الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الأول: [بيان السنة وتدوينها وكذلك تدوين أحاديث الأحكام]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد:
فنبدأ مستعينين الله بتدريس كتاب المحرر في احاديث الأحكام للشيخ محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي رحمه الله وقبل أن نبدأ بالكلام على هذه الأحاديث في هذا الكتاب نقدم لذلك بكلمة تتعلق ببيان السنة وتدوينها وكذلك تدوين أحاديث الأحكام، أقول: إن أعظم نعمة أنعم الله بها على أهل الأرض في آخر الزمان أن بعث فيهم رسوله الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فدل أمته على كل خير وحذرها من كل شر، ما ترك أمرًا يقرب إلى الله إلا ودل الأمة عليه وما ترك أمرًا يباعد من الله إلا حذر الأمة منه، فصلوات الله وبركاته وسلامه عليه، وقد جاء بشريعة متصفة بصفات ثلاث صفة البقاء والخلود، وصفة العموم والشمول، وصفة الكمال فهي باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره أنه قال:«ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس» فإن هذا فيه أن الشريعة باقية إلى قيام الساعة وأيضا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ختم الله به الأنبياء وختم به رسالة الرسالات فهي رسالة مستمرة باقية فمن صفاتها الخلود والبقاء ومن صفاتها العموم والشمول فإنها عامة للثقلين الجن والإنس فكل إنسي وجني من حين بعثته إلى قيام الساعة فإنه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة الدعوة الذين يلزمهم ومطلوب منهم أن يدخلوا في هذا الدين الحنيف الذي جاء به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، والأمة أمتان أمة دعوة وأمة إجابة، أمة دعوة وهم كل إنسي وجني من حين بعثته إلى قيام الساعة وأمة إجابة وهم الذين وفقهم الله في الدخول في دينه الحنيف،
وقد جمع الله بين الأمتين في قوله عز وجل: (والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) فإن قوله: (والله يدعوا إلى دار السلام) يعني كل أحد حذف المفعول وذلك أن كلٌّ مدعوٌّ إلى دار السلام ما أحد يدعى وأحد لا يدعى وإنما الكل مدعوّ وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وإنك لتهدي إلى صراط المستقيم) فالدعوة العامة والهداية خاصة ثم قال: (ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) وهم الذين وفقهم في الدخول لهذا الدين الحنيف فإذًا هذا فيه أن هذه الرسالة شاملة للثقلين الجن والإنس وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار» فذكَر اليهود والنصارى وأنهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة الدعوى وأنه بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينفعهم أن يقولوا أنهم من أتباع موسى أو أتباع عيسى وإنما بعد بعثته صلى الله عليه وسلم فإن الشرائع نسخت ولم يبقى إلا شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، واليهود والنصارى الذين هم أهل كتاب وأصحاب رسالة وأنهم أرسل عليهم لا ينفعهم أن نقول بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم أتباع موسى أو أنهم أتباع عيسى وإنما الواجب على كل إنسي وجني أن يستسلم وينقاد ويدخل في هذا الدين الحنيف الذي جاء به الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأما صفة الكمال فإنها كاملة لا نقص فيها لا تحتاج إلى إضافات ولا تحتاج إلى محدثات ولا تحتاج إلى بدع وإنما الله تعالى أكملها وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ترك الناس على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك والله تعالى قال:(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، فمن زعم كما جاء عن مالك بن أنس رحمه الله: من زعم أن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام بلغ البلاغ المبين ولم يجعل الناس في حاجة إلى أمور محدثة يأتي بها الناس ويضيفونها إلى شرع الله وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية لمسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» فإن كل عمل لا يكون نافعا عند الله إلا إذا توفر فيه شرطان: الإخلاص والمتابعة، الإخلاص لله وحده والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا هو معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، لأن معنى أشهد أن لا إله إلا الله الإخلاص، ومعنى وأشهد أن محمدا رسول الله المتابعة له وأنه لا يعول على شيء إلا ما جاء به عليه الصلاة والسلام وما بعثه الله به عليه الصلاة والسلام، إذا هذه صفات ثلاث اتصفت به هذه الشريعة شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهي البقاء والخلود، والعموم والشمول، والكمال والتمام.
ثم إن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام هي وحي من الله كما أن القرآن وحي من الله إلا أن القرآن وحي متعبد بتلاوته والعمل به، وأما السنة فإنه متعبد بالعمل بها وهي وحي من الله لأن القرآن وحي وقد قال الله عز وجل:(وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى) وقال صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة أُمرت بكذا ونُهيت عن كذا، فإذا قال الرسول أمرت بكذا ونهيت عن كذا فالآمر الناهي هو الله وهذا يبن لنا أن السنة من الله وأنها ليست من عند الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هي من عند الله وإنما الرسول أوحيت له السنة كما أوحي إليه القرآن وكذلك جاء في الحديث الطويل الذي رواه البخاري في صحيحه والذي فيه كتاب أبي بكر إلى أنس بن مالك رضي الله عنهما في بيان فرائض الصدقة وفي أوله «هذه فريضة الصدقة التي فرضها الله على عباده والتي أمر الله بها رسوله» وهذا الحديث الطويل الذي فيه زكاة الأنصبة من الإبل والبقر والغنم وكذلك مقدار الزكاة في كل نوع من أنواع الأموال الزكوية كله يبين لنا أن السنة وحي من الله وأنها ليست من عند الرسول صلى الله عليه وسلم وأن الأخذ بها لازم كالقرآن ومعلوم أن من قال أنه يأخذ بالكتاب ولا يأخذ بالسنة فإنه يقال له كيف يصلي الإنسان لأنه ما جاء في القرآن أن الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات والعشاء أربع ركعات والفجر ركعتين هذا لا يوجد في القرآن وإنما جاء في السنة، فالذي يزعم أنه يأخذ بالقرآن دون السنة فهو منكر للكتاب والسنة وجاحد للكتاب والسنة لأنه لابد من الأخذ بالكتاب ولابد من الأخذ بالسنة ولهذا جاء عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لما قال: لعن الله النامصة والمتنمصة وكذا، قال: مالي لا ألعن من لعنه الله وهو موجود في كتاب الله، فقالت امرأة: إني قرأت المصحف من أوله إلى آخره فما وجدت هذا الذي تقول - يعني ما وجدت أن النامصة والمتنمصة ملعونة- قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه قال الله عز وجل: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فالسنة كلها داخلة في قوله: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ولهذا يأتي في القران آيات كثيرة تدل على لزوم اتباع ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه يؤخذ بما جاء عن الله والرسول وهو ما جاء في الكتاب والسنة كما قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) ويقول: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) ويقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) فإذًا السنة هي وحي من الله ومن زعم أنه يأخذ بالقرآن دون السنة فإنه غير آخذ بالكتاب ولا بالسنة.
ثم إن السنة تطلق أربعة إطلاقات:
تطلق إطلاق عاما على كل ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة فإنه داخل في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أي طريقته ومنهجه ومن أدلة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من رغب عن سنتي فليس مني» من رغب عن سنته أي الكتاب والسنة فمن رغب عن الكتاب والسنة فليس من الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء.
والإطلاق الثاني السنة بمعنى الحديث وهذا فيما إذا عطفت على القرآن وإذا عطفت على الكتاب كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي» فإنه لما عطفت السنة على الكتاب عرف أن المراد بالسنة الحديث وكذلك إذا قال شراح الحديث وكتاب الفقه هذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله عز وكل كذا، وأما السنة فقول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، وأما الإجماع فقد حكى الإجماع فلان على كذا وكذا فإذا عطفت السنة على الكتاب يراد بها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
والإطلاق الثالث السنة في مقابل البدعة ومن أمثلة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة» فإن في هذا حث على السنة بقوله «فعليكم بسنتي» ثم بعد ذلك تحذير من البدع في قوله صلى الله عليه وسلم: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة» ، فإذًا السنة تطلق في مقابل البدعة وأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة هذا هو السنة وما جاء بخلاف ذلك وما جاء مبتدعا ومضافا إلى الشريعة وهي لم تأتي به فإن هذا من البدع المحدثة.
والإطلاق الرابع وهو في اصطلاح الفقهاء وهو بمعنى المندوب والمستحب الذي ليس بفرض وليس بواجب وليس بمتعين فإن الأوامر منها ما هو على سبيل الإلزام وهي الفرائض ومنها ما هو على سبيل الاستحباب وهي النوافل فالفرائض مثل الصلوات الخمس هذه فرائض محتمة في اليوم والليلة، وأما الرواتب فهي كالسنن القبلية والسنن البعدية وكذلك صلاة الضحى وقيام الليل، فهذه كلها من النوافل والإنسان يحرص على أن يأتي بالفرائض ويأتي بالنوافل لكن النفل يطلق عليه سنة يعني إذا قال الفقهاء يسن كذا معناه ليس بواجب وإذا قالوا يندب كذا معناه أنه ليس بواجب وإذا قالوا يستحب كذا معناه أنه ليس بواجب، إذًا هذه أربعة معاني لإطلاق لفظ السنة.
ثم إن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام قد حصل تدوينها في أواخر عهد الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم واتسع التدوين في القرن الثالث الهجري، فإن الكتب الستة التي هي صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربعة لأبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه كلها في القرن الثالث الهجري وهذه الكتب هي الكتب المشهورة التي اشتهرت والتي حصل عليها التعويل والتي حصل خدمتها في متونها وأسانيدها ورجالها، حصل عناية خاصة بهذه الكتب، وهذه الكتب مشتملة على الأحكام وعلى غير الأحكام، مشتملة على العقائد مثل: البخاري ومسلم في كتاب الإيمان، وقد بدئ كتاب البخاري بكتاب الإيمان وكتاب مسلم بكتاب الإيمان وقبل كتاب الإيمان باب في بدء الوحي على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهذه الكتب اشتملت على أحاديث الأحكام وعلى غير أحاديث الأحكام، وأما كتب السنن الأربعة فإنها مشتملة على الأحكام ولهذا يعني أبو داود والترمذي والنسائي كل منهم بدأ سننه بكتاب الطهارة التي هي أول ما يتعلق بالأحكام وذلك أن الأحكام عبادات ومعاملات فالعبادات صلاة وزكاة وصيام وحج والصلاة لا تصح إلا بطهارة وهي شرط من شروط الصلاة والشرط يتقدم على المشروط ويكون موجودا قبله فلهذا بدؤوا كتبهم بكتاب الطهارة ثم أتوا بعد ذلك بكتاب الصلاة ثم بعد أن ينتهون من العبادات يأتون بالمعاملات التي هي البيوع والإجارة والنكاح والطلاق والعتق والرق والأطعمة والأشربة وغير ذلك من سائر الكتب التي متعلقة بالأحكام، وعلى هذا فإن الأحاديث النبوية بدأ تدوينها وهي مشتملة على الأحكام ولكنها بالأسانيد وهذا في العصر الأول يعني القرون الثلاثة كانت مبنية على الأسانيد وكذلك بعده بسنوات مبنية على الأسانيد
وبعد ذلك صار التأليف بإثبات المتون دون الأسانيد مثل ما حصل في أزمان متأخرة فإن أحاديث الأحكام ألف فيها مؤلفون فقد ألف فيها عبدالغني المقدسي المتوفى سنة (600 هـ) ألف فيها كتابه عمدة الأحكام وهو مقتصر على الأحاديث المتفق على صحتها عند البخاري ومسلم، ثم جاء بعده ابن تيمية المجد جد شيخ الإسلام ابن تيمية وهو عبدالسلام وألف كتابه منتقى الأخبار وكانت وفاته سنة (652 هـ)، ثم جاء بعد ذلك ابن دقيق العيد المتوفى سنة (702 هـ) وألف كتابه الإلمام في أحاديث الأحكام، ثم جاء بعده محمد ابن عبدالهادي صاحب المحرر الذي ندرسه ألف كتابه المحرر في أحاديث الأحكام، ثم جاء بعد ذلك الحافظ ابن حجر وألف كتابه بلوغ المرام من أدلة الأحكام وهذه كلها يذكر الصحابي ويذكر الحديث ويذكرون من خرج هذه الأحاديث فيقول رواه البخاري ومسلم أو رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه أو رواه ابن خزيمة وفلان وفلان هذه طريقتهم كانت كتب مختصرة يذكرون فيها المتون دون الأسانيد حتى يسهل حفظها ويسهل تناولها ولهذا فإن التأليف في أحاديث الأحكام جاء على الأسانيد والمتون كما حصل ذلك في الكتب الستة وغيرها وجاء بعد ذلك في أزمان متأخرة من سنة ستمائة وما بعدها ألَّف هؤلاء الذين ألفوا في أحاديث الأحكام ولكنهم اقتصروا على المتون دون الأسانيد، وابن عبدالهادي رحمه الله الذي هو مؤلف المحرر هو محمد بن أحمد بن عبدالهادي الحنبلي وكانت ولادته سنة خمس وسبعمائة وكانت وفاته سنة أربع وأربعين وسبعمائة ومدة عمره تسع وثلاثون سنة ومع ذلك ألف هذا المؤلف وألف المؤلفات الأخرى له مؤلفات عديدة مؤلفات كثيرة ومع ذلك عمره تسع وثلاثين يعني مدة حياته تسع وثلاثين وهذا يدلنا على أن من العلماء من كان غير معمر ولكنه ألف المؤلفات، ومن الذين أعمارهم قصيرة وجهودهم عظيمة ومؤلفاتهم واضحة ومشهورة أبو بكر الحازمي فإن عمره خمس وثلاثون سنة ولهذا ذكره الذهبي في كتابه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل فقال: مات شابا طريا عمره خمس وثلاثون سنة، ومثل ذلك النووي فإن مؤلفاته كثيرة وعمره تسع وأربعون سنة وقد ألف فيه المؤلفات الكثيرة الواسعة، وكذلك عمر بن عبدالعزيز رحمه الله الخليفة الراشد وهو من الخلفاء الراشدين يعني عمره أربعون سنة مات وعمره أربعون سنة، يعني ابن قدامة هذا الذي معنا في هذا الكتاب أو المؤلف لهذا الكتاب عمره تسع وثلاثون سنة ومع ذلك ألف هذه المؤلفات، ومن المعاصرين الذين لهم المؤلفات الكثيرة نظما ونثرا الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله فإن عمره خمس وثلاثون سنة وقد ألف المؤلفات الكثيرة الواسعة نظما ونثرا عمره خمس وثلاثون سنة وهذا يدل على أن هؤلاء بجدهم واجتهادهم مع قصر أعمارهم ألفوا هذه المؤلفات العظيمة الواسعة، وإن شاء الله في الدرس القادم نبدأ بدراسة الأحاديث التي في كتاب المحرر، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الدرس الثاني: [الأسس التي بنى عليها كتاب المحرر]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله و صحبه اجمعين أما بعد:
فسبق أن مر في الدرس الماضي بيان عدد من الكتب التي ألفت في الأحكام و بالأسانيد وأن في طليعتها صحيح البخاري و صحيح مسلم و كتب السنن الأربعة وغيرها وأن التأليف قبل ذلك كان بالأسانيد يعني سواء في الأحكام أو في غير الأحكام وأنه بعد ذلك بعد ما مضى مدد طويلة فإن العلماء لا يروون الأحاديث بالأسانيد كما هو شأن المتقدمين وإنما يذكرون الصحابي و الحديث الذي يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء يعني فعله عبدالهادي وغيره ممن مر ذكرهم بالأمس وأن منهم من ألف على سبيل الأسانيد ومنهم من يذكر المتن مع ذكر الصحابي فقط كما فعل ذلك العلماء المتأخرون مثل عبدالغني المقدسي ومثل ابن تيمية صاحب المنتقى ومثل ابن دقيق العيد في الإلمام ومثل المحرر عند ابن عبد الهادي ومثل بلوغ المرام عند الحافظ ابن حجر تقدم هذا في الدرس الماضي و هنا ذكر هذه المقدمة التي ذكرها ابن عبدالهادي رحمه الله عز وجل بين يدي كتابه يعني هذي مشتملة على الأسس التي بنى عليها كتابه وأنه رجع إلى كتب المتقدمين و أنه استفاد منها وأنه أخذ منها و هي الكتب المسندة و ذكر قال: إن هذا مختصر، لأنه اختصره من كتب الأئمة المتقدمين في أحاديث الأحكام وهذا أحد مؤلفاته لأن ابن عبد الهادي رحمه الله له مؤلفات كثيرة وهذا إحداها وقد ترجم له ابن رجب الحنبلي في كتابه ذيل طبقات الحنابلة وسمى له ما يقرب من سبعين كتابا من مؤلفاته سردها فهي مؤلفات كثيرة
وهذا واحد منها وما جاء في أول هذا الكلام من قوله الثناء عليه قال فلان الذي هو كذا وكذا هذا قول تلميذه يعني هذي العبارة التي جاءت فيها الثناء عليه وبيان منزلته و أنه إمام وأنه حافظ وأنه فقيه وأنه كذا يعني هذا كلام تلميذه الذي روى عنه الكتاب، أما كلام ابن عبدالهادي فهو يبدأ من المقدمة الذي قال فيها الحمد لله
…
الخ يعني ذكر أنه انتخبه من مؤلفات كثيرة تروى بالأسانيد وذكر أحد عشر كتابا، فذكر مسند الإمام أحمد وقدمه على الصحيحين لأنه من أجل الزمان متقدم في الزمان وإلا فإن الصحيحين مقدمين على غيرها في الصحة ولكنه يأتون به قبلهما لأنه يسبقهما في الزمان ومن أجل ذلك ذكره، فذكر مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري وصحيح الإمام مسلم وسنن أبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة فهذه سبعة كتب مسند الإمام أحمد و الكتب الستة، ثم بعد ذلك الكتب الثلاثة التي ألفت في الحديث الصحيح وإن كانت فيها شيء من الضعيف وهي صحيح ابن خزيمة و صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم هذه عشرة ثم بعد ذلك ذكر السنن الكبرى للبيهقي فهذه أحد عشر كتابا ثم قال وغيرها، فنص على هذه الكتب الأحد عشر وأشار أنه لم يقتصر عليها بل على غيرها، قال رتبتها على ترتيب بعض فقهاء زماننا ليسهل الكشف منه يعني أنه مشى في ترتيب الأبواب على ترتيب بعض أهل زماننا ومعلوم أن الأبواب في الغالب في الطهارة وفي الزكاة وكذا أن ترتيبها متقارب وإن حصل بينها شيء من التفاوت لكن الشيء الذي رأيته أقرب موافقة في الترتيب والتبويب كتاب الإلمام لابن دقيق العيد فإنه موافق له في الغالب من ناحية التنصيص على الأبواب و ترتيبها وابن دقيق العيد توفي قبل ولادة ابن عبدالهادي بثلاث سنوات لأن ابن دقيق العيد توفي سنة اثنتين وسبع مائة وابن عبدالهادي ولد سنة خمس و سبع مائة وما كان متفق عليه يعني إذا قيل متفق عليه يقصد البخاري و مسلم لأن هذه عبارة اصطلح عليها الذين جاؤوا بعد الشيخين والذين يكتبون في الأحاديث دون أن يذكروا أسانيدها يقولون متفق عليه يقصدون اتفاق البخاري ومسلم هذا المشهور أنه عندما يوجد في كتب الحديث التي لا تذكر الأسانيد وإنما تذكر المتن ثم تعزو الى أصحاب المؤلفات المسندة يقولون متفق عليه يقصدون البخاري ومسلم، إلا ابن تيمية في المنتقى فإنه إذا قال متفق عليه يقصد البخاري ومسلم والإمام أحمد يعني الإمام أحمد فإنه في اصطلاح ابن تيمية الذي هو جد شيخ الإسلام في منتقى الاخبار أنه عندما يقول متفق عليه يقصد البخاري ومسلم ويقصد أيضا مع ذلك الإمام أحمد، قال وربما يعني وهذا التقليل أشار إلى كلمة ربما تفيد التقليل يذكر بعض الآثار عن الصحابة يعني الموقوفة عليهم ومعلوم أن لفظ الحديث يطلق خاصا بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ الحديث يطلق على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط أما الآثار فإنه يطلق إطلاقا عاما يشمل الحديث ويشمل ما جاء عن الصحابة وعن غيرهم ويطلق إطلاقا خاصا على ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم ومن دونهم، لأنه إذا قال الحديث و الأثر، الحديث ما يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم و الأثر ما يضاف الى الصحابة رضي الله عنهم ومن دونهم ولكنه إذا جاء الأثر هكذا ليس معه الحديث فيدخل تحته الأحاديث المرفوعة و الآثار الموقوفة و الآثار المقطوعة التي تنسب إلى ما دون الصحابة لأن ما يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له مرفوع وما يضاف إلى الصحابة رضي الله عنهم يقال له موقوف وما يضاف إلى غيرهم ممن جاء بعدهم يقال له مقطوع.
كتاب الطهارة
ثم بدأ بعد ذلك بالكتاب بعدما ذكر هذه المقدمة المختصرة التي بيّن فيها أنّه استقاه من كتب مسندة، هي الإحدى عشر وغيرها ممّا أبهمه وقال وغير ذلك، بدأ بكتاب الطهارة، ومعلوم أنّ كتب الأحكام تشتمل على العبادات والمعاملات، والعبادات هي: الصلاة والزكاة والصيام و الحج، ولمّا كانت الصلاة لا تصح إلا بالطهارة بالماء عند وجوده، وعند عدمه بالتيمم، فلا بد من الطهارة، فإنّها قُدمت وجُعلت بين يدي الصلاة؛ لأنّها شرط من شروط الصلاة، والشرط يتقدم المشروط، لابد أن يكون الإنسان عندما يريد أن يصلي أن يتوضأ (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) يعني إذا أردتم القيام فاغسلوا وجوهكم، فالإنسان عندما يريد الصلاة يتوضأ، وجاء في الحديث «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حدثاً حتى يتوضأ» فبدأ بالطهارة؛ لأنّها مفتاح الصلاة؛ ولأنّها لا تكون الصلاة إلا بطهارة، سواء كان بالماء، أو بالتيمم عند فقد الماء، وكثير من الأئمة سواء الذين ألّفوا في الأحكام مسندة أو غير مسندة، فإنّهم يبدؤون بالطهارة، أمّا البخاري ومسلم فقد بدؤوا بكتاب الايمان، فذكروا شيء يتعلق بالعقيدة، ثمّ بعد ذلك بدؤوا بالطهارة وغيرها من الأبواب التي تتعلق في العبادات والمعاملات، وأمّا أصحاب السنن فإنّ ثلاثة منهم بدؤوا بكتاب الطهارة، الذين هم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، هؤلاء الثلاثة قالوا كتاب الطهارة، أمّا ابن ماجه فبدأ بأحاديث تتعلق بالعقيدة، وهي أحاديث كثيرة تبلغ مائتان وست وستين حديثا، فيها اتباع السنة وأحاديث أبواب كثيرة تتعلق بالعقيدة، ثم أتى بكتاب الطهارة، وكذلك الذين جاؤوا فيما بعد وألفوا في الأحكام فإنهم يبدؤون بكتاب الطهارة، مثل ما فعل عبدالغني المقدسي في كتابه عمدة الأحكام فإنه بدأ بالطهارة، وكذلك بعده صاحب منتقى الأخبار وهو: عبدالسلام جد شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه بدأ كتابه بكتاب الطهارة، وكذلك ابن دقيق العيد بدأ بكتاب الطهارة، وابن عبدالهادي بدأ بكتاب الطهارة، وابن حجر بدأ بلوغ المرام بكتاب الطهارة وهكذا فبدؤوا بالطهارة، وأول حديث ذكره ابن عبدالهادي هنا هو حديث ماء البحر.
1 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: " سَأَلَ رجل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَ: إِنَّا نركب الْبَحْر ونحمل مَعنا الْقَلِيل من المَاء فَإِن توضأنا بِهِ عطشنا، أفنتوضأ من مَاء الْبَحْر؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ، (وَصَححهُ البُخَارِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، وَابْن عبد الْبر وَغَيرهم) وَقَالَ الْحَاكِم: (هُوَ أصل صدّر بِهِ مَالك كتاب الْمُوَطَّأ وتداوله فُقَهَاء الْإِسْلَام رضي الله عنهم من عصره إِلَى وقتنا هَذَا).
أول حديث ذكره ابن عبد الهادي في كتاب الطهارة هو حديث ماء البحر، وقد سبقه إلى ذلك عدد من العلماء فإنّهم بدؤوا بحديث البحر: السنن الكبرى للبيهقي بدأ بكتاب الطهارة وبدأ بحديث البحر هذا، وكذلك المجد بن تيمية بدأ بحديث ماء البحر في كتابه المنتقى، وكذلك ابن دقيق العيد في كتابه الإلمام بدأ بحديث ماء البحر، وابن عبدالهادي معهم على هذا، وبعده الحافظ ابن حجر بدأ كتابه بلوغ المرام بحديث ماء البحر، فهؤلاء صدّروا كتاب الطهارة بحديث البحر، وذلك لأنّه أكثر المياه (الذي هو البحر)؛ لأنّ المياه إمّا مياه أمطار، أو مياه آبار، وإمّا بحار، وإمّا أنهار، وأكثرها ماء البحر؛ فصدّر به؛ لأنّ الناس يحتاجون إليه، وأنّهم يركبون البحار، وأنّهم ينقلون الماء القليل؛ ليشربوا منه، وكأنّهم يظنون أنّ ماء البحر لمّا كان يختلف عن المياه الأًخرى في رائحته ونُتنِه وشدة مرارته أنّه يختلف عن سائر المياه، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنّهم كانوا يركبون البحر ويحملون معهم القليل من الماء؛ لشربهم، فإن توضأنا منه عطشنا، فقالوا أنتوضأ من ماء البحر، فقال صلى الله عليه وسلم:«هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وهذا يدلنا على حرص الصحابة رضي الله عنهم على تلقي السنن، وعلى سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم أمور دينهم، وأنهم يسألون عن كل ما يحتاجون إليه، وكل ما تدعوا إليه الحاجة، وكل ما يعرض لهم، فإنّهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على حرصهم على تلقي السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كانت تحصل منه ابتداء كما يحصل في خُطبِه وغيرها، أو كونه يُحدِّث الناس ابتداء، أو كونه يسألونه ويجيبهم على الشيء الذي يحتاجون إليه، وهنا ذكر سبب هذا الحديث؛ أنّ رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال إنّا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا منه عطشنا، يحملونه للشرب فإن استعملوه للطهارة فإنّهم يعطشون، فهل نتوضأ من ماء البحر؟ قال: نعم، قال:«هو الطهور ماؤه الحل ميتته» ما قال صلى الله عليه وسلم نعم لأنّهم قالوا أنتوضأ، ما أتى بكلمة نعم، لأنّه لو أجاب بنعم فقط لظن أنّه في حال الضرورة؛ لأنّهم سألوا في حال ضرورة، فلو أجاب بنعم يعني يجوز لكم في حال الضرورة كذا وكذا، لكنّه بيّن صلى الله عليه وسلم أنّ هذا مطلقاً ضرورة وغير ضرورة، سواء كان في ضرورة أو غير ضرورة وأنّهم يتوضؤون بماء البحر كما يتوضؤون بماء الأنهار وماء الآبار وماء الأمطار والغدران وما إلى ذلك كل ذلك لهم، وأنّه لا فرق بين البحر وغيره، فإذاً أجابهم بجواب ليس مطابقا لسؤالهم بأن يقول نعم؛ لأنّه أراد أن تطيب نفوسهم وأن يطمئنوا إلى أنّهم يتوضؤون منه في جميع أحوالهم، سواء كان معهم ماء حلو أو ليس معهم ماء، المهم أنّه ماء طهو، وأنّه يُتوضأ منه، والطهور يأتي بضم الطاء وبفتحها، فما كان بالفتح فإنه يراد به الماء المستعمل، الماء المستعمل يقال له طَهور، ونفس الاستعمال أن يكون الإنسان يغسل وجهه ويغسل يديه ويمسح رأسه ويغسل رجليه هذا يقال له طُهور، فإذاً ما كان بالفتح يراد به الشيء المستعمل الماء المستعمل، وما يراد به الضم يراد به نفس الاستعمال، وهناك كلمات مماثلة لهذه الكلمة التي هي الطهور؛ لأنّها في حال فتحها تكون للشيء المستعمل وللمادة المستعملة، وفي حال ضمها نفس الاستعمال، فإن الطَهور بفتح الطاء المقصود به الماء المستعمل، والطُهور المقصود به الاستعمال،
وكذلك الوَضوء والوُضوء؛ لأنّه بفتح الواو المقصود به الماء المستعمل، وبضمها نفس الاستعمال، وكذلك السَحور والسُحور، السَحور اسم للطعام الذي يؤكل في السحر للصيام، والسُحور هو نفس الأكل عملية الأكل التي هي كون الانسان يأكل في السَحر، وكذلك السَعوط الذي يستسعط في الأنف فهذا يقال له سعوط إذا كان بفتح السين، وسُعوط الذي هو نفس الجذب في الأنف هذا يقال له سُعوط، وكذلك الوَجور الذي هو يوضع في الحلق، فالذي يوضع في الحلق يقال وَجور، ونفس وضعه بالحلق فهذا يقال له وُجور، فهذه كلها كلمات في حال الفتح يراد بها الشيء
المستعمل أو المادة المستعملة، وما كان بالضم يراد به نفس الاستعمال أو عملية الاستعمال، الرسول صلى الله عليه وسلم لمّا سألوه أنتوضأ من ماء البحر، قال هو «الطهور ماؤه» يعني معناه أنّ ماؤه طهور يُتطهر به وقوله يعني (هو) ليس المقصود به الماء، لأنّ المقصود به الأرضية التي عليها الماء التي يستقر عليها الماء، لأنّه لا يقال أنّ الماء هو الطهور ماؤه، وإنّما البحر هو الطهور ماؤه، المكان الذي فيه الماء، مثل ما يقال ماء البئر المكان الذي هو فيه، أو الغدران التي يكون فيها الماء، والأنهار التي يكون فيها الماء، فإن الضمير في قوله (هو) لا يرجع إلى الماء ولا يقال أنّه المقصود ماء لأنّه يصير ماء غير مستقيم يعني ماؤه هو الطهور ماؤه، وإنّما المقصود المكان الذي فيه الماء، كما يُقال ماء البئر ماء النهر ماء الغدران التي تكون في الفلاة من مياه السيول المتجمعة، ثمّ إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لمّا رآهم توقفوا وترددوا في طهورية ماء البحر؛ لشدة مرارته ولنتن رائحته، قد يُشكل عليهم وقد يخفى عليهم أيضاً أنّ ميتته مثل ميتة غيره بأنها حرام، فبيّن صلى الله عليه وسلم أنّها حلال؛ لأنّ ميتة البحر حلال، قال:«هو الطهور ماؤه الحل ميتته» ، قالوا وهذا يدل على أنّ الإنسان إذا رأى أنّ بالسائل حاجة إلى أن يضيف إليه شيء قد يشكل عليه فإنّه يزيد، وهذا يسمونه أسلوب الحكيم، بمعنى أنّه يضيف شيئا يحتاج إليه السائل، ومثله ما لو سأل سؤالاً عاماً ثمّ أُجيب بسؤال خاص باختصار، مثل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّهم سألوه ما الذي يلبسه المحرم من الثياب، فقال لا يلبس المحرم، سألوه عن ما يُلبس فأجاب بما لا يلبس؛ لأنّ ما لا يلبس قليل، وما عداه هو الذي يلبس، فبدل من كونه أن يجيب يلبس كذا وكذا وكذا من أنواع الملابس، قال لا يلبس كذا ويلبس ما سوى ذلك، فهذا كونه سألوه بما يلبس فأجابهم بما لا يلبس؛ لأنّه تنبيه لهم إلى
أنّ السؤال ينبغي أنّ يكون عن الشيء الذي لا يلبسه؛ لأنّه محصور، بخلاف الذي يلبس؛ فإنّه غير محصور، فهذا يسمى أسلوب الحكيم، فإذاً هذا الحديث الذي معنا هو من هذا القبيل، الرسول صلى الله عليه وسلم لمّا رأى أشكل عليهم الطهارة من ماء البحر، فأرشدهم إلى أنّهم أيضاً حتى ميتته، والمقصود بميتة البحر يعني الحيوان الذي لا يعيش إلا بالبحر فإن خرج من البحر مات، فإنّ هذا هو المقصود، أمّا لو مات فيه شيء من ما يعيش في البر بأن غرقت فيه ناقة، أو فرس، أو شاة، أو عنز، أو طير من الطيور التي يحل أكلها وماتت به، فإنها حرام؛ لأنّها ليست مما يعيش إلاّ به الذي هو السمك وغيره مما يعيش إلاّ به، فإنّ ممّا يعيش بالبر إذا مات
في البحر فإنّه يعتبر ميته ولا يجوز أكله، فإذاً قوله «الحل ميتته» المقصود بذلك الميتة التي لا تعيش إلاّ في ماء البحر، قال صلى الله عليه وسلم «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» ، وهذا الحديث أصل عظيم، ولهذا صدّر به كثير من العلماء كتبهم كما ذكرت، وهو حديث صحيح صححه كثير من أهل العلم، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة المغيرة ابن أبي بردة رضي الله عنه في تهذيب التهذيب في ترجمته، بأنّه ذكر عشرة صححوا الحديث وقال وآخرون، فقد صحح هذا الحديث كثيرون من أهل العلم، فهو حديث صحيح، وهو أصل من الأصول، ولهذا صدّر به جماعة من العلماء كتب الطهارة كالذين ذكرتهم، رواية يحيى بن يحيى الليثي المشهورة التي هي مشهورة عند الناس، لم يصدّر بها هذا الحديث، وإنّما يمكن أنّ المقصود بهذا في بعض الموطآت؛ لأن الموطأ رواه عنه جماعه يحيى ابن يحيى الليثي وغيره، لكنّ المشهورة رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي، ولم يصدّر الموطأ فيها، بل جاء هذا الحديث الذي هو حديث البحر في الموطأ بعد أحاديث كثيرة في رواية يحيى بن يحيى، لكنّه المقصود من ذلك بعض الموطآت.
2 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: " قيل يَا رَسُول الله أَنَتَوَضَّأُ من بِئْر بضَاعَة، وَهِي بِئْر يُلقى فِيهَا الْحيض وَالنَّتن وَلُحُوم الْكلاب؟ قَالَ: إِن المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شَيْء ". رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ (وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه). وَفِي لفظ لِأَحْمَد وَأبي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ: " يطْرَح فِيهَا محايض النِّسَاء وَلحم الْكلاب وَعذر النَّاس "(وَفِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث اخْتِلَاف، لَكِن صَححهُ أَحْمد) وَرُوِيَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَسَهل بن سعد، وَجَابِر.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن بئر بضاعة وهي بئرٌ يعني فيها ماءٌ كثير وقال أنها تطرح فيها الحيضُ والأشياء القذرة ومعلوم يعني أنه ليس المقصود أنه سيأتون يطرحون فيها النجاسات ويطرحون فيها الأشياء القذرة لا يفعلون هذا كما ذكر ذلك بعض العلماء قالوا بأنه لا يليق أن يظن بالصحابة أنهم يفعلون هذا الفعل وأنهم يطرحون هذه الأشياء يعني القذرة في هذه البئر وهي الماء التي يتوضأ الناس منها قال إن المقصود أنها كانت في منخفض من الارض وكانت الأشاء القذرة التي تكون في الأسواق والتي يعني تأتي مياه السيول وتسوقها اليها وكذلك أيضاً الرياح تحمل هذه الأشياء لكن لا يُظن أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يأتون ويلقون هذه النجاسات ويلقون هذه الأشياء القذرة في هذه البئر يعني لا يليق أن يُظن بالصحابة هذا كما قال ذلك يعني بعض أهل العلم والرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل أنها يقع فيها هذا الشيء قال: إن الماء طهور لا ينجسه شيء يعني معناه إذا كان الماء كثيراً فإنه لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه يعني
جاء في سنن ابن ماجه حديث عن أبي أمامة رضي الله عنه أن الماء الطهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه فهذا يعني الحديث فيه هذه الزيادة هذا الاستثناء وهذا الاستثناء الذي جاء عند ابن ماجه في إسناده يعني فيه رشدين بن سعد وهو ضعيف يعني لا يعول عليه وإنما يعول على الإجماع لأن معناه مجمعٌ عليه لأن الماء الكثير إذا تغير بنجاسةٍ سواءً بلونه أو طعمه أو ريحه بأن يعني تشم منه رائحة النجاسة وهو كثير أو يعني يرى فيه النجاسة بأن يكون فيه دم يعني أحمر أو غلب عليه الحمرة وكذلك الريح يعني المنتنة يعني طعمه عندما يذاق فإن هذا يعني الحديث ضعيف ولكنه معناه مجمعٌ عليه معناه قد أجمع عليه العلماء وهو أن الماء إذا تغير بنجاسة غيرت لونه أو طعمه أو ريحه فإنه نجس سواءً كان كثيراً أو قليلاً أما إذا كان كثيراً ووقع فيه نجاسة ولم تُغير لوناً ولا طعماً ولا ريحاً فإنه طهور ويستعمل ولكن الماء القليل هو الذي إذا وقع فيه نجاسة تؤثر فيه وإن لم تغيره يعني مثل الكأس يعني الكوب إذا وضع فيه ماء ثم حصل فيه قطرات من البول فإنه يسمى نجس وإن لم تغير له لوناً ولا طعماً ولا ريحاً وإنما يعني الشيء الذي ينجس مطلقا إذا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة وإن كان قليلاً أو كثيراً وإذا كان كثيرا فإنه لا يتغير ولا ينجس بهذه الأشياء و أما إذا كان قليلاً فإنه تحصل به نجاسة ولو لم تغير له لوناً ولا طعماً ولا ريحاً فالرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن بئر بضاعة وما يحصل فيها والرسول صلى الله عليه وسلم قال الماء طهور لا ينجسه شيء ومعنى ذلك أن هذه البئر أنها واسعة وأنها يعني كثيرة الماء وأنها غيرت الماء وأن الناس يأخذون منها وتنبع وينبع الماء منها وهو كثير فلا يؤثر فيه أنه يقع فيه نجاسة لم تغير له لوناً ولا طعماً ولا ريحاً أما لو حصل أن الماء الذي وقعت فيه النجاسة تغير لوناً وطعماً وريح فهذا يحصل فيه نجاسة
بالإجماع لا بالحديث الذي ورد ضعيف كما ذكرت وإنما هو الإجماع هو الحجة الذي يعتمد عليه ومعلومٌ أن الأدلة المتفق عليها ثلاثة الكتاب والسنة والإجماع فهذا مما حصل فيه يعني تغير الماء الكثير إنما هو دليله الاجماع وليس دليله الحديث الضعيف الذي عند ابن ماجه من رواية رشدين بن سعد الذي هو ضعيف نعم والحديث صحيح إلا الذي استثنى الذي جاء في حديث أبي أمامه عند ذلك فإنه يعني لا يُعوّل على الحديث لأنه ضعيف ولكنه يُعوّل على الاجماع.
3 -
وَعَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: " سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ عَن المَاء وَمَا ينوبه من الدَّوَابّ وَالسِّبَاع؟ فَقَالَ: إِذا كَانَ المَاء قُلّتين لم يحمل الْخبث " وَفِي لفظ " لم يُنجسهُ شَيْء ". رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ (وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغير وَاحِد من الْأَئِمَّة. وَتكلم فِيهِ ابْن عبد الْبر وَغَيره. وَقيل: الصَّوَاب وَقفه، وَقَالَ الْحَاكِم: (هُوَ صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ فقد احتجا جَمِيعًا بِجَمِيعِ رُوَاته وَلم يخرجَاهُ، وأظنهما - وَالله أعلم - لم يخرّجاه لخلاف فِيهِ عَلَى أبي أُسَامَة عَن الْوَلِيد بن كثير)).
ثم ذكر هذ الحديث عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يعني إذا كان في الفلات اذا كان في فلات يعني غدران يعني من السيول بعد السيول وينوبه يعني يأتي إليه السباع دواب يعني تبول فيه وتشرب منه فسئل صلى الله عليه وسلم عن الغدران التي تبول في البر أو في الفلات وما ينوبها يعني ما يأتي إليها من السباع يعني تنزل فيها أو تبول فيها أو تشرب منها فالرسول صلى الله عليه وسلم قال إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث أو لم ينجسه شيء والمقصود بالقلتين قيل أنهما جرتان كبيرتان من الفخار يعني تسع لماءٍ كثير وقد قيل أنها يعني تساوي أو مقدار القلتين تساوي بالكيل بالصاع يعني ستة وسبعين صاع يعني هذا قلتين فما كان فوق القلتين فإنه كثير وما كان دونها فإنه قليل وقد عرفنا أن ما كان كثيراً أو قليلاً وغيرته النجاسة لوناً وطعماً وريحاً فإن هذا لا يستعمل سواءً كان كثيراً أو قليلاً لكنه إذا كان قليلاً فإن النجاسة تؤثر فيه وهما دون القلتين وما كان قلتين فما فوق فهو كثير لا تؤثر فيه النجاسة إلا إذا غيرت له لوناً أو طعماً أو ريحا فالرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن مياه الغدران قال قد يكون قليل جدا تؤثر فيه النجاسة يعني لا يستعمل وإذا كان كثيراً يعني فوق القلتين بهذا المقدار الذي ستة وسبعين صاعاً أو أكثر فإن هذا لا تؤثر فيه النجاسة إلا إذا غيرت له لونا أو طعما أو ريحا كما هو الشأن في الماء الكثير يعني ما يؤثر فيه الماء إذا كان الماء كثيراً لكن يؤثر إذا غلب على لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة أما إذا لم تغير له طعما ولا لونا ولا ريحاً وهو فوق القلتين فإن هذا يعتبر طهور وإنما تؤثر النجاسة يعني في الماء القليل وإن لم تغير له لوناً ولا طعماً ولا ريحاً والحديث صحيح صححه جماعة من أهل العلم.
4 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يجْرِي ثمَّ يغْتَسل فِيهِ ". وَقَالَ مُسلم: " ثمَّ يغْتَسل مِنْهُ " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه يعني لا يبولن ثم يغتسل يعني أنه لا يحصل منه البول ولا يحصل منه الاغتسال يعني أنه لا يجمع بينهما وكذلك سيأتي أنه لا يبول ولا يغتسل يعني البول على حدا والاغتسال على حدا فالإنسان ليس له أن يبول وليس له أن يغتسل ليس له أن يبول على حدا ولا يغتسل على حدا وهنا يعني ليس له أن يجمع بينهما
بأن يبول ويغتسل فإذاً كل ذلك يعني لا يسوغ في الماء الجاري أي الماء الدائم المستقر الراكد الذي لا ينتقل من مكان إلى مكان فإنه تؤثر فيه النجاسة، وإن لم تؤثر فيه فإنها تقذره لأن الإنسان إذا اغتسل فيه من جنابة وفيه آثار الجماع واختلط به فإنه يقذره على من يستعمله فلهذا الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه في هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه متفق عليه وهو أنه لا يبولن في الماء الراكد ولا يغتسل فيه ثم يغتسل فيه من الجنابة يعني يجمع بينهما وسيأتي في بعض الأحاديث ما يدل على أنه لا يجوز البول على حدا ولا الاغتسال على حدا فإذاً لا يجمع بينها ولا يفرق بينها، البول والاغتسال من الجنابة لا يجمع بينهما ولا يفرقان بأن يبول فقط أو يغتسل فقط.
