطْرِفُ فَلْيَأْكُلْهَا.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

3 -

بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الذَّبِيحَةِ فِي الذَّكَاةِ

1060 -

1047 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مُرَّةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدِّ الرَّاءِ اسْمُهُ يَزِيدُ بِتَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الزَّايِ وَيُقَالُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (مَوْلَى عَقِيلِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ أَبِي طَالِبٍ) وَيُقَالُ مَوْلَى أُخْتِهِ أُمِّ هَانِئٍ (أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ شَاةٍ ذُبِحَتْ) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي عُمَرَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مُرَّةَ قَالَ: " كَانَتْ عِنَاقٌ كَرِيمَةٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَذْبَحَهَا فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ تَرَدَّتْ فَذَبَحْتُهَا فَرَكَضَتْ بِرِجْلِهَا (فَتَحَرَّكَ بَعْضُهَا) ؛ أَيْ: رِجْلُهَا (فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا) ؛ أَيْ: إِبَاحَةٌ لِأَنَّهَا مُذَكَّاةٌ (ثُمَّ

ص: 126

سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَقَالَ: إِنَّ الْمَيْتَةَ لَتَتَحَرَّكُ) فَلَا يُفِيدُ ذَبْحُهَا (وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: أَكْلِهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَافَقَ زَيْدًا عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.

(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَاةٍ تَرَدَّتْ) سَقَطَتْ مِنْ عُلُوٍّ (فَتَكَسَّرَتْ) وَفِي نُسْخَةٍ فَكُسِرَتْ بِلَا تَاءٍ قَبْلَ الْكَافِ (فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا) فَذَبَحَهَا (فَسَالَ الدَّمُ مِنْهَا وَلَمْ تَتَحَرَّكْ) هَلْ تُؤْكَلُ أَمْ لَا؟ (فَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ ذَبَحَهَا وَنَفَسُهَا) ؛ أَيْ: دَمُهَا (يَجْرِي) ؛ أَيْ: يَسِيلُ سُمِّيَ الدَّمُ نَفَسًا لِأَنَّ النَّفَسَ الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِجُمْلَةِ الْحَيَوَانِ قَوَامُهَا بِالدَّمِ (وَهِيَ تَطْرِفُ) تُحَرِّكُ بَصَرَهَا، يُقَالُ: طَرَفَ الْبَصَرُ كَضَرَبَ تَحَرَّكَ، وَطَرَفُ الْعَيْنِ: نَظَرُهَا (فَلْيَأْكُلْهَا) لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْحَيَاةِ فَعَمِلَ فِيهَا الذَّبْحُ.

ص: 127

[بَاب ذَكَاةِ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا نُحِرَتْ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا فِي ذَكَاتِهَا إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعَرُهُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ذُبِحَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

4 -

بَابُ ذَكَاةِ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ

1061 -

1048 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا نُحِرَتِ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا) ؛ أَيْ: جَنِينُهَا كَائِنَةٌ (فِي ذَكَاتِهَا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَذَكَاتُهَا ذَكَاةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا (إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ) الْمُدْرَكُ بِالْحَاسَّةِ (فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ذُبِحَ) نَدْبًا كَمَا يُفِيدُ السِّيَاقُ (حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مَنْ جَوْفِهِ) فَذَبْحُهُ إِنَّمَا هُوَ لِإِنْقَائِهِ مِنَ الدَّمِ لَا لِتَوَقُّفِ الْحِلِّ عَلَيْهِ وَهَذَا جَاءَ بِمَعْنَاهُ مَرْفُوعًا، رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:" «ذَكَاةُ الْجَنِينِ إِذَا أَشْعَرَ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَلَكِنَّهُ يُذْبَحُ حَتَّى يَنْصَابَ مَا فِيهِ مِنَ الدَّمِ» " وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: " «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ» " لَكِنْ فِيهِ مُبَارَكُ بْنُ مُجَاهِدٍ ضَعِيفٌ، وَلِتَعَارُضِ الْحَدِيثَيْنِ لَمْ يَأْخُذْ بِهِمَا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: ذَكَاةُ أُمِّهِ مُغْنِيَةٌ عَنْ ذَكَاتِهِ مُطْلَقًا، وَلَا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: لَا مُطْلَقًا، وَمَالِكٌ أَلْغَى الثَّانِيَ لِضَعْفِهِ وَأَخَذَ بِالْأَوَّلِ لِاعْتِضَادِهِ بِالْمَوْقُوفِ الَّذِي رَوَاهُ فَقَيَّدَ بِهِ

ص: 127

قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم " «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَجَاءَ مِنْ رِوَايَةِ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ بِرَفْعِ ذَكَاةٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ؛ أَيْ: ذَكَاةُ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ، وَرُوِيَ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ كَجِئْتُ طُلُوعَ الشَّمْسِ؛ أَيْ: وَقْتَ طُلُوعِهَا؛ أَيْ: ذَكَاتُهُ حَاصِلَةٌ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَرِوَايَةُ الرَّفْعِ هِيَ الْمَحْفُوظَةُ، وَالْمُرَادُ الَّذِي خَرَجَ مَيِّتًا فَيُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا لِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ السَّائِلِ:" «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَنْحَرُ الْإِبِلَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ فَنُلْقِيهِ أَوْ نَأْكُلُهُ؟ فَقَالَ: كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» " فَسُؤَالُهُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّكِّ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْمُمْكِنِ ذَبْحُهُ فَيُذَكَّى لِاسْتِقْلَالِهِ بِحُكْمِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنِ الْمَيِّتِ لِيُطَابِقَ السُّؤَالَ، وَمِنْ بَعِيدِ التَّأْوِيلِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَعْنَى عَلَى التَّشْبِيهِ؛ أَيْ: مِثْلَ ذَكَاتِهَا أَوْ كَذَكَاتِهَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْحَيَّ، لِحُرْمَةِ الْمَيِّتِ عِنْدَهُ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ مَا فِيهِ مِنَ التَّقْدِيرِ لِمُسْتَغْنًى عَنْهُ وَمِنْ ثَمَّ وَافَقَ صَاحِبَاهُ مَالِكًا وَمَنْ وَافَقَهُ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ، فَفِيهِ حَذْفُ الْمَوْصُولِ وَبَعْضُ الصِّلَةِ وَهُوَ إِنْ وَالْفِعْلِ بَعْدَهَا وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ تَكْثِيرُ الْإِضْمَارِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَرِوَايَةُ النَّصْبِ إِمَّا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ كَمَا مَرَّ أَوْ عَلَى التَّوَسُّعِ نَحْوَ: 30 {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155](سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 155) ؛ أَيْ: ذَكَاتُهُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَوْلَى لِقِلَّةِ الْإِضْمَارِ وَاتِّفَاقِهِ مَعَ رِوَايَةِ الرَّفْعِ وَإِلَّا نَقَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ.

ص: 128

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعَرُهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1062 -

1049 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الزَّايِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) بِقَافٍ وَمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ ابْنِ أُسَامَةَ (اللَّيْثِيِّ) الْمَدَنِيِّ الْأَعْرَجِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ) إِبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا (فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ إِذَا كَانَ تَمَّ خَلْقُهُ) الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَوْ نَاقِصُ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ قَالَهُ الْبَاجِيُّ (وَنَبَتَ شَعْرُهُ) ؛ أَيْ: شَعْرُ جَسَدِهِ لَا شَعْرُ عَيْنَيْهِ وَحَاجِبَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ.

ص: 128

[كِتَاب الصَّيْدِ]

[بَاب تَرْكِ أَكْلِ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْحَجَرُ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الصَّيْدِ بَاب تَرْكِ أَكْلِ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْحَجَرُ

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ رَمَيْتُ طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ وَأَنَا بِالْجُرْفِ فَأَصَبْتُهُمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَمَاتَ فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَمَّا الْآخَرُ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُذَكِّيهِ بِقَدُومٍ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

25 -

كِتَابُ الصَّيْدِ

أَصْلُ الصَّيْدِ مَصْدَرٌ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الصَّيْدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96][سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 96] وَ {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95][سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95] وَالْمُرَادُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَحْكَامُ الصَّيْدِ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ.

1 -

بَابُ تَرْكِ أَكْلِ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْحَجَرُ

بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَرَاءٍ فَأَلِفٍ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ: خَشَبَةٌ ثَقِيلَةٌ أَوْ عَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدٌ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِهِ.

وَفِي الْقَامُوسِ: الْمِعْرَاضُ سَهْمٌ بِلَا رِيشٍ، دَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ يُصِيبُ بِعَرْضِهِ دُونَ حَدِّهِ.

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: عَصًا رَأْسُهَا مُحَدَّدٌ.

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ كَابْنِ دُرَيْدٍ: سَهْمٌ طَوِيلٌ لَهُ أَرْبَعُ قُذَذٍ رِقَاقٍ فَإِذَا رُمِيَ بِهِ اعْتَرَضَ.

1063 -

1050 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: رَمَيْتُ طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ وَأَنَا بِالْجُرْفِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَبِسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ (فَأَصَبْتُهُمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَمَاتَ فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُذَكِّيهِ بِقَدُومٍ) بِالتَّخْفِيفِ بِزِنَةِ رَسُولٍ آلَةُ النَّجَّارِ مُؤَنَّثَةٌ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: لَا تُشَدَّدُ، وَأَنْشَدَ الْأَزْهَرِيُّ:

فَقُلْتُ أَعِيرَانِي الْقَدُومَ لَعَلَّنِي

وَجَعَلَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ التَّشْدِيدَ مِنْ خَطَأِ الْعَامَّةِ، لَكِنْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُطَرِّزِيُّ:

ص: 129

الْقَدُومُ الْمِنْحَاتُ، خَفِيفَةٌ وَالتَّشْدِيدُ لُغَةٌ (فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا) لِأَنَّهُ مِنَ الْمَوْقُوذَةِ الْمَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ.

ص: 130

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَكْرَهُ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْبُنْدُقَةُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1063 -

1051 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَكْرَهُ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْبُنْدُقَةُ) الْمُتَّخَذَةُ مِنْ طِينٍ وَتَيَبَّسَ وَيُرْمَى بِهَا.

وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ: تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: " «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْهُ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ» ".

ص: 130

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ الْإِنْسِيَّةُ بِمَا يُقْتَلُ بِهِ الصَّيْدُ مِنْ الرَّمْيِ وَأَشْبَاهِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ إِذَا خَسَقَ وَبَلَغَ الْمَقَاتِلَ أَنْ يُؤْكَلَ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] قَالَ فَكُلُّ شَيْءٍ نَالَهُ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ أَوْ رُمْحِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ سِلَاحِهِ فَأَنْفَذَهُ وَبَلَغَ مَقَاتِلَهُ فَهُوَ صَيْدٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَأَعَانَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ كَلْبٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ لَمْ يُؤْكَلْ ذَلِكَ الصَّيْدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَهْمُ الرَّامِي قَدْ قَتَلَهُ أَوْ بَلَغَ مَقَاتِلَ الصَّيْدِ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ هُوَ قَتَلَهُ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلصَّيْدِ حَيَاةٌ بَعْدَهُ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الصَّيْدِ وَإِنْ غَابَ عَنْكَ مَصْرَعُهُ إِذَا وَجَدْتَ بِهِ أَثَرًا مِنْ كَلْبِكَ أَوْ كَانَ بِهِ سَهْمُكَ مَا لَمْ يَبِتْ فَإِذَا بَاتَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1063 -

1052 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ الْإِنْسِيَّةُ) إِذَا تَوَحَّشَتْ كَبَعِيرٍ شَرَدَ وَبَقَرَةٍ (بِمَا يُقْتَلُ بِهِ الصَّيْدُ مِنَ الرَّمْيِ وَأَشْبَاهِهِ) أَيْ لَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ عَمَلًا بِأَصْلِهِ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: إِذَا عَجَزَ عَنِ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ صَادَ كَالصَّيْدِ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: " «نَدَّ لَنَا بَعِيرٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا وَكُلُوا» " قَالَ مَالِكٌ: (وَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ إِذَا خَسَقَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَبِالْقَافِ أَيْ ثَبَتَ.

قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: خَسَقَ السَّهْمُ الْهَدَفَ إِذَا ثَبَتَ فِيهِ وَتَعَلَّقَ (وَبَلَغَ الْمَقَاتِلَ أَنْ يُؤْكَلَ) لِإِبَاحَتِهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ لِبُلُوغِهِ الْمَقَاتِلَ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 94] أَيْ يَخْتَبِرُ وَهُوَ مِنْهُ تَعَالَى لِإِظْهَارِ مَا عَلِمَهُ مِنَ الْعَبْدِ عَلَى مَا عَلِمَ لَا لِيَعْلَمَ مَا لَا يَعْلَمُ وَقَلَّلَ فِي قَوْلِهِ: {بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} [المائدة: 94] لِيُعْلَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْفِتَنِ الْعِظَامِ

ص: 130

(تَنَالُهُ) أَيِ الصِّغَارَ مِنْهُ {أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] الْكِبَارَ مِنْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَكَانَتِ الْوَحْشُ وَالطَّيْرُ تَغْشَاهُمْ وَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ.

(قَالَ) مَالِكٌ: (فَكُلُّ شَيْءٍ نَالَهُ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ أَوْ رُمْحِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ سِلَاحِهِ فَأَنْفَذَهُ وَبَلَغَ مَقَاتِلَهُ) تَفْسِيرٌ لِأَنْفَذَهُ (فَهُوَ صَيْدٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ) بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ.

- (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَأَعَانَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ كَلْبٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ) لِأَنَّ كَوْنَهُ مُعَلَّمًا شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4][سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 4](لَمْ يُؤْكَلْ ذَلِكَ الصَّيْدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَهْمُ الرَّامِي قَدْ قَتَلَهُ أَوْ بَلَغَ) السَّهْمُ (مَقَاتِلَ الصَّيْدِ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ قَتَلَهُ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلصَّيْدِ حَيَاةٌ بَعْدَهُ) فَيُؤْكَلُ لِتَحَقُّقِ الْإِبَاحَةِ (وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الصَّيْدِ وَإِنْ غَابَ عَنْكَ مَصْرَعُهُ) بِنَحْوِ غَارٍ أَوْ غَيْضَةٍ فَلَمْ تَرَهُ (إِذَا وَجَدْتَ بِهِ أَثَرًا مِنْ كَلْبِكَ) الَّذِي أَرْسَلْتَهُ عَلَيْهِ (أَوْ كَانَ بِهِ سَهْمُكَ مَا لَمْ يَبِتْ فَإِذَا بَاتَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ.

زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُبَالِغًا: وَإِنْ أَنْفَذَتْ مَقَاتِلَهُ الْجَوَارِحُ أَوْ سَهْمُهُ وَهُوَ فِيهِ بِعَيْنِهِ، قَالَ مَالِكٌ: وَتِلْكَ السُّنَّةُ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ: " «جَاءَ رَجُلٌ يَصِيدُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي رَمَيْتُ مِنَ اللَّيْلِ فَأَعْيَانِي وَوَجَدْتُ سَهْمِي فِيهِ مِنَ الْغَدِ وَعَرَفْتُ سَهْمِي فَقَالَ: اللَّيْلُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَظِيمٌ لَعَلَّهُ أَعَانَكَ عَلَيْهِ شَيْءٌ انْبِذْهَا عَنْكَ» " وَوَرَدَ قَرِيبٌ مِنْهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ.

ص: 131

[بَاب مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمُعَلَّمَاتِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ كُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ إِنْ قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمُعَلَّمَاتِ

1067 -

1053 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ) وَهُوَ الَّذِي إِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ وَإِذَا أُرْسِلَ أَطَاعَ، وَالتَّعْلِيمُ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4][سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 4] قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالتَّكْلِيبُ التَّعْلِيمُ وَقِيلَ التَّسْلِيطُ (كُلُّ مَا أَمْسَكَ إِنْ قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: " «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ» " فَعُمُومُهُ يَشْمَلُ مَا إِذَا لَمْ يَقْتُلْ لَكِنَّهُ يُذَكِّي، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّسْمِيَةِ وَهِيَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ هَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي حِلِّ الْأَكْلِ؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي جَمَاعَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فَلَا يَقْدَحُ تَرْكُهَا، وَذَهَبَ أَحْمَدُ إِلَى الْوُجُوبِ لِجَعْلِهَا شَرْطًا فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا شَرْطٌ عَلَى الذَّاكِرِ الْقَادِرِ فَيَجُوزُ مَتْرُوكُهَا سَهْوًا وَعَجْزًا، وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْوَصْفِ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ وَالشَّرْطِ أَقْوَى مِنَ الْوَصْفِ، وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ بِشَرْطِهِ أَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ، وَمَا أُذِنَ فِيهِ مِنْهَا يُرَاعَى صِفَتُهُ، فَالْمُسَمَّى عَلَيْهَا وَافَقَ الْوَصْفَ وَغَيْرُ الْمُسَمَّى بَاقٍ عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ، وَفِي قَوْلِهِ إِذَا أَرْسَلْتَ اشْتِرَاطُ الْإِرْسَالِ لِلْحِلِّ.

ص: 132

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا يَقُولُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَإِنْ أَكَلَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1067 -

1054 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) كُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ (وَإِنْ أَكَلَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " «أَنَّ أَعْرَابِيًّا يُقَالُ لَهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا، قَالَ: كُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، قَالَ: إِنْ أَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» " وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ عَدِيٍّ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " قُلْتُ فَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: فَلَا تَأْكُلْ " فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ لِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ.

وَقَوَّاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ بِأَنَّ حَدِيثَ الْأَكْلِ صَحِبَهُ الْعَمَلُ وَقَالَ بِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُمْ وَمَا صَحِبَهُ الْعَمَلُ

ص: 132

أَوْلَى.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: حَمَلَ شُيُوخُنَا حَدِيثَ عَدِيٍّ عَلَى مَا إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَلْبُ مَيِّتًا مِنَ الْجَرْيِ أَوِ الصَّدْمِ فَأَكَلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ صَارَ إِلَى صِفَةٍ لَا تَعَلُّقَ لِلْإِمْسَاكِ بِهَا، وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِعَدِيٍّ:" «مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» ". انْتَهَى. وَ " أَخْذَ " بِسُكُونِ الْخَاءِ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيِ الصَّيْدَ، وَذَكَاةٌ خَبَرُ إِنَّ.

ص: 133

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ إِذَا قَتَلَ الصَّيْدَ فَقَالَ سَعْدٌ كُلْ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ إِلَّا بَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَفْقَهُ كَمَا تَفْقَهُ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا قَتَلَتْ مِمَّا صَادَتْ إِذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَى إِرْسَالِهَا.

قَالَ مَالِكٌ وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يَتَخَلَّصُ الصَّيْدَ مِنْ مَخَالِبِ الْبَازِي أَوْ مِنْ الْكَلْبِ ثُمَّ يَتَرَبَّصُ بِهِ فَيَمُوتُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا قُدِرَ عَلَى ذَبْحِهِ وَهُوَ فِي مَخَالِبِ الْبَازِي أَوْ فِي فِي الْكَلْبِ فَيَتْرُكُهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَبْحِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ الْبَازِي أَوْ الْكَلْبُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَنَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُفَرِّطُ فِي ذَبْحِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَرْسَلَ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ الضَّارِيَ فَصَادَ أَوْ قَتَلَ إِنَّهُ إِذَا كَانَ مُعَلَّمًا فَأَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ الْمُسْلِمُ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِشَفْرَةِ الْمَجُوسِيِّ أَوْ يَرْمِي بِقَوْسِهِ أَوْ بِنَبْلِهِ فَيَقْتُلُ بِهَا فَصَيْدُهُ ذَلِكَ وَذَبِيحَتُهُ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَإِذَا أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ الضَّارِيَ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ إِلَّا أَنْ يُذَكَّى وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ قَوْسِ الْمُسْلِمِ وَنَبْلِهِ يَأْخُذُهَا الْمَجُوسِيُّ فَيَرْمِي بِهَا الصَّيْدَ فَيَقْتُلُهُ وَبِمَنْزِلَةِ شَفْرَةِ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِهَا الْمَجُوسِيُّ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1067 -

1055 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٍ الزُّهْرِيِّ (أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ إِذَا قَتَلَ الصَّيْدَ فَقَالَ: كُلْ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ) بِفَوْقِيَّةٍ فَمُوَحَّدَةٍ (إِلَّا بَضْعَةٌ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتُكْسَرُ وَتُضَمُّ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ قِطْعَةٌ (وَاحِدَةٌ) وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4][سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 4] فَإِنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ أَكْلِهِ قَدْ أَمْسَكَهُ عَلَيْنَا فَحَلَّ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ وَهُوَ نَصُّ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو وَعَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ: لَا يُؤْكَلُ لِنَصِّ حَدِيثِ عَدِيٍّ لَكِنْ قَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ كَمَا رَأَيْتَ.

- (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي الْبَازِي) بِزِنَةِ الْقَاضِي فَيُعْرَبُ إِعْرَابَ الْمَنْقُوصِ، وَالْجَمْعُ بُزَاةٌ كَقُضَاةٍ، وَفِي لُغَةٍ بَازٌ بِزِنَةِ بَابٍ فَيُعْرَبُ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ وَيُجْمَعُ عَلَى أَبْوَازٍ كَأَبْوَابٍ وَبِيزَانٍ كَبِيبَانٍ (وَالْعُقَابِ) مِنَ الْجَوَارِحِ أُنْثَى وَيُسَافِدُهُ طَائِرٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَقِيلَ الثَّعْلَبُ، قَالَ يَهْجُو:

مَا أَنْتَ إِلَّا كَالْعُقَابِ فَأُمُّهُ مَعْرُوفَةٌ وَلَهُ أَبٌ مَجْهُولٌ

(وَالصَّقْرِ) مِنَ الْجَوَارِحِ يُسَمَّى الْقُطَامِيَّ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَبِهِ سُمِّيَ الشَّاعِرُ، وَالْأُنْثَى صَقْرَةٌ بِالْهَاءِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ.

(وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) مِنْ كُلِّ مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ (أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَفْقَهُ) يَفْهَمُ (كَمَا تَفْقَهُ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا قَتَلَتْ مِمَّا صَادَتْ إِذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَى إِرْسَالِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4][سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 4] وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا أَرْسَلْتَ

ص: 133

كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ» " فَخَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ عَدِيٍّ عَنِ الْكَلْبِ.

(قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يَتَخَلَّصُ) بِالتَّثْقِيلِ يَأْخُذُ (الصَّيْدَ مِنْ مَخَالِبِ) جَمْعُ مِخْلَبٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ لِلطَّائِرِ وَالسَّبُعِ كَالظُّفُرِ لِلْإِنْسَانِ لِأَنَّ الطَّائِرَ يَخْلُبُ بِمَخَالِبِهِ الْجِلْدَ أَيْ يَقْطَعُهُ (الْبَازِي أَوْ مِنْ فِي الْكَلْبِ ثُمَّ يَتَرَبَّصُ بِهِ فَيَمُوتُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا قُدِرَ عَلَى ذَبْحِهِ وَهُوَ فِي مَخَالِبِ الْبَازِي أَوْ فِي) أَيْ فَمِ (الْكَلْبِ) وَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَخْلِيصِهِ مِنْهَا (فَيَتْرُكُهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَبْحِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ الْبَازِي أَوِ الْكَلْبُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ إِلَّا مَا عَجَزَ عَنْ تَذْكِيَتِهِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا.

(وَكَذَلِكَ الَّذِي يَرْمِي الصَّيْدَ) بِسَهْمِهِ (فَيَنَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُفَرِّطُ فِي ذَبْحِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) لِأَنَّهُ تَرَكَ ذَبْحَهُ مَعَ إِمْكَانِهِ.

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا) بِدَارِ الْهِجْرَةِ (أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَرْسَلَ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ الضَّارِي) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ صِفَةٌ لِكَلْبٍ أَيِ الْمُعَوَّدِ بِالصَّيْدِ (فَصَادَ أَوْ قَتَلَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُعَلَّمًا) جُمْلَةٌ بَيَّنَ بِهَا مَعْنَى الضَّارِي (فَأَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، إِذْ حَلَالٌ بِمَعْنَى جَائِزٍ قَدْ يُجَامِعُ الْكَرَاهَةَ (وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ) مِنَ التَّذْكِيَةِ، وَلِابْنِ وَضَّاحٍ:" يُدْرِكْهُ " مِنَ الْإِدْرَاكِ (الْمُسْلِمُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ إِذْ مَا أَدْرَكَهُ حَيًّا وَذَكَّاهُ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ حِلِّهِ (وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِشَفْرَةِ الْمَجُوسِيِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ السِّكِّينُ الْعَرِيضُ جَمْعُهَا شِفَارٌ كَكِتَابٍ، وَشَفَرَاتٌ كَسَجَدَاتٍ (أَوْ يَرْمِي بِقَوْسِهِ أَوْ نَبْلِهِ) سِهَامِهِ، مُؤَنَّثَةٌ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا (فَيَقْتُلُ بِهَا فَصَيْدُهُ ذَلِكَ وَذَبِيحَتُهُ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِنَفْسِ الصَّائِدِ وَالذَّابِحِ لَا بِمَالِكِ الْآلَةِ

ص: 134

(وَإِذَا أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ الضَّارِي عَلَى صَيْدِهِ فَأَخَذَهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ إِلَّا أَنْ) يُدْرَكَ حَيًّا وَ (يُذَكَّى) أَيْ يُذَكِّيَهُ الْمُسْلِمُ فَيَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ (وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ قَوْسِ الْمُسْلِمِ وَنَبْلِهِ يَأْخُذُهَا الْمَجُوسِيُّ فَيَرْمِي بِهَا الصَّيْدَ فَيَقْتُلُهُ وَبِمَنْزِلَةِ شَفْرَةِ) سِكِّينِ (الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِهَا الْمَجُوسِيُّ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْفَاعِلِ لَا الْآلَةِ.

ص: 135

[بَاب مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْبَحْرِ]

وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَمَّا لَفَظَ الْبَحْرُ فَنَهَاهُ عَنْ أَكْلِهِ قَالَ نَافِعٌ ثُمَّ انْقَلَبَ عَبْدُ اللَّهِ فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ فَقَرَأَ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] قَالَ نَافِعٌ فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

3 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْبَحْرِ

1071 -

1056 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَمَّا لَفَظَ) بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ طَرَحَ (الْبَحْرُ) مِنَ السَّمَكِ (فَنَهَاهُ عَنْ أَكْلِهِ، قَالَ نَافِعٌ: ثُمَّ انْقَلَبَ عَبْدُ اللَّهِ فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ) طَلَبَهُ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ (فَقَرَأَ) قَوْلَهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ) أَيُّهَا النَّاسُ حَلَالًا كُنْتُمْ أَوْ مُحْرِمِينَ (صَيْدُ الْبَحْرِ) مَا صِيدَ بِالْحِيلَةِ حَالَ حَيَاتِهِ (وَطَعَامُهُ) أَيِ الْبَحْرِ وَهُوَ مَا قَذَفَهُ مَيِّتًا أَوْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ بِلَا عِلَاجٍ (قَالَ نَافِعٌ: فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَقُولُ لَهُ: (إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) وَقَدْ قَالَ أَبُوهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ صَيْدُهُ مَا صِيدَ وَطَعَامُهُ مَا قَذَفَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَعُبَيْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الصِّدِّيقِ: الطَّافِي حَلَالٌ.

ص: 135

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعْدٍ الْجَارِيِّ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْحِيتَانِ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَوْ تَمُوتُ صَرَدًا فَقَالَ لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ قَالَ سَعْدٌ ثُمَّ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1072 -

1057 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعْدٍ الْجَارِيِّ) بِالْجِيمِ نِسْبَةً إِلَى الْجَارِي بَلَدٌ قُرْبَ

ص: 135

الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الْحِيتَانِ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَوْ تَمُوتُ) مَوْتًا (صَرَدًا) أَيِ السَّمَكُ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ مِنَ الْبَرْدِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (فَقَالَ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ، قَالَ سَعْدٌ: ثُمَّ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ) لَا بَأْسَ بِهَا.

ص: 136

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بِمَا لَفَظَ الْبَحْرُ بَأْسًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1073 -

1058 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بِمَا لَفَظَ الْبَحْرُ بَأْسًا) شِدَّةً لِجَوَازِهِ.

ص: 136

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْجَارِ قَدِمُوا فَسَأَلُوا مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ عَمَّا لَفَظَ الْبَحْرُ فَقَالَ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ اذْهَبُوا إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَاسْأَلُوهُمَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ ائْتُونِي فَأَخْبِرُونِي مَاذَا يَقُولَانِ فَأَتَوْهُمَا فَسَأَلُوهُمَا فَقَالَا لَا بَأْسَ بِهِ فَأَتَوْا مَرْوَانَ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ مَرْوَانُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ.

قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحِيتَانِ يَصِيدُهَا الْمَجُوسِيُّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا أُكِلَ ذَلِكَ مَيْتًا فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ صَادَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1074 -

1059 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْجَارِ) بِالْجِيمِ بَلَدٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ (قَدِمُوا) الْمَدِينَةَ (فَسَأَلُوا مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ) الْأُمَوِيَّ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ (عَنْ مَا لَفَظَ الْبَحْرُ فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ: اذْهَبُوا إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَاسْأَلُوهُمَا) عَنْ ذَلِكَ (ثُمَّ ائْتُونِي فَأَخْبِرُونِي مَاذَا يَقُولَانِ؟ فَأَتَوْهُمَا فَسَأَلُوهُمَا فَقَالَا: لَا بَأْسَ بِهِ فَأَتَوْا مَرْوَانَ) بْنَ الْحَكَمِ (فَأَخْبَرُوهُ) بِمَا قَالَا (فَقَالَ) مَرْوَانُ (قَدْ قُلْتُ لَكُمْ) إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنَّهُمَا يُوَافِقَانِي.

(قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحِيتَانِ يَصِيدُهَا الْمَجُوسِيُّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ) كَمَا تَقَدَّمَ مُسْنَدًا فِي كِتَابِ

ص: 136

الْوُضُوءِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَكَلَ ذَلِكَ) حَالَ كَوْنِهِ (مَيِّتًا فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ صَادَهُ) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ وَإِنْ صَادَهُ نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: رَأَيْتُ سَبْعِينَ صَحَابِيًّا يَأْكُلُونَ صَيْدَ الْمَجُوسِيِّ مِنَ الْبَحْرِ وَلَا يَتَلَجْلَجُ فِي صُدُورِهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

ص: 137

[بَاب تَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

4 -

بَابُ تَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ

ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ يَعْدُو بِهِ وَيَتَقَوَّى كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ وَفِيلٍ وَقِرْدٍ، أَوْ لَا كَثَعْلَبٍ وَضَبُعٍ وَهِرٍّ.

1075 -

1060 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ) اسْمُهُ عَائِذُ اللَّهِ بِتَحْتِيَّةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ وُلِدُ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَسَمِعَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَ عَالِمَ الشَّامِ بَعْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ (عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ) بِمُثَلَّثَةٍ (الْخُشَنِيِّ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبِالنُّونِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي خُشَيْنٍ مِنْ قُضَاعَةَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، قِيلَ اسْمُهُ جُرْثُومٌ أَوْ جُرْثُمَةُ أَوْ جَرْثَمٌ أَوْ جُرْهُمٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْهَاءِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ، أَوْ لَاشِرٌ بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا رَاءٌ أَوْ لَاشٌ بِغَيْرِ رَاءٍ، أَوْ لَاشِقٌ بِقَافٍ أَوْ لَاشُومَةُ أَوْ لَاشُومُ بِلَا هَاءٍ، أَوْ نَاشِبٌ أَوْ نَاشِرٌ، أَوْ غُرْنُوقٌ أَوْ شِقٌّ أَوْ زَيْدٌ أَوِ الْأَسْوَدُ، وَفِي اسْمِ أَبِيهِ أَيْضًا خُلْفٌ فَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ قَيْسٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ فِي خَيْبَرَ وَأَرْسَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمُوا، وَلَهُ أَحَادِيثُ وَعَنْهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَجَمَاعَةٌ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ قَالَ: قَالَ أَبُو ثَعْلَبَةَ: إِنِّي لَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ لَا يَخْنُقُنِي كَمَا أَرَاكُمْ تُخْنَقُونَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قُبِضَ وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَأَتِ ابْنَتُهُ فِي النَّوْمِ أَنَّ أَبَاهَا قَدْ مَاتَ فَاسْتَيْقَظَتْ فَزِعَةً فَقَالَتْ: أَيْنَ أَبِي؟ فَقِيلَ لَهَا فِي مُصَلَّاهُ فَنَادَتْهُ فَلَمْ يُجِبْهَا فَأَتَتْهُ فَوَجَدَتْهُ سَاجِدًا فَحَرَّكَتْهُ فَسَقَطَ مَيِّتًا.

سَكَنَ الشَّامَ أَوْ حِمْصَ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ، وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ من السباع حَرَامٌ» ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: النَّابُ السِّنُّ الَّتِي خَلْفَ الرُّبَاعِيَّةِ، وَهَلِ الْمُرَادُ كُلُّ ذِي نَابٍ مُطْلَقًا؟ أَوِ الْمُرَادُ نَابٌ

ص: 137

يَعْدُو بِهِ وَيَصُولُ عَلَى غَيْرِهِ وَيَصْطَادُ وَيَعْدُو بِطَبْعِهِ غَالِبًا بِخِلَافِ غَيْرِ الْعَادِيِّ كَثَعْلَبٍ وَضَبُعٍ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ الْمَدَنِيِّينَ، فَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ أَوْ لِلْجِنْسِ إِذِ الْمُرَادُ نَابٌ يَعْدُو بِهِ كَمَا عُلِمَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ نَابٌ وَلَمْ يَقُلْ: كُلُّ سَبُعٍ تَنْبِيهًا عَلَى الِافْتِرَاسِ وَالتَّعَدِّي وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِ النَّابِ إِذِ السِّبَاعُ كُلُّهَا ذَاتُ أَنْيَابٍ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي حِلِّ الضَّبُعِ أَحَادِيثُ لَا بَأْسَ بِهَا، وَأَمَّا الثَّعْلَبُ فَوَرَدَ فِي تَحْرِيمِهِ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ جُزْءٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَلَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا.

قَالَ يَحْيَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ رُوَاةِ ابْنِ شِهَابٍ وَإِنَّمَا لَفْظُهُمْ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ» " وَمَا جَاءَ بِهِ يَحْيَى هُنَا إِنَّمَا هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ التَّالِي. انْتَهَى.

وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ بِلَفْظِ: " «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ» " وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: تَابَعَهُ، أَيْ: مَالِكًا - يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالْمَاجِشُونُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَمُتَابَعَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الطِّبِّ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ، وَمُتَابَعَةُ مَعْمَرٍ وَيُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ وَالْمَاجِشُونِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَكَذَا تَابَعَهُ عَمْرُو بْنِ الْحَارِثِ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، الثَّلَاثَةُ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَرَوَاهُ أَبُو أُوَيْسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ: " «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَطْفَةِ وَالنُّهْبَةِ وَالْمُجَثَّمَةِ وَعَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ» " أَخْرَجَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، وَكَذَا رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَزَادَ: وَطْءِ الْحَبَالَى وَلُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ. وَانْفَرَدَا بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ، وَإِنَّمَا يُحْفَظُ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ لَا أَدْرِي كَيْفَ مُخْرَجُهُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ لِقَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ: لَمْ أَسْمَعْ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ عُلَمَائِنَا بِالْحِجَازِ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَحَدَّثَنِي بِهِ أَبُو إِدْرِيسَ وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ، وَالْمُجَثَّمَةُ هِيَ الَّتِي تُصْبَرُ بِالنَّبْلِ. انْتَهَى. بِجِيمٍ وَمُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَتُصْبَرُ تُرْبَطُ وَيُرْمَى إِلَيْهَا بِالنَّبْلِ حَتَّى تَمُوتَ مِنْ جَثَمَ بِالْمَكَانِ وَقَفَ بِهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمَّا كَانَ نَهْيٌ مُحْتَمِلًا أَعْقَبَهُ الْإِمَامُ بِمَا يُفَسِّرُهُ بِالْحَدِيثِ النَّاصِّ عَلَى التَّحْرِيمِ فَقَالَ.

ص: 138

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ» قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1076 -

1061 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَبِيدَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (بْنِ سُفْيَانَ) بْنِ الْحَارِثِ (الْحَضْرَمِيِّ) الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ» )

ص: 138

فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى وَهُوَ نَصٌّ فِي حُرْمَةِ الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ) الْمَعْمُولُ بِهِ (عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ لَا يَحْرُمُ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الْمُوَطَّأِ التَّحْرِيمُ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ نَصًّا وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَلَفْظُ حَرَامٍ شَذَّ بِهِ يَحْيَى عَنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ، لَكِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى لَفْظِ حَرَامٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَنْعِ الصَّادِقِ بِالْكَرَاهَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا: لَا أُحِبُّ أَكْلَ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَالذِّئْبِ وَالْهِرِّ الْوَحْشِيِّ وَالْإِنْسِيِّ وَلَا شَيْءَ مِنَ السِّبَاعِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ الْمَدَنِيِّينَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَعْدُو كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ فَيَحْرُمُ، وَبَيْنَ مَا لَا يَعْدُو كَالضَّبُعِ وَالْهِرِّ وَالثَّعْلَبِ وَالذِّئْبِ فَيُكْرَهُ، نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145][سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 145] الْآيَةَ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَا فِيهَا، لَكِنَّ نَفْيَ الْحُرْمَةِ لَا يَقْتَضِي الْحِلَّ عَيْنًا بَلْ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ أَيْضًا فَاحْتِيطَ لِذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَحَدِيثَ التَّحْرِيمِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِاتِّفَاقٍ، وَبِأَنَّهَا خَرَجَتْ مَخْرَجَ الرَّدِّ عَلَى شَيْءٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ:{وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام: 139][سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 139] وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْحُرْمَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ أَكْلَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} [المائدة: 3][سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 3] وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: النَّهْيُ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَا وَرَدَ فِيهِ، فَإِنْ وَرَدَ عَلَى مَا فِي مِلْكِكَ فَهُوَ نَهْيُ إِرْشَادٍ كَالْأَكْلِ مِنْ رَأْسِ الصَّحْفَةِ وَبِالشِّمَالِ وَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ، وَمَا وَرَدَ عَلَى غَيْرِ مِلْكِكَ فَهُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ كَالشِّغَارِ، وَعَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، وَعَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَاسْتِبَاحَةِ الْحَيَوَانِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ، قَالَ: وَحَمْلُ النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ ضَعِيفٌ لَا يُعَضِّدُهُ دَلِيلٌ صَحِيحٌ. انْتَهَى. وَهُوَ عَلَى اخْتِيَارِهِ تَرْجِيحُ التَّحْرِيمِ.

ص: 139

[بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] وَقَالَ تبارك وتعالى فِي الْأَنْعَامِ {لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [غافر: 79] وَقَالَ تبارك وتعالى {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ - فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 34 - 36] قَالَ مَالِكٌ وَسَمِعْت أَنَّ الْبَائِسَ هُوَ الْفَقِيرُ وَأَنَّ الْمُعْتَرَّ هُوَ الزَّائِرُ قَالَ مَالِكٌ فَذَكَرَ اللَّهُ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَذَكَرَ الْأَنْعَامَ لِلرُّكُوبِ وَالْأَكْلِ قَالَ مَالِكٌ وَالْقَانِعُ هُوَ الْفَقِيرُ أَيْضًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5 -

بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ

- (مَالِكٌ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الْخَيْلِ) جَمَاعَةُ الْأَفْرَاسِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ أَوْ مُفْرَدُهُ خَائِلٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاخْتِيَالِهَا فِي الْمِشْيَةِ، وَيَكْفِي فِي شَرَفِهَا أَنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات: 1][سُورَةُ الْعَادِيَاتِ: الْآيَةُ 1](وَالْبِغَالِ) جَمْعُ كَثْرَةٍ لِبَغْلٍ وَجَمْعُ الْقِلَّةِ

ص: 139

أَبِغَالٌ وَالْأُنْثَى بَغْلَةٌ بِالْهَاءِ وَالْجَمْعُ بَغَلَاتٌ مِثْلُ سَجْدَةٍ وَسَجَدَاتٍ.

(وَالْحَمِيرِ) جَمْعُ حِمَارٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى حُمُرٍ وَأَحْمِرَةٍ وَالْأُنْثَى أَتَانٌ، وَحِمَارَةٌ بِالْهَاءِ نَادِرٌ (أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ) تَحْرِيمًا عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَالصَّحِيحِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُ الْمُفَهَّمِ - مَذْهَبُ مَالِكٍ كَرَاهَةُ الْخَيْلِ - ضَعِيفٌ، إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ عَلَى التَّحْرِيمِ (لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ وَ) خَلَقَ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] مَفْعُولٌ لَهُ.

(وَقَالَ تبارك وتعالى فِي الْأَنْعَامِ) الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فِي سُورَةِ غَافِرٍ: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ} [غافر: 79][سُورَةُ غَافِرٍ: الْآيَةُ 79](لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ){وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} [غافر: 80][سُورَةُ غَافِرٍ: الْآيَةُ 80] وَأَتَى بِهَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ فِيهَا لَامَ التَّعْلِيلِ الْمُفِيدَةَ لِلْحَصْرِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ وَلِذَا عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ قَبْلَ آيَةِ الْخَيْلِ: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5][سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 5](وَقَالَ تبارك وتعالى: لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ) التِّلَاوَةَ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28][سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 28]{عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28]{وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28][سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 28] وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36][سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 36](قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْتُ أَنَّ الْبَائِسَ هُوَ الْفَقِيرُ) فَجُعِلَ صِفَةً لَهُ إِيمَاءً إِلَى شِدَّةِ فَقْرِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي قَدْ تَبَاءَسَ مِنْ ضُرِّ الْفَقْرِ (وَأَنَّ الْمُعْتَرَّ هُوَ الزَّائِرُ) الَّذِي يَعْتَرِيكَ وَيَتَعَرَّضُ لَكَ لِتُعْطِيَهُ وَلَا يُفْصِحُ بِالسُّؤَالِ. (قَالَ مَالِكٌ) مُبَيِّنًا وَجْهَ اسْتِدْلَالِهِ (فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَذَكَرَ الْأَنْعَامَ لِلرُّكُوبِ وَالْأَكْلِ) وَبَيَّنُوا وَجْهَ الدَّلِيلِ بِأُمُورٍ: أَحَدُهَا أَنَّ لَامَ التَّعْلِيلِ تُفِيدُ أَنَّ الْخَيْلَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا لَمْ تُخْلَقْ لِغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ تُفِيدُ الْحَصْرَ فَإِبَاحَةُ أَكْلِهَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ الَّذِي هُوَ أَوْلَى فِي الْحُجِّيَّةِ مِنْ خَبَرِ الْآحَادِ وَلَوْ صَحَّ.

وَثَانِيهَا: عَطْفُ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ دَالٌّ عَلَى اشْتِرَاكِهَا مَعَهُمَا فِي حُكْمِ

ص: 140

التَّحْرِيمِ فَيَحْتَاجُ مَنْ أَفْرَدَ الْحُكْمَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ إِلَى دَلِيلٍ، وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ:" «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ» "، زَادَتْ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ: نَحْنُ وَآلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوهُ بِاجْتِهَادِهِمْ عَلَى الْمُرَجَّحِ مِنْ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ قَضِيَّةُ عَيْنٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ إِذْ هُوَ خَبَرٌ لَا عُمُومَ فِيهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَرَخَّصَ فِي الْخَيْلِ» " فَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ رَخَّصَ إِذِ الرُّخْصَةُ اسْتِبَاحَةُ الْمَمْنُوعِ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُمْ بِسَبَبِ الْمَخْمَصَةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ بِخَيْبَرَ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْحِلِّ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَأَمَّا كَوْنُ أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ أَذِنَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِاحْتِجَاجِنَا ; لِأَنَّ لَفْظَ أَذِنَ دُونَ أَبَاحَ أَوْ أَحَلَّ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ أَمَرَ مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِلْمَخْمَصَةِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ لِتَقَابُلِ الِاحْتِمَالَيْنِ.

ثَالِثُهَا: أَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ مَسَاقَ الِامْتِنَانِ فَلَوْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْأَكْلِ لَكَانَ الِامْتِنَانُ بِهِ أَعْظَمَ، وَالْحَكِيمُ لَا يَمْتَنُّ بِأَدْنَى النِّعَمِ وَهُوَ الرُّكُوبُ وَالزِّينَةُ هُنَا وَيَتْرُكُ أَعْلَاهَا وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَ الِامْتِنَانُ بِالْأَكْلِ فِي الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَهَا فِي قَوْلِهِ:{وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] .

رَابِعُهَا: لَوْ أُبِيحُ أَكْلُهَا لَفَاتَتِ الْمَنْفَعَةُ بِهَا فِيمَا وَقَعَ الِامْتِنَانُ بِهِ مِنَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ.

وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ آيَةَ النَّحْلِ مَكِّيَّةٌ اتِّفَاقًا فَلَوْ فَهِمَ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا الْمَنْعَ لَمَا أَذِنَ فِي أَكْلِهَا فِي خَيْبَرَ وَهِيَ فِي سَابِعَةِ الْهِجْرَةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مَحْمَلَ الْإِذْنِ فِيهِ لِلْمَخْمَصَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119][سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 119] فِي الْمَمْنُوعِ مِنْهُ نَصًّا فَإِذْنُهُ لَا يُنَافِي فَهْمَهُ مِنْهَا الْمَنْعَ، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ آيَةَ النَّحْلِ لَيْسَتْ نَصًّا فِي الْمَنْعِ وَحَدِيثَ أَسْمَاءَ صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ فَيُقَدَّمُ الصَّرِيحُ عَلَى الْمُحْتَمَلِ، فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنَ الْآيَةِ الْمَنْعُ وَذَلِكَ كَافٍ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ، وَالْحَدِيثُ لَا صَرَاحَةَ فِيهِ عَلَى اطِّلَاعِ الْمُصْطَفَى بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِاجْتِهَادِهِمْ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ مِنْ أُصُولِ مَالِكٍ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لِأَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ اللَّامَ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعْلِيلِ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ فِي الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْخَيْلِ فِي غَيْرِهِمَا وَفِي غَيْرِ الْأَكْلِ اتِّفَاقًا كَحَمْلِ الْأَمْتِعَةِ وَالِاسْتِقَاءِ وَالطَّحْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرُّكُوبَ وَالزِّينَةَ لِأَنَّهُمَا أَغْلَبُ مَا تُطْلَبُ لَهُ الْخَيْلُ، فَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَى الْحَصْرِ فِيهِمَا دُونَ الْأَكْلِ الْمُمْتَنِّ بِهِ فِي غَيْرِ الْخَيْلِ فَهُوَ إِضَافِيٌّ فَلَا يُنَافِي الِانْتِفَاعَ بِهَا فِيمَا ذُكِرَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ إِضَافِيٌّ - الْإِجْمَاعُ، وَالْحَمْلُ وَنَحْوُهُ رُكُوبٌ حُكْمًا.

وَأُجِيبَ عَنِ الثَّانِي بِأَنَّ عَطْفَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ إِنَّمَا هُوَ دَلَالَةُ اقْتِرَانٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ، وَجَوَابُهُ أَنَّا لَمْ نَسْتَدِلَّ بِهَا فَقَطْ، بَلْ مَعَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ خَلَقَهَا لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَامْتِنَانِهِ بِالْأَكْلِ مِنَ الْأَنْعَامِ دُونَهَا.

وَعَنِ الثَّالِثِ بِأَنَّ الِامْتِنَانَ إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ غَالِبُ مَا كَانَ يَقَعُ انْتِفَاعُهُمْ بِهِ فَخُوطِبُوا بِمَا أَلِفُوا وَعَرَفُوا وَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ أَكْلَ الْخَيْلِ

ص: 141

لِعِزَّتِهَا فِي بِلَادِهِمْ، بِخِلَافِ الْأَنْعَامِ فَأَكْثَرُ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا كَانَ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَلِلْأَكْلِ، فَاقْتَصَرَ فِي كُلٍّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ عَلَى الِامْتِنَانِ بِأَغْلَبِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَوْ حَصَرَ فِي الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ لَأَضَرَّ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ، وَسَنَدُهُ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالِامْتِنَانِ غَالِبُ مَا يُقْصَدُ بِهِ، وَلَا مَشَقَّةَ فِي الْحَصْرِ فِي الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ بَلْ هُمَا مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ الْمُمْتَنِّ بِهَا.

وَأُجِيبَ عَنِ الرَّابِعِ بِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ مِنَ الْإِذْنِ فِي أَكْلِهَا أَنْ تَفْنَى لَلَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْأَنْعَامِ الْمُبَاحِ أَكْلُهَا وَقَدْ وَقَعَ الِامْتِنَانُ بِهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَرْقَ مَوْجُودٌ لِأَنَّ مَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالِامْتِنَانِ بِأَكْلِهِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِيهِ الِامْتِنَانُ بِأَنَّهُ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَاللَّازِمُ مَمْنُوعٌ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لُحُومَ الْخَيْلِ وَيَقْرَأُ: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} [النحل: 5][سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 5] الْآيَةَ، وَيَقُولُ: هَذِهِ لِلْأَكْلِ، {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: 8] ، وَيَقُولُ هَذِهِ لِلرُّكُوبِ، فَهَذَا صَحَابِيٌّ مِنْ أَئِمَّةِ اللِّسَانِ وَمَقَامُهُ فِي الْقُرْآنِ مَعْلُومٌ، وَقَدْ سَبَقَ مَالِكًا عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: " «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ» " لَكِنْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ لَكِنَّهُ يَتَقَوَّى بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ.

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إِلَى حِلِّ أَكْلِ الْخَيْلِ بِلَا كَرَاهَةٍ لِظَاهِرِ حَدِيثَيْ جَابِرٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ عُلِمَ مَا فِيهِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَالْقَانِعُ هُوَ الْفَقِيرُ أَيْضًا) وَقِيلَ هُوَ السَّائِلُ، قَالَ الشَّمَّاخُ: لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ الْقُنُوعِ، أَيِ: السُّؤَالِ، يُقَالُ مِنْهُ قَنِعَ قُنُوعًا إِذَا سَأَلَ، وَقَنِعَ قَنَاعَةً إِذَا رَضِيَ بِمَا أُعْطِيَ، وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ وَضَعْفُ الْحَالِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ فَقَنِعَ بِزِنَةِ رَضِيَ وَمَعْنَاهُ، وَقَنَعَ بِفَتْحِ النُّونِ طَمِعَ وَسَأَلَ، وَقَدْ تَظَرَّفَ الْقَائِلُ:

الْعَبْدُ حُرٌّ إِنْ قَنِعَ

وَالْحُرُّ عَبْدٌ إِنْ قَنَعْ

فَاقْنَعْ وَلَا تَقْنَعْ فَمَا

شَيْءٌ يَشِينُ سِوَى الطَّمَعْ

ص: 142

[بَاب مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلَاةً لِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

6 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ

1078 -

1062 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (بْنِ عُتْبَةَ)

ص: 142

بِضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (بْنِ مَسْعُودٍ) الْهُذَلِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى فَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ وَأَتْقَنَهُ، وَتَابَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَقَوْمٌ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مُرْسَلًا وَالصَّحِيحُ وَصْلُهُ، وَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَالزُّبَيْدِيُّ وَعُقَيْلٌ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ قَالَ:«مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ» ) بِشَدِّ الْيَاءِ وَتُخَفَّفُ (كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلَاةً) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَعْرِفِ اسْمَهَا (لِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) زَادَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ مِنَ الصَّدَقَةِ ( «فَقَالَ: أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا» ؟) وَفِي رِوَايَةٍ بِإِهَابِهَا وَهُوَ الْجِلْدُ دُبِغَ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ.

وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: " «هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ» ؟ لَكِنَّهَا شَاذَّةٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ ( «فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا مَيِّتَةٌ» ) بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً أَوْ بِسُكُونِهَا مُخَفَّفَةً (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ، وَبِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ رِوَايَتَانِ، وَفِيهِ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 3] شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فِي كُلِّ حَالٍ فَخَصَّهُ بِالْأَكْلِ، وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ جِلْدَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِمَا عِنْدَهُمْ وَأَخَذَ غَيْرُهُمْ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ فَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الزُّهْرِيُّ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مُطْلَقًا دُبِغَ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ، لَكِنْ صَحَّ التَّقْيِيدُ بِالدِّبَاغِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَعْضُهُمْ قَصَرَ الْجَوَازَ عَلَى الْمَأْكُولِ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ فِي الشَّاةِ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرِ أَنَّ الدِّبَاغَ لَا يَزِيدُ فِي التَّطْهِيرِ عَلَى الذَّكَاةِ، وَغَيْرُ الْمَأْكُولِ لَوْ ذُكِّيَ لَمْ يَطْهُرْ بِالذَّكَاةِ فَكَذَلِكَ الدِّبَاغُ، وَأَجَابَ مَنْ عَمَّمَ بِالتَّمَسُّكِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ خُصُوصِ السَّبَبِ وَبِعُمُومِ الْإِذْنِ بِالِانْتِفَاعِ، وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ الطَّاهِرَ يُنْتَفَعُ بِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَكَأَنَّ الدِّبَاغَ بَعْدَ الْمَوْتِ قَائِمًا مَقَامَ الْحَيَاةِ، وَمَنَعَ قَوْمٌ الِانْتِفَاعَ مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ، دُبِغَ الْجِلْدُ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَيْمٍ - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَلَامٍ مُصَغَّرٌ - قَالَ: "«أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَأَعَلَّهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِهِ كِتَابًا وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ، وَبِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابًا وَلِذَا تَرَكَهُ أَحْمَدُ بَعْدَ أَنْ قَالَ إِنَّهُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ، وَرَدَّهُ ابْنُ حِبَّانَ بِأَنَّ ابْنَ عُلَيْمٍ سَمِعَ الْكِتَابَ يُقْرَأُ وَسَمِعَهُ مَشَايِخُ مِنْ جُهَيْنَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا اضْطِرَابَ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ الدَّبْغِ، فَإِنَّ لَفْظَ إِهَابٍ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ وَبَعْدَ الدِّبَاغِ يُسَمَّى أَدِيمًا وَسَخِّيَانًا.

وَحَدِيثُ الْبَابِ تَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَيُونُسُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ فِي مُسْلِمٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ مَوْصُولًا.

ص: 143

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهَرَ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1079 -

1063

ص: 143

- (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (بْنِ وَعْلَةَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ السَّبَئِيِّ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ ثُمَّ يَاءٍ، نِسْبَةً إِلَى سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ (الْمِصْرِيِّ) بِالْمِيمِ الصَّدُوقِ التَّابِعِيِّ الصَّغِيرِ رَوَى عَنِ ابْنِ عَمْرٍو (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَخِفَّةِ الْهَاءِ وَيُجْمَعُ عَلَى أُهُبٍ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ الْجِلْدُ مُطْلَقًا، قَالَ فِي الْفَائِقِ: سُمِّيَ إِهَابًا لِأَنَّهُ أُهْبَةٌ لِلْحَيِّ، وَنَبَأً لِلْحِمَايَةِ عَلَى جَسَدِهِ كَمَا قِيلَ لَهُ مِسْكٌ لِإِمْسَاكِهِ مَا وَرَاءَهُ، وَلِذَا قَالَ دُبِغَ بِمَا يَحْفَظُ الْجِلْدَ كَمَا تَحْفَظُهُ الْحَيَاةُ كَشَبٍّ وَقَرَظٍ (فَقَدْ طَهَرَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، طَهَارَةٌ لُغَوِيَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَيْ نَظُفَ فَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْمَاءِ وَالْيَابِسِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: طَهَرَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ حَتَّى يَجُوزَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ.

ثَالِثُهَا يَجُوزُ أَكْلُ جِلْدِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَقَطْ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا.

وَفِي طَهَارَةِ الشَّعْرِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ بِخِلَافِ الْجِلْدِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ

ص: 144

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1080 -

1064 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الزَّايِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) بِقَافٍ وَمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ الْمَدَنِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ) بِمُثَلَّثَةٍ الْعَامِرِيِّ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ (عَنْ أُمِّهِ) تَابِعِيَّةٌ مَقْبُولَةٌ لَا يُعْرَفُ اسْمُهَا (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ» ) لَا قَبْلَ الدَّبْغِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ:" «لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ» " جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِدُونِ دَعْوَى نَسْخٍ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 144

[بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُضْطَرُّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدُ مِنْهَا فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَيَأْكُلُ مِنْهَا وَهُوَ يَجِدُ ثَمَرَ الْقَوْمِ أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا بِمَكَانِهِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إِنْ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْغَنَمِ يُصَدِّقُونَهُ بِضَرُورَتِهِ حَتَّى لَا يُعَدُّ سَارِقًا فَتُقْطَعَ يَدُهُ رَأَيْتُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَنْ لَا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي وَلَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَعَةٌ مَعَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَعْدُوَ عَادٍ مِمَّنْ لَمْ يُضْطَرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ يُرِيدُ اسْتِجَازَةَ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ بِذَلِكَ بِدُونِ اضْطِرَارٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

7 -

بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يُضْطَرُّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ

الْمُبَاحُ لَهُ أَكْلُهَا بِالنُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَحَدُّ الِاضْطِرَارِ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَصِيرَ إِلَى حَالٍ يُشْرِفُ مَعَهَا عَلَى الْمَوْتِ فَإِنَّ الْأَكْلَ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ.

قَالَ الْعَارِفُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الْمَيِّتِ سُمِّيَّةً شَدِيدَةً، فَلَوْ أَكَلَهَا ابْتِدَاءً لَأَهْلَكَتْهُ، فَشَرَعَ لَهُ أَنْ يَجُوعَ لِيُصَيِّرَ فِي بَدَنِهِ بِالْجُوعِ سُمِّيَّةً هِيَ أَشَدُّ مِنْ سُمِّيَّةِ الْمَيِّتِ فَإِذَا أَكَلَ مِنْهَا حِينَئِذٍ لَا يَتَضَرَّرُ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ حَسَنٌ بَالِغٌ فِي الْحُسْنِ.

- (مَالِكٌ: أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الرَّجُلِ) وَصْفٌ طَرْدِيٌّ فَالْمُرَادُ وَلَوِ امْرَأَةٌ (يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ مِنْهَا، فَإِذَا وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَدَلِيلُهُ أَنَّ الضَّرُورَةَ تَرْفَعُ التَّحْرِيمَ فَيَعُودُ مُبَاحًا، وَمِقْدَارُ الضَّرُورَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الْعَدَمِ لِلْقُوتِ إِلَى حَالَةِ وُجُودِهِ حَتَّى يَجِدَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ نَصُّ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي أَلَّفَهُ بِنَظَرِهِ وَأَمْلَاهُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَرَأَهُ عُمُرَهُ كُلَّهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ: يَأْكُلُ مِقْدَارَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ ضَرُورَةٌ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، قَالَ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إِذَا كَانَتِ الْمَخْمَصَةُ نَادِرَةً، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ دَائِمَةً فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الشِّبَعِ مِنْهَا. انْتَهَى.

وَاحْتَجَّ لِلْمُقَابِلِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: 173][سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 173] أَيْ فَأَكَلَ غَيْرَ بَاغٍ لِلَّذَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَلَا مُتَعَدٍّ - مِقْدَارَ الْحَاجَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَغْيِ الْخُرُوجُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَبِالتَّعَدِّي قَطْعُ الطَّرِيقِ، فَلَا رُخْصَةَ لَهُ فِي الْمَيْتَةِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهَا كَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا.

(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَيَأْكُلُ مِنْهَا وَهُوَ يَجِدُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (ثَمَرَ الْقَوْمِ أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا بِمَكَانِهِ ذَلِكَ؟ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الثَّمَرِ) بِمُثَلَّثَةٍ (أَوِ الزَّرْعِ أَوِ الْغَنَمِ يُصَدِّقُونَهُ بِضَرُورَتِهِ) أَيْ فِيهَا (حَتَّى لَا يُعَدَّ سَارِقًا فَتُقْطَعَ يَدُهُ رَأَيْتُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ

ص: 145

يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ) وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَقِيلَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَلَّا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي وَلَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَعَةٌ) بِفَتْحَتَيْنِ (مَعَ أَنِّي أَخَافُ) لَوْ أَطْلَقْتُ جَوَازَ تَقْدِيمِ طَعَامِ الْغَيْرِ عَلَى الْمَيْتَةِ (أَنْ يَعْدُوَ عَادٍ مِمَّنْ لَمْ يُضْطَرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ يُرِيدُ اسْتِجَازَةَ) بِالزَّايِ (أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ بِذَلِكَ بِدُونِ اضْطِرَارٍ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) يَقْتَضِي أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَهُ.

ص: 146

[كِتَاب الْعَقِيقَةِ]

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَقِيقَةِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْعَقِيقَةِ بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَقِيقَةِ

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ الْاسْمَ وَقَالَ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 26 - كِتَابُ الْعَقِيقَةِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَأَصْلُهَا كَمَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّعَرَ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الصَّبِيِّ حِينَ يُولَدُ، وَسُمِّيَتِ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْهُ عَقِيقَةً لِأَنَّهُ يُحْلَقُ عَنْهُ ذَلِكَ الشَّعَرُ عِنْدَ الذَّبْحِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ مَعَهُ أَوْ مِنْ سَبَبِهِ وَقِيلَ: هِيَ الذَّبِيحَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَذْبَحَ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا يُعَقُّ أَيْ يُشَقُّ وَيُقْطَعُ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ قَوْلَ الْأَصْمَعِيِّ وَغَيْرِهِ إِنَّهَا الشَّعَرُ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ الذَّبْحُ نَفْسُهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا أَوْلَى وَأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ لُغَةً يُقَالُ عَقَّ إِذَا قَطَعَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

بِلَادٌ بِهَا عَقَّ الشَّبَابُ تَمَائِمِي

وَأَوَّلُ أَرْضٍ مَسَّ جِلْدِي تُرَابُهَا

وَمِثْلُهُ قَوْلُ الرَّمَّاحِ ابْنِ مَيَّادَةَ:

بِلَادٌ بِهَا نِيطَتْ عَلَيَّ تَمَائِمِي

وَقُطِّعْنَ عَنِّي حِينَ أَدْرَكَنِي عَقْلِي

1 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَقِيقَةِ

1082 -

1065 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ (عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ» ) أَيِ الْعِصْيَانَ وَتَرْكَ الْإِحْسَانِ (وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ الِاسْمَ) لَا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ ذَبْحُ وَاحِدَةٍ تُجْزِي ضَحِيَّةً لِنَصِّهِ عَلَيْهَا فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْفَصَاحَةِ

ص: 147

الِاحْتِرَازُ عَنْ لَفْظٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا مَكْرُوهٌ فَيُجَاءُ بِهِ مُطْلَقًا (وَقَالَ) صلى الله عليه وسلم: ( «مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ» ) بِضَمِّ السِّينِ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَتَطَوَّعُ بِقُرْبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى (عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ) وَفِي جَعْلِ ذَلِكَ مَوْكُولًا إِلَى مَحَبَّتِهِ مَعَ تَسْمِيَتِهِ نُسُكًا إِشَارَةٌ إِلَى الِاسْتِحْبَابِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِيهِ كَرَاهَةُ مَا يَقْبُحُ مَعْنَاهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الِاسْمَ الْحَسَنَ وَكَانَ الْوَاجِبُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَنْ يُقَالَ لِذَبِيحَةِ الْمَوْلُودِ نَسِيكَةٌ وَلَا يُقَالَ عَقِيقَةٌ لَكِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ مَالَ إِلَى ذَلِكَ وَلَا قَالَ بِهِ، وَأَظُنُّهُمْ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ لِمَا صَحَّ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ مِنْ لَفْظِ الْعَقِيقَةِ. انْتَهَى.

وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَإِلَّا فَقَدَ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ أَصْحَابِهِمُ الشَّافِعِيَّةِ يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا نَسِيكَةً أَوْ ذَبِيحَةً، وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً كَمَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا بِدْعَةٌ تَشَبُّثًا بِحَدِيثِ الْمُوَطَّأِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِذَلِكَ وَلَا لِنَفْيِ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَأَنَّهَا نُسِخَتْ بِالضَّحِيَّةِ كَمَا ادَّعَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، بَلْ آخِرُ الْحَدِيثِ يُثْبِتُهَا، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّ الْأَوْلَى يُسَمَّى نَسِيكَةً لَا عَقِيقَةً، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا أَعْلَمُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

ص: 148

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَعَرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1083 -

1066 - (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرٍ) الصَّادِقِ (ابْنِ مُحَمَّدٍ) الْبَاقِرِ (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلٌ « (وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَعْرَ حَسَنٍ) بِأَمْرِ أَبِيهَا» ، فَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:" «عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَسَنِ بِكَبْشٍ وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً، قَالَ: فَوَزَنَاهُ فَكَانَ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ» "(وَحُسَيْنٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ رَوَى أَحْمَدُ «عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: حَرْبًا، قَالَ: بَلْ هُوَ حَسَنٌ، فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَقَالَ: بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ، فَلَمَّا وُلِدَ مُحْسِنٌ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَقَالَ: بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ، ثُمَّ قَالَ: سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ، شَبَرٌ وَشُبَيْرٌ وَمُشَبِّرٌ» " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَمُحَسِّنٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ مَاتَ صَغِيرًا.

(وَزَيْنَبَ) وُلِدَتْ فِي حَيَاةِ جَدِّهَا وَكَانَتْ لَبِيبَةً جَزِلَةً عَاقِلَةً لَهَا قُوَّةُ جَنَانٍ وَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمِّهَا جَعْفَرٍ فَوَلَدَتْ لَهُ عَلِّيًا وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَعَوْنًا وَعَبَّاسًا وَمُحَمَّدًا.

(وَأُمِّ كُلْثُومٍ) وُلِدَتْ قَبْلَ وَفَاةِ جَدِّهَا صلى الله عليه وسلم وَتَزَوَّجَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَمْهَرَهَا أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدًا وَرُقَيَّةَ وَلَمْ يُعْقِبَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ عَوْنُ بْنُ جَعْفَرٍ ثُمَّ

ص: 148

مَاتَ فَتَزَوَّجَهَا أَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثُمَّ مَاتَ فَتَزَوَّجَهَا أَخُوهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فَمَاتَتْ عِنْدَهُ زَيْنَبُ.

(فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً) يُحْتَمَلُ بِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَمَرَهَا فِي الْحَسَنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا قَاسَتْ ذَلِكَ عَلَى أَمْرِهِ لَهَا فِي الْحَسَنِ بِكْرِهَا.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَهْلُ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ مَا فَعَلَتْهُ فَاطِمَةُ مَعَ الْعَقِيقَةِ أَوْ دُونَهَا، الْبَاجِيُّ: التَّصَدُّقُ بِزِنَةِ الشَّعْرِ حَسَنٌ وَعَمَلُ بِرٍّ.

وَفِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا: " «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» ، فَسَّرَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ تَبَعًا لِلْأَصْمَعِيِّ بِحَلْقِ رَأْسِهِ.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَكِنْ فِي الطَّبَرَانِيِّ: وَيُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ فَعَطَفَهُ عَلَيْهِ، فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَذَى عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ.

ص: 149

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ قَالَ وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَعَرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1084 -

1067 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلٌ وَوَصَلَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً) فَيُنْدَبُ ذَلِكَ وَبِالذَّهَبِ أَيْضًا.

ص: 149

[بَاب الْعَمَلِ فِي الْعَقِيقَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ عَقِيقَةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَكَانَ يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ عَنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ الْعَمَلِ فِي الْعَقِيقَةِ

1085 -

1068 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ عَقِيقَةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا) لِأَنَّهُ كَانَ مَنْ أَشَدِّ الصَّحَابَةِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ فَيَجِبُ نَشْرُهَا.

(وَكَانَ يَعُقُّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مِنْ بَابِ نَصَرَ (عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ عَنِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ) لِكُلٍّ شَاةٌ اتِّبَاعًا لِلْفِعْلِ النَّبَوِيِّ وَقِيَاسًا عَلَى الْأُضْحِيَةِ، فَإِنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهَا سَوَاءٌ.

ص: 149

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَسْتَحِبُّ الْعَقِيقَةَ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1086 -

1069

ص: 149

- (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ خَالِدٍ (التَّيْمِيِّ) تَيْمِ قُرَيْشٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَسْتَحِبُّ) وَفِي نُسْخَةٍ يَقُولُ: تُسْتَحَبُّ (الْعَقِيقَةُ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَلَامٌ أُخْرِجَ عَلَى التَّقْلِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ «كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ فِي الْفَرَسِ: " وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» " وَكَقَوْلِهِ فِي الْأَمَةِ: "«ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِظُفَيْرٍ» " لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا مِنَ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ إِلَّا مَنْ شَذَّ مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ. انْتَهَى.

ص: 150

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ عُقَّ عَنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1086 -

1070 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ عَقَّ عَنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا» " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «عَقَّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ» ".

ص: 150

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَعُقُّ عَنْ بَنِيهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِشَاةٍ شَاةٍ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَقِيقَةِ أَنَّ مَنْ عَقَّ فَإِنَّمَا يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَلَيْسَتْ الْعَقِيقَةُ بِوَاجِبَةٍ وَلَكِنَّهَا يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهَا وَهِيَ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا فَمَنْ عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ فَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ النُّسُكِ وَالضَّحَايَا لَا يَجُوزُ فِيهَا عَوْرَاءُ وَلَا عَجْفَاءُ وَلَا مَكْسُورَةٌ وَلَا مَرِيضَةٌ وَلَا يُبَاعُ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ وَلَا جِلْدُهَا وَيُكْسَرُ عِظَامُهَا وَيَأْكُلُ أَهْلُهَا مِنْ لَحْمِهَا وَيَتَصَدَّقُونَ مِنْهَا وَلَا يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1088 -

1071 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَعُقُّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (عَنْ بَنِيهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِشَاةٍ شَاةٍ) عَنْ كُلٍّ وَاحِدٌ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَقِيقَةِ أَنَّ مَنْ عَقَّ فَإِنَّمَا يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ) قِيَاسًا عَلَى الضَّحِيَّةِ فَإِنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهِ مُتَسَاوِيَانِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَعُقُّ عَنِ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ عَمِلَ بِهِ فَمَا أَخْطَأَ وَلَقَدْ أَصَابَ لِمَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يُعَقَّ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُتَكَافِيَتَانِ

ص: 150

وَعَنِ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ» " انْتَهَى.

لَكِنَّ حُجَّةَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيمَا عَقَّ بِهِ عَنِ الْحَسَنَيْنِ تَرَجَّحَ تَسَاوِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالْعَمَلِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْأُضْحِيَةِ.

(وَلَيْسَتِ الْعَقِيقَةُ بِوَاجِبَةٍ) كَالْأُضْحِيَةِ بِحُجَّةِ أَنَّ كُلًّا إِرَاقَةُ دَمٍ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَكَلَ ذَلِكَ إِلَى مَحَبَّةِ الْأَبِ فَلَوْ وَجَبَتْ مَا قَالَ ذَلِكَ.

(وَلَكِنَّهَا يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهَا) اتِّبَاعًا لِلْفِعْلِ النَّبَوِيِّ وَحَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ; لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَمْرَ إِذَا لَمْ يَصْلُحْ حَمْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو الزِّنَادِ وَدَاوُدُ: وَاجِبَةٌ.

(وَهِيَ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا) فَلَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ نَسْخَهَا وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا بِدْعَةٌ، إِذْ لَوْ نُسِخَتْ مَا عَمِلَ بِهَا الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُسَمَّى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَمُرَةَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَعَلَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، لَكِنْ فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ مِنْ سَمُرَةَ قَالَ الْحَافِظُ: فَكَأَنَّهُ عَنَى هَذَا، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُرْتَهَنٌ أَيْ مُحْتَبَسٌ عَنِ الشَّفَاعَةِ لِوَالِدَيْهِ إِذَا مَاتَ طِفْلًا أَيْ فَشَبَّهَهُ فِي عَدَمِ انْفِكَاكِهِ مِنْهَا بِالرَّهْنِ فِي يَدِ مُرْتَهِنِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ جَيِّدٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ شَفَاعَةَ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ وَبِأَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ يَشْفَعُ لِغَيْرِهِ مُرْتَهَنٌ، فَالْأَوْلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْعَقِيقَةَ تَخْلِيصٌ لَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ الَّذِي طَعَنَهُ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ حَبْسِهِ لَهُ فِي أَسْرِهِ وَمَنْعِهِ لَهُ مِنْ سَعْيِهِ فِي مَصَالِحِ آخِرَتِهِ.

(فَمَنْ عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ فَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ النُّسُكِ) الْهَدَايَا (وَالضَّحَايَا) فَتَجُوزُ بِالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ خِلَافًا لِمَنْ قَصَرَهَا عَلَى الْغَنَمِ لِوُرُودِ الشَّاةِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، لَكِنْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:" «يُعَقُّ عَنْهُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ» "(لَا يَجُوزُ فِيهَا عَوْرَاءُ) بِالْمَدِّ تَأْنِيثُ أَعْوَرَ (وَلَا عَجْفَاءُ) بِالْمَدِّ الضَّعِيفَةُ ( «وَلَا مَكْسُورَةٌ وَلَا مَرِيضَةٌ وَلَا يُبَاعُ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ وَلَا جِلْدِهَا وَيُكْسَرُ عِظَامُهَا» ) جَوَازًا تَكْذِيبًا لِلْجَاهِلِيَّةِ فِي تَحَرُّجِهِمْ مِنْ ذَلِكَ وَتَفْصِيلِهِمْ إِيَّاهَا مِنَ الْمَفَاصِلِ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ الِاتِّبَاعِ الْبَاطِلِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَنْ يَقُولُ فَائِدَتُهُ التَّفَاؤُلُ بِسَلَامَةِ الصَّبِيِّ وَبَقَائِهِ إِذْ لَا أَصْلَ لَهُ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا عَمَلٍ.

(وَيَأْكُلُ أَهْلُهَا مِنْ لَحْمِهَا وَيَتَصَدَّقُونَ مِنْهَا وَلَا يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا) أَيْ يُكْرَهُ لِخَبَرِ

ص: 151

الْبُخَارِيِّ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» " فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِتَرْكِ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ مِنْ تَلْطِيخِ رَأْسِهِ بِدَمِهَا بِإِمَاطَةِ الشَّعْرِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّا إِذَا أَمَرْنَا بِهِ لِلنَّظَافَةِ بِإِجْمَاعٍ فَلِأَنْ لَا نَقْرَبَهُ بِالدَّمِ النَّجِسِ أَوْلَى.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ بُرَيْدَةَ الصَّحَابِيِّ قَالَ: " كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِذَا وُلِدَ لِأَحَدِنَا غُلَامٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَّخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ " وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الرِّسَالَةِ بِقُولِهِ: وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِخَلُوقٍ بَدَلًا مِنَ الدَّمِ الَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.

ص: 152

[كِتَاب الْفَرَائِضِ]

[بَاب مِيرَاثِ الصُّلْبِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْفَرَائِضِ بَاب مِيرَاثِ الصُّلْبِ

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فِي فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ أَنَّ مِيرَاثَ الْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِمْ أَوْ وَالِدَتِهِمْ أَنَّهُ إِذَا تُوُفِّيَ الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ وَتَرَكَا وَلَدًا رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] فَإِنْ شَرِكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ وَكَانَ فِيهِمْ ذَكَرٌ بُدِئَ بِفَرِيضَةِ مَنْ شَرِكَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ وَمَنْزِلَةُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ كَمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ سَوَاءٌ ذُكُورُهُمْ كَذُكُورِهِمْ وَإِنَاثُهُمْ كَإِنَاثِهِمْ يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ وَيَحْجُبُونَ كَمَا يَحْجُبُونَ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ وَوَلَدُ الْابْنِ وَكَانَ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ مَعَهُ لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ الْابْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ وَكَانَتَا ابْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْبَنَاتِ لِلصُّلْبِ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِبَنَاتِ الْابْنِ مَعَهُنَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ بَنَاتِ الْابْنِ ذَكَرٌ هُوَ مِنْ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ أَوْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُنَّ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَمَنْ هُوَ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ فَضْلًا إِنْ فَضَلَ فَيَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِابْنَةِ ابْنِهِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ السُّدُسُ فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الْابْنِ ذَكَرٌ هُوَ مِنْ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ فَلَا فَرِيضَةَ وَلَا سُدُسَ لَهُنَّ وَلَكِنْ إِنْ فَضَلَ بَعْدَ فَرَائِضِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَضْلٌ كَانَ ذَلِكَ الْفَضْلُ لِذَلِكَ الذَّكَرِ وَلِمَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَمَنْ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُمْ شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ فِي كِتَابِهِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] قَالَ مَالِكٌ الْأَطْرَفُ هُوَ الْأَبْعَدُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

27 -

كِتَابُ الْفَرَائِضِ

أَيْ مَسَائِلِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ أَيْ مُقَدَّرَةٍ لِمَا فِيهَا مِنَ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ فَغَلَبَتْ عَلَى غَيْرِهَا، وَالْفَرْضُ لُغَةً التَّقْدِيرُ وَشَرْعًا نَصِيبُ مَا قُدِّرَ لِلْوَارِثِ، ثُمَّ قِيلَ لِلْعِلْمِ بِمَسَائِلِ الْمِيرَاثِ عِلْمُ الْفَرَائِضِ وَالْعَالَمِ بِهِ فَرَضِيٌّ، وَفِي الْحَدِيثِ:" «أَفَرْضُكُمْ زَيْدٌ» " أَيْ أَعْلَمُكُمْ بِهَذَا النَّوْعِ.

1 -

بَابُ مِيرَاثِ الصُّلْبِ

- (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فِي فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ أَنَّ مِيرَاثَ الْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِمْ أَوْ وَالِدَتِهِمْ أَنَّهُ إِذَا تُوُفِّيَ الْأَبُ أَوِ الْأُمُّ وَتَرَكَا وَلَدًا رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذِّكْرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فَفَضْلُهُ وَاخْتِصَاصُهُ بِلُزُومِ مَا لَا يَلْزَمُ الْأُنْثَى مِنَ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ أَيْ لِلذِّكْرِ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ أَوْلَادِكُمْ، فَحَذَفَ الرَّاجِعَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ كَقَوْلِهِمْ: السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ.

وَبَدَأَ يَذْكُرُ مِيرَاثَ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْإِنْسَانِ بِوَلَدِهِ أَشَدُّ التَّعَلُّقَاتِ، وَبَدَأَ بِحَظِّ الذَّكَرِ، وَلَمْ يَقُلْ: لِلْأُنْثَيَيْنِ مِثْلُ حَظِّ الذَّكَرِ، أَوِ الْأُنْثَى نِصْفُ حَظِّ الذَّكَرِ لِفَضْلِهِ كَمَا ضُوعِفَ حَظُّهُ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ وَهُوَ السَّبَبُ لِوُرُودِ الْآيَةِ، فَقِيلَ: كَفَى لِلذُّكُورِ أَنْ ضُوعِفَ لَهُمْ نَصِيبُ الْإِنَاثِ فَلَا يُتَمَادَى فِي حَظِّهِمْ حَتَّى يُحْرَمُوا مَعَ إِدْلَائِهِنَّ مِنَ الْقَرَابَةِ بِمِثْلِ مَا يُدْلُونَ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ حَالُ الِاجْتِمَاعِ، أَيْ إِذَا اجْتَمَعَ ذَكَرٌ وَأُنْثَيَانِ كَانَ لَهُ سَهْمَانِ كَمَا أَنَّ لَهُمَا سَهْمَيْنِ، وَأَمَّا فِي حَالِ الِانْفِرَادِ فَالِابْنُ يَأْخُذُ الْمَالَ كُلَّهُ وَالْأُنْثَيَانِ يَأْخُذَانِ الثُّلُثَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ حُكْمَ الِانْفِرَادِ بِقَوْلِهِ:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} [النساء: 11] خُلَّصًا بِمَعْنَى

ص: 153

بَنَاتٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ ابْنٌ. {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] خَبَرٌ ثَانٍ لِـ " كُنَّ " أَوْ صِفَةٌ لِنِسَاءٍ أَيْ نِسَاءً زَائِدَاتٍ عَلَى اثْنَتَيْنِ {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] الْمَيِّتُ وَكَذَا الِاثْنَتَانِ لِأَنَّهُ لِلْأُخْتَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 176] فَالْبِنْتَانِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْبِنْتَ تَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ مَعَ الذَّكَرِ أَوْلَى، وَفَوْقَ قِيلِ صِلَةٌ وَقِيلَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ زِيَادَةِ النَّصِيبِ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ لَمَّا فُهِمَ اسْتِحْقَاقُ الثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ مِنْ جَعْلِ الثُّلُثِ لِلْوَاحِدَةِ مَعَ الذَّكَرِ.

{وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً} [النساء: 11] مُنْفَرِدَةً {فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلذَّكَرِ إِذَا انْفَرَدَ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ مِثْلَ حَظِّهِمَا، وَقَدْ جَعَلَ لِلْأُنْثَى النِّصْفَ إِذَا انْفَرَدَتْ فَلِلذَّكَرِ الْمُنْفَرِدِ ضِعْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الْكُلُّ.

(فَإِنْ شَرِكَهُمْ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالرَّاءِ الْخَفِيفَةِ الْمَكْسُورَةِ (أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 11] وَكَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ (وَكَانَ فِيهِمْ ذَكَرٌ بُدِئَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ (بِفَرِيضَةِ مَنْ شَرِكَهُمْ ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَمَنْزِلَةُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ كَمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ سَوَاءٌ ذُكُورُهُمْ كَذُكُورِهِمْ وَإِنَاثُهُمْ كَإِنَاثِهِمْ يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ وَيَحْجُبُونَ) مَنْ دُونَهُمْ فِي الطَّبَقَةِ (كَمَا يَحْجُبُونَ) أَيِ الْأَوْلَادُ مَنْ دُونَهُمْ وَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: (فَإِنِ اجْتَمَعَ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ وَوَلَدُ الِابْنِ وَكَانَ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ الِابْنِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَوْلَى مِنَ الْوَلْيِ بِسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الْقُرْبُ أَيْ لِأَقْرَبِ أَقَارِبِ الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ الْأَقْرَبُ ذَكَرًا.

(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ وَكَانَتِ ابْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْبَنَاتِ لِلصُّلْبِ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِبَنَاتِ الِابْنِ مَعَهُنَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ هُوَ مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ) مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ هُوَ (أَطْرَفُ) بِالطَّاءِ وَالرَّاءِ وَالْفَاءِ أَبْعَدُ (مِنْهُنَّ

ص: 154

فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَمَنْ هُوَ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ فَضْلًا) مَفْعُولُ يَرُدُّ (إِنْ فَضَلَ) كَبَنَاتٍ وَزَوْجَةٍ (فَيَقْسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) أَيْ نَصِيبُهُمَا (وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ) كَبَنَاتٍ وَأَبَوَيْنِ (فَلَا شَيْءَ) لَهُمْ لِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) بِنَصِّ الْقُرْآنِ (وَلِابْنَةِ ابْنِهِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ مِمَّنْ هُوَ مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ السُّدُسُ) تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْأَرْبَعَةُ: " سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَائْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: 56] ، «أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ» ، فَأُخْبِرَ أَبُو مُوسَى بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ " وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَفِي جَوَابِ أَبِي مُوسَى إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا قَالَهُ أَوَّلًا بِاجْتِهَادِهِ.

(فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ هُوَ مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ فَلَا فَرِيضَةَ وَلَا سُدُسَ وَلَكِنْ إِنْ فَضَلَ بَعْدَ فَرَائِضِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَضْلٌ كَانَ ذَلِكَ الْفَضْلُ لِذَلِكَ الذَّكَرِ وَلِمَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ) مِنَ الْمُتَوَفَّى (وَمَنْ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ) مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ (فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَذَلِكَ) أَيْ دَلِيلُهُ كُلُّهُ (أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {يُوصِيكُمْ} [النساء: 11] يَأْمُرُكُمْ {اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] بِمَا ذَكَرَ {لِلذَّكَرِ} [النساء: 11] مِنْهُمْ {مِثْلُ حَظِّ} [النساء: 11] نَصِيبِ {الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إِذَا اجْتَمَعَتَا مَعَهُ فَلَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَلَهُمَا النِّصْفُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَاحِدَةٌ فَلَهَا الثُّلُثُ وَلَهُ الثُّلُثَانِ وَإِذَا انْفَرَدَ حَازَ الْمَالَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ كَمَا أَشَارَ لَهُ الْإِمَامُ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الِابْنِ فِي لَفْظِ أَوْلَادٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إِرْثِهِمْ دُونَ أَوْلَادِ الْبِنْتِ.

{فَإِنْ كُنَّ} [النساء: 11] أَيِ الْأَوْلَادُ {نِسَاءً} [النساء: 11] فَقَطْ {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] الْمَيِّتُ {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً} [النساء: 11] بِالنَّصْبِ

ص: 155

وَالرَّفْعِ {فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وَلَا ذِكْرَ لِلْبِنْتَيْنِ فِي الْآيَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَهُمَا النِّصْفُ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ فِي إِعْطَاءِ الْبَنَاتِ الثُّلُثَيْنِ أَنْ يَكُنَّ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُمَا الثُّلُثَانِ فَقِيلَ بِالسُّنَّةِ وَقِيلَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ ; لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْهُمْ سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ الْبَنَاتُ، وَقِيلَ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِلْوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ النِّصْفَ وَلِلثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي آخِرِ السُّورَةِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: بَلْ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِلْبِنْتِ مَعَ الذَّكَرِ الثُّلُثَ فَمَعَ الْأُنْثَى آكَدُ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِهِ وَاحْتِيجَ إِلَى ذِكْرِ مَا فَوْقَ الْأُنْثَيَيْنِ، وَقِيلَ الْمَعْنَى فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا كَقَوْلِهِمْ: رَاكِبُ النَّاقَةِ طَلِيحَانِ، أَيِ النَّاقَةُ وَرَاكِبُهَا.

قَالَ ابْنُ الْعُرْسِ: وَفِي الْآيَةِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفَ وَلِمَا فَوْقَ الثُّلُثَيْنِ فَلَمْ تَجُزِ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى.

أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " «عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلَمَةَ مَاشِيَيْنِ فَوَجَدَنِي صلى الله عليه وسلم لَا أَعْقِلُ شَيْئًا فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي مَالِي؟ فَنَزَلَتْ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] » [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 11] وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "«جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدٍ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ فِي أُحُدٍ وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا وَلَا يُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ، فَقَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ فَأَرْسَلَ إِلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ: اعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ» " قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي تَقَدُّمِ نُزُولِهَا، وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فِي قِصَّةِ جَابِرٍ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ بِنْتَيْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ إِذْ لَا مَانِعَ أَنْ تَنْزِلَ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ أَوَّلِهَا فِي قِصَّةِ الْبِنْتَيْنِ وَآخِرِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} [النساء: 12] فِي قِصَّةِ جَابِرٍ، وَيَكُونُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ فَنَزَلَتْ:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 11] أَيْ ذِكْرُ الْكَلَالَةِ الْمُتَّصِلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ. انْتَهَى.

(قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَطْرَفُ هُوَ الْأَبْعَدُ.)

ص: 156

[بَاب مِيرَاثِ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا]

قَالَ مَالِكٌ وَمِيرَاثُ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ إِذَا لَمْ تَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ النِّصْفُ فَإِنْ تَرَكَتْ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَلِزَوْجِهَا الرُّبُعُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا إِذَا لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ الرُّبُعُ فَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَلِامْرَأَتِهِ الثُّمُنُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ مِيرَاثِ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا

(قَالَ مَالِكٌ: وَمِيرَاثُ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا لَمْ تَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ

ص: 156

غَيْرِهِ النِّصْفُ فَإِنْ تَرَكَتْ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ) وَإِنْ نَزَلَ (ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَلِزَوْجِهَا الرُّبُعُ) وَدُخُولُ وَلَدِ الِابْنِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ لِأَنَّ لَفْظَ وَلَدٍ يَشْمَلُهُ بِنَاءً عَلَى إِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ (مِنْ بَعْدِ) تَنْفِيذِ (وَصِيَّةٍ تُوصِي بِهَا) الْمَرْأَةُ (أَوْ) قَضَاءِ (دَيْنٍ) عَلَيْهَا، وَتَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً عَنْهُ لِلِاهْتِمَامِ بِهَا (وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا إِذَا لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ) وَإِنْ نَزَلَ (الرُّبُعُ فَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَلِامْرَأَتِهِ الثُّمُنُ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] أَيْ زَوْجَاتُكُمْ {إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] مِنْكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ وَلَوْ أُنْثَى {فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ} [النساء: 12] أَيِ الزَّوْجَاتِ تَعَدَّدْنَ أَوْ لَا {الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء: 12] مِنْهُنَّ أَوْ مِنْ غَيْرِهِنَّ وَلَوْ أُنْثَى {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَدَخَلَ وَلَدُ الِابْنِ وَإِنْ نَزَلَ فِيهِمَا لِشُمُولِ اللَّفْظِ لَهُ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْوَصِيَّةِ، وَاسْتَدَلَّ بِتَقْدِيمِهَا فِي الذِّكْرِ مَنْ قَالَ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى الدَّيْنِ فِي التَّرِكَةِ، وَأَجَابَ مَنْ أَخَّرَهَا بِأَنَّهَا قُدِّمَتْ لِئَلَّا يُتَهَاوَنَ بِهَا، وَاسْتَدَلَّ بِعُمُومِهَا مَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَوِ اسْتَغْرَقَ الْمَالَ، وَمَنْ أَجَازَهَا لِلْوَارِثِ وَالْكَافِرِ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا، وَمَنْ قَالَ إِنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ انْتِقَالَ التَّرِكَةِ إِلَى مِلْكِ الْوَارِثِ، وَمَنْ قَالَ دَيْنُ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: دَيْنٍ، كَذَا فِي الْإِكْلِيلِ فِي اسْتِنْبَاطِ التَّأْوِيلِ.

ص: 157

[بَاب مِيرَاثِ الْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْ وَلَدِهِمَا]

قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ مِيرَاثَ الْأَبِ مِنْ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ أَنَّهُ إِنْ تَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُبَدَّأُ بِمَنْ شَرَّكَ الْأَبَ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ كَانَ لِلْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُمْ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ فُرِضَ لِلْأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً وَمِيرَاثُ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا إِذَا تُوُفِّيَ ابْنُهَا أَوْ ابْنَتُهَا فَتَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ تَرَكَ مِنْ الْإِخْوَةِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ أَوْ مِنْ أَبٍ أَوْ مِنْ أُمٍّ فَالسُّدُسُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ وَلَا اثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا فَإِنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ كَامِلًا إِلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ فَقَطْ وَإِحْدَى الْفَرِيضَتَيْنِ أَنْ يُتَوَفَّى رَجُلٌ وَيَتْرُكَ امْرَأَتَهُ وَأَبَوَيْهِ فَلِامْرَأَتِهِ الرُّبُعُ وَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ وَهُوَ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْأُخْرَى أَنْ تُتَوَفَّى امْرَأَةٌ وَتَتْرُكَ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا فَيَكُونُ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ وَلِأُمِّهَا الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فَمَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْإِخْوَةَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

3 -

بَابُ مِيرَاثِ الْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْ وَلَدِهِمَا

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ

ص: 157

أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ (أَنَّ مِيرَاثَ الْأَبِ مِنِ ابْنِهِ وَابْنَتِهِ) فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ (أَنَّهُ إِنْ تَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ) وَإِنْ سَفُلَ حَالَةَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا (ذَكَرًا فَإِنَّهُ يَفْرِضُ لِلْأَبِ السُّدُسَ فَرِيضَةً) وَالْبَاقِي لِلْوَلَدِ الذَّكَرِ أَوِ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ أُنْثَى فَلِلْأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً وَالْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ تَعْصِيبًا.

(وَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِمَنْ شَرِكَ الْأَبَ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ كَانَ لِلْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُمُ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ فُرِضَ لِلْأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً) يُعَالُ لَهُ بِهَا وَذَلِكَ فِي الْمِنْبَرِيَّةِ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ وَابْنَتَانِ فَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ فَيُعَالُ فِيهَا بِمِثْلِ ثُمُنِهَا فَتَصِيرُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ وَيُنَقَّصُ كُلُّ وَاحِدٍ تُسْعَ مَالِهِ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يُنَقَّصُ عَنِ السُّدُسِ.

(وَمِيرَاثُ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا إِذَا تُوُفِّيَ ابْنُهَا أَوِ ابْنَتُهَا فَتَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ تَرَكَ مِنَ الْإِخْوَةِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا مِنْ أُمٍّ وَأَبٍ) أَيْ أَشِقَّاءُ (وَمِنْ أَبٍ) فَقَطْ (أَوْ مِنْ أُمٍّ) فَقَطْ (فَالسُّدُسُ لَهَا) فَرِيضَةً وَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ وَلَا اثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ فَإِنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ كَامِلًا إِلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ فَقَطْ يُقَالُ لَهُمَا الْغَرَّاوَانِ لِأَنَّ الْأُمَّ غُرَّتْ بِإِعْطَائِهَا الثُّلُثَ لَفْظًا لَا حَقِيقَةً.

(وَإِحْدَى الْفَرِيضَتَيْنِ أَنْ يُتَوَفَّى رَجُلٌ وَيَتْرُكَ امْرَأَتَهُ وَأَبَوَيْهِ فَلِامْرَأَتِهِ الرُّبُعُ وَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، مِمَّا بَقِيَ وَهُوَ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) وَالنِّصْفُ لِلْأَبِ (وَالْأُخْرَى) ثَانِيَةُ الْفَرِيضَتَيْنِ (أَنْ تُتَوَفَّى امْرَأَةٌ وَتَتْرُكَ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا فَيَكُونُ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ وَلِأُمِّهَا الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) وَالثُّلُثُ لِلْأَبِ

ص: 158

(وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَلِأَبَوَيْهِ} [النساء: 11] أَيِ الْمَيِّتِ {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] بَدَلٌ مِنْ أَبَوَيْهِ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْبَدَلِ إِفَادَةُ أَنَّهُمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ، إِذْ لَوْ قِيلَ لِأَبَوَيْهِ السُّدُسُ لَكَانَ ظَاهِرُهُ اشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، وَلَوْ قِيلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ السُّدُسُ لَذَهَبَتْ فَائِدَةُ التَّأْكِيدِ وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، وَلَوْ قِيلَ لِأَبَوَيْهِ السُّدُسَانِ لِأَوْهَمَ قِسْمَةَ السُّدُسَيْنِ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوِيَّةِ وَعَلَى خِلَافِهَا {مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوِ ابْنُ ابْنٍ بِالشُّمُولِ أَوِ الْإِجْمَاعِ {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] أَبُوهُ وَأُمُّهُ فَغَلَّبَ الذَّكَرَ {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] مِمَّا تَرَكَ، وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: تَأْخُذُهُ كَامِلًا فِي مَسْأَلَةِ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ فَيَزِيدُ مِيرَاثُهَا عَلَى الْأَبِ، أَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُلُثَ مَا بَقِيَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ تَقُولُ بِرَأْيِكَ وَأَنَا رَجُلٌ أَقُولُ بِرَأْيِي، لَكِنَّ رَأْيَ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا لَوْ أَخَذَتِ الثُّلُثَ الْحَقِيقِيَّ فِيهِمَا لَأَدَّى إِلَى مُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْأَبَ أَقْوَى فِي الْإِرْثِ مِنَ الْأُمِّ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ ضِعْفَ حَظِّهَا إِذَا انْفَرَدَ، فَلَوْ أَخَذَتْ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ الثُّلُثَ الْحَقِيقِيَّ فَيَنْقَلِبُ الْحُكْمُ إِلَى أَنَّ لِلْأُنْثَى مِثْلُ حَظِّ الذَّكَرَيْنِ وَلَا نَظِيرَ لِذَلِكَ فِي اجْتِمَاعِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى يُدْلِيَانِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَخُصَّ عُمُومُ الْآيَةِ بِالْقَوَاعِدِ لِأَنَّهَا مِنَ الْقَوَاطِعِ.

{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] ذُكُورٌ أَوْ إِنَاثٌ أَشِقَّاءُ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ {فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] مِمَّا تَرَكَ (فَمَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْإِخْوَةَ اثْنَانِ) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَحْجُبُهَا إِلَّا ثَلَاثَةٌ، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: إِنَّ الْأَخَوَيْنِ لَا يَرُدَّانِ الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 11] فَالْأَخَوَانِ لَيْسَا بِلِسَانِ قَوْمِكَ إِخْوَةٌ، فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُغَيِّرَ مَا كَانَ قَبْلِي وَمَضَى فِي الْأَمْصَارِ وَتَوَارَثَ بِهِ النَّاسُ، وَاحْتَجَّ بِالْآيَةِ أَيْضًا مَنْ قَالَ لَا يَحْجُبُهَا الْأَخَوَاتُ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِخْوَةِ خَاصٌّ بِالذُّكُورِ كَالْبِنْتَيْنِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَيْضًا.

ص: 159

[بَاب مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ]

قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ وَلَا مَعَ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا شَيْئًا وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ وَلَا مَعَ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ شَيْئًا وَأَنَّهُمْ يَرِثُونَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ السُّدُسُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فَكَانَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي هَذَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

4 -

بَابُ مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ وَلَا مَعَ

ص: 159

وَلَدِ الِابْنِ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا شَيْئًا) مَفْعُولُ يَرِثُونَ (وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ وَلَا مَعَ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ شَيْئًا وَأَنَّهُمْ يَرِثُونَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنَ السِّتَّةِ (يُفْرَضُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمُ السُّدُسُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء: 12] ثَلَاثَةً {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ) نَصِيبِ (الْأُنْثَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ) الْعَزِيزِ {وَإِنْ كَانَ} [النساء: 12] الْمَيِّتُ {رَجُلٌ يُورَثُ} [النساء: 12] مِنْهُ صِفَةٌ لِرَجُلٍ {كَلَالَةً} [النساء: 12] خَبَرُ كَانَ، أَيْ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ مُورَثٌ مِنْهُ كَلَالَةً، أَوْ يُورَثُ خَبَرُ كَانَ وَ (كَلَالَةً) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُورَثُ أَيْ وَلَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي مَعْنَى الْكَلَالَةِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْكَلَالِ وَهُوَ ذَهَابُ الْقُوَّةِ مِنَ الْإِعْيَاءِ {أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12] عَطْفٌ عَلَى رَجُلٍ {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] أَيْ مِنْ أُمٍّ كَمَا قَرَأَ بِهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12]، {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] لِأَنَّهُمْ وَرِثُوا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَهِيَ لَا تَرِثُ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ (فَكَأَنَّهُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي هَذَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى الشَّرِكَةِ صَرِيحٌ فِي التَّسْوِيَةِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ الْمُرَادَ فِي غَيْرِهِمْ.

ص: 160

[بَاب مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ]

قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ شَيْئًا وَلَا مَعَ وَلَدِ الْابْنِ الذَّكَرِ شَيْئًا وَلَا مَعَ الْأَبِ دِنْيَا شَيْئًا وَهُمْ يَرِثُونَ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الْأَبْنَاءِ مَا لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى جَدًّا أَبَا أَبٍ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ يَكُونُونَ فِيهِ عَصَبَةً يُبْدَأُ بِمَنْ كَانَ لَهُ أَصْلُ فَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى أَبًا وَلَا جَدًّا أَبَا أَبٍ وَلَا وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فُرِضَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أَخٌ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَخَوَاتِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيُبْدَأُ بِمَنْ شَرِكَهُمْ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا شَيْءٌ فَاشْتَرَكُوا فِيهَا مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ هِيَ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا فَكَانَ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ وَلِأُمِّهَا السُّدُسُ وَلِإِخْوَتِهَا لِأُمِّهَا الثُّلُثُ فَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَشْتَرِكُ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إِخْوَةُ الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ وَإِنَّمَا وَرِثُوا بِالْأُمِّ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فَلِذَلِكَ شُرِّكُوا فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إِخْوَةُ الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5 -

بَابُ مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) أَيِ الْأَشِقَّاءَ (لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ شَيْئًا وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ الذَّكَرِ شَيْئًا وَلَا مَعَ الْأَبِ دِنْيَا) بِكَسْرِ الدَّالِّ وَإِسْكَانِ النُّونِ

ص: 160

بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ أَيْ قُرْبًا، احْتِرَازًا مِنَ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ (شَيْئًا وَهُمْ يَرِثُونَ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الْأَبْنَاءِ مَا لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى جَدًّا أَبَا أَبٍ مَا فَضَلَ مِنَ الْمَالِ) مَفْعُولُ يَرِثُونَ (يَكُونُونَ فِيهِ عَصَبَةً يُبْدَأُ بِمَنْ كَانَ لَهُ أَصْلُ فَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ) زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرِيضَةِ (كَانَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) أَيِ الْأَشِقَّاءِ (يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ يُسْقَطُونَ بِاسْتِغْرَاقِ ذَوِي الْفُرُوضِ السِّهَامَ (قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى أَبًا وَلَا جَدًّا أَبَا أَبٍ وَلَا ابْنًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فُرِضَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أَخٌ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُبْدَأُ بِمَنْ شَرِكَهُمْ) فِي الْمِيرَاثِ (بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ) أَيِ الْأَشِقَّاءِ (فِيهَا شَيْءٌ) لِاسْتِغْرَاقِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ لِلسِّهَامِ (فَاشْتَرَكُوا مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِيهَا) لِأَنَّ الْأُمَّ تَجْمَعُهُمْ (وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ) الْمُلَقَّبَةُ بِالْحِمَارِيَّةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (هِيَ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأَبِيهَا وَأُمَّهَا فَكَانَ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ) إِذْ لَا وَلَدَ يَحْجُبُهُ

ص: 161

عَنْهُ (وَلِأُمِّهَا السُّدُسُ وَلِإِخْوَتِهَا لِأُمِّهَا الثُّلُثُ فَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ) لِلْأَشِقَّاءِ فَيَشْتَرِكُ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا إِخْوَةَ الشَّخْصِ (الْمُتَوَفَّى) وَهُوَ الْمَرْأَةُ (لِأُمِّهِ وَإِنَّمَا وَرِثُوا بِالْأُمِّ) فَمَا زَادَهُمُ الْأَبُ إِلَّا قُرْبًا (وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ} [النساء: 12] صِفَةٌ وَالْخَبَرُ {كَلَالَةً} [النساء: 12] أَيْ لَا وَالِدَ لَهُ وَلَا وَلَدَ {أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12] تُورَثُ كَلَالَةً (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْرُوثِ كَلَالَةً {أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] أَيْ مِنْ أُمٍّ وَقَرَأَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] مِمَّا تَرَكَ {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء: 12] أَيْ مِنْ وَاحِدٍ {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] يَسْتَوِي فِيهِ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ (فَلِذَلِكَ شُرِّكُوا) أَيِ الْأَشِقَّاءُ (فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ) مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ (لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إِخْوَةُ الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ) فَلِذَا اشْتَرَكُوا فِي الثُّلُثِ.

ص: 162

[بَاب مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ]

قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ كَمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُشَرَّكُونَ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي الْفَرِيضَةِ الَّتِي شَرَّكَهُمْ فِيهَا بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ وِلَادَةِ الْأُمِّ الَّتِي جَمَعَتْ أُولَئِكَ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَكَانَ فِي بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ ذَكَرٌ فَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْإِنَاثِ لَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَيُفْرَضُ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ تَتِمَّةَ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ لَهُنَّ وَيُبْدَأُ بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ الْمُسَمَّاةِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ فَإِنْ كَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْإِنَاثِ فُرِضَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَلَا مِيرَاثَ مَعَهُنَّ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ بُدِئَ بِمَنْ شَرَّكَهُمْ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَأُعْطُوا فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَلِبَنِي الْأُمِّ مَعَ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ وَمَعَ بَنِي الْأَبِ لِلْوَاحِدِ السُّدُسُ وَلِلْاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى هُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

6 -

بَابُ مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ) أَيِ الْأَشِقَّاءِ (كَمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُشَرَّكُونَ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي الْفَرِيضَةِ الَّتِي شَرَكَهُمْ فِيهَا بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ) وَهِيَ السَّابِقَةُ فَوْقَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ (لِأَنَّهُمْ) أَيِ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ (خَرَجُوا مِنْ وِلَادَةِ الْأُمِّ) أَيْ إِنَّهَا لَمْ تَلِدْهُمُ الْأُمُّ (الَّتِي جَمَعَتْ أُولَئِكَ) أَيِ الْأَشِقَّاءَ إِذِ الْأُمُّ مُخْتَلِفَةٌ فَلَمْ يَجْتَمِعُوا فِي الْوِلَادَةِ

ص: 162

فَيُسْقَطُونَ (قَالَ مَالِكٌ) مُوَضِّحًا لِمَا حُكِيَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ: (فَإِنِ اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَكَانَ فِي بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ ذَكَرٌ فَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي الْأَبِ) لِتَقْدِيمِ الْأَشِقَّاءِ عَلَيْهِمْ لِإِدْلَائِهِمْ بِجِهَتَيْنِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْإِنَاثِ) اثْنَتَانِ (لَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ، لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَيُفْرَضُ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ تَتِمَّةَ الثُّلُثَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ لَهُنَّ وَيُبْدَأُ بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ الْمُسَمَّاةِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ) فَإِنْ كَانَتْ شَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ أُعْطِيَتِ النِّصْفَ، وَاثْنَتَانِ فَأَكْثَرُ الثُّلُثَيْنِ (فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) كَمَا فِي الْمُشْتَرَكَةِ السَّابِقَةِ (فَإِنْ كَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْإِنَاثِ فُرِضَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 176](وَلَا مِيرَاثَ مَعَهُنَّ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ بُدِئَ بِمَنْ شَرَّكَهُمْ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَأُعْطُوا فَرَائِضَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ يَسْقُطُونَ بِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ (وَلِبَنِي الْأُمِّ مَعَ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ وَمَعَ بَنِي الْأَبِ لِلْوَاحِدِ السُّدُسُ وَلِلِاثْنَيْنِ الثُّلُثُ، لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى هُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ) لِوِرَاثَتِهِمْ بِالْأُمِّ.

ص: 163

[بَاب مِيرَاثِ الْجَدِّ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْجَدِّ فَكَتَبَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ الْجَدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ يَقْضِي فِيهِ إِلَّا الْأُمَرَاءُ يَعْنِي الْخُلَفَاءَ وَقَدْ حَضَرْتُ الْخَلِيفَتَيْنِ قَبْلَكَ يُعْطِيَانِهِ النِّصْفَ مَعَ الْأَخِ الْوَاحِدِ وَالثُّلُثَ مَعَ الْاثْنَيْنِ فَإِنْ كَثُرَتْ الْإِخْوَةُ لَمْ يُنَقِّصُوهُ مِنْ الثُّلُثِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1095 -

1072

ص: 163

7 -

بَابُ مِيرَاثِ الْجَدِّ

- (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرَ بْنَ حَرْبٍ الْأُمَوِيَّ (كَتَبَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «أَفَرْضُكُمْ زَيْدٌ» "(يَسْأَلُهُ عَنِ الْجَدِّ فَكَتَبَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنِ الْجَدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ يَقْضِي فِيهِ إِلَّا الْأُمَرَاءُ) يَعْنِي الْخُلَفَاءَ (وَقَدْ حَضَرْتُ الْخَلِيفَتَيْنِ قَبْلَكَ) يَعْنِي عُمَرَ وَعُثْمَانَ (يُعْطِيَانِهِ النِّصْفَ مَعَ الْأَخِ الْوَاحِدِ وَالثُّلُثَ مَعَ الِاثْنَيْنِ فَإِنْ كَثُرَتِ الْإِخْوَةُ لَمْ يُنَقِّصُوهُ مِنَ الثُّلُثِ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: " أَنَّ عُمَرَ قَضَى أَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ مَا كَانَتِ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَثُرَتِ الْإِخْوَةُ أَعْطَى لِلْجَدِّ الثُّلُثَ " وَفِي فَوَائِدِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " حَفِظْتُ عَنْ عُمَرَ فِي الْجَدِّ مِائَةَ قَضِيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ " وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُهُمْ، وَتَأَوَّلَهُ الرَّازِيُّ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالِ مَنْ يَرِثُ مَعَ الْجَدِّ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَرُدَّ بِمَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنِّي لَأَحْفَظُ عَنْ عُمَرَ فِي الْجَدِّ مِائَةَ قَضِيَّةٍ، كُلُّهَا يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

ص: 164

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ لِلْجَدِّ الَّذِي يَفْرِضُ النَّاسُ لَهُ الْيَوْمَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1096 -

1073 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَهَاءٍ (بْنِ ذُؤَيْبٍ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ مُصَغَّرٌ، الْخُزَاعِيِّ الْمَدَنِيِّ نَزِيلِ دِمَشْقَ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ وَلَهُ رُؤْيَةٌ مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ لِلْجَدِّ الَّذِي

ص: 164

يَفْرِضُ لَهُ النَّاسُ الْيَوْمَ) مِنْ مُقَاسَمَةِ الْأَخِ الْوَاحِدِ بِالنِّصْفِ، فَإِنْ زَادُوا فَلَهُ الثُّلُثُ.

ص: 165

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثَ

قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ دِنْيَا شَيْئًا وَهُوَ يُفْرَضُ لَهُ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ وَمَعَ ابْنِ الْابْنِ الذَّكَرِ السُّدُسُ فَرِيضَةً وَهُوَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مَا لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى أُمًّا أَوْ أُخْتًا لِأَبِيهِ يُبَدَّأُ بِأَحَدٍ إِنْ شَرَّكَهُ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ فُرِضَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ فَرِيضَةً قَالَ مَالِكٌ وَالْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إِذَا شَرَّكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ يُبَدَّأُ بِمَنْ شَرَّكَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ لَهُ وَلِلْإِخْوَةِ أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنْ الْإِخْوَةِ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ وَلَهُمْ يُقَاسِمُهُمْ بِمِثْلِ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ أَوْ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ الْجَدُّ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ تَكُونُ قِسْمَتُهُمْ فِيهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَأُخْتَهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا وَجَدَّهَا فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ النِّصْفُ ثُمَّ يُجْمَعُ سُدُسُ الْجَدِّ وَنِصْفُ الْأُخْتِ فَيُقْسَمُ أَثْلَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ لِلْجَدِّ ثُلُثَاهُ وَلِلْأُخْتِ ثُلُثُهُ قَالَ مَالِكٌ وَمِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَمِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ فَإِذَا اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَإِنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يُعَادُّونَ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهِمْ لِأَبِيهِمْ فَيَمْنَعُونَهُ بِهِمْ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ بِعَدَدِهِمْ وَلَا يُعَادُّونَهُ بِالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجَدِّ غَيْرُهُمْ لَمْ يَرِثُوا مَعَهُ شَيْئًا وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ فَمَا حَصَلَ لِلْإِخْوَةِ مِنْ بَعْدِ حَظِّ الْجَدِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَلَا يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَهُمْ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهَا تُعَادُّ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا مَا كَانُوا فَمَا حَصَلَ لَهُمْ وَلَهَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ لَهَا دُونَهُمْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ فَرِيضَتَهَا وَفَرِيضَتُهَا النِّصْفُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ فَإِنْ كَانَ فِيمَا يُحَازُ لَهَا وَلِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ فَهُوَ لِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1096 -

1074 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثَ) وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: " كَانَ زَيْدٌ يُشْرِكُ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ إِلَى الثُّلُثِ فَإِذَا بَلَغَ الثُّلُثَ أَعْطَاهُ وَلِلْإِخْوَةِ مَا بَقِيَ ".

(قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ دِنْيَا شَيْئًا) لِإِدْلَائِهِ بِهِ (وَهُوَ يُفْرَضُ لَهُ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ وَمَعَ ابْنِ الِابْنِ الذَّكَرِ السُّدُسُ فَرِيضَةً) كَالْأَبِ وَمَعَ بِنْتٍ أَوْ بِنْتَيِ ابْنٍ وَإِنْ سَفُلَ السُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي تَعْصِيبًا.

فَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ وَلَكِنْ خَلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ» ، فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ أَبًا.

(وَهُوَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مَا لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى أُمًّا أَوْ أُخْتًا لِأَبِيهِ يُبْدَأُ بِأَحَدٍ إِنْ شَرَّكَهُ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ فُرِضَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ فَرِيضَةً) لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ (قَالَ مَالِكٌ وَالْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إِذَا شَرَّكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ يُبْدَأُ بِمَنْ شَرَّكَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ مِنْ

ص: 165

شَيْءٍ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ) الْجَدُّ، وَبَيَّنَ الْأَفْضَلَ بِقَوْلِهِ:(الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ لَهُ وَلِلْإِخْوَةِ أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنَ الْإِخْوَةِ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ وَلَهُمْ يُقَاسِمُهُمْ بِمِثْلِ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ أَوِ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، أَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ الْجَدُّ، وَكَأَنَّ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ) تُسَمَّى الْأَكْدَرِيَّةَ وَبِالْغَرَّاءِ (تَكُونُ قِسْمَتُهُمْ فِيهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ امْرَأَةٌ تَوَفَّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَأُخْتَهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا) أَيْ شَقِيقَتَهَا وَمِثْلُهَا الْأُخْتُ لِلْأَبِ (وَجَدَّهَا، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ) فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَعَالَتْ إِلَى تِسْعَةٍ (ثُمَّ يُجْمَعُ سُدُسُ الْجَدِّ وَنِصْفُ الْأُخْتِ) الشَّقِيقَةِ أَوِ الَّتِي لِلْأَبِ (فَتُقَسَّمُ أَثْلَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ لِلْجَدِّ ثُلُثَاهُ وَلِلْأُخْتِ ثُلُثُهُ) وَالْأَرْبَعَةُ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَلَا تَوَافُقَ، فَتُضْرَبُ الْمَسْأَلَةُ بِعَوْلِهَا تِسْعَةً فِي ثَلَاثَةٍ، فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ، وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ، وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ.

(وَمِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَمِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَإِنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يُعَادُّونَ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهِمْ لِأَبِيهِمْ فَيَمْنَعُونَهُ بِهِمْ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ بِعَدَدِهِمْ) ثُمَّ يَحْجُبُونَهُمْ، وَعَبَّرَ بِالْمُفَاعَلَةِ لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَهُ

ص: 166

عَلَى الْجَدِّ وَهُوَ يُسْقِطُ عَدَدَهُمْ وَيُعَدُّ الشَّقَائِقُ خَاصَّةً فَحَصَلَ مِنْهُ عَدٌّ لَكِنْ لِلشَّقِيقِ دُونَ مَنْ لِلْأَبِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَفَرَّدَ زَيْدٌ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ فِي مُعَادَّتِهِ الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَ الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِقَوْلِهِ فِي الْفَرَائِضِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأَبِ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَشِقَّاءِ فَلَا مَعْنَى لِإِدْخَالِهِمْ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ حَيْفٌ عَلَى الْجَدِّ فِي الْمُقَاسَمَةِ.

قَالَ: وَقَدْ سَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ زَيْدًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا أَقُولُ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِي كَمَا تَقُولُ أَنْتَ بِرَأْيِكَ. انْتَهَى.

(وَلَا يُعَادُّونَ بِالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجَدِّ غَيْرُهُمْ لَمْ يَرِثُوا مَعَهُ شَيْئًا وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ، فَمَا حَصَلَ لِلْإِخْوَةِ مِنْ بَعْدِ حَظِّ الْجَدِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، وَلَا يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَهُمْ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهَا تُعَادُّ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا مَا كَانُوا، فَمَا حَصَلَ لَهَا وَلَهُمْ مِنْ شَيْءٍ كَانَ لَهَا دُونَهُمْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ فَرِيضَتَهَا، وَفَرِيضَتُهَا النِّصْفُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا يُحَازُ لَهَا وَلِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ) الَّذِي اخْتَصَّتْ بِهِ (فَهُوَ لِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ.

ص: 167

[بَاب مِيرَاثِ الْجَدَّةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ خَرَشَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَتْ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ فَسَأَلَ النَّاسَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهَا السُّدُسَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ثُمَّ جَاءَتْ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ لَهَا مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ إِلَّا لِغَيْرِكِ وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ ذَلِكَ السُّدُسُ فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

8 -

بَابُ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ

1098 -

1075 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ

ص: 167

خَرَشَةَ) بِمُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ مَفْتُوحَاتٌ، الْعَامِرِيِّ الْمَدَنِيِّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْرِفُ عُثْمَانَ هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَحَسْبُكَ بِرِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ (عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ) الْخُزَاعِيِّ يُكَنَّى أَبَا إِسْحَاقَ وَيُقَالُ أَبَا سَعِيدٍ، وُلِدَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَقِيلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وُلِدَ وَدَعَا لَهُ.

وَقِيلَ: وُلِدَ أَوَّلَ سَنَةِ الْهِجْرَةِ وَتَعَقَّبُوهُ.

وَذَكَرَهُ ابْنُ شَاهِينَ فِي الصَّحَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: لَهُ رُؤْيَةٌ، وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَبِلَالٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَغَيْرِهِمْ.

وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالزَّهْرِيُّ وَمَكْحُولٌ وَغَيْرُهُمْ، وَعَدَّهُ أَبُو الزِّنَادِ فِي فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ. وَقِيلَ قَبْلَهَا وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَى مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَجَمَاعَةٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ لَمْ يُدْخِلُوا بَيْنَهُمَا أَحَدًا، وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ أَبُو أُوَيْسٍ. انْتَهَى.

وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ: الصَّوَابُ حَدِيثُ مَالِكٍ (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ) أُمُّ الْأُمِّ (إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا) مِنْ وَلَدِ بِنْتِهَا (فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ) عَنْ ذَلِكَ (فَسَأَلَ النَّاسَ) بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ (فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ) بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، أَسْلَمَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ وَوَلِيَ إِمَارَةَ الْبَصْرَةِ ثُمَّ الْكُوفَةِ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ عَلَى الصَّحِيحِ (حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهَا السُّدُسَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟) مُرِيدًا زِيَادَةَ التَّثَبُّثِ وَالِاسْتِظْهَارِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَفُشُوِّ الْحَدِيثِ لَا عَدَمَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ (فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ) أَكْبَرُ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكَانَ مِنَ الْفُضَلَاءِ مَاتَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ (فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَنْفَذَهُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (لَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى) أُمٌّ لِأَبٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ (إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل شَيْءٌ، وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ) مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخَلِيفَتِهِ (إِلَّا لِغَيْرِكِ) أَيْ أُمِّ الْأُمِّ (وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا)

ص: 168

حَتَّى أَقِيسَ (وَلَكِنَّهُ ذَلِكَ السُّدُسُ فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا) بِالسَّوِيَّةِ (وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ) أَيِ انْفَرَدَتْ (فَهُوَ لَهَا) وَفِيهِ أَنَّ الصِّدِّيقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَاضٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَقْضَى عُمَرُ فَبَعَثَ شُرَيْحًا إِلَى الْكُوفَةِ قَاضِيًا، وَبَعَثَ كَعْبَ بْنَ سَوْرٍ إِلَى الْبَصْرَةِ قَاضِيًا.

وَقَالَ مَالِكٌ: أَوَّلُ مَنِ اسْتَقْضَى مُعَاوِيَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ.

ص: 169

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ أَتَتْ الْجَدَّتَانِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ السُّدُسَ لِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَمَا إِنَّكَ تَتْرُكُ الَّتِي لَوْ مَاتَتْ وَهُوَ حَيٌّ كَانَ إِيَّاهَا يَرِثُ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1099 -

1076 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّهُ قَالَ: أَتَتِ الْجَدَّتَانِ) أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ (إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ السُّدُسَ لِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ) لِأَنَّهَا الَّتِي أَعْطَاهُ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَخْبَرَنِي حَارِثَةُ كَمَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ (أَمَا) بِالْفَتْحِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ (إِنَّكَ تَتْرُكُ الَّتِي لَوْ مَاتَتْ وَهُوَ حَيٌّ كَانَ إِيَّاهَا يَرِثُ) لِأَنَّهُ ابْنُ ابْنِهَا وَتُعْطِي مَنْ لَوْ مَاتَتْ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ يَرِثْهَا لِأَنَّهُ ابْنُ بِنْتِهَا.

وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ أَعْطَيْتَ الَّتِي لَوْ أَنَّهَا مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا (فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ عُمَرَ فَقَالَ: مَا كَانَ الْقَضَاءُ إِلَّا لِغَيْرِكَ.

زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ، ثُمَّ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «عَنْ عُبَادَةَ أَنَّ مِنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَضَى لِلْجَدَّتَيْنِ مِنَ الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمَا السُّدُسَ سَوَاءٌ» ، قَالَ: وَإِسْحَاقُ عَنْ عُبَادَةَ مُرْسَلٌ أَيْ مُنْقَطِعٌ.

ص: 169

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ كَانَ لَا يَفْرِضُ إِلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ دِنْيَا شَيْئًا وَهِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ فَرِيضَةً وَأَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأَبِ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ وَلَا مَعَ الْأَبِ شَيْئًا وَهِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ فَرِيضَةً فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْجَدَّتَانِ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَلَيْسَ لِلْمُتَوَفَّى دُونَهُمَا أَبٌ وَلَا أُمٌّ قَالَ مَالِكٌ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ إِنْ كَانَتْ أَقْعَدَهُمَا كَانَ لَهَا السُّدُسُ دُونَ أُمِّ الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْأَبِ أَقْعَدَهُمَا أَوْ كَانَتَا فِي الْقُعْدَدِ مِنْ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ الْجَدَّاتِ إِلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَّثَ الْجَدَّةَ ثُمَّ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَتَاهُ الثَّبَتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّةَ فَأَنْفَذَهُ لَهَا ثُمَّ أَتَتْ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهَا مَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا قَالَ مَالِكٌ ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا وَرَّثَ غَيْرَ جَدَّتَيْنِ مُنْذُ كَانَ الْإِسْلَامُ إِلَى الْيَوْمِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1100 -

1077 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ) أَخِي يَحْيَى (أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ كَانَ لَا يَفْرِضُ إِلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ) أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ.

ص: 169

(قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ دِنْيَا شَيْئًا) لِإِدْلَائِهَا بِهَا فَحَجَبَتْهَا (وَهِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ فَرِيضَةً وَأَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأَبِ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ) لِأَنَّهَا تُسْقِطُهَا (وَلَا مَعَ الْأَبِ شَيْئًا) لِأَنَّهَا أَدْلَتْ بِهِ (وَهِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ فَرِيضَةً) إِذَا انْفَرَدَتْ (فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْجَدَّتَانِ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَلَيْسَ لِلْمُتَوَفَّى دُونَهُمَا أَبٌ وَلَا أُمٌّ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ إِذَا كَانَتْ أَقْعَدُهُمَا) أَقْرَبُهُمَا لِلْمُتَوَفَّى (لَهَا السُّدُسُ دُونَ أُمِّ الْأَبِ) أَيِ الْأُمِّ الَّتِي مِنْ جِهَتِهِ وَهِيَ أُمُّ أُمِّهِ (فَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْأَبِ أَقْعَدَهُمَا) أَقْرَبَهُمَا وَالْبُعْدَى إِنَّمَا هِيَ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ (أَوْ كَانَتَا فِي الْقُعْدَدِ) بِضَمِّ الْقَافِ (مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنَ الْجَدَّاتِ إِلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ) أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ وَإِنْ عَلَيَا فَإِحْدَاهُمَا مَنْ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ ذَكَرٌ أَصْلًا، وَالثَّانِيَةُ مَنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ذَكَرٌ هُوَ الْأَبُ فَقَطْ، فَأُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ أُمِّهِ وَإِنْ عَلَتْ تَرِثُهَا، وَأَمَّا أُمُّ جَدِّهِ لِأُمِّهِ فَلَا تَرِثُ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا أُمُّ جَدِّهِ لِأَبِيهِ فَلَا تَرِثُ عِنْدَ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ:(لِأَنَّهُ بَلَغَنِي) فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَسْنَدَهُ قَرِيبًا وَهَذَا مِمَّا يُعْطِيكَ أَنَّهُ يُطْلِقُ الْبَلَاغَ عَلَى الصَّحِيحِ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَّثَ الْجَدَّةَ ثُمَّ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ» ) فِي خِلَافَتِهِ (عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَتَاهُ الثَّبَتُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ( «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّةَ» ) أُمَّ الْأُمِّ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ (فَأَنْفَذَ لَهَا ثُمَّ أَتَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى) أُمُّ الْأَبِ (إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

ص: 170

فَقَالَ لَهَا: مَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا أَيَّتُكُمَا خَلَتِ) انْفَرَدَتْ (بِهِ فَهُوَ لَهَا، قَالَ مَالِكٌ: ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا وَرَّثَ غَيْرَ جَدَّتَيْنِ مُنْذُ كَانَ الْإِسْلَامُ إِلَى الْيَوْمِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: مِثْلُهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ تَوْرِيثُ زَيْدٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ وَافَقَهُمْ لِأُمِّ الْجَدِّ لِلْأَبِ.

ص: 171

[بَاب مِيرَاثِ الْكَلَالَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْكَلَالَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ آخِرَ سُورَةِ النِّسَاءِ» قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْكَلَالَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِيهَا {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي لَا يَرِثُ فِيهَا الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ حَتَّى لَا يَكُونَ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِيهَا {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176] قَالَ مَالِكٌ فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْإِخْوَةُ عَصَبَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ فِي الْكَلَالَةِ فَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الْإِخْوَةِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى السُّدُسَ وَالْإِخْوَةُ لَا يَرِثُونَ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى شَيْئًا وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَأَحَدِهِمْ وَهُوَ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى فَكَيْفَ لَا يَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَبَنُو الْأُمِّ يَأْخُذُونَ مَعَهُمْ الثُّلُثَ فَالْجَدُّ هُوَ الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ وَمَنَعَهُمْ مَكَانُهُ الْمِيرَاثَ فَهُوَ أَوْلَى بِالَّذِي كَانَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ أَجْلِهِ وَلَوْ أَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ الثُّلُثَ أَخَذَهُ بَنُو الْأُمِّ فَإِنَّمَا أَخَذَ مَا لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَكَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ هُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ الثُّلُثِ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَكَانَ الْجَدُّ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

9 -

بَابُ مِيرَاثِ الْكَلَالَةِ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: هِيَ مَنْ لَمْ يَرِثْهُ أَبٌ وَلَا ابْنٌ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.

قَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ: مَا رَأَيْتُهُمْ إِلَّا تَوَاطَئُوا عَلَى ذَلِكَ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهِيَ مَصْدَرٌ مِنْ تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ أَيْ تَعَطَّفَ النَّسَبُ عَلَيْهِ، وَزَادَ غَيْرُهُ: كَأَنَّهُ أَخَذَ طَرَفَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِمَا أَحَدٌ وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ قَالُوا: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِكْلِيلِ كَأَنَّ الْوَرَثَةَ أَحَاطُوا بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ وَلَا ابْنٌ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَّ يَكِلُّ، يُقَالُ كَلَّتِ النَّسَبُ إِذَا تَبَاعَدَتْ وَطَالَ انْتِسَابُهَا، وَقِيلَ: الْكَلَالَةُ مَنْ سِوَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ، وَقِيلَ: مَنْ سِوَى الْوَالِدِ، وَقِيلَ: هُمُ الْإِخْوَةُ، وَقِيلَ: مِنَ الْأُمِّ.

وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: سُمِّي الَّذِي لَا وَالِدَ لَهُ كَلَالَةً، وَسُمِّيَ الْوَارِثُ كَلَالَةً، وَسُمِّيَ الْإِرْثُ كَلَالَةً.

وَعَنْ عَطَاءٍ: هِيَ الْمَالُ، وَقِيلَ: الْفَرِيضَةُ، وَقِيلَ: الْوَرَثَةُ وَالْمَالُ، وَقِيلَ: بَنُو الْعَمِّ وَنَحْوُهُمْ، وَقِيلَ: الْعَصَبَةُ وَإِنْ بَعُدُوا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَقُلْ فِي الْكَلَالَةِ شَيْئًا.

1101 -

1078 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) مُرْسَلٌ عِنْدَ يَحْيَى وَالْأَكْثَرِ، وَوَصَلَهُ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ( «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْكَلَالَةِ» ) لِأَنَّهَا وَرَدَتْ بِلَفْظِهَا مَرَّتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ، وَاخْتَلَفَتِ الْوَرَثَةُ فَفِي أَوَّلِ النِّسَاءِ: لِإِخْوَةٍ لِلْأُمِّ، وَفِي آخِرِهَا أَشِقَّاءُ أَوْ لِأَبٍ.

ص: 171

( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -: يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ آخِرَ سُورَةِ النِّسَاءِ» ) كَذَا لِيَحْيَى، فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ.

قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْكَلَالَةِ آيَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فِي الشِّتَاءِ وَهِيَ فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ، وَالْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ وَهِيَ الَّتِي فِي آخِرِهَا.

وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ: " «مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلَالَةِ، وَمَا أَغْلَظَ لِي فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهِ حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: يَا عُمَرُ أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ النِّسَاءِ؟» ".

وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَلَالَةُ؟ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الصَّيْفِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] » [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 176] وَفِيهِ فَضْلُ عُمَرَ عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ مِمَّنْ يَسْتَنْبِطُ الْمَعَانِيَ مِنَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ إِلَى نَظَرِهِ وَاسْتِنْبَاطِهِ بِقَوْلِهِ يَكْفِيكَ. . . إِلَخْ، إِذْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَا يَدْرِي ذَلِكَ لَلَزِمَهُ إِيضَاحُهُ لَهُ، فَطَعَنَ بَعْضُ الْمُلْحِدَةِ عَلَى عُمَرَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مِمَّا بَانَ بِهِ جَهْلُهُمْ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْكَلَالَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ) فِي الشِّتَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 11](إِلَى قَوْلِهِ تبارك وتعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ} [النساء: 12] صِفَةٌ وَالْخَبَرُ (كَلَالَةً) أَوْ " يُورَثُ " خَبَرٌ وَ " كَلَالَةً " حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ {أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12] تُورَثُ كَلَالَةً {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] مِنْ أُمٍّ كَمَا قَرَأَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ (فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) مِمَّا تَرَكَ {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء: 12] اثْنَيْنِ {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] يَسْتَوِي فِيهِ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ (فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي لَا يَرِثُ فِيهَا الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ حَتَّى لَا يَكُونَ) يُوجَدَ (وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ) لِلْمَيِّتِ (وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ) وَهِيَ الصَّيْفِيَّةُ (قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ} [النساء: 176] أَيْ يَسْتَخْبِرُونَكَ فِي

ص: 172

الْكَلَالَةِ، وَالِاسْتِفْتَاءُ طَلَبُ الْفَتْوَى، يُقَالُ اسْتَفْتَيْتُ الرَّجُلَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَانِي فَتْوَى وَفُتْيَا وَهُمَا اسْمَانِ وُضِعَا مَوْضِعَ الْإِفْتَاءِ، وَيُقَالُ أَفْتَيْتُ فُلَانًا فِي رُؤْيَا رَآهَا قَالَ تَعَالَى:{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 46][سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 46] وَمَعْنَى الْإِفْتَاءِ إِظْهَارُ الْمُشْكَلِ {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] مُتَعَلِّقٌ بِـ " يُفْتِيكُمْ " عَلَى إِعْمَالِ الثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَصْرِيِّينَ وَلَوْ أَعْمَلَ الْأَوَّلَ لَأَضْمَرَ فِي الثَّانِي، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ:{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19][سُورَةُ الْحَاقَّةِ: الْآيَةُ 19] وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «قَالَ رَجُلٌ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَلَالَةُ؟ قَالَ: مَنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا فَوَرَثَتُهُ كَلَالَةٌ» " {إِنِ امْرُؤٌ} [النساء: 176] مَرْفُوعٌ بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ {هَلَكَ} [النساء: 176] مَاتَ {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] رُفِعَ عَلَى الصِّفَةِ أَيْ هَلَكَ امْرُؤٌ غَيْرُ ذِي وَلَدٍ أَيِ ابْنٍ، وَإِنْ وَقَعَ وَلَدٌ عَلَى الْأُنْثَى لِأَنَّ الِابْنَ يُسْقِطُ الْأُخْتَ وَلَا تُسْقِطُهَا الْبِنْتُ {وَلَهُ أُخْتٌ} [النساء: 176] شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] الْمَيِّتُ وَالْفَاءُ جَوَابُ إِنْ. {وَهُوَ يَرِثُهَا} [النساء: 176] جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ دَالَّةٌ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ وَلَيْسَتْ جَوَابًا خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ وَأَبِي زَيْدٍ، وَالضَّمِيرَانِ عَائِدَانِ عَلَى لَفْظِ (امْرُؤٌ وَأُخْتٌ) دُونَ مَعْنَاهُمَا فَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ:

وَكُلُّ أُنَاسٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ وَنَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَهُ فَهُوَ سَارِبُ

وَالْهَالِكُ لَا يَرِثُ فَالْمَعْنَى وَامْرُؤٌ آخَرُ غَيْرُ الْهَالِكِ يَرِثُ أُخْتًا لَهُ أُخْرَى. {إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] ذَكَرٌ فَإِنْ كَانَ فَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلِلْأَخِ مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ الْبَنَاتِ وَهَذَا فِي الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ لِلْأَبِ، فَإِنْ كَانَ لِأُمٍّ فَفَرْضُهُ السُّدُسُ كَمَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ {فَإِنْ كَانَتَا} [النساء: 176] أَيِ الْأُخْتَانِ {اثْنَتَيْنِ} [النساء: 176] أَيْ فَصَاعِدًا لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي جَابِرٍ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَخَوَاتٌ {فَلَهُمَا} [النساء: 176] أَوْ لَهُنَّ {الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] الْمَيِّتُ {وَإِنْ كَانُوا} [النساء: 176] أَيِ الْوَرَثَةُ بِالْأُخُوَّةِ {إِخْوَةً} [النساء: 176] وَأَخَوَاتٍ فَغَلَّبَ الْمُذَكَّرَ {رِجَالًا وَنِسَاءً} [النساء: 176] ذُكُورًا وَإِنَاثًا {فَلِلذَّكَرِ} [النساء: 176] مِنْهُمْ {مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] حَذَفَ " مِنْهُمْ " لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ} [النساء: 176] شَرَائِعَ دِينِكُمْ {أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا فِي حُكْمِهَا كَذَا قَدَّرَ الْمُبَرِّدُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ:" لَا " مَحْذُوفَةٌ بَعْدَ " أَنْ "، وَالتَّقْدِيرُ لِئَلَّا تَضِلُّوا، قَالُوا: وَحَذْفُ " لَا " سَائِغٌ ذَائِعٌ.

{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176] يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ بِكُنْهِهَا قَبْلَ كَوْنِهَا وَبَعْدَهُ وَمِنْهُ الْمِيرَاثُ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ النِّسَاءِ: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 176] أَيْ مِنَ الْفَرَائِضِ.

ص: 173

(قَالَ مَالِكٌ: فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْإِخْوَةُ عَصَبَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ) ذَكَرٌ (فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ فِي الْكَلَالَةِ فَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الْإِخْوَةِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ وَذَلِكَ) أَيْ بَيَانُ أَوْلَوِيَّتِهِ (أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى السُّدُسَ) بِاتِّفَاقٍ كَالْأَبِ (وَالْإِخْوَةُ لَا يَرِثُونَ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى شَيْئًا) بَلْ يُسْقِطُونَهُمْ (وَكَيْفَ لَا يَكُونُ) الْجَدُّ (كَأَحَدِهِمْ) أَيِ الْإِخْوَةِ (وَهُوَ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى فَكَيْفَ لَا يَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ) الْأَشِقَّاءِ أَوْ لِأَبٍ (وَبَنُو الْأُمِّ يَأْخُذُونَ مَعَهُمُ الثُّلُثَ، فَالْجَدُّ هُوَ الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ وَمَنَعَهُمْ مَكَانُهُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ، أَيْ وُجُودُهُ (الْمِيرَاثَ) مَفْعُولٌ (فَهُوَ أَوْلَى) أَيْ أَحَقُّ (بِالَّذِي كَانَ لَهُمْ) لَوْ لَمْ يَكُنِ الْجَدُّ (لِأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ أَجْلِهِ، وَلَوْ أَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ الثُّلُثَ أَخَذَهُ بَنُو الْأُمِّ فَإِنَّمَا أَخَذَ مَا لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَى إِخْوَةٍ لِلْأَبِ) لَوْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ (وَكَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ هُمْ أَوْلَى) أَحَقُّ (بِذَلِكَ الثُّلُثِ مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَكَانَ الْجَدُّ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ) وَلَفْظُ أَوْلَى فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَيْسَتْ لِلتَّفْضِيلِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ لَا يُشَارَكُونَ فِيهِ وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ.

ص: 174

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَمَّةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَوْلًى لِقُرَيْشٍ كَانَ قَدِيمًا يُقَالُ لَهُ ابْنُ مِرْسَى أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ قَالَ يَا يَرْفَا هَلُمَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِكِتَابٍ كَتَبَهُ فِي شَأْنِ الْعَمَّةِ فَنَسْأَلَ عَنْهَا وَنَسْتَخْبِرَ عَنْهَا فَأَتَاهُ بِهِ يَرْفَا فَدَعَا بِتَوْرٍ أَوْ قَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَمَحَا ذَلِكَ الْكِتَابَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ وَارِثَةً أَقَرَّكِ لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ أَقَرَّكِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

10 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَمَّةِ

1102 -

1079 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ

ص: 174

الْأَنْصَارِيِّ النَّجَّارِيِّ الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيِّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَوْلًى لِقُرَيْشٍ كَانَ قَدِيمًا يُقَالُ لَهُ ابْنُ مِرْسِيٍّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ أُخْرَى (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ قَالَ) لِحَاجِبِهِ وَمَوْلَاهُ (يَا يَرْفَا) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ، آخِرُهُ أَلِفٌ، مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَحَجَّ مَعَ عُمَرَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ (هَلُمَّ) أَحْضِرْ (ذَلِكَ الْكِتَابَ لِكِتَابٍ كَتَبَهُ فِي شَأْنِ الْعَمَّةِ فَنَسْأَلَ) فِي جَوَابِ الْأَمْرِ (عَنْهَا وَنَسْتَخْبِرَ) بِمُوَحَّدَةٍ مِنَ الِاسْتِخْبَارِ (فِيهَا) النَّاسَ (فَأَتَى بِهِ يَرْفَا) وَكَأَنَّهُ بَعْدَمَا أَتَاهُ تَغَيَّرَ مَا كَانَ رَآهُ مِنْ سُؤَالِ النَّاسِ فَصَمَّمَ عَلَى مَحْوِهِ (فَدَعَا بِتَوْرٍ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، إِنَاءٌ يُشْبِهُ الطَّشْتَ (أَوْ قَدَحٍ) بِالشَّكِّ أَوِ الْمُرَادُ طَلَبُ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُمَا (فِيهِ مَاءٌ فَمَحَا ذَلِكَ الْكِتَابَ) ثُمَّ قَالَ:(لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ وَارِثَةً أَقَرَّكِ) أَثْبَتَكِ فِي كِتَابِهِ كَمَا أَقَرَّ النِّسَاءَ الْوَارِثَاتِ فِيهِ (لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ أَقَرَّكِ) أَعَادَهُ لِلتَّأْكِيدِ، وَقِيلَ: أَقَرَّكِ حَتَّى أَسْأَلَ وَأَسْتَخْبِرَ.

ص: 175

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ كَثِيرًا يَقُولُ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ عَجَبًا لِلْعَمَّةِ تُورَثُ وَلَا تَرِثُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1103 -

1080 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ) نَسَبَهُ لِجَدِّهِ لِشُهْرَتِهِ (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ كَثِيرًا يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ عَجَبًا لِلْعَمَّةِ تُورَثُ) أَيْ يَرِثُهَا أَبْنَاءُ أَخِيهَا (وَلَا تَرِثُ) مِنْهُمْ شَيْئًا.

ص: 175

[بَاب مِيرَاثِ وِلَايَةِ الْعَصَبَةِ]

قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فِي وِلَايَةِ الْعَصَبَةِ أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأَخُ لِلْأَبِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَبَنُو ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ عَمِّ الْأَبِ أَخِي أَبِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ شَيْءٍ سُئِلْتَ عَنْهُ مِنْ مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُ عَلَى نَحْوِ هَذَا انْسُبْ الْمُتَوَفَّى وَمَنْ يُنَازِعُ فِي وِلَايَتِهِ مِنْ عَصَبَتِهِ فَإِنْ وَجَدْتَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَلْقَى الْمُتَوَفَّى إِلَى أَبٍ لَا يَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى أَبٍ دُونَهُ فَاجْعَلْ مِيرَاثَهُ لِلَّذِي يَلْقَاهُ إِلَى الْأَبِ الْأَدْنَى دُونَ مَنْ يَلْقَاهُ إِلَى فَوْقِ ذَلِكَ فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ كُلَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ إِلَى أَبٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمْ جَمِيعًا فَانْظُرْ أَقْعَدَهُمْ فِي النَّسَبِ فَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ فَقَطْ فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ لَهُ دُونَ الْأَطْرَافِ وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ وَأُمٍّ وَإِنْ وَجَدْتَهُمْ مُسْتَوِينَ يَنْتَسِبُونَ مِنْ عَدَدِ الْآبَاءِ إِلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَلْقَوْا نَسَبَ الْمُتَوَفَّى جَمِيعًا وَكَانُوا كُلُّهُمْ جَمِيعًا بَنِي أَبٍ أَوْ بَنِي أَبٍ وَأُمٍّ فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ وَالِدُ بَعْضِهِمْ أَخَا وَالِدِ الْمُتَوَفَّى لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَكَانَ مَنْ سِوَاهُ مِنْهُمْ إِنَّمَا هُوَ أَخُو أَبِي الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ فَقَطْ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِبَنِي أَخِي الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75] قَالَ مَالِكٌ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَأَوْلَى مِنْ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِالْمِيرَاثِ وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي

ـــــــــــــــــــــــــــــ

11 -

بَابُ مِيرَاثِ وِلَايَةِ الْعَصَبَةِ

- (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ

ص: 175

أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الْأَخِ لِلْأَبِ) لِأَنَّهُ يُدْلِي بِجِهَتَيْنِ (وَالْأَخُ لِلْأَبِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْمَيِّتِ (وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ) لِإِدْلَائِهِمَا بِجِهَتَيْنِ مَعَ اسْتِوَاءِ الدَّرَجَةِ.

(وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ (وَبَنُو ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) لِقُرْبِهِمْ (وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) لِإِدْلَائِهِ بِالْجِهَتَيْنِ.

(وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ (وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ عَمِّ الْأَبِ أَخِي أَبِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) أَيِ الشَّقِيقِ الْقُرْبِ الْأَوَّلِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ تَقْدِيمَ الشَّقِيقِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ التَّسَاوِي، فَإِنْ كَانَ الَّذِي لِلْأَبِ أَقْرَبُ قُدِّمَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ حَيْثُ (قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ سُئِلْتَ) بِفَتْحِ التَّاءِ لِلْخِطَابِ (عَنْهُ مِنْ مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُ عَلَى نَحْوِ هَذَا) أَيْ مِثْلُهُ (انْسُبِ الْمُتَوَفَّى وَمَنْ يُنَازِعُ فِي وِلَايَتِهِ مِنْ عَصَبَتِهِ، فَإِنْ وَجَدْتَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَلْقَى الْمُتَوَفَّى إِلَى أَبٍ لَا يَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى أَبٍ دُونَهُ فَاجْعَلْ مِيرَاثَهُ لِلَّذِي يَلْقَاهُ إِلَى الْأَبِ الْأَدْنَى دُونَ مَنْ يَلْقَاهُ إِلَى فَوْقِ ذَلِكَ) وَأَفَادَ بِهَذَا أَيْضًا أَنَّ أَوْلَى فِي كَلَامِهِ كُلَّهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ غَيْرِهِ لَا الْمُشَارَكَةُ (فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ كُلَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ إِلَى أَبٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمْ جَمِيعًا فَانْظُرْ أَقْعَدَهُمْ) أَقْرَبَهُمْ (فِي النَّسَبِ فَإِنْ كَانَ) الْأَقْعَدُ (ابْنَ أَبٍ فَقَطْ فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ لَهُ دُونَ الْأَطْرَافِ) أَيِ الْأَبْعَدِ (وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ وَأُمٍّ) مُبَالَغَةٌ فَلَا شَيْءَ لِلْأَبْعَدِ

ص: 176

الشَّقِيقِ مَعَ الْأَقْرَبِ الَّذِي لِأَبٍ (فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ مُسْتَوِينَ يَنْتَسِبُونَ مِنَ الْآبَاءِ إِلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَلْقَوْا نَسَبَ الْمُتَوَفَّى جَمِيعًا وَكَانُوا كُلُّهُمْ جَمِيعًا بَنِي أَبٍ أَوْ بَنِي أَبٍ وَأُمٍّ) مَعًا (فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ وَالِدُ بَعْضِهِمْ أَخَا وَالِدِ الْمُتَوَفَّى لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَكَانَ مَنْ سِوَاهُ مِنْهُمْ إِنَّمَا هُوَ أَخُو أَبِي الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ فَقَطْ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِبَنِي أَخِي الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) لِأَنَّهُ يُدْلِي بِالْجِهَتَيْنِ (دُونَ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ) لِإِدْلَائِهِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ (وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} [الأنفال: 75] ذَوُو الْقُرَابَاتِ {بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75] وَمِنْهُ حِكْمَةُ الْمِيرَاثِ، وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَ سِيَاقُهَا فِي أَنَّهُمْ أَوْلَى فِي الْإِرْثِ مِنَ التَّوَارُثِ بِالْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لَكِنَّ الْإِمَامَ اسْتَدَلَّ بِعُمُومِ لَفْظِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا.

(قَالَ مَالِكٌ: وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَأَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِالْمِيرَاثِ) فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ فَيَمْنَعُهُمُ الْمِيرَاثَ (وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي) فَيُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ.

ص: 177

[بَاب مَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُ]

قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ ابْنَ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْجَدَّ أَبَا الْأُمِّ وَالْعَمَّ أَخَا الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْخَالَ وَالْجَدَّةَ أُمَّ أَبِي الْأُمِّ وَابْنَةَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ لَا يَرِثُونَ بِأَرْحَامِهِمْ شَيْئًا قَالَ وَإِنَّهُ لَا تَرِثُ امْرَأَةٌ هِيَ أَبْعَدُ نَسَبًا مِنْ الْمُتَوَفَّى مِمَّنْ سُمِّيَ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِرَحِمِهَا شَيْئًا وَإِنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ شَيْئًا إِلَّا حَيْثُ سُمِّينَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي كِتَابِهِ مِيرَاثَ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا وَمِيرَاثَ الْبَنَاتِ مِنْ أَبِيهِنَّ وَمِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ وَوَرِثَتْ الْجَدَّةُ بِالَّذِي جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا وَالْمَرْأَةُ تَرِثُ مَنْ أَعْتَقَتْ هِيَ نَفْسُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ فِي كِتَابِهِ {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5]

ـــــــــــــــــــــــــــــ

12 -

بَابُ مَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُ

- (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ) تَأْكِيدٌ لِسَابِقِهِ (وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ ابْنَ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْجَدَّ أَبَا الْأُمِّ وَالْعَمَّ أَخَا الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْخَالَ وَالْجَدَّةَ

ص: 177

أُمَّ أَبِي الْأُمِّ وَابْنَةَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ لَا يَرِثُونَ بِأَرْحَامِهِمْ شَيْئًا) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرَهُمْ، بَلْ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ (وَأَنَّهُ لَا يَرِثُ امْرَأَةً هِيَ أَبْعَدُ نَسَبًا مِنَ الْمُتَوَفَّى مِمَّنْ سُمِّيَ فِي هَذَا الْكِتَابِ) يَعْنِي الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ (بِرَحِمِهَا شَيْئًا وَإِنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ شَيْئًا إِلَّا حَيْثُ سُمِّينَ) فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ (وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي كِتَابِهِ مِيرَاثَ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا) السُّدُسَ أَوِ الثُّلُثَ (وَمِيرَاثَ الْبَنَاتِ مِنْ أَبِيهِنَّ) وَمِثْلُهُنَّ بَنَاتُ الِابْنِ (وَمِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا) الرُّبُعَ أَوِ الثُّمُنَ (وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ) فِي قَوْلِهِ:{وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 176] الْآيَةَ (وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ) فِي آيَةِ الشِّتَاءِ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 11] الْآيَةَ. فَهَؤُلَاءِ الْخَمْسُ نِسْوَةٍ الْوَارِثَاتُ بِنَصِّ الْكِتَابِ بِإِدْخَالِ بَنَاتِ الِابْنِ فِي الْبَنَاتِ حَيْثُ لَا بَنَاتَ (وَوَرِثَتِ الْجَدَّةُ بِالَّذِي جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا) أَنَّهُ أَعْطَاهَا السُّدُسَ (وَ) السَّابِعَةُ (الْمَرْأَةُ تَرِثُ مَنْ أَعْتَقَتْ هِيَ نَفْسُهَا) بِالرَّفْعِ تَأْكِيدٌ (لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَوَالِي الْأُنْثَى الْمُعْتِقَةُ.

ص: 178

[بَاب مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

13 -

بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ

1104 -

1081 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا رَأَيْتُ قُرَشِيًّا

ص: 178

أَفْضَلَ مِنْهُ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ.

وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) الْأُمَوِيِّ كَذَا قَالَ مَالِكٌ عُمَرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ يَقُولُونَ عَمْرٌو بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَلِابْنِ الْقَاسِمِ عَمْرٌو بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَلِيَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ بِالشَّكِّ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ أَوْ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَالثَّالِثُ عَنْ مَالِكٍ عُمَرُ بِضَمِّهَا كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى وَالْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ ابْنُ مَهْدِيٍّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَهُ: تُرَانِي لَا أَعْرِفُ عُمَرَ مِنْ عَمْرٍو هَذِهِ دَارُ عُمَرَ وَهَذِهِ دَارُ عَمْرٍو، وَلَا خِلَافَ أَنَّ عُثْمَانَ لَهُ ابْنَانِ عُمَرُ وَعَمْرٌو وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَأَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ يَقُولُونَ عَمْرٌو إِلَّا مَالِكًا فَقَالَ عُمَرُ، وَرَاجَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ فَقَالَ هُوَ عُمَرُ وَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ وَقَالَ: كَانَ لِعُثْمَانَ ابْنٌ اسْمُهُ عُمَرُ هَذِهِ دَارُهُ، وَمَالِكٌ لَا يَكَادُ يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ حِفْظًا وَإِتْقَانًا، لَكِنَّ الْغَلَطَ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ وَالْجَمَاعَةُ أَوْلَى أَنْ يُسَلَّمَ لَهَا، وَأَبَى الْمُحَدِّثُونَ أَنْ يَكُونَ إِلَّا عَمْرٌو بِالْوَاوِ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِي: قِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ مَالِكٌ يَقُولُ عُمَرُ فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ كَذَا وَكَذَا مُرَّةً وَتَفَقَّدْتُهُ مِنْهُ فَمَا قَالَ إِلَّا عَمْرٌو، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ خَالَفَ مَالِكٌ النَّاسَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَكَذَا حَكَمَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَلَى مَالِكٍ بِالْوَهْمِ فِيهِ، وَرَوَى أَبُو الْفَضْلِ السُّلَيْمَانِيُّ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى قُلْتُ لِمَالِكٍ: النَّاسُ يَقُولُونَ إِنَّكَ تُخْطِئُ فِي أَسَامِي الرِّجَالِ تَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَتَقُولُ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو، وَتَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْحَكَمِ وَإِنَّمَا هُوَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ مَالِكٌ: هَكَذَا حَفِظْنَا وَهَكَذَا وَقَعَ فِي كِتَابِي وَنَحْنُ نُخْطِئُ وَمَنْ يَسْلَمُ مِنَ الْخَطَأِ؟ وَقَدْ جَعَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ ذَلِكَ مِثَالًا لِلْمُنْكَرِ، وَتَعَقَّبَهُ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَفَرُّدِ مَالِكٍ مِنْ بَيْنِ الثِّقَاتِ بِاسْمِ هَذَا الرَّاوِي مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثِقَةٌ نَكَارَةُ الْمَتْنِ وَلَا شُذُوذُهُ، بَلِ الْمَتْنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ صَحِيحٌ، غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ السَّنَدُ مُنْكَرًا أَوْ شَاذًّا لِمُخَالَفَةِ الثِّقَاتِ لِمَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَالنَّكَارَةُ تَقَعُ فِي كُلٍّ مِنَ السَّنَدِ وَالْمَتْنِ. (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) الْحِبِّ ابْنِ الْحِبِّ رضي الله عنهما ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» ) وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ هَكَذَا بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ فَاخْتَصَرَهُ مَالِكٌ كَأَنَّهُ قَصَدَ إِلَى النُّكْتَةِ الَّتِي لِلْقَوْلِ فِيهَا مَدْخَلٌ فَقَطَعَ ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مِنْ صَحِيحِ الْأَثَرِ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَطَائِفَةً ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ الْكَافِرَ لَا عَكْسَهُ كَمَا نَنْكِحُ نِسَاءَهُمْ وَلَا يَنْكِحُونَ نِسَاءَنَا، وَأَمَّا أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرْثُ الْمُسْلِمَ فَلَا دَخْلَ لِلْقَوْلِ فِيهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ، وَقَدِ احْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» " وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ تَفْضِيلُ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْإِرْثِ فَلَا يُتْرَكُ النَّصُّ الصَّرِيحُ لِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالَّذِي عَلَيْهِ سَائِرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ

ص: 179

الْمُسْلِمَ عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ الْحُجَّةَ فِيمَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ كِتَابَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهِ ذَلِكَ فَالسُّنَّةُ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» " بِنَقْلِ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ فَكُلُّ مَنْ خَالَفَهُ مَحْجُوجٌ بِهِ.

ص: 180

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ إِنَّمَا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ قَالَ فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا مِنْ الشِّعْبِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1105 -

1082 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْمُلَقَّبِ بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ الْمَدْفُونِ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ عَمِّهِ الْحَسَنِ وَجَدَّتِهِ فَاطِمَةَ وَمَا يُذْكَرُ مِنْ مَشْهَدِهِ لَمْ يَصِحَّ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ إِنَّمَا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ) عَبْدَ مَنَافٍ، أَوِ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ وَشَذَّ مَنْ قَالَ اسْمُهُ عِمْرَانُ بَلْ هُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ (عَقِيلٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ الصَّحَابِيُّ، تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ إِلَى الْفَتْحِ وَقِيلَ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهَاجَرَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ (وَطَالِبٌ) الَّذِي يُكَنَّى بِهِ، وَمَاتَ كَافِرًا قَبْلَ بَدْرٍ لِأَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ وَقْتَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ (وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ) وَلَا جَعْفَرٌ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ كَمَا جَاءَ التَّعْلِيلُ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ.

(قَالَ) عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: (فَلِذَلِكَ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ (تَرَكْنَا نَصِيبَنَا) أَيْ حِصَّةَ جَدِّهِمْ عَلِيٍّ مِنْ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ (مِنَ الشِّعْبِ) بِكَسْرٍ فَإِسْكَانٍ، كَانَ مَنْزِلُ بَنِي هَاشِمٍ غَيْرَ مَسَاكِنِهِمْ، كَانَ لِهَاشِمٍ ثُمَّ صَارَ لِابْنِهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَسَّمَهُ عَبْدُ الْمُطَّلَبِ بَيْنَ بَنِيهِ حِينَ ضَعُفَ بَصَرُهُ وَصَارَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَظُّ أَبِيهِ، كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ، مَعَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، فَلَعَلَّ أَعْمَامَ الْمُصْطَفَى جَعَلُوا لَهُ حَظَّ أَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، فَيَكُونُ ابْتِدَاءً عَطِيَّةً مِنْ أَعْمَامِهِ، أَوْ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَسَّمَهُ فِي حَيَاةِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا مَاتَ صَارَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَظُّ أَبِيهِ، وَهَذَا عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوَافِقُونَ شَرْعَنَا وَإِلَّا فَلَا إِشْكَالَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ لِمَوْتِ أَبِي طَالِبٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْهِجْرَةَ لَمَّا وَقَعَتِ اسْتَوْلَى عَقِيلٌ وَطَالِبٌ عَلَى مَا خَلَّفَهُ أَبُو طَالِبٍ وَكَانَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَا خَلَّفَهُ أَبُو النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ شَقِيقُهُ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِ جَدِّهِ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ ثُمَّ وَقَعَتِ الْهِجْرَةُ وَلَمْ يُسْلِمْ طَالِبٌ وَتَأَخَّرَ إِسْلَامُ عَقِيلٍ اسْتَوْلَيَا عَلَى مَا خَلَّفَ أَبُو طَالِبٍ وَمَاتَ طَالِبٌ قَبْلَ بَدْرٍ وَتَأَخَّرَ عَقِيلٌ، فَلَمَّا تَقَرَّرَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِتَرْكِ تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَقِيلٍ وَكَانَ عَقِيلٌ قَدْ بَاعَ تِلْكَ الدُّورَ كُلَّهَا وَأَقَرَّ صلى الله عليه وسلم عَقِيلًا عَلَى مَا يَخُصُّهُ هُوَ تَفْضِيلًا عَلَيْهِ أَوِ اسْتِمَالَةً تَأْلِيفًا أَوْ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا تُصَحَّحُ أَنْكِحَتُهُمْ.

وَحَكَى الْفَاكِهِيُّ أَنَّ الدَّارَ لَمْ تَزَلْ بِيَدِ أَوْلَادِ عَقِيلٍ حَتَّى بَاعُوهَا لِمُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ أَخِي الْحَجَّاجِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ.

ص: 180

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمَّةً لَهُ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً تُوُفِّيَتْ وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ ذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَ لَهُ مَنْ يَرِثُهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا ثُمَّ أَتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ أَتُرَانِي نَسِيتُ مَا قَالَ لَكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1106 -

1083

ص: 180

- (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ) بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيَّ الْكُوفِيَّ، ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَوَهِمَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ (أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمَّةً لَهُ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً تُوُفِّيَتْ وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ ذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَ لَهُ: مَنْ يَرِثُهَا؟ قَالَ عُمَرُ: يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا) وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ الْعُرْسِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ خِلَافَ مَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: أَهْلُ الشِّرْكِ نَرِثُهُمْ وَلَا يَرِثُونَا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَلَعَلَّ عُمَرَ رَجَعَ عَنْ هَذَا إِلَى مَا قَبْلَهُ.

(ثُمَّ أَتَى عُثْمَانَ) فِي خِلَافَتِهِ (فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَتُرَانِي نَسِيتُ مَا قَالَ لَكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا؟) وَفَائِدَةُ ذِكْرِ هَذَا وَنَحْوِهِ بَعْدَ الْمَرْفُوعِ الْإِشَارَةُ لِبَقَاءِ الْعَمَلِ بِهِ فَلَا يَطْرُقُهُ احْتِمَالُ نَسْخٍ، وَتَابَعَ مَالِكًا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْأَثَرِ ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ كَمَا فِي التَّمْهِيدِ.

ص: 181

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَعْتَقَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَلَكَ قَالَ إِسْمَعِيلُ فَأَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ أَجْعَلَ مَالَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1107 -

1084 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ شَيْخِ مَالِكٍ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ (أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَعْتَقَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَلَكَ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَأَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ أَجْعَلَ مَالَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ.

ص: 181

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعََ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ أَبَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُوَرِّثَ أَحَدًا مِنْ الْأَعَاجِمِ إِلَّا أَحَدًا وُلِدَ فِي الْعَرَبِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ حَامِلٌ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فَوَضَعَتْهُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَهُوَ وَلَدُهَا يَرِثُهَا إِنْ مَاتَتْ وَتَرِثُهُ إِنْ مَاتَ مِيرَاثَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالسُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِقَرَابَةٍ وَلَا وَلَاءٍ وَلَا رَحِمٍ وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا يَرِثُ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ وَارِثٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1107 -

1085 - (مَالِكٌ عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: أَبَى) أَيِ امْتَنَعَ

ص: 181

(عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُوَرِّثَ أَحَدًا مِنَ الْأَعَاجِمِ إِلَّا أَحَدًا وُلِدَ فِي الْعَرَبِ) بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْقَرَابَةِ وَإِقْرَارِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَأَمَّا إِذَا عُرِفَ ذَلِكَ وَثَبَتَ بِعُدُولٍ مُسْلِمِينَ فَذَلِكَ كَالْوِلَادَةِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فَوَضَعَتْهُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَهُوَ وَلَدُهَا يَرِثُهَا إِنْ مَاتَتْ وَتَرِثُهُ إِنْ مَاتَ مِيرَاثُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ) السُّدُسُ أَوِ الثُّلُثُ (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالسُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِقَرَابَةٍ وَلَا وَلَاءٍ) أَيْ عِتْقٍ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا أُخِذَ مَالُهُ بِالْمِلْكِ لَا الْإِرْثِ (وَلَا رَحِمَ) عَمَلًا بِعُمُومِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ (وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ) لِأَنَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ وَارِثًا كَمَا (قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا يَرِثُ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ وَارِثٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ) إِذْ لَا مَعْنَى لِحَجْبِ مَنْ لَا يَرِثُ.

ص: 182

[بَاب مَنْ جُهِلَ أَمْرُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَيَوْمَ صِفِّينَ وَيَوْمَ الْحَرَّةِ ثُمَّ كَانَ يَوْمَ قُدَيْدٍ فَلَمْ يُوَرَّثْ أَحَدٌ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا إِلَّا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ صَاحِبِهِ

قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي كُلِّ مُتَوَارِثَيْنِ هَلَكَا بِغَرَقٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْتِ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ لَمْ يَرِثْ أَحَدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا وَكَانَ مِيرَاثُهُمَا لِمَنْ بَقِيَ مِنْ وَرَثَتِهِمَا يَرِثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَثَتُهُ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ أَحَدٌ أَحَدًا بِالشَّكِّ وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ أَحَدًا إِلَّا بِالْيَقِينِ مِنْ الْعِلْمِ وَالشُّهَدَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَهْلَكُ هُوَ وَمَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَبُوهُ فَيَقُولُ بَنُو الرَّجُلِ الْعَرَبِيِّ قَدْ وَرِثَهُ أَبُونَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَرِثُوهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا شَهَادَةٍ إِنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنْ الْأَحْيَاءِ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْأَخَوَانِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَمُوتَانِ وَلِأَحَدِهِمَا وَلَدٌ وَالْآخَرُ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَهُمَا أَخٌ لِأَبِيهِمَا فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَمِيرَاثُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ لِأَخِيهِ لِأَبِيهِ وَلَيْسَ لِبَنِي أَخِيهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ تَهْلَكَ الْعَمَّةُ وَابْنُ أَخِيهَا أَوْ ابْنَةُ الْأَخِ وَعَمُّهَا فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ لَمْ يَرِثْ الْعَمُّ مِنْ ابْنَةِ أَخِيهِ شَيْئًا وَلَا يَرِثُ ابْنُ الْأَخِ مِنْ عَمَّتِهِ شَيْئًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

14 -

بَابُ مَنْ جُهِلَ أَمْرُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

1109 -

1086 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ) يَوْمَ الْخَمِيسِ عَاشِرَ جُمَادَى الْأُولَى وَقِيلَ: خَامِسَ عَشْرَةَ سَنَةَ

ص: 182

سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، أُضِيفَ إِلَى الْجَمَلِ الَّذِي رَكِبَتْهُ عَائِشَةُ فِي مَسِيرِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ وَاسْمُهُ عَسْكَرٌ، اشْتَرَاهُ لَهَا يَعْلَى بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الصَّحَابِيُّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ بِأَرْبَعِمِائَةٍ، وَخَرَجَتْ مَعَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، مِنْهُمْ أَلْفٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ تَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَلَبِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمُ انْضَمُّوا إِلَى عَسْكَرِ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ رِضًى مِنْهُ لَكِنَّهُ خَشِيَ الْفِتْنَةَ لِكَثْرَتِهِمْ وَتَغَلُّبِهِمْ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ إِلَيْهِمْ فَرَاسَلُوهُ فِي ذَلِكَ فَأَبَى أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمْ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ دَعْوَى مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ بِثُبُوتِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إِلَى الْعَصْرِ قُتِلَ فِيهَا مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ وَقِيلَ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَمِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ نَحْوُ أَلْفٍ، وَقُطِعَ عَلَى خِطَامِ الْجَمَلِ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِينَ كَفًّا مُعْظَمُهُمْ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ، كُلَّمَا قُطِعْتُ يَدُ رَجُلٍ أَخَذَ الْخِطَامَ آخَرُ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ قَائِلُهُمْ:

نَحْنُ بَنِي ضَبَّةَ أَصْحَابُ الْجَمَلْ

نُنَازِعُ الْمَوْتَ إِذَا الْمَوْتُ نَزَلْ

وَالْمَوْتُ أَحْلَى عِنْدَنَا مِنَ الْعَسَلْ

وَكَانُوا قَدْ أَلْبَسُوهُ الْأَدْرَاعَ إِلَى أَنْ عُقِرَ، فَانْهَزَمُوا فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِحَمْلِ الْهَوْدَجِ مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى فَاحْتَمَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الصِّدِّيقِ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَجَهَّزَ عَلِيٌّ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَ أَخَاهَا مُحَمَّدًا مَعَهَا وَشَيَّعَهَا عَلِيٌّ بِنَفْسِهِ مِيلًا وَسَرَّحَ بَنِيهِ مَعَهَا يَوْمًا.

(وَيَوْمَ صِفِّينَ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الشَّدِيدَةِ مَوْضِعٌ قُرْبَ الرَّقَّةِ بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ كَانَتْ بِهِ الْوَقْعَةُ الْعُظْمَى بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ غُرَّةَ صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَمِنْ ثَمَّ احْتَرَزَ النَّاسُ السَّفَرَ فِي صَفَرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا بَايَعَهُ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانِ وَامْتَنَعَ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ مَعَ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ بِالدُّخُولِ فِي الطَّاعَةِ فَأَبَى فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا، فِيهِمْ تِسْعُونَ بَدْرِيًّا وَسَبْعُمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ سَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ فِي خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَّا النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَمَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ بِصِفِّينَ وَدَامَتِ الْحَرْبُ مِائَةَ يَوْمٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ سَبْعُونَ أَلْفًا وَمِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَقِيلَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَآلَ الْأَمْرُ فِي مُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى طَلَبِ التَّحْكِيمِ، ثُمَّ رَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى الْعِرَاقِ فَخَرَجَتْ عَلَيْهِ الْحَرُورِيَّةُ فَقَتَلَهُمْ بِالنَّهْرَوَانِ وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَبَايَعَ ابْنَهُ الْحَسَنَ أَرْبَعُونَ أَلْفًا عَلَى الْمَوْتِ، وَخَرَجَ بِالْعَسَاكِرِ لِقِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ وَخَرَجَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فَوَقَعَ بَيْنَهُمُ الصُّلْحُ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:" «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ".

(وَيَوْمَ الْحَرَّةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ، أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ كَأَنَّهَا أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ بِظَاهِرِ الْمَدِينَةِ كَانَتْ بِهِ الْوَقْعَةُ بَيْنَ أَهْلِهَا وَبَيْنَ عَسْكَرِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ فَارِسٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَاجِلٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ بِسَبَبِ خَلْعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ، وَوَلَّوْا عَلَى

ص: 183

قُرَيْشٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُطِيعٍ وَعَلَى الْأَنْصَارِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ وَأَخْرَجُوا عَامِلَ يَزِيدَ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، فَأَبَاحَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ أَمِيرُ جَيْشِ يَزِيدَ الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَقْتُلُونَ وَيَأْخُذُونَ النَّهْبَ، وَوَقَعُوا عَلَى النِّسَاءِ حَتَّى قِيلَ حَمَلَتْ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ أَلْفُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ وَافْتُضَّ فِيهَا أَلْفُ عَذْرَاءَ، وَبَلَغَتِ الْقَتْلَى مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ سَبْعَمِائَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ، وَمِنَ الْمَوَالِي وَغَيْرِهِمْ مِنْ نِسَاءٍ وَصِبْيَانَ وَعَبِيدٍ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَقِيلَ: قُتِلَ مِنَ الْقُرَّاءِ سَبْعُمِائَةٍ، ثُمَّ أَخَذَ عُقْبَةُ عَلَيْهِمُ الْبَيْعَةَ لِيَزِيدَ عَلَى أَنَّهُمْ عَبِيدُهُ إِنْ شَاءَ عَتَقَ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ هَذِهِ الْوَقْعَةَ لَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا، ثُمَّ سَارَ إِلَى قِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ فَمَاتَ بِقُدَيْدٍ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْجَيْشِ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ بِعَهْدِ يَزِيدَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَنَزَلَ مَكَّةَ وَحَاصَرَهَا وَرَمَى الْكَعْبَةَ بِالْمَنْجَنِيقِ فَجَاءَ الْخَبَرُ بِمَوْتِ يَزِيدَ فَرَحَلَ بِالْجَيْشِ إِلَى الشَّامِ.

(ثُمَّ كَانَ يَوْمُ قُدَيْدٍ) بِضَمِّ الْقَافِ مُصَغَّرٌ مَوْضِعٌ قُرْبَ مَكَّةَ (فَلَمْ يُوَرَّثْ أَحَدٌ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا إِلَّا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ صَاحِبِهِ) إِذْ لَا إِرْثَ بِالشَّكِّ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ (وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي كُلِّ مُتَوَارِثَيْنِ هَلَكَا بِغَرَقٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوْتِ) كَهَدْمٍ (إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ لَمْ يَرْثِ أَحَدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا وَكَانَ مِيرَاثُهُمَا لِمَنْ بَقِيَ مِنْ وَرَثَتِهِمَا يَرِثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَثَتُهُ مِنَ الْأَحْيَاءِ) الْمَوْجُودِينَ بَعْدَهُ.

(قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي) لَا يَصِحُّ (أَنْ يَرِثَ أَحَدٌ أَحَدًا بِالشَّكِّ وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ أَحَدًا إِلَّا بِالْيَقِينِ مِنَ الْعِلْمِ وَالشُّهَدَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَهْلِكُ هُوَ وَمَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَبُوهُ فَيَقُولُ بَنُو الرَّجُلِ الْعَرَبِيِّ) أَيِ الَّذِي أَعْتَقَ (قَدْ وَرِثَهُ أَبُونَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَرِثُوهُ) بَدَلٌ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَنُكْتَتُهُ وَصْفُهُ بِقَوْلِهِ (بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا شَهَادَةٍ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ) بَلْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ (وَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنَ الْأَحْيَاءِ) أَيْ أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ.

ص: 184

(وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْأَخَوَانِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَمُوتَانِ وَلِأَحَدِهِمَا وَلَدٌ وَالْآخِرُ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَهُمَا أَخٌ لِأَبِيهِمَا فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ الْآخَرِ فَمِيرَاثُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ لِأَخِيهِ لِأَبِيهِ وَلَيْسَ لِبَنِي أَخِيهِ وَأُمِّهِ شَيْءٌ) لِتَقْدِيمِ الْأَخِ عَلَى ابْنِ الْأَخِ (وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ تَهْلِكَ الْعَمَّةُ وَابْنُ أَخِيهَا أَوِ ابْنَةُ الْأَخِ وَعَمُّهَا فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ لَمْ يَرِثِ الْعَمُّ مِنِ ابْنَةِ أَخِيهِ شَيْئًا) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (وَلَا يَرِثُ الْأَخُ مِنْ عَمَّتِهِ شَيْئًا) فِي الثَّانِيَةِ.

ص: 185

[بَاب مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا إِنَّهُ إِذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ حَقَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَيَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَرِثَتْ حَقَّهَا وَوَرِثَ إِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

15 -

بَابُ مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَى

الْمُلَاعَنَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ اللِّعَانُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا.