5 -
وَرَوَى مُحَمَّد بن عجلَان قَالَ: سَمِعت أبي يحدث عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم، وَلَا يغْتَسل فِيهِ من الْجَنَابَة " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد عَن الْقطَّان عَنهُ. (وَابْن عجلَان وَأَبوهُ رَوَى لَهما مُسلم)
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه التفريق وأن الانسان ليس له أن يبول وليس له أن يغتسل لأن هناك الجمع الحديث الذي راح فيه الجمع بينهما يبول ويغتسل وهذا ممنوعٌ منه ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه البول على حدا والاغتسال على حدا وانه لا يجوز للإنسان، والإنسان منهيٌ أن يبول وأن يغتسل منهيٌ أن يبول يعني فقط ولا يضيف إليه اغتسال ومنهيٌ أن يغتسل ولا يبول فهذا الحديث السابق يدل على الجمع بينهما وأنه لا يجوز وهنا يدل التفريق أنه لا يجوز والحديث صحيح.
6 -
وَرَوَى مُسلم من حَدِيث بكير بن الْأَشَج أَن أَبَا السَّائِب مولَى هِشَام بن زهرَة حَدثهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة رضي الله عنه يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: " لَا يغْتَسل أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم وَهُوَ جنب "، فَقَالَ: كَيفَ يفعل يَا أَبَا هُرَيْرَة؟ قَالَ: يتَنَاوَلهُ تناولاً. (وَأَبُو السَّائِب لَا يعرف اسْمه).
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يغتسل أحدكم بالماء الدائم وهو جنب قالوا يا أبا هريرة كيف يفعل قال يتناول تناولاً يعني ما يغتسل فيه بمعنى أنه ينغمس فيه ويعني يقذره وإنما يتناول يأخذ منه يعني شيئاً ويغتسل برا يعني برا الماء خارج الماء لكن كونه ينغمس فيه أو يكون فيه أو يدخل فيه فهذا هو الذي حصل فيه المنع ولكن عندما يتوضأ وليس معه إناء ليس معه إناء يأخذ فيه ويذهب ويتوضأ فإنه يتناول منه تناولاً يعني يكون على حافة الماء فيتناول منه تناولاً ويغتسل يعني خارج
…
هذا الماء.
7 -
وَعَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: علمي وَالَّذِي يخْطر عَلَى بالي أَن أَبَا الشعْثَاء أَخْبرنِي أَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أخبرهُ: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ كَانَ يغْتَسل بِفضل مَيْمُونَة " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة وميمونة هي خالة ابن عباس أم المؤمنين ميمونة خالة ابن عباس رضي الله عنهم فيقول النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة يعني أنها إذا توضأت من إناء واغترفت منه وهي على حدا فإن الذي يبقى يُتوضأ منه ويغتسل منه وقد قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة رضي الله عنها يعني الماء الذي بقيَ منها بعد اغتسالها وكانت تغترف اغترافاً منه تغترف منه وبقي في الاناء بقية ماء يغتسل بها فكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك وهذا يدل على أن ذلك سائغ وأنه جائز وأن المرأة إذا اغتسلت يعني من إناءٍ بقيَ فيه بقية فإن للرجل أن يغتسل وللمرأة الأخرى أن تغتسل وكذلك العكس يعني يغتسل الرجل بفضل المرأة وفضل المرأة بفضل الرجل كل ذلك سائغٌ ولا بأس به فذكر هذا الحديث الذي في مسلم وقد جاء عن غير مسلم فهو حديث صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة رضي الله عنها والمقصود من ذلك الفضل كما عرفنا البقية في الإناء الذي كانت تتناول منها للاغتسال فإنه يغتسل في ذلك أما الماء المستعمل لو أن إنسان توضأ في طشت يغسل وجهه في طشت ثم يغسل يديه في الطشت ثم يغسل رجليه في الطشت فتجمع ماءٌ مستعمل هذا يعني أزيل به حدث فلا يزال به حدثٌ آخر ما يأتي أحد يغتسل منه ويتوضأ منه لأن هذا رفع فيه حدث فلا يرفع فيه حدث آخر أما كونه أخذ من الماء بيده وبقيَ منه بقية فإن هذه الفضلة هي التي تستعمل وهذا هو الذي كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الماء الذي قد أخذت منه ميمونة بيدها وهي جنب وتغترف منه تغتسل فكان صلى الله عليه وسلم يغتسل بفضلها.
8 -
وَرُوِيَ عَن سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: " اغْتسل بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِي جَفْنَة، فجَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ ليتوضأ مِنْهَا - أَو يغْتَسل - فَقَالَت لَهُ: يَا رَسُول الله إِنِّي كنت جنبا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: إِن المَاء لَا يجنب " رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه، وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، (وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَقَالَ أَحْمد: " أتقيه لحَال " سماك "، لَيْسَ أحد يرويهِ غَيره). وَقد احْتج مُسلم بسماك، وَالْبُخَارِيّ بِعِكْرِمَةَ) وَالله أعلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها فقالوا إنها اغتسلت بها فقال إن الماء لا يجنب يعني ما يؤثر فيه الجنب إذا لمسه بيده ما يغير فيه شيئا قال الماء لا تؤثر فيه الجنابة إذا وضع الإنسان يده وهو جنب لا يؤثر فيه وهذا مثل الحديث السابق بمعناه تماماً لأن جفنة يعني وعاء ثم جاء ليستعمل فقال أنه اغتسل وهو جنب وقد جاء في بعض الروايات عند الدارقطني وعند مسند الإمام أحمد أن المقصود بها ميمونة وعلى هذا فيكون الحديثان يعني هذا الحديث والذي قبله معناهما واحد ويكون أحدهما
متابع للآخر لأن الصحابي واحد وإن كان زوجة أخرى من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيرها فإنه يكون شاهدا وعلى هذا فإن هذين الحديثين كل منهما يدل على جواز اغتسال الرجل بفضل وضوء المرأة أو فضل اغتسالها.
9 -
وَعَن حميد الْحِمْيَرِي قَالَ: لقِيت رجلا صحب النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ أَربع سِنِين كَمَا صَحبه أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: " نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَن تَغْتَسِل الْمَرْأَة بِفضل الرجل أَو يغْتَسل الرجل بِفضل الْمَرْأَة، وليغترفا جَمِيعًا " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه، وَالنَّسَائِيّ، (وَصَححهُ الْحميدِي، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ (رُوَاته ثِقَات). وَالرجل الْمُبْهم: قيل هُوَ الحكم بن عَمْرو، وَقيل: عبد الله بن سرجس، وَقيل: ابْن مُغفل).
ثم ذكر هذا الحديث عن رجل من أصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، و المرأة بفضل الرجل قال وليغترفا جميعا يعني معناه أنه يكون بينهما إناء هو يأخذ وهي تأخذ أما إذا كان توضأت على حدا ثم جاء بعدها أو العكس فإن هذا هو الذي جاء فيه النهي لكن الأحاديث التي مضت يعني صحيحة وهي دالة على الوضوء من فضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل وأن ذلك سائغ فيكون ما جاء من النهي محمول على كراهة التنزيه وليس على التحريم يعني النهي محمول على التنزيه فلا يكون مؤثرا في الاحاديث التي راحت، الأحاديث التي راحت صحيحة وأنه يجوز أن يغترفا جميعا ويجوز أن يكون كل واحد على حدا ويأتي الثاني بعده.
الدرس الثالث:
10 -
وَعَن هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ فِيهِ الْكَلْب أَن يغسلهُ سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ " رَوَاهُ مُسلم. وَرَوَاهُ من حَدِيث همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَيْسَ فِيهِ " أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ "، وَذكر أَبُو دَاوُد أَن جمَاعَة رَوَوْهُ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه فَلم يذكرُوا " التُّرَاب ". وَفِي لفظ:" إِذا شرب الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليغسله سبع مَرَّات " مُتَّفق عَلَيْهِ.
هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في تطهير الإناء الذي ولغ فيه الكلب يعني بعد ولوغه فيه وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «طهور إناء أحدكم» والطهور هنا بضم الطاء والمقصود به التطهير نفسه وذلك أن لفظ الطهور يأتي بفتح الطاء ويأتي بضمها فما كان بفتحها فالمقصود الماء الذي يحصل به التطهير وأما إذا كان مضموما فالمراد به نفس التطهير فهذا هو المقصود بقوله: «طهور» يعني يطهره إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب وقد جاء في بعض الروايات أنه ليس فيه ذكر التراب ولكن هذه الرواية التي فيها أن التراب لابد منه وأنه يكون في الأولى قد جاء في هذه الرواية التي جاءت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كانت الطاء مفتوحة فالمقصود الماء الذي يتطهر به وإذا كانت مضمومة فالمقصود به نفس التطهير والذي جاء في الحديث هو نفس التطهير والذي يدل على أن نجاسة الكلب مغلظة وأنه إذا ولغ في الإناء
فإنه يجب غسله سبع مرات وأن تكون أولاهن بالتراب ولا يحصل تطهيره إلا بذلك وقد جاء في بعض الروايات كما مر أنه ليس فيه ذكر التراب وليس فيه ذكر أولاهن بالتراب وإنما هذه الرواية الأولى التي صدر بها المصنف رحمه الله الأحاديث التي أوردها هي الرواية الصحيحة الثابتة التي هي مقدمة على غيرها والتي يكون التطهير بسبع مرات ويكون أولاهن بالتراب.
11 -
وَرَوَى مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان من رِوَايَة عَلّي بن مسْهر عَن الْأَعْمَش عَن أبي رزين وَأبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليرقه ثمَّ ليغسله سبع مَرَّات " وَرَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا عَن الْأَعْمَش وَقَالَ: (وَلم يقل فليرقه)، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ:(إِسْنَاد حسن وَرُوَاته كلهم ثِقَات).
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه وأنه إذا ولغ الكلب أنه يريق الماء الذي ولغ فيه وأنه يغسل الإناء سبع مرات أولاهن بالتراب وهنا ذكر الإراقة وهو إفراغه وذلك أن التطهير لا يكون إلا بعد إزالة الماء عن الإناء فإنه يطهر بعد ذلك لا يطهر والماء فيه وإنما يطهر بعد إذهاب الماء عنه وإزالته عنه فإنه يريقه ويغسله سبع مرات أولاهن بالتراب كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
12 -
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَن سوار بن عبد الله الْعَنْبَري عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان قَالَ: سَمِعت أَيُّوب يحدث عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " يُغسل الْإِنَاء إِذا ولغَ فِيهِ الْكَلْب سبع مَرَّات أخراهن - أَو قَالَ أولَاهُنَّ - بِالتُّرَابِ، وَإِذا ولغت فِيهِ الْهِرَّة غسل مرّة " وَقَالَ: (هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح).
13 -
وَرَوَى أَبُو دَاوُد قَوْله " إِذا ولغَ الهر "(مَوْقُوفا، وَهُوَ الصَّوَاب).
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه يعني فيما يتعلق بغسل الإناء سبع مرات إذا ولغ فيه الكلب وذكر فيه «أولاهن أو أخراهن» وهذا شك هل هي الأولى أو الأخيرة ولكن الرواية المحفوظة هي التي تكون في الأول وهي التي يناسب أن يؤتى بها لأنها تكون النجاسة يباشرها التراب أولا ثم يأتي الماء بعد ذلك وذكر مع هذا الحديث ما يتعلق بغسل الماء من ولوغ الكلب ذكر حديث الهرة وأنه يغسل مرة وهذه الرواية التي جاءت فيها ذكر الهرة قيل أنها مدرجة وأنها من كلام أبي هريرة رضي الله وذكر بعد ذلك أن الصحيح أنه موقوف وأنه موقوف على أبي هريرة رضي الله عنه فإذًا هو موقوف عليه وهو من كلام أبي هريرة رضي الله عنه وأما ذكره مع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم مدرج لأنه ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم وإنما من كلام أبي هريرة رضي الله عنه ومعلوم أن الهرة ليست بنجس كما سيأتي وأنه إذا حصل منها ولوغ في شيء فإن سؤرها لا يكون نجسا لأنه سيأتي في الحديث ما يدل على أنها ليست بنجس وعلى هذا فالغسل هنا ليس بمحفوظ وليس ثابتا مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام أبي هريرة رضي
الله عنه وإضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات كما هنا هو من قبيل الإدراج.
14 -
وَعَن كَبْشَة بنت كَعْب بن مَالك - وَكَانَت تَحت ابْن أبي قَتَادَة - " أَن أَبَا قَتَادَة دخل عَلَيْهَا، قَالَت: فَسَكَبت لَهُ وضُوءًا قَالَت فَجَاءَت هرة تشرب فأصغى لَهَا الْإِنَاء حَتَّى شربت قَالَت كَبْشَة فرآني أنظر إِلَيْهِ فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا بنت أخي؟ فَقلت نعم. قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِنَّهَا لَيست بِنَجس، إِنَّمَا هِيَ من الطوافين عَلَيْكُم - أَو الطوافات ". لفظ التِّرْمِذِيّ، وَغَيره يَقُول: " والطوافات " رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، (وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، وَالْحَاكِم، وَغَيرهم، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ (رُوَاته ثِقَات معروفون) وَقَالَ الْحَاكِم: (وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا صَححهُ مَالك وَاحْتج بِهِ فِي الْمُوَطَّأ، وَمَعَ ذَلِك فَإِن لَهُ شَاهدا بِإِسْنَاد صَحِيح))
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه أن زوجة ابنه كبشة سكبت له ماء وأعطته إياه ليتوضأ به فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت ثم إنه توضأ منه ورآها تنظر إليه كأنها متعجبة فقال أتعجبين قالت نعم قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات وهذا يدل على أن سؤر الهرة لا يكون نجسا وأنها إذا شربت من ماء فإنها لا تؤثر فيه بل هو طاهر لأن أبا قتادة رضي الله عنه تطهر بهذا الماء الذي شربت منه الهرة وأخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنها ليست بنجس وأنها مما يبتلى الناس به بكونها معهم دائما في البيوت والتحرز منها يكون فيه من الصعوبة بمكان فالرسول صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس وإنما هي من الطوافين عليكم والطوافات وهذا يدلنا على طهارة سؤر الهرة وأنه لا يكون نجسا وأنه يستفاد منه سواء كان في ماء أو غير ماء.
15 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: " جَاءَ أَعْرَابِي فَبَال فِي طَائِفَة الْمَسْجِد فزجره النَّاس، فنهاهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ، فَلَمَّا قَضَى بَوْله أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ بذنوب من مَاء فأهريق عَلَيْهِ " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أعرابيًا جاء وبال في طائفة المسجد أي ناحية من نواحيه فحصل منه البدء بالبول فزجره الناس لأن هذا أمر عظيم فالرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يزجروه وأن يتركوه حتى يكمل بوله ثم إنه بعدما فرغ صب عليه صلى الله عليه وسلم ذنوب من ماء وهي دلو كبيرة فطهرت ذلك المكان وهذا الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي فيه المصلحة وذلك أنه لو قام بعد أن بدأ بالبول فإنه يتناثر البول على ثيابه وعلى جسده ويتناثر على بقع في المسجد فلا يهتدى إلى تلك الأماكن التي حصلت فيها النجاسة التي في المسجد ويحتاج إلى أن يغسل البقعة الكبيرة التي حصل فيها تقاطر البول من ذلك الأعرابي فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أنهم يتركوه ولما فرغ صب على ذلك المكان المتنحي دلوا من ماء فطهر وهذا الحديث يدل للقاعدة المشهورة ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما وذلك كونه بال في المسجد هذا ضرر ولكنه أهون من ما هو أشد منه وهو أن يذهب والبول يتقاطر ويتناثر هنا وهناك فيوسخ ثيابه
وجسده والأرض فهذا يدل لهذه القاعدة المشهورة وهي ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما.
باب الآنية
ثم قال باب الآنية بعد أن فرغ من باب المياه أتى بباب الآنية يعني الآنية التي يكون فيها الماء الذي يتطهر به والأصل في الأواني الحل والإباحة وأنه يتوضأ بكل إناء طاهر غير متنجس ولا يستثني من ذلك إلا ما جاء المنع منه مثل ما جاء فيما يتعلق في آنية الذهب والفضة وأنه لا يجوز اتخاذها آنية للشرب ولا للوضوء ولا للأكل لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة لا للرجال ولا للنساء لا في الأكل ولا في الشرب ولا في الاغتسال ولا في الوضوء كل هذه الأشياء لا يجوز أن تستعمل آنية الذهب والفضة فيها فإذًا الأصل هو أن يتطهر بكل إناء غير متنجس لم يحصل له نجاسة وأن هذا هو الأصل وأنه لا يستثنى من ذلك إلا ما ورد المنع من استعماله وذلك في الذهب والفضة وأنه لا يجوز الوضوء بآنيتهما لا للرجال ولا للنساء.
16 -
عَن الْبَراء قَالَ: " أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ بِسبع ونهانا عَن سبع، أمرنَا بِاتِّبَاع الْجَنَائِز، وعيادة الْمَرِيض، وَإجَابَة الدَّاعِي، وَنصر الْمَظْلُوم، وإبرار الْقسم، ورد السَّلَام، وتشميت الْعَاطِس، ونهانا عَن آنِية الْفضة، وَخَاتم الذَّهَب، وَالْحَرِير، والديباج، والقسي، والإستبرق " وَلم يذكر السَّابِع. مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظ البُخَارِيّ. وَفِي لفظ مُسلم " وَعَن شرب بِالْفِضَّةِ ".
ثم ذكر حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع» فذكر العدد ثم ذكر المعدود فقال أمرنا بسبع ثم عدها ثم قال نهانا عن سبع ثم عدها وذكر العدد قبل المعدود فيه فائدة وهي أنه يبحث عن العدد هل هو مطابق أو ناقص أو زائد أو ما إلى ذلك فإذا الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بسبع يعني مشروعة يأتوا بها وهي اتباع الجنائز وعيادة المريض فالمسلم يعود أخاه المسلم سواء من أقاربه أو من غير أقاربه سواء من يعرفه أو من لا يعرفه وكذلك يتبع الجنازة وهذا يدل على أن هذا من الأمور التي ينبغي أن تكون بين المسلمين بأن يعود بعضهم بعضا إذا مرضوا ويتبعوا جنائزهم إذا ماتوا، وإجابة الداعي الذي يدعوا إلى وليمة يطيب خاطره بإجابة دعوته إذا لم يكن هناك مانع يمنع من ذلك، ونصر المظلوم بأن يكون عونا لإنسان مظلوم بأن ينصره وهذا إذا حصل من البعض يحصل به المقصود ولا يلزم كل أحد أنهم يفعلون ذلك لأنه حصل المقصود بقيام البعض بنصرته، وإبرار القسم يعني إنسان أقسم على إنسان في أمر لا مشقة عليه فيه ولا ضرر عليه في إجابته بأن يحقق
دعوته ويحقق رغبته وما أقسم عليه بأن يقول أقسم عليه أن يأتي عنده لطعام أو ما إلى ذلك فإنه يجيبه وأما إذا كان القسم على شيء فيه مضرة وعلى شيء لا ينبغي له أن يحلف هذا الحلف فلا ينبغي كذلك أن يجاب ولا أن يبرَّ قسمه وقد أقسم على شيء فيه محظور وأنه لا ينبغي مثل ذلك منه، ورد السلام الذي هو إجابة السائل إذا سلم يرد عليه السلام وابتداء السلام سنة ورده واجب فإذا سلم المسلم يرد السلام على من سلم عليه ولا يمتنع من ذلك والرد واجب، وتشميت العاطس إذا حمد الله فإذا عطس الإنسان وحمد الله فإنه يقول له يرحمك الله ثم يقول الذي شُمِّت يهديكم الله ويصلح بالكم وهذا إنما يكون إذا حمد الله أما إذا لم يحمد فإنه لا يشمَّت كما ثبت ذلك في بعض الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهانا عن آنية الفضة أن تستعمل في أكل أو شرب أو وضوء أو اغتسال أو غير ذلك أو كونها يكال بها أو ما إلى ذلك يعني لا يجوز استعمال الأواني من الفضة والذهب من باب أولى فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آنية الفضة وعن استعمالها في طهارة أو أكل أو شرب أو غير ذلك والذهب من باب أولى، وخاتم الذهب وهو التختم بالذهب فإنه لا يجوز في حق الرجال يعني استعمال الأكل والشرب بآنية الذهب والفضة والوضوء هذا لا يجوز لا للرجال ولا للنساء لكن التختم الذي هو زينة يجوز للنساء ولا يجوز للرجال يجوز للنساء أن يتختَّمْن وأن يستعملن الذهب والفضة في الخواتم والأسورة والأقراط وغير ذلك مما تستعمله النساء فإن ذلك سائغ وأما الرجال فإنهم لا يجوز لهم استعمال الذهب لا خواتيم ولا غير خواتيم وأما الفضة يجوز التختم بها بالنسبة للرجال وأما الذهب فإنه لا يجوز، والحرير يعني لباس الحرير فإنه لا يجوز للرجال ويجوز للنساء هو حرام على الرجال وحلال على النساء ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ ذهبا وحريرا وقال: «هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها،
والديباج هو نوع من الحرير وقيل هو ما غلظ من الحرير، والقسِّي أيضا فإنه كذلك هو نوع من الحرير وينسب إلى بلد في مصر، والإستبرق أيضا هو نوع من الحرير، ولم يذكر السابع يعني في رواية البخاري ولكنه جاء في رواية مسلم المياثر والمياثر جمع ميثرة وهي ما تتخذه النساء لأزواجهن بأن يعملن وطاء يجلس عليه راكب البعير على البعير وكذلك السرج على الفرس وهو فيه شيء من الحرير وأما إذا كان من غير الحرير فإنه لا بأس به وإنما المحذور هو الحرير.
17 -
وَعَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " لَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا تَأْكُلُوا فِي صحافها فَإِنَّهَا لَهُم فِي الدُّنْيَا وَلكم فِي الْآخِرَة " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تشربوا بآنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة يعني الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وهذا للرجال والنساء وقال إن الكفار هم الذين يستعملونها في الدنيا وذلك يعني أنهم تعجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ليس لهم إلا النار ولهذا قال إنها لهم في الدنيا وليس المقصود أنها حلال لهم وإنما المقصود الواقع أنهم يستعملونها وأنهم يلبسونها وإلا فليس المقصود الحل لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة فهم مطالبون بالأصول وهو التوحيد وإخلاص العبادة لله ومطالبون بالفروع وهي الأمور الشرعية التي عليهم أن يفعلوها مثل ما جاء في هذا الحديث فإن الكفار يستحلون ذلك ويقدمون على ذلك لأنهم تعجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ليس لهم إلا النار وأما المسلمون الذين تركوهما امتثالا لما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أنهم لا يأكلوا ولا يشربوا فيها يعني تكون لهم في الجنة ويتمتعون بها في الجنة ولهذا جاء في صحيح مسلم في أول حديث من كتاب الزهد أنه قال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» فالكافر متعته ولذته في الحياة الدنيا وإذا مات ليس أمامه إلا النار بعد الموت ليس أمامه إلا النار أما قبل الموت فعنده جنته التي يتمتع فيها ويتلذذ بأنواع المطاعم والمآكل والمشارب وما إلى ذلك ولكن ليس له نصيب منها في الآخرة لأنها تعجل الطيبات وأما المؤمنون الذين تركوها امتثالا لما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم والذين يحصل لهم النصب والمشقة في هذه الدنيا فإنهم إذا انتقلوا من الدنيا ينتقلون إلى دار النعيم وإلى الجنة ويسلمون مما يحصل لهم في الدنيا من النصب والتعب فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
18 -
وَعَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَت، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" الَّذِي يشرب فِي إِنَاء الْفضة إِنَّمَا يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم " مُتَّفق عَلَيْهِ أَيْضا.
ثم ذكر هذا الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جنهم» ومن باب أولى
…
الذهب يجرجر في بطنه نار جهنم لأنه فعل أمرا محرما وأقدم على أمر محرم فإنه يعاقب عليه ويكون الجزاء من جنس العمل كما أنه حصل منه استعمال الماء وإدخاله إلى جوفه وحصول الصوت الذي يحصل عند تجرعه إياه فإنه يعاقب يوم القيامة بأن يحصل له يعني هذا الشيء وهذا
تحت مشيئة الله عز وجل يعني المسلم ما يحصل له من الذنوب والمعاصي تحت المشيئة إن شاء الله عز وجل أن يعذبه عذبه عليها وهذا عذابه إن عذبه وإن شاء تجاوز عنه وغفر له ورحمه ولم يعذبه فهذا الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» يعني معناه حصول تجرعه إياه وحصول الصوت الذي يحصل عند ابتلاعه يحصل له في الآخرة أنه يعذب وهذا إذا شاء الله تعذيبه وإن تجاوز الله عنه وعفا عنه فإنه لا يحصل له شيء من العذاب.
19 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر ". أَخْرجُوهُ إِلَّا البُخَارِيّ. وَلَفظ مُسلم: " إِذا دبغ الإهاب فقد طهر "(وَقد تكلم فِيهِ الإِمَام أَحْمد)، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عمر، (وَحسن إِسْنَاده)
ثم ذكر هذا الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» والإهاب هو الجلد الذي لم يدبغ ويطهر بالدباغ وبأي شي مما يحصل به التطهير فإنه يطهر بذلك والمقصود من ذلك الجلود التي من الحيوانات التي يؤكل لحمها يعني كالإبل والبقر والغنم وكأنواع الصيد التي يؤكل لحمها فإن جلودها إذا دبغت فإنها تطهر وكذلك لو كانت ميتة حتى لو كانت ميتة فإنه يطهرها الدباغ وأما ما كان لا يؤكل مثل الحمير والكلاب فإن هذه لا تطهر جلودها بالدباغ ولا تستعمل وإنما الذي يستعمل هو ما كان يطهره الدباغ وهو ما كان حصل له بسبب الموت فإن ميتة ما يؤكل لحمه إذا دبغ جلدها فإنه يطهره الدباغ ويستعمل في الأشياء الجامدة والسائلة كل ذلك يجوز استعماله بأن يستعمل مثلا في قرب ماء أو مزاود يوضع فيها الأطعمة أو ما إلى ذلك.
20 -
وَعَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي رضي الله عنه قَالَ: " قلت يَا رَسُول الله إِنَّا بِأَرْض قوم أهل كتاب أفنأكل فِي آنيتهم؟ قَالَ: لَا تَأْكُلُوا فِيهَا إِلَّا أَن لَا تَجدوا غَيرهَا فاغسلوها ثمَّ كلوا فِيهَا " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر حديث أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال إنَّا نكون بأرض كتاب أفنأكل في آنيتهم أو نشرب في آنيتهم فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها واستعملوها يعني معناه أنهم إذا كان عندهم غيرها يستعملون ذلك الغير وأما إن احتاجوا إلى آنيتهم المستعملة التي يستعملونها فإنهم يغسلونها قبل أن يستعملوها لأنهم يضعون فيها الخمر ويضعون فيها لحوم الخنازير ولأنهم يستحلون ذلك وهي أشياء نجسة فتغسل إذا كانت مما يستعمل وأما الأشياء التي لا يستعملونها ولاسيما التي تخرج من المصانع وهي نظيفة فالناس يستعملونها بدون غسل وإنما إذا كانوا في بلد الكفار وليس عندهم
آنية يستعملونها واستعاروا منهم شيئا من آنيتهم واستعملوها فإنهم يغسلونها قبل استعمالها ويباح لهم عند ذلك استعمالها.
21 -
وَعَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنهما " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وَأَصْحَابه توضأوا من مزادة امْرَأَة مُشركَة " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهُوَ مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة امرأة مشركة والمزادة هي الراوية التي يكون فيها الماء من الجلود والرسول صلى الله عليه وسلم كان هو وأصحابه في سفر ونقص وقل عندهم الماء واحتاجوا إليه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه ليبحثوا عن ماء فوجدوا امرأة على راحلة وعليها مزادتان وهي راكبة على بعيرها فسألوها عن المكان الذي فيه الماء فأخبرتهم بأنه بعيد فأمروها أن تمشي معهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا اذهبي معنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أهو الصابئ؟ يعني الذي رجع عن دين قومه واتخذ دينا غير دين قومه، ما قالوا نعم هو الصابئ إنما قالوا هو الذي تعنين هو الذي تريدين لأنها تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبوا بها فأخذ المزادتين وأفرغ منهما من الماء يعني ملؤوا أوعيتهم التي معهم والتي يحتاجون فيها إلى الماء وأغلقهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما على حالتهما لم ينقص منهما شيء مملوءتان وحصلت هذه البركة بما حصل بمماسة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني لهذا الماء الذي حصل تكثيره ببركة ملامسة الرسول صلى الله عليه وسلم إياه ثم إنهم جمعوا لها أنواع الأطعمة التي معهم وأعطوها إياها فذهبت إلى قومها وقالت لهم إني جئتكم من أسحر الناس أو أنه رسول كما يقول أصحابه ثم إنها أسلمت وأسلم قومها معها، والحاصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة امرأة مشركة وهذا يدلنا على أن ما لامسه الكفار من الماء أو أن أجساد الكفار الأصل فيها أنها طاهرة مالم يكن عليها نجاسة لأن جسد الكافر ليس نجسا لأن نجاسة الكافر معنوية وليست حسية إلا إذا كان على جسده شيء من النجاسات فإن النجاسة لهذا الذي على جسده وأما لو لمس إنسان جسده أو مست يده جسد كافر فإنه لا يقال لمس نجاسة تحتاج إلى غسل ثم أيضا فيه دليل على أن الجلود تطهر بالدباغ وذلك
أن هذه الجلود التي فيها هذا الماء كانت مدبوغة ومعلوم أن تذكية المشركين أنها غير شرعية فالمذكى منه يعتبر ميتة المشرك إذا ذكى فما يذكيه يكون ميتة فلو ذبح شاة أو ناقة فإنه لا يحل أكلها لأنها ذبيحة كافر ذبيحة مشرك بخلاف اليهود والنصارى فإن ذبائحهم تؤكل إذا ذبحوها لأنهم أهل كتاب وأما المشركون الذين هم عباد الأوثان فهذا لا تحل ذبائحهم وما يذكونه في حكم الميتة وهذه الجلود التي
دبغت هي مما ذكوه فتعتبر في حكم الميتة ومعلوم أن الميتة وهي مما يباح أكله من الإبل والبقر والغنم أنه يطهرها الدباغ.
22 -
وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما فِي حَدِيث لَهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " أوك سقاك، وَاذْكُر اسْم الله، وخمر إناءك، وَاذْكُر اسْم الله، وَلَو أَن تعرض عَلَيْهِ عودا " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه الأمر بإيكاء السقاء وكذلك تغطية الإناء وأن الإنسان يذكر الله عز وجل عندما يوكئ سقاءه وكذلك عندما يغطي الإناء وأنه يحرص على تغطية الأواني وإيكاء الأسقية وأن التغطية يعني لو لم يحصل شيئا من جنسه يعني غطاء يخصه فإنه يكفيه أو يغنيه أن يضع عليه لوحا من الخشب يغطيه به وذلك لبيان الحث على التغطية ولو حصلت في شيء من غير جنس ذلك الإناء وذلك بأن يعرض عليه شيء يغطيه من الخشب والإناء من النحاس أو من الحديد أو من غير ذلك فإنه يغطى بجنسه أو بغير جنسه وإذا لم يكن هناك شيء يغطى من جنسه فإنه لو وضع الخشب عليه وغطي به فإن ذلك يكفي، والحاصل أن الأواني تغطى ويذكر اسم الله عليها وكذلك الأوكئة تغطى ويذكر اسم الله عليها.
23 -
وَلمُسلم: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " غطوا الْإِنَاء وأوكوا السقاء فَإِن فِي السّنة لَيْلَة ينزل فِيهَا وباء لَا يمر بِإِنَاء لَيْسَ عَلَيْهِ غطاء أَو سقاء لَيْسَ عَلَيْهِ وكاء إِلَّا نزل فِيهِ من ذَلِك الوباء ".
ثم ذكر هذا الحديث في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأنها ليلة في السنة ينزل فيها وباء وأنه لا يترك شيئا مكشوفا إلا ودخله فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتغطية الآنية وبإيكاء الأسقية يعني حتى لا يصادف تلك الليلة التي يكون فيها نزول ذلك الوباء فيدخل في هذا الإناء ويدخل في هذا السقاء وهذا آخر الأحاديث التي جاءت عن ابن عبدالهادي رحمه الله في باب الآنية.
باب السواك
الدرس الرابع:
فقد مر قبل ذلك باب المياه وباب الآنية ثم أتى بعده بباب السواك وذكر في هذه الترجمة عدة أحاديث منها ما هو خاص بالسواك ومنها ما هو بأمور أخرى غير السواك ولكنها تتفق مع السواك في أنها من سنن الفطرة ولهذا اكتفى بترجمة في السواك وأتى بسنن أخرى وأمور مشروعة هي من سنن الفطرة ستأتي في آخر الباب.
24 -
عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" السِّوَاك مطهرة للفم، مرضاة للرب " رَوَاهُ أَحْمد، وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا مَجْزُومًا بِهِ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن حبَان، وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة بطرِيق أُخْرَى فِي صَحِيحه، وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي بكر الصّديق، وَابْن عمر رضي الله عنهم، وَرَوَاهُ ابْن حبَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
وهذا الحديث الذي أورده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» فيه بيان أن الحكمة والفائدة المترتبة على استعمال السواك وأنها مشتملة على أمرين وفائدتين إحداهما فائدة دنيوية والثانية فائدة دنيوية وأخروية أما الفائدة الدنيوية فإنه قوله: «مطهرة للفم» لأن هذه فائدة حاصلة بالسواك وهي تحصل في كون الإنسان يستاك ففيه تطهير للفم وتطييب له فهي فائدة دنيوية والفائدة الدنيوية والأخروية في قوله: «مرضاة للرب» لأن هذا الفعل سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون فيها رضا الله عز وجل ويكون فيها الفائدة التي تترتب على ذلك من الأعمال الصالحة في الدنيا والثواب عليها في الآخرة ففيه الجمع بين الفوائد الدنيوية والفوائد الأخروية ومن أمثلة ذلك يعني مما يماثل ما جاء في هذا الحديث أنه مطهرة للفم مرضاة للرب الأثر الذي جاء عن عمر رضي الله عنه والذي أخرجه البخاري في صحيحه في قصة استشهاد عمر واستخلاف عثمان رضي الله عنهما وأنه لما طعن وكان الناس يعودونه ويأتون إليه ويثنون عليه وهو قد أصيب فجاء شاب وأثنى عليه وقال هنيئا لك يا أمير المؤمنين صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ثم صحبت أبا بكر رضي الله عنه ثم الشهادة فقال وددت أن يكون ذلك لا علي ولا لي ثم إنه ذهب هذا الغلام وإذا ثوبه يمس الأرض يعني معناه أنه نازل ثوبه عن الكعبين فقال ردوا علي الغلام ثم قال له يابن أخي ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك، ارفع ثوبك يعني معناه ما يتوسخ لأنه إذا نزل إلى الأرض أصابه الوسخ هذه فائدة دنيوية فالإنسان إذا رفعه يحصل له من الفائدة الدنيوية أن ثوبه لا يتوسخ والفائدة الدنيوية والأخروية أن فيه تقوى الله عز وجل فإذا هذا فيه الجمع بين الفائدة الدنيوية والأخروية مثل الحديث الذي معنا والذي هو:«السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» يعني جمع بين الفائدة الدنيوية والأخروية.
25 -
وَعَن الْمِقْدَام بن شُرَيْح، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رضي الله عنها:" أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كَانَ إِذا دخل بَيته يبْدَأ بِالسِّوَاكِ " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث كان من فعله صلى الله عليه وسلم أنه إذا دخل بيته يبدأ بالسواك وهذا حتى إذا دخل ووصل إلى أهله وإذا رائحته طيبة وأن فمه حصل فيه السواك وحصل فيه الرائحة الطيبة لأهله وكونه صلى الله عليه وسلم لا يحب إلا أن يشم منه الرائحة الطيبة فكان هديه وهذه طريقته صلى الله عليه وسلم فكان من هديه أنه إذا دخل بيته
بدأ بالسواك وهذا الفعل الذي هو السواك من الأعمال التي يقل فعلها عند الناس والتي قد يطلق على مثلها السنن المهجورة التي لا يفعلها كثير من الناس وهذا هو الواقع فإنه لا يحصل فعل ذلك الذي هو كون الإنسان كلما دخل بيته يستاك ويحصل منه السواك.
26 -
وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند: قَرَأت عَلَى عبد الرَّحْمَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَنه قَالَ: " لَوْلَا أَن أشق عَلَى أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كل وضوء "(رُوَاته كلهم أَئِمَّة أثبات. وَرَوَاهُ أَحْمد عَن روح عَن مَالك، مَرْفُوعا أَيْضا، وَمن رِوَايَة روح رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه)
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء» وهذا يدل على استحباب السواك ومشروعيته في جميع الأوقات ولكنه في بعض الأحوال التي ورد فيها فإنه يسن أن يؤتى به مثل ما جاء في هذا الحديث «عند كل وضوء» وكذلك ما سيأتي «عند كل صلاة» فإن الإنسان عندما يتوضأ ويستاك عند الوضوء فمعنى ذلك أنه ينظف فمه بالسواك وإظهار الأشياء التي قد تكون عالقة في فمه فتظهر بالسواك ثم يأتي بعد ذلك الماء الذي هو المضمضة في فمه ثم يخرجه فيكون فمه نظيفا فتنظف من جهتين جهة السواك ومن جهة الماء وإدارته فيه، وعلى هذا فإن هذا الحديث يدل على مشروعية السواك عند الوضوء ويدل على استحبابه وهو أن الإنسان عندما يريد أن يتوضأ فإنه يستاك عند وضوءه.
27 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" لَوْلَا أَن أشق عَلَى أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» وذلك أن الإنسان إذا استاك قبل أن يدخل إلى الصلاة فإنه يكون فمه طيبا وهو يناجي الله عز وجل في صلاته يعني فمه فيه رائحة طيبة فهو يناجي الله عز وجل في صلاته وفمه فيه الرائحة الطيبة التي تنبعث منه بسبب السواك وهذا الحديث يدل على أن ما جاء عن الفقهاء في أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه استحباب السواك وجاء في أحاديث كثيرة تدل على استحبابه وإنما الشيء الذي تركه الرسول صلى الله عليه وسلم أمر إيجاب يعني أن يأمرهم أمر إيجاب «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» يعني أمر إيجاب وإلا فإنه قد أمرهم أمر استحباب وجاء في الأحاديث الكثيرة التي تدل على استحباب السواك ومنها الحديث الأول الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» فالأحاديث كثيرة التي تدل على استحبابه والذي امتنع
منه الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يحصل منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم به كونه يأمرهم بأمر إيجاب وهذا هو الذي يستدل به بعض الفقهاء على أن هناك الأمر منه ما هو أمر إيجاب ومنه ما هو أمر استحباب وأن أمر الإيجاب يتعين الإتيان به ويثاب فاعله ويعاقب تاركه وأمر الاستحباب فإنه يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ولهذا النسائي رحمه الله أورد هذا الحديث تحت ترجمة قوله: باب الاستياك في العشي للصائم يعني كون الإنسان يستاك في آخر النهار لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «عند كل صلاة» ومن الصلوات صلاة العصر التي هي في العشي فهو يدل على استحباب السواك للصائم ولو كان في آخر النهار، وقال بعض العلماء لا يستاك في آخر النهار لأنه يذهب الخلوف فهذا الحديث يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أنه في جميع الصلوات لأن قوله:«عند كل صلاة» ومنها صلاة العصر التي هي في العشي.
28 -
وَعَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِذا قَامَ من اللَّيْل يشوص فَاه بِالسِّوَاكِ " مُتَّفق عَلَيْهِ ويشوص بِمَعْنى يدلك، وَقيل: يغسل، وَقيل: ينقي.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام من الليل - يعني من نوم الليل إذا استيقظ وقام من نوم الليل - فإنه يشوص فاه بالسواك يعني يستاك يعني يدلك فاه بالسواك وذلك لأن الإنسان إذا نام فإنه ينبعث منه شيء من الروائح فكونه يبادر بالسواك فإنه يزيل هذا الذي يكون فيه بسبب النوم فيقوم ويتوضأ ويصلي فيكون فمه تنبعث منه الرائحة الطيبة بسبب السواك ومعلوم أن هذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته تبع له لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يتابع في أقواله وفي أفعاله صلى الله عليه وسلم.
29 -
وللنسائي عَن حُذَيْفَة قَالَ: " كُنَّا نؤمر بِالسِّوَاكِ إِذا قمنا من اللَّيْل ".
ثم ذكر هذا الحديث في أنهم كانوا يؤمرون بالسواك إذا قاموا من الليل وهذا معناه أن الاستياك عند القيام من الليل جاء من فعله ومن قوله صلى الله عليه وسلم ففعله الذي «كان إذا استيقظ يشوص فاه بالسواك» وقوله «كنا نؤمر» ومعلوم أن الآمر للصحابة رضوان الله عليهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لو لم يأتي ذكر الآمر هنا فإن مجرد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حيث لم يأتي شيء يدل على أنه من خصائصه فإنه هو الأسوة والقدوة لأمته صلى الله عليه وسلم فأفعاله صلى الله عليه وسلم والتي تثبت عنه فإن الأصل أنه يتابع فيها إلا ما عرف اختصاصه صلى الله عليه وسلم فلا يفعل الشيء الذي يختص به.
30 -
وَعَن أبي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: " أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَوَجَدته يستن بسواك بِيَدِهِ يَقُول: أع أع، والسواك فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يتهوع " لفظ البُخَارِيّ، وَلَفظ مُسلم، " دخلت عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وطرف السِّوَاك عَلَى لِسَانه " فَحسب.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي موسى رضي الله أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك يعني وهو يتهوع فالسواك يكون بدلك الأسنان بالعرض ويأتي أيضا على اللسان وهو بالطول من أقصاه إلى أدناه وذلك ليحرك عليه السواك بحيث يزيل ما فيه قال: «يتهوع» وذلك أن السواك يصل إلى قريبا من حلقه فيتهوع يعني يحصل منه كأنه يتقيأ يعني له صوت الشيء الذي يخرج من الحلق فكان صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا فيما يتعلق بالأسنان ويستاك طولا فيما يتعلق باللسان وهذا يدل على أن الاستياك يفعل في مجامع الناس وأنه ليس من الأشياء التي يستخفى فيها وإنما استعماله في حضرة الناس وفي مجامع الناس سائغ من استاك فله ذلك ومن لم يستك فله ذلك وليس من الأشياء التي يختفى فيها ولا تفعل إلا في حال الخفاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولهذا ترجم لهذا الحديث بعض الأئمة: باب استياك الإمام بحضرة رعيته يعني أنه ليس من الأشياء التي يستخفى فيها وأنها لا تفعل إلا خفاء.
31 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " لخلوف فَم الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك ".
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» وهذا الحديث جاء في حديث طويل وفي أثنائه: «ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» خلوف الصائم يعني الرائحة التي تنبعث منه بسبب الامتناع عن الأكل والشرب وذلك يكون في الغالب آخر النهار لأنها تتغير الرائحة بسبب بعد العهد بالأكل والشرب فتنبعث منه رائحة وهذه الرائحة شأنها عظيم عند الله عز وجل لأنها حصلت بسبب الطاعة وبسبب الصيام الذي هو عبادة لله عز وجل وقد استدل بعض العلماء بهذه الجملة من الحديث الطويل على أنه لا ينبغي الاستياك بالعشي يعني في آخر النهار للصائم لأنه يذهب الخلوف لكن الحديث الذي سبق أن مر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» يدل على أن جميع الصلوات يستاك عندها ومنها صلاة العصر والتي هي في العشي وهي آخر النهار فإذًا هذا الحديث: «لولا أن شق على أمتي» يعني مقدم على هذا الحديث الذي فيه أن الإنسان لا يستاك خشية ذهاب الخلوف لأنه جاء ما يدل على استحبابه جميع الصلوات ولهذا ترجم له النسائي: باب الاستياك بالعشي للصائم وذلك أن صلاة العصر هي من صلوات العشي
ومع ذلك فهي داخلة في قوله: «لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» فإذًا الاستياك في العشي في آخر النهار مقدم في الاستدلال وأنه أرجح في الاستدلال من حديث: «لخلوف فم الصائم» بترك الاستياك في آخر النهار.
32 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: " عشر من الْفطْرَة: قصّ الشَّارِب، وإعفاء اللِّحْيَة، والسواك، واستنشاق المَاء، وقص الْأَظْفَار، وَغسل البراجم، ونتف الْإِبِط، وَحلق الْعَانَة، وانتقاص المَاء - قَالَ مُصعب: ونسيت الْعَاشِرَة إِلَّا أَن تكون الْمَضْمَضَة "، قَالَ وَكِيع: انتقاص المَاء يَعْنِي الِاسْتِنْجَاء، رَوَاهُ مُسلم، (وَذكر لَهُ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عِلّة مُؤثرَة، وَمصْعَب: هُوَ ابْن شيبَة تُكُلِّمَ فِيهِ، قَالَ النَّسَائِيّ: (مُنكر الحَدِيث))
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه عشر من الفطرة قال: «عشر من الفطرة» والفطرة هي السنة يعني سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن ليس معنى ذلك أنها السنة المستحبة وأنها لا تكون إلا مستحبة لأن السنة سبق أن مر بنا أنها تطلق إطلاقات أربعة فتطلق بمعنى كل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة فإنه يقال له سنة ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم: «من رغب عن سنتي فليس مني» والمقصود بذلك هو السنة والمنهج والطريقة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي العمل بما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا من الفطرة التي هي من السنن ولكن كما هو معلوم أن من السنن ما هو واجب ومتعين ومنها ما هو مستحب وهذا الحديث الذي فيه عشر من الفطرة يعني فيه ما هو واجب ومتعين وما هو مستحب، فمنها قص الشارب وهي الأولى فلا يترك حتى يطول وينزل على الفم وإنما يقص ويكون القص بالمقص وذلك بأن يؤخذ بعضه ويترك بعضه وقد جاء في بعض الروايات:«جزوا الشوارب» وبعضها: «قصوا الشوارب» فهذا من سنن الفطرة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعفاء اللحية وهذه من الأمور الواجبة المتعينة التي ليس للإنسان أن يتهاون بها فلا يحلق لحيته ولا يقصرها وإنما يعفيها ويتركها وقد جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وتقريره لأن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تعرف بأمور ثلاثة بفعله وقوله وتقريره ولهذا يعرف المحدثون السنة أو الحديث فيقولون: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خلقي أو خلقي هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا هو حديثه، ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول قاله أو فعل فعله أو تقرير بأن فعل في حضرته شيء وأقره فإنه يكون سنة أو وصف خلقي بأن يكون وصف خلقته صلى الله عليه وسلم وأنه ليس بالطويل البائن ولا
بالقصير وإنما هو وسط معتدل بين الرجال أو خلقي يعني كونه شجاعا وكريما وحليما وغير ذلك من أخلاقه الكريمة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى هذا فإن إعفاء اللحى اجتمعت فيه الأمور الثلاثة التي تعرف
بها السنة القول والفعل والتقرير، القول:«أعفوا اللحى» وفي بعضها: «أرخوا اللحى» فقد جاء بصيغ متعددة والفعل كان معفيا للحيته كان لا يأخذ منها شيئا كان كث اللحية صلى الله عليه وسلم ووجهه أجمل الوجوه وأحسن الوجوه وكان كث اللحية صلى الله عليه وسلم ما كان يأخذ منها شيئا، وقد ورد حديث ضعيف في سنن الترمذي وفيه راو متروك هو عمر بن هارون البلخي الذي قال:«كان صلى الله عليه وسلم يأخذ من عرضها وطولها» فهذا فيه رجل متروك ولكن الأحاديث التي وردت إنما هي كونه يعفي لحيته وما كان يأخذ منها شيئا ولهذا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يعرفون قراءته في الصلوات السرية عندما يكون أمامهم يصلي بهم يعرفون قراءته باضطراب لحيته لأن العوارض من اليمين والشمال يرونها وهم وراءه صلى الله عليه وسلم وهي تتحرك بالقراءة كون هذا الشعر عوارضه من يمين وشمال يرونه من ورائه فهذا من فعله وأما تقريره فأصحابه أصحاب لحى وكان يراهم ويقرهم على ذلك فإذا الأمور الثلاثة التي يعرف بها السنة اجتمعت كلها في إعفاء اللحى، وقد ذكر شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان في تفسير سورة طه عند قصة هارون وموسى قال:(يابنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) قال هذا يدل على أن إعفاء اللحى أنه من سنن المرسلين ثم قال ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية وكان وجهه أحسن الوجوه ثم قال إن الذين فتحوا البلاد وجاهدوا في سبيل الله وأخذوا كنوز كسرى وقيصر ليس فيهم رجل حالق يعني كلهم أصحاب لحى ما يحلقون لحاهم، إذًا هذه الخصال التي من الفطرة منها ما هو مستحب مثل السواك ومنها ما هو واجب مثل إعفاء اللحية، والسواك هذا استعمال
السواك وقد مر بنا الأحاديث العديدة المتعلقة بالسواك، واستنشاق الماء هو عند الوضوء يعني كون الإنسان يستنشق الماء بأن يجذبه إلى داخل أنفه ثم يخرجه وهذا في الوضوء وقد اختلف فيه، من العلماء من قال أن الاستنشاق والمضمضة من الأشياء المستحبة وأن الإنسان لو لم يفعلها صح وضوءه ومنهم من يقول إنها واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بين غسل الوجه الذي جاء في القرآن:(فاغسلوا وجوهكم) كان تمضمض واستنشق صلى الله عليه وسلم فكانت السنة مبينة لما جاء في القرآن فبعض أهل العلم قال إنه مستحب أي المضمضة والاستنشاق ومنهم من قال إنها واجبة وأن غسلها مثل غسل الوجه وأنه جزء من غسل الوجه وأن الوجه يغسل ومنه المضمضة والاستنشاق، وقص الأظفار تقليمها لا تترك تطول حتى يكون منظرها سيئا يعني قبيحا وإنما تقص
لاسيما وأنه يدخل تحتها شيء من الوسخ والقذر والإنسان عندما يأكل قد يعني يصل إلى جوفه شيء مما تحت أظفاره من الأشياء التي قد تحصل أحيانا يكون تحتها شيء من الأوساخ القذرة، وغسل البراجم قيل هي العقد عقد الأصابع ومفاصلها وذلك أن الإنسان يعني للوضوء لابد أن يأتي على جميع اليدين من أطراف الأصابع إلى ما بعد المرفقين بحيث تدخل المرافق في الغسل والماء إذا جاء لليدين فإنه يحصل به المقصود ولكن السنة أن الإنسان يدلك إحدى يديه بالأخرى عندما يتوضأ بحيث يصل الماء إلى جميع أجزائها وإلى مفاصلها وعلى ما يكون بينها وإلا الواجب يحصل بحصول الماء على اليد وإن لم يحصل في ذلك فإذًا يكون ما يتعلق بغسل البراجم أن هذا يكون من قبيل المستحب لأنه زائد على وصول الماء إلى الكفين، ونتف الإبط وكذلك إذا لم يمكن نتفه فيمكن حلقه ولكن نتفه يكون فيه طول أمد عدم خروجه ونتفه لأنه يكون في مكان فيه رطوبة وفيه لين بحيث يعني نتفه يكون سهلا ليس مثل الشيء البارز مثل الشارب فإنه لا ينتف وصعب نتفه وكذلك العانة يعني نتفها صعب وأما الإبط جاء نتفه لأن حصول ذهاب الشعر بالنتف سهل لأنه مكان فيه رطوبة التي هي من العرق الذي يكون في الإبط، وحلق العانة إزالتها والحلق يكون بالموس يعني إزالتها من أصلها، وانتقاص الماء الذي قيل أنه الاستنجاء يعني عندما يريد يقضي حاجته فإنه يستنجي بالماء لأنه فيه الاستجمار والاستنجاء فالاستجمار بالحجارة وذلك بأن يزيل الأشياء التي قد تكون لها جرم بالحجارة ثم يأتي الماء ويزيل الأثر، قال مصعب فنسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة لأن الاستنشاق ذكر في الحديث والمضمضة لم تذكر فإذا تكون المضمضة والاستنشاق، والحديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
33 -
وَعَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان عَن أبي عمرَان الْجونِي عَن أنس بن مَالك قَالَ: " وُقِّت لنا فِي قصّ الشَّارِب، وتقليم الْأَظْفَار، ونتف الْإِبِط، وَحلق الْعَانَة، أَن لَا نَتْرُك أَكثر من أَرْبَعِينَ لَيْلَة " رَوَاهُ مُسلم وَقَالَ ابْن عبد الْبر: (لم يروه إِلَّا جَعْفَر بن سُلَيْمَان (وَلَيْسَ حجَّة لسوء حفظه). وَقد وثّق جَعْفَر: ابْن معِين وَغَيره. وَقَالَ ابْن عدي: (هُوَ مِمَّن يجب أَن يقبل حَدِيثه). وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث أَحْمد وَأَبُو دَاوُد من رِوَايَة ابْن مُوسَى الدقيقي - وَفِيه ضعف - عَن أبي عمرَان، وَفِيه:) " وقَّت لنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه المدة التي لا ينبغي للإنسان أن يتجاوزها دون أن يأخذ ما أمر بأخذه من قص الشارب ومن حلق العانة وإنما له أن يأخذها قبل هذه المدة يعني لا يتركها حتى يصل إليها وإنما يمكن يأخذها قبل لكن لا ينبغي له أن يتجاوزها فإذا أخذها قبل ذلك فله وإلا فإنه لا يتركها وقوله: «وقت لنا» هذا مبني للمجهول وهذا معلوم أنه الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الصحابة رضي الله عنهم إذا قالوا أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو وقت
لنا كذا فالآمر الناهي الموقت هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو شيء مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر في حكم المرفوع أو من قبيل المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أما رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال أمرت بكذا أو نهيت عن كذا فالآمر الناهي له هو الله عز وجل لأن السنة وحي من الله كما قد عرفنا ذلك من قبل فإذًا قولهم: وقت لنا أن لا نتركها أكثر من أربعين ليلة هذا يدل على أنه من الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذي يوقت لهم ويذكر لهم الأوقات وهو الذي يأمرهم وينهاهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه فإذا هذا مما يبين أن الإنسان له أن يزيل هذه الأشياء في أي وقت يعني يحصل له ويريد ولكنه لا ينبغي له أن يتجاوز بها أربعين ليلة.
34 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: قَالَ: " اختتن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن بَعْدَمَا أَتَت عَلَيْهِ ثَمَانُون سنة، واختتن بالقدوم " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي يتعلق بالاختتان والاختتان هو من سنن الفطرة جاء في بعض الأحاديث أنه من سنن الفطرة والاختتان هذا واجب في حق الرجال وذلك لأن الطهارة لا تحصل إلا به لأن بدون الاختتان إذا خرج البول من الذكر فإنه يبقى في هذه الغلفة التي هي خارجة عن الذكر فالطهارة في إزالتها وإذا بقيت فإن الطهارة لا تكون كاملة ما تحصل كاملة لأنه يبقى شيء داخل الغلفة فإذًا الاختتان واجب في حق الرجال وأنه لابد منه وقد جاء في بعض الأحاديث أنه من الفطرة وهنا ذكر أن إبراهيم اختتن وعمره ثمانون سنة بالقدوم وقيل أنه اسم للآلة وقيل إنه اسم موضع ومعلوم أن هذا من فعل إبراهيم وهذا مما جاء به إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وجاء به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان إبراهيم اختتن وعمره ثمانون سنة وكان فيما مضى أعمارهم طويلة وقد جاء في القرآن أن نوحا مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وعلى هذا فإن الاختتان سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي من الأمور الواجبة وهي أيضا من سنة إبراهيم وهو متعين والطهارة إنما تكون بإزالة هذه الغلفة التي على رأس الذكر حتى تتحقق الطهارة وحتى لا يحصل شيء من النجاسة خارج الغلفة.
35 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ نهَى عَن القزع " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع والقزع هو أن يؤخذ بعض الرأس ويترك بعضه يعني يحلق بعض الرأس ويترك بعضه هذا هو القزع وقد جاء النهي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
36 -
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ: أَنا معمر عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ رَأَى صَبيا قد حلق بعض شعره وَترك بعضه فنهاهم عَن ذَلِك وَقَالَ: احلقوه كُله أَو اتركوه كُله "، (وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَرُوَاته كلهم أَئِمَّة ثِقَات)، وَالله أعلم.
الحديث الأول قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع» والقزع هو حلق بعض الرأس وترك بعضه ثم ذكر الحديث الثاني الذي فيه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لمن رآهم حلقوا بعض رأسه وتركوا بعضه قال: «احلقوه كله أو دعوه كله» يعني لا تجعلوه مجزأ بعضه محلوق وبعضه غير محلوق وإنما احلقوه جميعا أو اتركوه جميعا فهذا يبين معنى قولنا عن القزع وهو حلق بعض الرأس وترك بعض فهذا نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ويدل على ذلك أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الذين رأى معهم صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه قال احلقوه كله أو دعوه كله يعني ليس لكم أن تعملوا به القزع الذي هو حلق بعضه أو ترك بعضه وهذا من الأشياء التي جاءت بها السنة أنها لا يحصل بها التجزئة وإنما يبقى الشيء كله أو ضعوه كله الرسول صلى الله عليه وسلم قال احلقوه كله أو ضعوه كله يعني أن التجزئة لا تكون ومن أمثلة ذلك يعني من الأشياء التي لا يجوز فيها مثل هذا الذي لا يجوز الحديث الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يمشي الإنسان بنعل واحدة وإنما يمشي بنعلين أو يحفيهما جميعا إما يمشي محتفي أو بهما جميعا أما أن يمشي بنعل واحدة فهذا مثل حلق بعض الرأس وترك بعض الرأس هذا لا يجوز ومشي الإنسان بنعل واحدة لا يجوز فهو إما ينعلهما جميعا أو يحفيهما جميعا كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة ذلك أيضا النوم بين الظل والشمس يعني الإنسان ينام بعض جسمه بالشمس وبعضه بالظل فإن هذا لا يجوز نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم والإنسان بعضه بالشمس لأن الجسد بعضه يصير حار وبعضه يصير بارد بعضه يصير فيه حرارة وبعضه يصير فيه برودة فإما أن يكون كله في الشمس وإما كله في الظل فهذه أمور ثلاثة التجزئة فيها لا تصلح وإنما يكون الإنسان يعني يحلق رأسه كله أو يتركه كله فلا يكون قزع وكذلك لا
يمشي بنعل واحدة بل يمشي بالنعلين أو يمشي بدون النعلين وكذلك لا ينام بين الظل والشمس وإنما يكون كله في الشمس أو كله في الظل.
باب صفة الوضوء وفروضه وسننه
الدرس الخامس:
الصفة المقصود بها الكيفية وهي بيان الوضوء من أوله إلى آخره وكيفيته من أوله إلى آخره وهذه الصفة والكيفية منها ما هو فرض لازم لا يصح الوضوء إلا به ومنها ما هو مستحب إذا أتى به صار أكمل وإن لم يأت به فإنه لا شيء عليه لا يؤثر عليه في وضوءه.
37 -
عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب أَن عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ أخبرهُ أَن حمْرَان مولَى [عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه أخبرهُ: " أَن]" عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه دَعَا بِوضُوء فَتَوَضَّأ فَغسله كفيه ثَلَاث مَرَّات ثمَّ تمضمض واستنثر ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاث مَرَّات ثمَّ غسل يَده الْيُمْنَى إِلَى الْمرْفق ثَلَاث مَرَّات ثمَّ غسل يَده الْيُسْرَى مثل ذَلِك، ثمَّ مسح رَأسه ثمَّ غسل رجله الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاث مَرَّات ثمَّ غسل رجله الْيُسْرَى مثل ذَلِك، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ تَوَضَّأ نَحْو وضوئي هَذَا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: من تَوَضَّأ نَحْو وضوئي هَذَا، ثمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يحدث فيهمَا نَفسه غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه ". قَالَ ابْن شهَاب: وَكَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ هَذَا الْوضُوء أَسْبغ مَا يتَوَضَّأ بِهِ أحد للصَّلَاة - مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظ مُسلم، وَقَالَ البُخَارِيّ:" ثمَّ تمضمض واستنشق واستنثر ".
ثم ذكر حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه عن مولاه حمران رضي الله عنه وكان مولاه مولى عتق لأنه أعتقه والولاء يكون بولاء العتق وولاء الرق وولاء الحلف وولاء الإسلام إذا أسلم على يديه وهذا الولاء الذي في الإسناد إنما هو ولاء عتق لأن عثمان رضي الله عنه أعتق حمران فهو مولاه عن عثمان رضي الله أنه دعا بوضوء يعني طلب أن يحضر له ماء يتوضأ به وكان يريد من وراء ذلك أن يبين للناس الكيفية التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بها وهذا من التعليم بالفعل لما فيه من المشاهدة والمعاينة وهذا من كمال حرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على بيان السنن وبيان الأحكام الشرعية فكانوا يبذلون ما يستطيعون في بيان ذلك وإيضاحه ومن ذلك فعل عثمان رضي الله عنه، وقوله دعا بوضوء هذا يدل على أن الإنسان يجوز له أن يستعين بغيره في ما يتعلق بالوضوء وذلك بإحضار الماء إليه أو بمساعدته عليه وهو يتوضأ بأن صب عليه كما فعل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويصب عليه من الإداوة التي فيها الماء فدل هذا على أن مثل ذلك أنه سائغ وأن ذلك حصل من المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مع الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك حصل من عثمان رضي الله عنه أنه دعا بوضوء وكلمة وضوء بفتح الواو المقصود بها الماء الذي يتوضأ به وقد سبق أن مر بنا أن هناك كلمات إذا جاءت مفتوحة الأول فإن المقصود بها الشيء المستعمل وإذا كانت مضمومة الأول فإن المقصود به نفس الاستعمال وهي الوَضوء والوُضوء الوَضوء بالفتح للماء المستعمل وبالضم لنفس الاستعمال الوَضوء والوُضوء والسَحور والسُحور والطَهور والطُهور والوَجور والوُجور واللَّدود واللُّدود كل هذه إذا جاءت بالفتح فإن المقصود بها الشيء المستعمل وإذا جاءت بالضم فإن المقصود بها نفس الاستعمال وقد جاء في هذا الحديث ذكر الوَضوء مرة
واحدة وذكر الوُضوء بالضم مرتين في آخر الحديث الأول في أول الحديث للماء المستعمل وفي آخر
الحديث لنفس الاستعمال لأن عثمان رضي الله عنه قال من توضأ نحو وُضوئي هذا ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ نحو وضُوئي هذا» فجاء ذكر الوضوء مضموما والمقصود به نفس الاستعمال، دعا عثمان رضي الله عنه بوضوء فتوضأ يعني شرع في الوضوء، فغسل كفيه ثلاث مرات يعني أنه قبل ما يبدأ بالوضوء فإنه يغسل كفيه حتى تكون نظيفة وإذا كان فيها شيء من الأوساخ فإنه يبدأ بوضعها على أعضاء الوضوء وعلى فروض الوضوء وهي نظيفة ليس فيها شيء من الوسخ، فغسل كفيه ثلاثا وهذا تمهيد للوضوء هذا ليس من الوضوء وإنما تمهيد للوضوء بأن تكون اليد في غاية النظافة وذلك بغسلها ثلاث مرات وهذا الغسل إنما هو مستحب ليس بواجب هذا من السنن التي قال فروضه وسننه لأن هذا من السنن فلو توضأ بداية ومضمض واستنشق وغسل وجهه دون أن يغسلهما ثلاثا فإن ذلك صحيح لأن ذلك يكفي والاتيان بهذا الغسل إنما هو مستحب وليس بواجب فهو من سنن الوضوء وليس من فروضه، ثم تمضمض واستنثر وهنا جاء ذكر المضمضة بدون تفصيل والاستنثار بدون تفصيل والمقصود بتمضمض يعني أدخل الماء في فمه وأداره فيه ثم أخرجه فهذه هي المضمضة وذلك فيه تنظيف للفم وفي داخله مما يكون فيه مما علق فيه بحيث يخرج فيكون الفم نظيفا عندما يدخل في الصلاة وعندما يأتي إلى الصلاة وإذ فمه نظيف وكذلك استنثر أن معناه أدخل الماء في أنفه وأخرجه لأن هناك استنشاق وهناك استنثار فالاستنشاق إدخاله إلى داخل الأنف يعني سحبه بالنفس وإخراجه الذي هو الانتثار ومعلوم أن الانتثار يكون بعد الاستنشاق الإنسان يدخل ثم يخرج وليس المقصود بالاستنشاق يدخل ولا يخرج وأنه يذهب إلى جوفه وإنما ينظف داخل أنفه ثم يخرج ذلك الماء الذي حصل فيه التنظيف والذي حصل فيه الوسخ من داخل أنفه فإذا ذكر الانتثار معناه يسبق إدخال الذي هو
الاستنشاق وإذا ذكر الاستنشاق فإنه إذا كان الماء دخل فإنه يخرج لا يبلع لأن ما فيه إلا خروجه أو بلعه، ثم غسل وجهه ثلاث مرات والمضمضة والاستنشاق اختلف العلماء فيهما منهم من قال أنها من فروض الوضوء وأن هذا من غسل الوجه لأن هذا داخل في غسل الوجه إلا أن فيه ما هو بارز وما هو مستتر فيكون غسل الوجه واليدين وما بعد ذلك من أمور ظاهرة وأما ما يتعلق بالمضمضة والاستنشاق فهي أمور داخلة فيكون هذا من جملة غسل الوجه وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنها مستحبة وليست بواجبة ولكن
القول بالوجوب هو الأظهر لأنه جاء الأمر به وأيضا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء عنه أنه كان يتمضمض ويستنشق وهو مبين لما جاء في القرآن الكريم من بيان غسل الوجه وأنه يدخل فيه المضمضة والاستنشاق فغسل وجهه ثلاثا يعني ثلاث مرات، ثم غسل اليدين ثلاث مرات إلى المرفقين والمقصود أن المرفق هي النهاية ولكنها داخلة في الغاية وذلك في الحديث الذي سيأتي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ وغسل يديه حتى أشرع في العضد يعني أنه دخل في العضد وقوله أشرع في العضد معناه أن المرفقين داخلان وليسا خارجين فقوله إلى المرفقين يعني مع إدخال المرفقين في الغسل فالغاية داخلة في المغيّا وليست خارجة عن المغيّا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قال: حتى أشرع في العضد وغسل الرجلين حتى أشرع في الساق، ثم مسح رأسه يعني مرة واحدة وقد جاء في بعض الروايات كما سيأتي أنه مرة واحدة والمسح هو الإمرار وليس الغسل لأن الغسل يختلف عن المسح الغسل يتكرر وقد جاء أنه يتكرر والمسح ما جاء أنه يتكرر وإنما جاء أنه مرة واحدة، وما يتعلق في غسل الرجلين مثل ما حصل في غسل اليدين الغاية داخلة في المغيّا وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه غسل رجليه حتى أشرع في الساق يعني معناه أنه دخل في الساق وعلى هذا فتكون الغاية داخلة في المغيّا وأن الكعبين وهما العظمان الذين في جوانب القدم يعني في الجانبين داخلين في الغسل فهذه الصفة التي بينها عثمان رضي الله عنه بالفعل مبينا كيفية وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا هنا قال بالضم، وهذا فيه بيان السنة في الوضوء أن الإنسان إذا توضأ يصلي ركعتين ولكنها ليست بواجبه ولكنها مستحبة فقط وقوله ركعتين لا يدل على أنه لا يزيد على ركعتين وإنما المقصود أنه لا ينقص عن ركعتين ما يصلي ركعة واحدة لأن الركعة
الواحدة لا يؤتى بها إلا في الوتر وأما الركعتان فإن ذكرهما بيان أنهما أقل شيء فلو أراد أن يصلي أربعًا له أن يصلي أربعًا وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين يعني موب معناه يصلي ركعتين ولا يزيد وإنما المفهوم أنه لا ينقص منهما وإنما الزيادة له أن يزيد، وهذه الكيفية التي ذكر فيها الفروض وسننه هي مرتبة بهذا الترتيب بحيث أن الوجه لابد أن يكون في الأول ثم بعده اليدان ثم بعد اليدان مسح الرأس ثم بعد ذلك غسل الرجلين فلا يقدم بعضها على بعض أما بالنسبة للمضمضة فيمكن إن
حصلت قبل الوجه أو حصلت بعد غسل الوجه لأنها كلها مع الوجه فسواء قدامها أو أخرها سواء غسل وجهه قبل المضمضة والاستنشاق أو قدم المضمضة والاستنشاق لأن كل ذلك داخل في غسل الوجه لأن المضمضة والاستنشاق جزء من غسل الوجه فله أن يقدمها وله أن يؤخرها ثم أيضا فيما يتعلق في غسل اليدين اليمنى قبل اليسرى يعني هذا هو الأصل وهذ هو الذي ينبغي أن يكون لكن لو حصل أن قدم اليد اليسرى على اليمنى فإن ذلك يصح بالإجماع يجوز بالإجماع لأن الإنسان لو غسل يده اليسرى قبل اليمنى فإن ذلك صحيح وكذلك لو غسل الرجل اليسرى قبل اليمنى فإن ذلك صحيح لكن الأولى أن تكون اليمنى في الأول وأن تكون الآخرة هي الأخيرة.
38 -
وَعَن فطر عَن أبي فَرْوَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى قَالَ: " رَأَيْت عليا تَوَضَّأ فَغسل وَجهه ثَلَاثًا، وَغسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمسح بِرَأْسِهِ وَاحِدَة، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا وضوء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن زِيَاد بن أَيُّوب عَن عبيد الله مُوسَى عَن فطر، (وَرُوَاته صَادِقُونَ مخرّج لَهُم فِي " الصَّحِيح "، وَأَبُو فَرْوَة: اسْمه مُسلم بن سَالم الْجُهَنِيّ).
ثم ذكر هذا الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه توضأ فغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه وهذا معلوم أنه مختصر وقد جاء عند أبي داود من طرق أخرى وفيها ذكر الرجلين ولكنه هنا ذكره من أجل مسح الرأس أنه مرة واحدة لأن فيه التنصيص على المرة الواحدة جاء في هذا الحديث ولا يعني ذلك أن هذا هو الوضوء الكامل وإنما ترك منه أو في هذه الرواية ليس فيها ذكر الرجلين مع أنها فرض من فروض الوضوء وقد جاءت في بعض الأحاديث عن علي رضي الله عنه عند أبي داود.
39 -
وَعَن عَمْرو بن يَحْيَى الْمَازِني عَن أَبِيه قَالَ: " شهِدت عَمْرو بن أبي حسن سَأَلَ عبد الله بن زيد عَن وضوء النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَدَعَا بتور من مَاء فَتَوَضَّأ لَهُم فكفأه عَلَى يَدَيْهِ فغسلهما ثَلَاثًا ثمَّ أَدخل يَده فِي الْإِنَاء، فَمَضْمض واستنشق واستنثر ثَلَاثًا بِثَلَاث غرفات من مَاء، ثمَّ أَدخل يَده فِي الْإِنَاء فَغسل يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين مرَّتَيْنِ، ثمَّ أَدخل يَده فِي الْإِنَاء فَمسح بِرَأْسِهِ فَأقبل بيدَيْهِ وَأدبر بهما، ثمَّ أَدخل يَده فِي الْإِنَاء فَغسل رجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يتَوَضَّأ " وَفِي رِوَايَة " فَمَضْمض واستنثر ثَلَاث مَرَّات من غرفَة وَاحِدَة " وَفِي رِوَايَة: " بَدَأَ بِمقدم رَأسه حَتَّى ذهب بهما إِلَى قَفاهُ، ثمَّ ردهما إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ". مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن عبدالله بن زيد رضي الله عنه أنه توضأ من ماء في تور وأنه أفرغ على يديه لأنه ما غمسهما في البداية بل أفرغ حتى يغسلهما وحتى ينظفهما ثم بعد ذلك يتوضأ ويدخل يده بعد أن صارتا نظيفتين بالغسل الذي حصل بإكفاء الإناء حتى غسلهما ومعنى ذلك أن اليد إذا دخلت في الإناء فإنها تكون نظيفة لا يكون فيها شيء من الوسخ ولهذا لا يغمسها في الأول عندما يغسل يديه وإنما غسل اليدين هذا مستحب ولكنه يكون خارج الإناء فلو أدخل يده في الإناء من أول وهلة فإن ذلك لا يؤثر ولكن الأولى أن يكون الإنسان يكفئ إذا كان يتوضأ من إناء فإنه يكفئ على يديه ويغسلهما خارج الإناء ثم بعد ذلك يبدأ بالوضوء، ثم ذكر بعد ذلك أنه يعني بعدما غسل يديه خارج الإناء صار يدخل يده في الإناء لكل عضو من الأعضاء فكان أخذ بيديه وتمضمض واستنشق بثلاث
غرفات بأن يجمع بين المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة بحيث غرفة واحدة يجعلها في فمه يعني بعضها في فمه وبعضها في أنفه فيكون ثلاث مرات وهذا يدل على استحباب التثليث في المضمضة والاستنشاق كما حصل، وحديث حمران ما ذكر التكرار في المضمضة والاستنشاق وإنما ذكر أنه تمضمض واستنشق ولم يذكر التكرار وفي هذ الحديث بيان التكرار وبيان العدد وأن هذا هو المستحب ومعلوم أن الثلاث أو ذكر الثلاث يعني في جميع المواضع في الوضوء أنها كلها من قبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب وإنما الواجب هو غسلة واحدة مستوعبة للأعضاء هذا هو الواجب وهذا هو الفرض في الوضوء وما زاد على ذلك فإنه مستحب وهو من إسباغ الوضوء فإذًا هذا الحديث فيه بيان التثليث في المضمضة والاستنشاق وكما أن التثليث يكون في الوجه، ثم ذكر غسل اليدين يعني المرفقين مرتين مرتين وهذا يدل على أن إسباغ الوضوء ينتهي عند ثلاث ولكن يمكن أن يكون ثلاثا ثلاثا من أوله إلى آخره ويمكن أن يكون اثنتين اثنتين من أوله إلى آخره ويمكن مرة مرة من أوله إلى آخره ويمكن أن يكون بعضه مره وبعضه مرتين وبعضه ثلاث كل ذلك سائغ يعني معناه أن التثليث هو آخر شيء وأعلى شيء وأنه يمكن أن يكون مرتين في جميع الأحوال ويمكن أن يكون مرة واحدة في جميع الأحوال وهذا لابد منه لأن هذا هو الفرض مرة واحدة مستوعبة ويمكن أن يكون بعضه مرة وبعضه مرتين وبعضه ثلاث كل هذا سائغ وكل هذا جائز ولهذا جاء في هذا الحديث في حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه أن من صفات وضوئه صلى الله عليه وسلم التي شوهدت منه أنه كما جاء في حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه هذا أنه غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم أدخل يده في الإناء معناه أن كل فرض يأتي بماء جديد، أدخل يده في الإناء فأقبل وأدبر جاء هنا أقبل وأدبر وقد جاء في الرواية التي ستأتي أنه بدأ بمقدم رأسه حتى بلغ إلى قفاه ثم أعادهما إلى المكان الذي بدأ وهذه هي
الصفة صفة مسح الرأس يبدأ من مقدم رأسه ويذهب إلى قفاه الذي هو آخر الرأس ثم يرجع إلى المكان الذي بدأ منه أما قوله أقبل وأدبر ليس معنى ذلك أنه يقبل وأن أول الرأس إنما يوصل إليه بعد أن أقبل وإنما المقصود أقبل أنه بدأ بمقدم الرأس الذي هو القبل وأدبر جاء بعده مؤخر الرأس الذي هو الدبر وهذا من جنس كما يقولون أتهم وأنجد يعني إذا دخل في نجد ودخل في تهامة معنى ذلك أقبل مسح أول الرأس الذي هو أوله وأدبر
يعني مسحه وهذا يتفق مع رواية بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب إلى قفاه ثم رجع إلى المكان الذي بدأ منه يعني معنى ذلك أنه يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب إلى مؤخر رأسه متصل ثم يرجع إلى المكان الذي بدأ منه هذا هو صفة مسح الرأس وعلى هذا فقوله أقبل وأدبر لا تنافي الرواية التي جاءت بعد ذلك أنه بدأ بمقدم رأسه لأن المقصود بذلك أقبل يعني أنه بدأ بالمقدم الذي هو قبل الرأس وثم أدبر استمر إلى الدبر الذي هو دبر الرأس الذي هو الآخر والمقصود من ذلك أن النهاية في آخر الرأس لكن إذا كان الشعر مسترسل يعني ضفائر وغير ضفائر فإنه لا يلزمه مسحه لأن المسح إلى نهاية الرأس أما ما استرسل بعد ذلك إذا كان مثل شعر المرأة أو شعر الرجل إذا كان له شعرا طويل وأنه ينزل عن رأسه فإنه لا يمسح هذا الذي يسترسل وإنما يمسح إلى آخر الرأس قال فأقبل وأدبر إذًا هذا معنى الإقبال والإدبار وليس معنى ذلك الإقبال أنه يأتي من الخلف إلى الأمام وإنما المقصود به بدأ بما هو مقدم وانتهى بما هو مؤخر ثم رجع إلى المكان الذي بدأ منه وبذلك تتفق الروايتان رواية بدأ بمقدم رأسه حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ورواية أقبل وأدبر، ثم أدخل يده في الإناء وغسل رجليه إلى الكعبين والكعبان داخلان في المغيّا كما عرفنا، قوله هذه الرواية فمضمض واستنثر من غرفة واحدة قال الحافظ ابن حجر في شرح هذه الرواية أنه يعني يحتمل أن يكون المقصود بها أن المضمضة والاستنشاق أنها ثلاث مرات ولكن يجمع بين المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة فتكون مثل الرواية التي تقدمت والذي فيها أنه يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة ويحتمل أن يكون أن الثلاث مرات أنها من غرفة واحدة قال والأول هو الأولى لأنه هو المطابق أو الموافق للرواية التي فيها المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة.
40 -
وَعَن حبَان بن وَاسع أَن أَبَاهُ حَدثهُ أَنه سمع عبد الله بن زيد بن عَاصِم يذكر: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ تَوَضَّأ - وَفِيه: وَمسح رَأسه بِمَاء غير [فضل يَده] فَغسل يَدَيْهِ وَغسل رجلَيْهِ حَتَّى أنقاهما " - رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث في صحيح مسلم وذكر بعض ما يتعلق في آخره وهو المسح وغسل الرجلين، معنى ذلك أن الإنسان إذا توضأ وغسل المرفقين ما يذهب ويمسح رأسه ببقية الماء الذي حصل به غسل اليدين للمرفقين وإنما يأخذ ماء جديد لمسح الرأس يعني لا يكون بفضل يديه الذي كان لغسل اليدين إلى المرفقين يعني لا يكتفي بذلك وإنما عليه أن يغرف وأنه يأخذ ماء لمسح رأسه قال غير فضل يديه يحكي عن فعله صلى الله عليه وسلم أنه ما كان إذا
غسل ذراعيه مسح ببقية الماء الذي علق بهما رأسه وإنما يأخذ ماء وتكون يديه مبلولة بماء جديد غير فضل غسل ذراعيه.
41 -
وَعَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: " أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَ: يَا رَسُول الله كَيفَ الطّهُور؟ فَدَعَا بِمَاء فِي إِنَاء فَغسل كفيه ثَلَاثًا، ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا، ثمَّ غسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ، وَأدْخل أصبعيه السباحتين فِي أُذُنَيْهِ، وَمسح بإبهاميه ظَاهر أُذُنَيْهِ، وبالسباحتين بَاطِن أُذُنَيْهِ، ثمَّ غسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوضُوء، فَمن زَاد عَلَى هَذَا أَو نقص فقد أَسَاءَ وظلم - أَو ظلم وأساء ". رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه، وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ، (وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة، وَإِسْنَاده ثَابت إِلَى عَمْرو، فَمن احْتج بنسخته عَن أَبِيه عَن جده فَهُوَ عِنْده صَحِيح) وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَالنَّسَائِيّ: " فَأرَاهُ الْوضُوء ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ هَذَا الْوضُوء فَمن زَاد عَلَى هَذَا فقد أَسَاءَ وتعدى وظلم "، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أحد مِنْهُم:" أَو نقص " غير أبي دَاوُد. وَقد تكلم فِيهِ مُسلم وَغَيره، وَالله أعلم.
ثم ذكر هذا الحديث من أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والمقصود جده عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما هو الصحابي صحابي الحديث وفيه أن رجلا جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وسأله كيفية الوضوء فدعا بماء وتوضأ وغسل كفيه ثلاثا هذا قبل الوضوء وهنا ما ذكر المضمضة والاستنشاق وقد جاءت في الأحاديث السابقة ذكر المضمضة والاستنشاق، فغسل يديه ثلاثا هذا الغسل المستحب الذي يكون قبل الوضوء ليدخلهما وهما نظيفتان ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل ذراعيه ثلاثا كما تقدم ثم مسح برأسه يعني مرة واحدة ومسح الأذنين كما يمسح الرأس لأن الأذنين حكمهما حكم الرأس فيمسحان وليس حكمهما حكم الوجه فيغسلان مسح على أذنيه يعني جعل السبابة داخل الأذن وجعل الإبهام خلف الأذن ومسح بهما و حكمهما المسح وليس حكمهما الغسل وقد جاء كما سيأتي موقوف على بعض الصحابة قال الأذنين من الرأس يعني في المسح فيمسحان وليس من الوجه فيغسلان وبين كيفية مسح الأذنين وأن السبابة تكون في صماخ أذنيه وأدار إبهامه على ظاهر الأذنين، قوله من زاد على ذلك أو نقص فقد أساء وظلم يعني مسألة الزيادة لا يزيد لا تجوز الزيادة وأن إسباغ الوضوء ينتهي عند الثلاث وما زاد على الثلاث فهذا غير سائغ وجائز وأما قوله نقص فهذه رواية غير صحيحة ذكر النقص غير صحيح لأنه يدل على ذم المرتين والمرة الواحدة ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مرتين ومرة واحدة ولكن هذا يدل على أن هذه الرواية شاذة وأنها غير صحيحة لا تعتبر لأن مفهومها أن ما دون الثلاث مذموم وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مر أنه غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين وكما سيأتي بعد ذلك أنه توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين فعلى هذا فيكون قوله المحفوظ ما زاد على الثلاث وأما هذه غير محفوظة التي هي النقص وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا كان مستقيما إلى عمرو فإنه يكون من قبيل الحسن لأن كلا من عمرو
بن شعيب وأبوه شعيب بن محمد كل منهما صدوق فحديثه من قبيل الحسن ثم إن العلماء اختلفوا في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فمنهم من يقول أن جده المقصود به
عبدالله بن عمرو وعلى هذا يكون متصلا لأن شعيبا روى عن جده لأنه ما روى عن أبيه محمد وإنما روى عن جده يعني معناه أنه جد شعيب يعني شعيب روى عن جده وليس المقصود به أن الضمير يرجع إلى عمرو وإنما يرجع إلى شعيب فالرواية متصلة لأنه تابعي روى عن صحابي وليس المقصود من ذلك أنه جده محمد فيكون مرسل لأن محمد ليس صحابي.
42 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فليجعل فِي أَنفه مَاء ثمَّ لينثر ".
43 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من مَنَامه فليستنثر ثَلَاث مَرَّات فَإِن الشَّيَاطِين تبيت عَلَى خياشيمه " - مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذين الحديثين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر يعني يجعل في أنفه ماء يعني يستنشق لأن جعله في الفم هو الاستنشاق ثم لينتثر يعني يخرجه معناه حصل تنظيفه في الأنف بإدخال الماء في فيه ثم أخرجه ففيه ذكر الإدخال ثم الإخراج الإدخال الذي هو الاستنشاق والانتثار الذي هو إخراجه من الأنف، قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فلينتثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه هنا جاء مطلقا وقد جاء في بعض الروايات أنه في الوضوء وأنه إذا قام يتوضأ وأنه يستنثر يعني في أول وضوئه وبعض أهل العلم قالوا إن هذا يكون عند الاستيقاظ وإذا توضأ يكون أيضا كذلك يستنشق وينتثر.
44 -
وَعنهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده " لفظ مُسلم، وَعند البُخَارِيّ:" وَإِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فليغسل يَده قبل أَن يدخلهَا فِي وضوءه فَإِن أحدكُم لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده " وَرَوَى ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ: " إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نوم اللَّيْل فَلَا يدْخل يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يفرغ عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ".
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده وهذا اختلف فيه العلماء هل واجب كونه يغسلهما خارج الإناء إذا كان من نوم الليل أنه مثل غيره في الأحوال الأخرى فمن العلماء من قال أن هذا نهي للتحريم وأن هذا هو الأصل وقد علّل بأنه لا يدري أين باتت يده لأنها قد تكون وقعت مما يعلق بها من النجاسات وقد تقع يده يصير فيها عرق ويكون حصل شيء من النجاسات التي تقع عليها يده فإذا غسلها فإنه يذهب ذلك الذي يخشى من أن يكون حصل له ذلك وبعض العلماء قال إن هذا من جنس غسل اليدين ثلاثا عندما يريد أن يتوضأ وأن هذا من قبيل الاستحباب ولا شك أن الاحتياط أنه إذا كان من نوم الليل أنه يغسلهما خارج الإناء.