1087 -

(مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَى: إِنَّهُ إِذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ حَقَّهَا) بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ وَرِثَتْهُ (فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل السُّدُسَ أَوِ الثُّلُثَ (وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ) السُّدُسَ لِلْوَاحِدِ وَالثُّلُثَ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا (وَتَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً) أَيْ مُعْتَقَةً (وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً) أَيْ حُرَّةً أَصْلِيَّةً (وَرِثَتْ حَقَّهَا وَوَرِثَ إِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ بَيْتِ الْمَالِ.

ص: 185

قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1088 -

ص: 185

- (قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ مُرْسَلِ مَكْحُولٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:" «جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا» " وَعِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ وَائِلَةَ رَفَعَهُ: " «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ: عَتِيقَهَا، وَلَقِيطَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ فِيهِ» "، وَفِي إِسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ رُوبَةَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ فَمُوَحَّدَةٍ، مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَيَأْتِي فِي اللِّعَانِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ مَالِكٍ الْآتِي فِي اللِّعَانِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:" «أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» ". وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

ص: 186

[كِتَاب النِّكَاحِ]

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْخِطْبَةِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب النِّكَاحِ بَاب مَا جَاءَ فِي الْخِطْبَةِ

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

28 -

كِتَابُ النِّكَاحِ

هُوَ لُغَةً الضَّمُّ وَالتَّدَاخُلُ، وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ، هُوَ الْوَطْءُ حَقِيقَةً وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

إِذَا سَقَى اللَّهُ قَوْمًا صَوْبَ غَادِيَةٍ

فَلَا سَقَى اللَّهُ أَرْضَ الْكُوفَةِ الْمَطَرَا

التَّارِكِينَ عَلَى طُهْرٍ نِسَاءَهُمُو

وَالنَّاكِحِينَ بِشَطَّيْ دِجْلَةَ الْبَقَرَا

وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ ضَمٌّ وَالنِّكَاحُ هُوَ الضَّمُّ حَقِيقَةً، قَالَ:

ضَمَمْتُ إِلَى صَدْرِي مُعَطَّرَ صَدْرِهَا

كَمَا نَكَحَتْ أُمُّ الْغُلَامِ صَبِيَّهَا

أَيْ كَمَا ضَمَّتْ أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فَجَازَتِ الِاسْتِعَارَةُ لِذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُهُ لُزُومُ شَيْءٍ لِشَيْءٍ مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِ، وَيَكُونُ فِي الْمَحْسُوسِ وَالْمَعَانِي، قَالُوا: نَكَحَ الْمَطَرُ الْأَرْضَ، وَنَكَحَ النُّعَاسُ الْعَيْنَ، وَتَنَكَّحْتُ الْقَمْحَ فِي الْأَرْضِ إِذَا حَرَثْتَهَا وَبَذَرْتَهُ فِيهَا، وَنَكَحَتِ الْحَصَاةَ أَخْفَافُ الْإِبِلِ.

قَالَ الْمُتَنَبِّي:

أَنْكَحْتُ صُمَّ حَصَاهَا خُفَّ يَعْمَلَةٍ

تَغَشْمَرَتْ بِي إِلَيْكَ السَّهْلَ وَالْجَبَلَا

وَالْيَعْمَلَةُ بِفَتْحِ الْيَاءِ النَّاقَةُ الْمَطْبُوعَةُ عَلَى الْعَمَلِ، وَالتَّغَشْمُرُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ الْأَخْذُ قَهْرًا.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ نُكْحُ الْمَرْأَةِ بِضَمِّ النُّونِ بُضْعُهَا، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْفَرْجِ، فَإِذَا قَالُوا نَكَحَهَا أَرَادُوا أَصَابَ نُكْحَهَا أَيْ فَرْجَهَا.

وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْفَارِسِيَّ عَنْ قَوْلِهِمْ نَكَحَهَا فَقَالَ: فَرَّقَتِ الْعَرَبُ فَرْقًا لَطِيفًا يُعْرَفُ بِهِ مَوْضِعُ الْعَقْدِ مِنَ الْوَطْءِ، إِذَا قَالُوا: نَكَحَ فُلَانٌ فُلَانَةً أَوْ بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ أُخْتَهُ أَرَادُوا تَزَوَّجَهَا وَعَقَدَ عَلَيْهَا.

وَإِذَا قَالُوا: نَكَحَ امْرَأَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ لَمْ يُرِيدُوا إِلَّا الْمُجَامَعَةَ لِأَنَّ بِذِكْرِ الْمَرْأَةِ أَوِ الزَّوْجَةِ يُسْتَغْنَى عَنِ الْعَقْدِ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَيَتَعَيَّنُ الْمَقْصُودُ بِالْقَرَائِنِ الَّتِي ذَكَرَ الْفَارِسِيُّ.

وَفِي حَقِيقَتِهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَاحْتُجَّ لَهُ بِكَثْرَةِ وُرُودِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِلْعَقْدِ حَتَّى قِيلَ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِلْعَقْدِ وَلَا يَرِدُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230][سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 230] لِأَنَّ شَرْطَ الْوَطْءِ فِي التَّحْلِيلِ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنَ الْعَقْدِ ; لِأَنَّ مَعْنَى تَنْكِحُ تَتَزَوَّجُ أَيْ يُعْقَدُ عَلَيْهَا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ بِمُجَرَّدِهِ،

ص: 187

لَكِنْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْعَقْدِ مِنْ ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ.

قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: لَمْ يَرِدِ النِّكَاحُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِلتَّزْوِيجِ إِلَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 6] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحُلُمُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ.

وَالثَّالِثُ: حَقِيقَةٌ فِيهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ وَيَتَعَيَّنُ الْمَقْصُودُ بِالْقَرِينَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ، وَذَكَرَ ابْنُ الْقَطَّاعِ لِلنِّكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ اسْمٍ، وَفَوَائِدُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ وَقَضَاءِ الْوَطَرِ بِنَيْلِ اللَّذَّةِ وَالتَّمَتُّعِ بِالنِّعْمَةِ وَهَذِهِ هِيَ الْفَائِدَةُ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ إِذْ لَا تَنَاسُلَ فِيهَا، وَمِنْهَا غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ النَّاسِ عَنِ الْحَرَامِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

1 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخِطْبَةِ.

بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْتِمَاسُ النِّكَاحِ.

1111 -

1089 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ، ابْنِ مُنْقِذٍ بِالْقَافِ وَالْمُعْجَمَةِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ فَقِيهٌ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ) بِرَفْعِ يَخْطُبُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ، قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: الْمَنْعُ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الرُّكُونِ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حِينَ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ خَطَبَهَا ثَلَاثَةٌ فَلَمْ يُنْكِرْ دُخُولَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيَأْتِي تَفْسِيرُ الرُّكُونِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ " أَخِيهِ " دَلِيلٌ أَنَّ الْأَوَّلَ مُسْلِمٌ، فَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا لَمْ يُمْنَعْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ ذِكْرَ الْأَخِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ امْتِثَالًا، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِيذَاءِ وَالتَّقَاطُعِ.

ص: 188

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»

قَالَ مَالِك وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَتَرْكَنَ إِلَيْهِ وَيَتَّفِقَانِ عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ مَعْلُومٍ وَقَدْ تَرَاضَيَا فَهِيَ تَشْتَرِطُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهَا فَتِلْكَ الَّتِي نَهَى أَنْ يَخْطُبَهَا الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُوَافِقْهَا أَمْرُهُ وَلَمْ تَرْكَنْ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَخْطُبَهَا أَحَدٌ فَهَذَا بَابُ فَسَادٍ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1112 -

1090 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ) الْمُسْلِمِ، وَكَذَا الذِّمِّيُّ.

زَادَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «حَتَّى يَتْرُكَ

ص: 188

الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: النَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْفَاسِقِ، أَمَّا الْفَاسِقُ فَيُخْطَبُ عَلَى خِطْبَتِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ. انْتَهَى.

وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى فِسْقِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ، وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا ابْنُ جُرَيْجٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَاللَّيْثُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَزَادَ: إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ، وَأَيُّوبُ، ثَلَاثَتُهُمْ عِنْدَ مُسْلِمٍ، الْأَرْبَعَةُ عَنْ نَافِعٍ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمَا أَرَادَ ( «لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَتَرْكَنَ إِلَيْهِ وَيَتَّفِقَانِ» ) بِالنُّونِ اسْتِئْنَافٌ وَفِي نُسَخٍ بِحَذْفِهَا عَطْفٌ عَلَى " يَخْطُبْ "(عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ مَعْلُومٍ وَقَدْ تَرَاضَيَا) عَلَى ذَلِكَ (فَهِيَ تَشْتَرِطُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهَا) وَوَلِيُّ الْمُجْبَرَةِ مِثْلُهَا فِي هَذَا (فَتِلْكَ الَّتِي نَهَى) صلى الله عليه وسلم (أَنْ يَخْطُبَهَا الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَمْ يَعْنِ) لَمْ يُرِدْ (بِذَلِكَ إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُوَافِقْهَا أَمْرُهُ وَلَمْ تَرْكَنْ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَخْطُبَهَا أَحَدٌ فَهَذَا بَابُ فَسَادٍ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ) لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الضِّيقِ الْمَرْفُوعِ مِنَ الدِّينِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: اخْتُلِفَ فِي أَنَّ الرُّكُونَ الرِّضَا بِالزَّوْجِ أَوْ تَسْمِيَةُ الصَّدَاقِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا النَّهْيُ إِذَا أَذِنَتْ لِوَلِيِّ الْعَقْدِ أَنْ يَعْقِدَ لِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْخَاطِبَ بَعْدَ الرُّكُونِ عَاصٍ، وَاخْتُلِفَ إِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِي صُورَةِ النَّهْيِ هَلْ يُفْسِدُ الْعَقْدَ أَمْ لَا؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ: يَمْضِي الْعَقْدُ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ لِلْوُجُوبِ أَيْ لِلْكَرَاهَةِ أَوِ الْحَظْرِ وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ، وَلَهُ ثَالِثٌ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، حَكَاهَا أَبُو عُمَرَ، قَالَ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ.

ص: 189

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا إِنَّكِ عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا وَرِزْقًا وَنَحْوَ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1113 -

1091 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ) الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} [البقرة: 235] لَوَّحْتُمْ

ص: 189

{بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] فِي عِدَّةٍ غَيْرِ رَجْعِيَّةٍ (أَوْ أَكْنَنْتُمْ) أَضْمَرْتُمْ (فِي أَنْفُسِكُمْ) فِي قَصْدِ نِكَاحِهِنَّ فَلَمْ تَذْكُرُوهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ لَا مُعَرِّضِينَ وَلَا مُصَرِّحِينَ {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} [البقرة: 235] أَيْ بِالْخِطْبَةِ وَلَا تَصْبِرُونَ عَنْهُنَّ فَأَبَاحَ لَكُمُ التَّعْرِيضَ {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] أَيْ مَا عُرِفَ شَرْعًا مِنَ التَّعْرِيضِ فَلَكُمْ ذَلِكَ، وَالسِّرُّ النِّكَاحُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

لَقَدْ زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي كَبِرْتُ

وَأَنْ لَا يُحْسِنُ السِّرَّ أَمْثَالِي

فَالتَّعْرِيضُ (أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا) وَكَذَا مِنْ طَلَاقِهِ الْبَائِنِ لَا الرَّجْعِيِّ، فَيَحْرُمُ فِيهَا التَّعْرِيضُ إِجْمَاعًا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ (إِنَّكِ عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ) نَفِيسَةٌ عَزِيزَةٌ جَمْعُهَا كَرِيمَاتٌ وَكَرَائِمُ (إِنِّي فِيكِ لِرَاغِبٌ) أَيْ مُرِيدٌ وَكَانَ تَعْرِيضًا لِأَنَّ الرَّغْبَةَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا حَتَّى يُصَرِّحَ بِمُتَعَلِّقِ الرَّغْبَةِ كَأَنْ يَقُولَ رَاغِبٌ فِي نِكَاحِكِ (وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا وَرِزْقًا، وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ) الَّذِي لَا تَصْرِيحَ فِيهِ، كَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي وَمَنْ يَجِدُ مِثْلَكِ.

وَفِي مُسْلِمٍ: " «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي» " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّعْرِيضِ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي أُرِيدُ التَّزَوُّجَ وَلَوَدِدْتُ أَنْ يَتَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ. انْتَهَى. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 190

[بَاب اسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ وَالْأَيِّمِ فِي أَنْفُسِهِمَا]

حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ اسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ وَالْأَيِّمِ فِي أَنْفُسِهِمَا

الْأَيِّمُ بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ لُغَةً مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا.

قَالَ الشَّاعِرُ:

لَقَدْ إِمْتُ حَتَّى لَامَنِي كُلُّ صَاحِبٍ

رَجَاءَ سُلَيْمَى أَنْ تَئِيمَ كَمَا إِمْتُ

وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّيِّبُ.

1114 -

1092 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ) بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ

ص: 190

الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ مِنْ طَبَقَةِ الزُّهْرِيِّ (عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ) بْنِ عَدِيٍّ النَّوْفَلِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ فَاضِلٌ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، رَوَى لَهُ الْكُلُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» ) لَفْظَةُ أَحَقُّ لِلْمُشَارَكَةِ أَيْ إِنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ حَقًّا وَلِوَلِيِّهَا، وَحَقُّهَا آكَدُ مِنْ حَقِّهِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ.

وَقَالَ عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ أَنَّ الْمُرَادَ أَحَقُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ عَقْدٍ وَغَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِالرِّضَا أَنْ لَا تُزَوَّجَ حَتَّى تَنْطِقَ بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ، لَكِنْ لَمَّا صَحَّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» " مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ تَعَيَّنَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَحَقُّ بِالرِّضَا دُونَ الْعَقْدِ وَأَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ فِي الْعَقْدِ، وَدَلَّ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ الْمُقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ أَنَّ لِوَلِيِّهَا حَقًّا آكَدُ، وَحَقُّهَا أَنْ لَا يَتِمَّ ذَلِكَ إِلَّا بِرِضَاهَا، قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْأَيِّمِ هُنَا مَعَ اتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى إِطْلَاقِهِ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، حَكَاهُ الْحَرْبِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا، فَقَالَ عُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَكَافَّةُ الْفُقَهَاءِ: الْمُرَادُ الثَّيِّبُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَوِ الْمُعَلَّقَةُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، وَلِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الثِّقَاتِ رَوَوْهُ بِلَفْظِ الثَّيِّبِ وَلِمُقَابَلَتِهِ بِالْبِكْرِ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَزُفَرُ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ: الْأَيِّمُ هُنَا عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا بَالِغَةً فَعَقْدُهَا عَلَى نَفْسِهَا جَائِزٌ، وَلَيْسَ الْوَلِيُّ مِنْ أَرْكَانِ صِحَّةِ الْعَقْدِ بَلْ مِنْ تَمَامِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِفَصْلِ الْأَيِّمِ مِنَ الْبِكْرِ مَعْنًى.

(وَالْبِكْرُ) الْبَالِغُ، وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ مَالِكٍ وَالْيَتِيمَةُ مَكَانَ الْبِكْرِ (تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا) أَيْ يَسْتَأْذِنُهَا وَلِيُّهَا أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا (وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا) بِالضَّمِّ سُكُوتُهَا، قَالَ الْقُطْرُبِيُّ: هَذَا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم مُرَاعَاةً لِتَمَامِ صَوْنِهَا وَإِبْقَاءً لِاسْتِحْيَائِهَا، لِأَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ صَرِيحًا لَظُنَّ أَنَّهَا رَاغِبَةٌ فِي الرِّجَالِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ فِي الْبِكْرِ، وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ أَنْ تُعَلَّمَ: صُمَاتُهَا إِذْنٌ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي حَمْلِ الْبِكْرِ هُنَا عَلَى الْيَتِيمَةِ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَحَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَوْ ذَاتَ أَبٍ، لَكِنْ عَلَى النَّدْبِ لَا الْوُجُوبِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَوْزَاعِيُّ: يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي كُلِّ بِكْرٍ، وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ وَلِيَّ الْبِكْرِ أَحَقُّ بِهَا مِنْ نَفْسِهَا لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا قُيِّدَ بِأَخَصِّ أَوْصَافِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ، فَقَوْلُهُ فِي الثَّيِّبِ " أَحَقُّ بِنَفْسِهَا " جَمَعَ نَصًّا وَدَلَالَةً، وَالْعَمَلُ بِالدَّلَالَةِ وَاجِبٌ كَوُجُوبِهِ بِالنَّصِّ، وَإِنَّمَا شَرَعَ لِلْوَلِيِّ اسْتِئْذَانَهَا تَطْيِيبًا لَهَا لَا وُجُوبًا، بِدَلِيلِ جَعْلِهِ صُمَاتَهَا إِذْنَهَا، وَالصُّمَاتُ لَيْسَ بِإِذْنٍ وَإِنَّمَا جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْتَحِي أَنْ تُفْصِحَ.

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَيَحْيَى التَّمِيمِيِّ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

ص: 191

الْفَضْلِ بِإِسْنَادِهِ بِلَفْظِ: " «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا " وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» " وَرُبَّمَا قَالَ وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ رَفِيعٌ، أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ.

رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الْجِلَّةِ كَشُعْبَةَ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَيَحْيَى الْقَطَّانِ، قِيلَ: وَرَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا يَصِحُّ، وَقَالَ عِيَاضٌ: رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَكْثَرُ أَقْرَانِهِ وَمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَاللَّيْثِ.

ص: 192

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1114 -

1093 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا) كَالْأَبِ (أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هُوَ الرَّجُلُ مِنَ الْعَشِيرَةِ أَوِ ابْنُ الْعَمِّ أَوِ الْمَوَالِي، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْهُ أَنَّهُ الرَّجُلُ مِنْ عَصَبَتِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْعَشِيرَةُ قَدْ تَعْظُمُ إِنَّمَا هُوَ الرَّجُلُ الْبَطْنُ أَوْ مِنْ بَطْنِ مَنْ أَعْتَقَهَا لِأَنَّ الْبَطْنَ أَلْصَقُ مِنَ الْعَشِيرَةِ (أَوِ السُّلْطَانِ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَنْ لَهُ حَاكِمٌ مِنْ إِمَامٍ أَوْ قَاضٍ فَيُزَوِّجُهَا مَعَ عَدَمِ الْوَلِيِّ، أَمَّا مَعَهُ فَرَوَى أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ حَتَّى يَسْأَلَهُ فَإِنِ امْتَنَعَ لِغَيْرِ عُذْرٍ زَوَّجَهَا، فَإِنْ بَدَرَ السُّلْطَانُ أَوْ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا فَأَنْكَحَهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَمْضِي، وَرَأَى حَدِيثَ عُمَرَ عَلَى الْمُسَاوَاةِ، حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَدَّهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَرَدَّ قَوْلَ مَالِكٍ بِتَقْدِيمِ الْأَبْعَدِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ مِنَ الْقَرَابَةِ.

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِ عُمَرَ هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَجُوزُ إِنْكَاحُهُ إِذَا أَصَابَ وَجْهَ النِّكَاحُ مِنَ الْكُفْءِ وَالصَّلَاحِ، وَقَالَ آخَرُونَ: عَلَى التَّرْتِيبِ لَا التَّخْيِيرِ.

ص: 192

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَا يُنْكِحَانِ بَنَاتِهِمَا الْأَبْكَارَ وَلَا يَسْتَأْمِرَانِهِنَّ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نِكَاحِ الْأَبْكَارِ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِلْبِكْرِ جَوَازٌ فِي مَالِهَا حَتَّى تَدْخُلَ بَيْتَهَا وَيُعْرَفَ مِنْ حَالِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1114 -

1094 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَا يُنْكِحَانِ بَنَاتِهِمَا الْأَبْكَارَ) الْبَالِغَاتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَلَا يَسْتَأْمِرَانِهِنَّ) أَيْ يَسْتَأْذِنَانِهِنَّ إِذْ غَيْرُ الْبَالِغِ لَا يَسْتَأْمِرُهَا الْأَبُ (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نِكَاحِ الْأَبْكَارِ) أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُنَّ، فَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الْيَتِيمَةِ كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ.

ص: 192

(وَلَيْسَ لِلْبِكْرِ جَوَازٌ فِي مَالِهَا حَتَّى تَدْخُلَ بَيْتَهَا) عِنْدَ زَوْجِهَا (وَيُعْرَفُ مِنْ حَالِهَا) الرُّشْدُ وَالصَّلَاحُ.

ص: 193

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1114 -

1095 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا: إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا) لِأَنَّهُ يُجْبِرُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

ص: 193

[بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ فَقَالَ مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا فَقَالَ مَا أَجِدُ شَيْئًا قَالَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ فَقَالَ نَعَمْ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

3 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ

بِفَتْحِ الصَّادِ فِي لُغَةِ الْأَكْثَرِ، وَالثَّانِيَةُ: كَسْرُهَا وَيُجْمَعُ عَلَى صُدُقٍ بِضَمَّتَيْنِ، وَالثَّالِثَةُ: لُغَةُ الْحِجَازِ صَدُقَةٍ بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّ الدَّالِ وَتُجْمَعُ عَلَى صَدُقَاتٍ عَلَى لَفْظِهَا، وَفِي التَّنْزِيلِ:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} [النساء: 4][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 4] وَالرَّابِعَةُ: لُغَةُ تَمِيمٍ صُدْقَةٌ وَالْجَمْعُ صُدُقَاتٍ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرُفَاتٍ فِي وُجُوهِهَا.

وَالْخَامِسَةُ: صَدْقَةٌ وَجَمْعُهَا صُدَقٌ مِثْلُ قَرْيَةٍ وَقُرَى، وَأَصْدَقَهَا بِالْأَلِفِ أَعْطَاهَا صَدَاقَهَا، وَالْحِبَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ الْإِعْطَاءُ بِلَا عِوَضٍ.

1118 -

1096 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ، سَلَمَةَ (بْنِ دِينَارٍ) الْمَدَنِيِّ الْعَابِدِ الثِّقَةِ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ) بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ (السَّاعِدِيِّ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ، مَاتَ وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ، وَقِيلَ بَعْدَهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّاعِ فِي الْأَحْكَامِ: إِنَّهَا خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ أَوْ أُمُّ شَرِيكٍ أَوْ مَيْمُونَةُ - نَقَلَهُ مِنِ اسْمِ الْوَاهِبَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50][سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 50] وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَةِ: وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ( «فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ

ص: 193

وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ» ) بِلَامِ التَّمْلِيكِ اسْتُعْمِلَتْ هُنَا فِي تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ، أَيْ وَهَبْتُ أَمْرَ نَفْسِي لَكَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْحَقِيقَةُ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْحُرِّ لَا تُمَلَّكُ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: أَتَزَوَّجُكَ بِلَا صَدَاقٍ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا صلى الله عليه وسلم فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ (فَقَامَتْ طَوِيلًا) نَعْتٌ لِلْمَصْدَرِ أَيْ قِيَامًا، سُمِّيَ مَصْدَرًا لِأَنَّهُ اسْمُ الْفِعْلِ أَوْ عَدَدُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَهَذَا قَامَ فَسُمِّيَ بِاسْمِ مَا وَقَعَ مَوْقِعَهُ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ " فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ " (فَقَامَ رَجُلٌ) لَمْ يَعْرِفِ الْحَافِظُ اسْمَهُ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا) لَمْ يَقُلْ هَبْهَا لِي لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50][سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 50] فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ صَدَاقٍ، قَالَ تَعَالَى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} [النساء: 4] قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَيْ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِالْفَرِيضَةِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5][سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 5] وَقَالَ فِي الْإِمَاءِ {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25][سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 5] يَعْنِي مُهُورَهُنَّ، وَإِنِ اقْتَضَى الْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ الْبَدَلُ بِهِ وَالْعِوَضُ يَجُوزُ هِبَتُهُ، لَكِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بُضْعَ النِّسَاءِ إِلَّا بِالْمَهْرِ وَأَنَّ الْمَوْهُوبَةَ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ.

(إِنْ لَمْ تَكُنْ) بِفَوْقِيَّةٍ (لَكَ بِهَا حَاجَةٌ) بِزَوَاجِهَا وَفِيهِ حُسْنُ أَدَبِهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ) بِزِيَادَةِ مِنْ فِي الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرُ مُتَعَلَّقُ الظَّرْفِ، وَجُمْلَةُ (تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ) فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لِـ " شَيْءٍ "، وَيَجُوزُ جَزْمُهُ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ وَتُصْدِقُ يَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ، ثَانِيهُمَا " إِيَّاهُ "، وَهُوَ الْعَائِدُ مِنَ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ.

(فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: فَلَهَا نِصْفُهُ قَالَ وَمَا لَهُ رِدَاءٌ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ» ) جَوَابُ الشَّرْطِ وَلَا نَافِيَةٌ وَالِاسْمُ مَبْنِيٌّ مَعَ لَا، وَلَكَ يَتَعَلَّقُ بِالْخَبَرِ أَيْ وَلَا إِزَارَ كَائِنٌ لَكَ فَتَنْكَشِفُ عَوْرَتُكَ، وَفِيهِ أَنَّ إِصْدَاقَ الشَّيْءِ يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ، فَمَنْ أَصْدَقَ جَارِيَتَهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، وَأَنَّ شَرْطَ الْمَبِيعِ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَرْعًا، سَوَاءٌ امْتَنَعَ حِسًّا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ أَوْ شَرْعًا فَقَطْ كَالْمَرْهُونِ، وَمِثْلُ هَذَا الَّذِي لَوْ زَالَ إِزَارُهُ انْكَشَفَ وَفِيهِ نَظَرُ الْكَبِيرِ فِي مَصَالِحِ الْقَوْمِ وَهِدَايَتُهُمْ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّفْقِ بِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: مَا تَصْنَعُ - أَيِ: الْمَرْأَةُ - بِإِزَارِكَ، إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ (فَالْتَمَسَ شَيْئًا) فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ (فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا، قَالَ: الْتَمِسْ) اطْلُبْ (وَلَوْ خَاتَمًا

ص: 194

مِنْ حَدِيدٍ) قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لَا التَّحْدِيدِ لِأَنَّ الرَّجُلَ نَفَى قَبْلَ ذَلِكَ وُجُودَ شَيْءٍ وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ خَاتَمِ حَدِيدٍ، وَقِيلَ: لَعَلَّهُ إِنَّمَا طَلَبَ مِنْهُ مَا يُقَدِّمُهُ لَا أَنَّ جَمِيعَ الْمَهْرِ خَاتَمُ حَدِيدٍ، وَهَذَا يُضَعِّفُهُ اسْتِحْبَابُ مَالِكٍ تَقْدِيمَ رُبُعِ دِينَارٍ لَا أَقَلَّ، وَفِيهِ جَوَازُ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ فَأَجَازَهُ قَوْمٌ إِذْ لَمْ يَثْبُتِ النَّهْيُ عَنْهُ، وَمَنَعَهُ قَوْمٌ وَقَالُوا: كَانَ هَذَا قَبْلَ النَّهْيِ وَقَبْلَ قَوْلِهِ " إِنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ "(فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَفِي أُخْرَى: فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ فَرَآهُ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ لَهُ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ) مَعِي (سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا) بِالتَّكْرَارِ وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثًا (لِسُوَرٍ سَمَّاهَا) فِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ: أَنَّهَا سَبْعٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ أَوِ الَّتِي تَلِيهَا بِأَوْ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: الْبَقَرَةُ وَسُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ، وَلِأَبِي الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] وَفِي فَوَائِدِ أَبِي عُمَرَ بْنِ حَيَّوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَعِي أَرْبَعُ سُوَرٍ أَوْ خَمْسُ سُوَرٍ، وَفِي أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُكَ، وَجُمِعَ بَيْنَهَا بِأَنَّ كُلًّا مِنَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ أَوْ تَعَدَّدَتِ الْقِصَّةُ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا.

(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا) وَلِلتِّنِّيسِيِّ: زَوَّجْنَاكَهَا.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: مَلَّكْتُكَهَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هِيَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ زَوَّجْتُكَهَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُحْتَمَلُ صِحَّةُ الْوَجْهَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ جَرَى ذِكْرُ التَّزْوِيجِ أَوَّلًا ثُمَّ لَفْظُ التَّمْلِيكِ ثَانِيًا أَيْ إِنَّهُ مَلَكَ عِصْمَتَهَا بِالتَّزْوِيجِ السَّابِقِ (بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ) الْبَاءُ لِلْعِوَضِ كَبِعْتُكَ ثَوْبِي بِدِينَارٍ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَنْكَحَهَا بِحِفْظِهِ الْقُرْآنَ أَيْ إِنَّ الْبَاءَ سَبَبِيَّةٌ إِكْرَامًا لِلْقُرْآنِ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى الْمَوْهُوبَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لَهُ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَقَالَ عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَظْهَرُهُمَا أَنْ يُعَلِّمَهَا مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ قَدْرًا مِنْهُ وَيَكُونُ صَدَاقُهَا تَعْلِيمَهُ إِيَّاهَا، وَجَاءَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ مَنَافِعَ الْأَعْيَانِ تَكُونُ صَدَاقًا.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: اذْهَبْ فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ.

وَفِي أَبِي دَاوُدَ: فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً.

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاللَّيْثُ وَمَكْحُولٌ: هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْبَاءُ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ لِمَا حَفِظْتَ مِنَ الْقُرْآنِ وَصِرْتَ لَهَا كُفُؤًا فِي الدِّينِ وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ. انْتَهَى.

وَقَدْ حُكِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ، وَهُمَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ فِي مَذْهَبِهِ، وَدَلِيلُهُ مَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ السَّكَنِ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ الْأَزْدِيِّ الصَّحَابِيِّ قَالَ: " «زَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً عَلَى سُورَةٍ مِنَ

ص: 195

الْقُرْآنِ وَقَالَ: لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَكِ مَهْرًا» " وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا جَوَازُ جَعْلِ الصَّدَاقِ مَنَافِعَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَنْكَحَهَا لَهُ لِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ إِذْ رَضِيَهُ لَهَا وَيَبْقَى ذِكْرُ الْمَهْرِ مَسْكُوتًا عَنْهُ إِمَّا لِأَنَّهُ أَصْدَقَ عَنْهُ كَمَا كَفَّرَ عَنِ الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ وَوَدَى الْمَقْتُولَ بِخَيْبَرَ إِذْ لَمْ يُحَلِّفْ أَهْلَهُ رِفْقًا بِأُمَّتِهِ، أَوْ أَبْقَى الصَّدَاقَ فِي ذِمَّتِهِ وَأَنْكَحَهُ تَفْوِيضًا حَتَّى يَجِدَ صَدَاقًا أَوْ يَتَكَسَّبَهُ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَلْيَحْرِصْ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَفَضْلِ أَهْلِهِ وَشَفَاعَتِهِمْ بِهِ.

وَأَشَارَ الدَّاوُدِيُّ إِلَى أَنَّهُ أَنْكَحَهَا بِلَا مَشُورَتِهَا وَلَا صَدَاقٍ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِذَا احْتَمَلَ هَذَا كُلَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِجَوَازِ النِّكَاحِ بِلَا صَدَاقٍ وَبِمَا لَا قَدْرَ لَهُ اهـ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ: " «وَقَدْ أَنْكَحْتُكَهَا عَلَى أَنْ تُقْرِيَهَا وَتُعَلِّمَهَا وَإِذَا رَزَقَكَ اللَّهُ عَوَّضْتَهَا، فَتَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ عَلَى ذَلِكَ» " وَهَذَا قَدْ يُقَوِّي ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ، وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا حَدِيثُ الصَّحِيحِ:" «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» " وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «مُعَلِّمِي صِبْيَانِكُمْ شِرَارُكُمْ أَقَلُّهُ رَحْمَةً بِالْيَتِيمِ وَأَغْلَظُهُ عَلَى الْمِسْكِينِ» " وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الْمُعَلِّمِينَ؟ قَالَ: دِرْهَمُهُمْ حَرَامٌ وَقُوتُهُمْ سُحْتٌ وَكَلَامُهُمْ رِيَاءٌ» ".

وَحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ فَأَهْدَى لَهُ قَوْسًا فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: " إِنْ سَرَّكَ أَنْ يُطَوِّقَكَ اللَّهُ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهُ» ".

وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ.

وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ هَذِهِ أَحَادِيثُ مُنْكَرَةٌ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ: " «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْثِرُوا» " قَالَ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِأَنَّهُ عَلَّمَهُ لِلَّهِ ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِ أَجْرًا وَنَحْوَ هَذَا.

وَرَوَى حَدِيثَ الْبَابِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، وَأَحْسَنُهُمْ لَهُ سِيَاقَةً مَالِكٌ وَهُوَ يَدْخُلُ فِي التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدِ لِقَوْلِهِ:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} [الأحزاب: 50][سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 50] الْآيَةَ. انْتَهَى.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَأَبُو غَسَّانَ وَفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَزَائِدَةُ وَحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، قَائِلًا: يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ زَائِدَةَ قَالَ:" «انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ» " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ: تَزَوَّجْ وَلَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ» ".

ص: 196

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا

قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ غُرْمًا عَلَى وَلِيِّهَا لِزَوْجِهَا إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا هُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَنْ يُرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَأَمَّا إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوْ مِنْ الْعَشِيرَةِ مِمَّنْ يُرَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ وَتَرُدُّ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا وَيَتْرُكُ لَهَا قَدْرَ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1119 -

1097

ص: 196

- (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ) زَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِسَنَدِهِ: أَوْ قَرْنٌ (فَمَسَّهَا) غَيْرَ عَالِمٍ (فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مَصْدَرُ غَرِمَ إِذَا أَدَّى (عَلَى وَلِيِّهَا، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ غُرْمًا عَلَى وَلِيِّهَا لِزَوْجِهَا إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا هُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا) مِنَ الْأَوْلِيَاءِ (فَأَمَّا إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا ابْنُ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوْ مِنَ الْعَشِيرَةِ مِمَّنْ يُرَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ وَتَرُدُّ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا وَيَتْرُكُ لَهَا قَدْرَ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ) رُبُعُ دِينَارٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِئَلَّا يَخْلُوَ الْبُضْعُ عَنْ صَدَاقٍ.

ص: 197

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُمُّهَا بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَتْ تَحْتَ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَمَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَابْتَغَتْ أُمُّهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا صَدَاقٌ لَمْ نُمْسِكْهُ وَلَمْ نَظْلِمْهَا فَأَبَتْ أُمُّهَا أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَضَى أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1120 -

1098 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ الْقُرَشِيِّ، وُلِدَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ وَكَانَ مِنْ شُجْعَانِ قُرَيْشٍ وَفُرْسَانِهِمْ قُتِلَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ (وَأُمُّهَا بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ) أَخِي عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَهَا وَاسْتُشْهِدَ قَبْلَهُ (كَانَتْ تَحْتَ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا) بَلْ عَقَدَ عَلَيْهَا تَفْوِيضًا (فَابْتَغَتْ) طَلَبَتْ (أُمُّهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا صَدَاقٌ لَمْ نُمْسِكْهُ وَلَمْ نَظْلِمْهَا فَأَبَتْ أُمُّهَا أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ) مِنِ ابْنِ عُمَرَ (فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بْنَ

ص: 197

ثَابِتٍ) حَكَمًا (فَقَضَى أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا لِبَقَاءِ بُضْعِهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ) بِالْمَوْتِ، وَبِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: يَجِبُ الصَّدَاقُ بِالْمَوْتِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ عِنْدَنَا، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ:" «أَنَّ بِرْوَعَ بِنْتَ وَاشِقٍ نُكِحَتْ بِلَا مَهْرٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا فَقَضَى لَهَا صلى الله عليه وسلم بِمَهْرِ نِسَائِهَا وَبِالْمِيرَاثِ» " لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ.

ص: 198

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي خِلَافَتِهِ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ أَنَّ كُلَّ مَا اشْتَرَطَ الْمُنْكِحُ مَنْ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ حِبَاءٍ أَوْ كَرَامَةٍ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ إِنْ ابْتَغَتْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يُنْكِحُهَا أَبُوهَا وَيَشْتَرِطُ فِي صَدَاقِهَا الْحِبَاءَ يُحْبَى بِهِ إِنَّ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ يَقَعُ بِهِ النِّكَاحُ فَهُوَ لِابْنَتِهِ إِنْ ابْتَغَتْهُ وَإِنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلِزَوْجِهَا شَطْرُ الْحِبَاءِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ النِّكَاحُ قَالَ مَالِك فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَهُ صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ إِنَّ الصَّدَاقَ عَلَى أَبِيهِ إِذَا كَانَ الْغُلَامُ يَوْمَ تَزَوَّجَ لَا مَالَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْغُلَامِ مَالٌ فَالصَّدَاقُ فِي مَالِ الْغُلَامِ إِلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْأَبُ أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ النِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَى الْابْنِ إِذَا كَانَ صَغِيرًا وَكَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ قَالَ مَالِك فِي طَلَاقِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَهِيَ بِكْرٌ فَيَعْفُو أَبُوهَا عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِزَوْجِهَا مِنْ أَبِيهَا فِيمَا وَضَعَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ فِي كِتَابِهِ {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فَهُنَّ النِّسَاءُ اللَّاتِي قَدْ دُخِلَ بِهِنَّ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فَهُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ فَتُسْلِمُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا إِنَّهُ لَا صَدَاقَ لَهَا قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ بِأَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1120 -

1099 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا جَاءَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي خِلَافَتِهِ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ أَنَّ كُلَّ مَا اشْتَرَطَ الْمُنْكِحُ) بِكَسْرِ الْكَافِ (مَنْ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ حِبَاءٍ) بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ: عَطِيَّةٌ بِلَا عِوَضٍ (أَوْ كَرَامَةٍ) شَيْءٌ يُكْرَمُ بِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ (فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ إِنِ ابْتَغَتْهُ) طَلَبَتْهُ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ عَلَى صَدَاقٍ أَوْ حِبَاءٍ أَوْ عِدَّةٍ قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَهَا، وَمَا كَانَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لِمَنْ أُعْطِيَهُ، وَأَحَقُّ مَا أُكْرِمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ ابْنَتُهُ أَوْ أُخْتُهُ» "(قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يُنْكِحُهَا) بِضَمِّ الْيَاءِ يُزَوِّجُهَا (أَبُوهَا وَيُشْتَرَطُ فِي صَدَاقِهَا الْحِبَاءُ يُحْبَى بِهِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ يَقَعُ بِهِ النِّكَاحُ فَهُوَ لِابْنَتِهِ إِنْ) وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ إِذَا (ابْتَغَتْهُ) لَا إِنْ تَرَكَتْهُ لِأَبِيهَا، زَادَ الْمُوَطَّأُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ: وَإِنْ أَعْطَاهُ بَعْدَمَا زَوَّجَهُ فَإِنَّمَا هِيَ تَكْرِمَةٌ أَكْرَمَهُ بِهَا فَلَا شَيْءَ لِابْنَتِهِ فِيهَا.

(وَإِنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلِزَوْجِهَا شَطْرُ) أَيْ نِصْفُ (الْحِبَاءِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ النِّكَاحُ) لِأَنَّهُ مِنَ الصَّدَاقِ وَهُوَ يَتَشَطَّرُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَهُ صَغِيرًا، لَا مَالَ لَهُ: أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَى أَبِيهِ إِذَا كَانَ

ص: 198

الْغُلَامُ) الْمَذْكُورُ (يَوْمَ تَزَوَّجَ لَا مَالَ لَهُ) زِيَادَةُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ قَبْلُ لَا مَالَ لَهُ أَعَادَهُ لِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَ لِلْغُلَامِ مَالٌ فَالصَّدَاقُ فِي مَالِ الْغُلَامِ إِلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْأَبُ أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَيْهِ) فَعَلَى الْأَبِ (وَذَلِكَ النِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَى الِابْنِ إِذَا كَانَ صَغِيرًا وَكَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ) لَكِنْ إِنَّمَا يَجْبُرُهُ لِغِبْطَةٍ عَلَى الْمَنْصُوصِ كَشَرِيفَةٍ أَوِ ابْنَةِ عَمٍّ أَوْ ذَاتِ مَالٍ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي طَلَاقِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَهِيَ بِكْرٌ فَيَعْفُوَ أَبُوهَا عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِزَوْجِهَا مِنْ أَبِيهَا فِيمَا وَضَعَ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ فِي كِتَابِهِ) : {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237][سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 237](" إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ " فَهُنَّ النِّسَاءُ اللَّاتِي قَدْ دُخِلَ بِهِنَّ " {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] " فَهُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ، وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) أَيْ مَعْنَى الْآيَةِ (وَعَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ.

زَادَ مَالِكٌ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُوَطَّأِ وَفِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الصَّدَاقِ إِلَّا الْأَبَ لَا وَصِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إِلَى أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ وَعَفْوُهُ بِإِتْمَامِ الصَّدَاقِ، وَقَالَ بِكُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ جَمَاعَةٌ، وَاحْتَجَّ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ مَا قَالُوهُ مَرْوِيٌّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَبِأَنَّ إِسْقَاطَ الْوَلِيِّ مَا لِمُوَلِّيَتِهِ عَلَى خِلَافِ الْأُصُولِ.

وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ بِلَا إِخْبَارٍ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ.

وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ الْحُكْمَ الْوِلَايَةُ تَصَرُّفُ الْوَلِيِّ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَفْوُ أَحْسَنَ لِلْبِنْتِ فَيَحْصُلُ لَهَا بِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ وَهِيَ رَغْبَةُ الْأَزْوَاجِ فِيهَا إِذَا سَمِعُوا بِعَفْوِ الْأَبِ عَنِ الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ، وَقَدْ يَطَّلِعُ الْوَلِيُّ عَلَى أَنَّهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ يَرْغَبُ فِيهَا مَنْ فِي صِلَتِهِ غِبْطَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلَنَا وُجُوهٌ مِنْهَا أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا: بِيَدِهِ كَذَا، أَيْ: يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَالزَّوْجُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ

ص: 199

وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي الْحَلِّ، وَالْوَلِيُّ الْآنَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي النِّكَاحِ فَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ دُونَ الزَّوْجِ سَلَّمْنَا أَنَّ الزَّوْجَ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كَانَ وَانْقَضَى وَذَلِكَ مَجَازٌ، وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَعُقْدَةُ النِّكَاحِ الْآنَ بِيَدِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ.

وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237][سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 237] الرَّشِيدَاتُ بِلَا خِلَافٍ إِذِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا لَا يُنْفِذُ الشَّرْعُ تَصَرُّفَهَا، فَالَّذِي يَحْسُنُ فِي مُقَابَلَتِهِنَّ مِنَ الْمَحْجُورَاتِ فِي أَيْدِي أَوْلِيَائِهِنَّ، أَمَّا بِالْأَزْوَاجِ فَلَا مُنَاسَبَةَ.

وَمِنْهَا أَنَّ الْخِطَابَ مَعَ الْأَزْوَاجِ لِقَوْلِهِ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237][سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 237] وَهُوَ خِطَابُ مُشَافَهَةٍ، فَلَوْ كَانُوا مُرَادِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237][سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 237] وَهُوَ خِطَابُ غَيْبَةٍ - لَلَزِمَ تَغْيِيرُ الْكَلَامِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَضُعِّفَ هَذَا الْوَجْهُ بِوُرُودِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: 22][سُورَةُ يُونُسَ: الْآيَةُ 22] وَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

تَطَاوَلَ لَيْلُكِ بِالْإِثْمِدِ

وَنَامَ الْخَلِيُّ وَلَمْ تَرْقُدِ

وَبَاتَ وَبَاتَتْ لَهُ لَيْلَةٌ

كَلَيْلَةِ ذِي الْعَائِرِ الْأَرْمَدِ

وَأُجِيبَ بِأَنَّ إِقَامَةَ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ الْأَصْلُ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الزَّوْجَ لَقِيلَ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ تَعْفُوا عَمَّا اسْتُحِقَّ لَكُمْ فَلَمَّا عَدَلَ عَنِ الظَّاهِرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُمْ.

وَمِنْهَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ بِأَوِ التَّشْرِيكُ فِي الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] مَعْنَاهُ الْإِسْقَاطُ، وَقَوْلُهُ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي} [البقرة: 237] عَلَى رَأْيِنَا الْإِسْقَاطُ فَيَحْصُلُ التَّشْرِيكُ، وَعَلَى رَأْيِهِمْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ قَوْلُنَا أَرْجَحَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ الْيَهُودِيِّ فَتُسْلِمُ) : هِيَ (قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَنَّهُ لَا صَدَاقَ) لَهَا لِأَنَّ بُضْعَهَا بَاقٍ (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ) أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ أَوْ قِيمَةِ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ (وَذَلِكَ أَدْنَى) أَقَلُّ (مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ) فِي السَّرِقَةِ فَقَاسَهُ عَلَيْهَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يُسْتَبَاحُ بِقَدْرٍ مِنَ الْمَالِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا بِهَا، وَوَافَقَ مَالِكًا عَلَى قَوْلِهِ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ إِلَّا ابْنَ وَهْبٍ، وَاحْتَجُّوا لَهُ أَيْضًا بِأَنَّ اللَّهَ شَرَطَ عَدَمَ الطَّوْلِ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّوْلَ لَا يَجِدُهُ كُلُّ النَّاسِ، إِذْ لَوْ كَانَ الْفَلْسُ وَالدَّانِقُ وَنَحْوُهُمَا طَوْلًا لَمَا عَدِمَهُ أَحَدٌ، وَلِأَنَّ الطَّوْلَ الْمَالُ وَلَا يَقَعُ اسْمُ الْمَالِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي أَقَلِّ

ص: 200

الصَّدَاقِ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ، وَاللَّهُ إِنَّمَا شَرَطَ الطَّوْلَ فِي نِكَاحِ الْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَالِكٍ، وَقَالَ لَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ: تَعَرَّقْتَ فِيهَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَيْ ذَهَبْتَ مَذْهَبَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.

وَقَالَ عِيَاضٌ: انْفَرَدَ مَالِكٌ بِهَذَا الْتِفَاتًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَإِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء: 25][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24، 25] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَالٌ لَهُ بَالٌ وَأَقَلُّهُ مَا اسْتُبِيحَ بِهِ الْعُضْوُ فِي السَّرِقَةِ، وَكَافَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْحِجَازِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى جَوَازِهِ بِمَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ أَوْ مِنَ الْعَقْدِ إِلَيْهِ مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَسَوْطٍ وَنَعْلٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: أَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ.

وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: خَمْسَةُ دَرَاهِمَ اعْتِبَارًا بِالْقَطْعِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ وَقَالَ مَرَّةً: عَشَرَةٌ، وَتَعَقَّبَهُ الزَّوَاوِيُّ بِأَنَّ زَعْمَهُ: تَفَرَّدَ بِهِ مَالِكٌ بِذَلِكَ - تَنَاقَضَ مَعَ مَا نَقَلَهُ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ، فَعَجِبَ مِنْهُ كَيْفَ غَفَلَ عَنْ نَفْسِهِ وَشَنَّعَ عَلَى مَالِكٍ مَعَ مُوَافَقَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ إِلَّا ابْنَ وَهْبٍ وَمُوَافَقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الْقَطْعِ، وَاشْتِرَاطُهُمْ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا اشْتَرَطَهُ مَالِكٌ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «لَا صَدَاقَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» " وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ أَيْضًا، وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهُ بِأَيِّ مُتَمَوَّلٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِقَوْلِهِ «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» ، قَالَ عِيَاضٌ: وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لَا عَلَى التَّقْلِيلِ، وَتَأَوَّلَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ طَلَبَ مَا يُقَدِّمُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا كُلَّ الْمَهْرِ، وَيُضَعِّفُهُ أَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ تَقْدِيمَ رُبُعِ دِينَارٍ لَا أَقَلَّ، قَالَ الزَّوَاوِيُّ: وَضَعْفُهُ بَيِّنٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ مَا يُقَدِّمُهُ لَا جَمِيعَ الْمَهْرِ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ جَمِيعُ الصَّدَاقِ لَا بَعْضُهُ.

وَقَالَ الْأُبِّيُّ: يُرَجِّحُ قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ وَيُعَارِضُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ - مَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ: " «مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَدْخَلَهُ النَّارَ، قِيلَ: وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، قَالَ: وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» " فَأَطْلَقَ الْمَالَ عَلَى مَا تَرَى. انْتَهَى.

وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إِطْلَاقَهُ عَلَى ذَلِكَ تَجَوُّزٌ لِقَصْدِ الزَّجْرِ عَنِ اقْتِطَاعِ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالْحَلِفِ الْبَاطِلِ عَلَى نَحْوِ مَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 93] الْآيَةَ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لَا يُتَمَوَّلُ وَلَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَكُونُ صَدَاقًا، قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ خَرَقَهُ ابْنُ حَزْمٍ حَيْثُ قَالَ: يَجُوزُ بِكُلِّ مَا يُسَمَّى شَيْئًا، وَلَوْ حَبَّةً مِنْ شَعِيرٍ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا تَوْقِيتَ وَلَا تَحْدِيدَ لِأَكْثَرِ الصَّدَاقِ إِجْمَاعًا، قَالَ: وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَهُ بِمُتَمَوَّلٍ وَلَوْ قَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الصَّدَاقَ وَلَمْ يَحُدَّ أَكْثَرَهُ وَلَا أَقَلَّهُ، فَلَوْ كَانَ لَهُ حَدٌّ لَبَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ مُرَادَ اللَّهِ، وَالْحَدُّ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ لَا مُعَارِضَ لَهَا أَوْ إِجْمَاعٍ. انْتَهَى.

وَفِي الْحَصْرِ نَظَرٌ، فَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَصِحُّ بِهِ - الْقِيَاسُ، إِذْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ.

ص: 201

[بَاب إِرْخَاءِ السُّتُورِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْمَرْأَةِ إِذَا تَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ أَنَّهُ إِذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

4 -

بَابُ إِرْخَاءِ السُّتُورِ

هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِرْخَاءُ سِتْرٍ وَلَا إِغْلَاقُ بَابٍ.

1121 -

1100 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) الْقُرَشِيِّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْمَرْأَةِ إِذَا تَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ أَنَّهُ إِذَا أُرْخِيَتِ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ) إِذَا ادَّعَتِ الْمَسِيسَ وَأَنْكَرَهُ الرَّجُلُ.

ص: 202

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ فَأُرْخِيَتْ عَلَيْهِمَا السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1122 -

1101 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيَّ (كَانَ يَقُولُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ فَأُرْخِيَتْ عَلَيْهِمَا السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ) لِلْمَرْأَةِ إِذَا ادَّعَتِ الْمَسَّ وَأَنْكَرَ.

ص: 202

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا صُدِّقَ الرَّجُلُ عَلَيْهَا وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ صُدِّقَتْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ فِي الْمَسِيسِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا فَقَالَتْ قَدْ مَسَّنِي وَقَالَ لَمْ أَمَسَّهَا صُدِّقَ عَلَيْهَا فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ لَمْ أَمَسَّهَا وَقَالَتْ قَدْ مَسَّنِي صُدِّقَتْ عَلَيْهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1122 -

1102 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا) وَادَّعَتِ الْوَطْءَ وَأَنْكَرَهُ (صُدِّقَ الرَّجُلُ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَنْشَطُ فِي بَيْتِهَا (وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ صُدِّقَتْ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ نَشَاطُهُ فِي بَيْتِهِ.

(قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ) التَّصْدِيقَ (فِي الْمَسِيسِ) أَيِ الْجِمَاعِ (إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا فَقَالَتْ: قَدْ مَسَّنِي، وَقَالَ: لَمْ أَمَسَّهَا صُدِّقَ عَلَيْهَا) فَلَا يَتَكَمَّلُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ (فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ: لَمْ أَمَسَّهَا، وَقَالَتْ: قَدْ

ص: 202

مَسَّنِي، صُدِّقَتْ عَلَيْهِ) فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ الزَّائِرُ مِنْهُمَا بِيَمِينٍ فِيهِمَا بِخِلَافِ خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ فَتُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ بِيَمِينٍ لِأَنَّ خَلْوَةَ الزِّيَارَةِ لَا تَنْشَطُ النُّفُوسُ فِيهَا بِخِلَافِ الِاهْتِدَاءِ.

ص: 203

[بَاب الْمَقَامِ عِنْدَ الْبِكْرِ وَالْأَيِّمِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ لَهَا لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ فَقَالَتْ ثَلِّثْ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5 -

بَابُ الْمُقَامِ عِنْدَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ.

كَذَا عِنْدَ أَبِي عُمَرَ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَالْأَيِّمِ، أَيِ: الثَّيِّبِ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى مَوْضِعِ الْقِيَامِ، لِأَنَّكَ إِنْ جَعَلْتَهُ مِنْ قَامَ يَقُومُ فَمَفْتُوحٌ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ مِنْ أَقَامَ يُقِيمُ فَمَضْمُومٌ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا جَاوَزَ الثَّلَاثَةَ فَالْمَوْضِعُ مَضْمُومٌ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِبَنَاتِ الْأَرْبَعَةِ نَحْوُ دَحْرَجَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{لَا مُقَامَ لَكُمْ} [الأحزاب: 13][سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 13] بِالْفَتْحِ أَيْ لَا مَوْضِعَ لَكُمْ، وَقُرِئَ بِالضَّمِّ أَيْ لَا إِقَامَةَ لَكُمْ.

1123 -

1103 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ) الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ هِشَامٍ (عَنْ أَبِيهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ظَاهِرُهُ الِانْقِطَاعُ أَيِ الْإِرْسَالُ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ قَدْ سَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ) هِنْدَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّةَ الْفَاضِلَةَ بَارِعَةَ الْجَمَالِ (وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: دَخَلَ عَلَيْهَا فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَخَذَتْ بِثَوْبِهِ (قَالَ لَهَا: لَيْسَ بِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ بِضَمِيرِ الْأَمْرِ أَوِ الشَّأْنِ (عَلَى أَهْلِكِ) يَعْنِي نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ، وَكُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَهْلٌ (هَوَانٌ) أَيْ لَا أَفْعَلُ فِعْلًا يَظْهَرُ بِهِ هَوَانُكِ عَلَيَّ أَوْ تَظُنِّيهِ، وَفِيهِ: اللُّطْفُ وَالرِّفْقُ بِمَنْ يُخْشَى مِنْهُ كَرَاهَةُ الْحَقِّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ الْحَقِّ، قَالَهُ عِيَاضٌ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يَلْحَقُكِ هَوَانٌ وَلَا يَضِيعُ مِنْ حَقِّكِ شَيْءٌ بَلْ تَأْخُذِينَهُ كَامِلًا.

قَالَ الْأُبِّيُّ: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِأَهْلِهَا قَبِيلَتُهَا لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنِ الْمَرْأَةِ وَعَدَمَ الْمُبَالَاةِ

ص: 203

بِهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِأَهْلِهَا، فَالْبَاءُ عَلَى الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَوَانٍ وَعَلَى الثَّانِي لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ لَا يَلْحَقُ أَهْلَكِ هَوَانٌ بِسَبَبِكِ. (إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ) أَيْ أَقَمْتُ سَبْعًا لِأَنَّهُمُ اشْتَقُّوا الْفِعْلَ مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْعَشَرَةِ (وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ) أَيْ أَقَمْتُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ بَقِيَّةِ نِسَائِي سَبْعًا (وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ) أَيْ أَقَمْتُ ثَلَاثًا (عِنْدَكِ وَدُرْتُ) عَلَى بَقِيَّةِ نِسَائِي بِالْقَسْمِ يَوْمًا يَوْمًا، فَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ فِي أَنَّ الْقَسْمَ لَا يَكُونُ إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ مَعَ التَّرَاضِي هَكَذَا قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ الْأُبِّيُّ: وَإِنَّمَا يَدُلُّ لِمَالِكٍ إِنْ كَانَ مَعْنَى دُرْتُ مَا ذَكَرَ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الْمُخَالِفُ مَعْنَاهُ دُرْتُ بِالتَّثْلِيثِ، وَرَدَّهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ لَا تُقْبَلُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَبِقَوْلِهِ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ فَجَعَلَهُ حُكْمًا مُبْتَدَأً، وَالْأَوْلَى فِي رَدِّهِ أَنَّ قَوْلَهُ دُرْتُ إِحَالَةٌ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ حَالِهِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْهُ فِي الْقَسْمِ إِنَّمَا كَانَ يَوْمًا يَوْمًا.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ بِهِ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ "(فَقَالَتْ: ثَلِّثْ) » قَالَ عِيَاضٌ: اخْتَارَتِ التَّثْلِيثَ مَعَ أَخْذِهَا بِثَوْبِهِ حِرْصًا عَلَى طُولِ إِقَامَتِهِ عِنْدَهَا لِأَنَّهَا رَأَتْ أَنَّهُ إِذَا سَبَّعَ لَهَا وَسَبَّعَ لِغَيْرِهَا لَمْ يَقْرُبْ رُجُوعُهُ إِلَيْهَا.

وَقَالَ الْأُبِّيُّ: لَاطَفَهَا صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْقَوْلِ الْحَسَنِ أَيْ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ تَمْهِيدًا لِلْعُذْرِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّلَاثِ، أَيْ لَيْسَ اقْتِصَارِي عَلَيْهَا لِهَوَانِكِ عَلَيَّ وَلَا لِعَدَمِ رَغْبَةٍ فِيكِ وَلَكِنَّهُ الْحُكْمُ ثُمَّ خَيَّرَهَا بَيْنَ الثَّلَاثِ وَلَا قَضَاءَ لِغَيْرِهَا، وَبَيْنَ السَّبْعِ وَيَقْضِي لِبَقِيَّةِ أَزْوَاجِهِ فَاخْتَارَتِ الثَّلَاثَ لِيَقْرُبَ رُجُوعُهُ إِلَيْهَا ; لِأَنَّ فِي قَضَاءِ السَّبْعِ لِغَيْرِهَا طُولَ مَغِيبِهِ عَنْهَا. انْتَهَى.

وَفِيهِ تَخْيِيرُ الثَّيِّبِ بَيْنَ الثَّلَاثِ بِلَا قَضَاءٍ وَالسَّبْعِ وَالْقَضَاءِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: لَا تُخَيَّرُ، وَتَرَكُوا حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ:" «لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ» " قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَبِهِ تُعُقِّبَ نَقْلُ النَّوَوِيِّ عَنْ مَالِكٍ مُوَافَقَةَ الْجُمْهُورِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَيُمْكِنُ عِنْدِي أَنَّ مَالِكًا رَأَى ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ خُصَّ فِي النِّكَاحِ بِخَصَائِصَ اهـ.

وَمَعْنَاهُ أَنَّ احْتِمَالَ الْخُصُوصِيَّةِ مَنَعَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ، فَرَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَفِي قَوْلِهِ إِنْ شِئْتِ. . . إِلَخْ، أَنَّهُ لَا يُحَاسِبُ الثَّيِّبَ بِالثَّلَاثِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ إِذْ لَوْ حُوسِبَتْ لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ السَّبْعِ وَالثَّلَاثِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ.

وَقَالَ الْأُبِّيُّ: وَجْهُ احْتِجَاجِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الثَّلَاثُ حَقًّا لِلثَّيِّبِ خَالِصَةً لَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَدُورَ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعًا لِأَنَّ الثَّلَاثَ حَقٌّ لَهَا.

وَالْجَوَابُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّهُ إِنَّمَا هِيَ لَهَا بِشَرْطِ أَلَّا تَخْتَارَ السَّبْعَ، أَيْضًا فَمَعْنَاهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ " سَبَّعْتُ " بَعْدَ التَّثْلِيثِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَسْمُهُ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَزْوَاجِهِ إِنَّمَا هُوَ تَطْيِيبٌ لِقُلُوبِهِنَّ وَإِلَّا فَالْقَسْمُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51][سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 51] وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ

ص: 204

بِهِ عَلَى صُورَةِ الْإِرْسَالِ، وَتَابَعَهُ عَلَى إِرْسَالِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَوَصَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَتَابَعَهُ فِي شَيْخِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ أَيْضًا وَلِهَذَا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ مُسْلِمًا بَيَّنَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي إِرْسَالِهِ وَاتِّصَالِهِ، وَمَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَمُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ: إِذَا رُوِيَ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا فَالْحُكْمُ لِلْوَصْلِ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ.

ص: 205

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.

قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ الَّتِي تَزَوَّجَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ أَيَّامُ الَّتِي تَزَوَّجَ بِالسَّوَاءِ وَلَا يَحْسِبُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1124 -

1104 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ) بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الْبَصْرِيِّ (الطَّوِيلِ) لِطُولِ يَدَيْهِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ جَارٌ يُقَالُ لَهُ حُمَيْدٌ الْقَصِيرُ فَقِيلَ لِهَذَا الطَّوِيلُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، مَاتَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي سَنَةَ اثْنَيْنِ، وَيُقَالُ: ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً.

(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا لَا يَقْتَضِيهِ قِيَاسٌ إِذْ لَا نَظِيرَ لَهُ، يُشَبَّهُ بِهِ، وَلَا أَصْلَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَالْعُلَمَاءُ يَقُولُونَ: حِكْمَةُ ذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى تَحْصِيلِ الْأُلْفَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ وَأَنْ يَسْتَوْفِيَ الزَّوْجُ لَذَّتَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ جَدِيدٍ لَذَّةً، وَلَمَّا كَانَتِ الْبِكْرُ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِالرَّجُلِ وَحَدِيثَةً بِالِاسْتِصْعَابِ وَالنِّفَارِ لَا تَلِينُ إِلَّا بِجُهْدٍ شُرِعَتْ لَهَا الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّيِّبِ لِأَنَّهُ يَنْفِي نِفَارَهَا وَيُسَكِّنُ رَوْعَهَا، بِخِلَافِ الثَّيِّبِ فَإِنَّهَا مَارَسَتِ الرِّجَالَ فَإِنَّمَا يَحْتَاجُ مَعَ هَذَا الْحَدَثِ دُونَ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبِكْرُ، قَالَ: وَهَذِهِ حِكْمَةٌ، وَالدَّلِيلُ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الشَّارِعِ وَفِعْلُهُ. انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ: " «إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ» " قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَلَوْ شِئْتُ فَقُلْتُ إِنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَصَدَقْتُ وَلَكِنَّهُ السُّنَّةُ.

وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ مُصَرِّحًا بِرَفْعِهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ عَلَى بَقِيَّةِ نِسَائِهِ لِحَاجَتِهِ بِاللَّذَّةِ بِهَذِهِ الْجَدِيدَةِ فَجَعَلَ لَهُ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي التَّمَتُّعِ؟ أَوْ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِ " لِلْبِكْرِ وَلِلثَّيِّبِ " بِلَامِ التَّمْلِيكِ؟ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ، وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّهُ لَهُمَا جَمِيعًا، وَعَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ فَفِي الْقَضَاءِ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَدَمُ الْقَضَاءِ رِوَايَةُ عَبْدِ الْحَكَمِ كَالْمُتْعَةِ، ثُمَّ اخْتُلِفَ هَلْ هُوَ حَقٌّ لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى أَمْ لَا لِلْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ وَنَسَبَهُ أَبُو عُمَرَ لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا الْحَدِيثُ فِيمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ غَيْرُ هَذِهِ لِأَنَّ مَنْ لَا زَوْجَةَ لَهُ مُقِيمٌ مَعَ هَذِهِ غَيْرُ مُفَارِقٍ لَهَا، وَهَذَا مِنَ الْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 19]

ص: 205

وَهُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: " «إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ» " وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) الْمَرْوِيُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ (الْأَمْرُ) الْمَعْمُولُ بِهِ (عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِأَهْلِ الرَّأْيِ وَالْحِكَمِ، وَحَمَّادٌ فِي أَنَّ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ فِي الْقَسْمِ سَوَاءٌ، وَالطَّارِئَةُ مَعَ مَنْ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فَمَا جَلَسَ عِنْدَ الطَّارِئَةِ حَاسَبَهَا بِهِ وَجَلَسَ عِنْدَ أَزْوَاجِهِ مِثْلَهُ، وَخِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ: يُقِيمُ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا وَالثَّيِّبِ أَرْبَعًا فَإِذَا تَزَوَّجَ بِكْرًا عَلَى ثَيِّبٍ مَكَثَ ثَلَاثًا وَإِذَا تَزَوَّجَ ثَيِّبًا عَلَى بِكْرٍ مَكَثَ يَوْمَيْنِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالسُّنَّةُ تُخَالِفُ الْجَمِيعَ.

(فَإِنْ كَانَتْ لَهُ الَّذِي تَزَوَّجَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ أَيَّامُ الَّتِي تَزَوَّجَ بِالسَّوَاءِ وَلَا يَحْسِبُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا) وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ يُحَاسِبُهَا لِأَنَّ الْعَدْلَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا لِلظَّوَاهِرِ الْآمِرَةِ بِالْعَدْلِ، وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّامَ فِي " لِلْبِكْرِ وَلِلثَّيِّبِ " لِلْمِلْكِ وَمِلْكُ الْإِنْسَانِ لَا يُحَاسِبُهُ بِهِ، وَأَيْضًا لَوْ حُوسِبَتْ لَمْ يَبْقَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَجْهٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّبْعِ وَالثَّلَاثِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ إِذَا كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا فِي الْجَمِيعِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ.

ص: 206

[بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ نْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَشْتَرِطُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يَخْرُجُ بِهَا إِنْ شَاءَ قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا شَرَطَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ أَنْ لَا أَنْكِحَ عَلَيْكِ وَلَا أَتَسَرَّرَ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتَاقَةٍ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

6 -

بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الشَّرْطِ فِي النِّكَاحِ.

1105 -

(مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَشْتَرِطُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ بَلَدٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: يَخْرُجُ بِهَا إِنْ شَاءَ) وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ الْوَفَاءَ بِالشَّرْطِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جَاءَ هَذَا الْبَلَاغُ مُتَّصِلًا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بِهِ، وَجَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَعْلَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

ص: 206

قَالَ: " رُفِعَ إِلَى عَلِيٍّ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا فَقَالَ عَلِيٌّ: شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِهَا أَوْ قَبْلَ شَرْطِهِ وَلَمْ يَرَ لَهَا شَيْئًا " أَيْ شَرَطَ أَنْ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ دَارِهَا، وَشَرْطُ اللَّهِ قَوْلُهُ:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6][سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 6] وَجَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ أَعْلَاهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: " لَهَا شَرْطُهَا، وَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ " «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوَفُّوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» " اهـ بُخَ، لَكِنَّهُ هُنَا مَحْمُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.

(قَالَ مَالِكٌ: فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا شَرَطَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ) أَيْ إِبْرَامِهِ وَإِحْكَامِهِ (أَنْ لَا أَنْكِحُ عَلَيْكِ وَلَا أَتَسَرَّرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ) وَاجِبٍ إِذْ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُنَافِيهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقَةٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَصْدَرُ عَتَقَ (فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ) إِنْ تَزَوَّجَ أَوْ تَسَرَّى.

ص: 207

[بَاب نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَمَا أَشْبَهَهُ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ «أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سِمْوَالٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا فَنَكَحَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَهُوَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا وَقَالَ لَا تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

7 -

بَابُ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَمَا أَشْبَهَهُ

1126 -

1106 - (مَالِكٌ عَنِ الْمِسْوَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ (ابْنِ رِفَاعَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ (الْقُرَظِيِّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ نِسْبَةً إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ مَقْبُولٌ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَرْفُوعًا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنِ الزَّبِيرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ) التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ بِفَتْحِ الزَّايِ فِيهِمَا وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ بِضَمِّ الْأَوَّلِ، وَرُوِيَ عَنْهُ الْفَتْحُ فِيهِمَا كَسَائِرِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِيهِمَا جَمِيعًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاقْتَصَرَ الْحَافِظُ عَلَى ضَمِّ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ الصَّحِيحُ فَتْحُهُمَا أَيْ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: هُوَ بِضَمِّ الزَّايِ بِخِلَافِ جَدِّهِ فَإِنَّهُ بِفَتْحِهَا وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ابْنُ بَاطَيَا الْقُرَظِيُّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَيُقَالُ هُوَ ابْنُ الزَّبِيرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ الْأَوْسِيُّ كَذَا ذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نُسِبَ إِلَى زَيْدٍ لِشَيْءٍ صَنَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِلَّا فَالزَّبِيرُ بْنُ بَاطَيَا مَعْرُوفٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ. انْتَهَى. وَلِذَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَقَدْ قُتِلَ ابْنُ

ص: 207

بَاطَيَا كَافِرًا يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ.

(أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سِمْوَالٍ) بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ الْقُرَظِيَّ الصَّحَابِيَّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا أَرْسَلَهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَوَصَلَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَنَفِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْمِسْوَرِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سِمْوَالٍ (طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَقِيلَ بِضَمِّهَا وَقِيلَ اسْمُهَا أُمَيْمَةُ وَقِيلَ: سُهَيْمَةُ، وَقِيلَ: عَائِشَةُ (بِنْتَ وَهْبٍ) الْقُرَظِيَّةَ الصَّحَابِيَّةَ لَا أَعْلَمُ لَهَا غَيْرَ هَذِهِ الْقِصَّةِ (فِي عَهْدِ) أَيْ زَمَنِ (رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي» " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: " «أَنَّهَا قَالَتْ طَلَّقَنِي آخَرُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ» " وَالرِّوَايَاتُ تُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِجَوَازِ إِيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي كَلِمَةٍ بِلَا كَرَاهَةٍ (فَنَكَحْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ) بِفَتْحِ الزَّايِ، الصَّحَابِيَّ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ (فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا) لِاسْتِرْخَائِهِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ وَأَخَذَتْ بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا شَبَّهَتْهُ بِذَلِكَ لِصِغَرِ ذَكَرِهِ أَوْ لِاسْتِرْخَائِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ إِذْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ إِلَى حَدٍّ لَا يَغِيبُ مَعَهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ (فَفَارَقَهَا) طَلَّقَهَا.

قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا إِخْبَارٌ عَمَّا اتَّفَقَ بَعْدَ شِكَايَتِهَا لِلْمُصْطَفَى وَمُبَاكَرَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَهَا.

فَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ: وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ، قَالَ: كَذَبَتْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ (فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَهُوَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا) بِالثَّلَاثِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الَّتِي ذَكَرَتْ وَلَا خُلْفَ لِجَوَازِ أَنَّ كُلًّا مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ صلى الله عليه وسلم، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: وَكَانَ مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ تُرِيدُهُ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي وَإِنِّي تَزَوَّجْتُ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِي وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ يَقْرَبْنِي إِلَّا هَنَةً وَاحِدَةً لَمْ يَصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْءٍ، فَأَحِلُّ لِزَوْجِي الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَحِلِّينَ لِزَوْجِكِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» .

وَقَوْلُهَا " لَمْ يَصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْءٍ " - صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا لَا مَرَّةً وَلَا أَزَيْدَ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهَا " إِلَّا هَنَةً وَاحِدَةً " عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يُرِدِ الْقُرْبَ مِنِّي بِقَصْدِ الْوَطْءِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَبِهَذَا لَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ الْمُوَطَّأِ: فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا (وَقَالَ: لَا تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ السِّينِ تَصْغِيرُ عَسَلَةٍ وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ، شَبَّهَ لَذَّتَهُ بِلَذَّةِ

ص: 208

الْعَسَلِ وَحَلَاوَتِهِ فَاسْتَعَارَ لَهَا ذَوْقًا وَأَنَّثَ الْعَسَلَ فِي التَّصْغِيرِ لِأَنَّهُ يُذَكَّرُ، وَيُؤَنَّثُ أَيْ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَسَلِ، أَوْ عَلَى إِرَادَةِ اللَّذَّةِ لِتَضَمُّنِهِ ذَلِكَ، وَوَحَّدَهُ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إِلَّا بِوَطْءٍ مُتَعَدِّدٍ، وَضُعِّفَ زَعْمُ أَنَّ التَّأْنِيثَ عَلَى إِرَادَةِ النُّطْفَةِ بِأَنَّ الْإِنْزَالَ لَا يُشْتَرَطُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَشَذَّ الْحَسَنُ فَقَالَ: الْعُسَيْلَةُ الْإِنْزَالُ رَعْيًا لِمَعْنَى الْعُسَيْلَةِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِي قَوْلِهِ " لَا حَتَّى. . . إِلَخْ " وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: إِنْ كَانَ كَمَا وَصَفَتْ فَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ فَلَا تَحِلُّ لِلَّذِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا.

وَالثَّانِي: إِنْ كَانَ يُرْجَى ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ طَمَعًا أَنْ يَكُونَ، وَرُبَّمَا كَانَ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَغِيبُ الْحَشَفَةِ هُوَ الْعُسَيْلَةُ، وَأَمَّا الْإِنْزَالُ فَهُوَ الدُّبَيْلَةُ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ فِي لَذَّةِ الْمُلَاعَبَةِ فَإِذَا أَوْلَجَ فَقَدَ عَسَّلَ ثُمَّ يَتَعَاطَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا فِيهِ عُلُوُّ نَفَسِهِ وَإِتْعَابُ نَفْسِهِ وَنَزْفُ دَمِهِ وَإِضْعَافُ أَعْضَائِهِ فَهُوَ إِلَى الدُّبَيْلَةِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْعُسَيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِلَذَّةٍ وَخَتَمَ بِأَلَمٍ.

قَالَ الْأُبِّيُّ: وَهَذَا مِنْهُ ذَهَابٌ إِلَى أَنَّ مَا قَبْلَ الْإِنْزَالِ أَمْتَعُ مِنْ سَاعَةِ الْإِنْزَالِ.

قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَرَفَةَ: مَنْ لَهُ ذَوْقٌ يَعْرِفُ ذَلِكَ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: سَاعَةُ الْإِنْزَالِ أَلَذُّ لَذَّاتِ الدُّنْيَا، وَإِنْ دَامَتْ قَتَلَتْ وَهُوَ يَنْحُو إِلَى قَوْلِ الْحَسَنِ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ.

ص: 209

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا هَلْ يَصْلُحُ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1127 -

1107 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (عَنْ) عَمَّتِهِ (عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ) مِنَ الْبَتِّ وَهُوَ الْقَطْعُ كَأَنَّهُ قَطَعَ الْعِصْمَةَ الَّتِي لَهُ بِهَا فَهِيَ الثَّلَاثُ (فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَهَلْ تَصْلُحُ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ) الَّذِي أَبَتَّهَا (أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا تَصْلُحُ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا) فَأَفْتَتْ بِمَا رَوَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَةِ رِفَاعَةَ.

وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ فَيُطَلِّقُهَا فَتَتَزَوَّجُ رَجُلًا فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا» " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ «الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ» «عَنْ عَائِشَةَ " طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَأَرَادَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الْأَوَّلُ» " لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ قِصَّةِ رِفَاعَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قِصَّةٌ أُخْرَى وَلَا

ص: 209

يَبْعُدُ التَّعَدُّدُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْكَافَّةُ، وَانْفَرَدَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: تَحِلُّ بِالْعَقْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230][سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 230] وَرُدَّ بِأَنَّ الْآيَةَ وَإِنِ احْتَمَلَتِ الْعَقْدَ لَكِنَّ الْحَدِيثَ بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَطْءُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَظُنُّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ أَوْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ، قَالَ غَيْرُهُ: وَلَمْ يُوَافِقْهُ إِلَّا طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَشَذَّ فِي ذَلِكَ.

ص: 210

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَمَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا هَلْ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُحَلِّلِ إِنَّهُ لَا يُقِيمُ عَلَى نِكَاحِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ نِكَاحًا جَدِيدًا فَإِنْ أَصَابَهَا فِي ذَلِكَ فَلَهَا مَهْرُهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1127 -

1108 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَمَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا هَلْ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا) أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا) لِأَنَّ الثَّانِيَ مَاتَ وَلَمْ يَمَسَّهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ إِذِ الْمَدَارُ عَلَى مَغِيبِ الْحَشَفَةِ (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُحَلِّلِ) أَيِ الْمُتَزَوِّجِ مَبْتُوتَةً بِقَصْدِ إِحْلَالِهَا لِبَاتِّهَا (إِنَّهُ لَا يُقِيمُ عَلَى نِكَاحِهِ ذَلِكَ) لِفَسَادِهِ (حَتَّى يَسْتَقْبِلَ نِكَاحًا جَدِيدًا فَإِنْ أَصَابَهَا فِي ذَلِكَ) الْفَاسِدِ (فَلَهَا مَهْرُهَا) عَلَيْهِ.

ص: 210

[بَاب مَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ مِنْ النِّسَاءِ]

وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

8 -

بَابُ مَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ مِنَ النِّسَاءِ.

1129 -

1109 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا» ) فِي نِكَاحٍ وَاحِدٍ وَلَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ( «وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» ) نِكَاحًا وَمِلْكًا وَحَيْثُ حَرُمَ الْجَمْعُ فَلَوْ نَكَحَهُمَا مَعًا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا إِذْ لَيْسَ تَخْصِيصُ إِحْدَاهُمَا بِالْبُطْلَانِ بِأَوْلَى مِنَ الْأُخْرَى، فَإِنْ نَكَحَهُمَا مُرَتِّبًا بَطُلَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْجَمْعَ حَصَلَ بِهَا، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي

ص: 210

رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا، لَا تُنْكَحُ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى» " وَالْكُبْرَى الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ، وَالصُّغْرَى بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ عَلَى جِهَةِ التَّأْكِيدِ وَالْبَيَانِ وَلِذَا لَمْ يَجِئْ بَيْنَهُمَا بِالْعَاطِفِ، قَالَ عِيَاضٌ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَخْذِ بِهَذَا النَّهْيِ إِلَّا طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23] ثُمَّ قَالَ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24] وَقَالُوا: الْحَدِيثُ خَبَرُ وَاحِدٍ، وَالْآحَادُ لَا تُخَصِّصُ الْقُرْآنَ وَلَا تَنْسَخُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنِ الْأُصُولِيِّينَ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ السُّنَّةَ تُبَيِّنُ مَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ، وَلِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَهِيَ مَا تَحْمِلُ عَلَيْهِ الْغَيْرَةُ مِنَ التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ - مَوْجُودَةٌ فِي ذَلِكَ، وَقَاسَ بَعْضُ أَهْلِ السَّلَفِ عَلَيْهِ جُمْلَةَ الْقَرَابَةِ فَمَنَعَ الْجَمْعَ بَيْنَ بِنْتَيِ الْعَمِّ وَبِنْتَيِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَصْرُ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ أَوْ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ لَفْظُهُ مِنَ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ كَمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَنَرَى عَمَّةَ أَبِيهَا وَخَالَةَ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ عَمَّةٍ وَخَالَةٍ ; لِأَنَّ الْعَمَّةَ هِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَكُونُ أُخْتًا لِرَجُلٍ لَهُ عَلَيْكَ وِلَادَةٌ، فَأُخْتُ الْجَدِّ لِلْأَبِ عَمَّةٌ وَأُخْتُ الْجَدِّ لِلْأُمِّ خَالَةٌ. انْتَهَى.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْعَمَّةُ حَقِيقَةً إِنَّمَا هِيَ أُخْتُ الْأَبِ وَتُطْلَقُ أَيْ مَجَازًا عَلَى أُخْتِ الْجَدِّ أَوْ أَبِ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا.

وَالْخَالَةُ أُخْتُ الْأُمِّ وَتُطْلَقُ عَلَى أُخْتِ أُمِّ الْأُمِّ أَوْ أُمِّ الْجَدَّةِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْجَدَّةُ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 211

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يُنْهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا وَأَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ لِغَيْرِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1130 -

1110 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُنْهَى) تَحْرِيمًا (أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا) وَكَذَا الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ وَبِنْتِ الْأُخْتِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ.

وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ: الْمَرْأَةُ وَعَمَّتُهَا وَالْمَرْأَةُ وَخَالَتُهَا» " وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ مَرْفُوعًا: " «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ وَلَا بِنْتُ الْأُخْتِ عَلَى الْخَالَةِ» "(وَأَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً) أَيْ أَمَةً (وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ لِغَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.

ص: 211

[بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَتِهِ]

وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

9 -

بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَتِهِ.

1131 -

1111 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً) أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا (ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا) أَيْ يُجَامِعَهَا (هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لَا) تَحِلُّ لَهُ (الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ) عَنِ الْبَيَانِ فَلَا تَحِلُّ بِحَالٍ إِذْ (لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ) بِالدُّخُولِ (وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23] وَلَمَّا سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: هَذَا مِنْ مُبْهَمِ التَّحْرِيمِ الَّذِي لَا وَجْهَ فِيهِ غَيْرُ التَّحْرِيمِ سَوَاءٌ دَخَلْتُمْ بِالنِّسَاءِ أَمْ لَا، فَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ حَرُمْنَ عَلَيْكُمْ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَرَبَائِبُكُمْ. . . إِلَخْ " فَلَيْسَ مِنَ الْمُبْهَمَةِ لِأَنَّ لَهُنَّ وَجْهَيْنِ: أُحْلِلْنَ فِي أَحَدِهِمَا وَحُرِّمْنَ فِي الْآخَرِ، فَإِذَا دَخَلَ بِأُمَّهَاتِ الرَّبَائِبِ حَرُمْنَ وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ لَمْ يَحْرُمْنَ، فَهَذَا تَفْسِيرُ الْمُبْهَمِ الَّذِي أَرَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ، نَقَلَهُ الْهَرَوِيُّ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ.

ص: 212

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتُفْتِيَ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ عَنْ نِكَاحِ الْأُمِّ بَعْدَ الْابْنَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ الِابْنَةُ مُسَّتْ فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَصِلْ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى أَتَى الرَّجُلَ الَّذِي أَفْتَاهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا إِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُفَارِقُهُمَا جَمِيعًا وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَدًا إِذَا كَانَ قَدْ أَصَابَ الْأُمَّ فَإِنْ لَمْ يُصِبْ الْأُمَّ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَفَارَقَ الْأُمَّ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا إِنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا أَبَدًا وَلَا تَحِلُّ لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ ابْنَتُهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَا فَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلَالِ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1131 -

1112 - (مَالِكٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتُفْتِيَ) طُلِبَ مِنْهُ الْفَتْوَى (وَهُوَ بِالْكُوفَةِ عَنْ نِكَاحِ الْأُمِّ بَعْدَ الِابْنَةِ إِذَا لَمْ تَكُنِ الِابْنَةُ مُسَّتْ) جُومِعَتْ (فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ يَعُمُّهُمَا (ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَصِلْ إِلَى مَنْزِلِهِ) بِهَا لِأَنَّهُ كَانَ

ص: 212

سَاكِنُهَا (حَتَّى أَتَى الرَّجُلَ الَّذِي أَفْتَاهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ) رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ رَأَى أُمَّهَا فَعَجِبَتْهُ فَأَفْتَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يُفَارِقَهَا وَيَتَزَوَّجَ أُمَّهَا إِنْ كَانَ لَمْ يَمَسَّهَا فَتَزَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، ثُمَّ أَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْكُوفَةِ قَالَ لِلرَّجُلِ: إِنَّهَا عَلَيْكَ حَرَامٌ فَفَارِقْهَا " قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ هُوَ الَّذِي رَدَّ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ فِيمَا أَحْسَبُ.

وَقَوْلُهُ فَفَارِقْهَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمْرٌ وَأَنَّهُ فِعْلٌ فَيَكُونُ الرَّجُلُ امْتَثَلَ وَفِي هَذَا وَنَحْوِهِ الِاحْتِجَاجُ بِعَمَلِ الْمَدِينَةِ لِرُجُوعِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ اجْتِهَادِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَفْتَى بِالِاجْتِهَادِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ إِلَى جَوَازِ نِكَاحِ الْأُمِّ إِذَا لَمْ يُدْخَلْ بِالْبِنْتِ وَقَالَ: الشَّرْطُ الَّذِي فِي آخِرِ الْآيَةِ يَعُمُّ الْأُمَّهَاتِ وَالرَّبَائِبَ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ لِقَوْلِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: إِنَّ الْخَبَرَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الِاسْمَانِ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ، فَلَا يُقَالُ: قَامَ زَيْدٌ وَقَعَدَ عَمْرٌو الظَّرِيفَانِ، وَعَلَّلَهُ سِيبَوَيْهِ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الصِّفَةِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَوْصُوفِ، وَبَيَانُهُ فِي الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ:{اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23] يَعُودُ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ إِلَى نِسَائِكُمْ وَهُوَ مَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ وَإِلَى رَبَائِبِكُمْ وَهُوَ مَرْفُوعٌ، وَالصِّفَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِمُخْتَلِفَيِ الْإِعْرَابِ وَلَا بِمُخْتَلِفَيِ الْعَامِلِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُفَارِقُهُمَا جَمِيعًا وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَدًا إِذَا كَانَ قَدْ أَصَابَ الْأُمَّ فَإِنْ لَمْ يُصِبِ الْأُمَّ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَفَارَقَ الْأُمَّ) وَبَقِيَ عَلَى امْرَأَتِهِ الْبِنْتِ.

(وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا) يَعْقِدُ عَلَيْهَا (فَيُصِيبُهَا أَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا أَبَدًا وَلَا تَحِلُّ لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ ابْنَتُهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ) لِمَسِّهِمَا مَعًا، فَإِنْ لَمْ يَمَسَّ الْأُمَّ فَارَقَهَا وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ كَمَا قَالَ قَبْلُ.

(قَالَ مَالِكٌ) هَذَا كُلُّهُ فِي النِّكَاحِ (فَأَمَّا الزِّنَى فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ فَإِنْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِالْبِنْتِ فَزَنَى بِالْأُمِّ أَوْ عَكْسُهُ لَا تَحْرُمُ

ص: 213

عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ.

وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَفَعَاهُ: " «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» " لَكِنَّهُمَا ضَعِيفَا السَّنَدِ إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِمَا (لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ: وَ) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ (أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَى) وَالنِّكَاحُ شَرْعًا إِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى وَطْءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْوَطْءِ.

(فَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلَالِ) فَيَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَكُلُّ مَا كَانَ مَحْضَ زِنًى لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ (فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَلَيْهِ جُلُّ أَصْحَابِ مَالِكٍ، بَلْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَشْيَاخِ مِنْهُمْ سَحْنُونٌ بِأَنْ جَمِيعَهُمْ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إِنْ زَنَى بِأُمِّ زَوْجَتِهِ أَوِ ابْنَتِهَا فَلْيُفَارِقْهَا، حَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَاللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ، أَيْ كَرَاهَةِ الْبَقَاءِ مَعَهَا وَاسْتِحْبَابِ فِرَاقِهَا، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إِلَى تَرْجِيحِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَأَنَّ دَلِيلَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى التَّحْرِيمِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَالْمُدَوَّنَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ لِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ - ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ عُمْدَتَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 22] فَحَمَلُوا " وَلَا تَنْكِحُوا " عَلَى الْعَقْدِ، " مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ " عَلَى الْوَطْءِ، وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّ النِّكَاحَ حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ إِلَّا مَا خُصَّ مِنْ ذَلِكَ، نَحْوُ:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230][سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 230]{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3][سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 3]{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [النور: 33][سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 33] وَمَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَئِنْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِـ " مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمُ " الْوَطْءُ، فَالْمَعْنَى بِهِ الْوَطْءُ الْحَلَالُ لِأَنَّهُ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ اسْمُ النِّكَاحِ، أَمَّا الزِّنَى فَيُقَالُ فِيهِ سِفَاحٌ، وَأَيْضًا فَالزِّنَى لَا تَثْبُتُ بِهِ الْعِدَّةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمٌ كَاللِّوَاطِ، وَأَيْضًا الْحُرْمَةُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَالْإِحْصَانِ وَالنَّفَقَةِ وَإِسْقَاطِ الْحَدِّ فَلَا يَثْبُتُ بِالزِّنَى، فَإِنْ قِيلَ: هُوَ تَحْرِيمٌ يَثْبُتُ بِالْوَطْءِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ كَتَحْرِيمِ الْفِطْرِ بِهِ وَإِفْسَادِ الْحَجِّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ بِهِ وَإِنِ اسْتَوَيَا فِي إِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي الْإِفْسَادِ اللِّوَاطُ وَلَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ.

ص: 214

[بَاب نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَةٍ قَدْ أَصَابَهَا عَلَى وَجْهِ مَا يَكْرَهُ]

قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهَا إِنَّهُ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا وَيَنْكِحُهَا ابْنُهُ إِنْ شَاءَ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَصَابَهَا حَرَامًا وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ مَا أُصِيبَ بِالْحَلَالِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ بِالنِّكَاحِ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: 22] قَالَ مَالِكٌ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا نِكَاحًا حَلَالًا فَأَصَابَهَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ نَكَحَهَا عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ بِأَبِيهِ وَكَمَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ فِي عِدَّتِهَا وَأَصَابَهَا فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ ابْنَتُهَا إِذَا هُوَ أَصَابَ أُمَّهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

10 -

بَابُ نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَةٍ قَدْ أَصَابَهَا عَلَى وَجْهٍ مَا يُكْرَهُ

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهَا أَنَّهُ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا وَيُنْكِحُهَا ابْنَهُ إِنْ شَاءَ) وَأَوْلَى إِنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ (وَذَلِكَ أَنَّهُ أَصَابَهَا حَرَامًا) وَهُوَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ (وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ مَا أُصِيبَ بِالْحَلَالِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ بِالنِّكَاحِ) الَّذِي يَدْرَأُ الْحَدَّ (قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَالنِّكَاحُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إِنَّمَا هُوَ الْوَطْءُ الْحَلَالُ لَا الزِّنَى.

(فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا نِكَاحًا حَلَالًا) بِاسْتِنَادِهِ لِعَقْدٍ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهَا فِي الْعِدَّةِ (فَأَصَابَهَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ نَكَحَهَا عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ) لِلشُّبْهَةِ (وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ بِأَبِيهِ) لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ يَدْرَأُ الْحَدَّ وَيُلْحِقُ بِهِ الْوَلَدَ (وَكَمَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ فِي عِدَّتِهَا وَأَصَابَهَا فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ ابْنَتُهَا إِذَا هُوَ أَصَابَ أُمَّهَا) لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يُصِبْهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ عَلَى الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ فَأَوْلَى الْفَاسِدُ.

ص: 215

[بَاب جَامِعِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النِّكَاحِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

11 -

بَابُ جَامِعِ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَاحِ

1134 -

1113 - « (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى) تَحْرِيمًا (عَنِ الشِّغَارِ) » هَكَذَا لِجُلِّ الرُّوَاةِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ بِمُعْجَمَتَيْنِ أُولَاهُمَا مَكْسُورَةٌ فَأَلِفٌ فَرَاءٌ مَصْدَرُ شَاغَرَ يُشَاغِرُ شِغَارًا وَمُشَاغَرَةً.

وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» (وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ) أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ (عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ آخَرُ ابْنَتَهُ) أَوْ وَلِيَّتَهُ (لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ) بَلْ يَضَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَدَاقَ الْأُخْرَى، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: شَغَرَ الْبَلَدُ عَنِ السُّلْطَانِ إِذَا خَلَا عَنْهُ لِخُلُوِّهِ عَنِ الصَّدَاقِ أَوْ لِخُلُوِّهِ عَنْ بَعْضِ الشَّرَائِطِ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مِنْ قَوْلِهِمْ شَغَرَ الْكَلْبُ إِذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ كَأَنَّ كُلًّا مِنَ الْوَلِيَّيْنِ يَقُولُ لِلْآخَرِ: لَا تَرْفَعُ رِجْلَ ابْنَتِي حَتَّى أَرْفَعَ رِجْلَ ابْنَتِكَ، وَفِي التَّشْبِيهِ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْقَبِيحَةِ تَقْبِيحٌ لِلشِّغَارِ وَتَغْلِيظٌ عَلَى فَاعِلِهِ، وَأَكْثَرُ رُوَاةِ مَالِكٍ لَمْ يَنْسُبُوا هَذَا التَّفْسِيرَ لِأَحَدٍ، وَلِذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: لَا أَدْرِي أَهُو مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوِ ابْنِ عُمَرَ أَوْ نَافِعٍ أَوْ مَالِكٍ؟ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

وَقَالَ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَصَلَهُ بِالْمَتْنِ الْمَرْفُوعِ، بَيَّنَ ذَلِكَ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَالْقَعْنَبِيُّ وَمُحْرِزُ بْنُ عَوْنٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: قَوْلُهُ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ مَرْفُوعًا اتِّفَاقًا وَبَاقِيهِ مِنْ تَفْسِيرِ نَافِعٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي. انْتَهَى. وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ: فَفِي مُسْلِمٍ هُنَا وَالْبُخَارِيِّ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟ قَالَ: فَذَكَرَهُ، وَلِذَا قَالَ الْحَافِظُ: الَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ.

قَالَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: كَانَ الشِّغَارُ مِنْ نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُ شَاغِرْنِي وَلِيَّتِي بِوَلِيَّتِكَ أَيْ عَاوِضْنِي جِمَاعًا بِجِمَاعٍ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ غَيْرَ الْبِنْتِ مِنَ الْإِمَاءِ وَالْأَخَوَاتِ وَغَيْرِهِنَّ حُكْمُ الْبِنْتِ، وَتَعَقَّبَهُ الْأُبِّيُّ بِأَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ اخْتِصَاصُهُ بِذَوَاتِ الْجَبْرِ وَهُوَ فِي غَيْرِهِنَّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تُزَوَّجُ عَلَى أَنْ لَا صَدَاقَ فَيَمْضِي بِالدُّخُولِ، قَالَ: وَلَا حُجَّةَ فِيمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنِ الشِّغَارِ» " زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ: وَلِلشِّغَارِ أَنْ يَقُولَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجَكَ ابْنَتِي وَزَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجَكَ أُخْتِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَفْظِهِ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا خِلَافَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ ابْتِدَاءً؛ فَإِنْ وَقَعَ أَمْضَاهُ الْكُوفِيُّونَ وَالزَّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ إِذَا صُحِّحَ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَأَبْطَلَهُ

ص: 216

مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْبُطْلَانِ فَقِيلَ: لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَرْجَيْنِ مَعْقُودٌ بِهِ وَعَلَيْهِ، وَقِيلَ: لِخُلُوِّهِ مِنَ الصَّدَاقِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فَسَادُهُ فِي عَقْدِهِ فَيُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَعَلَى الثَّانِي فَسَادُهُ فِي صَدَاقِهِ فَيَمْضِي بِالْبِنَاءِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِمَالِكٍ، رضي الله عنه.

قَالَ غَيْرُهُ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ لِلِاخْتِلَافِ فِي النَّهْيِ هَلْ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ؟ أَوْ لِلْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ هَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ أَوْ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَهُمَا أَدْرَى بِمَا سَمِعَا لِأَنَّهُمَا عَرَبِيَّانِ عَالِمَانِ بِمَوَاقِعِ الْأَلْفَاظِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ إِذَا كَانَ مِنْ تَفْسِيرِ نَافِعٍ فَإِنَّهُ عَجَمِيٌّ تَعَرَّبَ، وَلِذَا اخْتَلَفَ نَظَرُ الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ الْبُطْلَانُ لِتَرْكِ ذِكْرِ الصَّدَاقِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِدُونِ تَسْمِيَتِهِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: قَوْلُهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ يُشْعِرُ بِأَنَّ جِهَةَ الْفَسَادِ تَرْكُ ذِكْرِ الصَّدَاقِ. انْتَهَى. أَيْ مَعَ جَعْلِ بُضْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلْأُخْرَى وَهَذَا صَرِيحُ الشِّغَارِ.

قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُفْسَخُ وَإِنْ طَالَ وَوَلَدَتِ الْأَوْلَادَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بِطَلَاقٍ.

وَأَمَّا وَجْهُ الشِّغَارِ وَهُوَ أَنْ يُسَمِّيَ لِكُلٍّ صَدَاقًا عَلَى أَنْ يُزَوِّجَ كُلًّا مِنْهُمَا الْآخَرُ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِالْأَكْثَرِ مِنَ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا الْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا وَهُوَ أَنْ يُسَمَّى لِإِحْدَاهُمَا صَدَاقًا وَالْأُخْرَى بِلَا صَدَاقٍ فَالْمُسَمَّى لَهَا حُكْمُ وَجْهِهِ وَالْأُخْرَى كَصَرِيحِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجُ وَأَيُّوبُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَابَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا.

ص: 217

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ «أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهُ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1135 -

1114 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا (عَنْ أَبِيهِ) الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ أَخِي عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ لِأُمِّهِ يُقَالُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ (وَ) عَنْ أَخِيهِ (مُجَمِّعٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ الْمَكْسُورَةِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ، تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ (ابْنَيْ) بِالتَّثْنِيَةِ (يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ (ابْنِ جَارِيَةَ) بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ وَالتَّحْتِيَّةِ (الْأَنْصَارِيِّ) الْأَوْسِيِّ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ فِي الصَّحَابَةِ.

وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: يَزِيدُ بْنُ جَارِيَةَ وَقِيلَ زَيْدٌ فَجَعَلَهُمَا وَاحِدًا وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا أَخَوَانِ قَالَهُ فِي الْإِصَابَةِ (عَنْ خَنْسَاءَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ فَمُهْمَلَةٍ، مَهْمُوزٌ مَمْدُودٌ (بِنْتِ خِدَامٍ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّقْرِيبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ

ص: 217

بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْأَنْصَارِيَّةِ الْأَوْسِيَّةِ زَوْجِ أَبِي لُبَابَةَ صَحَابِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. (أَنَّ أَبَاهَا) خِدَامًا الصَّحَابِيَّ يُقَالُ هُوَ ابْنُ وَدِيعَةَ وَيُقَالُ ابْنُ خَالِدٍ، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: يُكَنَّى أَبَا وَدِيعَةَ (زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ) لَمَّا تَأَيَّمَتْ مِنْ أُنَيْسِ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ حِينَ قُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ مُرْسَلًا وَأَخْرَجَهُ الْوَاقِدِيُّ عَنِ الْخَنْسَاءِ نَفْسِهَا، وَأُنَيْسٌ بِالتَّصْغِيرِ وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ أَنَسًا، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَفِي الْمُبْهَمَاتِ لِلْقُطْبِ الْقَسْطَلَّانِيِّ أَنَّ اسْمَهُ أُسَيْرٌ وَأَنَّهُ مَاتَ بِبَدْرٍ (فَكَرِهَتْ ذَلِكَ) الرَّجُلَ الَّذِي أَنْكَحَهَا أَبُوهَا إِيَّاهُ، لَمْ يَعْرِفِ الْحَافِظُ اسْمَهُ، قَالَ: نَعَمْ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ (فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) فَقَالَتْ:«إِنَّ أَبِي أَنْكَحَنِي رَجُلًا وَإِنَّ عَمَّ وَلَدِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ (فَرَدَّ نِكَاحَهُ) وَجَعَلَ أَمْرَهَا إِلَيْهَا» كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ.

وَلَهُ «عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي وَأَنَا كَارِهَةٌ وَقَدْ مَلَكْتُ أَمْرِي، قَالَ: فَلَا نِكَاحَ لَهُ انْكِحِي مَنْ شِئْتِ فَرَدَّ نِكَاحَهُ وَنَكَحَتْ أَبَا لُبَابَةَ الْأَنْصَارِيَّ» .

وَأَخْرَجَ الْوَاقِدِيُّ «عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ أُنَيْسِ بْنِ قَتَادَةَ فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ فَكَرِهَتْهُ وَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهُ فَتَزَوَّجَهَا أَبُو لُبَابَةَ فَجَاءَتْ بِالسَّائِبِ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ» ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَالْقَوْلِ بِهِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ: لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ قَالَ: لَا يُزَوِّجُ الثَّيِّبَ وَلِيُّهَا أَبًا أَوْ غَيْرَهُ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا، وَمَنْ قَالَ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرًا وَأَجَازَهُ بِلَا وَلِيٍّ فَأَوْلَى وَمَعْنَاهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الثَّيِّبَ لَا يَجُوزُ لِأَبِيهَا وَلَا غَيْرِهِ جَبْرُهَا عَلَى النِّكَاحِ، إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ: نِكَاحُ الْأَبِ جَائِزٌ عَلَى بِنْتِهِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا أُكْرِهَتْ أَمْ لَا، قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِقَوْلِهِ فِي الثَّيِّبِ.

وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ» " وَاخْتُلِفَ فِي بُطْلَانِهِ وَلَوْ رَضِيَتْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ لِخَنْسَاءَ إِلَّا أَنْ تُجِيزِي، وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ: إِلَّا أَنْ تَرْضَى بِالْقُرْبِ بِالْبَلَدِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَفَوْرٍ وَاحِدٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَهَا أَنْ تُجِيزَهُ فَيَجُوزَ أَوْ تُبْطِلَهُ فَيَبْطُلَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَأَمَّا حَدِيثُ النَّسَائِيِّ «عَنْ جَابِرٍ: " أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهَا فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا» " فَحَمَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّهُ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ أَمَّا إِذَا زَوَّجَهَا بِكُفُؤٍ فَيَنُفُذُ وَلَوْ طَلَبَتْ هِيَ كُفُؤًا غَيْرَهُ لِأَنَّهَا مُجْبَرَةٌ فَلَيْسَ لَهَا اخْتِيَارُ الْأَزْوَاجِ، وَالْأَبُ أَكْمَلُ نَظَرًا مِنْهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُجْبِرِ فَلَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا مِمَّنْ عَيَّنَتْهُ لِأَنَّ إِذْنَهَا شَرْطٌ فِي أَصْلِ تَزْوِيجِهَا فَاعْتُبِرَ تَعْيِينُهَا. انْتَهَى، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.

أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا كَلَامَ لِلْبِكْرِ مَعَ الْأَبِ وَلَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفُؤٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ زَوَّجَهَا بِذِي عَيْبٍ لَيْسَ

ص: 218

لِلْأَبِ جَبْرُهَا عَلَيْهِ، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَيَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ بِفَتَحَاتٍ، كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مُسْلِمٌ.

ص: 219

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِيهِ لَرَجَمْتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1136 -

1115 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (الْمَكِّيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ: هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم: قَالَ " «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

(وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافِ وَالدَّالِ أَيْ سَبَقْتُ غَيْرِي، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ بِضَمِّ التَّاءِ وَالْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ سَبَقَنِي غَيْرِي (فِيهِ لَرَجَمْتُ) فَاعِلَهُ، وَجَعَلَهُ سِرًّا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَتِمَّ فِيهِ، وَقَدْ أَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا دَخْلَ لِلنِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّمَا يَصِحُّ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ الْعَقْدَ بِدُونِ شَهَادَةٍ ثُمَّ يَشْهَدَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَالَ: نِكَاحُ السِّرِّ مَا أُوصِيَ بِكَتْمِهِ، وَالشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ: مَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ. وَيُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

ص: 219

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ رُشَيْدٍ الثَّقَفِيِّ فَطَلَّقَهَا فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ كَانَ الْآخَرُ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا.

قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إِنَّهَا لَا تَنْكِحُ إِنْ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ إِذَا خَافَتْ الْحَمْلَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1137 -

1116 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ هِشَامٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ طُلَيْحَةَ) بِنْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ (الْأَسْدِيَّةَ) لَهَا إِدْرَاكٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا وَقَعَ الْأَسْدِيَّةُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُوَطَّأِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى، وَهُوَ خَطَأٌ وَجَهْلٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ تَيْمِيَّةٌ أُخْتُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَحَدِ الْعَشَرَةِ التَّيْمِيِّ (كَانَتْ تَحْتَ رُشَيْدٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ (الثَّقَفِيِّ) الطَّائِفِيِّ ثُمَّ الْمَدَنِيِّ مُخَضْرَمٌ (فَطَلَّقَهَا فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا) رَجُلًا غَيْرَ مُطَلِّقِهَا (فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالْقَافِ، هَكَذَا ضُبِطَ بِالْقَلَمِ فِي نُسَخٍ قَدِيمَةٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الدِّرَّةُ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا، وَفِي الْقَامُوسِ كَمِكْنَسَةٍ أَيْ بِوَزْنِهَا فَوَافَقَ الضَّبْطَ الْمَذْكُورَ (ضَرَبَاتٍ) تَعْزِيرًا لَهُمَا عَلَى الْعَقْدِ فِي الْعِدَّةِ (وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ

ص: 219

الْخَطَّابِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا) فِي الْعِدَّةِ (لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ كَانَ الْآخَرُ) بَعْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ (خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ) لَهَا فَتَنْكِحُ مَنْ شَاءَتْ وَلَا يَكُونُ الْآخَرُ أَحَقَّ بِهَا (فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا) الْآخَرُ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنَ الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنَ الْآخِرِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ (ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا) لِتَأَبُّدِ التَّحْرِيمِ بِالْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ (قَالَ مَالِكٌ: وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا) مِنَ الْوَطْءِ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَعْتَدُّ) وَكَأَنَّهُ قَيَّدَ بِالْحُرَّةِ وَإِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ كَذَلِكَ (لِقَوْلِهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) إِذِ الْأَمَةُ عِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسٌ أَوْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَالْمُرَادُ الْمُعْتَدَّةُ (إِنَّهَا لَا تَنْكِحُ بَعْدَهَا إِنِ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ إِذَا خَافَتِ الْحَمْلَ) إِذْ عِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 220

[بَاب نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهَا أَمَةً فَكَرِهَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

12 -

بَابُ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ.

1139 -

1117 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهَا أَمَةً، فَكَرِهَا أَنْ

ص: 220

يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا) وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: تُخَيَّرُ الْحُرَّةُ فِي نَفْسِهَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إِذَا كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ مَنَاكِحِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الْإِمَامُ بَعْدُ قَرِيبًا.

ص: 221

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ الْحُرَّةُ فَإِنْ طَاعَتْ الْحُرَّةُ فَلَهَا الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ.

قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي لِحُرٍّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَهُوَ يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَلَا يَتَزَوَّجَ أَمَةً إِذَا لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ إِلَّا أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وَقَالَ {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] قَالَ مَالِكٌ وَالْعَنَتُ هُوَ الزِّنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1139 -

1118 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) الْقُرَشِيِّ (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ الْحُرَّةُ فَإِنْ طَاعَتِ الْحُرَّةُ فَلَهَا الثُّلُثَانِ مِنَ الْقَسْمِ) وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ: وَإِلَيْهِ رَجَعَ مَالِكٌ، وَالْمَشْهُورُ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُفَضَّلَ الْحُرَّةُ عَلَيْهَا فِي الْقَسْمِ (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لِحُرٍّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَهُوَ يَجِدُ طَوْلًا) غِنًى أَيْ مَهْرًا (لِحُرَّةٍ وَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً إِذَا لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ إِلَّا أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ) الزِّنَى، وَفَحْوَى كَلَامِهِ هُنَا أَنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْمَالُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَزَادَ: وَلَيْسَ وُجُودُ الْحُرَّةِ تَحْتَهُ بِطَوْلٍ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ هُوَ وُجُودُ الْحُرَّةِ فِي عِصْمَتِهِ، وَوَجَّهَ الْبَاجِيُّ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِالْمَالِ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ نِكَاحِ الْحَرَائِرِ، وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَلَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى ذَلِكَ وَلَا يُسَمَّى طَوْلًا لُغَةً وَلَا شَرْعًا.

(وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] الْحَرَائِرَ (الْمُؤْمِنَاتِ) هُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ إِرْقَاقُ الْوَلَدِ فِي الْإِمَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي حَرَائِرِ الْكِتَابِيَّاتِ، وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ، وَطَرَدَ أَصْلَهُ، فَأَجَازَ نِكَاحَ الِابْنِ أَمَةَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأُمَّهَاتِهِ، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمُ اشْتِرَاطَهُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ إِجْمَاعٌ كَمَا قِيلَ أُلْغِيَ الْوَصْفُ بِالْمُؤْمِنَاتِ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ هُنَا بُنِيَ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ. انْتَهَى.

وَدَلِيلُ الْغَايَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5][سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 5]{فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] تَنْكِحُ {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] لَا الْكَافِرَاتِ

ص: 221

فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ بِالنِّكَاحِ بَلْ بِالْمِلْكِ.

(وَقَالَ: ذَلِكَ) أَيْ نِكَاحُ الْمَمْلُوكَاتِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّوْلِ {لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] أَيْ خَافَهُ (وَالْعَنَتُ هُوَ الزِّنَى) وَأَصْلُهُ الْمَشَقَّةُ سُمِّيَ بِهِ الزِّنَى لِأَنَّهُ سَبَبُهُ بِالْحَدِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ.

ص: 222

[بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ فَفَارَقَهَا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ ثَلَاثًا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

13 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ فَفَارَقَهَا

1140 -

1119 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا فَقِيلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُسْتَرَ اسْمُهُ وَيُكَنَّى عَنْهُ، وَقِيلَ هُوَ أَبُو الزِّنَادِ وَهُوَ أَبْعَدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ زَيْدٍ وَلَا رَآهُ وَلَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَقِيلَ: هُوَ طَاوُسٌ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَإِنَّمَا كُتِمَ اسْمُهُ مَعَ جَلَالَتِهِ لِأَنَّ طَاوُسًا كَانَ يَطْعَنُ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَيَدْعُو عَلَيْهِمْ فِي مَجَالِسِهِ، وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَيَقْبَلُ جَوَائِزَهُمْ، وَقَدْ سُئِلَ مَرَّةً فِي مَجْلِسِ هِشَامٍ أَتَرْوِي عَنْ طَاوُسٍ؟ فَقَالَ لِلسَّائِلِ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ طَاوُسًا لَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ وَلَمْ يُجِبْهُ بِأَنَّهُ يَرْوِي أَوْ لَا يَرْوِي، فَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورَ هُوَ طَاوُسٌ. انْتَهَى.

(أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ) امْرَأَتَهُ (ثَلَاثًا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا: إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَعَلَى هَذَا الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ خِلَافًا لِقَوْلِ بَعْضِ السَّلَفِ: تَحِلُّ لِعُمُومِ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3][سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 3] قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهَا لَا تُبِيحُ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ فَكَذَا سَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ.

ص: 222

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ عَبْدًا لَهُ جَارِيَةً فَطَلَّقَهَا الْعَبْدُ الْبَتَّةَ ثُمَّ وَهَبَهَا سَيِّدُهَا لَهُ فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَقَالَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1140 -

1120 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ

ص: 222

عَبْدًا لَهُ جَارِيَةً لَهُ فَطَلَّقَهَا الْعَبْدُ أَلْبَتَّةَ) أَيْ جَمِيعَ طَلَاقِهِ وَهُوَ اثْنَتَانِ (ثُمَّ وَهَبَهَا سَيِّدُهَا لَهُ هَلْ تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ؟ فَقَالَا: لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) لِدُخُولِهَا فِي الْآيَةِ فَوَافَقَا زَيْدًا عَلَى فَتْوَاهُ.

ص: 223

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ فَاشْتَرَاهَا وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَقَالَ تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَبُتَّ طَلَاقَهَا فَإِنْ بَتَّ طَلَاقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.

قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْأَمَةَ فَتَلِدُ مِنْهُ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا إِنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِذَلِكَ الْوَلَدِ الَّذِي وَلَدَتْ مِنْهُ وَهِيَ لِغَيْرِهِ حَتَّى تَلِدَ مِنْهُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ ابْتِيَاعِهِ إِيَّاهَا قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ ثُمَّ وَضَعَتْ عِنْدَهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِذَلِكَ الْحَمْلِ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1142 -

1121 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ) لِغَيْرِهِ (فَاشْتَرَاهَا) مِنْهُ (وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَقَالَ: تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ) وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ (مَا لَمْ يَبُتَّ) بِضَمِّ الْبَاءِ (طَلَاقَهَا فَإِنْ بَتَّ طَلَاقَهَا) أَتَمَّهُ ثَلَاثًا (فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) لِلْآيَةِ إِذْ لَمْ يَفْصِلْ فِيهَا بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْأُمَّةَ فَتَلِدُ مِنْهُ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا: إِنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِذَلِكَ الْوَلَدِ الَّذِي وَلَدَتْ مِنْهُ وَهِيَ) مَمْلُوكَةٌ (لِغَيْرِهِ) إِذِ الْوَلَدُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ أَمَةٌ وَلَدَتْ مِنْ مَالِكِهَا فَحَمْلُهَا مِنْهُ حُرٌّ وَيَسْتَمِرُّ عَدَمُ أُمُومَةِ الْوَلَدِ (حَتَّى تَلِدَ مِنْهُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ ابْتِيَاعِهِ إِيَّاهَا) فَتَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ (وَإِنِ اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَضَعَتْ عِنْدَهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِذَلِكَ الْحَمْلِ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ) بِالْحُكْمِ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ مَلَكَهَا حَامِلًا حَتَّى تَحْمِلَ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إِذَا مَلَكَهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَزَيَّفَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ وَلَدَهَا عَبْدٌ تَبَعٌ لَهَا فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ؟ قَالَ: وَهَذَا وَاضِحٌ.

ص: 223

[بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إِصَابَةِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ تُوطَأُ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى فَقَالَ عُمَرُ مَا أُحِبُّ أَنْ أَخْبُرَهُمَا جَمِيعًا وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

14 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إِصَابَةِ أُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا

كَرَاهِيَةٌ بِخِفَّةِ الْيَاءِ مَصْدَرُ كَرِهَ مِثْلُ كَرَاهَةٍ وَالْمُرَادُ التَّحْرِيمُ، وَ " الْمَرْأَةِ " بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى " إِصَابَةِ "، وَبَدَأَ بِمَا أَخَّرَهُ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ: 1143 1122 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (ابْنِ مَسْعُودٍ) الْهُذَلِيِّ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الثَّبَتِ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ الْهُذَلِيِّ ابْنِ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَاتَ بَعْدَ السَّبْعِينَ.

(أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينَ تُوطَأُ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى) مَا الْحُكْمُ؟ (فَقَالَ عُمَرُ: مَا أُحِبَّ أَنْ أَخْبُرَهُمَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ: أَطَأَهُمَا، يُقَالُ لِلْحَرَّاثِ خَبِيرٌ، وَمِنْهُ الْمُخَابَرَةُ (جَمِيعًا وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) نَهْيَ تَحْرِيمٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَلَمْ أَكُنْ لِأَفْعَلَهُ وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ تَبَعٌ لَهُ إِلَّا فِي الْعَدَدِ.

ص: 224

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنْ الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ عُثْمَانُ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَصْنَعَ ذَلِكَ قَالَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ كَانَ لِي مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْتُ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَجَعَلْتُهُ نَكَالًا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أُرَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1144 -

1123 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنِ ذُؤَيْبٍ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرًا، الْخُزَاعِيُّ (أَنَّ رَجُلًا) لَمْ يُسَمَّ (سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنِ الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُرِيدُ

ص: 224

قَوْلُهُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ أُخْتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج: 29 - 30](سُورَةُ الْمَعَارِجِ: الْآيَةُ 30) قِيلَ: وَهَذَا أَقْرَبُ، وَلَوْ أَرَادَ مَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَقَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَتَانِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُرِيدُ تَحْلِيلَ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ، انْتَهَى. فَحَمَلَ " آيَةً " عَلَى الْجِنْسِ، وَبِهِ يُجَابُ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ (وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ) يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) بِلَا خِلَافٍ، وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لِسَائِلِهِ اخْتِلَافَ الْآيَتَيْنِ أَخْبَرَهُ بِمَا اخْتَارَهُ بِقَوْلِهِ:(فَأَمَّا أَنَا فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَصْنَعَ ذَلِكَ) الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْوَطْءِ ; إِمَّا احْتِيَاطًا لِتَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ، وَإِمَّا عَلَى الْوُجُوبِ تَقْدِيمًا لِلْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ. (قَالَ) قَبِيصَةُ (فَخَرَجَ) الرَّجُلُ السَّائِلُ مِنْ عِنْدِهِ (فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَقْطَعْ بِالتَّحْرِيمِ وَلَا الْحِلِّ (فَقَالَ: لَوْ كَانَ لِي مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْتُ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَجَعَلْتُهُ نَكَالًا) عِبْرَةً مَانِعَةً لِغَيْرِهِ مِنِ ارْتِكَابِ مِثْلِ مَا فَعَلَ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: النَّكَالُ الْعُقُوبَةُ الَّتِي تَنْكِلُ النَّاسَ عَنْ فِعْلِ مَا جُعِلَتْ لَهُ جَزَاءً، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ يَقُلْ حَدَدْتُهُ حَدَّ الزِّنَى ; لِأَنَّ الْمُتَأَوِّلَ لَيْسَ بِزَانٍ إِجْمَاعًا وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَّا مَا لَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ، وَهَذَا شُبْهَتُهُ قَوِيَّةٌ وَهِيَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أُرَاهُ) أَظُنُّ الصَّحَابِيَّ الْقَائِلَ هَذَا (عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) وَكَنَّى عَنْهُ قَبِيصَةُ لِصُحْبَتِهِ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، وَبَنُو أُمَيَّةَ تَسْتَثْقِلُ سَمَاعَ ذِكْرِ عَلِيٍّ لَا سِيَّمَا مَا خَالَفَ فِيهِ عُثْمَانَ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَجُمْهُورُ السَّلَفِ عَلَى الْمَنْعِ وَأَبَاحَهُ بَعْضُهُمْ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ: أَيُّ الْعُمُومَيْنِ يُقَدَّمُ؟ وَأَيُّ الْآيَتَيْنِ أَوْلَى أَنْ تَخُصَّ بِهَا الْأُخْرَى؟ وَالْأَصَحُّ التَّخْصِيصُ بِآيَةِ النِّسَاءِ ; لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي تَعْيِينِ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَفْصِيلِهِنَّ، وَأَخْذُ الْأَحْكَامِ مِنْ مَظَانِّهَا أَوْلَى مِنْ أَخْذِهَا لَا مِنْ مَظَانِّهَا، فَهِيَ أَوْلَى مِنَ الْآيَةِ الْوَارِدَةِ فِي مَدْحِ قَوْمٍ حَفِظُوا فُرُوجَهُمْ إِلَّا عَمَّا أُبِيحَ لَهُمْ، وَلِأَنَّ آيَةَ مِلْكِ الْيَمِينِ دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ بِاتِّفَاقٍ، إِذْ لَا يُبَاحُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ذَوَاتُ مَحَارِمِهِ اللَّائِي يَصِحُّ لَهُ مِلْكُهُنَّ وَلَا الْأُخْتُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَمَّا آيَةُ التَّحْرِيمِ فَدُخُولُ التَّخْصِيصِ فِيهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ ; لِأَنَّهَا عِنْدَنَا عَلَى عُمُومِهَا وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ مُخَصَّصَةٌ، وَتَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دَخَلَهُ ; لِأَنَّ الْعَامَّ إِذَا خُصِّصَ ضَعُفَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا الْخِلَافُ كَانَ مِنْ بَعْضِ السَّلَفِ ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ بَعْدَهُ عَلَى الْمَنْعِ إِلَّا طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا.

ص: 225

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيُصِيبُهَا ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ أُخْتَهَا إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَيْهِ فَرْجَ أُخْتِهَا بِنِكَاحٍ أَوْ عِتَاقَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يُزَوِّجُهَا عَبْدَهُ أَوْ غَيْرَ عَبْدِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1144 -

1124

ص: 225

- (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مِثْلُ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ عَلِيٌّ (قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيُصِيبُهَا) يُجَامِعُهَا (ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ أُخْتَهَا: إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُحَرَّمَ عَلَيْهِ فَرْجُ أُخْتِهَا بِنِكَاحٍ) بِأَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ عَتَاقَةٍ) نَاجِزَةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ (أَوْ كِتَابَةٍ) لِحُرْمَةِ فَرْجِهَا عَلَيْهِ بِهَا ; لِأَنَّهَا أَحْرَزَتْ نَفْسَهَا وَمَالَهَا بِالْكِتَابَةِ (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) كَأَسْرٍ وَإِبَاقِ إِيَاسٍ وَبَيْعٍ (يُزَوِّجُهَا عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ) أَوْ حُرًّا بِشَرْطِهِ، وَهَذَا إِيضَاحٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا بِنِكَاحٍ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ إِذَا زَوَّجَهَا عَبْدَهُ لَا تَحِلُّ أُخْتُهَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِ لَهَا.

ص: 226

[بَاب النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ أَمَةً كَانَتْ لِأَبِيهِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهَبَ لِابْنِهِ جَارِيَةً فَقَالَ لَا تَمَسَّهَا فَإِنِّي قَدْ كَشَفْتُهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

15 -

بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ أَمَةً كَانَتْ لِأَبِيهِ

1146 -

1125 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهَبَ لِابْنِهِ جَارِيَةً، فَقَالَ: لَا تَمَسَّهَا فَإِنِّي قَدْ كَشَفْتُهَا) قَالَ الْبَاجِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى بَعْضِ مَا تَسْتُرُهُ مِنْ جَسَدِهَا عَلَى وَجْهِ طَلَبِ التَّلَذُّذِ وَالِاسْتِمْتَاعِ، فَأَبْدَى الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْكَشْفُ، فَلَوْ كَانَ الْمِلْكُ كَافِيًا كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذَلِكَ.

ص: 226

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ أَنَّهُ قَالَ وَهَبَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِابْنِهِ جَارِيَةً فَقَالَ لَا تَقْرَبْهَا فَإِنِّي قَدْ أَرَدْتُهَا فَلَمْ أَنْشَطْ إِلَيْهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1146 -

1126 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَلَاثَةٌ، ابْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (أَنَّهُ قَالَ: وَهَبَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِابْنِهِ جَارِيَةً فَقَالَ: لَا تَقْرَبْهَا فَإِنِّي قَدْ أَرَدْتُهَا) عَلَى الْجِمَاعِ (فَلَمْ أَنْشَطْ إِلَيْهَا) لَمْ

ص: 226

أُجَامِعْهَا بَعْدَ كَشْفِهَا.

ص: 227

110 -

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا نَهْشَلِ بْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِنِّي رَأَيْتُ جَارِيَةً لِي مُنْكَشِفًا عَنْهَا وَهِيَ فِي الْقَمَرِ فَجَلَسْتُ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ فَقَالَتْ إِنِّي حَائِضٌ فَقُمْتُ فَلَمْ أَقْرَبْهَا بَعْدُ أَفَأَهَبُهَا لِابْنِي يَطَؤُهَا فَنَهَاهُ الْقَاسِمُ عَنْ ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1147 -

1127 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا نَهْشَلٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَلَامٍ، ابْنَ الْأَسْوَدِ (قَالَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: إِنِّي رَأَيْتُ جَارِيَةً لِي مُنْكَشِفًا عَنْهَا) ثِيَابُهَا (وَهِيَ فِي الْقَمَرِ، فَجَلَسْتُ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ) بَيْنَ وِرْكَيْهَا لِأَنْكِحَهَا (فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقُمْتُ فَلَمْ أَقْرَبْهَا بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ (أَفَأَهَبُهَا لِابْنِي يَطَؤُهَا؟ فَنَهَاهُ الْقَاسِمُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ هِبَتِهَا لِلْوَطْءِ، أَمَّا الْهِبَةُ بِلَا وَطْءٍ فَيَجُوزُ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ وَسَالِمٌ.

ص: 227

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّهُ وَهَبَ لِصَاحِبٍ لَهُ جَارِيَةً ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ قَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَهَبَهَا لِابْنِي فَيَفْعَلُ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَمَرْوَانُ كَانَ أَوْرَعَ مِنْكَ وَهَبَ لِابْنِهِ جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ لَا تَقْرَبْهَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ سَاقَهَا مُنْكَشِفَةً

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1147 -

1128 - (مَالِكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، وَاسْمُهُ شِمْرٌ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، الشَّامِيُّ، يُكَنَّى أَبَا إِسْمَاعِيلَ، ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ) بْنِ الْحَكَمِ الْأُمَوِيِّ، أَحَدُ مُلُوكِ بَنِي أُمَيَّةَ (أَنَّهُ وَهَبَ لِصَاحِبٍ لَهُ جَارِيَةً، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ: قَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَهَبَهَا لِابْنِي فَيَفْعَلُ بِهَا كَذَا وَكَذَا) كِنَايَةً عَنْ جِمَاعِهَا (فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَمَرْوَانُ) بِفَتْحِ اللَّامِ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ، أَيْ وَاللَّهِ لَمَرْوَانُ، يَعْنِي أَبَاهُ (كَانَ أَوْرَعَ مِنْكَ، وَهَبَ لِابْنِهِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرِيدُ نَفْسَهُ أَوْ أَخَاهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ بَنِيهِ (جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ: لَا تَقْرَبْهَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ سَاقَهَا مُنْكَشِفَةً) فَالْتَذَذْتُ بِهَا.

ص: 227

[بَاب النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

قَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنْ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّاتِ وَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] فَهُنَّ الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ فِيمَا نُرَى نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَمْ يُحْلِلْ نِكَاحَ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمَةُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

16 -

بَابُ النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ

(قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: وَالْمُحْصَنَاتُ) الْحَرَائِرُ {مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ} [المائدة: 5] الْحَرَائِرُ {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابِ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] حِلٌّ لَكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ (فَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنَ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّاتِ) فَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ لَا الْمَجُوسُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ ; إِذْ لَا كِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ، وَكَذَا مَنْ تَمَسَّكَ بِصُحُفِ شِيثٍ وَإِدْرِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُدَ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ بِنَظْمٍ يُدْرَسُ وَيُتْلَى وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِمْ مَعَانِيهَا، أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَتَضَمَّنْ أَحْكَامًا وَشَرَائِعَ بَلْ كَانَتْ حِكَمًا وَمَوَاعِظَ. (وَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء: 25] غِنًى {أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] الْحَرَائِرَ (الْمُؤْمِنَاتِ) أَوِ الْكِتَابِيَّاتِ، بِدَلِيلِ:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَالْوَصْفُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] تُنْكَحُ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ فَهُنَّ أَيِ الْفَتَيَاتُ (الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ، فَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ فِيمَا نَرَى نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ) لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا، وَخَافَ الْعَنَتَ (وَلَمْ يُحْلِلْ) بِالْفَكِّ، وَفِي نُسْخَةٍ: يَحِلَّ، بِالْإِدْغَامِ (نِكَاحَ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ) وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ وَالظُّهُورِ، وَكَذَا يَحْرُمُ نِكَاحُ نِسَاءِ سَائِرِ الْكُفَّارِ الْحَرَائِرِ غَيْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَعَبَدَةِ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَصُوَرٍ وَنُجُومٍ وَمُعَطِّلَةٍ وَزَنَادِقَةٍ وَبَاطِنِيَّةٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْكِتَابِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ غَيْرَهَا اجْتَمَعَ فِيهِ نَقْصُ الْكُفْرِ فِي الْحَالِ وَفَسَادُ الدِّينِ فِي الْأَصْلِ، وَالْكِتَابِيَّةُ فِيهَا نَقْصٌ وَاحِدٌ وَهُوَ كُفْرُهَا فِي الْحَالِ. (وَالْأَمَةُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3](النِّسَاءِ: الْآيَةُ 3)

ص: 228

(وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ) لِلْقَاعِدَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ وَطْءُ حَرَائِرِهِمْ بِالنِّكَاحِ جَازَ وَطْءُ إِمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ، وَكُلُّ مَنْ مُنِعَ وَطْءُ حَرَائِرِهِمْ بِالنِّكَاحِ مُنِعَ وَطْءُ إِمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ.

ص: 229

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِحْصَانِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ {الْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: 24] هُنَّ أُولَاتُ الْأَزْوَاجِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

17 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِحْصَانِ

1149 -

1129 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ) تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24)(هُنَّ أُولَاتُ الْأَزْوَاجِ) لِأَنَّهُنَّ أَحْصَنَّ فُرُوجَهُنَّ بِالتَّزْوِيجِ (وَيَرْجِعُ) ذَلِكَ (إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الزِّنَى) وَكَذَا رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ:{إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) عِنْدَهُمْ تَمْلِكُونَ عِصْمَتَهُمْ بِالنِّكَاحِ وَبِالشِّرَاءِ، أَيْ بِجَعْلِ " إِلَّا " لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ فَكَأَنَّهُنَّ كُلُّهُنَّ مِلْكُ يَمِينٍ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ زِنًى، وَاقْتَصَرَتْ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ السَّبَايَا ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ خَاصَّةً، فَقَوْلُهُ:{إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) يَعْنِي مِنْهُنَّ لِهَدْمِ السَّبْيِ النِّكَاحَ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعُ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَالْحَقُّ، وَقِيلَ: الْمُحْصَنَاتُ كُلُّ ذَاتِ زَوْجٍ مِنَ السَّبَايَا وَغَيْرِهِمْ، فَإِذَا بِيعَتْ أَمَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ كَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا وَحَلَّتْ لِمُشْتَرِيهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَيَرُدُّهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ بَرِيرَةَ بَعْدَمَا بِيعَتْ وَعَتَقَتْ، فَلَوْ كَانَ بَيْعُهَا طَلَاقَهَا مَا خَيَّرَهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ مُلَخَّصًا.

ص: 229

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَبَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ إِذَا نَكَحَ الْحُرُّ الْأَمَةَ فَمَسَّهَا فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ تُحْصِنُ الْأَمَةُ الْحُرَّ إِحُرَّ الْمُسْلِمَ إِذَا نَكَحَ إِحْدَاهُنَّ فَأَصَابَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1150 -

1130 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) سَمَاعًا (وَبَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: إِذَا نَكَحَ الْحُرُّ الْأَمَةَ فَمَسَّهَا فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ) وَلَا يُحْصِنُهَا.

ص: 229

(قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاسِمُ وَهُوَ (تُحَصِّنُ الْأَمَةُ الْحُرَّ إِذَا نَكَحَهَا فَمَسَّهَا) أَصَابَهَا (فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ) فَهُوَ إِيضَاحٌ لِمَا أَفَادَهُ اسْمُ الْإِشَارَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: يُحَصِّنُ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ إِذَا مَسَّهَا بِنِكَاحٍ وَلَا تُحَصِّنُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ (الْحُرَّةُ الْعَبْدَ إِلَّا أَنْ يُعْتَقَ) أَيْ يَعْتِقَهُ سَيِّدُهُ (وَهُوَ زَوْجُهَا فَيَمَسَّهَا بَعْدَ عِتْقِهِ، فَإِنْ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ حَتَّى يَتَزَوَّجَ بَعْدَ عِتْقِهِ وَيَمَسَّ امْرَأَتَهُ) الَّتِي تَزَوَّجَهَا حُرَّةً أَوْ أَمَةً (وَالْأَمَةُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ تَعْتِقَ فَلَا يُحَصِّنُهَا نِكَاحُهُ إِيَّاهَا وَهِيَ أَمَةٌ حَتَّى تُنْكَحَ بَعْدَ عِتْقِهَا وَيُصِيبَهَا زَوْجُهَا، فَذَلِكَ إِحْصَانُهَا) فَالْأَمَةُ تُحَصِّنُ الْحُرَّ وَلَا يُحَصِّنُهَا، وَزَادَهُ إِيضَاحًا فَقَالَ:(وَالْأَمَةُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ فَتَعْتِقُ وَهِيَ تَحْتَهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا أَنَّهُ يُحَصِّنُهَا إِذَا عَتَقَتْ وَهِيَ عِنْدَهُ إِذَا هُوَ أَصَابَهَا بَعْدَ أَنْ تَعْتِقَ) فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا بَعْدَهُ لَمْ تَتَحَصَّنْ بِنِكَاحِهِ وَهِيَ رَقِيقَةٌ. (وَالْحُرَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ يُحْصِنَّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ (الْحُرَّ الْمُسْلِمَ) بِالنَّصْبِ، مَفْعُولٌ (إِذَا نَكَحَ إِحْدَاهُنَّ) فَاعِلٌ، أَيْ نِكَاحَ إِحْدَاهُنَّ (فَأَصَابَهَا) جَامَعَهَا، فَيُحَصِّنُهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ وَالْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَلَا يُحَصِّنُ هُوَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، فَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَتُحَصِّنُ الْأَمَةُ الْحُرَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: عَمَّنْ؟ قَالَ: أَدْرَكْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ ذَلِكَ.

ص: 230

[بَاب نِكَاحِ الْمُتْعَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

18 -

بَابُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ

هُوَ النِّكَاحُ لِأَجَلٍ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ: كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهَا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ أَحْكَمَ اللَّهُ الدِّينَ وَنَهَى عَنْهَا، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1151 -

1131 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَوِيِّ أَبِي هَاشِمٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، ثِقَةٌ، مِنْ رِجَالِ الْكُلِّ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ بِالشَّامِ. (وَالْحَسَنِ، ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْهَاشِمِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ، ثِقَةٌ، فَقِيهٌ، يَقُولُ الْمَدَنِيُّ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْإِرْجَاءِ. مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ أَوْ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ (عَنْ أَبِيهِمَا) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي الْقَاسِمِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ الْهَاشِمِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، عَالِمٌ، تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، مَاتَ بَعْدَ الثَّمَانِينَ (عَنْ) أَبِيهِ (عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، زَادَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ لِفُلَانٍ - يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ -: إِنَّكَ رَجُلٌ تَايِهٌ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ» ) وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَهِيَ النِّكَاحُ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا مُجَرَّدُ التَّمَتُّعِ دُونَ التَّوَالُدِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَغْرَاضِ النِّكَاحِ. وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُلِينُ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَقَالَ: مَهْلًا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا (يَوْمَ خَيْبَرَ) هَكَذَا اتَّفَقَ مَالِكٌ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَلَى خَيْبَرَ، بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ آخِرِهِ، إِلَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: حُنَيْنٍ، بِمُهْمَلَةٍ وَنُونَيْنِ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَا: إِنَّهُ وَهْمٌ تَفَرَّدَ بِهِ الْقَطَّانُ. (وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) قَالَ عِيَاضٌ: رَوَاهُ الْأَكْثَرُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَالْإِنْسُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: النَّاسُ، وَلَا خِلَافَ فِي الْأَخْذِ بِالنَّهْيِ عَنْ أَكْلِهَا إِلَّا شَيْءٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَبَعْضِ السَّلَفِ، وَفِي أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ أَوِ الْكَرَاهَةِ قَوْلَانِ لِمَالِكٍ، وَفِي أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهَا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قُسِّمَتْ أَوْ خَوْفُ فَنَاءِ الظَّهْرِ أَوْ لِأَنَّهَا كَانَتْ جَلَّالَةً رِوَايَاتٌ، وَقِيلَ: هُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ لِغَيْرِ عِلَّةٍ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ عَنْ مَالِكٍ تَحْرِيمُهَا، وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَالْمُتَحَصَّلُ

ص: 231

مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ أَوَّلَهَا خَيْبَرُ، ثُمَّ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مُرْسَلًا، وَمَرَاسِيلُهُ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، ثُمَّ الْفَتْحُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ:" «إِنَّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ". ثُمَّ أَوْطَاسٌ كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ بِلَفْظِ: " «رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ أَوْطَاسٍ فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ نَهَى عَنْهَا» ". وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى عَامِ الْفَتْحِ عَامَ أَوْطَاسٍ لِتَقَارُبِهِمَا، لَكِنْ يَبْعُدُ أَنْ يَقَعَ الْإِذْنُ فِي أَوْطَاسٍ بَعْدَ التَّصْرِيحِ قَبْلَهَا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهَا حُرِّمَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ تَبُوكُ فِيمَا أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْمُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمُ اسْتَمْتَعُوا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ كَانَ النَّهْيُ قَدِيمًا فَلَمْ يَبْلُغْ بَعْضَهُمْ فَاسْتَمَرَّ عَلَى الرُّخْصَةِ، وَلِذَلِكَ قَرَنَ صلى الله عليه وسلم النَّهْيَ بِالْغَضَبِ كَمَا رَوَاهُ الْحَازِمِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ; لِتَقَدُّمِ النَّهْيِ عَنْهُ. ثُمَّ حَجَّةُ الْوَدَاعِ كَمَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، لَكِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الرَّبِيعِ ابْنِ سَبْرَةَ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ بِأَنَّهَا فِي الْفَتْحِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، فَإِنْ كَانَ فَلَيْسَ فِي سِيَاقِ أَبِي دَاوُدَ سِوَى مُجَرَّدِ النَّهْيِ، فَلَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ إِعَادَةَ النَّهْيِ لِيَسْمَعَهُ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ قَبْلُ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّهُمْ حَجُّوا بِنِسَائِهِمْ بَعْدَ أَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِفَتْحِ خَيْبَرَ بِالْمَالِ وَالسَّبْيِ، فَلَمْ يَكُونُوا فِي شِدَّةٍ وَلَا طُولِ غُرْبَةٍ. قَالَ عِيَاضٌ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِنَّمَا هُوَ تَجْدِيدُ النَّهْيِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَلِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَلِإِتْمَامِ الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ كَمَا قَرَّرَ غَيْرَ شَيْءٍ يَوْمَئِذٍ اهـ.

فَلَمْ يَبْقَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ سِوَى خَيْبَرَ وَالْفَتْحِ، مَعَ مَا وَقَعَ فِي خَيْبَرَ مِنَ الْكَلَامِ حَتَّى زَعَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ ذِكْرَ النَّهْيِ يَوْمَ خَيْبَرَ غَلَطٌ، وَالسُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَلَا رُوَاةِ الْأَثَرِ، فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ فِي لَفْظِ الزُّهْرِيِّ اهـ.

أَيْ فَيَكُونُ نَهْيُ يَوْمِ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ وَعَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، فَلَيْسَ يَوْمُ خَيْبَرَ ظَرْفًا لِمُتْعَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي غَزْوَتِهَا تَمَتُّعٌ بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَسْتَمْتِعُوا بِالْيَهُودِيَّاتِ، وَهَذَا نَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَقَالَ إِنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: إِنَّ تَارِيخَ خَيْبَرَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ إِنَّمَا هُوَ فِي النَّهْيِ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ يُشْبِهُ أَنَّهُ كَمَا قَالَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ نَهَى عَنْهُ، فَيَكُونُ احْتِجَاجٌ بِنَهْيِهِ آخِرًا حَتَّى تَقُومَ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتُعُقِّبَ هَذَا كُلُّهُ بِأَنَّهُ بَعْدَ اتِّفَاقِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُمْ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ، وَلِذَا قَالَ عِيَاضٌ: تَحْرِيمُهَا يَوْمَ خَيْبَرَ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُتْعَةَ مِمَّا تَنَاوَلَهَا الْإِبَاحَةُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّسْخُ مَرَّتَيْنِ كَمَا اتَّفَقَ فِي الْقِبْلَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ كَانَا مَرَّتَيْنِ، فَكَانَتْ حَلَالًا قَبْلَ خَيْبَرَ ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ، ثُمَّ أُبِيحَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ يَوْمُ أَوْطَاسٍ لِاتِّصَالِهَا بِهَا ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا إِلَى يَوْمِ

ص: 232

الْقِيَامَةِ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ مِنْ غَرَائِبِ الشَّرِيعَةِ، أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ، فَالْإِبَاحَةُ الْأُولَى أَنَّ اللَّهَ سَكَتَ عَنْهُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَجَرَى النَّاسُ فِي فِعْلِهِ عَلَى عَادَتِهِمْ، ثُمَّ حُرِّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ، ثُمَّ أُبِيحَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَأَوْطَاسٍ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ حُرِّمَتْ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى حَدِيثِ سَبْرَةَ اهـ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهَا. وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ:" «اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ". زَادَ فِي رِوَايَةٍ: حَتَّى نَهَى عُمَرُ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي اسْتَمْتَعَ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيَ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا الرَّوَافِضُ، قَالَ الْمَازَرِيُّ: مُحْتَجِّينَ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} [النساء: 24](النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) الْآيَةَ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ) ، وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ نُسِخَتْ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النِّكَاحِ الْمُؤَبَّدِ، وَقِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ تَتَوَاتَرْ، وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِالْآحَادِ، وَاحْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ تَنَاقُضٌ يُوجِبُ الْقَدْحَ فِي الْحَدِيثِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَنْهَى عَنِ الشَّيْءِ فِي زَمَانٍ ثُمَّ يُكَرِّرُ النَّهْيَ عَنْهُ فِي زَمَنٍ آخَرَ تَأْكِيدًا، وَتُعُقِّبَ قَوْلُهُ:(يُخَالِفُ إِلَّا الرَّوَافِضُ) ، بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْجَوَازُ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَمُعَاوِيَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمْرِو بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَسَلَمَةَ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ إِلَى آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ، وَالْإِجْمَاعُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا بَعْدُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى التَّحْرِيمِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ يَرَوْنَهُ حَلَالًا، وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْخِلَافِ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ أَوْ لَا يَرْفَعُهُ وَيَكُونُ الْخِلَافُ بَاقِيًا؟ وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَكَحَ مُتْعَةً هَلْ يُحَدُّ أَوْ لَا؟ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ وَلِلْخِلَافِ الْمُتَقَرَّرِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَحْرِيمِ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّهُ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الْآنَ فَسْخٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ إِلَّا زُفَرَ فَقَالَ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ إِذَا قَارَنَتِ النِّكَاحَ بَطَلَتْ وَمَضَى النِّكَاحُ عَلَى التَّأْبِيدِ.

وَفِي الِاسْتِذْكَارِ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ نَسْخُ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} [النساء: 24] الْآيَةَ. بِالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْمِيرَاثِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفْعَهُ مِثْلَهُ. وَفِي تَأْوِيلِهَا قَوْلٌ ثَانٍ لِجَمْعٍ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَنَّ الْمُتْعَةَ النِّكَاحُ الْحَلَالُ، فَإِذَا عَقَدَ وَطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَدِ اسْتَمْتَعَ بِالْعَقْدِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِنْ دَخَلَ فَلَهَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ لِاسْتِمْتَاعِهِ الْمُتْعَةَ الْكَامِلَةَ، وَقَوْلُهُ {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ} [النساء: 24] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) مَعْنَاهُ أَنْ تَتْرُكَ الْمَرْأَةُ وَيُتْرَكَ لَهَا كَقَوْلِهِ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ} [النساء: 4](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 4) وَ {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 237) . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي

ص: 233

الْمَغَازِي عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَالْمُهْمَلَةِ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَيُونُسُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ نَحْوَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ شَيْخُهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ.

ص: 234

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ إِنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ هَذِهِ الْمُتْعَةُ وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِيهَا لَرَجَمْتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1152 -

1132 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ) بْنِ أُمَيَّةَ السُّلَمِيَّةَ، يُقَالُ لَهَا أُمَّ شَرِيكٍ وَيُقَالُ لَهَا خُوَيْلَةَ أَيْضًا بِالتَّصْغِيرِ، صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ، يُقَالُ: إِنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ تَحْتَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ « (دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: إِنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ) بْنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ، أَخَا صَفْوَانَ، أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَشَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَرَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَقِفَ تَحْتَ صَدْرِ رَاحِلَتِهِ، وَقَالَ: يَا رَبِيعَةُ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ لَكُمْ أَيَّ بَلَدٍ هَذَا» . . . الْحَدِيثَ، فَذَكَرَهُ لِأَجْلِ هَذَا فِي الصَّحَابَةِ مَنْ لَمْ يُمْعِنِ النَّظَرَ كَالْبَغَوِيِّ وَأَصْحَابِهِ، مَعَ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ أَنَّ عُمَرَ غَرَّبَهُ فِي الْخَمْرِ إِلَى خَيْبَرَ، فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا. كَمَا بَسَطَهُ فِي الْإِصَابَةِ (اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ مُوَلِّدَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ) بَعْدَ نَهْيِكَ عَنِ الْمُتْعَةِ (فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَزَعًا) بِالْفَاءِ وَالزَّايِ (يَجُرُّ رِدَاءَهُ) مِنَ الْعَجَلَةِ (فَقَالَ: هَذِهِ الْمُتْعَةُ) الَّتِي ثَبَتَ نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا (وَلَوْ كُنْتَ تَقَدَّمْتَ) أَيْ سَبَقَتْ غَيْرِي (فِيهَا لَرَجَمْتُ) أَيْ لَرَجَمْتُهُ، أَوِ الْمُرَادُ لَرَجَمْتُ فَاعِلَهَا رَبِيعَةَ أَوْ غَيْرَهُ ; لِأَنَّ حَذْفَ الْمَفْعُولِ يُؤْذِنُ بِالْعُمُومِ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ وَقَعَتْ لِرَبِيعَةَ قَبْلَ تَنَصُّرِهِ كَمَا فِي الْإِصَابَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْخَبَرُ عَنْ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ مُنْقَطِعٌ، وَرُوِّينَاهُ مُتَّصِلًا، ثُمَّ أَسْنَدَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ تَقَدَّمْتُ فِيهَا لَرَجَمْتُ - يَعْنِي الْمُتْعَةَ -، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ قَبْلَ نَهْيِهِ عَنْهَا، وَهُوَ تَغْلِيظٌ لِيَرْتَدِعَ النَّاسُ وَيَنْزَجِرُوا عَنْ سُوءِ مَذْهَبِهِمْ وَقَبِيحِ تَأْوِيلَاتِهِمْ، وَاحْتِمَالٌ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى تَحْرِيمِهَا: لَرَجَمْتُ كَمَا يُرْجَمُ الزَّانِي، ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَلَى مَنْ وَطِئَ حَرَامًا لَمْ، يَتَأَوَّلْ فِيهِ سُنَّةً وَلَا قُرْآنًا اهـ.

وَاخْتَلَفَ كِبَارُ أَصْحَابِ مَالِكٍ هَلْ يُحَدُّ حَدَّ الْبِكْرِ أَوِ الْمُحْصَنِ أَوْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ وَلِلْخِلَافِ الْمُتَقَرِّرِ فِيهَا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَحْرِيمِ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّهُ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مَالِكٍ، وَأَصْلُ هَذَا عِنْدَ بَعْضِ شُيُوخِنَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا حَرَّمَتْهُ السُّنَّةُ

ص: 234

وَبَيْنَ مَا حَرَّمَهُ الْقُرْآنُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ هَلْ يَصِحُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَ الْخِلَافِ أَمْ لَا يَنْعَقِدُ؟ وَحُكْمُ الْخِلَافِ بَاقٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَاقِلَانِيِّ، وَهَذَا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ رُجُوعِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهَا، فَأَمَّا عَلَى مَا رُوِيَ مِنْ رُجُوعِهِ فَقَدِ انْقَطَعَ الْخِلَافُ جُمْلَةً، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ نَكَحَ نِكَاحًا مُطْلَقًا وَنِيَّتُهُ أَنْ لَا يَمْكُثَ مَعَهَا إِلَّا مُدَّةً نَوَاهَا أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِنِكَاحِ مُتْعَةٍ، لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ هَذَا مِنَ الْجَمِيلِ وَلَا مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ، وَشَذَّ الْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَ: هُوَ نِكَاحُ مُتْعَةٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ، قَالَهُ عِيَاضٌ.

ص: 235

[بَاب نِكَاحِ الْعَبِيدِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ يَنْكِحُ الْعَبْدُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ.

قَالَ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ مُخَالِفٌ لِلْمُحَلِّلِ إِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ثَبَتَ نِكَاحُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَالْمُحَلِّلُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إِذَا أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ التَّحْلِيلُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إِذَا مَلَكَتْهُ امْرَأَتُهُ أَوْ الزَّوْجُ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ إِنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ يَكُونُ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَإِنْ تَرَاجَعَا بِنِكَاحٍ بَعْدُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا قَالَ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ إِذَا أَعْتَقَتْهُ امْرَأَتُهُ إِذَا مَلَكَتْهُ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ لَمْ يَتَرَاجَعَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

19 -

بَابُ نِكَاحِ الْعَبِيدِ

1153 -

1133 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ (أَرْبَعَ نِسْوَةٍ كَالْحُرِّ، قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسُنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 3) وَبِهِ قَالَ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَمُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ وَدَاوُدُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى اثْنَيْنِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ، وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى طَلَاقِهِ، وَيُحْتَمَلُ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَبْدِ هَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْخِطَابِ أَمْ لَا؟ وَبِالثَّانِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ الْحَكَمِ: أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَجْمَعُ مِنَ النِّسَاءِ أَرْبَعًا. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَبْدُ مُخَالِفٌ لِلْمُحَلِّلِ إِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ثَبَتَ نِكَاحُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فُرِّقَ بَيْنِهِمَا) وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ بِلَا إِذْنِهِ (وَالْمُحَلِّلُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إِذَا أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ التَّحْلِيلُ) مِنَ الزَّوْجِ الْمُحَلِّلِ.

ص: 235

- (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إِذَا مَلَكَتْهُ امْرَأَتُهُ) بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إِرْثٍ (أَوِ الزَّوْجُ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ) كَذَلِكَ (إِنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ يَكُونُ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ) وَثَمَرَةُ ذَلِكَ (إِنْ تَرَاجَعَا بِنِكَاحٍ بَعْدَهُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا) فَتَبْقَى مَعَهُ بِعِصْمَةٍ جَدِيدَةٍ. (وَالْعَبْدُ إِذَا أَعْتَقَتْهُ امْرَأَتُهُ إِذَا مَلَكَتْهُ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ لَمْ يَتَرَاجَعَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) لِوُجُودٍ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الْعِتْقِ.

ص: 236

[بَاب نِكَاحِ الْمُشْرِكِ إِذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ قَبْلَهُ]

حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ نِسَاءً كُنَّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْلِمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ مُهَاجِرَاتٍ وَأَزْوَاجُهُنَّ حِينَ أَسْلَمْنَ كُفَّارٌ مِنْهُنَّ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ الْإِسْلَامِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَ عَمِّهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ بِرِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَانًا لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَضِيَ أَمْرًا قَبِلَهُ وَإِلَّا سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرِدَائِهِ نَادَاهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذَا وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ جَاءَنِي بِرِدَائِكَ وَزَعَمَ أَنَّكَ دَعَوْتَنِي إِلَى الْقُدُومِ عَلَيْكَ فَإِنْ رَضِيتُ أَمْرًا قَبِلْتُهُ وَإِلَّا سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ لَكَ تَسِيرُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ فَأَرْسَلَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَسْتَعِيرُهُ أَدَاةً وَسِلَاحًا عِنْدَهُ فَقَالَ صَفْوَانُ أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا فَقَالَ بَلْ طَوْعًا فَأَعَارَهُ الْأَدَاةَ وَالسِّلَاحَ الَّذِي عِنْدَهُ ثُمَّ خَرَجَ صَفْوَانُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ كَافِرٌ فَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ وَامْرَأَتُهُ مُسْلِمَةٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

20 -

بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ إِذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ قَبْلَهُ

1154 -

1134 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُهُ يَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ، وَابْنُ شِهَابٍ إِمَامُ أَهْلِهَا، وَشُهْرَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ إِسْنَادِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (أَنَّ نِسَاءً كُنَّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ زَمَنِهِ (صلى الله عليه وسلم يُسْلِمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ مُهَاجِرَاتٍ وَأَزْوَاجُهُنَّ حِينَ أَسْلَمْنَ كُفَّارٌ مِنْهُنَّ) فَاخِتَةُ، بِفَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ وَفَوْقِيَّةٍ (بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ) الْمَخْزُومِيَّةُ، أُخْتُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ (وَكَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ) بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبٍ الْجُمَحِيِّ أَحَدُ الْفُصَحَاءِ وَالْمُطْعِمِينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَحَدُ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ شَرَفُ الْجَاهِلِيَّةِ وَوَصَلَهُ لَهُمُ الْإِسْلَامُ (فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ) وَبَايَعَتْ قَبْلَ إِسْلَامِ زَوْجِهَا بِشَهْرٍ، وَلَيْسَ لَهَا حَدِيثٌ. (وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنَ الْإِسْلَامِ) بُغْضًا فِيهِ حَتَّى هَدَاهُ اللَّهُ (فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَ عَمِّهِ) أَيْ صَفْوَانَ (وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، مُصَغَّرٌ، ابْنَ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ الْقُرَشِيَّ الْجُمَحِيَّ الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ، قَالَ ابْنُ

ص: 236

دُرَيْدٍ: كَانَ وَهْبٌ مِنْ أَحْفَظِ النَّاسِ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ: لَهُ قَلْبَانِ مِنْ شِدَّةِ حِفْظِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4](سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 4) فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أَقْبَلَ مُنْهَزِمًا وَنَعْلَاهُ وَاحِدَةٌ فِي يَدِهِ وَالْأُخْرَى فِي رِجْلِهِ، فَقَالُوا: مَا فَعَلَ النَّاسُ؟ قَالَ: هُزِمُوا، فَقَالُوا: فَأَيْنَ نَعْلَاكَ؟ قَالَ: فِي رِجْلِي، قَالُوا: فَمَا فِي يَدِكَ؟ فَقَالَ: مَا شَعَرْتُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَلْبَانِ ( «بِرِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَانًا لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَضِيَ أَمْرًا قَبِلَهُ وَإِلَّا سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ» ) أَنْظَرَهُ فِيهِمَا لِيَتَرَوَّى، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: الْمَعْرُوفُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ، أَيِ الْبَعْثَ بِالرِّدَاءِ وَالْأَمَانِ، كَانَتْ لِأَبِي وَهْبٍ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي (فَلَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرِدَائِهِ نَادَاهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ) جَهْرًا (فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذَا وَهْبَ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ (ابْنَ عُمَيْرٍ جَاءَنِي بِرِدَائِكَ، وَزَعَمَ أَنَّكَ دَعَوْتَنِي إِلَى الْقُدُومِ عَلَيْكَ فَإِنْ رَضِيتُ) بِضَمِّ التَّاءِ (أَمْرًا) أَيِ الْإِسْلَامَ (قَبِلْتَهُ وَإِلَّا سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ) كُنْيَةُ صَفْوَانَ، خَاطَبَهُ بِهَا تَعْظِيمًا وَاسْتِئْلَافًا مَعَ أَنَّ صَفْوَانَ خَاطَبَهُ بِاسْمِهِ فَأَغْضَى عَنْ ذَلِكَ:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4](سُورَةُ الْقَلَمِ: الْآيَةُ 4)(فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي) هَلْ خَبَرُ وَهْبٍ كَمَا قَالَ أَمْ لَا؟ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَلْ لَكَ تَسْيِيرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) فَزَادَهُ شَهْرَيْنِ عَلَى مَا بُعِثَ بِهِ إِلَيْهِ تَفَضُّلًا وَزِيَادَةً فِي الِاسْتِئْلَافِ (فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ (قِبَلَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، جِهَةَ (هَوَازِنَ) قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا عِدَّةُ بُطُونٍ يُنْسَبُونَ إِلَى هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ، بِمُعْجَمَةٍ فَمُهْمَلَةٍ فَفَاءٍ مَفْتُوحَاتٍ، ابْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ، بِمُهْمَلَةٍ، ابْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ (بِحُنَيْنٍ) وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ (فَأَرْسَلَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَسْتَعِيرُ) أَيْ مِنْهُ (أَدَاةً) كَتُرْسٍ وَخُودَةٍ (وَسِلَاحًا عِنْدَهُ فَقَالَ) صَفْوَانُ (أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا؟ فَقَالَ: بَلْ طَوْعًا) وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: " «أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: بَلْ عَارِيَةً، مَضْمُونَةً، حَتَّى نَرُدَّهَا إِلَيْكَ، فَقَالَ:

ص: 237

لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ» " (فَأَعَارَهُ الْأَدَاةَ وَالسِّلَاحَ الَّتِي عِنْدَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ: " فَأَعْطَى لَهُ مِائَةَ دِرْعٍ بِمَا فِيهَا مِنَ السِّلَاحِ فَسَأَلَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْفِيَهُمْ حَمْلَهَا فَحَمَلَهَا إِلَى أَوْطَاسٍ ". وَيُقَالُ: أَعَارَهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْعٍ بِمَا يُصْلِحُهَا فَإِنْ صَحَّ فَالْمِائَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْأَرْبَعِمِائَةِ. (ثُمَّ خَرَجَ صَفْوَانُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) وَفِي نُسْخَةٍ: ثُمَّ رَجَعَ (وَهُوَ كَافِرٌ فَشَهِدَ حُنِينًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ وَامْرَأَتُهُ مَسْلِمَةً، وَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ) فَاخِتَةَ (حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ) حِينَ أَعْطَاهُ مِنَ الْغَنَائِمِ فَأَكْثَرَ فَقَالَ: أَشْهَدُ مَا طَابَتْ بِهَذَا إِلَّا نَفْسُ نَبِيٍّ فَأَسْلَمَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ: "«وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ» ". (وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ) لِإِسْلَامِهِ فِي عِدَّتِهَا.

ص: 238

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إِسْلَامِ امْرَأَتِهِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرَيْنِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ إِلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إِلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1154 -

1135 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إِسْلَامِ امْرَأَتِهِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرَيْنِ) وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: وَرَدَّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةَ صَفْوَانَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَبَيْنَ هَذَا وَقَوْلِ الزُّهْرِيِّ بَوْنٌ كَبِيرٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ لِحَمْلٍ وَنَحْوِهِ. (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ) وَفِي نُسْخَةٍ: بِدَارِ الْحَرْبِ (إِلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إِلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) فَيُقِرُّ عَلَيْهَا.

ص: 238

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِالْيَمَنِ فَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَثَبَ إِلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتَّى بَايَعَهُ» فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ.

قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا إِذَا عُرِضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ فَلَمْ تُسْلِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1156 -

1136 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّةَ الصَّحَابِيَّةَ بِنْتَ الصَّحَابِيِّ (وَكَانَتْ تَحْتَ) ابْنِ عَمِّهَا (عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ) عَمْرِو بْنِ هِشَامِ

ص: 238

بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ (فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ) لِمَكَّةَ (وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ) وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ: " «وَاسْتَأْمَنَتْ أُمُّ حَكِيمٍ لِعِكْرِمَةَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّنَهُ» ". وَذَكَرَ مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: " «وَاسْتَأْذَنَتْهُ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِ زَوْجِهَا عِكْرِمَةَ فَأَذِنَ لَهَا وَأَمَّنَهُ» ". (فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ الْيَمَنَ) بِإِذْنِ الْمُصْطَفَى كَمَا تَرَى (فَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ) وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَاسْتُشْهِدَ بِالشَّامِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: " أَنَّ عِكْرِمَةَ لَمَّا رَكِبَ الْبَحْرَ أَصَابَهُمْ عَاصِفٌ فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ هَاهُنَا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يُنْجِنِي فِي الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ فَلَا يُنْجِينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إِنْ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ فَلْأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا ". وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَالْوَاقِدِيِّ عَنْ شُيُوخِهِ: " «أَنَّ امْرَأَتَهُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ ذَهَبَ عَنْكَ عِكْرِمَةُ إِلَى الْيَمَنِ وَخَافَ أَنْ تَقْتُلَهُ فَأَمِّنْهُ، قَالَ: هُوَ آمِنٌ، فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ فَأَدْرَكَتْهُ وَرَكِبَ سَفِينَةً وَنُوتِيٌّ يَقُولُ لَهُ: أَخْلِصْ أَخْلِصْ، قَالَ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: مَا هَرَبْتُ إِلَّا مِنْ هَذَا، وَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ حَتَّى النَّوَاتِيُّ، مَا الدِّينُ إِلَّا مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُ اللَّهِ مَا فِي قَلْبِي، وَجَاءَتْ أُمُّ حَكِيمٍ تَقُولُ: يَا ابْنَ عَمِّ جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَبَرِّ النَّاسِ وَأَوْصَلِ النَّاسِ خَيْرِ النَّاسِ لَا تُهْلِكْ نَفْسَكَ، إِنِّي قَدِ اسْتَأْمَنْتُ لَكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَجَعَ مَعَهَا وَجَعَلَ يَطْلُبُ جِمَاعَهَا فَتَأْبَى وَتَقُولُ: أَنْتَ كَافِرٌ وَأَنَا مُسْلِمَةٌ، فَقَالَ إِنَّ أَمْرًا مَنَعَكِ مِنِّي لَأَمْرٌ كَبِيرٌ، فَلَمَّا وَافَى مَكَّةَ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: يَأْتِيكُمْ عِكْرِمَةُ مُؤْمِنًا فَلَا تَسُبُّوا أَبَاهُ، فَإِنَّ سَبَّ الْمَيِّتِ يُؤْذِي الْحَيَّ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ جِمَاعَهَا وَأَبَتْ وَقَالَ مَا قَالَ دَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ» ". (وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ) لِمَكَّةَ (فَلَمَّا رَآهُ صلى الله عليه وسلم وَثَبَ) بِمُثَلَّثَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ، قَامَ بِسُرْعَةٍ (فَرَحًا) بِهِ، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا (وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ) لِاسْتِعْجَالِهِ بِالْقِيَامِ حِينَ رَآهُ (حَتَّى بَايَعَهُ) وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ:" «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ جِئْتُهُ: مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ» ". وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ: " «فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ مُنْتَقِبَةً فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ أَخْبَرَتْنِي أَنَّكَ أَمَّنْتَنِي، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَتْ فَأَنْتَ آمِنٌ: قَالَ: إِلَامَ تَدْعُو؟ قَالَ أَدْعُو إِلَى أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ

ص: 239

الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَكَذَا حَتَّى عَدَّ خِصَالَ الْإِسْلَامِ، قَالَ: مَا دَعَوْتَ إِلَّا إِلَى خَيْرٍ وَأَمْرٍ جَمِيلٍ، قَدْ كُنْتَ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوَنَا وَأَنْتَ أَصْدَقُنَا حَدِيثًا وَأَبَرُّنَا، ثُمَّ قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي خَيْرَ شَيْءٍ أَقُولُهُ، قَالَ: تَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: تَقُولُ أُشْهِدُ اللَّهَ وَأُشْهِدُ مَنْ حَضَرَنِي أَنِّي مُسْلِمٌ مُجَاهِدٌ مُهَاجِرٌ، فَقَالَ ذَلِكَ عِكْرِمَةُ» ". وَفِي فَوَائِدِ يَعْقُوبَ الْحَصَّاصِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا:" «رَأَيْتُ لِأَبِي جَهْلٍ عِذْقًا فِي الْجَنَّةِ فَلَمَّا أَسْلَمَ عِكْرِمَةُ قَالَ صلى الله عليه وسلم: يَا أُمَّ سَلَمَةَ هُوَ هَذَا» ". (فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ) إِلَى أَنْ خَرَجَتْ أُمُّ حَكِيمٍ مَعَهُ إِلَى غَزْوِ الرُّومِ فَاسْتُشْهِدَ، فَتَزَوَّجَهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ مَرْجِ الصَّفْرَاءِ أَرَادَ خَالِدُ الْبِنَاءَ بِهَا فَقَالَتْ لَهُ: لَوْ تَأَخَّرْتَ حَتَّى يَهْزِمَ اللَّهُ هَذِهِ الْجُمُوعَ، فَقَالَ: إِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أَنْ أُقْتَلَ، قَالَتِ: ادْنُ، فَدَنَا مِنْهَا فَأَعْرَسَ بِهَا عِنْدَ الْقَنْطَرَةِ فَعُرِّفَتْ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَقِيلَ: قَنْطَرَةُ أُمِّ حَكِيمٍ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَأَوْلَمَ عَلَيْهَا فَمَا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى وَافَتْهُمُ الرُّومُ وَوَقَعَ الْقِتَالُ فَاسْتُشْهِدَ خَالِدٌ، فَشَدَّتْ أُمُّ حَكِيمٍ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا وَتَبَذَّلَتْ وَإِنَّ عَلَيْهَا لَأَثَرُ الْخَلُوقِ، فَاقْتَتَلُوا عَلَى النَّهْرِ فَقَتَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ يَوْمَئِذٍ بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ الَّذِي أَعْرَسَ بِهِ خَالِدٌ عَلَيْهَا سَبْعَةً مِنَ الرُّومِ، ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِيعَابِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا) إِذَا لَمْ تَكُنْ كِتَابِيَّةً (إِذَا عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَلَمْ تُسْلِمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] نَهَى عَنِ اسْتِدَامَةِ نِكَاحِهِنَّ، فَقِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِالْمُشْرِكَاتِ اللَّاتِي كَانَتْ بِمَكَّةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ عَامٌّ ثُمَّ خُصَّ مِنْهُ الْكِتَابِيَّاتُ، وَسَبَبُ النُّزُولِ يَرُدُّهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} [الممتحنة: 10] (سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: الْآيَةُ 10) فَإِنَّ مَعْنَاهُ طَلَبُ مَهْرِهِنَّ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ فَرَرْنَ إِلَيْهِمْ: {وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10](سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: الْآيَةُ 10) أَيْ يَطْلُبُ الْكُفَّارُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَهْرَ مَنْ فَرَّتْ إِلَيْهِمْ مُسْلِمَةً، كَذَا فِي الْإِكْلِيلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ السَّبَبِ قَطْعِيَّةَ الدُّخُولِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَلَا يَرُدُّهُ أَيْضًا قَوْلُهُ:{وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} [الممتحنة: 10] فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِحُكْمِ مَنْ وَرَدَتِ الْآيَةُ بِسَبَبِهِنَّ، فَلَا يُخَالَفُ الِاسْتِدْلَالَ بِعُمُومِهَا عَلَى حُرْمَةِ إِمْسَاكِ الْكَوَافِرِ، كَمَا فَعَلَ مَالِكٌ خَصَّ مِنْهُ الْكِتَابِيَّاتِ لِآيَةِ الْمَائِدَةِ.

ص: 240

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ]

وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا فَقَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

21 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ

هِيَ طَعَامُ النِّكَاحِ، وَقِيلَ طَعَامُ الْإِمْلَاكِ خَاصَّةً، قَالَهُ عِيَاضٌ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْوَلْمِ وَهُوَ الْجَمْعُ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ.

1157 -

1137 - (مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ) الْخُزَاعِيِّ الْبَصْرِيِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ جَاءَ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ) تَعَلَّقَتْ بِجِلْدِهِ أَوْ ثَوْبِهِ مِنْ طِيبِ الْعَرُوسِ هَذَا أَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ. وَفِي حَدِيثٍ: وَبِهِ دِرْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَيْ أَثَرِهِ، وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي النَّهْيِ عَنْ تَزَعْفُرِ الرَّجُلِ ; لِأَنَّهُ فِيمَا قُصِدَ بِهِ التَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ، وَقِيلَ يُرَخَّصُ فِيهِ لِلْعَرُوسِ، وَفِيهِ أَثَرٌ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِيهِ لِلشَّابِّ أَيَّامَ عُرْسِهِ، وَقِيلَ: لَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، وَقِيلَ: كَانَ مَنْ يَنْكِحُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ يَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِصُفْرَةٍ عَلَامَةً لِلسُّرُورِ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهُ أَوْلَى مَا قِيلَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ جَوَازُ الثِّيَابِ الْمُزَعْفَرَةِ لِلرِّجَالِ، وَحَكَاهُ مَالِكٌ عَنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ:" «كَانَ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ» ". وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ كَرَاهَةَ ذَلِكَ فِي اللِّحْيَةِ، وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الثِّيَابِ وَاللِّحْيَةِ، قَالَهُ عِيَاضٌ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: رَوَى الدَّاوُدِيُّ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَصْبُغُ لِحْيَتَهُ بِالصُّفْرَةِ حَتَّى تَمْتَلِئَ ثِيَابُهُ مِنَ الصُّفْرَةِ، وَقَالَ: " إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَأَنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى الْعِمَامَةَ» ". قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا فِي الزَّعْفَرَانِ، وَأَمَّا بِغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يُنْفَضُ عَلَى الْجَسَدِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ. (فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: مَا هَذَا؟ وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ مَهْيَمْ؟ أَيْ: مَا هَذَا؟ وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحِ. قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ افْتِقَادُ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ وَسُؤَالُهُ عَمَّا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ مِنْ حَالِهِمْ، وَلَيْسَ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، قَالَ الْأُبِّيُّ: هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ سُؤَالَ إِنْكَارٍ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِنْكَارٌ لِأَنَّهُ كَانَ نَهَى عَنِ التَّضَمُّخِ بِالطِّيبِ، فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَضَمَّخْ بِهِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنَ الْعَرُوسِ.

(فَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ،

ص: 241

قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ تُسَمَّ، إِلَّا أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ بَكَّارٍ جَزَمَ بِأَنَّهَا ابْنَةَ أَبِي الْحَيْسَرِ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ آخِرَهُ رَاءٌ، وَاسْمُهُ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَأَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ الْقَاسِمَ وَأَبَا عُثْمَانَ عَبْدَ اللَّهِ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟) مَهْرًا، وَفِي رِوَايَةٍ: كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟ . وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنَ الْمَهْرِ، وَقَدْ يُشْعِرُ ظَاهِرُهُ احْتِيَاجَهُ إِلَى تَقْدِيرٍ لِأَنَّ " كَمْ " مَوْضُوعَةٌ لَهُ، فَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ أَقَلَّ الصَّدَاقِ مُقَدَّرٌ. (فَقَالَ) سُقْتُ إِلَيْهَا (زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْأَكْثَرُ: هِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَالنَّوَاةُ اسْمٌ لِمِقْدَارٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: النَّوَاةُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ نَوَاةُ التَّمْرِ أَيْ وَزْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَصَحُّ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: النَّوَاةُ بِالْمَدِينَةِ رُبْعُ دِينَارٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ دَفَعَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ ذَهَبٌ إِنَّمَا هِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ تُسَمَّى نَوَاةً كَمَا تُسَمَّى الْأَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً، قَالَهُ عِيَاضٌ. قَالَ الزَّوَاوِيُّ: لَكِنَّ قَوْلَهُ " مِنْ ذَهَبٍ " يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ صَرْفُ زِنَةِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَيَكُونُ زِنَتُهَا حِينَئِذٍ مِنَ الذَّهَبِ صَرْفُهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. وَذَلِكَ غَيْرُ بَعِيدٍ فَإِنَّ الصَّرْفَ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ النَّوَى مَا زِنَتُهُ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَى الْوَزْنِ بِهِ عِنْدَهُمُ اهـ. لَكِنْ ضَعَّفَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَالطِّيبِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ نَوَى التَّمْرِ بِأَنَّ زِنَتَهَا لَا تُضْبَطُ وَلَا يُعْتَدُّ بِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: قِيلَ زِنَةُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَرُبْعٍ، وَأَرَادَ قَائِلُهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَقَلُّ الصَّدَاقِ، وَلَا يَصِحُّ لِقَوْلِهِ " مِنْ ذَهَبٍ " وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ دِينَارَيْنِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَهُوَ غَفْلَةٌ مِنْ قَائِلِهِ، بَلْ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ: لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَوَهِمَ الدَّاوَدِيُّ رِوَايَةَ " مِنْ ذَهَبٍ " وَقَالَ: الصَّحِيحُ نَوَاةً، وَلَا وَهْمَ فِيهِ عَلَى كُلِّ تَفْسِيرٍ، لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ نَوَاةُ تَمْرٍ كَمَا قَالَ أَوْ قَدْرًا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ صَلُحَ أَنْ يُقَالَ: فِيهِ وَزْنُ كَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَرُبْعٍ وَوَهْمُهُ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَوَهِمَهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمِثْقَالَ دِرْهَمَانِ عَدَدًا وَدِرْهَمُ الْفِضَّةِ كَيْلًا، دِرْهَمٌ وَخُمْسَانِ وَوَزْنُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَرُبْعٍ مِنْ ذَهَبٍ أَكْثَرُ مِنْ مِثْقَالَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ.