45 -
وَعَن لَقِيط بن صبرَة قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن الْوضُوء؟ قَالَ: " أَسْبغ الْوضُوء وخلل بَين الْأَصَابِع وَبَالغ فِي الِاسْتِنْشَاق إِلَّا أَن تكون صَائِما " رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، (وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَغَيرهم).
46 -
وَزَاد أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَة: " إِذا تَوَضَّأت فَمَضْمض "، وَرَوَاهُ الدولابي فِيمَا جمعه من حَدِيث الثَّوْريّ، وَلَفظه:" إِذا تَوَضَّأت فأبلغ فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق مَا لم تكن صَائِما "، (وَصَححهُ ابْن الْقطَّان).
ثم ذكر هذا الحديث عن لقيط بن صبرة رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبره في هذا الحديث الذي أورده فيما يتعلق بالاستنشاق وكذلك في التخليل بين الأصابع وكذلك قال إسباغ الوضوء وإسباغ الوضوء يحتمل أن يكون المقصود به الإسباغ الذي هو الفرض الذي لابد منه وهو أن يغسل غسلة واحدة مستوعبة أو أن يكون المستحب الذي ينتهي إلى ثلاث غسلات هذا المستحب، والتخليل بين الأصابع يعني إذا كان تحقق أن الماء وصل إليها وأنه جرى بينها فإن ذلك يكفي وإذا كان حصل منه أن أدخل الأصابع في يديه وشبك بينهما وغسل فإن هذا يكون فيه مبالغة وفيه إسباغ أما إذا كان غلب على ظنه أن الماء استوعب ودخل بين الأصابع فإنه لا يحتاج إلى تخليل وأما الاستنشاق فإنه يبالغ فيه «إلا أن تكون صائما» يعني معنى ذلك أنه يستنشق بقوة إلا أن يكون صائما خشية أن يصل الماء إلى حلقه فيؤثر ذلك في صيامه قال وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما، وهذا الحديث من أدلة سد الذرائع وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاه أن يبالغ لأن المبالغة ذريعة ووسيلة إلى أنه يؤثر على صيامه بحيث يخرج الماء من أنفه إلى حلقه فيذهب إلى جوفه.
الدرس السادس:
47 -
وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " تَوَضَّأ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ مرّة مرّة ".
48 -
وَعَن عبد الله بن زيد: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ". رَوَاهُمَا البُخَارِيّ.
تقدم في الأحاديث الصحيحة ذكر وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه حصل في ثلاث مرات في كل من المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين وغسل الرجلين إلى الكعبين وأما مسح الرأس فإنه جاء مرة واحدة ولم يتكرر والرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه فعل الأكمل الذي هو ثلاث مرات الذي هو نهاية شيء في الإسباغ والذي مر أنه لا يجوز الزيادة عليه وكان صلى الله عليه وسلم يأتي بوضوئه على هذه الهيئة الكاملة في الإسباغ لكنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه توضأ مرة مرة ومرتين مرتين في جميع أعضاء الوضوء من أولها إلى آخرها ما عدا الرأس فإنه لا يتكرر جاء عنه ذلك ولكنه صلى الله عليه وسلم فعل هذا الفعل الذي هو أقل من ثلاث ليبين الجواز وأن الثلاث ليست بلازمة ولكنها نهاية الإسباغ وآخر شيء في الإسباغ الذي هو الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم ولكنه فعل ما دون ذلك بكونه مرة مرة ومرتين مرتين وبعض الأعضاء على مرة وبعضها على مرتين وبعضها على ثلاث يعني هذا جاء عنه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز وأن ذلك سائغ وجائز وذكر هنا هذين الحديثين
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه توضأ مرة مرة يعني جميع أعضاء الوضوء غسلها مرة واحدة وحديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه الذي فيه أنه توضأ مرتين مرتين وقد سبق أن مر في حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه الذي في الأحاديث الماضية أنه ذكر غسل الوجه ثلاث مرات وغسل اليدين إلى المرفقين مرتين مرتين وغسل الرجلين إلى الكعبين ثلاث مرات وعلى هذا فإن السنة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأتي الإنسان بالإسباغ على الوجه التمام والكمال ثلاث مرات ولا يزيد عليها وله أن يأتي بجميع أعضاء الوضوء مرة مرة وله أن يأتي بأعضاء الوضوء جميعها مرتين مرتين وله أن يفاوت بينها بأن يكون بعضها مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاث إذا الأمر في ذلك واسع والنبي صلى الله عليه وسلم فعل ما دون الأكمل لبيان الجواز وأن ذلك سائغ.
49 -
وَعَن عَامر بن شَقِيق بن جمزة عَن أبي وَائِل عَن عُثْمَان رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: " أَنه كَانَ يخلل لحيته " رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ (وَصَححهُ، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان. وَقَالَ البُخَارِيّ: (هُوَ أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب)، (وعامر ضعفه ابْن معِين. وَقَالَ النَّسَائِيّ:(لَيْسَ بِهِ بَأْس)، وَقَالَ أَبُو حَاتِم:(لَا يثبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة حَدِيث))
ثم ذكر تخليل اللحية هذا الحديث في تخليل اللحية وتخليل اللحية هو أنه يدخل أصابعه المبلولة في لحيته أو بين شعره يعني حتى يصل الشعر إلى داخلها وحتى يصل إلى أصول الشعر حتى يصل الماء إلى أصول الشعر وهذا من باب الاستحباب وليس من قبيل الوجوب اللازم هو غسل الوجه مرة واحدة ويدخل في ذلك اللحية التي هي بارزة وأما تخليلها فهذا مستحب وليس بواجب والوجه غسله فرض من فروض الوضوء وهو منابت شعر الرأس إلى ما استرسل من اللحية الذي هو بارز يعني بارز كبروز الوجه هذا هو الذي يغسل وأما ما في داخلها الذي هو التخليل فإن هذا مستحب والحديث تكلم فيه بعض أهل العلم وصححه بعض أهل العلم وصححه جماعة منهم فإذًا الحديث ثابت وشيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله قال: هذه الأحاديث أحاديث تخليل اللحية يشد بعضها بعضا.
50 -
وَعَن سِنَان بن ربيعَة عَن شهر بن حَوْشَب عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " الأذنان من الرَّأْس، وَكَانَ يمسح رَأسه مرّة وَيمْسَح المأقين " رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَسنَان: رَوَى لَهُ البُخَارِيّ حَدِيثا مَقْرُونا بِغَيْرِهِ، (وَقَالَ النَّسَائِيّ:(لَيْسَ بِالْقَوِيّ)، وَشهر: وثّقه أَحْمد، وَابْن معِين وَغَيرهمَا، وَتكلم فِيهِ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة، وَرَوَاهُ مُسلم مَقْرُونا بِغَيْرِهِ. وَالصَّوَاب أَن قَوْله:" الأذنان من الرَّأْس " مَوْقُوف عَلَى أبي أُمَامَة، كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالله أعلم).
ثم ذكر هذا الحديث الذي هو قوله صلى الله عليه وسلم: «الأذنان من الرأس» يعني أنهما يمسحان يعني المقصود بقوله الأذنان من الرأس أنهما يمسحان فلا يغسلان لأن الرأس حكمه المسح وليس الغسل والوجه هو الذي حكمه الغسل وليس المسح فإذًا قوله الأذنان من الرأس يعني فيمسحان ولا يغسلان هذا هو المقصود بكونها من الرأس أو التعبير بقوله أنها من الرأس يعني أن فرضهما المسح وليس فرضهما الغسل وقد مر في بعض الأحاديث أنه
مسح برأسه وأنه كذلك مسح بأذنيه فجعل إصبعه السباحة في داخل الأذن وأدار الإبهام على ظاهرها وهذا الحديث أورده عند ابن ماجه وفيه زيادة: «ومسح رأسه ومسح المأقين» لكن الأذنان من الرأس جاء من طرق متعددة غير هذا الحديث فهو صحيح وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن هذه الرواية التي أوردها وعزاها إلى ابن ماجه فيها اثنان وهما سنان بن ربيعة وشهر بن حوشب وفيهما كلام لكن هما شاهدان هو شاهد للأحاديث الأخرى الصحيحة التي فيها الأذنان من الرأس لكن فيما يتعلق في المأقين جاء في هذا الحديث والمأق هو طرف العين من جهة الأنف ومن المعلوم أن الوجه كله ومنه العين وكل ما يتعلق بالعين حكمه الغسل وليس حكمه المسح فعلى هذا فإن ما يتعلق بالمأقين فإنه لا يعتبر ثابتا لأنه إنما جاء من طريق هذين الرجلين الذين فيهما كلام وهما سنان بن ربيعة وشهر بن حوشب وأما ما يتعلق بالأذنان من الرأس فإنه شاهد للأحاديث الأخرى التي جاءت عن جماعة من الصحابة غير أبي أمامة رضي الله عنهم وفيها ثبوت أن الأذنين من الرأس فيمسحان ولا يغسلان وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل أو ما يشعر بأن الأذنين تابعة للوجه وذلك في الحديث الذي يقول: «سجد وجهي لله الذي خلقه وشق سمعه وبصره» لأن البصر لاشك هو من الوجه ولكن السمع هو ليس من الوجه وإنما هو من الرأس لكنه أضيف إلى الوجه لقربه منه وإلا فإن ما جاء في الحديث الصحيح الأذنان من الرأس وأنهما يمسحان يعني هذا هو الأصل فالأذنان حكمهما المسح وليس حكمهما الغسل.
51 -
وَعَن شُعْبَة عَن حبيب بن زيد عَن عباد بن تَمِيم عَن عبد الله بن زيد: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ أُوتِيَ بِثُلثي مد فَتَوَضَّأ فَجعل يدلك ذِرَاعَيْهِ " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو يعْلى، وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ، وَابْن حبَان. وحبِيب:(وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيره، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: (هُوَ صَالح)).
ثم ذكر هذا الحديث في مقدار يعني ما يتوضأ به أو الماء الذي يتوضأ به وقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم أتي بثلثي مد والمد هو ربع الصاع لأن الصاع أربعة أمداد وهذا أقل ما ورد في الأحاديث من أنه يتوضأ به أي الذي هو ثلثا المد وقد جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع لكن هذا الحديث جاء ما يدل على أنه يمكن أن يكون بأقل من المد وهما الثلثان وذلك بشرط أن يستوعب أعضاء الوضوء لمرة واحدة قال فقال جعل يدلك ذراعيه يعني أن الماء قليل وهو يريد أن يستوعب أعضاء الوضوء بالدلك.
52 -
وَعَن نعيم المجمر قَالَ: " رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَة رضي الله عنه يتَوَضَّأ فَغسل وَجهه فأسبغ الْوضُوء، ثمَّ غسل يَده الْيُمْنَى حَتَّى أشرع فِي الْعَضُد، ثمَّ غسل يَده الْيُسْرَى حَتَّى أشرع فِي الْعَضُد، ثمَّ مسح رَأسه، ثمَّ غسل رجله الْيُمْنَى حَتَّى أشرع فِي السَّاق، ثمَّ غسل رجله الْيُسْرَى حَتَّى أشرع فِي السَّاق، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يتَوَضَّأ، وَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: أَنْتُم الغرّ المحجلون يَوْم الْقِيَامَة من إسباغ الْوضُوء فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم فليطل غرته وتحجيله " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه بيان أعضاء الوضوء وغسلها وأنه عند غسل اليدين يشرع بمعنى أنه يدخل في العضد بحيث تكون المرفقان مغسولتان داخلتان في المغيّا الغاية التي هي المرفقان داخلة في المغيّا ليست خارجة عن المغيّا يعني فأشرع في العضد يعني دخل في العضد فتحقق بذلك أن المرفق قد غسلت وكذلك مثله الكعبين لأنه أشرع في الساق تحقق أن الكعبين قد دخلا فهذا الحديث هو الذي فيه بيان كيفية الوضوء وكماله لأن الحديث الذي سبق أن مر ثلاث مرات هذه من حيث العدد وأما هذا نهايته في مقدار المكان الذي يغسل وذلك أنه لا يتجاوز فيه المرفقان والكعبان إلا بكونه يدخل في العضد ويشرع في الساق يعني معناه حتى التحقق من أن المرفقين داخلان وأن الكعبين داخلان فهذا هو الذي يبين أقصى شيء جاء عن رسول الله أو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان نهاية الغسل أو نهاية ما يغسل كما أن الأحاديث التي مرت أنه توضأ ثلاثا ثلاثا أن هذا أعلى شيء يعني من ناحية العدد فحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا يعني فيه بيان كيفية الوضوء الكامل من ناحية وصوله إلى الأعضاء وأنه لا يتجاوز محل المفروض إلا في ما يتحقق به دخول المرفقين ودخول الكعبين، أنتم الغر المحجلون يوم القيامة يعني من أثر الوضوء يعني معناه أنهم يعني علامتهم أنهم تأتي هذه الأماكن التي كانت يصيبها الماء في الوضوء يعني نور يتلألأ فهذه العلامة التي كان يعرف بها صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته يوم القيامة بأنهم يأتون غرا محجلين من أثر الوضوء يعني بسبب الوضوء فيكون ذلك إشراقا وبياضا يعني يكون على وجوههم وعلى أيديهم وعلى أرجلهم فهو غر في ما يتعلق بالوجوه ومحجلون فيما يتعلق بالأيدي والرجلين، هذا الحديث هو الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان كيفية غسله وكمالها وقوله: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته هذا مدرج من كلام أبي هريرة رضي الله
عنه وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا جاء في الأحاديث التي بعد هذا أنه تجاوز ذلك إلى قريب من الآباط والمناكب وهذا من اجتهاده رضي الله عنه وأن هذا منه مبالغة في الاستيعاب وأنه يتجاوز ولكن الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي لا يجوز تجاوزه فلا يوصل إلى الآباط ولا يوصل يعني دون ذلك وإنما يقتصر على الإشراع في العضد وعلى الإشراع في الساق هذا هو الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه من زيادة أخرى فإنه باجتهاد منه وقوله: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته
فليفعل، وقد فعل هو رضي الله عنه يعني هذه المجاوزة التي وصل فيها إلى أكثر من الإشراع كما سيأتي في الروايات الأخرى التي بعد هذه الرواية.
53 -
وَرَوَى أَيْضا من حَدِيث نُعَيْم: " أَنه رَأَى أَبَا هُرَيْرَة رضي الله عنه يتَوَضَّأ فَغسل وَجهه وَيَديه حَتَّى كَاد يبلغ الْمَنْكِبَيْنِ ثمَّ غسل رجلَيْهِ حَتَّى رفع إِلَى السَّاقَيْن، ثمَّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَقُول: إِن أمتِي يأْتونَ يَوْم الْقِيَامَة غُرّاً محجلين من أثر الْوضُوء فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يُطِيل غرته فَلْيفْعَل ".
يعني هذا الفعل من أبي هريرة رضي الله عنه وكونه يكاد يصل إلى الإبطين وكذلك يتقدم في الساق عندما يغسل الرجلين يعني هذا من اجتهاده وأنه لما قال يأتون غرا محجلين وهو يريد أن يكون التحجيل زايد وأن يكون أكثر من الشيء الذي هو الإشراع في العضد والإشراع في الساق وهذا من اجتهاده رضي الله عنه وقد ذكر العلماء قوله من استطاع أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل أن هذا من كلام أبي هريرة رضي الله عنه فهو يرشد وهو يفعل هذا بنفسه ويرشد غيره إلى ذلك لكن الأولى كما ذكره العلماء هو الاقتصار على ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رواه أبو هريرة ورواه غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم ما كانوا يتجاوزون هذا الحد المفروض الذي هو متعين ولازم.
54 -
وَرَوَى الإِمَام أَحْمد حَدِيث نُعيم وَزَاد فِيهِ: وَقَالَ نعيم لَا أَدْرِي قَوْله: " من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يُطِيل غرته فَلْيفْعَل " من قَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَو من قَول أبي هُرَيْرَة.
وهذا فيه شك لا أدري يعني من استطاع أن يطيل غرته فليفعل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة رضي الله عنه لكن المحققون من العلماء قالوا أن هذا مدرج من كلام أبي هريرة رضي الله عنه وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا هو نفسه فعل يعني هذه المبالغة وأرشد أن غيره ينبغي أن يفعل مثل ذلك.
55 -
وَرَوَى مُسلم عَن قُتَيْبَة عَن خلف بن خَليفَة عَن أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ عَن أبي حَازِم قَالَ: " كنت خلف أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه وَهُوَ يتَوَضَّأ للصَّلَاة فَكَانَ يمد يَده حَتَّى تبلغ إبطه فَقلت لَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَة مَا هَذَا الْوضُوء؟ قَالَ يَا بني فروخ أَنْتُم هَاهُنَا!! لَو علمت أَنكُمْ هَاهُنَا مَا تَوَضَّأت هَذَا الْوضُوء، سَمِعت خليلي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَقُول: تبلغ الْحِلْية من الْمُؤمن حَيْثُ يبلغ الْوضُوء ".
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبي حازم الأشجعي التابعي سلمان الأشجعي لأن أبا حازم في التابعين اثنان أحدهما أبو حازم سلمان الأشجعي وهذا هو الذي يروي عن أبي هريرة رضي الله عنه فإذا جاء أبو حازم غير منسوب فالمراد به سلمان الأشجعي وإذا جاء أبو حازم غير منسوب يروي عن سهل بن سعد الساعدي فالمراد به سلمة بن دينار وكل منهما ثقة وكل منهما أخرج لهم أصحاب الكتب الستة فإذًا هذا الذي معنا في الإسناد هو أبو حازم سلمان الأشجعي الذي هو المعروف بالرواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنت خلفه يعني إنه ما درى عنه أبو
هريرة رضي الله عنه وكان يتوضأ ورآه يعني يمد يده حتى يصل إلى الإبطين فقال ما هذا الوضوء يا أبا هريرة، قال رضي الله عنه لو كنت أعلم أنكم هاهنا يا بني فروخ ما فعلت ذلك يعني وكأنه أراد أنه يجتهد يعني في هذا العمل وأنه يبالغ فيه ولكنه يخشى أن يفهم منه أن هذا من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا قال هذه المقالة لأبي حازم لما سأله عن هذه الكيفية التي ما كان يعرفها والتي هي متجاوزة لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل الذي هو نهايته الإشراع في العضد، يعني هذه العبارة كلام الرسول صلى الله عليه وسلم:«تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء» هو أراد أنها تزيد هذه الحلية وأنه يعني يظهر هذا النور وهذا الإشراق يعني يوم القيامة يعني حيث يبلغ الوضوء لكن المعتبر ما كان مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه فهو باجتهاده رضي الله عنه وأرضاه والتعويل على ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
الدرس السابع:
56 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: " كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ يُعجبهُ التَّيَمُّن فِي تنعله وَترَجله وَطهُوره وَفِي شَأْنه كُله " مُتَّفق عَلَيْهِ.
فهذه الأحاديث التي ندرسها هذا اليوم هي بقية ما جاء في باب صفة الوضوء وفروضه وسننه وهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله» وقولها رضي الله عنها يعجبه أي أنه يحبه وأن هذا من أحب الأشياء إلى نفسه أنه كان يبدأ باليمين في الأمور التي فيها التكريم وذلك مثل كون الإنسان في الوضوء يبدأ بالميامن وكذلك في تنعله يبدأ باليمين يبدأ بالرجل اليمنى ينعلها ثم ينعل الثانية وكذلك ترجله عندما يسرح شعر رأسه يبدأ باليمين وكذلك إذا حلق رأسه يبدأ باليمين قال وطهوره هذا يشمل الطهر الذي هو من الحدث والطهر الذي من الجنابة وأنه يبدأ بالميامن وطهوره يعني في تطهره لأنه بضم الطاء لأن المقصود به الفعل فكان يبدأ بالميامن في رفع الحدث الأكبر ورفع الحدث الأصغر ثم قال وفي شأنه كله يعني في كل ما كان من هذا القبيل مما فيه تكريم وأما إذا كان بخلاف ذلك فإنه يبدأ بالشمال مثل الاستنجاء يكون بالشمال والتمخط يكون في الشمال وكذلك إذا دخل الحمام يبدأ بالشمال وإذا خرج من المسجد يبدأ بالشمال فكل ما كان فيه تكريم فإنه يبدأ باليمين وما كان بخلاف ذلك فإنه يبدأ فيه بالشمال فإذًا هذا الحديث يدلنا على هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في البدئ بالميامن،
قوله: «كان» هذا يدل على الاستمرار لأن التعبير بكان في الغالب يدل على الاستمرار وأنه كان هذا من هديه وهذا من طريقته لكنه ليس بلازم أنها لا تأتي إلا للاستمرار فقد تأتي لعدم الاستمرار وذلك في الحديث الذي في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في تلبيته وأنه إذا أراد أن يتحلل يذهب إلى مكة فإن هذا إنما حصل منه مرة واحدة ولكن الغالب في كلمة «كان» إذا جاءت فإنها تأتي
…
للدوام والاستمرار.
57 -
وَعَن ابْن الْمُغيرَة بن شُعْبَة عَن أَبِيه: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ تَوَضَّأ فَمسح بناصيته وَعَلَى الْعِمَامَة الْخُفَّيْنِ " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي يتعلق ببعض فروض الوضوء وهو المسح والمسح يعني الرأس له ثلاث حالات إما أن يكون مكشوفا فيمسح عليه بكامله وإن كان بعضه مكشوف وبعضه مغطى فيمسح على المكشوف وعلى العمامة فيجمع بين الاثنين والحديث الذي هنا يعني فيه ذكر أنه على الناصية والعمامة فإذا كان شيئا من الرأس باديا من جهة الأمام يمسح عليه ويمسح على العمامة وإن كان العمامة مغطية الرأس كله وأن شعر الرأس كله مغطى بالعمامة فإنه يمسح على العمامة فإذًا هناك أحوال ثلاث إما أن يكون مكشوفا أو مغطى بكامله أو بعضه مكشوف وبعضه مغطى فإن كان كله مكشوف مسح على الرأس مباشرة وإن كان كله مغطى مسح على العمامة وإن كان بعضه مكشوف الذي هو المقدم فإنه يمسح على المكشوف منه ويمسح على العمامة وهذا فيما إذا كانت العمامة مشدودة ونزعها فيه مشقة أما إذا كان نزع العمامة يعني سهل فإنه يزيلها ويمسح على الرأس وأما إذا كان نزعها فيه مشقة فإنه يبقيها ولكنه يمسح على ما ظهر من الرأس ويمسح على العمامة.
58 -
وَعَن عبد الله بن زيد: " أَنه رَأَى رَسُول الله يتَوَضَّأ فَأخذ لأذنيه مَاء خلاف المَاء الَّذِي أَخذ لرأسه " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة الْهَيْثَم بن خَارِجَة عَن ابْن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن حبَان بن وَاسع الْأنْصَارِيّ، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن زيد، قَالَ:(هَذَا إِسْنَاد صَحِيح).
59 -
وَرَوَاهُ مُسلم عَن غير وَاحِد عَن وهب، وَلَفظه:" أَنه رَأَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ تَوَضَّأ " فَذكر وضوءه، قَالَ:" وَمسح بِرَأْسِهِ بِمَاء غير فضل يَده " وَلم يذكر الْأُذُنَيْنِ (قَالَ الْبَيْهَقِيّ. (هَذَا أصح من الَّذِي قبله)).
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه عن عبدالله بن زيد رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ ماء لأذنيه غير الذي لرأسه وهذا الحديث شاذ يعني غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الثابت الذي أشار إليه وهو أنه أخذ لرأسه ماء غير فضل يديه يعني معنى ذلك أنه إذا أراد أن يمسح الرأس فإنه لا يكفي أن يمسحه ببقايا الماء الذي كان عند غسل اليدين إلى المرفقين وإنما يأخذ ماء جديدا ولهذا قال أخذ بماء غير فضل يديه يعني الذي حصل بغسل اليدين فهذا هو الثابت والمحفوظ وأما كونه أخذ لأذنيه ماء غير رأسه فهذا شاذ
والمعتبر هو ما ذكره في الحديث الآخر الذي فيه أنه أخذ لرأسه ماء غير فضل يديه يعني الذي هو غسل يديه وإنما هو ماء جديد فهذا هو الذي فيه تجديد الماء لمسح الرأس وأما الأذنان فهما من الرأس يمكن أن يمسح الرأس ويمسحهما بالماء الذي مسح فيه الرأس لأن كله بلل في اليد يعني يأتي على المكان الممسوح لأنه ليس غسل وإنما هو مسح إذًا المحفوظ هو كونه أخذ لرأسه ماء وهذا هو الذي ثابت ومحفوظ وأما ذكر الأذنين وأنه يأخذ لهما ماء جديدا فإن هذا شاذ وإنما يكفي أن يأخذ ماء لرأسه ويمسح برأسه ومن ذلك أنه يمسح أذنيه.
60 -
وَعَن عَمْرو بن عبسة قَالَ: قلت يَا نَبِي الله حَدثنِي عَن الْوضُوء؟ قَالَ: " مَا مِنْكُم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إِلَّا خرت خَطَايَا وَجهه وَفِيه وخياشيمه، ثمَّ إِذا غسل وَجهه كَمَا أمره الله إِلَّا خرت خَطَايَا وَجهه من أَطْرَاف لحيته مَعَ المَاء، ثمَّ يغسل يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين إِلَّا خرت خَطَايَا يَدَيْهِ من أنامله مَعَ المَاء، ثمَّ يمسح رَأسه إِلَّا خرت خَطَايَا رَأسه من أَطْرَاف شعره مَعَ المَاء ثمَّ يغسل قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلَّا خرت خَطَايَا رجلَيْهِ من أنامله مَعَ المَاء فَإِن هُوَ قَامَ فَصَلى فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ ومجده بِالَّذِي هُوَ لَهُ أهل وفرّغ قلبه لله عز وجل إِلَّا انْصَرف من خطيئته كَهَيْئَته يَوْم وَلدته أمه " رَوَاهُ مُسلم هَكَذَا، وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه، وَفِيه " كَمَا أمره الله تَعَالَى " بعد غسل الرجلَيْن.
ثم ذكر هذا الحديث عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال حدثني عن الوضوء فبين صلى الله عليه وسلم الوضوء من أوله إلى آخره وأنه عندما يأتي بغسل أي شيء من أعضاء الوضوء فإن الذنوب والخطايا فإنها تخرج مع آخر قطر الماء يعني سواء في المضمضة والاستنشاق وكذلك في غسل الوجه وغسل اليدين وفي مسح الرأس وفي غسل الرجلين كل ذلك تخرج خطايا التي حصلت والمقصود من ذلك الخطايا التي هي الصغائر وأما الكبائر فإنها لا تكفرها الأعمال الصالحة وإنما الأعمال صالحة تكفر الصغائر وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة منها والندم على ما حصل وأما كونه يتوضأ وهو مصر على الكبائر فإن الكبائر باقية عليه وعقوبتها هو تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه لكن التي تكفرها الصغائر الأعمال الصالحة وليس كل ذنب كبير يكفره يعني كون الإنسان يتوضأ وإنما ذلك خاص في الصغائر التي تكفرها الأعمال الصالحة ولهذا يقول الله عز وجل: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) فإذًا الكبائر لابد فيه من اجتنابها ولا تكفرها الأعمال الصالحة وإنما الأعمال صالحة تكفر الصغائر فقط، فإذا فعل هذا الفعل وخرج وحصلت خطاياه ثم بعد ذلك إن قام وصلى فإنه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وهذا كما عرفنا يخرج من ذنوبه الصغار وأما الكبار فإنه لا يكفرها إلا التوبة منها.
61 -
وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر رضي الله عنه، فَذكر الحَدِيث فِي حجَّة النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وَفِيه:" فَلَمَّا دنا من الصَّفَا قَالَ {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} فابدؤا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ " هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح بِصِيغَة الْأَمر، وَرَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا من غير وَجه عَن جَعْفَر بِصِيغَة الْخَبَر " نبدأ " و " أبدأ "، (وَهُوَ صَحِيح)
ثم ذكر هذا الحديث عن جابر رضي الله عنه في قصة حجة النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الطويل الذي أخرجه مسلم في صحيحه بطوله وهو حديث طويل من أطول الأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صفة الحج وفيه أنه لما فرغ من طواف القدوم وكان قارنا صلى الله عليه وسلم واتجه إلى الصفا ليبدأ بالطواف فإنه اتجه إلى الصفا ولما دنا منه وأراد أن يصعد عليه قرأ: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) نبدأ بما بدأ الله به، قوله (إن الصفا والمروة) الله ذكر الصفا وذكر المروة ولكنه قدم الصفا على المروة فما بدأ الله به ذكرا نبدأ به فعلا ما بدأ الله به ذكرا لأنه ذكر الصفا ثم المروة فلابد من السعي أن يبدأ به في الصفا ولو بدأ بالمروة فإن ذلك لا يصح وإنما يصح سبعة أشواط تبدأ بالصفا وإن بدأ بالمروة فإن هذا الذي بدأ به بالمروة لا يصح وإنما إذا وصل الصفا يعتبر البداية فيأتي بسبعة أشواط من الصفا إلى المروة شوط ثم من المروة إلى الصفا شوط وهكذا حتى يبدأ بالصفا ويختم بالمروة فقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«نبدأ بما بدأ الله به» أي إن الله بدأ بالصفا وقدمه على المروة فنحن نبدأ بالصفا ونقدمه على في فعل السعي وأورد المصنف رحمه الله هذا الحديث في ما يتعلق بفروض الوضوء للدلالة على أن فروض الوضوء يبدأ بها كما ذكرها الله عز وجل أنه يبدأ بغسل الوجه ثم بغسل اليدين إلى المرفقين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين إلى الكعبين فترتب كما رتبها الله عز وجل فهذا هو وجه إيراد حديث ذكر الصفا والمروة في هذا لأن الله ذكر الصفا وقدمه على المروة فيبدأ بالصفا وفي فروض الوضوء ذكر غسل الوجه ثم غسل اليدين إلى المرفقين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين إلى الكعبين فترتب كما رتبه الله ثم أيضا الرسول صلى الله عليه وسلم بينها بفعله فإن كل الذين وصفوا صلاته صلى الله عليه وسلم ذكروه مرتبا كما جاء مرتبا في القرآن فإذًا فيه أنه يبدأ
بما بدأ الله به وفيه أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين ذلك بفعله في أحاديث عديدة أحاديث كثيرة كلها يأتي بها مرتبة كما جاءت مرتبة في القرآن.
62 -
وَعَن بَقِيَّة عَن بحير بن سعد عَن خَالِد بن معدان عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ رَأَى رجلا يُصَلِّي وَفِي ظهر قدمه لمْعَة قدر الدِّرْهَم لم يصبهَا المَاء فَأمره النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة " رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد، وَلَيْسَ عِنْد أَحْمد ذكر الصَّلَاة. (قَالَ الْأَثْرَم: قلت لِأَحْمَد هَذَا إِسْنَاد جيد؟ قَالَ نعم)
ثم ذكر هذا الحديث في الرجل الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم وفي قدمه بقعة لم يصبها الماء مقدار الدرهم يعني صغيرة فأمره بإعادة الوضوء وإعادة الصلاة لأنه يصلي ومعناه وضوءه ما هو كامل ناقص فأراد منه أن يتوضأ من جديد وأن يصلي لأن هذي الصلاة التي كانت بعدم إكمال الوضوء وأن الوضوء
ليس بكامل لأن بعض أعضاء الوضوء ما وصل إليه الماء أو جزء من أعضاء الوضوء الذي هو القدم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء وأن يعيد الصلاة يعني مع ذلك والحديث في إسناده بقية بن الوليد وهو ممن يدلس ويسوي لكن الحديث صححه بعض أهل العلم وله شاهد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ومن حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإذًا الحديث ثابت وصحيح وأن من كان كذلك فإنه لا يعتبر متوضئا حتى يستوعب أعضاء الوضوء مرة واحدة.
63 -
وَعَن أنس بن مَالك قَالَ: " كَانَ رَسُول الله يتَوَضَّأ بِالْمدِّ ويغتسل بالصاع إِلَى خَمْسَة أَمْدَاد " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث في مقدار الماء الذي يتوضأ به الرسول صلى الله عليه وسلم والذي يغتسل منه فقال كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد يعني الصاع أربعة أمداد فكان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع وربما زاد على الصاع مدا خامسا فيكون خمسة أمداد وهذا أكثر ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وأقل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم الحديث الذي سبق أن تقدم أنه توضأ بثلثي المد فهذا فيه ذكر المد وذكر الصاع وزيادة مد خامس في الاغتسال وسبق أن مر أنه توضأ بثلثي المد والحديث لابد فيه من استيعاب أعضاء الوضوء مرة واحدة وما زاد على ذلك فهو مستحب.
64 -
وَعَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " مَا مِنْكُم من أحد يتَوَضَّأ فَيبلغ أَو يسبغ الْوضُوء ثمَّ يَقُول أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يدْخل من أَيهَا شَاءَ " رَوَاهُ مُسلم، وَزَاد التِّرْمِذِيّ فِيهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين " وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَأبي دَاوُد: " فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء ".
ثم ذكر هذا الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يعني هذا حديث صحيح وفي زيادة عند الترمذي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وهذا يدلنا على فضل الوضوء وعلى فضل الذكر بعد الوضوء وأن من حصل منه الوضوء على الوجه المشروع وقال بعده أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يعني كما في صحيح مسلم وأضاف إلى ذلك كما عند الترمذي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وهذا يدلنا على فضل الوضوء وإسباغه وعلى فضل الذكر بعده وأن الجمع بينهما يحصل فيه هذا الثواب وهو أنه تفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.
65 -
وَرَوَى أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ عَن قبيصَة عَن سُفْيَان عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ تَوَضَّأ مرّة مرّة ونضح ". وَهَؤُلَاء رجال الصَّحِيح. وَرَوَاهُ عَن أبي عَاصِم عَن سُفْيَان وَلم يقل: ونضح.
ثم ذكر هذا الحديث قال أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ونضح يعني سبق أن مر بنا الحديث في صحيح البخاري عن أبن عباس رضي الله عنهما أن النبي توضأ مرة مرة وكذلك عن عبدالله بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين وهما جميعا في صحيح البخاري مر الحديثان هناك وهنا ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه زيادة النضح ولكن المحفوظ هو الروايات بدونها وأنه توضأ مرة مرة ومعلوم أن كل مرة يعني لابد أن المرة الواحدة لابد أن تكون مستوعبة لجميع أعضاء الوضوء لمرة واحدة وأكثر الروايات ليس فيها ذكر النضح فهي رواية شاذة والمحفوظ هو ما يطابق ما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما قبل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة رواه البخاري.
66 -
وَعَن بُرَيْدَة بن الْحصيب رضي الله عنه قَالَ: أصبح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ، " يَا بِلَال بِمَ سبقتني إِلَى الْجنَّة، فَمَا دخلت الْجنَّة قطّ إِلَّا وَسمعت خشخشتك أَمَامِي، دخلت البارحة فَسمِعت خشخشتك أَمَامِي فَأتيت عَلَى قصر مربع مشرف من ذهب فَقلت: لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا لرجل عَرَبِيّ، فَقلت: أَنا عَرَبِيّ لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا لرجل من قُرَيْش، فَقلت: أَنا قرشي لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا لرجل من أمة مُحَمَّد، فَقلت: أَنا مُحَمَّد لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا لعمر بن الْخطاب رضي الله عنه، فَقَالَ بِلَال: يَا رَسُول الله مَا أَذِنت قطّ إِلَّا صليت رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أصابني حدث قطّ إِلَّا تَوَضَّأت عِنْدهَا وَرَأَيْت أَن لله عَلّي رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: بهما " رَوَاهُ أَحْمد، (وَالتِّرْمِذِيّ وَهَذَا لَفظه وَقَالَ:(حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب)).
ثم ذكر هذا الحديث عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح وسأل بلالا مالذي جعلك تكون في الجنة وإذا دخلت الجنة سمعت خشخشتك يعني صوت مشيه في الجنة فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم والمقصود أن هذا صار في النوم في رؤيا مناميّه ولهذا قال: «أصبح» يعني ذكر في أول الحديث أصبح يعني معناه كأنه رآه في نوم هذه الليلة فالتعبير بقوله أصبح يفيد بأنه حصل ذلك في نوم هذه الليلة وأن هذا تكرر منه وأنه إذا دخل الجنة في المنام فإنه يسمع صوت خشخشة مشيه يعني في الجنة، أجاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنه ما أذن إلا وصلى ركعتين وما توضأ إلا وصلى ركعتين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«بهما» أي بهاتين الركعتين التي كنت ملازما لهما بعد أذانك وبعد وضوئك يعني بهما أي بهذا العمل حصل لك هذا الفضل وهذا الثواب الذي هو دخول الجنة وتخلل ذلك ذكر هذا القصر الذي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه أيضا رآه في منامه وحديث رؤية القصر لعمر رضي الله عنه ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنا ذكره في أثناء هذا الحديث بين سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه وبين إجابة بلال رضي الله عنه والمحاورة التي بينه وبين بلال رضي الله عنه تخللها ذكر هذا القصر لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وكما قلت الحديث جاء في الصحيحين مسألة القصر ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم قصرا في الجنة وأنه سأل لمن هذا قالوا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
باب المسح على الخفين
الدرس الثامن:
المسح على الخفين جاءت به الشريعة جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من التيسير والتخفيف على هذه الأمة وهي أنها عندما تحتاج أن تلبس الخفاف فإن لها إذا كانوا في سفر يبقيها الذي يلبسها ويمسح عليها ثلاثة أيام بلياليها وأن له أن ينزعها إذا أراد ولكن نزعها ليس بلازم قبل مضي الثلاث إلا من جنابة فإن الإنسان إذا أجنب لابد أن ينزعها ليحصل الاغتسال لأن الجنابة لابد فيها من اغتسال والاغتسال لابد أن يأتي على جميع أعضاء الجسد ومنها القدمان فإذا كان على جنابة فإنه ينزعها وأما إذا كان على غير جنابة فإنه يمسح عليها لكن المسح ليس بلازم لو أراد أنه يخلعها قبل الثلاثة الأيام بلياليها إذا كان مسافرا فله ذلك له أن ينزعها ولكن النزع اللازم إنما يكون في حال الجنابة أما إذا كان حدثا أصغر كالغائط والبول والنوم وما إلى ذلك فإن هذا هو الذي يكون معه المسح ولا يلزم معه الخلع وإنما يلزم الخلع من الجنابة.
67 -
عَن صَفْوَان بن عَسَّال قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَأْمُرنَا إِذا كُنَّا سفرا أَن لَا ننزع خفافنا ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن إِلَّا من جَنَابَة، وَلَكِن من غَائِط وَبَوْل ونوم " رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَهَذَا لَفظه، (وَقَالَ:(حَدِيث حسن صَحِيح))، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان فِي " صَحِيحَيْهِمَا ".
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم يعني ليس معنى ذلك أنه يلزمهم بهذا وأنهم يتعين عليهم هذا وإنما يأذن لهم ويرخص لهم وأن هذا يعني رخصة وأن لهم أن يفعلوا هذا الفعل وأنه لا يلزمهم أن يخلعوا خفافهم عندما يريدون أن يتوضؤوا وإنما رخص لهم أن يبقوها إذا كانوا مسافرين ثلاثة أيام بلياليها وإذا كانوا مقيمين يوما وليلة إذًا كلمة يأمرنا ليس معنى ذلك أن هذا أمر إلزام لهم وأن هذا شيء لازم وأن الإنسان إذا لبس الخفين يلزمه كذا وكذا يعني هذا يرجع إليه وهذا رخصة وتسهيل من الله عزو جل وتيسير وتخفيف على هذه الأمة بأن الإنسان يبقي الخفين عليه ويمسح عليهما ثلاثة أيام بلياليها للمسافر ويوم وليلة للمقيم وميز بين السفر والإقامة لأن السفر يحتاج فيه إلى بقاء الخفاف بخلاف الحضر فإنه يكفي فيه يوم وليلة.
68 -
وَعَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: " كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِي سفر فَأَهْوَيْت لأنزع خفيه فَقَالَ: دعهما فَإِنِّي أدخلتهما طاهرتين فَمسح عَلَيْهِمَا " مُتَّفق عَلَيْهِ وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لما رجعوا من غزوة تبوك وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قضى حاجته ثم جاء يتوضأ والمغيرة رضي الله عنه يصب عليه الماء ويساعده في ذلك وهذا يدلنا على أن الإنسان يمكن أن يساعده غيره بأن يصب عليه الماء وهو يتوضأ كما أن له أن يحضر له الماء وأن يأتي به إليه ليتوضأ وإذا أتى به إليه أيضا فله أن يساعده في أعضاء الوضوء بأن يصب عليه وهو يغسل أعضاءه لكن إذا وصل إلى الرجلين إذا كانت فيه خفين فإنه يمسح عليهما ولا يحتاج إلى خلعهما والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان يصب على النبي صلى الله عليه وسلم وقد غسل أعضاء الوضوء ولم يبقى إلا غسل الرجلين فأهوى لينزع خفيه يعني أقدم أو انحنى اتجه إلى أنه يريد أن يخلع خفيه ليغسلهما فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» يعني أنه أدخل رجليه في النعلين وهما طاهرتان يعني قد توضأ وقوله: «طاهرتين» يعني معناه طاهرتين في طهارة الوضوء وقوله: «طاهرتين» يدلنا على أن لبس الخفين إنما يكون بعد غسل الرجل الثانية لأن الإنسان لا يقال أنه متطهر وأنه مكتمل الطهارة إلا إذا غسل الرجل الثانية يعني فلا ينبغي للإنسان أن يغسل اليمنى ثم يدخل الخف فيها أو يدخلها في الخف لأن الطهارة ما كملت ما حصل الوضوء ما تم الوضوء، الوضوء ما يتم إلا إذا غسل الرجل الثانية فالرسول صلى الله عليه وسلم قال دعهما يعني لا تخلعهما فإني أدخلتهما طاهرتين أي أني أدخلت الرجلين وهما طاهرتين وأن المسح يكفي عليهما وهذا إنما يكون في حال إدخالهما وهما طاهرتان.
69 -
وَعَن جرير بن عبد الله قَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ بَال ثمَّ تَوَضَّأ وَمسح عَلَى خفيه " قَالَ إِبْرَاهِيم: (كَانَ يعجبهم هَذَا الحَدِيث لِأَن إِسْلَام جرير كَانَ بعد نزُول الْمَائِدَة)، وَاللَّفْظ لمُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه أنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه يعني معنى ذلك أنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين، قال وكان يعجبهم يعني فيه ذكر المسح لأن جرير رضي الله عنه أسلم متأخرا كان إسلامه متأخرا ومعنى ذلك أن هذا الفعل الذي هو المسح على الخفين أنه حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لأن جرير بن عبدالله رضي الله عنه إنما أسلم متأخرا فيكون معنى ذلك شاهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يمسح على قدميه فكان يعجبهم لكونه شاهده بعد أن أسلم وكان قد تأخر إسلامه، والمقصود بهذا الحديث هنا ذكر المسح وإلا ما فيه ذكر التوقيت ما فيه إشارة إلى التوقيت وأن هذا يوم وليلة وهذا
ثلاثة أيام ولياليها وإنما فيه ذكر المسح ومعلوم أن المسح جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوقيت يعني ثلاثة أيام بلياليها ويوم وليلة للمقيم.
70 -
وَعَن شُرَيْح بن هَانِئ قَالَ: " أتيت عَائِشَة أسألها عَن الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَت: عَلَيْك بِابْن أبي طَالب فسله، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافر مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ، فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: جعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن للْمُسَافِر وَيَوْما وَلَيْلَة للمقيم " رَوَاهُ مُسلم (وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: (وَاخْتلفت الروَاة فِي رفع هَذَا الحَدِيث، وَوَقفه عَلَى عَلّي رضي الله عنه. قَالَ: (وَمن رَفعه أحفظ وأضبط))
ثم ذكر هذا الحديث عن شريح بن هانئ أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت اسأل علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو عليك بعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه فإنه كان يسافر معه وهي تريد من ذلك أن ما يكون في السفر إنما يكون من الذين يسافرون معه وعلي رضي الله عنه كان يسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم وغيره كان يسافر لكنها اختارت عليا رضي الله عنه لإظهار منزلته وبيان منزلته وأن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم يعظمن أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهن من أهل بيته هن من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم الذين هم زوجاته وقرابته كل مسلم ومسلمة من نسل عبدالمطلب فهو من أهل بيته وزوجاته من أهل بيته فكون عائشة رضي الله عنها اختارت عليا رضي الله عنه ممن يسافر هذا فيه بيان توقير الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم لأهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ولقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنها اختارته على غيره وأرشدته إلى أن يسأل عليا رضي الله عنه لأنه يسافر معه مع أن الذي يسافرون معه كثيرون ولكن اختيارها لعلي رضي الله يدل على تقدير زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة لأهل البيت رضي الله عنهم وأنهم يعرفون قدرهم ويعرفون منزلتهم ويعرفون فضلهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء في صحيح البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه أثران يدلان على تعظيم الصحابة لأهل البيت رضي الله عنهم قال رضي الله عنه: ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته، يعني معناه قدروا أهل بيته واحترموهم ووقروهم واعرفوا لهم حقهم فهكذا قال كما في صحيح البخاري وقال أيضا: والله لقرابة محمد صلى الله عليه وسلم أحب إليّ أن أصل من قرابتي، يعني أنه يحب أن يصل قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من أن يصل قرابته الذين هم أهل بيته والذين هو منهم يعني قرابة الرسول -صلى
الله عليه وسلم- أهم عند أبي بكر رضي الله عنه من قرابته هو الذي هو أبو بكر رضي الله عنه وهذا كله يدلنا على فضل الصحابة وعلى توقير الصحابة لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أثران عن أبي بكر رضي الله عنه وهذا الأثر عن عائشة رضي الله عنها التي اختارته -يعني عليا- لكونه يسافر مع الرسول صلى الله عليه وسلم ليسأله فسأله فقال جعل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام بلياليها للمسافر ويوم وليلة للمقيم وهذا فيه
التفريق والتفصيل بين المسافر والمقيم فإن المقيم ليس عليه كلفة وليس عليه مشقة ولهذا جعل له يوم وليلة فقط وأما المسافر الذي بحاجة إلى أن يشد الخفاف وأن تبقى فإنه جعل له مدة أطول، والخفاف يعني هي ما يتخذ من الجلود للبسه في البرد وكذلك اتقاء الرمضاء واتقاء الشوك وغير ذلك وليس خاصا ذلك بالخفاف بل ما جاء من القماش مثل الشراب ومثل الجوارب فإن الإنسان يمسح عليها كما يمسح على الخفاف وكذلك اللفائف التي يلفها على رجليه لفا فإنه أيضا بمعنى الخف وبمعنى الجوارب.
71 -
وَعَن ثَوْبَان رضي الله عنه قَالَ: " بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ سَرِيَّة فَأَصَابَهُمْ الْبرد فَلَمَّا قدمُوا عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَمرهم أَن يمسحوا عَلَى العصائب والتساخين " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَأَبُو يعْلى الْموصِلِي، وَالرُّويَانِيّ، وَالْحَاكِم (وَقَالَ:(عَلَى شَرط مُسلم) وَفِي قَوْله نظر، فَإِنَّهُ من رِوَايَة ثَوْر بن يزِيد عَن رَاشد بن سعد عَن ثَوْبَان، و " ثَوْر " لم يرو لَهُ مُسلم بل انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ، وَرَاشِد بن سعد لم يحْتَج بِهِ الشَّيْخَانِ وَقَالَ الإِمَام أَحْمد:(لَا يَنْبَغِي أَن يكون رَاشد سمع من ثَوْبَان) لِأَنَّهُ مَاتَ قَدِيما، وَفِي هَذَا القَوْل نظر: فَإِنَّهُم قَالُوا: إِن راشداً شهد مَعَ مُعَاوِيَة صفّين، وثوبان مَاتَ سنة أَربع وَخمسين، وَمَات رَاشد سنة ثَمَان وَمِائَة، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين، وَأَبُو حَاتِم، وَالْعجلِي، وَيَعْقُوب بن شيبَة، وَالنَّسَائِيّ، وَخَالفهُم ابْن حزم - وَالْحق مَعَهم) والعصائب: العمائم والنساخين: الْخفاف.
ثم ذكر هذا الحديث عن ثوبان رضي الله عنه وهو أن سرية وهي قطعة من الجيش أو جماعة من الجيش يسند إليها مهمة أو يكلفون بمهمة فذهبوا في هذه السرية وأصابهم برد لما جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه وأن هذا فيه مشقة عليهم فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا كانوا سفرا أنهم يمسحون على العصائب وعلى التساخين والعصائب هي العمائم والتساخين التي هي الخفاف وما يقوم مقام الخفاف والمقصود بقوله أمرهم أي أذن لهم لأن المسح على الخفين ليس من الأمور الواجبة والإنسان لا يلزمه أن يلبس خفين وأن يمسح وإنما رخص له إذا لبس الخفين أو ما يقوم مقامهما أن يمسح عليهما كما جاء ذلك مفصل في السنة من حديث علي رضي الله عنه أنه جعل يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر والعصائب هي العمائم وقد مر بنا أن العمائم يمسح عليها وهي التي تغطي الرأس إذا كانت تغطيه كله يمسح عليها وإذا كان بعض الرأس يظهر فإنه يمسح على الذي ظهر الناصية وعلى العمامة وإذا كان الرأس ليس عليه شيء فإنه يمسح على الرأس وهذا الحديث صحيح.
72 -
وَعَن زبيد بن الصَّلْت قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب رضي الله عنه يَقُول: " إِذا تَوَضَّأ أحدكُم وَلبس خفيه فليمسح عَلَيْهَا وَليصل فيهمَا وَلَا يخلعهما إِن شَاءَ إِلَّا من جَنَابَة " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة أَسد بن مُوسَى وَفِيه: (قَالَ حَمَّاد بن سَلمَة عَن عبيد الله بن أبي بكر وثابت، عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ مثله)، (و " أَسد بن مُوسَى ": وَثَّقَهُ الْعجلِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَالْبَزَّار، وَخَالفهُم ابْن حزم فَقَالَ:(هُوَ مُنكر الحَدِيث)، وَالصَّوَاب مَعَ الْجَمَاعَة. وَقَالَ الْحَاكِم فِي " الْمُسْتَدْرك " بعد ذكر حَدِيث عقبَة بن عَامر " خرجت من الشَّام ":(وَقد رُوِيَ عَن أنس مَرْفُوعا بِإِسْنَاد صَحِيح رُوَاته عَن آخِرهم ثِقَات، إِلَّا أَنه شَاذ بِمرَّة) ثمَّ أخرج حَدِيث أنس الْمُتَقَدّم وَقَالَ فِيهِ: (عَلَى شَرط مُسلم))
ثم ذكر هذا الحديث عن عمر رضي الله عنه أن زييد بن الصلت سمع عمر رضي الله عنه يقول أنه إذا توضأ ولبس خفيه فإنه يمسح عليهما ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة يعني الجنابة لابد أن يخلع منها لأن الاغتسال لابد أن يأتي على جميع أعضاء الجسد ومنها الرجلان لكن قوله: «إن شاء» يعني معنى ذلك أن مدة المسح ليست بلازمة وأن الإنسان لازم أن يبقى المدة وإنما هذا يرجع إليه إن أراد أن يخلع خلع وإن أراد أن يبقيها
يبقيها ويمسح عليها فقوله: «إن شاء» يعني أن هذا يرجع إليه قضية البقاء على الخفين لمدة ثلاثة أيام بلياليها ليس بلازم وإنما هذا يرجع إليه إن أراد أن يستمر يمسح وإن أراد أن يخلعها يخلعها لكن الخلع الذي لابد منه هو إذا كان هناك جنابة وقد جاء حديث أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوع وهو مثل هذا الحديث الموقوف عن عمر رضي الله عنه ولهذا الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ذكر الموقوف والمرفوع وقال: وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفا وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا ثم ذكر الحديث بهذا اللفظ الذي ذكره ابن عبدالهادي وعلى هذا فإن قوله: «إن شاء» يعني معنى ذلك أن الأمر يرجع إليه إن شاء أن يخلع فله أن يخلع قبل ذلك وإن شاء أن يستمر فإنه يمسح إلى بلوغ المدة التي حددت له وهي ثلاثة أيام بلياليها للمسافر ويوم وليلة للمقيم، وزييد هنا جاء في بعض نسخ المحرر المطبوعة زييد بتصغير زيد وجاء في بعضها زبيد وزييد هذا ليس من رجال الكتب الستة وإنما هو خارج عن رجال الكتب الستة ولهذا ذكر ترجمته الحافظ بن حجر في تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة لأنه روى له الإمام أحمد وهو من زيادات أصحاب المذاهب الأربعة الذين هم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد هؤلاء من الذين زادوا على الكتب الستة وقال بعد ما ذكر زيد أتى به وقال زييد بالتصغير يعني تصغير زيد وعلى هذا فهو بالياء وهو مصغر زيد وليس زبيدا يعني بالباء.
باب نواقض الوضوء وما اختلف فيه من ذلك
ثم ذكر بعد ذلك نواقض الوضوء
73 -
عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: " أُقِيمَت صَلَاة الْعشَاء فَقَالَ رجل: لي حَاجَة؟ فَقَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ يناجيه حَتَّى نَام الْقَوْم - أَو بعض الْقَوْم - ثمَّ صلوا " رَوَاهُ مُسلم. وَفِي لفظ لَهُ: " كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ ينامون ثمَّ يصلونَ وَلَا يتوضؤون ".
74 -
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَفظه: " كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ ينتظرون الْعشَاء الْآخِرَة حَتَّى تخفق رؤوسهم ثمَّ يصلونَ وَلَا يتوضؤون "(وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَححهُ).
ذكر أول شي ما يتعلق بالنوم وهذا النوم من نواقض الوضوء ولهذا مر في الحديث الذي فيه صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: «لكن من غائط أو بول أو نوم» يعني أنه ينام الإنسان إذا نام يعني أنه ينتقض وضوءه وقد جاء في الحديث: «العين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء» فالنوم من نواقض الوضوء لكنه إذا كان خفيفا وكان عن جلوس ويكون فيه خفقان الرأس بمعنى أنه يحصل خفقان الرأس يعني إذا حصل منه النعاس
فيتنبه فمثل هذا هو الذي جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأنهم كانوا ينتظرون صلاة العشاء وفي بعضها أنه كلمه رجل لما أقيمت الصلاة والرسول صلى الله عليه وسلم وقف معه يحدثه وهم جلوس ينتظرون فراغه فصار لهم النعاس فصار بعضهم تخفق رؤوسهم فيتنبهون وهذا يدلنا على أن مثل هذا النوم أنه لا يؤثر لأنهم كانوا يقومون ولا يتوضؤون يعني هذا النوم الذي حصل منهم وهم ينتظرون الصلاة ليس بناقض للوضوء لأن هذا عن جلوس وتخفق رؤوسهم عندما يحصل منهم النعاس، ومن كمال أخلاقه صلى الله عليه وسلم وحسن معاملته لأصحابه صلى الله عليه وسلم وحرصه على تعليمهم يعني بيان ما يحتاجون إليه من أمور دينهم فهذا الرجل الذي كان يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم الرسول صلى الله عليه وسلم جعل يسمع كلامه ويسمع أسئلته ويجيب عليها والصحابة رضي الله عنهم جالسون ينتظرون فراغ الرسول صلى الله عليه وسلم من مناجاة هذا الرجال الذي يسأل هذه الأسئلة ويحصل لهم النعاس، وهذا فيه بيان أن هذا النوم خفيف لأنه تخفق رؤوسهم لأن الجالس إذا جاءه النوم خفق رأسه يعني نزل عن وضعه الطبيعي الذي كان رأسه قائما فإنه يخفق فإذا خفق انتبه وزال عنه النوم وهذا من ميزات حصول النعاس عن جلوس بخلاف إذا كان مضطجع فإنه إذا هذا يسترسل أو يستمر في النوم فلا يحصل له مثل ما يحصل للجالس من أنه ينعس فيخفق رأسه.
75 -
وَفِي رِوَايَة عِنْد الْبَيْهَقِيّ: " لقد رَأَيْت أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يوقظون للصَّلَاة حَتَّى إِنِّي لأسْمع لأَحَدهم غطيطاً ثمَّ يقومُونَ فيصلون وَلَا يتوضوؤن ". قَالَ ابْن الْمُبَارك: هَذَا عندنَا وهم جُلُوس. وَقد رَوَى فِي الحَدِيث زِيَادَة تمنع مَا قَالَه ابْن الْمُبَارك، إِن ثبتَتْ، رَوَاهَا يَحْيَى الْقطَّان عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ:" كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ ينتظرون الصَّلَاة فيضعون جنُوبهم فَمنهمْ من ينَام ثمَّ يقوم إِلَى الصَّلَاة " قَالَ قَاسم بن أصبغ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الْخُشَنِي حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان حَدثنَا شُعْبَة - فَذكره. قَالَ ابْن الْقطَّان: (وَهُوَ كَمَا ترَى صَحِيح من رِوَايَة إِمَام عَن شُعْبَة) فاعلمه. وَقد سُئِلَ أَحْمد بن حَنْبَل رحمه الله عَن حَدِيث أنس أَنهم كَانُوا يضطجعون؟ قَالَ: (مَا قَالَ هَذَا شُعْبَة قطّ. وَقَالَ: حَدِيث شُعْبَة: كَانُوا ينامون، وَلَيْسَ فِيهِ يضطجعون. وَقَالَ هِشَام: كَانُوا ينعسون) وَقد اخْتلفُوا فِي حَدِيث أنس وَقد رَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي من رِوَايَة سعيد عَن قَتَادَة، وَلَفظه:" يضعون جنُوبهم فينامون، مِنْهُم من يتَوَضَّأ وَمِنْهُم من لَا يتَوَضَّأ ".
ثم ذكر هذا الحديث أو هذي الطريق الذي فيها أنهم كانوا يضطجعون وأنهم كانوا ينامون وأن هذه اختلف في ثبوتها وإنما الشيء الذي لاشك فيه هو النوم عن جلوس وأما النوم عن اضطجاع فهذا مختلف فيه من الناس من صححه ومنهم من ضعفه ولكن لاشك أن الاحتياط في الدين هو أن الإنسان إذا حصل منه نوم وهو مضطجع أنه يتوضأ لأن الجالس يعني يخفق ويذهب عنه النوم والنعاس وأما المضطجع فإنه إذا حصل منه النوم فإنه يتمادى في نومه ويستمر في نومه.
الدرس التاسع:
76 -
وَعَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: " جَاءَت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة أسْتَحَاض فَلَا أطهر أفأدع الصَّلَاة؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَ بحيض، فَإِذا أَقبلت حيضتك فدعي الصَّلَاة وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم ثمَّ صلي ". مُتَّفق عَلَيْهِ. وَزَاد البُخَارِيّ وَقَالَ أبي - يَعْنِي عُرْوَة -: " ثمَّ توضئي لكل صَلَاة حَتَّى يَجِيء ذَلِك الْوَقْت ". وَرَوَى النَّسَائِيّ الْأَمر بِالْوضُوءِ مَرْفُوعا من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد، عَن هِشَام وَقَالَ:(لَا أعلم أحدا ذكر فِي هَذَا الحَدِيث: ثمَّ توضئي، غير حَمَّاد بن زيد). وَقَالَ مُسلم: (فِي حَدِيث حَمَّاد بن زيد زِيَادَة حرف تركنَا ذكره). وَقد تَابع حَمَّاد أَبُو مُعَاوِيَة وَغَيره. (وَقد رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيره ذكر الْوضُوء من طرق ضَعِيفَة).
فحديث عائشة رضي الله عنها في قصة فاطمة بنت أبي حبيش تتعلق بالحيض وسيأتي حديث عائشة رضي الله عنها في الحيض ولكنه ورد هنا في نواقض الوضوء من أجل ما جاء فيه من أنها تتوضأ لكل صلاة فإن الذين قالو إنها تتوضأ لكل صلاة يقولون إن الاستحاضة وإن دم الحيض خروجه منها هذا حدث يحتاج معه إلى وضوء والذين قالو أنها لا تتوضأ لكل صلاة يقولون أنها إذا توضأت لصلاة ثم جاء وقت صلاةٍ أخرى وهي على وضوئها فإنها لا يحتاج أن تتوضأ من جديد ولكن لا شك في القول بأنها تتوضأ لكل صلاة فيه الاحتياط في الدين فإذًا المصنف أورده هنا من أجل القول بأنها تتوضأ لكل صلاة على اعتبار أنه من نواقض الوضوء وأن استمرار الدم معها باستمرار أنه يكون ناقض يحتاج أن تتوضأ معه عند كل صلاة والحديث يتعلق بالحيض وما تفعله الحائض وللحائض ثلاث حالات الأولى: أنها تعرف عادتها إذا جاءت بالدم الأسود والذي رائحته كريهة فتعرف بدايته ونهايته بالرائحة فهذه تبني على ما عرفته من عادتها فإذا أقبلت الحيضة بأن الدم مستمر معها باستمرار بسبب الاستحاضة لكن الحيض هو الذي يمنعها من الصيام ومن الصلاة فإذا أقبلت وقت حيضتها بأنه طلع الدم الأسود وله رائحةٌ كريهة فإنها تمتنع من الصلاة ومن الصيام حتى ينتهي وإذا انتهى فإنها تغتسل للحيض وأن الحيض قد انتهى وأما الاستحاضة فإنها مستمرة هذا فيما إذا كانت تعرف ذلك باللون والرائحة أما إذا كانت لا تعرف لا لون ولا رائحه ولكنها من عادتها قبل أن تأتيها الاستحاضة أنه يأتيها الحيض من يوم كذا الى كذا في الشهر فإنها تجلس هذه المدة التي تعرفها وأن الحيض كان يأتيها في هذه المدة من كل شهر قبل أن يأتيها الاستحاضة والأمر الثالث ما جاء في حديث حمنه رضي الله عنها الذي سيأتي في كتاب الحيض وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدها بأن تمكث ستة أيام أو سبعة تختارها من الشهر وأنها تجلسها وأنها لا تصلي فيها ولا تصوم ثم إذا انتهت هذه فإن بقية الشهر التي هي أربع وعشرين يوما فإنها تكون في حكم الطهر وأنها تصوم وتصلي فإذاً الأحوال الثلاث إما أن تكون تعرف دم الحيض بالرائحة واللون، وإن لم تعرف فإنها تعرفه قبل أن يأتيها الاستحاضة بأنها تأتيها في وقت معين فإنها تجلس في هذه الأيام، وإن لم يكن لا هذا ولا هذا فإنها تختار ستة أيام أو سبعة من الشهر وتعتبرها أيام عادتها وتجلس فيها وما بعد ذلك فإنه يكون أيام طهرها.
77 -
وَعَن عَلّي قَالَ: " كنت رجلا مذاء فَأمرت الْمِقْدَاد أَن يسْأَل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَ: فِيهِ الْوضُوء " مُتَّفق عَلَيْهِ وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ، وَفِي لفظ لمُسلم:" تَوَضَّأ وانضح فرجك ".
ثم ذكر هذا الحديث عن علي رضي الله عنه أنه قال كنت رجلاً مذاءً يعني كثير المذي يعني الذي يحصل بالتفكير بالجماع ويحصل منه سائل بسبب ذلك قد لا يشعر به الإنسان فهذا يقال له مذي والمذي ناقض للوضوء لأنه خارج من أحد السبيلين فهو ناقض للوضوء والرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله المقداد قال فيه الوضوء يعني يتوضأ وفي لفظ ينضح فرجه ويتوضأ ينضح يعني يستنجي يغسل الشي الذي حصل في ذكره وقد جاء أنه يغسل ذكره وأنثييه وقد جاء في أحاديث صحيحة أنه يغسل ذكره وأنثييه فإذاً صاحب المذي عليه أمران الأمر الأول أنه يغسل فرجه ويغسل المذي ويغسل الذكر كله مع الأنثيين كما جاء في بعض الأحاديث يعني يفعل هذا فعل والأمر الثاني أنه يتوضأ لأنه حصل منه ناقض الوضوء بهذا الخارج من أحد السبيلين فإذاً فيه أمران النضح والنضح هذا يعني معناه الغسل خفيف يعني يتحقق به زوال اللزوجة والشيء الذي حصل بسبب حركة الشهوة التي خرج منها المذي الذي هو غير المني لأن المني يوجب الغسل والمذي يوجب الوضوء وغسل الذكر والأنثيين فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشده وإنما ترك عليا رضي الله عنه سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه زوج ابنته وهذا مما يستحيى منه أن يذكر مع الأصهار يعني جماع المرأة وما يتعلق بجماع المرأة ولهذا لم يقدم علي رضي الله عنه على ذلك في نفسه وإنما طلب من المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن يقوم بسؤاله فسأله فأخبره وأجابه بهذا الجواب الذي يدل على أن المذي ناقض للوضوء وأنه عليه أن يغسل ذكره وأنثييه وأنه يتوضأ معه.
78 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" تصلي الْمُسْتَحَاضَة وَلَو قطر الدَّم عَلَى الْحَصِير " رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد والإسماعيلي، (وَرِجَاله رجال الصَّحِيح).
ثم ذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصلي المستحاضة وإن قطر الدم على الحصير يعني معناه وإن كان الدم ينزل منها لأن الصلاة لا تترك لابد أن يؤتى بها وأن المرأة تصلي الصلاة ولا تسقط الصلاة بحال من الأحوال حتى ولو كان الدم يخرج منها وأنه يتساقط وهي تصلي فإن ذلك لا يؤثر لأن الله تعالى يقول: (فاتقوا الله ما استطعتم) والصلاة لا تسقط في حال من الأحوال ما دام العقل موجوداً فالصلاة لازمة وإذا كان الخارج هذا مستمر فإنه لا يمنع من إتيان الصلاة ولو كان مستمراً والله تعالى يقول: (فاتقوا الله ما استطعتم) فيعني ولو كان
الدم يجري منها وأنه يخرج منها فإن هذا هو الذي عليها أن تصلي لأن الصلاة متحتمة لازمة لكل من كان عقله موجوداً.
79 -
وَعَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رضي الله عنها: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قبَّل بعض نِسَائِهِ ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة وَلم يتَوَضَّأ " كَذَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَرِجَاله (مخرج لَهُم فِي الصَّحِيح، وَقد ضعفه البُخَارِيّ وَغَيره)
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه تقبيل الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه قبل وأنه صلى ولم يتوضأ يعني ما اعتبر ذلك ناقضاً للوضوء وفي هذا خلاف بين أهل العلم منهم من قال أنه ينقض مطلقاً ومنهم من قال أنه ينقض إذا كان بشهوة ولا ينقض إذا كان بغير شهوة ومنهم من قال أنه لا ينقض مطلقاً وهذا الحديث يعني تكلم فيه بعض الأئمة ضعفه بعضهم وصححه بعضهم والأصل هو عدم النقض حتى يأتي ما يثبته ولم يأتي شيئاً يعني يدل على أن الإنسان يتوضأ إذا قبل فإذاً الأصل عدم النقض حتى يأتي دليلٌ يدل عليه فإذا حصل التقبيل فإنه لا يحصل به نقض الوضوء إلا إذا خرج منه مذيٌ بسبب هذا التقبيل هذا يكون بسببٍ الخارج لا بسبب التقبيل وعلى هذا فلمس المرأة وتقبيلها يعني ولمسها لا يؤثر على اللامس إلا إذا خرج منه شيء بسبب ذلك فيكون الوضوء من أجل الخروج لا من أجل التقبيل ومما يدل على لمس المرأة أنه لا يؤثر في الصلاة عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في حجرتها وهي مادةٌ رجليها أمامه فإذا أراد أن يسجد غمزها لمسها بيده حتى تكف رجلها فإذا كفتها سجد ثم إذا قام أعادتها فلمس الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة يعني ما جعله يترك الصلاة يترك الاستمرار فيها ويروح يتوضأ فدل هذا على أن الأصل هو عدم النقض حتى ما يدل عليه وأن التقبيل واللمس للمرأة يعني لا يلزم معه الوضوء إلا إن وجد بسبب التقبيل أو اللمس يعني حركة الشهوة التي حصل معها مذيٌ فهو لهذا الخارج وليس لمجرد اللمس ولا للتقبيل.
80 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا وجد أحدكُم فِي بَطْنه شَيْئا فأشكل عَلَيْهِ أخرج مِنْهُ شَيْء أم لَا؟ فَلَا يخْرجن من الْمَسْجِد حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا وجد الإنسان في بطنه شيئاً يعني إذا وجد حركة أمعائه أو يعني صوت يعني أمعائه فإن ذلك لا ينقض وضوئه و إنما ينقض الوضوء بخروج شيء من السبيلين فإذا خرج شيء من السبيلين هو الذي ينقض فإذا كان الإنسان على وضوء وحس شيء في بطنه فإن وضوئه مستمر إلا إذا تحقق أنه خرج منه ريح
يعني شمها أو صوتٌ سمعه من الخارج من دُبرهِ يعني فإن هذا هو الذي يكون به تحقق النقض لأن حركة ما يكون في البطن هذا لا يؤثر و إنما الذي يؤثر الخارج ولهذا جاء عنه أنه لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يشم ريحاً حتى يسمع صوتاً إذا كان هناك صوت عند الخروج أو يشمّ ريحاً يعني بحيث لا يكون هناك صوت ولكن خرج ريحٌ بدون صوت ولكنه شمها فعند ذلك يعني يتوضأ ولذلك أنه حصل التحقق من حصول الناقض وهو الخارج الذي شمه أو سمعه وعلى هذا فإن القاعدة المعروفة وهذا الحديث من أدلتها أن ما حصل بيقين لا يخرج عنه إلا بيقين فإذا كانت الطاهرة موجودة فهذا هو الأصل فلا يقال بنقضها إلا بحقيقه وهذا الحديث يدل على ذلك لأنه هو متوضئ من قبل وسمع صوتاً ولم يحصل حقيقة يعني تُخرج عن الحقيقة الأولى فإنه والحالة هذه فإنه يبقى على وضوئه وإن كان الأصل أنه كان متحقق أنه ناقض الوضوء ولكن شك هل توضأ ولا ما توضأ فإن الأصل أنه غير متوضئ وعليه أن يتوضأ فإذاً سواءً كان متوضأً وشك في النقض لا يعتبر هذا شك حتى يوجد حقيقة تنقل عنه وكذلك عكسه إذا كان متيقن الحدث وأنه قد نقض الوضوء ولكن شك هل توضأ أو ما توضأ بعدما حصل الناقض فإنه الحالةُ هذه يعتبر غير متوضئ وعليه
…
أن يتوضأ.
81 -
وَعَن بسرة بنت صَفْوَان أَن رَسُول الله قَالَ: " من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان فِي " صَحِيحه "، (وَقَالَ البُخَارِيّ:(أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث بسرة)).
82 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا أَفْضَى أحدكُم بِيَدِهِ إِلَى فرجه لَيْسَ دونهَا حجاب فقد وَجب عَلَيْهِ الْوضُوء " رَوَاهُ أَحْمد، وَالطَّبَرَانِيّ وَهَذَا لَفظه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْن حبَان، (وَالْحَاكِم وَصَححهُ)
ثم ذكر هذين الحديثين عن بسرة بنت صفوان وعن أبي هريرة رضي الله عنهما وهو يتعلق بنفس الذكر وأن الإنسان إذا مس ذكره وكذلك المرأة مست فرجها فإنه يعني يحصل انتقاض الوضوء لمن كان متوضأً فهذا إذا لمسه مباشرة بدون حائل أما إذا كان لمسه من وراء الثوب فإن هذا لا يؤثر وعلى هذا فإن هذين الحديثين وهما صحيحان حديث بسرة بنت صفوان وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما يدلان على أن لمس الفرج لمس الذكر بدون حائل فإنه يحصل به نقض الوضوء وعليه أن يتوضأ والحديثان صحيحان.
83 -
وَعَن قيس بن طلق الْحَنَفِيّ عَن أَبِيه قَالَ: " كنت جَالِسا عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَ رجل مسست ذكري، أَو قَالَ: الرجل يمس ذكره فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ وضوء؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا هُوَ بضعَة مِنْك " رَوَاهُ أَحْمد وَهَذَا لَفظه، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَابْن حبَان، وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ (وَقَالَ:(هَذَا الحَدِيث أحسن شَيْء رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب). وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: (هُوَ مُسْتَقِيم الْإِسْنَاد)، وَجعله ابْن الْمَدِينِيّ أحسن من حَدِيث بسرة. وَقد تكلم فِيهِ الشَّافِعِي وَأَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم وَغَيرهم، وَأَخْطَأ من حَكَى الِاتِّفَاق عَلَى ضعفه).
ثم ذكر حديث طلق بن علي رضي الله عنه الذي فيه يعني أن رجلاً جاء وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أنه لمس ذكره قال إنما هو إلا بضعة منك يعني أن
لمسه لا يؤثر في الوضوء شيئاً كلمس سائر الجسد كون الإنسان يلمس أذنه أو يلمس عضده أو يلمس فخذه أو يلمس ركبته أو يلمس ساقه يعني لمسه كلمس واحدة منها يعني أنه لا يؤثر في الوضوء والحديث قال به بعض أهل العلم أنه يعني لا ينقض الوضوء ولكن حديث بسرة وأبي هريرة رضي الله عنهما يدلنا على النقض ومن العلماء من قال إنه يعني يحمل حديث بسرة وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما على أنه يتوضأ استحباباً يعني على سبيل الاستحباب لكن لا شك أن القول بأن الإنسان يتوضأ لأن هذا فيه الاحتياط بالدين وأن الإنسان يحتاط لدينه ويأخذ بما جاء في حديث بسرة وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما ولا يأخذ بما جاء في حديث طلق بن علي رضي الله عنه.
84 -
وَقد رَوَى الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادِهِ (وَصَححهُ عَن قيس بن طلق عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ " وَإِسْنَاده لَا يثبت).
وهذا حديث آخر عن طلق رضي الله عنه وهو عكس الحديث الأول لأن هذا يوافق حديث بسرة وأبي هريرة رضي الله عنهما وأنه يتوضأ لكن الحديث لم يثبت وليس بصحيح ولكن الوضوء من لمس الذكر هو ثابتٌ بدونه من حديث أبي هريرة وحديث بسرة رضي الله عنهما وعلى هذا فالحديث هو موافقٌ لحديث بسرة وأبي هريرة رضي الله عنهما وهو من حيث الإسناد يعني غير ثابت ولكنه يعتبر شاهد لهما وله أصل يعتبر يعني له أصل جاء في حديث أبي هريرة وحديث بسرة رضي الله عنهما.
85 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " من أَصَابَهُ قيء أَو رُعَاف أَو قلس أَو مذي فلينصرف فَليَتَوَضَّأ، ثمَّ ليبن عَلَى صلَاته، وَهُوَ فِي ذَلِك لَا يتَكَلَّم " رَوَاهُ ابْن مَاجَه، (وَضَعفه الشَّافِعِي، وَأحمد، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم).
ثم ذكر هذا الحديث فيما يتعلق بالخارج من الفم و الفرج فذكر القيء وهو ما يخرج من الفم مما تخرجه المعدة من أكل الطعام وكذلك القلس وهو الذي يخرج من الجوف ويكون بفي لفم يعني عند التجشأ فيكون شيء قليل وقد يبلعه وقد يخرجه وكذلك الرعاف وهو الدم الذي يخرج من أنف الانسان أو كذلك يخرج من أي مكان من جسده وكذلك المذي هذه الأمور الثلاثة التي ذهبت قبل المذي هذي ليس هناك دليل واضح يدل على حصول الوضوء منها بل الأصل هو أنه لا يتوضأ منها إلا إذا وجد دليل وما وجد دليل إلا هذا الحديث و الحديث غير صحيح، أما مسألة المذي فإنه جاء فيها أحاديث أخرى صحيحة وقد مر منها حديث علي رضي الله عنه الذي قال فيه الوضوء وأنه يتوضأ وينضح فرجه وكذلك جاء أنه
ينضح فرجه ويغسل الذكر و الأنثيين وعلى هذا فإن الحديث غير صحيح وخروج القيء وخروج القلس وخروج الدم من الجسد لا يحصل به نقض الوضوء وإنما الذي ورد فيه نقض الوضوء هو المذي من هذي الأمور الاربعة التي ذكرت الذي ثبت في شيء منها هو المذي وهو الذي يقوم بنقض الوضوء وأما الاشياء الأخرى فإنها لا تنقض الوضوء.
86 -
وَعَن جَابر بن سَمُرَة: " أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: " أأتوضأ من لُحُوم الْغنم؟ قَالَ: إِن شِئْت فَتَوَضَّأ، وَإِن شِئْت فَلَا تتوضأ، قَالَ: أتوضأ من لُحُوم الْإِبِل؟ قَالَ: نعم فَتَوَضَّأ من لُحُوم الْإِبِل. قَالَ أُصَلِّي فِي مرابض الْغنم؟ قَالَ: نعم، قَالَ أُصَلِّي فِي مَبارك الْإِبِل؟ قَالَ: لَا " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث المتعلق بلحم الإبل ولحم الغنم وكذلك الصلاة في معاطن الإبل و مرابض الغنم فذكر حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال أتوضأ من أكل لحوم الغنم قال إن شئت يعني إن شئت أن تتوضأ وإن شئت لا تتوضأ يعني معنى ذلك أنه لا ينقض الوضوء وقوله إن شئت يعني معناه أن تتوضأ فهو تجديد للوضوء لأنه على وضوء ما انتقض وضوءه فيعتبر تجديد للوضوء يعني هو إن شاء ألا يتوضأ فإنه على طهره السابق فإذاً هذا متعلق بمشيئة الانسان فإن شاء أن يجدد الوضوء جدده وصار وضوء على وضوء وإن شاء ألا يجدده ولكنه اكتفى بالوضوء السابق لأنه ما حصل نقض فإنه يبقى على طهارته فسأله على الوضوء من لحم الإبل فقال نعم توضأ وهذا يدل على التفريق بين لحم الإبل و لحم الغنم وأن لحم الغنم لا يلزم منه الوضوء وأما لحم الإبل فإنه يلزم فيه الوضوء وقد اختلف العلماء فيما يتعلق بالوضوء من لحم الإبل وجمهور العلماء على أنه لا ينقض وبعض العلماء قالوا بنقضه وقد ذكر النووي رحمه الله أن الجمهور على القول بعدم النقص وأن هناك حديثان صحيحان ثبتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النقض قال وهذا القول أقوى دليلاً وإن كان الجمهور على خلافه ومن الذين على خلافه الشافعية ولكن النووي رحمه الله هو على مذهب الشافعية إذا ثبت الدليل وصح الدليل فإنه يقول بما يقتضيه الدليل وإن كان مخالفا للمذهب ولهذا قال وهذا القول أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه أما ما جاء في الحديث الذي يستدل به أنهم يقولون لا ينقض الوضوء حديث جابر رضي الله عنه الذي قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار فهذا عام وهذا خاص و الخاص مقدم على العام ثم أيضا حديث جابر محمول على الذي طبخ وأنه حصل أن مسته النار سواء كان لحم أو غير لحم وكان أخر الأمرين أنه ترك الوضوء مما مست النار ولكن فيما يتعلق
بالإبل فإنه جاء فيه نص خاص يدل على الوضوء منه فيصار إليه ولا يصار إلى عموم يدخل فيه مع وجود خاص يخرجه ويجعل له حكما مستقلا، أما ما يتعلق بمرابض الغنم ومعاطن الإبل فالرسول صلى الله عليه وسلم قال يصلوا في مرابط الغنم وأما معاطن الإبل فلا يصلي فيها لكن ليس لنجاستها لأن أبوال الإبل وأرواثها طاهرة وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العرنيين أنهم ارشدهم بأن يذهبوا إلى إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها فكل ما يؤكل لحمه فإن روثه وبوله طاهر فليس ترك الصلاة في معاطن الإبل من أجل نجاستها فهي طاهرة ولكن قال بعض أهل العلم أن هذا محمول على كراهة التنزيه وليس للتحريم وذلك لأن الإبل عندها شدة وعندها قسوة بحيث أن الإنسان لو صلى في معاطنها ثم حصل لها جفال فإنها تهلكه وتهلك ما حولها فليس من أجل نجاسة البقعة فهي طاهرة ولكن من أجل ما يخشى من تعدي ضرر الإبل على الانسان فيما لو حصل لها جفال بخلاف الغنم فإنه لو حصل لها جفال و الإنسان يصلي في مرابضها ما تؤثر فيه شيئا التي تؤثر هي الإبل.
87 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " من غسَّل مَيتا فليغتسل، وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، (وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَلم يذكر ابْن مَاجَه الْوضُوء. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: (هَذَا مَنْسُوخ) وَقَالَ الإِمَام أَحْمد (هُوَ مَوْقُوف عَلَى أبي هُرَيْرَة)، وَقَالَ البُخَارِيّ:(قَالَ ابْن حَنْبَل: وَعَلَى هَذَا لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء)).
ثم ذكر هذا الحديث المتعلق بالاغتسال من تغسيل الميت و الوضوء من حمله وأنه إذا حمله فإنه يتوضأ جاء في هذا الحديث المختلف في صحته ولكن على القول بصحته فإن من العلماء حملوا ذلك على الاستحباب وأنه ليس بلازم يعني هذا الأمر الذي جاء هو من قبيل الاستحباب وليس بلازم أن الإنسان يغتسل وليس للإنسان أن يتوضأ ولكن إذا تحقق أنه بسبب تغسيله أصابه شيء من النجاسات فإنه لابد أن يزيل هذه النجاسة التي جاءت إليه وأما كونه يتوضأ قالوا إن هذا مستحب وليس بواجب إن توضأ فلا بأس وإن لم يتوضأ فلا شيء عليه وكذلك فيما يتعلق بحمله أنه يتوضأ هناك يغتسل وهنا يتوضأ قيل لأن الإنسان يحصل له ضعف ويحصل له فتور بمشاهدة الميت و تغسيله وحمله فيكون هذا الضعف يجبر بكونه يمس الماء متوضأً في حال الحمل ومغتسلا في حال الغسل ومن العلماء من قال حتى لا يستحب وأنه لا يفعل ذلك.
باب حكم الحدث
الدرس العاشر:
المقصود من ذلك الحدث الأصغر لأن الحدث حدثان حدث أكبر يوجب الغسل وحدث أصغر يوجب الوضوء وما ذكره في هذا الباب هو يتعلق بالحدث الأصغر الذي يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل.
88 -
عَن عَطاء بن السَّائِب عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِن الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة إِلَّا أَن الله تَعَالَى أحل فِيهِ النُّطْق فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَرَوَاهُ الحكم فِي سَعَة من حَدِيث سفر الْيَوْم وَسموا بِهِ وَهَذَا لَفظه، وَابْن حبَان، وَالْحَاكِم، (وَقَالَ التِّرْمِذِيّ:(وَقد رُوِيَ عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما مَوْقُوفا وَلَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث عَطاء)، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد:(عَطاء ثِقَة رجل صَالح) وَقَالَ ابْن معِين: (اخْتَلَط: فَمن سمع مِنْهُ قَدِيما فَهُوَ صَحِيح) وَقد رَوَاهُ غير عَطاء عَن طَاوس فرفعه أَيْضا، وَرَوَاهُ عبد الله بن طَاوس وَغَيره من الْأَثْبَات عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما مَوْقُوفا وَهُوَ أشبه).
ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إن الطواف بالبيت صلاة وأنه يباح للإنسان أن يتكلم فيه وأن من تكلم فيه لا يتكلم إلا بحق ومحل وجه إيراد الحديث هنا قوله: «صلاة» لأنه اعتبر أن الطواف بالبيت حكمه حكم الصلاة وكما أن الصلاة لابد فيها من طهارة فكذلك الطواف لابد فيه من طهارة لاسيما وأن في آخره يصلى خلف المقام ركعتان وهما ركعتا الطواف وعلى هذا فإن الإنسان عندما يطوف عليه أن يكون متطهرا وأن يكون متوضئا وأن يكون متطهرا من النجاسات التي تكون عليه وكذلك أيضا يكون على وضوء فهو يكون متطهرا من الخبث ومن الحدث ولهذا فإن الإنسان إذا طاف وهو على غير وضوء فإن طوافه غير صحيح لأنه فقد أو لم يوجد منه الوضوء الذي يكون فيه صحة الطواف ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «الطواف بالبيت صلاة» يعني أنه مثل الصلاة إلا أن فيه كلام ما أحد يتكلم مع غيره في الصلاة ولكنه في الطواف يتكلم مع غيره ولكنهما يشتركان في أن كل منهما صلاة بمعنى أنه لابد من الوضوء ولهذا من كان يطوف وانتقض وضوؤه فإن عليه أن ينصرف ويتوضأ ثم يبدأ الطواف من جديد.
89 -
وَرَوَى مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر وَهُوَ ابْن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَن فِي الْكتاب الَّذِي كتبه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ لعَمْرو بن حزم: أَن لَا يمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر "، (وَهَذَا مُرْسل وَقد رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد فِي " الْمَرَاسِيل "، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْن حبَان من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أَبِيه عَن جده وَرَاوِيه عَن الزُّهْرِيّ سُلَيْمَان بن دَاوُد الْخَولَانِيّ، وَقيل: الصَّحِيح أَنه سُلَيْمَان بن أَرقم وَهُوَ مَتْرُوك).