قَالَ الزَّوَاوِيُّ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَاهُ يَصِحُّ الِانْفِصَالُ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ صَرَفَهَا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَرُبْعٍ كَمَا قُلْنَا فِي تَقْدِيرِ نَوَاةٍ، وَلَا بُعْدَ فِي هَذَا لِلْمُتَأَمِّلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ نَفْيِ الْوَهْمِ عَنْ إِمَامٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، قَالَ: وَيَصِحُّ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ بِأَنَّهُ أَصْدَقَهَا ذَهَبًا زِنَتُهُ نَوَاةٌ، وَالنَّوَاةُ وَزْنٌ مَعْرُوفٌ هُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ، وَذَلِكَ ثَمَنُ أُوقِيَّةٍ لِأَنَّهَا أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الصَّرْفِ وَلَا التَّأْوِيلِ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِي الْمَعْنَى قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّدَاقَ ذَهَبٌ وَزْنُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ مَثَاقِيلَ وَنِصْفٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ دَرَاهِمَ خَمْسَةٍ بِوَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا بَعِيدٌ مِنَ اللَّفْظِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَعَلَى الْأَوَّلِ

ص: 242

يَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ مِنْ ذَهَبٍ بِلَفْظِ زِنَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي بِنَوَاةٍ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: أَمَّا تَعَلُّقُهُ بِزِنَةٍ فَلِأَنَّهُ مَصْدَرُ وَزَنَ، وَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِنَوَاةٍ فَيَصِحُّ أَنَّهُ مِنْ تَعَلُّقِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ، أَيْ نَوَاةٍ كَائِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مَا عَدْلُهَا دَرَاهِمَ أَوْ يَكُونُ هُوَ الْمَوْزُونُ بِهَا. (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلصَّحِيحِ: فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ (أَوْلِمْ) أَمْرُ نَدْبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ لِلْوُجُوبِ لِحَدِيثِ:" «مَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ". قَالَ الْمَازَرِيُّ: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْعِصْيَانَ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ لَا فِي تَرْكِ الْوَلِيمَةِ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنَّ الدَّعْوَةَ لَا تَجِبْ وَالْإِجَابَةُ وَاجِبَةٌ كَالسَّلَامِ لَا يَجِبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ وَرَدُّهُ وَاجِبٌ. وَأَجَابَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ بِأَنَّ الْعِصْيَانَ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ وَالْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ اهـ. وَالْأَوَّلُ الصَّوَابُ لِاقْتِضَاءِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعِصْيَانِ مَعَ أَنَّهُ إِثْمٌ (وَلَوْ بِشَاةٍ) لَوْ تَقْلِيلِيَّةٌ لَا امْتِنَاعِيَّةٌ، قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ التَّوْسِعَةُ فِيهَا لِلْوَاجِدِ بِذَبْحٍ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّ الشَّاةَ لِأَهْلِ الْجَدَّةِ أَقَلُّ مَا يَكُونُ لَا التَّحْدِيدُ، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِي أَقَلُّ مِنْهَا لِمَنْ لَمْ يَجِدْهَا بَلْ عَلَى طَرِيقِ الْحَضِّ وَالْإِرْشَادِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لَهَا وَهِيَ بِقَدْرِ حَالِ الرَّجُلِ، وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا دَلِيلَ فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرَ، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَوَجْهُهُ شُهْرَةُ الدُّخُولِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْحُقُوقِ، وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ، وَعَنْ مَالِكٍ جَوَازُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعَنِ ابْنِ حَبِيبٍ اسْتِحْبَابُهَا ثُمَّ الْعَقْدُ وَعِنْدَ الْبِنَاءِ، وَاسْتَحَبَّهَا بَعْضُ شُيُوخِنَا قَبْلَ الْبِنَاءِ لِيَكُونَ الدُّخُولُ بِهَا، وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَكْرَارِهَا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ بِالْإِجَازَةِ وَالْكَرَاهَةِ، وَاسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا لِأَهْلِ السَّعَةِ أُسْبُوعًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَذَلِكَ إِذَا دَعَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَنْ لَمْ يَدْعُ قَبْلَهُ، وَكَرَّهُوا فِيهَا الْمُبَاهَاةَ وَالسُّمْعَةَ اهـ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِالْوَلِيمَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إِشْهَارِ النِّكَاحِ مَعَ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ مَالِكٍ: اسْتُحِبَّ الْإِطْعَامُ فِي الْوَلِيمَةِ وَكَثْرَةُ الشُّهُودِ لِيَشْتَهِرَ النِّكَاحُ وَتَثْبُتُ مَعْرِفَتُهُ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُولِمَ بَعْدَ الْبِنَاءِ، قِيلَ: فَمَنْ أَخَّرَ إِلَى السَّابِعِ؟ قَالَ: فَلْيَجِبْ وَلَيْسَ كَالْوَلِيمَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: " «كَانَ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِبُّ الْإِطْعَامَ عَلَى النِّكَاحِ عِنْدَ عَقْدِهِ» ". وَلَفْظُ " عِنْدَ " يَحْتَمِلُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَكَيْفَمَا كَانَ، فَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ، لَكِنَّ تَقْدِيمَ إِشْهَارِهِ قَبْلُ " أَفْضَلُ " كَالْإِشْهَادِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَالِكًا قَالَ بَعْدَهُ لِمَنْ فَاتَهُ قَبْلُ، أَوْ لَعَلَّهُ اخْتَارَهُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الرِّضَا بِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ الزَّوْجُ مِنْ حَالِ الزَّوْجَةِ، وَالْمُبَاحُ مِنَ الْوَلِيمَةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ سَرِفٍ وَلَا سُمْعَةٍ، وَالْمُخْتَارُ مِنْهَا يَوْمٌ وَاحِدٌ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأُبِيحَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَرُوِيَ أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِي فَضْلٌ وَالثَّالِثُ سُمْعَةٌ، وَأَجَابَ الْحَسَنُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَلَمْ يُجِبْ فِي الثَّالِثِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ مِثْلُهُ. وَأَوْلَمَ ابْنُ سِيرِينَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلْيُولِمْ مِنْ يَوْمِ بِنَائِهِ إِلَى مِثْلِهِ، يُرِيدُ إِذَا قَصَدَ إِشْهَارَ النِّكَاحِ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَى النَّاسِ لَا السُّمْعَةَ وَالْمُبَاهَاةَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ

ص: 243

بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَشُعْبَةُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حُمَيْدٍ نَحْوَهُ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِيهِ قِصَّةٌ.

ص: 244

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُولِمُ بِالْوَلِيمَةِ مَا فِيهَا خُبْزٌ وَلَا لَحْمٌ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1158 -

1138 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ بَلَغَنِي) وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ وَقَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عُفِيرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُولِمُ بِالْوَلِيمَةِ مَا فِيهَا خُبْزٌ وَلَا لَحْمٌ» ) قَالَ حُمَيْدٌ: قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ يَعْنِي أَنَسًا، قَالَ: تَمْرٌ وَسَوِيقٌ. كَمَا فِي الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: " «أَوْلَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» ". قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ اسْمِ الَّتِي أَوْلَمَ عَلَيْهَا صَرِيحًا، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أُمُّ سَلَمَةَ لِحَدِيثِهَا عَنِ ابْنِ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ:" «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَدْخَلَهَا بَيْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ، فَإِذَا جَرَّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ شَعِيرٍ فَأَخَذْتُهُ فَطَحَنْتُهُ، ثُمَّ عَصَدْتُهُ فِي الْبُرْمَةِ، وَأَخَذْتُ شَيْئًا مِنْ إِهَالَةٍ فَأَدَمْتُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ طَعَامُهُ صلى الله عليه وسلم» - ". وَأَمَّا حَدِيثُ شَرِيكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ وَسَوِيقٍ» ". فَوَهْمٌ مِنْ شَرِيكٍ لِأَنَّهُ كَانَ سَيِّئَ الْحِفْظِ، أَوْ مِنَ الرَّاوِي عَنْهُ وَهُوَ جَنْدَلُ بْنُ وَالِقٍ، فَإِنَّ مُسْلِمًا وَالْبَزَّارَ ضَعَّفَاهُ، وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ اهـ.

ص: 244

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1159 -

1139 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا» ) أَيْ فَلْيَأْتِ مَكَانَهَا، أَوِ التَّقْدِيرُ إِلَى مَكَانِ وَلِيمَةٍ وَلَا يَضُرُّ إِعَادَةُ الضَّمِيرِ مُؤَنَّثًا، وَالْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ، وَالْمُرَادُ وَلِيمَةَ الْعُرْسِ، كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:" «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» ". فَتَجِبُ إِجَابَةُ مَنْ عَيَّنَ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِمٌ كَمَا فِي مُسْلِمٍ بِشُرُوطٍ فِي الْفُرُوعِ، كَمَا حَكَى عَلَيْهِ عِيَاضٌ الِاتِّفَاقُ، لَكِنْ نُوزِعَ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ: الْمَذْهَبُ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، أَمَّا وَلِيمَةُ غَيْرِهِ فَلَا تَجِبُ لِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ الْعَاصِي دُعِيَ إِلَى خِتَانٍ فَلَمْ يُجِبْ وَقَالَ: لَمْ نَكُنْ نُدْعَى لَهُ عَلَى عَهْدِ

ص: 244

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَوْجَبَهَا الظَّاهِرِيَّةُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَحَمَلَهَا مَالِكٌ وَالْأَكْثَرُ عَلَى النَّدْبِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ لِأَهْلِ الْفَضْلِ الْإِجَابَةَ لِكُلِّ طَعَامٍ دُعِيَ إِلَيْهِ، فَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى غَيْرِ الْوَلِيمَةِ، وَتَأَوَّلَهُ غَيْرُهُ عَلَى غَيْرِ طَعَامِ السُّرُورِ كَخِتَانٍ وَإِمْلَاكٍ وَنِفَاسٍ وَحَادِثِ سُرُورٍ، لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:" «إِذَا دَعَا أَحَدَكُمْ أَخُوهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ» ". وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: " «مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ» ". وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَأَيُّوبُ وَالزُّبَيْدِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، خَمْسَتُهُمْ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ نَحْوَهُ.

ص: 245

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1160 -

1140 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيُّ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جُلُّ رُوَاةِ مَالِكٍ لَمْ يُصَرِّحُوا بِرَفْعِهِ، وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ مُصَرِّحًا بِرَفْعِهِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ عَنْ مَالِكٍ مُصَرِّحًا بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (شَرُّ) وَلِيَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ:«بِئْسَ (الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ) » قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: يُرِيدُ مِنْ شَرِّ الطَّعَامِ، فَإِنَّ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَكُونُ شَرًّا مِنْهُ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ شَرًّا لِقَوْلِهِ:( «يُدْعَى إِلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ» ) وَلِلتِّنِّيسِيِّ: الْفُقَرَاءُ، يَعْنِي الْغَالِبَ فِيهَا ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: طَعَامُ الْوَلِيمَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا هَذَا، فَاللَّفْظُ وَإِنْ أَطْلَقَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ التَّقْيِيدُ بِمَا ذَكَرَ عَقِبَهُ، وَكَيْفَ يُرِيدُ بِهِ الْإِطْلَاقَ وَقَدْ أَمَرَ بِالْوَلِيمَةِ وَأَوْجَبَ إِجَابَةَ الدَّاعِي وَرَتَّبَ الْعِصْيَانَ عَلَى تَرْكِهَا. وَتَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْوَلِيمَةِ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ مُرَاعَاةُ الْأَغْنِيَاءِ فِيهَا وَتَخْصِيصُهُمْ بِالدَّعْوَةِ وَإِيثَارُهُمْ. وَقَوْلُهُ: يُدْعَى. . . إِلَخْ، اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِكَوْنِهَا شَرَّ الطَّعَامِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ " مِنْ "، وَقَوْلِهِ:" وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ " حَالٌ وَالْعَامِلُ " يُدْعَى "، أَيْ يُدْعَى إِلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ يَتْرُكُ الْفُقَرَاءَ، وَالْإِجَابَةُ وَاجِبَةٌ، فَيَكُونُ الدُّعَاءُ سَبَبًا لِأَكْلِ الْمَدْعُوِّ شَرَّ الطَّعَامِ، وَقَوْلُ التَّنْقِيحِ جُمْلَةُ يُدْعَى فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِطَعَامٍ رَدَّهُ فِي الْمَصَابِيحِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا صِفَةٌ لِلْوَلِيمَةِ عَلَى جَعْلِ اللَّامِ جِنْسِيَّةٍ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ:

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي

وَيُسْتَغْنَى حِينَئِذٍ عَنْ تَأْوِيلِ تَأْنِيثِ الضَّمِيرِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا صِفَةً لِطَعَامٍ. اهـ.

(وَمَنْ لَمْ يَأْتِ) وَلِلتِّنِّيسِيِّ: وَمَنْ تَرَكَ (الدَّعْوَةَ) بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الْوَلِيمَةِ لِأَنَّهَا

ص: 245

خَاصَّةٌ بِالْعُرْسِ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: بِفَتْحِ الدَّالِ دَعْوَةُ الطَّعَامِ، أَمَّا دَعْوَةُ النَّسَبِ فَبِكَسْرِهَا، هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعَرَبِ، وَعَكَسَهُ تَيْمُ الرِّبَابِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، فَقَالُوا: الطِّعَامُ بِالْكَسْرِ وَالنَّسْخُ بِالْفَتْحِ، وَقَوْلُ قُطْرُبٍ: دَعْوَةُ الطُّعَامِ بِالضَّمِّ غَلَّطُوهُ اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الدَّعْوَةِ أَعَمَّ لِقَوْلِهِ: (فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) إِذْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِجَابَةِ ; لِأَنَّ الْعِصْيَانَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إِجَابَةُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَا يَقُولُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي عُمَرَ: هَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ، أَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ النَّوَوِيُّ: بَيَّنَ الْحَدِيثُ وَجْهَ كَوْنِهِ شَرَّ الطَّعَامِ بِأَنَّهُ يُدْعَى لَهُ الْغَنِيُّ عَنْ أَكْلِهِ وَيُتْرَكُ الْمُحْتَاجُ لِأَكْلِهِ، وَالْأَوْلَى الْعَكْسُ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْأَكْلِ ; إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِحُرْمَةِ الْإِجَابَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَوْلَى كَخَبَرِ:" «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهًا آخِرُهَا» ". وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ، وَالْقَصْدُ مِنَ الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى دَعْوَةِ الْفَقِيرِ وَأَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ.

وَقَالَ عِيَاضٌ: إِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْبَرَ بِحَالِ النَّاسِ وَاخْتِصَاصِهِمْ بِهَا الْأَغْنِيَاءَ دُونَ الْمُحْتَاجِينَ وَكَانُوا أَوْلَى بِهَا لِسَدِّ خَلَّتِهِمْ، وَخَيْرُ الْأَفْعَالِ أَكْثَرُهَا أَجْرًا، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْأَغْنِيَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمُكَارَمَةِ، وَإِنْ كَانَ رَفْعُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَهُوَ إِخْبَارٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم عَمَّا يَكُونُ بَعْدَهُ، وَقَدْ كَرِهَ الْعُلَمَاءُ تَخْصِيصَ الْأَغْنِيَاءِ بِالدَّعْوَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا خَصَّ الْأَغْنِيَاءَ أُمْرِنَا أَنْ لَا نُجِيبَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ فَارَقَ السُّنَّةَ فِي وَلِيمَتِهِ فَلَا دَعْوَةَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْتُمُ الْعَاصُونَ فِي الدَّعْوَةِ.

وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ فِي وَلِيمَةٍ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، فَجَاءَتْ قُرَيْشٌ وَمَعَهَا الْمَسَاكِينُ، فَقَالَ لَهُمْ: هَاهُنَا فَاجْلِسُوا لَا تُفْسِدُوا عَلَيْهِمْ ثِيَابَهُمْ سَنُطْعِمُكُمْ مِمَّا يَأْكُلُونَ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ وَمَعْمَرٌ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَتَابَعَ ابْنُ شِهَابٍ أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ، وَتَابَعَ الْأَعْرَجُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ:" سَمِعْتُ ثَابِتًا الْأَعْرَجَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "«شَرُّ الطَّعَامِ الْوَلِيمَةُ، يَمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» " فَخَالَفَ ثَابِتٌ وَهُوَ ابْنُ عِيَاضٍ الْأَحْنَفَ الْأَعْرَجَ الْعَدَوِيَّ مَوْلَاهُمْ، وَهُوَ ثِقَةٌ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ فَإِنَّهُمَا وَقَّفَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَثَابِتٌ رَفَعَهُ عَنْهُ، وَقَدْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رَفْعِهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ.

وَفِي التَّمْهِيدِ: رَوَى جَمَاعَةٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مَرْفُوعًا بِغَيْرِ إِشْكَالٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بِئْسَ الطَّعَامُ» "، فَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَرْفُوعًا. اهـ. لَكِنَّ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ

ص: 246

عُيَيْنَةَ مَرْفُوعًا كَمَا عَلِمْتَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا رُوِيَ الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا حُكِمَ بِرَفْعِهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ عَدْلٍ اهـ. وَلَهُ شَوَاهِدُ مَرْفُوعٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهِ الشَّبْعَانُ وَيُحْبَسُ عَنْهُ الْجَائِعُ» ". أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّيْلَمِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ.

ص: 247

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ «إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ قَالَ أَنَسٌ فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَرَّبَ إِلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الْقَصْعَةِ» فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1161 -

1141 - (مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ سَمِعَ) عَمَّهُ أَخَا أَبِيهِ لِأُمِّهِ (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّحْتِيَّةِ الشَّدِيدَةِ، وَلَمْ يَعْرِفِ الْحَافِظُ اسْمَهُ (دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَرَّبَ) الْخَيَّاطُ (إِلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَقَدْ تَكَسَّرَ (وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ) بِضَمِّ الدَّالِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ، الْوَاحِدَةُ دُبَّاءَةٌ، فَهَمْزَتُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ حَرْفِ عِلَّةٍ، وَخَطَأَ الْمَجْدُ الْجَوْهَرِيُّ فِي ذِكْرِهِ فِي الْمَقْصُورِ، أَيْ فِيهِ قَرْعٌ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ وَابْنِ بُكَيْرٍ وَالتِّنِّيسِيِّ: وَقَدِيدٌ. (قَالَ أَنَسٌ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتْبَعُ) بِإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ وَخِفَّةِ الْمُوَحِّدَةِ مَفْتُوحَةً (الدَّبَّاءَ) الْقَرْعَ أَوِ الْمُسْتَدِيرَ مِنْهُ (مِنْ حَوْلِ الْقَصْعَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: يَأْكُلُهَا، أَيْ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُعْجِبُهُ، وَيَتْرُكُ الْقَدِيدَ ; إِذْ كَانَ يَشْتَهِيهِ حِينَئِذٍ، فَفِيهِ أَنَّ الْمُؤَكِّلَ لِأَهْلِهِ وَخَدَمِهِ يَأْكُلُ مَا يَشْتَهِيهِ حَيْثُ رَآهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ مُؤَاكِلَهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا يَتَجَاوَزُ مَا يَلِيهِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَكْرَهُ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، بَلْ كَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِرِيقِهِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مَسَّهُ، بَلْ كَانُوا يَتَبَادَرُونَ إِلَى نُخَامَتِهِ فَيَتَدَلَّكُونَ بِهَا، قَالَ أَنَسٌ:(فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ) أَيْ أَكْلَهَا (بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ) اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم. وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ وَغَيْرِهِ: مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ طَالُوتَ الشَّامِيِّ قَالَ: " «دَخَلْتُ عَلَى أَنَسٍ وَهُوَ يَأْكُلُ قَرْعًا وَهُوَ يَقُولُ: يَا لَكِ مِنْ شَجَرَةٍ مَا أَحَبَّكَ إِلَيَّ لِحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاكِ» ". وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «إِذَا طَبَخْتَ قِدْرًا فَأَكْثِرْ فِيهَا مِنَ الدُّبَّاءِ فَإِنَّهَا تَشُدُّ قَلْبَ الْحَزِينِ» ". وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ وَائِلَةَ مَرْفُوعًا: " «عَلَيْكُمْ بِالْقَرْعِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي الدِّمَاغِ» ". وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا: " «عَلَيْكُمْ بِالْقَرْعِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَيُكَبِّرُ الدِّمَاغَ» ". وَزَادَ بَعْضُهُمْ: " «أَنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُلَيِّنُ الْقَلْبَ» ". وَفِي تَذْكِرَةِ الْقُرْطُبِيِّ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ الدُّبَّاءَ وَالْبِطِّيخَ

ص: 247

مِنَ الْجَنَّةِ» ". قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ جَوَازُ الْإِجَازَةِ عَلَى الْخِيَاطَةِ رَدًّا عَلَى مَنْ أَبْطَلَهَا بِعِلَّةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَعْيَانٍ مَرْئِيَّةٍ وَلَا صِفَاتٍ مَعْلُومَةٍ. وَفِي صَنْعَةِ الْخِيَاطَةِ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْقَيْنِ وَالصَّائِغِ وَالنَّجَّارِ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الصُّنَّاعُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُمُ الصَّنْعَةُ الْمَحْضَةُ فِيمَا يَسْتَصْنِعُهُ صَاحِبُ الْحَدِيدِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالْخَشَبِ وَهِيَ أُمُورٌ مَوْصُوفَةٌ يُوقَفُ عَلَى حَدِّهَا وَلَا يَخْلِطُ بِهَا غَيْرَهَا، وَالْخَيَّاطُ إِنَّمَا يَخِيطُ الثَّوْبَ فِي الْأَغْلَبِ بِخَيْطٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيَجْمَعُ إِلَى الصَّنْعَةِ الْآلَةَ، وَأَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ التِّجَارَةُ وَالْأُخْرَى الْإِجَارَةُ، وَحِصَّةُ أَحَدِهِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنَ الْأُخْرَى، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْخَرَّازِ وَالصَّبَّاغِ إِذَا كَانَ بِخُيُوطِهِ وَيَصْبُغُ هَذَا بِصَبْغِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْمُعْتَادَةِ فِيمَا بَيْنَ الصُّنَّاعِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ، إِلَّا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَجَدَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْعَادَةِ أَوَّلَ زَمَنِ الشَّرِيعَةِ فَلَمْ يُغَيِّرْهُ ; إِذْ لَوْ طُولِبُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَصَارَ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَوْضِعِ الْقِيَاسِ، وَالْعَمَلُ مَاضٍ صَحِيحٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِرْفَاقِ. اهـ. وَوَجْهُ إِدْخَالِ الْإِمَامِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْوَلِيمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّخَلُّفُ عَنِ الدَّعْوَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً لِأَنَّ دَعْوَةَ الْخَيَّاطِ لَمْ تَكُنْ فِي عُرْسٍ، إِذِ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، أَنَّهُ صَنَعَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَنَعَهُ فِي عُرْسٍ وَدَعَا لَهُ الْمُصْطَفَى، فَالْمُطَابَقَةُ ظَاهِرَةٌ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَدْخَلَهُ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَيُشْبِهُ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِ عِلْمُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَلِيمَةُ عُرْسٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبُيُوعِ عَنِ التِّنِّيسِيِّ، وَفِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَالْقَعْنَبِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ وَإِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، الْخَمْسَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ.

ص: 248

[بَاب جَامِعِ النِّكَاحِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ أَوْ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ وَإِذَا اشْتَرَى الْبَعِيرَ فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

22 -

بَابُ جَامِعِ النِّكَاحِ

1162 -

1142 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) مُرْسَلٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَصَلَهُ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَوَرَدَ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي لَاسٍ الْخُزَاعِيِّ « (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ أَوِ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ فَلْيَأْخُذْ) اسْتِحْبَابًا (بِنَاصِيَتِهَا) مُقَدَّمَ رَأْسِهَا (وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ) كَانَ يَقُولُ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِيهَا وَبَارِكْ عَلَيْهَا» ". زَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا

ص: 248

عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ» ".

(وَإِذَا اشْتَرَى الْبَعِيرَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُكْسَرُ، عَبَّرَ بِهِ دُونَ الْجَمَلِ لِأَنَّ الْبَعِيرَ يَشْمَلُ الْأُنْثَى بِخِلَافِهِ، وَقَصْدُهُ التَّعْمِيمُ (فَلْيَأْخُذْ) عِنْدَ تَسْلِيمِهِ (بِذِرْوَةِ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتُضَمُّ، أَيْ أَعْلَى (سَنَامِهِ) أَيْ يَقْبِضُ عَلَيْهِ بِيَدِهِ وَالْأَوْلَى الْيَمِينُ، أَوِ الْمُرَادُ فَلْيَرْكَبْهُ (وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ) لِأَنَّ الْإِبِلَ مِنْ مَرَاكِبِ الشَّيْطَانِ فَإِذَا سَمِعَ الِاسْتِعَاذَةَ فَرَّ، زَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ وَلِيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ، أَيِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ. . . إِلَخْ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مَا يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ الْبَسْمَلَةِ مَعَ الِاسْتِعَاذَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَمْرَ بِهَا لِمَا فِي الْإِبِلِ مِنَ الْعِزِّ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ فَهُوَ اسْتِعَاذَةٌ مِنْ شَرِّ ذَلِكَ الَّذِي يُحِبُّهُ الشَّيْطَانُ وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَحُثُّ عَلَيْهِ.

ص: 249

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ إِلَى رَجُلٍ أُخْتَهُ فَذَكَرَ أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَحْدَثَتْ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَضَرَبَهُ أَوْ كَادَ يَضْرِبُهُ ثُمَّ قَالَ مَا لَكَ وَلِلْخَبَرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1163 -

1143 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ إِلَى رَجُلٍ أُخْتَهُ فَذَكَرَ) أَخُوهَا (أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَحْدَثَتْ) زَنَتْ (فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَضَرَبَهُ أَوْ كَادَ يَضْرِبُهُ) شَكَّ الرَّاوِي (ثُمَّ قَالَ: مَالَكَ وَلِلْخَبَرِ) يَعْنِي أَيُّ غَرَضٍ لَكَ فِي إِخْبَارِ الْخَاطِبِ بِذَلِكَ، فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ سَتْرُهُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّ الْفَوَاحِشَ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ سَتْرُهَا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:" «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَحْفَتَهُ نَقَمَ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ» ".

ص: 249

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَا يَقُولَانِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَيُطَلِّقُ إِحْدَاهُنَّ الْبَتَّةَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ إِنْ شَاءَ وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1165 -

1144 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَا يَقُولَانِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَيُطَلِّقُ إِحْدَاهُنَّ الْبَتَّةَ: أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ إِنْ شَاءَ وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الرَّجُلِ.

ص: 249

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَفْتَيَا الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَامَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ طَلَّقَهَا فِي مَجَالِسَ شَتَّى

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1165 -

1145

ص: 249

- (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَفْتَيَا الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ) بْنِ مَرْوَانَ، أَحَدُ مُلُوكِ بَنِي أُمَيَّةَ (عَامَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (غَيْرَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: طَلَّقَهَا فِي مَجَالِسَ شَتَّى) بَدَلَ قَوْلِهِ " طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ "، هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، فَطَلَّقَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يُشْهِرَ طَلَاقَهَا الْبَتَاتَ وَيَسْتَفِيضَ فَتَنْقَطِعَ عَنْهُ الْأَلْسِنَةُ فِي تَزْوِيجِ الْخَامِسَةِ أَنَّهُ قَرَأَهُ أَمْرًا، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّهُ مُرَادُ الْمُحَدِّثِ بِمِثْلِ هَذَا أَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ لَمْ يَسْتَشِرْهُ حَتَّى يَأْمُرَهُ إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ.

ص: 250

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1166 -

1146 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ) أَيْ لَا يَنْفَعُ قَصْدُهُ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ (النِّكَاحُ) فَمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ هَازِلًا انْعَقَدَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ (وَالطَّلَاقُ) فَيَقَعُ طَلَاقُ اللَّاعِبِ إِجْمَاعًا (وَالْعِتْقُ) فَمَنْ أَعْتَقَ رَقِيقَهُ لَاعِبًا عُتِقَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ ; لِأَنَّ اللَّاعِبَ بِالْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ حُكْمَهُ، فَتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ لِلشَّارِعِ لَا لَهُ، فَإِذَا أَتَى بِالسَّبَبِ لَزِمَهُ حُكْمُهُ شَاءَ أَمْ أَبَى، وَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ لِأَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلْقَوْلِ مُرِيدٌ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِمَعْنَاهُ وَمُوجِبِهِ، وَقَصْدُ اللَّفْظِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْمَعْنَى قَصْدٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى لِتَلَازُمِهِمَا، إِلَّا أَنْ يُعَارِضَهُ قَصْدٌ آخَرُ كَالْمُكْرَهِ، فَإِنَّهُ قَصَدَ غَيْرَ الْمَعْنَى الْمَقُولِ وَمُوجِبِهِ فَلِذَا أَبْطَلَهُ الشَّارِعُ، وَأَصْلُ هَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» ". قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَرُوِيَ بَدَلُ الرَّجْعَةِ الْعِتْقُ وَلَا يَصِحُّ. وَقَالَ الْحَافِظُ: وَقَعَ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ: الْعَتَاقُ بَدَلُ الرَّجْعَةِ، وَلَمْ أَجِدْهُ، وَمُرَادُهُمَا لَا يَصِحُّ وَلَمْ يَجِدْهُ مَرْفُوعًا، فَلَا يُنَافِي صِحَّتَهُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الْمُوَطَّأِ، لَكِنْ عَجِيبٌ نَفْيُ وِجْدَانِهِ، فَفِي الِاسْتِذْكَارِ: رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُ ثُمَّ يَرْجِعُ يَقُولُ: كُنْتُ لَاعِبًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: 231](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 231) فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ أَنْكَحَ أَوْ أُنْكِحَ وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ لَاعِبًا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ» ".

ص: 250

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى كَبِرَتْ فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَاةً شَابَّةً فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ أَمْهَلَهَا حَتَّى إِذَا كَادَتْ تَحِلُّ رَاجَعَهَا ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ مَا شِئْتِ إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ فَإِنْ شِئْتِ اسْتَقْرَرْتِ عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنْ الْأُثْرَةِ وَإِنْ شِئْتِ فَارَقْتُكِ قَالَتْ بَلْ أَسْتَقِرُّ عَلَى الْأُثْرَةِ فَأَمْسَكَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ رَافِعٌ عَلَيْهِ إِثْمًا حِينَ قَرَّتْ عِنْدَهُ عَلَى الْأُثْرَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1167 -

1147

ص: 250

- (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجِ) بْنِ رَافِعِ بْنِ عَدِيٍّ الْحَارِثِيِّ الْأَوْسِيِّ الْأَنْصَارِيِّ، أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ ثُمَّ الْخَنْدَقُ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ قَبْلَهَا (أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ) أَكْبَرُ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ (فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى كَبِرَتْ) بِكَسْرِ الْمُوَحِّدَةِ أَسَنَّتْ (فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَاةً شَابَّةً، فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُرِيدُ فِي الْمَيْلِ بِنَفْسِهِ إِلَيْهَا وَالنَّشَاطِ لَهَا، لَا أَنَّهُ آثَرَهَا عَلَيْهَا فِي مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ وَمَبِيِتٍ ; لِأَنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ بِمِثْلِ رَافِعٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَنَاشَدَتْهُ) طَلَبَتْ مِنْهُ (الطَّلَاقَ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ أَمْهَلَهَا حَتَّى إِذَا كَادَتْ) قَارَبَتْ (تَحِلُّ) أَيْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا (رَاجَعَهَا، ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ، فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً) ثَانِيَةً (ثُمَّ رَاجَعَهَا، ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ، فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ: مَا شِئْتِ إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ فَإِنْ شِئْتِ اسْتَقْرَرْتِ) قَرَرْتُ عَلَيْكِ، أَيْ بَقَيْتِ مَعِيَ (عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنَ الْأُثْرَةِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ، الِاسْتِئْثَارُ عَلَيْكِ فِيمَا لَكِ فِيهِ اشْتِرَاكٌ فِي الِاسْتِلْحَاقِ (وَإِنْ شِئْتِ فَارَقْتُكِ قَالَتْ: بَلْ أَسْتَقِرُّ عَلَى الْأُثْرَةِ، فَأَمْسَكَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ رَافِعٌ عَلَيْهِ إِثْمًا حِينَ قَرَّتْ عِنْدَهُ عَلَى الْأُثْرَةِ) لِرِضَاهَا بِذَلِكَ وَهُوَ حَقٌّ لَهَا فَلَهَا إِسْقَاطُهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: زَادَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَذَلِكَ الصُّلْحُ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّهُ أُنْزِلَتْ فِيهِ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 128) الْآيَةَ، وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ كَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَكَرِهَ مِنْ أَمْرِهَا إِمَّا كِبَرًا وَإِمَّا غَيْرَةً فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ، فَجَرَتْ بِذَلِكَ وَنَزَلَتْ:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا} [النساء: 128](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 128) .

ص: 251

[كِتَاب الطَّلَاقِ]

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْبَتَّةِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الطَّلَاقِ بَاب مَا جَاءَ فِي الْبَتَّةِ

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ فَمَاذَا تَرَى عَلَيَّ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ طَلُقَتْ مِنْكَ لِثَلَاثٍ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

29 -

كِتَابُ الطَّلَاقِ

قَدَّمَهَا عَلَى التَّرْجَمَةِ لِيَكُونَ الْبَدْءُ بِهَا حَقِيقِيًّا، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ التَّرَاجِمِ يُقَدِّمُ عَلَيْهَا التَّرْجَمَةَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا كَالْعُنْوَانِ، وَالِابْتِدَاءُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا بَعْدَهَا، فَنَاسَبَ وَصْلَهُ بِالْبَسْمَلَةِ ذَلِكَ مِنَ التَّفَنُّنِ اللَّطِيفِ. هُوَ لُغَةً: رَفْعُ الْقَيْدِ الْحِسِّيِّ، وَهُوَ حَلُّ الْوِثَاقِ، يُقَالُ: أَطْلَقَ الْفَرَسَ وَالْأَسِيرَ. وَشَرْعًا: رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ، فَخَرَجَ بِهِ الْعِتْقَ لِأَنَّهُ قَيْدٌ ثَابِتٌ شَرْعًا لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِالنِّكَاحِ، وَفِي مَشْرُوعِيَّةِ النِّكَاحِ مَصَالِحٌ لِلْعِبَادِ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ، وَفِي الطَّلَاقِ إِكْمَالٌ لَهَا ; إِذْ قَدْ لَا يُوَافِقُهُ النِّكَاحُ فَيَطْلُبُ الْخَلَاصَ مِنْهُ عِنْدَ تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَعُرُوضِ الْبَغْضَاءِ الْمُوجِبَةِ لِعَدَمِ إِقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ، فَشَرَعَهُ رَحْمَةً مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَفِي جَعْلِهِ عَدَدًا حِكْمَةٌ لَطِيفَةٌ ; لِأَنَّ النَّفْسَ كَذُوبَةٌ رُبَّمَا تُظْهِرُ عَدَمَ الْحَاجَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ وَالْحَاجَةُ إِلَى تَرْكِهَا، فَإِذَا وَقَعَ حَصَلَ النَّدَمُ وَضَاقَ الصَّدْرُ وَعِيلَ الصَّبْرُ، فَشَرَعَهُ تَعَالَى ثَلَاثًا لِيُجَرِّبَ نَفْسَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَإِذَا كَانَ الْوَاقِعُ صِدْقَهَا اسْتَمَرَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَإِلَّا أَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ بِالرَّجْعَةِ، ثُمَّ إِذَا عَادَتِ النَّفْسُ لِمِثْلِ الْأَوَّلِ وَغَلَبَتْهُ حَتَّى عَادَ إِلَى طَلَاقِهَا نَظَرَ أَيْضًا فِيمَا يَحْدُثُ لَهُ فَمَا يُوقِعُ الثَّالِثَةَ إِلَّا وَقَدْ جَرَّبَ وَقْعَهُ فِي حَالِ نَفْسِهِ، ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ آخَرَ لِيُثَابَ بِمَا فِيهِ غَيْظُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ جِبِلَّةِ الْفُحُولِيَّةِ بِحِكْمَتِهِ وَلُطْفِهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ.

1170 -

1148 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبَتَّةِ

بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْفَوْقِيَّةِ الشَّدِيدَةِ، أَيْ مَنْ قِيلِ لَهَا أَنْتَ الْبَتَّةَ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ انْبَتَّتْ بِالثَّلَاثِ، وَلِذَا ذُكِرَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَلَيْسَ فِيهِمَا لَفْظُ الْبَتَّةِ.

- (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ

ص: 252

وَغَيْرِهِ (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ) فِي مَرَّةٍ (فَمَاذَا تَرَى عَلَيَّ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: طُلِّقَتْ مِنْكَ بِثَلَاثٍ) مِنَ الْمِائَةِ (وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) مَهْزُوءًا بِهَا بِمُخَالَفَاتِهَا ; لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا جَعَلَ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا. وَفِي أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ إِنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ رَادُّهَا إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ فَيَرْكَبُ الْأُحْمُوقَةَ ثُمَّ يَقُولُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 2) وَأَنْتَ لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَمْ أَجِدْ لَكَ مَخْرَجًا، عَصَيْتَ رَبَّكَ وَبَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ ". وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِلُزُومِ الثَّلَاثِ لِمَنْ أَوْقَعَهَا مُجْتَمِعَةً. وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَحَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ طَلَّقْتَهَا؟ قَالَ: ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا تِلْكَ وَاحِدَةٌ فَارْتَجِعْهَا إِنْ شِئْتَ فَارْتَجَعَهَا» ". فَأُجِيبَ بِأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ وَشَيْخَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا، وَقَدْ عُورِضَ بِفَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُخَالِفْهُ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ عَنْهُ فَلَمْ يُخَالِفْهُ إِلَّا لِظُهُورِ عِلَّةٍ تَقْتَضِي عَدَمَ الْعَمَلِ بِهِ كَنَسْخٍ أَوْ تَخْصِيصٍ لِرُكَانَةَ كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ، بَلْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ قَائِلًا: إِنَّ خِلَافَهُ شَاذٌّ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.

ص: 253

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي ثَمَانِيَ تَطْلِيقَاتٍ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَمَاذَا قِيلَ لَكَ قَالَ قِيلَ لِي إِنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنِّي فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ صَدَقُوا مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ لَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ لَبْسًا جَعَلْنَا لَبْسَهُ مُلْصَقًا بِهِ لَا تَلْبِسُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَنَتَحَمَّلُهُ عَنْكُمْ هُوَ كَمَا يَقُولُونَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1170 -

1149 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ (أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي ثَمَانِيَ تَطْلِيقَاتٍ) فِي كَلِمَةٍ، بِأَنْ قُلْتَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٍ ثَمَانِيَ تَطْلِيقَاتٍ (فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَمَاذَا قِيلَ لَكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: إِنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنِّي) فَلَا تَحِلُّ لِي إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ (فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: صَدَقُوا مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ) بِقَوْلِهِ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 229)(فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ) أَنَّ الْمُرَادَ الَّذِي فِيهِ الرَّجْعَةُ بِقَوْلِهِ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 229)(وَمَنْ لَبَسَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ خَلِطَ (عَلَى نَفْسِهِ لَبْسًا)

ص: 253

بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ خَلْطًا (جَعَلْنَا لَبْسَهُ مُلْصَقًا بِهِ لَا تَلْبِسُوا) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَنَتَحَمَّلُهُ عَنْكُمْ هُوَ كَمَا يَقُولُونَ) إِنَّهَا بَانَتْ مِنْكَ.

وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ عَلْقَمَةَ: " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِائَةً، قَالَ: بَانَتْ مِنْكَ وَسَائِرُهُنَّ مَعْصِيَةٌ ". وَفِي لَفْظٍ: " عُدْوَانٌ ". وَعِنْدَهُ أَيْضًا: " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِي كَلَامٌ فَطَلَّقْتُهَا عَدَدَ النُّجُومِ فَقَالَ: بَانَتْ مِنْكَ " فَهِيَ وَقَائِعُ مُتَعَدِّدَةٌ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا؟ قَالَ: إِذًا قَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ وَبَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ» ". وَالنِّسَائِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: "«أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ مُغْضَبًا فَقَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ» ؟ . وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ ". فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُطَلِّقُونَ ثَلَاثًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُوقَعَ فِي زَمَنِ عُمَرَ ثَلَاثًا كَانَ يُوقَعُ قَبْلَ ذَلِكَ وَاحِدَةً ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَسْتَعْمِلُونَ الثَّلَاثَ أَصْلًا، وَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهَا نَادِرًا، وَأَمَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ فَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ، فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَنَعَ فِيهِ مِنَ الْحُكْمِ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا كَانَ يُصْنَعُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ غَيْرُ ذَلِكَ.

ص: 254

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لَهُ الْبَتَّةُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَقُلْتُ لَهُ كَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ يَجْعَلُهَا وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ أَلْفًا مَا أَبْقَتْ الْبَتَّةُ مِنْهَا شَيْئًا مَنْ قَالَ الْبَتَّةَ فَقَدْ رَمَى الْغَايَةَ الْقُصْوَى

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1170 -

1150 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو (بْنِ حَزْمٍ) فَنَسَبَهُ إِلَى جَدِّ أَبِيهِ لِشُهْرَتِهِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لَهُ: الْبَتَّةَ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقُلْتُ لَهُ: كَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ الْمَدَنِيُّ، أَمِيرُ الْمَدِينَةِ (يَجْعَلَهَا وَاحِدَةً، فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ أَلْفًا مَا أَبْقَتِ الْبَتَّةُ مِنْهُ شَيْئًا) لِأَنَّهَا مِنَ الْبَتِّ وَهُوَ الْقَطْعُ، فَمَعْنَاهَا قَطْعُ جَمِيعِ الْعِصْمَةِ الَّتِي بِيَدِهِ وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَصْلَةٌ مِنْهَا (مَنْ قَالَ الْبَتَّةَ فَقَدْ رَمَى الْغَايَةَ الْقُصْوَى) فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.

ص: 254

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1171 -

1151

ص: 254

- (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ) وَقَضَاؤُهُ بِذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ مَعَ تَوَفُّرِ الْعُلَمَاءَ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ عَلَيْهِ دَالٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) وَفِي الْمُوَازَيَةِ: " «رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَلْزَمَ الْبَتَّةَ مَنْ طَلَّقَ بِهَا، وَأَلْزَمَ الثَّلَاثَ مَنْ طَلَّقَ بِهَا» ". وَقَضَى عُمَرُ فِيهَا بِالثَّلَاثِ، وَقَالَهُ عَلِيٌّ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ بِالْأَسَانِيدِ إِلَيْهِمْ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْبَتَّةَ فَحَلَّفَهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَا أَرَادَ إِلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إِلَيْهِ فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ، فَمُعَارَضٌ بِرِوَايَةِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَمَا مَرَّ، فَلَمَّا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا وَرَجَعَ لِمَا بِهِ الْعَمَلُ.

ص: 255

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كُتِبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ الْعِرَاقِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى عَامِلِهِ أَنْ مُرْهُ يُوَافِينِي بِمَكَّةَ فِي الْمَوْسِمِ فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ لَقِيَهُ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ مَنْ أَنْتَ فَقَالَ أَنَا الَّذِي أَمَرْتَ أَنْ أُجْلَبَ عَلَيْكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَسْأَلُكَ بِرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ لَوْ اسْتَحْلَفْتَنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُكَ أَرَدْتُ بِذَلِكَ الْفِرَاقَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ مَا أَرَدْتَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ

1174 -

1152 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كُتِبَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنَ الْعِرَاقِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى عَامِلِهِ) عَلَى الْعِرَاقِ (أَنْ مُرْهُ يُوَافِينِي) بِمَكَّةَ (فِي الْمَوْسِمِ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ لَقِيَهُ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَمَرْتَ أَنْ أُجْلَبَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ (عَلَيْكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَلَى فَعَيْلَةٍ الْكَعْبَةُ، وَقَالَ الْمَجْدُ: الْبَنِيَّةُ

ص: 255

كَغَنِيَّةٍ الْكَعْبَةُ لِشَرَفِهَا شَرَّفَهَا اللَّهُ (مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: لَوِ اسْتَحْلَفْتَنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُكَ، أَرَدْتُ بِذَلِكَ الْفِرَاقَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: هُوَ مَا أَرَدْتَ) فَنَوَاهُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ: يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي، وَظَاهِرُهُ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا. وَفِي الْمُوَازَيَةِ عَنْهُ: يَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَحْلِفُ. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ: لَوْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَنْوِي مَا خَالَفْتُهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ; إِذْ لَيْسَ فِي رَجَاءٍ أَنَّهُ بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ.

ص: 256

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1174 -

1153 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا صَحَّ مِنْ طُرُقٍ (أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هِيَ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَا يَنْوِي وَلَهُ نِيَّتُهُ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، ثُمَّ كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَهُ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَهُ نِيَّتُهُ، وَقَدْ حَكَى أَبُو عُمَرَ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ أَشَدُّهَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَهُ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ.

ص: 256

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ إِنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1174 -

1154 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) أَيِ اللَّفْظَتَيْنِ.

ص: 256

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ تَحْتَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمٍ فَقَالَ لِأَهْلِهَا شَأْنَكُمْ بِهَا فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1175 -

1155 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ تَحْتَهُ وَلِيدَةٌ)

ص: 256

أَمَةٌ (لِقَوْمٍ فَقَالَ لِأَهْلِهَا: شَأْنُكُمْ بِهَا) أَيْ خُذُوهَا (فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ، فَإِذَا أَرَادَ بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ وَاحِدَةً إِلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ.

ص: 257

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ بَرِئْتِ مِنِّي وَبَرِئْتُ مِنْكِ إِنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَتَّةِ.

قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنَةٌ إِنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا وَيُدَيَّنُ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوَاحِدَةً أَرَادَ أَمْ ثَلَاثًا فَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً أُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ لِأَنَّهُ لَا يُخْلِي الْمَرْأَةَ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَا يُبِينُهَا وَلَا يُبْرِيهَا إِلَّا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَالَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا تُخْلِيهَا وَتُبْرِيهَا وَتُبِينُهَا الْوَاحِدَةُ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1176 -

1156 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ بَرِئْتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ، خِطَابًا لَهَا (مِنِّي وَبَرِئْتُ) بِضَمِّهَا لِلْمُتَكَلِّمِ (مِنْكِ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَتَّةَ) وَفِيهِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَرَى الْبَتَّةَ ثَلَاثًا. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنَةٌ: أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا وَيُدَيَّنُ) أَيْ يُوكَلُ إِلَى دِينِهِ (فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) فَيُقْبَلُ مِنْهُ (أَوَاحِدَةً أَرَادَ أَمْ ثَلَاثًا؟ فَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً أُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ) بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ (وَكَانَ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ) لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَائِنٌ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (لِأَنَّهُ لَا يُخْلِي) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ (الْمَرْأَةَ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَا يُبَيِّنُهَا وَلَا يُبْرِيهَا) بِضَمِّ أَوَّلِهَمَا مِنْ زَوْجِهَا (إِلَّا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَالَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا تُخْلِيهَا وَتُبْرِيهَا وَتُبِينُهَا الْوَاحِدَةُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ فِي الثَّلَاثِ (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) وَلِذَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَقْوَالٌ أُخَرُ.

ص: 257

[بَاب مَا يُبِينُ مِنْ التَّمْلِيكِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي جَعَلْتُ أَمْرَ امْرَأَتِي فِي يَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَمَاذَا تَرَى فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أُرَاهُ كَمَا قَالَتْ فَقَالَ الرَّجُلُ لَا تَفْعَلْ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَنَا أَفْعَلُ أَنْتَ فَعَلْتَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

3 -

بَابُ مَا يُبِينُ مِنَ التَّمْلِيكِ

1178 -

1157 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ ابْنِ عُمَرَ (إِنِّي جَعَلْتُ أَمْرَ امْرَأَتِي فِي يَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَرَاهُ كَمَا قَالَتْ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا تَفْعَلْ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ) رَدًّا عَلَيْهِ (أَنَا أَفْعَلُ؟ أَنْتَ الَّذِي فَعَلْتَهُ) وَكَانَ هَذَا مِنْ تَسْمِيَةِ الْقَوْلِ فِعْلًا.

ص: 258

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ بِهِ إِلَّا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهَا وَيَقُولُ لَمْ أُرِدْ إِلَّا وَاحِدَةً فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ أَمْلَكَ بِهَا مَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1178 -

1158 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ بِهِ) مِنْ وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ (إِلَّا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهَا وَيَقُولَ: لَمْ أُرِدْ إِلَّا وَاحِدَةً فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ أَمَلَكَ) أَحَقَّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ (مَا كَانَتْ) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهَا (فِي عِدَّتِهَا) فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ.

ص: 258

[بَاب مَا يَجِبُ فِيهِ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ التَّمْلِيكِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ مَلَّكْتُ امْرَأَتِي أَمْرَهَا فَفَارَقَتْنِي فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْقَدَرُ فَقَالَ زَيْدٌ ارْتَجِعْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ وَأَنْتَ أَمْلَكُ بِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

4 -

بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ التَّمْلِيكِ

1179 -

1159 - (مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (ابْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ،

ص: 258

قَاضِيهَا مِنَ الثِّقَاتِ. وَرِجَالُ الْجَمِيعِ (عَنْ) عَمِّهِ (خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيِّ أَبِي زَيْدٍ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ، أَحَدُ الْفُقَهَاءِ، مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ وَقِيلَ قَبْلَهَا (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ وَالِدِهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ أَبِي عَتِيقٍ) مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ، مَقْبُولٌ، رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَالسُّنَنُ (وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: مَا شَأْنُكَ؟) أَيْ حَالُكَ (فَقَالَ: مَلَّكْتُ امْرَأَتِي أَمْرَهَا فَفَارَقَتْنِي، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ الْقَدَرُ، فَقَالَ زَيْدٌ: ارْتَجِعْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ) إِنْ قَضَتْ بِهَا أَوْ نَاكَرْتَهَا أَوْ أَنَّ مَذْهَبَ زَيْدٍ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ مُطْلَقًا (وَأَنْتَ أَمْلَكُ بِهَا) أَحَقُّ مِنْ غَيْرِكَ.

ص: 259

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَقَالَتْ أَنْتَ الطَّلَاقُ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَتْ أَنْتَ الطَّلَاقُ فَقَالَ بِفِيكِ الْحَجَرُ ثُمَّ قَالَتْ أَنْتَ الطَّلَاقُ فَقَالَ بِفَاكِ الْحَجَرُ فَاخْتَصَمَا إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَاسْتَحْلَفَهُ مَا مَلَّكَهَا إِلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا إِلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَكَانَ الْقَاسِمُ يُعْجِبُهُ هَذَا الْقَضَاءُ وَيَرَاهُ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ وَأَحَبُّهُ إِلَيَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1180 -

1160 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ) ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَقَالَتْ: أَنْتَ الطَّلَاقُ، فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَتْ: أَنْتَ الطَّلَاقُ، فَقَالَ) مُنَاكِرًا لَهَا (بِفِيكِ الْحَجَرُ) بِكَسْرِ الْكَافِ (ثُمَّ قَالَتْ: أَنْتَ الطَّلَاقُ، فَقَالَ: بِفِيكِ الْحَجَرُ) مُنَاكِرًا أَيْضًا (فَاخْتَصَمَا إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ) أَمِيرِ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ (فَاسْتَحْلَفَهُ مَا مَلَّكَهَا إِلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا إِلَيْهِ، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَكَانَ الْقَاسِمُ) يَعْنِي أَبَاهُ (يُعْجِبُهُ هَذَا الْقَضَاءُ، وَيَرَاهُ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ وَأَحَبُّهُ إِلَيَّ) يَقْتَضِي أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَهُ.

ص: 259

[بَاب مَا لَا يُبِينُ مِنْ التَّمْلِيكِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا خَطَبَتْ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَرِيبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ فَزَوَّجُوهُ ثُمَّ إِنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالُوا مَا زَوَّجْنَا إِلَّا عَائِشَةَ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَجَعَلَ أَمْرَ قَرِيبَةَ بِيَدِهَا فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5 -

بَابُ مَا لَا يُبِينُ مِنَ التَّمْلِيكِ

1181 -

1161 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ) عَمَّتِهِ (عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا خَطَبَتْ عَلَى) أَيْ لِأَخِيهَا (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ (قَرِيبَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَمُوَحَّدَةٍ فَتَاءُ تَأْنِيثٍ، وَيُقَالُ بِالتَّصْغِيرِ، بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّةَ الصَّحَابِيَّةَ، أُخْتُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْجَمَالِ، رَوَى عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ:«لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ نِسَاءِ قُرَيْشٍ مَا كَانَ يُذْكَرُ مِنْ جَمَالِهِنَّ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: هَلْ رَأَيْتَ بَنَاتَ أَبِي أُمَيَّةَ؟ هَلْ رَأَيْتَ قَرِيبَةَ؟ (فَزُوَّجُوهُ) وَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ وَأُمَّ حَكِيمٍ وَحَفْصَةَ» ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ (ثُمَّ إِنَّهُمْ عَتَبُوا) أَيْ وَجَدُوا (عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فِي أَمْرِ فِعْلِهِ، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ (وَقَالُوا: مَا زَوَّجْنَا إِلَّا عَائِشَةَ) أَيْ إِنَّمَا وَثِقْنَا بِفَضْلِهَا وَحُسِنِ خُلُقِهَا، وَأَنَّهَا لَا تَرْضَى لَنَا بِأَذًى وَلَا إِضْرَارٍ فِي وَلِيَّتِنَا (فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَجَعَلَ أَمْرَ قَرِيبَةَ بِيَدِهَا، فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا) وَلِابْنِ سَعْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَرِيبَةَ أُخْتَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ، فَقَالَتْ لَهُ يَوْمًا: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ حَذَّرْتُكَ؟ قَالَ: فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ، فَقَالَتْ: لَا أَخْتَارُ عَلَى ابْنِ الصِّدِّيقِ أَحَدًا، فَأَقَامَ عَلَيْهَا.

ص: 260

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ وَمِثْلِي يُصْنَعُ هَذَا بِهِ وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ الْمُنْذِرُ فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا كُنْتُ لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِهِ فَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1182 -

1162 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ الصِّدِّيقِ، مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِيَّاتِ، رَوَى لَهَا مُسْلِمٌ وَالثَّلَاثَةُ (الْمُنْذِرَ

ص: 260

بْنَ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامَ الْأَسَدِيَّ أَبَا عُثْمَانَ، شَقِيقُ عَبْدِ اللَّهِ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَحَفِيدُهُ فُلَيْحٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَايِذٍ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ أَنَّ الْمُنْذِرَ غَاضَبَ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ، فَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَجَازَهُ بِجَائِزَةٍ عَظِيمَةٍ وَأَقْطَعَهُ أَرْضًا بِالْبَصْرَةِ. وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ الْمُنْذِرَ كَانَ عِنْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ لَمَّا امْتَنَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ مُبَايَعَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ يَزِيدُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ أَنْ يُوَجِّهَ إِلَيْهِ الْمُنْذِرَ، فَبَلَغَهُ، فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ، فَقُتِلَ فِي الْحِصَارِ الْأَوَّلِ بَعْدَ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَمِثْلِي يُصْنَعُ هَذَا بِهِ، وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ) بِتَزْوِيجِ بِنْتِهِ وَهُوَ غَائِبٌ (فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ) أَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِ أَخِيهَا (فَقَالَ الْمُنْذِرُ: فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) وَالِدِهَا (فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا كُنْتُ لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِهِ) بِكَسْرِ التَّاءِ خِطَابًا لِأُخْتِهِ عَائِشَةَ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: قَضَيْتِيهِ، بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ لِإِشْبَاعِ الْكَسْرَةِ (فَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَازَيَةِ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِمِثْلِ عَائِشَةَ، لِمَكَانِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَيْ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ إِجَازَةُ الْمُجْبَرِ تَزْوِيجَ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ جَدِّهِ إِذَا كَانَ قَدْ فَوَّضَ لَهُ أُمُورَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَجَازَهُ الْأَبُّ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَعَائِشَةُ لَيْسَتْ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَمْ يُفَوِّضْ لَهَا أُمُورَهُ، فَالْجَوَازُ فِي إِجَازَةِ فِعْلِهَا خُصُوصِيَّةٌ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَظُنُّهَا وَكَّلَتْ عِنْدَ الْعَقْدِ، لَكِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ لَا يُوَكِّلُ إِلَّا مِثْلَهُ، وَعَائِشَةُ لَا يَصِحُّ كَوْنُهَا وَكِيلًا عَنْ أَخِيهَا، فَكَيْفَ تُوَكَّلُ؟ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا نَصُّوا عَلَيْهِ إِذَا وَكَّلَ الْوَلِيُّ مَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ، أَمَّا إِذَا وَكَّلَ مَنْ يُوكِّلُ مَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ، فَلَا مَانِعَ أَنْ يُوَكِّلَ امْرَأَةً مَثَلًا، وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ الْمُنْذِرَ فَارَقَ حَفْصَةَ فَتَزَوَّجَهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَاحْتَالَ الْمُنْذِرُ عَلَيْهِ حَتَّى طَلَّقَهَا، فَأَعَادَهَا الْمُنْذِرُ.

ص: 261

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَا عَنْ الرَّجُلِ يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَتَرُدُّ بِذَلِكَ إِلَيْهِ وَلَا تَقْضِي فِيهِ شَيْئًا فَقَالَا لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1182 -

1163 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَا عَنِ الرَّجُلِ يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَتَرُدُّ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَلَا تَقْضِي فِيهِ شَيْئًا، فَقَالَا: لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ) لِأَنَّهَا رَدَّتْهُ وَلَمْ تُوقِعْ شَيْئًا.

ص: 261

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ إِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَلَمْ تُفَارِقْهُ وَقَرَّتْ عِنْدَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ.

قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُمَلَّكَةِ إِذَا مَلَّكَهَا زَوْجُهَا أَمْرَهَا ثُمَّ افْتَرَقَا وَلَمْ تَقْبَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَيْسَ بِيَدِهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَهُوَ لَهَا مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1183 -

1164

ص: 261

- (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَلَمْ تُفَارِقْهُ وَقَرَّتْ) بِالْقَافِ، ثَبَتَتْ (عِنْدَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ) لِرَدِّهَا مَا مَلَّكَ (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُمَلَّكَةِ: إِذَا مَلَّكَهَا زَوْجُهَا أَمْرَهَا ثُمَّ افْتَرَقَا وَلَمْ تَقْبَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَيْسَ بِيَدِهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ لَهَا مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا) فَإِذَا افْتَرَقَا مِنْهُ بَطَلَ التَّمْلِيكُ.

ص: 262

[بَاب الْإِيلَاءِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ حَتَّى يُوقَفَ فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

6 -

بَابُ الْإِيلَاءِ

قَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ: الْإِيلَاءُ الْحَلِفُ، وَأَصْلُهُ الِامْتِنَاعُ مِنَ الشَّيْءِ، يُقَالُ: آلَى يُولِي إِيلَاءً وَتَأَلَّى تَأَلِّيًا وَائْتَلَى ائْتِلَاءً، وَقَالَ فِي تَنْبِيهَاتِهِ: الْإِيلَاءُ لُغَةً الِامْتِنَاعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [النور: 22](سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 22) الْآيَةَ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِيمَا إِذَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ فَنَسَبُوا الْيَمِينَ إِلَيْهِ فَصَارَ الْإِيلَاءُ الْحَلِفَ، وَهُوَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ، وَشَذَّ ابْنُ سِيرِينَ فَقَالَ: هُوَ الْحَلِفُ عَلَى مَا فِي تَرْكِهِ مَسَاءَةٌ لَهَا وَطْئًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَحَلِفِهِ لَا يُكَلِّمُهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ لُغَةً الْيَمِينُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ.

1184 -

1165 - (مَالِكٌ، عَنْ جَعْفَرٍ) الصَّادِقِ (ابْنِ مُحَمَّدٍ) الْبَاقِرِ (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) وَفِيهِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَإِنْ مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ حَتَّى يُوقَفَ) عِنْدَ الْحَاكِمِ (فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ) يَطَأُ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ

ص: 262

لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ الطَّلَاقُ إِذَا حَنَثَ نَفْسَهُ قَبْلَ تَمَامِهَا، فَإِنْ مَضَتْ فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَافَّةِ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِمُضِيِّهَا بَلْ حَتَّى يُوقِفَهُ الْحَاكِمُ فَيَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ، فَتَقْدِيرُ الْآيَةِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ: فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ، وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ: فَإِنْ فَاءُوا بَعْدَهَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 5](سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 5) حُجَّةٌ لِلْكَافَّةِ ; لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بِمُضِيِّهَا لَمْ يَقَعْ لِلْعَزْمِ عَلَيْهِ بَعْدَهَا مَعْنًى.

ص: 263

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَيُّمَا رَجُلٍ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فَإِنَّهُ إِذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وُقِفَ حَتَّى يُطَلِّقَ أَوْ يَفِيءَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إِذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ حَتَّى يُوقَفَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1185 -

1166 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٍ آلَى مِنِ امْرَأَتِهِ فَإِنَّهُ إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وُقِفَ حَتَّى يُطَلِّقَ) بِنَفْسِهِ (أَوْ يَفِيءَ) يَرْجِعَ إِلَى جِمَاعِهَا (وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ) وَلَمْ يُجَامِعْ فِيهَا (حَتَّى يُوقَفَ) عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَيُطَلِّقُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَفِيءُ وَإِلَّا طُلِّقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْأَثَرُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا، وَعَارَضَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: إِذَا آلَى فَلَمْ يَفِئْ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ ثَابِتَةٌ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يُنْهِضُ مُعَارَضَتَهِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِخْرَاجِ الْبُخَارِيِّ لِرِجَالِ السَّنَدِ الَّذِي خَرَّجَهُ غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَرَّجِ فِيهِ نَفْسُهُ، وَلِذَا كَانَ الصَّحِيحُ مَرَاتِبَ فَيُقَدَّمُ عِنْدَ التَّعَارُضِ مَا أَخْرَجَهُ عَلَى مَا خَرَّجَهُ غَيْرُهُ بِشَرْطِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ انْتِهَاضِ الْمُعَارَضَةِ لَمْ يَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ فَيَرْجِعُ إِلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، وَكَيْفَ يُسَلَّمُ وَالتَّرْجِيحُ يَقَعُ بِمُوَافَقَةِ الْأَكْثَرِ مَعَ مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ.

ص: 263

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَا يَقُولَانِ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ إِنَّهَا إِذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1167 -

(مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَا يَقُولَانِ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ) تَقَعُ بِمُضِيِّهَا

ص: 263

(وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ) لِأَنَّ طَلَاقَ الْإِيلَاءِ رَجْعِيٌّ.

ص: 264

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الرَّجُلِ إِذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إِذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ رَأْيُ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ فَيُوقَفُ فَيُطَلِّقُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ ثُمَّ يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ فَإِنَّ ارْتِجَاعَهُ إِيَّاهَا ثَابِتٌ عَلَيْهَا فَإِنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وُقِفَ أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَفِئْ دَخَلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِالْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ إِذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لِأَنَّهُ نَكَحَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَلَا عِدَّةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ فَيُوقَفُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَيُطَلِّقُ ثُمَّ يَرْتَجِعُ وَلَا يَمَسُّهَا فَتَنْقَضِي أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا إِنَّهُ لَا يُوقَفُ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَإِنَّهُ إِنْ أَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا وَإِنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهَا وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ.

قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَنْقَضِي الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ قَالَ هُمَا تَطْلِيقَتَانِ إِنْ هُوَ وُقِفَ وَلَمْ يَفِئْ وَإِنْ مَضَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَلَيْسَ الْإِيلَاءُ بِطَلَاقٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ الَّتِي كَانَتْ تُوقَفُ بَعْدَهَا مَضَتْ وَلَيْسَتْ لَهُ يَوْمَئِذٍ بِامْرَأَةٍ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى يَنْقَضِيَ أَكْثَرُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِيلَاءً وَإِنَّمَا يُوقَفُ فِي الْإِيلَاءِ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَأَمَّا مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ إِيلَاءً لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْأَجَلُ الَّذِي يُوقَفُ عِنْدَهُ خَرَجَ مِنْ يَمِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَقْفٌ قَالَ مَالِكٌ مَنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِيلَاءً وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَهُ إِيلَاءً

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1185 -

1168 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الرَّجُلِ إِذَا آلَى مِنِ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ) وَاحِدَةٌ (وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ رَأْيُ ابْنِ شِهَابٍ) فَوَافَقَ رَأْيُهُ رَأْيَ شَيْخِهِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي بَكْرٍ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ كَمَا عُلِمَ خِلَافَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ قَالَ: لَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ أَنَّ الْعَزِيمَةَ عَلَى الطَّلَاقِ تَكُونُ طَلَاقًا، وَلَوْ جَازَ لَكَانَ الْعَزْمُ عَلَى الْفَيْءِ فَيْئًا، وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ اللُّغَةِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي لَا يَنْوِي بِهَا الطَّلَاقَ تَقْتَضِي طَلَاقًا، وَالْعَطْفُ بِالْفَاءِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَلَا يَتَّجِهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّهَا، قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَجَلًا لَهُ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، كَمَا لَوْ أَجَّلْتَنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ أَخْذُ حَقِّكَ مِنِّي حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ وَاحِدًا مِنْ حُكْمَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ، فَقُلْنَا بِهَذَا، وَقُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حَتَّى يُحْدِثَ فَيْئَةً أَوْ طَلَاقًا.

وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْفَاءَ لِتَعْقِيبِ الْمَعْنَى فِي الزَّمَانِ فِي عَطْفِ الْمُفْرَدِ كَجَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو، وَتَدْخُلُ الْجُمَلُ لِتَفْصِيلِ مُجْمَلٍ قَبْلَهَا وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ لِلْأَوَّلِ نَحْوُ:{فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 153) فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ التَّعْقِيبَ الْحَقِيقِيَّ، بَلِ التَّعْقِيبَ الذِّكْرِيَّ بِأَنْ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَكَالْأَوَّلِ كَجَاءَ زَيْدٌ فَقَامَ عَمْرٌو، وَكُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ جَائِزُ الْإِرَادَةِ فِي الْآيَةِ؛ الْمَعْنَوِيُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِيلَاءِ، فَإِنْ فَاءُوا بَعْدَ الْإِيلَاءِ وَالذِّكْرَى فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ لَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ أَنْ يَتَرَبَّصُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَيْنُونَةً مَعَ عَدَمِ الْوَطْءِ كَانَ مَوْضِعَ تَفْصِيلِ الْحَالِ فِي الْأَمْرَيْنِ، فَقَوْلُهُ:{فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] إِلَى قَوْلِهِ {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 226، 227) وَاقِعٌ لِهَذَا الْغَرَضِ، فَيَصِحُّ كَوْنُ الْمُرَادِ: فَإِنْ فَاءُوا أَيْ رَجَعُوا عَمَّا اسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ تَعْقِيبًا عَلَى الْإِيلَاءِ، التَّعْقِيبُ الذِّكْرِيِّ أَوْ بَعْدَهَا

ص: 264

تَعْقِيبًا عَلَى التَّرَبُّصِ {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 5] لِمَا حَدَثَ مِنْهُمْ مِنَ الْيَمِينِ عَلَى الظُّلْمِ وَعَقْدِ الْقَلْبِ اهـ. وَمَا فِيهِ مِنَ التَّعَسُّفِ الَّذِي يَنْبُو عَنْهُ الظَّاهِرُ غَنِيٌّ عَنْ رَدِّهِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ فَيُوقَفُ فَيُطَلِّقُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ ثُمَّ يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ: أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا) وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ: فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهَا، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعُذْرِ) الَّذِي لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْجِمَاعِ (فَإِنَّ ارْتِجَاعَهُ إِيَّاهَا ثَابِتٌ عَلَيْهَا، فَإِنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وُقِفَ أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَفِئْ) يَطَأْ (دَخَلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِالْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ ; لِأَنَّهُ نَكَحَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَلَا عِدَّةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49](سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 49)(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ فَيُوقَفُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيُطَلِّقُ ثُمَّ يَرْتَجِعُ وَلَا يَمَسُّهَا فَتَنْقَضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) لِتَأَخُّرِهَا بِحَمْلٍ وَنَحْوِهِ (أَنَّهُ لَا يُوقَفُ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَأَنَّهُ إِنْ أَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ

ص: 265

الْأَشْهُرِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ قَالَ: هُمَا تَطْلِيقَتَانِ إِنْ هُوَ وَقَفَ وَلَمْ يَفِئْ، وَإِنْ مَضَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهَرِ فَلَيْسَ الْإِيلَاءُ بِطَلَاقٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهَرِ الَّتِي كَانَتْ تُوقِفُ بَعْدَهَا مَضَتْ وَلَيْسَتْ لَهُ يَوْمَئِذٍ بِامْرَأَةٍ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَالطَّلَاقُ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمَرْأَةِ (وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا ثُمَّ مَكَثَ) بِلَا وَطْءٍ (حَتَّى يَنْقَضِيَ أَكْثَرُ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِيلَاءً) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَشَذَّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ فِي آخَرَيْنِ فَقَالُوا: إِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَعَكَسَ ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ: كُلُّ مَنْ وَقَّتَ فِي يَمِينِهِ وَقْتًا وَإِنْ طَالَ فَلَيْسَ بِمُولٍ وَإِنَّمَا الْمُولِي مَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ لِلْأَبَدِ (إِنَّمَا يُوقَفُ فِي الْإِيلَاءِ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرِ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، فَأَمَّا مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَدْنَى) أَقَلَّ (مِنْ ذَلِكَ، فَلَا أَرَى عَلَيْهِ إِيلَاءً ; لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ) وَفِي نُسْخَةٍ: جَاءَ (الْأَجَلُ الَّذِي يُوقَفُ عِنْدَهُ خَرَجَ مِنْ يَمِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَقْفٌ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْبِرُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَبَعْدَهَا يَفْنَى صَبْرُهَا أَوْ يَقِلُّ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ: يَكُونُ مُولِيًا بِالْحَلِفِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَبِهِ قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَتَمَسَّكَ الْأَوَّلُ بِمَا تُعْطِيهِ الْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 226) فَإِنَّ ظَاهِرَهَا يَسْتَلْزِمُ تَأْخِيرَ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا، وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِأَنَّ زَمَنَ الْفَيْئَةِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ، وَكَذَلِكَ أَنَّ الشَّرْطِيَّةُ فَإِنَّهَا تُصَيِّرُ الْمَاضِيَ بَعْدَهَا مُسْتَقْبَلًا، فَلَوْ طُلِبَتِ الْفَيْئَةُ فِي الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِيَبْقَى مَعْنَى الْمُضِيُّ بَعْدَهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بَعْدَ دُخُولِهَا وَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَرَى فِي الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْفَاءَ لِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ تَأَخُّرُ الْمُسَبَّبِ عَنْ سَبَبِهِ فِي الزَّمَانِ بَلِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْمُقَارَنَةُ، وَأَرَى أَيْضًا حَذْفَ كَانَ بَعْدَ أَنْ، أَيْ فَإِنْ كَانُوا فَاءُوا كَمَا تَأَوَّلَ مِثْلَهُ فِي قَوْلِهِ:{إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116](سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 116) وَالْقَرِينَةُ الْمُعَيَّنَةُ لِذَلِكَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ اللَّامُ مِنْ قَوْلِهِ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226]

ص: 266

(سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 226) فَالتَّرَبُّصُ إِذًا مَقْصُورٌ عَلَيْهَا لَا غَيْرَ، وَرُدَّ بِأَنَّ الَّذِي فِي اللَّامِ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَالْفَيْئَةُ أَمْرٌ يَكُونُ بَعْدَهَا فَلَيْسَ مَقْصُورًا عَلَيْهَا. (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلِفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِيلَاءً) لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ عَدَمَ ضَرَرِ وَلَدِهِ لَا الِامْتِنَاعَ مِنَ الْوَطْءِ (وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَهُ إِيلَاءً) أَتَى بِهِ تَقْوِيَةً لِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ.

ص: 267

[بَاب إِيلَاءِ الْعَبْدِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ إِيلَاءِ الْعَبْدِ فَقَالَ هُوَ نَحْوُ إِيلَاءِ الْحُرِّ وَهُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَإِيلَاءُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

7 -

بَابُ إِيلَاءِ الْعَبِيدِ

بِالْجَمْعِ، وَفِي نُسْخَةٍ:(الْعَبْدِ) ، بِالْإِفْرَادِ.

1186 -

1169 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ إِيلَاءِ الْعَبْدِ فَقَالَ: هُوَ نَحْوُ إِيلَاءِ الْحُرِّ، وَهُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ) كَالْحُرِّ (وَإِيلَاءُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ) وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ، لَكِنَّهُ قَالَ: أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ، وَقِيلَ أَجْلُهُ كَالْحُرِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ مَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْبَيْنُونَةِ فَوَجَبَ نُقْصَانُهُ فِيهِ عَنِ الْحَرِّ، أَصْلُهُ الطَّلَاقُ، قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ.

ص: 267

[بَاب ظِهَارِ الْحُرِّ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَةً إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِنَّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأَةً عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

8 -

بَابُ ظِهَارِ الْحُرِّ

بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، مَصْدَرُ ظَاهَرَهُ، مُفَاعَلَةٌ مِنَ الظَّهْرِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ تَرْجِعُ إِلَى الظَّهْرِ مَعْنًى وَلَفْظًا بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ، فَيُقَالُ: ظَاهَرْتُ فُلَانًا إِذَا قَابَلْتُ ظَهْرَكَ بِظَهْرِهِ حَقِيقَةً، وَإِذَا غَايَظْتَهُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ تُدَابِرْهُ حَقِيقَةً، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُغَايَظَةَ تَقْتَضِي هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ وَظَاهَرْتُهُ إِذَا نَصَرْتُهُ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ: قَوَّى ظَهْرَهُ إِذَا نَصَرَهُ، وَظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَظَاهَرَ بَيْنَ ثَوْبَيْنِ إِذَا لَبِسَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ عَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِ مَا يَلِي كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ ظَهْرًا لِلثَّوْبِ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ كَوْنُ لَفْظِ الظَّهْرِ فِي بَعْضِ هَذِهِ التَّرَاكِيبِ مَجَازًا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِاشْتِقَاقَ مِنْهُ، وَيَكُونُ الْمُشْتَقُّ مَجَازًا أَيْضًا، وَقَدْ قِيلَ: الظَّهْرُ هُنَا مَجَازٌ عَنِ

ص: 267

الْبَطْنِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُرْكَبُ الْبَطْنُ فَكَظَهْرِ أُمِّي بِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ، وَلِأَنَّهُ عَمُودُهُ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ مَا هُوَ الصَّارِفُ عَنِ الْحَقِيقَةِ مِنَ النِّكَاتِ، ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَأْخُوذٌ مِنَ الظَّهْرِ لِأَنَّ الْوَطْءَ رُكُوبٌ وَهُوَ غَالِبًا إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الظَّهْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عَادَةَ كَثِيرٍ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ إِتْيَانُ النِّسَاءِ مِنْ قِبَلِ ظُهُورِهِنَّ، وَلَمْ تَكُنِ الْأَنْصَارُ تَفْعَلُ غَيْرُهُ اسْتِبْقَاءً لِلْحَيَاءِ وَطَلَبًا لِلسَّتْرِ وَكَرَاهَةً لِاجْتِمَاعِ الْوُجُوهِ حِينَئِذٍ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ، وَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ فَكَانُوا يَأْتُونَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْوَجْهِ، فَتَزَوَّجَ مُهَاجِرِيٌّ أَنْصَارِيَّةً فَرَاوَدَهَا عَلَى ذَلِكَ فَامْتَنَعَتْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 223) الْآيَةُ، عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا.

1187 -

1170 - (مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَقِيلَ بِسُكُونِهَا بِلَا يَاءٍ (ابْنِ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ (الزُّرَقِيِّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ، الْأَنْصَارِيِّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا) أَيْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى تَزَوُّجِهِ إِيَّاهَا (فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إِنَّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأَةً عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا، فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ) فَقَاسَ الْقَاسِمُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى تَعْلِيقِ الظِّهَارِ فِي اللُّزُومِ يُجَامِعُ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَنْعِ مِنَ الْمَرْأَةِ.

ص: 268

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا فَقَالَا إِنْ نَكَحَهَا فَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1187 -

1171 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنِ امْرَأَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا فَقَالَا: إِنْ نَكَحَهَا فَلَا يَمَسُّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ) فَوَافَقَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَلَى وُقُوعِ الظِّهَارِ الْمُعَلَّقِ.

ص: 268

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1189 -

1172

ص: 268

- (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ) بِأَنْ قَالَ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) لَا أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ.

ص: 269

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلَ ذَلِكَ.

قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا - فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 3 - 4] قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ تَظَاهَرَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ تَظَاهَرَ بَعْدَ أَنْ يُكَفِّرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَسَّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ قَالَ مَالِكٌ وَالظِّهَارُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالنَّسَبِ سَوَاءٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ ظِهَارٌ قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى {وَالَّذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] قَالَ سَمِعْتُ أَنَّ تَفْسِيرَ ذَلِكَ أَنْ يَتَظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُجْمِعَ عَلَى إِمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا فَإِنْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُجْمِعْ بَعْدَ تَظَاهُرِهِ مِنْهَا عَلَى إِمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنْ أَمَتِهِ إِنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا قَالَ مَالِكٌ لَا يَدْخُلُ عَلَى الرَّجُلِ إِيلَاءٌ فِي تَظَاهُرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ مِنْ تَظَاهُرِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1189 -

1173 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلَ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ عُرْوَةُ (قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ عِنْدَنَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ بِالتَّعَدُّدِ (قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ) وَفِي نُسْخَةٍ: فِي كِتَابِهِ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3](سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: الْآيَةُ 3)(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أَيْ إِعْتَاقُهَا، وَيُشْتَرَطُ أَنَّهَا مُؤْمِنَةً لِأَنَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ بِذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ هُنَا عَلَى ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ ; لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ يَقْتَضِي اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ لِأَجْلِ إِصْلَاحِ الْحِكْمَةِ، وَالْقَتْلُ مُبَايِنٌ لِلظِّهَارِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ بِبَادِئِ الرَّأَيِ، لَكِنْ يَرُدُّ مَا فِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ السَّوْدَاءِ:" «أَنَّ سَيِّدَهَا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: عَلَيَّ رَقَبَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ مَاذَا، أَفَأَعْتِقُهَا؟ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ اللَّهُ تَعَالَى؟ فَقَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: وَمَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» ". {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] : {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 3](سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةُ 3){فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] بِالْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِقُبْلَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ، حَمْلًا لَهُ عَلَى عُمُومِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى الْوَطْءِ فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَيُبَاشِرَ وَيَطَأَ الْفَرْجَ. فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصِّيَامَ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٍّ وَثُلْثَانِ بِمُدِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا خِلَافَ عِنْدِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ مُعْتَبَرٌ فَلَا يُجْزِئُ مَا دُونَهُ وَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِمْ مِقْدَارَ طَعَامِ السِّتِّينَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ ; لِأَنَّهُ سَدَّ سِتِّينَ خَلَّةً

ص: 269

وَهُوَ مَقْصُودُ الشَّرْعِ، وَرُدَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى عَدَدِ الْمَسَاكِينِ فَلَا يُتْرَكُ النَّصُّ الصَّرِيحُ لِاسْتِنْبَاطِ مَعْنًى مِنْهُ لِأَنَّهُ فَرْعٌ يَكُرُّ عَلَى أَصْلِهِ بِالْبُطْلَانِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنِ امْرَأَتِهِ فِي مَجَالِسٍ مُتَفَرِّقَةٍ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ تَظَاهَرَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ تَظَاهَرَ بَعْدَ أَنْ يُكَفِّرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا) لِأَنَّهُ ظِهَارٌ مُسْتَأْنَفٌ (وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَسَّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) وَإِنْ فَعَلَ حَرَامًا إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَعَدُّدُهَا (وَيَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ وَوَاقَعَهَا: " «لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ. (وَلِيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ) يَتُبْ إِلَيْهِ وَيَنْدَمْ (وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) وَتَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ حِينَئِذٍ مُطْلَقًا، بَقِيَتِ الْمَرْأَةُ فِي عِصْمَتِهِ أَمْ لَا، قَامَتْ بِحَقِّهَا فِي الْوَطْءِ أَمْ لَا ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَطَأْ وَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ أَوْ لَمْ تَقُمْ بِحَقِّهَا فِي الْوَطْءِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ وَحَقُّ اللَّهِ أَوْكَدُ. (وَالظِّهَارُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَالنَّسَبِ سَوَاءٌ) لِأَنَّهُ تَشْبِيهُ مَنْ تَحِلُّ بِمَنْ تَحْرُمُ، فَهُوَ شَامِلٌ لِمَنْ حُرِّمَتْ بِالرَّضَاعَةِ (وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ ظِهَارٌ) فَإِذَا تَظَاهَرَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا جَعَلَهُ لِلرِّجَالِ فَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلنِّسَاءِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] (سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةُ 3) قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّ تَفْسِيرَ ذَلِكَ أَنْ يَتَظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُجْمِعُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ، يَعْزِمُ وَيُصَمِّمُ (عَلَى إِمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا) الَّذِي هُوَ خِلَافُ قَصْدِ الظِّهَارِ مِنْ وَصْفِ الْمَرْأَةِ بِالتَّحْرِيمِ (فَإِنْ أَجْمَعَ) عَزَمَ وَصَمَّمَ (عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ دُخُولَ الْفَاءِ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ الْمَوْصُولِ دَلِيلٌ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ كَقَوْلِكَ: الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، فَبِانْتِفَاءِ الْعَوْدِ يَنْتَفِي الْوُجُوبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ

ص: 270

وَلِذَا قَالَ: (وَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُجْمِعْ بَعْدَ تَظَاهُرِهِ مِنْهَا عَلَى إِمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لَا وُجُوبًا وَلَا غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ انْتِفَاءُ الْجَوَازِ ; لِأَنَّ الْوُجُوبَ إِمَّا أَخَصُّ أَوْ حَقِيقَةً أُخْرَى، لَكِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ الْجَوَازَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْعَوْدِ. (قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ) الطَّلَاقِ (لَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ) لِعُمُومِ الْآيَةِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنْ أَمَتِهِ: أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا) لِأَنَّهُ فَرْجٌ حَلَالٌ فَيَحْرُمُ بِالتَّحْرِيمِ، فَدَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3](سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةُ 3) إِذْ لَا شَكَّ أَنَّهَا مِنَ النِّسَاءِ لُغَةً وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالزَّوْجَاتِ الْعُرْفُ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ: سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْ سَرِيَّتِهِ فَقَالَ: قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: مِثْلُ ظِهَارِ الْحُرَّةِ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا الظِّهَارُ مِنَ الزَّوْجَةِ لَا الْأَمَةِ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ النِّسَاءِ أَيْ عُرْفًا، وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الظِّهَارُ كَانَ طَلَاقًا ثُمَّ أُحِلَّ بِالْكَفَّارَةِ، فَكَمَا لَا حَظَّ لِلْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ لَا حَظَّ لَهَا فِي الظِّهَارِ. (وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الرَّجُلِ إِيلَاءٌ فِي تَظَاهُرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ مِنْ تَظَاهُرِهِ) فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ.

ص: 271

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا عَلَيْكِ مَا عِشْتِ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُجْزِيهِ عَنْ ذَلِكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1190 -

1174 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا عَلَيْكِ مَا عِشْتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ (فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: يَجْزِيهِ عَنْ ذَلِكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ) إِنْ وَجَدَهَا وَإِلَّا فَالصَّوْمُ ثُمَّ الْإِطْعَامُ، فَالْمَعْنَى يَجْزِيهِ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ.

ص: 271

[بَاب ظِهَارِ الْعَبِيدِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ ظِهَارِ الْعَبْدِ فَقَالَ نَحْوُ ظِهَارِ الْحُرِّ قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْحُرِّ قَالَ مَالِكٌ وَظِهَارُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَصِيَامُ الْعَبْدِ فِي الظِّهَارِ شَهْرَانِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَتَظَاهَرُ مِنْ امْرَأَتِهِ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إِيلَاءٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ يَصُومُ صِيَامَ كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ دَخَلَ عَلَيْهِ طَلَاقُ الْإِيلَاءِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صِيَامِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

9 -

بَابُ ظِهَارِ الْعَبِيدِ

1191 -

1175 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ ظِهَارِ الْعَبِيدِ فَقَالَ: نَحْوُ ظِهَارِ الْحُرِّ) بِجَامِعِ التَّكْلِيفِ (قَالَ مَالِكٌ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْحُرِّ) كَالطَّلَاقِ (وَظِهَارُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، وَصِيَامُ الْعَبْدِ فِي الظِّهَارِ شَهْرَانِ) كَالْحُرِّ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَى النَّصْفِ مِنَ الْحُرِّ، وَتَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْإِطْعَامِ أَجْزَأَهُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَتَظَاهَرُ مِنِ امْرَأَتِهِ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إِيلَاءٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ يَصُومُ صِيَامَ كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ) شَهْرَيْنِ (دَخَلَ عَلَيْهِ طَلَاقُ الْإِيلَاءِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صِيَامِهِ) لِأَنَّ إِيلَاءَ الْعَبْدِ شَهْرَانِ وَأَجَلُهُ شَهْرَانِ، فَلَوْ أَفْطَرَ سَاهِيًا أَوْ لِمَرَضٍ لَا يَنْقَضِي أَجْلُهُ قَبْلَ تَمَامِ كَفَّارَتِهِ، وَهُوَ بَعْضُ مَا يُعْذَرُ بِهِ الْعَبْدُ فِي عَدَمِ دُخُولِ الْإِيلَاءِ عَلَيْهِ، هَكَذَا وَجَهَهُ الْبَاجِيُّ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ تَوْجِيهِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى لُزُومِ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ.

ص: 272

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْخِيَارِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ فَكَانَتْ إِحْدَى السُّنَنِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً فِيهَا لَحْمٌ فَقَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

10 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخِيَارِ

1192 -

1176 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْمَدَنِيِّ الْفَقِيهِ، الْمَعْرُوفُ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ،

ص: 272

الْقَائِلُ فِيهِ مَالِكٌ: ذَهَبَتْ حَلَاوَةُ الْفِقْهِ مُنْذُ مَاتَ رَبِيعَةُ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (عَنْ) عَمَّتِهِ (عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ فَرَاءٌ ثَانِيَةٌ فَهَاءُ تَأْنِيثٍ، بِزِنَةِ فَعَيْلَةٍ، مِنَ الْبَرِيرِ، وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ، قِيلَ اسْمُ أَبِيهَا صَفْوَانُ وَإِنَّ لَهُ صُحْبَةً، وَقِيلَ كَانَتْ نَبَطِيَّةً وَقِيلَ قِبْطِيَّةً وَقِيلَ حَبَشِيَّةً، مَوْلَاةُ عَائِشَةَ، وَكَانَتْ تَخْدِمُهَا قَبْلَ أَنْ تَشْتَرِيَهَا، قِيلَ وَكَانَتْ مَوْلَاةً لِقَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقِيلَ لِآلِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَقِيلَ لِبَنِي هِلَالٍ، وَقِيلَ لِآلِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَالَّذِي هُوَ مَوْلَاهُمْ إِنَّمَا هُوَ زَوْجُهَا وَالثَّانِي خَطَأٌ، فَإِنَّ مَوْلَى عُتْبَةَ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَكَرَتْ لَهُ قِصَّةَ بَرِيرَةَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَأَخْرَجَ أَبُو عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ بَرِيرَةَ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَتْ تَقُولُ لِي: إِنِّي أَرَى فِيكَ خِصَالًا وَإِنَّكَ لَخَلِيقٌ أَنْ تَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ، فَإِنْ وَلَيْتَهُ فَاحْذَرِ الدِّمَاءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْفَعُ عَنْ بَابِ الْجَنَّةِ بَعْدَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ بِمَلْءِ مِحْجَمَةٍ مِنْ دَمٍ يُرِيقُهُ مِنْ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» ، انْتَهَى. عَاشَتْ بَرِيرَةُ إِلَى زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ.

(ثَلَاثُ سُنَنٍ) أَيْ عُلِمَ بِسَبَبِهَا ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ مِنَ الشَّرِيعَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: الْمَعْنَى أَنَّهَا شُرِعَتْ فِي قِصَّتِهَا وَمَا يَظْهَرُ فِيهَا مِمَّا سِوَى ذَلِكَ كَانَ قَدْ عَلِمَ قِصَّتَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي تَشْقِيقِ الْمَعَانِي مِنْ حَدِيثِ بِرَيْرَةَ وَتَخْرِيجِهَا، فَلِمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ، وَلِمُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ فِيهِ كِتَابٌ، وَلِجَمَاعَةٍ فِي ذَلِكَ أَبْوَابٌ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ وَاسْتِنْبَاطٌ مُحْتَمَلٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ دَلِيلٍ، وَالَّذِي قَصَدَتْهُ عَائِشَةُ هُوَ عِظَمُ الْأَمْرِ فِي قِصَّتِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ اسْتَخْرَجَ مِنْهُ مَا يَنِيفُ عَنْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَائِدَةً، وَجَمَعَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَوَائِدَ هَذَا الْحَدِيثِ فَزَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ لَخَّصَهَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بَرِيرَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيَّ ثَلَاثُ سُنَنٍ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ: إِنَّهُ خَطَأٌ يُعْنَى وَالصَّوَابُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ " أَرْبَعُ سُنَنٍ " وَزَادَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ (فَكَانَتْ إِحْدَى السُّنَنِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ، وَالَّذِي أَعْتَقَهَا عَائِشَةُ كَمَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ (فَخُيِّرَتْ) بِضَمِّ الْخَاءِ (فِي) فِرَاقِ (زَوْجِهَا) وَفِي الْبَقَاءِ مَعَهُ عَلَى عِصْمَتِهِ. وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ:" «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبَرِيرَةَ: اذْهَبِي فَقَدْ عُتِقَ مَعَكِ بِضْعُكِ» ". وَزَادَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا: " فَاخْتَارِي " وَإِنَّمَا خُيِّرَتْ لِتَضَرُّرِهَا بِالْمَقَامِ تَحْتَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تَتَعَيَّرُ بِهِ وَأَنَّ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ عَنْهَا، وَأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَلَا خِيَارَ لَهَا ; لِأَنَّ الْكَمَالَ الْحَادِثَ لَهَا حَاصِلٌ لَهُ، فَأَشْبَهَ

ص: 273

مَا إِذَا أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ، فَلَوْ عُتِقَ بَعْضُهَا فَلَا خِيَارَ لِبَقَاءِ النُّقْصَانِ وَأَحْكَامِ الرِّقِّ، وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ; إِذْ لَوْ طُلِّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: الْبَيْعُ طَلَاقٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ الْبَابِ، وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرِ أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَلَا يَبْطُلُ بَيْعُ الرَّقَبَةِ، كَمَا فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْمَسْبِيَّاتِ فَهُنَّ الْمُرَادُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ سَبَبِ نُزُولِهَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ حِينَ عَتَقَتْ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" «كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا وَيَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَبَّاسٍ: يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبَ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ رَاجَعْتِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَشْفَعُ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ كَانَ حُرًّا، وَبِهِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ لِقَوْلِهِمْ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْأَمَةِ إِذَا عَتَقَتْ مُطْلَقًا كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَدِيثَ الْأَسْوَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى رَاوِيهِ: هَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْأَسْوَدِ أَوْ رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ هُوَ قَوْلُ غَيْرِهِ؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَحَدُ الْحُفَّاظِ مِنْ طَبَقَةِ مُسْلِمٍ: خَالَفَ الْأَسْوَدُ النَّاسَ فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا عَنِ الْأَسْوَدِ وَحْدَهُ، وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَرَوَاهُ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ، وَإِذَا رَوَى عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ شَيْئًا وَعَمِلُوا بِهِ فَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ، وَإِذَا عُتِقَتِ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَعَقْدُهَا الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ لَا يُفْسَخُ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَوْلُ الْأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ، وَقَوْلُ الْعَبَّاسِ وَابْنِهِ عَبْدًا أَصَحُّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَكَذَا قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبُو الْأَسْوَدِ أُسَامَةُ اللَّيْثِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُعَلِّمُ، ثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا. فَهُوَ وَهْمٌ مِنْ مُوسَى أَوْ مِنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ هِشَامٍ ثُمَّ أَصْحَابَ جَرِيرٍ قَالُوا: كَانَ عَبْدًا، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَبِهِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا.

وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَةَ: كَانَ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا. فَأَخْبَرَتْ وَهِيَ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ بِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا ثُمَّ عَلَّلَتْ بِقَوْلِهَا: وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا، وَهَذَا لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَقُولُهُ إِلَّا تَوْقِيفًا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانَ عَبْدًا قَبْلَ الْعِتْقِ حُرًّا عِنْدَهُ لِأَنَّ الرِّقَّ يَعْقُبُهُ الْحُرِّيَّةُ لَا الْعَكْسُ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، تُعُقِّبَ بِأَنَّ مَحَلَّ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ إِذَا تَسَاوَتِ

ص: 274

الرِّوَايَتَانِ فِي الْقُوَّةِ، أَمَّا مَعَ التَّفَرُّدِ فِي مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ فَالْمُفْرَدَةُ شَاذَّةٌ وَالشَّاذُّ مَرْدُودٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَبِرِ الْجُمْهُورُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِمَا ذُكِرَ مَعَ قَوْلِهِمْ لَا يُصَارُ إِلَى التَّرْجِيحِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَهُمْ مَا لَمْ يَظْهَرِ الْغَلَطُ فِي إِحْدَاهُمَا، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يَوْمَ أُعْتِقَتْ، وَهَذَا يُبْطِلُ الْجَمْعَ، " وَمُغِيثٌ " بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ آخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ مَاكُولَا وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِمَّنْ قَالَ " مُعَتَّبٌ " بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْفَوْقِيَّةِ آخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ.

(وَ) السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) حِينَ أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَهَا وَقَالَ أَهْلُهَا: الْوَلَاءُ لَنَا ( «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ. وَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ. (وَ) السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) حُجْرَةَ عَائِشَةَ (وَالْبُرْمَةُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هِيَ الْقِدْرُ مُطْلَقًا وَجَمْعُهَا بُرَمٌ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الْحَجَرِ الْمَعْرُوفِ بِالْحِجَازِ (تَفُورُ) بِالْفَاءِ (بِلَحْمٍ) وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ: وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، وَكَذَا لِابْنِ وَهْبٍ وَزَادَ: فَدَعَا بِطَعَامٍ (فَقُرِّبَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ: قُدِّمَ (إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ، جَمْعُ إِدَامٍ، وَهُوَ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ، وَالْإِضَافَةُ لِلتَّخْصِيصِ « (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً) عَلَى النَّارِ (فِيهَا لَحْمٌ؟) » وَالْهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيرِ ( «فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ» ) بِضَمِّ التَّاءِ وَالصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ ( «بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» ) لِحُرْمَتِهَا عَلَيْكَ « (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هُوَ عَلَيْهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا (صَدَقَةٌ وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ) » حَيْثُ أَهْدَتْهُ لَنَا لِأَنَّ الصَّدَقَةَ يُسَوَّغُ لِلْفَقِيرِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْإِهْدَاءِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَتَصَرُّفِ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ، وَأَفَادَ أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الصِّفَةِ لَا عَلَى الْعَيْنِ، فَإِذَا تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الصَّدَقَةِ تَغَيَّرَ حُكْمُهَا، فَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ وَلَوْ هَاشِمِيًّا أَكْلُهَا وَشِرَاؤُهَا، وَسَأَلَ الْأُبِّيُّ: هَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُنْفَقُ مِنْ نُزُولِ الْمُرَابِطِينَ بِبَعْضِ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَيُضَيِّفُونَهُمْ بِحَرَامٍ أَوِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَرَامُ فَيَجْعَلُونَ بَعْضَ فُقَرَائِهِمْ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ صَدَقَةً ثُمَّ يَهَبُهُ لَهُمْ. قَالَ: وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ - يَقُولُ: لَا يُنْجِيهِمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَحَيُّلٌ، نَعَمْ إِذَا تَحَقَّقَتِ الْمَفْسَدَةُ بِعَدَمِ الْأَكْلِ جَازَ. وَمِنَ الْمَصَالِحِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْأَكْلِ خَوْفُهُمْ إِنْ لَمْ يَأْكُلُوا عَدَمَ قَبُولِهِمْ فِي رَدِّ مَا نَهَبُوهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَقْلِيلُ الْأَكْلِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَفِيهِ أَنَّ سُؤَالَ الرَّجُلِ عَمَّا يَرَى فِي بَيْتِهِ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ وَلَا مُنَافٍ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ: وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ لَيْسَ مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا

ص: 275

ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ فِيمَا عَهِدَ: أَيْنَ هُوَ وَمَا صُنِعَ بِهِ؟ وَأَمَّا شَيْءٌ يَجِدُهُ فَيَقُولُ: مَا هَذَا فَلَيْسَ مِنْهُ، مَعَ أَنَّ سُؤَالَهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ حُكْمَ مَا جَهِلُوا لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّمُوا لَهُ إِدَامَ الْبَيْتِ دُونَ سَيِّدِ الْأُدُمِ إِلَّا لِأَمْرٍ اعْتَقَدُوهُ، فَكَانَ كَذَلِكَ فَبَيَّنَ لَهُمْ حُكْمَهُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي النِّكَاحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الطَّلَاقِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ وَالْعِتْقِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 276

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَتَعْتِقُ إِنَّ الْأَمَةَ لَهَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَمَسَّهَا قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ مَسَّهَا زَوْجُهَا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا جَهِلَتْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فَإِنَّهَا تُتَّهَمُ وَلَا تُصَدَّقُ بِمَا ادَّعَتْ مِنْ الْجَهَالَةِ وَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَ أَنْ يَمَسَّهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1193 -

1177 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَتُعْتَقُ الْأَمَةُ: أَنَّ لَهَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَمَسَّهَا) فَإِنْ مَسَّهَا سَقَطَ خِيَارُهَا (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ مَسَّهَا زَوْجُهَا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا جَهِلَتْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارُ فَإِنَّهَا تُتَّهَمُ وَلَا تُصَدَّقُ بِمَا ادَّعَتْ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَ أَنْ يَمَسَّهَا) لِاشْتِهَارِ الْحُكْمِ.

ص: 276

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ يُقَالُ لَهَا زَبْرَاءُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَهِيَ أَمَةٌ يَوْمَئِذٍ فَعَتَقَتْ قَالَتْ فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَتْنِي فَقَالَتْ إِنِّي مُخْبِرَتُكِ خَبَرًا وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَصْنَعِي شَيْئًا إِنَّ أَمْرَكِ بِيَدِكِ مَا لَمْ يَمْسَسْكِ زَوْجُكِ فَإِنْ مَسَّكِ فَلَيْسَ لَكِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ قَالَتْ فَقُلْتُ هُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1194 -

1178 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنْ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهَا زَبْرَاءُ) بِزَايٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ فَرَاءٍ فَأَلِفٍ مَمْدُودَةٍ كَمَا ضَبَطَهَا ابْنُ الْأَثِيرِ (كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَهِيَ أَمَةٌ يَوْمَئِذٍ فَعَتَقَتْ، قَالَتْ) زَبْرَاءُ (فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَتْنِي فَقَالَتْ: إِنِّي مُخْبِرَتُكِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ فَمُوَحَّدَةٍ (خَبَرًا، وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَصْنَعِي شَيْئًا: إِنَّ أَمْرَكِ بِيَدِكِ مَا لَمْ يَمْسَسْكِ زَوْجُكِ فَإِنْ مَسَّكِ فَلَيْسَ لَكِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) أَيْ سَقَطَ خِيَارُكِ (قَالَتْ) زَبْرَاءُ (فَقُلْتُ: وَهُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ، فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا) لِكَرَاهَتِهَا الْبَقَاءَ مَعَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ لِابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي

ص: 276

قِصَّةِ بَرِيرَةَ مَرْفُوعًا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى مَا ذَهَبَا إِلَيْهِ. رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «لَمَّا خُيِّرَتْ بَرِيرَةُ رَأَيْتُ زَوْجَهَا يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَكَلَّمَ النَّاسُ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُطَالِبَ إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا صلى الله عليه وسلم: زَوْجُكِ وَأَبُو وَلَدِكِ! فَقَالَتْ: أَتَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ، قَالَتْ: فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا» ". وَكَانَ اسْمُهُ مُغِيثًا عَبْدًا لِآلِ الْمُغِيرَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ.

ص: 277

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهِ جُنُونٌ أَوْ ضَرَرٌ فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ فَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ ثُمَّ تَعْتِقُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ يَمَسَّهَا إِنَّهَا إِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1194 -

1179 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهِ جُنُونٌ أَوْ ضَرَرٌ فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ فَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ) بَقِيَتْ عِنْدَهُ (وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ) لِمَا يَنَالُهَا مِنَ الضَّرَرِ، وَتَخْيِيرُهَا يَنْفِيهِ (قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ ثُمَّ تَعْتِقُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ يَمَسَّهَا: أَنَّهَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا) لِبَقَاءِ بِضْعِهَا (وَهِيَ تَطْلِيقَةٌ) وَاحِدَةٌ لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِهَا (وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ.

ص: 277

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ إِذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخَيَّرَةِ إِذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ زَوْجُهَا لَمْ أُخَيِّرْكِ إِلَّا وَاحِدَةً فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ قَدْ قَبِلْتُ وَاحِدَةً وَقَالَ لَمْ أُرِدْ هَذَا وَإِنَّمَا خَيَّرْتُكِ فِي الثَّلَاثِ جَمِيعًا أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَقْبَلْ إِلَّا وَاحِدَةً أَقَامَتْ عِنْدَهُ عَلَى نِكَاحِهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِرَاقًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1197 -

1180 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: إِذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ) أَيِ الرَّجُلَ (فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) لِأَنَّهَا رَدَّتْ مَا جَعَلَهُ لَهَا. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخَيَّرَةِ إِذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا: فَقَدْ طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ زَوْجُهَا لَمْ أُخَيِّرْكِ إِلَّا وَاحِدَةً، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) فَهِيَ بِخِلَافِ الْمُمَلَّكَةِ

ص: 277

(وَإِنْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: قَدْ قَبِلْتُ وَاحِدَةً، وَقَالَ: لَمْ أَرَ هَذَا إِنَّمَا خَيَّرْتُكِ فِي الثَّلَاثِ جَمِيعًا: أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَقْبَلْ إِلَّا وَاحِدَةً أَقَامَتْ عِنْدَهُ عَلَى نِكَاحِهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِرَاقًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عز وجل أَتَى بِهِ تَبَرُّكًا إِذِ الْحُكْمُ عِنْدَهُ مَا ذُكِرَ.

ص: 278

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ هَذِهِ فَقَالَتْ أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا شَأْنُكِ قَالَتْ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ زَوْجُهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

11 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ

بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَلْعِ بِفَتْحِ الْخَاءِ: النَّزْعُ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسٌ لِلْآخَرِ فِي الْمَعْنَى، قَالَ تَعَالَى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) فَكَأَنَّهُ بِمُفَارَقَةِ الْآخَرِ نَزَعَ لِبَاسَهُ، وَضُمَّ مَصْدَرُهُ ; تَفْرِقَةً بَيْنَ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ فِي أَمَالِيهِ: أَنَّ أَوَّلَ خُلْعٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا، أَنَّ عَامِرَ بْنَ الظَّرِبِ، بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَمُوَحَّدَةٍ، زَوْجُ بِنْتِهِ لِابْنِ أَخِيهِ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الظَّرِبِ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ نَفَرَتْ مِنْهُ، فَشَكَى إِلَى أَبِيهَا، فَقَالَ: لَا أَجْمَعُ عَلَيْكَ فِرَاقَ أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَقَدْ خَلَعْتُهَا مِنْكَ بِمَا أَعْطَيْتَهَا، قَالَ: فَزَعَمَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ هَذَا كَانَ أَوَّلُ خُلْعٍ فِي الْعَرَبِ.

1198 -

1181 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ حَبِيبَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ (بِنْتِ سَهْلِ) بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ (الْأَنْصَارِيِّ) النَّجَّارِيِّ، صَحَابِيَّةٌ (أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ فَأَلِفٌ فَمُهْمَلَةٌ، الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ، خَطِيبُ الْأَنْصَارِ، مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، بَشَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ، وَنَفَّذَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَصِيَّتَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَنَامٍ رَآهُ بَعْضُهُمْ. (وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى) صَلَاةِ (الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي

ص: 278

الْغَلَسِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ، بَقِيَّةُ الظَّلَامِ (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا شَأْنُكِ؟) أَمْرُكِ وَحَالُكِ (قَالَتْ: لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا) وَفِي رِوَايَةِ الدَّيْلَمَيِّ وَابْنِ سَعْدٍ: أَنَّ ثَابِتًا كَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ، فَضَرَبَهَا (فَلَمَّا جَاءَ زَوْجُهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذِهِ حُبَيْبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ، فَذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ) فِي شَكْوَاهَا مِنْكَ، وَلَمْ يُفْصِحْ لَهُ بِهِ دَفْعًا لَنُفْرَتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" «أَوَّلُ خُلْعٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ رَأْسِي وَرَأْسُ ثَابِتٍ أَبَدًا، إِنِّي رَفَعْتُ جَانِبَ الْخِبَاءِ فَرَأَيْتُهُ أَقْبَلَ فِي عِدَّةٍ، فَإِذَا هُوَ أَشُدُّهُمْ سَوَادًا وَأَقْصَرُهُمْ قَامَةً وَأَقْبَحُهُمْ وَجْهًا، فَقَالَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَإِنْ شَاءَ زِدْتُهُ» "(فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ الْبَزَّارِ: وَكَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَدِيقَةِ نَخْلٍ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِثَابِتٍ: خُذْ مِنْهَا» ) أَمْرُ إِرْشَادٍ وَإِصْلَاحٍ لَا أَمْرَ إِيجَابٍ، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ: فَرَدَّتْ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ (فَأَخَذَ مِنْهَا) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً (وَجَلَسَتْ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ: فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ خُلْعٍ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ثَابِتٍ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ وَابْنُ سَعْدٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَسْمِيَةُ امْرَأَةِ ثَابِتٍ جَمِيلَةُ أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَكَذَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ: جَمِيلَةَ بِنْتِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، وَفِي ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا جَمِيلَةُ بِنْتُ سَلُولٍ، وَاخْتُلِفَ فِي سَلُولٍ هَلْ هِيَ أُمُّ أُبَيٍّ أَوِ امْرَأَتُهُ؟ وَجُمِعَ بِالْحَمْلِ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَأَنَّهُمَا قِصَّتَانِ لِشُهْرَةِ الْخَبَرَيْنِ وَصِحَّةِ الطَّرِيقَتَيْنِ وَاخْتِلَافِ السِّيَاقَيْنِ. وَفِي الْبَزَّارِ عَنْ عُمَرَ: أَوَّلُ مُخْتَلِعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ، كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَزَوُّجَ حَبِيبَةَ قَبْلَ جَمِيلَةَ. وَلِلنِّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ:" أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَكَسَرَ يَدَهَا، وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَتَى أَخُوهَا يَشْتَكِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ". وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ كَانْتَ عِنْدَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ زَيْنَبُ وَأُخْتُهَا

ص: 279

أَوْ عَمَّتُهَا جَمِيلَةُ وَاحِدَةٌ بَعْدَ أُخْرَى، أَوْ أَنَّ اسْمَهَا زَيْنَبُ وَلَقَبَهَا جَمِيلَةُ، فَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ بِهَذَا فَالْمَوْصُولُ الْمُعْتَضِدُ بِقَوْلِ أَهْلِ النَّسَبِ أَنَّ اسْمَهَا جَمِيلَةُ أَصَحُّ، وَبِهِ جَزَمَ الدِّمْيَاطِيُّ وَقَالَ: إِنَّهَا شَقِيقَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، أُمُّهُمَا خَوْلَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ. وَفِي النَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ: تَسْمِيَةُ امْرَأَةِ ثَابِتٍ: مَرْيَمُ الْمَغَالِيَةُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَخِفَّةِ الْمُعْجَمَةِ، نِسْبَةٌ إِلَى مَغَالَةَ، امْرَأَةٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَلَدَتْ لِعَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَلَدَهُ عَدِيًّا، فَبَنُو عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ يُعْرَفُونَ كُلُّهُمْ بِبَنِيِ مَغَالَةَ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ مِنْ تَعَدُّدِ الْمُخْتَلِعَاتِ مِنْ ثَابِتٍ لَيْسَ بِبَعِيدٍ.

ص: 280

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مَوْلَاةٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا أَنَّهُ إِذَا عُلِمَ أَنَّ زَوْجَهَا أَضَرَّ بِهَا وَضَيَّقَ عَلَيْهَا وَعُلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا مَضَى الطَّلَاقُ وَرَدَّ عَلَيْهَا مَالَهَا قَالَ فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَسْمَعُ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1199 -

1182 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ مَوْلَاةٍ) أَمَةٌ (لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، زَوْجُ ابْنِ عُمَرَ (اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 229)(قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا: أَنَّهُ إِنْ) وَفِي نُسْخَةٍ: إِذَا (عُلِمَ أَنَّ زَوْجَهَا أَضَرَّ بِهَا وَضَيَّقَ عَلَيْهَا وَعُلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا) حَتَّى افْتَدَتْ مِنْهُ (مَضَى الطَّلَاقُ، وَرَدَّ عَلَيْهَا مَالَهَا) جَبْرًا عَلَيْهِ (فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَسْمَعُ) مِنَ الْعُلَمَاءِ (وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَقَدْ قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَ زَوْجَةِ ثَابِتٍ: وَإِنْ شَاءَ زِدْتُهُ.

ص: 280

[بَاب طَلَاقِ الْمُخْتَلِعَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوَّذِ بْنِ عَفْرَاءَ جَاءَتْ هِيَ وَعَمُّهَا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

12 -

بَابُ طَلَاقِ الْمُخْتَلِعَةِ

1200 -

1183 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رُبَيِّعَ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَثْقِيلِ التَّحْتِيَّةِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، صَحَابِيَّةٌ لَهَا أَحَادِيثُ، وَرُبَّمَا غَزَتْ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الصَّحِيحِ (بِنْتَ مُعَوَّذٍ) بِشَدِّ الْوَاوِ

ص: 280

مَفْتُوحَةً عَلَى الْأَشْهَرِ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِالْكَسْرِ، وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ، شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ مِمَّنْ قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى اسْتُشْهِدَ بِبَدْرٍ (ابْنِ عَفْرَاءَ) بِنْتِ عُبَيْدٍ النَّجَّارِيَّةِ الصَّحَابِيَّةِ، وَهِيَ أُمُّ مُعَوَّذٍ وَمُعَاذٍ وَعَوْفٍ أَوْلَادِ الْحَارِثِ، وَإِلَيْهَا يُنْسَبُونَ، وَلَهَا خُصُوصِيَّةٌ لَمْ تُوجَدْ لِغَيْرِهَا هِيَ أَنَّهَا صَحَابِيَّةٌ لَهَا سَبْعَةُ بَنِينَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَإِخْوَتُهُمْ لِأُمِّهِمْ إِيَاسٌ وَخَالِدٌ وَعَاقِلٌ وَعَامِرٌ أَوْلَادُ الْبَكِيرِ بْنِ يَالِيلَ اللَّيْثِيِّ، شَهِدَ السَّبْعَةُ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (جَاءَتْ هِيَ وَعَمُّهَا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا) أَيِ الرُّبَيِّعَ (اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) أَيْ خِلَافَتِهِ (فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ) بَلْ قَضَى عَلَيْهَا، فَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوَّذٍ قَالَتْ:" قُلْتُ لِزَوْجِي: أَخْتَلِعُ مِنْكَ بِجَمِيعِ مَا أَمْلِكُ، قَالَ: نَعَمْ، فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ دِرْعِي، فَخَاصَمَنِي إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ: شَرْطُهُ، فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهِ ". وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَتَمَّ مِنْهُ وَقَالَ فِيهِ: الشَّرْطُ أَمْلَكُ، خُذْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى عِقَاصَ رَأْسِهَا، قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي حِصَارِ عُثْمَانَ، يَعْنِي سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ. . . (وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: عِدَّتُهَا عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ) إِذِ الْخُلْعُ طَلَاقٌ بِعِوَضٍ.

ص: 281

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَابْنَ شِهَابٍ كَانُوا يَقُولُونَ عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ مِثْلُ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ إِنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ فَإِنْ هُوَ نَكَحَهَا فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ الطَّلَاقِ الْآخَرِ وَتَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا افْتَدَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِشَيْءٍ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا مُتَتَابِعًا نَسَقًا فَذَلِكَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ فَمَا أَتْبَعَهُ بَعْدَ الصُّمَاتِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1200 -

1184 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَابْنَ شِهَابٍ كَانُوا يَقُولُونَ: عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ مِثْلُ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ) إِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا أَوْ آيِسَةً. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ: أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) لِأَنَّ طَلَاقَ الْخُلْعِ بَائِنٌ (فَإِنْ هُوَ نَكَحَهَا) عَقَدَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْخُلْعِ (فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنَ الطَّلَاقِ الْآخَرِ) الْوَاقِعُ بَعْدَ طَلَاقِ الْخُلْعِ (وَتَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى) لِعَدَمِ الْمَسِيسِ (وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]

ص: 281

(سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 49) فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِهَذِهِ الصُّورَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: إِذَا افْتَدَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِشَيْءٍ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا مُتَتَابِعًا نَسَقًا) بِلَا فَاصِلٍ، وَهُوَ بِمَعْنَى مُتَتَابِعًا (فَذَلِكَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ) لَازِمٌ لَهُ (فَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ) بِضَمِّ الصَّادِ، مَصْدَرٌ (فَمَا أَتْبَعَهُ بَعْدَ الصُّمَاتِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهَا بَانَتْ بِمَا قَبِلَهُ فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ.

ص: 282

[بَاب مَا جَاءَ فِي اللِّعَانِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ «أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ يَا عَاصِمُ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ عُوَيْمِرٌ وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا فَقَامَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» قَالَ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ تِلْكَ بَعْدُ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

13 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي اللِّعَانِ

مَصْدَرُ لَاعَنَ سَمَاعِيٌّ لَا قِيَاسِيٌّ، وَالْقِيَاسِيُّ الْمُلَاعَنَةُ مِنَ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، يُقَالُ: مِنْهُ الْتَعْنَ أَيْ لَعَنَ نَفْسَهُ، وَلَاعَنَ إِذَا فَاعَلَ غَيْرَهُ مِنْهُ، وَرَجُلٌ لُعْنَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ كَهُمْزَةٍ إِذَا كَانَ كَثِيرَ اللَّعْنِ لِغَيْرِهِ، وَبِسُكُونِ الْعَيْنِ إِذَا لَعَنَهُ النَّاسُ كَثِيرًا، الْجَمْعُ لُعَنٌ كَصُرَدٍ، وَلَاعَنَتْهُ امْرَأَتُهُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا فَتَلَاعَنَا وَالْتَعَنَا لَعَنَ بَعْضٌ بَعْضًا، وَلَاعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا لِعَانًا حَكَمَ، وَفِي الشَّرْعِ: كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إِلَى قَذْفِ مَنْ لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ أَوْ إِلَى وَلَدٍ، وَسُمِّيَتْ لِعَانًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى كَلِمَةِ اللَّعْنِ ; تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَلَاعِنِينَ يَبْعُدُ عَنِ الْآخَرِ بِهَا إِذْ يَحْرُمُ النِّكَاحُ بِهَا أَبَدًا، وَاخْتِيرَ لَفْظُ اللِّعَانِ عَلَى لَفْظَيِ الشَّهَادَةِ وَالْغَضَبِ وَإِنِ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِمَا الْكَلِمَاتُ أَيْضًا ; لِأَنَّ اللَّعْنَ كَلِمَةٌ غَرِيبَةٌ فِي قِيَامِ الْحُجَجِ مِنَ الشَّهَادَاتِ وَالْأَيْمَانِ، وَالشَّيْءُ يُشَهَّرُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْغَرِيبِ، وَعَلَيْهِ جَرَتْ أَسْمَاءُ السُّوَرِ، وَلِأَنَّ الْغَضَبَ يَقَعُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ، وَجَانِبُ الرَّجُلِ أَقْوَى، وَلِأَنَّ لِعَانَهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى لِعَانِهَا وَالسَّبْقُ وَالتَّقْدِيمُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ.

1201 -

1185 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ) بْنِ مَالِكٍ (السَّاعِدِيَّ) الْخَزْرَجِيَّ الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ (أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ، تَصْغِيرُ عَامِرٍ، ابْنَ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْجَدِّ بْنِ عَجْلَانَ (الْعَجْلَانِيَّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، نِسْبَةً إِلَى جَدِّهِ هَذَا، وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ: عُوَيْمِرُ بْنُ أَشْقَرَ، وَفِي الِاسْتِيعَابِ: عُوَيْمِرُ بْنُ أَبْيَضَ، قَالَ الْحَافِظُ: فَلَعَلَّ

ص: 282

أَبَاهُ كَانَ يُلَقَّبُ أَشْقَرَ أَوْ أَبْيَضَ، وَفِي الصَّحَابَةِ عُوَيْمِرُ ابْنُ أَشْقَرَ آخَرُ مَازِنِيٌّ، رَوَى لَهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثًا فِي الْأَضَاحِي (جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ) بْنِ الْجَدِّ بْنِ الْعَجْلَانِيِّ (الْأَنْصَارِيِّ) شَهِدَ أُحُدًا، مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَقَدْ جَازَ الْمِائَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ وَالِدِ عُوَيْمِرٍ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: وَكَانَ، أَيْ عَاصِمٌ، سَيِّدُ بَنِي عَجْلَانَ (فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَاصِمٍ أَرَأَيْتَ رَجُلًا) أَيْ أَخْبِرْنِي عَنْ حُكْمِ رَجُلٍ (وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا) أَجْنَبِيًّا مِنْهَا (أَيَقْتُلُهُ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الِاسْتِخْبَارِيِّ أَيْ أَيَقْتُلُ الرَّجُلَ؟ (فَتَقْتُلُونَهُ؟) قِصَاصًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45](سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 45) وَلِمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَإِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ؟ ". وَلَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " إِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، وَإِنْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ ". وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4](سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 4) الْآيَةُ، قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ: إِنْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَّا بَيْتَهُ فَرَأَى رَجُلًا عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ رِجَالٍ يَشْهَدُونَ بِذَلِكَ فَقَدْ قَضَى الرَّجُلُ حَاجَتَهُ وَذَهَبَ، وَإِنْ قَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ قَالَ وَجَدْتُ فُلَانًا مَعَهَا ضُرِبَ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ. (أَمْ كَيْفَ) مَفْعُولٌ بِهِ لِقَوْلِهِ:(يَفْعَلُ) أَيْ: أَيَّ شَيْءٍ يَفْعَلُ؟ وَأَمْ تَحْتَمِلُ الِاتِّصَالَ، يَعْنِي إِذَا رَأَى الرَّجُلُ هَذَا الْمُنْكَرَ الشَّنِيعَ وَالْأَمْرَ الْفَظِيعَ وَثَارَتْ عَلَيْهِ الْغَيْرَةُ، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ يَصْبِرُ عَلَى ذَلِكَ الشَّنَآنِ وَالْعَارِ؟ وَيُحْتَمَلُ الِانْقِطَاعُ سَأَلَ أَوَّلًا عَنِ الْقَتْلِ مَعَ الْقِصَاصِ ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْهُ إِلَى سُؤَالٍ آخَرَ ; لِأَنَّ (أَمِ) الْمُنْقَطِعَةَ مُتَضَمِّنَةٌ لِمَا يَلِي الْهَمْزَةَ، وَالْهَمْزَةُ تَسْتَأْنِفُ كَلَامًا آخَرَ، الْمَعْنَى: أَيَصْبِرُ عَلَى الْعَارِ أَوْ يُحْدِثُ اللَّهُ لَهُ أَمْرًا آخَرَ؟ لِذَا قَالَ: (سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ بِحَذْفِ الْمَقُولِ لِدَلَالَةِ السَّابِقِ عَلَيْهِ (فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسَائِلَ) الْمَذْكُورَةَ، (وَعَابَهَا) قَالَ عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَرِهَ قَذْفَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ لِاعْتِقَادِهِ الْحَدَّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ حُكْمِ اللِّعَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: «الْبَيِّنَةُ أَوِ الْحَدُّ فِي ظَهْرِكَ» ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَرِهَ السُّؤَالَ لِقُبْحِ النَّازِلَةِ وَهَتْكِ سِتْرِ الْمُسْلِمِ، أَوْ لِمَا كَانَ نَهَى عَنْهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ كَثْرَتِهِ سَدًّا لِبَابِ سُؤَالِ أَهْلِ التَّشْغِيبِ، أَوْ لِمَا فِي كَثْرَتِهِ مِنَ التَّضْيِيقِ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي لَوْ سَكَتُوا عَنْهَا لَمْ تَلْزَمْهُمْ وَتُرِكَتْ لِاجْتِهَادِهِمْ فِيهَا كَمَا قَالَ:«اتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ أَنْبِيَاءَهُمْ» . وَلِقَوْلِهِ: «أَعْظَمُ النَّاسِ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» . قَالَ الْمَازَرِيُّ: أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَسَائِلُ مُضْطَرًّا إِلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِالسُّؤَالِ عَنْهَا وَقَدْ

ص: 283

كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الْأَحْكَامِ فَلَا يَكْرَهُ، وَعَاصِمٌ إِنَّمَا سَأَلَ لِغَيْرِهِ غَيْرَ حَاجَةٍ، وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ عَلَى وَجْهِ التَّعْنِيتِ فَهَذَا الَّذِي يُكْرَهُ (حَتَّى كَبُرَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، عَظُمَ (عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌّ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟) جَوَابًا عَنِ السُّؤَالِ (فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ ; قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَعَابَهَا (فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَ عَنْهَا) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْحَاجَةُ فِي السُّؤَالِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَايَنَ الْمُقَدِّمَاتِ فَخَافَ الِانْتِهَاءَ إِلَى الْمَكْرُوهِ، وَكَذَلِكَ اتُّفِقَ، وَالْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ فَإِنَّهُ قَالَ: الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ وَقَعَ. قَالَ عِيَاضٌ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ الْحُكْمَ وَسَأَلَ عَنْ جَوَازِ أَمْرٍ يَصِلُ بِهِ إِلَى شِفَاءِ غَلِيلِهِ وَإِزَالَةِ غَيْرَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ هَذَا إِذَا فَعَلَهُ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِيهِ الِاسْتِعْدَادُ وَعِلْمُ النَّوَازِلِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْفُقَهَاءُ مَا يَفْرِضُونَهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ. وَمِنَ السَّلَفِ مَنْ كَرِهَ الْحَدِيثَ بِالشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَرَآهُ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ (فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَطَ النَّاسِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِهَا (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا) فِيهِ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ بِأَرَأَيْتَ عَنِ السَّائِلِ كَانَ فِي الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ وَالسُّؤَالُ عَمَّا يُشْكَلُ (وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟) قِيلَ فِيهِ: إِنَّهُ لَا حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ وَلَا أَشَارَ إِلَيْهِ (أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟) زَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ:) {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6](سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 6)(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ أُنْزِلَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ، وَفِي رِوَايَةٍ نَزَلَ بِلَا هَمْزَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ (فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ) زَوْجَتِكَ خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوْ بِنْتَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْمَذْكُورُ، أَوْ بِنْتَ أَخِيهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مُرْسَلًا «أَنَّ عَاصِمًا لَمَّا نَزَلَتْ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4](سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 4) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ لِأَحَدِنَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ؟ فَابْتُلِيَ بِهِ فِي بِنْتِ أَخِيهِ» ، وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلٍ: لَمَّا سَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ

ص: 284

ذَلِكَ ابْتُلِيَ بِهِ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، فَأَتَاهُ ابْنُ عَمِّهِ تَحْتَهُ ابْنَةُ عَمِّهِ رَمَاهَا بِابْنِ عَمِّهِ، الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ وَالْخَلِيلُ ثَلَاثَتُهُمْ بَنُو عَمِّ عَاصِمٍ.

وَعِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ مُرْسَلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي رَمَى عُوَيْمِرٌ امْرَأَتَهُ بِهِ شَرِيكُ بْنُ سَحْمَاءَ، وَهُوَ يَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّ عُوَيْمِرٍ، لِأَنَّ شَرِيكَ بْنَ عَبْدَةَ بْنَ مُغِيثِ بْنِ الْجَدِّ بْنِ الْعَجْلَانِ، وَسَحْمَاءُ بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْمَدِّ، أُمُّ شَرِيكٍ، وَهِيَ حَبَشِيَّةٌ أَوْ يَمَانِيَّةٌ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ مُرْسَلِ مُقَاتِلٍ: فَقَالَ عُوَيْمِرٌ لِعَاصِمٍ: يَا ابْنَ عَمِّ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ شَرِيكَ بْنَ سَحْمَاءَ عَلَى بَطْنِهَا، وَإِنَّهَا لَحُبْلَى وَمَا قَرُبْتَهَا مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يُتَّهَمَ شَرِيكٌ بِكُلٍّ مِنِ امْرَأَتَيْ عُوَيْمِرٍ وَهِلَالٍ، فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ هِلَالًا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ (فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ بِالْمُلَاعَنَةِ (قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: بَعْدَ الْعَصْرِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ غَيْرُهُ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ: فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ (وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «فَتَلَاهُنَّ أَيِ الْآيَاتِ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا» .

(فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا) شَرْطٌ قُدِّمَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: إِنْ حَبَسْتَهَا فَقَدْ ظَلَمْتَهَا (فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا) ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ اللِّعَانَ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا (قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ صلى الله عليه وسلم) بِطَلَاقِهَا، وَبِهِ تَمَسَّكَ الْقَائِلُ: لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ إِلَّا بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ، فَإِنْ لَمْ يُوقِعْهُ لَمْ يُنْقِصِ التَّلَاعُنُ مِنَ الْعِصْمَةِ شَيْئًا، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ، وَأَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي طَلَّقَ ابْتِدَاءً. وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، عَلَى أَنَّ الْبَتِّيَّ قَدِ اسْتَحَبَّ لِلْمُلَاعِنِ أَنْ يُطَلِّقَ بَعْدَ اللِّعَانِ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ قَبْلَهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَهُ قَدْ أَحْدَثَ حُكْمًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ كَذَبْتُ عَلَيْهَا إِنْ أَمْسَكْتُهَا، كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ، وَقَوْلُهُ فَطَلَّقَهَا، أَيْ ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِطَلَاقِهَا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللِّعَانَ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ، فَأَرَادَ تَحْرِيمَهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» أَيْ لَا مِلْكَ لَكَ عَلَيْهَا فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ

ص: 285

بِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا، وَقَعَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُلَاعِنِ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ الَّذِي شَرَحَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: لَا سَبِيلَ لَكَ، عَلَيْهَا لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَقِبَ قَوْلِهِ: اللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَفَظُ " فَطَلَّقَهَا " يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِاللِّعَانِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَصَارَتْ فِي حُكْمِ الْمُطَلَّقَاتِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حُكْمِهِنَّ، فَلَا يَكُونُ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا إِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَلَا أَنْ يَخْطُبَهَا إِنْ كَانَ بَائِنًا، وَإِنَّمَا اللِّعَانُ فُرْقَةُ فَسْخٍ.

(قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ) أَيِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا (بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ (سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ) فَلَا يَجْتَمِعَانِ بَعْدَ الْمُلَاعَنَةِ أَبَدًا، فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا سَوَاءٌ صَدَقَتْ أَوْ صَدَقَ، وَوَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيِّ:" «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» ". وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَوَقُّفُ ذَلِكَ عَلَى تَلَاعُنِهِمَا مَعًا، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: يَقَعُ التَّحْرِيمُ بِلِعَانِ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَحْنُونٌ: بِفَرَاغِ الزَّوْجِ ; لِأَنَّ الْتِعَانَ الْمَرْأَةِ إِنَّمَا الْحَدُّ عَنْهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِ نَفْيَ النَّسَبِ وَلُحُوقَ الْوَلَدِ وَزَوَالَ الْفِرَاشِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي التَّوَارُثِ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ الرَّجُلِ، وَفِيمَا إِذَا عُلِّقَ طَلَاقُ الْمَرْأَةِ بِفُرَاقِ أُخْرَى ثُمَّ لَاعَنَ الْأُخْرَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُوقِعَهَا الْحَاكِمُ لِظَاهِرِ أَحَادِيثِ اللِّعَانِ وَيَكُونُ فُرْقَةَ طَلَاقٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ.

وَقَدْ زَادَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ: وَكَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا، وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَيْهَا، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي الْمِيرَاثِ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَمْ يَرْوِهَا عَنْ مَالِكٍ فِيمَا عَلِمْتُ غَيْرَ سُوَيْدٍ اهـ. لَكِنْ وَلَوِ انْفَرَدَ بِهِ سُوَيْدٌ عَنْ مَالِكٍ فَلَهُ أَصْلٌ، فَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلٍ مِثْلَ رِوَايَةِ سُوَيْدٍ. وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: أَنَّهَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَصْدُقُ عُوَيْمِرٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ هَذَا: أَنَّ الْآيَاتِ نَزَلَتْ بِسَبَبِ قِصَّةٍ عُوَيْمِرٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ، فَجَعَلَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ هِلَالٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ وَلِيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] حَتَّى بَلَغَ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] (» سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 6 - 9) الْحَدِيثَ، وَفِيهِ أَنَّهُمَا تَلَاعَنَا، وَأَنَّ الْوَلَدَ جَاءَ عَلَى صِفَةِ شَرِيكٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "«لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» ". وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: " وَكَانَ هِلَالٌ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ ". قَالَ الْحَافِظُ: اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ نُزُولَهَا فِي شَأْنِ عُوَيْمِرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ نُزُولَهَا فِي شَأْنِ هِلَالٍ،

ص: 286

وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ هِلَالٌ، وَصَادَفَ مَجِيءَ عُوَيْمِرٍ أَيْضًا، فَنَزَلَتْ فِي شَأْنِهِمَا مَعًا، وَإِلَيْهِ جَنَحَ النَّوَوِيُّ وَسَبَقَهُ الْخَطِيبُ فَقَالَ: لَعَلَّهُمَا اتُّفِقَ لَهُمَا ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْقَائِلَ فِي قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَفِي قِصَّةِ هِلَالٍ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ كَمَا فِي أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ لَمَّا نَزَلَتْ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4](سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 4) الْآيَةَ، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتَ لَكَاعَ قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ، لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهَيِّجَهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، مَا كُنْتُ لِآتِيَ بِهِمْ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَمَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، الْحَدِيثَ. وَلَا مَانِعَ أَنْ تَتَعَدَّدَ الْقِصَصُ وَيَتَّحِدُ النُّزُولُ.

وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: " قَالَ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ: لَوْ رَأَيْتَ مَعَ أُمِّ رُومَانَ رَجُلًا مَا كُنْتَ فَاعِلًا بِهِ؟ قَالَ: كُنْتُ فَاعِلًا بِهِ شَرًّا، قَالَ: فَأَنْتَ يَا عُمَرُ، قَالَ: كُنْتُ أَقُولُ لَعَنَ اللَّهُ الْأَبْعَدَ، قَالَ: فَنَزَلَتْ ". وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النُّزُولَ سَبَقَ بِسَبَبِ هِلَالٍ فَلَمَّا جَاءَ عُوَيْمِرٌ وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِمَا وَقَعَ لِهِلَالٍ أَعْلَمَهُ صلى الله عليه وسلم بِالْحُكْمِ، وَلِذَا قَالَ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، وَفِي قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ، فَيُئَوَّلُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ مَا أُنْزِلَ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ، وَبِهَذَا أَجَابَ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَنَسٍ: إِنَّ هِلَالًا أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ. وَجَنَحَ الْقُرْطُبِيُّ إِلَى تَجْوِيزِ نُزُولِ الْآيَةِ مَرَّتَيْنِ قَالَ: وَهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ وَإِنْ بَعُدَتْ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيطِ الرُّوَاةِ الْحُفَّاظِ، وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ ذِكْرَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فِيمَنْ لَاعَنَ، كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ أَخِي الْمُهَلَّبِ فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عُوَيْمِرٌ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَسَبَقَهُ إِلَى نَحْوِهِ الطَّبَرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هُوَ وَهْمٌ مِنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَعَلَيْهِ دَارَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ بِذَلِكَ. وَقَالَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ: لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا الْقِصَّةُ لِعُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ قَالَ: وَلَكِنْ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي حَدِيثِ الْعَجْلَانِيِّ ذِكْرُ شَرِيكٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مُبْهَمَاتِهِ: اخْتَلَفُوا فِي الْمُلَاعِنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: عُوَيْمِرٌ وَهِلَالٌ وَعَاصِمٌ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَظْهَرُهَا عُوَيْمِرٌ وَكَلَامُ الْجَمِيعِ مُتَعَقَّبٌ.

أَمَّا قَوْلُ ابْنِ أَبِي صُفْرَةَ فَدَعْوَى مُجَرَّدَةٌ، وَكَيْفَ يُجْزَمُ بِخَطَأِ حَدِيثٍ ثَابِتٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ، وَمَا نَسَبَهُ لِلطَّبَرِيِّ لَمْ أَجِدْهُ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَعِيَاضٌ تَفَرَّدَ بِهِ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ فَمَرْدُودٌ، فَقَدْ تَابَعَهُ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرِيِّ وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ. وَأَمَّا جُنُوحُ النَّوَوِيِّ كَالْوَاحِدِيِّ لِلتَّرْجِيحِ فَمَرْجُوحٌ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُمْكِنَ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ، وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ عَاصِمٌ فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ عَاصِمًا لَمْ يُلَاعِنْ قَطُّ وَإِنَّمَا سَأَلَ لِعُوَيْمِرٍ، وَوَقَعَ مِنْ عَاصِمٍ نَظِيرُ مَا وَقَعَ مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، أَيْ مِنْ الِاسْتِشْكَالِ اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تَعَقَّبَتْ حِكَايَةُ النَّوَوِيِّ الْخِلَافَ بِأَنَّ مُلَاعَنَةَ عُوَيْمِرٍ وَهِلَالٍ ثَبَتَا، فَكَيْفَ يُخْتَلَفُ فِيهِمَا؟ وَإِنَّمَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ فِي أَيِّهِمَا كَمَا سَبَقَ. وَقَوْلُهُ فِي التَّهْذِيبِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْجُودَ زَانِيًا شَرِيكٌ مَمْنُوعٌ ; إِذْ لَمْ يُوجَدْ زَانِيًا وَإِنَّمَا هُمُ اعْتَقَدُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ، فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَرْمِيَّ بِهِ شَرِيكٌ، وَأَفَادَ عِيَاضٌ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ

ص: 287

الطَّبَرِيِّ أَنَّ قِصَّةَ اللِّعَانِ كَانَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا مَرَّ، ذُكِرَ جُمْلَةٌ مِنْهَا فِي التَّمْهِيدِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَقَبْلَهُ فِي الطَّلَاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَفُلَيْحٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَيُونُسُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، الْأَرْبَعَةُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ نَحْوَهُ.

ص: 288

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَانْتَفَلَ مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ} [النور: 6] قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ أَبَدًا وَعَلَى هَذَا السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا فَارَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِرَاقًا بَاتًّا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ رَجْعَةٌ ثُمَّ أَنْكَرَ حَمْلَهَا لَاعَنَهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ حَمْلُهَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إِذَا ادَّعَتْهُ مَا لَمْ يَأْتِ دُونَ ذَلِكَ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْهُ قَالَ فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ حَامِلٌ يُقِرُّ بِحَمْلِهَا ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا جُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يُلَاعِنْهَا وَإِنْ أَنْكَرَ حَمْلَهَا بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لَاعَنَهَا قَالَ وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ قَالَ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْحُرِّ فِي مُلَاعَنَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَةً حَدٌّ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ وَالْحُرَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ تُلَاعِنُ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَزَوَّجَ إِحْدَاهُنَّ فَأَصَابَهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَهُنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ أَوْ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ أَوْ الْحُرَّةَ النَّصْرَانِيَّةَ أَوْ الْيَهُودِيَّةَ لَاعَنَهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ فَيَنْزِعُ وَيُكَذِّبُ نَفْسَهُ بَعْدَ يَمِينٍ أَوْ يَمِينَيْنِ مَا لَمْ يَلْتَعِنْ فِي الْخَامِسَةِ إِنَّهُ إِذَا نَزَعَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَعِنَ جُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَإِذَا مَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرِ قَالَتْ الْمَرْأَةُ أَنَا حَامِلٌ قَالَ إِنْ أَنْكَرَ زَوْجُهَا حَمْلَهَا لَاعَنَهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ يُلَاعِنُهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا إِنَّهُ لَا يَطَؤُهَا وَإِنْ مَلَكَهَا وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَرَاجَعَانِ أَبَدًا قَالَ مَالِكٌ إِذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1202 -

1186 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا) هُوَ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ (لَاعَنَ امْرَأَتَهُ) زَوْجَتَهُ خَوْلَةَ بِنْتَ قَيْسٍ الْعَجْلَانِيَّةَ (فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَانْتَقَلَ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ: فَانْتَفَى بِالْفَاءِ، فَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ سَبَبِيَّةٌ، أَيِ: الْمُلَاعَنَةُ كَانَتْ سَبَبًا لِانْتِفَاءِ الرَّجُلِ مِنْ وَلَدِ الْمَرْأَةِ وَإِلْحَاقِهِ بِهَا، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنَّهَا سَبَبُ ثُبُوتِ الِانْتِفَاءِ فَجَيِّدٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا سَبَبُ وُجُودِ الِانْتِفَاءِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمُلَاعَنَةِ لَمْ يَنْتَفِ (فَفَرَّقَ) بِشَدِّ الرَّاءِ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا) أَيِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ ; تَنْفِيذًا لِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ مِنَ الْمُبَاعَدَةِ بَيْنَهُمَا بِنَفْسِ اللِّعَانِ، وَبِظَاهِرِهِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مُجَرَّدَ اللِّعَانَ لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّفْرِيقُ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِفْتَاءُ وَالْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى:" «لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا، قَالَ: مَالِي؟ قَالَ: لَا مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَدَّقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ» ". كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَلَهُمَا أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْهُ: " «فَرَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ، وَقَالَ: اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ فَأَبَيَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» ". قَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ مِنَ اللِّعَانِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ اللِّعَانِ، فَفِيهِ عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَى الْمُذْنِبِ وَلَوْ بِطْرِيقِ الْإِجْمَالِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: قَالَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ ; تَحْذِيرًا لَهُمَا.

(وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ) فَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا، وَنَفَاهُ عَنِ الرَّجُلِ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنِهِمَا. وَزَعَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا زِيَادَةُ حَافِظٍ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ، فَوَجَبَ قَبُولُهَا عَلَى أَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى فِي حَدِيثِ سَهْلٍ وَغَيْرِهِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَفِي الْفَرَائِضِ عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزْعَةَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ خَمْسَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ

ص: 288

نَافِعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا نَحْوَهُ، وَتَابَعَهُ فِي شَيْخِهِ نَافِعٍ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِنَحْوِهِ.

(قَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} [النور: 6] يَقْذِفُونَ (أَزْوَاجَهُمْ) بِالزِّنَا {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ} [النور: 6] يَشْهَدُونَ عَلَى تَصْدِيقِ قَوْلِهِمْ (إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) بِالرَّفْعِ بَدَلٌ مِنْ " شُهَدَاءُ " أَوْ نَعْتٌ عَلَى أَنَّ " إِلَّا " بِمَعْنَى غَيْرِ (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) مُبْتَدَأٌ {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6] نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ {بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6] فِيمَا رَمَى بِهِ زَوْجَتَهُ مِنَ الزِّنَا {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 7] فِي ذَلِكَ، وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ " تَدْرَأُ عَنْهُ الْعَذَابَ " أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ، وَقَرَأَ الْأَخَوَانُ وَحَفْصٌ بِرَفْعِ " أَرْبَعُ " عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ " فَشَهَادَةُ " كَمَا فِي السَّمِينِ (وَيَدْرَأُ) أَيْ يَدْفَعُ (عَنْهَا الْعَذَابَ) أَيْ حَدَّ الزِّنَا إِنْ لَمْ تَحْلِفْ {أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمَنِ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] فِي ذَلِكَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: لَفْظُ " أَشْهَدُ " فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ بِمَعْنَى أَحْلِفُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَأَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ أَنِّي أُحِبُّهَا

فَهَذَا لَهَا عِنْدِي فَمَا عِنْدَهَا لِيَا.

وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، أَعْنِي أَنَّ شَهَادَاتِ اللِّعَانِ أَيْمَانٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: شَهَادَاتٌ حَقِيقَةً مِنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ: هَلْ يَتَلَاعَنُ الْفَاسِقَانِ وَالْعَبْدَانِ؟ فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يَصِحُّ وَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ، وَأَمَّا الْمُقْسَمُ بِهِ فَهُوَ لَفْظُ اللَّهِ دُونَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ لِنَصِّ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ عِيَاضٌ الْخِلَافَ هَلْ يَزِيدُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. اهـ. الْقَوْلُ بِالِاقْتِصَارِ نَصُّ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِالزِّيَادَةِ قَوْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ فِي الْبُخَارِيِّ أَمْرَهُمَا أَنْ يَتَلَاعَنَا بِمَا فِي الْقُرْآنِ.

(قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا) بَلْ يَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَبْدَى لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَائِدَةً، وَهِيَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ مَلْعُونٌ مَعَ غَيْرِ مَلْعُونٍ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَلْعُونٌ فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ غَيْرَ الْمُلَاعِنِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ، وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ عَلَيْهِمَا مَعًا التَّزْوِيجُ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَلْعُونٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ افْتِرَاقًا فِي

ص: 289

الْجُمْلَةِ. (وَإِنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ) بَعْدَ الِالْتِعَانِ (جُلِدَ الْحَدَّ) لِلْقَذْفِ (وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ) لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ أَبَدًا ; إِذِ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ بِاللِّعَانِ لَا تَرْتَفِعُ بِالتَّكْذِيبِ. (وَعَلَى هَذَا السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ) وَفِي بَعْضِ طَرُقِ حَدِيثِ سَهْلٍ إِشَارَةٌ إِلَيْهَا (وَإِذَا فَارَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِرَاقًا بَاتًّا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ رَجْعَةٌ) عَطْفُ بَيَانٍ لِـ " بَاتًّا "(ثُمَّ أَنْكَرَ حَمْلَهَا لَاعَنَهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا، وَكَانَ حَمْلُهَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إِذَا ادَّعَتْهُ) أَيِ ادَّعَتْ أَنَّهُ مِنْهُ (مَا لَمْ يَأْتِ دُونَ ذَلِكَ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْهُ، قَالَ: فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ) زَادَ فِي نُسْخَةٍ: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ (وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ حَامِلٌ) حَالَ كَوْنِهِ (يُقِرُّ بِحَمْلِهَا ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا جُلِدَ الْحَدَّ) لِأَنَّهُ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً (وَلَمْ يُلَاعِنْهَا) لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ لِزَوْجَةٍ (وَإِنْ أَنْكَرَ حَمْلَهَا بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا، لَاعَنَهَا) بِالشَّرْطِ الَّذِي قَالَهُ فَوْقَهُ (وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ) مِنَ الْعُلَمَاءِ. (وَالْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6](سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 6) إِذْ هُوَ شَامِلٌ لِلْعَبْدِ (يَجْرِي مَجْرَى الْحُرِّ فِي مُلَاعَنَتِهِ) بِضَمِّ الْمِيمِ، قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: لَعَنَهُ لَعْنًا وَلَاعَنَهُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا، وَتَلَاعَنُوا: لَعَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَةً حَدٌّ) وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَبُ كَقَذْفِ الْكِتَابِيَّةِ إِنْ لَمْ يُلَاعِنْهُمَا (وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ وَالْحُرَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ تُلَاعِنُ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ إِذَا

ص: 290

تَزَوَّجَ إِحْدَاهُنَّ فَأَصَابَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَلَمْ يَخُصَّ حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ وَلَا مُسْلِمَةً مِنْ كِتَابِيَّةٍ (فَهُنَّ مِنَ الْأَزْوَاجِ) لِشُمُولِ الْآيَةِ لَهُنَّ (وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (وَالْعَبْدُ إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ أَوِ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ أَوِ الْحُرَّةَ النَّصْرَانِيَّةَ أَوِ الْيَهُودِيَّةَ لَاعَنَهَا) لِأَنَّ عُمُومَ الْآيَةِ شَامِلٌ لَهُ وَلَهُنَّ (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ فَيَنْزِعُ) بِكَسْرِ الزَّايِ، يَرْجِعُ (وَيُكَذِّبُ نَفْسَهُ بَعْدَ يَمِينٍ أَوْ يَمِينَيْنِ مَا لَمْ) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهِ لَمْ (يَلْتَعِنْ فِي الْخَامِسَةِ: إِنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (إِذَا نَزَعَ) رَجَعَ (قَبْلَ أَنْ يَلْتَعِنَ، جُلِدَ الْحَدَّ) لِأَنَّهُ قَذَفَهَا (وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مُخْتَصَّةٌ بِلِعَانِهَا. (وَفِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَإِذَا مَضَتِ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ قَالَتِ الْمَرْأَةُ: أَنَا حَامِلٌ) مِنْكَ (قَالَ: إِنْ أَنْكَرَ زَوْجُهَا حَمْلَهَا لَاعَنَهَا) لِنَفْيِهِ. (وَفِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ يُلَاعِنُهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا: إِنَّهُ لَا يَطَؤُهَا وَإِنْ مَلَكَهَا) الْوَاوُ لِلْحَالِ (وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَرَاجَعَانِ أَبَدًا) وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» ". (وَإِذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ) وَإِنْ كَانَ اللِّعَانُ فَسْخًا لَكِنْ لَمَّا يُعْلَمْ صِدْقُ الزَّوْجِ، وَاحْتَمَلَ أَنَّهُ أَرَادَ تَحْرِيمَهَا وَإِسْقَاطَ حَقِّهَا فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ، اتُّهِمَ فِي ذَلِكَ وَأُلْزِمَ نِصْفَهُ أَوْ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَلَاقٌ.

ص: 291

[بَاب مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا إِنَّهُ إِذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ حَقَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَيَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَرِثَتْ حَقَّهَا وَوَرِثَ إِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

14 -

بَابُ مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ

1185 -

1187 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا، وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ اللِّعَانُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا (وَوَلَدِ الزِّنَا أَنَّهُ إِذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ حَقَّهَا) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ وَرِثَتْهُ (فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) الثُّلُثَ أَوِ السُّدُسَ (وَ) وَرِثَ (إِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ) السُّدُسَ لِلْوَاحِدِ وَالثُّلُثَ لِلِاثْنَيْنِ (وَيَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً) أَيْ مُعْتَقَةً (وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً) أَيْ حُرَّةً أَصْلِيَّةً (وَرِثَتْ حَقَّهَا وَوَرِثَ إِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ) السُّدُسَ (وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ) يُجْعَلُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ (قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَسَبَقَ قَرِيبًا قَوْلُ سَهْلِ بْنِ سَعِيدٍ: ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى -. وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ مُرْسَلِ مَكْحُولٍ وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " «جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا» ". وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ وَائِلَةَ مَرْفُوعًا:" «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ عَتِيقَهَا وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ فِيهِ» ". وَفِي إِسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ رُوبَةَ، بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ فَمُوَحَّدَةٍ، مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَمَدْخُولُهَا بِلَفْظِهِ مَرَّا فِي آخِرِ الْفَرَائِضِ ; لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ وَأَعَادَهُ هُنَا تَتْمِيمًا لِحُكْمِ اللِّعَانِ.

ص: 292

[بَاب طَلَاقِ الْبِكْرِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ أَنَّهُ قَالَ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي فَذَهَبْتُ مَعَهُ أَسْأَلُ لَهُ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ قَالَ فَإِنَّمَا طَلَاقِي إِيَّاهَا وَاحِدَةٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّكَ أَرْسَلْتَ مِنْ يَدِكَ مَا كَانَ لَكَ مِنْ فَضْلٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

15 -

بَابُ طَلَاقِ الْبِكْرِ

1204 -

1188 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ) بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ ثَوْبٍ الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ الْمَدَنِيِّ، مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ، اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، وَوَهِمَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ (أَنَّهُ قَالَ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي، فَذَهَبْتُ مَعَهُ أَسْأَلُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: لَهُ (فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا: لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ (قَالَ: فَإِنَّمَا طَلَاقِي إِيَّاهَا وَاحِدَةٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَ مِنْ يَدِكَ مَا كَانَ لَكَ مِنْ فَضْلٍ) زِيَادَةٍ عَلَى الْوَاحِدَةِ بِإِيقَاعِكَ الثَّلَاثَ

ص: 293

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ عَطَاءٌ فَقُلْتُ إِنَّمَا طَلَاقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِنَّمَا أَنْتَ قَاصٌّ الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثَةُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1205 -

1189 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ بُكَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ) مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ الْمَدَنِيِّ، نُزِيلُ مِصْرَ، مِنَ الثِّقَاتِ، مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ) بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ (الْأَنْصَارِيِّ) الزُّرَقِيِّ أَبِي سَلَمَةَ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) الْهِلَالِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، فَاضِلٌ، صَاحِبُ عِبَادَةٍ وَمَوَاعِظَ (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي) الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ (عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، قَالَ عَطَاءٌ: فَقُلْتُ: إِنَّمَا طَلَاقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ

ص: 293

بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي: إِنَّمَا أَنْتَ قَاصٌّ) بِشَدِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، صَاحِبُ قَصَصٍ وَمَوَاعِظَ، لَا تَعْلَمُ غَوَامِضَ الْفِقْهِ (الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا) تَجْعَلُهَا بَائِنًا فَلَا يُعِيدُهَا إِلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَصَدَاقٍ (وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ.

ص: 294

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ فَجَاءَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ فَقَالَ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَمَاذَا تَرَيَانِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَا لَنَا فِيهِ قَوْلٌ فَاذْهَبْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنِّي تَرَكْتُهُمَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَلْهُمَا ثُمَّ ائْتِنَا فَأَخْبِرْنَا فَذَهَبَ فَسَأَلَهُمَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَتْكَ مُعْضِلَةٌ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثَةُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَالثَّيِّبُ إِذَا مَلَكَهَا الرَّجُلُ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إِنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْبِكْرِ الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1206 -

1190 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ) بِمُعْجَمَةٍ فَجِيمٍ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ (الْأَنْصَارِيِّ) الزُّرَقِيِّ (أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ، وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا (قَالَ: فَجَاءَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ) اللَّيْثِيُّ (فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَمَاذَا تَرَيَانِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَيُرْوَى " إِنَّ هَذَا الْأَمْرُ " بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِ دَخَلَتْ عَلَيْهِ اللَّامُ وَعَلَى الْأَوَّلِ، فَالْخَبَرُ (مَا لَنَا فِيهِ قَوْلٌ، فَاذْهَبْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنِّي تَرَكْتُهُمَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَلْهُمَا) بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ مُخَفَّفًا فَاسْأَلْهُمَا (ثُمَّ ائْتِنَا فَأَخْبِرْنَا) بِجَوَابِهِمَا لَكَ لِنَعْلَمَهُ (فَذَهَبَ فَسَأَلَهُمَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَتْكَ مُعْضِلَةٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ شَدِيدَةٌ (فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثَةُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ) وَسَبَقَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي (قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (وَالثَّيِّبُ إِذَا مَلَكَهَا

ص: 294

الرَّجُلُ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْبِكْرِ) إِذْ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا، وَالْمَدَارُ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ (الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثَةُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) بِشُرُوطِهِ.

ص: 295

[بَاب طَلَاقِ الْمَرِيضِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

16 -

بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ

1207 -

1191 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ الْقَاضِي، ابْنِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يُلَقَّبُ طَلْحَةَ النَّدَى، ثِقَةٌ، مُكْثِرٌ، فَقِيهٌ، تَابِعِيٌّ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ. (قَالَ) ابْنُ شِهَابٍ (وَكَانَ) طَلْحَةُ (أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ) الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ. (وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) كِلَاهُمَا رَوَى لِلزُّهْرِيِّ (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ) تُمَاضِرَ، بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ فَمِيمٍ فَأَلِفٍ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ فَرَاءٍ، بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ الصَّحَابِيَّةَ، أُمَّ ابْنِهِ أَبِي سَلَمَةَ (الْبَتَّةَ وَهُوَ مَرِيضٌ) ثُمَّ مَاتَ (فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هِيَ أَوَّلُ كَلْبِيَّةٍ نَكَحَهَا قُرَشِيٌّ وَلَمْ تَلِدْ لَهُ غَيْرَ أَبِي سَلَمَةَ. وَرَوَى بِسَنَدٍ لَهُ مُرْسَلٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى بَنِي كَلْبٍ وَقَالَ: إِنِ اسْتَجَابُوا لَكَ فَتَزَوَّجِ ابْنَةَ مَلِكِهِمْ أَوْ سَيِّدِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَاسْتَجَابُوا، وَأَقَامَ مَنْ أَقَامَ مِنْهُمْ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، فَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ مَلِكِهِمْ ثُمَّ قَدِمَ بِهَا الْمَدِينَةَ ".

ص: 295

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْأَعْرَجِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَرَّثَ نِسَاءَ ابْنِ مُكْمِلٍ مِنْهُ وَكَانَ طَلَّقَهُنَّ وَهُوَ مَرِيضٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1208 -

1192 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ) بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيِّ الْمَدَنِيِّ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، ثِقَةٌ، مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ

ص: 295

(أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَرَّثَ نِسَاءَ ابْنِ مُكْمِلٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ فَلَامٌ، اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُكْمِلِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ شَبَّةَ فِي الصَّحَابَةِ، وَاسْتَدْرَكَهُ ابْنُ فَتْحُونٍ، وَقَالَ: أَكْثَرُ مَا يَأْتِي فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ مُكْمِلًا غَيْرُ مُسَمًّى، وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ وَهْمٌ إِنَّمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُهُ، وَهُوَ شَيْخٌ لِلزُّهْرِيِّ كَمَا فِي الْإِصَابَةِ، وَنِسَاؤُهُ كُنَّ ثَلَاثًا كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. (وَكَانَ طَلَّقَهُنَّ وَهُوَ مَرِيضٌ) ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ طَلَاقِهِ سَنَتَيْنِ فَوَرَّثَهُنَّ عُثْمَانُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا رَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَلَمْ يَمْنَعْهُنَّ طَلَاقُهُ الْمِيرَاثَ لِوُقُوعِهِ فِي الْمَرَضِ فَقَضَى بِذَلِكَ عُثْمَانُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ.

ص: 296

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ بَلَغَنِي أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَقَالَ إِذَا حِضْتِ ثُمَّ طَهُرْتِ فَآذِنِينِي فَلَمْ تَحِضْ حَتَّى مَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ فَطَلَّقَهَا الْبَتَّةَ أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَكُنْ بَقِيَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ غَيْرُهَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَوْمَئِذٍ مَرِيضٌ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1209 -

1193 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) تُمَاضِرَ الْكَلْبِيَّةَ (سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَقَالَ: إِذَا حِضْتِ ثُمَّ طَهُرْتِ فَآذِنِينِي) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَالْمَدِّ، أَعْلِمِينِي (فَلَمْ تَحِضْ حَتَّى مَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ) بِمَدِّ الْأَلِفِ، أَعْلَمَتْهُ ذَلِكَ بِرَسُولٍ بَعَثَتْهُ إِلَيْهِ (فَطَلَّقَهَا الْبَتَّةَ) ثَلَاثًا (أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَكُنْ بَقِيَ لَهُ عَلَيْهَا مِنَ الطَّلَاقِ غَيْرُهَا) شَكَّ الرَّاوِي (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يَوْمَئِذٍ مَرِيضٌ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) لِاتِّصَالِ مَرَضِهِ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ بِمَوْتِهِ، وَهَذَا الْبَلَاغُ أَخْرَجَهُ بِنَحْوِهِ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ فِي تُمَاضِرَ سُوءُ خُلُقٍ وَكَانَتْ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ، فَلَمَّا مَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا شَيْءٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْتِينِي الطَّلَاقَ لَأُطَلِّقَنَّكِ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَأَسْأَلَنَّكَ، فَقَالَ: أَمَّا لَا فَأَعْلِمِينِي إِذَا حِضْتِ وَطَهُرْتِ إِذًا، فَلَمَّا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُعْلِمُهُ، فَمَرَّ رَسُولُهَا بِبَعْضِ أَهْلِهِ، فَقَالَ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ: أَرْسَلَتْنِي تُمَاضِرُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ أُعْلِمُهُ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَقُلْ لَهَا لَا تَفْعَلِي فَوَاللَّهِ مَا كَانَ لِيَرُدَّ قَسَمَهُ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ وَأَنَا لَا أَرُدُّ قَسَمِي، فَأَعْلَمَهُ فَطَلَّقَهَا. وَعِنْدَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُثْمَانَ وَرَّثَ تُمَاضِرَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ تَطْلِيقَةً، وَكَانَتْ

ص: 296

آخِرَ طَلَاقِهَا. وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ وَسَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْهَا: أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، فَأَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا، فَكَانَتْ تَقُولُ لِلنِّسَاءِ: إِذَا تَزَوَّجَتْ إِحْدَاكُنَّ فَلَا يَغْرُنَّكِ السَّبْعُ بَعْدَ مَا صَنَعَ بِيَ الزُّبَيْرُ.

ص: 297

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ قَالَ كَانَتْ عِنْدَ جَدِّي حَبَّانَ امْرَأَتَانِ هَاشِمِيَّةٌ وَأَنْصَارِيَّةٌ فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ وَهِيَ تُرْضِعُ فَمَرَّتْ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ هَلَكَ عَنْهَا وَلَمْ تَحِضْ فَقَالَتْ أَنَا أَرِثُهُ لَمْ أَحِضْ فَاخْتَصَمَتَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ فَلَامَتْ الْهَاشِمِيَّةُ عُثْمَانَ فَقَالَ هَذَا عَمَلُ ابْنِ عَمِّكِ هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهَذَا يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1210 -

1194 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ، الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الْفَقِيهِ (قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ جَدِّي حَبَّانَ) بْنَ مُنْقِذٍ، بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الصَّحَابِيِّ (امْرَأَتَانِ هَاشِمِيَّةٌ وَأَنْصَارِيَّةٌ، فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ وَهِيَ مُرْضِعٌ، فَمَرَّتْ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ هَلَكَ) مَاتَ (وَلَمْ تَحِضْ) لِأَجْلِ الرَّضَاعِ (فَقَالَتْ: أَنَا أَرِثُهُ، لَمْ أَحِضْ، فَاخْتَصَمَا) أَيْ هِيَ وَالْهَاشِمِيَّةُ (إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ، فَلَامَتِ الْهَاشِمِيَّةُ عُثْمَانَ، فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ ابْنِ عَمِّكِ، هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهَذَا، يَعْنِي) بِابْنِ عَمِّهَا (عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) قَالَ ذَلِكَ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا. قَالَ أَبُو عُمَرَ: ذَكَرَ مَالِكٌ هَذَا الْأَثَرَ هُنَا، وَلَا دَخْلَ لَهُ فِي الْبَابِ وَإِنَّمَا مَوْضِعُهُ فِي جَامِعِ الطَّلَاقِ.

ص: 297

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ وَالْمِيرَاثُ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ فِي هَذَا عِنْدَنَا سَوَاءٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1211 -

1195 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ) لِقَضَاءِ عُثْمَانَ بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ) كَمَا فِي الْقُرْآنِ. (وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى.

ص: 297

(وَإِنْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ) لِتُكْمِلَهُ بِالدُّخُولِ (وَالْمِيرَاثُ وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ فِي هَذَا عِنْدَنَا سَوَاءٌ) إِذْ لَا فَرْقَ.

ص: 298

[بَاب مَا جَاءَ فِي مُتْعَةِ الطَّلَاقِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ فَمَتَّعَ بِوَلِيدَةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

17 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي مُتْعَةِ الطَّلَاقِ

1212 -

1196 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ) هِيَ تُمَاضِرُ (فَمَتَّعَ بِوَلِيدَةٍ) أَمَةٍ سَوْدَاءَ، أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ جَدَّتِهِ قَالَتْ: لَمَّا طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ امْرَأَتَهُ الْكَلْبِيَّةَ تُمَاضِرَ مَتَّعَهَا بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ كَمَا فِي الِاسْتِذْكَارِ: قِيمَتُهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا.

ص: 298

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إِلَّا الَّتِي تُطَلَّقُ وَقَدْ فُرِضَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَمْ تُمْسَسْ فَحَسْبُهَا نِصْفُ مَا فُرِضَ لَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1212 -

1197 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ) جَبْرًا لِمَا نَالَهَا مِنْ كَسْرِ الطَّلَاقِ (إِلَّا الَّتِي تُطَلَّقُ وَقَدْ فُرِضَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَمْ تُمَسَّ) هِيَ أَيْ لَمْ يَطَأْهَا زَوْجُهَا (فَحَسْبُهَا) كَافِيهَا (نِصْفُ مَا فَرَضَ لَهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا كَبِيرُ كَسْرٍ وَبُضْعُهَا بَاقٍ.

ص: 298

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لِلْمُتْعَةِ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ فِي قَلِيلِهَا وَلَا كَثِيرِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1213 -

1198 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 241)، {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 236)(قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلُ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ.

ص: 298

(وَلَيْسَ لِلْمُتْعَةِ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ فِي قَلِيلِهَا وَلَا كَثِيرِهَا) بَلْ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَلَى الْمُوسِعِ قَدْرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ.

ص: 299

[بَاب مَا جَاءَ فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَبْدًا لَهَا كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُمَا فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعًا فَقَالَا حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَرُمَتْ عَلَيْكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

18 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ

1214 -

1199 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ، الْفَقِيهِ (أَنَّ نُفَيْعًا) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، مُصَغَّرٌ (مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ) هِنْدِ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ (زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَبْدًا لَهَا) شَكَّ الرَّاوِي، وَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ (كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا) ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ (كَالْحُرِّ، فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ وَجِيمٍ، مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ (آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُمَا، فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعًا، فَقَالَا: حَرُمَتْ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ (عَلَيْكَ، حَرُمَتْ عَلَيْكَ) مَرَّتَيْنِ، بِالتَّأْكِيدِ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ.

ص: 299

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَلَّقَ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَاسْتَفْتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ حَرُمَتْ عَلَيْكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1215 -

1200 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا (أَنْ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ - النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَلَّقَ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَاسْتَفْتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَقَالَ: حَرُمَتْ عَلَيْكَ) قَبْلَ زَوْجٍ.

ص: 299

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اسْتَفْتَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ حَرُمَتْ عَلَيْكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1216 -

1201

ص: 299

- (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَخِي يَحْيَى (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) تَيْمِ قُرَيْشٍ الْمَدَنِيِّ (أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ - النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اسْتَفْتَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: حَرُمَتْ عَلَيْكَ) حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ.

ص: 300

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1217 -

1202 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَتَعْتَدُّ (حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً) لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إِلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ الزَّوْجُ. (وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ) وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا ; لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِدَّةِ الْمَرْأَةُ.

ص: 300

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ لَيْسَ بِيَدِ غَيْرِهِ مِنْ طَلَاقِهِ شَيْءٌ فَأَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَمَةَ غُلَامِهِ أَوْ أَمَةَ وَلِيدَتِهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1218 -

1203 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ) يَتَزَوَّجَ (فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ لَيْسَ بِيَدِ غَيْرِهِ) وَلَوْ سَيِّدُهُ (مِنْ طَلَاقِهِ شَيْءٌ) لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ لِلزَّوْجِ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ (فَأَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَمَةَ غُلَامِهِ أَوْ أَمَةَ وَلِيدَتِهِ) جَارِيَتِهِ (فَلَا جُنَاحَ) لَا إِثْمَ (عَلَيْهِ) لِأَنَّ لَهُ انْتِزَاعَ مَالِ رَقِيقِهِ.

ص: 300

[بَاب نَفَقَةِ الْأَمَةِ إِذَا طُلِّقَتْ وَهِيَ حَامِلٌ]

قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى حُرٍّ وَلَا عَبْدٍ طَلَّقَا مَمْلُوكَةً وَلَا عَلَى عَبْدٍ طَلَّقَ حُرَّةً طَلَاقًا بَائِنًا نَفَقَةٌ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى حُرٍّ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لِابْنِهِ وَهُوَ عَبْدُ قَوْمٍ آخَرِينَ وَلَا عَلَى عَبْدٍ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

19 -

بَابُ نَفَقَةِ الْأَمَةِ إِذَا طُلِّقَتْ وَهِيَ حَامِلٌ

- (مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى حُرٍّ وَلَا عَلَى عَبْدٍ طَلَّقَا مَمْلُوكَةً) طَلَاقًا بَائِنًا (وَلَا عَلَى عَبْدٍ طَلَّقَ حُرَّةً طَلَاقًا بَائِنًا) أَيْ بَائِنًا بِالثَّلَاثِ أَوْ بِالْخُلْعِ (نَفَقَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا) لِأَنَّ إِنْفَاقَ الْعَبْدِ عَلَى وَلَدِهِ إِتْلَافٌ لِمَالِ السَّيِّدِ فِيمَا لَا يَعُودُ عَلَى سَيِّدِهِ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ رَقِيقٌ لِسَيِّدِهَا، وَلَيْسَ عَلَى الْحُرِّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ وَلَا يُنْقَضُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ ; لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ فَهِيَ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ، فَإِنْ قِيلَ هُنَا مُوجِبَانِ: الْأُبُوَّةُ وَالْمِلْكُ فَلِمَ اخْتُصَّ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ؟ أُجِيبُ: بِأَنَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْأَخْذَ بِأَقْوَى الْمُوجِبَيْنِ وَإِسْقَاطَ مَا عَدَاهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُوجِبَ الْمِلْكَ أَقْوَى لِأَنَّ السَّيِّدَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مَا لَا يَتَصَرَّفُ الْأَبُ مِنْ تَزْوِيجٍ وَنَزْعِ مَالٍ وَحَوْزِ مِيرَاثٍ وَأَخْذِ قِيمَةِ جِرَاحٍ وَعَفْوٍ عَنْهَا، وَلَا تَكَلُّمَ لِلْأَبِ مَعَهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَمَحَلُّ عَدَمِ النَّفَقَةِ (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ زَوْجِ الْأَمَةِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَزَوْجِ الْحُرَّةِ الْعَبْدِ (عَلَيْهَا رَجْعَةٌ) فَتَجِبُ النَّفَقَةُ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ (وَلَيْسَ عَلَى حُرٍّ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لِابْنِهِ وَهُوَ عَبْدُ قَوْمٍ آخَرِينَ) بَلْ رَضَاعُهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ (وَلَا عَلَى عَبْدٍ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ) لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ لِمَالِهِ بِلَا فَائِدَةٍ (إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) فَيَجُوزُ.

ص: 301

[بَاب عِدَّةِ الَّتِي تَفْقِدُ زَوْجَهَا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ زَوْجَهَا فَلَمْ تَدْرِ أَيْنَ هُوَ فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَحِلُّ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إِلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَإِنْ أَدْرَكَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا قَالَ مَالِكٌ وَأَدْرَكْتُ النَّاسَ يُنْكِرُونَ الَّذِي قَالَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ يُخَيَّرُ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ إِذَا جَاءَ فِي صَدَاقِهَا أَوْ فِي امْرَأَتِهِ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا ثُمَّ يُرَاجِعُهَا فَلَا يَبْلُغُهَا رَجْعَتُهُ وَقَدْ بَلَغَهَا طَلَاقُهُ إِيَّاهَا فَتَزَوَّجَتْ أَنَّهُ إِنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا إِلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذَا وَفِي الْمَفْقُودِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

20 -

بَابُ عِدَّةِ الَّتِي تَفْقِدُ زَوْجَهَا

1219 -

1204 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَمُضَارِعُهُ بِكَسْرِهَا، عَدِمَتْ (زَوْجَهَا فَلَمْ تَدْرِ أَيْنَ هُوَ فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ

ص: 301

أَرْبَعَ سِنِينَ) مِنَ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ ; لِأَنَّهَا غَايَةُ أَمَدِ الْحَمْلِ، وَلِأَنَّهَا الْمُدَّةُ الَّتِي تَبْلُغُهَا الْمُكَاتَبَةُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ سَيْرًا وَرُجُوعًا، وَضُعِّفَ الْأَوَّلُ بِقَوْلِ مَالِكٍ: لَوْ أَقَامَتْ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ رَفَعَتْ يُسْتَأْنَفُ لَهَا الْأَجَلُ، وَبِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً أَوِ الزَّوْجُ صَغِيرًا تُضْرَبُ الْأَرْبَعُ وَلَا حَمْلَ هُنَا. وَالثَّانِي بِقَوْلِ مَالِكٍ أَيْضًا: تَسْتَأْنِفُ الْأَرْبَعَ مِنْ بَعْدِ الْيَأْسِ وَأَنَّهَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، وَلَوْ رَجَعَ الْكَاشِفُ بَعْدَ سَنَةٍ انْتَظَرَتْ تَمَامَ الْأَرْبَعِ، وَلَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ كَوْنَهَا أَمَدَ الْكَشْفِ لَمْ تَنْتَظِرْ تَمَامَهَا، وَقِيلَ: لَا عِلَّةَ لَهُ إِلَّا الِاتِّبَاعُ، وَاسْتُحْسِنَ (ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) سَوَاءٌ كَانَ بَنَى بِهَا أَمْ لَا (ثُمَّ تَحِلُّ) لِلْأَزْوَاجِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، قِيلَ: وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إِلَيْهَا) إِذَا جَاءَ أَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ حَيٌّ ; لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَبَاحَ لِلْمَرْأَةِ الزَّوَاجَ مَعَ إِمْكَانِ حَيَاتِهِ، فَلَمْ يَكْشِفِ الْغَيْبَ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَظَنُّ. (قَالَ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) فَالْعَقْدُ بِمُجَرَّدِهِ يُفِيتُهَا، ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ عَنْ هَذَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ وَقَالَ: لَا يُفِيتُهَا عَلَى الْأَوَّلِ إِلَّا دُخُولُ الثَّانِي غَيْرَ عَالِمٍ بِحَيَاتِهِ كَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ، وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَثَرِ ; لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ قَلَّدْنَا فِيهَا عُمَرَ وَلَيْسَتْ مَسْأَلَةَ نَظَرٍ.

(وَإِنْ أَدْرَكَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا) بِلَا نِزَاعٍ، وَأَوْلَى إِنْ أَدْرَكَهَا فِي الْعِدَّةِ (وَأَدْرَكْتُ النَّاسَ) الْعُلَمَاءَ (يُنْكِرُونَ الَّذِي قَالَ) أَيْ تَقَوَّلَ (بَعْضُ النَّاسِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: يُخَيَّرُ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ إِذَا جَاءَ) فَوَجَدَهَا تَزَوَّجَتْ (فِي) أَخْذِ (صَدَاقِهَا أَوْ فِي امْرَأَتِهِ) فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَخْيِيرِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا ثُمَّ يُرَاجِعُهَا فَلَا يَبْلُغُهَا رَجْعَتُهُ وَقَدْ بَلَغَهَا طَلَاقُهُ إِيَّاهَا فَتَزَوَّجَتْ: إِنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، مَقُولُ عُمَرَ (إِنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا الْآخِرُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، أَيِ

ص: 302

الثَّانِي (أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، فَلَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا إِلَيْهَا) بَلْ تَفُوتُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الثَّانِي. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذَا وَفِي الْمَفْقُودِ) أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ فَوْتٌ، وَهَذَا مَذْهَبُهُ فِي الْمُوَطَّأِ، وَمَذْهَبُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهَا إِنَّمَا تَفُوتُ بِدُخُولِ الثَّانِي فِيهِمَا لَا بِعَقْدِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَرَأَى اللَّخْمِيُّ أَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِدُخُولٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ أَمْرٌ وَلَا قَضِيَّةٌ مِنْ حَاكِمٍ بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ.