وذكر هذا الحديث حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه في كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إليه وقد بعثه إلى اليمن وهو حديث طويل ذكره الحاكم في المستدرك وغيره وفيه: «وأن لا يمس القرآن إلا طاهر» وهذا أورده هنا من أجل أن مس المصحف لابد أن يكون الإنسان فيه على طهارة من الحدث الأصغر يعني أنه متوضئ والإنسان إذا قرأ من حفظه يقرأ ما لم يكن جنبا وأما إذا كان من المصحف فلا يجوز له أن يقرأ إلا وقد توضأ يعني إذا كان الماء موجود وإذا تعذر فإنه يتيمم لأن طهارة التيمم تقوم مقام طهارة الوضوء عند فقدها فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمس القرآن إلا طاهر» ومعنى
ذلك أن القراءة من المصحف لا تكون إلا عن طهارة لا يكون إلا عن وضوء وأما قراءة الحفظ عن ظهر قلب فإنه يقرأ ما لم يكن جنبا، وهذا الحديث هو مرسل لأن فيه إرسال ولكنه جاء من طرق متعددة وذكره الشيخ الألباني في إرواء الغليل وذكر له طرق وشواهد وأنه يقوي بعضها بعضا ويكون حجة في بابه بمعنى أن الإنسان ليس له أن يقرأ القرآن من المصحف إلا وهو على طهارة.
90 -
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " فِي حَدِيث هِرقل " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كتب إِلَيْهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد عبد الله وَرَسُوله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم، وَفِيه (يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ).
ثم ذكر هذا الحديث أو هذه القطعة من حديث هرقل الطويل الذي أورده البخاري في أول صحيحه وهو حديث طويل وفيه أن الكتاب الذي كتب به صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم أنه مشتمل على هذه الآية وهذا يفيد بأن كتابة الآية في كتاب لا يقال إن هذا مثل المصحف يعني أنه لا يقرأ إلا إذا كان على طهارة وأيضا كذلك لا يقال إن هذا مثله في أنه لا يسافر بالقرآن إلى بلاد العدو بلاد الكفار وهذا فيه إرسال خطاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم وفيه هذه الآية فدل هذا على أن مثل ذكر آية في كتاب لا يقال إن هذا مثل المصحف وأنه لابد يلمسه على طهارة فإن الورقة التي فيها آية أو كون الإنسان يذكر آية يستدل بها لا يقال أنه قارئ للقرآن ولا يقال أن هذا مثل السفر بالقرآن إلى بلاد الكفار لأن هذا ضمن خطاب وضمن آية وهو مثل لو أن إنسان ذكر آية يستدل بها وهو على جنابة فإن هذا لا يقال أنه قارئ للقرآن لأنه إذا قيل ما الدليل على كذا وكذا قال الدليل كذا وكذا هذا ما يقال له قراءة قرآن وإنما يقال له ذكر استدلال ولكن لا يقال له قراءة فإذًا ما جاء في هذا الحديث حديث هرقل من ذكر هذه الآية هو من هذا القبيل.
91 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يذكر الله عَلَى كل أحيانه " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه» ومعلوم أن هذا في الحدث الأصغر كما عرفنا وإلا فإن الإنسان إذا كان على جنابة لا يقرأ القرآن إلا وقد اغتسل أو تيمم إذا كان الماء غير موجود وذلك لأن الجنابة التخلص منها بيد الإنسان يستطيع أنه يغتسل يستطيع أنه يتيمم إذا كان الماء غير موجود ويقرأ القرآن لكن ذِكر الله عز وجل الذي هو ليس قراءة قرآن فإنه سائغ في جميع أحواله
سواء على جنابة أو غير جنابة وإنما إذا كان جنبا يمنع من قراءة القرآن من حفظه يعني وهو على جنابة لأن عليه أن يغتسل ثم يقرأ من حفظه وعلى هذا فإن قوله: «يذكر الله على كل أحيانه» هذا عام ويستثنى من ذلك ما إذا كان جنبا فإنه لا يقرأ القرآن ويستثنى من ذلك أيضا ما إذا كان في قضاء حاجة فإنه لا يقرأ القرآن ولا يذكر الله عز وجل عند قضاء حاجته، وهذه الأحاديث الأربعة التي أوردها المصنف في هذا الباب هي مطابقة لما في كتاب الإلمام لابن دقيق العيد وقد سبق أن مر في مقدمة ابن عبدالهادي المختصرة قال: ورتبته على ترتيب بعض فقهاء زماننا ليسهل الرجوع إليه، والذي يبدوا أنه يقصد بذلك هذا ابن دقيق العيد في كتابه الإلمام لأن ترتيبه موافق لترتيبه وتبويبه موافق لتبويبه يعني في كتاب الطهارة الإنسان إذا استعرض يجد أن الأبواب مطابقة وفي هذا الباب الذي معنا يعني فيه ذكر هذه الأحاديث الأربعة مرتبة بهذا الترتيب الذي هو موجود في كتاب الإلمام.
باب آداب قضاء الحاجة
ثم ذكر بعد ذلك باب آداب قضاء الحاجة يعني الإنسان عندما يقضي حاجته فإنه لها آداب.
92 -
عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ (وَصَححهُ، وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ: (هَذَا الحَدِيث غير مَحْفُوظ)، وَالْحَاكِم عَلَى شَرطهمَا. وَقَالَ أَبُو دَاوُد:(وَهَذَا الحَدِيث مُنكر وَالوهم فِيهِ من همام، وَقد رُوِيَ من غير طَرِيقه)).
قد ذكر في هذا الحديث إذا دخل الخلاء وضع خاتمه يعني معنى ذلك أنه يزيل الخاتم من يده ويمكن أن يكون أنه وضعه في جيبه المقصود أنه لا يبقى بارزا والسبب في ذلك أن فيه من ذكر الله لأن الخاتم مكتوب فيه محمد رسول الله فهو ثلاث كلمات محمد ورسول ولفظ الجلالة فمن أجل أنما فيه لفظ الجلالة وأما إذا كان الخاتم ليس فيه ذكر لله عز وجل أو اسم من أسمائه فإن الأمر في ذلك واسع ليس له حرمة الحرمة إنما هي في ذكر الله عز وجل ولما كان خاتم الرسول صلى الله عليه وسلم مكتوب فيه محمد رسول الله فكان يضعه ولكن لا يعني ذلك أنه يضعه يعني في الخارج وإنما بدل ما يكون بارزا يكون خفيا والحديث هو ضعيف كما رواه أبو داود وقال إنه ضعيف منكر وكذلك ذكره الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود وقال إن الجمهور على تضعيف هذا الحديث.
93 -
وَعَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رضي الله عنه قَالَ: " كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِي سفر فَقَالَ: يَا مُغيرَة خُذ الْإِدَاوَة، فأخذتها، فَانْطَلق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ حَتَّى توارى عني فَقَضَى حَاجته " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وهو في أن من آداب قضاء الحاجة التباعد عن الناس وأن لا يكون قريبا من الناس عندما يقضي حاجته يتباعد ولهذا المغيرة رضي الله عنه في الحديث الطويل الذي فيه أنه لما رجعوا من غزوة تبوك معه الإداوة التي فيها الماء وذهب وتوارى ثم جاء إليه وصب عليه ويتوضأ وقد مر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» فالحديث أورده هنا في آداب قضاء الحاجة من أجل قوله: «حتى توارى» وذلك أن الإنسان عندما يقضي حاجته لا يكون عند الناس ولا قريب من الناس وإنما يبتعد عن الناس ويقضي حاجته بعيدا منهم فإذًا من آداب قضاء الحاجة التباعد عن الناس.
94 -
وَعَن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ: " أردفني النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ خَلفه [فأسرَّ إليّ حَدِيثا لَا أحدث بِهِ أحدا من النَّاس] وَكَانَ أحب مَا استتر بِهِ لِحَاجَتِهِ هدف أَو حائش نخل " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما الذي قال فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أردفه وقال إن أحب شيء يستتر به الرسول صلى الله عليه وسلم عند قضاء الحاجة هدف أو حائش نخل يعني حائط نخل يعني حائط الذي يحيط بالنخل يعني جدار فإنه يستتر به فالمقصود من ذلك أنه يستتر بشيء يواري جسمه عن الناس سواء كان حائطا أو شيئا مرتفع أو هدف يعني مكان مرتفع.
95 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِذا دخل الْخَلَاء قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْخبث والخبائث " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَقَالَ البُخَارِيّ: (وَقَالَ سعيد بن زيد: حَدثنَا عبد الْعَزِيز " إِذا أَرَادَ أَن يدْخل الْخَلَاء ". ولسعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه كَانَ يَقُول: " بِسم الله ".
ثم ذكر هذا الحديث عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل لقضاء حاجته قال اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث والمقصود بقوله: «دخل» يعني أراد الدخول كما جاء في بعض الروايات وأيضا أن ذكر الله عز وجل لا يكون في داخل الخلاء فمعناه لا يقول ذلك إذا دخل وإنما إذا أراد أن يدخل ولهذا يأتي في بعض النصوص يعني ذكر شيء والمراد به البدء به مثل: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) يعني إذا أردتم القيام للصلاة وقوله: (فإذا قرأت القرآن) يعني إذا أردت قراءة القرآن وقوله: «إذا دخل الخلاء» يعني أراد دخول الخلاء يعني خارج الخلاء يقوله قبل أن يدخل فكان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» والخبث يعني بضم الباء يعني جمع خبيث والمقصود من ذلك ذكران شياطين الجن والخبائث يعني إناثهم فيكون استعاذ بالله من الجن ذكورا وإناثا وقيل أنه جاء بالخبث بالسكون والمقصود به الشر يعني
ومعنى ذلك أنه استعاذ بالله من الشر وأهله والحاصل أن هذا من آداب قضاء الحاجة يعني الإنسان يسمي ويقول اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ويكون ذلك قبل الدخول لأنه بعد الدخول لا يذكر الله عز وجل.
96 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " اتَّقوا اللعانين، قَالُوا: وَمَا اللعانان يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الَّذِي يتخلى فِي طَرِيق النَّاس أَو فِي ظلهم " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اتقوا اللاعنين» قالوا وما اللاعنان قال: «الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم» يعني الطريق الذي يمشون الناس فيه يعني يتخلى فيه يعني في الجادة التي يمشي عليها الناس وإنما إذا تخلى تنحى عن الطريق ولا يفعل في الطريق بحيث يؤذيهم ويتسبب إلى أن الناس يسبونه ويشتمونه لأنه حصل منه هذا الأمر المنكر الذي فيه مضرة وإضرار بهم وكذلك الظل الذي يحتاجون إليه يعني ما يفسده عليهم بأن يقضي حاجته فيه ثم الناس إذا جاؤوا إليه تركوه لأنه أفسد عليهم وقيل له اللاعنان لأنه سبب اللعن يعني حصولهما من الإنسان يعني سبب في أن الناس يسبونه ويلعنونه والإنسان عندما يقضي حاجته يقضي في مكان لا يلحق ضرر بأحد لا يكون في الطريق بحيث يؤذيهم وأنهم يطؤون على النجاسة ولا أن يكون في ظل يحتاجون إليه.
97 -
وَعَن حميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي قَالَ: لقِيت رجلا صحب النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كَمَا صَحبه أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: " نهَى رَسُول الله أَن يمتشط أَحَدنَا كل يَوْم أَو يَبُول فِي مغتسله " رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم، وَهَذَا الرجل الْمُبْهم هُوَ الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ، قَالَه ابْن السكن.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم يعني ليس محل الشاهد من إيراد الحديث، هذا جاء ضمن هذا الحديث ولكن محل الشاهد هو الثاني الذي يتعلق بآداب قضاء الحاجة وأما هذا ذكر لأنه مشتمل على جمل ثلاث وقد جاء هنا ذكر الجملتان وقد جاء في حديث آخر وهو أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل وأنهما يغترفان جميعا والمقصود النهي عن الامتشاط كل يوم لما فيه من الترفه وأن هذا لا يناسب الرجال وشهامة الرجال الذين يتزينون ويحصل منهم الإمعان في التزين مثل النساء بحيث يعني كل يوم يفعل هذا الفعل وإنما يفعله غبا يفعله يوما ويترك يعني لا إفراط ولا تفريط ما يكون إهمال ولا يكون هناك مبالغة يعني بحيث يكون يفعل مثل ما تفعل النساء من الحرص على التجمل ومتابعة التجمل والإكثار من التجمل وكذلك محل الشاهد الجملة الثانية التي هي أن يبول الإنسان في مغتسله وهذا فيما إذا كان ليس هنالك مكان يذهب فيه البول يعني مثل هذي دورات المياه
الموجودة التي يعني الإنسان يغتسل فيها ويبول وهو يبول يذهب بوله ما يكون فيه تشويش عليه ولا فيه وسواس أما إذا كان ليس هنالك محل يعني يجري فيه البول ووقع على أرض صلبة فإنه يتطاير فهذا يشوش عليه ويجعل في نفسه أنه أصابته نجاسة فيكون ذلك سبب للوسواس لكن إذا كان المكان يجري فيه الماء وكما هو موجود في دورات المياه الموجودة الآن فإن هذا لا محذور فيه وإنما المحذور كونه يكون في أرض صلبة وليس فيها مكان يذهب فيه الماء ثم يتطاير فيقع في نفسه وسواس أنه جاء على جسده.
الدرس الحادي عشر:
98 -
وَعَن يَحْيَى بن أبي كثير عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا تغوط الرّجلَانِ فليتوار كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن صَاحبه وَلَا يتحدثان عَلَى طوفيهما فَإِن الله يمقت عَلَى ذَلِك " أخرجه ابْن السكن (وَقَالَ ابْن الْقطَّان: (هُوَ حَدِيث صَحِيح)، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن ثِقَة)، والطوف: الْغَائِط - قَالَه الْجَوْهَرِي.
فهذا الحديث من الأحاديث المتعلقة بآداب قضاء الحاجة وقد مر في الدرس الماضي ذكر بعض الأحاديث التي أوردها ابن عبدالهادي في هذا الباب وهذا الحديث الذي معنا هو أول الأحاديث التي بقيت من هذا الباب الذي هو باب آداب قضاء الحاجة ذكر حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا خرج الرجلان لقضاء حاجتهما فيتوارى كل واحد منهما عن صاحبه ولا يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك، هذا الحديث فيه بيان أن من آداب قضاء الحاجة أن الناس يتباعد بعضهم عن بعض عند قضاء الحاجة فإذا كانوا في الفلات ما يكونوا متقاربين وإنما يكونوا متباعدين وأيضا كذلك لا يتحدث بعضهم لبعض ولا يتكلم بعضهم مع بعض وإنما عليهم الإمساك عن التحدث والكلام لكن إذا كان الإنسان في قضاء الحاجة واحتاج إلى من يساعده في شيء وطلب منه أن يحضره فإن هذا لا بأس به لأن هذا ليس من التحدث وإنما هو من طلب شيء يحتاج إليه وكذلك إذا كان الإنسان في محل قضاء الحاجة في دورة المياه فإنه لا يتكلم مع غيره ولا يتحدث مع غيره ممن هو خارج هذه الدورة دورة المياه وإنما عليه أن يصمت وإن احتاج إلى شيء من أجل مساعدته فله ذلك أما الحديث وكأنهم في مجلس يتحدثون فإن هذا مما يمقت الله عليه كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث صحيح وهذا من آداب قضاء الحاجة أن الإنسان لا يتحدث مع غيره ولا يكون قريبا من غيره ولا يرى عورة غيره وإنما يتباعدون بعضهم عن بعض وإذا احتاج إلى أمر يحتاج إليه فله أن يطلبه على مقدار الحاجة والحديث صحيح.
99 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: " مَا بَال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ مُنْذُ أنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن قَائِما " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو عوَانَة فِي " مُسْنده الصَّحِيح " بِهَذَا اللَّفْظ. وَعند التِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَابْن حبَان، وَالْحَاكِم نَحوه. (وَقَالَ التِّرْمِذِيّ:(هُوَ أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب وَأَصَح)).
ثم ذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها وهو أنه من آداب قضاء الحاجة أن الإنسان يقضي حاجته عن جلوس لأنه أستر ولأنه أمكن من عدم تطاير البول على شيء من جسده، عائشة رضي الله عنها تحكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما بال قائما منذ أنزل عليه القرآن يعني معناه أن الأصل عنده أنه لا يبول إلا جالسا صلى الله عليه وسلم فهذا يدل على أن السنة المعروفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقضي حاجته عن جلوس لكن سيأتي ما يدل على أنه جاء أنه يقضي حاجته وهو قائم ولكن هذا كما هو معلوم عند الحاجة إليه كما سيأتي.
100 -
وَعَن ابْن جريج عَن نَافِع عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" لَا تبل قَائِما " رَوَاهُ ابْن حبَان وَقَالَ: (أَخَاف أَن ابْن جريج لم يسمع من نَافِع هَذَا الْخَبَر) وَقد ثَبت عَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَنه بَال قَائِما.
ثم ذكر هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لابن عمر رضي الله عنهما: «لا تبل قائما» وهذا الحديث فيه علة وهي أن ابن جريج مدلس وقد روى بالعنعنة ويكون فيه راو بينه وبين نافع وهو ابن المخارق فهذا فيه تدليس لأنه أسقط واسطة بينه وبين نافع وهذا الحديث ضعيف ولهذا ابن عمر رضي الله عنهما الذي روى هذا الحديث ثبت عنه أنه بال قائما وابن عمر رضي الله عنهما من أتبع الناس للسنة ومن أحرص الناس على اتباع السنة فلو كان صح أو ثبت عنده شيء ما كان يخالفه ما كان يبول قائما لكن لما بال قائما دل على أن ذلك الحديث الذي جاء عنه أنه لم يثبت عنده ولو كان ثابتا لما عدل عنه ولكنه لما عدل عنه وبال قائما وهو من أتبع الناس للأثر ومن أحرص الناس على اتباع السنة دل على أنه لم يثبت الحديث وأن ابن عمر رضي الله عنهما حصل منه ذلك الفعل وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك للحاجة كما سيأتي.
101 -
وَعَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: " أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ سباطة قوم فَبَال قَائِما ثمَّ دَعَا بِمَاء فَجِئْته بِمَاء فَتَوَضَّأ " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَلَفظه للْبُخَارِيّ. وَلَيْسَ فِي مُسلم:" فَدَعَا بِمَاء فَجِئْته بِمَاء ".
ثم ذكر هذا الحديث المتفق عليه وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما والسباطة هي التي تكون يعني قريبة من المنازل بحيث يكون فيها كناسة البيت وما فيه من مخلفات يضعونها فترتفع فتصير كوما وهذا الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه للحاجة وأنه احتاج أن يفعل ذلك دل هذا على أنه عند الحاجة لا بأس في ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بال قائما ولكن الأصل كما جاء عن عائشة رضي الله عنها منذ أنزل عليه القرآن هذا هو الأصل يعني
في فعله صلى الله عليه وسلم ولكنه جاء عنه في هذه المرة التي جاءت في هذا الحديث عن حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بال قائما.
102 -
وَعَن عَاصِم بن بَهْدَلَة، وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان عَن أبي وَائِل عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة:" أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَتَى عَلَى سباطة قوم فَبَال قَائِما " قَالَ حَمَّاد: " ففحّج رجلَيْهِ " رَوَاهُ أَحْمد وَهَذَا لَفظه، وَابْن خُزَيْمَة فِي " صَحِيحه "، (وَأعله أَحْمد بِرِوَايَة مَنْصُور وَالْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة).
ثم ذكر هذا الحديث عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وهو مثل الحديث السابق حديث حذيفة رضي الله عنه ولكن هذا الحديث متكلم فيه وهو إن صح فإنه شاهد لحديث حذيفة رضي الله عنه وإن لم يصح فحديث حذيفة رضي الله عنه المتقدم والذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما يغني ويكفي عنه فهذا الحديث عن المغيرة رضي الله عنه إن صح فهو شاهد وإن لم يصح فإن الحكم ثابت بغيره وهو حديث حذيفة رضي الله عنه المتقدم.
103 -
وَعَن أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" لَا يمسكن أحدكُم ذكره بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُول وَلَا يتمسح من الْخَلَاء بِيَمِينِهِ وَلَا يتنفس فِي الْإِنَاء " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يمسك الإنسان ذكره بيمينه وهو يبول ولا يستنجي بيمينه وهذا من آداب قضاء الحاجة أن اليمين لا تستعمل في الاستنجاء ولا في مسك الذكر في حال كونه يبول فهذا من آداب قضاء الحاجة أن الإنسان لا يفعل ذلك وكذلك أيضا لا يتنفس في الإناء ومحل الشاهد من إيراده الفقرتان الأوليان وهما كونه يمسك ذكره بيمينه وهو يبول وكذلك كونه يستنجي بيمينه وإنما هذا الاستعمال يكون من اليسار ولا يكون في اليمين وأما التنفس في الإناء فإن هذا من آداب الشرب وأن الإنسان جاء في بعض الأحاديث أنه يتنفس ثلاثة أنفاس يعني ثلاث مرات يعني يشرب ثم ينحي عندما يتنفس ينحي عن فمه ثم يعود فيشرب وهكذا ثلاث مرات هكذا جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في صحيح البخاري وصحيح مسلم وإنما منع من ذلك لأن الماء إذا كان مشترك وأن الإناء كبير وأنه سيشرب منه بعده فإنه يقذزه على من يشرب بعده وأما إن كان الشرب له وحده فإن تنفسه فيه قد يحصل منه شيء يقذره على نفسه وإذًا فالسنة هي أن الإنسان يشرب ثلاثة أنفاس وإذا شرب في النفس الأول نحَّى وتنفس خارج الإناء ثم رجع وهكذا كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
104 -
وَعَن سلمَان الْفَارِسِي رضي الله عنه قَالَ: قيل لَهُ قد علمكُم نَبِيكُم كل شَيْء حَتَّى الخراءة! قَالَ: فَقَالَ أجل: لقد " نَهَانَا أَن نستقبل الْقبْلَة لغائط أَو بَوْل أَو أَن نستنجي بِالْيَمِينِ أَو أَن نستنجي بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار أَو أَن نستنجي برجيع أَو بِعظم " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: قيل له أخبركم النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى الخراءة! -يعني حتى ما يتعلق بقضاء الحاجة يعني أخبركم وهذا الذي قاله بعض الكفار هم الذين قالوا له هذا الكلام- قال: أجل -يعني نعم أنه علمنا- ثم ذكر هذه الأمور التي تتعلق بقضاء الحاجة فقال: نهانا أن نستقبل القبلة ببول أو غائط -يعني عندما يقضي حاجته لا يستقبل القبلة وإنما يتجه إلى جهة غيرها فلا يستقبلها ببول أو غائط ولا يستدبرها وإنما يتجه إلى غير جهة القبلة فهذا من آداب قضاء الحاجة- أو أن نستنجي باليمين -يعني كون الإنسان يستعمل يمينه في الاستنجاء كما مر في الحديث السابق- أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار -يعني الأحجار التي للاستجمار لأن الاستجمار يكون بالحجارة والاستنجاء يكون بالماء والاستجمار يكون بثلاثة أحجار لكن إذا كان الحجر كبيرا وله ثلاث شعب فتعتبر هذه بمثابة ثلاثة أحجار ومن المعلوم أن الاستجمار يحتاج إليه لاسيما إذا كان هناك جرما خارج فإنه بدل ما تباشره اليد يباشر بالحجارة التي تزيله وتنحيه ثم بعد ذلك يأتي الماء الذي ينظف ذلك المكان الذي قد علق بالجسم بسبب انتشاره بكونه مسح بالحجارة وانتشر في مكان من جسده من دبره فيزيله بالماء فهذا كله من آداب قضاء الحاجة- أو أن نستنجي برجيع أو بعظم -العظم إما أن يكون نجسا كأن يكون عظم الميتة أو عظم ما لا يؤكل لحمه كالحمير فإنه هذا لا يجوز الاستنجاء به لنجاسته وأما إذا كان من مأكول اللحم يعني من بهيمة الأنعام التي ذبحت فإنه يكون طاهرا لكنه ينهى عنه لأنه قد جاء في الحديث الصحيح في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن العظام الطاهرة لا يستنجى بها لأنها طعام إخواننا من الجن وأن الله ينشئ عليها لحما فيأكلونه وكذلك أيضا الروثة الطاهرة لا يستنجى بها لأنها طعام دوابهم ثبت هذا في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن هذا هو وجه يعني المنع من استعمال الأشياء الطاهرة عظاما أو روثا لأن العظام طعام إخواننا والروثة طعام دوابهم هكذا ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني بيان الحكمة في المنع من ذلك وعلى هذا فهذه أمور ثبتت في هذا الحديث الصحيح عند مسلم أنه لا يستنجي بها وهي من آداب قضاء الحاجة وهذا يدل على كمال الشريعة وأنها إذا كانت آداب قضاء الحاجة قد أتت عليها وبينتها فدل هذا على أن كل شيء قد جاء مبينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت هذه الأمور التي هي أمور من آداب قضاء الحاجة فإن الأمور الأخرى لا شك أنها مبينة يعني بيانا واضحا ولشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة قيمة اسمها معارج الوصول إلى معرفة أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم فالرسول صلى الله عليه وسلم بين للناس كل ما يحتاجون إليه وقد جاء عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وأعطانا منه علما، وهذا يدل على كمال الشريعة وعلى شمولها وأنها مستوعبة لما يحتاجه الناس إليه وهي وإن لم تكن شاملة بنصوصها إلا أنها شاملة لكل ما يحتاجه الناس إليه بالأقيسة بالقياس وكذلك بعمومات الأحاديث وكذلك القواعد العامة في الشرع فإنها ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم فإنها تستوعبه بعموماتها وبأقيستها وبقواعدها العامة ولهذا جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن الباذق -والباذق نوع من الأشربة- فقال: سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق، يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه كلام عام يدل على الباذق وعلى غير الباذق ما كان في زمنه وما سيأتي بعد زمنه قال صلى الله عليه وسلم: كل مسكر خمر وكل خمر حرام، يعني معنى ذلك أن هذا لفظ عام إن كان هذا الباذق يسكر فإنه داخل تحت هذا الحديث العام وإن كان لا يسكر فإنه مباح وأنه يسوغ استعماله فهذا يدلنا على كمال الشريعة وعلى استيعابها لكل ما يحتاج الناس إليه ولهذا قال: سبق محمد الباذق.
105 -
وَعَن عبد الله بن عمر قَالَ: " ارتقيت فَوق بَيت حَفْصَة لبَعض حَاجَتي فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يقْضِي حَاجته مستدبر الْقبْلَة مُسْتَقْبل الشَّام " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه يعني لما ذكر الحديث الأول الذي فيه النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في البول والغائط ذكر هذا الحديث الذي فيه أن ابن عمر رضي الله عنهما رقى على بيت أخته حفصة رضي الله عنها بيت الرسول صلى الله عليه وسلم فرآه يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة وهذا قال بعض أهل العلم إن هذا كان من أجل البنيان وأن ما جاء مطلقا من النهي يكون في الفضاء فإنه لا يستقبل ولكن إذا كان في البنيان فإنه يجوز وبعض أهل العلم يقول إنه يحرص على أن لا يستقبل وأن هذا الاستقبال قد يكون لحاجة ولأمر يقتضيه ولهذا فإن الذي ينبغي عندما تبنى دورات المياه أن المقاعد التي يجلس بها عند قضاء الحاجة لا تكون متجهة إلى القبلة ولا مستدبرة القبلة وإنما تكون في اتجاه آخر هذا هو الذي ينبغي وإذا ما وجد إلا أنه مستقبل القبلة أو مستدبرها فإن ذلك يجوز له للضرورة وللحاجة التي دعت إلى ذلك.
106 -
وَعَن جَابر بن عبد الله قَالَ: " نهَى نَبِي الله صلى الله عليه وسلم َ أَن نستقبل الْقبْلَة ببول، فرأيته قبل أَن يقبض بعام يستقبلها " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، (وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: (حسن غَرِيب)، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، وَالْحَاكِم، وَصَححهُ البُخَارِيّ. وَقَالَ ابْن عبد الْبر:(وَلَيْسَ حَدِيث جَابر مِمَّا يحْتَج بِهِ عِنْد أهل الْعلم بِالنَّقْلِ)).
ثم ذكر هذا الحديث عن جابر رضي الله عنه أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول أو غائط ثم قال رأيته قبل أن يقبض بعام استقبل القبلة، يعني فعل ذلك فهذا لا يدل على النسخ وإنما المعتبر هو القول الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم والذي فيه تشريع للناس والذي فيه نهي فما فيه قول مقدم على الفعل لأن القول خطاب للأمة وأما الفعل فيه احتمالات وهذا فيه احتمال أنه كان مضطرا إلى ذلك وأنه احتاج إلى ذلك ليس معنى ذلك أن هذا ديدنه وهذه حاجته فإذًا هذا الذي حصل منه في هذه المرة لا يعني ذلك أن هذا ناسخ وإنما حصل للحاجة وأنه احتاج إلى أن يفعل هذا الفعل وإلا فإن الأصل هو أن يؤخذ بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من الأمر والنهي لأن هذا خطاب للأمة وأما فعله فهي قضية خاصة تحتمل التأويل وأن يكون حصل لأمر عارض أو لأمر ألجأه إلى ذلك، وهذا الحديث تكلم فيه من جهة محمد بن إسحاق فإنه أحد رواته ولكنه جاء عنه أنه صرح بالتحديث عند بعض الكتب، بعض الأئمة نقلوا عنه أنه صرح بالتحديث فزال ما يحتمل من التدليس وابن إسحاق يعني الكلام الذي انتقد عليه التدليس ولكنه إذا صرح بالتحديث فإن حديثه حسن لأنه صدوق.
107 -
وَعَن أبي بردة قَالَ: حَدَّثتنِي عَائِشَة " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كَانَ إِذا خرج من الْغَائِط قَالَ: غفرانك " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَابْن حبَان، وَالنَّسَائِيّ، (وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ:(حَدِيث حسن غَرِيب). وَعِنْده: " إِذا خرج من الْخَلَاء "، وَالْحَاكِم وَصَححهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم:(هُوَ أصح حَدِيث فِي هَذَا الْبَاب)).
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك» وقد سبق أن مر أنه إذا دخل قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» فعند الدخول دعاء وعند الخروج دعاء وإنما ذكر هذا الدعاء الذي هو غفرانك قيل لأنه في الفترة التي كان في محل قضاء الحاجة ممتنع من ذكر الله عز وجل فهو يطلب الغفران لكونه حصل منه عدم الذكر في هذا المكان في هذه الفترة أو هذه المدة التي كان فيها في محل قضاء الحاجة وقيل أيضا في تعليل ذلك أن استذكار نعمة الله عز وجل وأن الله منَّ عليه بالطعام الذي أكله واستفاد منه وحصل لجسمه منه طيب والخبيث خرج فهو يشكر الله عز وجل على هذه النعم وأنه لا يستطيع أن يشكره حق شكرها فهو محتمل لأن يكون لكونه ما ذكر الله عز وجل وأنه ممتنع من ذكر الله عز وجل في قضاء الحاجة ومن جهة أن هذه النعمة العظيمة التي يشكر الله عز وجل عليها أنه لا يؤدى حقه ويشكره حق شكره لأن هذه نعمة عظيمة أنعم الله بها على الإنسان فاستفاد من
طيب هذا الطعام وخبيثه خرج منه فهو يسأله المغفرة لتقصيره في شكر نعم الله عز وجل.
باب الاستنجاء والاستجمار
الدرس الثاني عشر:
الاستنجاء هو استعمال الماء في إزالة ما يخرج من الإنسان مأخوذ من النجو وهو القطع يعني أنه يقطع أثر الخارج والاستنجاء يكون بالماء وأما الاستجمار هو إزالة ما يخرج من الإنسان بالحجارة التي يشرع أن تكون وترا وأن تكون ثلاثا وأنه إذا لم يجد ثلاثة فإنه إذا كان حجرا كبير له ثلاث شعب فإنها تقوم مقام الثلاث الأحجار والمقصود من ذلك أن ما يخرج من الإنسان يزال أثره إما بالماء وهو الاستنجاء وإما بالاستجمار الذي هو بالحجارة وقيل له استجمار لأنه قطع له بالجمرات لأن الجمار المقصود بها الحجارة ولهذا حصى الجمار الذي في الحج التي يرمى بها ويقال لها الجمار فالمقصود من ذلك الجمار يعني الحجارة الاستجمار يعني استعمال الحجارة أو استعمال الجمرات التي هي الحجارة في قطع أثر الخارج من الإنسان ذكر هذه الترجمة وذكر تحتها أحاديث
108 -
عَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: " أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ الْغَائِط فَأمرنِي أَن آتيه بِثَلَاثَة أَحْجَار فَوجدت حجرين والتمست الثَّالِث فَلم أَجِدهُ، فَأخذت رَوْثَة فَأَتَيْته بهَا فَأخذ الحجرين وَألقَى الروثة، وَقَالَ: هَذَا رِكس ". رَوَاهُ البُخَارِيّ، (وَالتِّرْمِذِيّ وَعلله ثمَّ قَالَ:(هَذَا حَدِيث فِيهِ اضْطِرَاب)، وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ) وَفِي آخِره:" ائْتِنِي بِحجر "، وَفِي لفظ للدارقطني:" ائْتِنِي بغَيْرهَا ".
أولها حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى الغائط يعني ذهب إلى الغائط فأمره أن يأتيه بثلاثة أحجار يعني ليستجمر بها فبحث فوجد حجرين ولم يجد حجرا ثالثا وأتى مكانه بروثة فالرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الحجرين ورمى الروثة وطلب منه أن يأتي بثالث يعني بدل الروثة وقال: «إنها ركس» أي رجس والمقصود من ذلك أن الروث لا يستنجى به لأنه إما أن يكون من غير مأكول اللحم كالحمير أو من ميتة كالحيوان الذي مثل بهيمة الأنعام وقد كانت ميتة فإن العظام نجسة فلا تستعمل لنجاستها وأما إذا كان من مأكول اللحم وقد ذكي ولم يكن ميتة فإنه لا يستعمل لأن الروث طعام دواب الجن كما جاء ذلك بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه لا يستنجى بالعظام يعني الطاهرة لأنها طعام إخواننا من الجن ولا يستنجى بالروث أي الطاهر مثل ما يؤكل لحمه مثل الإبل والبقر والغنم فإن أرواثها طاهرة ولكنها لا تستعمل لأنها طعام دواب إخواننا من الجن فإذًا الروثة التي قال أنها الركس المقصود
أنها نجسة ومعنى ذلك كأنه والله أعلم أنها من حيوان غير مأكول كالحمير أو البغال وغير ذلك مما لا يؤكل لحمه فهذا هو الذي يكون نجس وأما إذا كان من مأكول اللحم وهو مذكى وليس بميتة فإن العلة ليست النجاسة وإنما تقذيره على إخواننا من الجن الذين طعامهم هذه العظام وأنه ينشئ الله عليها لحما وكذلك ما يتعلق بالروث الذي هو من حيوان يعني مأكول اللحم فإن روثه طاهر ولكنه لا يستنجى به لما فيه من إفساده أو تقذيره على إخواننا من الجن في أكل أو طعام دوابهم، وهذا الحديث يدل على الاستجمار وأن الاستجمار يكون بثلاثة أحجار وأن الروث لا يستنجى به يعني لا يستجمر به.
109 -
وَعَن يَعْقُوب بن كاسب، عَن سَلمَة بن رَجَاء، عَن الْحسن بن فرات، عَن أَبِيه، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة:" أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ نهَى أَن يُستنجى بِعظم أَو رَوْث، وَقَالَ: إنَّهُمَا لَا يُطهران " رَوَاهُ أَبُو أَحْمد بن عدي، وَالدَّارَقُطْنِيّ، فَكل إِسْنَاد صَحِيح. (وَقَالَ ابْن عدي:(لَا أعلم من رَوَاهُ عَن فرات الْقَزاز غير ابْنه الْحسن، وَعَن الْحسن سَلمَة بن رَجَاء، وَعَن سَلمَة بن كاسب. وَسَلَمَة أَحَادِيثه أَحَادِيث أَفْرَاد وغرائب وَيحدث عَن قوم بِأَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا)).
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بعظم أو روث وقال: «إنهما لا يطهران» وهذا مثل ما تقدم من أن العظام لا يستجمر بها وكذلك الروث لا يستجمر به وذلك لأنه إن كان من غير مأكول اللحم أو من ميتة فإنه يكون نجسا والمنع في ذلك النجاسة وإن كان من مأكول اللحم فإنه لا يستعمل في الطهارة لأن فيه تقذير على الجن طعامهم وكذلك التقذير على الجن في طعام دوابهم والحديث حسن الإسناد وهو موافق لما تقدم من أن العظام لا يستجمر بها وكذلك الروث وهنا قال: «إنهما لا يطهران» إما لنجاستهما إذا كان من غير مأكول اللحم أو من ميتة أو أنهما من مأكول اللحم ولكن السبب في ذلك يعني المنع منه عدم إفساد الطعام على إخواننا من الجن لأنفسهم ولدوابهم فيما يتعلق بالاستجمار بالروث.
110 -
وَرَوَى شُعْبَة عَن أبي معَاذ - واسْمه عَطاء بن أبي مَيْمُونَة - قَالَ: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يدْخل الْخَلَاء، فأحمل أَنا وَغُلَام نحوي، إداوة من مَاء وعنزة فيستنجي بِالْمَاءِ " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث في الاستنجاء والاستنجاء يكون بالماء وذكر حديث أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي -يعني مثلي قريب مني غلام معه يساعده- إداوة من ماء وعنزة -الإداوة من ماء الذي هو وعاء فيه ماء قال- فيستنجي بالماء، وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث لأن فيه استنجاء بالماء وعنزة من أجل أن يتخذها سترة إذا أراد أنه يصلي تغرز في الأرض ثم يصلي إليها فهذا يحمل
العنزة وهذا يحمل الإداوة فالإداوة من أجل الاستنجاء بالماء الذي فيها والعنزة من أجل ركزها في الأرض واتخاذها سترة بحيث يصلي إليها فلا يدع أحد يمر بينه وبينها ومن أراد أن يمر يمر من ورائها من وراء السترة فهذا الحديث فيه الاستنجاء وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستنجي وفيه الاستعانة يعني استعانة المتوضئ بغيره لأن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منه ومن الغلام الذي نحوه أن هذا يحمل العنزة وهذا يحمل إداوة التي من ماء فيستنجي بالماء.
باب أسباب الغسل
ثم ذكر بعد هذا أسباب الغسل وأسباب الغسل ذكر عدة أسباب
111 -
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: " خرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَوْم الْإِثْنَيْنِ إِلَى قبَاء حَتَّى إِذا كُنَّا فِي بني سَالم وقف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ عَلَى بَاب عتْبَان فَصَرَخَ بِهِ فَخرج يجر إزَاره، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: أعجلنا الرجل، فَقَالَ عتْبَان يَا رَسُول الله أَرَأَيْت الرجل يعجل عَن امْرَأَته وَلم يمن مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِنَّمَا المَاء من المَاء "، وَفِي لفظ آخر:" أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ مر عَلَى رجل من الْأَنْصَار فَأرْسل إِلَيْهِ فَخرج وَرَأسه يقطر، فَقَالَ: لَعَلَّنَا أعجلناك؟ قَالَ: نعم يَا رَسُول الله، قَالَ: إِذا أعجلت أَو أقحطت فَلَا غسل عَلَيْك وَعَلَيْك الْوضُوء ". مُتَّفق عَلَيْهِ لَكِن لم يذكر البُخَارِيّ قَوْله: " إِنَّمَا المَاء من المَاء "، وَلَا قَالَ:" فَلَا غسل عَلَيْك ".
بدأها بالجنابة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى قباء ومر في طريقه على عتبان رضي الله عنه الصحابي الذي من الأنصار وخرج وقال أنه أُعجل يعني أنه خرج وكأنه جامع أهله ولكنه أعجل لكونه نودي وخرج فالرسول صلى الله عليه وسلم ظن أنه ما تمكن من إتيان أهله فقال: «إنما الماء من الماء» يعني أن الماء الذي هو الاغتسال يكون من الماء الذي هو الإنزال يعني يكون الماء الذي يخرج من الإنسان الذي هو المني هو الذي يكون به الاغتسال بالماء وقوله: «إنما الماء من الماء» يعني الماء الذي يغتسل به يعني سببه المني أو الماء الذي يخرج من الإنسان عند الجماع وذكر في الطريقة الثانية التي ذكرها أنه إذا أعجل فليس عليه غسل وإنما عليه الوضوء ومعلوم أنه سيأتي بعد ذلك الحديث الذي فيه أن الاغتسال يكون حتى لو لم يحصل إنزال وإنما إذا حصل منه التقاء الختانين وأنه حصل منه الجماع ولكنه أخرج دون أن ينزل فإن عليه أن يغتسل كما جاء في الحديث الذي سيأتي وفي لفظ لمسلم قال: «وإن لم ينزل» إذا جلس الرجل بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وفي لفظ لمسلم وإن لم ينزل فدل هذا أن حصول الجماع وإن لم يحصل معه إنزال فإنه هو الذي يعول عليه وأما قوله: «إنما الماء من الماء» الحديث الذي سيأتي هو الذي وضح وبين وأنه إذا حصل الجماع وحصل الجهد من الإنسان من الجماع ولم ينزل فإنه يجب عليه الغسل سواء أنزل أو لم ينزل فإذًا قوله: «إنما الماء من الماء» هذا يدل على أنه لا غسل إلا مع إنزال لكن الأحاديث التي جاءت وهي واضحة وصريحة وفيها الاحتياط للدين هي التي يعول عليها ويؤخذ بها.
112 -
وَعَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن أم سليم حدثت: " أَنَّهَا سَأَلت نَبِي الله صلى الله عليه وسلم َ عَن الْمَرْأَة ترَى فِي منامها مَا يرَى الرجل؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ إِذا رَأَتْ ذَلِك الْمَرْأَة فلتغتسل، فَقَالَت أم سليم: وَاسْتَحْيَيْت من ذَلِك، قَالَت: وَهل يكون هَذَا؟ فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم َ: نعم فَمن أَيْن يكون الشّبَه؟ إِن مَاء الرجل غليظ أَبيض وَمَاء الْمَرْأَة رَقِيق أصفر، فَمن أَيهمَا علا أَو سبق يكون مِنْهُ الشّبَه " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه يروي عن أمه أم سليم رضي الله عنها أنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن المرأة أنها ترى في منامها ما يرى الرجل يعني معناه أنها ترى أنه حصل لها جماع وأنه حصل منها إنزال فإذا وجد الإنزال وجد البلل في ثيابها فإنها تغتسل بسبب ذلك كما يغتسل الرجل وأما إذا رأى الرجل والمرأة في المنام أنه حصل جماع لكن ما وجد بللا فإنه لا يلزمه الغسل كما جاء في الأحاديث إذا رأت الماء يعني معناه أن الاغتسال إنما هو إذا وجد الماء بعد الاستيقاظ من النوم أما مجرد كونه يرى في المنام أنه جامع أو المرأة ترى أنها جومعت وأنه ما وجد أثر في الثياب أو في الجسد يعني بعد ذلك فإن هذا ما يلزم فيه اغتسال وإنما الاغتسال إذا وجد الماء الذي يكون سبب الغسل وهذا يفيد بأن الاحتلام إذا حصل في النوم سواء من الرجل أو المرأة فإنه يجب منه الغسل وإذا لم يوجد الماء ولم يوجد الأثر فإنه لا غسل وأم سلمة رضي الله عنها استغربت هذا الشيء فقال صلى الله عليه وسلم: فمما يكون الشبه وذكر أن الإنسان يكون من ماء الرجل وماء المرأة وذكر صفة ماء الرجل وماء المرأة وأن أي واحد منهما كان له السبق أو كان له الغلبة فإنه يكون فيه الشبه فقد يشبه الرجل أمه وقد يشبه المولود أباه وأمه وذلك لأنه مخلوق من الماءين والحاصل أن هذا في الاغتسال من الجنابة إذا كانت عن احتلام.