ص: 303

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَقْرَاءِ وَعِدَّةِ الطَّلَاقِ وَطَلَاقِ الْحَائِضِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ «طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

21 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْأَقْرَاءِ وَعِدَّةِ الطَّلَاقِ وَطَلَاقِ الْحَائِضِ

1220 -

1205 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) كَذَا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى، وَظَاهِرُهَا الْإِرْسَالُ ; إِذْ نَافِعٌ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ فِي الْمُوَطَّأِ كَيَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ وَإِسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِمَا، مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ (طَلَّقَ امْرَأَتَهُ) هِيَ آمِنَةُ، بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، بِنْتُ غِفَارٍ، بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَبِالرَّاءِ، كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ نُقْطَةَ وَعَزَاهُ لِابْنِ سَعْدٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَهُ كَذَلِكَ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي الْفُضَيْلِ بْنِ نَاصِرٍ، أَوْ بِنْتِ عَمَّارٍ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ: اسْمُهَا النَّوَارُ، فَيُمْكِنُ أَنَّ اسْمَهَا آمِنَةُ وَلَقَبَهَا النَّوَارُ، صَحَابِيَّةٌ (وَهِيَ حَائِضٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، زَادَ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ: جَوَّدَ اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، قَالَ عِيَاضٌ: يَعْنِي أَنَّهُ حَفِظَ وَأَتْقَنَ مَا لَمْ يُتْقِنْهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَمْ يُفَسِّرْ كَمِ الطَّلَاقُ، وَمِمَّنْ غَلِطَ وَوَهِمَ وَقَالَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا (عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ) عَنْ حُكْمِ طَلَاقِ ابْنِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، زَادَ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ سُؤَالَ عُمَرَ لِأَنَّ النَّازِلَةَ لَمْ تَكُنْ وَقَعَتْ فَسَأَلَ لِيَعْلَمَ الْحُكْمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1](سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 228) وَالْحَيْضُ لَيْسَ بِقُرْءٍ فَيَفْتَقِرُ إِلَى بَيَانِ الْحُكْمِ فِيهِ،

ص: 303

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ النَّهْيَ، وَالْأَوْسَطُ أَقْوَاهَا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ (مُرْهُ) أَصْلُهُ اأْمُرْهُ بِهَمْزَتَيْنِ الْأُولَى لِلْوَصْلِ مَضْمُومَةٌ تَبَعًا لِلْعَيْنِ مِثْلَ افْعَلْ وَالثَّانِيَةُ فَاءُ الْكَلِمَةِ سَاكِنَةٌ تُبْدَلُ تَخْفِيفًا مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ سَابِقَتِهَا فَيُقَالُ اومُرْ، فَإِذَا وُصِلَ الْفِعْلُ بِمَا قَبْلَهُ زَالَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ وَسَكَنَتِ الْهَمْزَةُ الْأَصْلِيَّةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} [طه: 132](سُورَةُ طه: الْآيَةُ 132) لَكِنِ اسْتَعْمَلَتْهَا الْعَرَبُ بِلَا هَمْزٍ فَقَالُوا " مُرْ " لِكَثْرَةِ الدَّوْرِ ; لِأَنَّهُمْ حَذَفُوا أَوَّلًا الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ تَخْفِيفًا ثُمَّ حَذَفُوا هَمْزَةَ الْوَصْلِ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا لِتَحَرُّكِ مَا بَعْدَهَا، أَيْ مُرِ ابْنَكَ عَبْدَ اللَّهِ (فَلْيُرَاجِعْهَا) وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلِلنَّدْبِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالرَّجْعَةِ أَبُوهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ الشَّرْعَ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُبَلِّغٌ عَنْهُ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2](سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 2) وَغَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِالرَّجْعَةِ أَوِ الْفِرَاقِ بِتَرْكِهَا، فَيُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَدِيثِ بِحَمْلِ الْأَمْرِ فِيهِ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ بِنَاهِضٍ ; إِذِ الْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُخَصُّ عُمُومُ الْآيَاتِ بِمَنْ لَمْ يُطَلِّقْ فِي الْحَيْضِ (ثُمَّ يُمْسِكْهَا) أَيْ يُدِيمُ إِمْسَاكَهَا وَإِلَّا فَالرَّجْعَةُ إِمْسَاكٌ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ: ثُمَّ لْيَتْرُكْهَا، وَلِإِسْمَاعِيلَ: ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا بِإِعَادَةِ اللَّامِ مَكْسُورَةً وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا بِقِرَاءَةِ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29](سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 29) فَالْكَسْرُ عَلَى الْأَصْلِ فِي لَامِ الْأَمْرِ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ لَامِ التَّأْكِيدِ وَالسُّكُونُ لِلتَّخْفِيفِ إِجْرَاءً لِلْمُنْفَصِلِ مَجْرَى الْمُتَّصِلِ، وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ لْيَدَعْهَا (حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ) حَيْضَةً أُخْرَى (ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ الطُّهْرِ مِنَ الْحَيْضِ الثَّانِي (وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ) وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ: طَلَّقَهَا (قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ) وَلِإِسْمَاعِيلَ: يَمَسَّهَا أَيْ يُجَامِعَهَا، فَيُكْرَهُ فِي طُهْرٍ مَسَّ فِيهِ لِلتَّلْبِيسِ إِذْ لَا يَدْرِي أَحَمَلَتْ فَتَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ أَوْ لَا فَبِالْأَقْرَاءِ، وَقَدْ يَظْهَرُ الْحَمْلُ فَيَنْدَمُ عَلَى الْفِرَاقِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى جَبْرِهِ عَلَى الرَّجْعَةِ كَالْمُطَلِّقِ فِي الْحَيْضِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَمَرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الطَّلَاقَ إِلَى الطُّهْرِ الثَّانِي؟ أُجِيبَ بِأَنَّ حَيْضَ الطَّلَاقِ وَالطُّهْرِ التَّالِي لَهُ بِمَنْزِلَةِ قُرْءٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ طَلَّقَ فِيهِ لَصَارَ كَمُوقِعِ طَلْقَتَيْنِ فِي قُرْءٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقِ السُّنَّةِ، وَبِأَنَّهُ عَاقَبَهُ بِتَأْخِيرِ الطَّلَاقِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ جَزَاءً بِمَا فَعَلَهُ مِنَ الْحَرَامِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ، وَهَذَا مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ وَلِمَ يَتَحَقَّقْهُ وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِعُقُوبَتِهِ، قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَغَيُّظَهُ صلى الله عليه وسلم دُونَ أَنْ يَعْذِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الظُّهُورِ لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَبِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ فَرَّطَ بِتَرْكِ السُّؤَالِ قَبْلَ الْفِعْلِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ فَعُوقِبَ عَلَى تَرْكِهِ السُّؤَالَ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ زَجْرًا لِغَيْرِهِ

ص: 304

بَعْدَهُ.

وَقِيلَ: إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّأْخِيرِ لِئَلَّا تَصِيرَ الرَّجْعَةُ لِمُجَرَّدِ غَرَضِ الطَّلَاقِ لَوْ طَلَّقَ فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الطُّهْرِ الثَّانِي، وَكَمَا يُنْهَى عَنِ النِّكَاحِ لِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ يُنْهَى عَنِ الرَّجْعَةِ لَهُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُطَلِّقَ أَحَدٌ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ نَكَحَ لِلطَّلَاقِ لَا لِلنِّكَاحِ، وَقِيلَ: لِيَطُولَ مُقَامُهُ مَعَهَا، وَالظَّنُّ بِابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهَا حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ، فَلَعَلَّهُ إِذَا وَطِئَ تَطِيبُ نَفْسُهُ وَيُمْسِكُهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ حِرْصًا عَلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ وَحَضًّا عَلَى بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، حَكَى ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ وَسَالِمُ بْنُ عُمَرَ بِلَفْظِ: حَتَّى تَطْهُرَ مِنَ الْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، فَلَمْ يَقُولُوا ثُمَّ تَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرُ كَمَا قَالَ نَافِعٌ، نَعَمْ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ نَافِعٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ خُصُوصًا إِذَا كَانَ حَافِظًا. وَلَفْظُ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ:" «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا» ". (فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ) أَيْ أَذِنَ (أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1](سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ) . قَالَ عِيَاضٌ: أَيْ فِي اسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ، وَهَذِهِ قِرَاءَةُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ:" لِقُبُلِ طُهْرِهِنَّ ". قَالَ الْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى التَّفْسِيرِ لَا عَلَى التِّلَاوَةِ، وَهِيَ تُصَحِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ الْأَطْهَارُ إِذْ لَا يُسْتَقْبَلُ فِي الْحَيْضِ عِدَّةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَلَا يُجْتَزَى بِهَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ فِي الصَّحِيحِ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ كَمَا أَمَرَهُ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي الْحَيْضِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالْمُرَاجَعَةِ فَائِدَةٌ، قَالَ الْبَاجِيُّ: إِذِ الْمُرَاجَعَةُ لَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا إِلَّا بَعْدَ طَلَاقٍ يُعْتَدُّ بِهِ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَهُمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَدَاوُدُ فِي قَوْلِهِمْ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْحَائِضِ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا وَالَّذِي حَسِبَ حِينَئِذٍ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ شُووِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَفْتَى فِيهَا، فَمُحَالٌ أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا ابْنُ عُمَرَ طَلْقَةً مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ: أَنَّ إِلْزَامَ الطَّلَاقِ تَغْلِيظٌ وَمَنْعَهُ تَخْفِيفٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ وَلَا الْمَجْنُونَ وَلَا النَّائِمَ وَيَلْزَمُ السَّكْرَانَ ; لِأَنَّهُ عَاصٍ، فَإِذَا لَزِمَ مَنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَانَ إِلْزَامُهُ لِمَنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ أَحْرَى. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ وَإِنْ كَرِهَهُ جَمِيعُهُمْ، وَلَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْجَهْلِ الَّذِينَ يَرَوْنَ الطَّلَاقَ لِغَيْرِ السُّنَّةِ لَا يَقَعُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَهُوَ شُذُوذٌ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ: أَيُعْتَدُّ بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ، وَفِي بَعْضِهَا قَالَ: فَمَهْ

ص: 305

أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ، أَيْ عَجَزَ عَنْ فَرْضٍ آخَرَ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ، أَكَانَ يُعْذَرُ؟ وَكَانَ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: إِنْ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ وَهِيَ حَائِضٌ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ أَنْ تُرَاجِعَهَا، وَإِنْ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ثَلَاثًا كَانَ أَوْ وَاحِدَةً، وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ مِنَ الْقُرْبِ كَالصَّلَاةِ فَلَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى سَبَبِهَا وَإِنَّمَا هُوَ زَوَالُ عِصْمَةٍ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى غَيْرِ سَبَبِهِ أَثِمَ وَلَزِمَهُ، وَمُحَالٌ أَنْ يَلْزَمَ الْمُطِيعَ الْمُتَّبِعَ لِلسُّنَّةِ طَلَاقُهُ وَلَا يَلْزَمَ الْعَاصِيَ، فَيَكُونُ أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الْمُطِيعِ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -:{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1](سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) أَيْ عَصَى رَبَّهُ وَفَارَقَ امْرَأَتَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُطَلِّقُ فِي الْحَيْضِ، وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ الْحَائِلِ بِغَيْرِ رِضَاهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا أَثِمَ وَوَقَعَ، وَشَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ: لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ فَأَشْبَهَ طَلَاقَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً ; لِأَمْرِهِ عليه السلام بِالْمُرَاجَعَةِ، فَلَوْ لَمْ يَقَعْ لَمْ تَكُنْ رَجْعَةٌ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ الرَّجْعَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَهِيَ الرَّدُّ إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ، غَلَطٌ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ صَرَّحَ بِأَنَّهُ حَسَبَهَا عَلَيْهِ طَلْقَةً. اهـ.

وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ: فَقَالَ عُمَرُ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَيُحْتَسَبُ بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ» ". فَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ. وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لِيُرَاجِعْهَا، فَرَدَّهَا، وَقَالَ: إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ يُمْسِكْ» ". وَزَادَ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ فِيهِ: وَلَمْ يَرَهَا، أَعَلَّهُ أَبُو دَاوُدَ فَقَالَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ جَمَاعَةٌ، وَأَحَادِيثُهُمْ كُلُّهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَقُلْهَا غَيْرُ أَبِي الزُّبَيْرِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ مِثْلُهُ فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ؟ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ يَرْوِ أَبُو الزُّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَافِعٌ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَالْأَثْبَتُ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ إِذَا تَخَالَفَا، وَقَدْ وَافَقَ نَافِعًا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّثَبُّتِ، وَحُمِلَ قَوْلُهُ: لَمْ يَرَهَا شَيْئًا، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعِدَّهَا شَيْئًا صَوَابًا، فَهُوَ كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ أَوْ فِي جَوَابِهِ: لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، أَيْ شَيْئًا صَوَابًا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ يَرَهَا شَيْئًا تَحْرُمُ مَعَهُ الْمُرَاجَعَةُ، وَقَدْ تَابَعَ أَبَا الزُّبَيْرِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:" «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» ". رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيطِ بَعْضِ الثِّقَاتِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَيَتَعَلَّقُ بِالْحَدِيثِ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ هَلْ هُوَ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعُمَرَ: " «مُرْهُ، فَأَمَرَهُ بِأَمْرِهِ» ". وَأَطَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِطَابَ إِذَا تَوَجَّهَ لِمُكَلَّفٍ أَنْ يَأْمُرَ مُكَلَّفًا آخَرَ بِفِعْلِ شَيْءٍ، فَالْمُكَلَّفُ الْأَوَّلُ مُبَلِّغٌ مَحْضٌ وَالثَّانِي مَأْمُورٌ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ كَمَا هُنَا، وَإِنْ تَوَجَّهَ مِنَ الشَّارِعِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَحَدِيثِ:" «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ» ". لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرًا بِالشَّيْءِ ; لِأَنَّ

ص: 306

الْأَوْلَادَ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ فَلَا يَتَّجِهُ عَلَيْهِمُ الْوُجُوهُ، وَإِنْ تَوَجَّهَ الْخِطَابُ مِنْ غَيْرِ الشَّارِعِ بِأَمْرِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ لَا أَمْرَ لِلْأَوَّلِ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنِ الْآمِرُ بِالشَّيْءِ آمِرًا بِالشَّيْءِ أَيْضًا بَلْ هُوَ مُتَعَدٍّ بِأَمْرِهِ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَأْمُرَ الثَّانِيَ، وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ غَيْرُ مَا ذُكِرَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، وَتَابَعَهُ سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى فِيهِمَا وَفِي غَيْرِهِمَا.

ص: 307

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَتْ صَدَقَ عُرْوَةُ وَقَدْ جَادَلَهَا فِي ذَلِكَ نَاسٌ فَقَالُوا إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فَقَالَتْ عَائِشَةُ صَدَقْتُمْ تَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ إِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1221 -

1206 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ) أَيْ نَقَلَتْ (حَفْصَةَ ابْنَةَ) شَقِيقِهَا (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) لَمَّا طَلَّقَهَا الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ (حِينَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ) لِتَمَامِ عِدَّتِهَا ; إِذِ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ، أَحَدِ الْمُكْثِرِينَ عَنْ عَائِشَةَ (فَقَالَتْ: صَدَقَ عُرْوَةُ) فِيمَا رَوَى عَنْ عَائِشَةَ (وَقَدْ جَادَلَهَا) خَاصَمَهَا بِشِدَّةٍ (فِي ذَلِكَ نَاسٌ فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ){وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] تَمْضِي مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ، جَمْعُ قَرْءٍ، بِفَتْحِ الْقَافِ (فَقَالَتْ: صَدَقْتُمْ) فِي أَنَّهُ قَالَهُ، وَلَكِنْ (تَدْرُونَ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ أَتَعْلَمُونَ (مَا الْأَقْرَاءُ؟) جَمْعُ قُرْءٍ، بِالضَّمِّ، مِثْلَ قُفْلٍ وَأَقْفَالٍ (إِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ تَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ وَلَا الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْقُرْءَ لُغَةً يَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضَةِ، إِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ فِي الْآيَةِ، فَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: الْأَطْهَارُ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: الْحَيْضُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ: ثُمَّ تَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرُ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ لِلْعِدَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي طُهْرٍ، فَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1](سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) وَقُرِئَ " لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ " أَيْ لِاسْتِقْبَالِهَا، وَنَهَى عَنِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ ; لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ فِي تِلْكَ الْحَيْضَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْقُرْءَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَرَأْتُ الْمَاءَ فِي

ص: 307

الْحَوْضِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْقُرْءَ مَهْمُوزٌ وَهَذَا لَيْسَ بِمَهْمُوزٍ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: أَصْلُ الْقَرْءِ الْوَقْتُ، يُقَالُ: أَقَرَأَتِ النُّجُومُ إِذَا طَلَعَتْ لِوَقْتِهَا. وَقَالَ عِيَاضٌ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَاللُّغَوِيِّينَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ هَلْ هُوَ الْحَيْضُ أَوِ الطُّهْرُ أَوْ مُشْتَرَكٌ؟ فَتَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِمَا أَوْ حَقِيقَةً فِي الْحَيْضِ مَجَازًا فِي الطُّهْرِ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِ الِانْتِقَالُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ دُونَ كَوْنِهِ اسْمًا لِلطُّهْرِ أَوِ الْحَيْضِ، فَمَعْنَى " {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] " ثَلَاثُ انْتِقَالَاتٍ، وَإِذَا عُلِمَ مَا هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهُ اتَّضَحَ فَقِيلَ: مِنَ الْوَقْتِ، فَيَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَقِيلَ: مِنَ الْجَمْعِ، فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَطْهَارِ، وَقِيلَ: مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَيَكُونُ ظَاهِرًا فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ جَمِيعًا، لَكِنَّ الثَّلَاثَ انْتِقَالَاتٍ إِنَّمَا تَسْتَقِيمُ بِالِانْتِقَالِ مِنَ الطُّهْرِ إِلَى الْحَيْضِ لَا عَكْسِهِ ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ لَا يَجُوزُ، وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ إِنَّمَا تُعْرَفُ بِالِانْتِقَالِ مِنَ الطُّهْرِ إِلَى الْحَيْضِ، وَلِذَا كَانَ اسْتِبْرَاءُ الْإِمَاءِ بِالْحَيْضِ لِأَنَّ مَجِيئَهُ غَالِبًا دَلِيلٌ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلَا يَدُلُّ مَجِيءُ الطُّهْرِ عَلَى بَرَاءَتِهِ إِذْ قَدْ تَحْمِلُ فِي آخِرِ حَيْضِهَا، فَكَانَتِ الثَّلَاثُ فِي الْحَرَائِرِ كَالْوَاحِدَةِ فِي اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَمُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ حَسَنٌ دَقِيقٌ.

ص: 308

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ هَذَا يُرِيدُ قَوْلَ عَائِشَةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1221 -

1207 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ هَذَا) وَفِي نُسْخَةٍ " ذَلِكَ "(يُرِيدُ قَوْلَ عَائِشَةَ) إِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" فَتِلْكَ الْعِدَّةُ " ; إِذْ لَوْ أَرَادَ الْأَطْهَارَ لَقَالَ: " فَذَلِكَ " كَمَا زَعَمَ الْمُخَالِفُ ; لِأَنَّهُ أَنَّثَ بِاعْتِبَارِ الْحَالَةِ أَوِ الْعِدَّةِ.

ص: 308

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْأَحْوَصَ هَلَكَ بِالشَّامِ حِينَ دَخَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1223 -

1208 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) مَوْلَى عُمَرَ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ الْأَحْوَصَ) بِالْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْنَ عَبْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مُنَافٍ، ذَكَرَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ وَالْبَلَاذُرِيُّ أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لِمُعَاوِيَةَ عَلَى الْبَحْرِينِ، وَسَعَى لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِي قِصَّةٍ جَرَتْ لَهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صُحْبَةٌ وَأَنَّهُ عَمَّرَ ; لِأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ كَافِرًا، وَمِنْ وَلَدِهِ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَحْوَصِ، لَهُ ذِكْرٌ بِالشَّامِ فِي أَيَّامِ بَنِي مَرْوَانَ، وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ عَامِلًا أَيْضًا

ص: 308

لِمُعَاوِيَةَ عَلَى بَعْضِ الشَّامِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْأَحْوَصَ بْنَ فُلَانٍ أَوْ فُلَانَ بْنَ الْأَحْوَصِ، قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: الْأَقْوَى أَنَّ الْقِصَّةَ لِلْأَحْوَصِ وَهُوَ ابْنُ عَبْدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِوَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَمْ يُسَمَّ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، قَالَهُ فِي الْإِصَابَةِ، لَكِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ لَا الْمُوَطَّأِ لِقَوْلِهِ: الْأَحْوَصُ (هَلَكَ) مَاتَ (بِالشَّامِ حِينَ دَخَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: طَلْقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ. (فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ، زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: فَسَأَلَ عَنْهَا فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَمَنْ هُنَاكَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ فِيهَا عِلْمًا، فَبَعَثَ رَاكِبًا (إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِيدٌ: أَنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا) مِثْلُ سَلِمَ وَزْنًا وَمَعْنًى، أَيِ انْقَطَعَتِ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا (وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا) لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةَ، فَفِي هَذَا أَيْضًا أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ.

ص: 309

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا دَخَلَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1223 -

1209 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ أَوِ الْعَشَرَةِ (وَابْنِ شِهَابٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا دَخَلَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مَنْ زَوْجِهَا وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ.

ص: 309

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1225 -

1210 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَتْ

ص: 309

فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا) فَلَا إِرْثَ وَلَا رَجْعَةَ (قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ بِهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضُ، وَعَنْ أَحْمَدَ الْقَوْلَانِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا الْأَطْهَارُ - مُخَالَفَةُ الْقُرْآنِ لِاعْتِدَادِهَا عِنْدَهُمْ بِطُهْرِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ قَلَّ فَيَكُونُ عِدَّتُهَا قُرْأَيْنِ وَنِصْفًا، وَاللَّهُ - تَعَالَى - جَعَلَهَا ثَلَاثَةً، وَإِذَا كَانَتِ الْحَيْضَ كَانَتْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ كَامِلَةٍ لِحُرْمَةِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَحَمَلَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ ابْنَ شِهَابٍ عَلَى أَنْ قَالَ: الطُّهْرُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ انْفَرَدَ بِهِ دُونَ جَمِيعِ مَنْ قَالَ: الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ، وَأَجَابَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الِانْتِقَالُ مَنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَمَا بَقِيَ مِنَ الطُّهْرِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ فِيهِ الِانْتِقَالُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْعِدَّةُ بِثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كَامِلَةٍ، وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ تَسْمِيَةُ اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةً، قَالَ تَعَالَى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 197) وَمَا الْحَجُّ إِلَّا شَهْرَانِ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ، قَالَهُ الْمَازِرِيُّ.

ص: 310

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَا يَقُولَانِ إِذَا طُلِّقَتْ الْمَرْأَةُ فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَحَلَّتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1226 -

1211 - (مَالِكٌ، عَنِ الْفُضَيْلِ) بِضَمِّ الْفَاءِ، مُصَغَّرٌ (بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ (مَوْلَى الْمَهْرِيِّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ (أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَا يَقُولَانِ: إِذَا طُلِّقَتِ الْمَرْأَةُ فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَحَلَّتْ) لِمَنْ يَتَزَوَّجُهَا لِأَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:{ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 228) إِذْ لَوْ أُرِيدُ الْحَيْضُ لَقَالَ ثَلَاثَ بِلَا تَاءٍ لِأَنَّهَا تُحْذَفُ مِنَ الْمُؤَنَّثِ وَتَدْخُلُ مَعَ الْمُذَكَّرِ، وَغَلَّطَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ الْعَرَبَ تُرَاعِي فِي الْعَدَدِ اللَّفْظَ مَرَّةً كَقَوْلِهِمْ: ثَلَاثَةُ مَنَازِلَ، وَالْمَعْنَى أُخْرَى كَقَوْلِ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:

فَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَا كُنْتُ أَتَّقِي

ثَلَاثُ شُخُوصٍ كَأَعْيَانٍ وَجُؤْذَرِ.

فَأَنَّثَ عَلَى مَعْنَى الشُّخُوصِ، وَأَكْثَرَ الْإِمَامُ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ تَقْوِيَةً لِمَذْهَبِهِ أَنَّهَا الْأَطْهَارُ، وَاحْتِجَاجُ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا الْحَيْضُ قَالَ بِهِ نَحْوُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعَارَضٌ بِقَوْلِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا الْأَقْرَاءُ، وَعَائِشَةُ مُقَدَّمَةٌ فِي الْفِقْهِ لَا سِيَّمَا فِي أَحْوَالِ النِّسَاءِ.

ص: 310

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1226 -

1212

ص: 310

- (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ) لِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ فَدَخَلَ فِي الْآيَةِ.

ص: 311

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْأَقْرَاءُ وَإِنْ تَبَاعَدَتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1228 -

1213 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْأَقْرَاءُ وَإِنْ تَبَاعَدَتْ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ.

ص: 311

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ لَهَا إِذَا حِضْتِ فَآذِنِينِي فَلَمَّا حَاضَتْ آذَنَتْهُ فَقَالَ إِذَا طَهُرْتِ فَآذِنِينِي فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ فَطَلَّقَهَا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1229 -

1214 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ زَوْجُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ وَأَنَّهُ غَيْرُهُ (أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ لَهَا: إِذَا حِضْتِ فَآذِنِينِي) بِالْمَدِّ، أَعْلِمِينِي (فَلَمَّا حَاضَتْ آذَنَتْهُ، فَقَالَ: إِذَا طَهُرْتِ فَآذِنِينِي، فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ فَطَلَّقَهَا، قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) أَيْ طَلَاقِهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.

ص: 311

[بَاب مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا إِذَا طُلِّقَتْ فِيهِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَهُمَا يَذْكُرَانِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ الْبَتَّةَ فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَقَالَتْ اتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْ الْمَرْأَةَ إِلَى بَيْتِهَا فَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي وَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ أَوَ مَا بَلَغَكِ شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ فَقَالَ مَرْوَانُ إِنْ كَانَ بِكِ الشَّرُّ فَحَسْبُكِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنْ الشَّرِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

22 -

بَابُ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا إِذَا طُلِّقَتْ فِيهِ

1230 -

1215 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ

ص: 311

(وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمِلَةٍ خَفِيفَةٍ (أَنَّهُ) أَيْ يَحْيَى (سَمِعَهُمَا) الْقَاسِمَ وَسُلَيْمَانَ (يَذْكُرَانِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي) الْأُمَوِيَّ أَخَا عَمْرٍو الْأَشْدَقِ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، مَاتَ فِي حُدُودِ الثَّمَانِينَ (طَلَّقَ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ) بْنِ الْعَاصِي، أَخِي مَرْوَانَ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَةِ: هِيَ عَمْرَةُ فِيمَا أَظُنُّ (الْبَتَّةَ، فَانْتَقَلَهَا) أَيْ نَقَلَهَا أَبُوهَا (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ، فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ) عَمِّ الْمُطَلَّقَةِ (وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ) مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ (فَقَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ) يَا مَرْوَانُ (وَارْدُدِ الْمَرْأَةَ إِلَى بَيْتِهَا) تَعْتَدَّ فِيهِ (فَقَالَ مَرْوَانُ) مُجِيبًا لِعَائِشَةَ (فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ) بْنِ يَسَارٍ (إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي) فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهَا (وَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ) مُجِيبًا لِعَائِشَةَ أَيْضًا (أَوَمَا بَلَغَكِ شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟) حَيْثُ لَمْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَانْتَقَلَتْ إِلَى غَيْرِهِ (فَقَالَتْ عَائِشَةُ) لِمَرْوَانَ (لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ) لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلتَّعْمِيمِ ; لِأَنَّهُ كَانَ لِعِلَّةٍ، وَيَجُوزُ انْتِقَالُ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ مَنْزِلِهَا بِسَبَبٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: عَابَتْ عَائِشَةُ، أَيْ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَشَدَّ الْعَيْبِ وَقَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحْشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا، فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الِانْتِقَالِ. وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً. وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ.

(فَقَالَ مَرْوَانُ) لِعَائِشَةَ (إِنْ كَانَ بِكِ الشَّرُّ) أَيْ إِنْ كَانَ عِنْدَكِ أَنَّ سَبَبَ خُرُوجِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مَا وَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَقَارِبِ زَوْجِهَا مِنَ الشَّرِّ (فَحَسْبُكِ) أَيْ يَكْفِيكِ فِي جَوَازِ انْتِقَالِ عَمْرَةَ (مَا بَيْنَ هَذَيْنِ) عَمْرَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ (مِنَ الشَّرِّ) الْمُجَوِّزِ لِلِانْتِقَالِ، وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 312

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَطَلَّقَهَا الْبَتَّةَ فَانْتَقَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1231 -

1216 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ نُفَيْلٍ) بِضَمِّ

ص: 312

النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، الْعَدَوِيِّ، أَحَدِ الْعَشَرَةِ (كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) الْأُمَوِيِّ، لَقَبُهُ الْمُطْرَفُ، بِسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، ثِقَةٌ، مَاتَ بِمِصْرَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ (فَطَلَّقَهَا الْبَتَّةَ فَانْتَقَلَتْ) مِنْ بَيْتِهَا (فَأَنْكَرَ ذَلِكَ) الِانْتِقَالَ (عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) لِمُخَالَفَةِ الْقُرْآنِ.

ص: 313

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ فِي مَسْكَنِ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ طَرِيقَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَكَانَ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى مِنْ أَدْبَارِ الْبُيُوتِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا حَتَّى رَاجَعَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1232 -

1217 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ فِي مَسْكَنِ حَفْصَةَ) أُخْتِهِ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ طَرِيقُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَكَانَ يَسَلُكُ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى مِنْ أَدْبَارِ الْبُيُوتِ كَرَاهِيَةَ - بِخِفَّةِ الْيَاءِ - (أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا) مِنْ شِدَّةِ وَرَعِهِ (حَتَّى رَاجَعَهَا) لِعِصْمَتِهِ.

ص: 313

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ عَلَى مَنْ الْكِرَاءُ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَلَى زَوْجِهَا قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ زَوْجِهَا قَالَ فَعَلَيْهَا قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا قَالَ فَعَلَى الْأَمِيرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1233 -

1218 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ، عَلَى مَنِ الْكِرَاءُ؟) فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ (فَقَالَ سَعِيدٌ: عَلَى زَوْجِهَا، قَالَ) السَّائِلُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ زَوْجِهَا) شَيْءٌ لِلْكِرَاءِ (قَالَ) سَعِيدٌ (فَعَلَيْهَا، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا، قَالَ: فَعَلَى الْأَمِيرِ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

ص: 313

[بَاب مَا جَاءَ فِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قَالَ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّي عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمِ بْنَ هِشَامٍ خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ بِهِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

23 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ

1234 -

1219 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ، الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ الْأَعْوَرِ الثِّقَةِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ) الصَّحَابِيِّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الْقُرَشِيِّ الزُّهْرِيِّ إِسْمَاعِيلَ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ أَوِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ (عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسِ) بْنِ خَالِدٍ الْقُرَشِيَّةِ الْفِهْرِيَّةِ، أُخْتِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَتْ أَسَنَّ مِنْهُ، يُقَالُ بِعَشْرِ سِنِينَ، كَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ ذَاتَ جَمَالٍ وَعَقْلٍ، وَفِي بَيْتِهَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّورَى لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ، قَدِمَتْ عَلَى أَخِيهَا الْكُوفَةَ وَهُوَ أَمِيرُهَا فَرَوَى عَنْهَا الشَّعْبِيُّ قِصَّةَ الْجَسَّاسَةِ بِطُولِهَا، فَانْفَرَدَتْ بِهَا مُطَوَّلَةً وَتَابَعَهَا جَابِرٌ وَغَيْرُهُ (أَنَّ أَبَا عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنَ حَفْصِ) بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيَّ الْمَخْزُومِيَّ الصَّحَابِيَّ، سَكَنَ الْمَدِينَةَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: اسْمُهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَقِيلَ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ، وَأُمُّهُ دُرَّةُ بِنْتُ خُزَاعِيٍّ الثَّقَفِيَّةُ، خَرَجَ مَعَ عَلِيٍّ إِلَى الْيَمَنِ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ فَمَاتَ هُنَاكَ، وَيُقَالُ بَلْ رَجَعَ إِلَى أَنْ شَهِدَ فُتُوحَ الشَّامِ. وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ نَاشِرَةَ بْنِ سُمَيٍّ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: إِنِّي أَعْتَذِرُ لَكُمْ مِنْ عَزْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصٍ: عَزَلْتَ عَنَّا غُلَامًا اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَوْلُهُ " أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ "، هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَلَبَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ عَمْرٍو، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْمَحْفُوظُ الْأَوَّلُ (طَلَّقَهَا) قَالَ عِيَاضٌ: كَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجَمِيعِ " طَلَّقَهَا " وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهِ: هَلِ الْبَتَّةَ أَوِ الثَّلَاثَ أَوْ آخِرَةَ الثَّلَاثِ، وَمَا يُوهِمُهُ بَعْضُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ مَاتَ عَنْهَا مُؤَوِّلٌ (الْبَتَّةَ) قَالَ فِي الْمُفْهِمِ: يَعْنِي بِهَا آخِرَةَ الثَّلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، يَعْنِي فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ فَاطِمَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو طَلَّقَهَا آخَرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، قَالَ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ طَلَّقَ بِلَفْظِ الْبَتَّةَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ آخِرَةُ الثَّلَاثِ الْبَتَّةَ ; لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ بَتَّتِ الْعِصْمَةَ حَتَّى لَمْ تُبْقِ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَمَّا كَمَّلَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةُ الثَّلَاثَةَ عُبِّرَ عَنْهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالثَّلَاثِ، يَعْنِي رِوَايَةَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْهَا قَالَتْ: طَلَّقَنِي بَعْلِي ثَلَاثًا. قَالَ: وَالرِّوَايَةُ الْمُفَسِّرَةُ قَاضِيَةٌ عَلَى غَيْرِهَا وَهِيَ الصَّحِيحَةُ (وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ) كَذَا لِيَحْيَى، وَسَقَطَ عِنْدَ

ص: 314

النَّيْسَابُورِيِّ وَغَيْرِهِ بِالشَّامِ.

وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْيَمَنِ، فَأَرْسَلَ إِلَى فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَاقِيَةً مِنْ طَلَاقِهَا (فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ) بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ ; لِأَنَّهُ الْمُرْسِلُ، كَذَا قَالَ السُّيُوطِيُّ تَبَعًا لِلنَّوَوِيِّ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْجَهْمِ: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ: أَرْسَلَ إِلَيَّ زَوْجِي أَبُو عَمْرٍو عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بِطَلَاقٍ، وَأَرْسَلَ مَعَهُ بِخَمْسَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ وَخَمْسَةِ آصُعٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَقُلْتُ: أَمَا لِي نَفَقَةٌ إِلَّا هَذَا وَلَا أَعْتَدُّ فِي مَنْزِلِكُمْ؟ قَالَ: لَا، وَصَرِيحُ هَذَا أَنَّ وَكِيلَهُ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ فَاعِلُهُ يَعُودُ عَلَى الزَّوْجِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ الْعَمَلُ بِالْوَكَالَةِ وَشُهْرَتُهَا عِنْدَهُمْ، وَكَانَ إِرْسَالُ هَذَا الشَّعِيرِ مُتْعَةً فَحَسِبَتْهَا هِيَ النَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ (فَسَخِطَتْهُ) وَرَأَتْ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ، فَأَخْبَرَهَا الْوَكِيلُ بِالْحُكْمِ (فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ) فَلَمْ تَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ، فَشَدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا (فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ) وَفِي نُسْخَةٍ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فَقَالَ: كَمْ طَلَّقَكِ؟ فَقُلْتُ: ثَلَاثًا، قَالَ: صَدَقَ ". (لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ) لِأَنَّكِ بَائِنٌ وَلَا حَمْلَ بِكِ (وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ) الْقُرَشِيَّةِ الْعَامِرِيَّةِ وَقِيلَ الْأَنْصَارِيَّةُ، اسْمُهَا غُزَيَّةُ وَقِيلَ غُزَيْلَةُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ فِيهِمَا ثُمَّ زَايٍ فِيهِمَا وَتَحْتِيَّةٍ وَلَامٍ عَلَى الثَّانِي. وَذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ فِي أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم (ثُمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي) أَيْ يُلِمُّونَ بِهَا وَيَرِدُونَ عَلَيْهَا وَيَزُورُونَهَا لِصَلَاحِهَا، وَكَانَتْ كَثِيرَةَ الْمَعْرُوفِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالتَّضْيِيفِ لِلْغُرَبَاءِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَفِيهِ جَوَازُ نَظَرِ الْفَجْأَةِ ; إِذْ لَا يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْ تَكَرُّرِهِمْ إِلَيْهَا، وَمَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِمَوْضِعٍ يَشُقُّ عَلَيْهَا فِيهِ التَّحَرُّزُ مِمَّنْ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ; لِأَنَّهَا لَوْ أَقَامَتْ لَشَقَّ عَلَيْهَا التَّحَفُّظُ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِمْ إِلَيْهَا وَطُولِ إِقَامَتِهِمْ وَحَدِيثِهِمْ عِنْدَهَا، قَالَهُ عِيَاضٌ.

(اعْتَدِّي عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ) الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ، أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَالْأَشْهَرُ فِي اسْمِ أَبِيهِ قَيْسُ بْنُ زَائِدَةَ، وَاسْمُ أُمِّهِ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيَّةُ، وَكَانَ اسْمُهُ عَمْرًا، وَقِيلَ الْحُصَيْنُ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ اسْمَانِ، شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ اسْتُشْهِدَ بِهَا، وَقِيلَ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَاتَ بِهَا. (فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ) وَلَا يَرَاكِ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم: " «فَإِنَّكِ إِذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ لَمْ يَرَكِ» ". وَأُخِذَ مِنْهُ جَوَازُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ مِنَ الرَّجُلِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا كَرَأْسِهَا وَمَوْضِعِ الْخَصْرِ مِنْهَا، وَعُورِضَ بِمَا رَوَاهُ

ص: 315

أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ نَبْهَانَ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا وَلِمَيْمُونَةَ وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِمَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقَالَتَا: إِنَّهُ أَعْمَى، فَقَالَ: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟ أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ» ؟ ". وَأَجَابَ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ تَغْلِيظٌ عَلَى أَزْوَاجِهِ فِي الْحِجَابِ لِحُرْمَتِهِنَّ، فَكَمَا غَلَّظَ الْحِجَابَ عَلَى الرِّجَالِ فِيهِنَّ غَلَّظَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ إِلَى الرِّجَالِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا كَمَا عَلَى الرَّجُلِ غَضُّهُ كَمَا نَصَّ اللَّهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ: "«تَضَعِينَ ثِيَابَكِ وَإِذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ لَمْ يَرَكِ» ". فَلَا يُخْشَى لِعَمَاهُ مَا يُخْشَى مِنْ غَيْرِهِ مِنَ النَّظَرِ لِتَرَدُّدِهِ لِلْمُجَاوِرَةِ وَالْمُلَازَمَةِ، وَلِمَا عَلَيْهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ فِي التَّحَرُّزِ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، قَالَ الزَّوَاوِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهَا الِاعْتِدَادَ عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ لِضَرُورَتِهَا إِلَى ذَلِكَ، وَلَا ضَرُورَةَ بِأَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32](سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 32) يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا، قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ وَمَنْ وَافَقَهُ.

(فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ، أَعْلِمِينِي. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ:" «لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ» " وَفِي أُخْرَى لَهُ: " «وَأَرْسَلَ إِلَيْهَا أَنْ لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ» " قِيلَ: فِيهِ جَوَازُ التَّعْرِيضِ، وَاسْتَبْعَدَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ آذِنِينِي وَلَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ غَيْرُ أَمْرِهَا بِالتَّرَبُّصِ دُونَ تَسْمِيَةِ زَوْجٍ، وَالتَّعْرِيضُ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الزَّوْجِ أَوْ نَائِبِهِ، أَمَّا الْمَجْهُولُ فَلَا تَعْرِيضَ فِيهِ وَلَا مُوَاعَدَةَ، وَلَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ أَوْ أَجْنَبِيًّا قَالَ لَهَا: إِذَا حَلَلْتِ زَوَّجْتُكِ أَوْ لَا تَتَزَوَّجِي أَحَدًا حَتَّى تُشَاوِرِينِي، لَمْ يَكُنْ تَعْرِيضًا وَلَا مُوَاعَدَةً فِي الْعِدَّةِ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ فِي مَنْعِ التَّعْرِيضِ وَالْمُوَاعَدَةِ وَالْخِطْبَةِ فِي الْعِدَّةِ ; إِذْ لَمْ يَفْعَلْ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَرَدَّهُ الزَّوَاوِيُّ وَالْأَبِيُّ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَبَاحَ التَّعْرِيضَ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ الزَّوَاوِيُّ: وَالتَّرْكُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَا لِمَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي أَوْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لِمَعْنًى عَادِيٍّ أَوْ طَبْعِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَرِهَ جَمَاعَةٌ أَنْ يَقُولَ: لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ، وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ، وَنَظَرَ فِيهِ الْأَبِيُّ بِأَنَّهُ كَرِهَ هَذَا مِنَ الْخَاطِبِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ وَكَّلَهُ وَلَمْ يَكُنْ خَاطِبًا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ. (قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ الْأُمَوِيِّ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ غَيْرُهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: غَلَطٌ صَرِيحٌ (وَأَبَا جَهْمٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، مُكَبِّرٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَلَا يُنْكَرُ فِيهِ التَّصْغِيرُ، وَاسْمُهُ حُذَيْفَةُ الْعَدَوِيُّ، وَهُوَ صَاحِبُ الْإَنْبِجَانِيَّةِ، وَذَكَرَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَلَمْ يَنْسُبُوهُ إِلَّا يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ فَقَالَ:(ابْنَ هِشَامٍ) وَهُوَ غَلَطٌ وَلَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو جَهْمِ بْنُ هِشَامٍ، وَلَمْ يُوَافِقْ يَحْيَى عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَلَا غَيْرِهِمْ، قَالَهُ عِيَاضٌ كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْعَدَوِيُّ، وَيُقَالُ اسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ حُذَيْفَةَ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ " ابْنُ هِشَامٍ " كَرِوَايَةِ يَحْيَى (خَطَبَانِي) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَخَطَبَنِي

ص: 316

خُطَّابٌ مِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْمٍ ( «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» ) بِفَوْقِيَّةٍ فَقَافٍ، مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ، أَيْ أَنَّهُ كَثِيرُ الْأَسْفَارِ أَوْ كَثِيرُ الضَّرْبِ لِلنِّسَاءِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ:" «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٍ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ» ". وَفِي أُخْرَى لَهُ: " «وَأَبُو الْجَهْمِ فِيهِ شِدَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ أَوْ يَضْرِبُ النِّسَاءَ» " أَوْ نَحْوِ هَذَا، وَفِيهِ جَوَازُ ضَرْبِهِنَّ لِإِخْبَارِهِ عَنْهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَمْ يَنْهَهُ، فَلَعَلَّهُ كَانَ يُؤَدِّبُهُنَّ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَضَرْبُهُنَّ الْيَسِيرُ لِلْأَدَبِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذَمَّهُ بِكَثْرَتِهِ، وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ خُلُقُهُ صلى الله عليه وسلم وَلَا خِلَافَ فِي ضَرْبِهِنَّ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ لِلنُّشُوزِ وَمَنْعِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِفْرَاطَ وَمُجَاوَزَةَ الْحَدِّ فِي أَدَبِهِنَّ مَمْنُوعٌ وَالْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ مَكْرُوهَةٌ، وَقَدْ نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ ; إِذْ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَفِيهِ جَوَازُ الْمُبَالِغَةِ فِي الْكَلَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ كَذِبًا وَلَا تُوجِبُ الْحِنْثَ فِي الْأَيْمَانِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ فِي حَالِ نَوْمِهِ وَأَكْلِهِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَثُرَ حَمْلُهُ لِلْعَصَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظَ مَجَازًا، قَالَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ.

( «وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ» ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، فَقِيرٌ (لَا مَالَ لَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ:" إِنَّ مُعَاوِيَةَ تَرِبٌ خَفِيفُ الْحَالِ ". بِالْفَوْقِيَّةِ وَالرَّاءِ، أَيْ فَقِيرٌ، يُقَالُ: رَجُلٌ تَرِبٌ أَيْ فَقِيرٌ، وَفِيهِ مُرَاعَاةُ الْمَالِ لَا سِيَّمَا فِي الزَّوْجِ ; لِأَنَّ بِهِ يَقُومُ بِحُقُوقِ الْمَرْأَةِ وَجَوَازِ عُيُوبِ الرَّجُلِ لِضَرُورَةِ الِاسْتِشَارَةِ. ( «انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» ) الْحِبُّ ابْنُ الْحِبِّ، الصَّحَابِيُّ ابْنُ الصَّحَابِيِّ، الْخَلِيقُ كُلُّ مِنْهُمَا لِلْإِمَارَةِ بِالنَّصِّ النَّبَوِيِّ، قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ إِشَارَةُ الْمُسْتَشَارِ بِغَيْرِ مَنِ اسْتُشِيرَ فِيهِ، قِيلَ: وَجَوَازُ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُرَاكَنَةَ وَنِكَاحَ مَنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ ; لِأَنَّ أُسَامَةَ مَوْلًى وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ. اهـ. وَيَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ " «بِغَيْرِ مَنِ اسْتُشِيرَ فِيهِ» " رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: " «فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْمٍ وَأُسَامَةُ، فَقَالَ: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَكِنَّ أُسَامَةَ» . (قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ) لِشِدَّةِ سَوَادِهِ وَلِأَنَّهُ مَوْلًى، وَلِمُسْلِمٍ: فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا أُسَامَةُ أُسَامَةُ! ! (ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ) وَلِمُسْلِمٍ: فَقَالَ لَهَا صلى الله عليه وسلم: "«طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ» ". (فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ بِهِ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، أَيْ حَصَلَ لِي مِنْهُ مَا قَرَّتْ عَيْنِي بِهِ وَمَا يُغْبَطُ فِيهِ وَيُتَمَنَّى ; لِقَبُولِي نَصِيحَةَ سَيِّدِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَانْقِيَادِي لِإِشَارَتِهِ فَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ حَمِيدَةً. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "«فَتَزَوَّجْتُهُ فَشَرَّفَنِي اللَّهُ بِابْنِ زَيْدٍ، وَكَرَّمَنِي اللَّهُ بِابْنِ زَيْدٍ» ". وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَائِنَ الْحَائِلَ لَا نَفَقَةَ لَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6](سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 6) فَمَفْهُومُهُ لَوْ لَمْ يَكُنَّ حَامِلَاتٍ فَلَا نَفَقَةَ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا

ص: 317

وَهُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَلَهَا السُّكْنَى عِنْدَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1](سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ: " «لَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى» ". وَلِنَقْلِهَا إِلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. وَقَالَ عُمَرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:(أَسْكِنُوهُنَّ)(سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 6) فَتَجِبُ النَّفَقَةُ قِيَاسًا عَلَى السُّكْنَى، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ: لَا نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، قَالَ تَعَالَى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1](سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَوْلُهُ: " سُنَّةَ نَبِيِّنَا " غَيْرُ مَحْفُوظٍ، لَمْ يَذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: الَّذِي فِي كِتَابِ رَبِّنَا إِنَّمَا هُوَ النَّفَقَةُ لِأُولَاتِ الْحَمْلِ، وَبِحَسَبِ الْحَدِيثِ لَهَا السُّكْنَى لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ:(أَسْكِنُوهُنَّ) الْآيَةَ، فَلَا حُجَّةَ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ فِي قَوْلِ عُمَرَ وَالنَّفَقَةُ، انْتَهَى. وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ، بِأَنَّ حَبْسَهَا صِيَانَةٌ لِلنَّسَبِ لَا لِلزَّوْجِ ; إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ لَكَانَ لَهُ إِسْقَاطُهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَعَنِ الْقِيَاسِ عَلَى السُّكْنَى بِالْفَرْقِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ سَبَبُهَا التَّمْكِينُ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَالسُّكْنَى سَبَبُهَا الْحَبْسُ عَنِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَإِنَّمَا نَقَلَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - فَاطِمَةَ لِأَنَّ مَكَانَهَا كَانَ وَحْشًا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ فَاطِمَةَ نَفْسِهَا:" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلَاثًا وَأَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ، فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ» ". وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: لِأَنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا بِلِسَانِهَا، فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ عَنْهُمْ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا، وَلَوْ سَقَطَتِ السُّكْنَى لَمْ يَقْصُرْهَا عليه السلام عَلَى بَيْتٍ مُعَيَّنٍ، قَالَ فِي الْمُفْهِمِ: الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا خَافَتْ عَوْرَةَ الْمَنْزِلِ، وَيَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ تَنْتَقِلُ لِذَلِكَ، وَأَمَّا تَعْلِيلُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَنْ رَغِبَ الصَّحَابَةُ فِي زَوَاجِهَا وَاخْتَارَهُ الْمُصْطَفَى لِحِبِّهِ وَابْنِ حِبِّهِ ; إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَرْغَبُوا فِيهَا وَلَا اخْتَارَهَا لِأُسَامَةَ، حَسْبُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَوْلُهُ: تِلْكَ امْرَأَةٌ لَسِنَةٌ أَيْ سَيِّئَةُ اللِّسَانِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ سَلِطَةً وَأَنَّهَا اسْتَطَالَتْ بِلِسَانِهَا عَلَى أَحْمَائِهَا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ، وَأَنَّ هَذَا الْخَشِنَ مِنَ الْقَوْلِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مَوْقِفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا قَالَ، وَقَدِ اسْتَطَالَ عَلَى ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَهُوَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ بِالظَّنِّ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ، بَلْ وَافَقَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، بَلْ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِفَاطِمَةَ: أَخْرَجَكِ هَذَا اللِّسَانُ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ حُكْمَ الْمَرْأَةِ الْمُطَّلَقَةِ إِذَا خُشِيَ عَلَيْهَا فِي مَسْكَنِ زَوْجِهَا أَنْ يُقْتَحَمَ أَوْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَوْرَدَ فِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ، أَيْ عَدَمَ السُّكْنَى، قَالَ الْحَافِظُ: أَخَذَ الْبُخَارِيُّ التَّرْجَمَةَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا وَرَدَ فِي

ص: 318

قِصَّةِ فَاطِمَةَ، فَرَتَّبَ الْجَوَازَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا خَشْيَةَ الِاقْتِحَامِ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ مِنْهَا عَلَى أَهْلِ مُطَلِّقِهَا فُحْشٌ فِي الْقَوْلِ، وَلَمْ يَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَارَضَةً لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِمَا مَعًا فِي شَأْنِهَا. اهـ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَرْوَانَ لِعَائِشَةَ: إِنْ كَانَ بِكِ الشَّرُّ. وَأَنَّ مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ سَبَبُ خُرُوجِهَا مَا وَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَقَارِبِ زَوْجِهَا مِنَ الشَّرِّ، نَعَمْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِاسْتِطَالَتِهَا السَّبَّ وَلَا الشَّتْمَ بَلْ كَثْرَةَ الْكَلَامِ وَعَدَمَ الْمُسَامَحَةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ رَغْبَةَ الصَّحَابَةِ فِي زَوَاجِهَا لِأَنَّهُ لِدِينِهَا وَجَمَالِهَا وَنَسَبِهَا وَسَابِقَتِهَا لِلْإِسْلَامِ، وَفِي ذَلِكَ كَانُوا يَرْغَبُونَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بِهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَتَابَعَهُ فِي شَيْخِهِ أَبُو حَازِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِنَحْوِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ.

ص: 319

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ الْمَبْتُوتَةُ لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ وَلَيْسَتْ لَهَا نَفَقَةٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيُنْفَقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1235 -

1220 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: الْمَبْتُوتَةُ لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ) بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِنَصِّ الْآيَةِ (وَلَيْسَتْ لَهَا نَفَقَةٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَيُنْفَقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6](سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 6) وَدَلِيلُ خِطَابِهِ لَا نَفَقَةَ إِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَهُوَ نَصُّ حَدِيثِ فَاطِمَةَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. وَفِي مُسْلِمٍ: أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَ إِلَى فَاطِمَةَ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يَسْأَلُهَا عَنِ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَتْهُ بِهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: لَمْ يُسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا مِنِ امْرَأَةٍ، سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وُجِدَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1](سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) الْآيَةَ، قَالَتْ: هَذَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ مُرَاجَعَةٌ: فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ، فَكَيْفَ تَقُولُونَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، فَعَلَامَ تَحْبِسُونَهَا؟ أَيْ سَنَأْخُذُ بِالْأَمْرِ الَّذِي اعْتَصَمَ النَّاسُ بِهِ وَعَمِلُوا عَلَيْهِ، وَرُوِيَ بِالْقَضِيَّةِ وَلَهُ مَعْنًى مُتَّجَهٌ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَلَا حُجَّةَ لَهَا فِي قَوْلِهَا أَنَّ الْآيَةَ فِي الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّهَا فِي الْمُطَلَّقَاتِ رَجْعِيَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا، وَقَوْلُهُ: لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا، لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لَمْ تَأْتِ لِلْإِخْرَاجِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ لِلنَّهْيِ عَنْ تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ فِي الزِّيَادَةِ فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ، قَالَهُ عِيَاضٌ. قَالَ الزَّوَاوِيُّ: وَفِيهِ تَقْدِيمُ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خَبَرِ الْآحَادِ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَا وُجِدَ عَلَيْهِ النَّاسُ عِصْمَةً وَحُجَّةً

ص: 319

رَدَّ بِهَا خَبَرَ فَاطِمَةَ، أَيْ فَهْمَهَا إِيَّاهُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ إِخْرَاجَهَا كَانَ لِعِلَّةٍ، وَلِذَا قَالَتْ عَائِشَةُ:" مَا لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ خَيْرٌ أَنْ نَذْكُرَ هَذَا الْحَدِيثَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.

ص: 320

[بَاب مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا]

مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا

قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ الْأَمَةَ إِذَا طَلَّقَهَا وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ عَتَقَتْ بَعْدُ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْأَمَةِ لَا يُغَيِّرُ عِدَّتَهَا عِتْقُهَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا قَالَ مَالِكٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْحَدُّ يَقَعُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَعْتِقُ بَعْدَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنَّمَا حَدُّهُ حَدُّ عَبْدٍ قَالَ مَالِكٌ وَالْحُرُّ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ ثَلَاثًا وَتَعْتَدُّ بِحَيْضَتَيْنِ وَالْعَبْدُ يُطَلِّقُ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الْأَمَةُ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا فَيَعْتِقُهَا إِنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَتَيْنِ مَا لَمْ يُصِبْهَا فَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَ مِلْكِهِ إِيَّاهَا قَبْلَ عِتَاقِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إِلَّا الْاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

24 -

بَابُ عِدَّةِ الْأَمَةِ مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا

- (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ) وَكَذَا الْحُرُّ (الْأَمَةَ إِذَا طَلَّقَهَا وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ عَتَقَتْ بَعْدُ) بِالضَّمِّ، أَيْ بَعْدِ الطَّلَاقِ (فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْأَمَةِ لَا يُغَيِّرُ عِدَّتَهَا) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ فَاعِلُهُ (عِتْقُهَا) سَوَاءٌ (كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا) لِعِدَّةِ الْحُرَّةِ بِالْعِتْقِ (وَمِثْلُ ذَلِكَ الْحَدُّ يَقَعُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَعْتِقُ بَعْدَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ الْحَدُّ) أَيْ يَلْزَمُهُ (فَإِنَّمَا حَدُّهُ حَدُّ عَبْدٍ) نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ لِلُزُومِهِ لَهُ حَالَ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يَنْقُلُهُ عِتْقُهُ (وَالْحُرُّ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ ثَلَاثًا وَتَعْتَدُّ حَيْضَتَيْنِ) لِأَنَّ زَوَاجَ الْحُرِّ لَهَا لَا يَنْقُلُهَا لِحُكْمِ الْحَرَائِرِ (وَالْعَبْدُ يُطَلِّقُ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) فَكُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ (وَالرَّجُلُ يَكُونُ تَحْتَهُ الْأَمَةُ) أَيْ مُتَزَوِّجًا بِهَا (ثُمَّ يَبْتَاعُهَا ثُمَّ يُعْتِقُهَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَتَيْنِ) لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ صَادَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَلَمْ يَنْقُلْهَا الْعِتْقُ بَعْدَهُ لِعِدَّةِ الْحُرَّةِ (مَا لَمْ يُصِبْهَا) يُجَامِعْهَا (فَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَ مِلْكِهِ إِيَّاهَا قَبْلَ عَتَاقِهَا) انْهَدَمَتْ عِدَّتُهَا لِفَسْخِ النِّكَاحِ بِالْمِلْكِ، فَإِذَا أَعْتَقَهَا (لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ) وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْمَدَنِيِّينَ.

ص: 320

[بَاب جَامِعِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ طُلِّقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَلِكَ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

25 -

بَابُ جَامِعِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ

1237 -

1221 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (وَعَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) بِقَافٍ وَمُهْمَلَةٍ، مُصَغَّرٌ (اللَّيْثِيِّ) الْمَدَنِيِّ، كِلَاهُمَا (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طُلِّقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا) أَيْ لَمْ تَأْتِهَا (فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ) إِتْيَانَ الْحَيْضَةِ (فَإِنْ بَانَ) ظَهَرَ (بِهَا حَمْلٌ فَذَلِكَ) أَيْ لَا تَحِلُّ إِلَّا بِوَضْعِهِ كُلِّهِ (وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ) الْأَشْهُرِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ حَلَّتْ لِلزَّوَاجِ.

ص: 321

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الطَّلَاقُ لِلرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ لِلنِّسَاءِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1237 -

1222 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الطَّلَاقُ لِلرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ لِلنِّسَاءِ) وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ.

ص: 321

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ سَنَةٌ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي تَرْفَعُهَا حَيْضَتُهَا حِينَ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا أَنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِيهِنَّ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ اسْتَقْبَلَتْ الْحَيْضَ وَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ حَاضَتْ الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ اسْتَقْبَلَتْ الْحَيْضَ فَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ حَاضَتْ الثَّالِثَةَ كَانَتْ قَدْ اسْتَكْمَلَتْ عِدَّةَ الْحَيْضِ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ اسْتَقْبَلَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الرَّجْعَةُ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَتَّ طَلَاقَهَا قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَاعْتَدَّتْ بَعْضَ عِدَّتِهَا ثُمَّ ارْتَجَعَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا أَنَّهَا لَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَأَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ مِنْ يَوْمَ طَلَّقَهَا عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً وَقَدْ ظَلَمَ زَوْجُهَا نَفْسَهُ وَأَخْطَأَ إِنْ كَانَ ارْتَجَعَهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ طَلَاقًا وَإِنَّمَا فَسَخَهَا مِنْهُ الْإِسْلَامُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1238 -

1223 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ سَنَةٌ) إِنْ لَمْ تُمَيَّزْ بَيْنَ الدَّمَيْنِ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنْ مَيَّزَتْ فَعِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ لَا بِالسَّنَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ بِالسَّنَةِ مُطْلَقًا، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ. (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي تَرْفَعُهَا حَيْضَتُهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا زَوْجُهَا أَنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ) كَمَا قَالَ عُمَرُ

ص: 321

(فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِيهِنَّ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ) بَعْدَ التِّسْعَةِ (فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ اسْتَقْبَلَتِ الْحَيْضَ) لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْقُرُوءِ. (فَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ) حَيْضَةً ثَانِيَةً (اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتِ الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ اسْتَقْبَلَتِ الْحَيْضَ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتِ الثَّالِثَةَ اسْتَكْمَلَتْ عِدَّةَ الْحَيْضِ) وَحَلَّتْ (فَإِنْ لَمْ تَحِضِ اسْتَقْبَلَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ) لِلزَّوَاجِ (وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ) أَيْ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ وَالِاسْتِقْبَالِ (الرَّجْعَةُ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ) لِبَقَاءِ عِدَّتِهَا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَتَّ طَلَاقَهَا) فَلَا رَجْعَةَ لَهُ (مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَاعْتَدَّتْ بَعْضَ عِدَّتِهَا ثُمَّ ارْتَجَعَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا أَنَّهَا لَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا) لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَهْدِمُ الْعِدَّةَ إِذِ الرَّجْعَةُ كَالزَّوْجَةِ فِي الْعِدَّةِ (وَأَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ، وَقَدْ ظَلَمَ زَوْجُهَا نَفْسَهُ وَأَخْطَأَ) فِي ذَلِكَ (إِنْ كَانَ ارْتَجَعَهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا) وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ بِمَا إِذَا لَمْ يُرِدْ بِرَجْعَتِهِ التَّطْوِيلَ عَلَيْهَا فَتَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى إِنْ لَمْ يَمَسَّهَا، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِنَصِّ الْمُوَطَّأِ هَذَا، أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، يُفِيدُ أَنَّهُ أَثِمَ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إِذَا قَصَدَ الضَّرَرَ، وَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَاهُ تَحَمُّلُ مَشَقَّةِ ارْتِجَاعِهَا حَيَاءً مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيُطَلِّقُهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْحَاجَةِ الْإِضْرَارُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ بَعِيدٌ مُتَعَسِّفٌ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، يَفْعَلُ ذَلِكَ يُضَارُّهَا وَيَعْضُلُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231]

ص: 322

(سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 231) الْآيَةَ ". فَفِيهِ أَنَّ الرَّجْعَةَ تُنَفَّذُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَيَكُونُ ظَالِمًا. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ: قَالَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُدْعَى ثَابِتَ بْنَ يَسَارٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا إِلَّا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا مُضَارَّةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231](قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا) لِمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَاخِتَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ إِسْلَامَيْهِمَا نَحْوُ شَهْرٍ، وَأَقَرَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى زَوْجَتِهِ أُمِّ حَكِيمٍ لِإِسْلَامِهِ فِي عِدَّتِهَا (فَإِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) قَبْلَ إِسْلَامِهِ (فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) بِمَهْرٍ وَوَلِيٍّ وَشُهُودٍ (لَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ طَلَاقًا) فَتَبْقَى مَعَهُ عَلَى عِصْمَةٍ كَامِلَةٍ (وَإِنَّمَا فَسَخَهَا مِنْهُ الْإِسْلَامُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ) فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَقِيَتْ عِنْدَهُ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

ص: 323

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَكَمَيْنِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْحَكَمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35] إِنَّ إِلَيْهِمَا الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا وَالْاجْتِمَاعَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يَجُوزُ قَوْلُهُمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ فِي الْفُرْقَةِ وَالْاجْتِمَاعِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

26 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحَكَمَيْنِ

1224 -

(مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا جَاءَ فِي طُرُقٍ ثَابِتَةٍ رَوَاهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ (أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْحَكَمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] أَصْلُهُ شِقَاقًا بَيْنَهُمَا فَأُضِيفَ الشِّقَاقُ إِلَى الظَّرْفِ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّسَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33] (سُورَةُ سَبَإٍ: الْآيَةُ 33) أَصْلُهُ بَلْ مَكْرٌ فِي اللَّيْلِ، وَالشِّقَاقُ الْعَدَاوَةُ وَالْخِلَافُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَفْعَلُ مَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ، أَوْ يَمِيلُ إِلَى شِقٍّ أَيْ نَاحِيَةٍ غَيْرِ شِقِّ صَاحِبِهِ، وَالضَّمِيرُ لِلزَّوْجَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ لِذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ} [النساء: 35] رَجُلًا يَصْلُحُ لِلْحُكُومَةِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا {وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] لِأَنَّ الْأَقَارِبَ أَعْرَفُ

ص: 323

بِبَوَاطِنِ الْأَحْوَالِ وَأَطْلُبُ لِلصَّلَاحِ، وَنُفُوسُ الزَّوْجَيْنِ أَسْكُنُ إِلَيْهِمَا فَيُبْرِزَانِ مَا فِي ضَمَائِرِهِمَا مِنَ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَإِرَادَةِ الصُّحْبَةِ وَالْفُرْقَةِ، وَيَخْلُو كُلُّ حَكَمٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَيَفْهَمُ مُرَادَهُ، وَلَا يُخْفِي حَكَمٌ عَنْ حَكَمٍ شَيْئًا إِذَا اجْتَمَعَا (إِنْ يُرِيدَا) أَيِ الْحَكَمَانِ (إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) أَيِ الزَّوْجَيْنِ، أَيْ يُقَدِّرْهُمَا عَلَى مَا هُوَ الطَّاعَةُ مِنْ إِصْلَاحٍ أَوْ فِرَاقٍ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا) بِكُلِّ شَيْءٍ (خَبِيرًا) بِالْبَوَاطِنِ كَالظَّوَاهِرِ (إِنَّ إِلَيْهِمَا) أَيِ الْحَكَمَيْنِ (الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا وَالِاجْتِمَاعَ) فَيَمْضِي عَلَى الزَّوْجَيْنِ مَا اتَّفَقَ الْحَكَمَانِ عَلَيْهِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يَجُوزُ) يَنْفُذُ (قَوْلُهُمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ فِي الْفُرْقَةِ) إِذَا اتَّفَقَا عَلَيْهَا (وَالِاجْتِمَاعِ) كَذَلِكَ بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ وَلَا إِذْنٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ - وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - أَنَّ الزَّوْجَ يُوَكِّلُ حَكَمَهُ فِي الطَّلَاقِ أَوِ الْخُلْعِ وَتُوَكِّلُ هِيَ حَكَمَهَا فِي بَذْلِ الْعِوَضِ وَقَبُولِ الطَّلَاقِ بِهِ، وَيُفَرِّقَانِ بَيْنَهُمَا إِنْ رَأَيَاهُ صَوَابًا.

ص: 324

[بَاب مَا جَاءَ فِي يَمِينِ الرَّجُلِ بِطَلَاقِ مَا لَمْ يَنْكِحْ]

وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَابْنَ شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلَاقِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا ثُمَّ أَثِمَ إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إِذَا نَكَحَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

27 -

بَابٌ فِي يَمِينِ الرَّجُلِ بِطَلَاقِ مَا لَمْ يَنْكِحْ

اسْتَعْمَلَ " مَا " فِي الْعَاقِلِ عَلَى لُغَةٍ.

1225 -

(مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ لَكِنَّهُ يَعْتَضِدُ بِمَا صَحَّ عَنْهُ مَنْ عَلَّقَ ظِهَارَ امْرَأَةٍ عَلَى تَزَوُّجِهَا: أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ، أَشَارَ لَهُ أَبُو عُمَرَ (وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عُمَرَ (وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (وَابْنَ شِهَابٍ) الزُّهْرِيَّ (وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ) الْمَدَنِيَّ (كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلَاقِ

ص: 324

الْمَرْأَةِ) الْمُعَيَّنَةِ (قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا ثُمَّ أَثِمَ) أَيْ حَنِثَ (إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إِذَا نَكَحَهَا) مِنْ بَابِ لُزُومِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَالْمَخْزُومِيِّ: لَا يَقَعُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يَقَعُ مُطْلَقًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ، فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى وُجُودِ مِلْكِ الْمَحَلِّ كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ - تَعَالَى - وَالْمَسْأَلَةُ مِنَ الْخِلَافِيَّاتِ الشَّهِيرَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرُوِيَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ إِلَّا أَنَّهَا مَعْلُولَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ بَعْضَهَا، وَأَحْسَنُهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مَرْفُوعًا:" «لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ» ". وَلِأَبِي دَاوُدَ: " لَا طَلَاقَ إِلَّا فِيمَا يَمْلِكُ ". قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ. وَأُجِيبَ عَنْهُمَا بِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِمَا ; لِأَنَّ الَّذِي دَلَّا عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ انْتِفَاءُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْتِزَامِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ.

وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: " سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الرَّجُلِ يَقُولُ: إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةً فَهِيَ طَالِقٌ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَا مُلِكَ، قَالُوا: فَابْنُ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: إِذَا وَقَّتَ وَقْتًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَقَالَ اللَّهُ: إِذَا طَلَّقْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ نَكَحْتُمُوهُنَّ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: إِنْ طَلَّقَ مَا لَمْ يَنْكِحْ فَهُوَ جَائِزٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْطَأَ فِي هَذَا إِنَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49](سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 49) وَلَمْ يَقُلْ: إِذَا طَلَّقْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ نَكَحْتُمُوهُنَّ. اهـ. وَلَا حُجَّةَ فِي الْآيَةِ لِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهَا فَلَيْسَتْ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ.

ص: 325

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إِنَّهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ قَبِيلَةً أَوْ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَمَالُهُ صَدَقَةٌ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ قَالَ أَمَّا نِسَاؤُهُ فَطَلَاقٌ كَمَا قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا أَوْ قَبِيلَةً أَوْ أَرْضًا أَوْ نَحْوَ هَذَا فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلْيَتَزَوَّجْ مَا شَاءَ وَأَمَّا مَالُهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1226 -

(مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ قَبِيلَةً) بِعَيْنِهَا (أَوِ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَرُبَّمَا أَدَّاهُ إِلَى الْعَنَتِ (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ الْيَمِينِ، وَإِنْ أَبْقَى لِنَفْسِهِ التَّسَرِّيَ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الزَّوْجَةَ أَضْبَطُ لِمَا لَهُ مِنَ السِّرِّيَّةِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ الطَّلَاقُ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ

ص: 325

وَمَالُهُ صَدَقَةٌ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا) لِشَيْءٍ عَيَّنَهُ (فَحَنِثَ قَالَ: أَمَّا نِسَاؤُهُ فَطَلَاقٌ) وَفِي نُسْخَةٍ: فَطُلَّقٌ (كَمَا قَالَ) لِوُقُوعِهِ عَلَى الْمَحَلِّ (وَأَمَّا قَوْلُهُ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا) كَزَيْنَبَ (أَوْ قَبِيلَةً) كَتَمِيمٍ (أَوْ أَرْضًا) كَمِنَ الْأَرْضِ الْفُلَانِيَّةِ (أَوْ نَحْوَ هَذَا) بَلَدًا كَمِصْرَ (فَلَيْسَ يُلْزِمُهُ ذَلِكَ وَلْيَتَزَوَّجْ مَا شَاءَ، وَأَمَّا مَالُهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِهِ) لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.

ص: 326

[بَاب أَجَلِ الَّذِي لَا يَمَسُّ امْرَأَتَهُ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَإِنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ سَنَةً فَإِنْ مَسَّهَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

28 -

بَابُ أَجَلِ الَّذِي لَا يَمَسُّ امْرَأَتَهُ

1241 -

1227 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا) لِاعْتِرَاضٍ وَنَحْوِهِ (فَإِنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجْلٌ سَنَةً) بِالْإِضَافَةِ وَتَنْوِينِ " أَجْلٌ " فَـ " سَنَةً " بِالنَّصْبِ (فَإِنْ مَسَّهَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) رَفَعًا لِلضَّرَرِ.

ص: 326

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ مَتَى يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ أَمِنْ يَوْمِ يَبْنِي بِهَا أَمْ مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ فَقَالَ بَلْ مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الَّذِي قَدْ مَسَّ امْرَأَتَهُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَنْهَا فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1242 -

1228 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ: مَتَى يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ؟ أَمِنْ يَوْمِ يَبْنِي بِهَا أَمْ مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ) الْمَرْأَةُ (إِلَى السُّلْطَانِ) أَيِ الْحَاكِمِ (قَالَ: بَلْ مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ) تَرْفَعُهُ (إِلَى السُّلْطَانِ) الْحَاكِمِ (قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا الَّذِي قَدْ مَسَّ امْرَأَتَهُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَنْهَا) مَنَعَهُ عَنْ جِمَاعِهَا مَانِعٌ (فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا) مَا لَمْ تَتَضَرَّرْ فَلَهَا التَّطْلِيقُ بِالضَّرَرِ كَمَا بُيِّنَ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 326

[بَاب جَامِعِ الطَّلَاقِ]

وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ حِينَ أَسْلَمَ الثَّقَفِيُّ أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

29 -

بَابُ جَامِعِ الطَّلَاقِ

1243 -

1229 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ أَسْلَمَ) هُوَ غَيْلَانُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ (وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ) فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ (حِينَ أَسْلَمَ الثَّقَفِيُّ) ظَرْفٌ لَقَالَ (أَمْسِكْ) وَفِي رِوَايَةٍ " اخْتَرْ "(مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ) أَيْ بَاقِيَهُنَّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةُ الْمُوَطَّأِ وَأَكْثَرُ رُوَاةِ ابْنِ شِهَابٍ وَرُوَاةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُوَيْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ حِينَ أَسْلَمَ فَذَكَرَهُ، وَوَصَلَهُ مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُ مِنْ خَطَأِ مَعْمَرٍ مِمَّا حَدَّثَ بِهِ بِالْعِرَاقِ. اهـ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى شُعَيْبٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُوِيدٍ الثَّقَفِيِّ فَذَكَرَهُ. اهـ. وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَيُقَالُ إِنَّ مَعْمَرَ أَحْدَثَ بِالْبَصْرَةِ أَحَادِيثَ وَهِمَ فِيهَا، وَقَدْ كَشَفَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ التَّمْيِيزِ عَنْ عِلَّتِهِ وَبَيَّنَهَا بَيَانًا شَافِيًا فَقَالَ: كَانَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ فِي قِصَّةِ غَيْلَانَ حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا مَرْفُوعٌ وَالْآخِرُ مَوْقُوفٌ، فَأَدْرَجَ مَعْمَرٌ الْمَرْفُوعَ عَلَى إِسْنَادِ الْمَوْقُوفِ، فَأَمَّا الْمَرْفُوعُ فَرَوَاهُ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُوَيْدٍ أَنَّ غَيْلَانَ فَذَكَرَهُ. وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ فَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ غَيْلَانَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَقَسَّمَ مِيرَاثَهُ بَيْنَ بَنِيهِ الْحَدِيثَ. اهـ. أَيْ أَدْرَجَهُ فِي أَوَّلِهِ، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَ ' نْ أَبِيهِ «أَنَّ غَيْلَانَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» ، فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَقَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ الشَّيْطَانَ فِيمَا يَسْتَرِقُ مِنَ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِكَ فَقَذَفَهُ فِي نَفْسِكَ، وَلَا أَرَاكَ تَمْكُثُ إِلَّا قَلِيلًا، وَايْمُ اللَّهِ لَتَرْجِعَنَّ فِي مَالِكَ وَلَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَكَ أَوْ لَأُوَرِّثُهُنَّ مِنْكَ وَلَآمُرَنَّ بِقَبْرِكَ فَيُرْجَمُ كَمَا يُرْجَمُ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ، وَمَاتَ غَيْلَانُ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ.

ص: 327

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَحُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كُلُّهُمْ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى تَحِلَّ وَتَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيَمُوتَ عَنْهَا أَوْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1244 -

1230

ص: 327

- (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ) التَّابِعِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ (وَحُمَيْدَ) بِضَمِّ الْحَاءِ (بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيَّ، تَابِعِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ (وَعُبَيْدَ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (بْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَفَوْقِيَّةٍ سَاكِنَةٍ (وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كُلَّهُمْ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى تَحِلَّ) بِالْخُرُوجِ مِنَ الْعِدَّةِ (وَتَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيَمُوتُ عَنْهَا) الزَّوْجُ الثَّانِي (أَوْ يُطَلِّقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا) وَاحِدَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا) بِدَارِ الْهِجْرَةِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ; لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ رُجُوعَهَا لِلْأَوَّلِ قَبْلَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: يَهْدِمُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ، فَإِذَا عَادَتْ لِلْأَوَّلِ كَانَتْ مَعَهُ عَلَى عِصْمَةٍ كَامِلَةٍ.

ص: 328

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْأَحْنَفِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ فَدَعَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ فَجِئْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا سِيَاطٌ مَوْضُوعَةٌ وَإِذَا قَيْدَانِ مِنْ حَدِيدٍ وَعَبْدَانِ لَهُ قَدْ أَجْلَسَهُمَا فَقَالَ طَلِّقْهَا وَإِلَّا وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ فَعَلْتُ بِكَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَقُلْتُ هِيَ الطَّلَاقُ أَلْفًا قَالَ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَأَدْرَكْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي فَتَغَيَّظَ عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ وَإِنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْكَ فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ قَالَ فَلَمْ تُقْرِرْنِي نَفْسِي حَتَّى أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ أَمِيرٌ عَلَيْهَا فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي وَبِالَّذِي قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْكَ فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ وَكَتَبَ إِلَى جَابِرِ بْنِ الْأَسْوَدِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُعَاقِبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِي قَالَ فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَهَّزَتْ صَفِيَّةُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَتِي حَتَّى أَدْخَلَتْهَا عَلَيَّ بِعِلْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثُمَّ دَعَوْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمَ عُرْسِي لِوَلِيمَتِي فَجَاءَنِي

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1245 -

1231 - (مَالِكٌ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ) عِيَاضٍ (الْأَحْنَفِ) الْأَعْرَجِ الْعَدَوِيِّ، مَوْلَاهُمْ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ (أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ) الْعَدَوِيِّ، وَأُمُّهُ لُبَابَةُ بِنْتُ لُبَابَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ، وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَحْضَرَهُ جَدُّهُ أَبُو أُمِّهِ عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم فَحَنَّكَهُ وَمَسَحَ رَأَسَهُ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، فَكَانَ لَبِيبًا عَاقِلًا، وَزَوَّجَهُ عُمَرُ بِنْتَهُ فَاطِمَةَ، وَاسْتُشْهِدَ أَبُوهُ بِالْيَمَامَةِ وَوَلِيَ هُوَ إِمْرَةَ مَكَّةَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَمَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّينَ، وَقِيلَ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا فَغَيَّرَهُ عُمَرُ. (قَالَ) ثَابِتٌ (فَدَعَانِي) ابْنُهُ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ) وَأُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ عُمَرَ (فَجِئْتُهُ

ص: 328

فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا سِيَاطٌ مَوْضُوعَةٌ) جَمْعُ سَوْطٍ (وَإِذَا قَيْدَانِ مِنْ حَدِيدٍ وَعَبْدَانِ لَهُ قَدْ أَجْلَسَهُمَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: طَلِّقْهَا وَإِلَّا وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ) وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ (فَعَلْتُ بِكَ كَذَا وَكَذَا) ضَرَبْتُكَ بِالسِّيَاطِ وَقَيَّدْتُكَ بِالْقَيْدَيْنِ (قَالَ: فَقُلْتُ: هِيَ الطَّلَاقُ أَلْفًا، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَأَدْرَكْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) ابْنَ عَمِّ أَبِيهِ (بِطَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ: فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي، فَتَغَيَّظَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ) لِلْإِكْرَاهِ (وَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْكَ فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، قَالَ: فَلَمْ تُقْرِرْنِي نَفْسِي حَتَّى أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ) خَلِيفَةٌ زَادَ فِي نُسْخَةٍ: أَمِيرٌ عَلَيْهَا (فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي وَبِالَّذِي قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْكَ فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، وَكَتَبَ إِلَى جَابِرِ بْنِ الْأَسْوَدِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ) مِنْ جِهَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (يَأْمُرُهُ أَنْ يُعَاقِبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) يُعَزِّرُهُ عَلَى مَا فَعَلَ (وَأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِي) زَوْجَتِي (قَالَ: فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَهَّزَتْ صَفِيَّةُ) فَاعِلٌ، بِنْتُ عُبَيْدٍ (امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَتِي حَتَّى أَدْخَلَتْهَا عَلَيَّ بِعِلْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) زَوْجِهَا (ثُمَّ دَعَوْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمَ عُرْسِي لِوَلِيمَتِي فَجَاءَنِي) .

وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا:" «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» " أَيْ إِكْرَاهٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَقَافٍ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ كَأَنَّهُ يُغْلَقُ عَلَيْهِ الْبَابُ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ حَتَّى يُطَلِّقَ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِغْلَاقِ الْغَضَبُ، ضُعِّفَ بِأَنَّ طَلَاقَ النَّاسِ غَالِبًا إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الْغَضَبِ، فَلَوْ جَازَ عَدَمُ وُقُوعِ طَلَاقِ الْغَضْبَانِ لَكَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: كُنْتُ

ص: 329

غَضْبَانَ فَلَا يَقَعُ عَلَيَّ طَلَاقٌ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُ الْغَضْبَانِ، وَأَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ: لَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106](سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 106) فَنَفَى الْكُفْرَ بِاللِّسَانِ، فَكَذَا الطَّلَاقُ إِذَا لَمْ يُرِدْهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ وَلَمْ يَقْصِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلِحَدِيثِ:" «تَجَاوَزَ اللَّهُ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ". وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَنِكَاحُهُ وَعِتْقُهُ وَتَدْبِيرُهُ لَا بَيْعُهُ.

ص: 330

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَرَأَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ قَالَ مَالِكٌ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1246 -

1232 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَرَأَ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ وَبِإِسْكَانِهَا (عِدَّتِهِنَّ) أَيْ فِي اسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ (قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي بِذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً) لَا أَكْثَرَ، وَكَأَنَّهُ أَتَى بِـ " كُلِّ " لِيَشْمَلَ مَا إِذَا كَانَ الطُّهْرُ عَقِبَ حَيْضٍ طُلِّقَتْ فِيهِ وَرَاجَعَهَا ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ، وَأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تُطْهُرَ لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى التَّفْسِيرِ لَا التِّلَاوَةِ، وَهِيَ تُصَحِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ الْأَطْهَارُ ; إِذْ لَا يُسْتَقْبَلُ فِي الْحَيْضِ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَلَا يُجْتَزِئُ بِهَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، قَالَهُ عِيَاضٌ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي مُسْلِمٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ) .

ص: 330

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَعَمَدَ رَجُلٌ إِلَى امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ لَا وَاللَّهِ لَا آوِيكِ إِلَيَّ وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا مِنْ يَوْمِئِذٍ مَنْ كَانَ طَلَّقَ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1247 -

1233 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ، فَعَمَدَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، قَصَدَ (رَجُلٌ إِلَى امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا شَارَفَتْ) قَارَبَتْ (انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ: لَا

ص: 330

وَاللَّهِ لَا آوِيكِ) أَضُمُّكِ إِلَيَّ (وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا) لِغَيْرِي (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى " الطَّلَاقُ ") أَيِ التَّطْلِيقُ الَّذِي يُرَاجِعُ بَعْدَهُ (مَرَّتَانِ) أَيْ ثِنْتَانِ (فَإِمْسَاكٌ) فَعَلَيْكُمْ إِمْسَاكُهُنَّ بَعْدَهُ (بِمَعْرُوفٍ) مِنْ غَيْرِ ضِرَارٍ (أَوْ تَسْرِيحٌ) إِرْسَالٌ لَهُنَّ (بِإِحْسَانٍ، فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا مِنْ يَوْمِئِذٍ) أَيْ مِنْ يَوْمِ نُزُولِ الْآيَةِ (مَنْ كَانَ طَلَّقَ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ) وَهَذَا مُرْسَلٌ، تَابَعَ مَالِكًا عَلَى إِرْسَالِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَجَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا، وَوَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ شَبِيبٍ وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:" كَانَ النَّاسُ وَالرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ وَأَكْثَرَ حَتَّى قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: وَاللَّهِ لَا أُطَلِّقُكِ فَتَبِينِي مِنِّي وَلَا آوِيكِ أَبَدًا، قَالَتْ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُطَلِّقُكِ فَكُلَّمَا هَمَّتْ عِدَّتُكِ أَنْ تَنْقَضِيَ رَاجَعْتُكِ، فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَكَتَ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 229) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ. وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ صَحَّحَ الْمَوْصُولَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ هِيَ الثَّالِثَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 230) وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ: "«جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] » .

ص: 331

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا وَلَا يُرِيدُ إِمْسَاكَهَا كَيْمَا يُطَوِّلُ بِذَلِكَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ لِيُضَارَّهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] يَعِظُهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1248 -

1234 - (مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ) بِمُثَلَّثَةٍ (بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ (أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا وَلَا يُرِيدُ إِمْسَاكَهَا كَيْمَا يُطَوِّلُ بِذَلِكَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ لِيُضَارَّهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة: 231] ) مَفْعُولٌ لَهُ ((لِتَعْتَدُوا))

ص: 331

عَلَيْهِنَّ ( {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] ) بِتَعْرِيضِهَا إِلَى عَذَابِ اللَّهِ (يَعِظُهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ) وَوَرَدَ هَذَا بِنَحْوِهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَفَادَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ نُزُولَ الْآيَتَيْنِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ مُتَقَارِبٌ، وَذَلِكَ حَبْسُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ وَمُرَاجَعَتُهَا بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ.

ص: 332

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ طَلَاقِ السَّكْرَانِ فَقَالَا إِذَا طَلَّقَ السَّكْرَانُ جَازَ طَلَاقُهُ وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1248 -

1235 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ (أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ طَلَاقِ السَّكْرَانِ، فَقَالَا: إِذَا طَلَّقَ السَّكْرَانُ جَازَ طَلَاقُهُ، وَإِذَا قَتَلَ قُتِلَ بِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَجَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، فَيَصِحُّ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلِّفٍ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ صِحَّتَهُ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ.

ص: 332

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ إِذَا لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1248 -

1236 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ (أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ: إِذَا لَمْ يَجِدِ الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) لِلضَّرَرِ، فَقُلْتُ: سَنَةً؟ فَقَالَ: سَنَةً، هَذَا بَقِيَّةُ خَبَرِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ.

ص: 332

[بَاب عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا وَلَدَتْ فَقَدْ حَلَّتْ «فَدَخَلَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ فَخَطَبَهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ وَالْآخَرُ كَهْلٌ فَحَطَّتْ إِلَى الشَّابِّ فَقَالَ الشَّيْخُ لَمْ تَحِلِّي بَعْدُ وَكَانَ أَهْلُهَا غَيَبًا وَرَجَا إِذَا جَاءَ أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بِهَا فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

30 -

بَابُ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

1250 -

1237 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسِ) بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ، أَخِي يَحْيَى، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا، لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ مَرْفُوعَةٍ هَذَا ثَالِثُهَا (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ السَّائِلَ رَجُلٌ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ. (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ) وَكَانَ هُوَ وَأَبُو سَلَمَةَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَهُ فَقَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرَ الْأَجَلَيْنِ) عِدَّتُهَا، وَبِالنَّصْبِ، أَيْ تَتَرَبَّصُ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إِنْ وَلَدَتْ قَبْلَهَا، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ تَلِدْ تَرَبَّصَتْ حَتَّى تَلِدَ، جَمْعًا بَيْنَ آيَتَيِ الْبَقَرَةِ وَالطَّلَاقِ (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِذَا وُلِدَتْ فَقَدْ حَلَّتْ) تَخْصِيصًا لِآيَةِ الْبَقَرَةِ بِآيَةِ الطَّلَاقِ (فَدَخَلَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) مَعَ كُرَيْبٍ أَوْ وَحْدَهُ لِإِفْتَائِهِ بِالْحِلِّ، مُعَارِضًا لِابْنِ عَبَّاسٍ (عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ) هِنْدِ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ (زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وُلِدَتْ سُبَيْعَةُ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ فَعَيْنٍ مُهْمِلَةٍ فَهَاءِ تَأْنِيثٍ، ابْنَةُ الْحَارِثِ (الْأَسْلَمِيَّةُ) الصَّحَابِيَّةُ (بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا) سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ، كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ سُبَيْعَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (بِنِصْفِ شَهْرٍ) وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُبَيْعَةَ: فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ. وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُرْوَةَ: بِسَبْعِ لَيَالٍ. وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: بِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً أَوْ قَالَ بِعِشْرِينَ لَيْلَةً. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: بِخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَعَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: يَقُولُ بَعْضُهُمْ: مَكَثْتُ

ص: 333

سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَعِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ سُبَيْعَةَ: فَلَمْ أَمْكُثْ إِلَّا شَهْرًا حَتَّى وَضَعْتُ. وَفِي النَّسَائِيِّ: عِشْرِينَ لَيْلَةً. وَرُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْجَمْعُ لِاتِّحَادِ الْقِصَّةِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ السِّرُّ فِي إِبْهَامِ مَنْ أَبْهَمَ الْمُدَّةَ.

(فَخَطَبَهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ) هُوَ أَبُو الْبَشَرِ، بِفَتْحَتَيْنِ، ابْنُ الْحَارِثِ الْعَبْدَرِيُّ، مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ (وَالْآخَرُ كَهْلٌ) هُوَ أَبُو السَّنَابِلِ، بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ فَأَلَفٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ فَلَامٍ، ابْنُ بَعْكَكٍ، بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ كَافَيْنِ وَزْنَ جَعْفَرٍ كَمَا سُمِّيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، ابْنُ الْحَارِثِ الْقُرَشِيُّ الْعَبْدَرِيُّ، اسْمُهُ حَبَّةُ، بِمُوَحَّدَةٍ، وَقِيلَ: نُونٍ، وَقِيلَ عَمْرٌو، وَقِيلَ عَامِرٌ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (فَحَطَّتْ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، أَيْ مَالَتْ وَنَزَلَتْ بِقَلْبِهَا (إِلَى الشَّابِّ) عَلَى عَادَةِ النِّسَاءِ (فَقَالَ الشَّيْخُ) أَبُو السَّنَابِلِ، الْمُعَبَّرُ عَنْهُ أَوَّلًا بِكَهْلٍ (لَمْ تَحِلِّي بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ (وَكَانَ أَهْلُهَا غَيَبًا) بِفَتْحَتَيْنِ، جَمْعُ غَائِبٍ كَخَادِمٍ وَخَدَمٍ (وَرَجَا إِذَا جَاءَ أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بِهَا) يُقَدِّمُونَهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: فَلَمَّا تَعَدَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ فَقَالَ: مَالِي أَرَاكِ مُتَجَمِّلَةً! لَعَلَّكِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ؟ إِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى يَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَتَعَدَّتْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ، أَيْ خَرَجَتْ (فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ (فَقَالَ: قَدْ حَلَلْتِ فَانْكَحِي مَنْ شِئْتِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي السَّنَابِلِ: وَلَوْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي السَّنَابِلِ. رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ.

قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَ أَبُو السَّنَابِلِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَكَانَ شَاعِرًا وَبَقِيَ زَمَانًا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَرْقِيِّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ سُبَيْعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَوْلَدَهَا سَنَابِلَ بْنَ أَبِي السَّنَابِلِ، لَكِنْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا نَعْلَمُ أَنَّ أَبَا السَّنَابِلِ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ

ص: 334

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَقَدْ حَلَّتْ فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ لَحَلَّتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1251 -

1238 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ:: إِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَقَدْ حَلَّتْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]

ص: 334

(سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 4) فَقَدْ بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم بِإِفْتَائِهِ لِسُبَيْعَةَ أَنَّهُ مُخَصَّصٌ لِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 234)(فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ عِنْدَهُ، أَنَّ) أَبَاهُ (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ) أَيْ قَبْلَ دَفْنِهِ (لَحَلَّتْ) بِالْوَضْعِ عَمَلًا بِالْآيَةِ.

ص: 335

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1252 -

1239 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِسْوَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَبِالرَّاءِ (بْنِ مَخْرَمَةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ، لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ) نِسْبَةً إِلَى أَسْلَمَ، قَبِيلَةٌ شَهِيرَةٌ (نُفِسَتْ) بِضَمِّ النُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِي لُغَةٍ بِفَتْحِهَا وَكَسْرِ الْفَاءِ، أَيْ وَلَدَتْ (بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا) سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ (بِلَيَالٍ) سَبَقَ الْخِلَافُ فِي قَدْرِهَا ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ لِاتِّحَادِ الْقِصَّةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَعَلَّهُ السِّرُّ فِي إِبْهَامِهَا فِي نَحْوِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، زَادَ يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ: فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ» ) لِانْقِضَاءِ عِدَّتِكِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَالْمُهْمَلَةِ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 335

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اخْتَلَفَا فِي الْمَرْأَةِ تُنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ إِذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ فَجَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ فَبَعَثُوا كُرَيْبًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُمْ «فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا قَالَتْ وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ» قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1253 -

1240 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الْمَدَنِيِّ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيَّ (اخْتَلَفَا فِي الْمَرْأَةِ تُنْفَسُ) بِضَمِّ التَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، أَيْ تَلِدُ (بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ) تَنْقُصُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ مَا عِدَّتُهَا (فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَقَدْ حَلَّتْ) لِآيَةِ الطَّلَاقِ (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرَ الْأَجَلَيْنِ) عِدَّتُهَا يَعْنِي إِنْ كَانَ الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرٍ انْتَظَرَتْهُ

ص: 335

وَإِنْ وَضَعَتْ قَبْلَهَا انْتَظَرَتْهَا لِآيَةِ الْبَقَرَةِ، وَوَجْهُ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُمَا عُمُومَانِ تَعَارَضَا فَجَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، فَقُلْتُ أَنَا:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا ذَاكَ فِي الطَّلَاقِ (فَجَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ) لَعَلَّهُ كَانَ قَامَ لِحَاجَةٍ وَإِلَّا فَقَدَ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا اسْتُفْتِيَ: كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ (فَقَالَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي، يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ) قَالَهُ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ ; إِذْ لَيْسَ ابْنَ أَخِيهِ حَقِيقَةً (فَبَعَثُوا كُرَيْبًا) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَمُوَحَّدَةٍ (مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) وَفِي الْبُخَارِيِّ: فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلَامَهُ كُرَيْبًا (إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ) وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَأَلَهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ حَتَّى يَسْمَعَ مِنْهَا بِلَا وَاسِطَةٍ، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ فِي السَّابِقِ بَيْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي سَلَمَةَ لِأَنَّ أَصْلَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَافَقَ أَبَا سَلَمَةَ، فَلَا مُعَارَضَةَ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ كَمَا ظَنَّ أَبُو عُمَرَ. (فَجَاءَهُمْ) كُرَيْبٌ (فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا قَالَتْ: وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَذَكَرَتْ) بِسُكُونِ التَّاءِ سُبَيْعَةُ (ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) لَمَّا قَالَ لَهَا أَبُو السَّنَابِلِ: مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِينَ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، فَمَكَثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ ثُمَّ جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ: قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ) لِانْقِضَاءِ عِدَّتِكِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَبَيَّنَ مُرَادَ اللَّهِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْ خَالَفَهُ. وَفِيهِ أَنَّ الْحُجَّةَ عِنْدَ التَّنَازُعِ السُّنَّةُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنَ الْكِتَابِ وَفِيمَا فِيهِ نَصٌّ إِذَا احْتَمَلَ التَّخْصِيصَ لِأَنَّ السُّنَّةَ تُبَيِّنُ مُرَادَ الْكِتَابِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ عَرَفَ الْحَدِيثَ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ، وَمَنْ نَظَرَ فِي النَّحْوِ رَقَّ طَبْعُهُ، وَمَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ نَبُلَ قَدْرُهُ، وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ لَمْ يَصُنْهُ الْعِلْمُ. وَفِيهِ أَنَّ الْمُنَاظَرَةَ وَطَلَبَ الدَّلِيلِ وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ كَانَ قَدِيمًا مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَلَا يُنْكِرُهُ إِلَّا جَاهِلٌ، وَأَنَّ الْكَبِيرَ لَا يَرْتَفِعُ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَا يَمْنَعُ إِذَا عَلِمَ أَنْ يَنْطِقَ بِمَا عَلِمَ، وَرُبَّ صَغِيرِ السِّنِّ كَبِيرُ الْعِلْمِ، وَجَلَالَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَإِنْ كَانَ يُفْتِي مَعَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ الْقَائِلُ: لَوْ رَفُقْتُ بِابْنِ عَبَّاسٍ لَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهُ عِلْمًا، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْقَعْنَبِيِّ وَابْنِ بُكَيْرٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ عِنْدَ غَيْرِهِمَا. وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ

ص: 336

وَاللَّيْثُ، الثَّلَاثَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَائِلًا: غَيْرَ أَنَّ اللَّيْثَ قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَلَمْ يُسَمِّ كُرَيْبًا، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ) أَيِ اسْتَمَرَّ (عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا) أَنَّهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى فِي الْأَمْصَارِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ مُنْقَطِعٍ أَنَّ عِدَّتَهَا آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، وَمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُنَا لَكِنْ جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي قِصَّةِ سُبَيْعَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَيُصَحِّحُهُ أَنَّ أَصْحَابَهُ عِكْرِمَةَ وَعَطَاءً وَطَاوُسًا وَغَيْرَهُمْ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهَا الْوَضْعُ وَعَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَوْ لَاعَنْتُهُ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4](سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 4) نَزَلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 234) قَالَ: وَبَلَغَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: هِيَ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ، فَقَالَ ذَلِكَ. اهـ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلَا تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا الرُّخْصَةَ، سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى، وَمُرَادُهُ أَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لَهَا لَا نَاسِخَةٌ، وَقَدِ احْتُجَّ لِلْقَائِلِ بِآخِرِ الْأَجَلَيْنِ بِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ مُجْتَمِعَتَانِ بِصِفَتَيْنِ، وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي الْمُتَوَفَّى زَوْجُهَا عَنْهَا فَلَا تَخْرُجُ مِنْ عِدَّتِهَا إِلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنَ الْعِدَّةِ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ تَحِيضُ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ بِالْوَضْعِ وَحَدِيثُ سُبَيْعَةَ مِنْ آخَرِ حُكْمِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ بَعْدَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 337

[بَاب مَقَامِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَتْهَا «أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ قَالَتْ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَمْ قَالَتْ فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَمَرَ بِي فَنُودِيتُ لَهُ فَقَالَ كَيْفَ قُلْتِ فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي فَقَالَ امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

31 -

بَابُ مَقَامِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ

1254 -

1241 - (مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ لِيَحْيَى، وَقَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ: سَعْدٌ، بِسُكُونِ الْعَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ (بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ، الْبَلَوِيِّ الْمَدَنِيِّ، حَلِيفِ الْأَنْصَارِ، مِنَ الثِّقَاتِ، مَاتَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) صَحَابِيَّةٌ، تَزَوَّجَهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، كَذَا فِي التَّجْرِيدِ تَبَعًا لِابْنِ الْأَمِينِ وَابْنِ فَتْحُونٍ، وَذَكَرَهَا غَيْرُهُمَا فِي التَّابِعِينَ، وَابْنُ حَبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَرَوَى عَنْهَا ابْنَا أَخَوَيْهَا

ص: 337

سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْنَا كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ (أَنَّ الْفُرَيْعَةَ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، كَمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَسَمَّاهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ الْفَارِعَةَ، وَبَعْضُهُمْ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ الْفَرَعَةَ (بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ) الصَّحَابِيِّ (وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ) سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ (الْخُدْرِيِّ) الصَّحَابِيِّ الشَّهِيرِ، وَأُمُّهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ (أَخْبَرَتْهَا) أَيْ زَيْنَبُ (أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ، مِنَ الْأَنْصَارِ (فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ، جَمْعُ عَبْدٍ (لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُومِ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، مَوْضِعٌ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ، قَالَتْ) الْفُرَيْعَةُ (فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا) فِي (نَفَقَةٍ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ) ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ (قَالَتْ: فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ (نَادَانِي) دَعَانِي (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) بِنَفْسِهِ (أَوْ أَمَرَ بِي فَنُودِيتُ) دُعِيتُ (لَهُ) شَكَّتْ (فَقَالَ: كَيْفَ؟ قُلْتِ: فَرَدَّدْتُ) أَعَدْتُ (عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ) أَيْ ذَكَرْتُهَا لَهُ أَوَّلًا (مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، فَقَالَ: امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يُبْلُغَ الْكِتَابُ) الْمَكْتُوبُ مِنَ الْعِدَّةِ (أَجَلَهُ) بِأَنْ يَنْتَهِيَ، قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ) أَيْ وُجِدَ زَمَنَ خِلَافَتِهِ (أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ) لِأَنَّهُمْ لَا يَعْدِلُونَ عَنْ حَدِيثِهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَرَوَاهُ النَّاسُ عَنْ مَالِكٍ حَتَّى شَيْخِهِ الزُّهْرِيِّ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي مَنْ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ، وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ شُعْبَةُ

ص: 338

وَابْنُ جُرَيْجٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَسُفْيَانُ وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ، وَأَبُو مَالِكٍ الْأَحْمَرُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، سَبْعَتُهُمْ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ نَحْوَهُ.

ص: 339

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَرُدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ الْبَيْدَاءِ يَمْنَعُهُنَّ الْحَجَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1255 -

1242 - (مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدِ) بِضَمِّ الْحَاءِ (بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ شُعَيْبٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَرُدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنَ الْبَيْدَاءِ يَمْنَعُهُنَّ الْحَجَّ) وَالْبَيْدَاءُ بِالْمَدِّ طَرَفُ ذِي الْحُلَيْفَةِ.

ص: 339

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ خَبَّابٍ تُوُفِّيَ وَإِنَّ امْرَأَتَهُ جَاءَتْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَتْ لَهُ وَفَاةَ زَوْجِهَا وَذَكَرَتْ لَهُ حَرْثًا لَهُمْ بِقَنَاةَ وَسَأَلَتْهُ هَلْ يَصْلُحُ لَهَا أَنْ تَبِيتَ فِيهِ فَنَهَاهَا عَنْ ذَلِكَ فَكَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ سَحَرًا فَتُصْبِحُ فِي حَرْثِهِمْ فَتَظَلُّ فِيهِ يَوْمَهَا ثُمَّ تَدْخُلُ الْمَدِينَةَ إِذَا أَمْسَتْ فَتَبِيتُ فِي بَيْتِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1255 -

1243 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ خَبَّابٍ) بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ، الْمَدَنِيَّ أَبَا مُسْلِمٍ، وَيُقَالُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيَّ، صَاحِبَ الْمَقْصُورَةِ الَّتِي اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهَا عُثْمَانُ وَرَزَقَهُ دِينَارَيْنِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَتُوُفِّيَ عَنْ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ: مُسْلِمٍ وَبُكَيْرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، ذَكَرَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَوْلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَغَفَلَ ابْنُ حِبَّانَ فَذَكَرَهُ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْإِصَابَةِ (تُوُفِّيَ، وَإِنَّ امْرَأَتَهُ) أُمَّ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ (جَاءَتْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَتْ لَهُ وَفَاةَ زَوْجِهَا، وَذَكَرَتْ لَهُ حَرْثًا لَهُمْ بِقَنَاةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونِ بِزِنَةِ حَصَاةٍ، مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ (وَسَأَلَتْهُ: هَلْ يَصْلُحُ لَهَا أَنْ تَبِيتَ فِيهِ؟ فَنَهَاهَا عَنْ ذَلِكَ، فَكَانَتْ تَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ سَحَرًا فَتُصْبِحُ فِي حَرْثِهِمْ فَتَظَلُّ) تُقِيمُ (فِيهِ يَوْمَهَا ثُمَّ تَدَخُلَ الْمَدِينَةَ إِذَا أَمْسَتْ فَتَبِيتُ فِي بَيْتِهَا) فَيُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهَا نَهَارًا.

ص: 339

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ الْبَدَوِيَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِنَّهَا تَنْتَوِي حَيْثُ انْتَوَى أَهْلُهَا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1256 -

1244

ص: 339

- (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ الْبَدَوِيَّةِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: الْمُرَادُ بِهَا سَاكِنَةُ الْعَمُودِ (يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: إِنَّهَا تَنْتَوِي) بِالْفَوْقِيَّةِ (حَيْثُ انْتَوَى أَهْلُهَا) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ تَنْزِلُ حَيْثُ نَزَلُوا مِنِ انْتَوَيْتُ الْمَنْزِلَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِمُ انْقِطَاعُهَا عَنْهُمْ وَانْقِطَاعُهُمْ عَنْهَا، فَإِنِ ارْتَحَلُوا بِقُرْبٍ اعْتَدَّتْ بِمَنْزِلِ زَوْجِهَا.

ص: 340

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا تَبِيتُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَا الْمَبْتُوتَةُ إِلَّا فِي بَيْتِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1257 -

1245 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا تَبِيتُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَلَا الْمَبْتُوتَةُ إِلَّا فِي بَيْتِهَا) وَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ جَابِرٍ: " طُلِّقَتْ خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُذَّ نَخْلَهَا فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بَلَى فَجُذِّي نَخْلَكِ فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَّدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا» ". قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَاللَّيْثِ فِي جَوَازِ خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ نَهَارًا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا لُزُومُ مَنْزِلِهَا بِاللَّيْلِ، وَسَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ الرَّجْعِيَّةُ وَالْمَبْتُوتَةُ، وَقَدِ احْتَجَّ أَبُو دَاوُدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى خُرُوجِهَا نَهَارًا كَقَوْلِنَا، وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ أَنَّ الْجُذَاذَ إِنَّمَا يَكُونُ نَهَارًا عُرْفًا وَشَرْعًا ; لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ جُذَاذِ اللَّيْلِ، وَلِأَنَّ نَخْلَ الْأَنْصَارِ لَيْسَتْ مِنَ الْبَعِيدِ بِحَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَى الْمَبِيتِ فِيهَا إِذَا خَرَجَتْ نَهَارًا.

ص: 340

[بَاب عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ إِنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَرَّقَ بَيْنَ رِجَالٍ وَبَيْنَ نِسَائِهِمْ وَكُنَّ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ رِجَالٍ هَلَكُوا فَتَزَوَّجُوهُنَّ بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَعْتَدِدْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ سُبْحَانَ اللَّهِ يَقُولُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] مَا هُنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

32 -

بَابُ عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا

1258 -

1246 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) بْنِ الصِّدِّيقِ (يَقُولُ: إِنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ) بْنِ مَرْوَانَ، أَحَدَ مُلُوكِ بَنِي أُمَيَّةَ (فَرَّقَ بَيْنَ رِجَالٍ

ص: 340

وَنِسَائِهِمْ وَكُنَّ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ رِجَالٍ هَلَكُوا) مَاتُوا عَنْهُنَّ (فَتَزَوَّجُوهُنَّ) أَيِ الرِّجَالُ (حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ) بَعْدَ مَوْتِ سَادَاتِهِمْ، وَأَوْ تُحْمَلُ عَلَى الشَّكِّ وَالتَّنْوِيعِ، أَيْ إِنَّ مِنْهُنَّ مَنْ تَزَوَّجَ بَعْدَ حَيْضَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ تَزَوَّجَ بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ (فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ) تَعَجُّبًا مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مُسْتَدِلًّا عَلَى إِبْطَالِهِ بِقَوْلِهِ: (يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي كِتَابِهِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] مَا هُنَّ مِنَ الْأَزْوَاجِ) فَمَا عَلَيْهِنَّ عِدَّتُهُنَّ إِنَّمَا عَلَيْهِنَّ الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ.

ص: 341

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا حَيْضَةٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1259 -

1247 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا: حَيْضَةٌ) وَتَسْمِيَتُهَا عِدَّةٌ تَجُوُّزٌ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ.

ص: 341

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا حَيْضَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1259 -

1248 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْأَزْوَاجِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْآيَةِ (قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِدَارِ الْهِجْرَةِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي اسْتِبْرَاءِ مَنْ لَا تَحِيضُ.

ص: 341

[بَاب عِدَّةِ الْأَمَةِ إِذَا تُوُفِّيَ سَيِّدُهَا أَوْ زَوْجُهَا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولَانِ عِدَّةُ الْأَمَةِ إِذَا هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

33 -

بَابُ عِدَّةِ الْأَمَةِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَوْ زَوْجُهَا

قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الرُّوَاةِ قَالَ " سَيِّدُهَا " إِلَّا يَحْيَى، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا مَاتَ سَيِّدُهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، إِنَّمَا عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ.

1261 -

1249 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولَانِ: عِدَّةُ الْأَمَةِ إِذَا هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ) نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ.

ص: 342

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ طَلَاقًا لَمْ يَبُتَّهَا فِيهِ لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ الرَّجْعَةُ ثُمَّ يَمُوتُ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِهِ إِنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ وَإِنَّهَا إِنْ عَتَقَتْ وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ ثُمَّ لَمْ تَخْتَرْ فِرَاقَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ حَتَّى يَمُوتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِهِ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَذَلِكَ أَنَّهَا إِنَّمَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بَعْدَ مَا عَتَقَتْ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1261 -

1250 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلَ ذَلِكَ) شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ. (مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ طَلَاقًا لَمْ يَبُتَّهَا فِيهِ: لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ الرَّجْعَةُ) بِأَنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً (ثُمَّ يَمُوتُ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنَ الطَّلَاقِ: أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ) فَتَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ لِلْأَمَةِ ; لِأَنَّ الْمُوجِبَ وَهُوَ الْمَوْتُ لَمَّا نَقَلَهَا صَادَفَهَا أَمَةً فَتَعْتَدُّ عِدَّتَهَا فِي الْوَفَاةِ (وَأَنَّهَا إِنْ عَتَقَتْ وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، ثُمَّ لَمْ تَخْتَرْ فِرَاقَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ حَتَّى يَمُوتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِهِ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) لِأَنَّ الْمُوجِبَ وَهُوَ الْمَوْتُ لَمَّا نَقَلَهَا صَادَفَهَا حُرَّةً، فَتَعْتَدُّ عِدَّتَهَا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ:(وَذَلِكَ أَنَّهَا إِنَّمَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بَعْدَ مَا عَتَقَتْ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ، وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ يَنْقُلْهَا مَوْتُهُ فِي عِدَّتِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ.

ص: 342

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ «دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ فَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

34 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ

هُوَ الْإِنْزَالُ خَارِجُ الْفَرْجِ.

1262 -

1251 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فَرُّوخَ الْمَدَنِيِّ الْفَقِيهِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مِنْ رِوَايَةِ النَّظِيرِ عَنِ النَّظِيرِ وَالْكَبِيرِ عَنِ الصَّغِيرِ (عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَمُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ وَزَايٍ آخِرًا، مُصَغَّرًا، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزِ بْنِ جُنَادَةَ بْنِ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ، بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ فَمُهْمَلَةٍ، الْمَكِّيُّ، كَانَ يَتِيمًا فِي حَجْرِ أَبِي مَحْذُورَةَ، ثُمَّ نَزَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، عَابِدٌ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ قَبْلَهَا (أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ) سَعْدَ بْنَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْعَزْلِ) أَهْوَ جَائِزٌ أَمْ لَا؟ (فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الصَّادِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُشَالَةِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ فَقَافٍ، لَقَبُ جَذِيمَةَ بْنِ سَعْدٍ الْخُزَاعِيِّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحُسْنِ صَوْتِهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ غَنَّى مِنْ خُزَاعَةَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، مَاءٌ لَبَنِي خُزَاعَةَ، وَفِي أَنَّهَا سَنَةُ سِتٍّ أَوْ خَمْسٍ أَوْ أَرْبَعٍ خِلَافٌ، وَسَبَبُهَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَلَغَهُ أَنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ، وَقَائِدُهُمُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ حَتَّى لَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ، يُقَالُ لَهُ الْمُرَيْسِيعُ، قَرِيبٌ إِلَى السَّاحِلِ، فَتَزَاحَفَ النَّاسُ وَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ وَقَتَلَ مِنْهُمْ وَنَقَلَ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، كَذَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِأَسَانِيدَ مُرْسَلَةٍ. وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ وَلَفْظُهُ:" «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ» ". الْحَدِيثَ، قَالَ الْحَافِظُ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ حِينَ الْإِيقَاعِ ثَبَتُوا قَلِيلًا، فَلَمَّا كَثُرَ فِيهِمُ الْقَتْلُ انْهَزَمُوا بِأَنْ يَكُونُوا لَمَّا دَهَمَهُمْ وَهُمْ عَلَى الْمَاءِ ثَبَتُوا وَتَصَافُّوا وَوَقَعَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ ثُمَّ وَقَعَتِ الْغَلَبَةُ عَلَيْهِمْ.

(فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ) أَيْ نِسَاءٍ أَخَذْنَاهَا مِنْهُمْ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَسَبَيْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ (فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ) أَيْ جِمَاعَهُنَّ (وَاشْتَدَّتْ) قَوِيَتْ (عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ)

ص: 343

بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ، فَقْدُ الْأَزْوَاجِ وَالنِّكَاحِ، وَهَذَا يُشْبِهُ عَطْفَ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ: وَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ تَعَذَّرَ عَلَيْنَا النِّكَاحُ لِتَعَذُّرِ أَسْبَابِهِ، لَا أَنَّ ذَلِكَ لِطُولِ الْإِقَامَةِ ; لِأَنَّ غَيْبَتَهُمْ عَنِ الْمَدِينَةِ لَمْ تَطُلْ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ غَيْبَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ كَانَتْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا (وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ) وَلِمُسْلِمٍ: وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ (فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ) خَوْفًا مِنَ الْحَمْلِ الْمَانِعِ مِنَ الْفِدَاءِ الَّذِي أَحْبَبْنَاهُ (فَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا) أَيْ بَيْنَنَا، وَأَظْهُرُ زَائِدَةٌ (قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ) عَنِ الْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ أَنَّهُ مِنَ الْوَأْدِ الْخَفِيِّ كَالْفِرَارِ مِنَ الْقَدَرِ، قَالَهُ الْمَازِرِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَكُنَّا نَعْزِلُ ثُمَّ سَأَلْنَا، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ سَأَلَ قَبْلَ الْعَزْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَأَلَ بَعْدَهُ، وَبِأَنَّ مَعْنَى نَعْزِلُ عَزْمُنَا عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الْأُولَى. (فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ، قَالَهَا ثَلَاثًا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَا اطَّلَعَ عَلَى فِعْلِهِمْ فَيُشْكَلُ مَعَ «قَوْلِ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحِ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ» ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا قَالَ: كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ يَكُونُ مَرْفُوعًا ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ اطِّلَاعُهُ عَلَيْهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ دَوَاعِيَهُمْ كَانَتْ مُتَوَفِّرَةً عَلَى سُؤَالِهِ عَنْ أُمُورِ الدِّينِ فَإِذَا عَمِلُوا شَيْئًا وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ بَادَرُوا إِلَى السُّؤَالِ عَنْ حُكْمِهِ، فَيَكُونُ الظُّهُورُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ.

(فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ) بَأْسٌ (أَنْ لَا تَفْعَلُوا) أَيْ لَيْسَ عَدَمُ الْفِعْلِ وَاجِبًا عَلَيْكُمْ، أَوْ لَا زَائِدَةٌ، أَيْ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ فِي فِعْلِهِ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ مَعْنَاهُ النَّهْيَ أَيْ لَا تَفْعَلُوا الْعَزْلَ (مَا مِنْ نَسَمَةٍ) بِفَتَحَاتٍ، أَيْ نَفْسٍ (كَائِنَةٍ) أَيْ قُدِّرَ كَوْنُهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ) أَيْ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ، سَوَاءٌ عَزَلْتُمْ أَمْ لَا، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْعَزْلِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ خَلْقُهَا سَبَقَكُمُ الْمَاءُ فَلَا يَنْفَعُكُمُ الْحِرْصُ وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، وَخَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلَعٍ مِنْهُ، وَعِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ:" «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَنِ الْعَزْلِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ أَهْرَقْتَهُ عَلَى صَخْرَةٍ لَأَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا وَلَدًا، أَوْ يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْهَا وَلَدًا، لِيَخْلُقَنَّ اللَّهُ نَفْسًا هُوَ خَالِقُهَا» ". وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا، وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، فَقَالَ: اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا، فَلَبِثَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَبِلَتْ، فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا ". وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: " فَقَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» ". قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا عَلَى وَطْءِ مَا وَقَعَ فِي سِهَامِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ كِتَابِيَّةً فَإِنْ كَانَ سَبْيُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ كِتَابِيَّاتٍ ; لِأَنَّ مِنَ الْعَرَبِ

ص: 344

مَنْ تَهَوَّدَ وَتَنَصَّرَ فَذَاكَ، وَإِنْ كُنَّ وَثَنِيَّاتٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهُنَّ بِالْمِلْكِ إِلَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 221) وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ الصَّحَابَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُصِيبَ الْجَارِيَةَ مِنَ الْفَيْءِ أَمْرَهَا فَغَلَسَتْ ثِيَابَهَا وَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ عَلَّمَهَا الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَمَرَهَا بِالصَّلَاةِ وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ ثُمَّ أَصَابَهَا. اهـ بِمَعْنَاهُ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّهُنَّ أَسْلَمْنَ. وَلَا يَصِحُّ لِقَوْلِهِ:" وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ " إِذْ لَا يُقَالُ هَذَا فِيمَنْ أَسْلَمَ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ السَّابِي، بَلْ يَسْتَمِرُّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَيَجُوزُ فِدَاؤُهُ وَبَيْعُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ، وَبِأَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَطْءُ الْأَمَةِ الْمُشْرِكَةِ ثُمَّ نُسِخَ، وَلَا يَصِحُّ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى دَلِيلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ وَطْءِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ، وَلَوْ بَقِيَ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْوَطْءِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَبَقِيَ أَيْضًا عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَمْرَيْنِ، وَحَدِيثُ الْحَسَنِ بِرَفْعِ الْإِشْكَالِ عَنْهُمَا مَعًا، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي مَنْعِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لِامْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْفِدَاءِ لِلْحَمْلِ، وَالْفِدَاءُ بَيْعٌ وَالْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَهِيَ حَامِلُ خَوْفَ رِقِّ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ، وَفِيهِ اسْتِرْقَاقُ جَمِيعِ الْعَرَبِ كَقُرَيْشٍ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ وَهْبٍ: لَا يَجْرِي عَلَيْهِمُ الرِّقُّ لِشَرَفِهِمْ، فَإِنْ أَسْلَمُوا وَإِلَّا قُتِلُوا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِتْقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَرَوَيَاهُ جَمِيعًا عَنْ شَيْخِهِمَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ أَسْمَاءَ عَنْ عَمِّهِ جُوَيْرِيَةَ ابْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ:" «أَصَبْنَا سَبَايَا وَكُنَّا نَعْزِلُ، ثُمَّ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَنَا: أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ، ثَلَاثًا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ جُوَيْرِيَةَ. اهـ. لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَاذَّةٍ عَنْ مَالِكٍ فَهُوَ عِنْدَهُ بِالْإِسْنَادَيْنِ. وَقَدْ تَابَعَهُ شُعَيْبٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْبَيْعِ، وَيُونُسُ عِنْدَهُ فِي الْقَدَرِ، وَعَقِيلٌ عِنْدَهُ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ بِهِ.

ص: 345

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1263 -

1252 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بِمُعْجَمَةٍ، سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ، الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ) لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى الرُّخْصَةَ فِيهِ.

ص: 345

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1264 -

1253

ص: 345

- (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَفْلَحَ) هُوَ عُمَرُ، بِضَمِّ الْعَيْنِ، بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ الْمَدَنِيُّ الثِّقَةُ (مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ) لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّرْخِيصَ فِيهِ كَزَيْدٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعْدٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

ص: 346

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ وَكَانَ يَكْرَهُ الْعَزْلَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1265 -

1254 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ وَكَانَ يَكْرَهُ الْعَزْلَ) وَيَضْرِبُ بَعْضَ وَلَدِهِ إِذَا فَعَلَهُ ; لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى قَطْعِ النَّسْلِ، وَلِذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم حِينَ سُئِلَ عَنْهُ:«ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا كَرِهَاهُ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ.

ص: 346

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَزِيَّةَ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَجَاءَهُ ابْنُ قَهْدٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّ عِنْدِي جَوَارِيَ لِي لَيْسَ نِسَائِي اللَّاتِي أُكِنُّ بِأَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهُنَّ وَلَيْسَ كُلُّهُنَّ يُعْجِبُنِي أَنْ تَحْمِلَ مِنِّي أَفَأَعْزِلُ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَفْتِهِ يَا حَجَّاجُ قَالَ فَقُلْتُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ إِنَّمَا نَجْلِسُ عِنْدَكَ لِنَتَعَلَّمَ مِنْكَ قَالَ أَفْتِهِ قَالَ فَقُلْتُ هُوَ حَرْثُكَ إِنْ شِئْتَ سَقَيْتَهُ وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَشْتَهُ قَالَ وَكُنْتُ أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ فَقَالَ زَيْدٌ صَدَقَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1266 -

1255 - (مَالِكٌ، عَنْ ضَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ (بْنِ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (الْمَازِنِيِّ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ غَزِيَّةَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ، الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ، صَحَابِيٌّ شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ (أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيِّ (فَجَاءَهُ ابْنُ قَهْدٍ) بِالْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ، ضَبَطَهُ ابْنُ الْحَذَّاءِ وَجَوَّزَ أَنَّهُ قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ الصَّحَابِيُّ، قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ قَوْلُهُ: (رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ) فَإِنَّ قَيْسًا الصَّحَابِيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْأَنْصَارِ مِنَ الْيَمَنِ (فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ) كُنْيَةُ زَيْدٍ (إِنَّ عِنْدِي جَوَارِيَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، جَمْعُ جَارِيَةٍ (لِي لَيْسَ نِسَائِي اللَّاتِي أُكِنُّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ، أَضُمُّ إِلَيُّ (بِأَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهُنَّ وَلَيْسَ

ص: 346

كُلُّهُنَّ يُعْجِبُنِي أَنَّ تَحْمِلَ مِنِّي) لِأَنِّي قَدْ أَحْتَاجُ لِلْبَيْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (أَفَأَعْزِلُ؟ فَقَالَ زَيْدٌ: أَفْتِهِ يَا حَجَّاجُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ إِنَّمَا نَجْلِسُ عِنْدَكَ لِنَتَعَلَّمَ مِنْكَ) لِمَزِيدِ فِقْهِكَ (قَالَ: أَفْتِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: هُوَ حَرْثُكَ) أَيْ مَحَلُّ زَرْعِكَ الْوَلَدَ (إِنْ شِئْتَ سَقَيْتَهُ وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَشْتَهُ) مَنَعْتَهُ السَّقْيَ (قَالَ: وَكُنْتُ أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ، فَقَالَ زَيْدٌ: صَدَقَ) لِأَنَّهُ يَرَى حِلَّهُ.

ص: 347

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ ذَفِيفٌ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْعَزْلِ فَدَعَا جَارِيَةً لَهُ فَقَالَ أَخْبِرِيهِمْ فَكَأَنَّهَا اسْتَحْيَتْ فَقَالَ هُوَ ذَلِكَ أَمَّا أَنَا فَأَفْعَلُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يَعْزِلُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَعْزِلُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَمَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ قَوْمٍ فَلَا يَعْزِلُ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1267 -

1256 - (مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ ذَفِيفٌ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ، الْمَدَنِيُّ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَةٍ (أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْعَزْلِ، فَدَعَا جَارِيَةً لَهُ فَقَالَ: أَخْبِرِيهِمْ) أَيِ السَّائِلِينَ (فَكَأَنَّهَا اسْتَحْيَتْ، فَقَالَ: هُوَ ذَلِكَ أَمَّا أَنَا فَأَفْعَلُهُ، يَعْنِي أَنَّهُ يَعْزِلُ) وَيُرْوَى أَنَّهُ تَنَاجَى رَجُلَانِ عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْمُنَاجَاةُ؟ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ تَزْعُمُ أَنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا تَكُونُ مَوْءُودَةٌ حَتَّى يَمُرَّ عَلَيْهَا التَّارَاتُ السَّبْعُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12](سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: الْآيَةُ 12) الْآيَةَ، فَقَالَ عُمَرُ لَعِلِيٍّ: صَدَقْتَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاكَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا فِي الْإِسْلَامِ، لَكِنَّ هَذَا الْخَبَرَ خِلَافُ مَا رَوَى ابْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَا يَكْرَهَانِ الْعَزْلَ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَعْزِلُ الرَّجُلُ مَاءَهُ الْمَرْأَةَ) أَيْ عَنْهَا، فَنُصِبَ عَلَى التَّوَسُّعِ (الْحُرَّةَ إِلَّا بِإِذْنِهَا) لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ حَقِّهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَلَيْسَ الْجِمَاعُ الْمَعْرُوفُ إِلَّا مَا لَا عَزْلَ فِيهِ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ لَذَّتِهَا وَلَحِقَهَا فِي الْوَلَدِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُمَرَ:" «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنِ الْعَزْلِ عَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا» ". لَكِنَّ فِي إِسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْزِلَ عَنْ أَمَتِهِ) الْمَمْلُوكَةِ لَهُ (بِغَيْرِ إِذْنِهَا) إِذْ لَا حَقَّ لَهَا فِي وَطْءٍ وَلَا اسْتِيلَادٍ (وَمَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ قَوْمٍ) أَيْ مُتَزَوِّجًا بِهَا (فَلَا يَعْزِلُ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ)

ص: 347

لِحَقِّهِمْ فِي الْوَلَدِ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: إِذْنُهَا أَيْضًا لِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَقِيلَ لَا يَعْزِلُ عَنْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا أَيْضًا، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ لَهَا بِالْعَقْدِ حَقًّا فِي الْوَطْءِ، فَلَا يَجُوزُ عَزْلُهُ عَنْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَإِذْنِ مَوْلَاهَا لَحِقِّهِ فِي الْوَلَدِ، وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا فِي كُلِّ حَالٍ وَفِي كُلِّ امْرَأَةٍ وَإِنْ رَضِيَتْ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى قَطْعِ النَّسْلِ، وَلَا يَحْرُمُ فِي مَمْلُوكَتِهِ وَلَا زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ رَضِيَتْ أَمْ لَا ; لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي أَمَتِهِ بِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَفِي زَوْجَتِهِ الرَّقِيقَةِ بِمَصِيرِ وَلَدِهَا رَقِيقًا، وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَإِنْ أَذِنَتْ لَمْ يَحْرُمْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْرُمُ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُنْتَزَعُ مِنْ حُكْمِ الْعَزْلِ حُكْمُ مُعَالَجَةِ الْمَرْأَةِ إِسْقَاطَ النُّطْفَةِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ: فَمَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ فَفِي هَذِهِ أَوْلَى، وَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَلْتَحِقَ بِهِ هَذَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُ أَشَدُّ ; لِأَنَّ الْعَزْلَ لَمْ يَقَعْ فِيهِ تَعَاطِي السَّبَبِ وَمُعَالَجَةَ السَّقْطِ يَقَعُ بَعْدَ تَعَاطِي السَّبَبِ وَيَلْتَحِقُ بِهَا تَعَاطِي الْمَرْأَةِ مَا يَقْطَعُ الْحَبَلَ مِنْ أَصْلِهِ، وَأَفْتَى بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ بِمَنْعِهِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِإِبَاحَةِ الْعَزْلِ مُطْلَقًا.

ص: 348

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِحْدَادِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ قَالَتْ زَيْنَبُ «دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَحَتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» قَالَتْ زَيْنَبُ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ حَاجَةٌ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا أَفَتَكْحُلُهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا هِيَ {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ» قَالَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْحِفْشُ الْبَيْتُ الرَّدِيءُ وَتَفْتَضُّ تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا كَالنُّشْرَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

35 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِحْدَادِ

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْإِحْدَادُ، بِالْمُهْمَلَةِ، امْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مِنَ الزِّينَةِ كُلِّهَا مِنْ لِبَاسٍ وَطِيبٍ وَغَيْرِهِمَا وَكُلِّ مَا كَانَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الْإِحْدَادُ الِامْتِنَاعُ مِنَ الزِّينَةِ، يُقَالُ أَحَدَّتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ مُحِدٌّ وَحَدَّتْ فَهِيَ حَادٌّ إِذَا امْتَنَعَتْ مِنَ الزِّينَةِ، وَكُلُّ مَا يُصَاغُ مِنْ حَدَّ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمَنْعِ، فَالْبَوَّابُ حَدَّادٌ لِمَنْعِهِ الدَّاخِلَ وَالْخَارِجَ، وَالسَّجَّانُ حَدَّادٌ، وَلَمَّا نَزَلَ:{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 30] قَالَ الْكُفَّارُ: مَا رَأَيْنَا سَجَّانِينَ بِهَذَا الْعَدَدِ، فَقَالَ الصَّحَابَةُ: لَا تُقَاسُ الْمَلَائِكَةُ بِالْحَدَّادِينَ، يَعْنُونَ السَّجَّانِينَ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَدِيدُ لِامْتِنَاعِهِ عَمَّنْ يُحَاوِلُهُ وَلِلِامْتِنَاعِ بِهِ، وَمِنْهُ تَحْدِيدُ النَّظَرِ لِامْتِنَاعِ تَقَلُّبِهِ فِي الْجِهَاتِ، قَالَ النَّابِغَةُ:

إِلَّا سُلَيْمَانُ إِذَا قَالَ الْإِلَهُ لَهُ

قُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ فَاحْدُدْهَا عَنِ الْفَنَدِ.

أَيْ فَامْنَعْهَا.

1268 -

1257 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ) الْأَنْصَارِيِّ أَبِي أَفْلَحَ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ (عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ

ص: 348

أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيَّةِ الصَّحَابِيَّةِ، رَبِيبَتِهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ) أَيْ حُمَيْدًا (بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ) الَّتِي بَيَّنَتْهَا لَهُ حَيْثُ (قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ) رَمْلَةَ (زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ) صَخْرُ (بْنُ حَرْبٍ) سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الشَّامِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْأَخْبَارِ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ تَقْيِيدَهُ بِذَلِكَ إِلَّا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ هَذِهِ وَأَظُنُّهَا وَهْمًا، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارِمِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ نَافِعٍ: جَاءَ نَعْيٌ لِأَخِي أُمِّ حَبِيبَةَ أَوْ حَمِيمٌ لَهَا فَدَعَتْ بِصُفْرَةٍ فَلَطَّخَتْ بِهِ ذِرَاعَهَا. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ: أَنَّ حَمِيمًا لَهَا مَاتَ، بِلَا تَرَدُّدٍ، وَإِطْلَاقُ الْحَمِيمِ عَلَى الْأَخِ الْأَقْرَبِ مِنْ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْأَبِ، فَقَوِيَ الظَّنُّ أَنَّ الْقِصَّةَ تَعَدَّدَتْ لِزَيْنَبَ مَعَ أُمِّ حَبِيبَةَ لَمَّا جَاءَهَا نَعْيُ أَخِيهَا مِنَ الشَّامِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ، ثُمَّ وَفَاةُ أَبِيهَا أَبِي سُفْيَانَ بِالْمَدِينَةِ، لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ (فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ) أَيْ طَلَبَتْ طِيبًا (فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ) بِوَزْنِ صَبُورٍ، نَوْعٌ مِنَ الطِّيبِ (أَوْ غَيْرُهُ) بِرَفْعِهِمَا وَجَرِّهِمَا رِوَايَتَانِ، اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ عَلَى الْأُولَى (فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً) بِالنَّصْبِ قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَعْرِفِ اسْمَهَا (ثُمَّ مَسَحَتْ) أُمُّ حَبِيبَةَ (بِعَارِضَيْهَا) أَيْ جَانِبَيْ وَجْهِهَا، وَجَعْلُ الْعَارِضَيْنِ مَاسِحَيْنِ تَجَوُّزٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا جَعَلَتِ الصُّفْرَةَ فِي يَدَيْهَا وَمَسَحَتْهَا بِعَارِضَيْهَا، وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ، وَمَسَحَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْبَاءِ، تَقُولُ: مَسَحْتُ بِرَأْسِي وَرَأْسِي. وَفِي الْإِكْمَالِ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْعَارِضَانِ صَفْحَتَا الْعُنُقِ وَمَا بَعْدَ الْأَسْنَانِ، وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ: عَارِضَةُ الْوَجْهِ مَا يَبْدُو مِنْهُ وَمَبْسَمَا الْفَمِ وَالثَّنَايَا، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ. وَفِي الْمُفْهِمِ: الْعَوَارِضُ مَا بَعْدَ الْأَسْنَانِ، أُطْلِقَتْ فِي الْخَدَّيْنِ هُنَا مَجَازًا ; لِأَنَّهُمَا عَلَيْهِمَا فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُجَاوَرَةِ أَوْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا كَانَ مِنْ سَبَبِهِ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: وَذِرَاعَيْهَا (ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ حَاجَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ بِزِيَادَةِ " مِنْ "(غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» ) نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ (أَنْ تُحِدَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْحَاءِ مِنَ الرُّبَاعِي، وَلَمْ يَعْرِفِ الْأَصْمَعِيُّ سِوَاهُ، وَحَكَى غَيْرُهُ فَتْحَ ثَانِيهِ مِنَ الثُّلَاثِي، يُقَالُ: حَدَّتِ الْمَرْأَةُ وَأَحَدَّتْ بِمَعْنًى (عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) فَلَهَا أَنْ تُحِدَّ عَلَى الْقَرِيبِ ثَلَاثًا فَأَقَلَّ، فَإِنْ مَاتَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمٍ أَوْ بَقِيَّةِ

ص: 349

لَيْلَةٍ أَلْغَتْ تِلْكَ الْبَقِيَّةَ وَعَدَّتِ الثَّلَاثَ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ " أَنْ تُحِدَّ " فَاعِلُ يَحِلُّ، وَ " فَوْقَ " ظَرْفُ زَمَانٍ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَى زَمَانٍ (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ) إِيجَابٌ لِلنَّفْيِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ " تُحِدَّ "، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) أَيْ أَيَّامَهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَلَا تَحِلُّ حَتَّى تَدْخُلَ اللَّيْلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ، فَأُنِّثَ الْعَدَدُ لِإِرَادَةِ الْمُدَّةِ، أَوْ أُرِيدَ الْأَيَّامُ بِلَيَالِيهَا، خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا عَشْرُ لَيَالٍ فَتَحِلُّ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، وَلَوْلَا الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ إِحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَكَانَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْإِبَاحَةَ لِأَنَّهُ اسْتُثْنِيَ مِنْ عُمُومِ الْحَظْرِ، وَأَشَارَ الْبَاجِيُّ إِلَى أَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ، فَيُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَلَيْسَ الْحَدِيثُ مِنْ ذَلِكَ إِذْ لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ إِنَّمَا هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْحَظْرِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْحَامِلِ يَزِيدُ عَلَيْهَا: هَلْ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَضَعَ أَوْ لَا يَلْزَمُهَا إِحْدَادٌ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَهُ عِيَاضٌ.

(قَالَتْ زَيْنَبُ) بِالسَّنَدِ السَّابِقِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي (ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، كَمَا سُمِّيَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُوَطَّآتِ كَابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي مُصْعَبٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، لَكِنِ اسْتُشْكِلَ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَزَيْنَبُ حِينَئِذٍ صَغِيرَةٌ جِدًّا ; لِأَنَّ أَبَاهَا مَاتَ بَعْدَ بَدْرٍ، وَأَنَّ أُمَّهَا حَلَّتْ بِوَضْعِهَا وَتَزَوَّجَ صلى الله عليه وسلم أُمَّهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرَهُ حَكَوْا أَنَّ زَيْنَبَ وُلِدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ لَهَا عِنْدَ وَفَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ أَرْبَعُ سِنِينَ وَمِثْلُهَا يَضْبُطُ ذَلِكَ وَيُمَيِّزُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَخِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُصَغَّرِ الَّذِي تَنَصَّرَ وَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَتَزَوَّجَ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ، فَإِنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَتْ مُمَيِّزَةً لَمَّا جَاءَ خَبَرُ وَفَاتِهِ، وَقَدْ يَحْزَنُ الْمَرْءُ عَلَى قَرِيبِهِ الْكَافِرِ لَا سِيَّمَا إِذَا تَذَكَّرَ سُوءَ مَصِيرِهِ، وَلَعَلَّ مَا وَقَعَ فِي تِلْكَ الْمُوَطَّآتِ عَبْدُ اللَّهِ - بِالتَّكْبِيرِ - كَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ - بِتَصْغِيرِ عَبْدٍ - فَلَمْ يَضْبِطْهُ الْكَاتِبُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَخٌ لَهَا مِنْ أُمِّهَا أَوْ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَمَّا أَخُوهَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ وَاسْمُهُ عَبْدٌ، بِلَا إِضَافَةٍ، كَانَ شَاعِرًا أَعْمَى، فَمَاتَ بَعْدَ أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِسَنَةٍ، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَحَضَرَ جِنَازَةَ أُخْتِهِ، وَرَاجَعَ عُمَرَ فِي شَيْءٍ بِسَبَبِهَا كَمَا عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ، فَلَا يَصِحُّ إِرَادَتُهُ هُنَا، هَذَا وَلَفْظُ " ثُمَّ " هُنَا لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْوَقَائِعِ ; لِأَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ مَاتَتْ قَبْلَ أَبِي سُفْيَانَ بِأَكْثَرِ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ (فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ " بِهِ " أَيْ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهَا (ثُمَّ قَالَتْ) زَادَ التِّنِّيسِيُّ:" أَمَا " بِالتَّخْفِيفِ (وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ حَاجَةٌ) وَلِابْنِ يُوسُفَ بِزِيَادَةِ " مِنْ "(غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ) زَادَ التِّنِّيسِيُّ " عَلَى

ص: 350

الْمِنْبَرِ " (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) هُوَ مِنْ خِطَابِ التَّصْحِيحِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِالْخِطَابِ وَيَنْقَادُ لَهُ، فَهَذَا الْوَصْفُ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ لِمَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُهُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ خِلَافَهُ مُنَافٍ لِلْإِيمَانِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 23) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَأْكِيدَ أَمْرِ التَّوَكُّلِ بِرَبْطِهِ بِالْإِيمَانِ (تُحِدُّ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ وَبِفَتْحٍ فَضَمٍّ وَحَذْفِ " أَنْ " النَّاصِبَةِ وَرَفْعِ الْفِعْلِ وَهُوَ مَقِيسٌ (عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَبَاحَ الشَّارِعُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ; لِمَا يَغْلِبُ مِنْ لَوْعَةِ الْحُزْنِ وَيَهْجُمُ مِنْ أَلِيمِ الْوَجْدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ طَالَبَهَا بِالْجِمَاعِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا مَنْعُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ) فَتُحِدُّ عَلَيْهِ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) فَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ فِي الْمُسْتَثْنَى دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ إِنْ جُعِلَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ: " فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ " فَالْمَعْنَى لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُحِدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا عَلَى مَيْتٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَإِنْ جُعِلَ مَعْمُولًا لِتُحِدَّ مُضْمَرًا فَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ تُحِدُّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالُوا: وَحِكْمَةُ هَذَا الْعَدَدِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتَكَامَلُ خَلْقُهُ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَهِيَ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِنَقْصِ الْأَهِلَّةِ فَجَبَرَ الْكَسْرَ إِلَى الْعِقْدِ احْتِيَاطًا (قَالَتْ زَيْنَبُ) بِالسَّنَدِ السَّابِقِ، وَهَذَا هُوَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ (وَسَمِعْتُ) أُمِّي (أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ) هِيَ عَاتِكَةُ بِنْتُ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّحَّامِ كَمَا فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا) الْمُغِيرَةُ الْمَخْزُومِيُّ، رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ، وَرَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي تَأْلِيفِهِ مُسْنَدَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْهُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ يَحْيَى: لَا أَدْرِي ابْنَةَ النَّحَّامِ أَوْ أُمَّهَا بِنْتَ سَعْدٍ، وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْبِنْتَ عَاتِكَةُ، فَعَلَى هَذَا فَأُمُّهَا لَمْ تُسَمَّ، قَالَهُ الْحَافِظُ.

(وَقَدِ اشْتَكَتْ) هِيَ، أَيِ ابْنَتِي (عَيْنَيْهَا) بِالتَّثْنِيَةِ وَالنَّصْبِ مَفْعُولٌ، وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ " عَيْنَهَا " بِالْإِفْرَادِ وَالنَّصْبِ أَيْضًا كَمَا رَجَّحَهُ الْمُنْذِرِيُّ بِدَلِيلِ التَّثْنِيَةِ بِالنَّصْبِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ، وَنَسَبَتِ الشِّكَايَةَ إِلَى نَفْسِ الْعَيْنِ مَجَازًا، وَزَعَمَ الْحَرِيرِيُّ أَنَّ الصَّوَابَ النَّصْبُ وَأَنَّ الرَّفْعَ لَحْنٌ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُؤَيِّدُ الرَّفْعَ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: اشْتَكَتْ عَيْنَاهَا، بِالتَّثْنِيَةِ إِلَّا أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُعْرِبُ الْمُثَنَّى فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ بِحَرَكَاتٍ مُقَدَّرَةٍ (أَفَتَكْحُلُهُمَا؟) بِضَمِّ الْحَاءِ وَهُوَ مِمَّا جَاءَ مَضْمُومًا وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ

ص: 351

حَرْفَ حَلْقٍ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا) تَكْحُلْهُمَا قَالَ ذَلِكَ (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا) تَأْكِيدًا لِلْمَنْعِ، وَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ:" اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ ". وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَحَقَّقِ الْخَوْفَ هُنَا عَلَى عَيْنَيْهَا ; إِذْ لَوْ تَحَقَّقَهُ لَأَبَاحَهُ لَهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ مَعَ الضَّرُورَةِ حَرَجٌ، وَإِنَّمَا فُهِمَ عَنْهَا إِنَّمَا ذَكَرَتْهُ اعْتِذَارًا، لَا عَلَى وَجْهِ أَنَّ الْخَوْفَ ثَبَتَ، وَبِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ وَلَوْ بِاللَّيْلِ، فَإِنِ اضْطُرَّ إِلَيْهِ جَازَ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَأَمَّا النَّهْيُ فَإِنَّمَا هُوَ نَدْبٌ لِتَرْكِهِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ، قَالَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. (ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ) أَيِ الْعِدَّةُ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) بِالنَّصْبِ عَلَى حِكَايَةِ لَفْظِ الْقُرْآنِ، وَفِي رِوَايَةٍ:" أَرْبَعَةُ " بِالرَّفْعِ عَلَى الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ تَقْلِيلُ الْمُدَّةِ وَتَهْوِينُ الصَّبْرِ عَمَّا مُنِعَتْ مِنْهُ وَهُوَ الِاكْتِحَالُ فِي الْعِدَّةِ، وَلِذَا قَالَ:(وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْعَيْنِ وَتُسَكَّنُ، وَاحِدَةُ الْبَعْرِ وَالْجَمْعُ أَبْعَارٌ، رَجِيعُ ذِي الْخُفِّ وَالظِّلْفِ، وَفِي ذِكْرِ الْجَاهِلِيَّةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ صَارَ بِخِلَافِهِ، لَكِنَّ التَّقْدِيرَ بِقَوْلِهِ:(عَلَى رَأْسِ الْحَوَلِ) اسْتَمَرَّ فِي الْإِسْلَامِ مُدَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 240) ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 234) وَالنَّاسِخُ مُقَدَّمٌ تِلَاوَةً مُتَأَخِّرٌ نُزُولًا، وَلَمْ يُوجَدْ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا فِي هَذِهِ، وَأَمَّا مِنْ سُورَتَيْنِ فَمَوْجُودٌ، قَالَهُ عِيَاضٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} [البقرة: 142] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 142) مَعَ قَوْلِهِ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 144) وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ، وَقِيلَ هُوَ حَضٌّ لِلْأَزْوَاجِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِتَمَامِ السَّنَةِ لِمَنْ لَا تَرِثُ، وَاخْتُلِفَ كَيْفَ كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ: فَقِيلَ كَانَتِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فَنُسِخَتِ النَّفَقَةُ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَالْحَوْلِ بِالْأَرْبَعَةِ وَعَشَرٍ، وَقِيلَ كَانَتْ مُخَيَّرَةً فِي الْمُقَامِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالْخُرُوجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَتْ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا سَنَةً وَاجِبَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 240](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 240) وَالْعِدَّةُ عَلَيْهَا بَاقِيَةٌ، فَجَعَلَ لَهَا تَمَامَ الْحَوْلِ وَصِيَّةً إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ.

(قَالَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ) بِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ (قُلْتُ لِزَيْنَبَ) بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ (وَمَا) مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوَلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ) فِي الْجَاهِلِيَّةِ (إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ، بَيْتًا

ص: 352

رَدِيئًا كَمَا يَأْتِي، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: عَمَدَتْ إِلَى شَرِّ بَيْتٍ لَهَا فَجَلَسَتْ فِيهِ (وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا) أَرْدَأَهَا، وَهَذِهِ تَفْسِيرٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ: شَرَّ أَحْلَاسِهَا، بِمُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ حِلْسٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، ثَوْبٌ أَوْ كِسَاءٌ رَقِيقٌ يُجْعَلُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ تَحْتَ الْبَرْدَعَةِ (وَلَمْ تَمْسَسْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَمْ تَمَسَّ، بِفَتْحِهِمَا بِالْإِدْغَامِ (طِيبًا وَلَا شَيْئًا) تَتَزَيَّنُ بِهِ (حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ) مِنْ مَوْتِ زَوْجِهَا (ثُمَّ تُؤْتَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ (بِدَابَّةٍ حِمَارٍ) بِالْجَرِّ وَالتَّنْوِينِ، بَدَلٌ (أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ) بِأَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَإِطْلَاقُ الدَّابَّةِ عَلَيْهِمَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ، قَالَ الْمَجْدُ: الدَّابَّةُ مَا دَبَّ مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَلَبَ عَلَى مَا يُرْكَبُ وَيَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ (فَتَفْتَضُّ بِهِ) بِفَاءٍ فَفَوْقِيَّةٍ فَفَاءٍ ثَانِيَةٍ سَاكِنَةٍ، فَفَوْقِيَّةٍ أُخْرَى فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ ثَقِيلَةٍ (فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ) مِمَّا ذُكِرَ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيِ: افْتِضَاضُهَا بِشَيْءٍ (إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ (بَعْرَةً) مِنْ بَعْرِ الْإِبِلِ أَوِ الْغَنَمِ (فَتَرْمِي بِهَا) أَمَامَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ إِحْلَالًا لَهَا، كَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ: مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهَا ; إِشَارَةً إِلَى أَنَّ مَا فَعَلَتْهُ مِنَ التَّرَبُّصِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ هَيِّنٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَقْدِ زَوْجِهَا وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْمُرَاعَاةِ كَمَا يَهُونُ الرَّامِي بِالْبَعْرَةِ بِهَا (ثُمَّ تُرَاجِعُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ فِرَاءٍ فَأَلِفٍ فَجِيمٍ مَكْسُورَةٍ فَمُهْمَلَةٍ (بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ مَا ذُكِرَ مِنَ الِافْتِضَاضِ وَالرَّمْيِ (مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِمَّا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْهُ فِي الْعِدَّةِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَمْ تُسْنِدْهُ زَيْنَبُ، وَسَاقَهُ شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ مَرْفُوعًا، وَلَفْظُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا:" «أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ زَوْجُهَا فَخَافُوا عَلَى عَيْنَيْهَا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ: لَا، قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَكُونُ فِي شَرِّ بَيْتِهَا فِي أَحْلَاسِهَا أَوْ شَرَسِهَا فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعْرَةٍ فَخَرَجَتْ، أَفَلَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» ". قَالَ الْحَافِظُ: حَدِيثُ الْبَابِ لَا يَقْتَضِي الْإِدْرَاجَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ ; لِأَنَّهُ مَنْ أَحْفَظِ النَّاسِ فَلَا يُقْضَى عَلَى رِوَايَتِهِ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ بِالِاحْتِمَالِ اهـ. وَقَدْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالِاحْتِمَالِ، فَقَدْ صَرَّحَ هُوَ فِي شَارِحِ نُخْبَتِهِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِأَنَّ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ الْإِدْرَاجُ مَجِيءُ رِوَايَةٍ مُبَيِّنَةٍ لِلْقَدْرِ الْمُدَرَجِ وَمَا هُنَا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَنْ شَيْخِهِ عَنْ حُمَيْدٍ بَيَّنَتْ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ زَيْنَبَ، وَكَوْنُ شُعْبَةَ مِنَ الْحُفَّاظِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَرْوِي مَا فِيهِ الْمُدَرَجُ، فَلَمْ تَزَلِ الْحُفَّاظُ يَرْوُونَهُ كَثِيرًا كَابْنِ شِهَابٍ وَغَيْرِهِ.

(قَالَ مَالِكٌ: الْحِفْشُ الْبَيْتُ الرَّدِيءُ) وَلِلْقَعْنَبِيِّ عَنْهُ: الصَّغِيرُ جِدًّا، وَهُمَا بِمَعْنَى: فَرَدَاءَتُهُ لِصِغَرِهِ، وَلِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ: الْحِفْشُ الْخُصُّ وَهُوَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَمُهْمَلَةٍ،

ص: 353

وَلِلشَّافِعِيِّ: الذَّلِيلُ الشَّعْثُ الْبِنَاءِ، وَفِي الْمُعَلِّمِ: الْحِفْشُ الْبَيْتُ الْحَقِيرُ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي بَعَثَهُ سَاعِيًا عَلَى الزَّكَاةِ: «هَلَّا قَعَدَ فِي حِفْشِ أُمِّهِ يَنْظُرُ هَلْ يُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا» ؟ وَقِيلَ: الْحِفْشُ الْبَيْتُ الذَّلِيلُ الْقَصِيرُ السُّمْكِ، شَبَّهَهُ بِهِ لِضِيقِهِ، وَالتَّحَفُّشُ الِانْضِمَامُ وَالِاجْتِمَاعُ، زَادَ عِيَاضٌ: وَقِيلَ الْحِفْشُ شِبْهُ الْقُفَّةِ مِنَ الْخُوصِ تَجْمَعُ الْمَرْأَةُ فِيهَا غَزْلَهَا وَأَسْبَابَهَا (وَ) مَعْنَى (تَفْتَضُّ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا كَالنُّشْرَةِ) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَعْنَاهُ تَمْسَحُ بِيَدِهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: تَمْسَحُ بِهِ ثُمَّ تَفْتَضُّ أَيْ تَغْتَسِلُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ، وَالِافْتِضَاضُ الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ لِلْإِنْقَاءِ حَتَّى تَصِيرَ كَالْفِضَّةِ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: مَعْنَاهُ تَتَنَظَّفُ وَتَنْتَقِي، مَأْخُوذٌ مِنَ الْفِضَّةِ تَشْبِيهًا بِنَقَائِهَا وَبَيَاضِهَا. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سَأَلْتُ الْحِجَازِيِّينَ عَنِ الِافْتِضَاضِ فَقَالُوا: كَانَتِ الْمُعْتَدَّةُ لَا تَغْتَسِلُ وَلَا تَمَسَّ طِيبًا وَلَا تُقَلِّمُ ظُفْرًا وَلَا تُزِيلُ شَعْرًا ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ الْحَوْلِ فِي أَشَرِّ مَنْظَرٍ ثُمَّ تَفْتَضُّ، أَيْ تَكْسِرُ مَا هِيَ فِيهِ مِنَ الْعِدَّةِ بِطَائِرٍ تَمْسَحُ بِهِ قُبُلَهَا وَتَنْبِذُهُ فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ تَفْسِيرِ مَالِكٍ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْجِلْدَ وَهَذَا قَيَّدَهُ بِجِلْدِ الْقُبُلِ. وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ: تَقْبِضُ، بِقَافٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَمُهْمَلَةٍ مُخَفَّفَةٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِسْرَاعِ، أَيْ تَذْهَبُ بِعَدْوٍ وَسُرْعَةٍ نَحْوَ مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا لِكَثْرَةِ حَيَائِهَا بِقُبْحِ مَنْظَرِهَا أَوْ لِشِدَّةِ شَوْقِهَا إِلَى التَّزْوِيجِ لِبُعْدِ عَهْدِهَا بِهِ، قَالَ: وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْفَاءُ وَالْفَوْقِيَّةُ وَالضَّادُ الْمُعْجَمَةُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ، خَمْسَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَهُمْ.

ص: 354

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1271 -

1258 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ) زَوْجَةِ سَيِّدِهِ (عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) هَكَذَا لِيَحْيَى وَأَبِي مُصْعَبٍ وَطَائِفَةٍ بِالْوَاوِ، وَلِابْنِ بُكَيْرٍ وَالْقَعْنَبِيِّ وَآخَرِينَ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ حَفْصَةَ عَلَى الشَّكِّ، وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارِ بْنِ سَعْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِالشَّكِّ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ حَفْصَةَ وَحْدَهَا، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَخْرَجَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُسْلِمٌ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» ) نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَالتَّقْيِيدُ بِذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، كَمَا يُقَالُ: هَذَا طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ يَسْلُكُهُ غَيْرُهُمْ، فَالْكِتَابِيَّةُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ وَمَالِكٌ

ص: 354

فِي رِوَايَةٍ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ كِنَانَةَ وَأَشْهَبُ وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لِلْغَالِبِ، أَوْ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَةَ هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِالْخِطَابِ وَتَنْقَادُ، فَهَذَا الْوَصْفُ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ وَتَغْلِيظِهِ، وَقَدْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ قَاعِدَتَهُ فِي إِنْكَارِهِ الْمَفَاهِيمَ ( «أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ» ) فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، كَمَا زَادَهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالْحَدِيثُ يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا إِحْدَادَ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلَا أَمَةٍ زَوْجَةٍ، وَعُمُومُ الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، فَبِالْوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ، وَلِهَذَا الْوَجْهِ اعْتَدَّتْ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي الْوَفَاةِ اسْتِظْهَارًا لِحُجَّةِ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهِ ; إِذْ لَوْ كَانَ حَيًّا لَبُيِّنَ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا، كَمَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ حَتَّى تَسْتَظْهِرَ لَهُ بِيَمِينِ الطَّالِبِ، قَالُوا: وَهِيَ الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَزْيَدَ مِنْ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عُدِمَ الزَّوْجُ اسْتُظْهِرَ لَهُ بِأَتَمِّ وُجُوهِ الْبَرَاءَةِ، وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ لِأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي يَتَبَيَّنُ فِيهِ الْحَمْلُ فَبَعْدَ الرَّابِعِ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ وَزِيدَتِ الْعَشْرُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ حَرَكَتُهُ، وَلِذَا جُعِلَتْ عِدَّتُهَا بِالزَّمَانِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ الْجَمِيعُ، وَلَمْ تُوكَّلْ إِلَى أَمَانَةِ النِّسَاءِ فَتُجْعَلُ بِالْإِقْرَاءِ كَالْمُطَلَّقَاتِ، كُلُّ ذَلِكَ حَوْطَةٌ لِلْمَيِّتِ لِعَدَمِ الْمُحَامِي عَنْهُ، وَلَزِمَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ الصَّغِيرَةُ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الزَّوْجَةِ صَغِيرَةً نَادِرٌ، فَشَمَلَهُنَّ الْحُكْمُ وَعَمَّتْهُنَّ الْحَوْطَةُ، ثُمَّ قَوْلُهُ: إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، إِيجَابٌ بَعْدَ النَّفْيِ، فَيَقْتَضِي حَصْرَ الْإِحْدَادِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، فَلَا إِحْدَادَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَجْعِيَّةً كَانَتْ أَوْ بَائِنَةً أَوْ مُثَلَّثَةً، وَاسْتَحَبَّهُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ لِلرَّجْعِيَّةِ، وَأَوْجَبَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ عَلَى الْمُثَلَّثَةِ، وَشَذَّ الْحَسَنُ وَحْدَهُ، فَقَالَ: لَا إِحْدَادَ عَلَى مُتَوَفَّى عَنْهَا وَلَا عَلَى مُطَلَّقَةٍ، وَلَوْلَا الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْدَادِ لَكَانَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْإِبَاحَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومِ الْمَنْعِ، قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ حَدِيثَ الَّتِي شَكَتْ عَيْنَهَا الْمُتَقَدِّمَ دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ وَإِلَّا لَمْ يَمْتَنِعُ التَّدَاوِي الْمُبَاحُ، وَبِأَنَّ السِّيَاقَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، فَإِنَّ كُلَّ مَمْنُوعٍ مِنْهُ إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ كَانَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ بِعَيْنِهِ دَالًّا عَلَى الْوُجُوبِ، وَيُرَشِّحُ ذَلِكَ هُنَا زِيَادَةُ مُسْلِمٍ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ ; إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مَعْنَى الْخَبَرِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ لَا تُحِدُّ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 228) وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ اتِّفَاقًا. وَفِي الْمُفْهِمِ: الْقَائِلُ بِوُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إِنْ قَاسَهُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَلَا يَصِحُّ لِلْحَصْرِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْحَدِيثُ، وَأَيْضًا فَعَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ تَعَبُّدِيَّةٌ يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ، وَكَذَا عَلَى أَنَّهَا مَعْقُولَةٌ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بِأَنَّ الْإِحْدَادَ إِنَّمَا هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي التَّحَرُّزِ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنَ النِّكَاحِ بِتَعَاطِي أَسْبَابِهِ لِعَدَمِ الزَّوْجِ، وَفِي الطَّلَاقِ الزَّوْجُ حَيٌّ فَهُوَ يَبْحَثُ وَيَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ.

ص: 355

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ لِامْرَأَةٍ حَادٍّ عَلَى زَوْجِهَا اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهَا اكْتَحِلِي بِكُحْلِ الْجِلَاءِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1271 -

1259

ص: 355

- (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ لِامْرَأَةٍ حَادٍّ) بِشَدِّ الدَّالِ (عَلَى زَوْجِهَا اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا) بِالتَّثْنِيَةِ (فَبَلَغَ ذَلِكَ) الْوَجَعُ الْمَفْهُومُ مِنِ اشْتَكَتْ (مِنْهَا) مَبْلَغًا قَوِيًّا (اكْتَحِلِي بِكُحْلِ الْجِلَاءِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ، كُحْلٌ خَاصٌ (بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ) فَأَفْتَتْهَا بِمَا أَفْتَاهَا بِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يَأْتِي.

ص: 356

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِنَّهَا إِذَا خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا مِنْ رَمَدٍ أَوْ شَكْوٍ أَصَابَهَا إِنَّهَا تَكْتَحِلُ وَتَتَدَاوَى بِدَوَاءٍ أَوْ كُحْلٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا كَانَتْ الضَّرُورَةُ فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ يُسْرٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1271 -

1260 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: إِنَّهَا إِذَا خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا مِنْ رَمَدٍ أَوْ شَكْوٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (أَصَابَهَا: أَنَّهَا تَكْتَحِلُ وَتَتَدَاوَى بِدَوَاءٍ أَوْ كُحْلٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ (قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَتِ الضَّرُورَةُ) أَيْ وُجِدَتْ (فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ يُسْرٌ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 185) فَتَكْتَحِلُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا. وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَتْ: " إِنَّ ابْنَتِي اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَأَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ: لَا، قَالَتْ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْفَقِئَ عَيْنُهَا، قَالَ: وَإِنِ انْفَقَأَتْ ". رَوَاهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ وَابْنُ مَنْدَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ لَهَا الْبُرْءُ بِغَيْرِ الْكُحْلِ كَالتَّضْمِيدِ بِالصَّبِرِ، وَبِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ اعْتِذَارًا لَا أَنَّ الْخَوْفَ ثَبَتَ حَقِيقَةً، إِذْ لَوْ تَحَقَّقَهُ لَأَبَاحَهُ لَهَا، إِذِ الْمَنْعُ مَعَ الضَّرُورَةِ حَرَجٌ مَرْفُوعٌ مِنْ دِينِهِ.

ص: 356

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا وَهِيَ حَادٌّ عَلَى زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَلَمْ تَكْتَحِلْ حَتَّى كَادَتْ عَيْنَاهَا تَرْمَصَانِ قَالَ مَالِكٌ تَدَّهِنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالزَّيْتِ وَالشِّيرِقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ الْحَادُّ عَلَى زَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ الْحَلْيِ خَاتَمًا وَلَا خَلْخَالًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْحَلْيِ وَلَا تَلْبَسُ شَيْئًا مِنْ الْعَصْبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَصْبًا غَلِيظًا وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِشَيْءٍ مِنْ الصِّبْغِ إِلَّا بِالسَّوَادِ وَلَا تَمْتَشِطُ إِلَّا بِالسِّدْرِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا يَخْتَمِرُ فِي رَأْسِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1274 -

1261 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ) الثَّقَفِيَّةَ أَدْرَكَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُوهَا صَحَابِيٌّ، قَالَهُ ابْنُ مَنْدَهْ، وَنَفَى الدَّارَقُطْنِيُّ إِدْرَاكَهَا فِي الْإِصَابَةِ عَلَى نَفْيِ إِدْرَاكِ السَّمَاعِ مِنْهُ،

ص: 356

وَذَكَرَهَا الْعِجْلِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (اشْتَكَتْ عَيْنَهَا وَهِيَ حَادٌّ) بِشَدِّ الدَّالِّ بِلَا هَاءٍ، لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْمُؤَنَّثِ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ مِثْلُ طَالِقٍ وَحَائِضٍ (عَلَى زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) تَزَوَّجَهَا فِي خِلَافَةِ أَبِيهِ، وَأَصْدَقَهَا عُمَرُ أَرْبَعَمِائَةٍ، وَزَادَهَا ابْنُهُ سِرًّا مِنْهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَوَلَدَتْ لَهُ وَاقِدًا وَأَبَا بَكْرٍ وَأَبَا عُبَيْدَةَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ وَعُمَرَ وَحَفْصَةَ وَسَوْدَةَ (فَلَمْ تَكْتَحِلْ حَتَّى كَادَتْ عَيْنَاهَا تَرْمَصَانِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَصَادٍ مُهْمِلَةٍ مِنْ بَابِ تَعِبَ، يَجْمُدُ الْوَسَخُ فِي مُوقِهَا، وَالرَّجُلُ أَرْمَصُ وَالْمَرْأَةُ رَمْصَاءُ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَجَعَ مِنَ الْحَجِّ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ صَفِيَّةَ فِي السِّيَاقِ، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ وَجَمَعَ جَمْعَ تَأْخِيرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي إِمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ; لِأَنَّهَا عُوفِيَتْ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا فِي حَيَاتِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَا. (قَالَ مَالِكٌ: تَدَّهِنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالزَّيْتِ وَالشَّبْرِقِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أَوْ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ، دُهْنِ السِّمْسِمِ (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ) مَا لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ لِلطِّيبِ وَإِلَّا جَازَ كَمَا قَدَّمَهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ. (وَلَا تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ الْحَادُّ عَلَى زَوْجِهَا شَيْئًا مِنَ الْحَلْيِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (خَاتَمًا وَلَا خَلْخَالًا) بِفَتْحِ الْخَاءِ، وَاحِدُ خَلَاخِيلِ النِّسَاءِ، وَالْخَلْخَلُ لُغَةٌ فِيهِ أَوْ مَقْصُورٌ مِنْهُ، قَالَ بَرَّاقَةُ: الْجَيِّدُ صَمُوتُ الْخَلْخَلِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.

(ذَلِكَ مِنَ الْحَلْيِ) كَسِوَارٍ وَخُرْصٍ وَقُرْطٍ ذَهَبًا كَانَ كُلُّهُ أَوْ فِضَّةً، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَوْهَرُ وَالْيَاقُوتُ. (وَلَا تَلْبَسُ شَيْئًا مِنَ الْعَصْبِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: بُرُودٌ يَمَنِيَّةٌ يُعْصَبُ غَزْلُهَا، أَيْ يُجْمَعُ وَيُشَدُّ ثُمَّ يُصْبَغُ وَيَنْسَجُ فَيَأْتِي مَوْشِيًّا لِبَقَاءِ مَا عُصِبَ مِنْهُ أَبْيَضَ لَمْ يَأْخُذْهُ الصِّبْغُ، يُقَالُ: بُرْدُ عَصْبٍ بِالتَّنْوِينِ وَالْإِضَافَةِ، وَقِيلَ هِيَ: بُرُودٌ مُخَطَّطَةٌ، وَالْعَصْبُ الْفَتْلُ، وَالْعِصَابُ الْغَزَالُ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَصْبًا غَلِيظًا) فَتَلْبَسُهُ لِأَنَّهُ لَا كَبِيرَ زِينَةٍ فِيهِ حَمْلًا لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا:" «لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسَّ طِيبًا إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ» ". نَبْذَةٌ مِنْ قِسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ عَلَى الْغَلِيظِ دُونَ الرَّقِيقِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ الزِّينَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي

ص: 357

الرَّقِيقِ. (وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِشَيْءٍ مِنَ الصِّبْغِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ بِأَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ غَيْرِهِمَا (إِلَّا بِالسَّوَادِ) فَيَجُوزُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يَعْنِي بِهِ الْأَسْوَدَ الْغُرَابِيَّ لَا السَّمَاوِيَّ فَإِنَّهُ يُتَجَمَّلُ بِهِ اهـ. وَخَصَّ الْأَسْوَدَ بِغَيْرِ نَاصِعَةِ الْبَيَاضِ، فَإِنَّهُ يُزَيِّنُهَا فَيُمْنَعُ عَلَيْهَا لُبْسُهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: خَصَّ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ فِي الْبَيَاضِ مِنَ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ. (وَلَا تَمْتَشِطُ) بِشَيْءٍ كَطِيبٍ وَحِنَّاءٍ إِلَّا بِالسِّدْرِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا يَحْتَمِرُ فِي رَأْسِهَا.

ص: 358

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنَيْهَا صَبِرًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ إِنَّمَا هُوَ صَبِرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اجْعَلِيهِ فِي اللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ قَالَ مَالِكٌ الْإِحْدَادُ عَلَى الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ كَهَيْئَتِهِ عَلَى الَّتِي قَدْ بَلَغَتْ الْمَحِيضَ تَجْتَنِبُ مَا تَجْتَنِبُ الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ إِذَا هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا قَالَ مَالِكٌ تُحِدُّ الْأَمَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ مِثْلَ عِدَّتِهَا قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إِحْدَادٌ إِذَا هَلَكَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَلَا عَلَى أَمَةٍ يَمُوتُ عَنْهَا سَيِّدُهَا إِحْدَادٌ وَإِنَّمَا الْإِحْدَادُ عَلَى ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1274 -

1262 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ أُسَيْدٍ، عَنْ أُمِّهَا، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ (وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنَيْهَا) بِالتَّثْنِيَةِ (صَبِرًا) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ فِي الْأَشْهَرِ، الدَّوَاءُ الْمُرُّ، وَسُكُونُ الْبَاءِ لِلتَّخْفِيفِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَقِيلَ لَمْ تُسْمَعْ فِي السَّبْعَةِ. وَحَكَى ابْنُ السَّيِّدِ فِي الْمُثَلَّثِ جَوَازَ التَّخْفِيفِ كَنَظَائِرِهِ بِسُكُونِ الْبَاءِ مَعَ كَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِهَا فَيَكُونُ فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ. ( «فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ قَالَتْ: إِنَّمَا هُوَ صَبِرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ» ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ: " «وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ، قُلْتُ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِالسِّدْرِ وَتَغْفُلِينَ بِهِ رَأْسَكِ» ". (قَالَ مَالِكٌ: الْإِحْدَادُ عَلَى الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغِ الْمَحِيضَ كَهَيْئَتِهِ عَلَى الَّتِي قَدْ بَلَغَتِ الْمَحِيضَ، تَجْتَنِبُ مَا تَجْتَنِبُ الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ إِذَا هَلَكَ زَوْجُهَا) لِأَنَّهُ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ بِهِ. قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ: " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةِ " وَالصَّبِيَّةُ لَا تُسَمَّى امْرَأَةً. وَأُجِيبُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ.

ص: 358

(وَتُحِدُّ الْأَمَةُ إِذَا تُوُفِّيَ زَوْجُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ مِثْلَ) أَيْ قَدْرَ (عِدَّتِهَا) لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ فَشَمِلَهَا الْحَدِيثُ. (وَلَيْسَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إِحْدَادٌ إِذَا هَلَكَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَلَا عَلَى أَمَةٍ) قِنَّةٍ (يَمُوتُ عَنْهَا سَيِّدُهَا إِحْدَادٌ) وَقَدْ كَانَ يَطَؤُهَا (وَإِنَّمَا الْإِحْدَادُ عَلَى ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ) لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: " إِلَّا عَلَى زَوْجٍ ".

ص: 359

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ تَقُولُ تَجْمَعُ الْحَادُّ رَأْسَهَا بِالسِّدْرِ وَالزَّيْتِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1274 -

1263 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ تَقُولُ: تَجْمَعُ الْحَادُّ رَأْسَهَا) أَيْ شَعْرَهَا، أَيْ تُمَشِّطُهُ (بِالسِّدْرِ وَالزَّيْتِ) الَّذِي لَا طِيبَ فِيهِ.

ص: 359

[كِتَاب الرَّضَاعِ]

[بَاب رَضَاعَةِ الصَّغِيرِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الرَّضَاعِ بَاب رَضَاعَةِ الصَّغِيرِ

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُرَاهُ فُلَانًا لِعَمٍّ لِحَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَمْ إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

30 -

كِتَابُ الرَّضَاعِ

بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ، وَهَذَا الْغَالِبُ الْمُوَافِقُ لِلُّغَةِ وَإِلَّا فَهُوَ اسْمٌ لِحُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ أَوْ مَا حَصَلَ مِنْهُ فِي جَوْفِ طِفْلٍ، وَالْأَصْلُ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23) وَحَدِيثُ: " «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ» ".

1 -

بَابُ رَضَاعَةِ الصَّغِيرِ

بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا.

1277 -

1264 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ (أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَهَا) فِي حُجْرَتِهَا (وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَعْرِفِ اسْمَهُ (يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِنْتِ عُمَرَ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ جَرِّ صِفَةُ رَجُلٍ. (قَالَتْ عَائِشَةُ) مُرِيدَةً عِلْمَ الْحُكْمِ (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ) الَّذِي فِيهِ حَفْصَةُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ: أَظُنُّهُ (فَلَانًا لِعَمٍّ لِحَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ) مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ وَمُقْتَضَى السِّيَاقِ، فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كَانَ

ص: 360

فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا) اللَّامُ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ: عَنْ عَمِّهَا (مِنَ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ) بِشَدِّ الْيَاءِ، أَيْ هَلْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ؟ قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ عَمِّ عَائِشَةَ أَيْضًا، وَوَهِمَ بِأَفْلَحَ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ وَالِدِ عَائِشَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَمَّا أَفْلَحَ فَهُوَ أَخُوهُ وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَقَدْ عَاشَ حَتَّى جَاءَ لِيَسْتَأْذِنَ عَلَى عَائِشَةَ فَامْتَنَعَتْ فَأَمَرَهَا صلى الله عليه وسلم أَنْ تَأْذَنَ لَهُ كَمَا يَأْتِي، وَالْمَذْكُورُ هُنَا عَمُّهَا أَخُو أَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ هُمَا وَاحِدٌ، وَغَلَّطَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ عَمَّهَا فِي حَدِيثِ أَبِي الْقُعَيْسِ كَانَ حَيًّا، وَالْآخَرُ كَانَ مَيِّتًا كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهَا: لَوْ كَانَ حَيًّا. وَإِنَّمَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ فِي الْعَمِّ الثَّانِي ; لِأَنَّهَا جَوَّزَتْ تَبَدُّلَ الْحُكْمِ فَسَأَلَتْ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّهُ مَاتَ لِبُعْدِ عَهْدِهَا بِهِ، ثُمَّ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاسْتَأْذَنَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ) أَيْ كَانَ يَجُوزُ دُخُولُهُ عَلَيْكِ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ:(إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَشَدِّ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ (مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ) أَيْ مِثْلَ مَا تُحَرِّمُهُ، فَفِيهِ مُضَافٌ مِنْ سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَفِيهِ أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ يُحَرِّمُ إِذْ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ عِدَّةِ الرَّضَعَاتِ بَلْ جَعَلَهُ عَامًّا بِلَا تَفْصِيلٍ وَأَطْلَقَ فِي التَّعْلِيلِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَإِسْمَاعِيلُ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ، أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 361

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «جَاءَ عَمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّهُ عَمُّكِ فَأْذَنِي لَهُ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ فَقَالَ إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1278 -

1265 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ) هُوَ أَفْلَحُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ (يَسْتَأْذِنُ) يَطْلُبُ الْإِذْنَ (عَلَيَّ) فِي الدُّخُولِ (فَأَبَيْتُ) امْتَنَعْتُ (أَنْ آذَنَ) بِالْمَدِّ (لَهُ عَلَيَّ) لِلتَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَغَلَّبَتِ التَّحْرِيمَ عَلَى الْإِبَاحَةِ (حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) لِأَنَّهَا جَوَّزَتْ تَغَيُّرَ الْحُكْمِ بِالنَّسْخِ، أَوْ نَسِيَتْ وَإِلَّا فَكَانَ يَكْفِيهَا سُؤَالُهَا عَنْ عَمِّهَا الْأَوَّلِ فِي قِصَّةِ حَفْصَةَ السَّابِقَةِ، فَهَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ أَنَّهُمَا اثْنَانِ، وَيَرُدُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُمَا وَاحِدٌ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ رَجَّحَ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ، وَأَجَابَ عَنْ هَذَا فَقَالَ: لَعَلَّ عَمَّ حَفْصَةَ بِخِلَافِ عَمِّ عَائِشَةَ أَفْلَحَ، إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا شَقِيقًا وَالْآخَرُ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ فِي الْعُمُومَةِ وَالْآخَرُ أَبْعَدَ، أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَرْضَعَتْهُ زَوْجَةُ أَخِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَالْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَأَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ

ص: 361

حَتَّى سَأَلْتُ عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ وَحَقِيقَتِهِ (عَنْ ذَلِكَ) سَقَطَتْ فِي نُسْخَةٍ (فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ عَمُّكِ فَأْذَنِي لَهُ) فِي الدُّخُولِ عَلَيْكِ (قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ) أَيِ امْرَأَةُ أَخِيهِ (وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ) الَّذِي هُوَ يَتَحَقَّقُ حَتَّى يَكُونَ عَمِّي، وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ:" فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ "(فَقَالَ: إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ) بِالْجِيمِ، يَدْخُلْ عَلَيْكِ لِأَنَّ سَبَبَ اللَّبَنِ هُوَ مَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ مِنْهُمَا، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّقَاحُ وَاحِدٌ، كَمَا يَأْتِي.

(قَالَتْ عَائِشَةُ: وَذَلِكَ بَعْدَمَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ) آخِرَ سَنَةِ خَمْسٍ، أَيْ حُكْمُهُ أَوْ آيَتُهُ. (وَقَالَتْ عَائِشَةُ: يُحَرَّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يُحَرَّمُ) بِفَتْحِ ثَالِثِهِ فِيهِمَا (مِنَ الْوِلَادَةِ) كَذَا رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا، وَتَقَدَّمَ مَرْفُوعًا عَنْ عَمْرَةَ عَنْهَا، وَيَأْتِي عَنْ سُلَيْمَانَ وَعُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا أَيْضًا. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ: فَلِذَلِكَ كَانَتْ تَقُولُ عَائِشَةُ، فَذَكَرَهُ، فَكَأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ بِالْوَجْهَيْنِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ:" أَنَّ عَمَّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ أَفْلَحَ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَحَجَبَتْهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحْتَجِبِي عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ". قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى أَوْ قَالَ صلى الله عليه وسلم اللَّفْظَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ. قَدْ تَابَعَ مَالِكًا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَلَمْ يُسَمِّ الْعَمَّ، وَكَذَا تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ أَخَا أَبِي قُعَيْسٍ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا أَبُو الْقُعَيْسِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ، قَالَ عِيَاضٌ: الْمَعْرُوفُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ، وَهُوَ أَشْبَهُ عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ، يَعْنِي الْمُحَدِّثِينَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ وَهْمٌ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، فَقَدْ خَالَفَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ لِحَدِيثِ هِشَامٍ.

ص: 362

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ قَالَتْ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1279 -

1266 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَفْلَحَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، صَحَابِيٌّ، قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: عِدَادُهُ

ص: 362

فِي بَنِي سُلَيْمٍ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: يُقَالُ إِنَّهُ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أَفْلَحُ بْنُ قُعَيْسٍ، وَفِي أُخْرَى لَهُ:" «اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ عَمِّي أَبُو الْجَعْدِ» "، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَكَأَنَّهَا كُنْيَةُ أَفْلَحَ (أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ، وَاسْمُهُ وَائِلُ بْنُ أَفْلَحَ الْأَشْعَرِيُّ كَمَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقِيلَ اسْمُهُ الْجَعْدُ كَمَا فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَأَخَا بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مَنْ أَفْلَحَ. هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ، وَلَا يُخَالِفُهُ رِوَايَةُ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَفْلَحُ بْنُ أَبِي الْقُعَيْسِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَبُو الْقُعَيْسِ ابْنَ أَبِي الْقُعَيْسِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عُرْوَةَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو الْقُعَيْسِ وَأَظُنُّهُ وَهْمًا، فَابْنُ شِهَابٍ لَا يُقَاسُ بِهِ حِفْظًا وَإِتْقَانًا، فَلَا حُجَّةَ فِيمَا خَالَفَهُ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (جَاءَ) حَالَ كَوْنِهِ (يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ) أَيْ أَفْلَحُ (عَمُّهَا) أَيْ عَائِشَةَ (مِنَ الرَّضَاعَةِ) وَهُوَ الْتِفَاتٌ وَإِلَّا فَمُقْتَضَى السِّيَاقِ: عَلَيَّ وَهُوَ عَمِّي. وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ زَوْجَ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرْضَعَتْ عَائِشَةَ وَكَانَ اسْتِئْذَانُهُ (بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ) أَيْ آيَتُهُ أَوْ حُكْمُهُ. (قَالَتْ) عَائِشَةُ (فَأَبَيْتُ) امْتَنَعْتُ (أَنْ آذَنَ) بِالْمَدِّ (لَهُ) فِي الدُّخُولِ (عَلَيَّ) لِلتَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَغَلَّبَتِ التَّحْرِيمَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، فَقَالَ:" «أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّكِ؟ " فَقُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي» ". (فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ بِالَّذِي صَنَعَتْ) مِنْ مَنْعِ أَفْلَحَ، وَقَوْلِهِ: أَتَحْتَجِبِينَ. . . إِلَخْ (فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ) بِالْمَدِّ (لَهُ) فِي الدُّخُولِ (عَلَيَّ) بِشَدِّ الْيَاءِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: "«قُلْتُ: إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، قَالَ: تَرِبَتْ يَدَاكِ أَوْ يَمِينُكِ» ، وَفِي رِوَايَةِ عِرَاكٍ:«صَدَقَ أَفْلَحُ ائْذَنِي لَهُ» ". وَلِمُسْلِمٍ: "«لَا تَحْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ". وَاسْتُشْكِلَ عَمَلُهُ صلى الله عليه وسلم بِمُجَرَّدِ دَعْوَى أَفْلَحَ دُونَ بَيِّنَةٍ، وَأُجِيبُ بِاحْتِمَالِ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يَحْرُمُ حَتَّى تَثْبُتَ الْحُرْمَةُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ اللَّبَنِ كَمَا ثَبَتَ فِي جَانِبِ الْمُرْضِعَةِ، وَأَنَّ زَوْجَ الْمُرْضِعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ لِلرَّضِيعِ، وَأَخَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمِّ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَثْبَتَ عُمُومَةَ الرَّضَاعِ وَأَلْحَقَهَا بِالنَّسَبِ ; لِأَنَّ سَبَبَ اللَّبَنِ هُوَ مَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ مِنْهُمَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ كَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ رَبِيعَةُ وَدَاوُدُ وَأَتْبَاعُهُ: الرَّضَاعَةُ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ لَا تُحَرِّمُ شَيْئًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23) وَلَمْ يَذْكُرِ الْبَنَاتَ كَمَا ذَكَرَهَا فِي تَحْرِيمِ النَّسَبِ، وَلَا ذَكَرَ مَنْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَالْعَمَّةِ كَمَا ذَكَرَهَا فِي النَّسَبِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ، وَذِكْرُ الشَّيْءِ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْحُكْمِ عَمَّا سِوَاهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي الْحُرْمَةِ فَهُوَ أَوْلَى أَيْ

ص: 363

أَحَقُّ أَنْ يُقَدَّمَ اهـ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَنْفَصِلُ عَنِ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا يَنْفَصِلُ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَكَيْفَ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ إِلَى الرَّجُلِ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ هَذَا الْقِيَاسَ ; إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، فَقَالَ: إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ. . . كَمَا مَرَّ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ نَحْوَهُ، وَتَابَعَهُ فِي شَيْخِهِ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ نَحْوَهُ.

ص: 364

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَصَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1280 -

1267 - (مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ يَسْمَعْ ثَوْرٌ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَيْنَهُمَا عِكْرِمَةُ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ لِعِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَصَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ) تَمَسُّكًا بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ كَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23) وَالْقِصَّةُ تُوجِبُ تَسْمِيَةَ الْمَرْأَةِ أُمًّا مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَتُعِقِّبُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا لَوْ كَانَ اللَّفْظُ وَاللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ فَيَثْبُتُ كَوْنُهَا أُمًّا بِمَا قَلَّ مَنِ الرَّضَاعَةِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَفْهُومَ التِّلَاوَةِ: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ مُحَرَّمَاتٌ لِأَجْلِ أَنَّهُنَّ أَرْضَعْنَكُمْ، فَتَعُودُ إِلَى مَعْنَى مَا قَالُوهُ، وَتُوجِبُ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِمَا يُسَمَّى رَضَاعًا. وَذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى اعْتِبَارِ ثَلَاثِ رَضَعَاتٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا:" «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» ". وَحَدِيثُ أُمِّ الْفَضْلِ مَرْفُوعًا: " «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ وَالْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» ". رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ، فَنَصَّ الْحَدِيثُ عَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ بِالرَّضْعَةِ وَالرَّضْعَتَيْنِ، فَلَوْ سَلَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ الْإِطْلَاقُ فَالْحَدِيثُ مُبَيِّنٌ لَهُ وَبَيَانُهُ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ، وَلِحَدِيثِ:" «إِنَّمَا الرَّضَاعُ مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ» ". وَحَدِيثِ: " «إِنَّمَا الرَّضَاعُ مَا أَنْشَرَ اللَّحْمَ» " يُرْوَى بِالرَّاءِ أَيْ شَدَّهُ وَأَبْقَاهُ، مِنْ نَشْرِ اللَّهِ الْمَيِّتَ إِذَا أَحْيَاهُ، وَبِالزَّايِ - زَادَ فِيهِ وَعَظَّمَهُ - مِنَ النَّشْزِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ، وَالْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ لَا يَفْتِقَانِ الْأَمْعَاءَ وَلَا يَنْشُرَانِ الْعَظْمَ، وَتُعِقِّبُ بِأَنَّ لِلْمَصَّةِ الْوَاحِدَةِ نَصِيبًا فِيهِمَا، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَعَلَّهُ كَانَ حِينَ يُعْتَبَرُ فِي التَّحْرِيمِ الْعَشْرُ وَالْعَدَدُ قَبْلَ نَسْخِهِ. وَأَمَّا دَعْوَى وَقْفِهِ فَغَيْرُ مُسَلَّمَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مَرْفُوعًا مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ، وَأُعِلَّ أَيْضًا بِالِاضْطِرَابِ وَرُدَّ، فَلَمَّا احْتَمَلَ رَجَعْنَا إِلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَمَفْهُومِ الْأَخْبَارِ وَتَنْزِيلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُ مُنْزِلَةَ النَّسَبِ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ عَدَدٌ إِلَّا مُجَرَّدُ الْوَطْءِ فَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ، وَقِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ بِالصِّهْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ

ص: 364

الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْرُمُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي وَيَجِيءُ الْكَلَامُ فِيهِ.

ص: 365

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا غُلَامًا وَأَرْضَعَتْ الْأُخْرَى جَارِيَةً فَقِيلَ لَهُ هَلْ يَتَزَوَّجُ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ فَقَالَ لَا اللِّقَاحُ وَاحِدٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1281 -

1268 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ الشَّرِيدِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، الثَّقَفِيِّ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّائِفِيِّ، مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ) وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ وَمَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ: جَارِيَتَانِ (فَأَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا غُلَامًا وَأَرْضَعَتِ الْأُخْرَى جَارِيَةً) أَيْ بِنْتًا صَغِيرَةً (فَقِيلَ لَهُ: هَلْ يَتَزَوَّجُ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ؟ فَقَالَ: لَا) يَتَزَوَّجُهَا (اللَّقَاحُ وَاحِدٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: قَالَ اللَّيْثُ: اللَّقَاحُ اسْمُ مَاءِ الْفَحْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اللَّقَاحُ بِمَعْنَى الْإِلْقَاحِ، يُقَالُ: لَقَّحَ النَّاقَةَ إِلْقَاحًا وَلَقَاحًا كَمَا يَقُولُ أَعْطَى إِعْطَاءً وَعَطَاءً، وَالْأَصْلُ فِيهِ لِلْإِبِلِ ثُمَّ يُسْتَعَارُ لِلنِّسَاءِ اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 365

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ إِلَّا لِمَنْ أُرْضِعَ فِي الصِّغَرِ وَلَا رَضَاعَةَ لِكَبِيرٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1282 -

1269 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا رَضَاعَةَ إِلَّا لِمَنْ أَرْضَعَ فِي الصِّغَرِ وَلَا رَضَاعَةَ لِكَبِيرٍ) أَيْ لَا تُحَرِّمُ شَيْئًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 233) فَأَشْعَرَ جَعْلُ تَمَامِهَا إِلَى الْحَوْلَيْنِ أَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَهُمَا بِخِلَافِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَسْتَغْنِي غَالِبًا عَنِ اللَّبَنِ وَلَا يُشْبِعُهُ بَعْدَهُمَا إِلَّا اللَّحْمُ وَالْخُبْزُ وَنَحْوُهُمَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، لَكِنْ رَوَى غَيْرُهُ عَنْهُ زِيَادَةَ أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ بَعْدَهُمَا، وَزِيَادَةَ شَهْرٍ وَشَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ لِافْتِقَارِ الطِّفْلِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إِلَى مُدَّةٍ يُحَالُ فِيهَا فِطَامُهُ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يُفْطَمُ دُفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ عَلَى التَّدْرِيجِ، فَحُكْمُ رَضَاعِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ حُكْمُ الْحَوْلَيْنِ، وَلِذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ: إِنَّ الْخِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي تَحْدِيدِ الزِّيَادَةِ خِلَافٌ فِي حَالِ الْقَدْرِ الَّذِي جَرَتِ الْعَادَةُ فِيهِ بِاسْتِغْنَائِهِ بِالطَّعَامِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقْصَى الرَّضَاعِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا. وَرَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15](سُورَةُ الْأَحْقَافِ: الْآيَةُ 15) يَتَضَمَّنُ أَقَلَّ الْحَمْلِ وَأَكْثَرَ الرَّضَاعِ، فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ فِي الرَّضَاعِ وَحْدَهُ، وَقَالَ زُفَرُ: ثَلَاثُ سِنِينَ.

ص: 365

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ بِهِ وَهُوَ يَرْضَعُ إِلَى أُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَتْ أَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ قَالَ سَالِمٌ فَأَرْضَعَتْنِي أُمُّ كُلْثُومٍ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ مَرِضَتْ فَلَمْ تُرْضِعْنِي غَيْرَ ثَلَاثِ رَضَعَاتٍ فَلَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرَ رَضَعَاتٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1283 -

1270

ص: 365

- (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ بِهِ وَهُوَ يَرْضَعُ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَمَاضِيهِ رَضِعَ بِكَسْرِهَا، وَأَهْلُ نَجْدٍ يَفْتَحُونَ الْمَاضِي وَيَكْسِرُونَ الْمُضَارِعَ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (أُمِّ كُلْثُومٍ) بِضَمِّ الْكَافِ (بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) التَّيْمِيَّةِ، تَابِعِيَّةٌ، مَاتَ أَبُوهَا وَهِيَ حَمْلٌ فَوُضِعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَقِصَّتُهَا بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ، أَرْسَلَتْ حَدِيثًا فَذَكَرَهَا بِسَبَبِهِ ابْنُ مَنْدَهْ وَابْنُ السَّكَنِ فِي الصَّحَابَةِ فَوَهِمَا (فَقَالَتْ: أَرَضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ) قَالَ السُّيُوطِيُّ: هَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ النِّسَاءِ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَضَعَاتٌ مَعْلُومَاتٌ وَلَيْسَ لِسَائِرِ النِّسَاءِ رَضَعَاتٌ مَعْلُومَاتٌ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا وَحَدِيثَ حَفْصَةَ الَّذِي بَعْدَهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِ الْبَاجِيِّ، وَقَوْلُهُ: لَعَلَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِعَائِشَةَ النَّسْخُ بِخَمْسٍ إِلَّا بَعْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ اهـ. وَبِهِ يُرَدُّ إِشَارَةُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى شُذُوذِ رِوَايَةِ نَافِعٍ هَذِهِ بِأَنَّ أَصْحَابَ عَائِشَةَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ بِهَا مِنْ نَافِعٍ وَهُمْ عُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَعَمْرَةُ رَوَوْا عَنْهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ، فَوَهِمَ مَنْ رَوَى عَنْهَا عَشْرَ رَضَعَاتٍ ; لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْهَا أَنَّ الْخَمْسَ نَسَخْنَ الْعَشْرَ، وَمُحَالٌ أَنْ تَعْمَلَ بِالْمَنْسُوخِ، كَذَا قَالَ، وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّ نَافِعًا قَالَ: إِنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثِقَةٌ حُجَّةٌ حَافِظٌ وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِأَنَّهَا خُصُوصِيَّةٌ لِلزَّوْجَاتِ الشَّرِيفَاتِ كَمَا قَالَهُ طَاوُسٌ، فَلَا وَهْمَ وَلَا شُذُوذَ. (قَالَ سَالِمٌ: فَأَرْضَعَتْنِي أُمُّ كُلْثُومٍ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ مَرِضَتْ فَلَمْ تُرْضِعْنِي غَيْرَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، فَلَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ أَجْلِ أَنْ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرَ رَضَعَاتٍ) الَّتِي تَجْعَلُنِي مَحْرَمًا لِعَائِشَةَ وَلِلزَّوْجَاتِ الشَّرِيفَاتِ فِي شِدَّةِ الْحِجَابِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِنَّ.

ص: 366

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ بِعَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى أُخْتِهَا فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَهُوَ صَغِيرٌ يَرْضَعُ فَفَعَلَتْ فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1284 -

1271 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ) الثَّقَفِيَّةَ، زَوْجَةَ مَوْلَاهُ (أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَفْصَةَ

ص: 366

أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ بِعَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ (إِلَى أُخْتِهَا فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهَا) إِذَا بَلَغَ (وَهُوَ صَغِيرٌ يَرْضَعُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: أَرْسَلَتْ، أَوْ بِقَوْلِهِ: تُرْضِعُهُ، لَا بِـ (يَدْخُلَ عَلَيْهَا) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ جِدًّا (فَفَعَلَتْ) أَيْ أَرْضَعَتْهُ عَشْرًا (فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا) لِأَنَّهَا خَالَتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ.

ص: 367

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا وَبَنَاتُ أَخِيهَا وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إِخْوَتِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1285 -

1272 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا وَبَنَاتُ أَخِيهَا، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إِخْوَتِهَا) لِأَنَّ الْمُرْضِعَ إِنَّمَا هُوَ الْمَرْأَةُ، وَالرَّجُلُ لَمْ يُرْضِعْ فَلَا يَحْرُمُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ كَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَدُاوُدَ وَابْنِ عُلَيَّةَ، كَمَا حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ قَائِلًا: وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُفْتِي بِخِلَافِ حَدِيثِ أَبِي الْقُعَيْسِ، يَعْنِي وَالْعِبْرَةُ عِنْدَ قَوْمٍ بِرَأْيِ الصَّحَابِيِّ إِذَا خَالَفَ مَرْوِيَّهُ، قَالَ: وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَأْذَنَ لِمَنْ شَاءَتْ مِنْ مَحَارِمِهَا وَتَحْجُبَ مَنْ شَاءَتْ، وَلَكِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا حَجَبَتْ مِنْ ذَكَرٍ إِلَّا بِخَبَرٍ وَاحِدٍ كَمَا عَلِمْنَا الْمَرْفُوعَ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِالسُّنَّةِ إِذْ لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا اهـ. وَقَدْ نَسَبَ الْمَازِرِيُّ لِعَائِشَةَ الْقَوْلَ بِأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ، وَاسْتَبْعَدَهُ الزَّوَاوِيُّ مَعَ مُشَافَهَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا بِأَنَّهُ يُحَرِّمُ فِي حَدِيثِ أَفْلَحَ السَّابِقِ، وَمُحَالٌ أَنْ لَا يَصْدُرَ مِنْهَا مُخَالَفَتُهَا لِأَنَّ التَّأْوِيلَ فِي حَقِّهَا لَا يَصِحُّ مَعَ مُشَافَهَتِهِ، فَأَمَّا غَيْرُهَا فَقَدْ يَتَأَوَّلُ لِمُعَارَضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، كَذَا قَالَ، وَالْإِسْنَادُ إِلَيْهَا صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ، وَكَثِيرًا مَا يُخَالِفُ الصَّحَابِيُّ مَرْوِيَّهُ لِدَلِيلٍ قَامَ عِنْدَهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا فَهِمَتْ أَنَّ تَرْخِيصَهُ لَهَا فِي أَفْلَحَ لَا يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْحُكْمِ فِي كُلِّ فَحْلٍ ; لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَخُصَّ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ أَوْ فَهِمَتْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ مَعَ أَنَّهَا رَوَتِ الْقَصْرَ.

ص: 367

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَ سَعِيدٌ كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ ثُمَّ سَأَلْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1286 -

1273 - (مَالِكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ) بِالْقَافِ الْمَدَنِيِّ (أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ عَنْ

ص: 367

الرَّضَاعَةِ فَقَالَ سَعِيدٌ: كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَطْرَةً وَاحِدَةً) وَصَلَتْ لِجَوْفِ الْعَرَبِيِّ (فَهُوَ يُحَرِّمُ) بِشَدِّ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ (وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ) فَلَا يُحَرِّمُ. (قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ: ثُمَّ سَأَلْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ) لِمُوَافَقَةِ اجْتِهَادِهِ لِاجْتِهَادِهِ.

ص: 368

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْمَهْدِ وَإِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالدَّمَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1287 -

1274 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ) مُحَرَّمَةً (إِلَّا مَا كَانَ فِي الْمَهْدِ) وَهُوَ مَا يُمَهَّدُ لِلصَّبِيِّ لِيَنَامَ فِيهِ (وَإِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالدَّمَ) فَرَضَاعُ الْكَبِيرِ لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّهُ لَا يُنْبِتُ شَيْئًا مِنْهُمَا، وَلِلْدَارَقُطْنِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:" «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» ". وَلِلْتِرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ: " «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ» ". وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا: " «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا شَدَّ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ» ". وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا: " «إِنَّمَا الرَّضَاعُ مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وَفَتَقَ الْأَمْعَاءَ» ".

ص: 368

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الرَّضَاعَةُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا تُحَرِّمُ وَالرَّضَاعَةُ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ تُحَرِّمُ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ الرَّضَاعَةُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا إِذَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ تُحَرِّمُ فَأَمَّا مَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1287 -

1275 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الرَّضَاعَةُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا تُحَرِّمُ) تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ، كَمَا قَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ مَعَ عِلْمِهِمْ حَدِيثَ الْمَصَّتَيْنِ، وَإِذَا تَرَكُوا ذَلِكَ لَمْ يَسْتَرِبْ أَنَّهُ لِعِلَّةٍ مِنْ نَسْخٍ أَوْ مُعَارِضٍ يُوجِبُ تَرْكَهُ وَإِنْ صَحَّ إِسْنَادُهُ، وَيَرْجِعُ إِلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ، وَلِلْقَاعِدَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ إِشْكَالٌ فِي قِصَّةٍ أَوْ تَعَارُضٌ مُبِيحٌ وَمَانِعٌ فَالْأَخْذُ بِهِ أَحَقُّ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ. (وَالرَّضَاعَةُ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، أَيْ جِهَتِهِمْ (تُحَرِّمُ) تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ لِنَصِّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، وَتَعْلِيلِهِ بِأَنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ، وَلَا عِطْرَ بَعْدَ عَرُوسٍ فَلَا عِبْرَةَ بِمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِيَّةِ وَابْنِ عُلَيَّةَ.

ص: 368

- (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: وَالرَّضَاعَةُ قَلِيلُهَا) وَلَوْ مَصَّةٌ (وَكَثِيرُهَا إِذَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ تُحَرِّمُ، فَأَمَّا مَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ) وَلَوْ بِيَوْمٍ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ مَا قَارَبَهُمَا، وَفِيهِ رِوَايَاتٌ عَنْ مَالِكٍ تَقَدَّمَتْ (فَإِنَّ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ) وَهُوَ لَا يُحَرِّمُ.

ص: 369

[بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ بَعْدَ الْكِبَرِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ تَبَنَّى سَالِمًا الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَنْكَحَ أَبُو حُذَيْفَةَ سَالِمًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ ابْنُهُ أَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ أَيَامَى قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] رُدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ إِلَى أَبِيهِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَبُوهُ رُدَّ إِلَى مَوْلَاهُ فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَهِيَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فُضُلٌ وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَمَاذَا تَرَى فِي شَأْنِهِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا وَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنْ الرَّضَاعَةِ فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَبَنَاتِ أَخِيهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ وَأَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ وَقُلْنَ لَا وَاللَّهِ مَا نَرَى الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إِلَّا رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَضَاعَةِ سَالِمٍ وَحْدَهُ لَا وَاللَّهِ لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ فَعَلَى هَذَا كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ بَعْدَ الْكِبَرِ

1288 -

1276 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ) هَلْ تُؤَثِّرُ التَّحْرِيمَ (فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ ابْنُ الزُّبَيْرِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ، أَيِ الْمَوْصُولِ لِلِقَاءِ عُرْوَةَ عَائِشَةَ وَسَائِرَ أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم وَلِلِقَائِهِ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ، وَقَدْ وَصَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَعْمَرٌ وَعُقَيْلٌ وَيُونُسُ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِمَعْنَاهُ، وَرَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ) اسْمُهُ مُهَشَّمٌ، وَقِيلَ هُشَيْمٌ، وَقِيلَ هَاشِمٌ (ابْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ) بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مُنَافٍ الْقُرَشِيَّ الْعَبْشَمِيَّ، كَانَ طُوَالًا حَسَنَ الْوَجْهِ (وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَسْلَمَ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعِينَ إِنْسَانًا، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَصَلَّى إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ (وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا) وَسَائِرَ الْمَشَاهِدِ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ سَنَةً (وَكَانَ تَبَنَّى سَالِمًا الْفَارِسِيَّ الْمُهَاجِرِيَّ الْأَنْصَارِيَّ) الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُقَالُ لَهَا لَيْلَى، وَيُقَالُ ثُبَيْتَةُ، بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، بِنْتُ يَعَارٍ، بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ فَأَلِفٍ فَرَاءٍ، ابْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَتِ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ سَعْدٍ، وَقِيلَ اسْمُهَا سَلْمَى، وَقَالَ ابْنُ شَاهِينَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ يَقُولُ: هُوَ سَالِمُ بْنُ مَعْقِلٍ مَوْلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ يَعَارٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، أَعْتَقَتْهُ سَائِبَةُ فَوَالَى أَبَا حُذَيْفَةَ فَتَبَنَّاهُ أَيِ اتَّخَذَهُ ابْنًا، وَشَهِدَ الْيَمَامَةَ وَكَانَ

ص: 369

مَعَهُ لِوَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، فَقُطِعَتْ يَمِينُهُ فَأَخَذَهُ بِيَسَارِهِ فَقُطِعَتْ فَاعْتَنَقَهُ إِلَى أَنْ صُرِعَ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَبُو حُذَيْفَةَ؟ قِيلَ: قُتِلَ، قَالَ: فَأَضْجِعُونِي بِجَنْبِهِ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ مِيرَاثَهُ إِلَى مُعْتِقَتِهِ ثُبَيْتَةَ فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَعْتَقَتْهُ سَائِبَةُ، فَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ. وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ أَعْطَى مِيرَاثَهُ لِأُمِّهِ، فَقَالَ: كُلِيهِ، وَكَانَ ذَلِكَ تُرِكَ إِلَى أَنْ تَوَلَّى عُمَرُ، وَإِلَّا فَالْيَمَامَةُ كَانَتْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ (كَمَا تَبَنَّى) أَيِ اتَّخَذَ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ) الْكَلْبِيَّ ابْنًا (وَأَنْكَحَ) أَيْ زَوَّجَ (أَبُو حُذَيْفَةَ سَالِمًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ ابْنُهُ) الْمُتَبَنَّى الْمَذْكُورُ (أَنْكَحَهُ) أَعَادَهُ لِطُولِ الْكَلَامِ بِالْفَصْلِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ. . . إِلَخْ، وَهَذَا حَسَنٌ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 89) فَأَعَادَ " لَمَّا جَاءَهُمْ " لِطُولِ الْكَلَامِ وَقَوْلِهِ: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35](سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: الْآيَةُ 35) فَأَعَادَ أَنَّكُمْ (بِنْتَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ) وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَشُعَيْبٍ وَغَيْرِهِمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ: هِنْدَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالصَّوَابُ فَاطِمَةُ (بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ) الْفَاضِلَاتِ (وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ أَيَامَى قُرَيْشٍ) جَمْعُ أَيِّمٍ، مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، زَادَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوَرِثَ مِيرَاثَهُ (فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي كِتَابِهِ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ} [الأحزاب: 5] أَعْدَلُ {عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] بَنُو عَمِّكُمْ (رُدَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ إِلَى أَبِيهِ) الَّذِي وَلَدَهُ (فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَبُوهُ رُدَّ إِلَى مَوْلَاهُ) وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ (فَجَاءَتْ سَهْلَةُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ (بِنْتُ سُهَيْلٍ) بِضَمِّ السِّينِ، مُصَغَّرٌ، ابْنِ عَمْرٍو، بِفَتْحِ الْعَيْنِ، أَسْلَمَتْ قَدِيمًا بِمَكَّةَ (وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ) وَهَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى الْحَبَشَةِ فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ مُحَمَّدًا وَهِيَ ضَرَّةُ مُعْتَقَةِ سَالِمٍ الْأَنْصَارِيَّةُ (وَهِيَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ) فَهِيَ قُرَشِيَّةٌ عَامِرِيَّةٌ، وَأَبُوهَا صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -

ص: 370

فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَرَى) نَعْتَقِدُ (سَالِمًا وَلَدًا) بِالتَّبَنِّي (وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فُضُلٌ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَيْ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ وَالصَّدْرِ، وَقِيلَ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا إِزَارَ تَحْتَهُ، وَقِيلَ مُتَوَشِّحَةً بِثَوْبٍ عَلَى عَاتِقِهَا خَالَفَتْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَصَحُّهَا الثَّانِي لِأَنَّ كَشْفَ الْحُرَّةِ الصَّدْرَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَحْرَمٍ وَلَا غَيْرِهِ (وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ) فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَابُ مِنْهُ، زَادَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا عَلِمْتَ (فَمَاذَا تَرَى فِي شَأْنِهِ؟) وَلِمُسْلِمٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ. وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْهَا فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقِلَ مَا عَقَلُوهُ، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. وَلَا مُنَافَاةَ فَإِنَّ سَهْلَةَ ذَكَرَتِ السُّؤَالَيْنِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاقْتَصَرَ كُلُّ رَاوٍ عَلَى وَاحِدٍ.

(فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ (عَشْرَ رَضَعَاتٍ) ، وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ: خَمْسَ رَضَعَاتٍ (فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا) زَادَ فِي مُسْلِمٍ: فَقَالَتْ: «كَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ؟ فَتَبَسَّمَ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا» . وَفِي لَفْظٍ لَهُ: «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبُ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ» . قَالَ أَبُو عُمَرَ: صِفَةُ رَضَاعِ الْكَبِيرِ أَنْ يُحْلَبَ لَهُ اللَّبَنُ وَيُسْقَاهُ، فَأَمَّا أَنْ تُلْقِمَهُ الْمَرْأَةُ ثَدْيَهَا فَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: وَلَعَلَّ سَهْلَةَ حَلَبَتْ لَبَنَهَا فَشَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ثَدْيَهَا وَلَا الْتَقَتْ بَشْرَتَاهُمَا ; إِذْ لَا يَجُوزُ رُؤْيَةُ الثَّدْيِ وَلَا مَسُّهُ بِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَفَا عَنْ مَسِّهِ لِلْحَاجَةِ كَمَا خُصَّ بِالرَّضَاعَةِ مَعَ الْكِبَرِ، وَأَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَضَعَ مِنْ ثَدْيِهَا لِأَنَّهُ تَبَسَّمَ وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتِ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْحَلْبِ، وَهُوَ مَوْضِعُ بَيَانٍ، وَمُطْلَقُ الرَّضَاعِ يَقْتَضِي مَصَّ الثَّدْيِ فَكَأَنَّهُ أَبَاحَ لَهَا ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ فِي نَفْسِهِمَا أَنَّهُ ابْنُهَا وَهِيَ أُمُّهُ، فَهُوَ خَاصٌّ بِهِمَا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَأَنَّهُمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقِفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ سَهْلَةُ تَحْلِبُ فِي مُسْعُطٍ - إِنَاءٍ قَدْرَ رَضْعَتِهِ - فَيَشْرَبُهُ سَالِمٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ حَتَّى مَضَتْ خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَهِيَ حَاسِرٌ رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِسَهْلَةَ.

(وَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنَ الرَّضَاعَةِ)

ص: 371

لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْضِعَيْهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ» (فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ) الْأَجَانِبِ (فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ) بِضَمِّ الْكَافِ مِنَ الْكَلْثَمَةِ وَهِيَ الْحُسْنُ (ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَبَنَاتِ أَخِيهَا) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ) قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَا عَلِمْتُ مَنْ أَخَذَ بِهِ عَامًّا إِلَّا عَائِشَةَ، وَلَوْ أَخَذَ بِهِ فِي رَفْعِ الْحِجَابِ آخِذٌ لَمْ أَعِبْهُ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إِلَى الْبَاجِيِّ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ، يَعْنِي وَالْخِلَافُ إِنَّمَا كَانَ أَوَّلًا، ثُمَّ انْقَطَعَ، الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَامًّا نَظَرٌ، فَحَدِيثُ الْمُوَطَّأِ نَصٌّ فِي أَنَّهَا أَخَذَتْ بِهِ فِي رَفْعِ الْحِجَابِ خَاصَّةً، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ: مَنْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ اهـ، وَلَا نَظَرَ، فَمُرَادُ ابْنِ الْمَوَّازِ بِالْعُمُومِ فِي كُلِّ النَّاسِ لَا خَاصٌّ بِسَهْلَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ذَهَبَ إِلَى قَوْلِهَا أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ عَطَاءٌ وَاللَّيْثُ لِحَدِيثِ سَهْلَةَ هَذَا، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّهُ لَقَوِيٌّ وَلَوْ كَانَ الْمُوَطَّأُ بِسَالِمٍ لَقَالَ لَهَا: وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَكِ كَمَا قَالَ لِأَبِي بُرْدَةَ فِي الْجَذَعَةِ اهـ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالَ بِهِ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَرَوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ: أَكْرَهُ رَضَاعَ الْكَبِيرِ أَنْ أُحِلَّ مِنْهُ شَيْئًا. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ أَنَّ «امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى اللَّيْثِ فَقَالَتْ: أُرِيدُ الْحَجَّ وَلَيْسَ لِي مَحْرَمٌ، فَقَالَ: اذْهَبِي إِلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ تُرْضِعُكِ فَيَكُونُ زَوْجُهَا أَبًا لَكِ فَتَحُجِّينَ مَعَهُ» ، وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا وَفَتْوَاهَا وَعَمَلُهَا بِهِ (وَأَبَى) امْتَنَعَ (سَائِرُ) أَيْ بَاقِي (أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ: حَتَّى يَرْضَعَ فِي الْمَهْدِ (وَقُلْنَ) لِعَائِشَةَ (لَا وَاللَّهِ مَا نَرَى) نَعْتَقِدُ (الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إِلَّا رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَضَاعَةِ سَالِمٍ وَحْدَهُ) لِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ لَمْ تَأْتِ فِي غَيْرِهِ، وَاحْتَفَّتْ بِهَا قَرِينَةُ التَّبَنِّي وَصِفَاتٌ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَلَهَا أَنْ تُجِيبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ مُتَأَخِّرًا فَهُوَ نَاسِخٌ لِمَا عَدَاهُ مَعَ مَا لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ شِدَّةِ الْحُكْمِ فِي الْحِجَابِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ، كَذَا قَالَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى.

(لَا وَاللَّهِ لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ، فَعَلَى هَذَا كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ) فَأَجَازَتْهُ عَائِشَةُ وَمَنَعَهُ بَاقِيهُنَّ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لَا

ص: 372

أُحَدِّثُ بِهِ رَهْبَةً ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ: حَدِّثْهُ عَنِّي أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِيهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ تُرِكَ قَدِيمًا وَلَمْ يُعْمَلْ بِهِ وَلَا تَلَقَّاهُ الْجُمْهُورُ بِالْقَبُولِ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ تَلَقَّوْهُ عَلَى أَنَّهُ خُصُوصٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ سَهْلَةَ مَنْسُوخًا، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَرْقَانِيُّ تَامًّا نَحْوَهُ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِعَائِشَةَ:" إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ؟ " فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ زَيْنَبَ أَنَّ أُمَّهَا قَالَتْ: أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ أَحَدٌ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ: وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً. . . إِلَخْ.

ص: 373

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ يَسْأَلُهُ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنِّي كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ وَكُنْتُ أَطَؤُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إِلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَقَالَتْ دُونَكَ فَقَدْ وَاللَّهِ أَرْضَعْتُهَا فَقَالَ عُمَرُ أَوْجِعْهَا وَأْتِ جَارِيَتَكَ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصَّغِيرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1289 -

1277 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ) لَمْ يُسَمَّ (إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ) بِالْمَدِينَةِ (يَسْأَلُهُ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الْحَارِثِيُّ الْبَدْرِيُّ (إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنِّي كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ) أَمَةٌ (وَكُنْتُ أَطَؤُهَا فَعَمَدَتِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ قَصَدَتِ (امْرَأَتِي إِلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا) لِتُحَرِّمَهَا عَلَيَّ (فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: دُونَكَ فَقَدَ وَاللَّهِ أَرْضَعْتُهَا) فَحَرُمَتْ عَلَيْكَ (فَقَالَ عُمَرُ: أَوْجِعْهَا) أَيِ امْرَأَتَكَ (وَائْتِ جَارِيَتَكَ) طَأْهَا، وَهَذَا مَعْنَى إِيجَاعِهَا (فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصَّغِيرِ) كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ وَالتَّنْزِيلُ.

ص: 373

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ إِنِّي مَصِصْتُ عَنْ امْرَأَتِي مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا فَذَهَبَ فِي بَطْنِي فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا أُرَاهَا إِلَّا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ انْظُرْ مَاذَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا رَضَاعَةَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا كَانَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1290 -

1278 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: مُنْقَطِعٌ يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا مُوسَى) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ (الْأَشْعَرِيَّ) بِالْكُوفَةِ (فَقَالَ: إِنِّي مَصِصْتُ) بِكَسْرِ الصَّادِ

ص: 373

الْأُولَى وَفَتْحِهَا وَإِسْكَانِ الثَّانِيَةِ، شَرِبْتُ شُرْبًا رَقِيقًا (عَنْ) وَفِي نُسْخَةٍ: مِنِ (امْرَأَتِي مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا) مَفْعُولُ مَصِصْتُ لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ عَنْ أَوْ مِنْ مُتَعَلِّقُ مُقَدَّمٍ عَلَيْهِ أَيْ لَبَنًا نَاشِئًا عَنْ أَوْ مِنِ امْرَأَتِي (فَذَهَبَتْ فِي بَطْنِي، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا أُرَاهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، أَظُنُّهَا (إِلَّا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ) لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23)(فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: انْظُرْ) نَظَرَ تَأَمُّلٍ (مَا) زَادَ فِي نُسْخَةٍ (ذَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَا رَضَاعَةَ) مُحَرِّمَةً (إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 233) فَجَعْلُ إِتْمَامِهَا حَوْلَيْنِ يَمْنَعُ أَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَهُمَا كَحُكْمِهِمَا فَتُنْفَى رَضَاعَةُ الْكَبِيرِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا:" «إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» ". وَفِي الْحَدِيثِ " «لَا رَضَاعَةَ إِلَّا مَا شَدَّ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ، أَوْ قَالَ: أَنْشَزَ الْعَظْمَ» " رَوَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَصَحَّحَ أَبُو عُمَرَ رَفْعَهُ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ حَسَنٌ مَرْفُوعًا:«لَا رَضَاعَةَ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ» ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْفِي رَضَاعَةَ الْكَبِيرِ لِأَنَّ رَضَاعَهُ لَا يَنْفِي جُوعَهُ وَلَا يَفْتِقُ أَمْعَاءَهُ وَلَا يَشُدُّ عَظْمَهُ إِلَى آخِرِهِ. (فَقَالَ أَبُو مُوسَى) زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ (لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا كَانَ) أَيْ وُجِدَ (هَذَا الْحَبْرُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَطَعَ بِهِ ثَعْلَبٌ، وَبِكَسْرِهَا، وَقَدَّمَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمَجْدُ، أَيِ الْعَالِمُ (بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ) أَيْ بَيْنَكُمْ، وَأَظْهُرٌ زَائِدٌ، وَأَتَى الْإِمَامُ بِهَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ بَعْدَ حَدِيثِ سَهْلَةَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ فَهُوَ خُصُوصِيَّةٌ لَهَا أَوْ مَنْسُوخٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، بَلِ ادَّعَى الْبَاجِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْخِلَافِ كَمَا مَرَّ.

ص: 374

[بَاب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ]

وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

3 -

بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ

1291 -

1279 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ

ص: 374

وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) كِلَاهُمَا (عَنْ عَائِشَةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا غَلَطٌ مِنْ يَحْيَى أَيْ زِيَادَةُ الْوَاوِ، لَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ (أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ» ) مِنْ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَنَشْرِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَأَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا هُوَ وَفُرُوعُهُ مِنْ نَسَبٍ وَرَضَاعٍ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَوْلَادِهَا مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ هِيَ وَأَخَوَاتُهَا مِنْ نَسَبٍ وَرَضَاعٍ وَيَصِيرُ ابْنًا لِزَوْجِهَا صَاحِبِ اللَّبَنِ، فَيَحْرُمُ هُوَ وَأُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ مِنْ نَسَبٍ وَرَضَاعٍ إِلَى آخِرِ مَا بُيِّنَ فِي الْفِقْهِ، وَمِنْ جَوَازِ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ وَالْمُسَافَرَةِ دُونَ سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ كَمِيرَاثٍ وَنَفَقَةٍ وَعِتْقٍ بِالْمِلْكِ وَرَدِّ شَهَادَةٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَمَعْنٍ الْقَزَّازِ كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ:" «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ الْوِلَادَةِ» " اهـ، فَلَعَلَّ مَالِكًا حَدَّثَ بِهِ بِاللَّفْظَيْنِ.

ص: 375

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّةِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا «أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ» قَالَ مَالِكٌ وَالْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1292 -

1280 - (مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلِ) بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ الْأَسَدِيِّ أَبِي الْأَسْوَدِ يَتِيمِ عُرْوَةَ الثِّقَةِ الْعَلَّامَةِ (قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ) رضي الله عنها (عَنْ جُدَامَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ عَنْ مَالِكٍ كَمَا قَالَ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ حَتَّى قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَنْ قَالَهَا بِالْمُعْجَمَةِ فَقَدْ صَحَّفَ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ رِوَايَةُ يَحْيَى، وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ عَنْهُ: سَمَاعِي مِنْهُ مُوَطَّأَ أَبِي مُصْعَبٍ بِالْمُعْجَمَةِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهِيَ لُغَةُ مَا لَمْ يَنْدَقَّ مِنَ السُّنْبُلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذَا تَحَاتَّ الْبُرُّ فَمَا بَقِيَ فِي الْغِرْبَالِ مِنْ قَصَبَةٍ فَهُوَ جُدَامَةٌ (بِنْتِ وَهْبِ) بْنِ مِحْصَنٍ، وَيُقَالُ: بِنْتُ جَنْدَلٍ، وَيُقَالُ: بِنْتُ جُنْدَبٍ (الْأَسَدِيَّةِ) لَهَا سَابِقَةٌ وَهِجْرَةٌ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أُخْتِ عُكَّاشَةَ، أَيْ: أُخْتِهِ لِأُمِّهِ عَلَى الْمُخْتَارِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَعَلَّهُ أَخِي عُكَّاشَةُ، فَتَكُونُ بِنْتَ أَخِيهِ (أَنَّهَا) أَيِ جُدَامَةَ (أَخْبَرَتْهَا) أَيْ عَائِشَةُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ، هَكَذَا إِلَّا أَبَا عَامِرٍ الْعَقَدِيَّ فَجَعَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ لَمْ يَذْكُرْ جُدَامَةَ، وَكَذَا رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ، وَرَوَاهُ فِيهِ كَسَائِرِ الرُّوَاةِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ جُدَامَةَ، فَفِي رِوَايَتِهَا عَنْهَا حِرْصُ عَائِشَةَ عَلَى الْعِلْمِ وَبَحْثُهَا عَنْهُ

ص: 375

(أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي أُنَاسٍ "(صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَقَدْ هَمَمْتُ) أَيْ قَصَدْتُ (أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْهَاءِ اسْمٌ مِنَ الْغَيْلِ بِفَتْحِهَا وَالْغِيَالِ بِكَسْرِهَا، وَالْغَيْلَةُ بِالْفَتْحِ وَالْهَاءِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَقِيلَ لَا تُفْتَحُ الْغَيْنُ إِلَّا مَعَ حَذْفِ الْهَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ السَّرَّاجِ الْوَجْهَيْنِ فِي غِيلَةِ الرَّضَاعِ، أَمَّا غِيلَةُ الْقَتْلِ فَبِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنِ الْغِيَالِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا، قَالَهُ عِيَاضٌ (حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ) بِضَمِّ الرَّاءِ نِسْبَةً إِلَى رُومِ بْنِ عِيصُو بْنُ إِسْحَاقَ (وَفَارِسَ) لَقَبُ قَبِيلَةٍ لَيْسَ بِأَبٍ وَلَا أُمٍّ، وَإِنَّمَا هُمْ أَخْلَاطٌ مِنْ تَغْلِبَ اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا الِاسْمِ (يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يَغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا، يَعْنِي لَوْ كَانَ الْجِمَاعُ حَالَ الرَّضَاعِ أَوِ الْإِرْضَاعِ حَالَ الْحَمْلِ مُضِرًّا لَضَرَّ أَوْلَادَ الرُّومِ وَفَارِسَ ; لِأَنَّهُمْ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الْأَطِبَّاءِ فِيهِمْ، فَلَوْ كَانَ مُضِرًّا لَمَنَعُوهُمْ مِنْهُ، فَحِينَئِذٍ لَا أَنْهَى عَنْهُ. قَالَ عِيَاضٌ: فَفِيهِ جَوَازُهُ إِذْ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ لِأَنَّهُ رَأْيُ الْجُمْهُورِ وَإِنْ أَضَرَّ بِالْقَلِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُكْثِرُ اللَّبَنَ وَقَدْ يُغَيِّرُهُ، وَالْأَطِبَّاءُ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ اللَّبَنِ إِنَّهُ دَاءٌ وَالْعَرَبُ تَتَّقِيهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْهُ حَمْلٌ وَلَا يُعْرَفُ فَيَرْجِعُ إِلَى إِرْضَاعِ الْحَامِلِ الْمُتَّفِقِ عَلَى مَضَرَّتِهِ، وَأُخِذَ الْجَوَازُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ:«أَنَّ رَجُلًا قَالَ: إِنِّي أَعْزِلُ عَنِ امْرَأَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ عَلَى أَوْلَادِهَا، فَقَالَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ» " وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّ الْغِيلَةَ إِنَّمَا تَضُرُّ فِي النَّادِرِ فَلِذَا لَمْ يَنْهَ عَنْهَا رِفْقًا بِالنَّاسِ لِلْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ عِيَاضٌ: وَفِيهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْأَحْكَامِ، وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِيهِ، قَالَ الْأَبِيُّ: وَوَجْهُ الِاجْتِهَادِ أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ بِرَأْيٍ أَوِ اسْتِفَاضَةٍ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فَارِسَ وَالرُّومَ، قَاسَ الْعَرَبَ عَلَيْهِمْ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَخَلَفِ بْنِ هِشَامٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَحْوَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا خَرَّجَ عَنْ جُدَامَةَ. (قَالَ مَالِكٌ: الْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ) أَنْزَلَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَقَدْ تُنْزِلُ الْمَرْأَةُ فَيُضَرُّ اللَّبَنُ، وَقِيلَ إِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَيْسَ بِغِيلَةٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَفْسِيرُ مَالِكٍ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ إِرْضَاعُ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا وَهِيَ حَامِلٌ؛ لِأَنَّهَا إِذَا حَمَلَتْ فَسَدَ اللَّبَنُ فَيُفْسِدُ جِسْمَ الصَّبِيِّ وَيَضْعُفُ حَتَّى رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَقْلِهِ. وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: " «إِنَّ الْغِيلَةَ

ص: 376

لَتُدْرِكُ الْفَارِسَ فَتُعْثِرُهُ عَنْ فَرَسِهِ أَوْ قَالَ عَنْ سَرْجِهِ» " أَيْ يَضْعُفُ فَيَسْقُطُ عَنْهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَوَارِسُ لَمْ يُغَالُوا فِي رَضَاعٍ

فَتَنْبُو فِي أَكُفِّهِمُ السُّيُوفُ

وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَخْفَشُ حَقًّا لَنَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِرْشَادًا ; لِأَنَّهُ رَؤُوفٌ بِالْمُؤْمِنِينَ اهـ. وَفِي الْأَبِيِّ: احْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّهَا وَطْءُ الْمُرْضِعِ، بِأَنَّ إِرْضَاعَ الْحَامِلِ مُضِرٌّ وَدَلِيلُهُ الْعِيَانُ، فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغِيلَةَ الَّتِي فِيهِ لَا تَضُرُّ وَهَذِهِ تَضُرُّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالْخَبَرُ - يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ - لَا يُنَافِيهِ خَبَرٌ: " «لَا تَغِيلُوا أَوْلَادَكُمْ سِرًّا» " فَإِنَّ هَذَا كَالْمَشُورَةِ عَلَيْهِمْ وَالْإِرْشَادِ لَهُمْ إِلَى تَرْكِ مَا يُضْعِفُ الْوَلَدَ وَيُغِيلُهُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الْمُرْضِعَ إِذَا بَاشَرَهَا الرَّجُلُ حَرَّكَ مِنْهَا دَمَ الطَّمْثِ وَأَهَاجَهُ لِلْخُرُوجِ، فَلَا يَبْقَى اللَّبَنُ عَلَى اعْتِدَالِهِ وَطِيبِهِ، وَرُبَّمَا حَمَلَتِ الْمَوْطُوءَةُ فَيَكُونُ مِنْ أَضَرِّ الْأُمُورِ عَلَى الرَّضِيعِ لِأَنَّ جِهَةَ الدَّمِ حِينَئِذٍ تَنْصَرِفُ فِي تَغْذِيَةٍ فَيَصِيرُ لَبَنُهَا رَدِيئًا فَيَضْعُفُ الرَّضِيعُ، فَهَذَا وَجْهُ الْإِرْشَادِ لَهُمْ إِلَى تَرْكِهِ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُ عَلَيْهِمْ وَلَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ دَائِمًا لِكُلِّ مَوْلُودٍ.

ص: 377

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1293 -

1281 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ ( «عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ» ) وَصَفَهَا بِذَلِكَ تَحَرُّزًا عَمَّا شَكَّ وُصُولُهُ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ ( «يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ» ) وَلِابْنٍ وَضَّاحٍ: وَهِيَ، أَيِ الْخَمْسُ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ ( «فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ» ) الْمَنْسُوخِ، فَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَشْرَ نُسِخَتْ بِخَمْسٍ، وَلَكِنَّ هَذَا النَّسْخَ تَأَخَّرَ حَتَّى تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم وَبَعْضُ النَّاسِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ، فَصَارَ يَتْلُوهُ قُرْآنًا، فَلَمَّا بَلَغَهُ تَرَكَ، فَالْعَشْرُ عَلَى قَوْلِهَا مَنْسُوخَةُ الْحَكَمِ وَالتِّلَاوَةِ، وَالْخَمْسُ مَنْسُوخَةُ التِّلَاوَةِ فَقَطْ كَآيَةِ الرَّجْمِ، وَمَنْ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْعَشَرَةِ يُعِيدُ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا وَيَكُونُ مَنْ يَقْرَؤُهَا لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ تِلَاوَتَهَا كَانَتْ ثَابِتَةً وَتَرَكُوهَا لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَحْفُوظٌ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَبِهِ تَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِهِ لَا يَقَعُ التَّحْرِيمُ إِلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا وَهِيَ قَدْ أَضَافَتْهُ إِلَى الْقُرْآنِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهَا فِي الْعَمَلِ بِهِ فَلَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا قُرْآنٍ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهَا، وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِالْآحَادِ،

ص: 377

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا لَمْ يَثْبُتُ أَنَّهُ قُرْآنٌ، بَقِيَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي عَدَدِ الرَّضَعَاتِ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الْعَمَلِيَّةَ يَصِحُّ التَّمَسُّكُ فِيهَا بِالْآحَادِ، قِيلَ هَذَا وَإِنْ قَالَهُ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ فَقَدْ أَنْكَرَهُ حُذَّاقُهُمْ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْفَعْهُ فَلَيْسَ بِقُرْآنٍ وَلَا حَدِيثٍ، وَأَيْضًا لَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ، وَأَيْضًا وَرَدَ بِطْرِيقِ الْآحَادِ فِيمَا جَرَتِ الْعَادَةُ فِيهِ التَّوَاتُرُ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا لَمْ تَرْفَعْهُ أَوْ لَمْ يَتَوَاتَرْ لِأَنَّهُ نُسِخَ. قُلْنَا: قَدْ أَجَبْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فَالْمَنْسُوخُ لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَكَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ:" وَهِيَ مِمَّا يُتْلَى مِنَ الْقُرْآنِ " أَيْ مِنَ الْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ، فَلَوْ أَرَادَتْ مِنَ الْقُرْآنِ الثَّابِتِ لَاشْتَهَرَ عِنْدَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا اشْتَهَرَ سَائِرُ الْقُرْآنِ، وَلِذَا قَالَ (مَالِكٌ: وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا) بَلْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَلَوْ بِمَصَّةٍ وَصَلَتْ لِلْجَوْفِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَأَحَادِيثِ الرَّضَاعِ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ حَتَّى قَالَ اللَّيْثُ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ فِي الْمَهْدِ مَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ، حَكَاهُ فِي التَّمْهِيدِ، وَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَأَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ وَجَهَابِذَةُ الْمُحَدِّثِينَ قَدْ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِحَدِيثٍ مَعَ رِوَايَتِهِمْ لَهُ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِهِ كَهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّمَا تَرَكُوهُ لِعِلَّةٍ كَنَسْخٍ أَوْ مُعَارِضٍ يُوجِبُ تَرْكَهُ فَيَرْجِعُ إِلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ الْمُطْلَقَةِ وَإِلَى قَاعِدَةٍ هِيَ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ اشْتِبَاهٌ فِي قِصَّةٍ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيهَا أَبْرَأَ لِلذِّمَّةِ، وَأَنَّهُ مَتَى تَعَارَضَ مَانِعٌ وَمُبِيحٌ قُدِّمَ الْمَانِعُ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ تَشْعِيبُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَالِكٍ فِي عَدَمِ قَوْلِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ رَوَاهُ، وَأَطَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الرَّدِّ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ بِمَا رَأَيْتُ الْإِضْرَابَ عَنْ كَلَامَيْهِمَا أَوْلَى لِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الِاسْتِطَالَةِ فِي الْكَلَامِ لِلْحَمِيَّةِ الْمَذْهَبِيَّةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ، الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ نَحْوَهُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَمْرَةَ نَحْوَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَسْأَلُهُ الْإِعَانَةَ عَلَى التَّمَامِ خَالِصًا لِوَجْهِهِ بِجَاهِ أَفْضَلِ الْأَنَامِ.

ص: 378

[كِتَاب الْبُيُوعِ]

[بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعُرْبَانِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْبُيُوعِ بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعُرْبَانِ

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ أَوْ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ ثُمَّ يَقُولُ لِلَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ تَكَارَى مِنْهُ أُعْطِيكَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ عَلَى أَنِّي إِنْ أَخَذْتُ السِّلْعَةَ أَوْ رَكِبْتُ مَا تَكَارَيْتُ مِنْكَ فَالَّذِي أَعْطَيْتُكَ هُوَ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ مِنْ كِرَاءِ الدَّابَّةِ وَإِنْ تَرَكْتُ ابْتِيَاعَ السِّلْعَةِ أَوْ كِرَاءَ الدَّابَّةِ فَمَا أَعْطَيْتُكَ لَكَ بَاطِلٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبْتَاعَ الْعَبْدَ التَّاجِرَ الْفَصِيحَ بِالْأَعْبُدِ مِنْ الْحَبَشَةِ أَوْ مِنْ جِنْسٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ لَيْسُوا مِثْلَهُ فِي الْفَصَاحَةِ وَلَا فِي التِّجَارَةِ وَالنَّفَاذِ وَالْمَعْرِفَةِ لَا بَأْسَ بِهَذَا أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ الْعَبْدَ بِالْعَبْدَيْنِ أَوْ بِالْأَعْبُدِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ إِذَا اخْتَلَفَ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ فَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُ ذَلِكَ بَعْضًا حَتَّى يَتَقَارَبَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ إِذَا انْتَقَدْتَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى جَنِينٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ إِذَا بِيعَتْ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ لَا يُدْرَى أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى أَحَسَنٌ أَمْ قَبِيحٌ أَوْ نَاقِصٌ أَوْ تَامٌّ أَوْ حَيٌّ أَوْ مَيْتٌ وَذَلِكَ يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَنْدَمُ الْبَائِعُ فَيَسْأَلُ الْمُبْتَاعَ أَنْ يُقِيلَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ وَيَمْحُو عَنْهُ الْمِائَةَ دِينَارٍ الَّتِي لَهُ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ نَدِمَ الْمُبْتَاعُ فَسَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ فِي الْجَارِيَةِ أَوْ الْعَبْدِ وَيَزِيدَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ الَّذِي اشْتَرَى إِلَيْهِ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مِائَةَ دِينَارٍ لَهُ إِلَى سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ بِجَارِيَةٍ وَبِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْ السَّنَةٍ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إِلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ إِلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ الَّذِي بَاعَهَا إِلَيْهِ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا إِلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْهُ يَبِيعُهَا بِثَلَاثِينَ دِينَارًا إِلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا بِسِتِّينَ دِينَارًا إِلَى سَنَةٍ أَوْ إِلَى نِصْفِ سَنَةٍ فَصَارَ إِنْ رَجَعَتْ إِلَيْهِ سِلْعَتُهُ بِعَيْنِهَا وَأَعْطَاهُ صَاحِبُهُ ثَلَاثِينَ دِينَارًا إِلَى شَهْرٍ بِسِتِّينَ دِينَارًا إِلَى سَنَةٍ أَوْ إِلَى نِصْفِ سَنَةٍ فَهَذَا لَا يَنْبَغِي

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

31 -

كِتَابُ الْبُيُوعِ

جَمْعُ بَيْعٍ، وَجُمِعَ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ وَبَيْعِ الدَّيْنِ وَبَيْعِ الْمَنْفَعَةِ وَالصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ لُغَةٌ: الْمُبَادَلَةُ. وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الشِّرَاءِ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

إِنَّ الشَّبَابَ الرَّابِحُ مَنْ بَاعَهُ

وَالشَّيْبُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ تِجَارُ.

يَعْنِي مَنِ اشْتَرَاهُ، وَيُطْلَقُ الشِّرَاءُ أَيْضًا عَلَى الْبَيْعِ وَمِنْهُ:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20](سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 20) سُمِّي الْبَيْعُ بَيْعًا لِأَنَّ الْبَائِعَ يَمُدُّ بَاعَهُ إِلَى الْمُشْتَرِي حَالَةَ الْعَقْدِ غَالِبًا، كَمَا يُسَمَّى صَفْقَةً ; لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَصْفِقُ يَدَهُ عَلَى يَدِ صَاحِبِهِ، لَكِنْ رَدَّ الْأَخْذَ بِأَنَّ الْبَيْعَ يَائِيٌّ وَالْبَاعَ وَاوِيٌّ. تَقُولُ: بِعْتُ الشَّيْءَ بِالضَّمِّ أَبُوعَهُ بَوْعًا إِذَا قَسَّمْتَهُ بِالْبَاعِ، وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ بَاعَ بَائِعٌ بِالْهَمْزِ وَتَحْرِيكُهُ لَحْنٌ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ مَبِيعٌ وَأَصْلُهُ مَبْيُوعٌ فَالْمَحْذُوفُ مِنْهُ وَاوُ مَفْعُولٍ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ فَهِيَ أَوْلَى بِالْحَذْفِ، قَالَهُ الْخَلِيلُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْمَحْذُوفُ عَيْنُ الْكَلِمَةِ، الْأَزْهَرِيُّ: كِلَاهُمَا صَوَابٌ، الْمَازِنِيُّ: كِلَاهُمَا حَسَنٌ، وَقَوْلُ الْأَخْفَشِ أَقْيَسُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ: الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ عَقْدَانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا قِوَامُ الْعَالَمِ ; لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجًا إِلَى الْغِذَاءِ مُفْتَقِرًا إِلَى النِّسَاءِ، وَخَلَقَ لَهُ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلَمْ يَتْرُكْهُ سُدًى يَتَصَرَّفُ بِاخْتِيَارِهِ كَيْفَ شَاءَ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: يَكْفِي رُبْعُ الْعِبَادَاتِ لَيْسَ بِشَيْءٍ إِذْ لَا يَخْلُو مُكَلَّفٌ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ.

1 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعُرْبَانِ

بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَيُقَالُ عُرْبُونٌ وَعَرْبُونٌ، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَبِالْهَمْزَةِ بَدَلَ الْعَيْنِ فِي الثَّلَاثِ وَالرَّاءُ سَاكِنَةٌ فِي الْكُلِّ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ إِعْرَابًا لِعَقْدِ الْبَيْعِ أَيْ إِصْلَاحًا وَإِزَالَةَ فَسَادٍ لِئَلَّا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ بِاشْتِرَائِهِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْعُرْبَانُ لُغَةً أَوَّلُ الشَّيْءِ.

1282 -

ص: 379

(مَالِكٌ، عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الثِّقَةِ هُنَا، وَالْأَشْبَهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، أَوِ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرٍو وَسَمِعَهُ مِنْهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ اهـ. وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لِهَيْعَةَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَقَالَ: رَوَاهُ حَبِيبٌ كَاتِبُ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَحَبِيبٌ مَتْرُوكٌ كَذَّبُوهُ اهـ. وَرِوَايَةُ حَبِيبٍ ثُمَّ ابْنِ مَاجَهْ، وَأَشْبَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْمِصْرِيُّ، فَقَدْ رَوَاهُ الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ الْهَيْثَمِ بْنِ يَمَانٍ أَبِي بِشْرٍ الرَّازِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، صَدُوقٌ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) شُعَيْبٍ، تَابِعِيٌّ صَدُوقٌ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ شُعَيْبٍ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْهُ أَوْ ضَمِيرُهُ لِعَمْرٍو، وَيُحْمَلُ عَلَى الْجَدِّ الْأَعْلَى وَهُوَ الصَّحَابِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَلِذَا احْتَجَّ الْأَكْثَرُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّ جَدَّ عَمْرٍو مُحَمَّدًا لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ، وَلَا رِوَايَةَ لَهُ بِنَاءً عَلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ لِعَمْرٍو وَأَنَّهُ الْجَدُّ الْأَدْنَى.

(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِهِ، وَمَنْ قَالَ: حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ أَوْ ضَعِيفٌ، لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُنْقَطِعًا بِحَالٍ ; إِذْ هُوَ مَا سَقَطَ مِنْهُ الرَّاوِي قَبْلَ الصَّحَابِيِّ أَوْ مَا لَمْ يَتَّصِلْ، وَهَذَا أَنَّ فِيهِ رَاوِيًا مُبْهَمًا. (قَالَ مَالِكٌ: وَ) تَفْسِيرُ (ذَلِكَ فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ، نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ) أَوِ الْمَرْأَةُ (الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ) الْأَمَةَ (أَوْ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ) ثُمَّ يَقُولُ لِلَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ تَكَارَى مِنْهُ: أُعْطِيكَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ عَلَى أَنِّي إِنْ أَخَذْتُ السِّلْعَةَ الْمُبْتَاعَةَ (أَوْ رَكِبْتُ مَا تَكَارَيْتُ مِنْكَ فَالَّذِي أَعْطَيْتُكَ هُوَ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ مِنْ كِرَاءِ الدَّابَّةِ، وَإِنْ تَرَكْتُ) بِضَمِّ التَّاءِ (ابْتِيَاعَ السِّلْعَةِ أَوْ كِرَاءَ الدَّابَّةِ فَمَا أَعْطَيْتُكَ لَكَ بَاطِلٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ) أَيْ

ص: 380

لَا رُجُوعَ لِي بِهِ عَلَيْكَ، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّرْطِ وَالْغَرَرِ وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ فَإِنْ فَاتَ مَضَى لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَقَدْ أَجَازَهُ أَحْمَدُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ إِجَازَتُهُ، وَيُرَدُّ الْعُرْبَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا يَصِحُّ مَا رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِجَازَتِهِ، فَإِنْ صَحَّ احْتَمَلَ أَنَّهُ يُحْسَبُ عَلَى الْبَائِعِ مِنَ الثَّمَنِ إِنْ تَمَّ الْبَيْعُ وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبْتَاعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيِ الْمُبْتَاعُ الْمَفْهُومُ مِنْ يَبْتَاعُ وَلِلْمَفْعُولِ فَقَوْلُهُ: (الْعَبْدَ التَّاجِرَ الْفَصِيحَ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ (بِالْأَعْبُدِ مِنَ الْحَبَشَةِ أَوْ مِنْ جِنْسٍ مِنَ الْأَجْنَاسِ، لَيْسُوا مِثْلَهُ فِي الْفَصَاحَةِ وَلَا فِي التِّجَارَةِ وَالنَّفَاذِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، الْمُضِيُّ فِي أَمْرِهِ (وَالْمَعْرِفَةِ) بِالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ (لَا بَأْسَ بِهَذَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الْعَبْدَ بِالْعَبْدَيْنِ أَوْ بِالْأَعْبُدِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ إِذَا اخْتَلَفَ فَبَانَ) ظَهَرَ (اخْتِلَافُهُ، فَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُ ذَلِكَ بَعْضًا حَتَّى يَتَقَارَبَ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ) بِالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَنَحْوِهِمَا (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ) أَيْ تَقْبِضَهُ (إِذَا انْتَقَدْتَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ) لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى جَنِينٌ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ إِذَا بِيعَتْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ لَا يُدْرَى أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى، أَمْ حَسَنٌ أَمْ قَبِيحٌ، أَوْ نَاقِصٌ أَوْ تَامٌّ، أَوْ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ؟ وَذَلِكَ يَضَعُ) يُنْقِصُ (مَنْ ثَمَنِهَا) وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ

ص: 381

ثُمَّ يَنْدَمُ فَيُسْأَلُ الْمُبْتَاعَ) الْمُشْتَرِيَ (أَنْ يُقِيلَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ وَيَمْحُو) يُزِيلُ (عَنْهُ الْمِائَةَ دِينَارٍ الَّتِي لَهُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُسْتَأْنَفٌ وَإِقَالَةٌ لَا تُهْمَةَ فِيهَا لِرُجُوعِ سِلْعَتِهِ إِلَيْهِ بِمَا اشْتَرَاهَا بِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ ذَهَبٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَلَا إِلَى أَجَلٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (وَإِنْ نَدِمَ الْمُبْتَاعُ فَسَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ فِي الْجَارِيَةِ أَوِ الْعَبْدِ وَيَزِيدُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنَ الْأَجَلِ الَّذِي اشْتَرَى إِلَيْهِ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مِائَةَ دِينَارٍ لَهُ إِلَى سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ) السَّنَةُ (بِجَارِيَةٍ وَبِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنَ السَّنَةِ) لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ (فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إِلَى أَجَلٍ) وَهُوَ مَمْنُوعٌ (وَالرَّجُلُ يَبِيعُ الْجَارِيَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ إِلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ الَّذِي بَاعَهَا إِلَيْهِ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ) لَا يَجُوزُ (وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الرِّجْلُ الْجَارِيَةَ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا إِلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْهُ يَبِيعُهَا بِثَلَاثِينَ دِينَارًا إِلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا بِسِتِّينَ دِينَارًا إِلَى سَنَةٍ أَوْ إِلَى نِصْفِ سَنَةٍ، فَصَارَ) آلَ أَمْرُهُ (إِنْ رَجَعَتْ إِلَيْهِ سِلْعَتُهُ بِعَيْنِهَا وَأَعْطَاهُ صَاحِبُهُ) الَّذِي كَانَ اشْتَرَى مِنْهُ (ثَلَاثِينَ دِينَارًا إِلَى شَهْرٍ بِسِتِّينَ دِينَارًا إِلَى سَنَةٍ أَوْ إِلَى نِصْفِ سَنَةٍ فَهَذَا لَا يَنْبَغِي)

ص: 382

أَيْ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ حِيلَةٌ لِلرِّبَا، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ بِنَاءً عَلَى قَطْعِ الذَّرَائِعِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنَ قَصَدَا إِلَيْهِ، وَأَبَى ذَلِكَ الْأَكْثَرُ وَالشَّافِعِيُّ حَيْثُ لَا قَصْدَ لِأَنَّ تُهْمَةَ الْمُسْلِمِ بِمَا لَا يَحِلُّ حَرَامٌ، فَلَا يُفْسَخُ مَا ظَاهِرُهُ حَلَالٌ بِالظَّنِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ: إِنَّ أُمَّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَتْ لِعَائِشَةَ: إِنِّي بِعْتُ لِزَيْدٍ عَبْدًا إِلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةٍ فَاحْتَاجَ إِلَى ثَمَنِهِ فَاشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ بِسِتِّمِائَةٍ فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ، أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أُبْطِلَ جِهَادُهُ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم إِنْ لَمْ يَتُبْ، فَقُلْتُ: إِنْ أَخَذْتُ السِّتَّمِائَةِ، قَالَتْ:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 275){وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 279) فَضَعِيفٌ وَلَفْظُهُ مُنْكَرٌ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَا يُحْبِطُهُ الِاجْتِهَادُ بَلِ الرِّدَّةُ، وَمُحَالٌ أَنَّ عَائِشَةَ تُلْزِمُ زَيْدًا التَّوْبَةَ بِرَأْيِهَا وَزَعَمَ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ احْتَمَلَ أَنَّهَا أَنْكَرَتِ الْبَيْعَ إِلَى الْعَطَاءِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رَجَعَ إِلَى الْقِيَاسِ وَهُوَ مَعَ زَيْدٍ لِأَنَّ السِّلْعَةَ الْمُشْتَرَاةَ إِلَى أَجَلٍ مَالٌ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ بَيْعُهَا بِمَا شَاءَ مِمَّنْ شَاءَ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ مُلَخَّصًا.

ص: 383

[بَاب مَا جَاءَ فِي مَالِ الْمَمْلُوكِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُبْتَاعَ إِنْ اشْتَرَطَ مَالَ الْعَبْدِ فَهُوَ لَهُ نَقْدًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا يُعْلَمُ أَوْ لَا يُعْلَمُ وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْمَالِ أَكْثَرُ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ كَانَ ثَمَنُهُ نَقْدًا أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا وَذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهِ زَكَاةٌ وَإِنْ كَانَتْ لِلْعَبْدِ جَارِيَةٌ اسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِمِلْكِهِ إِيَّاهَا وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ كَاتَبَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَإِنْ أَفْلَسَ أَخَذَ الْغُرَمَاءُ مَالَهُ وَلَمْ يُتَّبَعْ سَيِّدُهُ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي مَالِ الْمَمْلُوكِ

1295 -

1283 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ) أَبَاهُ (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ) أَيْ لِلْعَبْدِ فَفِي إِضَافَتِهِ الْمَالَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَمْلِكُ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ السَّيِّدُ، لَكِنَّهُ إِذَا بَاعَهُ قَبْلَ الِانْتِزَاعِ (فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ) نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ كُلَّهُ مَالٌ فَبَاعَ بَعْضُهُ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ كَأَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ شَيْئًا أَصْلًا لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا، وَقَالُوا: الْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ وَالِانْتِفَاعِ لَا لِلْمِلْكِ كَجُلِّ الدَّابَّةِ وَسَرْجِ الْفَرَسِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، فَأَضَافَ الْمِلْكَ إِلَيْهِ وَإِلَى الْبَائِعِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ كُلُّهُ مَمْلُوكًا لِاثْنَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَثَبَتَ أَنَّ إِضَافَةَ الْمِلْكِ إِلَى الْعَبْدِ مَجَازٌ أَيْ لِلِاخْتِصَاصِ، وَإِلَى الْمَوْلَى حَقِيقَةٌ أَيْ لِلْمِلْكِ، كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ:(إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ) فَيَكُونُ لَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ، وَهَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ مَوْقُوفًا. وَرَوَاهُ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ أَحَدُ

ص: 383

الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا سَالِمٌ وَنَافِعٌ فَرَفَعَهَا سَالِمٌ وَوَقَّفَهَا نَافِعٌ اهـ، وَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ. وَالثَّانِي: وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا، أَيْ يَدَيْهِ. وَالثَّالِثُ: النَّاسُ كَإِبِلِ مِائَةٍ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً. وَالرَّابِعُ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعَشْرُ، فَرَفَعَ الْأَرْبَعَةَ سَالِمٌ، وَوَقَّفَهَا نَافِعٌ، وَرَجَّحَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ رِوَايَةَ نَافِعٍ هُنَا وَإِنْ كَانَ سَالِمٌ أَحْفَظَ مِنْهُ، نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُمَا، وَكَذَا رَجَّحَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ. وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رِوَايَةَ سَالِمٍ أَصَحُّ. وَفِي التَّمْهِيدِ: إِنَّهَا لَصَوَابٌ. وَفِي الْعِلَلِ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ تَصْحِيحُهُمَا جَمِيعًا، وَلَعَلَّهُ أَشْبَهُ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ إِذَا رَفَعَهُ لَمْ يَذْكُرْ أَبَاهُ وَهِيَ رِوَايَةُ سَالِمٍ، وَإِذَا وَقَفَهُ ذَكَرَ أَبَاهُ وَهِيَ رِوَايَةُ نَافِعٍ، فَتَحْصُلُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثَ بِهِ سَالِمًا، وَسَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ عُمَرَ مَوْقُوفًا فَحَدَّثَ بِهِ نَافِعًا، فَصَحَّتْ رِوَايَةُ سَالِمٍ وَنَافِعٍ جَمِيعًا، وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْهُمَا. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَسُفْيَانُ ضَعِيفٌ، قَالَ الْمِزِّيُّ: وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِلَا وَاسِطَةَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ: هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ وَقْفُهُ.

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (أَنَّ الْمُبْتَاعَ) الْمُشْتَرِيَ (إِنِ اشْتَرَطَ مَالَ الْعَبْدِ فَهُوَ لَهُ نَقْدًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا) عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ مَالَهُ تَبَعٌ غَيْرُ مَنْظُورٍ إِلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّبَا، وَيُرَدُّ عَلَيْهِمَا الْحَدِيثُ، وَسَوَاءٌ كَانَ (يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ) عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا. (وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مِنَ الْمَالِ أَكْثَرُ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ) مُبَالَغَةً فَأَوْلَى إِنْ كَانَ قَدْرَهُ أَوْ أَقَلَّ، وَسَوَاءٌ كَانَ (نَقْدًا أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهِ زَكَاةٌ) فَهُوَ يَمْلِكُ (وَ) إِنَّهُ (إِنْ كَانَتْ لِلْعَبْدِ جَارِيَةٌ اسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِمِلْكِهِ إِيَّاهَا) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ ; إِذْ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَطْءُ مِلْكِ الْغَيْرِ. (وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ كَاتَبَ تَبِعَهُ مَالُهُ) إِنْ لَمْ يَنْتَزِعْهُ السَّيِّدُ قَبْلَهُمَا (وَإِذَا أَفْلَسَ أَخَذَ الْغُرَمَاءُ) أَصْحَابُ الدُّيُونِ (مَالَهُ وَلَمْ يُتَّبَعْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (سَيِّدُهُ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِالْقِيَاسِ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِمَا أَفَادَهُ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ وَجَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْمَدِينَةِ، وَمُرَادُهُ التَّقْوِيَةُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عِنْدَهُ.

ص: 384

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْعُهْدَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ وَهِشَامَ بْنَ إِسْمَعِيلَ كَانَا يَذْكُرَانِ فِي خُطْبَتِهِمَا عُهْدَةَ الرَّقِيقِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ يُشْتَرَى الْعَبْدُ أَوْ الْوَلِيدَةُ وَعُهْدَةَ السَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ مَا أَصَابَ الْعَبْدُ أَوْ الْوَلِيدَةُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ يُشْتَرَيَانِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنَّ عُهْدَةَ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ مِنْ الْعُهْدَةِ كُلِّهَا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِمْ بِالْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ فَإِنْ كَانَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ الْبَرَاءَةُ وَكَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا وَلَا عُهْدَةَ عِنْدَنَا إِلَّا فِي الرَّقِيقِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

3 -

1296 1284 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعُهْدَةِ

- (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ (أَنَّ أَبَانَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَخِفَّةِ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنَ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ الْأُمَوِيَّ الْمَدَنِيَّ (وَهِشَامَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ) بْنِ هِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ، وَلِي الْمَدِينَةَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (كَانَا يَذْكُرَانِ فِي خُطْبَتِهِمَا) أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ إِذَا خَطَبَ (عُهْدَةَ الرَّقِيقِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ يُشْتَرَى الْعَبْدُ أَوِ الْوَلِيدَةُ) أَيِ الْأَمَةُ (وَعُهْدَةَ السَّنَةِ) فَالْعَمَلُ بِهِمَا أَمْرٌ قَائِمٌ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْقُضَاةُ مُنْذُ أَدْرَكْنَا يَقْضُونَ بِهَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: " «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثٌ» ". وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: " «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» ". وَلَمْ يَسْمَعِ الْحَسَنُ عَنْ عُقْبَةَ، وَفِي سَمَاعِهِ مِنْ سَمُرَةَ خِلَافٌ، وَلِذَا ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ عُقْبَةَ لَكِنِ اعْتَضَدَ بِحَدِيثِ سَمُرَةَ وَبِعَمَلِ الْمَدِينَةِ (قَالَ مَالِكٌ: مَا أَصَابَ الْعَبْدُ أَوِ الْوَلِيدَةُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ) مِنْ كُلِّ حَادِثٍ (مِنْ حِينِ يَشْتَرِيَانِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الثَّلَاثَةُ، فَهُوَ مِنَ الْبَائِعِ) أَيْ عَلَيْهِ، فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ (وَإِنَّ عُهْدَةَ السَّنَةِ مِنَ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ) فَهِيَ قَلِيلَةُ الضَّمَانِ كَثِيرَةُ الزَّمَانِ، عَكْسُ الْأُولَى (فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ مِنَ الْعُهْدَةِ كُلِّهَا) وَإِنَّمَا يَقْضِي بِهِمَا إِنْ شَرَطَا أَوِ اعْتِيدَا فِي رِوَايَةِ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ عَنْهُ: يَقْضِي بِهِمَا مُطْلَقًا (وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِمْ بِالْبَرَاءَةِ، فَقَدْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ) عَنِ الْمُشْتَرِي

ص: 385

(فَإِنْ كَانَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ الْبَرَاءَةُ، وَكَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا) أَيْ لَهُ رَدُّهُ (وَلَا عُهْدَةَ عِنْدَنَا إِلَّا فِي الرَّقِيقِ) وَالْمُرَادُ بِهَا كَوْنُهُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْعَقْدِ.

ص: 386

[بَاب الْعَيْبِ فِي الرَّقِيقِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ غُلَامًا لَهُ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِالْغُلَامِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ الرَّجُلُ بَاعَنِي عَبْدًا وَبِهِ دَاءٌ لَمْ يُسَمِّهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بِعْتُهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَضَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ فَصَحَّ عِنْدَهُ فَبَاعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِ مِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ ابْتَاعَ وَلِيدَةً فَحَمَلَتْ أَوْ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَكُلَّ أَمْرٍ دَخَلَهُ الْفَوْتُ حَتَّى لَا يُسْتَطَاعَ رَدُّهُ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ إِنَّهُ قَدْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ الَّذِي بَاعَهُ أَوْ عُلِمَ ذَلِكَ بِاعْتِرَافٍ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ فَيُرَدُّ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ وَبِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ ثُمَّ يَظْهَرُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ يَرُدُّهُ مِنْهُ وَقَدْ حَدَثَ بِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ آخَرُ إِنَّهُ إِذَا كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي حَدَثَ بِهِ مُفْسِدًا مِثْلُ الْقَطْعِ أَوْ الْعَوَرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُفْسِدَةِ فَإِنَّ الَّذِي اشْتَرَى الْعَبْدَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ الَّذِي كَانَ بِالْعَبْدِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ وُضِعَ عَنْهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَغْرَمَ قَدْرَ مَا أَصَابَ الْعَبْدَ مِنْ الْعَيْبِ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرُدُّ الْعَبْدَ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ عِنْدَ الَّذِي اشْتَرَاهُ أُقِيمَ الْعَبْدُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُهُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ عَيْبٍ مِائَةَ دِينَارٍ وَقِيمَتُهُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ وَبِهِ الْعَيْبُ ثَمَانُونَ دِينَارًا وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْقِيمَةُ يَوْمَ اشْتُرِيَ الْعَبْدُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ رَدَّ وَلِيدَةً مِنْ عَيْبٍ وَجَدَهُ بِهَا وَكَانَ قَدْ أَصَابَهَا أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي إِصَابَتِهِ إِيَّاهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً أَوْ حَيَوَانًا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فِيمَا بَاعَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ فِي ذَلِكَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ فَإِنْ كَانَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ تَبْرِئَتُهُ وَكَانَ مَا بَاعَ مَرْدُودًا عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْجَارِيَةِ تُبَاعُ بِالْجَارِيتَيْنِ ثُمَّ يُوجَدُ بِإِحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ عَيْبٌ تُرَدُّ مِنْهُ قَالَ تُقَامُ الْجَارِيَةُ الَّتِي كَانَتْ قِيمَةَ الْجَارِيَتَيْنِ فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُهَا ثُمَّ تُقَامُ الْجَارِيتَانِ بِغَيْرِ الْعَيْبِ الَّذِي وُجِدَ بِإِحْدَاهُمَا تُقَامَانِ صَحِيحَتَيْنِ سَالِمَتَيْنِ ثُمَّ يُقْسَمُ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الَّتِي بِيعَتْ بِالْجَارِيتَيْنِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ ثَمَنِهِمَا حَتَّى يَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَفِعَةِ بِقَدْرِ ارْتِفَاعِهَا وَعَلَى الْأُخْرَى بِقَدْرِهَا ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى الَّتِي بِهَا الْعَيْبُ فَيُرَدُّ بِقَدْرِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا مِنْ تِلْكَ الْحِصَّةِ إِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً وَإِنَّمَا تَكُونُ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ عَلَيْهِ يَوْمَ قَبْضِهِمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ فَيُؤَاجِرُهُ بِالْإِجَارَةِ الْعَظِيمَةِ أَوْ الْغَلَّةِ الْقَلِيلَةِ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا يُرَدُّ مِنْهُ إِنَّهُ يَرُدُّهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ وَتَكُونُ لَهُ إِجَارَتُهُ وَغَلَّتُهُ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ بِبَلَدِنَا وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ عَبْدًا فَبَنَى لَهُ دَارًا قِيمَةُ بِنَائِهَا ثَمَنُ الْعَبْدِ أَضْعَافًا ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا يُرَدُّ مِنْهُ رَدَّهُ وَلَا يُحْسَبُ لِلْعَبْدِ عَلَيْهِ إِجَارَةٌ فِيمَا عَمِلَ لَهُ فَكَذَلِكَ تَكُونُ لَهُ إِجَارَتُهُ إِذَا آجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ ابْتَاعَ رَقِيقًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَوَجَدَ فِي ذَلِكَ الرَّقِيقِ عَبْدًا مَسْرُوقًا أَوْ وَجَدَ بِعَبْدٍ مِنْهُمْ عَيْبًا إِنَّهُ يُنْظَرُ فِيمَا وُجِدَ مَسْرُوقًا أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنْ كَانَ هُوَ وَجْهَ ذَلِكَ الرَّقِيقِ أَوْ أَكْثَرَهُ ثَمَنًا أَوْ مِنْ أَجْلِهِ اشْتَرَى وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْفَضْلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي وُجِدَ مَسْرُوقًا أَوْ وُجِدَ بِهِ الْعَيْبُ مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ وَجْهَ ذَلِكَ الرَّقِيقِ وَلَا مِنْ أَجْلِهِ اشْتُرِيَ وَلَا فِيهِ الْفَضْلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ رُدَّ ذَلِكَ الَّذِي وُجِدَ بِهِ الْعَيْبُ أَوْ وُجِدَ مَسْرُوقًا بِعَيْنِهِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ أُولَئِكَ الرَّقِيقَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

4 -

بَابُ الْعَيْبِ فِي الرَّقِيقِ

1297 -

1285 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ غُلَامًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ) مِنَ الْعُيُوبِ (فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: بِالْغُلَامِ دَاءٌ) بِالْمَدِّ، مَرَضٌ (لَمْ تُسَمِّهِ لِي، فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: بَاعَنِي) ابْنُ عُمَرَ (عَبْدًا وَبِهِ دَاءٌ لَمْ يُسَمِّهِ لِي، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بِعْتُهُ: بِالْبَرَاءَةِ، فَقَضَى عُثْمَانُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ: لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدُ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ، فَصَحَّ) الْعَبْدُ (عِنْدَهُ، فَبَاعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ) عَوَّضَهُ اللَّهُ لِإِجْلَالِهِ أَنْ يَحْلِفَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا ضَعُفَ ثَمَنُهُ أَوْ لَا. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنِ ابْتَاعَ وَلِيدَةً فَحَمَلَتْ) مِنْهُ (أَوْ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، وَكُلَّ أَمْرٍ دَخْلَهُ الْفَوْتُ) مَصْدَرُ فَاتَ (حَتَّى لَا يُسْتَطَاعَ رَدُّهُ) كَالْعِتْقِ وَالْإِيلَاءِ الْمَذْكُورَيْنِ لَأَفَاتَتْهُ الْمَقْصُودُ (فَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَنَّهُ قَدْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ

ص: 386

عِنْدَ الَّذِي بَاعَهُ أَوْ عُلِمَ ذَلِكَ بِاعْتِرَافٍ مِنَ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ) كَشَهَادَةِ ذِي الْمَعْرِفَةِ بِقَدَمِهِ (فَإِنَّ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ فَيُرَدُّ) مِنَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي (مِنَ الثَّمَنِ قَدْرُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ وَبِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ) لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ ثُمَّ يَظْهَرُ) يَطَّلِعُ (مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ يَرُدُّهُ مِنْهُ) أَيْ يُوجِبُ لَهُ رَدُّهُ (وَقَدْ حَدَثَ بِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ آخَرُ إِنَّهُ إِنْ كَانَ الَّذِي حَدَثَ بِهِ مُفْسِدًا مِثْلَ الْقَطْعِ أَوِ الْعَوَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ، فَقَدْ بَصُرَ إِحْدَى عَيْنَيْهِ (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعُيُوبِ الْمَفْسَدَةِ) الْمُتَوَسِّطَةِ (فَإِنَّ الَّذِي اشْتَرَى الْعَبْدَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) أَحَبُّهُمَا إِلَيْهِ (إِنَّ أَحَبَّ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ الَّذِي كَانَ بِالْعَبْدِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ وُضِعَ عَنْهُ) وَلَزِمَهُ (وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَغْرَمَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، يَدْفَعَ (قَدْرَ مَا أَصَابَ الْعَبْدَ مِنَ الْعَيْبِ) الْحَادِثِ (ثُمَّ يَرُدُّ الْعَبْدَ، فَلَهُ ذَلِكَ) وَخَيْرُ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ لِسَبْقِ عَيْبِهِ.

(وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ عِنْدَ الَّذِي اشْتَرَاهُ أُقِيمَ) أَيْ قُوِّمَ (الْعَبْدُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ) وَبَيَّنَ صِفَةَ التَّقْوِيمِ بِقَوْلِهِ: (فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُهُ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ عَيْبٍ مِائَةَ دِينَارٍ وَقِيمَتُهُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ وَبِهِ الْعَيْبُ ثَمَانُونَ دِينَارًا، وُضِعَ عَنِ الْمُشْتَرِي مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ) وَهِيَ الْعِشْرُونَ فِي مِثَالِهِ (وَإِنَّمَا تَكُونُ الْقِيمَةُ يَوْمَ اشْتُرِيَ الْعَبْدُ) وَلَوْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ بَعْدَهُ. (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّ مَنْ رَدَّ وَلِيدَةً مِنْ) أَجْلِ (عَيْبٍ وَجَدَهُ

ص: 387

بِهَا، وَكَانَ قَدْ أَصَابَهَا) قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ (أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي إِصَابَتِهَا شَيْءٌ ; لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهَا) وَإِصَابَةُ الثَّيِّبِ مِنَ الْخَفِيفِ. (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً أَوْ حَيَوَانًا بِالْبَرَاءَةِ) مِنَ الْعُيُوبِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ (مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَقَدْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فِيمَا بَاعَ) عَائِدٌ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلِيدَةِ، قَالَ أَشْهَبُ: إِنَّكَ ذَكَرْتَ الْبَرَاءَةَ فِي الْحَيَوَانِ، قَالَ: إِنَّمَا أُرِيدُ الْعَبْدَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَبَيَّنَ مَالِكٌ أَنَّ الْحَيَوَانَ دَخَلَ فِي دَرَجِ الْكَلَامِ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَفْتَى بِهِ مَرَّةً فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى تَخْصِيصِهَا بِالرَّقِيقِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ فِي ذَلِكَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ، فَإِنْ كَانَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ) عَنِ الْمُشْتَرِي (لَمْ يَنْفَعْهُ تَبْرِئَتُهُ، وَكَانَ مَا بَاعَ مَرْدُودًا عَلَيْهِ) أَيْ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ وَأَعَادَ هَذَا، وَإِنْ قَدَّمَهُ قَرِيبًا لِنِسْبَتِهِ لِعَمَلِ الْمَدِينَةِ فَلَا تَكْرَارَ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْجَارِيَةِ تُبَاعُ بِالْجَارِيَتَيْنِ ثُمَّ يُوجَدُ بِإِحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ عَيْبٌ تُرَدُّ مِنْهُ، قَالَ: تُقَامُ) أَيْ تُقَوَّمُ (الْجَارِيَةُ الَّتِي كَانَتْ قِيمَةَ الْجَارِيَتَيْنِ فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُهَا، ثُمَّ تُقَامُ) تُقَوَّمُ (الْجَارِيَتَانِ بِغَيْرِ الْعَيْبِ الَّذِي وُجِدَ بِإِحْدَاهُمَا تُقَامَانِ صَحِيحَتَيْنِ سَالِمَتَيْنِ، ثُمَّ يُقْسَمُ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الَّتِي بِيعَتْ بِالْجَارِيَتَيْنِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ ثَمَنِهِمَا حَتَّى يَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهَا عَلَى الْمُرْتَفِعَةِ) الَّتِي لَا عَيْبَ فِيهَا (بِقَدْرِ ارْتِفَاعِهَا) زِيَادَتِهَا فِي الثَّمَنِ لِعَدَمِ الْعَيْبِ (وَعَلَى الْأُخْرَى) الْمَعِيبَةِ (بِقِدْرِهَا، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى الَّتِي بِهَا الْعَيْبُ فَيُرَدُّ بِقَدْرِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا مِنْ تِلْكَ الْحِصَّةِ إِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً) يَعْنِي لَا فَرْقَ

ص: 388

(إِنَّمَا يَكُونُ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ عَلَيْهِ يَوْمَ قَبْضِهِمَا. قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ فَيُؤَاجِرُهُ بِالْإِجَارَةِ الْعَظِيمَةِ أَوِ الْغَلَّةِ الْقَلِيلَةِ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا يُرَدُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَجْلِهِ (إِنَّهُ يَرُدُّهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ، وَيَكُونُ لَهُ إِجَارَتُهُ وَغَلَّتُهُ) وَلَوْ كَثُرَتْ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْقَلِيلَةِ إِنَّمَا وَقَعَ فِي السُّؤَالِ (وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ) الْعُلَمَاءُ (بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ (وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ عَبْدًا فَبَنَى لَهُ دَارًا قِيمَةُ بِنَائِهَا ثَمَنُ الْعَبْدِ أَضْعَافًا، ثُمَّ يُوجَدُ بِهِ عَيْبٌ يَرُدُّهُ مِنْهُ رَدَّهُ، وَلَا يُحْسَبُ لِلْعَبْدِ عَلَيْهِ إِجَارَةٌ) أَيْ أُجْرَةٌ (فِيمَا عَمِلَ لَهُ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ لَهُ إِجَارَتُهُ إِذَا آجَرَهُ مَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ) وَمَنْ عَلَيْهِ الْغُرْمُ لَهُ الْغُنْمُ (وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ غُلَامًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَخَاصَمَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: قَدِ اسْتَغَلَّ غُلَامِي، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنِ ابْتَاعَ) اشْتَرَى (رَقِيقًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ عَقْدٍ وَاحِدٍ (فَوَجَدَ فِي ذَلِكَ الرَّقِيقِ عَبْدًا مَسْرُوقًا، أَوْ وَجَدَ بِعَبْدٍ مِنْهُمْ عَيْبًا، أَنَّهُ يَنْظُرُ فِيمَا وُجِدَ مَسْرُوقًا أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنْ كَانَ هُوَ وَجْهَ) أَيْ أَعْلَى وَأَحْسَنَ (ذَلِكَ الرَّقِيقِ أَوْ أَكْثَرَهُ ثَمَنًا أَوْ مِنْ أَجْلِهِ اشْتَرَى وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْفَضْلُ) الزِّيَادَةُ لَوْ سَلِمَ مِنَ الْعَيْبِ (فِيمَا يَرَى النَّاسُ، كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا كُلُّهُ) وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ (وَإِنْ كَانَ الَّذِي وُجِدَ مَسْرُوقًا أَوْ وُجِدَ بِهِ الْعَيْبُ مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ مِنْهُ، لَيْسَ هُوَ وَجْهَ ذَلِكَ الرَّقِيقِ وَلَا مِنْ أَجْلِهِ اشْتُرِيَ وَلَا فِيهِ الْفَضْلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ)

ص: 389

أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ (رُدَّ ذَلِكَ الَّذِي وُجِدَ بِهِ الْعَيْبُ أَوْ وُجِدَ مَسْرُوقًا بِعَيْنِهِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ أُولَئِكَ الرَّقِيقَ) وَتَمَسَّكَ بِالْبَاقِي بِثَمَنِهِ.

ص: 390

[بَاب مَا يُفْعَلُ فِي الْوَلِيدَةِ إِذَا بِيعَتْ وَالشَّرْطُ فِيهَا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعَودٍ ابْتَاعَ جَارِيَةً مِنْ امْرَأَتِهِ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنَّكَ إِنْ بِعْتَهَا فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ الَّذِي تَبِيعُهَا بِهِ فَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5 -

بَابُ مَا يُفْعَلُ فِي الْوَلِيدَةِ إِذَا بِيعَتْ وَالشَّرْطُ فِيهَا

جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ فِيهَا الشَّرْطُ.

1298 -

1286 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (ابْنِ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ابْتَاعَ جَارِيَةً مِنِ امْرَأَتِهِ زَيْنَبَ) بِنْتِ مُعَاوِيَةَ أَوِ ابْنَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَيُقَالُ: بِنْتُ أَبِي مُعَاوِيَةَ (الثَّقَفِيَّةِ) صَحَابِيَّةٌ، وَلَهَا رِوَايَةٌ عَنْ زَوْجِهَا (وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ: أَنَّكَ إِنْ بِعْتَهَا فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ الَّذِي تَبِيعُهَا بِهِ، فَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) مَفْعُولُ سَأَلَ (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ) مُنَاقِضٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ ; لِأَنَّكَ لَمْ تَمْلِكْهَا فَلَا يَحِلُّ لَكَ قُرْبَانُهَا.

ص: 390

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إِلَّا وَلِيدَةً إِنْ شَاءَ بَاعَهَا وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا أَنْ يَهَبَهَا فَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَمْ يَمْلِكْهَا مِلْكًا تَامًّا لِأَنَّهُ قَدْ اسْتُثْنِيَ عَلَيْهِ فِيهَا مَا مَلَكَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ فَإِذَا دَخَلَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَصْلُحْ وَكَانَ بَيْعًا مَكْرُوهًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1299 -

1287 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إِلَّا وَلِيدَةً إِنْ شَاءَ بَاعَهَا وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) كَعِتْقٍ

ص: 390

وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ، وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يَشُوبُ مِلْكَهَا شَيْءٌ

. (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنِ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى شَرْطِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهَا وَلَا يَهَبُهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) مِنَ الشُّرُوطِ الْمُنَافِيَةِ لِعَقْدِ الْبَيْعِ (فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا أَنْ يَهَبَهَا، فَإِذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَمْ يَمْلِكْهَا مَلِكًا تَامًّا لِأَنَّهُ قَدِ اسْتُثْنِيَ) اشْتُرِطَ (عَلَيْهِ فِيهَا مَا مَلَكَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ، فَإِذَا دَخَلَ هَذَا الشَّرْطُ) فِي عَقْدِ الْبَيْعِ (لَمْ يَصْلُحْ) مِنَ الصَّلَاحِ ضِدُّ الْفَسَادِ (وَكَانَ بَيْعًا مَكْرُوهًا) أَيْ مَمْنُوعًا لِفَسَادِهِ بِالشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ:" «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ". زَادَ ابْنُ وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ لِلْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنِ اشْتَرَاهَا بِشَرْطٍ فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ فَلِلْبَائِعِ قِيمَتُهَا يَوْمَ بَاعَهَا وَتَحِلُّ لِسَيِّدِهَا فِيمَا يَسْتَقْبِلُ.

ص: 391

[بَاب النَّهْيِ عَنْ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَلَهَا زَوْجٌ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ أَهْدَى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ جَارِيَةً وَلَهَا زَوْجٌ ابْتَاعَهَا بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ عُثْمَانُ لَا أَقْرَبُهَا حَتَّى يُفَارِقَهَا زَوْجُهَا فَأَرْضَى ابْنُ عَامِرٍ زَوْجَهَا فَفَارَقَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

6 -

بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَلَهَا زَوْجٌ

1300 -

1288 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ) بْنِ كُرَيْزِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وُلِدَ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وَأُتِيَ بِهِ إِلَيْهِ فَتَفَلَ عَلَيْهِ وَعَوَّذَهُ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَكَانَ جَوَّادًا شُجَاعًا مَيْمُونًا، وَلَّاهُ ابْنُ خَالِهِ عُثْمَانُ الْبَصْرَةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَافْتَتَحَ خُرَاسَانَ وَكِرْمَانَ وَغَيْرَهُمَا، وَلَهُ فِي الْجُودِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ، وَلَا رِوَايَةَ لَهُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ وَعَاشَ حَتَّى قَدِمَ الْبَصْرَةَ عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ أَمِيرُهَا. (أَهْدَى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ذِي النُّورَيْنِ (جَارِيَةً وَلَهَا زَوْجٌ، ابْتَاعَهَا) عَبْدُ اللَّهِ (بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَقْرَبُهَا) لِحُرْمَتِهِ (حَتَّى يُفَارِقَهَا زَوْجُهَا، فَأَرْضَى ابْنَ عَامِرٍ زَوْجَهَا فَفَارَقَهَا) طَلَّقَهَا فَحَلَّتْ لِعُثْمَانَ بَعْدَ الْعِدَّةِ.

ص: 391

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ابْتَاعَ وَلِيدَةً فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَرَدَّهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1301 -

1289 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ابْتَاعَ وَلِيدَةً) جَارِيَةً مِنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ كَمَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَرَدَّهَا) لِأَنَّهُ عَيْبٌ.

ص: 392

[بَاب مَا جَاءَ فِي ثَمَرِ الْمَالِ يُبَاعُ أَصْلُهُ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

7 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي ثَمَرِ الْمَالِ يُبَاعُ أَصْلُهُ

1302 -

1290 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ» ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِهَا، وَالتَّأْبِيرُ: التَّلْقِيحُ، وَهُوَ يُشَقُّ طَلْعُ الْإِنَاثِ وَيُؤْخَذُ مِنْ طَلْعِ الذَّكَرِ فَيُذَرُ فِيهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ أَجْوَدَ مِمَّا لَمْ يُؤَبَّرُ وَهُوَ خَاصٌّ بِالنَّخْلِ، وَالْحَقُّ بِهِ مَا انْعَقَدَ مِنْ ثَمَرِ غَيْرِهَا (فَثَمَرُهَا) بِمُثَلَّثَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَثَمَرَتُهَا بِمُثَلَّثَةٍ وَتَاءِ تَأْنِيثٍ (لِلْبَائِعِ) لَا لِلْمُشْتَرِي، وَيُتْرَكُ فِي النَّخْلِ إِلَى الْجُذَاذِ وَلِكِلَيْهِمَا السَّقْيُ مَا لَمْ يَضُرُّ وَصْلُهُ، فَجَعَلَ الشَّارِعُ الثَّمَرَ مَا دَامَ مُسْتَسْكِنًا فِي الطَّلْعِ، كَالْوَلَدِ فِي بَطْنِ الْحَامِلِ إِذَا بِيعَتْ كَانَ الْحَمْلُ تَابِعًا لَهَا، فَإِذَا ظَهَرَ تَمَيُّزُ حُكْمِهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ ثَمَرٍ بَارِزٍ يُرَى فِي شَجَرِهِ إِذَا بِيعَتْ أُصُولُ الشَّجَرِ لَمْ تَدْخُلْ هَذِهِ الثِّمَارُ فِي الْبَيْعِ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) أَيِ الْمُشْتَرِي أَنَّ الثَّمَرَةَ تَكُونُ لَهُ وَيُوَافِقُهُ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ قِيلَ اللَّفْظُ مُطْلَقٌ، فَمِنْ أَيْنَ يُفْهَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَطَ الثَّمَرَةَ لِنَفْسِهِ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ تَحْقِيقَ الِاسْتِثْنَاءِ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ، وَبِأَنَّ لَفْظَ الِافْتِعَالِ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ كَسَبَ لِعِيَالِهِ وَاكْتَسَبَ لِنَفْسِهِ.

وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ إِنْ لَمْ تُؤَبَّرْ فَالثَّمَرُ لِلْمُشْتَرِي، وَفِي جَوَازِ شَرْطِهَا الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ وَمَنَعَهُ قَوْلَا الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ لِلْبَائِعِ أُبِرَتْ أَوْ لَمْ تُؤَبَّرْ، وَلِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَتُهُ بِقَلْعِهَا عَنِ النَّخْلِ فِي الْحَالِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إِلَى الْجِذَاذِ، وَإِنْ شَرَطَ إِبْقَاءَهُ إِلَيْهِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، قَالَ: وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْإِبَارِ إِمَّا لِلتَّنْبِيهِ بِهِ عَلَى مَا لَمْ يُؤَبَّرْ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ نَفْيُ الْحُكْمِ عَمَّا سِوَى الْمَذْكُورِ، وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَقَدْ رَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّنْبِيهَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْأَدْنَى عَلَى

ص: 392

الْأَعْلَى وَبِالْمُشْكِلِ عَلَى الْوَاضِحِ، وَمَا ذُكِرَ خَارِجٌ عَنِ الْوَجْهَيْنِ، وَرَدَّهُ الْأَبِيُّ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ يَكُونُ أَيْضًا بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، وَحَاصِلُ مَأْخَذِ الْمُذَهَّبَيْنِ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ اسْتَعْمَلَا الْحَدِيثَ لَفْظًا وَدَلِيلًا أَيْ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا، وَيُسَمَّى فِي الْأُصُولِ دَلِيلَ الْخُطَّابِ، وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ الثَّابِتُ مِنْهُ نَقِيضُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَعْمَلَهُ بِلَا تَخْصِيصٍ، وَمَالِكًا مُخَصِّصًا بِالْمُشْتَرِي كَمَا مَرَّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ اسْتَعْمَلَهُ لَفْظًا وَمَعْقُولًا، وَتُسَمِّيهِ الْأُصُولِيُّونَ: مَعْقُولَ الْخِطَابِ، وَهُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى مُسَاوَاةِ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِلْمَنْطُوقِ، وَفِيهِ جَوَازُ تَذْكِيرِ النَّخْلِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِلْأَنْصَارِ:" «لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، فَتَرَكُوا التَّذْكِيرَ فَنَقَصَتِ الثِّمَارُ، فَقَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ وَمَا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ حَقٌّ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا، وَفِي الشُّرُوطِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي الشُّرُوطِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي التِّجَارَاتِ، كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ.

ص: 393

[بَاب النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

8 -

بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا

1303 -

1291 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ) مُنْفَرِدًا عَنِ النَّخْلِ نَهْيَ تَحْرِيمٍ (حَتَّى يَبْدُوَ) بِلَا هَمْزٍ، أَيْ يَظْهَرَ (صَلَاحُهَا) وَيَقَعُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ بِالْأَلِفِ فِي الْخَطِّ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهَا تُحْذَفُ فِي مِثْلِ هَذَا لِلنَّاصِبِ، وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي مِثْلِ زَيْدٍ يَبْدُو، وَالِاخْتِيَارُ حَذْفُهَا أَيْضًا، قَالَهُ عِيَاضٌ (نَهَى الْبَائِعَ) لِئَلَّا يَأْكُلَ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ إِذَا هَلَكَتِ الثَّمَرَةُ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَهُ (وَ) نَهَى (الْمُبْتَاعَ) أَيِ الْمُشْتَرِيَ، وَفِي نُسْخَةٍ: الْمُشْتَرِيَ، لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ فَإِنْ بَدَا الصَّلَاحُ جَازَ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَصَحَّحَ الْحَنَفِيُّ الْبَيْعَ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَعْدَهُ، وَأَبْطَلَ شَرْطَ الْإِبْقَاءِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِ حَائِطٍ كَافٍ فِي بَيْعِ جَمِيعِهِ، وَفِي بَيْعِ مَا جَاوَرَهُ لَا مَا بَعُدَ عَنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنَّمَا كَفَى بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ لِأَنَّ اللَّهَ امْتَنَّ عَلَيْنَا بِجَعْلِ الثِّمَارِ لَا تَطِيبُ دُفْعَةً وَاحِدَةً إِطَالَةَ زَمَنِ التَّفَكُّهِ، فَلَوِ اعْتُبِرَ الْجَمِيعُ لَأَدَّى إِلَى أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ قَبْلَ كَمَالِ صَلَاحِهِ أَوْ تُبَاعُ الْحَبَّةُ بَعْدَ الْحَبَّةِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَرَجٌ عَظِيمٌ، وَيَجُوزُ الْبَيْعُ قَبْلَ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إِذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ كَالْحِصْرِمِ إِجْمَاعًا، فَإِنْ كَانَ عَلَى التَّبْقِيَةِ مُنِعَ إِجْمَاعًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ

ص: 393

وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِهِ، وَأَيُّوبُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَالضَّحَّاكُ، الثَّلَاثَةُ عَنْ نَافِعٍ، نَحْوُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ.

ص: 394

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِيَ فَقَالَ حِينَ تَحْمَرُّ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1304 -

1292 - (مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ) الْخُزَاعِيِّ الْبَصْرِيِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى) تَحْرِيمًا (عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ، مِنْ أَزْهَى بِالْيَاءِ، قَالَ الْخَلِيلُ: أَزْهَى النَّخْلُ بَدَا صَلَاحُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ تَزْهُو بِالْوَاوِ وَصَوَّبَهَا بَعْضُهُمْ، وَأَنْكَرَ الْيَاءَ، وَصَوَّبَ الْخَطَّابِيُّ الْيَاءَ وَنَفَى تَزْهُوَ بِالْوَاوِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَالصَّوَابُ الرِّوَايَتَانِ عَلَى اللُّغَتَيْنِ، يُقَالُ: زَهَا يَزْهُو إِذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ، وَأَزْهَى يُزْهِي إِذَا احْمَرَّ وَاصْفَرَّ. (فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِيَ؟ فَقَالَ: حِينَ تَحْمَرُّ) بِشَدِّ الرَّاءِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الرَّفْعِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ حُمَيْدٍ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَسٍ وَالصَّوَابُ رَفْعُهُ. وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: حَتَّى تُزْهِيَ، قَالَ: حَتَّى تَحْمَارَّ، بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ فَمِيمٍ فَأَلِفٍ فَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ. (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ) بِأَنْ تَلِفَتْ (فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟) بِحَذْفِ أَلِفِ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ عِنْدَ دُخُولِ حَرْفِ الْجَرِّ مِثْلَ قَوْلِهِمْ: فِيمَ وَعَلَامَ وَحَتَّامَ، وَلَمَّا كَانَتِ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ مُتَضَمِّنَةً لِلْهَمْزَةِ وَلَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ، انْبَغَى أَنْ يُقَدَّرَ " أَبِمَ " وَالْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ، فَالْمَعْنَى لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ بَاطِلًا ; لِأَنَّهُ إِذَا تَلَفِتَ الثَّمَرَةُ لَا يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ مَا دَفَعَهُ شَيْءٌ، وَفِيهِ إِجْرَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ تَطَرُّقَ التَّلَفِ إِلَى مَا بَدَا صَلَاحُهُ مُمْكِنٌ، وَعَدَمُ تَطَرُّقِهِ إِلَى مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مُمْكِنٌ، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالْغَالِبِ فِي الْحَالَيْنِ، وَصَرَّحَ مَالِكٌ بِرَفْعِ هَذَا، وَتَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: خَالَفَ مَالِكًا جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُشَيْمٌ وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ فَقَالُوا فِيهِ: قَالَ أَنَسٌ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ. . . إِلَخْ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ التَّفْسِيرُ مَرْفُوعًا ; لِأَنَّ مَعَ الَّذِي رَفَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ عَلَى مَا عِنْدَ الَّذِي وَقَفَهُ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَنْ وَقَفَهُ مَا يَنْفِي رِوَايَةَ مَنْ رَفَعَهُ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَا يُقَوِّي رِوَايَةَ الرَّفْعِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَلَفْظُهُ:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ «بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ عَاهَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟» ". وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: رَأَيْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فِي الْمَنَامِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَرْفُوعٌ اهـ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ مُخْتَصَرًا بِدُونِ قَوْلِهِ:

ص: 394

وَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ. . . إِلَخْ، فَكَأَنَّ مَالِكًا حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَالْبُخَارِيَّ اخْتَصَرَهُ.

ص: 395

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ» قَالَ مَالِكٌ وَبَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1305 -

1293 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ) بِمُهْمَلَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ، الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، مُرْسَلًا، وَصَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى «عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنَ الْعَاهَةِ» ) وَذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ الثُّرَيَّا. (قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَلَمَّا أَبَاحَ صلى الله عليه وسلم بَيْعَهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا عَلِمَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنَ الْغَرَرِ، وَالْغَالِبُ حِينَئِذٍ سَلَامَتُهَا، فَإِنْ أَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ فَهِيَ نَادِرَةٌ لَا حُكْمَ لَهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

ص: 395

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَبِيعُ ثِمَارَهُ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ وَالْجَزَرِ إِنَّ بَيْعَهُ إِذَا بَدَا صَلَاحُهُ حَلَالٌ جَائِزٌ ثُمَّ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا يَنْبُتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ ثَمَرُهُ وَيَهْلِكَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ يُؤَقَّتُ وَذَلِكَ أَنَّ وَقْتَهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ وَرُبَّمَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ فَقَطَعَتْ ثَمَرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ فَإِذَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ بِجَائِحَةٍ تَبْلُغُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا كَانَ ذَلِكَ مَوْضُوعًا عَنْ الَّذِي ابْتَاعَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1306 -

1294 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيِّ، أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (عَنْ) أَبِيهِ (زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الصَّحَابِيِّ (أَنَّهُ كَانَ لَا يَبِيعُ ثِمَارَهُ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا، النَّجْمُ الْمَعْرُوفُ، لِأَنَّهَا تَنْجُو مِنَ الْعَاهَةِ حِينَئِذٍ) . وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا رُفِعَتِ الْعَاهَةُ عَنْ كُلِّ بَلْدَةٍ» ". وَالنَّجْمُ الثُّرَيَّا. وَلِأَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يُؤْمَنَ عَلَيْهَا الْعَاهَةُ، فَقِيلَ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: إِذَا طَلَعَتِ الثُّرَيَّا» ". وَطُلُوعُهَا صَبَاحًا يَقَعُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الصَّيْفِ، وَذَلِكَ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ وَابْتِدَاءِ نُضْجِ الثِّمَارِ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَطُلُوعُ النَّجْمِ عَلَامَةٌ لَهُ، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ خَارِجَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَزَادَ عَلَى مَا هُنَا فَيَتَبَيَّنُ الْأَصْفَرُ مِنَ الْأَحْمَرِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الْبِطِّيخِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَتَقْدِيمِ الطَّاءِ عَلَيْهَا لُغَةً (وَالْقِثَّاءِ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا، وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يَقُولُ

ص: 395

لَهُ النَّاسُ: الْخِيَارُ وَالْعَجُّورُ وَالْفَقُّوسُ، وَبَعْضُهُمْ يُطْلِقُهُ عَلَى نَوْعٍ يُشْبِهُ الْخِيَارَ (وَالْخِرْبِزِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ فَزَايٍ، صِنْفٌ مِنَ الْبِطِّيخِ مَعْرُوفٌ شَبِيهٌ بِالْحَنْظَلِ، أَمْلَسُ مُدَوَّرُ الرَّأْسِ رَقِيقُ الْجِلْدِ، قَالَهُ الْبُونِيُّ. (وَالْجَزَرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَةً، الْوَاحِدَةُ جَزَرَةٌ مَعْرُوفٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: الْجَزَرُ لَيْسَ فِي أَكْثَرِ الْمُوَطَّآتِ لِأَنَّهُ بَابٌ آخَرُ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ وَالْمَغِيبِ فِي الْأَرْضِ (أَنَّ بَيْعَهُ إِذَا بَدَا صَلَاحُهُ حَلَالٌ جَائِزٌ) هُمَا بِمَعْنًى، حَسَّنَهُ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ (ثُمَّ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا يَنْبُتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ ثَمَرُهُ وَيَهْلِكَ) بِكَسْرِ اللَّامِ (وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ يُؤَقَّتُ، وَذَلِكَ أَنَّ وَقْتَهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَرُبَّمَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ فَقَطَعَتْ ثَمَرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ) الْمَعْلُومُ لِلنَّاسِ (فَإِذَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ بِجَائِحَةٍ تَبْلُغُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا، كَانَ ذَلِكَ مَوْضُوعًا عَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ) اشْتَرَاهُ، فَإِنْ نَقَصَتْ عَنِ الثُّلُثِ لَمْ يُوضَعْ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ أَنَّ الْهَوَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَرْمِيَ بَعْضَ الثَّمَرَةِ وَيَأْكُلَ الطَّيْرُ مِنْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَقَدْ دَخَلَ الْمُبْتَاعُ عَلَى إِصَابَةِ الْيَسِيرِ وَالْيَسِيرُ الْمُحَقِّقُ مَا دُونَ الثُّلُثِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ مَرْفُوعًا:" «إِذَا بَاعَ الْمَرْءُ الثَّمَرَةَ فَأَصَابَتْهَا عَاهَةٌ فَذَهَبَتْ بِثُلُثِ الثَّمَرَةِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ الضَّيَاعُ وَعَمِلَ بِهِ» ". وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ كَانَ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَضْعَ الْجَائِحَةِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

ص: 396

[بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

9 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ

بِزِنَةِ فَعِيلَةٍ، قَالَ الْجُمْهُورُ: بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ ; لِأَنَّهَا عُرِّيَتْ بِإِعْرَاءِ مَالِكِهَا، أَيْ إِفْرَادِهِ لَهَا مِنْ بَاقِي النَّخْلِ، فَهِيَ عَارِيَةٌ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى مُفَعْوِلَةٍ، مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إِذَا أَتَاهُ ; لِأَنَّ مَالِكَهَا يَعْرُوهَا أَيْ يَأْتِيهَا فَهِيَ مَعْرُوَّةٌ وَجَمْعُهَا عَرَايَا وَهِيَ لُغَةُ النَّخْلَةِ، وَفَسَّرَهَا مَالِكٌ فَقَالَ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ نَخْلَةً ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ، فَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ، أَسْنَدَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ الْمَوْهُوبُ ثَمَرُهَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْعَرَايَا تَمْرٌ يُوهَبُ نَخْلُهَا، قَالَ الْأَبِيُّ: وَإِطْلَاقُ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ بِإِضَافَةِ الْبَيْعِ إِلَيْهَا يَمْنَعُ تَفْسِيرَهَا بِأَنَّهَا هِبَةٌ أَوْ أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَالصَّوَابُ تَفْسِيرُهَا بِأَنَّهَا مَا مُنِحَ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْبَاجِيِّ.

- 1307 1295

ص: 396

(مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ قَبْلَ الرَّاءِ، مِنَ الْإِرْخَاصِ (لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ، الرُّطَبُ أَوِ الْعِنَبُ عَلَى الشَّجَرِ (أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا، فَمَنْ فَتَحَ قَالَ: هُوَ مَصْدَرٌ أَيِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَمَنْ كَسَرَهَا قَالَ: هُوَ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَخْرُوصِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرِّوَايَةُ بِالْكَسْرِ، فَحَاصِلُهُمَا أَنَّهُ يُرْوَى بِالْوَجْهَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ فَمُهْمَلَةٍ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: كَيْلًا. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ بِإِسْنَادِهِ: رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رَطْبًا، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَأَيُّوبُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ، وَفِيهِ مِنْ لَطَائِفِ الْإِسْنَادِ صَحَابِيٌّ عَنْ صَحَابِيٍّ.

ص: 397

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ يَشُكُّ دَاوُدُ قَالَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا تُبَاعُ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ يُتَحَرَّى ذَلِكَ وَيُخْرَصُ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِيهِ لِأَنَّهُ أُنْزِلَ بِمَنْزِلَةِ التَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ وَالشِّرْكِ وَلَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ مَا أَشْرَكَ أَحَدٌ أَحَدًا فِي طَعَامِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَلَا أَقَالَهُ مِنْهُ وَلَا وَلَّاهُ أَحَدًا حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1308 -

1296 - (مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ، مُصَغَّرٌ، الْأُمَوِيِّ، مَوْلَاهُمْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ، إِلَّا فِي عِكْرِمَةَ، وَرُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالْعِجْلِيُّ، وَكَفَى بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُ تَوْثِيقًا (عَنْ أَبِي سُفْيَانَ) قِيلَ اسْمُهُ وَهْبٌ، وَقِيلَ قَزْمَانُ (مَوْلَى) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ أَبِي أَحْمَدَ) اسْمُهُ عَبْدٌ بِلَا إِضَافَةٍ، ابْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيِّ الصَّحَابِيِّ، أَخِي زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ) بِهَمْزَةٍ قَبْلَ الرَّاءِ السَّاكِنَةِ مِنَ الْإِرْخَاصِ، وَفِي رِوَايَةٍ رَخَّصَ بِشَدِّ الْخَاءِ مِنَ التَّرْخِيصِ (فِي بَيْعِ) ثَمَرِ (الْعَرَايَا) جَمْعُ عَرِيَّةٍ (بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) جَمْعُ وَسَقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا (أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، يَشُكُّ دَاوُدُ) شَيْخُ الْإِمَامِ، هَلْ (قَالَ) شَيْخُهُ أَبُو سُفْيَانَ (خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) وَبِسَبَبِ هَذَا الشَّكِّ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْإِمَامِ، فَقَصَرَ فِي الْمَشْهُورِ الْحُكْمَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ اتِّبَاعًا لِمَا وُجِدَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَلِأَنَّ الْخَمْسَةَ أَوَّلُ مَقَادِيرِ الْمَالِ

ص: 397

الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، فَقَصَرَ الرِّفْقَ عَلَى شِرَائِهَا فَمَا زَادَ عَلَيْهَا خَرَجَ إِلَى الْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي يُطْلَبُ فِيهِ التَّجْرُ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمُزَابَنَةِ، وَعَنْهُ أَيْضًا قَصَرَ الْجَوَازَ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَأَقَلَّ عَمَلًا بِالْمُحَقِّقِ ; لِأَنَّ الْخَمْسَةَ شَكٌّ فِيهَا وَالْعَرَايَا رُخْصَةٌ أَصْلُهَا الْمَنْعُ، فَيَقْصُرُ الْجَوَازُ عَلَى الْمُحَقِّقِ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَقَعَ مَقْرُونًا بِالرُّخْصَةِ فِي الْعَرَايَا، فَفِي الصَّحِيحِ:" «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَصَّ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا» ". فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ لِلشَّكِّ فِي رَفْعِ التَّحْرِيمِ، وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ لِلشَّكِّ فِي قَدْرِ التَّحْرِيمِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَالتَّحْدِيدُ إِنَّمَا هُوَ إِذَا اشْتَرَيْتَ بِخَرْصِهَا أَمَّا بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ فَجَائِزٌ لِرَبِّهَا وَلِغَيْرِهِ وَإِنَّ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا يُكَالُ، فَيُحْتَجُّ بِهِ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، يَعْنِي الْمَشْهُورَ بِتَعْمِيمِهَا فِي التَّمْرِ وَكُلُّ مَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ كَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ النَّصَّ إِنَّمَا هُوَ فِي التَّمْرِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى إِلْحَاقِ الزَّبِيبِ بِهِ وَلَا سَبَبَ لِإِلْحَاقِهِ إِلَّا أَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّمْرِ فَيَلْحَقُ بِهِ كُلَّمَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ قَصْرُهَا عَلَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَصَّصٌ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيِّ، وَفِي مَحَلٍّ آخَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، وَمُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَيَحْيَى التَّمِيمِيِّ، الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا تُبَاعُ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ، يُتَحَرَّى ذَلِكَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (وَيُخْرَصُ) يُحْزَرُ (فِي رُءُوسِ النَّخْلِ) بِأَنْ يَقُولَ الْخَارِصُ: هَذَا الرُّطَبُ الَّذِي عَلَى النَّخْلِ إِذَا يَبِسَ يَصِيرُ ثَلَاثَةَ أَوْسُقٍ مَثَلًا، فَيَشْتَرِيهَا الْمُعَرَّى مِمَّنْ أَعْرَاهَا لَهُ بِثَلَاثَةٍ تَمْرًا يُعْطِيهَا لَهُ عِنْدَ الْجُذَاذِ، عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالنَّقْدِ. (وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِيهِ) وَإِنْ مُنِعَ أَصْلُهُ فَإِنَّهَا كَمَا قَالَ عِيَاضٌ: مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ أَرْبَعَةٍ مَمْنُوعَةِ الْمُزَابَنَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ، وَرِبَا الْفَضْلِ وَالنِّسَاءِ وَالْعَوْدِ فِي الْهِبَةِ (لِأَنَّهُ أُنْزِلَ بِمَنْزِلَةِ التَّوْلِيَةِ) لِمَا اشْتَرَاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ (وَالْإِقَالَةِ) لِلْبَيْعِ (وَالشِّرْكِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، أَيْ تَشْرِيكِ غَيْرِهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ، وَكُلٌّ مِنَ الثَّلَاثَةِ مَعْرُوفٌ، فَكَذَا الْعُرْيَةُ تَجُوزُ لِلْمَعْرُوفِ أَيْ لِتَتْمِيمٍ ; لِأَنَّ الْمُعَرَّى، بِالْفَتْحِ، يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ بِهَا وَحِرَاسَتُهَا وَجَمْعُ سَوَاقِطِهَا وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ، فَرَخَّصَ لِمُعَرِّيهَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِيَكْفِيَهُ تِلْكَ الْمُؤَنَ، وَقِيلَ: عِلَّةُ ذَلِكَ رَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ الْمُعَرِّي لِتَضَرُّرِهِ بِدُخُولِ الْمُعَرَّى عَلَيْهِ فِي بُسْتَانِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى أَهْلِهِ، وَعَلَّلَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ لِلْمُعَرِّي شِرَاءُ عَرِيَّتِهِ لِوَجْهَيْنِ: إِمَّا لِرَفْعِ الضَّرَرِ، وَإِمَّا لِلرِّفْقِ فِي كِفَايَتِهِ، وَقِيلَ: عِلَّتُهُ اسْتِخْلَاصُ الرَّقَبَةِ. (وَلَوْ كَانَ) مَا ذَكَرَ مِنَ الثَّلَاثِ مَسَائِلَ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا (بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْبُيُوعِ، مَا أَشْرَكَ أَحَدٌ أَحَدًا فِي طَعَامِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ)

ص: 398

لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ (وَلَا أَقَالَهُ مِنْهُ وَلَا وَلَّاهُ أَحَدًا حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ) لِلنَّهْيِ الْآتِي عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَجَوَازُ الْمَذْكُورَاتِ لِلْمَعْرُوفِ.

ص: 399

[بَاب الْجَائِحَةِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ «ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَ حَائِطٍ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَالَجَهُ وَقَامَ فِيهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ النُّقْصَانُ فَسَأَلَ رَبَّ الْحَائِطِ أَنْ يَضَعَ لَهُ أَوْ أَنْ يُقِيلَهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَذَهَبَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَبُّ الْحَائِطِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ لَهُ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

10 -

بَابُ الْجَائِحَةِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ

الْجَائِحَةُ لُغَةً: الْمُصِيبَةُ الْمُسْتَأْصَلَةُ، جَمْعُهَا جَوَائِحُ، وَعُرْفًا مَا أُتْلِفَ مِنْ مَعْجُوزٍ عَنْ دَفْعِهِ عَادَةً قَدْرًا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ نَبَاتٍ.

1309 -

1297 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ) لُقِّبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ عَشَرَةٌ رِجَالًا كَامِلِينَ، وَكُنْيَتَهُ فِي الْأَصْلِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ (مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ (أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ) مُرْسَلٌ، وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ كَمَا يَأْتِي عَنْ عَائِشَةَ (ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَ حَائِطٍ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَالَجَهُ وَقَامَ فِيهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ النُّقْصَانُ، فَسَأَلَ) مُبْتَاعُ الثَّمَرَةِ (رَبَّ الْحَائِطِ) الْبُسْتَانِ، وَلَمْ يُسَمَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (أَنْ يَضَعَ) يُسْقِطَ (لَهُ) لِأَجْلِ النَّقْصِ شَيْئًا مِنْ ثَمَنِهِ (أَوْ أَنْ يُقِيلَهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ) الْوَضْعَ وَلَا الْإِقَالَةَ (فَذَهَبَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَأَلَّى) بِالْهَمْزِ وَشَدِّ اللَّامِ، حَلَفَ، مُبَالِغًا فِي النَّهْيِ (أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا، فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَبُّ الْحَائِطِ، فَأَتَى) هُوَ (رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ لَهُ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا أَدْرِي قَوْلَهُ: هُوَ لَهُ، هَلِ الْوَضِيعَةُ أَوِ الْإِقَالَةُ؟ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَصَلَهُ الشَّيْخَانِ بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٌ أَصْوَاتُهُمْ، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الْآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُولُ:

ص: 399

وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لَا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَلَهُ، أَيْ ذَلِكَ أَحَبُّ» ". وَجَمَعَ عِيَاضٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ بِأَنْ يَكُونَ سَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا وَلَمْ يَتَبَيَّنْ كَلَامَهُمَا، فَجَاءَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي فَأَخْبَرَتْهُ فَخَرَجَ.

ص: 400

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَالْجَائِحَةُ الَّتِي تُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي الثُّلُثُ فَصَاعِدًا وَلَا يَكُونُ مَا دُونَ ذَلِكَ جَائِحَةً

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1309 -

1298 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَالْجَائِحَةُ الَّتِي تُوضَعُ عَنِ الْمُشْتَرِي الثُّلُثُ فَصَاعِدًا، وَلَا يَكُونُ مَا دُونَ ذَلِكَ جَائِحَةً) لِدُخُولِ الْمُشْتَرِي عَلَى رَمْيِ الْهَوَاءِ وَأَكْلِ الطَّيْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْيَسِيرُ مَا دُونَ الثُّلُثِ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا.

ص: 400

[بَاب مَا يَجُوزُ فِي اسْتِثْنَاءِ الثَّمَرِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِي مِنْهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

11 -

بَابُ مَا يَجُوزُ فِي اسْتِثْنَاءِ الثَّمَرِ

1311 -

1299 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ، ثُمَّ يَسْتَثْنِي مِنْهُ) وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ مَا كَانَ يَسْتَثْنِي.

ص: 400

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الْأَفْرَقُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ تَمْرًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1312 -

1300 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ) أَيْ يُسَمَّى الْحَائِطُ (الْأَفْرَقُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَآخِرُهُ قَافٌ، مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ (بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ تَمْرًا) وَهِيَ دُونَ الثُّلُثِ.

ص: 400

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَتْ تَبِيعُ ثِمَارَهَا وَتَسْتَثْنِي مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ الثَّمَرِ لَا يُجَاوِزُ ذَلِكَ وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِي مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهَا وَيُسَمِّي عَدَدَهَا فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ إِنَّمَا اسْتَثْنَى شَيْئًا مِنْ ثَمَرِ حَائِطِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ احْتَبَسَهُ مِنْ حَائِطِهِ وَأَمْسَكَهُ لَمْ يَبِعْهُ وَبَاعَ مِنْ حَائِطِهِ مَا سِوَى ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1313 -

1301 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ: أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَتْ تَبِيعُ ثِمَارَهَا وَتَسْتَثْنِي مِنْهَا) وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ مَا كَانَتْ تَسْتَثْنِي (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ الثَّمَرِ لَا يُجَاوِزُ ذَلِكَ) يَتَعَدَّاهُ (وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ (وَأَمَّا الرَّجُلُ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِي مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهَا وَيُسَمِّي عَدَدَهَا، فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا) شِدَّةً أَيْ يَجُوزُ (لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ إِنَّمَا اسْتَثْنَى شَيْئًا مِنْ نَفْسِهِ) فَهُوَ عَالِمٌ بِهِ (وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ احْتَبَسَهُ) أَيْ مَنَعَهُ (مِنْ حَائِطِهِ وَأَمْسَكَهُ لَمْ يَبِعْهُ وَبَاعَ مِنْ حَائِطِهِ مَا سِوَى ذَلِكَ) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَبْقِيٌّ.

ص: 401

[بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَامِلَكَ عَلَى خَيْبَرَ يَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ادْعُوهُ لِي فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَبِيعُونَنِي الْجَنِيبَ بِالْجَمْعِ صَاعًا بِصَاعٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

12 -

بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ

1314 -

1302 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) مُرْسَلٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَصَلَهُ دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «التَّمْرُ

ص: 401

بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» ) مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ مَوْزُونًا، وَفِي رِوَايَةٍ بِالرَّفْعِ. (فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَامِلَكَ عَلَى خَيْبَرَ) سَوَادَ بْنَ غَزِيَّةَ، كَمَا يَأْتِي (يَأْخُذُ الصَّاعَ) مِنَ التَّمْرِ الْجَيِّدِ (بِالصَّاعَيْنِ) مِنَ التَّمْرِ الرَّدِيءِ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ادْعُوهُ لِي، فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَبِيعُونَنِي الْجَنِيبَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ فَمُوَحَّدَةٍ، نَوْعٌ مِنْ جَيِّدِ التَّمْرِ (بِالْجَمْعِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، تَمْرٌ رَدِيءٌ مَجْمُوعٌ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ (صَاعًا بِصَاعٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:) تَفْعَلُ (بِعِ الْجَمْعَ) التَّمْرَ الرَّدِيءَ (بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ) اشْتَرِ (بِالدَّرَاهِمِ) تَمْرًا (جَنِيبًا) فَلَا يَدْخُلُهُ الرِّبَا، فَنَهَاهُ عَمَّا فَعَلَ وَعَذَرَهُ فَلَمْ يُعَنِّفْهُ وَلَمْ يَرُدَّ فِعْلَهُ السَّابِقَ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاجْتِهَادٍ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا، وَقَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّهْيِ عَنِ التَّفَاضُلِ، وَلِذَا سَأَلَهُ عَنْ فِعْلِهِ لِيُعَلِّمَهُ بِمَا أَحْدَثَ اللَّهُ فِيهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِفَسْخِهِ.

وَجَاءَ عَنْ بِلَالٍ وَأَبِي سَعِيدٍ: " «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِرَدِّ هَذَا الْبَيْعِ» ". قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، أَيْ بَرَدِّ مِثْلِهِ بَعْدَ نُزُولِ النَّهْيِ عَنِ التَّفَاضُلِ، فَلَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ بِنَاءً عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، كَمَا يَأْتِي عَنْهُ فِي تَالِيهِ.

ص: 402

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1315 -

1303 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ) بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمِيمِ، رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ يُوسُفَ، وَقَالَ جُمْهُورُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ: عَبْدُ الْمَجِيدِ، بِمِيمٍ تَلِيهَا جِيمٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْعُقَيْلِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَالْأَوَّلُ غَلَطٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (ابْنُ سُهَيْلٍ) بِالتَّصْغِيرِ، زَوْجُ الثُّرَيَّا بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ عُمَرُ بْنُ رَبِيعَةَ:

أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا

عَمْرُكَ اللَّهُ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ

هِيَ شَامِيَّةٌ إِذَا مَا اسْتَقَلَّتْ

وَسُهَيْلٌ إِذَا اسْتَقَلَّ يَمَانِ

(ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ، ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَلَهُ مَرْفُوعًا فِي الْمُوَطَّأِ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، سَعْدٍ بِسُكُونِهَا، ابْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (الْخُدْرِيِّ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ أَوْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ، قَالَ

ص: 402

أَبُو عُمَرَ: ذِكْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَجِيدِ، وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَعَقَبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اهـ، وَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ غَيْرِ مُنَافِيَةٍ، فَلَيْسَتْ بِشَاذَّةٍ كَمَا ادَّعَاهُ بِقَوْلِهِ الْمَحْفُوظِ ; إِذْ يُقَابِلُهُ الشَّاذُّ، وَلِذَا لَمْ يَلْتَفِتِ الشَّيْخَانِ لِذَلِكَ وَرَوَيَا الْحَدِيثَ. وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ فَقَدْ قَصَّرَ فَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُمَا، وَكَأَنَّ أَبَا عُمَرَ اسْتَشْعَرَ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا) هُوَ سَوَادُ، بِخِفَّةِ الْوَاوِ، ابْنُ غَزِيَّةَ بِمُعْجَمَتَيْنِ، بِوَزْنِ عَطِيَّةَ، كَمَا سَمَّاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ (عَلَى خَيْبَرَ) أَيْ جَعَلَهُ أَمِيرًا عَلَيْهَا (فَجَاءَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ) بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَنُونٍ مَكْسُورَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ، نَوْعٌ مِنْ أَعْلَى التَّمْرِ، قِيلَ الْكَبِيسُ، وَقِيلَ الطَّيِّبُ، وَقِيلَ الصُّلْبُ، وَقِيلَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ حَشَفُهُ وَرُدَّ بِهِ، وَقِيلَ الَّذِي لَا يُخْلَطُ بِغَيْرِهِ.

(فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا) الْجَنِيبِ (بِالصَّاعَيْنِ) مِنَ الْجَمْعِ، كَمَا زَادَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَالصَّاعَيْنِ) مِنَ الْجَنِيبِ (بِالثَّلَاثَةِ) مِنَ الْجَمْعِ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِالثَّلَاثِ بِدُونِ تَاءٍ، وَهُمَا جَائِزَانِ لِأَنَّ الصَّاعَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَفْعَلْ بِعِ الْجَمْعَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، التَّمْرُ الرَّدِيءُ الْمَجْمُوعُ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ (بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ) اشْتَرِ (بِالدَّرَاهِمِ) تَمْرًا (جَنِيبًا) لِيَكُونَ صَفْقَتَيْنِ، فَلَا يَدْخُلُهُ الرِّبَا، فَلَيْسَ هَذَا حِيلَةً فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ بَلْ تُوَصِّلُ إِلَى تَحْصِيلِ تَمَلُّكِهِ. وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فَقَالَ:" «لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ هَذَا الْحَدِيثَ ذَكَرَ آخِرَهُ، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ سِوَى مَالِكٍ، وَهُوَ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءٌ الطَّيِّبُ وَالدُّونُ، وَأَنَّهُ كُلَّهُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَاحِدٌ، وَأَمَّا سُكُوتُ مَنْ سَكَتَ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَقَدْ وَرَدَ الْفَسْخُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَقَالَ: هَذَا الرِّبَا فَرَدَّهُ، وَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ وَأَنَّ الَّتِي لَمْ يَقَعْ فِيهَا الرَّدُّ كَانَتْ قَبْلَ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ اهـ. وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ مَنْ أَجَازَ بَيْعَ الطَّعَامِ مِنْ رَجُلٍ بِنَقْدٍ وَيَبْتَاعُ مِنْهُ بِذَلِكَ النَّقْدِ طَعَامًا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَبَعْدَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ فِيهِ بَائِعَ الطَّعَامِ وَلَا مُبْتَاعَهُ مِنْ

ص: 403

غَيْرِهِ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ لَا يَشْمَلُ مَا ذُكِرَ، فَإِذَا عَمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِيمَا عَدَاهَا بِإِجْمَاعِ الْأُصُولِيِّينَ، وَبِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ وَابْتَعْ مِمَّنِ اشْتَرَى الْجَمْعَ، بَلْ خَرَجَ الْكَلَامُ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لَعِينِ الْبَائِعِ مَنْ هُوَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعِي. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: بَيْعُ التَّمْرِ الْجَمْعُ بِالدَّرَاهِمِ وَشِرَاءُ الْجَنِيبِ بِهَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَدْخُلُهُ مَا يَدْخُلُ الصَّرْفَ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِدَرَاهِمَ وَيَشْتَرِي بِهَا ذَهَبًا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ، وَالْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، فَمَالِكٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالذَّرَائِعِ كَذَلِكَ وَغَيْرُهُ يُرَاعِي السَّلَامَةَ فِي ذَلِكَ لَا يَفْسَخُ بَيْعًا قَدِ انْعَقَدَ إِلَّا بِيَقِينٍ وَقَصْدٍ اهـ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ الْحِيلَةِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا بِأَنْ يَبِيعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ بِدَرَاهِمَ، أَوْ عَرْضٍ وَيَشْتَرِيَ مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ، أَوْ يُقْرِضَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيَبْرِيَهُ، أَوْ يَتَوَاهَبَا، أَوْ يَهَبَ الْفَاضِلَ مَالِكُهُ لِصَاحِبِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْهُ مَا عَدَاهُ بِمَا يُسَاوِيهِ، فَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي بَيْعِهِ وَإِقْرَاضِهِ وَهِبَتِهِ مَا يَفْعَلُهُ الْآخَرُ، نَعَمْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ إِذَا نَوَيَا ذَلِكَ ; لِأَنَّ كُلَّ شَرْطٍ أَفْسَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ الْعَقْدَ يُكْرَهُ إِذَا نَوَاهُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَ لَمْ يَنْعَقِدْ، فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ كُرِهَ، ثُمَّ هَذِهِ الطُّرُقُ لَيْسَتْ حِيَلًا فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُ حَرَامٌ، بَلْ حِيَلٌ فِي تَمْلِيكِهِ لِتَحْصِيلِ ذَلِكَ فَفِي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ تَسَامُحٌ اهـ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ قُتَيْبَةَ، وَفِي الْوَكَالَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْمَغَازِي عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ.

ص: 404

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ «عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ قَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ سَعْدٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ عَنْ اشْتِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ فَقَالُوا نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1316 -

1304 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الزَّايِ، الْمَخْزُومِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، زَادَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَغَيْرُهُمَا: مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ (أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ) بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ، كُنْيَتُهُ، وَاسْمُ أَبِيهِ عَيَّاشٌ الْمَدَنِيُّ، تَابِعِيٌّ صَدُوقٌ، نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقِيلَ إِنَّهُ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ، وَلَمْ يُذْكَرْ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَطْ، وَقِيلَ بَلْ رَوَى عَنْهُ أَيْضًا عِمْرَانُ بْنُ أَنَسٍ، وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا عَيَّاشٍ هُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيَّ، وَاسْمُهُ عِنْدَ طَائِفَةٍ: زَيْدُ بْنُ الصَّامِتُ، صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ حَفِظَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدَ مَعَهُ بَعْضَ مَشَاهِدِهِ اهـ. (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ) بِيعِ (الْبَيْضَاءِ) أَيِ الشَّعِيرِ، كَمَا وَرَدَ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ، وَوَهِمَ وَكِيعٌ فَقَالَ عَنْهُ الذُّرَةِ، وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ، وَالْبَيْضَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ الشَّعِيرُ

ص: 404

وَالسُّمْرَةُ عِنْدَهُمُ الْبَرُّ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (بِالسُّلْتِ) بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، حَبٌّ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا قِشْرَ لَهُ كَقِشْرِ الشَّعِيرِ، فَهُوَ كَالْحِنْطَةِ فِي مَلَاسَتِهِ وَكَالشَّعِيرِ فِي طَبْعِهِ وَبُرُودَتِهِ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قِيلَ إِنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الشَّعِيرِ لَا قِشْرَ لَهُ، وَيَكُونُ فِي الْغَوْرِ وَالْحِجَازِ (فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ؟) قَالَ مَالِكٌ: أَيْ أَكْثَرُ فِي الْكَيْلِ، وَيَدُلُّ لَهُ احْتِجَاجُ سَعْدٍ (فَقَالَ: الْبَيْضَاءُ) أَيِ الشَّعِيرُ (فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ بَيْعِهَا مُتَفَاضِلًا لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْخِلْقَةِ وَغَيْرِهِمَا. (وَقَالَ سَعْدٌ:) مُحْتَجًّا لِفَتْوَاهُ بِالْمَنْعِ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ عَنِ اشْتِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:) لِمَنْ حَوْلَهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ، فَقَاسَ سَعْدٌ مَا سُئِلَ عَنْهُ مِنَ الشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ عَلَى مَا سُئِلَ عَنْهُ الْمُصْطَفَى التَّمْرُ بِالرُّطَبِ بِجَامِعِ تَقَارُبِ الْمَنْفَعَةِ.

ص: 405

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

13 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ

بِضَمِّ الْمِيمِ مُفَاعَلَةٌ، مِنَ الزَّبْنِ، وَهُوَ الدَّفْعُ الشَّدِيدُ، وَمِنْهُ الزَّبَانِيَةُ مَلَائِكَةُ النَّارِ ; لِأَنَّهُمْ يَزْبِنُونَ الْكَفَرَةَ فِيهَا أَيْ يَدْفَعُونَهُمْ، وَيُقَالُ لِلْحَرْبِ زَبُونٌ لِأَنَّهَا تَدْفَعُ أَبْنَاءَهَا لِلْمَوْتِ، وَنَاقَةٌ زَبُونٌ إِذَا كَانَتْ تَدْفَعُ حَالِبَهَا عَنِ الْحَلْبِ، سُمِّيَ بِهِ هَذَا الْبَيْعُ الْمَخْصُوصُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَزْبِنُ أَيْ يَدْفَعُ الْآخَرَ عَنْ حَقِّهِ بِمَا يَزْدَادُ مِنْهُ، فَإِذَا وَقَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا يَكْرَهُ تَدَافَعَا فَيَحْرِصُ أَحَدُهُمَا عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ عَلَى إِمْضَائِهِ. وَالْمُحَاقَلَةُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْحَقْلِ وَهُوَ الْحَرْثُ، وَقَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: اسْمٌ لِلزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ وَلِلْأَرْضِ الَّتِي يُزْرَعُ فِيهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِلْأَنْصَارِ:" «مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟» ". أَيْ بِمَزَارِعِكُمْ.

1317 -

1305 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَالْمُوَحَّدَةِ، قَالَ الْقَزَّازُ: أَصْلُهُ أَنَّ الْمَغْبُونَ يُرِيدُ فَسْخَ الْبَيْعِ وَالْغَابِنَ لَا يُرِيدُ فَسْخَهُ فَيَتَزَابَنَانِ عَلَيْهِ أَيْ يَتَدَافَعَانِ، زَادَ ابْنُ بُكَيْرٍ وَحْدَهُ: وَالْمُحَاقَلَةُ. (وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ) بِفَتْحِ

ص: 405

الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ، الرُّطَبُ عَلَى النَّخْلِ، وَلِابْنِ بُكَيْرٍ: بَيْعُ الرُّطَبِ (بِالتَّمْرِ) بِالْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، الْيَابِسُ (كَيْلًا) نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلِ، وَلَيْسَ قَيْدًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ جَرَى عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، أَوْ لَهُ مَفْهُومٌ وَلَكِنَّهُ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ ; لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الْمَنْطُوقِ. (وَبَيْعُ الْكَرْمِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، شَجَرُ الْعِنَبِ، وَالْمُرَادُ الْعِنَبُ نَفْسُهُ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ: وَبَيْعُ الْعِنَبِ (بِالزَّبِيبِ كَيْلًا) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ: " «وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ كَيْلًا» : ". مِنْ بَابِ الْقَلْبِ، فَالْأَصْلُ إِدْخَالُ الْبَاءِ عَلَى الزَّبِيبِ كَمَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ، زَادَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ:" «إِنْ زَادَ فَلِي، وَإِنَّ نَقَصَ فَعَلَيَّ» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا التَّفْسِيرُ إِمَّا مَرْفُوعٌ أَوْ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي، فَيُسَلَّمُ لَهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَفِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا، وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِهِ لِلتَّنْزِيهِ، وَعَبَّرَ بِهِ هُنَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، قِيلَ: وَهَذَا عَلَى أَنَّ التَّفْسِيرَ مَرْفُوعٌ، أَمَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَلَا. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَيُّوبُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَاللَّيْثُ وَيُونُسُ وَالضَّحَّاكُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ نَحْوَهُ.

ص: 406

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَالْمُحَاقَلَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1318 -

1306 - (مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ) وَهْبٍ أَوْ قُزْمَانَ، بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الزَّايِ (مَوْلَى) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ أَبِي أَحْمَدَ) عَبْدِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيِّ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَقَافٍ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَقْلِ وَهُوَ الْحَرْثُ وَمَوْضِعُ الزَّرْعِ (وَالْمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ) بِالْمُثَلَّثَةِ (بِالتَّمْرِ) بِالْفَوْقِيَّةِ (فِي رُؤُوسِ النَّخْلِ) زَادَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: كَيْلًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَوْقَهُ وَمَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. (وَالْمُحَاقَلَةُ: كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ) وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ جَمِيعِ الطَّعَامِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، وَتَفْسِيرُهَا بِذَلِكَ يَجِيءُ عَلَى أَنَّ الْحَقْلَ الْأَرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ، كَخَبَرِ:" «مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ» ". أَيْ بِمَزَارِعِكُمْ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ: لَا تُنْبِتُ الْبَقْلَةُ إِلَّا الْحَقْلَةُ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ إِمَّا مَرْفُوعٌ أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ فَيُسَلَّمُ لَهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 406

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةُ اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَتَفْسِيرُ الْمُزَابَنَةِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ الْجِزَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ ابْتِيعَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الطَّعَامُ الْمُصَبَّرُ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ التَّمْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ أَوْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ السِّلْعَةُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ النَّوَى أَوْ الْقَضْبِ أَوْ الْعُصْفُرِ أَوْ الْكُرْسُفِ أَوْ الْكَتَّانِ أَوْ الْقَزِّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ السِّلَعِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ فَيَقُولُ الرَّجُلُ لِرَبِّ تِلْكَ السِّلْعَةِ كِلْ سِلْعَتَكَ هَذِهِ أَوْ مُرْ مَنْ يَكِيلُهَا أَوْ زِنْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُوزَنُ أَوْ عُدَّ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يُعَدُّ فَمَا نَقَصَ عَنْ كَيْلِ كَذَا وَكَذَا صَاعًا لِتَسْمِيَةٍ يُسَمِّيهَا أَوْ وَزْنِ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا أَوْ عَدَدِ كَذَا وَكَذَا فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ لَكَ حَتَّى أُوفِيَكَ تِلْكَ التَّسْمِيَةَ فَمَا زَادَ عَلَى تِلْكَ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ لِي أَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي مَا زَادَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْعًا وَلَكِنَّهُ الْمُخَاطَرَةُ وَالْغَرَرُ وَالْقِمَارُ يَدْخُلُ هَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا بِشَيْءٍ أَخْرَجَهُ وَلَكِنَّهُ ضَمِنَ لَهُ مَا سُمِّيَ مِنْ ذَلِكَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ نَقَصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ عَنْ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ أَخَذَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ مَا نَقَصَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا هِبَةٍ طَيِّبَةٍ بِهَا نَفْسُهُ فَهَذَا يُشْبِهُ الْقِمَارَ وَمَا كَانَ مِثْلُ هَذَا مِنْ الْأَشْيَاءِ فَذَلِكَ يَدْخُلُهُ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الثَّوْبُ أَضْمَنُ لَكَ مِنْ ثَوْبِكَ هَذَا كَذَا وَكَذَا ظِهَارَةَ قَلَنْسُوَةٍ قَدْرُ كُلِّ ظِهَارَةٍ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ حَتَّى أُوفِيَكَ وَمَا زَادَ فَلِي أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَضْمَنُ لَكَ مِنْ ثِيَابِكَ هَذِي كَذَا وَكَذَا قَمِيصًا ذَرْعُ كُلِّ قَمِيصٍ كَذَا وَكَذَا فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِي أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الْجُلُودُ مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ أَوْ الْإِبِلِ أُقَطِّعُ جُلُودَكَ هَذِهِ نِعَالًا عَلَى إِمَامٍ يُرِيهِ إِيَّاهُ فَمَا نَقَصَ مِنْ مِائَةِ زَوْجٍ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ وَمَا زَادَ فَهُوَ لِي بِمَا ضَمِنْتُ لَكَ وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ عِنْدَهُ حَبُّ الْبَانِ اعْصُرْ حَبَّكَ هَذَا فَمَا نَقَصَ مِنْ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا فَعَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَكَهُ وَمَا زَادَ فَهُوَ لِي فَهَذَا كُلُّهُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ أَوْ ضَارَعَهُ مِنْ الْمُزَابَنَةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ وَلَا تَجُوزُ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الْخَبَطُ أَوْ النَّوَى أَوْ الْكُرْسُفُ أَوْ الْكَتَّانُ أَوْ الْقَضْبُ أَوْ الْعُصْفُرُ أَبْتَاعُ مِنْكَ هَذَا الْخَبَطَ بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ خَبَطٍ يُخْبَطُ مِثْلَ خَبَطِهِ أَوْ هَذَا النَّوَى بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ نَوًى مِثْلِهِ وَفِي الْعُصْفُرِ وَالْكُرْسُفِ وَالْكَتَّانِ وَالْقَضْبِ مِثْلَ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1319 -

1307 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ) بِمُثَلَّثَةٍ وَفَتْحِ الْمِيمِ (التَّمْرِ) بِالْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، فَهِيَ فِي النَّخْلِ (وَالْمُحَاقَلَةُ: اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ) أَيِ الْقَمْحِ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ. (وَاسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ) أَيِ الْقَمْحِ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي مُسْلِمٍ، وَهُوَ عِنْدَهُ مُرْسَلٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ، فَهُوَ مُتَابِعٌ لِمَالِكٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ، وَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ، وَقَدْ رَوَى النَّهْيَ عَنْهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ جَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَكُلُّهُمْ سَمِعَ مِنْهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ طَارِقٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: " «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَقَالَ: إِنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَزْرَعُهَا، وَرَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُهَا مَا مُنِحَ، وَرَجُلٌ اسْتَكْرَى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ» اهـ. وَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَيْبَةَ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ الْجُرْجَانِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْصُولًا، وَالْجُرْجَانِيُّ وَإِنْ كَانَ صَدُوقًا لَكِنْ لَهُ إِفْرَادٌ.

(قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنِ اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) الْفِضَّةَ (فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ، وَعَلَيْهِ نَصَّ الْحَدِيثُ كَمَا رَأَيْتَ. (قَالَ مَالِكٌ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُزَابَنَةِ) فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: مَا فُسِّرَ بِهِ الْحَدِيثُ، الْمُزَابَنَةُ هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِهَا، وَفَسَّرَهَا الْمُوَطَّأُ بِمَا هُوَ أَوْسَعُ فَقَالَ:(وَتَفْسِيرُ الْمُزَابَنَةِ: أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْجِزَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ " كَيْلًا " خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ مَفْهُومِ مُوَافَقَةٍ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُورَةً عَلَى النَّخْلِ (ابْتِيعَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِنَ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدَدِ) فَحَاصِلُهُ مَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ أَنَّهَا بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، فَيَشْمَلُ تَفْسِيرَ الْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ رِبَوِيًّا حُرِّمَ الْبَيْعُ لِلرِّبَا وَالْمُزَابَنَةِ، أَمَّا الرِّبَا فَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ

ص: 407

وَالشَّكُّ فِي الرِّبَا كَتَحَقُّقِهِ، وَأَمَّا الْمُزَابَنَةُ فَلِوُجُودِ مَعْنَاهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَدْفَعُ الْآخَرَ، وَلِذَا شُرِطَ اتِّحَادُ الْجِنْسِ لِأَنَّ بِهِ يَنْصَرِفُ الْغَرَضُ إِلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَقُولُ مَا أَخَذْتُ أَكْثَرَ وَقَدْ غَبَنْتُ صَاحِبِي، وَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ غَيْرَ رِبَوِيٍّ حَرُمَ الْبَيْعُ لِلْمُزَابَنَةِ فَقَطْ، لَكِنْ إِنْ تَحَقَّقَ الْفَضْلُ فِيمَا لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ جَازَ، وَيُقَدَّرُ أَنَّ الْمَغْبُونَ وَهَبَ الْفَضْلَ لِظُهُورِهِ لَهُ، وَتَعَقَّبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَبِيُّ قَوْلَ عِيَاضٍ: تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ أَحَدُ أَنْوَاعِهِ الْمُزَابَنَةُ بِأَنَّهُ إِنْ عَنَى أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا بَيْعَ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ ; لِقَوْلِهِ " كَيْلًا " رُدَّ بِأَنَّهُ يَتَنَاوَلَ بَيْعَ الْمَجْهُولِ بِالْمَجْهُولِ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى، وَإِنْ عَنَى أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا الرِّبَوِيَّ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَيَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ لِتَقَرُّرِ مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ فِيهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرَهُ الْمَازِرِيُّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي الْمُتَقَدِّمِ، فَتَفْسِيرُ الْعُلَمَاءِ الْمُزَابَنَةَ لَيْسَ بِأَعَمَّ مِنْ تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ، بَلْ هُوَ مُسَاوٍ لَهُ، وَهُوَ إِمَّا مَرْفُوعٌ فَلَا مُعْدِلَ عَنْهُ، أَوْ مِنَ الرَّاوِي وَلَهُ مَزِيَّةٌ، وَبَسَطَ الْإِمَامُ هَذَا فَقَالَ:(وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الطَّعَامُ الْمُصَبَّى) بِشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ الْمَجْمُوعُ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ (الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ مِنَ الْحِنْطَةِ أَوِ التَّمْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَطْعِمَةِ، أَوْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ السِّلْعَةُ مِنَ الْخَبْطِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ (أَوِ النَّوَى) لِلْبَلَحِ (أَوِ الْقَضْبِ أَوِ الْعُصْفُرِ) نَبْتٌ مَعْرُوفٌ (أَوِ الْكُرْسُفِ) بِالضَّمِّ، الْقُطْنُ (أَوِ الْكَتَّانِ) بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْرُوفٌ، وَلَهُ بِزْرٌ يَعْتَصِرُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهِ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْكَتَّانُ عَرَبِيٌّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُكْتَنُّ أَيْ يَسْوَدُّ إِذَا أُلْقِيَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ (أَوِ الْقَزِّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَبِالزَّايِ، مُعَرَّبٌ، قَالَ اللَّيْثُ: هُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْإِبْرَيْسَمُ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمُ: الْقَزُّ وَالْإِبْرَيْسَمُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ. (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ السِّلَعِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ لِرَبِّ تِلْكَ السِّلْعَةِ كِلْ) بِكَسْرِ الْكَافِ (سِلْعَتَكَ هَذِهِ) بِنَفْسِكَ (أَوْ مُرْ مَنْ يَكِيلُهَا، أَوْ زِنْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُوزَنُ، أَوْ عُدَّ مِنْهَا مَا كَانَ يُعَدُّ فَمَا نَقَصَ مِنْ كَذَا وَكَذَا صَاعًا لِتَسْمِيَةٍ يُسَمِّيهَا، أَوْ وَزْنِ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا، أَوْ عَدَدِ كَذَا وَكَذَا، فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، أَيْ دَفْعُهُ (لَكَ حَتَّى أُوَفِّيَكَ تِلْكَ التَّسْمِيَةَ، فَمَا زَادَ عَلَى

ص: 408

تِلْكَ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ لِي أَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي مَا زَادَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْعًا) شَرْعِيًّا جَائِزًا (وَلَكِنَّهُ الْمُخَاطَرَةُ) الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ لَفْظِ الْمُزَابَنَةِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الزَّبْنُ الْخَطَرُ، وَقِيلَ: الدَّفْعُ كَأَنَّهُ دَفَعَ عَنِ الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ وَعَنْ مَعْرِفَةِ التَّسَاوِي (وَالْغَرَرُ) مُسَاوٍ لِمَا قَبْلَهُ، فَهُوَ لُغَةً الْخَطَرُ (وَالْقِمَارُ) بِكَسْرِ الْقَافِ، الْمُغَالَبَةُ، مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (يَدْخُلُ هَذَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا بِشَيْءٍ أَخْرَجَهُ وَلَكِنَّهُ ضَمِنَ لَهُ مَا سَمَّى مِنْ ذَلِكَ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدَدِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ نَقَصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ مِنْ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ أَخَذَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ مَا نَقَصَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَا هِبَةٍ طَيَّبَةٍ بِهَا نَفْسُهُ) فَهُوَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (فَهَذَا يُشْبِهُ الْقِمَارَ، وَمَا كَانَ مِثْلَ هَذَا مِنَ الْأَشْيَاءِ فَذَلِكَ يَدْخُلُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الثَّوْبُ: أَضْمَنُ لَكَ مِنْ ثَوْبِكَ هَذَا كَذَا وَكَذَا ظِهَارَةَ) بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مَا يَظْهَرُ لِلْعَيْنِ، وَهِيَ خِلَافُ بِطَانَةٍ (قَلَنْسُوَةٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْوَاوِ، مُفْرَدُ قَلَانِسَ (قَدْرُ كُلِّ ظِهَارَةٍ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ حَتَّى أُوفِيَكَهُ وَمَا زَادَ فَلِي، أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَضْمَنُ لَكَ مِنْ ثِيَابِكَ هَذَيْنِ كَذَا وَكَذَا قَمِيصًا ذَرْعُ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ، قَدْرُ (كُلِّ قَمِيصٍ كَذَا وَكَذَا فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِي، أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الْجُلُودُ مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ أَوِ الْإِبِلِ: أُقَطِّعُ جُلُودَكَ هَذِهِ نِعَالًا عَلَى إِمَامٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ مِثَالٍ (يُرِيهِ إِيَّاهُ فَمَا نَقَصَ مِنْ مَائِيَّةِ) أَيْ حَقِيقَةٍ وَصِفَةٍ (زَوْجٍ

ص: 409

فَعَلَيَّ غُرْمُهُ وَمَا زَادَ فَهُوَ لِي بِمَا ضَمِنْتُ لَكَ، وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ عِنْدَهُ حَبُّ الْبَانِ) شَجَرٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ الْخِلَافُ، بِخِفَّةِ اللَّامِ، قَالَ الصَّغَانِيُّ: وَشَدُّهَا مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ (اعْصُرْ حَبَّكَ هَذَا، فَمَا نَقَصَ مِنْ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا فَعَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَكَهُ وَمَا زَادَ فَهُوَ لِي فَهَذَا كُلُّهُ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوْ ضَارَعَهُ) شَابَهَهُ فَهُوَ مُسَاوٍ، وَحَسَّنَهُ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِلتَّأْكِيدِ (مِنَ الْمُزَابَنَةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ وَلَا تَجُوزُ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الْخَبَطُ أَوِ النَّوَى أَوِ الْكُرْسُفُ أَوِ الْكَتَّانُ أَوِ الْقَضْبُ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ، نَبْتٌ مَعْرُوفٌ (أَوِ الْعُصْفُرُ: أَبْتَاعُ مِنْكَ هَذَا الْخَبَطَ بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ نَوًى مِثْلِهِ، وَفِي الْعُصْفُرِ وَالْكُرْسُفِ وَالْكَتَّانِ وَالْقَضْبِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَهَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَا وَصَفْنَاهُ مِنَ الْمُزَابَنَةِ) فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِدُخُولِهِ تَحْتَ نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا، قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: يَشْهَدُ لِقَوْلِ مَالِكٍ لُغَةُ الْعَرَبِ فِي الْمُزَابَنَةِ مِنَ الزَّبْنِ وَهُوَ الْمُقَامَرَةُ وَالدَّفْعُ وَالْمُغَالَبَةُ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ حَتَّى قَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: الْقَمَرُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقِمَارِ لِزِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ، فَالْمُزَابَنَةُ: الْقِمَارُ وَالْمُخَاطَرَةُ، شَيْءٌ مُتَدَاخِلُ الْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ.

ص: 410

[بَاب جَامِعِ بَيْعِ الثَّمَرِ]

قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى ثَمَرًا مِنْ نَخْلٍ مُسَمَّاةٍ أَوْ حَائِطٍ مُسَمًّى أَوْ لَبَنًا مِنْ غَنَمٍ مُسَمَّاةٍ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ يُؤْخَذُ عَاجِلًا يَشْرَعُ الْمُشْتَرِي فِي أَخْذِهِ عِنْدَ دَفْعِهِ الثَّمَنَ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَاوِيَةِ زَيْتٍ يَبْتَاعُ مِنْهَا رَجُلٌ بِدِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ وَيُعْطِيهِ ذَهَبَهُ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يَكِيلَ لَهُ مِنْهَا فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ انْشَقَّتْ الرَّاوِيَةُ فَذَهَبَ زَيْتُهَا فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ إِلَّا ذَهَبُهُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ وَأَمَّا كُلُّ شَيْءٍ كَانَ حَاضِرًا يُشْتَرَى عَلَى وَجْهِهِ مِثْلُ اللَّبَنِ إِذَا حُلِبَ وَالرُّطَبِ يُسْتَجْنَى فَيَأْخُذُ الْمُبْتَاعُ يَوْمًا بِيَوْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ فَنِيَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى رَدَّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ ذَهَبِهِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ لَهُ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي سِلْعَةً بِمَا بَقِيَ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهَا وَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَأْخُذَهَا فَإِنْ فَارَقَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَإِنْ وَقَعَ فِي بَيْعِهِمَا أَجَلٌ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحِلُّ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ وَلَا يَصْلُحُ إِلَّا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا فِي غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ الْحَائِطَ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ النَّخْلِ مِنْ الْعَجْوَةِ وَالْكَبِيسِ وَالْعَذْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ التَّمْرِ فَيَسْتَثْنِي مِنْهَا ثَمَرَ النَّخْلَةِ أَوْ النَّخَلَاتِ يَخْتَارُهَا مِنْ نَخْلِهِ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ إِذَا صَنَعَ ذَلِكَ تَرَكَ ثَمَرَ النَّخْلَةِ مِنْ الْعَجْوَةِ وَمَكِيلَةُ ثَمَرِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَأَخَذَ مَكَانَهَا ثَمَرَ نَخْلَةٍ مِنْ الْكَبِيسِ وَمَكِيلَةُ ثَمَرِهَا عَشَرَةُ أَصْوُعٍ أَوْ أَخَذَ الْعَجْوَةَ الَّتِي فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَتَرَكَ الَّتِي فِيهَا عَشْرَةُ أَصْوُعٍ مِنْ الْكَبِيسِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَجْوَةَ بِالْكَبِيسِ مُتَفَاضِلًا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بَيْنَ يَدَيْهِ صُبَرٌ مِنْ التَّمْرِ قَدْ صَبَّرَ الْعَجْوَةَ فَجَعَلَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْكَبِيسِ عَشَرَةَ آصُعٍ وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْعَذْقِ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا فَأَعْطَى صَاحِبَ التَّمْرِ دِينَارًا عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ فَيَأْخُذُ أَيَّ تِلْكَ الصُّبَرِ شَاءَ قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الرُّطَبَ مِنْ صَاحِبِ الْحَائِطِ فَيُسْلِفُهُ الدِّينَارَ مَاذَا لَهُ إِذَا ذَهَبَ رُطَبُ ذَلِكَ الْحَائِطِ قَالَ مَالِكٌ يُحَاسِبُ صَاحِبَ الْحَائِطِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِينَارِهِ إِنْ كَانَ أَخَذَ بِثُلُثَيْ دِينَارٍ رُطَبًا أَخَذَ ثُلُثَ الدِّينَارِ الَّذِي بَقِيَ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَذَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ دِينَارِهِ رُطَبًا أَخَذَ الرُّبُعَ الَّذِي بَقِيَ لَهُ أَوْ يَتَرَاضَيَانِ بَيْنَهُمَا فَيَأْخُذُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِينَارِهِ عِنْدَ صَاحِبِ الْحَائِطِ مَا بَدَا لَهُ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ تَمْرًا أَوْ سِلْعَةً سِوَى التَّمْرِ أَخَذَهَا بِمَا فَضَلَ لَهُ فَإِنْ أَخَذَ تَمْرًا أَوْ سِلْعَةً أُخْرَى فَلَا يُفَارِقْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا أَوْ يُؤَاجِرَ غُلَامَهُ الْخَيَّاطَ أَوْ النَّجَّارَ أَوْ الْعَمَّالَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ أَوْ يُكْرِيَ مَسْكَنَهُ وَيَسْتَلِفَ إِجَارَةَ ذَلِكَ الْغُلَامِ أَوْ كِرَاءَ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ أَوْ تِلْكَ الرَّاحِلَةِ ثُمَّ يَحْدُثُ فِي ذَلِكَ حَدَثٌ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَرُدُّ رَبُّ الرَّاحِلَةِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ الْمَسْكَنِ إِلَى الَّذِي سَلَّفَهُ مَا بَقِيَ مِنْ كِرَاءِ الرَّاحِلَةِ أَوْ إِجَارَةِ الْعَبْدِ أَوْ كِرَاءِ الْمَسْكَنِ يُحَاسِبُ صَاحِبَهُ بِمَا اسْتَوْفَى مِنْ ذَلِكَ إِنْ كَانَ اسْتَوْفَى نِصْفَ حَقِّهِ رَدَّ عَلَيْهِ النِّصْفَ الْبَاقِيَ الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ يَرُدُّ إِلَيْهِ مَا بَقِيَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَصْلُحُ التَّسْلِيفُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا يُسَلَّفُ فِيهِ بِعَيْنِهِ إِلَّا أَنْ يَقْبِضَ الْمُسَلِّفُ مَا سَلَّفَ فِيهِ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ إِلَى صَاحِبِهِ يَقْبِضُ الْعَبْدَ أَوْ الرَّاحِلَةَ أَوْ الْمَسْكَنَ أَوْ يَبْدَأُ فِيمَا اشْتَرَى مِنْ الرُّطَبِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ إِلَى صَاحِبِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا أَجَلٌ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أُسَلِّفُكَ فِي رَاحِلَتِكَ فُلَانَةَ أَرْكَبُهَا فِي الْحَجِّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ أَجَلٌ مِنْ الزَّمَانِ أَوْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ أَوْ الْمَسْكَنِ فَإِنَّهُ إِذَا صَنَعَ ذَلِكَ كَانَ إِنَّمَا يُسَلِّفُهُ ذَهَبًا عَلَى أَنَّهُ إِنْ وَجَدَ تِلْكَ الرَّاحِلَةَ صَحِيحَةً لِذَلِكَ الْأَجَلِ الَّذِي سَمَّى لَهُ فَهِيَ لَهُ بِذَلِكَ الْكِرَاءِ وَإِنْ حَدَثَ بِهَا حَدَثٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ رَدَّ عَلَيْهِ ذَهَبَهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ عِنْدَهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْقَبْضُ مَنْ قَبَضَ مَا اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَكْرَى فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْغَرَرِ وَالسَّلَفِ الَّذِي يُكْرَهُ وَأَخَذَ أَمْرًا مَعْلُومًا وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ فَيَقْبِضَهُمَا وَيَنْقُدَ أَثْمَانَهُمَا فَإِنْ حَدَثَ بِهِمَا حَدَثٌ مِنْ عُهْدَةِ السَّنَةِ أَخَذَ ذَهَبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ تَكَارَى رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا إِلَى أَجَلٍ يَقْبِضُ الْعَبْدَ أَوْ الرَّاحِلَةَ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَقَدْ عَمِلَ بِمَا لَا يَصْلُحُ لَا هُوَ قَبَضَ مَا اسْتَكْرَى أَوْ اسْتَأْجَرَ وَلَا هُوَ سَلَّفَ فِي دَيْنٍ يَكُونُ ضَامِنًا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

14 -

بَابُ جَامِعِ بَيْعِ الثَّمَرِ

(قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى ثَمَرًا مِنْ نَخْلٍ مُسَمَّاةٍ أَوْ حَائِطٍ مُسَمًّى أَوْ لَبَنًا مَنْ غَنَمٍ مُسَمَّاةٍ، إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ (إِذَا كَانَ يُؤْخَذُ عَاجِلًا، يَشْرَعُ الْمُشْتَرِي فِي أَخْذِهِ عِنْدَ دَفْعِ الثَّمَنِ)

ص: 410

بَيَانٌ لِلتَّعْجِيلِ (وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَاوِيَةِ زَيْتٍ يَبْتَاعُ مِنْهَا رَجُلٌ بِدِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ وَيُعْطِيهِ ذَهَبَهُ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يَكِيلَ لَهُ مِنْهَا، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنِ انْشَقَّتِ الرَّاوِيَةُ فَذَهَبَ زَيْتُهَا فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ إِلَّا ذَهَبُهُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ، وَأَمَّا كُلُّ شَيْءٍ كَانَ حَاضِرًا يُشْتَرَى عَلَى وَجْهِهِ مِثْلُ اللَّبَنِ إِذَا حُلِبَ، وَالرُّطَبِ يُسْتَجْنَى) بِسِينِ التَّأْكِيدِ، أَيْ يُجْنَى (فَيَأْخُذُ الْمُبْتَاعُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنْ فَنِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى رَدَّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ ذَهَبِهِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ لَهُ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي سِلْعَةً بِمَا بَقِيَ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهَا وَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَأْخُذَهَا، فَإِنْ فَارَقَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَقَدْ نُهِيَ) صلى الله عليه وسلم (عَنِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ) بِالْهَمْزِ، وَهُوَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ (فَإِنْ وَقَعَ فِي بَيْعِهِمَا أَجَلٌ، فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحِلُّ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، تَأْخِيرٌ (وَلَا يَصْلُحُ إِلَّا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ، وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا فِي غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا.