113 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع ثمَّ جهدها فقد وَجب الْغسْل " مُتَّفق عَلَيْهِ. زَاد مُسلم: " وَإِن لم ينزل ".
ثم ذكر هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل» رواه البخاري ومسلم وفي لفظ لمسلم: «وإن لم ينزل» فقوله إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها هذا يحتمل أن يكون داخل فيه سواء أنزل أو لم ينزل لكن رواية مسلم فيها زيادة إيضاح وزيادة بيان وأنه وإن لم ينزل يعني معناه أنه ما دام حصل الإيلاج وما دام حصل الجماع ولكنه ما حصل إنزال فإن عليه أن يغتسل وإن لم ينزل وهذا هو الذي يوضح أن الاغتسال أنه لا يلزم منه الإنزال وأن ما جاء في الحديث السابق: «إنما الماء من الماء» أنه ليس بلازم وإنما كما جاء في هذا الحديث الذي فيه الإيضاح والبيان وأنه إذا حصل منه الجماع ولكنه لم ينزل فإنه لا غسل عليه وقد جاء ذلك في رواية مسلم مصرحا به وإن لم
ينزل ومعنى ذلك أنه إذا وجد الجماع سواء أنزل أو لم ينزل فإن الاغتسال لازم وواجب.
114 -
وَعَن عبد الله بن عمر، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه:" أَن ثُمَامَة بن أَثَال أسلم، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى حَائِط بني فلَان فَمُرُوهُ أَن يغْتَسل " رَوَاهُ أَحْمد. وَعبد الله بن عمر الْعمريّ: تكلم فِيهِ من قبل حفظه. وَقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عبد الرازق عَن عبيد الله وَعبد الله ابْنا عمر عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة وَفِيه: " وَأمره أَن يغْتَسل، فاغتسل "، وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ:(هَذَا الحَدِيث عِنْد سُفْيَان عَن عبد الله وَعبيد الله)، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنه اغْتسل، وَلَيْسَ فِيهِ أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ لَهُ بذلك.
ثم ذكر هذا السبب من أسباب الاغتسال السبب الأول هو ما يتعلق بالجماع يعني سواء كان بفعل أو عن احتلام وأما هذا فإنه بسبب الإسلام وأن الإنسان إذا أسلم فإنه يغتسل وذلك أنه قبل الإسلام لا يتحرزون من النجاسات وكذلك لا يغتسلون من الجنابة فعندهم أشياء قذرة وأشياء وسخة لابد من التخلص منها والاغتسال يكون فيه تخلص من هذا الذي حصل منه في حال كفره من كونه لا يتحرز من النجاسات ولكونه لا يغتسل من الجنابة فجاءت السنة مبينة أن الاغتسال يكون بسبب الإسلام والخروج من الكفر إلى الإسلام أنه يغتسل حتى يكون جسده طاهر وحتى يكون نظيفا والأوساخ والقاذورات التي كان لا يتحرز منها في الجاهلية قبل الإسلام فإنه يتخلص منها بهذا الاغتسال وذكر هذا الحديث عن ثمامة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يذهب إلى حائط ويغتسل فدل هذا على أن الاغتسال يكون من الكافر إذا أسلم فإنه يغتسل لإزالة هذه الأشياء التي لا يتحرز منها في حال الكفر.
115 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " غُسْل [يَوْم] الْجُمُعَة وَاجِب عَلَى كل محتلم " مُتَّفق عَلَيْهِ.
116 -
وَعَن الْحسن عَن سَمُرَة قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة فبها ونعمت، وَمن اغْتسل فالغسل أفضل " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، (وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ:(حَدِيث حسن، وَرَوَى بَعضهم: قَتَادَة عَن الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ هَذَا الحَدِيث مُرْسلا)).
ثم ذكر هذين الحديثين وهما يتعلقان بسبب من أسباب الاغتسال وهو الاغتسال للجمعة لأنه ذكر فيما مضى الغسل من الجنابة سواء في المنام أو في اليقظة ثم ذكر بعد ذلك الاغتسال بسبب الكفر وهذا سبب من أسباب الاغتسال ثم ذكر بعد ذلك سببا وهو الغسل للجمعة وذكر هذين الحديثين الحديث الأول قوله صلى الله عليه وسلم: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» المحتلم هو البالغ وقال إنه واجب والحديث الثاني يدل على أنه ليس بواجب وأنه مستحب لقوله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل» فهذا يدل على أن الغسل ليس بواجب وقد ذهب بعض العلماء إلى الوجوب أخذا بالحديث الأول وجمهور العلماء ذهبوا إلى أنه لا يجب وإنما هو مستحب وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ومن اغتسل فالغسل أفضل» وأيضا جاء في بعض الأحاديث في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ وأحسن الوضوء ثم خرج إلى الجمعة وأنصت، ولم يذكر
الاغتسال فدل على أن الاغتسال أنه متأكد يعني فيه دع ما لا يريبك إلى ما لا يريبك وفيه الاحتياط ولكن لو توضأ واكتفى ولم يحصل منه اغتسال فإن صلاته صحيحة وجمعته صحيحة ولا شيء عليه ولكن ترك الأولى والحديث الثاني فيه مقال وفيه كلام ولكن له طرق يقوي بعضها بعضا وقد ذهب جمهور العلماء على العمل فيه وأنه لا يجب الاغتسال وإنما يستحب.
117 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كَانَ يغْتَسل من أَربع: من الْجَنَابَة، وَيَوْم الْجُمُعَة، وَمن الْحجامَة، وَمن غسل الْمَيِّت " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْن خُزَيْمَة، وَالْحَاكِم (وَإِسْنَاده عَلَى شَرط مُسلم، وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَلَفظه: " قَالَ يغْتَسل من أَربع "، وَقَالَ البُخَارِيّ: (رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات)(وَتَركه مُسلم فَلم يُخرجهُ، وَلَا أرَاهُ تَركه إِلَّا لطعن بعض الْحفاظ فِيهِ). وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة: (مُصعب بن شيبَة: رَوَى أَحَادِيث مَنَاكِير)).
ثم ذكر هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغتسل من أربع من الجنابة ومن الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت، يعني هذه أربع جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه كان يغتسل منها أما الجنابة والجمعة فقد مر ما يتعلق بهما وأما الحجامة فإنها جاءت في هذا الحديث ولم تأتي في غيره والعلماء متفقون على أنه لا يجب الغسل منها والحديث مداره على مصعب بن شيبة وهو ضعيف يعني لا يحتج بحديثه لأن مداره على هذا الرجل فالحديث غير صحيح ولكن ما يتعلق بالجنابة وما يتعلق بالجمعة سبق أن مر في الأحاديث الخاصة وأما يتعلق بغسل الميت فإنه قد جاء في بعض الأحاديث وبعض العلماء حسن هذا «من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ» وقالوا إن هذا على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب الذين قالوا بالعمل به قالوا إنه على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب وأما يتعلق بالحجامة فقد حكى بعض أهل العلم الإجماع على أنه لا يلزم الغسل من الحجامة وكما قلت مداره على مصعب بن شيبة وهو لا يحتج بحديثه.
باب أحكام الحدث الأكبر
الدرس الثالث عشر:
فهذا الباب عند ابن عبدالهادي في المحرر يتعلق بأحكام الحدث الأكبر يعني أمور متعددة تتعلق بالحدث الأكبر الذي هو الغسل من الجنابة
118 -
عَن عبد الله بن سَلمَة، عَن عَلّي بن أبي طَالب رضي الله عنه:" أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ كَانَ يخرج من الْخَلَاء فيقرئنا الْقُرْآن وَيَأْكُل مَعنا اللَّحْم وَلم يكن يَحْجُبهُ - أَو قَالَ: يحجزه - عَن الْقُرْآن شَيْء، لَيْسَ الْجَنَابَة " رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه، وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ وَلَفظه: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يقرئنا الْقُرْآن [عَلَى كل حَال] مَا لم يكن جُنُباً) (وَقَالَ: (حَدِيث حسن صَحِيح)، وَرَوَاهُ ابْن حبَان، وَالْحَاكِم وَصَححهُ، وَذكر الْخطابِيّ (أَن أَحْمد كَانَ يوهن حَدِيث عَلّي هَذَا ويضعف أَمر عبد الله بن سَلمَة)، وَقَالَ شُعْبَة بن الْحجَّاج:(مَا أحدث بِحَدِيث أحسن مِنْهُ))
ذكر فيه حديث علي رضي الله عنه الذي فيه أنه كان لا يحجبه شيء عن قراء القرآن إلا الجنابة يعني معنى ذلك أنه لا يقرأ القرآن وهو جنب وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقرأ القرآن وهو جنب وقد ضعف هذا الحديث كثيرون من أهل العلم وصححه بعضهم وجاء تصحيحه عن
جماعة والحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: إن حديثه حسن، وعلى هذا فإن الجنب لا يقرأ شيئا من القرآن ولكن كونه يتمكن من القراءة وذلك لأن الجنابة التخلص منها سهل على الإنسان وذلك بأن يبادر إلى الاغتسال ويقرأ القرآن وإذا كان ما عنده ماء فهو يتيمم ويقرأ القرآن، الحاصل أن التخلص من الجنابة أنه سهل وأنه متيسر على الإنسان وأنه يمكنه التخلص منها على القول أنه لا يقرأ وأما على القول بأنه يقرأ فإن بعض العلماء صححوا هذا الحديث ومنهم من حسنه كالحافظ ابن حجر فإنه على هذا لا إشكال في ذلك.
119 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" لَا تقْرَأ الْحَائِض وَلَا الْجنب شَيْئا من الْقُرْآن " رَوَاهُ ابْن ماجة، (وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ:(لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش)، وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من غير طَرِيقه، وَضَعفه الإِمَام أَحْمد، وَالْبُخَارِيّ، وَغَيرهمَا، وَصوب أَبُو حَاتِم وَقفه، وَقَالَ:(إِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عمر قَوْله)).
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن» وهذا الحديث ضعيف لأن في إسناده إسماعيل بن عياش وهو روايته صحيحة عن الشاميين وروايته عن غير الشاميين هي ضعيفة وهذا من روايته عن غير الشاميين وهو يدل على أن الجنب والحائض لا يقرؤون شيئا من القرآن وأما الجنب فقد عرفنا ما فيه من الحديث السابق وأما الحائض فإن الحائض والنفساء تختلف عن الجنب وذلك أن الحائض مدتها عدة أيام فلو امتنعت عن القراءة لكان في ذلك الضرر عليها لنسيانها القرآن وكذلك وأعظم منها النفساء التي تمكث أربعين يوما وفيها النفاس يعني في الغالب فلو أمسكت عن قراءة القرآن في هذه المدة أوشك أن تنسى ما حفظته ولهذا فرق بعض العلماء بين الجنابة وبين الحيض والنفاس بأن الجنابة يمكن التخلص منها بالاغتسال ويقرأ القرآن وإذا لم يكن هناك ماء يتيمم وأما بالنسبة للحيض والنفاس فإن هذا يترتب عليه نسيان المرأة ما حفظته ولكنها لكون الحديث ضعيف ولم يكن صح عن ابن عمر رضي الله عنهما فإن المرأة لها أن تقرأ القرآن وهي حائض يعني من حفظها والنفساء من باب أولى لأن مدتها تطول وعلى هذا فيفرق بين الجنابة والحيض بأن الجنابة يمكن التخلص منها ويقرأ الإنسان القرآن وأما الحيض والنفاس فلا يمكن التخلص منه لأنه ليس بيد الإنسان وعلى هذا فالقراءة من الحائض والنفساء أنه لا بأس بها وأنها سائغة لما يترتب على ذلك من نسيان القرآن لو أمسكت والحديث الذي ورد في
…
هذا ضعيف.
120 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا أَتَى أحدكُم أَهله ثمَّ أَرَادَ أَن يعاود فَليَتَوَضَّأ بَينهمَا وضُوءًا " رَوَاهُ مُسلم، (وَقد اعتل، وَزَاد الْحَاكِم بِإِسْنَاد صَحِيح: " فَإِنَّهُ أنشط للعود ". وَقَالَ الشَّافِعِي: (قد رُوِيَ فِيهِ حَدِيث، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يثبت مثله) وَأَرَادَ حَدِيث أبي سعيد هَذَا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: (لَعَلَّه أَرَادَ حَدِيث ابْن عمر فِي ذَلِك)).
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو يتعلق بأنه إذا أتى أحدكم أهله وأراد أن يعاود فإنه يتوضأ يعني بينهما قال ذلك لأنه أنشط للعود ومعنى ذلك يدل على أن الإنسان يستحب له أن يتوضأ بينهما لأنه أنشط لكونه يعود يكون فيه نشاط إذا حصل الوضوء بخلاف ما إذا لم يحصل فإنه قد يكون يعني ما فيه نشاط ولكن الحديث يدل على استحباب الوضوء ولكن ليس على وجوبه.
121 -
وَعَن عبد الله بن عمر، أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" أيرقد أَحَدنَا وَهُوَ جنب؟ قَالَ: نعم، إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فليرقد ". مُتَّفق عَلَيْهِ
ثم ذكر هذا الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم يعني بعد الجنابة فليرقد يعني معنى ذلك أنه لا يلزمه الاغتسال في أول الليل بل يمكن أن ينام لكن الذي يستحب له أن يكون على وضوء لأن الوضوء يخفف الجنابة ويزيل يعني آثار الجماع وما علق بالذكر من آثار الجماع فإنه يزيله ففيه تخفيف للجنابة وقد ثبت يعني هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دال على استحباب الوضوء وسيأتي الحديث الذي فيه أنه قد يحصل منه أحيانا أنه ينام حتى من غير أن يتوضأ وعلى هذا فإن الوضوء مستحب وأفضل من تركه ولكن تركه سيأتي ما يدل على أنه صحيح وأنه سائغ وجائز لكن الحديث يدل على أن الوضوء أنه مستحب قبل أن ينام لما فيه من تخفيف الجنابة.
122 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: " كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب غسل فرجه وَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة " رَوَاهُ البُخَارِيّ. وَلمُسلم: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِذا كَانَ جنبا فَأَرَادَ أَن يَأْكُل أَو ينَام تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ".
وهذا مثل الذي قبله.
123 -
وَعَن أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن الْأسود عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ ينَام وَهُوَ جنب من غير أَن يمس مَاء " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ، (وَقَالَ:(يرَوْنَ أَن هَذَا غلط من أبي إِسْحَاق). وَقَالَ يزِيد بن هَارُون: (هَذَا الحَدِيث وهم). وَقَالَ أَحْمد: (لَيْسَ صَحِيحا)، وَصَححهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره. وَقَالَ بعض الحذاق من الْمُتَأَخِّرين (أجمع من تقدم من الْمُحدثين وَمن تَأَخّر مِنْهُم أَن هَذَا الحَدِيث غلط مُنْذُ زمَان أبي إِسْحَاق إِلَى الْيَوْم، وَعَلَى ذَلِك تلقوهُ مِنْهُ وَحَمَلُوهُ عَنهُ وَهُوَ أول حَدِيث أَو ثَان مِمَّا ذكره مُسلم فِي كتاب التَّمْيِيز لَهُ مِمَّا حمل من الحَدِيث عَلَى الْخَطَأ)) وَرَوَى أَحْمد من حَدِيث شريك عَن مُحَمَّد عَن عبد الرَّحْمَن عَن كريب عَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ يجنب ثمَّ ينَام ثمَّ ينتبه ثمَّ ينَام وَلَا يمس مَاء ". (وَإِسْنَاده غير قوي)
ثم ذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان ينام وهو جنب دون أن يمس ماء، يعني أنه حتى الوضوء ما توضأ لأن الأحاديث التي مرت فيها أنه يتوضأ قبل أن ينام وفي هذا الحديث أنه ما كان يتوضأ وإنما ينام قبل أن يمس ماء يعني لا وضوء ولا اغتسال وهذا الحديث تكلم فيه كثيرون من جهة أبي إسحاق السبيعي ولكن أبا إسحاق السبيعي هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب وكلامهم فيه إنما هو من حيث التدليس والمدلس إذا صرح بالسماع فإنه يقبل ما يأتي عن طريقه وقد صرح بالسماع يعني في بعض روايات هذا الحديث فيدل على أن هذا الحديث ثابت ويدل على أن الإنسان يجوز له أن ينام دون أن يتوضأ ولكنه إن توضأ يكون أحسن،
وأحسن من ذلك أن يغتسل وعلى هذا فيها درجات ثلاثة: الاغتسال ثم الوضوء ثم كونه ينام على غير وضوء فإذًا يسوغ له أن ينام على غير وضوء كما جاء في هذا الحديث وأولى من ذلك أن يتوضأ قبل أن ينام وأولى من ذلك أيضا أن يغتسل قبل أن ينام، وهذا الحديث ذكره الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود وذكر جماعة من العلماء يعني صححوه.
باب صفة الغسل
ثم ذكر صفة الغسل
124 -
عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة يبْدَأ فَيغسل يَدَيْهِ ثمَّ يفرغ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَاله فَيغسل فرجه ثمَّ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ يَأْخُذ المَاء فَيدْخل أَصَابِعه فِي أصُول الشّعْر حَتَّى إِذا رَأَى أَن قد اسْتَبْرَأَ حفن عَلَى رَأسه ثَلَاث حفنات ثمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِر جسده ثمَّ غسل رجلَيْهِ " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظ مُسلم. وَفِي لفظ:" أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ اغْتسل من الْجَنَابَة فَبَدَأَ فَغسل كفيه ثَلَاثًا ". وَفِي لفظ لَهما: " ثمَّ يخلل بِيَدِهِ شعره "، وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ:" حَتَّى إِذا ظن أَنه قد أروى بَشرته أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاء ثَلَاث مَرَّات ".
وذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها في صفة غسله صلى الله عليه وسلم وأنه كان صلى الله عليه وسلم عندما يريد أن يغتسل فإنه يفرغ الماء على هذا ويغسل يديه خارج الإناء ثم بعد ذلك يدخل يده في الإناء يتوضأ ويغتسل لأنه قبل ذلك يغسل يديه خارج الإناء فإذا غسلهما صار يتناول بيده أو بيديه من الماء بعد أن غسل يديه خارجه ثم إنه بعد ذلك يغسل فرجه وما علق به وأول ما يبدأ به أنه يزيل ما علق بذكره وما حصل له من بقية آثار الجماع يعني يزيلها ثم إنه بعد ذلك يتوضأ ويبل يديه ويدلك بها رأسه حتى يصل إلى أصول الشعر ثم بعد ذلك يحثوا عليه ثلاث حثيات ثم إنه يفرغ الماء على جسده فيكون بذلك حصل الاغتسال من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكونه يفرغ على جسده يعني أنه يكفي مرة واحدة وهذه الصفة التامة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن لو أن إنسانا لم يحصل منه الوضوء وإنما نوى رفع الحدث الأصغر والأكبر وصب على رأسه الماء فإنه يرتفع الحدث الأصغر والأكبر إذا نوى ذلك لكن في حال الوضوء لابد أنه لا يمس ذكره بعدما يغسل فرجه لأن المتوضئ إذا لمس فرجه فإنه ينتقض وضوؤه كما مر في حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها الذي: من مس فرجه فليتوضأ، فهذا فيه أنه إذا مس فرجه فأنه يتوضأ لكن إذا اغتسل ونوى رفع الحدث الأصغر والأكبر ولم يمس ذكره بعد ذلك فإن ذلك كافي والمهم أن يصل الماء إلى جميع جسده من أعلاه إلى أسفله ولكن لا يمس ذكره في أثناء اغتساله إذا نوى رفع الحدث الأصغر.
125 -
وَعَن مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَت: " أدنيت لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ غسله من الْجَنَابَة فَغسل كفيه مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ أَدخل يَده فِي الْإِنَاء ثمَّ أفرغ عَلَى فرجه وغسله بِشمَالِهِ ثمَّ ضرب بِشمَالِهِ الأَرْض فدلكها دلكا شَدِيدا ثمَّ تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ أفرغ عَلَى رَأسه ثَلَاث حفنات ملْء كَفه ثمَّ غسل سَائِر جسده ثمَّ تنحى عَن مقَامه ذَلِك فَغسل رجلَيْهِ ثمَّ أَتَيْته بالمنديل فَرده. وَفِي رِوَايَة: وَجعل يَقُول بِالْمَاءِ هَكَذَا ينفضه " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظ مُسلم. وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ:" وَجعل ينفض المَاء "، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ أَيْضا:" ثمَّ غسل فرجه ثمَّ قَالَ بِيَدِهِ عَلَى الأَرْض فمسحها بِالتُّرَابِ ثمَّ غسلهَا ثمَّ تمضمض واستنشق ثمَّ غسل وَجهه وَيَديه وأفاض عَلَى رَأسه، ثمَّ تنحى فَغسل قَدَمَيْهِ ". وَفِي رِوَايَة لَهُ: " ثمَّ أَفَاضَ المَاء عَلَى جسده ثمَّ تحول من مَكَانَهُ فَغسل قَدَمَيْهِ ".
ثم ذكر هذا الحديث عن ميمونة رضي الله عنها وهو في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة وفيه من الزيادة أنه عندما غسل فرجه بيساره فإنه وضع يده على الأرض ودلكها يعني بحيث يذهب في التراب آثار ما علق به من إزالة ما علق به يعني فإن تحريك يده على الأرض فإنه يذهب ما بقي فيها من لزوجة أو من شيء يعني من آثار هذا الغسل لفرجه صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضا أنها أتته بالمنديل وأنه لم يرده وجعل ينفض الماء بيديه والعلماء اختلفوا في هذا منهم من قال إنه يستعمل المنديل ومنهم من قال إنه لا يستعمله والذين قالوا أنه يستعمله قالوا لأنه جعل ينفض الماء بيديه وفي ذلك إزالة لما علق باليدين فكذلك إزالته بالمنديل ثم أيضا قيل إنما ناولته المنديل لأنها كانت تعرف أنه كان يستعمل المنديل ولكن لعله أحيانا يستعمله وأحيانا لا يستعمله.
126 -
وَعَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَت: " يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة أَشد ضفر رَأْسِي أفأنقضه لغسل الْجَنَابَة؟ قَالَ لَا إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تحثي عَلَى رَأسك ثَلَاث حثيات ثمَّ تفيضين عَلَيْك المَاء فتطهرين ". وَفِي رِوَايَة: " أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ فَقَالَ لَا ". رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها يعني فيما يتعلق بنقض الرأس عند الاغتسال من الحيض والجنابة وقالت أنها استأذنت الرسول صلى الله عليه وسلم هل تنقض؟ فقال: لا إنما يكفيك أن تحركي أصابعك على أصوله يعني بحيث يصل الماء إلى أصول الشعر دون أن تنقضه والنقض قد يكون فيه مضرة لاسيما عند الجنابة التي تتكرر فإن نقضه عند كل مرة يكون فيه مشقة فخفف على النساء في ذلك بأن يكتفين بأن يحركن أصابعهن المبلولة بالماء حتى يصل الماء إلى أصول الشعر ثم تفرغ الماء عليه فدل هذا على أن نقص الشعر ليس بلازم أنه يكفيها أن توصل الماء إلى أصوله وأن تتحقق أنه وصل إلى أصوله وكذلك مثلها الحيضة أنها لا تنقضه وإنما تفعل كما فعلت في حال الجنابة.
127 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها " أَن أَسمَاء - وَهِي بنت شكل - سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ عَن غسل الْحيض فَقَالَ: تَأْخُذ إحداكن ماءها وسدرتها فَتطهر فتحسن الطّهُور ثمَّ تصب عَلَى رَأسهَا فتدلكه دلكا شَدِيدا حَتَّى تبلغ شؤون رَأسهَا ثمَّ تصب عَلَيْهَا المَاء، ثمَّ تَأْخُذ فرْصَة ممسكة فَتطهر بهَا، فَقَالَت أَسمَاء: وَكَيف تطهر بهَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله تطهرين بهَا!!
…
فَقَالَت عَائِشَة - كَأَنَّهَا تخفي ذَلِك: تتبعين أثر الدَّم. وَسَأَلته عَن غسل الْجَنَابَة فَقَالَ: تَأْخُذ مَاء فَتطهر فتحسن الطّهُور - أَو تبلغ الطّهُور - ثمَّ تصب عَلَى رَأسهَا فتدلكه حَتَّى تبلغ شؤون رَأسهَا ثمَّ تفيض عَلَيْهَا المَاء. فَقَالَت عَائِشَة: نعم النِّسَاء نسَاء الْأَنْصَار لم يكن يمنعهن الْحيَاء أَن يتفقهن فِي الدَّين " رَوَاهُ مُسلم، وَذكر البُخَارِيّ مِنْهُ ذكر الفرصة والتطهر بهَا.
ثم ذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها في قصة أسماء بنت شكل رضي الله عنها التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرها أن اغتسالها يكون بأن توصل الماء إلى أصول الشعر وأنها تصب عليها الماء وأنها تستعمل الفرصة الممسكة التي فيها مسك وتتبع بها أثر الدم يعني من مكان الخارج الذي فيه الرائحة الكريهة فإنها تأتي مكانها بهذه الرائحة الطيبة التي تأتي بعد الرائحة المنتنة التي تكون من الحيض فتأتي بالفرصة الممسكة هذه
التي فيها مسك وتضعها على ذلك المكان الذي فيه آثار الدم الذي هو رائحته كريهة تأتي بعد ذلك بهذه الرائحة الطيبة.
باب التيمم
الدرس الرابع عشر:
لما فرغ من الطهارة الأصلية التي هي الماء أتى بما يقوم مقامها عند فقدها أو عدم القدرة على استعمالها وهو التيمم وذلك بأحاديث جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء في القرآن ذكر التيمم ولكن يعني بيان صفته وكيفيته جاءت مبينة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-
128 -
عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد قبلي، نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر، وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا، فأيما رجل من أمتِي أَدْرَكته الصَّلَاة فَليصل، وَأحلت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبلي، وَأعْطيت الشَّفَاعَة - وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة، وَبعثت إِلَى النَّاس عَامَّة " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَرَوَى الإِمَام أَحْمد من حَدِيث عَلّي: " وَجعل التُّرَاب لي طهُورا ".
وذكر حديث جابر رضي الله عنه قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، وهذا الحصر لا يدل على أنه ليس له من الخصائص إلا هذه الخمس بل هناك غيرها وقد جاء ذلك في أحاديث ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح هذا الحديث جملة من الأحاديث التي فيها الزيادة على ذلك وذلك أن قوله:«أعطيت خمسا» لا يعني ذلك الحصر فيها وإنما أُطلع على أنها أعطي خمس ثم ذكر بعد ذلك أطلع على أنه أعطي أكثر من ذلك فهذه الخمس التي جاءت في هذا الحديث أولها قوله: «نصرت بالرعب مسيرة شهر» يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم من خصائصه أن الله يقذف الرعب في قلوب أعدائه من هذه المسافة التي هي مسافة شهر وذلك أنه صلى الله عليه وسلم ينصره الله عز وجل بأن يقذف الرعب في قلوب أعدائه وإذا حصل الرعب في قلوب أعدائه حصل الهزيمة وحصل النصر عليهم فكان صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا وأن هذه المدة أنه صلى الله عليه وسلم ينتصر على أعدائه ولو كان بينه وبينهم هذه المدة التي هي شهر وقد قيل إن التنصيص على هذه المدة لأنه لم يكن بينه وبين أعدائه مسافة أطول من هذا بل ذكرت لأن هذه هي المسافة التي تكون بينه وبين أعدائه صلى الله عليه وسلم، والرعب هو الخوف والذعر ومعلوم أن الرعب والذعر إذا حصل فإن القوة الحسية لا يستفاد منها ولا يحصل من ورائها شيء يعني مع حصول الرعب الذي يكون في قلوب الأعداء، «وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذا الباب يعني أن الإنسان عندما يأتي وقت الصلاة فإن كان الماء موجودا فإنه يتوضأ به وإذا كان غير قادر على استعماله لمرض أو غير ذلك فإنه يتيمم ويأتي بما أوجبه الله عليه من الصلاة ولهذا قال:«فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل» يعني بعد أن يتيمم يعني حيث كان عادما للماء أو موجودا ولكنه غير قادر على استعماله فإنه يعدل عن الأصل الذي هو استعمال الماء إلى التيمم وقد جاء في بعض الروايات «وجعلت تربتها لي طهورا» كما ذكرها عن أحمد في آخر الحديث ولكنها أيضا هذه الرواية أو هذا المعنى جاء في صحيح مسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم: «وجعلت تربتها لنا طهورا» فدل هذا على أن هذه الرواية التي ذكرها في الآخر عن أحمد هي موجودة في صحيح مسلم والتعبير بالتربة لا يعني ذلك أن الاستعمال لا يكون إلا للتربة وإنما الحكم هو أن الإنسان عندما يأتي وقت الصلاة وليس عنده ماء فإنه يتيمم على الأرض الذي هو عليها سواء كانت ترابية أو غير ترابية ولكنه ذكر التراب لأنه هو الغالب في الأرض الغالب في الأرض أنها ترابية لكن قد تكون يعني أرض جبلية والإنسان يكون في محل ليس فيه تراب فإنه يتيمم على الأرض التي هو فيها ولا يكون الحكم مقصورا على التراب وما جاء في بعض الروايات لا يعني الاقتصار عليه لأنه هناك قاعدة مشهورة في هذا الباب وهي أن الحكم العام إذا أطلق على بعض أفراده فإنه لا يقصر حكمه عليه يعني الحكم العام الذي هو كونه جعلت الأرض مسجدا وطهورا يعني هذا يشمل التراب وغير التراب وقد جاء التنصيص على التراب في بعض الروايات فلا يعني القصر عليه لأن القاعدة المشهورة أن الحكم العام إذا ذكر بعض أفراده فإنه لا يقتصر عليه وإنما يكون نص عليه لكونه الغالب يعني في الأرض أنها ترابية وإلا فإن الإنسان قد يكون في أرض جبلية يكون في أرض لا تراب فيها فإن عموم الحديث في قوله: «فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل» أي بعد أن يتيمم يعني يتيمم على الأرض التي هو فيها فإذًا ذكر التربة لا يعني الاقتصار عليها وإنما ذكر التنصيص عليها لكون الغالب على الأرض أنها ترابية هذا هو وجه الاقتصار ووجه الاختصاص وذكر التربة دون غيرها، «وأحلت لي الغنائم» هذه من خصائص هذه الأمة أنها أحلت لها الغنائم بخلاف الأمم السابقة فإنها لم تحل لهم الغنائم وهذا من خصائص هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنها ميزت عن الأمم السابقة بأن الأمم السابقة لم تحل لهم الغنائم وإنما إذا جمعت الغنائم تأتي نار وتحرقها وأما هذه الأمة فإن الله رخص لهم في الغنائم وجعلها يستفيدون منها ويستعينون بها على الجهاد وعلى غير الجهاد، «وأعطيت الشفاعة» وهذه الشفاعة (أل) يعني الشفاعة العظمى التي فيها إراحة الناس من الموقف فإن هذه هي الشفاعة التي اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون لأن الناس إذا كانوا في صعيد واحد يموج بعضهم في بعض والعرق يتفاوتون فيه بحسب أعمالهم منهم من يلجمه ومنهم من يكون إلى صدره ومنهم من يكون إلى حقوته ومنهم من يكون إلى ركبته على حسب أعمالهم فإنهم يذهبون إلى آدم ويعتذر ثم يذهبون إلى نوح ويعتذر ثم يذهبون إلى إبراهيم فيعتذر ثم يذهبون إلى موسى فيعتذر ثم يذهبون إلى عيسى فيعتذر ثم يحيلهم إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول أنا لها ويتقدم ويشفع ويشفِّعه الله عز وجل ويأتي للفصل بين العباد ولهذا قيل لها المقام المحمود لأنه يحمده عليها الأولون والآخرون كلهم استفادوا من شفاعته من لدن آدم إلى لدن الذين قامت عليهم الساعة كلهم استفادوا من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقيل أيضا مما اختص به صلى الله عليه وسلم أنه يشفع في الخروج من النار لمن لم يكن عنده إلا أصل التوحيد يعني ليس عنده أعمال وإنما عنده التوحيد فقط وعنده شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإنه الله تعالى يشفعه ولهذا يأتي كثيرا بعد ذكر حديث الشفاعة العظمى حديث المقام المحمود أنه يذكر بعد ذلك الشفاعة في الإخراج من النار وقد بين صلى الله عليه وسلم أنه قال:«كل نبي أعطي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة لمن كان لا يشرك بالله شيئا» ، «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» كل رسول بعث إلى قومه وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى الثقلين الجن والإنس فرسالته وشريعته اتصفت بصفات ثلاث الكمال، والبقاء والخلود، والعموم والشمول فهي شاملة لكل أحد شاملة للجن والإنس كل إنسي وجني من حين بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة فهو من أمة محمد -صلى الله عليه
وسلم- كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار» فرسالته عامة للثقلين الجن والإنس ولا يخرج أحد من رسالته من حين بعثه الله إلى قيام الساعة فكل من لم يؤمن به ومات غير مؤمن به فليس أمامه إلا النار.
129 -
وَعَن عمار بن يَاسر قَالَ: " بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِي حَاجَة فأجنبت فَلم أجد المَاء فتمرغت فِي الصَّعِيد كَمَا تمرغ الدَّابَّة ثمَّ أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَن تَقول بيديك هَكَذَا، ثمَّ ضرب بيدَيْهِ الأَرْض ضَرْبَة وَاحِدَة ثمَّ مسح الشمَال عَلَى الْيَمين وَظَاهر كفيه وَوَجهه " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَاللَّفْظ لمُسلم، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ:" وَضرب صلى الله عليه وسلم َ بكفيه الأَرْض وَنفخ فيهمَا ثمَّ مسح بهما وَجه وكفيه ".
ثم ذكر كيفية التيمم وذكر عمار بن ياسر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه في حاجة فأجنب قال فتمرغت كما تمرغ الدابة في الصعيد -يعني
تمرغ في الأرض وكأنه فهم القياس لأنه لما علم بأن التيمم يكون بدل الماء والماء غير موجود فظن أن الطريقة التي يتطهر بها من الجنابة في التيمم أنها موافقة للطريقة التي يكون بها الاغتسال لأن الاغتسال يكون لجميع الجسد ففهم منه أن التيمم شامل لجميع الجسد ولهذا تمرغ بالتراب كما تمرغ الدابة يعني حتى يصيب التراب جميع جسده فاجتهد والرسول صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك وقال- إنما كان يكفيك -يعني بدل أن تفعل هذا بجسدك كله- يكفيك أن تضرب بيديك الأرض وتمسح وجهك وظاهر كفيك- فالرسول صلى الله عليه وسلم أقره على هذا ولم يقل أعد فدل هذا على الاجتهاد وأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يجتهدون في زمانه صلى الله عليه وسلم وأنه إذا بلغه حالهم فإنه يبين لهم صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم بين له قال- إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا -وهذا فيه دليل على القياس وعلى أن القياس معتبر وأن الصحابة كانوا يستعملون القياس لأن عمار رضي الله عنه تمرغ كما تمرغ الدابة قياسا للتيمم على الاغتسال بالماء وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك لكن في المستقبل ليس لأحد أنه يفعل مثل هذا الفعل لأنه عرف بيان ذلك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعرف الحكم الشرعي بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه يكفيه أن يضرب بكفيه الأرض ويمسح ظاهر كفيه ووجهه هذه هي الصفة التي تكون للتيمم من الحدث الأصغر والأكبر، الحدث الأصغر والأكبر الطريقة فيه واحدة وهي أنه يتيمم بهذه الطريقة لكن ليس لأحد في المستقبل أن يفعل كما فعل عمار رضي الله عنه لأنه اجتهد ولم يكن يعرف التفصيل ولم يعرف السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعد معرفتها ليس لأحد أن يفعل كما يفعل عمار رضي الله عنه وإنما يفعل ما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم عمارا رضي الله بأن قال: إنما يكفيك أن تفعل هكذا، ثم ذكر رواية البخاري التي فيها ذكر النفخ ولعل النفخ سببه من أجل أنه علق بيده شيء من التراب أو يعني أنه غبار كثير إذا مسح بوجهه يظهر أثره على وجهه فنفخ حتى يخفف أو حتى يزول هذا في يده مما علق بها مما قد يكون يقع على وجهه عند مسح الوجه فالرسول صلى الله عليه وسلم نفخ يعني حتى يخف الغبار أو حتى يذهب التراب الذي
…
علق بيديه صلى الله عليه وسلم.
130 -
وَعَن هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد [بن] سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَإِن لم يجد المَاء عشر سِنِين، فَإِذا وجد المَاء فليتق الله وليمسه بَشرته فَإِن ذَلِك خير لَهُ " رَوَاهُ الْبَزَّار، (وَقَالَ ابْن الْقطَّان: إِسْنَاده صَحِيح، وَأرَى الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ:(الصَّوَاب أَنه مُرْسل)، وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي حَدِيث أبي ذَر:(ضَعِيف)، (وَهُوَ غَرِيب من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَله عِلّة، وَالْمَشْهُور فِي الْبَاب حَدِيث أبي ذَر الَّذِي صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره)).
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته»
وهذا حديث صحيح وهذا يدل على أن الصعيد الذي هو ما يتصاعد من الأرض إذا ضرب على الأرض أنه وضوء المسلم يعني أنه يقوم مقام وضوئه لأنه إذا عدم الماء أو وجد ولكنه لم يقدر على استعماله فإن صعيده يقوم مقام وضوئه لأن التيمم بدلا عن الوضوء فإذا عدم الماء أو وجد ولكن لم يقدر على استعماله فإن الإنسان يصير إلى التيمم وهو وضوئه ولو لم يجد الماء عشر سنين هذا مبالغة وأنه لو كثر ولو استمر فإن هذا هو الحكم يعني ليس الحكم لمدة قصيرة أو مدة محددة معينة بل لو طالت لكنه إذا وجد الماء وحصل الماء فإنه يغتسل، فليمسه بشرته فإذا وجد الماء بعد ذلك فإنه يغتسل لأنه كان بعد ذلك عليه جنابات وعليه أشياء تقع على جسده هذه المدة الطويلة يكون على جسده أشياء وأوساخ وأقذار فإن عليه أن يستعمل الماء وأن يغتسل عندما يحصل الماء ولو مكث مدد طويلة ولو مكث عشر سنين كما جاء في هذا الحديث وهذه العشر ذكرها للمبالغة وبيان أنه حتى لو حصل هذه المدة فإن عليه أن يستمر إلى هذه المدة وكذلك أيضا يحصل منه استعمال الماء والاغتسال بالماء يعني إذا وجده بعد ذلك، والحديث صحيح ذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.
131 -
وَعَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ:" خرج رجلَانِ فِي سفر فَحَضَرت الصَّلَاة وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاء فتيمما صَعِيدا طيبا فَصَليَا ثمَّ وجدا المَاء فِي الْوَقْت فَأَعَادَ أَحدهمَا الصَّلَاة وَالْوُضُوء وَلم يعد الآخر ثمَّ أَتَيَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فذكرا ذَلِك لَهُ، فَقَالَ للَّذي لم يعد: أصبت السّنة وأجزأتك صَلَاتك، وَقَالَ للَّذي تَوَضَّأ وَأعَاد: لَك الْأجر مرَّتَيْنِ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَتكلم عَلَيْهِ، وَالْحَاكِم (وَقَالَ:(عَلَى شَرطهمَا) وَفِي قَوْله تساهل، وَقَالَ أَبُو دَاوُد (وَذكر أبي سعيد هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِمَحْفُوظ)).
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبا يعني في حاجة أو في مهمة وأنهما حصل منهما أنهما صليا بالتيمم ثم وجدا الماء في الوقت فأحدهما اجتهد ولم يعد الصلاة لأنه قد أدى ما عليه والثاني اجتهد وأعاد الصلاة فالرسول صلى الله عليه وسلم لما جاؤوا إليه وأخبروه الخبر قال للذي لم يعد الصلاة: «أصبت السنة» يعني أنك أديت ما عليك وفعلت الشيء الذي عليك وهو أنك صليت بالتيمم لأنك فقدت الماء فأنت أصبت السنة وأديت ما عليك وأبرأت ذمتك والذي عليك وهو الصلاة أديته وأما الآخر فرأى أن ذلك لا يكفي وأنه لما وجد الماء عليه أن يتوضأ فتوضأ وصلى فقال له: «لك الأجر مرتين» لاجتهاده مرة لكون الصلاة التي صلاها قبل أن يجد الماء والمرة الثانية من أجل الصلاة التي فعلها بعد ما وجد الماء فهذا يدل على أنه أُجر على عمله الأول وعلى عمله الثاني لكن تبين بهذا أن السنة هو ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم للأول قال أصبت السنة وعلى هذا فإن من حصل منه ذلك في المستقبل ليس له أن يجتهد
وإنما عليه أن يفعل ما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله أصبت السنة ليس لأحد أن يفعل فعل هذا الذي فعله الثاني الذي صلّى مرتين وإنما عليه أن يفعل ما أقر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الأول الذي لم يعد الصلاة لأنه أدى ما عليه وحصل منه أداء ما عليه والحديث صحيح وقد ذكره الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود.
132 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» وآخر الحديث: «وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» وأتى بهذه الجملة التي هي قوله: «إذا أمرتكم بأمر» يعني فيه الإشارة إلى أنه لما أمر الناس بأنهم يتوضؤون ويصلون فإنهم يتوضؤون ويصلون كما أمروا والصلاة إذا كان الإنسان قادر على أن يأتي بها على القيام ليس له أن يأتي بها عن جلوس وإذا كان يقدر على الجلوس ليس له أن يصلي وهو مضطجع ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب، الأوامر يأتي بها الإنسان على قدر طاقته لأنه لما ذكر الوضوء وذكر الصلاة وذكر التيمم ذكر أن الإنسان على حسب طاقته يعني يفعل هذا الشيء لا يكلف الله نفسا إلا وسعها صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب، الأوامر يؤتى بها على قدر الطاقة لأنها قد تستطاع وقد لا تستطاع وأما النواهي فلم يتقيد بالاستطاعة ما قال وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه لأن الترك مستطاع كل يستطيع أن يترك لكن ليس كل يستطيع أن يفعل المأمور لأنه قد يقدر عليه وقد لا يقدر عليه فمثلا لو قيل لإنسان احمل هذه الصخرة صخرة كبيرة إن استطاع أن يحملها يحملها وإذا ما استطاع يتركها في مكانها لكن إذا قيل لا تدخل مع هذا الباب لا يدخل مع الباب لأن الترك مستطاع ما يقول والله أنا لازم أدخل فإذا قيل لا تدخل ولا تخرج مع هذا الباب فإنه يقدم على هذا ولا يحصل منه لأن الترك مستطاع وإنما الذي قد لا يستطاع الفعل فقد يستطاع وقد لا يستطاع إذًا ذكر هذا الحديث يعني هذه القاعدة التي فيها أن كل ما أمر بأمر يأتي به على قدر طاقته لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وأما الترك فإنه مستطاع وليس لأحد أن لا يجتنب المحظور لأنه قادر عليه ولأنه متمكن منه.