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنَ الرَّجُلِ الْحَائِطَ فِيهِ أَلْوَانٌ) أَنْوَاعٌ (مِنَ النَّخْلِ مِنَ الْعَجْوَةِ) نَوْعٌ مِنْ أَجْوَدِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ (وَالْكَبِيسِ) نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ، وَيُقَالُ مَنْ أَجْوَدِهِ (وَالْعَذْقِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ وَقَافٍ، أَنْوَاعٌ مِنَ التَّمْرِ، وَمِنْهُ عَذْقُ ابْنِ الْحَبِيقِ وَعَذْقُ ابْنِ طَابَ وَعَذْقُ ابْنِ زَيْدٍ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ. (وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ التَّمْرِ، فَيَسْتَثْنِي الْبَائِعُ مِنْهَا تَمْرَ النَّخْلَةِ أَوِ النَّخَلَاتِ يَخْتَارُهَا مِنْ نَخْلِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ

ص: 411

لَا يَصْلُحُ ; لِأَنَّهُ إِذَا صَنَعَ ذَلِكَ تَرَكَ تَمْرَ النَّخْلَةِ مِنَ الْعَجْوَةِ، وَمَكِيلَةُ ثَمَرِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَأَخَذَ مَكَانَهَا ثَمَرَ نَخْلَةٍ مِنَ الْكَبِيسِ، وَمَكِيلَةُ ثَمَرِهَا عَشْرَةُ أَصْوُعٍ) جَمْعُ قِلَّةٍ لِصَاعٍ وَيُجْمَعُ كَثْرَةً عَلَى صِيعَانٍ، وَفِي نُسْخَةٍ: آصُعٍّ جَمْعٌ أَيْضًا لِصَاعٍ عَلَى الْقَلْبِ، كَمَا قِيلَ: دَارٌ وَآدُرُ بِالْقَلْبِ، قَالَهُ الْفَاسِيُّ، وَجَعَلَهُ أَبُو حَاتِمٍ مِنْ خَطَأِ الْعَوَامِّ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَلَيْسَ بِخَطَأٍ فِي الْقِيَاسِ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الْعَرَبِ، لَكِنَّهُ قِيَاسٌ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِنْ نَقْلِ الْهَمْزَةِ مِنْ مَوْضِعِ الْعَيْنِ إِلَى مَوْضِعِ الْيَاءِ، فَيَقُولُونَ أَبْآرٌ وَآبَارٌ. (وَإِنْ أَخَذَ الْعَجْوَةَ الَّتِي فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَتَرَكَ الَّتِي فِيهَا عَشْرَةُ أَصْوُعٍ) وَفِي نُسْخَةٍ: آصُعٍ (مِنَ الْكَبِيسِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَجْوَةَ بِالْكَبِيسِ مُتَفَاضِلًا) فَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ (وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ (صُبْرَةٌ مِنَ التَّمْرِ قَدْ صَبَّرَ) بِالتَّشْدِيدِ (الْعَجْوَةَ فَجَعَلَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْكَبِيسِ عَشْرَةَ آصُعٍ، وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْعَذْقِ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا، فَأَعْطَى صَاحِبَ التَّمْرِ دِينَارًا عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ فَيَأْخُذُ أَيَّ تِلْكَ الصُّبَرِ شَاءَ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ) لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ يُعَدُّ مُنْتَقِلًا.

(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الرُّطَبَ مِنْ صَاحِبِ الْحَائِطِ فَيُسْلِفُهُ الدِّينَارَ مَاذَا لَهُ إِذَا ذَهَبَ رُطَبُ ذَلِكَ الْحَائِطِ؟ قَالَ مَالِكٌ: يُحَاسِبُ صَاحِبَ الْحَائِطِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِينَارِهِ إِنْ كَانَ أَخَذَ بِثُلُثَيْ دِينَارِهِ رَطْبًا، أَخَذَ ثُلُثَ الدِّينَارِ الَّذِي بَقِيَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَ ثَلَاثَةَ) نُصِبَ عَلَى التَّوَسُّعِ، أَيْ بِثَلَاثَةٍ (أَرْبَاعِ دِينَارِهِ رُطَبًا) مَفْعُولُ أَخَذَ (أَخَذَ الرُّبُعَ الَّذِي بَقِيَ لَهُ، أَوْ يَتَرَاضَيَانِ بَيْنَهُمَا فَيَأْخُذُ بِمَا بَقِيَ

ص: 412

لَهُ مِنْ دِينَارِهِ عِنْدَ صَاحِبِ الْحَائِطِ مَا بَدَا لَهُ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ تَمْرًا أَوْ سِلْعَةً سِوَى التَّمْرِ أَخَذَهَا بِمَا فَضَلَ لَهُ، فَإِنْ أَخَذَ تَمْرًا أَوْ سِلْعَةً أُخْرَى فَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ مِنْهُ) لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. (وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ رَاحِلَتَهُ بِعَيْنِهَا، أَوْ يُؤَاجِرُ غُلَامَهُ الْخَيَّاطَ أَوِ النَّجَّارَ أَوِ الْعَمَّالَ) بِالتَّشْدِيدِ (لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ، أَوْ يُكْرِيَ مَسْكَنَهُ وَيَتَسَلَّفَ إِجَارَةَ ذَلِكَ الْغُلَامِ أَوْ كِرَاءَ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ أَوْ تِلْكَ الرَّاحِلَةِ، ثُمَّ يَحْدُثُ فِي ذَلِكَ حَدَثٌ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَرُدُّ رَبُّ الرَّاحِلَةِ أَوِ الْعَبْدِ أَوِ الْمَسْكَنِ إِلَى الَّذِي سَلَّفَهُ مَا بَقِيَ مِنْ كِرَاءِ الرَّاحِلَةِ أَوْ إِجَارَةِ الْعَبْدِ أَوْ كِرَاءِ الْمَسْكَنِ يُحَاسِبُ صَاحِبَهُ بِمَا اسْتَوْفَى مِنْ ذَلِكَ إِنْ كَانَ اسْتَوْفَى نِصْفَ حَقِّهِ رَدَّ عَلَيْهِ النِّصْفَ الْبَاقِي الَّذِي عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، فَبِحِسَابِ ذَلِكَ يَرُدُّ إِلَيْهِ مَا بَقِيَ لَهُ) وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ غَنِيٌّ عَنْ شَرْحِهِ (وَلَا يَصْلُحُ التَّسْلِيفُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا يُسَلَّفُ فِيهِ بِعَيْنِهِ إِلَّا أَنْ يَقْبِضَ الْمُسَلِّفُ) بِكَسْرِ اللَّامِ (مَا سَلَّفَ فِيهِ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ إِلَى صَاحِبِهِ يَقْبِضُ الْعَبْدَ أَوِ الرَّاحِلَةَ أَوِ الْمَسْكَنَ أَوْ يَبْدَأُ فِيمَا اشْتَرَى مِنَ الرُّطَبِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ إِلَى صَاحِبِهِ، لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَجَلٌ وَلَا تَأْخِيرٌ،

ص: 413

وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أُسَلِّفُكَ فِي رَاحِلَتِكَ فُلَانَةَ) الْمُعَيَّنَةَ، وَإِطْلَاقُهَا عَلَى غَيْرِ الْإِنْسِ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَرُدَّ بِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ مَاتَتْ فُلَانَةٌ لِشَاةٍ (أَرْكَبُهَا فِي الْحَجِّ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ أَجَلٌ) أَيْ مُدَّةٌ (مِنَ الزَّمَانِ أَوْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ أَوِ الْمَسْكَنِ، فَإِنَّهُ إِذَا صَنَعَ ذَلِكَ كَانَ إِنَّمَا يُسَلِّفُهُ ذَهَبًا عَلَى أَنَّهُ إِنْ وَجَدَ تِلْكَ الرَّاحِلَةَ صَحِيحَةً لِذَلِكَ الْأَجَلِ الَّذِي سَمَّيَ لَهُ فَهِيَ لَهُ بِذَلِكَ الْكِرَاءِ، وَإِنْ حَدَثَ بِهَا حَدَثٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ رَدَّ عَلَيْهِ ذَهَبَهُ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ عِنْدَهُ. وَإِنَّمَا فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْقَبْضُ) فَاعِلُ فَرَقَ (مَنْ قَبَضَ مَا اسْتَأْجَرَ أَوِ اسْتَكْرَى فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْغَرَرِ وَالسَّلَفِ الَّذِي يُكْرَهُ وَأَخَذَ أَمْرًا مَعْلُومًا) بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَقْبِضْ. (وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ فَيَقْبِضَهُمَا) بِالنَّصْبِ (وَيَنْقُدَ أَثْمَانَهُمَا) بِالْجَمْعِ كَرَاهَةَ تَوَالِي تَثْنِيَتَيْنِ (فَإِنْ حَدَثَ بِهِمَا حَدَثٌ مِنْ عُهْدَةِ السَّنَةِ أَخَذَ ذَهَبُهُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَبِهَذَا مَضَتِ السُّنَّةُ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ، وَمَنِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ تَكَارَى رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا إِلَى أَجَلٍ يَقْبِضُ الْعَبْدَ أَوِ الرَّاحِلَةَ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، فَقَدْ عَمِلَ بِمَا لَا يَصْلُحُ، لَا هُوَ قَبَضَ مَا اسْتَكْرَى أَوِ اسْتَأْجَرَ، وَلَا هُوَ سَلَّفَ فِي دَيْنٍ يَكُونُ ضَامِنًا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) بَيَانٌ لِنَفْيِ الصَّلَاحِ.

ص: 414

[بَاب بَيْعِ الْفَاكِهَةِ]

قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ الْفَاكِهَةِ مِنْ رَطْبِهَا أَوْ يَابِسِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا يَيْبَسُ فَيَصِيرُ فَاكِهَةً يَابِسَةً تُدَّخَرُ وَتُؤْكَلُ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ وَمِثْلًا بِمِثْلٍ إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَصْلُحُ إِلَى أَجَلٍ وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا لَا يَيْبَسُ وَلَا يُدَّخَرُ وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ رَطْبًا كَهَيْئَةِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ وَالْجَزَرِ وَالْأُتْرُجِّ وَالْمَوْزِ وَالرُّمَّانِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ وَإِنْ يَبِسَ لَمْ يَكُنْ فَاكِهَةً بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا يُدَّخَرُ وَيَكُونُ فَاكِهَةً قَالَ فَأَرَاهُ حَقِيقًا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

15 -

بَابُ بَيْعِ الْفَاكِهَةِ

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنِ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنَ الْفَاكِهَةِ رَطْبِهَا أَوْ يَابِسِهَا) بِخَفْضِهِمَا (فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) لِأَنَّهُ مِنَ الطَّعَامِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ كَمَا يَأْتِي. (وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ) بَدَلٌ مِنَ الشَّيْءِ (إِلَّا يَدًا بِيَدٍ) لِئَلَّا يَدْخُلَهُ رِبَا النَّسَاءِ (وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا يَيْبَسُ فَيَصِيرُ فَاكِهَةً يَابِسَةً يُدَّخَرُ، وَيُؤْكَلُ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ) مُنَاجَزَةً (وَمِثْلًا بِمِثْلٍ) أَيْ مُتَسَاوِيًا (إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ) لِدُخُولِ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ (فَإِنْ كَانَا مِنْ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً (وَلَا يَصْلُحُ إِلَى أَجَلٍ) لِرِبَا النَّسَاءِ (وَمَا كَانَ مِنْهَا لَا يَيْبَسُ وَلَا يُدَّخَرُ، وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ رَطْبًا كَهَيْئَةِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَزَايٍ آخِرَهُ، نَوْعٌ مِنَ الْبِطِّيخِ (وَالْجَزَرِ وَالْأُتْرُجِّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ الْجِيمِ، فَاكِهَةٌ مَعْرُوفَةٌ، الْوَاحِدَةُ أُتْرُجَّةُ، وَفِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ تُرُنْجِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَالْأَوْلَى هِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الْفُصَحَاءُ وَارْتَضَاهُ النَّحْوِيُّونَ. (وَالْمَوْزِ) الْفَاكِهَةُ الْمَعْرُوفَةُ، الْوَاحِدَةُ مَوْزَةٌ. (وَالرُّمَّانِ) فَعَّالٌ، وَنُونُهُ أَصْلِيَّةٌ، وَلِذَا يَنْصَرِفُ، فَإِنْ سُمِّي بِهِ امْتَنَعَ حَمْلًا عَلَى الْأَكْثَرِ، الْوَاحِدَةُ رُمَّانَةٌ. (وَمَا كَانَ مِثْلَهُ وَإِنْ يَبِسَ لَمْ يَكُنْ فَاكِهَةً بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا) وَفِي نُسْخَةٍ: مِثْلَ مَا (يُدَّخَرُ، وَيَكُونُ فَاكِهَةً، فَأَرَاهُ خَفِيفًا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ.

ص: 415

[بَاب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ تِبْرًا وَعَيْنًا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّعْدَيْنِ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنْ الْمَغَانِمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَبَاعَا كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

16 -

بَابُ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ عَيْنًا وَتِبْرًا

حَالَانِ مِنَ الذَّهَبِ، فَالتِّبْرُ مَا كَانَ مِنَ الذَّهَبِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ، فَإِنْ ضُرِبَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَيْنٌ.

1322 -

1308 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ، قِيلَ: إِنَّ شَيْخَهُ عَبْدَ اللَّهِ، هُوَ الْهُذَلِيُّ، يَرْوِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، وَزَعَمَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ وَالِدُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّعْدَيْنِ) سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، كَمَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ فَضَالَةَ قَالَ:" كُنَّا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَجَعَلَ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْغَنَائِمِ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ (أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنَ الْمَغَانِمِ) أَيْ مَغَانِمَ خَيْبَرَ (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَبَاعَا كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا) شَكَّ الرَّاوِي (فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا) مَا بِعْتُمَا، وَفِيهِ أَمْرُ الْإِمَامِ بِبَيْعِ الْمَغَانِمِ إِذَا رَأَى ذَلِكَ وَيُقَسِّمُ الثَّمَنَ، وَإِنَّمَا رَدَّ الْبَيْعَ وَلَمْ يَأْمُرْ عَامِلَهُ عَلَى خَيْبَرَ لَمَّا بَاعَ صَاعَيْنِ يَجْمَعُ بِصَاعٍ مِنْ جَنِيبٍ بِالرَّدِّ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ مُبْتَاعَ الْآنِيَةِ مَوْجُودٌ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ مُبْتَاعِ الْجَمْعِ، أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ نَهْيٌ قَبْلَ بَيْعِ الْجَنِيبِ فَلَا يُفْسَخُ، بِخِلَافِ الْآنِيَةِ، وَإِنَّمَا بِيعَتْ قَبْلَ كَسْرِهَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ كَسْرِهَا وَلَا يُبْقِيهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا لِحَدِيثِ: " الَّذِي «يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» ".

ص: 416

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1323 -

1309 - (مَالِكٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ) الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَرْفُوعًا، هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنْ أَبِي الْحُبَابِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحِّدَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ (سَعِيدِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (ابْنِ يَسَارٍ) الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مُتْقَنٌ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ

ص: 416

بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا» ) أَيْ زِيَادَةٌ فَيَحْرُمُ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِعِلَّةِ الثَّمَنِيَّةِ الْغَالِبَةِ، فَالرِّبَوِيَّانِ الْمُتَّحِدُ جِنْسُهُمَا كَذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِفِضَّةٍ يَحْرُمُ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ وَكَذَا النَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ، وَقَدْ زَادَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَقِبَ قَوْلِهِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا:" «فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِوَرِقٍ فَيَصْرِفُهَا بِذَهَبٍ، وَمَنْ كَانَتْ حَاجَةٌ بِذَهَبٍ فَلْيَصْرِفْهَا بِالْوَرِقِ وَالصَّرْفُ هَاءَ وَهَاءَ» " وَهَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ مُوسَى بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ.

ص: 417

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1324 -

1310 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَيِ إِلَّا حَالَ كَوْنِهِمَا مُتَمَاثِلَيْنِ أَيْ مُتَسَاوِيَيْنِ أَيْ مَعَ الْحُلُولِ وَالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ (وَلَا تُشِفُّوا) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ مِنَ الْإِشْفَافِ أَيْ: لَا تُفَضِّلُوا (بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ) وَالشِّفُّ بِالْكَسْرِ: الزِّيَادَةُ.

(وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ فِيهِمَا، الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ (إِلَّا) حَالَ كَوْنِهِمَا (مِثْلًا بِمِثْلٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مُتَمَاثِلَيْنِ (وَلَا تُشِفُّوا) أَيْ لَا تُفَضِّلُوا (بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا) أَيْ مُؤَجَّلًا (بِنَاجِزٍ) بِنُونٍ وَجِيمٍ وَزَايٍ أَيْ بِحَاضِرٍ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَفِيهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ وَإِنْ قَلَّتْ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الشُّفُوفَ الزِّيَادَةُ الْقَلِيلَةُ، وَمِنْهُ شُفَافَةُ الْإِنَاءِ وَهِيَ الْبَقِيَّةُ الْقَلِيلَةُ مِنَ الْمَاءِ وَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ إِلَّا فِي دِينَارٍ فِي ذِمَّةِ آخِذٍ صَرَفَهُ الْآنَ، أَوْ فِي دِينَارٍ فِي ذِمَّةٍ وَصَرْفُهُ فِي ذِمَّةٍ أُخْرَى فَيَتَقَاصَّانِ مَعًا، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَى جَوَازِ الصُّورَتَيْنِ بِشَرْطِ حُلُولِ مَا فِي الذِّمَّةِ وَأَنْ يَتَنَاجَزَ فِي الْمَجْلِسِ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ مَا فِي الذِّمَّةِ فِيهِمَا مُرَاعَاةً لِبَرَاءَةِ الذِّمَمِ، وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ وَهْبٍ لِلصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ قَالَهُ عِيَاضٌ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ.

ص: 417

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ صَائِغٌ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ ثُمَّ أَبِيعُ الشَّيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَأَسْتَفْضِلُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدِي فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى دَابَّةٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إِلَيْنَا وَعَهْدُنَا إِلَيْكُمْ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1311 -

(مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ) أَبِي صَفْوَانَ الْقَارِّيِّ الْأَعْرَجِ مِنْ رِجَالِ الْجَمَاعَةِ (مُجَاهِدِ) بْنِ جَبْرٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمَخْزُومِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَكِّيِّ إِمَامٌ فِي التَّفْسِيرِ وَفِي الْعِلْمِ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (فَجَاءَهُ صَائِغٌ) هُوَ وَرْدَانُ الرُّومِيُّ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ وَرْدَانَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ (فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ ابْنِ عُمَرَ (إِنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ) أَجْعَلُهُ حُلِيًّا (ثُمَّ أَبِيعُ الشَّيْءَ) الْمَصُوغَ (بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَأَسْتَفْضِلُ) أَسْتَبْقِي وَالسِّينُ لِلتَّأْكِيدِ (مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدِي فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ) لِلرِّبَا (فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ) يُعِيدُ (عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ) الْمَذْكُورَةَ (وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى دَابَّةٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا) شَكَّ الرَّاوِي (ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ) زِيَادَةَ (بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ) أَيْ وَصِيَّةُ (نَبِيِّنَا) صلى الله عليه وسلم (إِلَيْنَا وَعَهْدُنَا إِلَيْكُمْ) وَقَدْ بَلَّغْنَاكُمْ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُهُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ. . . . إِلَخْ، إِشَارَةٌ إِلَى جِنْسِ الْأَصْلِ لَا إِلَى الْمَضْرُوبِ دُونَ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ إِشَارَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى سُؤَالِ الصَّائِغِ لَهُ عَنِ الذَّهَبِ الْمَصُوغِ، وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ» " وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا حَرَّمَ التَّفَاضُلَ فِي الْمَضْرُوبِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمُدَرْهَمَةِ دُونَ التِّبْرِ وَالْمَصُوغِ مِنْهُمَا إِلَّا مَا جَاءَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ.

قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ: " نَبِيِّنَا " تَصْرِيحٌ بِالْمُرَادِ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ هَذَا عَهْدُ صَاحِبِنَا، فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَعْنِي بِهِ أَبَاهُ عُمَرَ غَلَطٌ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ صَاحِبَنَا مُجْمَلٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ عُمَرَ، فَلَمَّا قَالَ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَهْدُ نَبِيِّنَا فَسَّرَ مَا أُجْمِلَ، وَوَرَدَ أَنَّ هَذَا أَصْلُ مَا يَعْتَمِدُهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْآثَارِ لَكِنَّ الْغَلَطَ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الدَّاخِلَةُ عَلَى النَّاسِ مِنْ جِهَةِ التَّقْلِيدِ ; لِأَنَّهُ إِذَا تَكَلَّمَ الْعَالِمُ عِنْدَ مَنْ لَا يُنْعِمُ النَّظَرَ بِشَيْءٍ كَتَبَهُ وَجَعَلَهُ دِينًا يَرُدُّ بِهِ مَا خَالَفَهُ دُونَ مَعْرِفَةِ وَجْهِهِ فَيَقَعُ الْخَلَلُ ااهـ.

ص: 418

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ جَدِّهِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1325 -

1312 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ جَدِّهِ) وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ (مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ «أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ» ) فَيَحْرُمُ رِبَا الْفَضْلِ وَلَوْ قَلَّ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَلَّغَهُ ابْنُ وَهْبٍ أَوْ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ.

ص: 419

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ مَا أَرَى بِمِثْلِ هَذَا بَأْسًا فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لَا تَبِيعَ ذَلِكَ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1327 -

1313 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ (أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرَ بْنَ حَرْبٍ (بَاعَ سِقَايَةً) بِكَسْرِ السِّينِ قِيلَ: هِيَ الْبَرَّادَةُ يُبَرَّدُ فِيهَا الْمَاءُ تُعَلَّقُ (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ) فِضَّةٍ (بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: زَعَمَ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَنَّ السِّقَايَةَ قِلَادَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا جَوْهَرٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، فَالْقِلَادَةُ لَا تُسَمَّى سِقَايَةً بَلْ هِيَ كَأْسٌ كَبِيرَةٌ يُشْرَبُ بِهَا وَيُكَالُ بِهَا.

وَأَمَّا الْقِلَادَةُ وَهِيَ الْعِقْدُ الَّتِي تُعَلِّقُهَا الْمَرْأَةُ عَلَى نَحْرِهَا فَغَيْرُهَا ابْتَاعَهَا مُعَاوِيَةُ بِسِتِّمِائَةِ دِينَارٍ فِيهَا تِبْرٌ وَجَوْهَرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ فَنَهَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ (فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:) عُوَيْمِرٌ وَقِيلَ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ عَابِدٌ أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقِيلَ: عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَيْ سَوَاءً فِي الْقَدْرِ (فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا أَرَى بِمِثْلِ هَذَا بَأْسًا) إِمَّا لِأَنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الْمَسْبُوكِ الَّذِي بِهِ التَّعَامُلُ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ أَوْ كَانَ لَا يَرَى رِبَا الْفَضْلِ كَابْنِ عَبَّاسٍ (فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَنْ يَعْذِرُنِي) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (مِنْ مُعَاوِيَةَ) أَيْ مَنْ يَلُومُهُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يَلُومُنِي عَلَيْهِ؟ أَوْ مَنْ يَقُومُ بِعُذْرِي إِذَا جَازَيْتُهُ بِصُنْعِهِ وَلَا يَلُومُنِي عَلَى مَا أَفْعَلُهُ بِهِ؟ أَوْ مَنْ يَنْصُرُنِي؟

ص: 419

يُقَالُ عَذَرْتُهُ إِذَا نَصَرْتَهُ (أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ) أَنِفَ مِنْ رَدِّ السُّنَّةِ بِالرَّأْيِ، وَصُدُورُ الْعُلَمَاءِ تَضِيقُ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَهُوَ عِنْدَهُمْ عَظِيمٌ رَدُّ السُّنَنِ بِالرَّأْيِ (لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا) وَجَائِزٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَهْجُرَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَلَمْ يُطِعْهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْهِجْرَةِ الْمَكْرُوهَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ النَّاسَ أَنْ لَا يُكَلِّمُوا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهَذَا أَصْلٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فِي مُجَانَبَةِ مَنِ ابْتَدَعَ وَهِجْرَتِهِ وَقَطْعِ الْكَلَامِ عَنْهُ، وَقَدْ رَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَجُلًا يَضْحَكُ فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

(ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ) مِنَ الشَّامِ (عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) الْمَدِينَةَ (فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لَا تَبِيعَ ذَلِكَ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ) بَيَانٌ لِلْمِثْلِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَرَضَتْ لِمُعَاوِيَةَ مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا هِيَ مَحْفُوظَةٌ لِمُعَاوِيَةَ مَعَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَالطُّرُقُ مُتَوَاتِرَةٌ بِذَلِكَ عَنْهُمَا اهـ وَالْإِسْنَادُ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَهُوَ مِنَ الْأَفْرَادِ الصَّحِيحَةِ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ عُبَادَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ.

ص: 420

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ نَاجِزٌ وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1328 -

1314 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَيْ مُتَسَاوِيًا (وَلَا تُشِفُّوا) أَيْ تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَيُطْلَقُ الشِّفُّ لُغَةً أَيْضًا عَلَى النَّقْصِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ (وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ) أَيِ الْفِضَّةَ (إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فِيهِمَا (وَلَا تُشِفُّوا) تَزِيدُوا (بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ) عَنِ الْمَجْلِسِ (وَالْآخَرُ نَاجِزٌ) أَيْ حَاضِرٌ، وَهَذَا تَقَدَّمَ مَرْفُوعًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَذِكْرُ هَذَا الْمَوْقُوفِ إِشَارَةٌ لِاسْتِمْرَارِ الْعَمَلِ بِهِ وَلِزِيَادَةِ قَوْلِهِ:(وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ) يَدْخُلَ (بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ) لَا تُؤَخِّرْهُ (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ وَالْمَدِّ (وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا) أَيِ الزِّيَادَةُ وَالتَّأْخِيرُ وَفِي رِوَايَةٍ الْإِرْمَاءُ يُقَالُ: أَرَمَى عَلَى الشَّيْءِ

ص: 420

وَأَرْبَى إِذَا زَادَ عَلَيْهِ.

ص: 421

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا شَيْئًا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1329 -

1315 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ) أَعَادَهُ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ شَيْخَيْنِ وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا لِاخْتِلَافِ لَفْظِهِمَا فِي قَوْلِهِ: (وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) فَإِنَّ نَافِعًا قَالَ: وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ. . . . إِلَخْ، وَمَالِكٌ يُحَافِظُ عَلَى أَلْفَاظِ شُيُوخِهِ وَإِنِ اتَّحَدَ مَعْنَاهَا، وَاللَّفْظُ الثَّانِي طِبْقُ الْمَرْفُوعِ السَّابِقِ وَالْأَوَّلُ بِمَعْنَاهُ (وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ) طَلَبَ تَأْخِيرَكَ (إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ) بِالْمَدِّ (وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ لِاتِّفَاقِ نَافِعٍ وَابْنِ دِينَارٍ عَلَيْهِ فَفِيهِ حُرْمَةُ رِبَا النَّسَاءِ أَيِ التَّأْخِيرِ وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَخَفَّفَ الْقَلِيلَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ.

ص: 421

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ وَالصَّاعُ بِالصَّاعِ وَلَا يُبَاعُ كَالِئٌ بِنَاجِزٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1329 -

1316 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ وَالصَّاعُ» ) الْمِكْيَالُ الْمَعْرُوفُ (بِالصَّاعِ) مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ كَالْقَمْحِ (وَلَا يُبَاعُ كَالِئٌ) بِالْهَمْزِ أَيْ مُؤَجَّلٌ (بِنَاجِزٍ) أَيْ حَاضِرٍ.

ص: 421

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ لَا رِبًا إِلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِي فِضَّةٍ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1331 -

1317 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: لَا رِبًا إِلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ) كَمَا أُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ.

ص: 421

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ قَطْعُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ جِزَافًا إِذَا كَانَ تِبْرًا أَوْ حَلْيًا قَدْ صِيغَ فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمَعْدُودَةُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَعْدُودَةُ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جِزَافًا حَتَّى يُعْلَمَ وَيُعَدَّ فَإِنْ اشْتُرِيَ ذَلِكَ جِزَافًا فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ حِينَ يُتْرَكُ عَدُّهُ وَيُشْتَرَى جِزَافًا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا مَا كَانَ يُوزَنُ مِنْ التِّبْرِ وَالْحَلْيِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ جِزَافًا وَإِنَّمَا ابْتِيَاعُ ذَلِكَ جِزَافًا كَهَيْئَةِ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي تُبَاعُ جِزَافًا وَمِثْلُهَا يُكَالُ فَلَيْسَ بِابْتِيَاعِ ذَلِكَ جِزَافًا بَأْسٌ قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى مُصْحَفًا أَوْ سَيْفًا أَوْ خَاتَمًا وَفِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنَّ مَا اشْتُرِيَ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ الذَّهَبُ بِدَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ الثُّلُثَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَكُونُ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَمَا اشْتُرِيَ مِنْ ذَلِكَ بِالْوَرِقِ مِمَّا فِيهِ الْوَرِقُ نُظِرَ إِلَى قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنْ الْوَرِقِ الثُّلُثَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1332 -

1318 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: قَطْعُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ) وَجَاءَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [النمل: 48](سُورَةُ النَّمْلِ: الْآيَةُ 48) أَنَّ إِفْسَادَهُمْ كَانَ قَطْعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87](سُورَةُ هُودٍ: الْآيَةُ 87) قَالَ: قَطْعُ الدِّينَارِ وَالدَّرَاهِمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهُوَ الْبَخْسُ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ بَيْنَهُمْ إِلَّا مِنْ بَأْسٍ» " قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ) أَوِ الْمَرْأَةُ (الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ جِزَافًا إِذَا كَانَ تِبْرًا أَوْ حَلْيًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مُفْرَدُ حُلِيٍّ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (قَدْ صِيغَ، فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمَعْدُودَةُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَعْدُودَةُ فَلَا يَنْبَغِي) لَا يَحِلُّ (لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ ذَلِكَ جِزَافًا حَتَّى يُعْلَمَ وَيُعَدَّ) كُلٌّ مِنْهُمَا (فَإِنِ اشْتُرِيَ ذَلِكَ جِزَافًا فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ حِينَ يُتْرَكُ عَدُّهُ وَيُشْتَرَى جِزَافًا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ) فَيَحْرُمُ لِحُصُولِ الْغَرَرِ مِنْ جِهَتَيِ الْكِمِّيَّةِ وَالْآحَادِ لِأَنَّهُ يُرْغَبُ فِي كَثْرَةِ آحَادِهِ لِيَسْهُلَ الشِّرَاءُ بِهَا، هَكَذَا عَلَّلَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ بِكَثْرَةِ ثَمَنِ الْعَيْنِ فَيَكْثُرُ الْغَرَرُ، وَرُدَّ بِجَوَازِ بَيْعِ الْحُلِيِّ وَاللُّؤْلُؤِ وَغَيْرِهِ جِزَافًا كَمَا قَالَ.

(فَأَمَّا مَا كَانَ يُوزَنُ مِنَ التِّبْرِ وَالْحَلْيِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ جِزَافًا) وَإِنَّمَا يُبْتَاعُ ذَلِكَ جِزَافًا حَالَ كَوْنِهِ (كَهَيْئَةِ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي تُبَاعُ جِزَافًا وَمِثْلُهَا يُكَالُ فَلَيْسَ بِابْتِيَاعِ ذَلِكَ جِزَافًا بَأْسٌ) أَيْ يَجُوزُ إِذَا كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ لِعَدَمِ قَصْدِ إِفْرَادِهِ حِينَئِذٍ.

ص: 422

(قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى مُصْحَفًا أَوْ سَيْفًا أَوْ خَاتَمًا وَفِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ) مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَى (فَإِنَّ مَا اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ الذَّهَبُ بِدَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ الثُّلُثُ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَكُونُ فِيهِ تَأْخِيرٌ) بَيَانٌ لِيَدٍ بِيَدٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي الثُّلُثِ وَغَيْرِهِ إِلَى قِيمَةِ الْمُحَلَّى مَصُوغًا وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ بِالْوَزْنِ.

(وَمَا اشْتُرِيَ مِنْ ذَلِكَ بِالْوَرِقِ مِمَّا فِيهِ الْوَرِقُ نُظِرَ إِلَى قِيمَتِهِ) مَصُوغًا (فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنَ الْوَرِقِ الثُّلُثَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ) تَأْكِيدٌ لِجَائِزٍ أَوْ مَعْنَاهُ بِلَا كَرَاهَةٍ (إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً (وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ.

ص: 423

[بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّرْفِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَنِي خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْمَعُ فَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ «ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» قَالَ مَالِكٌ إِذَا اصْطَرَفَ الرَّجُلُ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا زَائِفًا فَأَرَادَ رَدَّهُ انْتَقَضَ صَرْفُ الدِّينَارِ وَرَدَّ إِلَيْهِ وَرِقَهُ وَأَخَذَ إِلَيْهِ دِينَارَهُ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ وَهُوَ إِذَا رَدَّ عَلَيْهِ دِرْهَمًا مِنْ صَرْفٍ بَعْدَ أَنْ يُفَارِقَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ أَوْ الشَّيْءِ الْمُتَأَخِّرِ فَلِذَلِكَ كُرِهَ ذَلِكَ وَانْتَقَضَ الصَّرْفُ وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لَا يُبَاعَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالطَّعَامُ كُلُّهُ عَاجِلًا بِآجِلٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ كَانَ مُخْتَلِفَةً أَصْنَافُهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

17 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّرْفِ

1333 -

1319 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْمُثَلَّثَةِ ابْنِ عَوْفٍ (النَّصْرِيِّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَدَنِيِّ لَهُ رُؤْيَةٌ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: إِنَّ لِمَالِكٍ صُحْبَةً، وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ: رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ فَعَدَّهُ فِيهِمْ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ رَكِبَ الْخَيْلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

وَرَوَى أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: " «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ» " صَحَّحَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ فِي الِاسْتِيعَابِ: لَا أَحْفَظُ لَهُ خَيْرًا فِي صُحْبَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا.

وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ عُمَرَ فَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَرَوَى عَنِ الْعَشَرَةِ وَالْعَبَّاسِ اهـ.

ص: 423

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَابْنُ حَبَّانَ: لَا يَصِحُّ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ ابْنُ حَبَّانَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً فَقَدْ وَهِمَ، قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: وَحَدِيثُ سَلَمَةَ عَنْهُ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْمٌ، صَوَابُهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَيْ كَمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْبَرْقِيِّ فِيمَنْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ، وَابْنُ سَعْدٍ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ وَرَآهُ وَلَمْ يَحْفَظْ عَنْهُ شَيْئًا، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنَ التَّابِعِينَ وَقَالَ: كَانَ قَدِيمًا وَلَكِنَّهُ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ لَهُ رُؤْيَةً وَلَا رِوَايَةً مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ قِيلَ سَنَةَ إِحْدَى وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ (أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا) بِفَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ مِنَ الدَّرَاهِمِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عِنْدَهُ صَرْفٌ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا.

وَلِمُسْلِمٍ: مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ (بِمِائَةِ دِينَارٍ) ذَهَبًا كَانَتْ مَعَهُ (قَالَ) مَالِكٌ: (فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ أَحَدُ الْعَشَرَةِ (فَتَرَاوَضْنَا) بِإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تَجَارَيْنَا حَدِيثَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَسَوْمًا بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُرَوِّضُ صَاحِبَهُ، وَقِيلَ: هِيَ الْمُوَاضَعَةُ بِالسِّلْعَةِ بِأَنْ يَصِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا سِلْعَتَهُ لِلْآخَرِ (حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي) مَا كَانَ مَعِي (فَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ) وَالذَّهَبُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَلَا حَاجَةَ إِلَى أَنَّهُ ضَمَّنَ الذَّهَبَ مَعْنَى الْعَدَدِ وَهُوَ الْمِائَةُ فَأَنَّثَهُ لِذَلِكَ (ثُمَّ قَالَ حَتَّى) أَيِ اصْبِرْ إِلَى أَنْ (يَأْتِيَنِي خَازِنِي) لَمْ يُسَمَّ (مِنَ الْغَابَةِ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ فَأَلِفٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَوْضِعٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ بِهِ أَمْوَالٌ لِأَهْلِهَا وَكَانَ لِطَلْحَةَ بِهَا مَالٌ وَنَخْلٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ طَلْحَةُ لِظَنِّهِ جَوَازَهُ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ وَمَا كَانَ بَلَغَهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَأَنَّهُ كَانَ يَرَى جَوَازَ الْمُوَاعَدَةِ فِي الصَّرْفِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ عِنْدَنَا أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا وَإِنَّمَا أَخَذَهَا يُقَلِّبُهَا (وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْمَعُ) ذَلِكَ (فَقَالَ عُمَرُ) لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ: (وَاللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ) عِوَضَ الذَّهَبِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَهُ، وَهَذَا خِطَابٌ لِطَلْحَةَ، وَفِيهِ تَفَقُّدُ عُمَرَ أَحْوَالَ رَعِيَّتِهِ فِي دِينِهِمْ وَالِاهْتِمَامُ بِهِمْ وَتَأْكِيدُ الْأَمْرِ بِالْيَمِينِ وَأَنَّ الْخَلِيفَةَ أَوِ السُّلْطَانَ إِذَا سَمِعَ أَوْ رَأَى مَا لَا يَجُوزُ وَجَبَ عَلَيْهِ النَّهْيُ عَنْهُ وَالْإِرْشَادُ إِلَى الْحَقِّ.

(ثُمَّ قَالَ) مُسْتَدِلًّا عَلَى الْمَنْعِ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّهَا الْحُجَّةُ عَنِ التَّنَازُعِ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ» ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيِ الْفِضَّةِ هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ كَمَالِكٍ وَمَعْمَرٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ لَمْ يَقُولُوا الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ فِي كُلِّ حَدِيثِ عُمَرَ وَهُمُ الْحُجَّةُ عَلَى مَا خَالَفَهُمْ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِسِيَاقِ الْقِصَّةِ (رِبًا) فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ( «إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» )

ص: 424

بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ فِيهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ الْأَشْهَرِ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ، يُقَالُ هَاءَ دِرْهَمًا أَيْ خُذْ دِرْهَمًا فَنُصِبَ دِرْهَمًا بِاسْمِ الْفِعْلِ كَمَا يُنْصَبُ بِالْفِعْلِ، وَبِالْقَصْرِ يَقُولُهُ الْمُحَدِّثُونَ وَأَنْكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ: الصَّوَابُ الْمَدُّ وَيَجُوزُ كَسْرُ الْهَمْزَةِ نَحْوُ هَاتِ وَسُكُونُهَا نَحْوُ خَفْ وَأَصْلُهَا هَاكَ بِالْكَافِ فَقُلِبَتْ هَمْزَةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَصْلُهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَهِيَ حَرْفُ خِطَابٍ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَحَقُّهَا أَنْ لَا تَقَعَ بَعْدَ إِلَّا كَمَا لَا يَقَعُ بَعْدَهَا خُذْ، فَإِذَا وَقَعَ قُدِّرَ قَوْلٌ قَبْلَهُ يَكُونُ بِهِ مَحْكِيًّا أَيِ إِلَّا مَقُولًا عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ هَاءَ وَهَاءَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِذَا مَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُقَدَّرٌ يَعْنِي بَيْعَ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ رِبًا فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ إِلَّا حَالَ الْحُضُورِ وَالتَّقَابُضِ فَكَنَّى عَنْهُ بِقَوْلِهِ هَاءَ وَهَاءَ لِأَنَّهُ لَازَمَهُ وَقَالَ الْأَبِيُّ: مَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ الْقَمْحُ وَهِيَ الْحِنْطَةُ أَيْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (رِبًا إِلَّا) مَقُولًا عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (هَاءَ) مِنْ أَحَدِهِمَا (وَهَاءَ) مِنَ الْآخَرِ أَيْ خُذْ.

(وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ) أَيْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (رِبًا) بِالتَّنْوِينِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ (إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ) مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ.

(وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ) بِفَتْحِ الشِّينِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ تُكْسَرُ، قَالَ ابْنُ مَكِّيٍّ: كُلُّ فَعِيلٍ وَسَطُهُ حَرْفُ حَلْقٍ مَكْسُورٍ يَجُوزُ كَسْرُ مَا قَبْلَهُ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ، قَالَ: وَزَعَمَ اللَّيْثُ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنُهُ حَرْفَ حَلْقٍ نَحْوَ كَبِيرٍ وَجَلِيلٍ وَكَرِيمٍ أَيْ بَيْعُ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ (رِبًا إِلَّا) مَقُولًا عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (هَاءَ وَهَاءَ) أَيْ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ خُذْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ صِنْفَانِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَمُعْظَمُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ:«وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ» ، وَمِثْلُهُ عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ فَفِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ النَّسَاءَ يَمْتَنِعُ فِي ذَهَبٍ بِوَرِقٍ وَهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا إِجْمَاعًا وَنَصًّا، فَأَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ فِي ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ بِوَرِقٍ لِحُرْمَةِ التَّفَاضُلِ فِيهِمَا إِجْمَاعًا وَنَصًّا، أَيْ فَلَيْسَ حَدِيثُ عُمَرَ بِقَاصِرٍ عَنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ فَتَجِبُ الْمُنَاجَزَةُ فِي الصَّرْفِ، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ وَلَوْ كَانَا بِالْمَجْلِسِ لَمْ يَتَفَرَّقَا عِنْدَ مَالِكٍ، وَمَحْمَلٌ قَوْلِ عُمَرَ عِنْدَهُ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ لَا عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ الْمَعْقُولُ مِنْ لَفْظِهِ صلى الله عليه وسلم " هَاءَ وَهَاءَ ".

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ وَانْتَقَلَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ عُمَرَ وَجَعَلُوهُ تَفْسِيرًا لِمَا رَوَاهُ وَبِقَوْلِهِ: وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ، قَالُوا: مِنْهُ أَنَّ الْمُرَاعَى الِافْتِرَاقُ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

قَالَ الْأَبِيُّ: الْمُنَاجَزَةُ قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ عَقِبَ الْعَقْدِ وَهِيَ شَرْطٌ فِي تَمَامِ الصَّرْفِ لَا فِي عَقْدِهِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْجِعَ

ص: 425

وَصَرَّحَ بِأَنَّهَا: " شَرْطُ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ وَاخْتَارَ شَيْخُنَا - يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ - أَنَّهَا رُكْنٌ لِتَوَقُّفِ حَقِيقَتِهِ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِخَارِجَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ وَإِنَّمَا التَّأْخِيرُ مَانِعٌ مِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ، فَإِنْ قِيلَ لَا يَصِحُّ أَنَّهَا شَرْطٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَقْلِيًّا كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ أَوْ شَرْعِيًّا كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ شَرْطُهُ أَنْ يُوجَدَ دُونَ الْمَشْرُوطِ، وَالْمُنَاجَزَةُ لَا تُوجَدُ دُونَ عَقْدِ الصَّرْفِ فَمَا صُورَةُ تَأْخِيرِهَا؟ أُجِيبُ بِأَنَّهَا إِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي الصَّرْفِ الصَّحِيحِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا، هَذَا وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا اخْتَصَّ بِالسِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ الْمَعْنَى فِيهَا فَيُقَاسُ عَلَيْهَا مَا وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: الْعِلَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ الثَّمَنِيَّةُ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانُ الْمَبِيعَاتِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مِنَ الْمَوْزُونِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَالْقِيَاسُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْعِلَّةِ لَا عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَالْعِلَّةُ فِي الْأَرْبَعِ عِنْدَ مَالِكٍ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ وَالْإِصْلَاحُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الطُّعْمِيَّةُ، فَنَصَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَعْلَى الْقُوتِ وَهُوَ الْبُرِّ وَعَلَى أَدْنَاهُ وَهُوَ الشَّعِيرُ تَنْبِيهًا بِالطَّرَفَيْنِ عَلَى الْوَسَطِ الَّذِي بَيْنَهُمَا كَسُلْتٍ وَأُرْزٍ وَدُخْنٍ وَذُرَةٍ، وَإِذَا أُرِيدَ ذِكْرُ شَيْءٍ جُمْلَةً فَرُبَّمَا كَانَ ذِكْرُ طَرَفَيْهِ أَدَلَّ عَلَى اسْتِيعَابِهِ مِنَ اللَّفْظِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِهِ كَقَوْلِهِمْ: مَطَرَنَا السَّهْلُ وَالْجَبَلُ، وَضَرَبْتُهُ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ، وَذَكَرَ التَّمْرَ وَإِنْ كَانَ مُقْتَاتًا لِأَنَّ فِيهِ ضَرْبًا مِنَ التَّفَكُّهِ حَتَّى أَنَّهُ يُؤْكَلُ لَا عَلَى جِهَةِ الِاقْتِيَاتِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُخْرِجُهُ عَنْ بَابِهِ وَلِإِدْخَالِ مَا شَابَهَهُ وَهُوَ الزَّبِيبُ، وَلِمَا عُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَاتَ لَا يَصْلُحُ اقْتِيَاتُهَا بِلَا مُصْلِحٍ حَتَّى أَنَّهَا دُونَهُ تَكَادُ أَنْ تَلْحَقَ بِالْعَدَمِ ذَكَرَ الْمِلْحَ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ مِثْلُهُ فِي الْإِصْلَاحِ وَلَا يُقْتَاتُ مُنْفَرِدًا، وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ عِنْدَهُمْ.

(قَالَ مَالِكٌ: إِذَا اصْطَرَفَ الرَّجُلُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ) وَفِي نُسْخَةٍ بِدَنَانِيرَ (ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا زَائِفًا) أَيْ رَدِيئًا (فَأَرَادَ رَدَّهُ انْتَقَضَ صَرْفُ الدِّينَارِ وَرَدَّ إِلَيْهِ وَرِقَهُ) فِضَّتَهُ (وَأَخَذَ إِلَيْهِ دِينَارَهُ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ) أَيْ خُذْ (وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) رَاوِي الْحَدِيثِ (وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ وَهُوَ إِذَا رَدَّ عَلَيْهِ دِرْهَمًا مِنْ صَرْفٍ بَعْدَ أَنْ يُفَارِقَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ أَوِ الشَّيْءِ الْمُتَأَخِّرِ فَلِذَلِكَ كُرِهَ) أَيْ

ص: 426

مُنِعَ (ذَلِكَ وَانْتَقَضَ الصَّرْفُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لَا يُبَاعَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالطَّعَامُ كُلُّهُ عَاجِلًا بِآجِلٍ) أَيْ مُؤَخَّرٍ (فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ) أَيْ تَأْخِيرٌ فَحَسَّنَ الْعَطْفُ اخْتِلَافَ الْعِبَارَةِ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِلتَّأْكِيدِ (وَإِنْ كَانَ صِنْفٌ وَاحِدٌ أَوْ كَانَ مُخْتَلِفَةً أَصْنَافُهُ) لِحُرْمَةِ رِبَا النَّسَاءِ إِجْمَاعًا وَنَصًّا.

ص: 427

[بَاب الْمُرَاطَلَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُرَاطِلُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ فَيُفْرِغُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَيُفْرِغُ صَاحِبُهُ الَّذِي يُرَاطِلُهُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ الْأُخْرَى فَإِذَا اعْتَدَلَ لِسَانُ الْمِيزَانِ أَخَذَ وَأَعْطَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ مُرَاطَلَةً أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدًا بِيَدٍ إِذَا كَانَ وَزْنُ الذَّهَبَيْنِ سَوَاءً عَيْنًا بِعَيْنٍ وَإِنْ تَفَاضَلَ الْعَدَدُ وَالدَّرَاهِمُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ رَاطَلَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقًا بِوَرِقٍ فَكَانَ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ فَضْلُ مِثْقَالٍ فَأَعْطَى صَاحِبَهُ قِيمَتَهُ مِنْ الْوَرِقِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَأْخُذُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ قَبِيحٌ وَذَرِيعَةٌ إِلَى الرِّبَا لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِثْقَالَ بِقِيمَتِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى حِدَتِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِثْقَالَ بِقِيمَتِهِ مِرَارًا لِأَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْبَيْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ ذَلِكَ الْمِثْقَالَ مُفْرَدًا لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَأْخُذْهُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ بِهِ لِأَنْ يُجَوِّزَ لَهُ الْبَيْعَ فَذَلِكَ الذَّرِيعَةُ إِلَى إِحْلَالِ الْحَرَامِ وَالْأَمْرُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُرَاطِلُ الرَّجُلَ وَيُعْطِيهِ الذَّهَبَ الْعُتُقَ الْجِيَادَ وَيَجْعَلُ مَعَهَا تِبْرًا ذَهَبًا غَيْرَ جَيِّدَةٍ وَيَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَهَبًا كُوفِيَّةً مُقَطَّعَةً وَتِلْكَ الْكُوفِيَّةُ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ فَيَتَبَايَعَانِ ذَلِكَ مِثْلًا بِمِثْلٍ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الذَّهَبِ الْجِيَادِ أَخَذَ فَضْلَ عُيُونِ ذَهَبِهِ فِي التِّبْرِ الَّذِي طَرَحَ مَعَ ذَهَبِهِ وَلَوْلَا فَضْلُ ذَهَبِهِ عَلَى ذَهَبِ صَاحِبِهِ لَمْ يُرَاطِلْهُ صَاحِبُهُ بِتِبْرِهِ ذَلِكَ إِلَى ذَهَبِهِ الْكُوفِيَّةِ فَامْتَنَعَ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَجْوَةٍ بِصَاعَيْنِ وَمُدٍّ مِنْ تَمْرٍ كَبِيسٍ فَقِيلَ لَهُ هَذَا لَا يَصْلُحُ فَجَعَلَ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ وَصَاعًا مِنْ حَشَفٍ يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ بَيْعَهُ فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْعَجْوَةِ لِيُعْطِيَهُ صَاعًا مِنْ الْعَجْوَةِ بِصَاعٍ مِنْ حَشَفٍ وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِفَضْلِ الْكَبِيسِ أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْنِي ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ مِنْ الْبَيْضَاءِ بِصَاعَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ فَيَقُولُ هَذَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَيَجْعَلُ صَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ وَصَاعًا مِنْ شَعِيرٍ يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ الْبَيْعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُعْطِيَهُ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الصَّاعُ مُفْرَدًا وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ لِفَضْلِ الشَّامِيَّةِ عَلَى الْبَيْضَاءِ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَهُوَ مِثْلُ مَا وَصَفْنَا مِنْ التِّبْرِ قَالَ مَالِكٌ فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالطَّعَامِ كُلِّهِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَعَ الصِّنْفِ الْجَيِّدِ مِنْ الْمَرْغُوبِ فِيهِ الشَّيْءُ الرَّدِيءُ الْمَسْخُوطُ لِيُجَازَ الْبَيْعُ وَلِيُسْتَحَلَّ بِذَلِكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِذَا جُعِلَ ذَلِكَ مَعَ الصِّنْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ صَاحِبُ ذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ بِذَلِكَ فَضْلَ جَوْدَةِ مَا يَبِيعُ فَيُعْطِي الشَّيْءَ الَّذِي لَوْ أَعْطَاهُ وَحْدَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَهْمُمْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ مِنْ أَجْلِ الَّذِي يَأْخُذُ مَعَهُ لِفَضْلِ سِلْعَةِ صَاحِبِهِ عَلَى سِلْعَتِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالطَّعَامِ أَنْ يَدْخُلَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الطَّعَامِ الرَّدِيءِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِهِ فَلْيَبِعْهُ عَلَى حِدَتِهِ وَلَا يَجْعَلُ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

18 -

بَابُ الْمُرَاطَلَةِ

مُفَاعَلَةٌ مِنَ الرِّطْلِ وَلَمْ أَجِدْ لُغَوِيًّا ذَكَرَهَا وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ الرِّطْلَ وَهِيَ عُرْفًا بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ: " «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ» " الْحَدِيثَ، قَالَهُ الْأَبِيُّ.

1334 -

1320 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) بِقَافٍ وَمُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا (أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُرَاطِلُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ) وَبَيَّنَ الصِّفَةَ بِقَوْلِهِ: (فَيُفْرِغُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَالضَّمُّ لُغَةٌ، وَأَمَّا الْمِيزَانُ فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كُلُّ مُسْتَدِيرٍ فَبِالْكَسْرِ نَحْوُ كِفَّةِ اللِّثَّةِ وَهُوَ مَا انْحَدَرَ مِنْهَا، وَكِفَّةِ الصَّائِدِ وَهِيَ حِبَالَتُهُ، وَكُلُّ مَا اسْتُطِيلَ فَبِالضَّمِّ نَحْوُ كُفَّةِ الثَّوْبِ حَاشِيَتُهُ وَكُفَّةِ الرَّمْلِ وَقِيلَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْجَمِيعِ.

(وَيُفْرِغُ صَاحِبُهُ الَّذِي يُرَاطِلُهُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ الْأُخْرَى فَإِذَا اعْتَدَلَ لِسَانُ الْمِيزَانِ أَخَذَ وَأَعْطَى) فَتَجُوزُ الْمُرَاطَلَةُ بِالْكِفَّتَيْنِ.

وَفِي حَدِيثِ الْقِلَادَةِ فِي مُسْلِمٍ: " «انْزِعْ ذَهَبَهَا وَاجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ» " وَفِي جَوَازِهَا بِالصَّنْجَةِ قَوْلَانِ وَالْجَوَازُ أَصْوَبُ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِالصَّنْجَةِ فِي كِفَّةٍ وَاحِدَةٍ، ابْنُ رُشْدٍ هُوَ أَصْوَبُ لِيُتْقِنَ الْمُسَاوَاةَ بِهَا مِنَ الْكِفَّتَيْنِ إِذْ قَدْ يَكُونُ فِي الْمِيزَانِ غَبْنٌ، وَسَمِعَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ لَا بَأْسَ فِي الْمُرَاطَلَةِ بِالشَّاهِينِ إِذَا كَانَ عَدْلًا.

وَنَقَلَ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ مَالِكٍ: يَجُوزُ فِي

ص: 427

الْمُرَاطَلَةِ أَنْ يَزِنَ ذَهَبَهُ فِي الشَّاهِينِ بِمِثْقَالٍ ثُمَّ تَزِنُ ذَهَبَكَ وَزْنَةً ثَانِيَةً بِذَلِكَ الْعِيَارِ وَفِي تِلْكَ الْكِفَّةِ بِعَيْنِهَا قَالَ الْأَبِيُّ: فَهَذَا نَصٌّ أَوْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الشَّاهِينَ الصَّنْجَةُ.

وَأَمَّا أَنَّهُ مِيزَانُ الْعُودِ الْمُسَمَّى بِالْفَرَسْطُونِ فَلَا، وَإِنْ قَالَ شَيْخُنَا إِنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالشَّاهِينِ فَإِنَّ اللُّغَةَ لَا تُفَسَّرُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَيَبْعُدُ أَيْضًا تَفْسِيرُ الشَّاهِينِ بِالْوَزْنِ الْمُسَمَّى بِالرُّمَّانَةِ عُرْفًا.

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ مُرَاطَلَةً) أَيْ وَزْنًا (أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ (أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً (إِذَا كَانَ وَزْنُ الذَّهَبَيْنِ سَوَاءً عَيْنًا بِعَيْنٍ) لِانْتِفَاءِ التَّفَاضُلِ (وَإِنْ تَفَاضَلَ) أَيْ زَادَ (الْعَدَدُ) فَاعِلُ تَفَاضَلَ (وَالدَّرَاهِمُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ) إِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى وَزْنِهَا إِذَا بِيعَتْ مُرَاطَلَةً.

(قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَاطَلَ ذَهَبَا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقًا بِوَرِقٍ فَكَانَ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ فَضْلُ) أَيْ زِيَادَةُ (مِثْقَالٍ فَأَعْطَى صَاحِبَهُ قِيمَتَهُ مِنَ الْوَرِقِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا) أَنَّثَهُ عَلَى مَعْنَى الْوَرِقِ وَهُوَ الْفِضَّةُ أَيْ مِنْ غَيْرِ الْفِضَّةِ كَالْعَرْضِ (فَلَا يَأْخُذُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ قَبِيحٌ) لَيْسَ بِحَسَنٍ لِحُرْمَتِهِ (وَذَرِيعَةٌ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَسِيلَةٌ (إِلَى الرِّبَا لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِثْقَالَ بِقِيمَتِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى حِدَتِهِ) أَيْ وَحْدَهُ (جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِثْقَالَ بِقِيمَتِهِ مِرَارًا) قَصْدًا (لَأَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْبَيْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ ذَلِكَ الْمِثْقَالَ مُفْرَدًا لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِمُفْرَدٍ (لَمْ يَأْخُذْهُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ بِهِ لِأَنْ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ (يُجَوِّزَ لَهُ الْبَيْعَ فَذَلِكَ الذَّرِيعَةُ) الْوَسِيلَةُ (إِلَى إِحْلَالِ الْحَرَامِ وَالْأَمْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ) فَلِذَلِكَ مُنِعَ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ) مَثَلًا (يُرَاطِلُ الرَّجُلَ وَيُعْطِيهِ الذَّهَبَ الْعُتُقَ) بِضَمَّتَيْنِ

ص: 428

جَمْعُ عَتِيقٍ كَبُرُدٍ وَبَرِيدٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ (الْجِيَادَ وَيَجْعَلُ مَعَهَا تِبْرًا ذَهَبًا غَيْرَ جَيِّدَةٍ وَيَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَهَبًا كُوفِيَّةً مُقَطَّعَةً وَتِلْكَ الْكُوفِيَّةُ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ فَيَتَبَايَعَانِ ذَلِكَ مِثْلًا بِمِثْلٍ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ) لِحُرْمَتِهِ (وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُ وَجْهِ مَنْعِهِ (أَنَّ صَاحِبَ الذَّهَبِ الْجِيَادِ أَخَذَ فَضْلَ) أَيْ زِيَادَةَ (عُيُونِ ذَهَبِهِ فِي التِّبْرِ الَّذِي طَرَحَ مَعَ ذَهَبِهِ وَلَوْلَا فَضْلُ ذَهَبِهِ عَلَى ذَهَبِ صَاحِبِهِ لَمْ يُرَاطِلْهُ صَاحِبُهُ بِتِبْرِهِ ذَلِكَ إِلَى ذَهَبِهِ الْكُوفِيَّةِ فَامْتَنَعَ) لِدَوَرَانِ الْفَضْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ (وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ) أَيْ صِفَتُهُ بِمَعْنَى قِيَاسِهِ (كَمَثَلٍ رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ) وَفِي نُسْخَةٍ آصُعٍ وَكُلٌّ جَمْعٌ لِصَاعٍ (مِنْ تَمْرٍ عَجْوَةٍ بِصَاعَيْنِ وَمُدٍّ مِنْ تَمْرٍ كَبِيسٍ فَقِيلَ لَهُ هَذَا لَا يَصْلُحُ) لِلتَّفَاضُلِ (فَجَعَلَ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ وَصَاعًا مِنْ حَشَفٍ) رَدِيءِ التَّمْرِ (يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ بَيْعَهُ) لِاتِّحَادِ الْكَيْلِ (فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْعَجْوَةِ لِيُعْطِيَهُ صَاعًا مِنَ الْعَجْوَةِ بِصَاعٍ مِنْ حَشَفٍ وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِفَضْلِ الْكَبِيسِ) فَاغْتُفِرَ ذَلِكَ لِلْفَضْلِ فَمُنِعَ (وَأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْنِي ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ مِنَ الْبَيْضَاءِ) أَيِ الْحِنْطَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ بَاقِي الْكَلَامِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الشَّعِيرَ وَإِنْ سَبَقَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اسْمٌ لَهُ عِنْدَ الْعَرَبِ فَمُرَادُهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ نَفْسُهُ عَبَّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ عَرَبُ الْحِجَازِ اهـ.

فَلَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهُمْ يُطْلِقُ الْبَيْضَاءَ عَلَى الْحِنْطَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْبَيْضَاءُ الْحِنْطَةُ (بِصَاعَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ) وَهِيَ السَّمْرَاءُ (فَيَقُولُ: هَذَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَيَجْعَلُ صَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ وَصَاعًا

ص: 429

مِنْ شَعِيرٍ يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْبَيْعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُعْطِيَهُ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الصَّاعُ مُنْفَرِدًا وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ لِفَضْلِ الشَّامِيَّةِ عَلَى الْبَيْضَاءِ) فَاغْتُفِرَ أَخْذُ الشَّعِيرِ لِلْفَضْلِ (فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَهُوَ مِثْلُ مَا وَصَفْنَا مِنَ التِّبْرِ فَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالطَّعَامِ كُلِّهِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي) لَا يَصْلُحُ (أَنْ يُبْتَاعَ) وَفِي نُسْخَةٍ يُبَاعَ (إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَعَ الصِّنْفِ الْجَيِّدِ مِنَ الْمَرْغُوبِ فِيهِ الشَّيْءُ) نَائِبُ فَاعِلِ يُجْعَلُ (الرَّدِيءُ الْمَسْخُوطُ لِيُجَازَ) بِالْجِيمِ (الْبَيْعُ وَلِيُسْتَحَلَّ بِذَلِكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِذَا جُعِلَ ذَلِكَ مَعَ الصِّنْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ صَاحِبُ ذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ) يَصِلَ (بِذَلِكَ فَضْلَ جَوْدَةِ مَا يَبِيعُ فَيُعْطِي الشَّيْءَ الَّذِي لَوْ أَعْطَاهُ وَحْدَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَهْمُمْ) بِفَكِّ الْإِدْغَامِ بِذَلِكَ (وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ مِنْ أَجْلِ الَّذِي يَأْخُذُ مَعَهُ لِفَضْلِ سِلْعَةِ صَاحِبِهِ عَلَى سِلْعَتِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالطَّعَامِ) نَهْىٌ لَهَا وَالْمُرَادُ أَصَابَهَا وَهُوَ مِنَ الْبَلَاغَةِ (أَنْ يَدْخُلَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ) فَهُوَ حَرَامٌ (فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الطَّعَامِ الرَّدِيءِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِهِ فَلْيَبِعْهُ عَلَى حِدَتِهِ وَلَا يَجْعَلْ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ) لِعَدَمِ الرِّبَا.

ص: 430

[بَاب الْعِينَةِ وَمَا يُشْبِهُهَا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

19 -

بَابُ الْعِينَةِ وَمَا يُشْبِهُهَا

بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْبَيْعُ الْمُتَحَيَّلُ بِهِ عَلَى دَفْعِ عَيْنٍ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا.

وَرَوَى أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ وَمَا يَرَى أَحَدٌ مِنَّا أَنَّهُ أَحَقُّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "«إِذَا النَّاسُ تَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ بَلَاءً فَلَا يَرْفَعُهُ عَنْهُمْ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ» " صَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ.

1335 -

1321 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنِ ابْتَاعَ) اشْتَرَى (طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ) مَجْزُومٌ بِلَا النَّاهِيَةِ وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَا يَبِيعُهُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا نَافِيَةٌ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّهْيِ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) أَيْ يَقْبِضَهُ، وَأَلْحَقَ مَالِكٌ بِالِابْتِيَاعِ سَائِرَ عُقُودِ الْمُعَارَضَةِ كَأَخْذِهِ مَهْرًا أَوْ صُلْحًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَوْ مَلَكَ بِلَا مُعَاوَضَةٍ كَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَسَلَفٍ جَازَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَلْحَقَ بِالْبَيْعِ دَفَعَهُ عِوَضًا كَدَفْعِهِ مَهْرًا أَوْ خُلْعًا أَوْ هِبَةَ ثَوَابٍ أَوْ إِجَارَةً أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمٍ فَيُمْنَعُ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهِ، أَمَّا دَفْعُهُ قَرْضًا أَوْ قَضَاءً عَنْ قَرْضٍ فَيَجُوزُ، وَعُمُومُ قَوْلِهِ طَعَامًا يَشْمَلُ الرِّبَوِيَّ وَغَيْرَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَفِي أَنَّ الْمَنْعَ مُعَلَّلٌ بِالْعِينَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إِدْخَالُ مَالِكٍ أَحَادِيثَهُ تَحْتَ التَّرْجَمَةِ.

وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ نُهِيَ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ؟ قَالَ: أَلَا تَرَاهُمْ يَبْتَاعُونَ بِالذَّهَبِ وَالطَّعَامِ مُرْجَأً بِالْهَمْزِ وَعَدَمِهِ أَيْ مُؤَخَّرًا يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ إِلَى دَفْعِ ذَهَبٍ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ، وَالطَّعَامُ مُعَلَّلٌ أَوْ تَعَبُّدِيٌّ غَيْرُ مُعَلَّلٍ قَوْلَانِ.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَالْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَيَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ بِهِ.

ص: 431

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1336 -

1322 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» ) لِلْعِينَةِ أَوْ لِأَنَّ

ص: 431

لِلشَّارِعِ غَرَضًا فِي ظُهُورِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ تَقْوِيَةِ قُلُوبِ النَّاسِ لَا سِيَّمَا زَمَنُ الشِّدَّةِ وَالْمَسْغَبَةِ وَانْتِفَاعِ الْكَيَّالِ وَالْحَمَّالِ، فَلَوْ أُبِيحَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَبَاعَهُ أَهْلُ الْأَمْوَالِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ الْغَرَضُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ تَعْبُدِيٌّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ قَصْرُ النَّهْيِ عَلَى الطَّعَامِ رِبَوِيًّا كَانَ أَمْ لَا، وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ فَيَجُوزُ فِيمَا عَدَاهُ، إِذْ لَوْ مُنِعَ فِي الْجَمِيعِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الطَّعَامِ فَائِدَةٌ، وَدَلِيلُ الْخِطَابِ كَالنَّصِّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَّا فِيمَا لَا يُنْقَلُ كَالْعَقَارِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ فَاسْتُثْنِيَ مَا لَا يُنْقَلُ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ فِيهِ، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَ كُلِّ مُشْتَرًى قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» فَعَمَّ، وَأُجِيبَ بِقَصْرِهِ عَلَى الطَّعَامِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ دَلَّ بِالْمَفْهُومِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ بِخِلَافِهِ وَبِحَمْلِهِ عَلَى بَيْعِ الْخِيَارِ فَلَا يَبِيعُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَأَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَهُ أَيِ الطَّعَامَ فَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ رَأْيِهِ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ، وَشَذَّ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَأَجَازَ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَلِلْحَدِيثِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ.

ص: 432

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1337 -

1323 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَبْتَاعُ» ) نَشْتَرِي (الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ) صلى الله عليه وسلم (عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا) مَحَلُّهُ نَصْبُ مَفْعُولِ يَبْعَثُ (بِانْتِقَالِهِ) أَيْ نَقْلِهِ (مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ) أَيْ غَيْرِهِ (قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ) لِأَنَّ بِنَقْلِهِ يَحْصُلُ قَبْضُهُ وَهَذَا قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَالْمُرَادُ الْقَبْضُ، وَفَرَّقَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ بَيْنَ الْجِزَافِ فَأَجَازَ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ مَرْئِيٌّ فَيَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ وَبَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَلَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:" «مَنِ اشْتَرَى بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» " فَفِي قَوْلِهِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا خَالَفَهُ بِخِلَافِهِ، وَجَعَلَ مَالِكٌ رِوَايَةَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ تَفْسِيرًا لِرِوَايَةِ حَتَّى يَقْبِضَهُ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ عَلَى الْمَعْرُوفِ لُغَةً، قَالَ تَعَالَى:{الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ - وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 2 - 3](سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: الْآيَةُ 2، 3) وَقَالَ: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} [يوسف: 88](سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 88) وَقَالَ: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ} [الإسراء: 35] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 35 وَالْحَدِيثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 432

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ ابْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ فَبَاعَ حَكِيمٌ الطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا تَبِعْ طَعَامًا ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1338 -

1324 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ ابْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْأَسَدِيَّ ابْنِ أَخِي خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَصَحِبَ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً ثُمَّ عَاشَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ أَوْ بَعْدَهَا وَكَانَ عَالِمًا بِالنَّسَبِ.

(ابْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ فَبَاعَ حَكِيمٌ الطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ) يَقْبِضَهُ (فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: لَا تَبِعْ طَعَامًا ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ) وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ بَعْدَ الْمَرْفُوعِ مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةِ بِهِ اتِّصَالُ الْعَمَلِ بِهِ فَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ احْتِمَالُ نَسْخٍ.

ص: 433

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَا أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ فَقَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَمَا ذَاكَ فَقَالَا هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَتْبَعُونَهَا يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1338 -

1325 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَصَلَهُ مُسْلِمْ بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ صُكُوكًا) جَمْعُ صَكٍّ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى صِكَاكٍ وَهُوَ الْوَرَقَةُ الَّتِي يَكْتُبُ فِيهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ بِرِزْقٍ مِنَ الطَّعَامِ لِمُسْتَحِقِّهِ (خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ) إِمَارَةِ (مَرْوَانَ بْنِ الْحُكْمِ) عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ (مِنْ طَعَامِ الْجَارِ) بِجِيمٍ فَأَلِفٍ فِرَاءٍ مَوْضِعٌ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ يُجْمَعُ فِيهِ الطَّعَامُ ثُمَّ يُفَرَّقُ عَلَى النَّاسِ بِصِكَاكٍ.

(فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا) يَقْبِضُوهَا (فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ (فَقَالَا: أَتُحِلُّ) تُجِيزُ (بَيْعَ الرِّبَا) وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَحَلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا (يَا مَرْوَانُ؟) وَفِيهِ أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُحِلَّ وَإِنَّمَا تَرَكَ النَّهْيَ وَهَذَا إِغْلَاظٌ فِي الْإِنْكَارِ وَقَدْ كَانَ زَيْدٌ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِي هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ مُفْتِيًا عَلَى الْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ مُفْتِيًا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ بَاطِلٌ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُفْتِيًا وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ مُلَازَمَةً لِخِدْمَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَحْفَظِهِمْ لِحَدِيثِهِ وَأَغْزَرِهِمْ عِلْمًا؟ (فَقَالَ مَرْوَانُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ) أَعْتَصِمُ بِهِ مِنْ أَنْ أُحِلَّ الرِّبَا، وَلِمُسْلِمٍ فَقَالَ مَرْوَانُ: مَا

ص: 433

فَعَلْتُ (وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَا: هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا) وَلِمُسْلِمٍ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى» .

(فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَتْبَعُونَهَا يَنْتَزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا) أَصْحَابِهَا.

وَاحْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعَتَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِنَّمَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ الثَّانِي فَقَطْ لَقَالَ: وَيَرُدُّونَهَا إِلَى مَنِ ابْتَاعَهَا مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِأَهْلِهَا مَنْ يَسْتَحِقُّ رُجُوعَهَا إِلَيْهِ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ عَنْ بَيْعِهِ مِنْ مُشْتَرِيهِ لَا عَنْ بَيْعِهِ مِمَّنْ كُتِبَ لَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ رَفَعَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ أَوْ مَنْ وُهِبَ لَهُ.

وَفِي مُسْلِمٍ: فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ فَنَهَاهُمْ عَنْ بَيْعِهَا.

قَالَ سُلَيْمَانُ: فَنَظَرْتُ إِلَى حَرَسٍ يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ.

ص: 434

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ طَعَامًا مِنْ رَجُلٍ إِلَى أَجَلٍ فَذَهَبَ بِهِ الرَّجُلُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ الطَّعَامَ إِلَى السُّوقِ فَجَعَلَ يُرِيهِ الصُّبَرَ وَيَقُولُ لَهُ مِنْ أَيِّهَا تُحِبُّ أَنْ أَبْتَاعَ لَكَ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ أَتَبِيعُنِي مَا لَيْسَ عِنْدَكَ فَأَتَيَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لِلْمُبْتَاعِ لَا تَبْتَعْ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَقَالَ لِلْبَائِعِ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1338 -

1326 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ طَعَامًا مِنْ رَجُلٍ إِلَى أَجَلٍ فَذَهَبَ بِهِ الرَّجُلُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ الطَّعَامَ إِلَى السُّوقِ فَجَعَلَ يُرِيهِ الصُّبَرَ) بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الْبَاءِ جَمْعُ صُبْرَةٍ (وَيَقُولُ لَهُ: مِنْ أَيِّهَا تُحِبُّ أَنْ أَبْتَاعَ) أَشْتَرِيَ (لَكَ؟ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ) أَيِ الذِي يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ (أَتَبِيعُنِي مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ (فَأَتَيَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لِلْمُبْتَاعِ: لَا تَبِيعُ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَقَالَ لِلْبَائِعِ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) وَكَأَنَّهُ اسْتَنْبَطَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، أَوْ بَلَغَهُ حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ:" «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي مِنَ الْبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ ثُمَّ أَبِيعُهُ مِنْهُ، فَقَالَ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» " رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.

ص: 434

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَمِيلَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ إِنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ مِنْ الْأَرْزَاقِ الَّتِي تُعْطَى النَّاسُ بِالْجَارِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ أَبِيعَ الطَّعَامَ الْمَضْمُونَ عَلَيَّ إِلَى أَجَلٍ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ أَتُرِيدُ أَنْ تُوَفِّيَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْزَاقِ الَّتِي ابْتَعْتَ فَقَالَ نَعَمْ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بُرًّا أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا أَوْ ذُرَةً أَوْ دُخْنًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحُبُوبِ الْقِطْنِيَّةِ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُشْبِهُ الْقِطْنِيَّةَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْأُدُمِ كُلِّهَا الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالْخَلِّ وَالْجُبْنِ وَالشِّيرِقِ وَاللَّبَنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُدْمِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1341 -

1327 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَمِيلَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ

ص: 434

التَّحْتِيَّةِ وَلَامٍ (ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْمُؤَذِّنَ الْمَدَنِيَّ أُمُّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ سَعْدِ الْقَرَظِ وَكَانَ يُؤَذِّنُ وَسَمِعَ ابْنَ الْمُسَيَّبِ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَنْهُ مَالِكٌ بِوَاسِطَةِ يَحْيَى وَبِلَالٌ وَاسِطَةٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّ اسْمَ أَبِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ كَمَا هُنَا، وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُوَيْدٍ أَوْ سَوَادَةَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَذَّاءِ (يَقُولُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: إِنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ مِنَ الْأَرْزَاقِ الَّتِي تُعْطَى) بِتَحْتِيَّةٍ أَوْ فَوْقِيَّةٍ (النَّاسُ) بِالرَّفْعِ نَائِبُ فَاعِلِ يُعْطَى بِتَحْتِيَّةٍ وَالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِتُعْطَى بِفَوْقِيَّةٍ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ هِيَ النَّاسُ (بِالْجَارِ) بِجِيمٍ مَحَلٌّ مَعْلُومٌ بِالسَّاحِلِ (مَا شَاءَ اللَّهُ) فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ أَبِيعَ الطَّعَامَ الْمَضْمُونَ عَلَيَّ إِلَى أَجَلٍ، فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: أَتُرِيدُ أَنْ تُوَفِّيَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْزَاقِ الَّتِي ابْتَعْتَ؟ فَقَالَ نَعَمْ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ) زَادَ غَيْرُ يَحْيَى فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ رَأْيِي أَيْ خَوْفًا مِنَ التَّسَاهُلِ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ أَوْ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِلذَّرِيعَةِ الَّتِي يُخَافُ مِنْهَا التَّطَرُّقُ إِلَى الْمَحْذُورِ وَإِنْ قَلَّتْ قَالَهُ الْبُونِيُّ.

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ) تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ (أَنَّهُ مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا بُرًّا أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا أَوْ ذُرَةً) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (أَوْ دُخْنًا) بِمُهْمَلَةٍ (أَوْ شَيْئًا مِنَ الْحُبُوبِ الْقُطْنِيَّةِ) السَّبْعَةِ (أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُشْبِهُ الْقُطْنِيَّةَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَزَيْتُونٍ (أَوْ شَيْئًا مِنَ الْأُدُمِ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ إِدَامٍ بِزِنَةِ كِتَابٍ وَكُتُبٍ، وَدَلِيلُ أَنَّهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ تَوْكِيدُهُ بِقَوْلِهِ:(كُلِّهَا) دُونَ كُلِّهِ (الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالْخَلِّ وَالْجُبْنِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْبَاءِ عَلَى الْأَجْوَدِ وَضَمِّهَا لِلْإِتْبَاعِ وَالتَّثْقِيلِ وَهِيَ أَقَلُّهَا وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالشِّعْرِ (وَاللَّبَنِ وَالشِّيرِقِ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُوَحَّدَةٍ بَدَلُهَا نُسْخَتَانِ دُهْنُ السِّمْسِمِ، قَالَ الْبُونِيُّ: وَهُوَ السِّيرَجُ أَيْضًا بِالْجِيمِ (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُدُمِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ) عَمَلًا بِعُمُومِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلطَّعَامِ الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ بِمَعْنًى

ص: 435

وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ كُلَّ رِوَايَةٍ أَفَادَتْ مَعْنًى لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَوْفِيهِ بِالْكَيْلِ بِأَنْ يَكِيلَهُ الْبَائِعُ وَلَا يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي بَلْ يَحْبِسُهُ عِنْدَهُ لِيَنْقُدَهُ الثَّمَنَ مَثَلًا، أَوْ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ أَكْثَرُ مَعْنًى مِنَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ إِذَا قَبَضَ الْبَعْضَ وَحَبَسَ الْبَعْضَ لِأَجْلِ الثَّمَنِ صَدَقَ عَلَيْهِ الْقَبْضُ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ.

ص: 436

[بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ إِلَى أَجَلٍ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَنْهَيَانِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً بِذَهَبٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

20 -

بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ إِلَى أَجَلٍ

1342 -

1328 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَنْهَيَانِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ) أَوِ الْمَرْأَةُ (حِنْطَةً بِذَهَبٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ) مِنْ مُشْتَرِي الْحِنْطَةِ لِلنَّهْمَةِ.

ص: 436

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ الطَّعَامَ مِنْ الرَّجُلِ بِذَهَبٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِي بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1343 -

1329 - (مَالِكٌ عَنْ كَثِيرٍ) بِلَفْظٍ ضِدُّ قَلِيلٍ (ابْنِ فَرْقَدٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَقَافٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ الْمَدَنِيِّ نَزِيلُ مِصْرَ مِنَ الثِّقَاتِ (أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنِ الرَّجُلِ يَبِيعُ الطَّعَامَ مِنَ الرَّجُلِ) أَيْ إِلَيْهِ (بِذَهَبٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ) مَنَعَهُ.

ص: 436

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا نَهَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنْ لَا يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً بِذَهَبٍ ثُمَّ يَشْتَرِي الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ مِنْ بَيْعِهِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْحِنْطَةَ فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ الَّتِي بَاعَ بِهَا الْحِنْطَةَ إِلَى أَجَلٍ تَمْرًا مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ وَيُحِيلَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ التَّمْرَ عَلَى غَرِيمِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ بِالذَّهَبِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ فِي ثَمَرِ التَّمْرِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1343 -

1330 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ) أَنَّهُ كَرِهَهُ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا نَهَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) بِمُهْمَلَةٍ

ص: 436

وَزَايٍ (وَابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنْ لَا) زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ نَحْوُ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12](سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 12) ، (يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً بِذَهَبٍ ثُمَّ يَشْتَرِي الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ مِنْ بَيِّعِهِ) بِشَدِّ الْيَاءِ (الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْحِنْطَةَ، فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ الَّتِي بَاعَ بِهَا) أَيِ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ (الْحِنْطَةَ إِلَى أَجَلٍ) تَمْرًا (مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ) الْمُعَبَّرِ عَنْهُ قَبْلَهُ بِبَيِّعِهِ بِالتَّثْقِيلِ لِأَنَّهُ يُقَالُ لُغَةً بَائِعٌ وَبَيِّعٌ (الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ وَيُحِيلَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ التَّمْرَ عَلَى غَرِيمِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ بِالذَّهَبِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ التَّمْرِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ.

(وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا) وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ وَافَقُوهُ عَلَى مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ لَا أَنَّهُ قَلَّدَهُمْ.

ص: 437

[بَاب السُّلْفَةِ فِي الطَّعَامِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ أَوْ تَمْرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي طَعَامٍ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَحَلَّ الْأَجَلُ فَلَمْ يَجِدْ الْمُبْتَاعُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَفَاءً مِمَّا ابْتَاعَ مِنْهُ فَأَقَالَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إِلَّا وَرِقَهُ أَوْ ذَهَبَهُ أَوْ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِي مِنْهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَخَذَ غَيْرَ الثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ أَوْ صَرَفَهُ فِي سِلْعَةٍ غَيْرِ الطَّعَامِ الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ فَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ نَدِمَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِلْبَائِعِ أَقِلْنِي وَأُنْظِرُكَ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعْتُ إِلَيْكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ الطَّعَامُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَخَّرَ عَنْهُ حَقَّهُ عَلَى أَنْ يُقِيلَهُ فَكَانَ ذَلِكَ بَيْعَ الطَّعَامِ إِلَى أَجَلٍ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ حَلَّ الْأَجَلُ وَكَرِهَ الطَّعَامَ أَخَذَ بِهِ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْإِقَالَةِ وَإِنَّمَا الْإِقَالَةُ مَا لَمْ يَزْدَدْ فِيهِ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الزِّيَادَةُ بِنَسِيئَةٍ إِلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَيْءٍ يَزْدَادُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَوْ بِشَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْإِقَالَةِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ الْإِقَالَةُ إِذَا فَعَلَا ذَلِكَ بَيْعًا وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِي الْإِقَالَةِ وَالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ مَا لَمْ يَدْخُلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ نَظِرَةٌ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ نَظِرَةٌ صَارَ بَيْعًا يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ قَالَ مَالِكٌ مَنْ سَلَّفَ فِي حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مَحْمُولَةً بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَّفَ فِي صِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ خَيْرًا مِمَّا سَلَّفَ فِيهِ أَوْ أَدْنَى بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ فِي حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ شَعِيرًا أَوْ شَامِيَّةً وَإِنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ عَجْوَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ صَيْحَانِيًّا أَوْ جَمْعًا وَإِنْ سَلَّفَ فِي زَبِيبٍ أَحْمَرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ أَسْوَدَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ إِذَا كَانَتْ مَكِيلَةُ ذَلِكَ سَوَاءً بِمِثْلِ كَيْلِ مَا سَلَّفَ فِيهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

21 -

بَابُ السُّلْفَةِ فِي الطَّعَامِ

1344 -

1331 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ) فَاعِلٌ وَمَفْعُولٌ (فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ) أَيْ يَظْهَرْ (صَلَاحُهُ أَوْ تَمْرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) أَيْ يَظْهَرْ وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا.

ص: 437

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي طَعَامٍ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَحَلَّ الْأَجَلُ فَلَمْ يَجِدِ الْمُبْتَاعُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَفَاءً) بِالْمَدِّ (مِمَّا ابْتَاعَ مِنْهُ فَأَقَالَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إِلَّا وَرِقَهُ) فِضَّتَهُ أَوْ ذَهَبَهُ أَوِ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِي مِنْهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَخَذَ غَيْرَ الثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ أَوْ صَرَفَهُ فِي سِلْعَةٍ غَيْرِ الطَّعَامِ الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ فَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى يُقْبَضَ (وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى» ) فَيَدْخُلُ فِيهِ ذَلِكَ (فَإِنْ نَدِمَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِلْبَائِعِ أَقِلْنِي وَأُنْظِرُكَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أُؤَخِّرُكَ (بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعْتُ إِلَيْكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ الطَّعَامُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَخَّرَ عَنْهُ حَقَّهُ عَلَى أَنْ يُقِيلَهُ فَكَأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى) وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ (وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ حَلَّ الْأَجَلَ وَكَرِهَ الطَّعَامَ أَخَذَ بِهِ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْإِقَالَةِ وَإِنَّمَا الْإِقَالَةُ مَا لَمْ يَزْدَدْ فِيهِ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي، فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الزِّيَادَةُ بِنَسِيئَةٍ) تَأْخِيرٍ (إِلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَيْءٍ يَزْدَادُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَوْ بِشَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْإِقَالَةِ،

ص: 438

وَإِنَّمَا تَصِيرُ الْإِقَالَةُ إِذَا فَعَلَا ذَلِكَ بَيْعًا، وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِي الْإِقَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ) فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ إِلَّا أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ أَوْ يُوَلِّيَهُ أَوْ يُقِيلَهُ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (مَا لَمْ يَدْخُلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ نَظِرَةٌ) أَيْ تَأْخِيرٌ (فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ نَظِرَةٌ صَارَ بَيْعًا يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ) فَيُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطُهُ وَانْتِفَاءُ مَوَانِعِهِ، وَالْإِقَالَةُ فِي الطَّعَامِ بِشَرْطِهِ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ الْجَوَازِ فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا بَيْعٌ لَا حِلُّهُ فَيَحْتَاجُونَ إِلَى مُخَصِّصٍ يُخْرِجُهَا مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالْمُخَصِّصُ اسْتِثْنَاؤُهَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْإِمَامُ كَمَا تَرَى، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إِنَّهَا حِلُّ بَيْعٍ فَلَا حَاجَةَ لِلِاعْتِذَارِ وَلَيْسَ الْجَوَازُ عِنْدَهَا وَلَا رُخْصَةَ، وَمَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ جَوَازُ التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَمَنَعَهُمَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَلِمَالِكٍ قَوْلٌ بِمَنْعِ الشَّرِكَةِ، وَاتَّفَقَ الْمَذْهَبُ عَلَى جَوَازِ التَّوْلِيَةِ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ كَالْإِقَالَةِ وَلِلْحَدِيثِ.

(قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَلَّفَ فِي حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مَحْمُولَةً بَعْدَ مَحِلِّ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ حُلُولِ (الْأَجَلِ) لَا قَبْلَهُ (وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَّفَ فِي صِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ خَيْرًا مِمَّا سَلَّفَ) لِأَنَّهُ حُسْنُ قَضَاءٍ (فِيهِ أَوْ أَدْنَى) لِأَنَّهُ حُسْنُ اقْتِضَاءٍ (بَعْدَ الْأَجَلِ) لَا قَبْلَهُ (وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُسْلِّفَ الرَّجُلُ فِي حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ شَعِيرًا أَوْ شَامِيَّةً وَإِنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ عَجْوَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ) بَدَلَهُ (صَيْحَانِيًّا أَوْ) تَمْرًا (جَمْعًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ رَدِيئًا (وَإِنْ سَلَّفَ فِي زَبِيبٍ أَحْمَرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ أَسْوَدَ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حُسْنُ اقْتِضَاءٍ (إِذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ إِذَا كَانَتْ مَكِيلَةُ ذَلِكَ سَوَاءً بِمِثْلِ كَيْلِ مَا سَلَّفَ فِيهِ) فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَوَازَ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ بَعْدَ الْحُلُولِ وَقَدْرُ الْكَيْلِ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ الصِّفَةِ.

ص: 439

[بَاب بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ قَالَ فَنِيَ عَلَفُ حِمَارِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ لِغُلَامِهِ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إِلَّا مِثْلَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

22 -

بَابُ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا

1346 -

1332 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ قَالَ: فَنِيَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فَرَغَ (عَلَفُ حِمَارِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٍ الزُّهْرِيِّ (فَقَالَ لِغُلَامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إِلَّا مِثْلَهُ) لِأَنَّهُ يَرَى اتِّحَادَهُمَا جِنْسًا.

ص: 440

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فَنِيَ عَلَفُ دَابَّتِهِ فَقَالَ لِغُلَامِهِ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ طَعَامًا فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إِلَّا مِثْلَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1346 -

1333 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ) بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ الزُّهْرِيَّ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَاتَ أَبُوهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلِذَلِكَ عُدَّ فِي الصَّحَابَةِ، وَقَالَ الْعِجْلِيُّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ (فَنِيَ عَلَفُ دَابَّتِهِ فَقَالَ لِغُلَامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ طَعَامًا فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إِلَّا مِثْلَهُ) لِاتِّحَادِ جِنْسِهِمَا.

ص: 440

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ مُعَيْقِيبٍ الدَّوْسِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنْ لَا تُبَاعَ الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَلَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَلَا الْحِنْطَةُ بِالتَّمْرِ وَلَا التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ وَلَا الْحِنْطَةُ بِالزَّبِيبِ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ كُلِّهِ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلُ لَمْ يَصْلُحْ وَكَانَ حَرَامًا وَلَا شَيْءَ مِنْ الْأُدْمِ كُلِّهَا إِلَّا يَدًا بِيَدٍ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ فَلَا يُبَاعُ مُدُّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ وَلَا مُدُّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ وَلَا مُدُّ زَبِيبٍ بِمُدَّيْ زَبِيبٍ وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْأُدْمِ كُلِّهَا إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ إِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ لَا يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلُ وَلَا يَحِلُّ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ وَصَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ زَبِيبٍ وَصَاعٌ مِنْ حِنْطَةٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ سَمْنٍ فَإِذَا كَانَ الصِّنْفَانِ مِنْ هَذَا مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِاثْنَيْنِ مِنْهُ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا يَحِلُّ قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَحِلُّ صُبْرَةُ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ وَلَا بَأْسَ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةِ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى الْحِنْطَةُ بِالتَّمْرِ جِزَافًا قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَا اخْتَلَفَ مِنْ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ جِزَافًا يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَهُ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَإِنَّمَا اشْتِرَاءُ ذَلِكَ جِزَافًا كَاشْتِرَاءِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ جِزَافًا قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّكَ تَشْتَرِي الْحِنْطَةَ بِالْوَرِقِ جِزَافًا وَالتَّمْرَ بِالذَّهَبِ جِزَافًا فَهَذَا حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ صَبَّرَ صُبْرَةَ طَعَامٍ وَقَدْ عَلِمَ كَيْلَهَا ثُمَّ بَاعَهَا جِزَافًا وَكَتَمَ عَلَى الْمُشْتَرِيَ كَيْلَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ فَإِنْ أَحَبَّ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ بِمَا كَتَمَهُ كَيْلَهُ وَغَرَّهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهُ وَعَدَدَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ بَاعَهُ جِزَافًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا خَيْرَ فِي الْخُبْزِ قُرْصٍ بِقُرْصَيْنِ وَلَا عَظِيمٍ بِصَغِيرٍ إِذَا كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ أَكْبَرَ مِنْ بَعْضٍ فَأَمَّا إِذَا كَانَ يُتَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ مُدُّ زُبْدٍ وَمُدُّ لَبَنٍ بِمُدَّيْ زُبْدٍ وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ التَّمْرِ الَّذِي يُبَاعُ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ وَصَاعًا مِنْ حَشَفٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ عَجْوَةٍ حِينَ قَالَ لِصَاحِبِهِ إِنَّ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ الْعَجْوَةِ لَا يَصْلُحُ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِيُجِيزَ بَيْعَهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ صَاحِبُ اللَّبَنِ اللَّبَنَ مَعَ زُبْدِهِ لِيَأْخُذَ فَضْلَ زُبْدِهِ عَلَى زُبْدِ صَاحِبِهِ حِينَ أَدْخَلَ مَعَهُ اللَّبَنَ قَالَ مَالِكٌ وَالدَّقِيقُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخْلَصَ الدَّقِيقَ فَبَاعَهُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَوْ جَعَلَ نِصْفَ الْمُدِّ مِنْ دَقِيقٍ وَنِصْفَهُ مِنْ حِنْطَةٍ فَبَاعَ ذَلِكَ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ كَانَ ذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي وَصَفْنَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ فَضْلَ حِنْطَتِهِ الْجَيِّدَةِ حَتَّى جَعَلَ مَعَهَا الدَّقِيقَ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1346 -

1334 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مُعَيْقِيبِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ وَمُوَحَّدَةٍ ابْنِ أَبِي فَاطِمَةَ (الدَّوْسِيِّ) حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَمُعَيْقِيبٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ وَوَلِيَ بَيْتَ الْمَالِ لِعُمَرَ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيٍّ وَلَهُ وَلَدَانِ الْحَارِثُ وَمُحَمَّدٌ رَوَيَا عَنْهُ (مِثْلُ ذَلِكَ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ عُفَيْرٍ وَابْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ مُعَيْقِيبٍ وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَطَائِفَةٌ فَقَالُوا عَنْ مُعَيْقِيبٍ (قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ أَنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ

ص: 440

لِتَقَارُبِ الْمَنْفَعَةِ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الشَّامِيِّينَ أَيْضًا، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ خُبْزِ الْحِنْطَةِ فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ مَالِكٌ حَتَّى يُشَنِّعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَيَقُولُ: الْقِطُّ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ فَإِنَّهُ إِذَا رُمِيَتْ لَهُ لُقْمَتَانِ إِحْدَاهُمَا شَعِيرٌ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ عَنْهَا وَيُقْبِلُ عَلَى لُقْمَةِ الْبُرِّ، قَالَ الْأَبِيُّ: وَمَا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنِ السُّيُورِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الصَّائِغِ أَنَّهُ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إِلَى مَكَّةَ لَيُخَالِفَنَّ مَالِكًا فِي الْمَسْأَلَةِ فَمُبَالَغَةٌ وَلَا يرَدُّ أَنَّ حَلِفَهُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَهُوَ مِنَ الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَلَفَ عَلَى أَنْ يُخَالِفَهُ وَقَدْ فَعَلَ.

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنْ لَا تُبَاعَ الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَلَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَلَا الْحِنْطَةُ بِالتَّمْرِ وَلَا التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ وَلَا الْحِنْطَةُ بِالزَّبِيبِ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ كُلِّهِ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً وَإِنْ جَازَ الْفَضْلُ فِي مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ (فَإِنْ دَخَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلُ لَمْ يَصْلُحْ وَكَانَ حَرَامًا، وَلَا) يُبَاعُ (شَيْءٌ مِنَ الْأُدُمِ كُلِّهَا إِلَّا يَدًا بِيَدٍ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ رِبَا النَّسَاءِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَشَذَّ ابْنُ عُلَيَّةَ وَبَعْضُ السَّلَفِ فَأَجَازُوا النَّسِيئَةَ مَعَ الِاخْتِلَافِ وَلَوْ بَلَغَتْهُمُ السُّنَّةُ مَا خَالَفُوهَا لِفَضْلِهِمْ وَعِلْمِهِمْ وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْعِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ وَالْأُدُمِ إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ) أَيْ مُتَفَاضِلًا (لَا يُبَاعُ مُدُّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ) بِالتَّثْنِيَةِ (وَلَا مُدُّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ) بِالتَّثْنِيَةِ (تَمْرٍ، وَلَا مُدُّ زَبِيبٍ بِمُدَّيْ زَبِيبٍ، وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْحُبُوبِ وَالْأُدُمِ كُلِّهَا إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ) مُبَالَغَةً لِرِبَا الْفَضْلِ (إِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ لَا يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلُ) الزِّيَادَةُ وَلَوْ قُلْتَ (وَلَا يَحِلُّ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَيْ مُتَسَاوِيًا (وَيَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً.

(وَإِذَا اخْتَلَفَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ

ص: 441

فَبَانَ) أَيْ ظَهَرَ (اخْتِلَافُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ) لَا مُؤَخَّرًا.

(وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَصَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ زَبِيبٍ، وَصَاعٌ مِنْ حِنْطَةٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ سَمْنٍ) لِاخْتِلَافِ الصِّنْفِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا قَالَ.

(فَإِذَا كَانَ الصِّنْفَانِ مِنْ هَذَا مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِاثْنَيْنِ مِنْهُ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ، فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ) أَيْ مُخْتَلِفَ الصِّنْفِ (الْأَجَلُ فَلَا يَحِلُّ) وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عُبَادَةَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَفِيهِ:" «فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى» " وَالْآخِذُ وَالْمُعْطِي سَوَاءٌ (وَلَا تَحِلُّ صُبْرَةُ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي مُتَّحِدِ الصِّنْفِ.

(وَلَا بَأْسَ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ) أَيْ بَيْعِهَا (بِصُبْرَةِ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ بِالتَّمْرِ جِزَافًا) مُثَلَّثُ الْجِيمِ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ، (وَكُلُّ مَا اخْتَلَفَ مِنَ الطَّعَامِ وَالْأُدُمِ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ) ظَهَرَ كَقَمْحٍ وَتَمْرٍ لَا إِنْ لَمْ يَبِنْ كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَسُلْتٍ (فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ جِزَافًا يَدًا بِيَدٍ، فَإِنْ دَخَلَهُ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) أَيْ يُمْنَعُ لِلنَّسِيئَةِ (وَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ ذَلِكَ جِزَافًا كَاشْتِرَاءِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ جِزَافًا، وَذَلِكَ أَنَّكَ تَشْتَرِي الْحِنْطَةَ بِالْوَرِقِ جِزَافًا وَالتَّمْرَ بِالذَّهَبِ جِزَافًا فَهَذَا حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ) لَا كُرْهَ وَلَا خِلَافَ أَوْلَى.

ص: 442

(قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ صَبَّرَ) بِالتَّثْقِيلِ (صُبْرَةَ طَعَامٍ وَقَدْ عَلِمَ كَيْلَهَا ثُمَّ بَاعَهَا جِزَافًا وَكَتَمَ الْمُشْتَرِيَ كَيْلَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ بَيْعِ الْجِزَافِ أَنْ لَا يَعْرِفَهُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ (فَإِنْ أَحَبَّ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ بِمَا) أَيْ بِسَبَبِ مَا (كَتَمَهُ كَيْلَهُ وَغَرَّهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهُ وَعَدَدَهُ مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ بَاعَهُ جِزَافًا وَلَمْ يَعْلَمِ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ) وَإِنْ أَحَبَّ لَمْ يَرُدُّهُ.

(وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا خَيْرَ فِي خُبْزٍ قُرْصٍ بِقُرْصَيْنِ وَلَا عَظِيمٍ) أَيْ كَبِيرٍ (بِصَغِيرٍ إِذَا كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ أَكْبَرَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ يُتَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فِيهِمَا أَيْ مُتَسَاوِيًا (فَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ (وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ) مُبَالَغَةٌ (وَلَا يَصْلُحْ مُدُّ زُبْدٍ) بِضَمِّ الزَّايِ (وَمُدُّ لَبَنٍ بِمُدَّيْ زُبْدٍ وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي وَصَفْنَا مِنَ التَّمْرِ الَّذِي يُبَاعُ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ وَصَاعًا مِنْ حَشَفٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ عَجْوَةٍ حِينَ قَالَ لِصَاحِبِهِ: إِنَّ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنَ الْعَجْوَةِ لَا يَصْلُحُ) لِلرِّبَا (فَفَعَلَ ذَلِكَ لِيُجِيزَ بَيْعَهُ) فَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ (وَإِنَّمَا جَعَلَ صَاحِبُ اللَّبَنِ اللَّبَنَ مَعَ زُبْدِهِ لِيَأْخُذَ فَضْلَ زُبْدِهِ) أَيْ زِيَادَةَ (عَلَى زُبْدِ صَاحِبِهِ حِينَ أَدْخَلَ مَعَهُ اللَّبَنَ)

ص: 443

وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ.

(وَالدَّقِيقُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخْلَصَ الدَّقِيقَ فَبَاعَهُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) فَلِذَا جَازَ (وَلَوْ جَعَلَ نِصْفَ الْمُدِّ مِنْ دَقِيقٍ وَنِصْفَهُ مِنْ حِنْطَةٍ فَبَاعَ ذَلِكَ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ كَانَ ذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي وَصَفْنَا لَا يَصْلُحُ) لَا يَجُوزُ (لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ فَضْلَ حِنْطَتِهِ الْجَيِّدَةِ حِينَ جَعَلَ مَعَهَا الدَّقِيقَ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ) لَا يَجُوزُ.

ص: 444

[بَاب جَامِعِ بَيْعِ الطَّعَامِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ إِنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ الطَّعَامَ يَكُونُ مِنْ الصُّكُوكِ بِالْجَارِ فَرُبَّمَا ابْتَعْتُ مِنْهُ بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ فَأُعْطَى بِالنِّصْفِ طَعَامًا فَقَالَ سَعِيدٌ لَا وَلَكِنْ أَعْطِ أَنْتَ دِرْهَمًا وَخُذْ بَقِيَّتَهُ طَعَامًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

23 -

بَابُ جَامِعِ بَيْعِ الطَّعَامِ

1348 -

1335 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) الْخُزَاعِيِّ مَوْلَاهُمْ وَيُقَالُ مَوْلَى ثَقِيفٍ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ مَدَنِيٌّ صَالِحٌ، وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.

(أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ الطَّعَامَ) وَقَوْلُهُ (يَكُونُ مِنَ الصُّكُوكِ) جَمْعُ صَكٍّ (بِالْجَارِ) بِجِيمٍ السَّاحِلِ الْمَعْرُوفِ سَاقِطٌ لِلْأَكْثَرِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيِّ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (فَرُبَّمَا ابْتَعْتُ مِنْهُ بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ أَفَأُعْطَى بِالنِّصْفِ طَعَامًا؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: لَا وَلَكِنْ أَعْطِ أَنْتَ دِرْهَمًا وَخُذْ بَقِيَّتَهُ طَعَامًا) نَصَبَ بَقِيَّتَهُ عَلَى التَّوَسُّعِ.

ص: 444

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ يَقُولُ لَا تَبِيعُوا الْحَبَّ فِي سُنْبُلِهِ حَتَّى يَبْيَضَّ قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِصَاحِبِهِ لَيْسَ عِنْدِي طَعَامٌ فَبِعْنِي الطَّعَامَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ إِلَى أَجَلٍ فَيَقُولُ صَاحِبُ الطَّعَامِ هَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى فَيَقُولُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِغَرِيمِهِ فَبِعْنِي طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ حَتَّى أَقْضِيَكَهُ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ طَعَامًا ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ فَيَصِيرُ الذَّهَبُ الَّذِي أَعْطَاهُ ثَمَنَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ الطَّعَامُ الَّذِي أَعْطَاهُ مُحَلِّلًا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ ذَلِكَ إِذَا فَعَلَاهُ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ ابْتَاعَهُ مِنْهُ وَلِغَرِيمِهِ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ مِثْلُ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِغَرِيمِهِ أُحِيلُكَ عَلَى غَرِيمٍ لِي عَلَيْهِ مِثْلُ الطَّعَامِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ بِطَعَامِكَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ قَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ إِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ ابْتَاعَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُحِيلَ غَرِيمَهُ بِطَعَامٍ ابْتَاعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ سَلَفًا حَالًّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحِيلَ بِهِ غَرِيمَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ أَنْزَلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَلَمْ يُنْزِلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يُسَلِّفُ الدَّرَاهِمَ النُّقَّصَ فَيُقْضَى دَرَاهِمَ وَازِنَةً فِيهَا فَضْلٌ فَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ دَرَاهِمَ نُقَّصًا بِوَازِنَةٍ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ وَلَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ حِينَ أَسْلَفَهُ وَازِنَةً وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ نُقَّصًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَأَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ وَإِنَّمَا فُرِقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ بَيْعٌ عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ وَالتِّجَارَةِ وَأَنَّ بَيْعَ الْعَرَايَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا مُكَايَسَةَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ طَعَامًا بِرُبُعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ كِسْرٍ مِنْ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْطَى بِذَلِكَ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ طَعَامًا بِكِسْرٍ مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يُعْطَى دِرْهَمًا وَيَأْخُذُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِرْهَمِهِ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ لِأَنَّهُ أَعْطَى الْكِسْرَ الَّذِي عَلَيْهِ فِضَّةً وَأَخَذَ بِبَقِيَّةِ دِرْهَمِهِ سِلْعَةً فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ دِرْهَمًا ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ بِرُبُعٍ أَوْ بِثُلُثٍ أَوْ بِكِسْرٍ مَعْلُومٍ سِلْعَةً مَعْلُومَةً فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سِعْرٌ مَعْلُومٌ وَقَالَ الرَّجُلُ آخُذُ مِنْكَ بِسِعْرِ كُلِّ يَوْمٍ فَهَذَا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ غَرَرٌ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ مَرَّةً وَلَمْ يَفْتَرِقَا عَلَى بَيْعٍ مَعْلُومٍ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا جِزَافًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ مِنْهُ وَذَلِكَ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَارَ ذَلِكَ إِلَى الْمُزَابَنَةِ وَإِلَى مَا يُكْرَهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ إِلَّا الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1348 -

1336 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ يَقُولُ: لَا تَبِيعُوا الْحَبَّ فِي سُنْبُلِهِ حَتَّى يَبْيَضَّ) أَيْ يَشْتَدَّ حَبُّهُ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى

ص: 444

يَزْهُوَ وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ» " نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ قَالَ عِيَاضٌ: فَرَّقَ صلى الله عليه وسلم فَأَجَازَ بَيْعَ الثِّمَارِ بِأَوَّلِ الطِّيبِ وَلَمْ يُجِزْهُ فِي الزَّرْعِ حَتَّى يَتِمَّ طِيبُهُ لِأَنَّ الثِّمَارَ تُؤْكَلُ غَالِبًا مِنْ أَوَّلِ الطِّيبِ وَالزَّرْعُ لَا يُؤْكَلُ غَالِبًا إِلَّا بَعْدَ الطِّيبِ.

(قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِصَاحِبِهِ: لَيْسَ عِنْدِي طَعَامٌ فَبِعْنِي الطَّعَامَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ إِلَى أَجَلٍ فَيَقُولُ صَاحِبُ الطَّعَامِ هَذَا لَا يَصْلُحُ) لَا يَجُوزُ (لِأَنَّهُ قَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى» ) أَيْ يُقْبَضَ (فَيَقُولُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِغَرِيمِهِ: فَبِعْنِي طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ حَتَّى أَقْضِيَكَهُ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ طَعَامًا ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ فَيَصِيرُ الذَّهَبُ الَّذِي أَعْطَاهُ ثَمَنَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُ الطَّعَامُ الَّذِي أَعْطَاهُ مُحَلَّلًا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ ذَلِكَ إِذَا فَعَلَاهُ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى) فَلَمْ يَخْرُجَا عَنِ النَّهْيِ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ ابْتَاعَهُ مِنْهُ وَلِغَرِيمِهِ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ مِثْلُ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِغَرِيمِهِ: أُحِيلُكَ عَلَى غَرِيمٍ لِي عَلَيْهِ مِثْلُ الطَّعَامِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ بِطَعَامِكَ) مُتَعَلِّقٌ بِأُحِيلُكَ (الَّذِي لَكَ عَلَيَّ، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ إِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ ابْتَاعَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُحِيلَ غَرِيمَهُ بِطَعَامٍ ابْتَاعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ) لَا يَجُوزُ مِنَ الصَّلَاحِ ضِدُّ الْفَسَادِ (وَذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى) فَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ

ص: 445

(فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ سَلَفًا حَالًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحِيلَ بِهِ غَرِيمَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ) كَمَا مَرَّ مُسْنَدًا.

(غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدِ اجْتَمَعُوا) أَيِ اتَّفَقُوا (عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرْكِ) التَّشْرِيكُ لِغَيْرِهِ فِي بَعْضِ مَا اشْتَرَاهُ (وَالتَّوْلِيَةِ) لِمَا اشْتَرَاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ (وَالْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ أَنْزَلُوهُ) أَيِ الْمَذْكُورَ مِنَ الثَّلَاثِ (عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ) فَأَجَازُوا ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الطَّعَامِ (وَلَمْ يُنْزِلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ) لِأَنَّهُ كَانَ يَمْتَنِعُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِقَالَةَ حِلُّ بَيْعٍ لَا بَيْعٌ، وَمَرَّ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَهُمَا قَوْلَانِ.

(وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يُسَلِّفُ الدَّرَاهِمَ النُّقَّصَ فَيُقْضَى دَرَاهِمَ وَازِنَةً فِيهَا فَضْلٌ) زِيَادَةٌ (فَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ حُسْنُ قَضَاءٍ (وَيَجُوزُ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَقْوِيَةً (وَلَوِ اشْتَرَى دَرَاهِمَ نُقَّصًا بِوَازِنَةٍ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ) لِرِبَا الْفَضْلِ (وَلَوِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ حِينَ أَسْلَفَهُ وَازِنَةً وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ نُقَّصًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ) لِلشَّرْطِ وَهُوَ عَيْنُ الرِّبَا (وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَأَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ» ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا.

(وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ بَيْعٌ عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ وَالتِّجَارَةِ وَأَنَّ بَيْعَ الْعَرَايَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا مُكَايَسَةَ فِيهِ) أَيْ مُغَالَبَةَ.

(وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ طَعَامًا بِرُبْعٍ أَوْ بِثُلُثٍ أَوْ كِسْرٍ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ السِّينِ أَيْ قِطْعَةٍ (مِنْ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْطَى

ص: 446

بِذَلِكَ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ طَعَامًا بِكِسْرٍ) قِطْعَةٍ (مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يُعْطَى دِرْهَمًا وَيَأْخُذُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنَ السِّلَعِ لِأَنَّهُ أَعْطَى الْكِسْرَ) الْقِطْعَةَ (الَّذِي عَلَيْهِ فِضَّةً وَأَخَذَ بِبَقِيَّتِهِ سِلْعَةً فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا صَفْقَتَانِ لَمْ يَدْخُلْهُمَا شَيْءٌ يُمْنَعُ.

(وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ دِرْهَمًا ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِرُبْعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ بِكِسْرٍ مَعْلُومٍ سِلْعَةً مَعْلُومَةً فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سِعْرٌ مَعْلُومٌ وَقَالَ الرَّجُلُ آخُذُ مِنْكَ بِسِعْرِ كُلِّ يَوْمٍ فَهَذَا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ غَرَرٌ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ مَرَّةً وَلَمْ يَفْتَرِقَا عَلَى بَيْعٍ مَعْلُومٍ) بَيَانٌ لِلْغَرَرِ لِلْجَهْلِ بِمَا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ سِعْرَهُ لِخَفْضِ السِّعْرِ وَارْتِفَاعِهِ.

(وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا جِزَافًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ وَذَلِكَ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَارَ ذَلِكَ إِلَى الْمُزَابَنَةِ وَإِلَى مَا يُكْرَهُ) أَيْ يُمْنَعُ (فَلَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ وَ) هُوَ (لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ إِلَّا الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ) وَمُرَادُهُ رحمه الله زِيَادَةُ الْإِيضَاحِ وَالْبَيَانِ (وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا جَازَ أَنْ يُسْتَثْنَى جَازَ أَنْ يُشْتَرَى وَهُوَ الثُّلُثُ فَأَقَلُّ.

ص: 447

[بَاب الْحُكْرَةِ وَالتَّرَبُّصِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا حُكْرَةَ فِي سُوقِنَا لَا يَعْمِدُ رِجَالٌ بِأَيْدِيهِمْ فُضُولٌ مِنْ أَذْهَابٍ إِلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ نَزَلَ بِسَاحَتِنَا فَيَحْتَكِرُونَهُ عَلَيْنَا وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ كَبِدِهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَذَلِكَ ضَيْفُ عُمَرَ فَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ وَلْيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

24 -

بَابُ الْحُكْرَةِ وَالتَّرَبُّصِ

بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ اسْمٌ مِنَ احْتَكَرَ الطَّعَامَ إِذَا حَبَسَهُ إِرَادَةً لِلْغَلَاءِ، وَالْحَكَرُ بِفَتْحَتَيْنِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي لُغَةً بِمَعْنَاهُ، وَالتَّرَبُّصُ الِانْتِظَارُ فَكَأَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ.

1352 -

1337 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا حُكْرَةَ فِي سُوقِنَا لَا يَعْمِدُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ يَقْصِدُ (رِجَالٌ بِأَيْدِيهِمْ فُضُولٌ) زِيَادَاتٌ عَنْ أَقْوَاتِهِمْ (مِنْ أَذْهَابٍ) جَمْعُ ذَهَبٍ كَأَسْبَابٍ وَسَبَبٍ (إِلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ نَزَلَ بِسَاحَتِنَا فَيَحْتَكِرُونَهُ عَلَيْنَا) يَحْبِسُونَهُ عَنَّا إِلَى أَنْ يَغْلُوَ السِّعْرُ (وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ كَبِدِهِ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ تَبَعًا لِلْهَرَوِيِّ: أَرَادَ بِهِ ظَهْرَهُ لِأَنَّهُ يُمْسِكُ الْبَطْنَ وَيُقَوِّيهِ فَصَارَ كَالْعَمُودِ لَهُ، وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ عَلَى تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ عَلَى ظَهْرِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: يُرِيدُ بِكَبِدِهِ الْحَامِلَةَ لِأَنَّ الْجَالِبَ إِنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى دَوَابِّهِ لَا عَلَى ظَهْرِهِ (فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) قَالَ عِيسَى: يَعْنِي فِي قَلْبِ الشِّتَاءِ وَشِدَّةِ بَرْدِهِ وَقَلْبِ الصَّيْفِ وَشِدَّةِ حَرِّهِ (فَذَلِكَ ضَيْفُ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ (عُمَرَ) لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي إِمْسَاكِ مَا جَلَبَ (فَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ وَلْيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ) لِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنِ الْجَلْبِ، فَإِنْ نَزَلَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَ غَيْرِهِ جُبِرَ عَلَى بَيْعِهِ بِسِعْرِ الْوَقْتِ لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ النَّاسِ قَالَهُ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ.

ص: 448

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَهُوَ يَبِيعُ زَبِيبًا لَهُ بِالسُّوقِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ وَإِمَّا أَنْ تُرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1352 -

1338 - (مَالِكٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ) بْنِ حِمَاسٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ فَأَلِفٍ فَمُهْمَلَةٍ، قَالَ ابْنُ حَبَّانَ: ثِقَةٌ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمَحَ مَرَّةً امْرَأَةً فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ فَرَدَّهُمَا عَلَيْهِ.

(عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ)

ص: 448

بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ اللَّخْمِيِّ حَلِيفِ بَنِي أَسَدٍ شَهِدَ بَدَرًا اتِّفَاقًا وَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَلَاثِينَ عَنْ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً (وَهُوَ يَبِيعُ زَبِيبًا لَهُ بِالسُّوقِ) بِأَرْخَصَ مِمَّا يَبِيعُ النَّاسُ (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ) بِأَنْ تَبِيعَ بِمِثْلِ مَا يَبِيعُ أَهْلُ السُّوقِ (وَإِمَّا أَنْ تُرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا) لِئَلَّا تَضُرَّ بِأَهْلِ السُّوقِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ لَيْسَ لَهُمُ الْبَيْعُ بِأَرْخَصَ مِمَّا يَبِيعُ أَهْلُ السُّوقِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَقَالَ بِذَلِكَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ إِذْ لَا يُلَامُ أَحَدٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِي الْبَيْعِ وَالْحَطِيطَةِ فِيهِ، بَلْ يُشْكَرُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ فَعَلَهُ لِوَجْهِ النَّاسِ، وَيُؤْجَرُ إِنْ فَعَلَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى.

ص: 449

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْحُكْرَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1352 -

1339 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَنْهَى عَنِ الْحُكْرَةِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا فَهُوَ خَاطِئٌ» " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مَعْمَرٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا بِلَفْظِ:" «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» " وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عُمَرَ.

وَلَهُ وَلِلْحَاكِمِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» ".

ص: 449

[بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَالسَّلَفِ فِيهِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَاعَ جَمَلًا لَهُ يُدْعَى عُصَيْفِيرًا بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إِلَى أَجَلٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

25 -

بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَالسَّلَفِ فِيهِ

1354 -

1340 - (مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ) الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ (عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ وَأَبُوهُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ (أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَاعَ جَمَلًا لَهُ يُدْعَى عُصَيْفِيرًا) بِلَفْظِ تَصْغِيرِ عُصْفُورٍ (بِعِشْرِينَ بَعِيرًا) صِغَارًا (إِلَى أَجَلٍ) لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ.

ص: 449

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1355 -

1341 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً) مَرْكَبًا مِنَ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَقِيلَ هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ أَنْ تُرْحَلَ وَجَمْعُهَا رَوَاحِلُ (بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ) جَمْعُ بَعِيرٍ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (مَضْمُونَةٍ) عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ (يُوَفِّيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَرْيَةٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ.

ص: 450

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ الْجَمَلُ بِالْجَمَلِ يَدًا بِيَدٍ وَالدَّرَاهِمُ إِلَى أَجَلٍ قَالَ وَلَا خَيْرَ فِي الْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ الدَّرَاهِمُ نَقْدًا وَالْجَمَلُ إِلَى أَجَلٍ وَإِنْ أَخَّرْتَ الْجَمَلَ وَالدَّرَاهِمَ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الْبَعِيرَ النَّجِيبَ بِالْبَعِيرَيْنِ أَوْ بِالْأَبْعِرَةِ مِنْ الْحَمُولَةِ مِنْ مَاشِيَةِ الْإِبِلِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَعَمٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ إِذَا اخْتَلَفَتْ فَبَانَ اخْتِلَافُهَا وَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُهَا بَعْضًا وَاخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَفَاضُلٌ فِي نَجَابَةٍ وَلَا رِحْلَةٍ فَإِذَا كَانَ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ فَلَا يُشْتَرَى مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ إِذَا انْتَقَدْتَ ثَمَنَهُ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ سَلَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَوَصَفَهُ وَحَلَّاهُ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ لَازِمٌ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ عَلَى مَا وَصَفَا وَحَلَّيَا وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ الْجَائِزِ بَيْنَهُمْ وَالَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1356 -

1342 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ) ذَكَرُ الْإِبِلِ (بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَا سَلَفَ فِيهِ (وَلَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ) أَيْ بَيْعِهِ (بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ الْجَمَلُ بِالْجَمَلِ يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُسْتَقِلٌّ (وَالدَّرَاهِمُ إِلَى أَجَلٍ وَلَا خَيْرَ فِي الْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ الدَّرَاهِمُ نَقْدًا وَالْجَمَلُ إِلَى أَجَلٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ (وَإِنْ أَخَّرْتَ الْجَمَلَ وَالدَّرَاهِمَ فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا) أَيْ لَا يَجُوزُ.

(وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبْتَاعَ الْبَعِيرَ النَّجِيبَ) بِجِيمٍ وَزْنُ كِرِيمٍ وَمَعْنَاهُ (بِالْبَعِيرَيْنِ أَوْ بِالْأَبْعِرَةِ مِنَ الْحَمُولَةِ) بِالْفَتْحِ الْجَمَاعَةُ (مِنْ حَاشِيَةِ الْإِبِلِ) أَيْ دُونَهَا (وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَعَمٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُشْتَرَى مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ إِذَا اخْتَلَفَتْ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا) ظَهَرَ (وَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُهَا

ص: 450

بَعْضًا وَاخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ وَتَفْسِيرُ) أَيْ بَيَانُ (مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَفَاضُلٌ فِي نَجَابَةٍ وَلَا رِحْلَةٍ) أَيْ حَمْلٍ.

(فَإِنْ كَانَ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ فَلَا يُشْتَرَى مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ) وَوَجْهُ تَفْرِقَتِهِ هَذِهِ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ يُصَيِّرُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ، وَيَتَّضِحُ مَعَهُ أَنَّ الْقَصْدَ بِالْمُبَايَعَةِ حُصُولُ النَّفْعِ وَالْغَرَضِ لَا الزِّيَادَةُ فِي السَّلَفِ، وَأَيْضًا فَمَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَيْسَ الْقَصْدُ إِلَّا الْمَنَافِعَ لِأَنَّهَا الَّتِي تُمْلَكُ وَأَمَّا الذَّوَاتُ فَلَا يَمْلِكُهَا إِلَّا خَالِقُهَا وَإِنْ كَانَتِ الْمَنَافِعُ هِيَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ دَابَّةِ الْحَمْلِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ آخَرَ مِنْ جِنْسِهَا الْجَرْيُ صَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ دَابَّةٍ وَثَوْبٍ، فَإِنِ اتَّفَقَتْ مَنَافِعُ الْجِنْسِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ إِنْ قَدَّمَ الْأَقَلَّ سَلَّفَ بِزِيَادَةٍ وَإِنْ قَدَّمَ الْأَكْثَرَ فَضَمَانٌ يُجْعَلُ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَجَلٍ وَسَلَّفَهُ لِيَنْتَفِعَ بِالضَّمَانِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَلَوْ تَحَقَّقَ السَّلَفُ دُونَ مَنْفَعَةٍ لَا مُحَقَّقَةٍ وَلَا مُقَدَّرَةٍ جَازَ قَالَهُ عِيَاضٌ.

وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» " فَتَعَلَّقَ بِهِ الْحَنَفِيُّ وَالْحَنْبَلِيُّ فَمَنَعُوا بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ وَجَعَلُوهُ نَاسِخًا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: " «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اقْتَرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا» " وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى مُتَّحِدِ الْجِنْسِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَرْجَحُ إِذْ لَا يَثْبُتُ النَّسْخُ بِالِاحْتِمَالِ.

(وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ) لِاخْتِصَاصِ النَّهْيِ بِالطَّعَامِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْأَحَادِيثِ (إِذَا انْتَقَدْتَ ثَمَنَهُ) لَا بِمُؤَجَّلٍ.

(وَمَنْ سَلَّفَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَوَصَفَهُ وَحَلَّاهُ) أَيْ وَصَفَهُ فَالْعَطْفُ مُسَاوٍ (وَنَقَدَ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ لَازِمٌ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ عَلَى مَا وَصَفَا وَحَلَّيَا وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ الْجَائِزِ بَيْنَهُمْ وَالَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ.

ص: 451

[بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

26 -

بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ

1357 -

1343 - « (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى) نَهْيَ تَحْرِيمٍ (عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ) » بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ فِيهِمَا إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ مَصْدَرُ حَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَالثَّانِيَ اسْمٌ جَمْعُ حَابِلٍ كَظَالِمٍ وَظَلَمَةٍ وَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ جَمْعُ حَابِلَةٍ.

ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: التَّاءُ فِي الْحَبَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ: شَجَرَةُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْحَبَلُ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِهِنَّ مِنَ الْحَيَوَانِ إِلَّا حَمْلٌ إِلَّا مَا فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِسُكُونِ الْبَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ غَلَطٌ قَالَهُ عِيَاضٌ.

(وَكَانَ) بَيْعُ الْحَبَلَةِ (بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ) مِنْهُمْ (يَبْتَاعُ الْجَزُورَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّ الزَّايِ وَهُوَ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (إِلَى أَنْ تُنْتَجَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَيْ تَلِدَ، وَهُوَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَمْ تُسْمَعْ إِلَّا مَبْنِيَّةً لِلْمَفْعُولِ نَحْوُ: جُنَّ وَزُهِيَ عَلَيْنَا أَيْ تَكَبَّرَ (النَّاقَةُ) مَرْفُوعًا بِإِسْنَادِ تُنْتَجَ إِلَيْهَا أَيْ تَضَعَ وَلَدَهَا، فَوَلَدُهَا نِتَاجٌ بِكَسْرِ النُّونِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ (ثُمَّ يُنْتَجَ الَّذِي فِي بَطْنِهَا) أَيْ ثُمَّ تَعِيشَ الْمَوْلُودَةُ حَتَّى تَكْبُرَ ثُمَّ تَلِدُ، وَعِلَّةُ النَّهْيِ مَا فِي الْأَجَلِ مِنَ الْغَرَرِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:" «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لَحْمَ الْجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تَحْمَلَ الَّتِي نَتَجَتْ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» " وَبِهِ فَسَّرَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقِيلَ هُوَ بَيْعُ وَلَدِ وَلَدِ النَّاقَةِ الْحَامِلِ فِي الْحَالِ بِأَنْ يَقُولَ: إِذَا نُتِجَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ ثُمَّ نُتِجَتِ الَّتِي فِي بَطْنِهَا فَقَدْ بِعْتُكَ وَلَدَهَا، فَنَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَلَا مَعْلُومٍ وَلَا مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَهُوَ غَرَرٌ، وَبِهِ فَسَّرَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى اللَّفْظِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ ابْنِ عُمَرَ، وَلَيْسَ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ فَإِنَّ ذَاكَ هُوَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالنَّهْيُ وَارِدٌ عَلَيْهِ، وَمَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ تَقْدِيمُ تَفْسِيرِ الرَّاوِي إِذَا لَمْ يُخَالِفِ الظَّاهِرَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قِيلَ تَفْسِيرُهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَكَيْفَ يُقَالُ إِذَا لَمْ يُخَالِفِ الظَّاهِرَ؟ وَأَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّاهِرِ الْوَاقِعُ، فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِهَذَا الْأَجَلِ فَلَيْسَ التَّفْسِيرُ حَلًّا لِلَّفْظِ بَلْ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ، وَمُحَصِّلُ هَذَا الْخِلَافِ كَمَا

ص: 452

قَالَ ابْنُ التِّينِ هَلِ الْمُرَادُ الْبَيْعُ إِلَى أَجَلٍ أَوْ بَيْعُ الْجَنِينِ؟ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلِ الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ وِلَادَةُ الْأُمِّ أَوْ وِلَادَةُ وَلَدِهَا؟ وَعَلَى الثَّانِي هَلِ الْمُرَادُ بَيْعُ الْجَنِينِ الْأَوَّلِ أَوْ بَيْعُ جَنِينِ الْجَنِينِ؟ فَصَارَتْ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ اهـ.

وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ عِنْدِي بَيْعُ حَبَلِ الْكَرْمَةِ وَالْحَبَلَةُ الْكَرْمَةُ لِأَنَّهَا تَحْبَلُ بِالْعِنَبِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: " «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ» " وَيَكُونُ هَذَا أَصْلًا فِي مَنْعِ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِدُونِ ذِكْرِ التَّفْسِيرِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ كَمَا عُلِمَ.

ص: 453

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ لَا رِبًا فِي الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا نُهِيَ مِنْ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَالْمَضَامِينُ بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ إِنَاثِ الْإِبِلِ وَالْمَلَاقِيحُ بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْجِمَالِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِعَيْنِهِ إِذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ وَرَضِيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَهُ لَا قَرِيبًا وَلَا بَعِيدًا قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَنْتَفِعُ بِالثَّمَنِ وَلَا يُدْرَى هَلْ تُوجَدُ تِلْكَ السِّلْعَةُ عَلَى مَا رَآهَا الْمُبْتَاعُ أَمْ لَا فَلِذَلِكَ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ مَضْمُونًا مَوْصُوفًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1358 -

1344 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَا رِبًا فِي الْحَيَوَانِ) الْمُخْتَلِفِ جِنْسُهُ كَمُتَّحِدٍّ وَبِيعَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ بِيعَ إِلَى أَجَلٍ وَاخْتَلَفَتْ صِفَاتُهُ جَازَ وَإِلَّا مُنِعَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ أَنْ يُعْطِيَ بَعِيرًا فِي بَعِيرَيْنِ إِلَى أَجَلٍ» فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ حُرْمَةِ الرِّبَا.

وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى مُخْتَلِفِ الصِّفَةِ وَالْمَنَافِعِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ اتَّفَقَتِ الصِّفَاتُ أَوِ اخْتَلَفَتْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275](الْبَقَرَةُ: الْآيَةُ 275) وَالرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ.

(وَإِنَّمَا نُهِيَ مِنَ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: الْمَضَامِينِ) جَمْعُ مَضْمُونٍ يُقَالُ ضَمِنَ الشَّيْءَ بِمَعْنَى يَضْمَنُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَضْمُونُ الْكِتَابِ كَذَا وَكَذَا.

(وَالْمَلَاقِيحِ) جَمْعُ مَلْقُوحٍ (وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ) وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:" «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ» " وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ.

(وَالْمَضَامِينُ بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ إِنَاثِ الْإِبِلِ) لِأَنَّ الْبَطْنَ قَدْ ضَمِنَ مَا فِيهِ (وَالْمَلَاقِيحُ بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْجِمَالِ) جَمْعُ جَمَلٍ، ذَكَرُ الْإِبِلِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُلَقِّحُ النَّاقَةَ، وَلِذَا سُمِّيَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي يُلَقَّحُ بِهَا الثِّمَارُ فَحْلًا.

وَوَافَقَ الْإِمَامَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ، وَعَكْسُهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَقَالَ: الْمَضَامِينُ مَا فِي الظُّهُورِ، وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي الْبُطُونِ، وَزَعَمَ أَنَّ تَفْسِيرَ مَالِكٍ مَقْلُوبٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مَالِكًا أَعْلَمُ مِنْهُ بِاللُّغَةِ.

(قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ بِعَيْنِهِ) أَيِ

ص: 453

الْمُعَيَّنِ كَجَمَلٍ وَحِصَانٍ مُعَيَّنَيْنِ (إِذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ وَرَضِيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَهُ لَا قَرِيبًا وَلَا بَعِيدًا) قَيْدٌ فِي الْمَنْعِ وَجَوَّزَ فِي الْمُدَوَّنَةِ النَّقْدَ فِيمَا قَرُبَ لِأَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ بِخِلَافِ الْبَعِيدِ فَيُخْشَى دُخُولُ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَهُوَ غَرَرٌ.

(وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَنْتَفِعُ بِالثَّمَنِ وَلَا يَدْرِي هَلْ تُوجَدُ تِلْكَ السِّلْعَةُ عَلَى مَا رَآهَا الْمُبْتَاعُ أَمْ لَا فَلِذَلِكَ كُرِهَ ذَلِكَ) لِتَرَدُّدِ الثَّمَنِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ (وَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ مَضْمُونًا مَوْصُوفًا) مَفْهُومُ قَوْلِهِ أَوَّلًا بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَهُ لِزَوَالِ عِلَّةِ التَّرَدُّدِ.

ص: 454

[بَاب بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

27 -

بَابُ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ

1359 -

1345 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ» ) نَهْيَ تَحْرِيمٍ لِلتَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَهُوَ مِنَ الْمُزَابَنَةِ، إِذْ لَا يُدْرَى هَلْ فِي الْحَيَوَانِ مِثْلُ اللَّحْمِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُهُ يَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ وَأَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ مُرْسَلُ سَعِيدٍ هَذَا، وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ.

وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَهَذَا إِسْنَادٌ مَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي حَدِيثِهِ.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مُرْسَلًا وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَلَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.

ص: 454

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ مِنْ مَيْسِرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1360 -

1346 - (مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ (أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ

ص: 454

يَقُولُ: مِنْ مَيْسِرِ) أَيْ قِمَارِ (أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا مِنَ الْقِمَارِ وَالْمُزَابَنَةِ لِقَوْلِهِ مَيْسِرِ وَهُوَ الْقِمَارُ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: إِنَّمَا دَخَلَ ذَلِكَ فِي الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ لَهُ مِنْ جُزُرِهِ أَوْ شَاتِهِ الْمُعَيَّنَةِ أَرْطَالًا فَمَا زَادَ فَلَهُ وَمَا نَقَصَ فَعَلَيْهِ كَانَ هُوَ الْمُزَابَنَةَ، فَلَمَّا مُنِعَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزِ اشْتِرَاءُ الْجَزُورِ وَلَا الشَّاةِ بِلَحْمٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى.

ص: 455

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ فَقُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا اشْتَرَى شَارِفًا بِعَشَرَةِ شِيَاهٍ فَقَالَ سَعِيدٌ إِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا لِيَنْحَرَهَا فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ النَّاسِ يَنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ وَكَانَ ذَلِكَ يُكْتَبُ فِي عُهُودِ الْعُمَّالِ فِي زَمَانِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَهِشَامِ بْنِ إِسْمَعِيلَ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1361 -

1347 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ» ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِلْعِلْمِ بِالنَّاهِي صلى الله عليه وسلم (قَالَ ابْنُ الزِّنَادِ: فَقُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا) أَيْ أَخْبِرْنِي الْحُكْمَ عَنْ رَجُلٍ (اشْتَرَى شَارِفًا) بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَأَلِفٍ وَرَاءٍ وَفَاءٍ: الْمُسِنَّةُ مِنَ النُّوقِ وَالْجَمْعُ الشُّرُفُ مِثْلُ بَازِلٍ وَبُزُلٍ (بِعَشْرِ شِيَاهٍ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا لِيَنْحَرَهَا فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ) أَيْ لَا يَجُوزُ إِذْ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِلَحْمٍ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ نَحْرَهَا جَازَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ اشْتَرَى حَيَوَانًا بِحَيَوَانٍ فَوَكَّلَ إِلَى نِيَّتِهِ وَأَمَانَتِهِ قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي.

(قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنَ النَّاسِ يَنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ وَكَانَ ذَلِكَ يُكْتَبُ فِي عُهُودِ الْعُمَّالِ) جَمْعُ عَامِلٍ (فِي زَمَانِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَان) بْنِ عَفَّانَ (وَهِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ) الْمَخْزُومِيِّ (يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ) فَيَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ.

ص: 455

[بَاب بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ]

قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْوُحُوشِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ إِذَا تَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ بِلَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْوُحُوشِ كُلِّهَا اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَرَى لُحُومَ الطَّيْرِ كُلَّهَا مُخَالِفَةً لِلُحُومِ الْأَنْعَامِ وَالْحِيتَانِ فَلَا أَرَى بَأْسًا بِأَنْ يُشْتَرَى بَعْضُ ذَلِكَ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَجَلٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

28 -

بَابُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَمَا أَشْبَهَ

ص: 455

ذَلِكَ مِنَ الْوُحُوشِ) كَالظِّبَاءِ وَالْمَهَا (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ (يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً (وَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ إِذَا تَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بَأَسَ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْوُحُوشِ كُلِّهَا اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) لِرِبَا النَّسَاءِ.

(وَأَرَى لُحُومَ الطَّيْرِ كُلَّهَا مُخَالِفَةً لِلُحُومِ الْأَنْعَامِ وَالْحِيتَانِ فَلَا أَرَى بَأْسًا بِأَنْ يُشْتَرَى بَعْضُ ذَلِكَ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا) لِاخْتِلَافِ الصِّنْفِ (يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَجَلٍ) لِرِبَا النَّسَاءِ.

ص: 456

[بَاب مَا جَاءَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» يَعْنِي بِمَهْرِ الْبَغِيِّ مَا تُعْطَاهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ رَشْوَتُهُ وَمَا يُعْطَى عَلَى أَنْ يَتَكَهَّنَ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ ثَمَنَ الْكَلْبِ الضَّارِي وَغَيْرِ الضَّارِي لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

29 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ

- 1363 1348 (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ الْفَقِيهِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ اسْمُهُ الْمُغِيرَةُ وَلَا يَصِحُّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ رَاهِبُ قُرَيْشٍ لِكَثْرَةِ صَلَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ لَا يُفْطِرُ، مَاتَ فَجْأَةً بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ.

(عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ) عُقْبَةَ بِالْقَافِ ابْنِ عَمْرٍو (الْأَنْصَارِيِّ) يُعْرَفُ بِالْبَدْرِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ بَدْرًا، وَاخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَعَ فِي نُسْخَةِ يَحْيَى وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ بِالْوَاوِ وَهُوَ وَهْمٌ بَيِّنٌ وَغَلَطٌ وَاضِحٌ لَا

ص: 456

يُعَرَّجُ عَلَى مِثْلِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ خَطَأِ الْيَدِ وَسُوءِ النَّقْلِ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ فِي جَمِيعِ الْمُوَطَّآتِ وَرَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ كُلُّهُمْ لِأَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَمَّا لِابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ فَلَا.

( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» ) الْمَنْهِيِّ عَنِ اتِّخَاذِهِ اتِّفَاقًا لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ وَعَنْ بَيْعِهِ وَالْأَمْرِ بِقَتْلِهِ، وَمَنْ لَا ثَمَنَ لَهُ لَا قِيمَةَ لَهُ إِذَا قُتِلَ، وَالْمَأْذُونُ فِي اتِّخَاذِهِ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِلْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ إِبَاحَةَ الْمَنْفَعَةِ لَا تُبِيحُ الْمَبِيعَ كَأُمِّ الْوَلَدِ يُنْتَفَعُ بِهَا وَلَا تُبَاعُ، وَعِلَّةُ الْمَنْعِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ كَالشَّافِعِيِّ نَجَاسَتُهُ فَلَا يُبَاعُ مُطْلَقًا كَمَا لَا تُبَاعُ الْعَذِرَةُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَجُوزُ بَيْعُ الْكِلَابِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا حَتَّى قَالَ سَحْنُونٌ: أَبِيعُهُ وَأَحُجُّ بِثَمَنِهِ، وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ لِحَدِيثِ النَّسَائِيِّ عَنْ جَابِرٍ:" «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ» " لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ.

(وَمَهْرِ الْبَغِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ.

(وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَصْدَرُ حَلَوْتُهُ إِذَا أَعْطَيْتَهُ، إِلَى هُنَا الْحَدِيثُ، وَفَسَّرَهُ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ:(يَعْنِي بِمَهْرِ الْبَغِيِّ مَا تُعْطَاهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَى) وَهُوَ حَرَامٌ إِجْمَاعًا وَسُمِّيَ مَهْرًا لِشَبَهِهِ بِالْمَهْرِ فِي الصُّورَةِ.

(وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) رِشَوْتُهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا.

(وَ) هِيَ (مَا يُعْطَى عَلَى أَنْ يَتَكَهَّنَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَلَاوَةِ شَبَّهَ مَا يُعْطَى الْكَاهِنُ بِشَيْءٍ حُلْوٍ لِأَخْذِهِ إِيَّاهُ سَهْلًا دُونَ كُلْفَةٍ، يُقَالُ: حَلَوْتُ الرَّجُلَ إِذَا أَطْعَمْتَهُ الْحُلْوَ، وَعَسَلْتُهُ إِذَا أَطْعَمْتَهُ الْعَسَلَ، وَالْحُلْوُ أَيْضًا الرِّشْوَةُ وَالْحُلْوَانُ فِي غَيْرِ هَذَا مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَهْرِ ابْنَتِهِ وَهُوَ عَيْبٌ عِنْدَ النِّسَاءِ، قَالَتِ امْرَأَةٌ تَمْدَحُ زَوْجَهَا: لَا يَأْخُذُ الْحُلْوَانَ مِنْ بَنَاتِنَا.

وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَةِ مَا يَأْخُذُهُ الْكَاهِنُ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ كَذِبٌ كُلُّهُ، قَالَ تَعَالَى:{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 222](سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: الْآيَةُ 222) وَهُوَ مَنْ أَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْكَاهِنُ الَّذِي يَدَّعِي مُطَالَعَةَ عِلْمِ الْغَيْبِ وَيُخْبِرُ النَّاسَ عَنِ الْكَوَائِنِ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ مَعْرِفَةَ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ تَابِعًا مِنَ الْجِنِّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ يُدْرِكُ الْأُمُورَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا كَالشَّيْءِ يُسْرَقُ فَيَعْرِفُ الْمَظْنُونَ بِهِ السَّرِقَةُ، وَالْمَرْأَةِ تُتَّهَمُ فَيَعْرِفُ مَنْ صَاحِبُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا، وَالْحَدِيثُ شَامِلٌ لِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ.

وَفِي الْإِجَارَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُسْلِمٌ فِي الْبَيْعِ عَنْ يَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَاللَّيْثُ فِي مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا

ص: 457

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.

(قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ ثَمَنَ الْكَلْبِ الضَّارِي) الْمُجْتَرِئِ الْمُولَعِ بِالصَّيْدِ (وَغَيْرِ الضَّارِي لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ) وَأَطْلَقَ فَشَمِلَهُمَا، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ عَنْهُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ فِي الْمِيرَاثِ وَالْمَغَانِمِ وَالدَّيْنِ أَوْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ الْمُعْتَمَدُ فِي مَذْهَبِهِ، خِلَافًا لِتَشْهِيرِ بَعْضِهِمْ كَالْقُرْطُبِيِّ فِي الْمُفْهِمِ الْكَرَاهَةَ، وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ قَتَلَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةً أَوْ زَرْعًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَمَنْ قَتَلَ مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَسْقَطَهَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِيهِمَا وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِمَا.

ص: 458

[بَاب السَّلَفِ وَبَيْعِ الْعُرُوضِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ آخُذُ سِلْعَتَكَ بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُسْلِفَنِي كَذَا وَكَذَا فَإِنْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنْ تَرَكَ الَّذِي اشْتَرَطَ السَّلَفَ مَا اشْتَرَطَ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ جَائِزًا قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى الثَّوْبُ مِنْ الْكَتَّانِ أَوْ الشَّطَوِيِّ أَوْ الْقَصَبِيِّ بِالْأَثْوَابِ مِنَ الْإِتْرِيبِيِّ أَوْ الْقَسِّيِّ أَوْ الزِّيقَةِ أَوْ الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ أَوْ الْمَرْوِيِّ بِالْمَلَاحِفِ الْيَمَانِيَّةِ وَالشَّقَائِقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ بِالْاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ يَدًا بِيَدٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ نَسِيئَةٌ فَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَصْلُحُ حَتَّى يَخْتَلِفَ فَيَبِينَ اخْتِلَافُهُ فَإِذَا أَشْبَهَ بَعْضُ ذَلِكَ بَعْضًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ وَذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَيْنِ مِنْ الْهَرَوِيِّ بِالثَّوْبِ مِنْ الْمَرْوِيِّ أَوْ الْقُوهِيِّ إِلَى أَجَلٍ أَوْ يَأْخُذَ الثَّوْبَيْنِ مِنْ الْفُرْقُبِيِّ بِالثَّوْبِ مِنْ الشَّطَوِيِّ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُشْتَرَى مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ إِذَا انْتَقَدْتَ ثَمَنَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

30 -

بَابُ السَّلَفِ وَبَيْعِ الْعُرُوضِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ

1349 -

(مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» ) مُجْتَمِعَيْنِ لِتُهْمَةِ الرِّبَا، وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ بِزِيَادَةٍ «وَشَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، وَرِبْحِ مَا لَمْ تَضْمَنْ» .

(قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: آخُذُ سِلْعَتَكَ بِكَذَا عَلَى أَنْ تُسَلِّفَنِي كَذَا وَكَذَا فَإِنْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ) أَيْ حَرَامٌ لِاتِّهَامِهِمَا عَلَى قَصْدِ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ، فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ دَافِعَ السَّلَفِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ السِّلْعَةِ وَالِانْتِفَاعِ بِالسَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِيَ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ السِّلْعَةَ بِمَا دَفَعَهُ مِنَ الثَّمَنِ بِالِانْتِفَاعِ بِالسَّلَفِ.

(فَإِنْ تَرَكَ الَّذِي اشْتَرَطَ السَّلَفَ) مَعَ الْبَيْعِ (مَا اشْتَرَطَ مِنْهُ) أَيِ السَّلَفَ (كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ جَائِزًا) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ

ص: 458

(وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى الثَّوْبُ مِنَ الْكَتَّانِ أَوِ الشَّطَوِيِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ نِسْبَةً إِلَى شَطَا قَرْيَةٌ بِأَرْضِ مِصْرَ (أَوِ الْقَصَبِيِّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَةٍ قَالَ الْمَجْدُ: الْقَصَبُ ثِيَابٌ نَاعِمَةٌ مِنْ كَتَّانٍ الْوَاحِدَةُ قَصَبِيٌّ (بِالْأَثْوَابِ مِنَ الْإِتْرِيبِيِّ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ وَرَاءٍ فَتَحْتِيَّةٍ فَمُوَحَّدَةٍ ثِيَابٌ تُعْمَلُ بِإِتْرِيبَ قَرْيَةٌ مِنْ مِصْرَ.

(أَوِ الْقَسِّيِّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ وَبِالْيَاءِ نَوْعٌ مِنَ الثِّيَابِ فِيهِ خُطُوطٌ مِنْ حَرِيرٍ مَنْسُوبَةٌ إِلَى قَسَّ قَرْيَةٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ.

(أَوِ الزِّيقَةِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَاءِ تَأْنِيثٍ نِسْبَةً إِلَى زِيقَ مَحَلَّةٌ بِنَيْسَابُورَ، وَقَالَ الْبَوْنِيُّ: ثِيَابٌ تُعْمَلُ بِالصَّعِيدِ غِلَاظٌ رَدِيَّةٌ، وَنَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ.

(أَوِ الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ) بِفَتْحَتَيْنِ نِسْبَةً إِلَى هَرَاةَ مَدِينَةٍ بِخُرَاسَانَ.

(أَوِ الْمَرْوِيِّ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ نِسْبَةً إِلَى مَرْوَ بَلْدَةٍ بِفَاسَ وَيُنْسَبُ إِلَيْهَا الْآدَمِيُّ بِزِيَادَةِ زَايٍ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلِذَا تَظَرَّفَ الْقَائِلُ:

وَمَرْوَزِيٌّ جَاءَ فِي الْأَنَاسِي

وَالثَّوْبُ مَرْوِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ

(بِالْمَلَاحِفِ الْيَمَانِيَّةِ) جَمْعُ مِلْحَفَةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمُلَاءَةُ الَّتِي يُلْتَحَفُ بِهَا.

(وَالشَّقَائِقِ) مِنَ الثِّيَابِ وَهِيَ الْأُزْرُ الضَّيِّقَةُ الرَّدِيَّةُ قَالَهُ الْبَوْنِيُّ كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ.

(وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ بِالِاثْنَيْنِ أَوِ الثَّلَاثَةِ يَدًا بِيَدٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ نَسِيئَةٌ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) لَا يَجُوزُ (وَلَا يَصْلُحُ حَتَّى يَخْتَلِفَ فَيَبِينَ) بِالنَّصْبِ يَظْهَرَ (اخْتِلَافُهُ) ظُهُورًا وَاضِحًا (فَإِذَا أَشْبَهَ بَعْضُ ذَلِكَ بَعْضًا وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ وَذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَيْنِ مِنَ الْهَرَوِيِّ بِالثَّوْبِ مِنَ الْمَرْوِيِّ أَوِ الْقُوهِيِّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الْوَاوِ فَهَاءٍ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: ثِيَابٌ بِيضٌ (إِلَى أَجَلٍ أَوْ يَأْخُذَ الثَّوْبَيْنِ مِنَ الْفُرْقُبِيِّ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْقَافِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ وَبَاءٌ نِسْبَةً إِلَى فُرْقُبٍ قَالَ الْمَجْدُ: كَقُنْفُذٍ

ص: 459

مَوْضِعٌ وَمِنْهُ الثِّيَابُ الْفُرْقُبِيَّةُ أَوْ هِيَ ثِيَابٌ بِيضٌ مِنْ كَتَّانٍ (بِالثَّوْبِ مِنَ الشَّطَوِيِّ، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُشْتَرَى مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ) وَجَازَ يَدًا بِيَدٍ.

(وَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ) أَيْ لِغَيْرِ (الَّذِي اشْتَرَيْتَ مِنْهُ إِذَا أُنْقِدْتَ ثَمَنَهُ) مِنْهُ.

ص: 460

[بَاب السُّلْفَةِ فِي الْعُرُوضِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ سَلَّفَ فِي سَبَائِبَ فَأَرَادَ بَيْعَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تِلْكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَكَرِهَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي رَقِيقٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ عُرُوضٍ فَإِذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْصُوفًا فَسَلَّفَ فِيهِ إِلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي سَلَّفَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مَا سَلَّفَهُ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَهُ فَهُوَ الرِّبَا صَارَ الْمُشْتَرِي إِنْ أَعْطَى الَّذِي بَاعَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَانْتَفَعَ بِهَا فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِ السِّلْعَةُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي بَاعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا سَلَّفَهُ فِيهَا فَصَارَ أَنْ رَدَّ إِلَيْهِ مَا سَلَّفَهُ وَزَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ سَلَّفَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ أَوْ بَعْدَ مَا يَحِلُّ بِعَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ يُعَجِّلُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ ذَلِكَ الْعَرْضُ إِلَّا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ يَقْبِضُ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِأَنَّهُ إِذَا أَخَّرَ ذَلِكَ قَبُحَ وَدَخَلَهُ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَالْكَالِئُ بِالْكَالِئِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ سَلَّفَ فِي سِلْعَةٍ إِلَى أَجَلٍ وَتِلْكَ السِّلْعَةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبِيعُهَا مِمَّنْ شَاءَ بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ إِلَّا بِعَرْضٍ يَقْبِضُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ لَمْ تَحِلَّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهَا بَيِّنٍ خِلَافُهُ يَقْبِضُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَلَّفَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ تَقَاضَى صَاحِبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا عِنْدَهُ وَوَجَدَ عِنْدَهُ ثِيَابًا دُونَهَا مِنْ صِنْفِهَا فَقَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَثْوَابُ أُعْطِيكَ بِهَا ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ مِنْ ثِيَابِي هَذِهِ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا أَخَذَ تِلْكَ الْأَثْوَابَ الَّتِي يُعْطِيهِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَيْضًا إِلَّا أَنْ يَبِيعَهُ ثِيَابًا لَيْسَتْ مِنْ صِنْفِ الثِّيَابِ الَّتِي سَلَّفَهُ فِيهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

31 -

بَابُ السُّلْفَةِ فِي الْعُرُوضِ

1365 -

1350 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ سَلَّفَ فِي سَبَائِبَ) بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ أَوَّلَهُ وَمُوَحَّدَةٍ آخِرَهُ شُقَقٌ رَقِيقَةٌ جَمْعُ سِبَّةٍ بِالْكَسْرِ وَسَبِيبَةٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى سُبُوبٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: السَّبَائِبُ عَمَائِمُ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: شُقَقُ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْمَلَاحِفُ.

(فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تِلْكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَكَرِهَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى) نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ) فَيُتَّهَمَانِ عَلَى السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ وَجَعَلَا الْعَقْدَ عَلَى السَّبَائِبِ مُحَلَّلًا بَيْنَهُمَا.

(وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ) أَيْ يَجُوزُ لِانْتِفَاءِ

ص: 460

التُّهْمَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: وَأَحْسَبُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ، لَكِنَّ حُجَّةَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ كَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَصَّ الطَّعَامَ فَإِدْخَالُ غَيْرِهِ فِي مَعْنَاهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ وَلَا قِيَاسٍ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَاللَّهُ أَحَلَّ الْبَيْعَ مُطْلَقًا إِلَّا مَا خَصَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ أَوْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ، وَحَدِيثُ حَكِيمٍ رَفَعَهُ:" «إِذَا ابْتَعْتَ شَيْئًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» " إِنَّمَا أَرَادَ الطَّعَامَ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْحُفَّاظِ حَدِيثَ حَكِيمٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: إِذَا ابْتَعْتَ طَعَامًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» " اهـ.

(فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي رَقِيقٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ عُرُوضٍ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْصُوفًا فَسَلَّفَ فِيهِ إِلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي سَلَّفَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مَا سَلَّفَهُ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ الرِّبَا) بِعَيْنِهِ (صَارَ الْمُشْتَرِي إِنْ أَعْطَى الَّذِي بَاعَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ) فَانْتَفَعَ بِهَا فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِ السِّلْعَةُ الَّتِي بَاعَهَا وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي بَاعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا سَلَّفَهُ فِيهَا فَصَارَ الْأَمْرُ (أَنْ رَدَّ إِلَيْهِ مَا سَلَّفَهُ وَزَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ) وَذَلِكَ الرِّبَا.

(وَمَنْ سَلَّفَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ) بِالْجَمْعِ، وَفِي نُسْخَةٍ عَرْضٍ (إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنَ الْبَائِعِ) أَيْ لَهُ (قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ أَوْ بَعْدَمَا يَحِلُّ بِعَرْضٍ مِنَ الْعُرُوضِ يُعَجِّلُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَإِنِ اتَّحَدَ مَعْنَاهُمَا (بَالِغًا مَا بَلَغَ ذَلِكَ الْعَرْضُ إِلَّا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.

(وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ) أَيْ لِغَيْرِ (الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ

ص: 461

بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرْضٍ مِنَ الْعُرُوضِ يَقْبِضُ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِأَنَّهُ إِذَا أَخَّرَ ذَلِكَ قَبُحَ) حَرُمَ (وَدَخَلَهُ مَا يُكْرَهُ) أَيْ يَحْرُمُ (مِنَ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ) بِالْهَمْزِ أَيِ التَّأْخِيرِ وَمِنْهُ: بَلَغَ بِكَ أَكْلَأَ الْعُمْرِ أَيْ أَطْوَلَهُ وَأَشَدَّهُ قَالَ الشَّاعِرُ:

تَعَفَّفْتُ عَنْهَا فِي الْعُصُورِ الَّتِي خَلَتْ

فَكَيْفَ التَّصَابِي بَعْدَمَا كَلَأَ الْعُمُرُ

(وَالْكَالِئُ بِالْكَالِئِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ) وَقِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنَ الْكَلْأِ وَهُوَ الْحِفْظُ وَإِطْلَاقُ هَذَا الِاسْمِ عَلَى الدَّيْنِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ مَكْلُوءٌ لَا كَالِئٌ، وَإِنَّمَا الْكَالِئُ صَاحِبُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَكْلَأُ صَاحِبَهُ أَيْ يَحْرُسُهُ لِأَجْلِ مَالِهِ قِبَلَهُ، فَعَلَاقَةُ الْمَجَازِ الْمُلَازَمَةُ أَيْ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَازِمًا لِلْآخَرِ، إِذْ يَلْزَمُ مِنَ الْحَافِظِ مَحْفُوظٌ وَعَكْسُهُ، وَقَدْ جَاءَ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَدَافِقٍ أَوْ مَدْفُوقٍ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ فِي الْإِسْنَادِ إِلَى مُلَابِسِ الْفِعْلِ أَيْ كَالِئُ صَاحِبِهِ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أَوْ مَجَازٌ بِالْحَذْفِ أَيْ مِنْ بَيْعِ مَالِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ.

وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» " قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ وَهْمٌ فَإِنَّ رَاوِيَهُ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ لَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي هَذَا حَدِيثٌ يَصِحُّ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.

(وَمَنْ سَلَّفَ فِي سِلْعَةٍ إِلَى أَجَلٍ وَتِلْكَ السِّلْعَةُ مِمَّا لَا تُؤْكَلُ وَلَا تُشْرَبُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبِيعُهَا مِمَّنْ شَاءَ بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنَ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ إِلَّا بِعَرْضٍ يَقْبِضُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ) لِمَا مَرَّ بَيَانُهُ (وَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ لَمْ تَحِلَّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهَا بَيِّنٍ) أَيْ ظَاهِرٍ (خِلَافُهُ يَقْبِضُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ) لِمَا مَرَّ.

ص: 462

(قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَلَّفَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ تَقَاضَى صَاحِبَهَا) طَلَبَهَا مِنْهُ (فَلَمْ يَجِدْهَا عِنْدَهُ وَوَجَدَ عِنْدَهُ ثِيَابًا دُونَهَا مِنْ صِنْفِهَا فَقَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَثْوَابُ: أُعْطِيكَ بِهَا ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ مِنْ ثِيَابِي هَذِهِ: إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا أَخَذَ تِلْكَ الْأَثْوَابَ الَّتِي يُعْطِيهِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا، فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ) لَا يَجُوزُ (وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّ) أَيْ حُلُولِ (الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَيْضًا إِلَّا أَنْ يَبِيعَهُ ثِيَابًا لَيْسَتْ مِنْ صِنْفِ الثِّيَابِ الَّتِي سَلَّفَهُ فِيهَا) فَيَجُوزُ.

ص: 463

[بَاب بَيْعِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا يُوزَنُ]

قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا كَانَ مِمَّا يُوزَنُ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ النُّحَاسِ وَالشَّبَهِ وَالرَّصَاصِ وَالْآنُكِ وَالْحَدِيدِ وَالْقَضْبِ وَالتِّينِ وَالْكُرْسُفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوزَنُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ رِطْلُ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْ حَدِيدٍ وَرِطْلُ صُفْرٍ بِرِطْلَيْ صُفْرٍ قَالَ مَالِكٌ وَلَا خَيْرَ فِيهِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْ ذَلِكَ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ فَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ مِنْهُ يُشْبِهُ الصِّنْفَ الْآخَرَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْاسْمِ مِثْلُ الرَّصَاصِ وَالْآنُكِ وَالشَّبَهِ وَالصُّفْرِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ وَمَا اشْتَرَيْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ إِذَا قَبَضْتَ ثَمَنَهُ إِذَا كُنْتَ اشْتَرَيْتَهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَإِنْ اشْتَرَيْتَهُ جِزَافًا فَبِعْهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ بِنَقْدٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ وَذَلِكَ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ جِزَافًا وَلَا يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ وَزْنًا حَتَّى تَزِنَهُ وَتَسْتَوْفِيَهُ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ مِثْلُ الْعُصْفُرِ وَالنَّوَى وَالْخَبَطِ وَالْكَتَمِ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ فَإِنْ اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ وَمَا اشْتُرِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى إِذَا قَبَضَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِنْ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَتْ الْحَصْبَاءَ وَالْقَصَّةَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ رِبًا وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ وَزِيَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ رِبًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

32 -

بَابُ بَيْعِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا يُوزَنُ

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا كَانَ مِمَّا يُوزَنُ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَ النُّحَاسِ وَالشَّبَهِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَعْلَى النُّحَاسِ يُشْبِهُ الذَّهَبَ (وَالرَّصَاصِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ رَصَاصَةٌ.

(وَالْآنُكِ) بِهَمْزَةٍ وَنُونٍ وَكَافٍ وِزَانُ أَفْلُسٍ: الرَّصَاصُ الْخَالِصُ وَيُقَالُ الْأَسْوَدُ، وَقِيلَ: وَزْنُ فَاعِلٍ إِذْ لَيْسَ فِي الْعَرَبِيِّ فَاعُلٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَأَمَّا الْآنُكُ وَالْآجُرُ فِيمَنْ خَفَّفَ وَآمُلٌ وَكَابُلٌ فَأَعْجَمِيَّاتٌ، (وَالْحَدِيدِ) الْمَعْدِنُ الْمَعْرُوفُ، (وَالْقَضْبِ) بِإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، (وَالتِّينِ) الْمَأْكُولُ، (وَالْكُرْسُفِ) الْقُطْنُ (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوزَنُ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بِأَسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ رِطْلُ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْ حَدِيدٍ وَرِطْلُ صُفْرٍ بِرِطْلَيْ صُفْرٍ) بِضَمِّ الصَّادِ وَتُكْسَرُ النُّحَاسُ الْجَيِّدُ.

ص: 463

(وَلَا خَيْرَ فِيهِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْ ذَلِكَ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ مِنْهُ يُشْبِهُ الصِّنْفَ الْآخَرَ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ مِثْلُ الرَّصَاصِ وَالْآنُكِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الثَّانِيَةِ وَضَمِّ النُّونِ (وَالشَّبَهِ وَالصُّفْرِ) فَإِنَّهُمَا شَدِيدَا الشَّبَهِ (فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ) لِاتِّحَادِ الصِّنْفِ حَقِيقَةً.

(وَمَا اشْتَرَيْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ إِذَا قَبَضْتَ ثَمَنَهُ إِذَا كُنْتَ اشْتَرَيْتَهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، فَإِنِ اشْتَرَيْتَهُ جِزَافًا فَبِعْهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ بِنَقْدٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ جِزَافًا) لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِكَ بِالْعَقْدِ (وَلَا يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ وَزْنًا حَتَّى تَزِنَهُ وَتَسْتَوْفِيَهُ) تَقْبِضَهُ (وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ.

(وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ مِثْلُ الْعُصْفُرِ وَالنَّوَى) التَّمْرِ (وَالْخَبَطِ) بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُخْبَطُ بِالْعَصَا مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ لِيُعْلَفَ لِلدَّوَابِّ.

(وَالْكَتَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ نَبْتٌ فِيهِ حُمْرَةٌ يُخْلَطُ بِالْوَسْمَةِ وَيُخْتَضَبُ بِهِ لِلسَّوَادِ، وَفِي كُتُبِ الطِّبِّ: الْكَتَمُ مِنْ نَبَاتِ الْجِبَالِ وَرَقُهُ كَوَرَقِ الْآسِ يُخْضَبُ بِهِ مَدْقُوقًا، ثَمَرٌ كَقَدْرِ الْفُلْفُلِ وَيَسْوَدُّ إِذَا نَضِجَ، وَقَدْ يُعْتَصَرُ مِنْهُ دُهْنٌ يُسْتَصْبَحُ بِهِ فِي الْبَوَادِي (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ

ص: 464

يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُ) بِالْجَرِّ صِفَةُ صِنْفٍ (اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، وَمَا اشْتُرِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى إِذَا قَبَضَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ) أَيْ لِغَيْرِ (الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ) لَا لَهُ فَيُمْنَعُ لِمَا مَرَّ.

(وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِنَ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَتِ الْحَصْبَاءَ) بِالْمَدِّ صِغَارُ الْحَصَى يُنْتَفَعُ بِهَا فِي فَرْشٍ كَمَسْجِدٍ (وَالْقَصَّةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمُهْمَلَةِ الْجِصُّ بِلُغَةِ الْحِجَازِ (وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلَيْهِ) مُثَنًّى (إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ رِبًا، وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ) بِالْإِفْرَادِ (وَزِيَادَةُ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ رِبًا) فَإِنْ كَانَ نَقْدًا جَازَ.

ص: 465

[بَاب النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

33 -

بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ

1351 -

(مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ» ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا ضَبَطَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ الرِّوَايَةُ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا عَلَى إِرَادَةِ الْهَيْئَةِ، وَقِيلَ إِنَّهُ الْأَحْسَنُ (فِي بَيْعَةٍ) قَالَ الْبَاجِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ عَقْدُ الْبَيْعِ بَيْعَتَيْنِ عَلَى أَنْ لَا يَتِمَّ مِنْهُمَا إِلَّا وَاحِدَةٌ مَعَ لُزُومِ الْعَقْدِ كَشُرْبٍ بِدِينَارٍ وَآخَرَ بِدِينَارَيْنِ أَيُّهُمَا شَاءَ وَقَدْ لَزِمَهُمَا ذَلِكَ أَوْ لَزِمَ أَحَدَهُمَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ كَانَ أَحَدُهُمَا بِنَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِنَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.

قَالَ مَالِكٌ: وَمَعْنَى الْفَسَادِ فِيهِ أَنْ يُقَدِّرَ أَنَّهُ أَخَذَ أَحَدَهُمَا بِدِينَارٍ

ص: 465

ثُمَّ تَرَكَهُ، وَأَخَذَ الثَّانِيَ بِدِينَارَيْنِ فَصَارَ إِلَى أَنْ بَاعَ ثَوْبًا وَدِينَارًا بِثَوْبَيْنِ وَدِينَارَيْنِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ هَذَيْنِ أَيَّهُمَا شَاءَ وَقَدْ أَلْزَمَهُمَا ذَلِكَ أَوْ لَزِمَ أَحَدُهُمَا فَيَجُوزُ.

ص: 466

وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ ابْتَعْ لِي هَذَا الْبَعِيرَ بِنَقْدٍ حَتَّى أَبْتَاعَهُ مِنْكَ إِلَى أَجَلٍ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَكَرِهَهُ وَنَهَى عَنْهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1352 -

(مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: ابْتَعْ لِي هَذَا الْبَعِيرَ بِنَقْدٍ حَتَّى أَبْتَاعَهُ مِنْكَ إِلَى أَجَلٍ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَكَرِهَهُ وَنَهَى عَنْهُ) أُدْخِلَ تَحْتَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِأَنَّ مُبْتَاعَهُ بِالنَّقْدِ إِنَّمَا ابْتَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَزِمَ مُبْتَاعَهُ لِأَجَلٍ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، فَتَضَمَّنَ بَيْعَتَيْنِ: بَيْعَةَ النَّقْدِ وَبَيْعَةَ الْأَجَلِ، وَفِيهَا مَعَ ذَلِكَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ لِأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ الْبَعِيرَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ وَسَلَّفَ بِزِيَادَةٍ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ مَا نَقَدَهُ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالْعِينَةُ فِيهَا أَظْهَرُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

ص: 466

وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ قَدْ وَجَبَتْ لِلْمُشْتَرِي بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ أَخَّرَ الْعَشَرَةَ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ إِلَى أَجَلٍ وَإِنْ نَقَدَ الْعَشَرَةَ كَانَ إِنَّمَا اشْتَرَى بِهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي إِلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِدِينَارٍ نَقْدًا أَوْ بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَا يَنْبَغِي لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَهَذَا مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ أَشْتَرِي مِنْكَ هَذِهِ الْعَجْوَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوْ الصَّيْحَانِيَّ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ أَوْ الْحِنْطَةَ الْمَحْمُولَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوْ الشَّامِيَّةَ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ بِدِينَارٍ قَدْ وَجَبَتْ لِي إِحْدَاهُمَا إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ لَهُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ صَيْحَانِيًّا فَهُوَ يَدَعُهَا وَيَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ الْعَجْوَةِ أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ الْحِنْطَةِ الْمَحْمُولَةِ فَيَدَعُهَا وَيَأْخُذُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ مِنْ الشَّامِيَّةِ فَهَذَا أَيْضًا مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ وَهُوَ أَيْضًا يُشْبِهُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ أَنْ يُبَاعَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الطَّعَامِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1353 -

(مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ) مِنْ بَابِ الذَّرِيعَةِ كَمَا أَوْضَحَهُ حَيْثُ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ) حَالَ كَوْنِهَا (قَدْ وَجَبَتْ لِلْمُشْتَرِي بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ أَخَّرَ الْعَشَرَةَ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ إِلَى أَجَلٍ، وَإِنْ نَقَدَ الْعَشَرَةَ كَانَ إِنَّمَا اشْتَرَى بِهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي إِلَى أَجَلٍ) لِجَوَازِ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ اخْتَارَ أَوَّلًا إِنْفَاذَ الْبَيْعِ بِأَخْذِ الثَّمَنَيْنِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَلَمْ يُظْهِرْهُ وَعَدَلَ إِلَى الْآخَرِ، وَهَذَا لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ إِلَى التَّرْجِيحِ فِي أَفْضَلِ الْأَمْرَيْنِ فَمُنِعَ لِلذَّرِيعَةِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ عَلَى الْإِلْزَامِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ بِالْخِيَارِ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ.

ص: 466

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِدِينَارٍ نَقْدًا أَوْ بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ) حَالَ كَوْنِهِ (قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ) أَيْ لَزِمَهُ (بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَا يَنْبَغِي لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَهَذَا مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) فَيُمْنَعُ لِذَلِكَ.

قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: أَشْتَرِي مِنْكَ هَذِهِ الْعَجْوَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوِ الصَّيْحَانِيَّ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ عَلَى لُزُومِ الْبَيْعِ بِأَحَدِهِمَا (أَوِ الْحِنْطَةَ الْمَحْمُولَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوِ الشَّامِيَّةَ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ بِدِينَارٍ) حَالَ كَوْنِهِ (قَدْ وَجَبَتْ لِي إِحْدَاهُمَا) أَيْ لَزِمَتْ (أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ لَهُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ صَيْحَانِيًّا فَهُوَ يَدَعُهَا وَيَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنَ الْعَجْوَةِ) وَمَنْ خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ عُدَّ مُنْتَقِلًا (أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ) وَفِي نُسْخَةٍ لَهُ: (خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنَ الْحِنْطَةِ الْمَحْمُولَةِ فَيَدَعُهَا وَيَأْخُذُ عَشَرَةَ آصُعٍ مِنَ الشَّامِيَّةِ فَهَذَا أَيْضًا مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ) لِجَوَازِ أَنَّهُ رَضِيَ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْآخَرِ فَبَاعَ الْأَوَّلَ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ (وَهُوَ أَيْضًا يُشْبِهُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) وَالشَّبَهُ ظَاهِرٌ (وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ أَنْ يُبَاعَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنَ الطَّعَامِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ) لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمُخَيَّرَ يُعَدُّ مُنْتَقِلًا.

ص: 467

[بَاب بَيْعِ الْغَرَرِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ قَدْ ضَلَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ أَبَقَ غُلَامُهُ وَثَمَنُ الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُونَ دِينَارًا فَيَقُولُ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُ مِنْكَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ وَجَدَهُ الْمُبْتَاعُ ذَهَبَ مِنْ الْبَائِعِ ثَلَاثُونَ دِينَارًا وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ ذَهَبَ الْبَائِعُ مِنْ الْمُبْتَاعِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ وَفِي ذَلِكَ عَيْبٌ آخَرُ إِنَّ تِلْكَ الضَّالَّةَ إِنْ وُجِدَتْ لَمْ يُدْرَ أَزَادَتْ أَمْ نَقَصَتْ أَمْ مَا حَدَثَ بِهَا مِنْ الْعُيُوبِ فَهَذَا أَعْظَمُ الْمُخَاطَرَةِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ وَالْغَرَرِ اشْتِرَاءَ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ مِنْ النِّسَاءِ وَالدَّوَابِّ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيَخْرُجُ أَمْ لَا يَخْرُجُ فَإِنْ خَرَجَ لَمْ يُدْرَ أَيَكُونُ حَسَنًا أَمْ قَبِيحًا أَمْ تَامًّا أَمْ نَاقِصًا أَمْ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى وَذَلِكَ كُلُّهُ يَتَفَاضَلُ إِنْ كَانَ عَلَى كَذَا فَقِيمَتُهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ عَلَى كَذَا فَقِيمَتُهُ كَذَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي بَيْعُ الْإِنَاثِ وَاسْتِثْنَاءُ مَا فِي بُطُونِهَا وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ثَمَنُ شَاتِي الْغَزِيرَةِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَهِيَ لَكَ بِدِينَارَيْنِ وَلِي مَا فِي بَطْنِهَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَلَا الْجُلْجُلَانِ بِدُهْنِ الْجُلْجُلَانِ وَلَا الزُّبْدِ بِالسَّمْنِ لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ تَدْخُلُهُ وَلِأَنَّ الَّذِي يَشْتَرِي الْحَبَّ وَمَا أَشْبَهَهُ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا يَدْرِي أَيَخْرُجُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ فَهَذَا غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا اشْتِرَاءُ حَبِّ الْبَانِ بِالسَّلِيخَةِ فَذَلِكَ غَرَرٌ لِأَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ حَبِّ الْبَانِ هُوَ السَّلِيخَةُ وَلَا بَأْسَ بِحَبِّ الْبَانِ بِالْبَانِ الْمُطَيَّبِ لِأَنَّ الْبَانَ الْمُطَيَّبَ قَدْ طُيِّبَ وَنُشَّ وَتَحَوَّلَ عَنْ حَالِ السَّلِيخَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ إِنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِرِبْحٍ إِنْ كَانَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ وَإِنْ بَاعَ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِنُقْصَانٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَذَهَبَ عَنَاؤُهُ بَاطِلًا فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَلِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا أُجْرَةٌ بِمِقْدَارِ مَا عَالَجَ مِنْ ذَلِكَ وَمَا كَانَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ رِبْحٍ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ وَبِيعَتْ فَإِنْ لَمْ تَفُتْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً يَبُتُّ بَيْعَهَا ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ لِلْبَائِعِ ضَعْ عَنِّي فَيَأْبَى الْبَائِعُ وَيَقُولُ بِعْ فَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَضَعَهُ لَهُ وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَا بَيْعَهُمَا وَذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

34 -

بَابُ بَيْعِ الْغَرَرِ

الْغَرَرُ اسْمٌ جَامِعٌ لِبِيَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَجَهْلِ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَسَمَكٍ فِي مَاءٍ وَطَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ.

وَعَرَّفَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ السَّلَامَةِ وَالْعَطَبِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ

ص: 467

لِخُرُوجِ الْغَرَرِ الَّذِي فِي فَاسِدِ بَيْعِ الْجِزَافِ وَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَرَّفَهُ بِأَنَّهُ مَا شُكَّ فِي حُصُولِ أَحَدِ عِوَضَيْهِ وَالْمَقْصُودِ مِنْهُ غَالِبًا.

1370 -

1354 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ) سَلَمَةَ (بْنِ دِينَارٍ) الْمَدَنِيِّ أَحَدِ الْأَعْلَامِ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) مُرْسَلًا بِاتِّفَاقِ رُوَاةِ مَالِكٍ فِيمَا عَلِمْتُ.

وَرَوَاهُ أَبُو حُذَافَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَهَذَا مُنْكَرٌ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ خَطَأٌ، وَلَيْسَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ بِحُجَّةٍ إِذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِحَافِظٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ مِنْ كِبَارِ رُوَاتِهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ) لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْمَبِيعُ، وَقَدْ نَبَّهَ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِقَوْلِهِ:" «أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْكُلُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» " قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَقِيلَ عِلَّتُهُ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنَ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَرُدَّ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ صُوَرِ بَيْعِ الْغَرَرِ عَرِيٌّ مِنَ التَّنَازُعِ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَقِيلَ الْعِلَّةُ الْغَرَرُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حِكْمَةٍ هِيَ عَجْزُ الْبَائِعِ عَنِ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمَازِرِيُّ مِنْ ذَهَابِ الْمَالِ بَاطِلًا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْحُصُولِ، وَهَذَا كَتَعْلِيلِ الْقَصْرِ بِوَصْفِ السَّفَرِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حِكْمَةِ دَرْءِ الْمَشَقَّةِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُنْكِرُ عَلَى فُقَهَاءِ وَقْتِهِ يَقُولُ: تُعَلِّلُوهُ بِالْغَرَرِ وَلَا تَعْرِفُونَ وَجْهَ الْعِلَّةِ فِيهِ.

قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى فَسَادِ بَيْعِ الْغَرَرِ كَجَنِينٍ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ، وَعَلَى صِحَّةِ بَعْضِهَا كَبَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ كَانَ حَشْوُهَا لَا يُرَى، وَكِرَاءِ الدَّارِ شَهْرًا مَعَ احْتِمَالِ نُقْصَانِهِ وَتَمَامِهِ، وَدُخُولِ الْحَمَّامِ مَعَ اخْتِلَافِ لُبْثِهِمْ فِيهِ وَالشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ مَعَ اخْتِلَافِ الشُّرْبِ، وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهَا فَوَجَبَ أَنْ يُفْهَمَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا مَنَعُوا مَا أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِ لِقُوَّةِ الْغَرَرِ وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا أَجَازُوا مَا أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ لِيَسَارَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ وَتَدْعُو الضَّرُورَةُ إِلَى الْعَفْوِ عَنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ مَا اسْتَنْبَطْنَاهُ مِنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ وَجَبَ رَدُّ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَيْهَا، فَالْمُجِيزُ رَأَى الْغَرَرَ قَلِيلًا لَمْ يُقْصَدْ، وَالْمَانِعُ رَآهُ كَثِيرًا مَقْصُودًا اهـ.

وَسَبَقَهُ لِنَحْوِهِ الْبَاجِيُّ فَإِنْ شَكَّ فِي يَسَارَةِ الْغَرَرِ فَالْمَنْعُ أَقْرَبُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ عِلْمُ صِفَةِ الْمَبِيعِ وَالْغَرَرُ يَمْنَعُ ذَلِكَ، فَالشَّكُّ فِي يَسَارَتِهِ شَكٌّ فِي الشَّرْطِ قَادِحٌ، نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مَانِعٌ وَالشَّكُّ فِي الْمَانِعِ لَا يَقْدَحُ وَيَرُدُّ الْجَوَازَ أَنَّ أَكْثَرَ الْبِيَاعَاتِ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ

ص: 468

غَرَرٍ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ إِذَا شُكَّ فِي صُورَةٍ أَنْ تَلْحَقَ بِأَكْثَرِ نَوْعِهَا وَأَكْثَرُ نَوْعِهَا الْيَسِيرُ الْمُغْتَفَرُ يُعَارِضُهُ أَنَّ أَكْثَرَ صُوَرِ الْفَاسِدِ لَا يَخْلُو عَنْ غَرَرٍ كَثِيرٍ، فَلَيْسَ إِلْحَاقُهُ بِصُورَةِ الْجَوَازِ أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهِ بِصُورَةِ الْمَنْعِ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التُّونُسِيُّ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمَازِرِيِّ فِي قَيْدِ الْيَسَارَةِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَجَابَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِمَا فِي إِيرَادِهِ طُولٌ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَمِنَ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ أَنْ يَعْمِدَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ يَقْصُدَ (الرَّجُلُ) حَالَ كَوْنِهِ (قَدْ ضَلَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ أَبَقَ غُلَامُهُ وَثَمَنُ الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ دَابَّةٍ وَغُلَامٍ (خَمْسُونَ دِينَارًا فَيَقُولُ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُ مِنْكَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ وَجَدَهُ الْمُبْتَاعُ ذَهَبَ مِنَ الْبَائِعِ ثَلَاثُونَ دِينَارًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ ذَهَبَ الْبَائِعُ مِنَ الْمُبْتَاعِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا) وَذَلِكَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ.

(وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا عَيْبٌ آخَرُ أَنَّ تِلْكَ الضَّالَّةَ إِنْ وُجِدَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَكَذَا (لَمْ يُدْرَ أَزَادَتْ أَمْ نَقَصَتْ أَمْ مَا حَدَثَ بِهَا مِنَ الْعُيُوبِ فَهَذَا أَعْظَمُ الْمُخَاطَرَةِ) فَلِذَلِكَ فَسَدَ الْبَيْعُ وَضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ وَيُفْسَخُ وَإِنْ قَبَضَ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ وَالْغَرَرِ اشْتِرَاءَ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ مِنَ النِّسَاءِ وَالدَّوَابِّ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيَخْرُجُ أَمْ لَا يَخْرُجُ؟ فَإِنْ خَرَجَ لَمْ يُدْرَ أَيَكُونُ حَسَنًا أَمْ قَبِيحًا أَمْ تَامًّا أَمْ نَاقِصًا أَمْ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى؟ وَذَلِكَ كُلُّهُ يَتَفَاضَلُ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ عَلَى كَذَا فَقِيمَتُهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ عَلَى) صِفَةِ (كَذَا فَقِيمَتُهُ كَذَا) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ مَجْهُولٌ، وَقَدْ «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْحَصَاةِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ» ، وَفِي حَدِيثٍ:" «وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ» " قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي بَيْعُ الْإِنَاثِ وَاسْتِثْنَاءُ مَا فِي بُطُونِهَا وَذَلِكَ) أَيْ وَجْهُ الْمَنْعِ (أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ

ص: 469

لِلرَّجُلِ: ثَمَنُ شَاتِي الْغَزِيرَةِ) كَثِيرَةِ اللَّبَنِ (ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَهِيَ لَكَ بِدِينَارَيْنِ وَلِي مَا فِي بَطْنِهَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ) أَيْ حَرَامٌ (لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ) أَمَّا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَبِيعٌ فَبَيِّنٌ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ مُبْقًى فَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَرْئِيَّةَ إِذَا اسْتُثْنِيَ مِنْهَا مَجْهُولٌ مُتَنَاهِي الْجَهَالَةِ أَثَّرَ ذَلِكَ فِي بَاقِي الْجُمْلَةِ جَهَالَةً تَمْنَعُ صِحَّةَ عَقْدِ الْبَيْعِ عَلَيْهَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

(وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَلَا الْجُلْجُلَانِ) بِضَمِّ الْجِيمَيْنِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ فَأَلِفٌ فَنُونٌ السِّمْسِمُ فِي قِشْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ (بِدُهْنِ الْجُلْجُلَانِ وَلَا الزُّبْدِ بِالسَّمْنِ لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ تَدْخُلُهُ) إِذْ لَا يُدْرَى هَلْ يَخْرُجُ مِثْلُ مَا أَعْطَى أَمْ لَا.

(وَلِأَنَّ الَّذِي يَشْتَرِي الْحَبَّ وَمَا أَشْبَهَهُ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا يَدْرِي أَيَخْرُجُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ فَهَذَا غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ) وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.

(وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا اشْتِرَاءُ حَبِّ الْبَانِ بِالسَّلِيخَةِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ الْمَجْدُ: دُهْنُ ثَمَرِ الْبَانِ قَبْلَ أَنْ يُزَيَّتَ (فَذَلِكَ غَرَرٌ لِأَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ حَبِّ الْبَانِ هُوَ السَّلِيخَةُ) وَذَلِكَ مَجْهُولٌ (وَلَا بَأْسَ بِحَبِّ الْبَانِ بِالْبَانِ الْمُطَيَّبِ ; لِأَنَّ الْبَانَ الْمُطَيَّبَ قَدْ طُيِّبَ وَنُشَّ) بِضَمِّ النُّونِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ خُلِطَ، يُقَالُ: دُهْنٌ مَنْشُوشٌ أَيْ مَخْلُوطٌ (وَتَحَوَّلَ عَنْ حَالِ السَّلِيخَةِ) أَيْ صِفَتِهَا فَيَجُوزُ كَلَحْمٍ طُبِخَ بِتَابِلٍ فَيَجُوزُ يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ، إِنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ) أَيِ الْغَرَرِ.

(وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِرِبْحٍ إِنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ (فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ وَإِنْ بَاعَ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِنُقْصَانٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَذَهَبَ عَنَاؤُهُ) بِالْمَدِّ تَعَبُهُ (بَاطِلًا

ص: 470

فَهَذَا لَا يَصْلُحُ، وَلِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا أُجْرَةٌ بِمِقْدَارِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِقَدْرِ (مَا عَالَجَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ (وَمَا كَانَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ رِبْحٍ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ) لِبَقَاءِ السِّلْعَةِ عَلَى مِلْكِهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ.

(وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا فَاتَتِ السِّلْعَةُ وَبِيعَتْ فَإِنْ لَمْ تَفُتْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا) لِفَسَادِهِ بِجَهْلِ الثَّمَنِ، (وَأَمَّا أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً يَبُتُّ بَيْعَهُمَا) أَيْ عَقْدَاهُ عَلَى اللُّزُومِ وَالْقَطْعِ (ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ لِلْبَائِعِ: ضَعْ) أَسْقِطْ (عَنِّي فَيَأْبَى) يَمْتَنِعُ (الْبَائِعُ وَيَقُولُ بِعْ فَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ) لِوُقُوعِهِ بَعْدَ بَتِّ الْبَيْعِ (وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَصَفَهُ لَهُ) أَيْ لِأَجْلِهِ (وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَا بَيْعَهُمَا وَذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) وَهُوَ عِدَّةٌ، اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْقَضَاءِ بِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ: وَذَلِكَ لَهُ لَزِمَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَمَلَهُ بِمَا وَعَدَهُ عَلَى بَيْعِ سِلْعَتِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَنْقُصُهُ بِحَسَبِ مَا يُشْبِهُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ إِنْ نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُرْضِيهِ بِحَسَبِ مَا نَوَى، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: جَعَلَهُ مَالِكٌ مَرَّةً إِجَارَةً فَاسِدَةً أَيْ كَمَا هُنَا وَمَرَّةً بَيْعًا فَاسِدًا.

وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ الْقِيَاسُ إِذْ لَوْ وَطِئَهَا لَمْ يُحَدَّ، وَلَوْ كَانَ إِجَارَةً لَحُدَّ وَهِيَ فِي ضَمَانِهِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ، وَأَجَابَ ابْنُ زَرْقُونَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ عَلَى أَنَّهَا إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ إِنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَلِاسْمِ الْبَيْعِ الَّذِي قَصَدَاهُ.

ص: 471

[بَاب الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ]

حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» قَالَ مَالِكٌ وَالْمُلَامَسَةُ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ وَلَا يَنْشُرُهُ وَلَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهِ أَوْ يَبْتَاعَهُ لَيْلًا وَلَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ عَلَى غَيْرِ تَأَمُّلٍ مِنْهُمَا وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا بِهَذَا فَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُلَامَسَةُ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ وَلَا يَنْشُرُهُ وَلَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهِ أَوْ يَبْتَاعَهُ لَيْلًا وَلَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ عَلَى غَيْرِ تَأَمُّلٍ مِنْهُمَا وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا بِهَذَا فَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي السَّاجِ الْمُدْرَجِ فِي جِرَابِهِ أَوْ الثَّوْبِ الْقُبْطِيِّ الْمُدْرَجِ فِي طَيِّهِ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا حَتَّى يُنْشَرَا وَيُنْظَرَ إِلَى مَا فِي أَجْوَافِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَهُمَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَهُوَ مِنْ الْمُلَامَسَةِ قَالَ مَالِكٌ وَبَيْعُ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ مُخَالِفٌ لِبَيْعِ السَّاجِ فِي جِرَابِهِ وَالثَّوْبِ فِي طَيِّهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمَعْمُولُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ فِي صُدُورِ النَّاسِ وَمَا مَضَى مِنْ عَمَلِ الْمَاضِينَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مِنْ بُيُوعِ النَّاسِ الْجَائِزَةِ وَالتِّجَارَةِ بَيْنَهُمْ الَّتِي لَا يَرَوْنَ بِهَا بَأْسًا لِأَنَّ بَيْعَ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ عَلَى غَيْرِ نَشْرٍ لَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْمُلَامَسَةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

35 -

بَابُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ

1371 -

1355 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ (وَعَنْ

ص: 471

أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ كِلَاهُمَا (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ) بَيْعِ (الْمُلَامَسَةِ) مُفَاعَلَةٌ مِنَ اللَّمْسِ (وَ) عَنِ (الْمُنَابَذَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ (قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُلَامَسَةُ أَنْ يَلْمُسَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابَيْ نَصَرَ وَضَرَبَ أَيْ يَمَسَّ (الرَّجُلُ الثَّوْبَ) بِيَدِهِ (وَلَا يَنْشُرُهُ) يُفْرِدُهُ (وَلَا يَتَبَيَّنُ) يَظْهَرُ لَهُ (مَا فِيهِ أَوْ يَبْتَاعُهُ لَيْلًا وَلَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ يَطْرَحَ (الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ وَيَنْبِذَ إِلَيْهِ الْآخَرُ ثَوْبَهُ عَلَى غَيْرِ تَأَمُّلٍ مِنْهُمَا) بِنَظَرٍ وَلَا تَقْلِيبٍ (وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا بِهَذَا) عَلَى الْإِلْزَامِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ بَلْ بِمَا فَعَلَاهُ مِنْ مُنَابَذَةٍ أَوْ مُلَامَسَةٍ (فَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ) فَلَوْ جَعَلَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إِذَا زَالَ الظَّلَامُ وَنَشَرَ الثَّوْبَ فَإِنْ رَضِيَهُ أَمْسَكَهُ جَازَ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَيْعِ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَنَصَّ عَلَى جَوَازِهِ الْإِمَامُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْبَاجِيِّ فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْبَائِعُ مِنْ تَقْلِيبِهِ وَقَنِعَ الْمُشْتَرِي بِلَمْسِهِ بِيعَ مُلَامَسَةً وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ اهـ.

وَتَفْسِيرُ مَالِكٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: " «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ» " وَالْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ وَلَا يُقَلِّبُهُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا عَنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ.

وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «نُهِيَ عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» " أَمَّا الْمُلَامَسَةُ: فَأَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ، وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إِلَى الْآخَرِ وَلَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَقْعَدُ بِلَفْظِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ لِأَنَّهُمَا مُفَاعَلَةٌ فَتَسْتَدْعِي وُجُودَ الْفِعْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ لَكِنْ لِلنَّسَائِيِّ مَا يَشْعِرُ بِأَنَّهُ كَلَامُ مَنْ دُونَهُ صلى الله عليه وسلم وَلَفْظُهُ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَبِيعُكَ ثَوْبِي بِثَوْبِكَ وَلَا يَنْظُرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى ثَوْبِ الْآخَرِ وَلَكِنْ يَلْمِسُهُ لَمْسًا، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَقُولَ: أَنْبِذُ مَا مَعِي وَتَنْبِذُ مَا مَعَكَ لِيَشْتَرِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْآخَرِ وَلَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمْ مَعَ الْآخَرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مِنَ الصَّحَابِيِّ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم بِلَفْظِ زَعَمَ، وَقِيلَ: الْمُنَابَذَةُ نَبْذُ الْحَصَاةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا غَيْرُهُ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَفْسِيرُ

ص: 472

مَالِكٍ وَتَفْسِيرُ غَيْرِهِ قَرِيبٌ مِنَ السَّوَاءِ، وَكَانَ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَبَيْعُ الْحَصَاةِ بُيُوعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْهَا قَالَ: وَالْحَصَاةُ أَنْ تَكُونَ ثِيَابٌ مَبْسُوطَةً فَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ لِلْبَائِعِ: أَيُّ ثَوْبٍ مِنْ هَذِهِ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِي بِهَا فَهُوَ لِي بِكَذَا فَيَقُولُ الْبَائِعُ: نَعَمْ، فَهَذَا وَمَا كَانَ مِثْلُهُ غَرَرٌ وَقِمَارٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ بِدُونِ تَفْسِيرِهِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي السَّاجِ) بِمُهْمَلَةٍ وَجِيمٍ الطَّيْلَسَانُ الْأَخْضَرُ أَوِ الْأَسْوَدُ (الْمُدْرَجِ فِي جِرَابِهِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَلَا تُفْتَحُ أَوْ فَتْحُهَا لُغَةٌ فِيمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْمِزْوَدُ أَوِ الْوِعَاءُ (أَوِ الثَّوْبُ الْقُبْطِيُّ) بِضَمِّ الْقَافِ ثِيَابٌ تُنْسَبُ إِلَى الْقِبْطِ بِالْكَسْرِ نَصَارَى مِصْرَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَقَدْ تُكْسَرُ الْقَافُ فِي النِّسْبَةِ عَلَى الْقِيَاسِ (الْمُدْرَجِ فِي طَيِّهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا حَتَّى يُنْشَرَ أَوْ يُنْظَرَ إِلَى مَا فِي أَجْوَافِهِمَا) أَيْ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمَا حَالَةَ الطَّيِّ تَشْبِيهًا بِجَوْفِ الْحَيَوَانِ (وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَهُمَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَهُوَ مِنَ الْمُلَامَسَةِ) الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فَيُمْنَعُ اتِّفَاقًا، فَإِنْ عَرَفَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَنَظَرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَاشْتَرَى عَلَى ذَلِكَ جَازَ فَإِنْ خَالَفَ كَانَ لَهُ الْقِيَامُ كَالْعَيْبِ.

(وَبَيْعُ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامِجِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبِكَسْرِهِمَا.

وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: رُوِّينَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عِيَاضٌ غَيْرَ الْكَسْرِ مُعَرَّبُ بَرْنَامَهْ بِالْفَارِسِيَّةِ مَعْنَاهُ الْوَرَقَةُ الْمَكْتُوبُ فِيهَا مَا فِي الْعَدْلِ (مُخَالِفٌ لِبَيْعِ السَّاجِ فِي جِرَابِهِ وَالثَّوْبِ فِي طَيِّهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْأَمْرُ) فِي الْحُكْمِ (الْمَعْمُولُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ فِي صُدُورِ النَّاسِ) أَيْ مُتَقَدِّمِيهِمْ (وَمَا مَضَى مِنْ عَمَلِ الْمَاضِينَ فِيهِ وَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ) أَيِ اسْتَمَرَّ (مِنْ بُيُوعِ النَّاسِ الْجَائِزَةِ وَالتِّجَارَةِ بَيْنَهُمُ الَّتِي لَا يَرَوْنَ بِهَا بَأْسًا) شِدَّةً لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ (لِأَنَّ بَيْعَ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامِجِ عَلَى غَيْرِ نَشْرٍ لَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْمُلَامَسَةَ) لِكَثْرَةِ ثِيَابِ الْأَعْدَالِ وَعِظَمِ الْمَئُونَةِ فِي فَتْحِهَا وَنَشْرِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ بَيْعَ الْبَرْنَامِجِ بَيْعٌ عَلَى صِفَةٍ وَالسَّاجُ فِي الْجِرَابِ وَالْقُبْطِيُّ الْمَطْوِيُّ بَيْعٌ عَلَى غَيْرِ صِفَةٍ وَلَا رُؤْيَةٍ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ.

ص: 473

[بَاب بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْبَزِّ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ ثُمَّ يَقْدَمُ بِهِ بَلَدًا آخَرَ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً إِنَّهُ لَا يَحْسِبُ فِيهِ أَجْرَ السَّمَاسِرَةِ وَلَا أَجْرَ الطَّيِّ وَلَا الشَّدِّ وَلَا النَّفَقَةَ وَلَا كِرَاءَ بَيْتٍ فَأَمَّا كِرَاءُ الْبَزِّ فِي حُمْلَانِهِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ وَلَا يُحْسَبُ فِيهِ رِبْحٌ إِلَّا أَنْ يُعْلِمَ الْبَائِعُ مَنْ يُسَاوِمُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنْ رَبَّحُوهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الْقِصَارَةُ وَالْخِيَاطَةُ وَالصِّبَاغُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَزِّ يُحْسَبُ فِيهِ الرِّبْحُ كَمَا يُحْسَبُ فِي الْبَزِّ فَإِنْ بَاعَ الْبَزَّ وَلَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِمَّا سَمَّيْتُ إِنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ فِيهِ رِبْحٌ فَإِنْ فَاتَ الْبَزُّ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يُحْسَبُ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ رِبْحٌ فَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْبَزُّ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْمَتَاعَ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالْوَرِقِ وَالصَّرْفُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ فَيَقْدَمُ بِهِ بَلَدًا فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَوْ يَبِيعُهُ حَيْثُ اشْتَرَاهُ مُرَابَحَةً عَلَى صَرْفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي بَاعَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ ابْتَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَبَاعَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ ابْتَاعَهُ بِدَنَانِيرَ وَبَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَكَانَ الْمَتَاعُ لَمْ يَفُتْ فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ فَإِنْ فَاتَ الْمَتَاعُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ الْبَائِعُ وَيُحْسَبُ لِلْبَائِعِ الرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ عَلَى مَا رَبَّحَهُ الْمُبْتَاعُ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ سِلْعَةً قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِتِسْعِينَ دِينَارًا وَقَدْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ خُيِّرَ الْبَائِعُ فَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ قِيمَةُ سِلْعَتِهِ يَوْمَ قُبِضَتْ مِنْهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِهِ الْبَيْعُ أَوَّلَ يَوْمٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ مِائَةُ دِينَارٍ وَعَشْرَةُ دَنَانِيرَ وَإِنْ أَحَبَّ ضُرِبَ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى التِّسْعِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَلَغَتْ سِلْعَتُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَيُخَيَّرُ فِي الَّذِي بَلَغَتْ سِلْعَتُهُ وَفِي رَأْسِ مَالِهِ وَرِبْحِهِ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ بَاعَ رَجُلٌ سِلْعَةً مُرَابَحَةً فَقَالَ قَامَتْ عَلَيَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا قَامَتْ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الْبَائِعَ قِيمَةَ السِّلْعَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الثَّمَنَ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ عَلَى حِسَابِ مَا رَبَّحَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ السِّلْعَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنَقِّصَ رَبَّ السِّلْعَةِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ رَضِيَ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا جَاءَ رَبُّ السِّلْعَةِ يَطْلُبُ الْفَضْلَ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنْ يَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

36 -

بَابُ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْبَزِّ) بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَزَايٍ الثِّيَابُ أَوْ مَتَاعُ الْبَيْتِ مِنَ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَبَائِعُهُ الْبَزَّازُ (يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ ثُمَّ يَقْدَمُ بِهِ بَلَدًا آخَرَ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً، أَنَّهُ لَا يَحْسِبُ فِيهِ أَجْرَ السَّمَاسِرَةِ) جَمْعُ سِمْسَارٍ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (وَلَا أَجْرَ الطَّيِّ وَلَا الشَّدِّ وَلَا النَّفَقَةَ وَلَا كِرَاءَ الْبَيْتِ) لِأَنَّهُ لَا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةٌ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَبِيعِ غَالِبًا.

(فَأَمَّا كِرَاءُ الْبَزِّ فِي حُمْلَانِهِ) بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ حَمْلِهِ (فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ وَلَا يُحْسَبُ فِيهِ رِبْحٌ) لِأَنَّهُ لَا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةٌ (إِلَّا أَنْ يُعْلِمَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يُخْبِرَ (الْبَائِعُ مَنْ يُسَاوِمُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنْ رَبَّحُوهُ) بِالتَّثْقِيلِ وَالْجَمْعِ عَلَى مَعْنَى مَنْ (بَعْدِ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ (وَأَمَّا الْقِصَارَةُ وَالْخِيَاطَةُ وَالصِّبَاغُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) كَطَرْزٍ وَفَتْلٍ وَكَمَدٍّ وَتَطْرِيَةٍ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فِي الْمَبِيعِ وَيَخْتَصُّ بِهِ غَالِبًا (فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَزِّ يُحْسَبُ فِيهِ الرِّبْحُ كَمَا يُحْسَبُ فِي الْبَزِّ) لِزِيَادَتِهِ بِذَلِكَ.

(فَإِنْ بَاعَ الْبَزَّ وَلَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِمَّا سَمَّيْتُ) بِضَمِّ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ (أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ فِيهِ رِبْحٌ، فَإِنْ فَاتَ الْبَزُّ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يُحْسَبُ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ رِبْحٌ، فَإِنْ لَمْ يَفُتِ الْبَزُّ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا) فَلَا يُفْسَخُ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْمَتَاعَ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالْوَرِقِ) الْفِضَّةِ (وَالصَّرْفُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ فَيَقْدَمُ بِهِ

ص: 474

بَلَدًا فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَوْ يَبِيعُهُ حَيْثُ اشْتَرَاهُ) أَيْ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ (بِهِ مُرَابَحَةً عَلَى صَرْفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي بَاعَهُ فِيهِ) وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّرْفُ فِي وَقْتِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ ابْتَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَبَاعَهُ بِدَنَانِيرَ أَوِ ابْتَاعَهُ بِدَنَانِيرَ وَبَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَكَانَ الْمُبْتَاعُ لَمْ يَفُتْ فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَهُ إِيَّاهُ بِمَا نَقَدَ ; لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ لَمْ يُرِدِ الشِّرَاءَ بِهَذِهِ.

(وَإِنْ فَاتَ الْمَتَاعُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ الْبَائِعُ وَيُحْسَبُ لِلْبَائِعِ الرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ عَلَى مَا رَبِحَهُ الْمُبْتَاعُ) وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُضْرَبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لِلْمُشْتَرِي.

وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إِلَّا أَنْ يَجِيءَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا رَضِيَ بِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ مَالِكٌ فِي هَذَا قِيمَةً كَمَا جَعَلَ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ.

(وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ سِلْعَةً قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ) صِفَةُ سِلْعَةٍ مُرَابَحَةً (لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِتِسْعِينَ دِينَارًا وَقَدْ فَاتَتِ السِّلْعَةُ خُيِّرَ الْبَائِعُ فَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ قِيمَةُ سِلْعَتِهِ يَوْمَ قُبِضَتْ) أَيْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ كَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تَعْلِيلُهُ بِذَلِكَ وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَرَوَى فِيهَا عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ لَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ بَاعَهَا أَيْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِهِ الْبَيْعُ أَوَّلَ يَوْمٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ مِائَةُ دِينَارٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ) الَّذِي وَقَعَ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَيْهَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا.

(وَإِنْ أَحَبَّ ضُرِبَ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى التِسْعِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَلَغَتْ سِلْعَتُهُ مِنَ الثَّمَنِ أَقَلَّ مِنَ الْقِيمَةِ) فَيُخَيَّرُ (فِي الَّذِي بَلَغَتْ سِلْعَتُهُ، وَفِي رَأْسِ مَالِهِ وَرِبْحِهِ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِينَارًا) لَا يُزَادُ عَلَيْهَا.

ص: 475

(وَإِنْ بَاعَ رَجُلٌ سِلْعَةً مُرَابَحَةً فَقَالَ: قَامَتْ عَلَيَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ) غَلَطًا عَلَى نَفْسِهِ (ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ) الْعِلْمُ (أَنَّهَا قَامَتْ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الْبَائِعَ قِيمَةَ السِّلْعَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الثَّمَنَ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ عَلَى حِسَابِ مَا رَبِحَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ السِّلْعَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْقِصَ رَبَّ السِّلْعَةِ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ) فَيَلْزَمُهُ مَا رَضِيَ بِهِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ.

(وَإِنَّمَا جَاءَ رَبُّ السِّلْعَةِ يَطْلُبُ الْفَضْلَ) الزَّائِدَ الَّذِي غَلِطَ فِيهِ (فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنْ يَضَعَ) يُسْقِطَ (مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي بِهِ ابْتَاعَ عَلَى الْبَرْنَامِجِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: كَذَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَرِوَايَةُ عَلِيٍّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى لَفْظِ التَّخْيِيرِ وَلَا مَعْنَى لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْدُبُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ لَا يُنْقِصَهُ شَيْئًا، فَإِنَّ السِّلْعَةَ إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا أَوْ يُضْرَبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَإِنْ فَاتَتْ فَالْقِيمَةُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِنَ الْمِائَةِ وَرِبْحِهَا فَلَا يَنْقُصُ أَوْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَرِبْحِهَا فَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ.

ص: 476

[بَاب الْبَيْعِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ]

قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقَوْمِ يَشْتَرُونَ السِّلْعَةَ الْبَزَّ أَوْ الرَّقِيقَ فَيَسْمَعُ بِهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ الْبَزُّ الَّذِي اشْتَرَيْتَ مِنْ فُلَانٍ قَدْ بَلَغَتْنِي صِفَتُهُ وَأَمْرُهُ فَهَلْ لَكَ أَنْ أُرْبِحَكَ فِي نَصِيبِكَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُرْبِحُهُ وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْقَوْمِ مَكَانَهُ فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ رَآهُ قَبِيحًا وَاسْتَغْلَاهُ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ إِذَا كَانَ ابْتَاعَهُ عَلَى بَرْنَامَجٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْدَمُ لَهُ أَصْنَافٌ مِنْ الْبَزِّ وَيَحْضُرُهُ السُّوَّامُ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمْ بَرْنَامَجَهُ وَيَقُولُ فِي كُلِّ عِدْلٍ كَذَا وَكَذَا مِلْحَفَةً بَصْرِيَّةً وَكَذَا وَكَذَا رَيْطَةً سَابِرِيَّةً ذَرْعُهَا كَذَا وَكَذَا وَيُسَمِّي لَهُمْ أَصْنَافًا مِنْ الْبَزِّ بِأَجْنَاسِهِ وَيَقُولُ اشْتَرُوا مِنِّي عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَيَشْتَرُونَ الْأَعْدَالَ عَلَى مَا وَصَفَ لَهُمْ ثُمَّ يَفْتَحُونَهَا فَيَسْتَغْلُونَهَا وَيَنْدَمُونَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُمْ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامَجِ الَّذِي بَاعَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا يُجِيزُونَهُ بَيْنَهُمْ إِذَا كَانَ الْمَتَاعُ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامَجِ وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

37 -

بَابُ الْبَيْعِ عَلَى الْبَرْنَامِجِ

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقَوْمِ يَشْتَرُونَ السِّلْعَةَ الْبَزَّ أَوِ الرَّقِيقَ فَيَسْمَعُ بِهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لِرَجُلٍ مِنْهُمُ: الْبَزُّ الَّذِي اشْتَرَيْتَ مِنْ فُلَانٍ قَدْ بَلَغَتْنِي صِفَتُهُ وَأَمْرُهُ فَهَلْ لَكَ أَنْ أُرْبِحَكَ فِي نَصِيبِكَ كَذَا وَكَذَا؟) لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ (فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُرْبِحُهُ وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْقَوْمِ) بِحِصَّةِ مَنْ بَاعَ

ص: 476

مِنْهُمْ (مَكَانَهُ) أَيْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَبْلَ فَتْحِ الْمَتَاعِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ: (فَإِذَا نَظَرُوا إِلَيْهِ رَأَوْهُ قَبِيحًا وَاسْتَغْلَوْهُ) وَفِي نُسْخَةٍ بِإِفْرَادِ نَظَرَ وَرَأَى وَاسْتَغْلَى وَهِيَ أَنْسَبُ.

(قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ إِذَا كَانَ ابْتَاعَهُ عَلَى بَرْنَامِجٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ) يَذْكُرُهَا، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: بَلَغَتْنِي صِفَتُهُ وَأَمْرُهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَدَّعِيَ مِنَ الصِّفَةِ مَا شَاءَ وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ عَلَى صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فَفِيهِ اخْتِصَارٌ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَالِاخْتِصَارُ إِنَّمَا وَقَعَ فِيمَا هُوَ صُورَةُ سُؤَالٍ وَإِلَّا فَالْإِمَامُ قَيَّدَ اللُّزُومَ وَنَفَى الْخِيَارَ بِقَوْلِهِ: إِذَا كَانَ ابْتَاعَهُ. . . . . إِلَخْ، وَهُوَ حَاصِلُ مَعْنَى مَا بَسَطَهُ الْبَاجِيُّ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْدَمُ لَهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (أَصْنَافٌ مِنَ الْبَزِّ وَيَحْضُرُهُ السُّوَّامُ) جَمْعُ سَائِمٍ (وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمْ بَرْنَامِجَهُ وَيَقُولُ فِي كُلِّ عَدْلٍ كَذَا وَكَذَا مِلْحَفَةً) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مُلَاءَةٌ يُلْتَحَفُ بِهَا (بَصْرِيَّةً) بِفَتْحٍ نِسْبَةً إِلَى الْبَصْرَةِ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ (وَكَذَا وَكَذَا رَيْطَةً) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ كُلُّ مُلَاءَةٍ لَيْسَتْ لِفْقَتَيْنِ أَيْ قِطْعَتَيْنِ وَالْجَمْعُ رِيَاطٌ مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ، وَرَيْطٌ أَيْضًا مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ، وَقَدْ يُسَمَّى كُلُّ ثَوْبٍ رَقِيقٍ رَيْطَةً (سَابَرِيَّةً) بِمُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ نَوْعٌ رَقِيقٌ مِنَ الثِّيَابِ، قِيلَ إِنَّهُ نِسْبَةٌ إِلَى سَابُورَ كُورَةٍ مِنْ كُوَرِ فَارِسَ.

(ذَرْعُهَا) قِيَاسُهَا (كَذَا وَكَذَا وَيُسَمِّي لَهُمْ أَصْنَافًا مِنَ الْبَزِّ بِأَجْنَاسِهِ وَيَقُولُ: اشْتَرُوا مِنِّي عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ) عَلَى وَجْهِ الْمُرَابَحَةِ (فَيَشْتَرُونَ الْأَعْدَالَ عَلَى مَا وَصَفَ لَهُمْ ثُمَّ يَفْتَحُونَهَا فَيَسْتَغْلُونَهَا) يَسْتَكْثِرُونَ ثَمَنَهَا (وَيَنْدَمُونَ، قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُمْ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامِجِ الَّذِي بَاعَهُمْ عَلَيْهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ وَقَدِ اشْتَرَوْا مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْمُرَابَحَةِ، فَأَمَّا وَجْهُهَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ وَهَذَا يَدْخُلُهُ الْخَدِيعَةُ.

(وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا يُجِيزُونَهُ بَيْنَهُمْ إِذَا كَانَ

ص: 477

الْمَتَاعُ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامِجِ وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَهُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: بَيْعُ الْبَرْنَامِجِ مِنْ بُيُوعِ الْمُرَابَحَةِ وَهُوَ بَيْعُ الْمُشَاعِ عَلَى الصِّفَةِ الْعَشَرَةُ أَحَدَ عَشَرَ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَكَرِهَهُ آخَرُونَ لِأَنَّ الصِّفَةَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَضْمُونِ وَهُوَ السَّلَمُ.

ص: 478

[بَاب بَيْعِ الْخِيَارِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

38 -

بَابُ بَيْعِ الْخِيَارِ

بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ مِنَ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ.

1374 -

1356 - « (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْمُتَبَايِعَانِ) تَثْنِيَةُ مُتَبَايِعٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِغَيْرِ مَالِكٍ: " الْبَيِّعَانِ " تَثْنِيَةُ بَيِّعٍ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ) » خَبَرُ كُلُّ أَيْ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ قَوْلِهِ الْمُتَبَايِعَانِ.

(مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) بِفَوْقِيَّةٍ قَبْلَ الْفَاءِ، وَلِلنَّسَائِيِّ يَفْتَرِقَا بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ، وَنَقَلَ ثَعْلَبٌ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ سَلَمَةَ افْتَرَقَا بِالْكَلَامِ وَتَفَرَّقَا بِالْأَبْدَانِ وَرَدَّهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4](سُورَةُ الْبَيِّنَةِ: الْآيَةُ 4) فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّفَرُّقِ بِالْكَلَامِ لِأَنَّهُ بِالِاعْتِقَادِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَنْ لَازَمَهُ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَ آخَرَ فِي عَقِيدَتِهِ كَانَ مُسْتَدْعِيًا لِمُفَارَقَتِهِ إِيَّاهُ بِبَدَنِهِ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْجَوَابِ، وَالْحَقُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُفَضَّلِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ بِالْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ أَحَدُهُمَا فِي مَوْضِعِ الْآخَرِ اتِّسَاعًا (إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا أَصْلٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، قَالَ الْأَبِيُّ: يَعْنِي بِالْمُطْلَقِ الْمَسْكُوتَ عَنْ تَعْيِينِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فِيهِ، وَبِالْمُقَيَّدِ مَا عُيِّنَ فِيهِ أَمَدُ الْخِيَارِ وَإِنَّمَا يَكُونُ أَصْلًا فِي بَيْعِ الْخِيَارِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ مَفْهُومِ الْغَايَةِ أَيْ فَإِنْ تَفَرَّقَا فَلَا خِيَارَ إِلَّا فِي بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ، وَقِيلَ إِنَّمَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْحُكْمِ وَالْمَعْنَى الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا فِي بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ عَدَمُ الْخِيَارِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، وَقِيلَ الْمَعْنَى إِلَّا بَيْعًا جَرَى فِيهِ التَّخَايُرُ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ: اخْتَرْ فَيَخْتَارُ فَيُلْزَمُ بِالْعَقْدِ لِبَعْضِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، فَعَلَى هَذَيْنِ لَا يَكُونُ أَصْلًا فِي بَيْعِ الْخِيَارِ انْتَهَى.

قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْخِيَارَ إِذَا أُطْلِقَ شَرْعًا فُهِمَ مِنْهُ إِثْبَاتُهُ لَا قَطْعُهُ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ،

ص: 478

وَرَدَّهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَدَّهُ غَيْرَهُمْ.

قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: رَفَعَهُ مَالِكٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ وَذَلِكَ عِنْدَهُ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: إِذَا رَأَيْتَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَجْمَعُوا عَلَى شَيْءٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَابْنَ شِهَابٍ رُوِيَ عَنْهُمَا نَصًّا تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ، وَهُمَا مِنْ أَجَلِّ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا نَصًّا تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ إِلَّا عَنْ مَالِكٍ وَرَبِيعَةَ بِخَلَفٍ عَنْهُ، وَأَنْكَرَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَهُوَ مِنْ فُقَهَائِهَا فِي عَصْرِ مَالِكٍ عَلَيْهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهِ حَتَّى جَرَى مِنْهُ فِي مَالِكٍ قَوْلٌ خَشِنٌ حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْغَضَبُ لَمْ يُسْتَحْسَنْ مِثْلُهُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَنْ قَالَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَفْتَرِقَا اسْتُتِيبَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنَّ يَدَّعِيَ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ قَالَ هَذَا الْبَعْضُ وَإِنَّمَا مَعْنَى مَا (قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ) أَيْ لَيْسَ لِلْخِيَارِ عِنْدَنَا حَدٌّ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا حَدَّهُ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ بَلْ هُوَ عَلَى حَالِ الْمَبِيعِ انْتَهَى.

وَفِي قَوْلِهِ: لَا أَعْلَمُ مَنْ رَدَّهُ غَيْرَهُمْ قُصُورٌ كَبِيرٌ مِنْ مِثْلِهِ، فَقَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعْظَمِ السَّلَفِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَفُقَهَائِهَا السَّبْعَةِ وَقِيلَ إِلَّا ابْنَ الْمُسَيَّبِ وَقِيلَ لَهُ قَوْلَانِ نَفْيُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ إِذْ هِيَ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنَ الْأَعْيَانِ، وَتَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا هُوَ الْأَصْلُ، فَالْبَيْعُ لَازِمٌ تَفَرَّقَا أَمْ لَا.

وَأُجِيبَ عَنِ الْحَدِيثِ بِحَمْلِ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى الْمُتَشَاغِلَيْنِ بِالْبَيْعِ، فَإِنَّ بَابَ الْمُفَاعَلَةِ شَأْنُهَا اتِّحَادُ الزَّمَانِ كَالْمُضَارَبَةِ وَيَكُونُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَقْوَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 130) وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الطَّلَاقِ التَّفَرُّقُ بِالْأَدْيَانِ، فَكَمَا أَنَّ الْمُتَضَارِبَيْنِ صَدَقَ عَلَيْهِمَا حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فَكَذَلِكَ الْمُتَبَايِعَانِ، وَيَكُونُ الِافْتِرَاقُ مَجَازًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ؛ وَلِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، فَوَصْفُ الْمُفَاعَلَةِ هُوَ عِلَّةٌ لِلْخِيَارِ فَإِذَا انْقَضَتْ بَطَلَ الْخِيَارُ لِبُطْلَانِ سَبَبِهِ، وَحَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْبَيْعُ مَجَازٌ، كَتَسْمِيَةِ الْخُبْزِ قَمْحًا وَالْإِنْسَانِ نُطْفَةً، وَلَا يَرِدُ أَنَّا تَمَسَّكْنَا بِالْمَجَازِ وَهُوَ حَمْلُ الِافْتِرَاقِ عَلَى الْأَقْوَالِ وَإِنَّمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ لِأَنَّهُ رَاجِحٌ عَلَى الْمَجَازِ الثَّانِي لِاعْتِضَادِهِ بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ سَلَّمْنَا عَدَمَ التَّرْجِيحِ فَلَيْسَ أَحَدُ الْمَجَازَيْنِ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، فَالْحَدِيثُ مُجْمَلٌ فَيَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَالُ وَهَذَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ.

وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَهَذَا مِنْهُ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَدْرِي مَا يَحْصُلُ لَهُ هَلِ الثَّمَنُ أَوِ الْمَثْمُونُ وَهُوَ أَيْضًا خِيَارٌ مَجْهُولُ الْعَاقِبَةِ فَيَبْطُلُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1](سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 1) لِلْوُجُوبِ وَهُوَ يُنَافِي الْخِيَارَ، وَقَوْلُ أَبِي عُمَرَ لَا حُجَّةَ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْوَفَاءِ بِهِ مِنَ الْعُقُودِ مَا وَافَقَ السُّنَّةَ لَا مَا خَالَفَهَا كَمَا لَوْ عَقَدَا عَلَى الرِّبَا فِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا

ص: 479

خَالَفَهَا، فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْوِبَةِ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَأْخُذْ بِالْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ رَوَاهُ ; لِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ: الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ، فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُسْقِطُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ إِذْ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ لِلِاسْتِقَالَةِ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا أَشْبَهُ الْأَجْوِبَةِ، وَقَوْلُ عِيَاضٍ: الزِّيَادَةُ قَوِيَّةٌ فِي وُجُوبِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ رَدَّهُ الْأَبِيُّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ قِيَامُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَصَدَ أَخْذَ الْخِيَارِ حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً فِي إِثْبَاتِهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لَهُ الْقِيَامُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ طَلَبِ الْإِقَالَةِ فِي الْمَجْلِسِ، فَالزِّيَادَةُ تُسْقِطُ خِيَارَهُ إِذْ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى طَلَبِ الْإِقَالَةِ.

وَأُجِيبَ أَيْضًا بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنَى الْحَدِيثِ إِذَا قَالَ بِعْتُكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقُلِ الْمُشْتَرِي: قَدْ قَبِلْتُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ سِجْنٍ كَيْفَ يَفْتَرِقَانِ.

وَقَدْ أَكْثَرَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَجْوِبَةِ عَنِ الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ أَنْ يَتَوَارَى أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: هُوَ أَنْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا، وَقَالَ الْبَاقُونَ: هُوَ افْتِرَاقُهُمَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ.

وَفِي التِّرْمِذِيِّ: كَانَ إِذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيُجِيبَ لَهُ.

وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: إِذَا بَاعَ انْصَرَفَ لِيَجِبَ الْبَيْعُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِعْلُهُ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يَفْعَلُ انْتَهَى.

وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ بِحَسَبِ فَهْمِهِ مِنَ اللَّفْظِ لَا مِنْ نَفْسِ الْمُصْطَفَى.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَأَيُّوبُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ جُرَيْجٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِنَحْوِهِ، وَتَابَعَ نَافِعًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ.

ص: 480

وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَيُّمَا بَيِّعَيْنِ تَبَايَعَا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً فَقَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ مُوَاجَبَةِ الْبَيْعِ أَبِيعُكَ عَلَى أَنْ أَسْتَشِيرَ فُلَانًا فَإِنْ رَضِيَ فَقَدْ جَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَرِهَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا فَيَتَبَايَعَانِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَشِيرَ الْبَائِعُ فُلَانًا إِنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُمَا عَلَى مَا وَصَفَا وَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ إِنْ أَحَبَّ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ الْبَائِعُ أَنْ يُجِيزَهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ فَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُكَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ ابْتَعْتُهَا مِنْكَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إِنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِهَا لِلْمُشْتَرِي بِمَا قَالَ وَإِنْ شِئْتَ فَاحْلِفْ بِاللَّهِ مَا بِعْتَ سِلْعَتَكَ إِلَّا بِمَا قُلْتَ فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ بِاللَّهِ مَا اشْتَرَيْتَهَا إِلَّا بِمَا قُلْتَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1374 -

1357 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا) زِيدَتْ مَا عَلَى أَيِّ لِزِيَادَةِ التَّعْمِيمِ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ (بَيِّعَيْنِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ تَثْنِيَةُ بَيِّعٍ (تَبَايَعَا) ثُمَّ تَخَالَفَا ( «فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جَعَلَ مَالِكٌ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ كَالْمُفَسِّرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِذْ قَدْ يَخْتَلِفَانِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَالتَّرَادُّ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ عِنْدَهُ مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الْعَمَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: لَعَلَّهُ مِمَّا تُرِكَ وَلَمْ

ص: 480

يَعْمَلُ بِهِ قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعٌ لَا يَكَادُ يَتَّصِلُ، خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ مُنْقَطِعَةٍ انْتَهَى.

وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ: عَوْنٌ لَمْ يُدْرِكِ ابْنَ مَسْعُودٍ.

(قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ فَقَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ مُوَاجَبَةِ الْبَيْعِ: أَبِيعُكَ عَلَى أَنْ تَسْتَشِيرَ فُلَانًا، فَإِنْ رَضِيَ فَقَدْ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَرِهَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا، فَيَتَبَايَعَانِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَشِيرَ الْبَائِعُ فُلَانًا) الَّذِي أَرَادَهُ (أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُمَا عَلَى مَا وَصَفَا، وَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ، وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ إِنْ أَحَبَّ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ الْبَائِعُ) الْخِيَارَ (أَنْ يُجِيزَهُ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ، فَإِنْ بَعُدَتْ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ مُعَيَّنٌ يَسْتَحِقُّ قَبْضُهُ إِلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنَ الرَّجُلِ فَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ) قَبْلَ قَبْضِ السِّلْعَةِ وَفَوَاتِهَا (فَيَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْتُكَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ: ابْتَعْتُهَا مِنْكَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ: إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِهَا الْمُشْتَرِيَ بِمَا قَالَ، وَإِنْ شِئْتَ فَاحْلِفْ بِاللَّهِ مَا نَظِيرُ سِلْعَتِكَ إِلَّا بِمَا قُلْتَ، فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي: إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ بِاللَّهِ مَا اشْتَرَيْتَهَا إِلَّا بِمَا قُلْتَ) ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْهَا، وَذَلِكَ: أَيْ وَجْهُ حَلِفِهِمَا جَمِيعًا (أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ) فَيَبْدَأُ الْبَائِعُ بِالْيَمِينِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ الْمُبْتَاعُ وَهُوَ شُذُوذٌ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، فَإِنِ اخْتَلَفَا بَعْدَ قَبْضِ السِّلْعَةِ وَقَبْلَ فَوَاتِهَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، فَإِنْ فَاتَتْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ حَوَالَةِ سُوقٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ، رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

ص: 481

[بَاب مَا جَاءَ فِي الرِّبَا فِي الدَّيْنِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدٍ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى السَّفَّاحِ أَنَّهُ قَالَ بِعْتُ بَزًّا لِي مِنْ أَهْلِ دَارِ نَخْلَةَ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى الْكُوفَةِ فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ أَضَعَ عَنْهُمْ بَعْضَ الثَّمَنِ وَيَنْقُدُونِي فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ لَا آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَ هَذَا وَلَا تُوكِلَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

39 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّبَا فِي الدَّيْنِ 1376 1358 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَاد) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ (عَنْ بُسْرِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ (ابْنِ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمَدَنِيِّ الْعَابِدِ الْحَافِظِ الثِّقَةِ التَّابِعِيِّ الصَّغِيرِ (عَنْ عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْبَاءِ بِلَا إِضَافَةٍ (أَبِي صَالِحٍ) كُنْيَتُهُ (مَوْلَى السَّفَّاحِ) لَقَبُ أَوَّلِ خُلَفَاءَ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ قَالَ: بِعْتُ بَزًّا لِي مِنْ أَهْلِ دَارِ نَخْلَةَ) مَحَلٌّ بِالْمَدِينَةِ فِيهِ الْبَزَّازُونَ (إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى الْكُوفَةِ فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ أَضَعَ عَنْهُمْ) أُسْقِطَ (بَعْضَ الثَّمَنِ وَيَنْقُدُونِي) يُعَجِّلُوا لِي بَاقِيَهُ بَعْدَ الْوَضْعِ قَبْلَ الْأَجَلِ (فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ) الصَّحَابِيَّ الْعَالِمَ الشَّهِيرَ (فَقَالَ: لَا آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَ هَذَا) أَنْتَ (وَلَا تُؤْكِلَهُ) لِلَّذِينِ اشْتَرَوْهُ لِمَنْعِ (ضَعْ وَتَعَجَّلْ)، قَالَ الْبَاجِيُّ: مَنْ لَهُ مِائَةٌ مُؤَجَّلَةٌ فَأَخَذَ خَمْسِينَ قَبْلَ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يَضَعَ خَمْسِينَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِائَةً مُؤَجَّلَةً بِخَمْسِينَ مُعَجَّلَةٍ فَدَخَلَهُ النَّسَاءُ وَالتَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ.

ص: 482

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ خَلْدَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الرَّجُلِ إِلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَيُعَجِّلُهُ الْآخَرُ فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَنَهَى عَنْهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1377 -

1359 - (مَالِكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ خَلْدَةَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ الثِّقَةِ الصَّالِحِ قَاضِي الْمَدِينَةِ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ شَيْخِ الْإِمَامِ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ) أَبِيهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الرَّجُلِ إِلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَيُعَجِّلُهُ الْآخَرُ) الْبَاقِيَ بَعْدَ الْوَضْعِ (فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَنَهَى عَنْهُ) لِمَنْعِ: ضَعْ وَتَعَجَّلْ، وَبِهِ قَالَ الْحَكَمُ بْنُ

ص: 482

عُتَيْبَةَ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَجَازَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَرَآهُ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ ابْنُ زُرْقُونَ: وَأُرَاهُ وَهْمًا.

وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ، وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُ بِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" «لَمَّا أَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِإِخْرَاجِ بَنِي النَّضِيرِ قَالُوا: لَنَا عَلَى النَّاسِ دُيُونٌ لَمْ تَحِلَّ، فَقَالَ: ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا» " وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَبْلَ نُزُولِ تَحْرِيمِ الرِّبَا.

ص: 483

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي فَإِنْ قَضَى أَخَذَ وَإِلَّا زَادَهُ فِي حَقِّهِ وَأَخَّرَ عَنْهُ فِي الْأَجَلِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ إِلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ الطَّالِبُ وَيُعَجِّلُهُ الْمَطْلُوبُ وَذَلِكَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُؤَخِّرُ دَيْنَهُ بَعْدَ مَحِلِّهِ عَنْ غَرِيمِهِ وَيَزِيدُهُ الْغَرِيمُ فِي حَقِّهِ قَالَ فَهَذَا الرِّبَا بِعَيْنِهِ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّتْ قَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعْنِي سِلْعَةً يَكُونُ ثَمَنُهَا مِائَةَ دِينَارٍ نَقْدًا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إِلَى أَجَلٍ هَذَا بَيْعٌ لَا يَصْلُحُ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ بِعَيْنِهِ وَيُؤَخِّرُ عَنْهُ الْمِائَةَ الْأُولَى إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ آخِرَ مَرَّةٍ وَيَزْدَادُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ دِينَارًا فِي تَأْخِيرِهِ عَنْهُ فَهَذَا مَكْرُوهٌ وَلَا يَصْلُحُ وَهُوَ أَيْضًا يُشْبِهُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي بَيْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا حَلَّتْ دُيُونُهُمْ قَالُوا لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ فَإِنْ قَضَى أَخَذُوا وَإِلَّا زَادُوهُمْ فِي حُقُوقِهِمْ وَزَادُوهُمْ فِي الْأَجَلِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1378 -

1360 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ: أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي؟) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ تُزِيدُ حَتَّى أَصْبِرَ عَلَيْكَ (فَإِذَا قَضَى أَخَذَ، وَإِلَّا زَادَهُ فِي حَقِّهِ وَأَخَّرَ عَنْهُ) بِمَعْنَى زَادَ لَهُ (فِي الْأَجَلِ) وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا الرِّبَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ تَعْرِفِ الْعَرَبُ الرِّبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ، وَزَادَهُ صلى الله عليه وسلم بَيَانًا وَحَرَّمَ رِبَا الْفَضْلِ كَمَا مَرَّ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ إِلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ الطَّالِبُ وَيُعَجِّلُهُ الْمَطْلُوبُ، وَذَلِكَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُؤَخِّرُ دَيْنَهُ بَعْدَ مَحِلِّهِ) أَيْ حُلُولِهِ (عَنْ غَرِيمِهِ وَيَزِيدُهُ الْغَرِيمُ) الْمَدِينُ (فِي حَقِّهِ، فَهَذَا الرِّبَا بِعَيْنِهِ لَا شَكَّ فِيهِ) لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ رِبَا النَّسَاءِ وَالتَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَمَا مَرَّ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّتْ قَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ: بِعْنِي سِلْعَةً يَكُونُ ثَمَنُهَا مِائَةَ دِينَارٍ نَقْدًا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إِلَى أَجَلٍ، هَذَا بَيْعٌ لَا يَصْلُحُ) أَيْ فَاسِدٌ (وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ،

ص: 483

وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ بِعَيْنِهِ وَيُؤَخِّرُ عَنْهُ الْمِائَةَ الْأُولَى إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي ذَكَرَهُ آخِرَ مَرَّةٍ وَيَزْدَادُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ دِينَارًا فِي) أَيْ بِسَبَبِ (تَأْخِيرِهِ عَنْهُ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ) أَيْ حَرَامٌ (لَا يَصْلُحُ) لِفَسَادِهِ (وَهُوَ أَيْضًا يُشْبِهُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي بَيْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا حَلَّتْ دُيُونُهُمْ قَالُوا لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ: إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ، فَإِنْ قَضَى أَخَذُوا، وَإِلَّا زَادُوهُمْ فِي حُقُوقِهِمْ وَزَادُوهُمْ فِي الْأَجَلِ) وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بَيْعٌ وَسَلَفٌ؛ لِأَنَّهُ ابْتَاعَ السِّلْعَةَ بِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ وَخَمْسِينَ مُؤَجَّلَةٍ لِيُؤَخِّرَهُ الَّتِي حَلَّتْ، وَوُجُوهٌ مِنَ الْفَسَادِ كَثِيرَةٌ، فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ فَإِنْ فَاتَ فَالْقِيمَةُ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ مَنْ قَالَ بِقَطْعِ الذَّرَائِعِ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا، وَمَنْ قَالَ: لَا يَلْزَمُ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلِهِمَا وَلَمْ يَظُنَّ بِهَا السُّوءَ أَجَازَهُ.

ص: 484

[بَاب جَامِعِ الدَّيْنِ وَالْحِوَلِ]

حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

40 -

بَابُ جَامِعِ الدَّيْنِ وَالْحِوَلِ

بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ أَيِ التَّحَوُّلِ لِلدَّيْنِ الْمَدِينِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 108](سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ 108) أَيْ تَحَوُّلًا، يُقَالُ: حَالَ مِنْ مَكَانِهِ حِوَلًا، وَعَادَ فِي حُبِّهَا عِوَدًا.

- 1379 1361 (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ» ) الْقَادِرِ عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ وَلَوْ فَقِيرًا.

قَالَ عِيَاضٌ: الْمَطْلُ مَنْعُ قَضَاءِ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ، زَادَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَلِكَ وَطَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ مُضَافًا إِلَى الْمَفْعُولِ، وَإِنَّ الْغَنِيَّ هُوَ الْمَمْطُولُ.

عِيَاضٌ: وَهُوَ بَعِيدٌ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَعَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرُ أَنْ يُمْطِلَ بِضَمِّ الْيَاءِ، فَالْمَصْدَرُ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَفِي صِحَّةِ بِنَائِهِ

ص: 484

كَذَلِكَ خِلَافٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ انْتَهَى.

وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ وَفَاءُ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا وَلَا يَكُونُ غِنَاهُ سَبَبًا لِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ فَالْفَقِيرُ أَوْلَى، وَأَصْلُ الْمَطْلِ الْمَدُّ تَقُولُ: مَطَلْتُ الْحَدِيدَةَ أَمْطُلُهَا مَطْلًا إِذَا مَدَدْتَهَا لِتَطُولَ، قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْمَطْلُ الْمُدَافَعَةُ.

(ظُلْمٌ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ، وَالْمَاطِلُ وَضَعَ الْمَنْعَ مَوْضِعَ الْقَضَاءِ اهـ.

وَخَرَجَ بِالْغَنِيِّ الْمُعْسِرُ فَلَيْسَ بِظُلْمٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ مَا يَجِبُ مِنْ إِنْظَارِهِ، قَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ: تُرَدُّ شَهَادَةُ الْمَاطِلِ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا تُرَدُّ.

وَفِي الْإِكْمَالِ: اخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ جُرْحَةٌ أَوْ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ عَادَةً.

وَفِي الْفَتْحِ: لَفْظُ (مَطْلُ) يُشْعِرُ بِتَقَدُّمِ الطَّلَبِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْغَنِيَّ لَوْ أَخَّرَ الدَّفْعَ مَعَ عَدَمِ طَلَبِ صَاحِبِهِ الْحَقَّ لَهُ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَضِيَّةَ كَوْنِهِ ظُلْمًا أَنَّهُ كَبِيرَةٌ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ: مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا اعْتِبَارُ تَكْرَارِهِ، وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْحَقِّ بَعْدَ طَلَبِهِ وَانْتِفَاءَ الْعُذْرِ عَنْ أَدَائِهِ كَالْغَصْبِ، وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْرَارُ، وَفِيهِ الزَّجْرُ عَنِ الْمَطْلِ.

(وَإِذَا أُتْبِعَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ رِوَايَةً وَلُغَةً، قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَعِيَاضٌ، وَقَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ عِنْدَ الْجَمِيعِ مَرْدُودٌ بِقَوْلِ الْخَطَّابِيِّ: أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَهُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ، وَالصَّوَابُ التَّخْفِيفُ، وَقَالَ عِيَاضٌ: شَدَّدَهَا بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْوَجْهُ إِسْكَانُهَا يُقَالُ: تَبِعْتُ فُلَانًا بِحَقِّي أَتْبَعُهُ تَبَاعَةً بِالْفَتْحِ إِذَا طَلَبْتَهُ، وَأَنَا لَهُ تَبِيعٌ بِالتَّخْفِيفِ، وَالْمَعْنَى إِذَا أُحِيلَ (أَحَدُكُمْ) فَضَمِنَ مَعْنَى أُحِيلَ فَعُدِّيَ بِعَلَى فِي قَوْلِهِ (عَلَى مَلِيءٍ) بِالْهَمْزِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِمْلَاءِ، يُقَالُ مَلُؤَ الرَّجُلُ بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ: صَارَ مَلِيئًا، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مَلِيٌّ كَغَنِيٍّ لَفْظًا وَمَعْنًى، قَالَ الْحَافِظُ: فَاقْتَضَى أَنَّهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ إِنَّهُ فِي الْأَصْلِ بِالْهَمْزِ وَمَنْ رَوَاهُ بِتَرْكِهَا فَقَدْ سَهَّلَهُ، انْتَهَى.

وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْوَجْهَيْنِ.

(فَلْيَتْبَعْ) بِإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ رِوَايَةً وَلُغَةً، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِشَدِّهَا، وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ:«إِذَا أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ، وَأَشَارَ إِلَى تَفَرُّدِ يَعْلَى بِذَلِكَ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ كَمَا تَرَى، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا بِالْمَعْنَى، فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِلَفْظِ الْجَادَّةِ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ:«إِذَا أُحِلْتَ عَلَى مَلِيءٍ فَاتَّبِعْهُ» ، وَهَذِهِ بِشَدِّ التَّاءِ خِلَافٌ، وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَوَهِمَ مَنْ نَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَقِيلَ أَمْرُ إِبَاحَةٍ وَإِرْشَادٍ وَهُوَ شَاذٌّ، وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.

وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الصَّارِفَ لَهُ عَنْهُ إِلَى النَّدْبِ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْمُحِيلِ بِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ مِنْ تَحْوِيلِ الْحَقِّ عَنْهُ، وَتَرْكُ تَكْلِيفِهِ التَّحْصِيلَ وَالْإِحْسَانَ مُسْتَحَبٌّ، وَبِأَنَّ الصَّارِفَ كَوْنُهُ أَمْرًا بَعْدَ نَهْيٍ، وَهُوَ

ص: 485

بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَيَكُونُ لِلْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ عَلَى الْمُرَجَّحِ فِي الْأُصُولِ، وَإِذَا أُتْبِعَ بِالْوَاوِ لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فَلَا تَعَلُّقَ لِلْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ بِالْأُولَى، وَلِلتِّنِّيسِيِّ وَغَيْرِهِ: فَإِذَا أُتْبِعَ بِالْفَاءِ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِ مَطْلِ الْغَنِيِّ ظُلْمًا.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ ظُلْمٌ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْأَمْرِ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرِ الْمَطْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلِيءَ لَا يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ إِذَا امْتَنَعَ، بَلْ يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ قَهْرًا عَلَيْهِ وَيُوَفِّيهِ، فَفِي قَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةٍ فِي الْحَقِّ، قَالَ: وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ، وَعَلَى الثَّانِي تَكُونُ الْعِلَّةُ عَدَمُ وَفَاءِ الْحَقِّ لَا الظُّلْمُ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: قَدْ يُدَّعَى أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بَقَاءَ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حَذْفٍ بِهِ يَحْصُلُ الِارْتِبَاطُ فَيُقَدَّرُ فِي الْأَوَّلِ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَالْمُسْلِمُ فِي الظَّاهِرِ يَجْتَنِبُهُ فَمَنْ أُتْبِعَ. . . . . إِلَخْ.

وَفِي الثَّانِي: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَالظُّلْمُ تُزِيلُهُ الْحُكَّامُ وَلَا تُقِرُّهُ، فَمَنْ أُتْبِعَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ وَلَا يَخْشَى مِنَ الْمَطْلِ انْتَهَى.

وَالظُّلْمُ حَرَامٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، وَأَعْظَمُهُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13](سُورَةُ لُقْمَانَ: الْآيَةَ 13) .

كُنْ كَيْفَ شِئْتَ فَإِنَّ اللَّهَ ذُو كَرَمٍ لَا تَجْزَعَنَّ فَمَا فِي ذَاكَ مِنْ بَاسِ

إِلَّا اثْنَتَانِ فَلَا تَقْرَبْهُمَا أَبَدًا الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالْإِضْرَارُ لِلنَّاسِ

وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: 111](سُورَةُ طه: الْآيَةُ 111) أَيْ خَابَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِحَسَبَ مَا ارْتَكَبَ مِنَ الظُّلْمِ.

وَقَالَ: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: 19](سُورَةُ الْفُرْقَانِ: الْآيَةَ 19) وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَيْكُمْ فَلَا تَظَالَمُوا» .

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» ، أَيْ مَطْلُ الْغَنِيِّ يُبِيحُ التَّظَلُّمَ مِنْهُ بِأَنْ يُقَالَ: ظَلَمَنِي وَمَطَلَنِي وَعُقُوبَتُهُ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ وَنَحْوِهِمَا إِذَا لَدَّ.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ بَقِيَّةُ السِّتَّةِ.

ص: 486

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ إِنِّي رَجُلٌ أَبِيعُ بِالدَّيْنِ فَقَالَ سَعِيدٌ لَا تَبِعْ إِلَّا مَا آوَيْتَ إِلَى رَحْلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ تِلْكَ السِّلْعَةَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِمَّا لِسُوقٍ يَرْجُو نَفَاقَهَا فِيهِ وَإِمَّا لِحَاجَةٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُخْلِفُهُ الْبَائِعُ عَنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ فَيُرِيدُ الْمُشْتَرِي رَدَّ تِلْكَ السِّلْعَةِ عَلَى الْبَائِعِ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُ وَإِنَّ الْبَائِعَ لَوْ جَاءَ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ لَمْ يُكْرَهْ الْمُشْتَرِي عَلَى أَخْذِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيَكْتَالُهُ ثُمَّ يَأْتِيهِ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ فَيُخْبِرُ الَّذِي يَأْتِيهِ أَنَّهُ قَدْ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ وَاسْتَوْفَاهُ فَيُرِيدُ الْمُبْتَاعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَأْخُذَهُ بِكَيْلِهِ إِنَّ مَا بِيعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ بِنَقْدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَا بِيعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إِلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ حَتَّى يَكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا كُرِهَ الَّذِي إِلَى أَجَلٍ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى الرِّبَا وَتَخَوُّفٌ أَنْ يُدَارَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ فَإِنْ كَانَ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَى دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ وَلَا حَاضِرٍ إِلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَا عَلَى مَيِّتٍ وَإِنْ عَلِمَ الَّذِي تَرَكَ الْمَيِّتُ وَذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاءَ ذَلِكَ غَرَرٌ لَا يُدْرَى أَيَتِمُّ أَمْ لَا يَتِمُّ قَالَ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى دَيْنًا عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ أَنَّهُ لَا يُدْرَى مَا يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ بِهِ فَإِنْ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ ذَهَبَ الثَّمَنُ الَّذِي أَعْطَى الْمُبْتَاعُ بَاطِلًا قَالَ مَالِكٌ وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا عَيْبٌ آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ ذَهَبَ ثَمَنُهُ بَاطِلًا فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فُرِقَ بَيْنَ أَنْ لَا يَبِيعَ الرَّجُلُ إِلَّا مَا عِنْدَهُ وَأَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْعِينَةِ إِنَّمَا يَحْمِلُ ذَهَبَهُ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَبْتَاعَ بِهَا فَيَقُولُ هَذِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَمَا تُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ لَكَ بِهَا فَكَأَنَّهُ يَبِيعُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ نَقْدًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ فَلِهَذَا كُرِهَ هَذَا وَإِنَّمَا تِلْكَ الدُّخْلَةُ وَالدُّلْسَةُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1380 -

1362 - (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أَبِيعُ بِالدَّيْنِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: لَا تَبِعْ إِلَّا مَا آوَيْتَ إِلَى رَحْلِكَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ يُدَايِنُ النَّاسَ خَافَ عَلَيْهِ الْعِينَةَ لِذَرِيعَةٍ، أَنْ يَبِيعَ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ أَوْ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ مُوَافَقَةِ الْمُبْتَاعِ مِنْهُ عَلَى بَيْعِهِ بِثَمَنٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا يُوَلَّى قَبْضَهُ هَذَا الْمُبْتَاعُ الْأَخِيرُ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ ثَمَنَهُ

ص: 486

الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ فِي ثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ بِهِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنَ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ تِلْكَ السِّلْعَةَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِمَّا لِسُوقٍ يَرْجُو نَفَاقَهُ) بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ رَوَاجَهُ لِيَرْبَحَ فِي السِّلْعَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ نَفَاقَهَا، أَيِ السِّلْعَةِ بِهِ (وَإِمَّا لِحَاجَةٍ) لَهُ بِالسِّلْعَةِ (فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي اشْتَرَطَ عَلَيْهِ) أَنْ يُوَفِّيَهَا إِيَّاهُ فِيهِ (ثُمَّ يُخْلِفُهُ الْبَائِعُ عَنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ فَيُرِيدُ الْمُشْتَرِي رَدَّ تِلْكَ السِّلْعَةِ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي، وَأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ (وَأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ جَاءَ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ لَمْ يُكْرَهِ) أَيْ يُجْبَرِ (الْمُشْتَرِي عَلَى أَخْذِهَا) لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي التَّأْخِيرِ الَّذِي وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيَكْتَالُهُ ثُمَّ يَأْتِيهِ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ فَيُخْبِرُ) أَيْ يُعْلِمُ (الَّذِي يَأْتِيهِ أَنَّهُ قَدِ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ وَاسْتَوْفَاهُ) قَبْضَهُ (فَيُرِيدُ الْمُبْتَاعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَأْخُذَهُ بِكَيْلِهِ أَنَّهُ مَا بِيعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ بِنَقْدٍ) أَيْ مُعَجَّلًا (فَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ، وَمِثْلُ الْكَيْلِ الْوَزْنُ.

(وَمَا بِيعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إِلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ حَتَّى يَكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ لِنَفْسِهِ) وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ» ".

(وَإِنَّمَا كُرِهَ الَّذِي إِلَى أَجَلٍ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ: وَسِيلَةٌ (إِلَى الرِّبَا) يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ إِلَّا مِنْ أَجْلِ الْأَجَلِ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَ لِلْأَجْلِ ثَمَنًا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

(وَتَخَوُّفٌ) بِفَوْقِيَّةِ وَالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى ذَرِيعَةٍ (أَنْ يُدَارَ) مِنَ الْإِدَارَةِ (ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ) فَيُؤَدِّي إِلَى تَعْدَادِ الْبَيْعِ لِلطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ (فَإِنْ كَانَ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ) أَيْ مَمْنُوعٌ (وَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا)

ص: 487

بِالْمَدِينَةِ (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَى دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ) إِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ غَرَرٌ كَشِرَاءِ الْآبِقِ، وَلَعَلَّهُ يُنْكِرُ فَيَبْطُلُ، وَإِنْ نَقَدَ كَانَ أَشَدَّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَارَةً بَيْعًا وَتَارَةً سَلَفًا، قَالَهُ الْبَاجِيُّ:(وَلَا حَاضِرَ إِلَّا بِإِقْرَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَلَا عَلَى مَيِّتٍ وَإِنْ عَلِمَ الَّذِي تَرَكَ الْمَيِّتُ، وَذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاءَ ذَلِكَ غَرَرٌ) لِأَنَّهُ (لَا يَدْرِي أَيَتِمُّ أَمْ لَا يَتِمُّ، وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُ وَإِيضَاحُ وَجْهِ الْكَرَاهَةِ بِمَعْنَى الْمَنْعِ (أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى دَيْنًا عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ أَنَّهُ لَا يَدْرَى مَا يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنَ الدَّيْنِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمُ بِهِ، فَإِنْ لَحِقَ الْمَيِّتَ) أَيْ كَانَ عَلَيْهِ (دَيْنٌ ذَهَبَ الثَّمَنُ الَّذِي أَعْطَى الْمُبْتَاعُ بَاطِلًا) وَقَدْ نُهِيَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ (وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا عَيْبٌ آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ ذَهَبَ ثَمَنُهُ بَاطِلًا، فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ) فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ (وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ لَا يَبِيعَ الرَّجُلُ إِلَّا مَا عِنْدَهُ) وَيُمْنَعُ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ (وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّفَ) أَيْ يُسَلِّمَ (الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ لَيْسَ عِنْدَهُ) فَيَجُوزَ (أَصْلُهُ) أَيْ بِنَاؤُهُ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ (أَنَّ صَاحِبَ الْعِينَةِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالنُّونِ (إِنَّمَا يَحْمِلُ ذَهَبَهُ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَبْتَاعَ بِهَا فَيَقُولُ هَذِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَمَا تُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ لَكَ بِهَا؟ فَكَأَنَّهُ يَبِيعُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ نَقْدًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ، فَلِهَذَا كُرِهَ هَذَا) سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ (وَإِنَّمَا تِلْكَ الدُّخِلَةُ) مُثَلَّثَ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونَ الْمُعْجَمَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، أَيِ النِّيَّةُ إِلَى التَّوَصُّلِ إِلَى الرِّبَا (وَالدُّلْسَةُ) بِضَمِّ الدَّالِ التَّدْلِيسُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: رَوَى جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَبِيعُهُ

ص: 488

مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ مِنَ السُّوقِ فَقَالَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» " وَهَذَا أَحْسَنُ أَسَانِيدِ هَذَا الْحَدِيثِ.

وَأَمَّا السَّلَمُ فَلَهُ حُكْمُهُ وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُؤَجَّلًا، وَإِذَا جَوَّزْنَا السَّلَمَ الْحَالَّ حُمِلَ الْحَدِيثُ أَنَّ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ هُوَ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَيَضْمَنَ خُرُوجَهُ مِنْ مِلْكِ رَبِّهِ.

ص: 489

[بَاب مَا جَاءَ فِي الشِّرْكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ]

قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْبَزَّ الْمُصَنَّفَ وَيَسْتَثْنِي ثِيَابًا بِرُقُومِهَا إِنَّهُ إِنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ الرَّقْمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُ حِينَ اسْتَثْنَى فَإِنِّي أَرَاهُ شَرِيكًا فِي عَدَدِ الْبَزِّ الَّذِي اشْتُرِيَ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ يَكُونُ رَقْمُهُمَا سَوَاءً وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ مِنْهُ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ قَبَضَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِالنَّقْدِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ وَلَا وَضِيعَةٌ وَلَا تَأْخِيرٌ لِلثَّمَنِ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ رِبْحٌ أَوْ وَضِيعَةٌ أَوْ تَأْخِيرٌ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ بَيْعًا يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ وَلَيْسَ بِشِرْكٍ وَلَا تَوْلِيَةٍ وَلَا إِقَالَةٍ قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بَزًّا أَوْ رَقِيقًا فَبَتَّ بِهِ ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُشَرِّكَهُ فَفَعَلَ وَنَقَدَا الثَّمَنَ صَاحِبَ السِّلْعَةِ جَمِيعًا ثُمَّ أَدْرَكَ السِّلْعَةَ شَيْءٌ يَنْتَزِعُهَا مِنْ أَيْدِيهِمَا فَإِنَّ الْمُشَرَّكَ يَأْخُذُ مِنْ الَّذِي أَشْرَكَهُ الثَّمَنَ وَيَطْلُبُ الَّذِي أَشْرَكَ بَيِّعَهُ الَّذِي بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشَرِّكُ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ وَعِنْدَ مُبَايَعَةِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ ذَلِكَ أَنَّ عُهْدَتَكَ عَلَى الَّذِي ابْتَعْتُ مِنْهُ وَإِنْ تَفَاوَتَ ذَلِكَ وَفَاتَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ فَشَرْطُ الْآخَرِ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَانْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ حِينَ قَالَ انْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ سَلَفٌ يُسْلِفُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لَهُ وَلَوْ أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ هَلَكَتْ أَوْ فَاتَتْ أَخَذَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ شَرِيكِهِ مَا نَقَدَ عَنْهُ فَهَذَا مِنْ السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ مَنْفَعَةً قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ سِلْعَةً فَوَجَبَتْ لَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَشْرِكْنِي بِنِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ جَمِيعًا كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ جَدِيدٌ بَاعَهُ نِصْفَ السِّلْعَةِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

41 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الشِّرْكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ

قَالَ الْمَجْدُ: الشِّرْكُ وَالشِّرْكَةُ بِكَسْرِهِمَا وَضَمِّ الثَّانِي بِمَعْنًى، وَقَدِ اشْتَرَكَا وَتَشَارَكَا وَشَارَكَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَالشِّرْكُ بِالْكَسْرِ وَكَأَمِيرٍ: الْمُشَارِكُ، وَالْجَمْعُ أَشَرَاكٌ وَشُرَكَاءُ، وَهِيَ شَرِيكَةٌ جَمْعُهَا شَرَائِكُ، وَشَرِكَهُ فِي الْبَيْعِ وَالْمِيرَاثِ كَعَلِمَهُ شَرِكَةً بِالْكَسْرِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْبَزَّ الْمُصَنَّفَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ: الْمَجْمُوعُ مِنْ أَصْنَافٍ (وَيَسْتَثْنِي ثِيَابًا بِرُقُومِهَا) جَمْعُ رَقْمٍ (أَنَّهُ إِنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ الرَّقْمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَكْثَرَ (وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُ حِينَ اسْتَثْنَى فَإِنِّي أَرَاهُ) أَعْتَقِدُهُ (شَرِيكًا فِي عَدَدِ الْبَزِّ الَّذِي اشْتُرِيَ مِنْهُ) فَإِنْ كَانَ ثَلَاثِينَ ثَوْبًا وَاسْتَثْنَى مِنْهَا عَشَرَةً كَانَ لَهُ ثُلُثُهَا وَلِلْمُبْتَاعِ الثُّلُثَانِ (وَذَلِكَ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ يَكُونُ رَقْمُهُمَا سَوَاءً وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ) فَلِذَا جُعِلَ شَرِيكًا (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرْكِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْمَصْدَرِ وَإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِهِ، أَيِ التَّشْرِيكِ لِغَيْرِهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ (وَالتَّوْلِيَةِ) لِغَيْرِهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ (وَالْإِقَالَةِ مِنْهُ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ قَبَضَ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَقْبِضْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِالنَّقْدِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ) أَيْ زِيَادَةٌ (وَلَا وَضِيعَةٌ) أَيْ نَقْصٌ (وَلَا تَأْخِيرٌ لِلثَّمَنِ) لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ عُقُودِ الْمُكَارَمَةِ، فَاسْتُثْنِيَتْ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا اسْتُثْنِيَ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَلِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ بِاسْتِثْنَائِهَا كَمَا مَرَّ.

(فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ رِبْحٌ أَوْ وَضِيعَةٌ أَوْ تَأْخِيرٌ مِنْ

ص: 489

وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ بَيْعًا يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ، وَلَيْسَ بِشِرْكٍ وَلَا تَوْلِيَةٍ وَلَا إِقَالَةٍ) حِينَ دَخَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَتَسَاوَى الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي.

(وَمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً) بَزًّا (أَوْ رَقِيقًا فَبَتَّ بِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ: فَبَتَّ شِرَاءَهُ، وَأُخْرَى بِيعَهُ مِنْ إِطْلَاقِ الْبَيْعِ عَلَى الشِّرَاءِ (ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُشَرِّكَهُ فَفَعَلَ وَنَقَدَا) بِالتَّثْنِيَةِ أَيِ الْمُشْتَرِي وَمَنْ شَرَّكَهُ (الثَّمَنَ صَاحِبَ السِّلْعَةِ جَمِيعًا) تَأْكِيدٌ لِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ (ثُمَّ أَدْرَكَ السِّلْعَةَ شَيْءٌ يَنْتَزِعُهَا مِنْ أَيْدِيهِمَا) بِأَنِ اسْتُحِقَّتْ (فَإِنَّ الْمُشَرَّكَ) بِلَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ (يَأْخُذُ مِنَ الَّذِي أَشْرَكَهُ الثَّمَنَ) لِأَنَّ عُهْدَةَ الشَّرِيكِ عَلَى مَنْ شَرَّكَهُ (وَيَطْلُبُ الَّذِي أَشْرَكَ بَيِّعَهُ) بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ الثَّقِيلَةِ بِمَعْنَى بَائِعِهِ (الَّذِي بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ) لِأَنَّ عُهْدَتَهُ عَلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشَرِّكُ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ وَعِنْدَ مُبَايَعَةِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ ذَلِكَ أَنَّ عُهْدَتَكَ عَلَى الَّذِي ابْتَعْتُ) بِضَمِّ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ (مِنْهُ) فَلَا عُهْدَةَ عَلَى الْمُشَرِّكِ بِالْكَسْرِ عَمَلًا بِشَرْطِهِ.

(وَإِنْ تَفَاوَتَ ذَلِكَ وَفَاتَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ فَشَرْطُ الْآخَرِ) الَّذِي أَشْرَكَ غَيْرَهُ (بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ) وَوَافَقَ الْإِمَامُ عَلَى هَذَا أَصْبَغَ، وَقَالَ عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْعُهْدَةُ فِي الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ إِذَا كَانَتْ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ أَنَّهَا أَبَدًا عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ذَلِكَ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَانْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ، إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ حِينَ قَالَ انْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ، إِنَّمَا ذَلِكَ سَلَفٌ يُسْلِفُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لَهُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: فَإِنْ وَقَعَ هَذَا فَالسِّلْعَةُ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيْعُ حَظِّ الْمُسْلِفِ مِنَ السِّلْعَةِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِئْجَارًا صَحِيحًا

ص: 490

مُسْتَأْنَفًا، وَعَلَيْهِ مَا أَسْلَفَهُ نَقْدًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَاعَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي بَيْعِ نَصِيبِ الْمُسْلِفِ، وَلَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ النَّقْدِ لَأَمْسَكَ الْمُسْلِفُ فَلَمْ يَنْقُدْ عَنْهُ، وَهُمَا فِيهَا شَرِيكَانِ يَبِيعُ كُلٌّ نَصِيبَهُ أَوْ يَسْتَأْجِرُ عَلَى بَيْعِهِ.

(وَلَوْ أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ هَلَكَتْ أَوْ فَاتَتْ أَخَذَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ شَرِيكِهِ مَا نَقَدَ عَنْهُ فَهَذَا مِنَ السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ مَنْفَعَةً) فَلِذَا مُنِعَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ أَسْلَفَ رَجُلًا سَلَفًا لِيُشَارِكَهُ، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ وَالْمَعْرُوفِ، فَكَرِهَهُ مَرَّةً وَأَجَازَهُ مَرَّةً، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ كَانَ لِنَفَادِ بَصِيرَتِهِ بِالتِّجَارَةِ امْتَنَعَ، لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا.

(وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ فَوَجَبَتْ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ أَشْرِكْنِي بِنِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ جَمِيعًا كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ) لَا شِدَّةَ وَلَا حَرَجَ لِحِلِّهِ (وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُهُ (أَنَّ هَذَا بَيْعٌ جَدِيدٌ بَاعَهُ نِصْفَ السِّلْعَةِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ) وَاجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اللُّزُومِ فَلَا يَتَنَافَيَانِ، وَمَمْنُوعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عِنْدَهُمْ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ مَبْلَغُهُ مِنْ مَبْلَغِ ثَمَنِ الْإِجَارَةِ حِينَ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ مَنَافِعَ فَصَارَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.

ص: 491

[بَاب مَا جَاءَ فِي إِفْلَاسِ الْغَرِيمِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

42 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي إِفْلَاسِ الْغَرِيمِ

يُقَالُ: أَفْلَسَ الرَّجُلُ كَأَنَّهُ صَارَ إِلَى حَالٍ لَيْسَ لَهُ فُلُوسٌ كَمَا يُقَالُ لَهُ أَقْهَرَ إِذَا صَارَ إِلَى حَالٍ يُقْهَرُ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: صَارَ ذَا فُلُوسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، فَهُوَ مُفْلِسٌ وَالْجَمْعُ مَفَالِيسُ، وَحَقِيقَتُهُ الِانْتِقَالُ مِنْ حَالَةِ الْيُسْرِ إِلَى حَالَةِ الْعُسْرِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ.

وَفِي الْمُفْهِمِ: الْمُفْلِسُ لُغَةً: مَنْ لَا عَيْنَ لَهُ وَلَا عَرَضَ، وَشَرْعًا: مَنْ قَصَّرَ مَا بِيَدِهِ عَمَّا عَلَيْهِ مِنَ الدُّيُونِ.

1382 -

1363 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

ص: 491

بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) الْمَخْزُومِيِّ الْفَقِيهِ التَّابِعِيِّ الْوَسَطِ، وَلِأَبِيهِ رُؤْيَةٌ فَهُوَ صَحَابِيٌّ مِنْ حَيْثُهَا، تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ، وَجَدُّهُ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، سَأَلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْوَحْيِ كَمَا مَرَّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا فِي جَمِيعِ الْمُوَطَّآتِ وَلِجَمِيعِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ مُرْسَلًا إِلَّا عَبْدَ الرَّزَّاقِ بِخُلْفٍ عَنْهُ فَوَصَلَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ فِي إِرْسَالِهِ وَوَصْلِهِ، وَرِوَايَةُ مَنْ وَصَلَهُ صَحِيحَةٌ، فَقَدْ رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَبَشِيرُ بْنُ نُهَيْكٍ، وَهُشَامُ بْنُ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا الثَّلَاثَةُ فِي الْفَلْسِ دُونَ ذِكْرِ حُكْمِ الْمَوْتِ، وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَرْوِيهِ غَيْرُهُ فِيمَا عَلِمْتُ اهـ مُلَخَّصًا.

(قَالَ: أَيُّمَا) مُرَكَّبَةٌ مِنْ أَيٍّ وَهِيَ اسْمٌ يَنُوبُ مَنَابَ حَرْفِ الشَّرْطِ، وَمِنْ مَا الْمُبْهَمَةِ الْمَزِيدَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: مِنَ الْمُقْحَمَاتِ الَّتِي يُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ تَفْصِيلٍ غَيْرِ حَاصِرٍ أَوْ عَنْ تَطْوِيلٍ غَيْرِ مُمِلٍّ (رَجُلٍ) بِجَرِّهِ بِإِضَافَةِ أَيٍّ إِلَيْهِ وَرَفْعِهِ بَدَلٌ مِنْ أَيٍّ، وَلَيْسَ الْمُبْدَلُ مِنْهُ عَلَى نِيَّةِ الطَّرْحِ، وَمَا زَائِدَةٌ وَذِكْرُهُ غَالِبِيٌّ وَالْمُرَادُ إِنْسَانٌ (بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ) اشْتَرَاهُ، وَقَوْلُهُ:(مِنْهُ) كَذَا لِيَحْيَى، وَسَقَطَ لِغَيْرِهِ (وَلَمْ يَقْبِضِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ) أَيْ مَتَاعَهُ (بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) مِنَ الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّ الْمُفْلِسَ يُمْكِنُ أَنْ تَطْرَأَ لَهُ ذِمَّةٌ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، وَلِذَا قَالَ:(وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِنَصِّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ، وَهُوَ قَاطِعٌ لِمَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَيْسَ أَحَقَّ بِهِ فِيهِمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ أَحَقُّ بِهِ فِيهِمَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ الزُّرَقِيِّ قَالَ: " أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فِي صَاحِبٍ لَنَا أَفْلَسَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ» " وَأُجِيبُ بِأَنَّ أَبَا الْمُعْتَمِرِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ بِحَمْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَقِبَ رِوَايَتِهِ: مَنْ يَأْخُذُ بِهَذَا أَبُو الْمُعْتَمِرِ مَنْ هُوَ؟ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ، وَفِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ مَجْهُولُ الْحَالِ، فَحَدِيثُ التَّفْرِيقِ أَرْجَحُ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَتَقْدِيمُهُ، وَلَوْ سُلِّمَ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْحُجِّيَّةِ فَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ بَيْعًا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ فِي الْوَدَائِعِ أَوْ غَصْبًا أَوْ تَعَدِّيًا، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ لَفْظُهُ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ ذَكَرَهُ لَأَمْكَنَ فِيهِ التَّأْوِيلُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَعَلَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ فَلَسُهُ قَامَ وَطَلَبَ فَلَسَهُ فَبَادَرَ الْمَوْتَ.

وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ ذِمَّةَ الْمُشْتَرِي عُيِّنَتْ فِي الْفَلَسِ فَصَارَ الْبَائِعُ بِمَنْزِلَةِ مَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهَا وَاسْتِرْجَاعُ شَيْئِهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ لِبَقَاءِ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَفِي الْمَوْتِ وَإِنْ عُيِّنَتِ الذِّمَّةُ أَيْضًا لَكِنَّهَا ذَهَبَتْ

ص: 492

رَأْسًا، فَلَوِ اخْتَصَّ الْبَائِعُ بِسِلْعَتِهِ عَظُمَ الضَّرَرُ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ لِخَرَابِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَذَهَابِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِرَبِّ السِّلْعَةِ اسْتِرْجَاعُهَا فِي الْفَلَسِ إِذَا لَمْ يُعْطِهِ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ، فَإِنْ أَعْطَوْهُ فَذَلِكَ لَهُمْ، لِأَنَّ اسْتِرْجَاعَهَا إِنَّمَا كَانَ لِعِلَّةٍ وَقَدْ زَالَتْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي اسْتِرْجَاعِهَا، وَلَوْ دَفَعَ لَهُ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ غَرِيمٌ فَلَا يَرْضَى مَا صَنَعَ هَؤُلَاءِ اهـ.

وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُفْلِسِ وَلَا وَرَثَتِهِ أَخْذُهَا، لِأَنَّ الْحَدِيثَ جَعَلَ صَاحِبَهَا أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ، فَالْغُرَمَاءُ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَحَاصَصَ بِثَمَنِهَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ الْحِجَازِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ، وَأَجْمَعَ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَتِهِ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ فُرُوعِهِ، وَدَفَعَهُ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ مِمَّا يُعَدُّ عَلَيْهِمْ مِنَ السُّنَنِ الَّتِي رَدُّوهَا بِغَيْرِ سُنَّةٍ صَارُوا إِلَيْهَا وَأَدْخَلُوا النَّظَرَ حَيْثُ لَا مَدْخَلَ لَهُ مَعَ صَحِيحِ الْأَثَرِ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ السِّلْعَةَ مَالُ الْمُشْتَرِي، وَثَمَنُهَا فِي ذِمَّتِهِ، فَغُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِهَا كَسَائِرِ مَالِهِ وَهَذَا مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ لَوْلَا أَنَّ صَاحِبَ الشَّرِيعَةِ جَعَلَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إِذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا أَخَذَهَا {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةَ 36){فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةَ 65) الْآيَةَ.

وَلَوْ جَازَ مِثْلُ رَدِّ هَذِهِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ بِإِمْكَانِ الْوَهْمِ وَالْغَلَطِ فِيهَا لَجَازَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ السُّنَنِ حَتَّى لَا تَبْقَى سُنَّةٌ إِلَّا قَلِيلٌ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ أَصْلٌ بِرَأْسِهَا، فَلَا سَبِيلَ أَنْ تُرَدَّ إِلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ لَا تَنْقَاسُ، وَإِنَّمَا تَنْقَاسُ الْفُرُوعُ رَدًّا عَلَى أُصُولِهَا، وَلَا أَعْلَمُ لِلْكُوفِيِّينَ سَلَفًا إِلَّا مَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ خِلَاسِ ابْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: هُوَ فِيهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ إِذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا.

وَأَحَادِيثُ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ ضَعِيفَةٌ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إِذَا انْفَرَدَ حُجَّةٌ.

وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ حُجَّةٌ عَلَى الْجُمْهُورِ؛ إِذِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِلسُّنَّةِ فَكَيْفَ يُقَلَّدُ وَيُتْبَعُ؟

ص: 493

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ الْبَائِعَ إِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَ بَعْضَهُ وَفَرَّقَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ لَا يَمْنَعُهُ مَا فَرَّقَ الْمُبْتَاعُ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَجَدَ بِعَيْنِهِ فَإِنْ اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِ الْمُبْتَاعِ شَيْئًا فَأَحَبَّ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَقْبِضَ مَا وَجَدَ مِنْ مَتَاعِهِ وَيَكُونَ فِيمَا لَمْ يَجِدْ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ غَزْلًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ بُقْعَةً مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَى عَمَلًا بَنَى الْبُقْعَةَ دَارًا أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ ثَوْبًا ثُمَّ أَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَ ذَلِكَ فَقَالَ رَبُّ الْبُقْعَةِ أَنَا آخُذُ الْبُقْعَةَ وَمَا فِيهَا مِنْ الْبُنْيَانِ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ وَلَكِنْ تُقَوَّمُ الْبُقْعَةُ وَمَا فِيهَا مِمَّا أَصْلَحَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُ الْبُقْعَةِ وَكَمْ ثَمَنُ الْبُنْيَانِ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ ثُمَّ يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَيَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْبُنْيَانِ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسَ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَتَكُونُ قِيمَةُ الْبُقْعَةِ خَمْسَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْبُنْيَانِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ الثُّلُثُ وَيَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ الثُّلُثَانِ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْغَزْلُ وَغَيْرُهُ مِمَّا أَشْبَهَهُ إِذَا دَخَلَهُ هَذَا وَلَحِقَ الْمُشْتَرِيَ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ عِنْدَهُ وَهَذَا الْعَمَلُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا مَا بِيعَ مِنْ السِّلَعِ الَّتِي لَمْ يُحْدِثْ فِيهَا الْمُبْتَاعُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ نَفَقَتْ وَارْتَفَعَ ثَمَنُهَا فَصَاحِبُهَا يَرْغَبُ فِيهَا وَالْغُرَمَاءُ يُرِيدُونَ إِمْسَاكَهَا فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا رَبَّ السِّلْعَةِ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ وَلَا يُنَقِّصُوهُ شَيْئًا وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِ سِلْعَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَدْ نَقَصَ ثَمَنُهَا فَالَّذِي بَاعَهَا بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ سِلْعَتَهُ وَلَا تِبَاعَةَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ غَرِيمًا مِنْ الْغُرَمَاءِ يُحَاصُّ بِحَقِّهِ وَلَا يَأْخُذُ سِلْعَتَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ دَابَّةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْجَارِيَةَ أَوْ الدَّابَّةَ وَوَلَدَهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَرْغَبَ الْغُرَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَيُعْطُونَهُ حَقَّهُ كَامِلًا وَيُمْسِكُونَ ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1383 -

1364 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ (عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) بْنِ مَرْوَانَ الْأُمَوِيِّ الْخَلِيفَةِ الْعَادِلِ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، وَفِي هَذَا السَّنَدِ أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ « (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

ص: 493

أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ) أَيْ وَجَدَ (الرَّجُلُ) الَّذِي بَاعَهُ وَأَقْرَضَهُ (مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ) » مِنْ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: إِنَّهُ كَالْغُرَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 280) فَاسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إِلَيْهَا بِالْآيَةِ، وَلَيْسَ لَهُ الطَّلَبُ قَبْلَهَا، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ مِلْكَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الدَّيْنُ، وَذَلِكَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ، وَحَمَلُوا حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى الْمَغْصُوبِ وَالْعَوَارِي وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَمَا أَشْبَهَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مَالُهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَلَيْسَ الْمَبِيعُ مَالَ الْبَائِعِ وَلَا مَتَاعًا لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْمُشْتَرِي، إِذْ هُوَ قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَعَنْ ضَمَانِهِ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ، وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ:" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "«مَنْ سُرِقَ لَهُ مَتَاعٌ أَوْ ضَاعَ لَهُ مَتَاعٌ فَوَجَدَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي سَنَدِهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ وَهُوَ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَإِنْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فَمَقْرُونٌ بِغَيْرِهِ، وَلَنَا أَنَّهُ وَقَعَ النَّصُّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ، فَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: "«إِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَفْلَسَ وَهِيَ عِنْدَهُ بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الْغُرَمَاءِ» " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِسَنَدِهِ: "«فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَعْدَمُ إِذَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ وَلَمْ يُعَرِّفْهُ إِنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ» " فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا أَحَقُّ بِهَا، سَوَاءٌ وَجَدَهَا عِنْدَ الْمُفْلِسِ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ شَرَطَا الْإِفْلَاسَ فِي الْحَدِيثِ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي الْبَيْعِ وَالسِّلْعَةِ تَمْنَعُ مِنْ حَمْلِ الْحُكْمِ فِيهَا عَلَى الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِي وَالْمَغْصُوبِ مَعَ تَعْلِيقِهِ إِيَّاهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِالْإِفْلَاسِ اهـ.

وَأَيْضًا فَصَاحِبُ الشَّرْعِ جَعَلَ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ الرُّجُوعَ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ وَالْمُودِعُ أَحَقُّ بِعَيْنِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى صِفَتِهِ أَوْ تَغَيَّرَ عَنْهَا، فَلَمْ يَجُزْ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَرْجِعُ بِعَيْنِهِ إِذَا كَانَ عَلَى صِفَتِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَإِذَا تَغَيَّرَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَأَيْضًا لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ إِلَّا إِذَا عُدِمَتِ السُّنَّةُ، فَإِنْ وُجِدَتْ فَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ نَحْوَهُ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ الْبَائِعَ إِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ) إِذَا وَجَدَهُ كُلَّهُ (وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَ بَعْضَهُ وَفَرَّقَهُ

ص: 494

فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْغُرَمَاءِ لَا يَمْنَعُهُ مَا فَرَّقَ الْمُبْتَاعُ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَجَدَ) بِنَصِيبِهِ مِنَ الثَّمَنِ (بِعَيْنِهِ) لِصِدْقِ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ، وَيُحَاصِصَ بِنَصِيبِ الْغَائِبِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ مَا وَجَدَ وَحَاصَّ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنَ الثَّمَنِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ مَا بَقِيَ مِنْ سِلْعَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذِ السِّلْعَةَ، فَكَذَا هُنَا.

قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا لَا يَلْزَمُنَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَبَضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ فَقَدْ سَلِمَ الْعَقْدُ بِأَخْذِ الْعِوَضِ، وَإِذَا قَبَضَ بَعْضَهُ فَقَدْ أَدْرَكَ بَقِيَّةَ الثَّمَنِ عَيْبُ الْفَلَسِ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ بِتَقَسُّطٍ عَلَى الْمَبِيعِ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِيهِ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا بَاعَ عَبْدًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ جُزْءٌ مِنْهُ لَحِقَهُ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ.

(فَإِنِ اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِ الْمُبْتَاعِ شَيْئًا) قَبْلَ الْفَلَسِ (فَأَحَبَّ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَقْبِضَ مَا وَجَدَ مِنْ مَتَاعِهِ وَيَكُونَ فِيمَا لَمْ يَجِدْ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فَذَلِكَ لَهُ) وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ لَا يَأْخُذُ مَا وَجَدَ وَيُحَاصَّ بِمَا بَقِيَ لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ أَيْضًا.

(وَمَنِ اشْتَرَى مِنَ السِّلَعِ غَزْلًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ بُقْعَةً) بِضَمِّ الْبَاءِ قِطْعَةً (مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَى عَمَلًا) كَمَا إِذَا (بَنَى الْبُقْعَةَ دَارًا أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ ثَوْبًا ثُمَّ أَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَ ذَلِكَ فَقَالَ رَبُّ الْبُقْعَةِ أَنَا آخُذُ الْبُقْعَةَ وَمَا فِيهَا مِنَ الْبُنْيَانِ: إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ (وَلَكِنْ تَقُومُ الْبُقْعَةُ وَمَا فِيهَا مِمَّا أَصْلَحَ الْمُشْتَرِي) فَيُقَالُ: مَا قِيمَةُ هَذِهِ الدَّارِ مَبْنِيَّةً (ثُمَّ يُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُ الْبُقْعَةِ) بِأَنْ يُقَالَ مَا قِيمَتُهَا بَرَاحًا (وَكَمْ ثَمَنُ الْبُنْيَانِ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ، ثُمَّ يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، وَيَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْبُنْيَانِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُهُ بِالْمِثَالِ (أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَتَكُونَ قِيمَةُ الْبُقْعَةِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقِيمَةُ الْبُنْيَانِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَيَكُونَ

ص: 495

لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ الثُّلُثُ، وَيَكُونَ لِلْغُرَمَاءِ الثُّلُثَانِ) وَالتَّقْوِيمُ يَوْمَ الْحُكْمِ (وَكَذَلِكَ الْغَزْلُ وَغَيْرُهُ مِمَّا أَشْبَهَهُ إِذَا دَخَلَهُ هَذَا وَلَحِقَ الْمُشْتَرِي دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ) عِنْدَهُ وَ (هَذَا الْعَمَلُ فِيهِ، فَأَمَّا مَا بِيعَ مِنَ السِّلَعِ الَّتِي لَمْ يُحْدِثُ فِيهَا الْمُبْتَاعُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ نَفَقَتْ) رَاجَتْ (وَارْتَفَعَ) زَادَ (ثَمَنُهَا فَصَاحِبُهَا يَرْغَبُ فِيهَا وَالْغُرَمَاءُ يُرِيدُونَ إِمْسَاكَهَا، فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا رَبَّ السِّلْعَةِ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ وَلَا يُنَقِّصُونَهُ شَيْئًا) وَتَكُونُ لَهُمُ الزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ فِيهَا (وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِ سِلْعَتَهُ) لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَاعَهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَلَمْ يَجُزْ تَنْقِيصُهُ عَنْهُ (وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَصَ ثَمَنُهَا فَالَّذِي بَاعَهَا بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ سِلْعَتَهُ وَلَا تِبَاعَةَ) بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ بِزِنَةِ (كِتَابَةَ) ، الشَّيْءُ الَّذِي لَكَ فِيهِ بَقِيَّةُ شِبْهِ ظَلَامَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمُرَادُ هُنَا لَا رُجُوعَ (لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ غَرِيمًا مِنَ الْغُرَمَاءِ يُحَاصُّ بِحَقِّهِ وَلَا يَأْخُذُ سِلْعَتَهُ فَذَلِكَ لَهُ) فَخِيَرَتُهُ تَنْفِي ضَرَرَهُ.

(وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنِ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ دَابَّةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْجَارِيَةَ أَوِ الدَّابَّةَ وَوَلَدَهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَرْغَبَ الْغُرَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَيُعْطُونَهُ) حَقَّهُ (كَامِلًا وَيُمْسِكُونَ ذَلِكَ) فَإِنْ فَاتَ الْوَلَدُ بِبَيْعٍ فَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَازِيَةِ: لَهُ أَخْذُ الْأُمِّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يُسَلِّمُهَا وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ، وَلَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى الْأُمِّ وَالْوَلَدِ، فَيَأْخُذُ الْأُمَّ بِحِصَّتِهَا، وَيُحَاصُّ بِمَا أَصَابَ الْوَلَدَ.

ص: 496

[بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَفِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَكْرًا فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِنْ الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَقُلْتُ لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إِلَّا جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطِهِ إِيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

43 -

بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ السَّلَفِ

- 1384 1365 (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَى عُمَرَ الْمَدَنِيِّ الْعَالِمِ الثِّقَةِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ) أَسْلَمَ أَوْ إِبْرَاهِيمَ أَوْ ثَابِتٍ أَوْ هُرْمُزٍ أَوْ سِنَانٍ أَوْ صَالِحٍ أَوْ يَسَارٍ أَوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ يَزِيدَ أَوْ قُزْمَانَ، أَقْوَالٌ عَشَرَةٌ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَشْهَرُ مَا قِيلَ فِي اسْمِهِ أَسْلَمُ الْقِبْطِيُّ (مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَسْلَمَ قَبْلَ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْهَا، وَشَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا، وَقِيلَ كَانَ مَوْلَى الْعَبَّاسِ فَوَهَبَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْتَقَهُ، وَرَوَى عَنْهُ أَحَادِيثَ وَمَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ عَلَى الصَّحِيحِ.

(أَنَّهُ قَالَ: اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) قَالَ الْأُبِّيُّ: السِّينُ فِي اسْتَسْلَفَ لِلطَّلَبِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّحْقِيقِ، وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ مَاضٍ (بَكْرًا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ، وَهُوَ الْفَتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ كَالْغُلَامِ مِنَ الذُّكُورِ، وَالْقَلُوصُ الْفِتْيَةُ مِنَ النُّوقِ كَالْجَارِيَةِ مِنَ الْإِنَاثِ، وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ الدَّيْنِ لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ كَانَ يَكْرَهُهُ صلى الله عليه وسلم، وَإِلَّا فَقَدْ خُيِّرَ فَاخْتَارَ التَّقْلِيلَ مِنَ الدُّنْيَا وَالْقَنَاعَةَ، قَالَهُ فِي الْإِكْمَالِ وَفِي الْمُفْهِمِ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ عَمَرَ ذِمَّتَهُ بِالدَّيْنِ وَقَدْ كَانَ يَكْرَهُهُ، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ:" «إِيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّهُ شَيْنٌ» " وَفِي آخَرَ: " «فَإِنَّهُ هَمٌّ بِاللَّيْلِ وَمَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ» " وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَتَعَوَّذُ مِنْهُ حَتَّى قِيلَ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا تَدَايَنَ لِضَرُورَةٍ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لَهَا.

فَإِنْ قِيلَ: لَا ضَرُورَةَ لِأَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ أَنْ تَكُونَ بَطْحَاءُ مَكَّةَ لَهُ ذَهَبًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ فَأَيْنَ الضَّرُورَةُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا خَيَّرَهُ اخْتَارَ الْإِقْلَالَ مِنَ الدُّنْيَا وَالْقَنَاعَةَ، وَمَا عَدَلَ عَنْهُ زُهْدًا فِيهِ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ فَالضَّرُورَةُ لَازِمَةٌ، وَأَيْضًا فَالدَّيْنُ إِنَّمَا هُوَ مَذْمُومٌ لِتِلْكَ اللَّوَازِمِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْهَا وَقَدْ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كُرِهَ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ النَّفْسِ لِلْمَذَلَّةِ.

وَأَمَّا السَّلَفُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُعْطِيهِ فَمُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْإِعَانَةِ عَلَى الْخَيْرِ.

وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «قَرْضٌ مَرَّتَيْنِ يَعْدِلُ صَدَقَةً مَرَّتَيْنِ» " وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " «دِرْهَمُ الصَّدَقَةِ بِعَشَرَةٍ، وَدِرْهَمُ الْقَرْضِ بِسَبْعِينَ» ".

(فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ) أَيِ الزَّكَاةِ ( «قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ» ) أَيْ بَكْرًا مِثْلَ بَكْرِهِ الَّذِي تَسَلَّفَهُ مِنْهُ، وَلَمْ يُسَمَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَعْرَابِيٌّ.

وَفِي أَوْسَطِ

ص: 497

الطَّبَرَانِيِّ عَنِ الْعِرْبَاضِ مَا يُفْهِمُ أَنَّهُ هُوَ، لَكِنْ فِي النَّسَائِيِّ وَالْحَاكِمِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُهُ، فَكَأَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِأَعْرَابِيٍّ وَوَقَعَ نَحْوُهَا لِلْعِرْبَاضِ.

( «فَقُلْتُ: لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إِلَّا جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًا» ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَالْأُنْثَى رَبَاعِيَةٌ وَهُوَ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ.

قَالَ الْهَرَوِيُّ: إِذَا أَلْقَى الْبَعِيرَ رَبَاعِيَتَهُ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ فَهُوَ رَبَاعِيٌ، وَرَبَاعِيَاتُ الْأَسْنَانِ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي تَلِي الثَّنَايَا مِنْ جَانِبِهَا.

( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْطِهِ» ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ الطَّاءِ ( «إِيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» ) لِلدَّيْنِ، قَالَ الْبَوْنِيُّ: أَظُنُّهُ أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ يُوَفِّقُ لِهَذَا خِيَارَ النَّاسِ اهـ.

قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: وَهُوَ الْكَرَمُ الْخَفِيُّ اللَّاحِقُ بِصَدَقَةِ السِّرِّ، فَإِنَّ الْمُعْطَى لَهُ لَا يَشْعُرُ بِأَنَّهُ صَدَقَةُ سِرٍّ فِي عَلَانِيَةٍ، وَيُورِثُ ذَلِكَ صُحْبَةً وَوِدَادًا فِي نَفْسِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَتَخْفَى نِعْمَتُكَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فِي حُسْنِ الْقَضَاءِ فَوَائِدُ جَمَّةٌ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَا يُشْكِلُ الْحَدِيثُ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ يَقْضِي مِنْهَا؟ إِمَّا لِأَنَّ هَذَا قَبْلَ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ كَمَا قِيلَ، وَإِمَّا لِأَنَّهَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ، ثُمَّ صَارَتْ لَهُ صلى الله عليه وسلم بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِمَّا لِأَنَّ اسْتِقْرَاضَهُ إِنَّمَا كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ وَكَانَ مِنَ الْغَارِمِينَ، فَيَكُونُ فَضْلُ الشَّيْءِ صَدَقَةً عَلَيْهِ، فَلَا يُقَالُ: كَيْفَ قَضَى مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ أَجْوَدَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْغَرِيمُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِنَاظِرِ الصَّدَقَاتِ تَبَرُّعُهُ مِنْهَا.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَقَاضَاهُ فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، ثُمَّ قَالَ: أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا نَجِدُ إِلَّا أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» " فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَحَفِظَ أَبُو رَافِعٍ أَنَّ أَصْلَهُ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَحَفِظَ أَبُو هُرَيْرَةَ الشِّرَاءَ، اهـ مُلَخَّصًا.

وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، وَفِيهِ جَوَازُ قَرْضِ الْحَيَوَانِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْكَافَّةِ فِيهِ، وَمَنَعَهُ الْكُوفِيُّونَ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ بِلَا دَلِيلٍ وَيَأْتِي لَهُ مَزِيدٌ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ زَيْدٍ بِمِثْلِهِ أَنَّهُ قَالَ:«فَإِنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» كَمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ أَيْضًا.

ص: 498

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ اسْتَسْلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَضَاهُ دَرَاهِمَ خَيْرًا مِنْهَا فَقَالَ الرَّجُلُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ دَرَاهِمِي الَّتِي أَسْلَفْتُكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ عَلِمْتُ وَلَكِنْ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُقْبِضَ مَنْ أُسْلِفَ شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ الْحَيَوَانِ مِمَّنْ أَسْلَفَهُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ مِنْهُمَا أَوْ عَادَةٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ أَوْ وَأْيٍ أَوْ عَادَةٍ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى جَمَلًا رَبَاعِيًا خِيَارًا مَكَانَ بَكْرٍ اسْتَسْلَفَهُ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اسْتَسْلَفَ دَرَاهِمَ فَقَضَى خَيْرًا مِنْهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى طِيبِ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْتَسْلِفِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ وَلَا وَأْيٍ وَلَا عَادَةٍ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1385 -

1366 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ (ابْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ) بْنِ جَبْرٍ الْمَكِّيِّ (أَنَّهُ قَالَ: اسْتَسْلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَضَى دَرَاهِمَ خَيْرًا مِنْهَا) أَفْضَلَ

ص: 498

صِفَةً (فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ ابْنِ عُمَرَ (هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ دَرَاهِمِي الَّتِي أَسْلَفْتُكَ) أَيْ: فَهَلْ عَلِمْتَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ لِي أَخْذُهُ؟ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: قَدْ عَلِمْتُ) أَنَّهَا خَيْرٌ (وَلَكِنَّ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ) فَيَحِلُّ لَكَ، وَهَذَا حُسْنُ قَضَاءٍ وَمَعْرُوفٌ.

(قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُقْبِضَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَقْبَضَ (مَنْ أُسْلِفَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (شَيْئًا مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ أَوِ الطَّعَامِ أَوِ الْحَيَوَانِ مِمَّنْ) أَيْ لِمَنْ (أَسْلَفَهُ ذَلِكَ أَفْضَلَ) مَفْعُولُ يُقْبِضَ (مِمَّا أَسْلَفَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ مِنْهُمَا) وَقْتَ التَّسَلُّفِ (أَوْ عَادَةٍ) جَارِيَةً بِذَلِكَ (فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ أَوْ وَأْيٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْهَمْزَةِ فَتَحْتِيَّةٍ أَيْ مُوَاعَدَةٍ (أَوْ عَادَةٍ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ) أَيْ حَرَامٌ (وَلَا خَيْرَ فِيهِ) لِمَنْعِهِ (وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى جَمَلًا رَبَاعِيًا خِيَارًا مَكَانَ بَكْرٍ اسْتَسْلَفَهُ) فَأَفَادَ جَوَازَ الْقَضَاءِ بِأَفْضَلِ صِفَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ كَانَتْ قِيمَةُ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً، إِذْ لَا شَكَّ أَنَّ قِيمَةَ الْجَمَلِ الْمَوْصُوفِ بِمَا ذُكِرَ أَزْيَدُ بِكَثِيرٍ مِنْ قِيمَةِ الْبَكْرِ (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اسْتَسْلَفَ دَرَاهِمَ فَقَضَى خَيْرًا مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى طِيبِ نَفْسٍ مِنَ الْمُتَسَلَّفِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ وَلَا وَأْيٍ وَلَا عَادَةٍ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ) مَا لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ نَقْصٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كَأَنْ يُسْلِفَهُ عَشَرَةً رِدِيَّةً فَيَقْضِيَهُ ثَمَانِيَةً جَيِّدَةً، أَوْ يَكُونَ لَهُ عَشَرَةٌ مَسْكُوكَةٌ رِدِيَّةٌ فَيَقْضِيَهُ عَشَرَةً جَيِّدَةً فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُبَايَعَةٌ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

ص: 499

[بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَفِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا طَعَامًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَكَرِهَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ فَأَيْنَ الْحَمْلُ يَعْنِي حُمْلَانَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

44 -

بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ السَّلَفِ

1388 -

1367 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا طَعَامًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَكَرِهَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ: فَأَيْنَ الْحَمْلُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (يَعْنِي حُمْلَانَهُ) يُرِيدُ أَنَّهُ ازْدَادَ عَلَيْهِ فِي الْقَرْضِ حَمْلَهُ، فَيُمْنَعُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَيُرْوَى: فَأَيْنَ الْحِمَالُ؟ يُرِيدُ الضَّمَانَ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

ص: 500

وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي أَسْلَفْتُ رَجُلًا سَلَفًا وَاشْتَرَطْتُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتُهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَذَلِكَ الرِّبَا قَالَ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ السَّلَفُ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ سَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَلَكَ وَجْهُ اللَّهِ وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِكَ فَلَكَ وَجْهُ صَاحِبِكَ وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ لِتَأْخُذَ خَبِيثًا بِطَيِّبٍ فَذَلِكَ الرِّبَا قَالَ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ أَرَى أَنْ تَشُقَّ الصَّحِيفَةَ فَإِنْ أَعْطَاكَ مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْتَهُ قَبِلْتَهُ وَإِنْ أَعْطَاكَ دُونَ الَّذِي أَسْلَفْتَهُ فَأَخَذْتَهُ أُجِرْتَ وَإِنْ أَعْطَاكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتَهُ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَكَ وَلَكَ أَجْرُ مَا أَنْظَرْتَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1388 -

1368 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي أَسْلَفْتُ رَجُلًا سَلَفًا وَاشْتَرَطْتُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَذَلِكَ الرِّبَا) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟) فِيمَا فَعَلْتُ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: السَّلَفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: سَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ) أَيِ الثَّوَابَ مِنَ اللَّهِ (فَلَكَ وَجْهُ اللَّهِ، وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِكَ) الْمُتَسَلَّفِ، أَيِ التَّحَبُّبَ إِلَيْهِ وَالْحُظْوَةَ (فَلَكَ وَجْهُ صَاحِبِكَ، وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ لِتَأْخُذَ خَبِيثًا بِطَيِّبٍ) أَيْ حَرَامًا بَدَلَ حَلَالٍ (فَذَلِكَ الرِّبَا) الْمُحَرَّمُ بِالْقُرْآنِ (قَالَ: فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَشُقَّ الصَّحِيفَةَ) الَّتِي كَتَبْتَ عَلَى الرَّجُلِ الْمُتَسَلَّفِ (فَإِنْ أَعْطَاكَ مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْتَهُ قَبِلْتَهُ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 279)

ص: 500

(وَإِنْ أَعْطَاكَ دُونَ الَّذِي أَسْلَفْتَهُ فَأَخَذْتَهُ أُجِرْتَ) لِأَنَّهُ حُسْنُ اقْتِضَا (وَإِنْ أَعْطَاكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتَهُ) فِي الصِّفَةِ (طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَكَ وَلَكَ أَجْرُ مَا أَنْظَرْتَهُ) أَخَّرْتَهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: مَنْ شَرَطَ زِيَادَةً فِي السَّلَفِ وَكَانَ مُؤَجِّلًا فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقَرْضَ جُمْلَةً وَيَتَعَجَّلَ قَبْضَ مَالِهِ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ الشَّرْطَ وَيُبْقِيَهُ عَلَى أَجَلِهِ دُونَ شَرْطٍ.

ص: 501

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ إِلَّا قَضَاءَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1388 -

1369 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ إِلَّا قَضَاءَهُ) أَيْ يُمْنَعُ أَنْ يَشْتَرِطَ غَيْرَهُ.

ص: 501

وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ أَفْضَلَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ قَبْضَةً مِنْ عَلَفٍ فَهُوَ رِبًا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ اسْتَسْلَفَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ وَتَحْلِيَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ الْوَلَائِدِ فَإِنَّهُ يُخَافُ فِي ذَلِكَ الذَّرِيعَةُ إِلَى إِحْلَالِ مَا لَا يَحِلُّ فَلَا يَصْلُحُ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَيُصِيبُهَا مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ يَرُدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا بِعَيْنِهَا فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَلَا يَحِلُّ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَلَا يُرَخِّصُونَ فِيهِ لِأَحَدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1388 -

1370 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ أَفْضَلَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ قَبْضَةً مِنْ عَلَفٍ) مَا يُعْلَفُ لِلْبَهَائِمِ (فَهُوَ رِبًا) وَالْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَطُ شَيْئًا قَلِيلًا جِدًّا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا رِبَا فِي الزِّيَادَةِ إِلَّا أَنْ تُشْتَرَطَ، وَالْوَأْيُ وَالْعَادَةُ مِنْ قَطْعِ الذَّرَائِعِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: " «دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ» " وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: اتْرُكُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ، فَالْوَأْيُ وَالْعَادَةُ هُنَا مِنَ الرِّيبَةِ.

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنِ اسْتَسْلَفَ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ وَتَحْلِيَةٍ) عَطْفٌ مُسَاوٍ (مَعْلُومَةٍ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْوَلَائِدِ) الْإِمَاءِ جَمْعِ وَلِيدَةٍ، وَهِيَ الْأَمَةُ (فَإِنَّهُ يُخَافُ فِي ذَلِكَ الذَّرِيعَةُ) الْوَسِيلَةُ (إِلَى إِحْلَالِ مَا لَا يَحِلُّ) مِنْ عَارِيَةِ الْفُرُوجِ (فَلَا يَصْلُحُ) سَلَفُ

ص: 501

الْإِمَاءِ.

(وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَيُصِيبُهَا مَا بَدَا لَهُ، ثُمَّ يَرُدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا بِعَيْنِهَا) لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يُنَافِي رَدَّ الْعَيْنِ، فَلِلْمُقْتَرِضِ رَدُّ عَيْنِ مَا اقْتَرَضَ (فَذَلِكَ لَا يَحِلُّ وَلَا يَصْلُحُ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَلَا يُرَخِّصُونَ فِيهِ لِأَحَدٍ) فَإِنْ أُمِنَ ذَلِكَ جَازَ، كَإِقْرَاضِهَا لِذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا، أَوْ لِامْرَأَةٍ أَوْ لِصَغِيرٍ اقْتَرَضَهَا لَهُ وَلَيُّهُ، أَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا تُشْتَهَى، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى عَكْسِ الْعِلَّةِ، وَمَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ انْعِكَاسُهَا إِذَا كَانَتْ بَسِيطَةً غَيْرَ مُرَكَّبَةٍ، وَانْعِكَاسُهَا هُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَائِهَا، فَإِنْ وَقَعَ قَرْضُ الْجَارِيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَإِنْ لَمْ يَطَأْ فُسِخَ وَرُدَّتْ إِلَى رَبِّهَا، وَإِنْ وُطِئَتْ فَقِيلَ: تَجِبُ الْقِيمَةُ، وَقِيلَ: الْمِثْلُ، قَالَهُ الْأُبِّيُّ، وَاقْتَصَرَ أَبُو عُمَرَ عَلَى مَالِكٍ عَنِ الْقِيمَةِ قَالَ: وَيُمْنَعُ قَرْضُ الْإِمَاءِ، قَالَ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ الْفُرُوجَ لَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ بِعِقْدٍ لَازِمٍ، وَالْقَرْضُ لَيْسَ بِعِقْدٍ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَرُدُّ مَتَى شَاءَ، فَأَشْبَهَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَاةَ بِالْخِيَارِ، وَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا بِإِجْمَاعٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ الْخِيَارِ، فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ فِيهَا، وَأَجَازَ دَاوُدُ وَالْمُزَنِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ اسْتِقْرَاضَ الْإِمَاءِ، لِأَنَّ مِلْكَ الْمُقْتَرِضِ صَحِيحٌ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ التَّصَرُّفُ كُلُّهُ، وَكَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ قَرْضُهُ، وَأَجَازَ الْجُمْهُورُ اسْتِقْرَاضَ الْحَيَوَانِ وَالسَّلَمَ فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَإِيجَابِهِ صلى الله عليه وسلم دِيَةَ الْخَطَأِ وَدِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ وَدِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ الْمُجْتَمِعِ عَلَى ثُبُوتِهَا، وَذَلِكَ إِثْبَاتُ الْحَيَوَانِ بِالصِّفَةِ فِي الذِّمَّةِ، فَكَذَلِكَ الْقَرْضُ وَالسَّلَمُ، وَمَنَعَ ذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَةِ وَصْفِهِ، وَادَّعَوْا نَسْخَ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَضَى فِي الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فِي عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بِقِيمَةِ نِصْفِ شَرِيكِهِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ نِصْفَ عَبْدٍ» مِثْلِهِ.

وَقَالَ دَاوُدُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إِلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَلِحَدِيثِ:" «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» " فَخَصَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ مِنْ سَائِرِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ.

وَقَالَ الْحِجَازِيُّونَ: مَعْنَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الْأَعْيَانِ وَأَمَّا الْمَضْمُونُ فَلَا.

وَقَدْ أَجَازَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ عَلَى مَمْلُوكٍ بِصِفَةٍ، وَأَجَازَ الْجَمِيعُ النِّكَاحَ عَلَى حَيَوَانٍ مَوْصُوفٍ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ. اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ.

وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلَالَةٌ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ لَا نَصًّا وَلَا ظَاهِرًا، وَلِذَا قَالَ عِيَاضٌ: لَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ بِلَا دَلِيلٍ.

ص: 502

[بَاب مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُبَايَعَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُبَايَعَةِ

1390 -

1371 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَبِعْ) بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ، وَفِي رِوَايَةٍ:" لَا يَبِيعُ " بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ مُرَادًا بِهِ النَّهْيُ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّهْيِ مِنَ النَّهْيِ الصَّرِيحِ (بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ) عُدِّيَ بِعَلَى لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ، وَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ بِالسَّوْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا:" «لَا يَسِمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ الْمُسْلِمِ» " وَذِكْرُ الْمُسْلِمِ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِ، بَلْ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ امْتِثَالًا، فَذِكْرُ الْمُسْلِمِ أَوِ الْأَخِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى:" «لَا يَبِعْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» " لَا مَفْهُومَ لَهُ لِمَا ذُكِرَ، أَوْ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ.

قَالَ الْأُبِّيُّ: النِّكَاحُ إِذَا كَانَ الْأَوَّلُ فَاسِقًا تَجُوزُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَتِهِ.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَذَا عِنْدِي فِي الصَّوْمِ إِذَا كَانَ الْأَوَّلُ حَرَامًا جَازَ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِهِ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي النَّجْشِ أَنَّ السِّلْعَةَ إِذَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا جَازَ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِهِ، فَقِيلَ لَهُ: يُفَرَّقُ بِأَنَّ الثَّانِيَ فِي السَّوْمِ سَلَمٌ حَقُّهُ فِي الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ النَّجْشِ فَلَمْ يُقْبَلِ الْفَرْقُ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَجَمَاعَةٌ مُخْتَصَرًا، وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بُرْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ:" «وَلَا تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى الْأَسْوَاقِ» " قَالَ: وَهِيَ زِيَادَةٌ مَحْفُوظَةٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ اهـ، وَأَصْلُهُ لَا تَتَلَقَّوْا، فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَالسِّلَعُ بِكَسْرِ السِّينِ جَمْعُ سِلْعَةٍ وَهِيَ الْمُبَاعُ، وَيُهْبَطُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ أَيْ يُنْزَلُ.

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مُخْتَصَرًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ تَامًّا.

ص: 503

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى أَنْ يَسُومَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ إِذَا رَكَنَ الْبَائِعُ إِلَى السَّائِمِ وَجَعَلَ يَشْتَرِطُ وَزْنَ الذَّهَبِ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الْعُيُوبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أَرَادَ مُبَايَعَةَ السَّائِمِ فَهَذَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِالسَّوْمِ بِالسِّلْعَةِ تُوقَفُ لِلْبَيْعِ فَيَسُومُ بِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ وَلَوْ تَرَكَ النَّاسُ السَّوْمَ عِنْدَ أَوَّلِ مَنْ يَسُومُ بِهَا أُخِذَتْ بِشِبْهِ الْبَاطِلِ مِنْ الثَّمَنِ وَدَخَلَ عَلَى الْبَاعَةِ فِي سِلَعِهِمْ الْمَكْرُوهُ وَلَمْ يَزَلْ الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1391 -

1372 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَلَقَّوُا) بِفَتْحِ التَّاءِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ، وَأَصْلُهُ لَا تَتَلَقَّوْا فَحُذِفَتْ

ص: 503

إِحْدَى التَّاءَيْنِ، أَيْ لَا تَسْتَقْبِلُوا (الرُّكْبَانَ) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْمَتَاعَ إِلَى الْبَلَدِ قَبْلَ أَنْ يَقْدِمُوا (لِلْبَيْعِ) أَيْ لِمَحَلِّ بَيْعِهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ: وَلَا تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى الْأَسْوَاقِ، وَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ قُرْبَ الْمِصْرِ وَأَطْرَافِهِ وَفِي حَدِّهِ بِمِيلٍ وَفَرْسَخَيْنِ وَيَوْمَيْنِ، رِوَايَاتٍ عَنْ مَالِكٍ حَكَاهَا فِي الْمُعَارَضَةِ.

وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَهُ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَالْمَذْهَبُ مَنَعَهُ كَلَامُ شَيْخِنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَمْتَنِعُ التَّلَقِّي فِيمَا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: النَّهْيُ عَنْهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ، وَلَا يُعَارِضُهُ:" «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» " الْمُقْتَضَى عَدَمُ الِاسْتِقْصَاءِ لِلْجَالِبِ، وَالتَّلَقِّي يَقْتَضِي الِاسْتِقْصَاءَ لَهُ لِأَنَّهُمَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ وَمِنْهَا تَقْدِيمُ مَصْلَحَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ، وَلِذَا قُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ عَلَى مَصْلَحَةِ الْوَاحِدِ الْجَالِبِ فَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ مُتَعَارِضَانِ.

أَبُو عُمَرَ: أُرِيدَ بِالنَّهْيِ نَفْعُ أَهْلِ السُّوقِ لَا رَبِّ السِّلْعَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَكْسُهُ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ التَّلَقِّي إِلَّا أَنْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ.

(وَلَا يَبِعْ) مَجْزُومٌ بِلَا النَّاهِيَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَبِيعُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا نَافِيَةٌ ( «بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ لَا يَشْتَرِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إِنَّمَا النَّهْيُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَكَادُ يَدْخُلُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ زِيَادَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُشْتَرَى.

قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَيُمْنَعُ الْبَائِعُ أَيْضًا أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إِذَا رَكَنَ الْمُشْتَرِي لَهُ، وَإِنَّمَا حُمِلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْخَاصَ مُسْتَحَبٌّ مَشْرُوعٌ، فَإِذَا أَتَى مَنْ يَبِيعُ بِأَرْخَصَ مِنْ بَيْعِ الْأَوَّلِ لَمْ يُمْنَعْ، وَقَدْ مُنِعَ مِنْ تَلَقِّي السِّلَعِ، وَفِيهِ إِرْخَاصٌ عَلَى مُتَلَقِّيهَا، غَيْرَ أَنَّ فِيهِ إِغْلَاءً عَلَى أَهْلِ الْأَسْوَاقِ الَّذِينَ هُمْ أَعَمُّ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلضَّعِيفِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّلَقِّي.

وَقَالَ عِيَاضٌ: الْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ أَنْ يَعْرِضَ سِلْعَتَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِرُخْصٍ لِيَزِيدَهُ فِي شِرَاءِ سِلْعَةِ الْآخَرِ الرَّاكِنِ إِلَى شِرَائِهَا، قَالَ الْأُبِّيُّ: الْبَيْعُ حَقِيقَةً إِنَّمَا هُوَ إِذَا انْعَقَدَ الْأَوَّلُ، فَلَمَّا تَعَذَّرَتِ الْحَقِيقَةُ حُمِلَ عَلَى أَقْرَبِ الْمَجَازِ إِلَيْهَا وَهُوَ الْمُرَاكَنَةُ، وَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ وَالْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَهِيَ أَنْ يَعْرِضَ بَائِعٌ سِلْعَتَهُ عَلَى مُشْتَرٍ رَاكِنٍ لِلْأَوَّلِ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ الْيَوْمَ، يَرَاكِنُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ الْمُشْتَرِي فَيَنْشُرُ الْآخَرُ بِحَانُوتِهِ سِلْعَةً نَظِيرَهَا بِحَيْثُ يَرَاهَا الْمُشْتَرِي ( «وَلَا تَنَاجَشُوا» ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ.

(وَلَا يَبِعْ) بِالْجَزْمِ نَهْيًا، وَفِي رِوَايَةٍ:" لَا يَبِيعُ " بِالرَّفْعِ نَفْيًا بِمَعْنَاهُ (حَاضِرٌ لِبَادٍ) أَيْ لَا يَكُونُ سِمْسَارًا لَهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى أَهْلِ الْعَمُودِ خَاصَّةً الْبَعِيدِينَ عَنِ الْحَاضِرَةِ الْجَاهِلِينَ بِالسِّعْرِ فِيمَا يَجْلِبُونَهُ مِنْ فَوَائِدِ الْبَادِيَةِ دُونَ شِرَاءٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْحَدِيثِ إِرْفَاقُ

ص: 504

أَهْلِ الْحَضَرِ بِأَهْلِ الْبَادِيَةِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَحْصُلُ بِمَجْمُوعِ تِلْكَ الْقُيُودِ، وَبَيَانُهُ إِذَا لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ عَمُودٍ فَهُمْ أَهْلُ بِلَادٍ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ السِّعْرَ، فَلَهُمْ أَنْ يَتَوَصَّلُوا إِلَى تَحْصِيلِهِ بِأَنْفُسِهِمْ وَبِغَيْرِهِمْ، وَكَذَا إِنْ كَانَ الَّذِي جَلَبُوهُ اشْتَرَوْهُ فَهُمْ فِيهِ تُجَّارٌ يَقْصِدُونَ الرِّبْحَ فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَلَهُمْ أَنْ يَتَوَصَّلُوا إِلَيْهِ بِالسَّمَاسِرَةِ وَغَيْرِهِمْ.

وَأَمَّا أَهْلُ الْعَمُودِ الْمَوْصُوفُونَ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ بَاعَ لَهُمُ السَّمَاسِرَةُ أَوْ غَيْرُهُمْ ضَرَّ بِأَهْلِ الْحَضَرِ فِي اسْتِخْرَاجِ غَايَةِ الثَّمَنِ فِيمَا أَصْلُهُ عَلَى أَهْلِ الْعَمُودِ بِلَا ثَمَنٍ، وَقَصَدَ الشَّارِعُ إِرْفَاقَ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ بِهِ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ بِيعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي لِحَدِيثِ:" «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» " وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَامٌّ، " «وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» " خَاصٌّ، وَالْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ اسْتُثْنِيَ مِنْهُ فَيُسْتَعْمَلُ الْحَدِيثَانِ.

(وَلَا تُصَرُّوا) بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ، وَالرَّاءُ الْمُشَدَّدَةُ بَعْدَهَا وَاوُ الْجَمْعِ، وَنَصْبُ (الْإِبِلَ) عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (وَالْغَنَمَ) عَطْفٌ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ فِي الرِّوَايَةِ، وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِضَبْطِ الْمُتْقِنِينَ مِنْ شُيُوخِهِ، قَالَ: وَكَانَ شَيْخُنَا ابْنُ عَتَّابٍ يُقَرِّبُهُ لِلطَّلَبَةِ فَيَقُولُ: هُوَ مِثْلُ {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَيَّدْنَاهُ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الصَّادِ وَنَصْبِ الْإِبِلِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَيْضًا، وَبِضَمِّ التَّاءِ وَحَذْفِ الْوَاوِ وَرَفْعِ الْإِبِلِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَاشْتِقَاقُهُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنَ التَّصْرِيَةِ مَصْدَرِ صَرَّى بِشَدِّ الرَّاءِ وَبِالْأَلْفِ يُصْرِي تَصْرِيَةً إِذَا جُمِعَ، يُقَالُ: صَرَّيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْتُهُ، وَمِنْهُ صَرَّى الْمَاءَ فِي الظَّهْرِ إِذَا حَبَسَهُ سِنِينَ لَا يَتَزَوَّجُ، فَالتَّصْرِيَةُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ جَمْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حَتَّى يَعْظُمَ فَيَظُنُّ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لِكَثْرَةِ اللَّبَنِ، وَالْمُصَرَّاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ هِيَ النَّاقَةُ أَوِ الشَّاةُ الْمَفْعُولُ بِهَا ذَلِكَ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمُحَفَّلَةَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، يُقَالُ: ضَرْعٌ حَافِلٌ أَيْ: عَظِيمٌ.

وَأَمَّا عَلَى الضَّبْطِ الثَّانِي فَهُوَ مِنَ الصَّرِّ الَّذِي هُوَ الرَّبْطُ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ مِنَ التَّصْرِيَةِ لَا مِنَ الصَّرِّ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِذْ لَوْ كَانَ مِنَ الصَّرِّ لَقِيلَ: نَاقَةٌ أَوْ شَاةٌ مَصْرُورَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ مُصَرَّاةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّصْرِيَةُ أَنْ تُرْبَطَ أَخْلَافُ النَّاقَةِ أَوِ الشَّاةِ وَيُتْرَكَ حَلْبُهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ، فَيُزِيدُ الْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِهَا لِمَا يَرَى مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالَّذِي قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ جَيِّدٌ، وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُصِرُّ ضُرُوعَ الْمَحْلُوبَاتِ أَيْ تَرْبُطُهَا فَسُمِّيَ ذَلِكَ الرِّبَاطُ صِرَارًا، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْعَرَبِ: الْعَبْدُ لَا يُحْسِنُ الْكَرَّ وَإِنَّمَا يُحْسِنُ الْحَلْبَ وَالصَّرَّ، وَبِقَوْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ:

فَقُلْتُ لِقَوْمِي هَذِهِ صَدَقَاتُكُمْ

مُصَرَّرَةً أَخْلَافُهَا لَمْ تُجَرَّدِ

قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُصَرَّاةٌ مُصَرَّرَةً، أُبْدِلَ إِحْدَى الرَّاءَيْنِ يَاءً كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10](سُورَةُ الشَّمْسِ: الْآيَةَ 10) كَرِهُوا اجْتِمَاعَ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَمَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ التَّصْرِيَةِ، وَلِذَا أَنْكَرُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الصَّرِّ الَّذِي هُوَ

ص: 505

الرَّبْطُ وَالنَّهْيُ لِحَقِّ الْغَيْرِ.

(فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ وَهُوَ التَّصْرِيَةُ أَوْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَذَا النَّهْيِ (فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) أَفْضَلِ الرَّأْيَيْنِ (بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا) بِضَمِّ اللَّامِ مِنْ بَابِ نَصَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَحْتَلِبَهَا، بِفَوْقِيَّةٍ قَبْلَ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ (إِنْ رَضِيَهَا) أَيِ الْمُصَرَّاةَ (أَمْسَكَهَا) وَلَا شَيْءَ لَهُ (وَإِنْ سَخِطَهَا) كَرِهَهَا (رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ) نُصِبَ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى مَعَ، أَوْ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا مَفْعُولًا مَعَهُ ; لِأَنَّ جُمْهُورَ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْمَفْعُولِ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا نَحْوَ جِئْتُ أَنَا وَزَيْدًا، وَالْجُمْلَتَانِ شَرْطِيَّتَانِ عُطِفَتِ الثَّانِيَةُ عَلَى الْأُولَى فَلَا مَحَلَّ لَهُمَا مِنَ الْإِعْرَابِ، إِذْ هُمَا تَفْسِيرِيَّتَانِ أُتِيَ بِهِمَا لِبَيَانِ الْمُرَادِ بِالنَّظَرَيْنِ مَا هُوَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ، إِنَّمَا خَصَّ التَّمْرَ لِأَنَّهُ غَالِبُ عَيْشِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَكَذَلِكَ فِي كُلِّ بَلَدٍ إِنَّمَا يُقْضَى بِالصَّاعِ مِنْ غَالِبِ عَيْشِهِمْ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَمُسْلِمٍ: " «وَصَاعًا مِنْ طَعَامٍ» " زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَعَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ إِنَّمَا تَظْهَرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ فِي مَعْنَى ثَلَاثِ حَلْبَاتٍ؛ لِأَنَّ الْأُولَى هِيَ الدُّلْسَةُ، وَبِالثَّانِيَةِ ظَهَرَتْ، وَبِالثَّالِثَةِ تَحَقَّقَتْ ; لِأَنَّ الثَّانِيَةَ يُظَنُّ أَنَّهَا لِاخْتِلَافِ الْمَرْعَى وَالْمَرَاحِ، أَوْ لِاخْتِلَالٍ فِي الضَّرْعِ بِإِمْسَاكِهَا مُدَّةَ التَّسَوُّقِ بِهَا.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّجْشِ وَالدُّلْسَةِ بِالْعَيْبِ، وَأَصْلٌ فِي الرَّدِّ بِهِ، وَأَنَّ بَيْعَ الْمَعِيبَ صَحِيحٌ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَمِمَّنْ قَالَ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَهُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: أَتَأْخُذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَوْ لِأَحَدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَأْيٌ؟ وَقَوْلُهُ فِي الْعُتَبِيَّةِ عَنْهُ لَيْسَ بِالثَّابِتِ وَلَا الْمُوَطَّأُ عَلَيْهِ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ عَنْ مَالِكٍ.

وَرَدَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْحَدِيثَ وَأَتَوْا بِأَشْيَاءَ لَا مَعْنَى لَهَا إِلَّا مُجَرَّدَ الدَّعْوَى فَقَالُوا: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةِ بِالضَّمَانِ، قَالُوا: وَالْمُسْتَهْلَكَاتُ بِالْمِثْلِ أَوِ الْقِيمَةِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَهَذَا يُبَيِّنُ نَسْخَهُ.

وَقَوْلُهُ وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَنْسُوخٌ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا فِي حَدِيثِ: " «التَّمْرُ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» " قَالَ أَبُو عُمَرَ: حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ صَحِيحٌ فِي أُصُولِ السُّنَنِ، وَذَلِكَ أَنَّ لَبَنَ التَّصْرِيَةِ اخْتَلَطَ بِاللَّبَنِ الطَّارِي فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ تَقْوِيمُ مَا لِلْبَائِعِ مِنْهُ، لِأَنَّ مَا لَا يُعْرَفُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَحَكَمَ صلى الله عليه وسلم بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ كَحُكْمِهِ فِي الْجَنِينِ بِغِرَّةٍ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ، إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا حِينَ ضُرِبَ بَطْنُ أُمِّهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ، أَوْ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ، فَقَطَعَ النِّزَاعَ بِالْغُرَّةِ، وَكَحُكْمِهِ فِي الْأَصَابِعِ وَالْأَسْنَانِ بِأَنَّ الصَّغِيرَ فِيهَا كَالْكَبِيرِ؛ إِذْ لَا تُوقَفُ لِصِحَّةِ تَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَكَذَا الْمُوضِحَةُ حَكَمَ فِي صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ اهـ.

وَفِي الْمُعَلِّمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ لِحَدِيثِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَبِالْأُصُولِ الَّتِي خَالَفَتْهُ، وَهِيَ أَنَّ اللَّبَنَ مِثْلِيٌّ فَيَلْزَمُ مِثْلُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَقِيمَتُهُ، وَالْمِثْلُ هُنَا تَعَذَّرَ

ص: 506

لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ، فَكَانَ فِيهِ الْقِيمَةُ بِالْعَيْنِ لَا مِثْلُهُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا عَدَلَ عَنِ الْمِثْلِ إِلَى غَيْرِهِ نَحَّى بِهِ عَنِ الْبَيْعِ فَهُوَ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ ; وَلِأَنَّ لَبَنَ النَّاقَةِ أَثْقَلُ مِنْ لَبَنِ الشَّاةِ، وَلَبَنُ النُّوقِ فِي نَفْسِهِ يَخْتَلِفُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَالصَّاعُ مَحْدُودٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَلْزَمَ مُتْلِفَ الْقَلِيلِ مِثْلُ مَا يَلْزَمُ مُتْلِفَ الْكَثِيرِ؟ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ غَلَّةٌ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي كَسَائِرِ الْغَلَّاتِ، فَإِنَّهَا لَا تُرَدُّ فِي الْعَيْبِ، فَالْحَدِيثُ إِمَّا مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ أَوْ مَرْجُوحٌ لِمُعَارَضَتِهِ هَذِهِ الْأَرْبَعَ قَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ اللَّبَنَ خَرَاجٌ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ، وَبِأَنَّهُ عَامٌّ وَالْمُصَرَّاةُ خَاصٌّ، وَالْعَامُّ يُرَدُّ إِلَى الْخَاصِّ، فَلَا تَعَارُضَ وَلَا نَسْخَ، وَعَنِ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى أَنَّ اللَّبَنَ إِنَّمَا يُرَادُ لِلْقُوتِ، وَغَالِبُ قُوتِهِمُ التَّمْرُ، فَلِذَا حَكَمَ بِهِ؛ حَتَّى لَوْ كَانَ غَالِبَ قُوتِ بَلَدِ غَيْرِهِ لَقَضَى بِذَلِكَ الْغَيْرِ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّرْعُ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ الْإِبِلَ، وَالذَّهَبِ الذَّهَبَ، وَالْوَرِقِ الْوَرِقَ، مَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ غَالِبُ كَسْبِهِمْ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْمَرْدُودُ لَبَنًا لَدَخَلَ التَّفَاضُلُ وَالْمُزَابِنَةُ، إِذْ مَا فِي الضَّرْعِ لَا يَتَحَقَّقُ تَقْدِيرُهُ بِالصَّاعِ، وَلَوْ رُدَّ جَمِيعُ مَا حُلِبَ لَخِيفَ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ غَلَّةٌ وَحَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ؟ وَعَنِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُبَايَعَةً حَقِيقِيَّةً حَتَّى يُقَالَ إِنَّهَا طَعَامٌ بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِمَا فَيُتَّهَمَانِ.

وَعَنِ الثَّالِثَةِ بِمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا قَضَى بِالصَّاعِ الْمَحْدُودِ عَنِ اللَّبَنِ الْمُخْتَلِفِ قَدْرُهُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ رِفْقًا لِلْخِصَامِ وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ التَّنَازُعِ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم حَرِيصًا عَلَى رَفْعِ التَّنَازُعِ عَنْ أُمَّتِهِ كَقَضَائِهِ بِالْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الدِّيَةِ، وَحَدَّ دِيَةَ الْجَرَّاحِ بِقَدْرٍ مَحْدُودٍ مَعَ اخْتِلَافِ قَدْرِهَا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَقَدْ تَعُمُّ الْمُوضِحَةُ جِلْدَةَ الرَّأْسِ، وَقَدْ تَكُونُ مَدْخَلَ مِسَلَّةٍ، وَلِهَذَا أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ، وَعَنِ الرَّابِعِ بِأَنَّ الْغَلَّةَ مَا نَشَأَ وَالشَّيْءُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا كَانَ وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَكَانَ الْأَصْلُ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ، لَكِنْ لَمَّا اسْتَحَالَ رَدُّ عَيْنِهِ لِاخْتِلَاطِهِ بِمَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَجَبَ رُدَّ الْعِوَضِ وَقُدِّرَ بِمَعْلُومٍ رَفْعًا لِلنِّزَاعِ اهـ مُلَخَّصًا.

وَفِي الْمُفْهِمِ: قَدْ يُجَابُ عَنِ الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ بِأَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ أَصْلٌ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ مُسْتَثْنًى مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ كَمَا اسْتُثْنِيَ ضَرْبُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَدِيَةِ الْجَنِينِ وَالْعَرِيَّةِ وَالْقَرَاضِ مِنْ أَصُولٍ مَمْنُوعَةٍ لِلْحَاجَةِ إِلَى هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ، وَلَوْ سُلِّمَ مُعَارَضَتُهُ بِأُصُولِ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ فَلَا نُسَلِّمُ تَقْدِيمَ الْقِيَاسِ عَلَى الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ:" «بِمَ تَحْكُمُ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي» " اهـ. وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ غَيْرَ مَا مَرَّ.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا نَرَى) بِضَمِّ النُّونِ، فَظَنَّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمُرَادِ رَسُولِهِ ( «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» ) أَيْ يَحْرُمُ (أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى أَنْ يَسُومَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ) فَفَسَّرَهُ

ص: 507

بِالسَّوْمِ مِنَ الْمُشْتَرِي لِلرِّوَايَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِذَلِكَ وَخَيْرُ مَا فَسَّرَتْهُ بِالْوَارِدِ، وَإِنْ كَانَ لَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهُ الْبَائِعُ أَيْضًا بِجَامِعِ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ دَفْعُ الضَّرَرِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ وَالسَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ وَبِمَا قَيَّدَهُ (إِذَا رَكَنَ الْبَائِعُ إِلَى السَّائِمِ) أَيِ الْمُشْتَرِي (وَجَعَلَ يَشْتَرِطُ وَزْنَ الذَّهَبِ) أَوِ الْفِضَّةِ وَيَتَبَرَّأُ مِنَ الْعُيُوبِ (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أَرَادَ مُبَايَعَةَ السَّائِمِ فَهَذَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ) لَا قَبْلَ الرُّكُونِ فَيَجُوزُ كَمَا قَالَ.

(وَلَا بَأْسَ بِالسَّوْمِ بِالسِّلْعَةِ تُوقَفُ لِلْبَيْعِ فَيَسُومُ بِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، فَإِذَا كَانَ النَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الرَّكْنِ جَازَ هَذَا وَهُوَ الْمُزَايَدَةُ.

(وَلَوْ تَرَكَ النَّاسُ السَّوْمَ عِنْدَ أَوَّلِ مَنْ يَسُومُ بِهَا أُخِذَتْ بِشِبْهِ الْبَاطِلِ مِنَ الثَّمَنِ، وَدَخَلَ عَلَى الْبَاعَةِ فِي سِلَعِهِمُ الْمَكْرُوهُ) وَهُوَ الْبَخْسُ وَنَقْصُ الثَّمَنِ (وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا) أَيْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ قَبْلَ الرُّكُونِ، وَبِنَحْوِهِ فَسَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ: عِنْدِي خَيْرٌ مِنْهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ أَنْ يَبْتَاعَ فَيَقْبِضَهَا وَلَمْ يَفْتَرِقَا وَهُوَ مُغْتَبِطُهَا، فَيَأْتِيهِ مَنْ يَعْرِضُ عَلَيْهِ أَرْشَدَ أَيْ أَحْسَنَ مِنْهَا فَيَفْسَخُ بَيْعَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَمَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ مُتَقَارِبَةٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، فَحَمَلَاهُ عَلَى أَنَّهُ نُهِيَ لِلْبَائِعِ، لَكِنَّ تَفْسِيرَ الشَّافِعِيِّ عَلَى قَوْلِهِ بِخِيَارِ الْمَجَالِسِ.

ص: 508

قَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ النَّجْشِ» قَالَ مَالِكٌ وَالنَّجْشُ أَنْ تُعْطِيَهُ بِسِلْعَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَيْسَ فِي نَفْسِكَ اشْتِرَاؤُهَا فَيَقْتَدِي بِكَ غَيْرُكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1392 -

1373 - « (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى) تَحْرِيمًا (عَنِ النَّجْشِ) » بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ لُغَةً: تَنْفِيرُ الصَّيْدِ وَاسْتِثَارَتُهُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُصَادَ، يُقَالُ: نَجَشْتُ الصَّيْدَ أَنْجُشُهُ نَجْشًا، وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّائِدِ: نَاجِشٌ لِأَنَّهُ يُثِيرُ الصَّيْدَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: فَكَأَنَّ غَيْرَهُ لِلسِّلْعَةِ يُثِيرُ الزِّيَادَةَ فِيهَا، وَشَرْعًا (قَالَ) مَالِكٌ:(وَالنَّجْشُ أَنْ تُعْطِيَهُ بِسِلْعَتِهِ) أَيْ فِيهَا (أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَيْسَ فِي نَفْسِكَ اشْتِرَاؤُهَا فَيَقْتَدِي بِكَ غَيْرُكَ) وَقَالَ

ص: 508

الْأَكْثَرُ: وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ لِيَغْتَرَّ بِهِ غَيْرُهُ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ تَفْسِيرِ مَالِكٍ لِدُخُولِ إِعْطَائِهِ مِثْلَ ثَمَنِهَا أَوْ أَقَلَّ وَخُرُوجِهِ مِنْ تَفْسِيرِ مَالِكٍ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَالْمَذْهَبُ النَّهْيُ عَنْهُ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَعِنْدِي إِنْ بَلَّغَهَا لِنَاجِشِ قِيمَتَهَا وَرَفَعَ الْغَبْنَ عَنْ صَاحِبِهَا جَازَ وَهُوَ مَأْجُورٌ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ إِتْلَافٌ لِمَالِ الْمُشْتَرِي، ابْنُ عَرَفَةَ وَكَانَ يَسُوقُ الْكُتُبِيِّينَ بِتُونُسَ رَجُلٌ مَشْهُورٌ بِالصَّلَاحِ عَارِفٌ بِقِيمَةِ الْكُتُبِ يَسْتَفْتِحُ لِلدَّلَّالِينَ مَا يَبْنُونَ عَلَيْهِ وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي الشِّرَاءِ، وَهَذَا الْفِعْلُ جَائِزٌ عَلَى ظَاهِرِ تَفْسِيرِ مَالِكٍ وَقَوْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، لَا عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَفِي تَرْكِ الْحِيَلِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

ص: 509

[بَاب جَامِعِ الْبُيُوعِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ قَالَ فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

46 -

بَابُ جَامِعِ الْبُيُوعِ

1393 -

1374 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا) هُوَ حَبَّانُ بْنُ مُنْقِذٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا وَصَدَّرَ بِهِ عِيَاضٌ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ، وَمُنْقِذٌ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ قَبْلَهَا قَافٌ مَكْسُورَةٌ الْأَنْصَارِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ أَبُو مُنْقِذِ بْنُ عَمْرٍو كَمَا فِي ابْنِ مَاجَهْ وَتَارِيخِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي مُبْهَمَاتِهِ ( «ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ» ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُرَادُ بِهِ الْمَكْرُوهُ (فِي الْبُيُوعِ) مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ، وَيُبْدَى لَهُ غَيْرُ مَا يُكْتَمُ، قَالَ عِيَاضٌ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ الَّذِي ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْقِدِ التَّمْيِيزَ وَالنَّظَرَ لِنَفْسِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ يَعْتَرِيهِ أَحْيَانًا وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ اهـ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ حَبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ كَانَ ضَرِيرًا، وَكَانَ قَدْ شُجَّ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ وَقَدْ ثَقُلَ لِسَانُهُ.

وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ أَنَّ جَدَّهُ مُنْقِذَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ سَبْعُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ فَكَانَ إِذَا بَايَعَ غُبِنَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الْحَدِيثَ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ فَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ.

(فَقَالَ) لَهُ ( «رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ» ) بِكَسْرِ

ص: 509

الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَخِفَّةِ اللَّامِ وَمُوَحَّدَةٍ، أَيْ: لَا خَدِيعَةَ فِي الدِّينِ، لِأَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، فَلَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَخَبَرُ لَا خِلَابَةَ مَحْذُوفٌ، قَالَ التُّورِبِشَتِيُّ: لَقَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْقَوْلَ لِيَلْفِظَ بِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ لِيُطْلِعَ بِهِ صَاحِبَهُ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْبَصَائِرِ فِي مَعْرِفَةِ السِّلَعِ وَمَقَادِيرِ الْقِيمَةِ فِيهَا لِيَرَى لَهُ كَمَا يَرَى لِنَفْسِهِ، وَكَانَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِخْوَانًا لَا يَغْبِنُونَ أَخَاهُمُ الْمُسْلِمَ، وَيَنْظُرُونَ لَهُ أَكْثَرَ مَا يَنْظُرُونَ لِأَنْفُسِهِمُ اهـ.

زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ: ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ بَيْعِكَ، قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: جَعْلُهُ لَهُ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مُبَايَعَتِهِ كَانَتْ فِي الرَّقِيقِ لِيَتَبَصَّرَ وَيَثْبُتَ عَيْبُهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ.

(فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ) أَيْ مَعْنَاهُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ النُّطْقِ.

فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ، قَالَ عِيَاضٌ: بِالتَّحْتِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْثَغَ يُخْرِجُ اللَّامَ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهَا، وَلِبَعْضِهِمْ: لَا خِنَابَةَ بِالنُّونِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ: لَا خِذَابَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ اهـ.

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِذَا بَاعَ لَا خِذَابَةَ لَا خِذَابَةَ.

وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: «ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ» ، فَبَقِيَ حَتَّى أَدْرَكَ زَمَنَ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً فَكَثُرَ النَّاسُ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ، فَكَانَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ غُبِنْتَ فِيهِ رَجَعَ بِهِ فَيَشْهَدُ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَيَرُدُّ لَهُ دَرَاهِمَهُ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي عَقْلِهِ ضَعْفٌ وَكَانَ يُبَايِعُ، وَأَنَّ أَهْلَهُ أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: احْجُرْ عَلَيْهِ، فَدَعَاهُ فَنَهَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَصْبِرُ عَلَى الْبَيْعِ، فَقَالَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، وَأَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ» " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا خَاصٌّ بِهَذَا الرَّجُلِ وَحْدَهُ، جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، اشْتَرَطَهُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى الْمُبَايَعَةِ مَعَ ضَعْفِ عَقْلِهِ وَلِسَانِهِ، وَقِيلَ إِنَّمَا جَعَلَ لَهُ أَنْ يُشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثًا مَعَ قَوْلِهِ لَا خِلَابَةَ فَيَكُونَ عَامًّا كَسَائِرِ مُشْتَرِطِي الْخِيَارِ اهـ.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ أَحْمَدُ وَالْبَغْدَادِيُّونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ وَحَدُّوهُ بِالثُّلُثِ لَا أَقَلَّ، لِأَنَّهُ غَبْنٌ يَسِيرٌ انْتَصَبَ لَهُ التُّجَّارُ فَهُوَ كَالْمَدْخُولِ عَلَيْهِ، وَأَبَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَقَالُوا: لَا رَدَّ بِالْغَبْنِ لَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ وَتَجَاذَبَ الطَّرِيقَانِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} [البقرة: 188](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 188) فَقَالَ: الْأَقَلُّ الْغَبْنُ الْمُخَالِفُ لِلْعَادَةِ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: قَدِ اسْتَثْنَى مِنْهُ التِّجَارَةَ عَنْ تَرَاضٍ، وَهَذَا عَنْ تَرَاضٍ، وَكَذَلِكَ تَجَاذَبُوا فَهْمَ الْحَدِيثِ، فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ وَأَحْمَدُ: فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمَغْبُونِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هِيَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ وَحِكَايَةُ حَالٍ لَا يَصِحُّ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ الْخِيَارَ إِلَّا بِشَرْطٍ، فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِعَدَمِ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ إِذْ لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ يَقُولَ لَا

ص: 510

خِلَابَةَ، فَلَوْ قِيلَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ الْيَوْمَ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ ظَهَرَ الْغَبْنُ فَقَالَ الْأَكْثَرُ: لَا يُوجِبُ قَوْلُهَا قِيَامًا بِالْغَبْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّهَا كَانَتْ خَاصَّةً بِذَلِكَ الرَّجُلِ وَلَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ وَقِيلَ: إِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ، وَيُصَدِّرُهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ حَضًّا لِمَنْ عَامَلَهُ عَلَى النَّصِيحَةِ وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْخِلَابَةِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ:«قُلْ لَا خِلَابَةَ وَاشْتَرِطِ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» ، وَلِيُعْلِمَ صَاحِبَهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْبَصِيرَةِ فِي الْبَيْعِ فَيَنْظُرَ لَهُ كَمَا يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: تُوجِبُ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ لِقَائِلِهَا إِذْ كَأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ لَا يَزِيدَ الثَّمَنُ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَلَا أَنْ تَنْقُصَ السِّلْعَةُ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَهَا الْبَائِعُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَرَطَ وَصْفًا فِي الْمَبِيعِ فَبَانَ خِلَافُهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِإِمْضَاءِ بَيْعِ مَنْ لَا يُحْسِنُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَشِرَائِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي تَرْكِ الْحِيَلِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَسُفْيَانُ وَشُعْبَةُ، الثَّلَاثَةُ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ.

ص: 511

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ إِذَا جِئْتَ أَرْضًا يُوفُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَطِلْ الْمُقَامَ بِهَا وَإِذَا جِئْتَ أَرْضًا يُنَقِّصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَقْلِلْ الْمُقَامَ بِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1394 -

1375 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ يَقُولُ: إِذَا جِئْتَ أَرْضًا يُوفُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَطِلِ الْمُقَامَ) بِضَمِّ الْمِيمِ: الْإِقَامَةَ (بِهَا وَإِذَا جِئْتَ أَرْضًا يُنْقِصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَقْلِلِ الْمُقَامَ بِهَا) لِأَنَّ ظُهُورَ الْمُنْكَرِ وَعُمُومَهُ مِمَّا يُحْذَرُ تَعْجِيلُ عُقُوبَتِهِ.

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: " نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» " فَكَيْفَ مَعَ قِلَّةِ الصَّالِحِينَ أَوْ عَدَمِهِمْ؟ قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

وَفِي الِاسْتِذْكَارِ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْمُقَامَ بِأَرْضٍ يَظْهَرُ فِيهَا الْمُنْكَرُ ظُهُورًا لَا يُطَاقُ، وَالْمُقَامُ بِمَوْضِعٍ يَظْهَرُ فِيهِ الْحَقُّ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي الْأَغْلَبِ إِذَا وُجِدَ مَرْغُوبٌ فِيهِ، وَأَمَّا بَخْسُ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ فَحَرَامٌ قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف: 85](سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةَ 85) وَقَالَ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1](سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: الْآيَةَ 1) الْآيَاتِ.

قَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ: ابْنَ آدَمَ أَوْفِ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُوفَى لَكَ، وَاعْدِلْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُعْدَلَ عَلَيْكَ.

وَمَرَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى رَجُلٍ يَكِيلُ كَيْلًا يَعْتَدِي فِيهِ، فَقَالَ لَهُ: وَيْلَكَ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: أَمَرَنَا اللَّهُ بِالْوَفَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَنَهَى عَنِ الْعُدْوَانِ.

وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: بَخْسُ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ سَوَادُ الْوَجْهِ غَدًا فِي الْقِيَامَةِ.

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ التُّجَّارَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَنْ بَرَّ وَصَدَقَ» ".

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " «التُّجَّارُ هُمُ الْفُجَّارُ، قَالُوا: أَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ فَيَأْثَمُونَ وَيَخُونُونَ فَيَكْذِبُونَ» ".

ص: 511

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " «الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ: الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ.

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ مَعَكُمْ فَشَوِّبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» " رَوَى الْأَرْبَعَةَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ بِأَسَانِيدِهِ.

ص: 512

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِنْ بَاعَ سَمْحًا إِنْ ابْتَاعَ سَمْحًا إِنْ قَضَى سَمْحًا إِنْ اقْتَضَى قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْإِبِلَ أَوْ الْغَنَمَ أَوْ الْبَزَّ أَوْ الرَّقِيقَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْعُرُوضِ جِزَافًا إِنَّهُ لَا يَكُونُ الْجِزَافُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ عَدًّا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ السِّلْعَةَ يَبِيعُهَا لَهُ وَقَدْ قَوَّمَهَا صَاحِبُهَا قِيمَةً فَقَالَ إِنْ بِعْتَهَا بِهَذَا الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ فَلَكَ دِينَارٌ أَوْ شَيْءٌ يُسَمِّيهِ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَبِعْهَا فَلَيْسَ لَكَ شَيْءٌ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا سَمَّى ثَمَنًا يَبِيعُهَا بِهِ وَسَمَّى أَجْرًا مَعْلُومًا إِذَا بَاعَ أَخَذَهُ وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى غُلَامِي الْآبِقِ أَوْ جِئْتَ بِجَمَلِي الشَّارِدِ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا فَهَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْلُحْ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يُعْطَى السِّلْعَةَ فَيُقَالُ لَهُ بِعْهَا وَلَكَ كَذَا وَكَذَا فِي كُلِّ دِينَارٍ لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ مِنْ حَقِّهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَدْرِي كَمْ جَعَلَ لَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1395 -

1376 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيَّ الْمَدَنِيَّ الْفَاضِلَ التَّابِعِيَّ الثِّقَةَ (يَقُولُ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَحَبَّ اللَّهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ دُعَاءٌ أَوْ خَبَرٌ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ: رَحِمَ اللَّهُ لَكِنْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: أَحَبَّ اللَّهُ (عَبْدًا) أَيْ إِنْسَانًا (سَمْحًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مِنَ السَّمَاحَةِ وَهِيَ الْجُودُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ تَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ (إِنْ بَاعَ) بِأَنْ يَرْضَى بِقَلِيلِ الرِّبْحِ ( «سَمْحًا إِنِ ابْتَاعَ سَمْحًا إِنْ قَضَى» ) أَيْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ وَيَقْضِي أَفْضَلَ مَا يَجِدُ وَيُعَجِّلُ الْقَضَاءَ ( «سَمْحًا إِنِ اقْتَضَى» ) أَيْ طَلَبَ قَضَاءَ حَقِّهِ بِرِفْقٍ وَلِينٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: رَتَّبَ الْمَحَبَّةَ عَلَيْهِ لِيَدُلَّ عَلَى السُّهُولَةِ وَالتَّسَامُحِ فِي التَّعَامُلِ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَحَبَّةِ وَلِكَوْنِهِ أَهْلًا لِلرَّحْمَةِ، وَفِيهِ فَضْلُ الْمُسَامَحَةِ وَعَدَمِ احْتِقَارِ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ، فَلَعَلَّهَا تَكُونُ سَبَبًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ لِلسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ، ثُمَّ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ:" «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا قَضَى» "، وَبِمِثْلِ لَفْظِ الْمُوَطَّأِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، لَكِنْ بِلَفْظِ: رَحِمَ بَدَلَ: أَحَبَّ، وَبِلَفْظِ إِذَا بَدَلَ إِنْ فِي الْكُلِّ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الدُّعَاءَ وَالْخَبَرَ كَمَا مَرَّ.

وَيُؤَيِّدُ الْخَبَرَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " «غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ سَهْلًا إِذَا بَاعَ» " لَكِنْ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ: قَرِينَةُ الِاسْتِقْبَالِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ إِذَا تَجْعَلُهُ دُعَاءً وَتَقْدِيرُهُ يَكُونُ رَجُلًا سَمْحًا، وَقَدْ يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا: أَعْمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ، قِيلَ: انْظُرْ، قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ: فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ» ".

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «فَقَالَ اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي» ".

وَلَهُمَا أَيْضًا: " «فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» ".

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ: تُسْتَحَبُّ الْمُسَامَحَةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَيْسَ هِيَ تَرْكَ الْمُكَايَسَةِ فِيهِ إِنَّمَا هِيَ تَرْكُ الْمُوَازَنَةِ وَالْمُضَاجَرَةِ وَالْكَزَازَةِ وَالرِّضَا بِيَسِيرِ الرِّبْحِ وَحُسْنِ الطَّلَبِ، قَالَ: وَيُكْرَهُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ فِي التَّبَايُعِ، وَلَا يُفْسَخُ بِهِ وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ لِشِبْهِهِ بِالْخَدِيعَةِ.

ص: 512

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْإِبِلَ أَوِ الْغَنَمَ أَوِ الْبَزَّ) بِالْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ (أَوِ الرَّقِيقَ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْعُرُوضِ جُزَافًا أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْجُزَافُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ عَدًّا) وَفِي نُسْخَةٍ: عَدَدًا.

قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَا الْغَالِبُ أَنْ يَسْهُلَ عَدَدُهُ لِقِلَّتِهِ وَلَا يَتَقَدَّرُ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِتَعَذُّرِ آلَتِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَلَكِنْ قَيَّدَهُ حُذَّاقُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْمَعْدُودِ الْمَقْصُودِ آحَادُهُ كَالرَّقِيقِ وَالْأَنْعَامِ، وَمَا تَقَارَبَ جَازَ الْجُزَافُ فِي كَثِيرِهِ لِمَشَقَّةِ عَدَدِهِ دُونَ يَسِيرِهِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ السِّلْعَةَ يَبِيعُهَا لَهُ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ قَوَّمَهَا صَاحِبُهَا قِيمَةً فَقَالَ: إِنْ بِعْتَهَا بِهَذَا الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ فَلَكَ دِينَارٌ أَوْ شَيْءٌ يُسَمِّيهِ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَبِعْهَا فَلَيْسَ لَكَ شَيْءٌ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ.

وَقَوْلُهُ: (إِذَا سَمَّى ثَمَّنَا يَبِيعُهَا بِهِ وَسَمَّى أَجْرًا مَعْلُومًا إِذَا بَاعَ أَخَذَهُ وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَلَا شَيْءَ لَهُ) زِيَادَةُ إِيضَاحٍ لِمَا قَبْلَهُ.

(وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: إِنْ قَدَرْتَ عَلَى غُلَامِي الْآبِقِ أَوْ جِئْتَ بِجَمَلِي الشَّارِدِ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا) لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ (فَهَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ) الَّذِي قَالَ الْجُمْهُورُ بِجَوَازِهِ فِي الْإِبَاقِ وَالضَّوَالِّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72](سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةَ 72)(وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْلُحْ) بَلْ يَفْسُدُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا عِلْمَ الثَّمَنِ، وَأَوْضَحَ ذَلِكَ فَقَالَ:(فَأَمَّا الرَّجُلُ يُعْطَى السِّلْعَةَ فَيُقَالُ لَهُ بِعْهَا وَلَكَ كَذَا وَكَذَا فِي كُلِّ دِينَارٍ لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ) كَأَنْ يَقُولُ: لَكَ فِي كُلِّ دِينَارٍ دِرْهَمَانِ (فَإِنَّ ذَلِكَ

ص: 513

لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ مِنْ حَقِّهِ الَّذِي سُمِّيَ لَهُ) وَفِي نُسْخَةٍ سَمَّاهُ (فَهَذَا غَرَرٌ) لِأَنَّهُ (لَا يَدْرِي كَمْ جُعِلَ لَهُ) وَالْإِجَارَةُ بَيْعُ مَنَافِعٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ فِيهَا إِلَّا مَعْلُومًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ الظَّاهِرِيَّةُ وَبَعْضُ السَّلَفِ: يَجُوزُ جَهْلُ الْبَدَلِ فِيهَا كَمَنْ يُعْطِي حِمَارَهُ لِمَنْ يَسْقِي عَلَيْهِ أَوْ يَعْمَلُ بِهِ بِنِصْفِ مَا يُرْزَقُ بِسَقْيِهِ عَلَى ظَهْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ، قَالُوا: وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِجَوَازِ الرَّضَاعِ، وَمَا يَأْخُذُهُ الصَّبِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ لَبَنِهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاخْتِلَافِ وَاخْتِلَافِ أَلْبَانِ النِّسَاءِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

ص: 514

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ ثُمَّ يُكْرِيهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا تَكَارَاهَا بِهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1395 -

1377 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ ثُمَّ يُكْرِيهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا تَكَارَاهَا بِهِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ مَالِكٌ مَنَافِعَ الْأَصْلِ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ.

ص: 514

[كِتَاب الْقِرَاضِ]

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْقِرَاضِ بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ

حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي جَيْشٍ إِلَى الْعِرَاقِ فَلَمَّا قَفَلَا مَرَّا عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ ثُمَّ قَالَ لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْتُ ثُمَّ قَالَ بَلَى هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسْلِفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَكُمَا فَقَالَا وَدِدْنَا ذَلِكَ فَفَعَلَ وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ فَلَمَّا قَدِمَا بَاعَا فَأُرْبِحَا فَلَمَّا دَفَعَا ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ قَالَ أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ مَا أَسْلَفَكُمَا قَالَا لَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ مَا يَنْبَغِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا لَوْ نَقَصَ هَذَا الْمَالُ أَوْ هَلَكَ لَضَمِنَّاهُ فَقَالَ عُمَرُ أَدِّيَاهُ فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا فَقَالَ عُمَرُ قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نِصْفَ رِبْحِ الْمَالِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

32 -

كِتَابُ الْقِرَاضِ

هَكَذَا فِي نُسَخٍ صَحِيحَةٍ مَقْرُوءَةٍ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ، وَفِي نُسَخٍ تَأْخِيرُهُ عَنْهَا وَعَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَالْخَطْبُ سَهْلٌ.

1 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ

أَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَهُ الْقِرَاضَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهُ الْمُضَارَبَةَ وَلَا يَقُولُونَ قِرَاضًا الْبَتَّةَ، وَأَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 101](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةَ 101) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} [المزمل: 20](سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: الْآيَةَ 20)، وَقَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ: لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا يَقْتَضِي أَنَّهُ لُغَةٌ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأُقِرَّ فِي الْإِسْلَامِ وَعَمِلَ بِهِ صلى الله عليه وسلم لِخَدِيجَةَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَنَقَلَتْهُ الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ كَمَا نَقَلَتِ الدِّيَةَ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ.

1396 -

1378 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ) أَسْلَمَ الْعَدَوِيِّ مَوْلَى عُمَرَ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ، وَقِيلَ بَعْدَ سَنَةِ سِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةِ سَنَةٍ (أَنَّهُ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ أَحَدُ الْعَبَادِلَةِ (وَعُبَيْدُ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وُلِدَ مَضْمُومَ الْعَيْنِ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ غَزَا فِي خِلَافَةِ أَبِيهِ كَمَا قَالَ (فِي جَيْشٍ إِلَى الْعِرَاقِ) لِلْغَزْوِ وَكَانَ مِنْ شُجْعَانِ قُرَيْشٍ وَفُرْسَانِهِمْ، وَقُتِلَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ (فَلَمَّا قَفَلَا) رَجَعَا مِنَ الْغَزْوِ (مَرَّا عَلَى أَبِي مُوسَى) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ (الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ) مِنْ جِهَةِ عُمَرَ (فَرَحَّبَ بِهِمَا) قَالَ: مَرْحَبًا (وَسَهَّلَ،

ص: 515

ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ) لَوْ لِلتَّمَنِّي فَلَا جَوَابَ لَهَا، وَفِي نُسْخَةٍ لَفَعَلْتُ فَهِيَ الْجَوَابُ (ثُمَّ قَالَ: بَلَى، هَهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ) عُمَرَ رضي الله عنه:(فَأُسْلِفُكُمَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أُقْرِضُكُمَاهُ (فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ لَكُمَا الرِّبْحُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: لَمْ يُرِدْ بِإِسْلَافِهِمَا إِحْرَازَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْعَهُمَا، وَمِنْ مُقْتَضَاهُ ضَمَانُهُمَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ السَّلَفُ لِمَنْفَعَةِ الْمُتَسَلِّفِ، فَإِنْ قَصَدَ الْمُسَلِّفُ نَفْعَ نَفْسِهِ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ (فَقَالَا: وَدِدْنَا) أَحْبَبْنَا (ذَلِكَ فَفَعَلَ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ، فَلَمَّا قَدِمَا بَاعَا فَأُرْبِحَا فَلَمَّا دَفَعَا ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ) وَأَخْبَرَاهُ أَوْ بَلَغَهُ مِنْ غَيْرِهِمَا (قَالَ: أَكُلَّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ مَا أَسْلَفَكُمَا؟ قَالَا: لَا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) أَنْتُمَا (ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا) مُحَابَاةً لَهُ (أَدِّيَا الْمَالَ وَرَبْحَهُ) احْتِيَاطًا لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُمْ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

(فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ) الْمُكَبَّرُ (فَسَكَتَ) أَدَبًا وَلِشِدَّةِ وَرَعِهِ.

(وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا) الْفِعْلُ (لَوْ نَقَصَ هَذَا الْمَالُ أَوْ هَلَكَ لَضَمِنَّاهُ) لِأَنَّهُ سَلَفٌ (فَقَالَ عُمَرُ: أَدِّيَاهُ) قَالَ عِيسَى: كَرَاهَةً لِتَفْضِيلِ أَبِي مُوسَى لِوَلَدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا إِنَّ أَبَا مُوسَى تَسَلَّفَ الْمَالَ وَكَانَ بِيَدِهِ عَلَى مَعْنَى الْوَدِيعَةِ وَأَسْلَفَهُمَا إِيَّاهُ، وَإِنْ قُلْنَا كَانَ بِيَدِهِ لِلتَّنْمِيَةِ وَالْإِصْلَاحِ فَلِعُمَرَ تَعَقُّبُ ذَلِكَ كَالْمُبْضِعِ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ فَلِلَّذِي أَبْضَعَهُ تَعَقُّبُهُ، وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا وَفَاءٌ لَضَمِنَهُ أَبُو مُوسَى، قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

(فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ) أَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ، وَفِيهِ احْتِجَاجُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعُقُوقٍ وَلَا هَضْمٍ مِنْ حَقِّ الْأُبُوَّةِ وَلَا حَقِّ الْخِلَافَةِ، وَجَوَازِ الِاحْتِجَاجِ حَيْثُ لَا نَصَّ.

(فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ) يُقَالُ إِنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا) إِشَارَةً إِلَى عَرْضِ مَا رَآهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ عُمَرُ،

ص: 516

وَكَذَا الْمُفْتِي يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحُكْمَ بِالْفَتْوَى إِذَا عَرَفَ مِنْ حَالَتِهِ اسْتِشَارَتَهُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

(فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا) أَيْ أَعْطَيْتُهُ حُكْمَهُ (فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ) جَعَلَهُ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ (وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ نِصْفَ رِبْحِ الْمَالِ) وَكَأَنَّهُ جَعَلَ كَذَلِكَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ إِذْ لَيْسَ مِنَ الْقِرَاضِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا سَاقَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ إِعْلَامًا بِأَنَّ الْقِرَاضَ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ مِنْ عَهْدِ عُمَرَ، وَقِيلَ هُوَ أَوَّلُ قِرَاضٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ أَوَّلُهُ أَنَّ عُمَرَ أَخْرَجَ مِنَ السُّوقِ مَنْ لَا يَعْلَمُ الْبَيْعَ وَكَانَ فِيهِمْ يَعْقُوبُ مَوْلَى الْحُرَقَةِ فَأَعْطَاهُ عُثْمَانُ مَالًا قِرَاضًا وَأَجْلَسَهُ فِي السُّوقِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُعَلِّمُهُ وَيُرَاعِي أَحْوَالَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ بِعُثْمَانَ فِي فَضْلِهِ وَوَرَعِهِ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا أَصْلَ لِلْقِرَاضِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأُقِرَّ فِي الْإِسْلَامِ، وَأُجْمِعَ عَلَى جَوَازِهِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ.

ص: 517

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَعْطَاهُ مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1397 -

1379 - (مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْحُرَقِيِّ - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَقَافٍ - الْمَدَنِيِّ الصَّدُوقِ (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ (عَنْ جَدِّهِ) يَعْقُوبَ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى الْحُرَقَةِ، مَقْبُولٌ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَعْطَاهُ) أَيْ يَعْقُوبَ (مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا) قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقِرَاضِ سُنَّةٌ مَعْمُولٌ بِهَا، وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعَائِشَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ: اتَّجَرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ، وَكَانُوا يُضَارِبُونَ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَرُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ وَقَالَ: " «أَلَا مَنْ وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ فَلْيَتَّجِرْ لَهُ فِيهِ وَلَا يَتْرُكْهُ فَتَأْكُلُهُ الزَّكَاةُ» ".

ص: 517

[بَاب مَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ مَالِكٌ وَجْهُ الْقِرَاضِ الْمَعْرُوفِ الْجَائِزِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ الْمَالَ مِنْ صَاحِبِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَنَفَقَةُ الْعَامِلِ فِي الْمَالِ فِي سَفَرِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَا يُصْلِحُهُ بِالْمَعْرُوفِ بِقَدْرِ الْمَالِ إِذَا شَخَصَ فِي الْمَالِ إِذَا كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَلَا كِسْوَةَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعِينَ الْمُتَقَارِضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ رَبُّ الْمَالِ مِمَّنْ قَارَضَهُ بَعْضَ مَا يَشْتَرِي مِنْ السِّلَعِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ وَإِلَى غُلَامٍ لَهُ مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلَانِ فِيهِ جَمِيعًا إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الرِّبْحَ مَالٌ لِغُلَامِهِ لَا يَكُونُ الرِّبْحُ لِلسَّيِّدِ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ مَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ

(قَالَ مَالِكٌ: وَجْهُ الْقِرَاضِ الْمَعْرُوفِ الْجَائِزِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ الْمَالَ مِنْ صَاحِبِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ

ص: 517

فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَنَفَقَةُ الْعَامِلِ فِي الْمَالِ فِي سَفَرِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ وَمَا يُصْلِحُهُ بِالْمَعْرُوفِ بِقَدْرِ الْمَالِ إِذَا شَخَصَ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ سَافَرَ (فِي الْمَالِ إِذَا كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ) لَا إِنْ قُلَّ (فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنَ الْمَالِ وَلَا كُسْوَةَ) ، وَإِنْ كَانَ يُتْعَبُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ نَظَرًا لِأَنَّهُ مُقِيمٌ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعِينَ الْمُتَقَارِضَانِ) رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا) بِأَنْ كَانَ بِلَا شَرْطٍ وَلَمْ يَكُنْ لِإِبْقَاءِ الْمَالِ بِيَدِهِ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ رَبُّ الْمَالِ مِمَّنْ قَارَضَهُ بَعْضَ مَا يَشْتَرِي مِنَ السِّلَعِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ) بِأَنْ لَا يَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى أَخْذِ شَيْءٍ مِنَ الرِّبْحِ قَبْلَ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ اشْتَرَى بِنَقْدٍ أَوْ لِأَجَلٍ.

(قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ وَإِلَى غُلَامٍ لَهُ مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلَانِ فِيهِ جَمِيعًا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ مَالٌ لِغُلَامِهِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ (لَا يَكُونُ) الرِّبْحُ (لِلسَّيِّدِ حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ) يَكُونُ لَهُ حَتَّى يَنْزِعَهُ.

ص: 518

[بَاب مَا لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا إِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ ثُمَّ يُقَارِضُهُ بَعْدُ أَوْ يُمْسِكُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ بِمَالِهِ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَهَلَكَ بَعْضُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ بَقِيَّةَ الْمَالِ بَعْدَ الَّذِي هَلَكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى شَرْطِهِمَا مِنْ الْقِرَاضِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ الْقِرَاضُ إِلَّا فِي الْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ وَلَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ وَمِنْ الْبُيُوعِ مَا يَجُوزُ إِذَا تَفَاوَتَ أَمْرُهُ وَتَفَاحَشَ رَدُّهُ فَأَمَّا الرِّبَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ إِلَّا الرَّدُّ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279]

ـــــــــــــــــــــــــــــ

3 -

بَابُ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ

(قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلِ دَيْنٌ فَيَسْأَلُهُ أَنْ يُقِرَّهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْقَافِ يُبْقِيهِ

ص: 518

(عِنْدَهُ قِرَاضًا إِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) كَرَاهَةَ مَنْعٍ (حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ ثُمَّ يُقَارِضُهُ بَعْدُ) بِالضَّمِّ (أَوْ يُمْسِكُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ بِمَالِهِ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ) فَيَكُونَ ذَرِيعَةً لِلرِّبَا، وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْحُكْمِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَعُودُ أَمَانَةً حَتَّى يُقْبَضَ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَهَلَكَ بَعْضُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ بَقِيَّةَ الْمَالِ بَعْدَ الَّذِي هَلَكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ قَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهِ) وَمَفْهُومُهُ: لَوْ صَحَّ التَّلَفُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ رَأْسُ الْمَالِ إِلَّا مَا بَقِيَ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ كُلِّهِمْ، وَقَالَ عِيسَى: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ.

ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يَكُونُ كَذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ الْمَالَ ثُمَّ يَرُدَّهُ قِرَاضًا ثَانِيًا، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ يُجْبَرُ التَّلَفُ بِالرِّبْحِ (ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى شَرْطِهِمَا مِنَ الْقِرَاضِ) مِنْ نِصْفٍ وَغَيْرِهِ.

(وَلَا يَصْلُحُ الْقِرَاضُ إِلَّا فِي الْعَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) لِأَنَّهَا قِيَمُ الْمَتْلَفَاتِ وَأُصُولُ الْأَثْمَانِ، وَلَا يَدْخُلُ أَسْوَاقَهَا تَغَيُّرٌ، وَمَا يَدْخُلُهُ تَغَيُّرُ الْأَسْوَاقِ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ.

(وَ) لِذَا (لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعَرُوضِ وَالسِّلَعِ وَمِنَ الْبُيُوعِ) الْمَمْنُوعَةِ (مَا يَجُوزُ) أَيْ يَمْضِي (إِذَا تَفَاوَتَ أَمْرُهُ وَتَفَاحَشَ رَدُّهُ) كَبَيْعِ حَبٍّ أُفْرِكَ قَبْلَ يُبْسِهِ وَبَيْعِ ثَمَرٍ بَعْدَ أَنْ أَزْهَى يُؤْخَذُ كَيْلًا بَعْدَ أَنْ يُثْمِرَ، قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: وَإِنَّمَا خَرَجَ مَالِكٌ مِنْ ذِكْرِ الْقِرَاضِ إِلَى ذِكْرِ الْبُيُوعِ تَمْثِيلًا أَنَّ لِلْقِرَاضِ مَكْرُوهًا كَالْبُيُوعِ، فَمَكْرُوهُ الْقِرَاضِ إِذَا فَاتَ بِالْعَمَلِ رُدَّ إِلَى قِرَاضٍ مِثْلِهِ كَالْقِرَاضِ بِالْعُرُوضِ أَوِ الضَّمَانِ أَوْ إِلَى أَجَلٍ.

وَحَرَامُ الْقِرَاضِ إِذَا فَاتَ بِالْعَمَلِ رُدَّ إِلَى أَجْرِ مِثْلِهِ.

(فَأَمَّا الرِّبَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ إِلَّا الرَّدُّ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ) وَفِي نُسْخَةٍ فِيهِ

ص: 519

(قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ فِي كِتَابِهِ: " {وَإِنْ تُبْتُمْ} [البقرة: 279] ") رَجَعْتُمْ عَنِ الرِّبَا (" {فَلَكُمْ رُءُوسُ} [البقرة: 279] ") أُصُولُ (" {أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ} [البقرة: 279] ") بِزِيَادَةٍ (" {وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] ") بِنَقْصٍ، فَلَمْ يُبِحْ فِيهِ شَيْئًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَقَعَتْ هُنَا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ.

ص: 520

[بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا تَشْتَرِيَ بِمَالِي إِلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَنْهَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِاسْمِهَا قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَطَ عَلَى مَنْ قَارَضَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ حَيَوَانًا أَوْ سِلْعَةً بِاسْمِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَمَنْ اشْتَرَطَ عَلَى مَنْ قَارَضَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إِلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ غَيْرَهَا كَثِيرَةً مَوْجُودَةً لَا تُخْلِفُ فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ نِصْفَ الرِّبْحِ لَهُ وَنِصْفَهُ لِصَاحِبِهِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَإِذَا سَمَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ سَمَّى مِنْ ذَلِكَ حَلَالٌ وَهُوَ قِرَاضُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَلَكِنْ إِنْ اشْتَرَطَ أَنَّ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَمَا فَوْقَهُ خَالِصًا لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ قِرَاضُ الْمُسْلِمِينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

4 -

بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا تَشْتَرِيَ بِمَالِي إِلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا) لِسِلْعَةٍ يُسَمِّيهَا (أَوْ يَنْهَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِاسْمِهَا قَالَ مَالَكٌ: مَنِ اشْتَرَطَ عَلَى مَنْ قَارَضَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ حَيَوَانًا أَوْ سِلْعَةً بِاسْمِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ قَدْ أَبْقَى كَثِيرًا مِمَّا يُتَّجَرُ فِيهِ.

(وَمَنِ اشْتَرَطَ عَلَى مَنْ قَارَضَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إِلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ) لِلتَّحْجِيرِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ غَيْرَهَا) وَقَوْلُهُ: (كَثِيرَةً) ثَابِتٌ لِابْنِ وَضَّاحٍ عَنْ يَحْيَى سَاقِطٌ لِابْنِهِ (مَوْجُودَةً لَا تُخْلِفُ فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) فَإِنْ تَعَذَّرَتْ لِقِلَّتِهَا مُنِعَ، وَإِنْ نَزَلَ فُسِخَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئًا مِنَ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا) إِذْ لَعَلَّ ذَلِكَ الْعَدَدَ يَسْتَغْرِقُ الرِّبْحَ وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ فِي

ص: 520

الْأَجْزَاءِ الْمُشْتَرَطَةِ، وَلَا يَجُوزُ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ نِصْفَ الرِّبْحِ) لِلْعَامِلِ (وَنِصْفَهُ لِصَاحِبِهِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِذَا سَمَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ سُمِّيَ مِنْ ذَلِكَ حَلَالٌ وَهُوَ قِرَاضُ الْمُسْلِمِينَ) الْجَارِي بَيْنَهُمْ (وَلَكِنْ إِنِ اشْتَرَطَ أَنَّ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَمَا فَوْقَهُ خَالِصًا لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ وَمَا بَقِيَ مِنَ الرِّبْحِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ قِرَاضُ الْمُسْلِمِينَ) يُشْبِهُ التَّعْلِيلَ لِعَدَمِ الصُّلُوحِ أَيْ لِمُخَالَفَةِ سُنَّةِ الْقِرَاضِ.

ص: 521

[بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ الْعَامِلِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ صَاحِبِهِ وَلَا يَكُونُ مَعَ الْقِرَاضِ بَيْعٌ وَلَا كِرَاءٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا سَلَفٌ وَلَا مِرْفَقٌ يَشْتَرِطُهُ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُعِينَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُتَقَارِضَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ زِيَادَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ يَزْدَادُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ فَإِنْ دَخَلَ الْقِرَاضَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ صَارَ إِجَارَةً وَلَا تَصْلُحُ الْإِجَارَةُ إِلَّا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ مَعْلُومٍ وَلَا يَنْبَغِي لِلَّذِي أَخَذَ الْمَالَ أَنْ يَشْتَرِطَ مَعَ أَخْذِهِ الْمَالَ أَنْ يُكَافِئَ وَلَا يُوَلِّيَ مِنْ سِلْعَتِهِ أَحَدًا وَلَا يَتَوَلَّى مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ فَإِذَا وَفَرَ الْمَالُ وَحَصَلَ عَزْلُ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ رِبْحٌ أَوْ دَخَلَتْهُ وَضِيعَةٌ لَمْ يَلْحَقْ الْعَامِلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا مِمَّا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا مِنْ الْوَضِيعَةِ وَذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي مَالِهِ وَالْقِرَاضُ جَائِزٌ عَلَى مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ مِنْ نِصْفِ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِلَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ قِرَاضًا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ سِنِينَ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ قَالَ وَلَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّكَ لَا تَرُدُّهُ إِلَيَّ سِنِينَ لِأَجَلٍ يُسَمِّيَانِهِ لِأَنَّ الْقِرَاضَ لَا يَكُونُ إِلَى أَجَلٍ وَلَكِنْ يَدْفَعُ رَبُّ الْمَالِ مَالَهُ إِلَى الَّذِي يَعْمَلُ لَهُ فِيهِ فَإِنْ بَدَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ وَالْمَالُ نَاضٌّ لَمْ يَشْتَرِ بِهِ شَيْئًا تَرَكَهُ وَأَخَذَ صَاحِبُ الْمَالِ مَالَهُ وَإِنْ بَدَا لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقْبِضَهُ بَعْدَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ سِلْعَةً فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يُبَاعَ الْمَتَاعُ وَيَصِيرَ عَيْنًا فَإِنْ بَدَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَرُدَّهُ وَهُوَ عَرْضٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يَبِيعَهُ فَيَرُدَّهُ عَيْنًا كَمَا أَخَذَهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَصْلُحُ لِمَنْ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ خَاصَّةً لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إِذَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ فَقَدْ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ فَضْلًا مِنْ الرِّبْحِ ثَابِتًا فِيمَا سَقَطَ عَنْهُ مِنْ حِصَّةِ الزَّكَاةِ الَّتِي تُصِيبُهُ مِنْ حِصَّتِهِ وَلَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى مَنْ قَارَضَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إِلَّا مِنْ فُلَانٍ لِرَجُلٍ يُسَمِّيهِ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ أَجِيرًا بِأَجْرٍ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَدْفَعُ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَيَشْتَرِطُ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ الْمَالَ الضَّمَانَ قَالَ لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي مَالِهِ غَيْرَ مَا وُضِعَ الْقِرَاضُ عَلَيْهِ وَمَا مَضَى مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَإِنْ نَمَا الْمَالُ عَلَى شَرْطِ الضَّمَانِ كَانَ قَدْ ازْدَادَ فِي حَقِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مِنْ أَجْلِ مَوْضِعِ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا لَوْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ عَلَى غَيْرِ ضَمَانٍ وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ لَمْ أَرَ عَلَى الَّذِي أَخَذَهُ ضَمَانًا لِأَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ فِي الْقِرَاضِ بَاطِلٌ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبْتَاعَ بِهِ إِلَّا نَخْلًا أَوْ دَوَابَّ لِأَجْلِ أَنَّهُ يَطْلُبُ ثَمَرَ النَّخْلِ أَوْ نَسْلَ الدَّوَابِّ وَيَحْبِسُ رِقَابَهَا قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ هَذَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقِرَاضِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبِيعَهُ كَمَا يُبَاعُ غَيْرُهُ مِنْ السِّلَعِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُقَارِضُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ غُلَامًا يُعِينُهُ بِهِ عَلَى أَنْ يَقُومَ مَعَهُ الْغُلَامُ فِي الْمَالِ إِذَا لَمْ يَعْدُ أَنْ يُعِينَهُ فِي الْمَالِ لَا يُعِينُهُ فِي غَيْرِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5 -

بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ

(قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ الْعَامِلِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ صَاحِبِهِ) فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْمُوَازِيَةِ: إِنْ تَرَكَ ذَلِكَ مُشْتَرِطُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ جَازَ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَرَوَى يَحْيَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِنْ أَسْقَطَهُ مُشْتَرِطُهُ صَحَّ وَتَمَادَيَا عَلَيْهِ، وَأَنْكَرَهُ يَحْيَى بَعْدَ الْعَمَلِ (وَلَا يَكُونُ مَعَ الْقِرَاضِ بَيْعٌ وَلَا كِرَاءٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا سَلَفٌ وَلَا مَرْفِقٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَعَكْسِهِ: مَا يُرْتَفَقُ بِهِ (يَشْتَرِطُهُ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُعِينَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُتَقَارِضَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى

ص: 521

صَاحِبِهِ زِيَادَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَا شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ يَزْدَادُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ دَخَلَ الْقِرَاضَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ صَارَ إِجَارَةً، وَلَا تَصْلُحُ الْإِجَارَةُ إِلَّا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ مَعْلُومٍ) لِأَنَّهَا بَيْعُ مَنَافِعٍ فَيُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُ الْبَيْعِ (وَلَا يَنْبَغِي) أَيْ يَحْرُمُ (لِلَّذِي أَخَذَ الْمَالَ) أَيِ الْعَامِلُ (أَنْ يَشْتَرِطَ مَعَ أَخْذِهِ الْمَالَ أَنْ يُكَافِئَ) مَنْ أَسْدَى إِلَيْهِ مَعْرُوفًا يَخْتَصُّ بِهِ، فَلَوْ كَافَأَ لِمَعْرُوفٍ أُسْدِيَ إِلَيْهِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ وَلِلنَّظَرِ جَازَ.

(وَلَا يُوَلِّيَ مِنْ سِلْعَتِهِ) أَيِ الْقِرَاضِ الْمُشْتَرَاةِ بِمَالِهِ (أَحَدًا) غَيْرَهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهَا بِهِ إِذَا كَانَ يَرْجُو فِيهَا النَّمَاءَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ رَبِّ الْمَالِ بِالرِّبْحِ فِيهَا وَقُيِّدَ بِمَا لَمْ يَخَفِ الْوَضِيعَةَ وَإِلَّا جَازَ.

(وَلَا يَتَوَلَّى شَيْئًا مِنْهَا لِنَفْسِهِ) يَسْتَقِلُّ بِهِ (فَإِذَا وَفَرَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ زَادَ (وَحَصَلَ عَزْلُ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ اقْتَسَمَا الْمَالَ) أَيْ رِبْحَهُ (عَلَى شَرْطِهِمَا) إِنْ كَانَ رِبْحٌ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ رِبْحٌ أَوْ دَخَلَتْهُ وَضِيعَةٌ) نَقْصٌ (لَمْ يَلْحَقِ الْعَامِلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا مِمَّا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا مِنَ الْوَضِيعَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ (وَذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي مَالِهِ) دُونَ الْعَامِلِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ أَيْضًا.

(وَالْقِرَاضُ جَائِزٌ عَلَى مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ مِنْ نِصْفِ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ) أَعَادَهُ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ غَيْرَ مَقْصُودٍ.

(وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ قِرَاضًا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ سِنِينَ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ وَ) كَذَلِكَ (لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّكَ) يَا عَامِلُ (لَا تَرُدُّهُ إِلَى سِنِينَ لِأَجَلٍ يُسَمِّيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ لَا يَكُونُ إِلَى أَجَلٍ) لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ قَبْلَهُ، وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَصْحَابُهُ.

(وَلَكِنْ يَدْفَعُ رَبُّ الْمَالِ مَالَهُ إِلَى الَّذِي يَعْمَلُ

ص: 522

لَهُ فِيهِ، فَإِنْ بَدَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ وَالْمَالُ نَاضٌّ لَمْ يَشْتَرِ بِهِ شَيْئًا تَرَكَهُ) لِأَنَّ عَقْدَهُ غَيْرُ لَازِمٍ بِإِجْمَاعٍ (وَأَخَذَ صَاحِبُ الْمَالِ مَالَهُ، وَإِنْ بَدَا لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقْبِضَهُ بَعْدَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ سِلْعَةً فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يُبَاعَ وَيَصِيرَ عَيْنًا) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامِلِ بِالرِّبْحِ (فَإِنْ بَدَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَرُدَّهُ وَهُوَ عَرْضٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَتَّى يَبِيعَهُ فَيَرُدَّهُ عَيْنًا كَمَا أَخَذَهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ رَبِّهِ بِذَلِكَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِكُلٍّ فَسْخُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ لَا بَعْدَهُ حَتَّى يَعُودَ عَيْنًا كَمَا أَخَذَهُ.

(وَلَا يَصْلُحُ لِمَنْ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي حِصَّتِهِ مِنَ الرِّبْحِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إِذَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَضْلًا) زِيَادَةً (مِنَ الرِّبْحِ فِيمَا سَقَطَ عَنْهُ مِنْ حِصَّةِ الزَّكَاةِ الَّتِي تُصِيبُهُ) تَلْزَمُهُ (مِنْ حِصَّتِهِ) وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَكُونُ الْمَالُ حِينَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَرُبَّمَا هَلَكَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ.

(وَلَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى مَنْ قَارَضَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إِلَّا مِنْ فُلَانٍ لِرَجُلٍ يُسَمِّيهِ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ أَجِيرًا) وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولًا (بِأَجْرٍ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ) وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِالرَّجُلِ مُوسِرًا لَا تَعْدَمُ عِنْدَهُ السِّلَعُ أَوْ مُعْسِرًا، فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ، فَإِنْ فَاتَ صَحَّ بِهِ الْقِرَاضُ الْفَاسِدُ، قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَدْفَعُ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَيَشْتَرِطُ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ الْمَالَ الضَّمَانَ قَالَ: لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي مَالِهِ غَيْرَ مَا وُضِعَ الْقِرَاضُ عَلَيْهِ وَمَا مَضَى مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ) وَلَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ أَنَّ الْقِرَاضَ عَلَى

ص: 523

الْأَمَانَةِ لَا عَلَى الضَّمَانِ.

(فَإِنْ نَمَا الْمَالُ عَلَى شَرْطِ الضَّمَانِ كَانَ قَدْ زَادَ فِي حَقِّهِ مِنَ الرِّبْحِ مِنْ أَجْلِ مَوْضِعِ الضَّمَانُ) وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَإِنَّمَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا لَوْ أَعْطَاهُ عَلَى غَيْرِ ضَمَانٍ، وَإِنْ تَلِفَ لَمْ أَرَ عَلَى الَّذِي أَخَذَهُ ضَمَانًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ فِي الْقِرَاضِ بَاطِلٌ) فَإِنْ دَفَعَ عَلَى الضَّمَانِ فُسِخَ مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِنْ عَمِلَ بَطَلَ الشَّرْطُ وَرُدَّ إِلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَعَنْهُ إِلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقِرَاضُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبْتَاعُ بِهِ إِلَّا نَخْلًا أَوْ دَوَابَّ لِأَجْلِ أَنَّهُ يَطْلُبُ ثَمَرَ النَّخْلِ أَوْ نَسْلَ الدَّوَابِّ وَيَحْبِسُ رِقَابَهَا، قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ هَذَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقِرَاضِ) وَبِهِ قَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ، فَإِنْ وَقَعَ لَمْ يَصِحَّ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ، وَالدَّوَابُّ وَالنَّخْلُ لِرَبِّ الْمَالِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَلَا يَجُوزُ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبِيعَهُ كَمَا يُبَاعُ غَيْرُهُ مِنَ السِّلَعِ) لِأَنَّ الَّذِي يُعَامِلُ عَلَيْهِ فِي الْقِرَاضِ هُوَ التِّجَارَةُ دُونَ السَّقْيِ وَالْقِيَامِ عَلَى الدَّوَابِّ لِأَنَّهَا تَنْمُو بِلَا عَمَلٍ، وَلِأَنَّ الْعَامِلَ قَدْ يَرْبَحُ بِبَيْعِ الرِّقَابِ فَيَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْقِرَاضِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

(وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمُقَارِضُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ غُلَامًا يُعِينُهُ بِهِ عَلَى أَنْ يَقُومَ مَعَهُ الْغُلَامُ فِي الْمَالِ إِذَا لَمْ يَعْدُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (أَنْ يُعِينَهُ فِي الْمَالِ لَا يُعِينُهُ فِي غَيْرِهِ) .

ص: 524

[بَاب الْقِرَاضِ فِي الْعُرُوضِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُقَارِضَ أَحَدًا إِلَّا فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْمُقَارَضَةُ فِي الْعُرُوضِ لِأَنَّ الْمُقَارَضَةَ فِي الْعُرُوضِ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ صَاحِبُ الْعَرْضِ خُذْ هَذَا الْعَرْضَ فَبِعْهُ فَمَا خَرَجَ مِنْ ثَمَنِهِ فَاشْتَرِ بِهِ وَبِعْ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ فَقَدْ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْمَالِ فَضْلًا لِنَفْسِهِ مِنْ بَيْعِ سِلْعَتِهِ وَمَا يَكْفِيهِ مِنْ مَئُونَتِهَا أَوْ يَقُولَ اشْتَرِ بِهَذِهِ السِّلْعَةِ وَبِعْ فَإِذَا فَرَغْتَ فَابْتَعْ لِي مِثْلَ عَرْضِي الَّذِي دَفَعْتُ إِلَيْكَ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْعَرْضِ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى الْعَامِلِ فِي زَمَنٍ هُوَ فِيهِ نَافِقٌ كَثِيرُ الثَّمَنِ ثُمَّ يَرُدَّهُ الْعَامِلُ حِينَ يَرُدُّهُ وَقَدْ رَخُصَ فَيَشْتَرِيَهُ بِثُلُثِ ثَمَنِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْعَامِلُ قَدْ رَبِحَ نِصْفَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَرْضِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ يَأْخُذَ الْعَرْضَ فِي زَمَانٍ ثَمَنُهُ فِيهِ قَلِيلٌ فَيَعْمَلُ فِيهِ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ يَغْلُو ذَلِكَ الْعَرْضُ وَيَرْتَفِعُ ثَمَنُهُ حِينَ يَرُدُّهُ فَيَشْتَرِيهِ بِكُلِّ مَا فِي يَدَيْهِ فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ وَعِلَاجُهُ بَاطِلًا فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ فَإِنْ جُهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يَمْضِيَ نُظِرَ إِلَى قَدْرِ أَجْرِ الَّذِي دُفِعَ إِلَيْهِ الْقِرَاضُ فِي بَيْعِهِ إِيَّاهُ وَعِلَاجِهِ فَيُعْطَاهُ ثُمَّ يَكُونُ الْمَالُ قِرَاضًا مِنْ يَوْمَ نَضَّ الْمَالُ وَاجْتَمَعَ عَيْنًا وَيُرَدُّ إِلَى قِرَاضٍ مِثْلِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

6 -

بَابُ الْقِرَاضِ فِي الْعُرُوضِ

(قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُقَارِضَ أَحَدًا إِلَّا فِي الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْمُقَارَضَةُ فِي الْعُرُوضِ ; لِأَنَّ الْمُقَارَضَةَ فِي الْعُرُوضِ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ) كُلٌّ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ (إِمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ صَاحِبُ الْعَرْضِ خُذْ هَذَا الْعَرْضَ فَبِعْهُ فَمَا خَرَجَ مِنْ ثَمَنِهِ فَاشْتَرِ بِهِ وَبِعْ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ، فَقَدِ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْمَالِ فَضْلًا لِنَفْسِهِ مِنْ بَيْعِ سِلْعَتِهِ وَمَا يَكْفِيهِ مِنْ مُؤْنَتِهَا) وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.

(أَوْ) يُجْعَلُ الْعَرْضَ نَفْسَهُ رَأْسَ الْمَالِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي بِأَنْ (يَقُولُ: اشْتَرِ بِهَذِهِ السِّلْعَةِ وَبِعْ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَابْتَعْ لِي مِثْلَ عَرْضِي الَّذِي دَفَعْتُ إِلَيْكَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) فَلَا يَجُوزُ، وَأَجَازَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى.

(وَ) وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ (لَعَلَّ صَاحِبَ الْعَرْضِ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى الْعَامِلِ فِي زَمَانٍ هُوَ فِيهِ نَافِقٌ) رَائِجٌ (كَثِيرُ الثَّمَنِ ثُمَّ يَرُدَّهُ الْعَامِلُ حِينَ يَرُدُّهُ وَقَدْ رَخُصَ) بِضَمِّ الْخَاءِ (فَيَشْتَرِيَهِ بِثُلُثِ ثَمَنِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونَ الْعَامِلُ قَدْ رَبِحَ نِصْفَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَرْضِ فِي حِصَّتِهِ مِنَ الرِّبْحِ، أَوْ يَأْخُذَ الْعَرْضَ فِي زَمَانٍ ثَمَنُهُ فِيهِ قَلِيلٌ فَيَعْمَلَ فِيهِ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ يَغْلُوَ ذَلِكَ الْعَرْضُ وَيَرْتَفِعَ ثَمَنُهُ حِينَ يَرُدُّهُ فَيَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ مَا فِي يَدَيْهِ فَيَذْهَبَ عَمَلُهُ وَعِلَاجُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (بَاطِلًا) بِلَا شَيْءٍ

ص: 525

(فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ) فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْعَمَلِ (فَإِنْ جُهِلَ ذَلِكَ) وَاسْتَمَرَّ (حَتَّى يَمْضِيَ) يَنْقَضِيَ الْعَمَلُ (نُظِرَ إِلَى قَدْرِ أَجْرِ الَّذِي دُفِعَ إِلَيْهِ الْقِرَاضُ فِي بَيْعِهِ إِيَّاهُ وَعِلَاجِهِ فَيُعْطَاهُ، ثُمَّ يَكُونُ الْمَالُ قِرَاضًا مِنْ يَوْمِ نَضَّ الْمَالُ وَاجْتَمَعَ عَيْنًا) تَفْسِيرٌ لَنَضَّ (وَيُرَدُّ إِلَى قِرَاضٍ مِثْلِهِ) وَهَذَا بَيَانٌ شَافٍ لِكَرَاهَةِ الْقِرَاضِ بِالْعُرُوضِ لَا يُشْكِلُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

ص: 526

[بَاب الْكِرَاءِ فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ مَتَاعًا فَحَمَلَهُ إِلَى بَلَدِ التِّجَارَةِ فَبَارَ عَلَيْهِ وَخَافَ النُّقْصَانَ إِنْ بَاعَهُ فَتَكَارَى عَلَيْهِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فَبَاعَ بِنُقْصَانٍ فَاغْتَرَقَ الْكِرَاءُ أَصْلَ الْمَالِ كُلَّهُ قَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ فِيمَا بَاعَ وَفَاءٌ لِلْكِرَاءِ فَسَبِيلُهُ ذَلِكَ وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ بَعْدَ أَصْلِ الْمَالِ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ شَيْءٌ يُتْبَعُ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتِّجَارَةِ فِي مَالِهِ فَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُتْبَعُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ لَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي قَارَضَهُ فِيهِ فَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يَحْمِلَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

7 -

بَابُ الْكِرَاءِ فِي الْقِرَاضِ

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ مَتَاعًا فَحَمَلَهُ إِلَى بَلَدِ التِّجَارَةِ فَبَارَ) كَسَدَ (عَلَيْهِ وَخَافَ النُّقْصَانَ إِنْ بَاعَهُ فَتَكَارَى عَلَيْهِ) أَكْرَى عَلَى حَمْلِهِ (إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فَبَاعَ بِنُقْصَانٍ فَاغْتَرَقَ الْكِرَاءُ أَصْلَ الْمَالِ كُلَّهِ، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ فِيمَا بَاعَ وَفَاءٌ لِلْكِرَاءِ فَسَبِيلُ ذَلِكَ) أَيْ طَرِيقُهُ (وَإِنْ بَقِيَ مِنَ الْكِرَاءِ شَيْءٌ بَعْدَ أَصْلِ الْمَالِ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ شَيْءٌ يُتْبَعُ بِهِ وَ) بَيَانُ (ذَلِكَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتِّجَارَةِ فِي مَالِهِ) الَّذِي دَفَعَهُ إِلَيْهِ (فَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيِ الْعَامِلِ (أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَالِ) أَيْ مَالِهِ الَّذِي لَمْ يُقَارِضْ بِهِ (وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُتْبَعُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ لَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي قَارَضَهُ فِيهِ، فَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يَحْمِلَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، أَيْ يَجْعَلَ (ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَطْلَقَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ دُونَ غَيْرِهِ.

ص: 526

[بَاب التَّعَدِّي فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ رِبْحِ الْمَالِ أَوْ مِنْ جُمْلَتِهِ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ ثُمَّ نَقَصَ الْمَالُ قَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أُخِذَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ مِنْ مَالِهِ فَيُجْبَرُ بِهِ الْمَالُ فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ بَعْدَ وَفَاءِ الْمَالِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ بِيعَتْ الْجَارِيَةُ حَتَّى يُجْبَرَ الْمَالُ مِنْ ثَمَنِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مَالِكٌ صَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إِنْ بِيعَتْ السِّلْعَةُ بِرِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ أَوْ لَمْ تُبَعْ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ أَخَذَهَا وَقَضَاهُ مَا أَسْلَفَهُ فِيهَا وَإِنْ أَبَى كَانَ الْمُقَارَضُ شَرِيكًا لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي النَّمَاءِ وَالنُّقْصَانِ بِحِسَابِ مَا زَادَ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ فَعَمِلَ فِيهِ قِرَاضًا بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ إِنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ إِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ وَإِنْ رَبِحَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ شَرْطُهُ مِنْ الرِّبْحِ ثُمَّ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ شَرْطُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَعَدَّى فَتَسَلَّفَ مِمَّا بِيَدَيْهِ مِنْ الْقِرَاضِ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ عَلَى شَرْطِهِمَا فِي الْقِرَاضِ وَإِنْ نَقَصَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنُّقْصَانِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاسْتَسْلَفَ مِنْهُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ الْمَالُ مَالًا وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ إِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ شَرِكَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى قِرَاضِهَا وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ الْمَالِ كُلَّهُ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِكُلِّ مَنْ تَعَدَّى

ـــــــــــــــــــــــــــــ

8 -

بَابُ التَّعَدِّي فِي الْقِرَاضِ

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ رَبْحِ الْمَالِ أَوْ مِنْ جُمْلَتِهِ) أَصْلِهِ وَرِبْحِهِ (جَارِيَةً) لِلْقِرَاضِ أَوْ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ مِنْهُ فَوَطِئَهَا (فَحَمَلَتْ مِنْهُ ثُمَّ نَقَصَ الْمَالُ قَالَ: إِنْ كَانَ لَهُ) أَيِ الْعَامِلِ (مَالٌ أُخِذَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ مِنْ مَالِهِ فَيُجْبَرُ بِهِ الْمَالُ) أَيْ نُقْصَانُهُ.

(فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ بَعْدَ وَفَاءِ) رَأْسِ (الْمَالِ) لِرَبِّهِ (فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ) مِنْ نِصْفٍ أَوْ غَيْرِهِ.

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ بِيعَتِ الْجَارِيَةُ حَتَّى) لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِ أَنْ (يُجْبَرَ الْمَالُ مِنْ ثَمَنِهَا) الَّذِي بِيعَتْ بِهِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إِنْ بِيعَتِ السِّلْعَةُ بِرِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ) نَقْصٍ (أَوْ لَمْ تُبَعْ) أَصْلًا (إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ أَخَذَهَا وَقَضَاهُ مَا أَسْلَفَهُ فِيهَا) أَيْ زَادَ مِنْ عِنْدِهِ (وَإِنْ أَبَى) امْتَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا بِذَلِكَ (كَانَ الْمُقَارِضُ شَرِيكًا لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ فِي النَّمَاءِ) أَيِ الزِّيَادَةِ (وَالنُّقْصَانِ بِحَسَبِ مَا زَادَ الْعَامِلَ فِيهَا مِنْ عِنْدِهِ) - مُتَعَلِّقٌ بِشَرِيكًا -.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ فَعَمِلَ فِيهِ قِرَاضًا بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ إِنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ إِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إِذْ

ص: 527

لَيْسَ لَهُ دَفْعُهُ لِغَيْرِهِ قِرَاضًا.

(وَإِنْ رَبِحَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ شَرْطُهُ مِنَ الرِّبْحِ ثُمَّ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ شَرْطُهُ مِمَّا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ) بَعْدَ أَخْذِ رَبِّهِ رَأْسَهُ وَمَا شَرَطَهُ مِنَ الرِّبْحِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي هَذَا، إِلَّا أَنَّ الْمُزَنِيَّ قَالَ: لَيْسَ لِلثَّانِي إِلَّا أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ عَلَى فَسَادِ مَالِ الْقِرَاضِ، وَهُوَ أَصْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ كَمَالِكٍ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَعَدَّى فَتَسَلَّفَ مِمَّا بِيَدَيْهِ مِنَ الْقِرَاضِ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ، إِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ عَلَى شَرْطِهِمَا فِي الْقِرَاضِ، وَإِنْ نَقَصَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنُّقْصَانِ) لِتَعَدِّيهِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاسْتَسْلَفَ مِنْهُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ الْمَالُ) أَيِ الْعَامِلُ (مَالًا وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ: إِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَشْرَكَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى قِرَاضِهَا، وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِكُلِّ مَنْ تَعَدَّى) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ أَوِ الْقِنْيَةِ، وَمَعْنَى الْمَسْأَلَتَيْنِ مُتَقَارِبٌ، بَلْ وَاحِدٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، غَايَتُهُ أَنَّ الثَّانِيَةَ أَوَضَحُ.

ص: 528

[بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا إِنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا يَحْمِلُ النَّفَقَةَ فَإِذَا شَخَصَ فِيهِ الْعَامِلُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَيَكْتَسِيَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ قَدْرِ الْمَالِ وَيَسْتَأْجِرَ مِنْ الْمَالِ إِذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ بَعْضَ مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضَ مَئُونَتِهِ وَمِنْ الْأَعْمَالِ أَعْمَالٌ لَا يَعْمَلُهَا الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ وَلَيْسَ مِثْلُهُ يَعْمَلُهَا مِنْ ذَلِكَ تَقَاضِي الدَّيْنِ وَنَقْلُ الْمَتَاعِ وَشَدُّهُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ الْمَالِ مَنْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ أَنْ يَسْتَنْفِقَ مِنْ الْمَالِ وَلَا يَكْتَسِيَ مِنْهُ مَا كَانَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ النَّفَقَةُ إِذَا شَخَصَ فِي الْمَالِ وَكَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ النَّفَقَةَ فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ مُقِيمٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَلَا كِسْوَةَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَخَرَجَ بِهِ وَبِمَالِ نَفْسِهِ قَالَ يَجْعَلُ النَّفَقَةَ مِنْ الْقِرَاضِ وَمِنْ مَالِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِ الْمَالِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

9 -

بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا: إِذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا يَحْمِلُ النَّفَقَةَ، فَإِذَا شَخَصَ) بِفَتَحَاتٍ: سَافَرَ (فِيهِ الْعَامِلُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَيَكْتَسِيَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ قَدْرِهِ)

ص: 528

وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ مِنْ قَدْرِ الْمَالِ (وَيَسْتَأْجِرَ مِنَ الْمَالِ إِذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ) وَحْدَهُ (بَعْضَ) مَفْعُولُ يَسْتَأْجِرُ (مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضَ مَؤُونَتِهِ) مَفْعُولُ يَكْفِي (وَمِنَ الْأَعْمَالِ أَعْمَالٌ لَا يَعْمَلُهَا الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ) أَيِ الْعَامِلُ (وَلَيْسَ مِثْلُهُ يَعْمَلُهَا مِنْ ذَلِكَ تَقَاضِي الدَّيْنِ) طَلَبُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ (وَنَقْلُ الْمَتَاعِ وَشَدُّهُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنَ الْمَالِ مَنْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ) بِالْفَتْحِ (أَنْ يَسْتَنْفِقَ) بِسِينِ الطَّلَبِ أَيْ يَطْلُبَ أَنْ يُنْفِقَ (مِنَ الْمَالِ وَلَا يَكْتَسِيَ مِنْهُ) وَمَنْعُهُ مِنْ طَلَبِ ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ فِعْلِهِ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32](سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةَ 32) فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ لَا تَزْنُوا، وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

يَا عَاذِلَانِي لَا تُرِدْنَ مَلَامَتِي

إِنَّ الْعَوَاذِلَ لَسْنَ لِي بِأَمِيرِ

أَبْلَغُ مِنْ لَا تَلُمْنِي.

(مَا كَانَ) أَيْ مُدَّةُ كَوْنِهِ (مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ إِنَّمَا تَجُوزُ لَهُ النَّفَقَةُ إِذَا شَخَصَ) سَافَرَ (فِي الْمَالِ وَكَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ النَّفَقَةَ، فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَتَّجِرُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ مُقِيمٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنَ الْمَالِ وَلَا كُسْوَةَ) وَكَذَا إِذَا كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا فَلَا كُسْوَةَ وَلَا نَفَقَةَ قَرُبَ السَّفَرُ أَوْ بَعُدَ، قَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا، نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَخَرَجَ بِهِ وَبِمَالٍ لِنَفْسِهِ قَالَ: يَجْعَلُ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَمِنْ مَالِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِ الْمَالِ) وَاخْتُلِفَ فِي مُطْلَقِ عَقْدِ الْقِرَاضِ هَلْ يَقْتَضِي السَّفَرَ بِالْمَالِ؟ فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} [المزمل: 20](سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: الْآيَةَ 20) أَيْ يُسَافِرُونَ فَلَا يُنَافِيهِ مُطْلَقُ عَقْدِ الْقِرَاضِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُسَافِرُ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلَانِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُسَافِرُ بِالْقَلِيلِ سَفَرًا بَعِيدًا إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

ص: 529

[بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ مَعَهُ مَالٌ قِرَاضٌ فَهُوَ يَسْتَنْفِقُ مِنْهُ وَيَكْتَسِي إِنَّهُ لَا يَهَبُ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يُعْطِي مِنْهُ سَائِلًا وَلَا غَيْرَهُ وَلَا يُكَافِئُ فِيهِ أَحَدًا فَأَمَّا إِنْ اجْتَمَعَ هُوَ وَقَوْمٌ فَجَاءُوا بِطَعَامٍ وَجَاءَ هُوَ بِطَعَامٍ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاسِعًا إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ ذَلِكَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ حَلَّلَهُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ أَبَى أَنْ يُحَلِّلَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَافِئَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا لَهُ مُكَافَأَةٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

10 -

بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ مَعَهُ مَالٌ قِرَاضٌ فَهُوَ يَسْتَنْفِقُ) بِسِينِ التَّأْكِيدِ (مِنْهُ وَيَكْتَسِي: إِنَّهُ لَا يَهَبُ مِنْهُ شَيْئًا) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى النَّفَقَةَ إِلَى التَّفَضُّلِ عَلَى النَّاسِ (وَلَا يُعْطِي مِنْهُ سَائِلًا) الدَّرَاهِمَ أَوِ الثِّيَابَ، وَأَمَّا الْكُسْوَةُ وَالْقِطْعَةُ لِلسَّائِلِ الْمُتَكَفِّفِ فَيَجُوزُ.

(وَلَا) يُعْطِي (غَيْرَهُ) شَيْئًا (وَلَا يُكَافِئُ فِيهِ أَحَدًا) أَسْدَى إِلَيْهِ مَعْرُوفًا يَخْتَصُّ بِهِ، فَلَوْ كَافَأَ عَلَى مَعْرُوفٍ أُسْدِيَ إِلَيْهِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَالتِّجَارَةِ جَازَ، وَهَذَا فِعْلُهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَمَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ فَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ هُوَ.

(فَأَمَّا إِنِ اجْتَمَعَ هُوَ وَقَوْمٌ فَجَاءُوا بِطَعَامٍ وَجَاءَ هُوَ بِطَعَامٍ) عَلَى عَادَةِ الرُّفَقَاءِ فِي السَّفَرِ (فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاسِعًا) أَيْ جَائِزًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ (إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ) بِأَنْ أَتَى بِأَمْرٍ مُسْتَنْكَرٍ (أَوْ مَا يُشْبِهُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَعَلَيْهِ) أَيْ يَجِبُ (أَنْ يَتَحَلَّلَ ذَلِكَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ، فَإِنْ حَلَّلَهُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُحَلِّلَهُ) يُسَامِحَهُ (فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَافِئَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا لَهُ مُكَافَأَةٌ) وَهُوَ مَا قُصِدَ بِهِ التَّفَضُّلُ، لَا إِنْ قَلَّ كَالْعِدَّةِ.

ص: 530

[بَاب الدَّيْنِ فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَةَ بِدَيْنٍ فَرَبِحَ فِي الْمَالِ ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ قَالَ إِنْ أَرَادَ وَرَثَتُهُ أَنْ يَقْبِضُوا ذَلِكَ الْمَالَ وَهُمْ عَلَى شَرْطِ أَبِيهِمْ مِنْ الرِّبْحِ فَذَلِكَ لَهُمْ إِذَا كَانُوا أُمَنَاءَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَرِهُوا أَنْ يَقْتَضُوهُ وَخَلَّوْا بَيْنَ صَاحِبِ الْمَالِ وَبَيْنَهُ لَمْ يُكَلَّفُوا أَنْ يَقْتَضُوهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ إِذَا أَسْلَمُوهُ إِلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ اقْتَضَوْهُ فَلَهُمْ فِيهِ مِنْ الشَّرْطِ وَالنَّفَقَةِ مِثْلُ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ فِي ذَلِكَ هُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِأَمِينٍ ثِقَةٍ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ الْمَالَ فَإِذَا اقْتَضَى جَمِيعَ الْمَالِ وَجَمِيعَ الرِّبْحِ كَانُوا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا عَلَى أَنَّهُ يَعْمَلُ فِيهِ فَمَا بَاعَ بِهِ مِنْ دَيْنٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إِنْ بَاعَ بِدَيْنٍ فَقَدْ ضَمِنَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

11 -

بَابُ الدَّيْنِ فِي الْقِرَاضِ

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى

ص: 530

بِهِ ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَةَ بِدَيْنٍ) بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ (فَرَبِحَ فِي الْمَالِ ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ قَالَ: إِنْ أَرَادَ وَرَثَتُهُ) أَيِ الْعَامِلِ (أَنْ يَقْبِضُوا ذَلِكَ الْمَالَ وَهُمْ عَلَى شَرْطِ أَبِيهِمْ مِنَ الرِّبْحِ فَذَلِكَ لَهُمْ) إِلَى تَمَامِ الْعَمَلِ (إِذَا كَانُوا أُمَنَاءَ عَلَى ذَلِكَ) عَالِمِينَ بِالْعَمَلِ (فَإِذَا كَرِهُوا أَنْ يَقْتَضُوهُ وَخَلَّوْا بَيْنَ صَاحِبِ الْمَالِ وَبَيْنَهُ لَمْ يُكَلَّفُوا أَنْ يَقْتَضُوهُ) وَإِنْ كَانُوا أُمَنَاءَ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ إِذَا أَسْلَمُوهُ إِلَى رَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّ الْقِرَاضَ إِنَّمَا انْعَقَدَ فِي مَنَافِعِهِ وَأَمَانَتِهِ لَا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا مَاتَ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ مَالُهُ.

(فَإِنِ اقْتَضَوْهُ فَلَهُمْ فِيهِ مِنَ الشَّرْطِ) عَلَى جُزْءِ الرِّبْحِ (وَالنَّفَقَةِ مِثْلَ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ فِي ذَلِكَ هُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ) وَإِنَّمَا خُيِّرُوا لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِمُورِثِهِمْ حَقٌّ فِي الرِّبْحِ، وَمَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَارِثِهِ.

(فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالْعَمَلِ (فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِأَمِينٍ) عَالِمٍ بِالْعَمَلِ (فَيَقْتَضِي ذَلِكَ الْمَالَ، فَإِذَا اقْتَضَى جَمِيعَ الْمَالِ وَجَمِيعَ الرِّبْحِ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ) فَلَهُمْ جُزْءُ الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ شَرَطَهُ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ فَمَا بَاعَ بِهِ مِنْ دَيْنٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إِنْ بَاعَ بِدَيْنٍ فَقَدْ ضَمِنَهُ) إِذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِدَيْنٍ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ ذَلِكَ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ إِلَّا أَنْ يَنْهَاهُ صَاحِبُ الْمَالِ.

ص: 531

[بَاب الْبِضَاعَةِ فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ سَلَفًا أَوْ اسْتَسْلَفَ مِنْهُ صَاحِبُ الْمَالِ سَلَفًا أَوْ أَبْضَعَ مَعَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِضَاعَةً يَبِيعُهَا لَهُ أَوْ بِدَنَانِيرَ يَشْتَرِي لَهُ بِهَا سِلْعَةً قَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ إِنَّمَا أَبْضَعَ مَعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ عِنْدَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَعَلَهُ لِإِخَاءٍ بَيْنَهُمَا أَوْ لِيَسَارَةِ مَئُونَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْزِعْ مَالَهُ مِنْهُ أَوْ كَانَ الْعَامِلُ إِنَّمَا اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ أَوْ حَمَلَ لَهُ بِضَاعَتَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالُهُ فَعَلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْدُدْ عَلَيْهِ مَالَهُ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْقِرَاضِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ شَرْطٌ أَوْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْعَامِلُ لِصَاحِبِ الْمَالِ لِيُقِرَّ مَالَهُ فِي يَدَيْهِ أَوْ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ لِأَنْ يُمْسِكَ الْعَامِلُ مَالَهُ وَلَا يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ وَهُوَ مِمَّا يَنْهَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

12 -

بَابُ الْبِضَاعَةِ فِي الْقِرَاضِ

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ

ص: 531

الْمَالِ سَلَفًا أَوِ اسْتَسْلَفَ مِنْهُ) أَيِ الْعَامِلُ (صَاحِبُ الْمَالِ سَلَفًا أَوْ أَبَضَعَ مَعَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِضَاعَةً يَبِيعُهَا لَهُ أَوْ بِدَنَانِيرَ يَشْتَرِي لَهُ بِهَا سِلْعَةً.

قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ إِنَّمَا أَبْضَعَ مَعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ عِنْدَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَعَلَهُ لِإِخَاءٍ) بِالْمَدِّ: صَدَاقَةٍ وَمَوَدَّةٍ بَيْنَهُمَا (أَوْ لِيَسَارَةِ) سُهُولَةِ (مَؤُونَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْزِعْ مَالَهُ) الْمَجْعُولَ قِرَاضًا (مِنْهُ، أَوْ كَانَ الْعَامِلُ إِنَّمَا اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ أَوْ حَمَلَ لَهُ بِضَاعَتَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالُهُ فَعَلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْدُدْ عَلَيْهِ مَالَهُ، فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِ) عَقْدِ (الْقِرَاضِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ) كَأَنَّهُ أَرَادَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ أَوْ تَأْكِيدَ الْجَوَازِ.

(وَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ شَرْطٌ أَوْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْعَامِلُ لِصَاحِبِ الْمَالِ لِيُقِرَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ: يُبْقِيَ (مَالَهُ فِي يَدَيْهِ، أَوْ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ لِأَنْ يُمْسِكَ الْعَامِلُ مَالَهُ وَلَا يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ، وَهُوَ مِمَّا يَنْهَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ) لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَعْلُومِ فَيَعُودُ مَجْهُولًا ; لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبِضَاعَةِ لَهُ أُجْرَةٌ يَسْتَحِقُّهَا الْعَامِلُ فِيهَا.

ص: 532

[بَاب السَّلَفِ فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا مَالًا ثُمَّ سَأَلَهُ الَّذِي تَسَلَّفَ الْمَالَ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا قَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ مِنْهُ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ قِرَاضًا إِنْ شَاءَ أَوْ يُمْسِكَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَهُ عَلَيْهِ سَلَفًا قَالَ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ مَالَهُ ثُمَّ يُسَلِّفَهُ إِيَّاهُ إِنْ شَاءَ أَوْ يُمْسِكَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَقَصَ فِيهِ فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْهُ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَجُوزُ وَلَا يَصْلُحُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

13 -

بَابُ السِّلَفِ فِي الْقِرَاضِ

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا مَالًا ثُمَّ سَأَلَهُ الَّذِي تَسَلَّفَ الْمَالَ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ مِنْهُ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ قِرَاضًا) إِنْ شَاءَ (أَوْ يُمْسِكَهُ) وَقَدَّمَ ذَلِكَ مُعَلِّلًا فِي تَرْجَمَةِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَهُ عَلَيْهِ سَلَفًا فَقَالَ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ مَالَهُ ثُمَّ يُسَلِّفَهُ إِيَّاهُ إِنْ شَاءَ أَوْ يُمْسِكَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ مَحَبَّتِهِ (مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَقَصَ فِيهِ فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْهُ إِلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْهُ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلَا يَجُوزُ وَلَا يَصْلُحُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَيَدْخُلُهُ أَيْضًا فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، لِأَنَّ الْقِرَاضَ بَعْضُ التَّعَلُّقِ بِذِمَّتِهِ، إِذْ لَوِ ادَّعَى الْخَسَارَةَ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهَا فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا؟ يَضْمَنُ، وَلَوِ ادَّعَى التَّبْرِئَةَ لَمْ يَضْمَنْ، فَإِذَا أَسْلَفَهُ إِيَّاهُ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ، فَهُوَ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ.

ص: 533

[بَاب الْمُحَاسَبَةِ فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَصَاحِبُ الْمَالِ غَائِبٌ قَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ حَتَّى يُحْسَبَ مَعَ الْمَالِ إِذَا اقْتَسَمَاهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِلْمُتَقَارِضَيْنِ أَنْ يَتَحَاسَبَا وَيَتَفَاصَلَا وَالْمَالُ غَائِبٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ فَيَسْتَوْفِي صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَطَلَبَهُ غُرَمَاؤُهُ فَأَدْرَكُوهُ بِبَلَدٍ غَائِبٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ وَفِي يَدَيْهِ عَرْضٌ مُرَبَّحٌ بَيِّنٌ فَضْلُهُ فَأَرَادُوا أَنْ يُبَاعَ لَهُمْ الْعَرْضُ فَيَأْخُذُوا حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ قَالَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ رِبْحِ الْقِرَاضِ شَيْءٌ حَتَّى يَحْضُرَ صَاحِبُ الْمَالِ فَيَأْخُذَ مَالَهُ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَتَجَرَ فِيهِ فَرَبِحَ ثُمَّ عَزَلَ رَأْسَ الْمَالِ وَقَسَمَ الرِّبْحَ فَأَخَذَ حِصَّتَهُ وَطَرَحَ حِصَّةَ صَاحِبِ الْمَالِ فِي الْمَالِ بِحَضْرَةِ شُهَدَاءَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَالَ لَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الرِّبْحِ إِلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ أَخَذَ شَيْئًا رَدَّهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ هَذِهِ حِصَّتُكَ مِنْ الرِّبْحِ وَقَدْ أَخَذْتُ لِنَفْسِي مِثْلَهُ وَرَأْسُ مَالِكَ وَافِرٌ عِنْدِي قَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ كُلُّهُ فَيُحَاسِبَهُ حَتَّى يَحْصُلَ رَأْسُ الْمَالِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ وَافِرٌ وَيَصِلَ إِلَيْهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَرُدُّ إِلَيْهِ الْمَالَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَحْبِسُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ حُضُورُ الْمَالِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ قَدْ نَقَصَ فِيهِ فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْهُ وَأَنْ يُقِرَّهُ فِي يَدِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

14 -

بَابُ الْمُحَاسَبَةِ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنَ

ص: 533

الرِّبْحِ وَصَاحِبُ الْمَالِ غَائِبٌ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا إِلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ حَتَّى يُحْسَبَ مَعَ الْمَالِ إِذَا اقْتَسَمَاهُ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مُقَاسِمًا لِنَفْسِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا آخِذًا لَهَا، وَمُعْطِيًا لَهَا.

(قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمُتَقَارِضَيْنِ أَنْ يَتَحَاسَبَا وَيَتَفَاصَلَا وَالْمَالُ غَائِبٌ عَنْهُمَا، حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ فَيَسْتَوْفِي صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ) عَيْنًا أَوْ سِلْعَةً إِنِ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ يُرِيدُ سِلْعَةً يَجُوزُ سَلَمُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهَا (ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا) فِيهِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَطَلَبَهُ غُرَمَاؤُهُ فَأَدْرَكُوهُ بِبَلَدٍ غَائِبٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ وَفِي يَدِهِ عَرْضٌ مُرْبِحٌ بَيِّنٌ) ظَاهِرٌ (فَضْلُهُ) زِيَادَتُهُ (فَأَرَادُوا أَنْ يُبَاعَ لَهُمُ الْعَرْضُ فَيَأْخُذُوا حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ فَقَالَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ رِبْحِ الْقِرَاضِ شَيْءٌ حَتَّى يَحْضُرَ صَاحِبُ الْمَالِ فَيَأْخُذَ مَالَهُ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا) لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ إِلَّا بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَتَجَرَ فِيهِ فَرَبِحَ ثُمَّ عَزَلَ رَأْسَ الْمَالِ وَقَسَّمَ الرِّبْحَ فَأَخَذَ حِصَّتَهُ وَطَرَحَ) أَلْقَى (حِصَّةَ صَاحِبِ الْمَالِ فِي الْمَالِ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ) وَفِي نُسْخَةٍ: شُهَدَاءَ (أَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: لَا يَجُوزُ قِسْمَةُ الرِّبْحِ إِلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ،

ص: 534

وَإِنْ كَانَ أَخَذَ شَيْئًا رَدَّهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ثُمَّ يَقْسِمَانِ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا مِنَ الرِّبْحِ عَلَى شَرْطِهِمَا) وَلَا يَنْفَعُهُ الْإِشْهَادُ؛ لِأَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ، فَإِنْ تَجَرَ فِيهِ فَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ الرِّبْحِ وَهُوَ قِطْعَةٌ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَجَاءَهُ فَقَالَ: هَذِهِ حِصَّتُكَ مِنَ الرِّبْحِ وَقَدْ أَخَذْتُ لِنَفْسِي مِثْلَهُ وَرَأْسُ مَالِكَ وَافِرٌ عِنْدِي قَالَ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ كُلُّهُ فَيُحَاسِبُهُ حَتَّى يَحْصُلَ رَأْسُ الْمَالِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ وَافِرٌ) أَيْ كَامِلٌ (وَيَصِلَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَرُدُّ إِلَيْهِ الْمَالَ) إِنْ شَاءَ (أَوْ يَحْبِسُهُ) يَمْنَعُهُ عَنْهُ.

(وَإِنَّمَا يَجِبُ حُضُورُ الْمَالِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ قَدْ نَقَصَ فِيهِ فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْهُ وَأَنْ يُقِرَّهُ فِي يَدِهِ) يُبْقِيهِ عِنْدَهُ لِئَلَّا يُشَاعَ عَنْهُ أَنَّهُ نَقَصَ مَالَ الْقِرَاضِ فَيُنْفَرَ مِنْ مُعَامَلَتِهِ.

ص: 535

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِعْهَا وَقَالَ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ لَا أَرَى وَجْهَ بَيْعٍ فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ قَالَ لَا يُنْظَرُ إِلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ فَإِنْ رَأَوْا وَجْهَ بَيْعٍ بِيعَتْ عَلَيْهِمَا وَإِنْ رَأَوْا وَجْهَ انْتِظَارٍ انْتُظِرَ بِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ ثُمَّ سَأَلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ عَنْ مَالِهِ فَقَالَ هُوَ عِنْدِي وَافِرٌ فَلَمَّا آخَذَهُ بِهِ قَالَ قَدْ هَلَكَ عِنْدِي مِنْهُ كَذَا وَكَذَا لِمَالٍ يُسَمِّيهِ وَإِنَّمَا قُلْتُ لَكَ ذَلِكَ لِكَيْ تَتْرُكَهُ عِنْدِي قَالَ لَا يَنْتَفِعُ بِإِنْكَارِهِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ أَنَّهُ عِنْدَهُ وَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي هَلَاكِ ذَلِكَ الْمَالِ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَمْرٍ مَعْرُوفٍ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَلَمْ يَنْفَعْهُ إِنْكَارُهُ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ قَالَ رَبِحْتُ فِي الْمَالِ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَهُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ وَرِبْحَهُ فَقَالَ مَا رَبِحْتُ فِيهِ شَيْئًا وَمَا قُلْتُ ذَلِكَ إِلَّا لِأَنْ تُقِرَّهُ فِي يَدِي فَذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ وَيُؤْخَذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ قَوْلُهُ وَصِدْقُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَرَبِحَ فِيهِ رِبْحًا فَقَالَ الْعَامِلُ قَارَضْتُكَ عَلَى أَنَّ لِي الثُّلُثَيْنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ قَارَضْتُكَ عَلَى أَنَّ لَكَ الثُّلُثَ قَالَ مَالِكٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَمِينُ إِذَا كَانَ مَا قَالَ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ نَحْوًا مِمَّا يَتَقَارَضُ عَلَيْهِ النَّاسُ وَإِنْ جَاءَ بِأَمْرٍ يُسْتَنْكَرُ لَيْسَ عَلَى مِثْلِهِ يَتَقَارَضُ النَّاسُ لَمْ يُصَدَّقْ وَرُدَّ إِلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَعْطَى رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً ثُمَّ ذَهَبَ لِيَدْفَعَ إِلَى رَبِّ السِّلْعَةِ الْمِائَةَ دِينَارٍ فَوَجَدَهَا قَدْ سُرِقَتْ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بِعْ السِّلْعَةَ فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ كَانَ لِي وَإِنْ كَانَ فِيهَا نُقْصَانٌ كَانَ عَلَيْكَ لِأَنَّكَ أَنْتَ ضَيَّعْتَ وَقَالَ الْمُقَارَضُ بَلْ عَلَيْكَ وَفَاءُ حَقِّ هَذَا إِنَّمَا اشْتَرَيْتُهَا بِمَالِكَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْمُشْتَرِيَ أَدَاءُ ثَمَنِهَا إِلَى الْبَائِعِ وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْمَالِ الْقِرَاضِ إِنْ شِئْتَ فَأَدِّ الْمِائَةَ الدِّينَارِ إِلَى الْمُقَارَضِ وَالسِّلْعَةُ بَيْنَكُمَا وَتَكُونُ قِرَاضًا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْمِائَةُ الْأُولَى وَإِنْ شِئْتَ فَابْرَأْ مِنْ السِّلْعَةِ فَإِنْ دَفَعَ الْمِائَةَ دِينَارٍ إِلَى الْعَامِلِ كَانَتْ قِرَاضًا عَلَى سُنَّةِ الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ وَإِنْ أَبَى كَانَتْ السِّلْعَةُ لِلْعَامِلِ وَكَانَ عَلَيْهِ ثَمَنُهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُتَقَارِضَيْنِ إِذَا تَفَاصَلَا فَبَقِيَ بِيَدِ الْعَامِلِ مِنْ الْمَتَاعِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ خَلَقُ الْقِرْبَةِ أَوْ خَلَقُ الثَّوْبِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ تَافِهًا لَا خَطْبَ لَهُ فَهُوَ لِلْعَامِلِ وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا أَفْتَى بِرَدِّ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُرَدُّ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ ثَمَنٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَهُ اسْمٌ مِثْلُ الدَّابَّةِ أَوْ الْجَمَلِ أَوْ الشَّاذَكُونَةِ أَوْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ ثَمَنٌ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَا إِلَّا أَنْ يَتَحَلَّلَ صَاحِبَهُ مِنْ ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

15 -

جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ: بِعْهَا، وَقَالَ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ لَا أَرَى وَجْهَ بَيْعٍ) لِلْكَسَادِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ (فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ قَالَ: لَا يُنْظَرُ إِلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالْبَصَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ: الْخِبْرَةِ (بِتِلْكَ

ص: 535

السِّلْعَةِ، فَإِنْ رَأَوْا وَجْهَ بَيْعٍ بِيعَتْ عَلَيْهِمَا وَإِنْ رَأَوْا وَجْهَ انْتِظَارٍ انْتُظِرَ بِهَا) لِأَنَّ الْقِرَاضَ قَدْ لَزِمَ بِالشِّرَاءِ وَالْعَمَلِ فَلَيْسَ لَهُمَا الِانْفِكَاكُ مِنْهُ إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْهُودِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ الْمَالُ دَيْنًا دَايَنَ بِهِ الْعَامِلُ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُهُمَا تَعْجِيلَ بَيْعِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآبِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ مِنَ التِّجَارَةِ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ: تُبَاعُ السِّلْعَةُ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُ نَقْضَ الْقِرَاضِ عِنْدَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ ثُمَّ سَأَلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ عَنْ مَالِهِ فَقَالَ هُوَ عِنْدِي وَافِرٌ) أَيْ كَامِلٌ (فَلَمَّا أَخَذَهُ بِهِ قَالَ: قَدْ هَلَكَ عِنْدِي مِنْهُ كَذَا وَكَذَا لِمَالٍ يُسَمِّيهِ، وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِكَيْ تَتْرُكَهُ عِنْدِي، قَالَ: لَا يَنْتَفِعُ بِإِنْكَارِهِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ أَنَّهُ عِنْدَهُ وَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ فِي حُقُوقِ النَّاسِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لَا يَنْفَعُ الرَّاجِعَ (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي هَلَاكِ ذَلِكَ الْمَالِ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ قَوْلُهُ) فَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْهَلَاكِ (فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَمْرٍ مَعْرُوفٍ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَلَمْ يَنْفَعْهُ إِنْكَارُهُ) بَلْ سَيَكُونُ نَدَمًا.

(وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ قَالَ: رَبِحْتُ فِي الْمَالِ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَهُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ وَرِبْحَهُ فَقَالَ: مَا رَبِحْتُ فِيهِ شَيْئًا وَمَا قُلْتُ ذَلِكَ إِلَّا لِأَنْ تُقَرِّرَهُ فِي يَدِي، فَذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ وَيُؤْخَذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ قَوْلُهُ وَصِدْقُهُ) كَاشْتِهَارِ بَوَارِ مَا اتَّجَرَ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ (فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ) لِظُهُورِ صِدْقِهِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَرَبِحَ فِيهِ رِبْحًا فَقَالَ الْعَامِلُ: قَارَضْتُكَ عَلَى أَنَّ لِيَ الثُّلُثَيْنِ،

ص: 536

وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ: قَارَضْتُكَ عَلَى أَنَّ لَكَ الثُّلُثَ، قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَمِينُ إِذَا كَانَ مَا قَالَ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ نَحْوًا مِمَّا يَتَقَارَضُ عَلَيْهِ النَّاسُ) بَيَانٌ لِلشَّبَهِ، وَكَذَا إِنْ أَشْبَهَ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَوْلُ لِلْعَامِلِ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ أَشْبَهَ صَاحِبَ الْمَالِ وَحْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ.

(وَإِنْ) لَمْ يُشْبِهِ الْعَامِلُ بِأَنْ (جَاءَ بِأَمْرٍ يُسْتَنْكَرُ لَيْسَ عَلَى مِثْلِهِ يَتَقَارَضُ النَّاسُ لَمْ يُصَدَّقْ وَرُدَّ إِلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ) وَكَذَا إِنْ لَمْ يُشْبِهْ أَحَدًا مِنْهُمَا يُرَدَّانِ إِلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَعْطَى رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهَا ثُمَّ ذَهَبَ لِيَدْفَعَ إِلَى رَبِّ السِّلْعَةِ الْمِائَةَ دِينَارٍ فَوَجَدَهَا قَدْ سُرِقَتْ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: بِعِ السِّلْعَةَ فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ كَانَ لِي وَإِنْ كَانَ فِيهَا نُقْصَانٌ كَانَ عَلَيْكَ لِأَنَّكَ أَنْتَ ضَيَّعْتَ، وَقَالَ الْمُقَارَضُ:) بِالْفَتْحِ (بَلْ عَلَيْكَ وَفَاءُ حَقِّ هَذَا) لِأَنِّي (إِنَّمَا اشْتَرَيْتُهَا بِمَالِكَ الَّذِي أَعْطَيْتِنِي، قَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْمُشْتَرِيَ أَدَاءُ ثَمَنِهَا إِلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ الَّذِي تَوَلَّى الشِّرَاءَ مِنْهُ.

(وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْمَالِ الْقِرَاضِ) بِالْخَفْضِ بَدَلٌ (إِنْ شِئْتَ فَأَدِّ الْمِائَةَ الدِّينَارِ إِلَى الْمُقَارَضِ) بِالْفَتْحِ (وَالسِّلْعَةُ بَيْنَكُمَا أَوْ تَكُونُ قِرَاضًا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْمِائَةُ الْأُولَى، وَإِنْ شِئْتَ فَابْرَأْ مِنَ السِّلْعَةِ) وَتَكُونُ خَسَارَةُ الْمِائَةِ عَلَيْكَ (فَإِنْ دَفَعَ الْمِائَةَ الدِّينَارِ إِلَى الْعَامِلِ كَانَتْ قِرَاضًا عَلَى سُنَّةِ الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ) أَيْ طَرِيقَتِهِ عَلَى مَا شَرَطَا مِنَ الرِّبْحِ.

(وَإِنْ أَبَى) امْتَنَعَ (كَانَتِ السِّلْعَةُ لِلْعَامِلِ وَكَانَ عَلَيْهِ ثَمَنُهَا) وَتَمَّتْ خَسَارَةُ الْمِائَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ.

ص: 537

(قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُتَقَارِضَيْنِ إِذَا تَفَاصَلَا فَبَقِيَ بِيَدِ الْعَامِلِ مِنَ الْمَتَاعِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ خَلَقُ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ أَيْ بَالِي (الْقِرْبَةِ أَوْ خَلَقُ الثَّوْبِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) كَالْغِرَارَةِ وَالْإِدَاوَةِ.

(قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ تَافِهًا) بِالْفَوْقِيَّةِ وَالْفَاءِ أَيْ قَلِيلًا (لَا خَطْبَ) لَا شَأْنَ (لَهُ فَهُوَ لِلْعَامِلِ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا أَفْتَى بِرَدِّ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ غَالِبًا؛ خُصُوصًا مِنْ رَبِّ الْمَالِ؛ لَا سِيَّمَا إِذَا رَبِحَ (وَإِنَّمَا يُرَدُّ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ ثَمَنٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَهُ اسْمٌ مِثْلَ الدَّابَّةِ أَوِ الْجَمَلِ أَوِ الشَّاذَكُونَةِ) بِشِينٍ وَذَالٍ مُعْجَمَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَضَمِّ الْكَافَ: ثِيَابٌ غِلَاظٌ مُضَرَّبَةٌ تُعْمَلُ بِالْيَمَنِ (أَوْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ ثَمَنٌ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ مِنْ هَذِهِ، إِلَّا أَنْ يَتَحَلَّلَ صَاحِبَهُ مِنْ ذَلِكَ) وَوَافَقَهُ اللَّيْثُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يَرُدُّ قَلِيلَ ذَلِكَ وَكَثِيرَهُ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «يَا عَائِشَةُ إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللَّهِ طَالِبًا» " وَلَا حُجَّةَ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 538

[كِتَاب الْمُسَاقَاةِ]

[بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُسَاقَاةِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْمُسَاقَاةِ بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُسَاقَاةِ

حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِيَهُودِ خَيْبَرَ يَوْمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ أُقِرُّكُمْ فِيهَا مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عز وجل عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُ إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِيَ فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

33 -

كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ

1 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُسَاقَاةِ

مُفَاعَلَةٌ مِنَ السَّقْيِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ عَمَلِهَا وَأَصْلُ مَنْفَعَتِهَا وَأَكْثَرُهَا مُؤْنَةً، وَالْبَعْلُ يَجُوزُ مَسَاقَاتُهُ، وَلَا سَقْيَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنَ الْمُؤَنِ يَقُومُ مَقَامَ السَّقْيِ، وَالْمُفَاعَلَةُ إِمَّا لِلْوَاحِدِ نَحْوُ: عَافَاكَ اللَّهُ، أَوْ لُوحِظَ الْعَقْدُ وَهُوَ مِنْهُمَا فَيَكُونُ مِنَ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلَّقِ عَنِ الْمُتَعَلِّقِ وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَالْإِجَارَةِ بِهَا قَبْلَ طِيبِهَا وَقَبْلَ وُجُودِهَا، وَمِنَ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ وَمِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ قَالَهُ عِيَاضٌ.

وَبُحِثَ فِي الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مُكْتَرَاةٍ فِي الْمُسَاقَاةِ، إِنَّمَا الْمُكْتَرِي الْعَامِلُ، وَلِذَا قَالُوا فِي حَدِّهَا إِنَّهَا إِجَارَةٌ عَلَى الْعَمَلِ فِي حَائِطٍ وَشِبْهِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْمُسَاقَاةِ فِيهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَذَلِكَ كَافٍ فِي الِاسْتِثْنَاءِ.

1412 -

1380 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرْسَلَهُ جَمِيعُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ، وَوَصَلَهُ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ أَيْ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَزَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِيَهُودِ خَيْبَرَ) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ، مَدِينَةٌ كَبِيرَةٌ ذَاتُ حُصُونٍ وَمَزَارِعَ وَنَخْلٍ كَثِيرٍ عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرَدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ (يَوْمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ) فِي صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَعْدَمَا حَاصَرَهَا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَمَنْ قَالَ سَنَةَ سِتٍّ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّارِيخِ مِنْ شَهْرِ الْهِجْرَةِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ رَبِيعُ الْأَوَّلُ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ

ص: 539

يَكْفُوهُ الْعَمَلَ وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:( «أُقِرُّكُمْ فِيهَا مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ» ) عز وجل لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ الْمُسَاقَاةِ مُدَّةً مَجْهُولَةً، لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الْعَهْدِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَازِمًا عَلَى إِخْرَاجِ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كَمَحَبَّتِهِ اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَتَقَدَّمُ فِي شَيْءٍ إِلَّا بِوَحْيٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْيَهُودِ مُنْتَظِرًا لِلْقَضَاءِ فِيهِمْ إِلَى أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَتَاهُ الْوَحْيُ فَقَالَ: لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ ذَلِكَ فَحَصَ عَنْهُ حَتَّى أَتَاهُ الثَّبْتُ فَأَجْلَاهُمْ، أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا بِهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُ قَضَاءَ اللَّهِ، وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَبِيدًا لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَيَجُوزُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ؛ إِذْ لِلسَّيِّدِ أَخْذُ مَا بِيَدِهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّهُ بَيَّنَ لَهُمْ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ الرَّاوِي؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْمُسَاقَاةُ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ بَعْدَ وَصْفِ الْعَمَلِ وَالِاتِّفَاقِ مِنْهُ عَلَى مَعْلُومٍ بِعَادَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.

قَالَ عِيَاضٌ: وَقِيلَ: لَيْسَ الْقَصْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُؤَبَّدَةً، وَأَنَّ لَنَا إِخْرَاجَكُمْ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَدُّ الْأَجَلِ فَلَمْ يَسْمَعْهُ الرَّاوِي فَلَمْ يَنْقُلْهُ اهـ.

وَفِيهِ بُعْدٌ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ.

(عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ) بِمُثَلَّثَةٍ (بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) نِصْفَيْنِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» " قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِلْإِبْهَامِ فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ، فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ لَا تَجُوزُ مُبْهَمَةً، وَالْجُزْءُ فِيهَا مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ.

(قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ الشَّاعِرَ أَحَدَ السَّابِقِينَ، شَهِدَ بَدْرًا وَاسْتُشْهِدَ بِمُؤْتَةَ، وَكَانَ ثَالِثَ الْأُمَرَاءِ بِهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ، وَفِيهِ أَنْ كَانَ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَعَثَهُ عَامًا وَاحِدًا وَقُتِلَ بَعْدَهُ بِأَشْهُرٍ كَمَا رَأَيْتَ.

(فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُ إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ) وَتَضْمَنُونَ نَصِيبَ الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي) وَأَضْمَنُ نَصِيبَكُمْ (فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ) وَعَنْ جَابِرٍ: خَرَصَ ابْنُ رَوَاحَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ، وَلَمَّا خَيَّرَهُمْ أَخَذُوا الثَّمَرَةَ وَأَدَّوْا عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ.

قَالَ ابْنُ مُزَيِّنٍ: سَأَلْتُ عِيسَى عَنْ فِعْلِ ابْنِ رَوَاحَةَ أَيَجُوزُ لِلْمُتَسَاقِيَيْنِ أَوِ الشَّرِيكَيْنِ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَا يَصْلُحُ قَسْمُهُ إِلَّا كَيْلًا؛ إِلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ حَاجَتُهُمَا إِلَيْهِ فَيَقْتَسِمَانِهِ بِالْخَرْصِ، فَتَأَوَّلَ خَرْصَ ابْنِ رَوَاحَةَ لِلْقِسْمَةِ خَاصَّةً.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَرَصَهَا بِتَمْيِيزِ حَقِّ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهَا غَيْرُ مَصْرِفِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْطِيهَا الْإِمَامُ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، فَيَسْلَمُ مِمَّا خَافَهُ عِيسَى وَأَنْكَرَهُ.

وَقَوْلُهُ: إِنْ شِئْتُمْ. . . . . إِلَخْ، حَمَلَهُ عِيسَى عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ إِلَيْهِمْ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْخَرْصِ لِيَضْمَنُوا حِصَّةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مَعْنَاهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالثَّمَرِ بِالْخَرْصِ فِي غَيْرِ الْعُرْيَةِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ خَرْصُ الزَّكَاةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ أَنْ

ص: 540

تَأْخُذُوا الثَّمَرَةَ عَلَى أَنْ تُؤَدُّوا زَكَاتَهَا عَلَى مَا خَرَصْتُهُ، وَإِلَّا فَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنَ الْفَيْءِ بِمَا يُشْتَرَى بِهِ فَيَخْرُجُ بِهَذَا الْخَرْصُ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِسِعْرِ الثَّمَرِ إِنْ حُمِلَ عَلَى خَرْصِ الْقِسْمَةِ لِاخْتِلَافِ الْحَاجَةِ، فَمَعْنَاهُ إِنْ شِئْتُمْ هَذَا النَّصِيبَ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي، يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَرَةَ مَا دَامَتْ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ لَيْسَ بِوَقْتِ قِسْمَةِ ثَمَرِ الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِلِ جَذَّهَا وَالْقِيَامَ عَلَيْهَا حَتَّى يَجْرِيَ فِيهَا الْكَيْلُ أَوِ الْوَزْنُ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْخَرْصَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ إِلَّا بِمَعْنَى اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْخَرْصُ فِي الْمُسَاقَاةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقِيَيْنِ شَرِيكَانِ لَا يَقْتَسِمَانِ إِلَّا بِمَا يَجُوزُ بِهِ بَيْعُ الثِّمَارِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَإِلَّا دَخَلَتْهُ الْمُزَابَنَةُ، قَالُوا: وَإِنَّمَا بَعَثَ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَخْرُصُ عَلَى الْيَهُودِ لِإِحْصَاءِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ لَيْسُوا شُرَكَاءَ مُعَيَّنِينَ، فَلَوْ تَرَكَ الْيَهُودَ وَأَكَلَهَا رَطْبًا وَتَصَرَّفَ فِيهَا أَضَرَّ ذَلِكَ سَهْمَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّمَا أَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِالْخَرْصِ لِكَيْ تُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتُفَرَّقَ، وَفِيهِ جَوَازُ الْمُسَاقَاةِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ مُسْتَدِلًّا بِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُخَابَرَةِ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ خَيْبَرَ، أَيْ نَهَى عَنِ الْفِعْلِ الَّذِي وَقَعَ فِي خَيْبَرَ مِنَ الْمُسَاقَاةِ، فَحَدِيثُ الْجَوَازِ مَنْسُوخٌ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَعْرِفُ الْمُخَابَرَةَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ عِنْدَهُمْ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْخِبْرَةِ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ بِالْخِفِيَّاتِ، وَقِيلَ: الْخَبْرُ الْحَرْثُ، وَالْمُخَابَرَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الزَّارِعُ خَيْبَرًا، وَبِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:" «عَامَلَ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» " ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، ثُمَّ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَا وَأَرِيحَا، وَكَذَا عَمِلَ بِهَا عُثْمَانُ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُمْ.

أَفَتَرَاهُمْ كَانُوا يَجْهَلُونَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنِ الْمُخَابَرَةِ، أَوْ يُدَّعَى نَسْخُ الْحَدِيثِ وَقَدْ عَمِلَ بِهِ الصَّحَابَةُ وَالْعَمَلُ بِالْمَنْسُوخِ حَرَامٌ إِجْمَاعًا؟ .

ثَانِيهَا: أَنَّ يَهُودَ خَيْبَرَ كَانُوا عَبِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَجُوزُ مَعَ الْعَبْدِ مَا يَمْتَنِعُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَالَّذِي قَدَّرَهُ لَهُمْ صلى الله عليه وسلم مِنْ شَطْرِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ هُوَ قُوتٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْعَبْدِ عَلَى الْمَالِكِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عَبِيدًا امْتَنَعَ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ وَإِخْرَاجُهُمْ إِلَى الشَّامِ وَنَفْيُهُمْ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إِضَاعَةٌ لِمَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِأَنَّ ابْنَ رَوَاحَةَ قَالَ لَهُمْ: إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَتَضْمَنُونَ نَصِيبَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي وَأَضْمَنُ نَصِيبَكُمْ، وَالسَّيِّدُ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ عَنْ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عِنْدَهُمْ، إِذْ مَالُهُ لِلسَّيِّدِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مَالِكِينَ.

ثَالِثُهَا: نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَالْأُجْرَةُ هُنَا فِيهَا غَرَرٌ إِذْ لَا يُدْرَى هَلْ تَسْلَمُ الثَّمَرَةُ أَمْ لَا؟ وَعَلَى سَلَامَتِهَا لَا يُدْرَى كَيْفَ تَكُونُ وَمَا مِقْدَارُهَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ حَدِيثَ الْجَوَازِ خَاصٌّ وَالنَّهْيُ عَنِ الْغَرَرِ عَامٌّ، وَالْخَاصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ.

رَابِعُهَا: أَنَّ الْخَبَرَ إِذَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ رُدَّ إِلَيْهَا، وَحَدِيثُ الْجَوَازِ عَلَى خِلَافِ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ: بَيْعِ الْغَرَرِ، وَالْإِجَارَةِ بِمَجْهُولٍ، وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا

ص: 541

وَالْكُلُّ حَرَامٌ إِجْمَاعًا.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخَبَرَ إِنَّمَا يَجِبُ رَدُّهُ إِلَى الْقَوَاعِدِ إِذَا لَمْ يُعْمَلُ بِهِ، أَمَّا إِذَا عُمِلَ بِهِ قَطَعْنَا بِإِرَادَةِ مَعْنَاهُ فَيُعْتَقَدُ، وَلَا يَلْزَمُ الشَّارِعَ إِذَا شَرَعَ حُكْمًا أَنْ يَشْرَعَهُ مِثْلَ غَيْرِهِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَشْرَعَ مَا لَهُ نَظِيرٌ وَمَا لَا نَظِيرَ لَهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ لِلضَّرُورَةِ؛ إِذْ لَا يَقْدِرُ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى الْقِيَامِ بِشَجَرِهِ وَلَا زَرْعِهِ.

خَامِسُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى تَنْمِيَةِ الْمَاشِيَةِ بِبَعْضِ نَمَائِهَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَاشِيَةَ لَا يَتَعَذَّرُ بَيْعُهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا، بِخِلَافِ الزَّرْعِ الصَّغِيرِ وَالثَّمَرَةِ.

ص: 542

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ قَالَ فَجَمَعُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا لَهُ هَذَا لَكَ وَخَفِّفْ عَنَّا وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنْ الرَّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ» قَالَ مَالِكٌ إِذَا سَاقَى الرَّجُلُ النَّخْلَ وَفِيهَا الْبَيَاضُ فَمَا ازْدَرَعَ الرَّجُلُ الدَّاخِلُ فِي الْبَيَاضِ فَهُوَ لَهُ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِي الْبَيَاضِ لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّ الرَّجُلَ الدَّاخِلَ فِي الْمَالِ يَسْقِي لِرَبِّ الْأَرْضِ فَذَلِكَ زِيَادَةٌ ازْدَادَهَا عَلَيْهِ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَطَ الزَّرْعَ بَيْنَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَتْ الْمَئُونَةُ كُلُّهَا عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ الْبَذْرُ وَالسَّقْيُ وَالْعِلَاجُ كُلُّهُ فَإِنْ اشْتَرَطَ الدَّاخِلُ فِي الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنَّ الْبَذْرَ عَلَيْكَ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَنَّهُ قَدْ اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زِيَادَةً ازْدَادَهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ الْمَئُونَةَ كُلَّهَا وَالنَّفَقَةَ وَلَا يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهَا شَيْءٌ فَهَذَا وَجْهُ الْمُسَاقَاةِ الْمَعْرُوفُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَيْنِ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَنْقَطِعُ مَاؤُهَا فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ وَيَقُولُ الْآخَرُ لَا أَجِدُ مَا أَعْمَلُ بِهِ إِنَّهُ يُقَالُ لِلَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ اعْمَلْ وَأَنْفِقْ وَيَكُونُ لَكَ الْمَاءُ كُلُّهُ تَسْقِي بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُكَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْتَ فَإِذَا جَاءَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْتَ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ الْمَاءِ وَإِنَّمَا أُعْطِيَ الْأَوَّلُ الْمَاءَ كُلَّهُ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا بِعَمَلِهِ لَمْ يَعْلَقْ الْآخَرَ مِنْ النَّفَقَةِ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ كُلُّهَا وَالْمَئُونَةُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُ يَعْمَلُ بِيَدِهِ إِنَّمَا هُوَ أَجِيرٌ بِبَعْضِ الثَّمَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ إِجَارَتُهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا يَعْرِفُهُ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ لَا يَدْرِي أَيَقِلُّ ذَلِكَ أَمْ يَكْثُرُ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مُقَارِضٍ أَوْ مُسَاقٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ الْمَالِ وَلَا مِنْ النَّخْلِ شَيْئًا دُونَ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ أَجِيرًا بِذَلِكَ يَقُولُ أُسَاقِيكَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي فِي كَذَا وَكَذَا نَخْلَةً تَسْقِيهَا وَتَأْبُرُهَا وَأُقَارِضُكَ فِي كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ مِمَّا أُقَارِضُكَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي وَلَا يَصْلُحُ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ الَّتِي يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُسَاقَى شَدُّ الْحِظَارِ وَخَمُّ الْعَيْنِ وَسَرْوُ الشَّرَبِ وَإِبَّارُ النَّخْلِ وَقَطْعُ الْجَرِيدِ وَجَذُّ الثَّمَرِ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ عَلَى أَنَّ لِلْمُسَاقَى شَطْرَ الثَّمَرِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَصْلِ لَا يَشْتَرِطُ ابْتِدَاءَ عَمَلٍ جَدِيدٍ يُحْدِثُهُ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ بِئْرٍ يَحْتَفِرُهَا أَوْ عَيْنٍ يَرْفَعُ رَأْسَهَا أَوْ غِرَاسٍ يَغْرِسُهُ فِيهَا يَأْتِي بِأَصْلِ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ ضَفِيرَةٍ يَبْنِيهَا تَعْظُمُ فِيهَا نَفَقَتُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ مِنْ النَّاسِ ابْنِ لِي هَاهُنَا بَيْتًا أَوْ احْفِرْ لِي بِئْرًا أَوْ أَجْرِ لِي عَيْنًا أَوْ اعْمَلْ لِي عَمَلًا بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ ثَمَرُ الْحَائِطِ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ فَهَذَا بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا إِذَا طَابَ الثَّمَرُ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ اعْمَلْ لِي بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ لِعَمَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ مَعْلُومٍ قَدْ رَآهُ وَرَضِيَهُ فَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَائِطِ ثَمَرٌ أَوْ قَلَّ ثَمَرُهُ أَوْ فَسَدَ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يُسْتَأْجَرُ إِلَّا بِشَيْءٍ مُسَمًّى لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إِلَّا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا الْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ إِنَّمَا يَشْتَرِي مِنْهُ عَمَلَهُ وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِذَا دَخَلَهُ الْغَرَرُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ عِنْدَنَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَصْلِ كُلِّ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ أَوْ زَيْتُونٍ أَوْ رُمَّانٍ أَوْ فِرْسِكٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ نِصْفَ الثَّمَرِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُسَاقَاةُ أَيْضًا تَجُوزُ فِي الزَّرْعِ إِذَا خَرَجَ وَاسْتَقَلَّ فَعَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ سَقْيِهِ وَعَمَلِهِ وَعِلَاجِهِ فَالْمُسَاقَاةُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا جَائِزَةٌ قَالَ مَالِكٌ لَا تَصْلُحُ الْمُسَاقَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُصُولِ مِمَّا تَحِلُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ إِذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ طَابَ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَاقَى مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ مِنْ الثِّمَارِ إِجَارَةٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاقَى صَاحِبَ الْأَصْلِ ثَمَرًا قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ إِيَّاهُ وَيَجُذَّهُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ يُعْطِيهِ إِيَّاهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمُسَاقَاةِ إِنَّمَا الْمُسَاقَاةُ مَا بَيْنَ أَنْ يَجُذَّ النَّخْلَ إِلَى أَنْ يَطِيبَ الثَّمَرُ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ سَاقَى ثَمَرًا فِي أَصْلٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ فَتِلْكَ الْمُسَاقَاةُ بِعَيْنِهَا جَائِزَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَاقَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَثْمَانِ الْمَعْلُومَةِ قَالَ فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُعْطِي أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ مَرَّةً وَرُبَّمَا هَلَكَ رَأْسًا فَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَدْ تَرَكَ كِرَاءً مَعْلُومًا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ بِهِ وَأَخَذَ أَمْرًا غَرَرًا لَا يَدْرِي أَيَتِمُّ أَمْ لَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِسَفَرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ قَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ عُشْرَ مَا أَرْبَحُ فِي سَفَرِي هَذَا إِجَارَةً لَكَ فَهَذَا لَا يَحِلُّ وَلَا يَنْبَغِي قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ وَلَا أَرْضَهُ وَلَا سَفِينَتَهُ إِلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لَا يَزُولُ إِلَى غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَصَاحِبُ الْأَرْضِ يُكْرِيهَا وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَا شَيْءَ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي النَّخْلِ أَيْضًا إِنَّهَا تُسَاقِي السِّنِينَ الثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ قَالَ وَذَلِكَ الَّذِي سَمِعْتُ وَكُلُّ شَيْءٍ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ يَجُوزُ فِيهِ لِمَنْ سَاقَى مِنْ السِّنِينَ مِثْلُ مَا يَجُوزُ فِي النَّخْلِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُسَاقِي إِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي سَاقَاهُ شَيْئًا مِنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ يَزْدَادُهُ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْمُسَاقَى مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ شَيْئًا يَزِيدُهُ إِيَّاهُ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَالزِّيَادَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَا تَصْلُحُ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُقَارِضُ أَيْضًا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَا يَصْلُحُ إِذَا دَخَلَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَوْ الْمُقَارَضَةِ صَارَتْ إِجَارَةً وَمَا دَخَلَتْهُ الْإِجَارَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْإِجَارَةُ بِأَمْرٍ غَرَرٍ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ أَوْ يَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُسَاقِي الرَّجُلَ الْأَرْضَ فِيهَا النَّخْلُ وَالْكَرْمُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ فَيَكُونُ فِيهَا الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ الْبَيَاضُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَكَانَ الْأَصْلُ أَعْظَمَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَهُ فَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاتِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّخْلُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونَ الْبَيَاضُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيَاضَ حِينَئِذٍ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ فِيهَا نَخْلٌ أَوْ كَرْمٌ أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ فَكَانَ الْأَصْلُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ وَالْبَيَاضُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ فِي ذَلِكَ الْكِرَاءُ وَحَرُمَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يُسَاقُوا الْأَصْلَ وَفِيهِ الْبَيَاضُ وَتُكْرَى الْأَرْضُ وَفِيهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ يُبَاعَ الْمُصْحَفُ أَوْ السَّيْفُ وَفِيهِمَا الْحِلْيَةُ مِنْ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ أَوْ الْقِلَادَةُ أَوْ الْخَاتَمُ وَفِيهِمَا الْفُصُوصُ وَالذَّهَبُ بِالدَّنَانِيرِ وَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ الْبُيُوعُ جَائِزَةً يَتَبَايَعُهَا النَّاسُ وَيَبْتَاعُونَهَا وَلَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مَوْصُوفٌ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ إِذَا هُوَ بَلَغَهُ كَانَ حَرَامًا أَوْ قَصُرَ عَنْهُ كَانَ حَلَالًا وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الَّذِي عَمِلَ بِهِ النَّاسُ وَأَجَازُوهُ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مِنْ ذَلِكَ الْوَرِقِ أَوْ الذَّهَبِ تَبَعًا لِمَا هُوَ فِيهِ جَازَ بَيْعُهُ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّصْلُ أَوْ الْمُصْحَفُ أَوْ الْفُصُوصُ قِيمَتُهُ الثُّلُثَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَالْحِلْيَةُ قِيمَتُهَا الثُّلُثُ أَوْ أَقَلُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1413 -

1381 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) مُرْسَلٌ فِي جَمِيعِ الْمُوَطَّآتِ، وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَمَاعُ سُلَيْمَانَ مِنْهُ صَحِيحٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طِهْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ» ) لِتَمْيِيزِ حَقِّ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا لِاخْتِلَافِ الْمَصْرِفَيْنِ، أَوْ لِلْقِسْمَةِ لِاخْتِلَافِ الْحَاجَةِ كَمَا مَرَّ، وَفِيهِ جَوَازُ التَّخْرِيصِ لِذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ، وَلَمْ يُجِزْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِحَالٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إِخْرَاجُ عُشْرِ مَا يَصِيرُ بِيَدِهِ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: الْخَرْصُ الْيَوْمَ بِدْعَةٌ كَأَنَّهُ يَرَى نَسْخَهُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَأَجَازَهُ دَاوُدُ فِي النَّخْلِ خَاصَّةً.

وَدَفَعَ حَدِيثَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ وَيُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ زَبِيبًا كَمَا يُؤَدِّي زَكَاةَ النَّخْلِ تَمْرًا بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ ; لِأَنَّ عَتَّابًا مَاتَ قَبْلَ مَوْلِدِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَبِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَدَعْوَى الْإِرْسَالِ بِمَعْنَى الِانْقِطَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ: إِنَّ عَتَّابًا مَاتَ يَوْمَ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ عَلَى مَكَّةَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَدْ وُلِدَ سَعِيدٌ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ عَلَى الْأَصَحِّ، فَسَمَاعُهُ مِنْ عَتَّابٍ مُمْكِنٌ فَلَا انْقِطَاعَ.

وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ فَصَدُوقٌ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ.

(قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ حُلْيًا) ضُبِطَ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ عَلَى أَنَّهُ مُفْرَدٌ، وَبِضَمٍّ فَكَسْرٍ وَشَدِّ الْيَاءِ عَلَى الْجَمْعِ (مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا: هَذَا لَكَ وَخَفِّفْ عَنَّا وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ) أَجْمِلْهُ وَأَغْمِضْ فِيهِ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: رَامُوا بِهِ أَنْ يَسْتَنْزِلُوهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا} [البقرة: 109](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 109)

ص: 542

وَقَالَ تَعَالَى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} [النساء: 89](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةَ 89) وَلَمْ يُعَاقِبْهُمْ وَامْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: 109](سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 109)(فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ) قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ كَمَا زَادَهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ (وَمَا ذَاكَ) أَيِ الْبُغْضُ (بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ: أَجُورَ (عَلَيْكُمْ) لِأَنَّهُ يَكُونُ ظُلْمًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: " «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " وَفِيهِ: " «إِنَّ الْمُؤْمِنَ وَإِنْ أَبْغَضَ فِي اللَّهِ لَا يَحْمِلُهُ الْبُغْضُ عَلَى ظُلْمِ مَنْ أَبْغَضَ» "(فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنَ الرَّشْوَةِ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ (فَإِنَّهَا سُحْتٌ) أَيْ حَرَامٌ (وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا) لِحُرْمَتِهَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ فِي الْيَهُودِ: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42](سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةَ 42) إِنَّهُ الرَّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَقِيلَ: كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ كَسْبُهُ (فَقَالُوا بِهَذَا) الْعَدْلِ (قَامَتِ السَّمَاوَاتُ) فَوْقَ الرُّءُوسِ بِغَيْرِ عَمَدٍ (وَالْأَرْضُ) اسْتَقَرَّتْ عَلَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَقْدَامِ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّشْوَةَ عِنْدَ الْيَهُودِ حَرَامٌ لِقَوْلِهِمْ بِهَذَا، وَلَوْلَا حُرْمَتُهُ فِي كِتَابِهِمْ مَا عَيَّرَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ:{أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَفِيهِ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ أَوِ الشَّاهِدُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْحَقِّ أَوِ الشَّهَادَةِ بِهِ رِشْوَةٌ، وَكُلُّ رِشْوَةٍ سُحْتٌ، وَكُلُّ سُحْتٍ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْحُكْمُ مَا بَعَثَ صلى الله عليه وسلم ابْنَ رَوَاحَةَ وَحْدَهُ.

(قَالَ مَالِكٌ: إِذَا سَاقَى الرَّجُلُ النَّخْلَ وَفِيهَا الْبَيَاضُ فَمَا ازْدَرَعَ) أَيْ زَرَعَ (الرَّجُلُ الدَّاخِلُ) أَيْ عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ (فِي الْبَيَاضِ فَهُوَ لَهُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «عَلَى أَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» " فَلَمْ يَشْتَرِطْ إِلَّا نِصْفَ الثَّمَرِ، وَذَلِكَ وَقْتُ تَبْيِينِ الْحُقُوقِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَكُونُ لَهُ، وَأَيْضًا فَالْأَرْضُ بِيَدِ الْعَامِلِينَ، وَإِنَّمَا لِرَبِّهَا مَا شَرَطَهُ دُونَ سَائِرِ مَا بِأَيْدِيهِمْ، وَلِذَا انْفَرَدُوا بِمَسَاكِنِهَا وَمَزَارِعِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا جَاءَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدَيْنِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

(فَإِنِ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِي الْبَيَاضِ لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّ الرَّجُلَ الدَّاخِلَ

ص: 543

فِي الْمَالِ يَسْقِي لِرَبِّ الْأَرْضِ، فَذَلِكَ زِيَادَةٌ زَادَهَا عَلَيْهِ) وَالزِّيَادَةُ مَمْنُوعَةٌ.

(وَإِنِ اشْتَرَطَ الزَّرْعَ بَيْنَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْمَؤُونَةُ كُلُّهَا عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ الْبَذْرُ وَالسَّقْيُ وَالْعِلَاجُ كُلُّهُ) بَيَانٌ لِلْمَؤُونَةِ لِمَا جَاءَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَامَلَهُمْ فِي الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ عَلَى النِّصْفِ.

(فَإِنِ اشْتَرَطَ الدَّاخِلُ فِي الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنَّ الْبَذْرَ عَلَيْكَ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زِيَادَةً ازْدَادَهَا عَلَيْهِ) وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ (وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ الْمَؤُونَةَ كُلَّهَا وَالنَّفَقَةَ، وَلَا يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهَا شَيْءٌ، فَهَذَا وَجْهُ الْمُسَاقَاةِ الْمَعْرُوفِ) الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَيْنِ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَنْقَطِعُ مَاؤُهَا فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: لَا أَجِدُ مَا أَعْمَلُ بِهِ: إِنَّهُ يُقَالُ لِلَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ اعْمَلْ وَأَنْفِقْ وَيَكُونَ لَكَ الْمَاءُ كُلُّهُ تَسْقِي بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُكَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْتَ، فَإِذَا جَاءَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْتَ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنَ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا أُعْطِيَ الْأَوَّلُ الْمَاءَ كُلَّهُ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا بِعَمَلِهِ لَمْ يَعْلَقِ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ لَمْ يَلْزَمْ (الْآخَرَ مِنَ النَّفَقَةِ شَيْءٌ) ; لِأَنَّ إِنْفَاقَهُ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا.

(وَإِذَا كَانَتِ النَّفَقَةُ كُلُّهَا وَالْمَؤُونَةُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُ يَعْمَلُ

ص: 544

بِيَدَيْهِ إِنَّمَا هُوَ أَجِيرٌ بِبَعْضِ الثَّمَرَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ إِجَارَتُهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا يَعْرِفُهُ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ لَا يَدْرِي أَيَقِلُّ ذَلِكَ أَمْ يَكْثُرُ) فَهِيَ إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مُقَارِضٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (أَوْ مُسَاقٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنَ الْمَالِ وَلَا مِنَ النَّخْلِ شَيْئًا دُونَ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ أَجِيرًا بِذَلِكَ يَقُولُ: أُسَاقِيكَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي فِي كَذَا وَكَذَا نَخْلَةٍ تَسْقِيهَا وَتَأْبُرُهَا) بِضَمِّ الْمُوَحِّدَةِ وَكَسْرِهَا تُلَقِّحُهَا وَتُصْلِحُهَا (وَأُقَارِضُكَ فِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَالِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ مِمَّا أُقَارِضُكَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي وَلَا يَصْلُحُ) لِخِلَافِ سُنَّةِ الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: (وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (وَالسُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ الَّتِي يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمَسَاقِي) بِفَتْحِ الْقَافِ (شَدُّ الْحِظَارِ) بِالشِّينِ الْمَنْقُوطَةِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ عَنْ مَالِكٍ، أَيْ تَحْصِينُ الزُّرُوبِ، وَيُرْوَى عَنْهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ يَعْنِي سَدَّ الثُّلْمَةِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

وَنَقَلَ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيِّ أَنَّ مَا حَظَرَ بِزَرْبٍ فَبِالْمُعْجَمَةِ، وَمَا كَانَ بِجِدَارٍ فَبِالْمُهْمَلَةِ، وَالْحَظَائِرُ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ حَظِيرَةٍ هِيَ الْعِيدَانُ الَّتِي بِأَعْلَى الْحَائِطِ لِتَمْنَعَ مِنَ التَّسَوُّرِ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هُوَ حَائِطُ الْبُسْتَانِ، الْبَاجِيُّ: مِثْلَ أَنْ يُسْتَرْخَى رِبَاطٌ لِحَظِيرَةٍ فَيَشْتَرِطُ عَلَى الْعَامِلِ شَدَّهُ.

(وَخَمُّ الْعَيْنِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ تَنْقِيَتُهَا، وَالْمَخْمُومُ النَّقِيُّ، وَرَجُلٌ مَخْمُومُ الْقَلْبِ أَيْ نَقِيُّهُ مِنَ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ.

(وَسَرْوُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ وَاوٍ أَيْ: كَنْسُ (الشَّرَبِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَمُوَحَّدَةٍ جَمْعُ شَرْبَةٍ وَهِيَ حِيَاضٌ يُسْتَنْقَعُ فِيهَا الْمَاءُ حَوْلَ الشَّجَرِ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تَنْقِيَةُ الْحِيَاضِ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الشَّجَرِ وَتَحْصِينُ حُرُوفِهَا وَمَجِيءُ الْمَاءِ إِلَيْهَا.

الْبَاجِيُّ: وَرُوِيَ (سَوْقُ الشَّرَبِ) وَهُوَ جَلْبُ الْمَاءِ الَّذِي يُسْقَى بِهِ.

(وَإِبَّارُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ (النَّخْلِ) أَيْ تَذْكِيرُهَا (وَقَطْعُ الْجَرِيدِ) مِنَ النَّخْلِ إِذَا كُسِرَتْ، وَقَدْ يُفْعَلُ مِثْلُهُ بِالشَّجَرِ لِقَطْعِ قُضْبَانِ الْكَرْمِ.

(وَجَذُّ الثَّمَرِ) أَيْ قَطْعُهُ

ص: 545

(هَذَا وَأَشْبَاهُهُ) كَرْمُ الْقُفِّ وَهُوَ الْحَوْضُ الَّذِي فِيهِ الدَّلْوُ وَيَجْرِي مِنْهُ إِلَى الضَّفِيرَةِ (عَلَى أَنَّ لِلْمَسَاقِي شَطْرَ) أَيْ نِصْفَ (الثَّمَرِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَصْلِ لَا يَشْتَرِطُ ابْتِدَاءَ عَمَلٍ جَدِيدٍ) بِالْجِيمِ (يُحْدِثُهُ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ بِئْرٍ يَحْتَفِرُهَا أَوْ عَيْنٍ يَرْفَعُ رَأْسَهَا أَوْ غِرَاسٍ يَغْرِسُهُ فِيهَا يَأْتِي بِأَصْلِ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ ضَفِيرَةٍ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: مَوْضِعٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ كَالصِّهْرِيجِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هِيَ عِيدَانٌ تُنْسَجُ وَتُضَفَّرُ وَتُطَيَّنُ وَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ كَالصِّهْرِيجِ (يَبْنِيهَا تَعْظُمُ فِيهَا نَفَقَتُهُ) فَيُمْنَعُ اشْتِرَاطُ هَذَا (وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ مِنَ النَّاسِ: ابْنِ لِي هَاهُنَا بَيْتًا أَوِ احْفِرْ لِي بِئْرًا، أَوْ أَجْرِ لِي عَيْنًا، أَوِ اعْمَلْ لِي عَمَلًا بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا قَبْلَ أَنْ تَطِيبَ ثَمَرُ الْحَائِطِ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ، فَهَذَا بَيْعٌ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا) فَيُمْنَعُ كَذَلِكَ لِدُخُولِهِ فِي النَّهْيِ.

(فَأَمَّا إِذَا طَابَ وَبَدَا صَلَاحُهُ) تَفْسِيرٌ لِطِيبِهِ (وَحَلَّ بَيْعُهُ ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: اعْمَلْ لِي بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ - لِعَمَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ - بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ (وَ) وَجْهُهُ أَنَّهُ (إِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ مَعْلُومٍ قَدْ رَآهُ وَرَضِيَهُ) فَهِيَ إِجَارَةٌ صَحِيحَةٌ.

(فَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَائِطِ) أَيِ الْبُسْتَانِ (ثَمَرٌ أَوْ قَلَّ ثَمَرُهُ أَوْ فَسَدَ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يُسْتَأْجَرُ إِلَّا بِشَيْءٍ مُسَمًّى لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إِلَّا بِذَلِكَ

ص: 546

وَإِنَّمَا الْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ) لِأَنَّهَا بَيْعُ مَنَافِعَ (إِنَّمَا يَشْتَرِي مِنْهُ عَمَلَهُ وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِذَا دَخَلَهُ الْغَرَرُ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرَادَ مَالِكٌ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ، وَأَنَّ الْمُسَاقَاةَ أَصْلٌ فِي نَفْسِهَا كَالْقِرَاضِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ الْإِجَارَاتِ، وَالْإِجَارَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بَيْعٌ، وَقَالَتِ الظَّاهِرِيَّةَ: لَيْسَتْ مِنَ الْبُيُوعِ لِأَنَّهَا مَنَافِعُ لَمْ تُخْلَقْ، وَقَدْ نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَيْنًا وَلَيْسَتِ الْبُيُوعُ إِلَّا فِي الْأَعْيَانِ، قَالُوا: فَالْإِجَارَةُ بَيْعٌ مُنْفَرِدٌ بِسُنَّةٍ كَالْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ.

(قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ عِنْدَنَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَصْلِ كُلِّ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ) شَجَرِ الْعِنَبِ (أَوْ زَيْتُونٍ أَوْ رُمَّانٍ أَوْ فِرْسِكٍ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَكَافٍ: الْخَوْخُ أَوْ ضَرْبٌ مِنْهُ أَحْمَرُ أَجْرُدُ أَوْ مَا يَنْفَلِقُ عَنْ نَوَاهُ (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ نِصْفَ الثَّمَرِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ) فَالشَّرْطُ عَلَى قَدْرِ الْجُزْءِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ (وَالْمُسَاقَاةُ أَيْضًا تَجُوزُ فِي الزَّرْعِ إِذَا خَرَجَ) مِنَ الْأَرْضِ (وَاسْتَقَلَّ فَعَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ سَقْيِهِ وَعَمَلِهِ وَعِلَاجِهِ، فَالْمُسَاقَاةُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا جَائِزَةٌ) وَمَنَعَهَا الشَّافِعِيُّ إِلَّا فِي النَّخْلِ الْكَرْمِ ; لِأَنَّ ثَمَرَهُمَا بَائِنٌ مِنْ شَجَرِهِ يُحِيطُ النَّظَرُ بِهِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّ الْكُمَّثْرَى وَالتِّينَ وَالرُّمَّانَ وَالْأُتْرُجَّ وَشِبْهَ ذَلِكَ يُحِيطُ النَّظَرُ بِهَا، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ لَهُ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ إِنَّمَا تَجُوزُ فِيمَا يُخْرَصُ، وَالْخَرْصُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِيمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَأَخْرَجَتْهُ عَنِ الْمُزَابَنَةِ كَمَا أَخْرَجَتِ الْعَرَايَا عَنْهَا النَّخْلَ وَالْعِنَبَ خَاصَّةً.

(وَلَا تَصْلُحُ الْمُسَاقَاةُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ مِمَّا تَحِلُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ إِذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ طَابَ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ

ص: 547

لِجَوَازِ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ (وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَاقَى مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَأَمَّا مُسَاقَاةٌ مَا حَلَّ بَيْعُهُ مِنَ الثِّمَارِ إِجَارَةً؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاقَى صَاحِبَ الْأَصْلِ ثَمَرًا قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ إِيَّاهُ وَيَجُذَّهُ لَهُ) يَقْطَعُهُ (بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ يُعْطِيهِ إِيَّاهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمُسَاقَاةِ وَإِنَّمَا الْمُسَاقَاةُ مَا بَيْنَ أَنْ يَجُذَّ النَّخْلَ إِلَى أَنْ يَطِيبَ الثَّمَرُ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ) وَلَيْسَ ذَلِكَ أَيْضًا بِالْإِجَارَةِ.

قَالَ مَالِكٌ: إِنْ وَقَعَتْ فُسِخَ الْعَقْدُ مَا لَمْ يَفُتْ وَلَا تَكُونُ إِجَارَةً لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَتَضَمَّنُ أَنَّ عَلَى الْعَامِلِ النَّفَقَةَ عَلَى رَقِيقِ الْحَائِطِ وَجَمِيعِ الْمُؤَنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْلُومًا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ.

(وَمَنْ سَاقَى ثَمَرًا فِي أَصْلٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ فَتِلْكَ الْمُسَاقَاةُ بِعَيْنِهَا جَائِزَةٌ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: كُلُّ مَنْ أَجَازَ الْمُسَاقَاةَ إِنَّمَا أَجَازَهَا فِيمَا لَمْ يُخْلَقْ أَوْ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَالْمُسَاقَاةُ وَالْقِرَاضُ أَصْلَانِ مُخَالِفَانِ لِلْبُيُوعِ، وَكُلُّ أَصْلٍ فِي نَفْسِهِ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ، وَأَجَازَهَا سَحْنُونٌ لِأَنَّهَا إِجَارَةٌ.

(وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَاقَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَثْمَانِ الْمَعْلُومَةِ) يُرِيدُ إِلَّا الطَّعَامَ أَوْ مَا يُثْبِتُهُ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ مَنْعُهُمَا (فَأَمَّا الَّذِي يُعْطِي أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ ; لِأَنَّ الزَّرْعَ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ مَرَّةً، وَرُبَّمَا هَلَكَ رَأْسًا فَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَدْ تَرَكَ كِرَاءً مَعْلُومًا يَصْلُحُ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ بِهِ وَأَخَذَ أَمْرًا غَرَرًا لَا يَدْرِي أَيَتِمُّ أَمْ لَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ) أَيْ حَرَامٌ، وَقَدْ نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا.

(وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ

ص: 548

اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِسَفَرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ قَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ: هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ عُشْرَ مَا أَرْبَحُ فِي سَفَرِي هَذَا إِجَارَةً لَكَ؟ فَهَذَا لَا يَحِلُّ وَلَا يَنْبَغِي) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ إِلَى عَقْدٍ فَاسِدٍ.

(وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ وَلَا أَرْضَهُ وَلَا سَفِينَتَهُ إِلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لَا يَزُولُ) يَنْتَقِلُ (إِلَى غَيْرِهِ) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَأَجَازَ طَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يُعْطِيَ سَفِينَتَهُ وَدَابَّتَهُ وَأَرْضَهُ بِجُزْءٍ مِمَّا يَرْزُقُهُ اللَّهُ قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاضِ.

(وَإِنَّمَا فَرَّقَ) بِالتَّشْدِيدِ أَيِ الشَّرْعُ (بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ) فَيَجُوزُ (وَالْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ) فَيُمْنَعُ (أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَصَاحِبُ الْأَرْضِ يُكْرِيهَا وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَا شَيْءَ فِيهَا) لِعَدَمِ النَّهْيِ.

(وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي النَّخْلِ أَيْضًا أَنَّهَا لِلسَّاقِي السِّنِينَ الثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ وَذَلِكَ الَّذِي سَمِعْتُ) فَيَجُوزُ سِنِينَ مَعْلُومَةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا مُدَّةً مَجْهُولَةً، خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ وَطَائِفَةٍ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ: أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ، وَمَرَّتِ الْأَجْوِبَةُ عَنْهُ.

(وَكُلُّ شَيْءٍ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ يَجُوزُ فِيهِ لِمَنْ سَاقَى مِنَ السِّنِينَ مِثْلَ مَا يَجُوزُ فِي النَّخْلِ) مِنَ الْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ مَا لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُسَاقِي) بِكَسْرِ الْقَافِ: (إِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي سَقَاهُ شَيْئًا مِنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ يَزْدَادُهُ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ) لَا يَجُوزُ (وَ) كَذَلِكَ (لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ

ص: 549

الْمُسَاقَى) بِفَتْحِ الْقَافِ (مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ شَيْئًا يَزِيدُهُ إِيَّاهُ مَنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَالزِّيَادَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا) عَلَى جُزْئِهِ الْمَعْلُومِ (لَا تَصْلُحُ) لِأَنَّهُ يَعُودُ الْجُزْءُ مَجْهُولًا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ.

(وَالْمُقَارِضُ أَيْضًا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَا يَصْلُحُ) لِأَنَّهُ (إِذَا دَخَلَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَوِ الْمُقَارَضَةِ صَارَتْ إِجَارَةً، وَمَا دَخَلَتْهُ الْإِجَارَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ إِجَارَةٌ بِأَمْرٍ غَرَرٍ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا أَوْ يَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ) فَتَفْسُدُ الْإِجَارَةُ.

(وَفِي الرَّجُلِ يُسَاقِي الرَّجُلَ الْأَرْضَ فِيهَا النَّخْلُ أَوِ الْكَرْمُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ فَتَكُونُ فِيهَا الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ.

قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ الْبَيَاضُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَكَانَ الْأَصْلُ أَعْظَمَ ذَلِكَ وَأَكْثَرَهُ فَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ أَعْظَمُ ذَلِكَ وَأَكْثَرُهُ فَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاتِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّخْلُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونَ الْبَيَاضُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيَاضَ حِينَئِذٍ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ) وَعَلَى هَذَا تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ مَالِكٌ: وَكَانَ الْبَيَاضُ فِي خَيْبَرَ يَسِيرًا بَيْنَ أَضْعَافِ السَّوَادِ، وَالْمَشْهُورُ مَا قَالَ هُنَا الثُّلُثُ يَسِيرٌ، وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ دُخُولُهُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَإِلْغَاؤُهُ لِلْعَامِلِ، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ أَضْعَافٍ أَوِ انْفَرَدَ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الْحَائِطِ فِيهِمَا.

وَفِيهَا لِمَالِكٍ إِلْغَاؤُهُ لِلْعَامِلِ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُلْغِهِ لِلْعَامِلِ، وَهُوَ إِنَّمَا يَفْعَلُ الرَّاجِحَ.

وَأَجَابَ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ فِي حَدِيثٍ آخَرَ إِلْغَاؤُهُ الْبَاجِيُّ، وَحُكْمُ مَا تُمْنَعُ مُسَاقَاتُهُ حُكْمُ الْبَيَاضِ مَعَ الشَّجَرَةِ.

(وَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ فِيهَا نَخْلٌ أَوْ كَرْمٌ أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ فَكَانَ الْأَصْلُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ وَالْبَيَاضُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ فِي ذَلِكَ الْكِرَاءُ وَحَرُمَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ)

ص: 550

قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ إِذَا جُمِعَا، أَمَّا إِذَا أُفْرِدَتِ النَّخْلُ بِالْمُسَاقَاةِ فَيَجُوزُ.

(وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يُسَاقُوا الْأَصْلَ وَفِيهِ الْبَيَاضُ، وَتُكْرَى الْأَرْضُ وَفِيهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مِنَ الْأَصْلِ، أَوْ يُبَاعَ الْمُصْحَفُ أَوِ السَّيْفُ وَفِيهِمَا الْحِلْيَةُ مِنَ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُبَاعَ، (أَوِ الْقِلَادَةُ) مَا يُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ، (أَوِ الْخَاتَمُ وَفِيهِمَا الْفُصُوصُ) جَمْعُ فَصٍّ مُثَلَّثُ الْفَاءِ.

(وَ) فِيهَا (الذَّهَبُ) تُبَاعُ (بِالدَّنَانِيرِ وَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ الْبُيُوعُ جَائِزَةً يَتَبَايَعُهَا النَّاسُ وَيَبْتَاعُونَهَا وَلَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ) نَصٌّ مِنْ سُنَّةٍ وَلَا كِتَابٍ (مَوْصُوفٌ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ؛ إِذْ لَوْ بَلَغَهُ كَانَ حَرَامًا أَوْ قَصُرَ عَنْهُ كَانَ حَلَالًا) وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعُ إِلَى عَمَلِ الْمَدِينَةِ كَمَا قَالَ: (وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الَّذِي عَمِلَ بِهِ النَّاسُ وَأَجَازُوهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مِنْ ذَلِكَ الْوَرِقِ أَوِ الذَّهَبِ تَبَعًا لِمَا هُوَ فِيهِ) مِنَ الْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ (جَازَ بَيْعُهُ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّصْلُ أَوِ الْمُصْحَفُ أَوِ الْفُصُوصُ قِيمَتُهُ الثُّلُثَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَالْحِلْيَةُ قِيمَتُهَا الثُّلُثُ أَوْ أَقَلُّ) فَتَبَيَّنَ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ.

ص: 551

[بَاب الشَّرْطِ فِي الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةِ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي عُمَّالِ الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةِ يَشْتَرِطُهُمْ الْمُسَاقَى عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عُمَّالُ الْمَالِ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمْ لِلدَّاخِلِ إِلَّا أَنَّهُ تَخِفُّ عَنْهُ بِهِمْ الْمَئُونَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي الْمَالِ اشْتَدَّتْ مَئُونَتُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَاقَاةِ فِي الْعَيْنِ وَالنَّضْحِ وَلَنْ تَجِدَ أَحَدًا يُسَاقَى فِي أَرْضَيْنِ سَوَاءٍ فِي الْأَصْلِ وَالْمَنْفَعَةِ إِحْدَاهُمَا بِعَيْنٍ وَاثِنَةٍ غَزِيرَةٍ وَالْأُخْرَى بِنَضْحٍ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لِخِفَّةِ مُؤْنَةِ الْعَيْنِ وَشِدَّةِ مُؤْنَةِ النَّضْحِ قَالَ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ وَالْوَاثِنَةُ الثَّابِتُ مَاؤُهَا الَّتِي لَا تَغُورُ وَلَا تَنْقَطِعُ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِلْمُسَاقَى أَنْ يَعْمَلَ بِعُمَّالِ الْمَالِ فِي غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي سَاقَاهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي سَاقَى أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ رَقِيقًا يَعْمَلُ بِهِمْ فِي الْحَائِطِ لَيْسُوا فِيهِ حِينَ سَاقَاهُ إِيَّاهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الَّذِي دَخَلَ فِي مَالِهِ بِمُسَاقَاةٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رَقِيقِ الْمَالِ أَحَدًا يُخْرِجُهُ مِنْ الْمَالِ وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ الْمَالِ عَلَى حَالِهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ رَقِيقِ الْمَالِ أَحَدًا فَلْيُخْرِجْهُ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ أَوْ يُرِيدُ أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ أَحَدًا فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ ثُمَّ يُسَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ قَالَ وَمَنْ مَاتَ مِنْ الرَّقِيقِ أَوْ غَابَ أَوْ مَرِضَ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْلِفَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ الشَّرْطِ فِي الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةِ

- (مَالِكٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي عُمَّالِ الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةِ يَشْتَرِطُهُمُ الْمُسَاقَى) بِفَتْحِ الْقَافِ (عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ الَّذِينَ كَانُوا عُمَّالَهُ وَقْتَ الْمُسَاقَاةِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَ إِخْرَاجَهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْرَجَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اشْتِرَاطُ الْعَامِلِ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ رَفْعِ الْإِلْبَاسِ،

ص: 551

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ إِقْرَارِ رَبِّ الْحَائِطِ أَنَّهُمْ فِي حَائِطِهِ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ (لِأَنَّهُمْ عُمَّالُ الْمَالِ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمْ لِلدَّاخِلِ) يُرِيدُ أَنَّ ظُهُورَ الْمَالِ وَقُوَّتَهُ بِعِلْمِهِمْ وَلَهُمْ فِيهِ تَأْثِيرٌ فَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُ الْحَائِطِ اهـ.

(إِلَّا أَنَّهُ يَخِفُّ عَنْهُمُ الْمَؤُونَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي الْمَالِ اشْتَدَّتْ) قَوِيَتْ (مَؤُونَتُهُ) لِعَدَمِ الْمُسَاعِدِ.

(وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَاقَاةِ فِي الْعَيْنِ وَالنَّضْحِ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ الْمَاءِ الَّذِي يَحْمِلُهُ النَّاضِحُ وَهُوَ الْجَمَلُ.

(وَلَنْ تَجِدَ أَحَدًا يُسَاقَى فِي أَرْضِينَ) بِالتَّثْنِيَةِ (سَوَاءٍ) بِالْجَرِّ صِفَةً أَيْ مُسْتَوِيَيْنِ (فِي الْأَصْلِ وَالْمَنْفَعَةِ إِحْدَاهُمَا بِعَيْنٍ وَاثِنَةٍ) بِوَاوٍ فَأَلِفٍ فَمُثَلَّثَةٍ فَنُونٍ فَهَاءٍ: دَائِمَةٍ لَا تَنْقَطِعُ (غَزِيرَةٍ) كَثِيرَةِ الْمَاءِ.

(وَالْأُخْرَى) تُسْقَى (بِنَضْحٍ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ) كَبَعِيرٍ (لِخِفَّةٍ مَؤُونَةِ الْعَيْنِ وَشِدَّةِ مَؤُونَةِ النَّضْحِ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَالْوَاثِنَةُ الثَّابِتُ) أَيِ الدَّائِمُ (مَاؤُهَا الَّتِي لَا تَغُورُ وَلَا تَنْقَطِعُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ يَحْيَى وَغَيْرِهِ: وَاتِنَةٌ، بِتَاءٍ بِنُقْطَتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبَيْنِ وَصَاحِبُ الْعَيْنِ أَنَّهُ بِالْمُثَلَّثَةِ بِمَعْنَى الدَّائِمِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ بِفَوْقِيَّةٍ اهـ.

وَفِي الْبَارِعِ اسْتَوْثَنَ مِنَ الْمَاءِ إِذَا اسْتَكْثَرَ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ.

(وَلَيْسَ لِلْمُسَاقَى) بِالْفَتْحِ (أَنْ يَعْمَلَ بِعُمَّالِ الْمَالِ فِي غَيْرِهِ) الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَنْ وَجَدَهُ فِي الْحَائِطِ مِنْ رَقِيقٍ وَعُمَّالٍ فَإِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ اسْتَعْمَلَهُمْ فِيمَا شَاءَ.

(وَلَا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي سَاقَاهُ) فَإِنِ اسْتَعْمَلَهُمْ فِي غَيْرِهِ بِلَا شَرْطٍ مُنِعَ وَلَمْ تَفْسُدْ، وَبِشَرْطٍ فَسَدَتْ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ، فَإِنْ فَاتَتْ بِالْعَمَلِ رُدَّ إِلَى أَجْرِ مِثْلِهِ.

(وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي سَاقَى) أَيِ الْعَامِلِ (أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ رَقِيقًا يَعْمَلُ بِهِمْ فِي الْحَائِطِ لَيْسُوا فِيهِ حِينَ سَاقَاهُ إِيَّاهُ) لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ

ص: 552

(وَ) كَذَا (لَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الَّذِي دَخَلَ فِي مَالِهِ بِمُسَاقَاةٍ) أَيِ الْعَامِلِ (أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رَقِيقِ الْمَالِ أَحَدًا يُخْرِجُهُ مِنَ الْمَالِ، وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ الْمَالِ عَلَى حَالِهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُنَافَاةِ ازْدِيَادِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَا عَقَدَ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا جَوَّزَ لِلْعَامِلِ شَرْطَ الْيَسِيرِ كَعَبْدٍ وَدَابَّةٍ فِي الْحَائِطِ الْكَبِيرِ لَا الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَرْطَ جَمِيعِ الْعَمَلِ حِينَئِذٍ.

(فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ رَقِيقِ الْمَالِ أَحَدًا فَلْيُخْرِجْهُ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ، أَوْ يُرِيدُ أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ أَحَدًا فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ، ثُمَّ يُسَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ) لِيَخْرُجَ مِنَ الْخَطَرِ.

(وَمَنْ مَاتَ مِنَ الرَّقِيقِ أَوْ غَابَ أَوْ مَرِضَ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَخْلُفَهُ) يَأْتِي بِبَدَلِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْإِتْيَانُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاقَى لِيَسْقِيَ الْحَائِطَ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، ثُمَّ عَلَى الْعَامِلِ مَا زَادَ، فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا مَعَهُ لَمْ يُمْكِنْهُ عَمَلُ مَا زَادَ عَلَى عَمَلِهِمْ.

ص: 553

[كِتَاب كِرَاءِ الْأَرْضِ]

[بَاب مَا جَاءَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب كِرَاءِ الْأَرْضِ بَاب مَا جَاءَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ

حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» قَالَ حَنْظَلَةُ فَسَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

17 -

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

34 -

كِتَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ.

1 -

بَابُ مَا جَاءَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ

1415 -

1382 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فُرُوخٍ الْمَدَنِيِّ الْمَعْرُوفِ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ (عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ) بْنِ عَمْرِو بْنِ حِصْنٍ (الزُّرَّقِيِّ) الْأَنْصَارِيِّ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ قِيلَ: وَلَهُ رُؤْيَةٌ (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَجِيمٍ، ابْنِ رَافِعِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ، أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ ثُمَّ الْخَنْدَقُ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ.

( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» ) جَمْعُ مَزْرَعَةٍ، وَهِيَ مَكَانُ الزَّرْعِ، وَظَاهِرُهُ مَنْعُ كِرَائِهَا مُطْلَقًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ قَالَ: لِأَنَّهَا إِذَا اسْتُؤْجِرَتْ وَخَرِبَتْ لَعَلَّهَا يَحْتَرِقُ زَرْعُهَا فَيَرُدُّهَا وَقَدْ زَادَتْ وَانْتَفَعَ رَبُّهَا بِهَا وَلَمْ يَنْتَفِعِ الْمُسْتَأْجِرُ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَرْفُوعًا:" «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَزْرَعَهَا وَعَجَزَ عَنْهَا فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَلَا يُؤَجِّرْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» "(قَالَ حَنْظَلَةُ: فَسَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ) أَنَهَى عَنْ كِرَائِهَا (بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) الْفِضَّةِ (فَقَالَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: قَالَ: لَا، إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا.

(أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ اجْتِهَادًا، أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ عَلَى جَوَازِهِ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ رَافِعٍ قَالَ: " «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَقَالَ: إِنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ، وَرَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا، وَرَجُلٌ

ص: 554

أَكْرَى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ» " وَهَذَا يُرَجِّحُ أَنَّ مَا قَالَهُ رَافِعٌ مَرْفُوعٌ، وَلَكِنْ بَيَّنَ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ النَّهْيُ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ، وَأَنَّ بَقِيَّتَهُ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَقَدْ تَأَوَّلَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ أَحَادِيثَ الْمَنْعِ عَلَى كِرَائِهَا بِالطَّعَامِ أَوْ بِمَا تُنْبِتُهُ كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ إِلَّا الْخَشَبَ وَالْحَطَبَ، وَأَجَازُوا كِرَاءَهَا بِمَا سِوَى ذَلِكَ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ رَافِعٍ مَرْفُوعًا: "«مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ وَلَا يُكْرِهَا بِثُلُثٍ وَلَا رُبُعٍ وَلَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى» " وَتَأَوَّلُوا النَّهْيَ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ بِأَنَّهَا كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ وَجَعَلُوهُ مِنْ بَابِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً ; لِأَنَّ الثَّانِيَ يُقَدَّرُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ بَاعَهُ بِطَعَامٍ فَصَارَ بَيْعَ طَعَامٍ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ، وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ كِرَاءَهَا بِكُلِّ مَعْلُومٍ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَافِعٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَأَقْيَالِ الْجَدَاوِلِ فَيَهْلَكُ هَذَا وَيُسَلِّمُ هَذَا، فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ فَلَا بَأْسَ، فَبَيَّنَ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ الْغَرَرُ، وَأَمَّا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ فَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، فَمِثْلُهُمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنَ الْأَثْمَانِ الْمَعْلُومَةِ، وَالْمَاذِيَانَاتُ بِكَسْرِ الذَّالِ وَفَتْحِهَا مُعَرَّبَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ: مَسَايِلُ الْمَاءِ الْكِبَارُ سَمَّى بِذَلِكَ مَا يَنْبُتُ عَلَى الْحَافَّتَيْنِ مَجَازًا لِلْمُجَاوَرَةِ، وَأَجَازَ أَحْمَدُ كِرَاءَهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يُزْرَعُ فِيهَا لِحَدِيثِ الْمُسَاقَاةِ وَقَالَ: إِنَّهُ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعٍ لِاضْطِرَابِ أَلْفَاظِهِ، وَبِأَنَّهُ يَرْوِيهِ مَرَّةً عَنْ عُمُومَتِهِ وَمَرَّةً بِلَا وَاسِطَةٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عُمُومَتِهِ وَمِنَ الْمُصْطَفَى فَكَانَ يَرْوِيهِ بِالْوَجْهَيْنِ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُ أَلْفَاظِهِ فَمِنَ الرُّوَاةِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَتَدَافَعُ بِحَدِيثٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ، وَشَرْطُ الِاضْطِرَابِ أَنْ يَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَأَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حَنْظَلَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.

ص: 555

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1416 -

1383 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ) كَمَا فِي حَدِيثِ رَافِعٍ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مَرْفُوعًا فَهُوَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا سَمِعَ؛ لِأَنَّهُ رَوَى حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَاجِيُّ فَقَالَ: لَمْ يَنْقُلْ رَافِعٌ لَفْظَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي أَخْبَرَ بِجَوَازِهِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ.

ص: 555

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَقُلْتُ لَهُ أَرَأَيْتَ الْحَدِيثَ الَّذِي يُذْكَرُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَقَالَ أَكْثَرَ رَافِعٌ وَلَوْ كَانَ لِي مَزْرَعَةٌ أَكْرَيْتُهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1417 -

1384 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَقُلْتُ لَهُ أَرَأَيْتَ) أَخْبِرْنِي (الْحَدِيثَ الَّذِي يُذْكَرُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ)«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» كَأَنَّهُ فَهِمَهُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ (فَقَالَ) سَالِمٌ: (أَكْثَرَ رَافِعٌ) أَيْ أَتَى بِكَثِيرٍ مُوهَمٍ لِغَيْرِ الْمُرَادِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ إِخْبَارُ رَافِعٍ بِجَوَازِهِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ (وَلَوْ كَانَتْ لِي مَزْرَعَةٌ) أَرْضٌ تُزْرَعُ (أَكْرَيْتُهَا) بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: " أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ عَمَّيْهِ وَكَانَا شَهِدَا بَدْرًا أَخْبَرَاهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» ، قُلْتُ لِسَالِمٍ: فَتُكْرِيهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ رَافِعًا أَكْثَرَ عَلَى نَفْسِهِ " وَفِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ: " أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يُكْرِي أَرْضَهُ حَتَّى بَلَغَهُ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ فَلَقِيَهُ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّيَّ وَكَانَا قَدْ شَهِدَا بَدْرًا يُحَدِّثَانِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ» ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُكْرَى حَتَّى خَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ فَتَرَكَ كِرَاءَ الْأَرْضِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانُ وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ حُدِّثَ عَنْ رَافِعٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» ، فَذَهَبَ إِلَى رَافِعٍ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا بِمَا عَلَى الْأَرْبِعَاءِ وَبِشَيْءٍ مِنَ التِّبْنِ، وَالْأَرْبِعَاءُ بِالْمَدِّ جَمْعُ رَبِيعٍ وَهُوَ النَّهَرُ الصَّغِيرُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى رَافِعٍ إِطْلَاقَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الْكِرَاءُ الْفَاسِدُ الَّذِي كَانُوا يَكْرَهُونَهُ بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الْأَرْبِعَاءِ وَبَعْضِ التِّبْنِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ مَعَ أَنَّهُ مُخَابَرَةٌ لَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَنَحْوِهِمَا، وَتَرَكَ ابْنُ عُمَرَ الْكِرَاءَ تَوَرُّعًا، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ حَتَّى خَشِيَ. . . . . إِلَخْ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ عِلَّةُ النَّهْيِ لِاشْتِرَاطِهِمْ نَاحِيَةً مِنْهَا أَوْ لِاشْتِرَاطِهِمْ مَا زُرِعَ عَلَى الْجَدَاوِلِ وَالسَّوَاقِي، أَوْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَهَا عَلَى الْجَزَاءِ أَوْ بِالطَّعَامِ وَالْأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ، أَوْ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ كَمَا جَاءَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: " يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، أَنَا وَاللَّهِ كُنْتُ أَعْلَمَ مِنْهُ بِالْحَدِيثِ، إِنَّمَا جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ اقْتَتَلَا، فَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ، فَسَمِعَ قَوْلَهُ «لَا

ص: 556

تُكْرُوا الْمَزَارِعَ» " أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ، فَكَأَنَّ نَهْيَهُ تَأْدِيبٌ أَوْ لِلرِّفْقِ وَالْمُوَاسَاةِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ:«إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهُ» .

وَفِي التِّرْمِذِيِّ لَمْ يُحَرِّمِ الْمُزَارَعَةَ وَلَكِنْ قَالَ: " «أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا» ".

ص: 557

وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَكَارَى أَرْضًا فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدَيْهِ بِكِرَاءٍ حَتَّى مَاتَ قَالَ ابْنُهُ فَمَا كُنْتُ أُرَاهَا إِلَّا لَنَا مِنْ طُولِ مَا مَكَثَتْ فِي يَدَيْهِ حَتَّى ذَكَرَهَا لَنَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَمَرَنَا بِقَضَاءِ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كِرَائِهَا ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1417 -

1385 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَكَارَى أَرْضًا فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدَيْهِ بِكِرَاءٍ حَتَّى مَاتَ، قَالَ ابْنُهُ) أَبُو سَلَمَةَ أَوْ حُمَيْدٌ (فَمَا كُنْتُ أُرَاهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَظُنُّهَا (إِلَّا) مَمْلُوكَةً (لَنَا مِنْ طُولِ مَا مَكَثَتْ فِي يَدَيْهِ حَتَّى ذَكَرَهَا لَنَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَمَرَ بِقَضَاءِ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كِرَائِهَا ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي.

ص: 557

وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُكْرِي أَرْضَهُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَكْرَى مَزْرَعَتَهُ بِمِائَةِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَكَرِهَ ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1419 -

1386 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُكْرِي أَرْضَهُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) وَالْقَصْدُ بِهَذَا وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى تَخْصِيصِ حَدِيثِ النَّهْيِ.

(سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَكْرَى مَزْرَعَتَهُ بِمِائَةِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنَ الْحِنْطَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) وَهُوَ مِمَّا تُنْبِتُهُ أَوْ مِنَ الطَّعَامِ كَلَبَنٍ وَعَسَلٍ (فَكَرِهَ ذَلِكَ) كَرَاهَةَ مَنْعٍ حَمْلًا لِأَحَادِيثِ الْمَنْعِ عَلَى ذَلِكَ؛ إِلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا يَطُولُ مَقَامُهُ فِيهَا، قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ لِأَبِيهِ: لِمَ جَازَ كِرَاؤُهَا بِالْخَشَبِ وَالْحَطَبِ وَالْعُودِ وَالصَّنْدَلِ وَالْجُذُوعِ وَكُلِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِمَّا يَطُولُ مُكْثُهَا وَوَقْتُهَا فَلِذَا سُهِّلَ فِيهَا.

ص: 557

[كِتَاب الشُّفْعَةِ]

[باب مَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الشُّفْعَةِ

‌بَاب مَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ

حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ بَيْنَهُمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ»

قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

35 -

كِتَابُ الشُّفْعَةِ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ غَيْرُ السُّكُونِ وَهِيَ لُغَةُ الضَّمِّ عَلَى الْأَشْهَرِ مِنْ شَفَعْتُ الشَّيْءَ ضَمَمْتُهُ، فَهُوَ ضَمُّ نَصِيبٍ إِلَى نَصِيبٍ، وَمِنْهُ شُفِعَ الْأَذَانُ، وَقِيلَ مِنَ الشَّفْعِ ضِدُّ الْوَتْرِ، لِأَنَّهُ ضَمُّ نَصِيبِ شَرِيكِهِ إِلَى نَصِيبِهِ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَقِيلَ مِنَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ إِلَى مَالِهِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: 85](سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةَ 85) أَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ يَزِدْ عَمَلًا صَالِحًا إِلَى عَمَلِهِ، وَقِيلَ: مِنَ الشَّفَاعَةِ لِأَنَّهُ يَتَشَفَّعُ بِنَصِيبِهِ إِلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا بَاعَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ أَتَى الْمُجَاوِرُ شَافِعًا إِلَى الْمُشْتَرِي لِيُولِيَهُ مَا اشْتَرَاهُ وَهَذَا أَظْهَرُ، وَشَرْعًا: اسْتِحْقَاقُ شَرِيكٍ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ بِثَمَنٍ.

1 -

بَابُ مَا يَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ

تَقَدَّمَ غَيْرَ مَا مَرَّةٍ أَنَّ الْإِمَامَ تَارَةً يُقَدِّمُ الْبَسْمَلَةَ عَلَى (كِتَابُ) وَتَارَةً يُؤَخِّرُهَا عَنْهُ تَفَنُّنًا.

1420 -

1387 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بْنِ حَزَنٍ الْمَخْزُومِيِّ (وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مُرْسَلٌ عَنْ مَالِكٍ لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِمْ، وَوَصَلَهُ عَنْهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي قَتِيلَةَ وَابْنُ وَهْبٍ بِخُلْفٍ عَنْهُ، فَقَالُوا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ قُتَيْبَةَ وَصَلَهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَذَا اخْتَلَفَ فِيهِ رُوَاةُ ابْنِ شِهَابٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْهُ عَنْ سَعِيدٍ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُونُسُ عَنْهُ عَنْ سَعِيدٍ وَحْدَهُ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ

ص: 558

أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ أَحْمَدُ: رِوَايَةُ مَعْمَرٍ حَسَنَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: رِوَايَةُ مَالِكٍ أَحَبُّ إِلَيَّ وَأَصَحُّ، يَعْنِي مُرْسَلًا عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، وَأَسْنَدَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا فِي التَّمْهِيدِ ثُمَّ قَالَ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ أَكْثَرَ النَّاسِ بَحْثًا عَنْ هَذَا الشَّأْنِ، فَرُبَّمَا احْتَجَّ لَهُ فِي الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ فَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَنْ أَحَدِهِمْ بِقَدْرِ نَشَاطِهِ حِينَ تَحْدِيثِهِ، وَرُبَّمَا أَدْخَلَ حَدِيثَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ كَمَا صَنَعَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ وَغَيْرِهِ، وَرُبَّمَا كَسُلَ فَأَرْسَلَ، وَرُبَّمَا انْشَرَحَ فَوَصَلَ، فَلِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا اهـ.

وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي مَالِكٍ وَرِوَايَةِ مَعْمَرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالشُّفْعَةِ) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ (فِيمَا) أَيْ فِي كُلِّ مُشْتَرَكٍ مُشَاعٍ قَابِلٍ لِلْقِسْمَةِ (لَمْ يُقْسَمْ) بِالْفِعْلِ (بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ) جَمْعُ حَدٍّ، وَهُوَ هُنَا مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الْأَمْلَاكُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَأَصْلُ الْحَدِّ الْمَنْعُ، فَتَحْدِيدُ الشَّيْءِ بِمَنْعِ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ وَبِمَنْعِ دُخُولِهِ فِيهِ، زَادَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً وَمُثْقَلَةً أَيْ بُيِّنَتْ مَصَارِفُهَا وَشَوَارِعُهَا (بَيْنَهُمْ) أَيِ الشُّرَكَاءِ (فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا مَحِلَّ لَهَا بَعْدَ تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَتْ غَيْرَ مُشَاعَةٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الْمُشَاعِ، وَصَدْرُهُ يُشْعِرُ بِثُبُوتِهَا فِي الْمَنْقُولَاتِ، وَسِيَاقُهُ يُشْعِرُ بِاخْتِصَاصِهَا بِالْعَقَارِ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا، وَالْمُرَادُ الْعَقَارُ الْمُحْتَمِلُ لِلْقِسْمَةِ، فَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ بِقَسْمِهِ تَبْطُلُ مَنْفَعَتُهُ.

وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ بِالشُّفْعَةِ احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ أَمْ لَا.

وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» " وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنْ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ، إِلَّا أَنَّ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَشَذَّ عَطَاءٌ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ فَقَالَ: فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الثَّوْبِ، وَنَقَلَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْعَقَارِ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ.

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ: " «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكٍ لَمْ يُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» " وَالرَّبْعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ تَأْنِيثُ الرَّبْعِ وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَالْحَائِطُ وَالْبُسْتَانُ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ؛ لِأَنَّهُ حَصَرَ الشُّفْعَةَ فِيمَا لَا يُقْسَمُ، فَمَا قُسِمَ لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَقَدْ صَارَ جَارًا، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورَ، وَأَثْبَتَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لِلْجَارِ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ لَكَانَ قَوِيًّا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ ضَمَّ إِلَيْهِ قَوْلَهُ " وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ " فَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ بِهَا الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْقَسْمِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْمُرَادُ صَرْفُ الطُّرُقِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْجَارُ، وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَيِّ التَّأْوِيلَيْنِ أَظْهَرُ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ:" «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا، وَلَا

ص: 559

حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِتَحْوِيزِهِ وَصِلَتِهِ وَهُوَ أَوْلَى، إِذْ حَمْلُهُ عَلَى الشُّفْعَةِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْجَارَ أَحَقُّ مِنَ الشَّرِيكِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَالصَّقَبُ بِفَتْحَتَيْنِ وَصَادٍ أَوْ سِينٍ، أَيْ بِسَبَبِ قُرْبِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا:" «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ الْجَارِ» " وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَا هُوَ أَحَقُّ هَلْ بِالشُّفْعَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ وُجُوهِ الرِّفْقِ وَالْمَعْرُوفِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَارِ الشَّرِيكَ وَالْمَخَالِطَ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى يُخَاطِبُ زَوْجَتَهُ:

أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقُ.

فَسَمَّاهَا جَارَةً لِأَنَّهَا مُخَالِطَةٌ، وَأَقْوَى حُجَجِهِمْ حَدِيثُ أَصْحَابِ السُّنَنِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا:«الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يَنْتَظِرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» ، فَإِنَّهُ بَيَّنَ بِمَا يَكُونُ أَحَقَّ، وَنَبَّهَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الطَّرِيقِ، لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ، وَبِالْجُمْلَةِ فَأَحَادِيثُ الشُّفْعَةِ لَيْسَ فِيهَا مَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ أَوْ نَصٌّ فِي نَفْيِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ بِخِلَافِ تِلْكَ، فَيَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالَاتُ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ. . . . إِلَخْ مُدْرَجٌ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَلَامٌ تَامٌّ، وَالثَّانِيَ مُسْتَقِلٌّ، وَلَوْ كَانَ الثَّانِي مَرْفُوعًا لَقِيلَ: وَقَالَ وَإِذَا وَقَعَتْ. . . . . إِلَخْ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْإِدْرَاجَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ الْعَقْلِيِّ وَالتَّشَهِّي، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِدْرَاجُ بِدَلِيلٍ كَمَجِيءِ رِوَايَةٍ مَبْنِيَّةٍ لِلْقَدْرِ الْمُدْرَجِ، أَوِ اسْتِحَالَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ، وَقَدْ قَوَّى حَدِيثَنَا إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ (كَمَا قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا) وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ فَالْحُجَّةُ فِيمَا عَمِلَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ.

ص: 560

قَالَ مَالِكٌ إِنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ الشُّفْعَةِ هَلْ فِيهَا مِنْ سُنَّةٍ فَقَالَ نَعَمْ الشُّفْعَةُ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَلَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1420 -

1388 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنِ الشُّفْعَةِ هَلْ فِيهَا مِنْ سُنَّةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، الشُّفْعَةُ) ثَابِتَةٌ (فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ، وَلَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ) لَا بِالْجِوَارِ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تَثْبُتِ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ إِذَا قَسَمَ وَضَرَبَ الْحُدُودَ فَالْجَارُ الْمُلَاصِقُ الَّذِي لَمْ يَقْسِمْ وَلَا ضَرَبَ الْحُدُودَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ.

ص: 560

وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا مَعَ قَوْمٍ فِي أَرْضٍ بِحَيَوَانٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ فَجَاءَ الشَّرِيكُ يَأْخُذُ بِشُفْعَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَجَدَ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ قَدْ هَلَكَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ قَدْرَ قِيمَتِهِمَا فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الْوَلِيدَةِ مِائَةُ دِينَارٍ وَيَقُولُ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ الشَّرِيكُ بَلْ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّ قِيمَةَ مَا اشْتَرَى بِهِ مِائَةُ دِينَارٍ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ أَخَذَ أَوْ يَتْرُكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ الشَّفِيعُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ أَوْ الْوَلِيدَةِ دُونَ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي قَالَ مَالِكٌ مَنْ وَهَبَ شِقْصًا فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَأَثَابَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِهَا نَقْدًا أَوْ عَرْضًا فَإِنَّ الشُّرَكَاءَ يَأْخُذُونَهَا بِالشُّفْعَةِ إِنْ شَاءُوا وَيَدْفَعُونَ إِلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ قِيمَةَ مَثُوبَتِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ قَالَ مَالِكٌ مَنْ وَهَبَ هِبَةً فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَمْ يُثَبْ مِنْهَا وَلَمْ يَطْلُبْهَا فَأَرَادَ شَرِيكُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا فَإِنْ أُثِيبَ فَهُوَ لِلشَّفِيعِ بِقِيمَةِ الثَّوَابِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا فِي أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ فَأَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ مَلِيًّا فَلَهُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِذَا جَاءَهُمْ بِحَمِيلٍ مَلِيٍّ ثِقَةٍ مِثْلِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الشِّقْصَ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ لَا تَقْطَعُ شُفْعَةَ الْغَائِبِ غَيْبَتُهُ وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ وَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الشُّفْعَةُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُوَرِّثُ الْأَرْضَ نَفَرًا مِنْ وَلَدِهِ ثُمَّ يُولَدُ لِأَحَدِ النَّفَرِ ثُمَّ يَهْلِكُ الْأَبُ فَيَبِيعُ أَحَدُ وَلَدِ الْمَيِّتِ حَقَّهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ فَإِنَّ أَخَا الْبَائِعِ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ مِنْ عُمُومَتِهِ شُرَكَاءِ أَبِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ الشُّفْعَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ يَأْخُذُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ إِنْ كَانَ قَلِيلًا فَقَلِيلًا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَبِقَدْرِهِ وَذَلِكَ إِنْ تَشَاحُّوا فِيهَا قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَائِهِ حَقَّهُ فَيَقُولُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنَا آخُذُ مِنْ الشُّفْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِي وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي إِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْخُذَ الشُّفْعَةَ كُلَّهَا أَسْلَمْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَدَعَ فَدَعْ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا خَيَّرَهُ فِي هَذَا وَأَسْلَمَهُ إِلَيْهِ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ كُلَّهَا أَوْ يُسْلِمَهَا إِلَيْهِ فَإِنْ أَخَذَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْأَرْضَ فَيَعْمُرُهَا بِالْأَصْلِ يَضَعُهُ فِيهَا أَوْ الْبِئْرِ يَحْفِرُهَا ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا فَيُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ إِنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا إِلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا عَمَرَ فَإِنْ أَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا عَمَرَ كَانَ أَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ مَنْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الشُّفْعَةِ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ اسْتَقَالَ الْمُشْتَرِيَ فَأَقَالَهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَالشَّفِيعُ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي كَانَ بَاعَهَا بِهِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ وَحَيَوَانًا وَعُرُوضًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي خُذْ مَا اشْتَرَيْتُ جَمِيعًا فَإِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ جَمِيعًا قَالَ مَالِكٌ بَلْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ يُقَامُ كُلُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَتِهِ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ بِالَّذِي يُصِيبُهَا مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ رَأْسِ الثَّمَنِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَسَلَّمَ بَعْضُ مَنْ لَهُ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِلْبَائِعِ وَأَبَى بَعْضُهُمْ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ بِشُفْعَتِهِ إِنَّ مَنْ أَبَى أَنْ يُسَلِّمَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ كُلِّهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَيَتْرُكَ مَا بَقِيَ قَالَ مَالِكٌ فِي نَفَرٍ شُرَكَاءَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ وَشُرَكَاؤُهُ غُيَّبٌ كُلُّهُمْ إِلَّا رَجُلًا فَعُرِضَ عَلَى الْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكَ فَقَالَ أَنَا آخُذُ بِحِصَّتِي وَأَتْرُكُ حِصَصَ شُرَكَائِي حَتَّى يَقْدَمُوا فَإِنْ أَخَذُوا فَذَلِكَ وَإِنْ تَرَكُوا أَخَذْتُ جَمِيعَ الشُّفْعَةِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يَتْرُكَ فَإِنْ جَاءَ شُرَكَاؤُهُ أَخَذُوا مِنْهُ أَوْ تَرَكُوا إِنْ شَاءُوا فَإِذَا عُرِضَ هَذَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَلَا أَرَى لَهُ شُفْعَةً

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1420 -

1389 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلَ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ.

ص: 560

(قَالَ مَالِكٌ: رَجُلٌ اشْتَرَى شِقْصًا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ: قِطْعَةً (مَعَ قَوْمٍ فِي أَرْضٍ بِحَيَوَانٍ) مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَى (عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ) أَيْ أَمَةٍ، بَدَلٌ مِنْ حَيَوَانٍ (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ فَجَاءَ الشَّرِيكُ يَأْخُذُ بِشُفْعَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَجَدَ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ قَدْ هَلَكَا وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ قَدْرَ قِيمَتِهِمَا، فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوِ الْوَلِيدَةِ مِائَةُ دِينَارٍ، وَيَقُولُ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ الشَّرِيكُ: قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا، قَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّ قِيمَةَ مَا اشْتَرَى بِهِ مِائَةُ دِينَارٍ ثُمَّ) بَعْدَ حَلِفِهِ (إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ) بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي (أَخَذَ أَوْ يَتْرُكَ؛ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ الشَّفِيعُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ أَوِ الْوَلِيدَةِ دُونَ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي) فَيَأْخُذُهُ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ ; لِأَنَّ الشَّفِيعَ طَالِبٌ آخِذٌ، وَالْمُشْتَرِيَ مَطْلُوبٌ مَأْخُوذٌ، فَوَجَبَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَالشَّفِيعُ مُدَّعٍ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ، وَإِلَّا عَمِلَ بِهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.

(وَمَنْ وَهَبَ شِقْصًا فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَأَثَابَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِهَا نَقْدًا أَوْ عَرْضًا فَإِنَّ الشُّرَكَاءَ يَأْخُذُونَهَا بِالشُّفْعَةِ إِنْ شَاءُوا وَيَدْفَعُونَ إِلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ قِيمَةَ مَثُوبَتِهِ) أَيْ مَا أَثَابَ بِهِ (دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ) وَإِنْ شَاءُوا سَلَّمُوا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ.

(وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَمْ يُثَبْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (مِنْهَا) أَيْ بَدَلَهَا (وَلَمْ يَطْلُبْهَا فَأَرَادَ شَرِيكُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ مَا) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهِ (لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا، فَإِنْ أُثِيبَ فَهُوَ لِلشَّفِيعِ بِقِيمَةِ الثَّوَابِ) الَّذِي حَصَلَ إِنْ عَلِمَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ حَلَفَ كَمَا فَوْقَهُ.

ص: 561

(وَفِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا فِي أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ فَأَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَهَا قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ مَلِيًّا فَلَهُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ) لِأَنَّهُ عَدِيمٌ.

(فَإِنْ جَاءَهُمْ بِحَمِيلٍ) ضَامِنٍ (مَلِيءٍ) غَنِيٍّ (ثِقَةٍ مِثْلَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الشِّقْصَ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ فَذَلِكَ لَهُ) وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ.

(وَلَا تَقْطَعُ شُفْعَةَ الْغَائِبِ غَيْبَتُهُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ (وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ تُقْطَعُ) إِذَا انْتَهَى (إِلَيْهِ الشُّفْعَةُ) لِعُذْرِهِ بِالْغَيْبَةِ فَحَقُّهُ بَاقٍ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ حَاضِرًا فَهَلْ حَقُّهُ بَاقٍ مُطْلَقًا حَتَّى يُصَرِّحَ بِالْإِسْقَاطِ؟ وَهُوَ قَوْلٌ لِمَالِكٍ، قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ، فَلَا يُبْطِلُهُ سُكُوتُهُ أَوْ لَا شُفْعَةَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ، رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَبَالَغَ فِيهِ حَتَّى قَالَ: إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ السَّنَةِ فَلَا شُفْعَةَ، لَكِنِ الْمُعْتَمَدُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَا قَارَبَهَا لَهُ حُكْمُهَا، وَفِيهِ أَنَّهُ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعٌ، خِلَافٌ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُورِثُ الْأَرْضَ نَفَرًا مِنْ وَلَدِهِ ثُمَّ يُولَدُ لِأَحَدِ النَّفَرِ) أَوْلَادٌ (ثُمَّ يَهْلَكُ الْأَبُ) الَّذِي وَلَدَ (فَيَبِيعُ أَحَدُ وَلَدِ الْمَيِّتِ حَقَّهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ فَإِنَّ أَخَا الْبَائِعِ) الَّذِي هُوَ وَلَدُ الْمَيِّتِ (أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ مِنْ عُمُومَتِهِ شُرَكَاءِ أَبِيهِ) لِأَنَّهُ شَرِيكٌ لِأَخِيهِ دُونَ عُمُومَتِهِ (وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ.

(وَالشُّفْعَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ، يَأْخُذُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرٍ نَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَقَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَبِقَدْرِهِ وَذَلِكَ إِذَا تَشَاحُّوا فِيهَا) فَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمُ النِّصْفُ

ص: 562

وَآخَرُ الثُّلُثُ وَآخُرُ السُّدُسُ فَبَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَيِ النِّصْفِ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ ثُلُثُهُ، فَيَصِيرُ لَهُ ثُلُثُ الدَّارِ، وَلِذَلِكَ ثُلُثَاهَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ.

(فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَائِهِ حَقَّهُ) نَصِيبَهُ فِي الْمَكَانِ (فَيَقُولُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ: أَنَا آخُذُ مِنَ الشُّفْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِي، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْخُذَ الشُّفْعَةَ كُلَّهَا أَسْلَمْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَدَعَ) تَتْرُكَ (فَدَعْ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا خَيَّرَهُ فِي هَذَا وَأَسْلَمَهُ إِلَيْهِ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ كُلَّهَا أَوْ يُسْلِمَهَا إِلَيْهِ، فَإِنْ أَخَذَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِتَضَرُّرِ الْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِ مَا اشْتَرَى.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْأَرْضَ فَيَعْمُرُهَا) بِضَمِّ الْمِيمِ (بِالْأَصْلِ يَضَعُهُ فِيهَا أَوِ الْبِئْرَ يَحْفِرُهَا) بِكَسْرِ الْفَاءِ (ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا فَيُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ: إِنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا؛ إِلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا عَمَرَ، فَإِنْ أَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا عَمَرَ) قَائِمَةً (كَانَ أَحَقَّ بِشُفْعَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا) بَلْ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ فِعْلٌ بِوَجْهٍ جَائِزٍ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ.

(وَمَنْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الشُّفْعَةِ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ اسْتَقَالَ الْمُشْتَرِي) طَلَبَ مِنْهُ الْإِقَالَةَ (فَأَقَالَهُ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَالشَّفِيعُ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي كَانَ بَاعَهَا بِهِ) إِنْ شَاءَ (وَمَنِ اشْتَرَى شِقْصًا فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ وَحَيَوَانًا وَعُرُوضًا

ص: 563

فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي الْأَرْضِ أَوِ الدَّارِ) أَوْ فِيهِمَا (فَقَالَ الْمُشْتَرِي: خُذْ مَا اشْتَرَيْتُ جَمِيعًا فَإِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ جَمِيعًا) فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.

(قَالَ مَالِكٌ: بَلْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي الْأَرْضِ أَوِ الدَّارِ) أَوْ فِيهِمَا (بِحِصَّتِهَا مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ) وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ (يُقَامُ) أَيْ يَقُومُ (كُلُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ عَلَى حِدَّتِهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ: مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ (عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ بِالَّذِي يُصِيبُهَا مِنَ الْقِيمَةِ مِنْ رَأْسِ الثَّمَنِ وَلَا يَأْخُذُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ شَيْئًا) إِذْ لَا شُفْعَةَ فِيهَا (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ) فَيَأْخُذُ لَا بِالشُّفْعَةِ، إِذْ لَا شُفْعَةَ فِي حَيَوَانٍ وَعَرْضٍ بَلْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَرَادَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ.

(وَمَنْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَسَلَّمَ بَعْضُ مَنْ لَهُ فِيهَا الشُّفْعَةَ لِلْبَائِعِ وَأَبَى بَعْضُهُمْ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ بِشُفْعَتِهِ إِنَّ مَنْ أَبَى أَنْ يُسَلِّمَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ كُلَّهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَيَتْرُكَ مَا بَقِيَ) لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ.

(وَفِي نَفَرٍ شُرَكَاءَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ وَشُرَكَاؤُهُ غُيَّبٌ) جَمْعَ غَائِبٍ (كُلُّهُمْ إِلَّا رَجُلًا فَعَرَضَ عَلَى الْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكَ فَقَالَ: أَنَا آخُذُ بِحِصَّتِي وَأَتْرُكُ حِصَصَ شُرَكَائِي حَتَّى يَقْدَمُوا، فَإِنْ أَخَذُوا فَذَلِكَ وَإِنْ تَرَكُوا أَخَذْتُ جَمِيعَ الشُّفْعَةِ، قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يَتْرُكَ، فَإِنْ جَاءَ شُرَكَاؤُهُ

ص: 564

أَخَذُوا مِنْهُ أَوْ تَرَكُوا) إِنْ شَاءُوا (فَإِذَا عَرَضَ هَذَا) التَّخْيِيرَ (عَلَيْهِ) أَيِ الرَّجُلِ الْحَاضِرِ (فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَلَا أَرَى لَهُ شُفْعَةً) فَإِنْ قَبِلَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ.

ص: 565

[باب مَا لَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ]

قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ إِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فِي الْأَرْضِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَلَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فِي فَحْلِ النَّخْلِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا شُفْعَةَ فِي طَرِيقٍ صَلُحَ الْقَسْمُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَصْلُحْ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي عَرْصَةِ دَارٍ صَلُحَ الْقَسْمُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَصْلُحْ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى أَنَّهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ فَأَرَادَ شُرَكَاءُ الْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذُوا مَا بَاعَ شَرِيكُهُمْ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْمُشْتَرِي إِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي وَيَثْبُتَ لَهُ الْبَيْعُ فَإِذَا وَجَبَ لَهُ الْبَيْعُ فَلَهُمْ الشُّفْعَةُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي أَرْضًا فَتَمْكُثُ فِي يَدَيْهِ حِينًا ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا بِمِيرَاثٍ إِنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ إِنْ ثَبَتَ حَقُّهُ وَإِنَّ مَا أَغَلَّتْ الْأَرْضُ مِنْ غَلَّةٍ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إِلَى يَوْمِ يَثْبُتُ حَقُّ الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ضَمِنَهَا لَوْ هَلَكَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ غِرَاسٍ أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ قَالَ فَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ هَلَكَ الشُّهُودُ أَوْ مَاتَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ هُمَا حَيَّانِ فَنُسِيَ أَصْلُ الْبَيْعِ وَالِاشْتِرَاءِ لِطُولِ الزَّمَانِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَنْقَطِعُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فِي حَدَاثَةِ الْعَهْدِ وَقُرْبِهِ وَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْبَائِعَ غَيَّبَ الثَّمَنَ وَأَخْفَاهُ لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ حَقَّ صَاحِبِ الشُّفْعَةِ قُوِّمَتْ الْأَرْضُ عَلَى قَدْرِ مَا يُرَى أَنَّهُ ثَمَنُهَا فَيَصِيرُ ثَمَنُهَا إِلَى ذَلِكَ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا زَادَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ أَوْ عِمَارَةٍ فَيَكُونُ عَلَى مَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَنْ ابْتَاعَ الْأَرْضَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ بَنَى فِيهَا وَغَرَسَ ثُمَّ أَخَذَهَا صَاحِبُ الشُّفْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَمَا هِيَ فِي مَالِ الْحَيِّ فَإِنْ خَشِيَ أَهْلُ الْمَيِّتِ أَنْ يَنْكَسِرَ مَالُ الْمَيِّتِ قَسَمُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهِ شُفْعَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَا شُفْعَةَ عِنْدَنَا فِي عَبْدٍ وَلَا وَلِيدَةٍ وَلَا بَعِيرٍ وَلَا بَقَرَةٍ وَلَا شَاةٍ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَلَا فِي ثَوْبٍ وَلَا فِي بِئْرٍ لَيْسَ لَهَا بَيَاضٌ إِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا يَصْلُحُ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ وَتَقَعُ فِيهِ الْحُدُودُ مِنْ الْأَرْضِ فَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ فِيهِ الْقَسْمُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا شُفْعَةٌ لِنَاسٍ حُضُورٍ فَلْيَرْفَعْهُمْ إِلَى السُّلْطَانِ فَإِمَّا أَنْ يَسْتَحِقُّوا وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ السُّلْطَانُ فَإِنْ تَرَكَهُمْ فَلَمْ يَرْفَعْ أَمْرَهُمْ إِلَى السُّلْطَانِ وَقَدْ عَلِمُوا بِاشْتِرَائِهِ فَتَرَكُوا ذَلِكَ حَتَّى طَالَ زَمَانُهُ ثُمَّ جَاءُوا يَطْلُبُونَ شُفْعَتَهُمْ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 -

بَابُ مَا لَا يَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ

1423 -

1390 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، صَدُوقٌ (عَنْ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو (بْنِ حَزْمٍ) فَنَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ الْأَعْلَى لِشُهْرَتِهِ بِهِ (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) ذُو النُّورَيْنِ (قَالَ:«إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ فِي الْأَرْضِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا» ) بِنَصِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَلَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فِي فَحْلِ النَّخْلِ) كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (وَلَا شُفْعَةَ فِي طَرِيقٍ صَلُحَ الْقَسْمُ فِيهَا) أَيِ الطَّرِيقِ، لِأَنَّهُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (أَوْ لَمْ يَصْلُحْ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِمَا قَدْ قُسِمَ (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي عَرْصَةِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ سَاحَةِ (دَارٍ) قُسِمَتْ بُيُوتُهَا (صَلُحَ الْقَسْمُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَصْلُحْ) لِأَنَّهَا تَبَعٌ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا) قِطْعَةً (مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى أَنَّهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ فَأَرَادَ شُرَكَاءُ الْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذُوا مَا بَاعَ شَرِيكُهُمْ قَبْلَ الْمُشْتَرِي إِنَّ ذَلِكَ لَا

ص: 565

يَكُونُ حَتَّى يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي وَيَثْبُتَ لَهُ الْبَيْعُ، فَإِذَا وَجَبَ) أَيْ ثَبَتَ (لَهُ الْبَيْعُ فَلَهُمُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْحَلٌّ فَلَا تَثْبُتُ شُفْعَةٌ حَتَّى يَلْزَمَ.

(وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي أَرْضًا فَتَمْكُثُ فِي يَدَيْهِ حِينًا) زَمَانًا (ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا بِمِيرَاثٍ: إِنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ إِنْ ثَبَتَ حَقُّهُ، وَإِنَّ مَا أَغَلَّتِ الْأَرْضُ مِنْ غَلَّةٍ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إِلَى يَوْمِ يَثْبُتُ حَقُّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ضَمِنَهَا لَوْ هَلَكَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ غِرَاسٍ أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ) مَطَرٌ شَدِيدٌ، وَمَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَهُ الْغَلَّةُ (فَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ هَلَكَ) مَاتَ (الشُّهُودُ أَوْ مَاتَ الْبَائِعُ أَوِ الْمُشْتَرِي أَوْ هُمَا حَيَّانِ فَنُسِيَ أَصْلُ الْبَيْعِ وَالِاشْتِرَاءِ لِطُولِ الزَّمَانِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَنْقَطِعُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فِي حَدَاثَةِ) قُرْبِ (الْعَهْدِ وَقُرْبِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِحَدَاثَةٍ (وَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْبَائِعَ غَيَّبَ) بِالتَّثْقِيلِ (الثَّمَنَ وَأَخْفَاهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ حَقَّ صَاحِبِ الشُّفْعَةِ قُوِّمَتِ الْأَرْضُ عَلَى قَدْرِ مَا يُرَى أَنَّهُ ثَمَنُهَا؛ فَيَصِيرُ ثَمَنُهَا إِلَى ذَلِكَ) أَيْ مَا قُوِّمَتْ بِهِ (ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا زَادَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ) بِالْكَسْرِ فِعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلَ كِتَابٍ وَبِسَاطٍ وَمِهَادٍ بِمَعْنَى مَبْسُوطٍ وَمَكْتُوبٍ وَمَمْهُودٍ (أَوْ عِمَارَةٍ فَتَكُونُ عَلَى مَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَنِ ابْتَاعَ) اشْتَرَى الْأَرْضَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ بَنَى فِيهَا وَغَرَسَ ثُمَّ أَخَذَهَا صَاحِبُ الشُّفْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ يَكُونُ لَهُ حُكْمُهُ.

(وَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَمَا هِيَ) ثَابِتَةٌ (فِي مَالِ الْحَيِّ، فَإِنْ خَشِيَ

ص: 566

أَهْلُ الْمَيِّتِ أَنْ يَنْكَسِرَ مَالُ الْمَيِّتِ قَسَّمُوهُ وَبَاعُوهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهِ شُفْعَةٌ.

وَلَا شُفْعَةَ عِنْدِنَا فِي عَبْدٍ وَلَا وَلِيدَةٍ وَلَا بَعِيرٍ وَلَا بَقَرَةٍ وَلَا شَاةٍ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ) كَفَرَسٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ (وَلَا ثَوْبٍ وَلَا بِئْرٍ لَيْسَ لَهَا بَيَاضٌ) لِأَنَّ أُصُولَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَشْهَدُ أَنْ لَا يَحِلُّ إِخْرَاجُ مِلْكٍ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ مِلْكًا صَحِيحًا إِلَّا بِحُجَّةٍ لَا مُعَارِضَ لَهَا، وَالْمُشْتَرِي ذَلِكَ شِرَاءً صَحِيحًا قَدْ مَلَكَهُ، فَكَيْفَ يُؤْخَذُ عَنْهُ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ! (إِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَنْقَسِمَ) بِأَنْ يَقْبَلَ الْقِسْمَةَ (وَتَقَعَ فِيهِ الْحُدُودُ مِنَ الْأَرْضِ، فَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ فِيهِ الْقَسْمُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ) اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ فَلَا يُتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ.

(وَمَنِ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا شُفْعَةٌ لِنَاسٍ حُضُورٍ فَلْيَرْفَعْهُمْ إِلَى السُّلْطَانِ فَإِمَّا أَنْ يَسْتَحِقُّوا) أَنْ يَأْخُذُوا بِاسْتِحْقَاقِهِمُ الشُّفْعَةَ (وَإِمَّا أَنْ) يَتْرُكُوا فَحِينَئِذٍ (يُسَلِّمَ لَهُ السُّلْطَانُ) مَا اشْتَرَى.

(فَإِنْ تَرَكَهُمْ فَلَمْ يَرْفَعْ أَمْرَهُمْ إِلَى السُّلْطَانِ وَقَدْ عَلِمُوا بِاشْتِرَائِهِ فَتَرَكُوا ذَلِكَ حَتَّى طَالَ زَمَانُهُ ثُمَّ جَاءُوا يَطْلُبُونَ شُفْعَتَهُمْ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُمْ) وَالطُّولُ بِسَنَةٍ وَمَا قَارَبَهَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي أَنَّهُ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعٌ خِلَافٌ وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

ص: 567