باب الحيض
الدرس الخامس عشر:
ذكر أحاديث عديدة في هذا الباب
133 -
رَوَى ابْن أبي عدي عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة رضي الله عنها:" أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش كَانَت تستحاض، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِن دم الْحيض دم أسود يعرف، فَإِذا كَانَ ذَلِك فأمسكي عَن الصَّلَاة، فَإِذا كَانَ الآخر فتوضئي وَصلي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن حبَان، وَالدَّارَقُطْنِيّ (وَقَالَ رُوَاته كلهم ثِقَات، وَالْحَاكِم وَقَالَ: (عَلَى شَرط مُسلم)، وَقَالَ النَّسَائِيّ:(قد رَوَى هَذَا الحَدِيث غير وَاحِد فَلم يذكر أحد مِنْهُم مَا ذكر ابْن أبي عدي)، وَقَالَ أَبُو حَاتِم:(لم يُتَابع مُحَمَّد بن عَمْرو عَلَى هَذِه الرِّوَايَة، وَهُوَ مُنكر)).
أولها حديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه أن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها كانت تستحاض وأنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرها بأن دم الحيض أسود وأنه يعرف ومعنى ذلك أنه تعرفه النساء بسواده وهذا يتعلق بالرؤية والمشاهدة وقيل يعرَف من المعرفة وقيل يعرِف بكسر الراء من العرف وهو الذي له رائحة وهي رائحة كريهة وهذا يعرف عن طريق الشم فإذًا هناك علامتان يدلان على الحيض والتمييز بينه وبين الاستحاضة وأن الحيض أسود يشاهد ويعرف لونه وأيضا رائحته كريهة يعني تتميز عن رائحة الدم المعتاد دم الاستحاضة الذي هو مستمر مع المرأة فالرسول صلى الله عليه وسلم قال إذا كانت العادة بهذا اللون فإنها تمسك عن الصلاة وتمسك عن الصيام لأنها حائض والحائض لا تصوم ولا تصلي ولكنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإذا أقبلت العادة التي هي كون الدم أسود وأنه له رائحة فدعي الصلاة يعني أنها تترك الصلاة والصيام وهذا فيه إشارة إلى أن المرأة لها حالات الحالة الأولى أن تعرف عادتها باللون والرائحة كما جاء في هذا الحديث فإذا وجد اللون ووجدت الرائحة فإنها تمتنع عن الصلاة مدة وجود هذا الدم الذي هذا وصفه وهذه حالته أنها تمتنع عن الصلاة وعن الصيام فإذا ذهب اللون الأسود وذهبت الرائحة وجاء اللون الذي ليس بأسود وإنما هو أحمر أو أشقر أو أي صفات أخرى غير السواد فإنها في الحالة هذه تمسك عن الصيام والصلاة فإذا ذهب ذلك فإنها تتوضأ وتصلي وقد جاء في بعض الروايات الأخرى وبعض الأحاديث الأخرى التي ستأتي أنها تغتسل لأن الاغتسال لابد منه عند انتهاء الحيض وأما الوضوء فهذا فيه خلاف من العلماء من قال إنها تتوضأ لكل صلاة ومنهم من قال إنها إذا توضأت فإنه يستمر وضوؤها حتى يحصل الحدث
الذي هو غير الاستحاضة لأن دم الاستحاضة مستمر معها وعلى هذا فالمرأة المستحاضة لها ثلاث حالات إما أن تكون تعرف ذلك بالرائحة واللون وهذا هو أول شيء لأن العادة
تتغير قد تتقدم وتتأخر فإذًا الحالة الأولى أن يعرف باللون والرائحة والحالة الثانية أن لا يعرف لون ولا رائحة ولكنه كان لها عادة قبل أن تأتيها الاستحاضة بأن تكون من العادة أنها من واحد وعشرين مثلا إلى خمس وعشرين فإنها تمتنع في هذه المدة التي هي عادتها قبل أن تأتيها الاستحاضة وإن كان لا هذا ولا هذا ليس هناك عادة وليس هناك لون ورائحة فهذا سيأتي الحديث الذي قال إنها تتحيَّض وأنها تجلس ستة أيام أو سبعة وتمتنع عن الصلاة فيها وإذا انتهت هذه الأيام الستة أو السبعة فإنها بعد ذلك يكون ما بعد هذه الستة والسبعة تعتبر حالة طهر فإنها تصوم وتصلي في هذه الأيام الباقية إذًا هناك ثلاث حالات للمستحاضة الحالة الأولى أن يعرف ذلك باللون والرائحة والثانية أن لا يعرف لون ولا رائحة ولكنه معروف لها عادة قبل أن يأتيها الاستحاضة فتأخذ بالعادة وإذا كان لا هذا ولا هذا فإنها تتخيَّر ستة أيام أو سبعة وتعتبرها عادة وما زاد على ذلك التي هي أربع وعشرين أو ثلاث وعشرين فإن هذا يكون حال طهرها الذي تصوم فيه وتصلي.
134 -
وَعَن أَسمَاء بنت عُمَيْس قَالَت: " قلت يَا رَسُول الله إِن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش استحيضت مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَلم تصل؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: سُبْحَانَ الله هَذَا من الشَّيْطَان، لتجلس فِي مركن، فَإِذا رَأَتْ صفرَة فَوق المَاء فلتغتسل لِلظهْرِ وَالْعصر غسلا وَاحِدًا، وتغتسل للمغرب وَالْعشَاء غسلا وَاحِدًا، وتغتسل للفجر غسلا وتتوضأ فِيمَا بَين ذَلِك " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم (وَقَالَ: (عَلَى شَرط مُسلم)، وَقد أعله بَعضهم)
ثم ذكر هذا الحديث عن أسماء بنت عميس في قصة فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنهما وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أُبلِغ بأنها يأتيها هذا وأنها لا تصلي فقال: «سبحان الله» متعجبا لكونها ما تصلي لأن الصلاة لابد منها ولا تمتنع منها إلا في حال الحيض فإذا عرف الحيض فإنها تمتنع وما عدا ذلك فإنها تصلي فإذًا قوله: «سبحان الله» هذا للتعجب من كونها لا تصلي لأن الصلاة لا تترك إلا في حال الحيض وأما الاستحاضة التي هي مستمرة والتي الدم معها مستمر فإن هذا لا يمنع من الصلاة ولا يمنع من الصيام ولا يمنع من الجماع يعني جميع الأحوال التي تكون للطاهرة تكون لها فيجامعها زوجها وهي مستحاضة إذا كان خارج عن مدة الحيض وكذلك تصلي وتصوم وهي مستحاضة لأن هذا شيء ملازم لها ومستمر معها فالرسول صلى الله عليه وسلم تعجب من كونها لا تصلي وقال: «سبحان الله» يعني هذا غلط كونها تترك الصلاة بسببه لأن هذا الدم دم مستمر معها فلا تترك الصلاة وإنما تصلي ومعها الدم هذا الذي هو دم الاستحاضة وإنما تمتنع من الصلاة والصيام في حال دم الحيض الذي عرفنا أنه بأحوال ثلاثة التي هي ما يعرف بلونه ورائحته وما يعرف بالعادة التي اعتادتها قبل أن يأتيها
الاستحاضة وكذلك الحالة الثالثة هي أنها تتخير لها مدة معينة ستة أيام أو سبعة فتعتبرها عادتها وما وراء ذلك تعتبره طهرا فتصوم فيه وتصلي ويجامعها زوجها ويكون حكمها حكم الطاهرات، ثم ذكر ما يتعلق أنها تغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا وتجمع بينهما وكذلك تغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا وتجمع بينهما وتغتسل للفجر يعني الغسل الواجب هو الغسل من الحيض وانتهاء الحيض وأما هذا فهذا ليس بواجب أنها تغتسل للصلاتين الظهر والعصر غسلا واحدا والمغرب والعشاء غسلا واحدا والفجر غسلا واحد هذا ليس بلازم وليس بواجب وإنما الواجب هو الاغتسال عند انتهاء الحيض بأي طريقة من الطرق الثلاث التي مرت.
135 -
وَعَن حمْنَة بنت جحش قَالَت: " كنت أسْتَحَاض حَيْضَة كَثِيرَة شَدِيدَة فَأتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ أستفتيه وَأخْبرهُ فَوَجَدته فِي بَيت أُخْتِي زَيْنَب بنت جحش فَقلت: يَا رَسُول الله! إِنِّي أسْتَحَاض حَيْضَة كَثِيرَة شَدِيدَة فَمَا تَأْمُرنِي فِيهَا، قد منعتني الصّيام وَالصَّلَاة؟ قَالَ: أَنعَت لَك الكرسف فَإِنَّهُ يذهب الدَّم، قَالَت: هُوَ أَكثر من ذَلِك؟ قَالَ: فتلجمي، قَالَت: هُوَ أَكثر من ذَلِك، قَالَ: فاتخذي ثوبا، قَالَت: هُوَ أَكثر من ذَلِك إِنَّمَا أثج ثَجًّا. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: سآمرك بأمرين أَيهمَا صنعت أَجْزَأَ عَنْك فَإِن قويت عَلَيْهِمَا فَأَنت أعلم، فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ ركضة من الشَّيْطَان، فتحيضي سِتَّة [أَيَّام] أَو سَبْعَة أَيَّام فِي علم الله، ثمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذا رَأَيْت أَنَّك طهرت واستنقأت فَصلي أَرْبعا وَعشْرين لَيْلَة [أَو ثَلَاثًا وَعشْرين لَيْلَة] وأيامها، وصومي وَصلي فَإِن ذَلِك يجزئك، وَكَذَلِكَ فافعلي كَمَا تحيض النِّسَاء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرن، فَإِن قويت عَلَى أَن تؤخري الظّهْر وتعجلي الْعَصْر [فتغتسلين حِين تطهرين وتصلين الظّهْر وَالْعصر] جَمِيعًا ثمَّ تؤخرين الْمغرب وتعجلين الْعشَاء ثمَّ تغتسلين وتجمعين بَين الصَّلَاتَيْنِ فافعلي، وتغتسلين مَعَ الصُّبْح وتصلين، وَكَذَلِكَ فافعلي وصومي إِن قويت عَلَى ذَلِك، فَقَالَ، رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: وَهُوَ أعجب الْأَمريْنِ إِلَيّ " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، (وَالتِّرْمِذِيّ وَهَذَا لَفظه، وَصَححهُ، وَكَذَلِكَ صَححهُ أَحْمد بن حَنْبَل، وَحسنه البُخَارِيّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (تفرد بِهِ ابْن عقيل وَلَيْسَ بِقَوي)، ووهنه أَبُو حَاتِم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ (تفرد بِهِ عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، وَهُوَ مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج)).
ثم ذكر بعد ذلك حديث حمنة رضي الله عنها أنها جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت حصل لها استحاضة وقال إنها يحصل لها كثير وشديد يعني كثير وصف للكمية وشديد وصف للكيفية يعني كيفية أنه شديد وأنها تثج ثجا يعني يخرج منها بقوة وبغزارة وقولها كثيرة يعني أنه كميته كثيرة فيه الجمع بين وصف الكثرة بالكمية ووصف القوة والشدة في الكيفية فالرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءت إليه قال: «أنعت لك الكرسف» والكرسف هو القطن يعني معناه أنها تضعه في فرجها فقالت: هو أشد من ذلك يعني معناه أنه ما يؤثر فيه الكرسف قال: تلجمين يعني معناه أنها تضع خرقة أو ثوب تشده على وسطها وتجعله على فرجها بحيث أنه يمنع الخارج فقالت: هو أشد من ذلك يعني معناه ما يمنعه التلجم بالثوب أو القماش الذي يكون على فرجها ما يمنعه قال لها: استعملي ثوبا قالت: هو أكثر من ذلك يعني ثوب خاص لهذا، ثم إنه وصف لها صلى الله عليه وسلم الطريقة الثالثة التي أشرنا إليها، الأولى أنها تعرف باللون والرائحة والثاني يُعرف بالعادة التي كانت موجودة قبل الاستحاضة والثالث إذا كان لا هذا ولا هذا ليس معروف لها عادة ولا معروف لها لون ورائحة فإنها تتحيض سبعة أيام أو ستة لأن غالب النساء يتحيضن هذه المدة فتختار لها ستة أيام أو سبعة من الشهر وتجلس فيها فتعتبرها عادة وما وراء ذلك اللي هي ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين هذا يعتبر طهر يعني تصوم فيه وتصلي وذكر لها حالتين وتجمع بين الصلاتين وهذا دليل على أن المستحاضة لها أن تجمع بين الصلاتين وكذلك المريض الذي يشق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها فإن له أن
يجمع بين الصلاتين لكنه لا يقصر المريض يجمع ولا يقصر والدليل على الجمع هو ما جاء في قصة المستحاضة وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لها بأنها تجمع بين الصلاتين، والحالة الثانية التي أرشدها الرسول صلى الله عليه وسلم إليها هي التي فيها الجمع الصوري التي هي تؤخر الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها وكذلك تؤخر المغرب إلى آخر وقتها وتعجل العشاء في أول وقتها وأن أي شيء فعلته من هذا فكل منهما سائغ وجائز.
136 -
وَعَن عَائِشَة: " أَن أم حَبِيبَة بنت جحش الَّتِي كَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: شكت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ الدَّم، فَقَالَ لَهَا: امكثي قدر مَا كَانَت تحبسك حيضتك ثمَّ اغْتَسِلِي، فَكَانَت تَغْتَسِل عِنْد كل صَلَاة " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن أم حبيبة وهي زوجة عبدالرحمن بن عرف رضي الله عنهما وأنه ذكرت أنها تستحاض فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشدها إلى أنها تجلس قدر عادتها هذا في ما إذا كانت معتادة بأنها كانت لها عادة قبل تأتيها يوم واحد وعشرين وتنتهي يوم خمس وعشرين مثلا فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تجلس هذه المدة التي اعتادتها قبل أن يأتيها ثم تغتسل وتصلي لأن الاغتسال عند انتهاء العادة سواء كانت تعرف باللون والرائحة أو تعرف بالعادة التي كانت قبل الاستحاضة فإنها تغتسل عند انتهاء عادتها وتصلي تغتسل وتصلي لأن الاغتسال لابد منه من انتهاء الحيض، وتغتسل يعني إذا انتهت عادتها التي كانت قد اعتادتها وأنها مثلا من واحد عشرين إلى خمس وعشرين ثم اغتسلي فكانت تغتسل لكل صلاة يعني هذا الاغتسال لكل صلاة ليس من الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما اجتهاد منها أنها كانت تفعل ذلك وأن عند كلا صلاة من الصلوات الخمس تغتسل لكن الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم الاغتسال عند انتهاء الحيض.
137 -
وَعَن عَائِشَة قَالَت: " اعتكفت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ امْرَأَة من أَزوَاجه وَهِي مُسْتَحَاضَة، فَكَانَت ترَى الدَّم والصفرة والطست تحتهَا وَهِي تصلي " رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَأَبُو دَاوُد.
ثم ذكر هذا الحديث أن امرأة من أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكفت معه وأنها كانت مستحاضة وأنها كانت ترى الدم يكون في الطست، ومعنى ذلك أن الاستحاضة تحصل منها وأن الصفرة وهذا في الطست تحتها وهي تصلي، وهذا الحديث في تعيين هذه الواحدة من أمهات المؤمنين جاء فيه أقوال متعددة ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقال: إن أقربها ما جاء أن أم سلمة رضي الله عنها هي التي حصل لها هذا الشيء.
138 -
[وَعَن أم عَطِيَّة قَالَت: " كُنَّا لَا نعد الصُّفْرَة والكدرة بعد الطُّهْر شَيْئا " رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَأَبُو دَاوُد]. وَلَيْسَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: " بعد الطُّهْر "، وَرَوَاهُ الْحَاكِم مثل رِوَايَة أبي دَاوُد وَقَالَ:(عَلَى شَرطهمَا).
ثم ذكر هذا الحديث عن أم عطية رضي الله عنها قالت: كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا يعني لا يعتبرونه حيض يعني بعد الطهر ومعنى ذلك أن ما كان قبل الطهر وقبل انتهاء العادة فإنه يكون حيضا لأن الكدرة والصفرة في زمن العادة عادة وفي خارج العادة طهرا ويكون مثل الاستحاضة أو من قبيل الاستحاضة إذا كان بعد الطهر وإنما إذا كان في الطهر فإنه حيض وعلى هذا فإن المرأة إذا كان عادتها ستة أيام وحصل في آخرها قبل انتهاء الستة أنه صار فيه صفرة أو كدرة فإن هذا يكون عادة ويعتبر عادة وأما إذا كان انتهت مدتها وانتهت عادتها المعروفة وصارت الصفرة بعد ذلك فإنها لا تعتبر حيضا ولا تمنع من الصلاة وإنما عليها أن تغتسل يعني عندما تنتهي العادة وهذا الذي كان خارجا عنها عن زمن العادة هذا يعتبر استحاضة ولا يمنعها من الصلاة ولا يمنعها من الصيام وإنما تغتسل إذا انتهت عادتها وما كان بعد ذلك فإنه ليس عادة كما قالت أم عطية رضي الله عنها: كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا.
139 -
وَعَن أنس بن مَالك: " أَن الْيَهُود كَانُوا إِذا حَاضَت الْمَرْأَة فيهم لم يؤاكلوها وَلم يجامعوها فِي الْبيُوت، فَسَأَلَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ، فَأنْزل الله تَعَالَى: {ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} إِلَى آخر الْآيَة. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: اصنعوا كل شَيْء إِلَّا النِّكَاح " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه بيان أن اليهود يعني كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يجالسوها ولم يخالطوها وإنما اعتزلوها وابتعدوا عنها وابتعدت عنهم فهذا من تعنت اليهود وتشدد اليهود، وقيل إن النصارى يقابلونهم فهؤلاء مفرِطون والنصارى مفرِّطون وأنهم يجامعوها وهي حائض النصارى قيل أنهم يجامعوها وهي حائض وأنهم لا يتنزهون منها وأنهم يحصل منهم الجماع في الحيض واليهود عكسهم والمسلمون وسط بين الإفراط والتفريط فهم لا يعتزلونها كما يفعل اليهود ولا يجامعونها كما تفعل النصارى وإنما يعتزلون جماعها ويعتزلون الاستمتاع بها بالفرج ولهذا لما ذكروا ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم قال:«اصنعوا كل شيء إلا الجماع» يعني معناه أن الإنسان له أن يباشرها في فخذيها بشرط أنه يأمن أنه لا يقع في المحظور الذي هو الجماع في الفرج وعلى هذا فإذا حصل الاستمتاع بها بغير الفرج فإن هذا هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: «اصنعوا كل شيء إلا الجماع» .
140 -
وَعَن عَائِشَة قَالَت: " كنت أَغْتَسِل أَنا وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم َ من إِنَاء وَاحِد كِلَانَا جنب، وَكَانَ يَأْمُرنِي فأتزر، فيباشرني وَأَنا حَائِض، وَكَانَ يخرج إليّ رَأسه [وَهُوَ معتكف] فأغسله وَأَنا حَائِض " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ.
هذا الحديث فيه بيان ما كان عليه المسلمون من عدم موافقة اليهود في كونهم يعتزلونها فالرسول صلى الله عليه وسلم يأمرها فتتزر فيباشرها يعني المباشرة يعني جلده يمس جلدها ليس المقصود هنا المباشرة التي مع الجماع وإنما تتزر ثم جسده يمس جسدها وهذا بخلاف ما كان عليه اليهود الذين يبتعدون عنها، كان صلى الله عليه وسلم تقول: يأمرني فأتزر فيباشرني، والمقصود بالمباشرة كون جسده يمس جسدها صلى الله عليه وسلم وليس المقصود به يباشرها أن المباشرة التي معناها الجماع، ومماسة الحائض وكون هذا بخلاف ما كان عليه اليهود الذين لا يمسونها ولا تمسهم.
141 -
وَعَن ابْن عَبَّاس " عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ: يتَصَدَّق بِدِينَار أَو نصف دِينَار " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ، (وَالْحَاكِم وَصَححهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد:(وَهَكَذَا الرِّوَايَة الصَّحِيحَة، قَالَ: دِينَار أَو نصف دِينَار. وَرُبمَا لم يرفعهُ شُعْبَة). وَقَالَ ابْن السكن: (هَذَا حَدِيث مُخْتَلف فِي إِسْنَاده وَلَفظه، وَلَا يَصح مَرْفُوعا). وَخَالفهُ ابْن الْقطَّان وَصحح الحَدِيث، وَقد وهم من حَكَى الِاتِّفَاق عَلَى ضعفه. وَقَالَ ابْن مهْدي:(قيل لشعبة إِنَّك كنت ترفعه؟ قَالَ: إِنِّي كنت مَجْنُونا فصححت)).
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الذي يأتي امرأته وهي حائض عليه أن يتصدق بدينار أو نصف دينار وهذا اختلف في تصحيحه وفي ثبوته وبعض أهل العلم صححه وأثبته وأن من حصل منه الجماع في الفرج فإنه ارتكب أمرًا محظورا وعليه كفارة وهي التصدق بدينار أو نصفه يعني كفارة لهذا الذي حصل منه وقد صححه جماعة وضعفه آخرون والقول بتصحيحه وكون هذا هو الذي فيه الاحتياط في الدين.
باب إزالة النجاسة وذكر بعض الأعيان النجسة
الدرس السادس عشر:
هذا الباب ختم به الشيخ الحافظ محمد بن أحمد بن عبدالهادي رحمه الله كتاب الطهارة من كتابه المحرر وذكر فيه هذا الباب باب إزالة النجاسة وذكر بعض الأعيان المحرمة.
142 -
عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: " سُئِلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ عَن الْخمر تتَّخذ خلا؟ فَقَالَ: لَا " رَوَاهُ مُسلم.
أورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الخمر تتخذ خلا؟ قال: «لا» قال إنها لا تتخذ خلا والخمر هي ما خامر العقل وغطاه وقيل لها خمر لأنها تغطي العقل وتجعل الإنسان عندما يكون عنده عقل ويشربها فإنه يتحول من كونه عاقلا إلى كونه شبيها بالمجانين ومن أسوأ ما سمعت به فيما يتعلق ببيان قذارة الخمر وأن صاحبها أشبه ما يكون بالمجانين ما سمعته من شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه أنه قال: أن رجلا حصل له السكر فكان يبول في
يديه ويغسل وجهه يعني ببوله ويقول سبحان الذي أنزل من السماء ماء طهورا، وهذا يدل على قبح مثل هذا العمل وأن من أعطاه الله عقلا فإن عليه أن يحافظ على هذا العقل ولا يسعى لأن يكون من جملة المجانين وقد أعطاه الله العقل فيسعى لأن يكون مجنونا وجمهور العلماء على أن الخمر نجسة وذكره في هذا الباب على اعتبار أنها من الأشياء النجسة وذكر حديث أنس رضي الله عنه أنه سأل قال تتخذ خلا؟ يعني معناه أنها تخلل بمعنى أن الخمر المسكرة يوضع فيها من الأشياء التي هي طيبة حتى تتحول من كونها مسكره أو غير مسكره فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا» أنها لا تتخذ خلا ولا يعمل على تخليلها لكنها إذا تخللت بنفسها وتغيرت بنفسها فإن استعمالها صحيح لأنه زال عنها الإسكار وعلى هذا فإن الخمر نجسة وهي مما جاء كتاب الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في التحذير منها وفي تركها والابتعاد عنها.
143 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَيْسَ بِنَجس حَيا وَلَا مَيتا " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَاكِم (وَقَالَ:(صَحِيح عَلَى شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ)). وَقَالَ البُخَارِيّ: " وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا ".
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تنجسوا موتاكم» يعني لا تصفونهم بالنجاسة هذا معنى قوله: «لا تنجسوهم» يعني لا تصفونهم بالنجاسة أو تقولون أنهم أنجاس الذين هم الموتى فالمسلم طاهر حيا وميتا فلا يوصف بأنه نجس وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فانخنس فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: إني كنت على جنابة فكرهت أن أجالسك وأنا على جنابة فقال صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن لا ينجس» فهو طاهر حيا وميتا وتغسيله عندما يموت ليس للنجاسة وإنما لتطهيره وتنظيفه وكونه يكون على حالة حسنة هذا هو المقصود من تغسيله إذا مات وليس التغسيل من أجل أنه نجس وإنما هو طاهر فالمسلم طاهر حيا وميتا وأما الكافر فإن جسده إذا لم يكن عليه نجاسة فإنه يكون طاهرا، وصْف الله عز وجل للكفار أنهم نجَس يعني المقصود أن الإنسان إذا مسه فيكون مس نجاسة وأن عليه أن يغسل يعني هذا الذي حصل من مماسته لجسده فهو طاهر والنجاسة إنما هي النجاسة المعنوية وهي نجاسة كفر وأما الجسد إنه طاهر فالإنسان إذا وضع يده عليه لا يقال إنه وضع يده على نجاسة وأنه عليه أن يغسل هذه النجاسة إلا إذا عرف بأن عليه نجاسة وأن الإنسان لمس هذه النجاسة فإنه يغسل هذه النجاسة الطارئة إذًا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا
تنجسوا موتاكم» يعني لا تصفونهم بالنجاسة فالمسلم لا ينجس حيا ولا ميتا يعني هو طاهر في حياته وطاهر في حال وفاته.
144 -
وَعَن أنس " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ لما حلق رَأسه كَانَ أَبُو طَلْحَة أول من أَخذ من شعره " هَكَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَرَوَاهُ مُسلم وَلَفظه:" أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ ناول الحالق شقة الْأَيْمن فحلقه، ثمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَة فَأعْطَاهُ إِيَّاه، ثمَّ نَاوَلَهُ الشق الْأَيْسَر فَقَالَ: احْلق فحلقه، فَأعْطَاهُ أَبَا طَلْحَة، فَقَالَ: اقسمه بَين النَّاس ".
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه أنه حلق شعره وأعطاه أبا طلحة رضي الله عنه ليوزع نصفه على الناس ونصفه أعطاه إياه والمصنف أورد هذا الحديث من أجل بيان أن الشعر طاهر وأن هذا هو المقصود من إيراده في هذا الباب والصحابة رضي الله عنهم لما أعطاه ليوزع بين الناس لأنهم كانوا يتبركون بشعره ويتبركون بفضل وضوئه ويتبركون بعرقه ويتبركون بما مسَّه جسده صلى الله عليه وسلم وحتى الثياب التي يلبسها يحرصون على تحصيلها أو على استعمالها كما جاء في قصة الرجل الذي أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بردة فلبسها محتاجا إليها فرآها رجل عليه وقال: يا رسول الله اكسنيها فالرسول صلى الله عليه وسلم دخل منزله وخلعها وأعطاها إياه فلامه الناس على ذلك وقالوا كيف تسأله وقد لبسها محتاجا إليه فقال: إني ما سألته لألبسها وإنما سألته لتكون كفني يعني يريد أن يتبرك بهذه البردة التي مست جسد الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فإن هذا الحديث أورد لبيان طهارة الشعر وأن ما انفصل من الإنسان يعني من شعر فإنه يكون طاهرا سواء كان متصلا أو منفصلا.
145 -
وَعَن أنس بن مَالك قَالَ: " لما كَانَ يَوْم خَيْبَر جاءَ جاءٍ فَقَالَ: يَا رَسُول الله أكلت الْحمر، ثمَّ جاءَ جاءٍ فَقَالَ يَا رَسُول الله أُفنيت الْحمر، فَأمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَبَا طَلْحَة فَنَادَى: إِن الله وَرَسُوله ينهيانكم عَن لُحُوم الْحمر فَإِنَّهَا رِجْس - أَو نجس - قَالَ فأُكفئت الْقُدُور بِمَا فِيهَا " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَلَفظه لمُسلم. وَفِي " الصَّحِيح " فِي حَدِيث سَلمَة: " أَنهم أَخْبرُوهُ أَنهم يوقدون عَلَى لحم الْحمر الإنسية فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: " أهريقوها واكسروها، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله أَو نهريقها ونغسلها؟ قَالَ: أَو ذَاك ".
ثم ذكر هذا الحديث المتعلق بالحمر الأهلية وأنها نجسة وأنها محرمة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بتحريمها وأن الناس لا يأكلونها ولا يستعملونها والحمر الأهلية والإنسية هي مقابلة للحمر الوحشية التي هي صيد والتي هي حلال فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث بين أنها رجس وأنها نجس وأن الناس لا يأكلونها وأن ما أخبر به من أنهم وضعوها في القدور وأوقدوا عليها النار لهذا أمر بإكفائها وإراقتها والتخلص منها وأنها لا تؤكل فدل ذلك على أنها محرمة وأن تحريمها لنجاستها وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي قال فيه فإنه ركس أو أنها نجس فهي محرمة لا يجوز أكلها سواء ذكيت أو لم تذكى لأن التذكية لما لا يجوز أكله يعتبر ميتة التذكية لا تُحِل الشيء الذي يتساوى فيه ميتته وتذكيته فإنها لا تحله وإنما هو حرام وهذه الأحاديث تدل على تحريم الحمر الأهلية وعلى نجاستها.
146 -
وَعَن عَمْرو بن خَارِجَة قَالَ: " خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ بمنى وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته وَهِي تَقْصَعُ بجرتها ولعابها يسيل بَين كَتِفي " - الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث عن عمرو بن خارجة رضي الله عنه أنه كان الرسول صلى الله عليه وسلم على ناقته في منى ويحدث الناس ويبين للناس أحكام حجهم قال وكان خطامها بيده وكان لعابها يسيل بين كتفيه هنا أورده من أجل طهارة اللعاب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رآه وأقره ولم يقل اغسله فدل هذا على أن لعاب الناقة وكذلك لعاب ما يباح أكله كالبقر والغنم وكالصيد الظباء وغيرها أن لعابها طاهر بل قد جاء ما يدل على أن البول أنه يكون طاهرا فيما يتعلق بالنسبة للإبل ومثلها كل ما يؤكل لحمه فإنه يكون طاهرا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء العرنيين واستوبؤا المدينة أمرهم بأن يذهبوا إلى إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها فهذا دل على طهارتها وكذلك أرواثها فإنها طاهرة يعني كل ما يؤكل لحمه فإن بوله وروثه طاهر فاللعاب من باب أولى اللعاب أسهل من البول وكل ما يحصل من مأكول اللحم سواء كان روثا أو بولا أو لعابا فإنه يكون طاهرا.
147 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: " مر النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ بقبرين فَقَالَ: إنَّهُمَا ليعذبان وَمَا يعذبان فِي كَبِير! أما أَحدهمَا فَكَانَ لَا يسْتَتر من الْبَوْل، وَأما الآخر فَكَانَ يمشي بالنميمة، ثمَّ أَخذ جَرِيدَة رطبَة فَشَقهَا نِصْفَيْنِ فغرز فِي كل قبر وَاحِدَة. قَالُوا يَا رَسُول الله لم فعلت هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّه يُخَفف عَنْهُمَا مَا لم ييبسا " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَلَفظه للْبُخَارِيّ، وَقد رُوِيَ بِثَلَاثَة أَلْفَاظ: يسْتَتر، ويتنزه، ويستبرئ، فالأولان: مُتَّفق عَلَيْهِمَا، والأخير: انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير» يعني معنى كبير عندهما وأنهم يعتبرونه شيئا سهلا وهو كبير وعظيم فقال: «أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول» وهذا محل الشاهد لأن فيه إزالة النجاسة وأنه يعذب بسبب عدم تنزهه من البول وعدم تحرزه من البول فبين صلى الله عليه وسلم أنهما يعذبان وبين سبب العذاب أحدهما كان يمشي بالنميمة والثاني كان لا يستبرئ من البول فدل هذا على التنزه من البول وأن التساهل فيه وأن حصوله من الإنسان أنه لا يستبرئ من البول أن هذا مما يكون سببا في العذاب في القبر والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ جريدة رطبة وشقها قطعتين ووضع على كل قبر قطعة وبين السبب قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» يعني في حال رطوبتهما يخفف عنهما وهذا الذي حصل خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز لأحد أن يفعل كما فعل بأن يأتي ويضع على القبور جرائد رطبة أو كذلك زهور أو ما إلى ذلك فإن هذا لا يسوغ ولا يجوز وهذا الذي حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم خاص به لأنه عرف أن صاحب القبر يعذبان وعرف سبب العذاب فعمل هذا العمل وغيره لا يعلم قد يكون منعم وقد يكون معذب فلا يقال إن هذا يفعله الناس ويقتدي الناس بالرسول صلى الله عليه وسلم
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف المعذبين وعرف سبب العذاب وحصل هذا الشيء وقال لعله يخفف أما غيره فلا يعلم هل هو معذب أو غير معذب ولا يفعل شيئا الاحتياط يقول إن كان معذب فإن ذلك ينفعه لا الرسول صلى الله عليه وسلم ما أرشد إلى أن الناس يفعلون هذا وإنما فعله ومعلوم أن ما يحصل منه صلى الله عليه وسلم مما يختص به ومما يتميز به على غيره من أمته صلى الله عليه وسلم.
148 -
وَعَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ كَانَ يغسل المنيّ ثمَّ يخرج إِلَى الصَّلَاة فِي ذَلِك الثَّوْب وَأَنا أنظر إِلَى أثر الْغسْل فِيهِ " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ لمُسلم.
149 -
وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن عَائِشَة: " لقد رَأَيْتنِي أفركه من ثوب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فركاً فَيصَلي فِيهِ ".
150 -
وَله أَيْضا عَنْهَا: " لقد رَأَيْتنِي وَإِنِّي لأحكه من ثوب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَابسا بظفري ".
ثم ذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها في المني وطهارته وأنه طاهر وذكر فيه هذه الأحاديث الثلاثة عن عائشة رضي الله عنها والأول أنه كان صلى الله عليه وسلم يغسله وهذا يدل على أنه حصل منه الغسل ولعل ذلك في ما إذا كان رطبا فإنه يغسل والغسل ليس للنجاسة وإنما لإزالة الشيء الذي يستقذر فهو الآن ليس لنجاسته وإنما لإزالة هذا الشيء الذي لو بقي على الثياب فإنه يستقذره الناس والرواية الثانية والثالثة فيه أنها تحكه يعني حكا والثانية تفركه فركا وهذا فيما إذا كان يابس وهذا يدل على طهارته لأنه لو كان نجسا لاحتاج إلى الغسل ما يكفي فيه الفرك ويكفي فيه الحك وإنما يتعين غسل فلما حصل منها الفرك والحك يعني الشيء اليابس دل على أنه طاهر وأما الغسل الذي حصل فلا يعني ذلك لأنه للنجاسة وإنما لإزالة ذلك الأثر الذي النظر إليه لا يعجب الناس لا يعجب من رآه لأنها أشياء مستقذره يعني هذا هو الغسل من أجله لا من أجل النجاسة لأن الحك والفرك واضح الدلالة على أنه طاهر لأن الحك والفرك لا يطهر ما كان نجسا وإنما الذي
…
يطهر هو الغسل.
151 -
وَعَن أبي السَّمْح قَالَ: " كنت أخدم النَّبِي فَأتي بحسَن - أَو حُسين - فَبَال عَلَى صَدره صلى الله عليه وسلم َ فَجئْت أغسله فَقَالَ: يُغسل من بَوْل الْجَارِيَة ويُرش من بَوْل الْغُلَام " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، (وَالْحَاكِم وَصَححهُ، وَقَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ: (لَا أعرف اسْم أبي السَّمْح هَذَا)).
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي السمح رضي الله عنه أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بحسن أو حسين رضي الله عنهما فبال على صدره فجاء ليغسله فقال: «يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام» يعني أنه يكفي أن يرش رشا وأنه لا يحتاج إلى غسل جاء التخفيف فيما يتعلق بالغلام دون الجارية فالجارية يغسل من بولها والغلام ينضح من بوله فهذه من المسائل التي جاءت السنة في التفريق فيها بين الذكور والإناث وأن هناك أحكاما الأصل فيها التساوي في جميع الأحكام بين الرجال والنساء وما جاء نصوصا في التفريق بين الرجال والنساء فإنه يصار إليها إلى هذه النصوص المفرقة
وما عدا ذلك مما لم يكن فيه نص على التفريق فإنه يستوي فيه الرجال والنساء وهذا الحديث يدل على مسألة من المسائل الكثيرة التي فيها التفرقة بين الرجال والنساء في الأحكام وقد ذكرت في الفوائد المنتقاة في الفائدة أربع مائة وثلاث وثمانين عشرين فرقا جاءت بها السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التفريق بين الرجال والنساء وذكرت أيضا أن السيوطي ذكر في كتابه الأشباه والنظائر أكثر من ثمانين موضعا في التفريق بين الرجال والنساء في كتابه الأشباه والنظائر وعلى هذا فإن هذا الذي جاء في هذا الحديث واحدة من المسائل التي يفرق فيها بين الذكور والإناث.
كتاب الصلاة
الدرس السابع عشر:
لما فرغ الحافظ ابن عبدالهادي رحمه الله من كتاب الطهارة أتى بعده بكتاب الصلاة، وكتب الفقه وكتب الحديث هي مرتبة على العبادات ثم المعاملات والعبادات هي أركان الإسلام الخمسة التي هي الشهادتين ثم الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج هذه أركان الإسلام ويؤتى بها في أول الكتب وإذا فرغ منها أتي بالمعاملات، والمؤلف رحمه الله ذكر كتاب الصلاة بعدما فرغ من كتاب الطهارة وذلك أن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة ولابد من الطهارة فيها لابد من الوضوء إذا كان الماء موجودا وإلا انتقل إلى التيمم فلابد من التطهر للصلاة إما بالوضوء أو بالتيمم فلما كان هذا شرط من شروطها والشرط لابد أن يكون موجودا عند الإتيان بالصلاة قدمت الطهارة لأنها لا تصح الصلاة إلا بطهارة.
152 -
عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَقُول: " بَين الرجل وَبَين الشّرك وَالْكفْر ترك الصَّلَاة " رَوَاهُ مُسلم.
أورد في أول هذا الباب هذا الحديث عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بين المسلم وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة، وهذا يدلنا على عظم شأن الصلاة وعلى أن أمرها خطير وأن الإنسان لا يجوز له ولا يليق به أن يتهاون بها لأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وهو الركن الذي إذا ترك تساهلا فإن صاحبه يكون كافرا بخلاف الأركان الأخرى فإنها إذا تركت تساهلا فإنه لا يكفر صاحبها وإنما يكفر إذا جحدها إذا حصل الجحد لأي ركن من أركان الإسلام فإنه يكفر وأما الصلاة فإنها خصت بأن تركها تهاونا وتكاسلا عنها أنه كفر ولهذا
قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: بين المسلم وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة، والكفر والشرك بينهما عموم وخصوص فالكفر يكون عاما يعني يشمل ما كان دعاء غير الله معه ويشمل ما إذا جحد شيء معلوم من دين الإسلام بالضرورة بأن جحدت الصلاة وجحدت الزكاة أو جحد الحج فإن هذا يكون كفرا ولهذا جاء عن بعض التابعين أنه قال: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبرون شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، يعني تركه تهاونا أما إذا ترك جحودا فهذا بالإجماع أن صاحبه يكفر لأن من أنكر الحج كفر ومن أنكر الزكاة كفر ومن أنكر الصيام كفر لكن الصلاة من أنكرها كفر ومن تهاون بها كفر كما جاء في هذا الحديث: بين المسلم وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة، فالشرك يكون خاصا لأنه عبادة غير الله معه ودعوة غير الله معه وأما الكفر فإنه يشمل الشرك وغيره مما لا يعتبر شركا كجحود وترك ركن من أركان الإسلام فإن هذا يختص بالصلاة هي التي تركها تهاونا يكون كفرا وعلى هذا فالكفر والشرك بينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في أن كل منهما يطلق على ما إذا عبد مع الله غيره وينفرد الكفر بأنه يطلق على ما فيه جحود لأمر معلوم من دين الإسلام بالضرورة.
153 -
وَعَن بُرَيْدَة بن الْحصيب قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" الْعَهْد الَّذِي بَيْننَا وَبينهمْ الصَّلَاة فَمن تَركهَا فقد كفر " رَوَاهُ أَحْمد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن حبَان، (وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم، وصححاه. وَقَالَ هبة الله الطَّبَرِيّ: (هُوَ صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم)).
ثم ذكر هذا الحديث عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» يعني يكون التمييز بين المسلمين والكفار هو الصلاة فمن ترك الصلاة فقد كفر وهذا معلوم أنه مثل ما جاء في الحديث الأول أن المقصود به تركها تهاونا وليس المقصود جحودا لأن غيرها كذلك غيرها من الأعمال إذا جُحد أمرٌ معلوم من دين الإسلام بالضرورة فإن جاحده يكون كافرا وعلى هذا فهذان الحديثان الأول والثاني كل منهما يتعلق ببيان كفر تارك الصلاة وأن من تركها تهاونا فإنه يكون كافرا.
154 -
وَعَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَوْم الْأَحْزَاب:" شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر مَلأ الله بُيُوتهم وقبورهم نَارا، ثمَّ صلاهَا بَين العشاءين، بَين الْمغرب وَالْعشَاء " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: شغلونا أي الكفار كفار قريش الذين جاؤوا للمدينة لغزو الرسول صلى الله عليه وسلم فيها قال: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر» والصلاة الوسطى هذا الحديث بين أنها العصر والصلاة الوسطى قيل فيها أقوال متعددة لكن أصحها وأقواها هو أنها العصر لأنه جاء التنصيص عليها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذًا لا مجال لأي قول آخر لم يأتي عليه دليل يدل على ذلك وعلى هذا فإن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر التي خصها الله عز وجل بالذكر بعد أن كانت داخلة تحت عموم الصلوات وذلك لأهميتها ولعظيم شأنها فخصها بالذكر دون غيرها وقال إنها الصلاة الوسطى وقال إنهم شغلونا عنها وذلك أنهم ما تمكنوا من أن يأتوا بها لشدة القتال بينهم ولم يفعلها حتى غابت الشمس بعد غروب الشمس صلى العصر قضاء ثم صلى المغرب أداء، صلى العصر قضاء يعني بعد خروج وقتها لأن وقت العصر الاضطراري ينتهي بغروب الشمس وإنما لم يتمكن صلى الله عليه وسلم من أدائها في وقتها فإنه أداها بعد خروج وقتها ولكنه قدمها أولا لأنها هي المقضية ولأن العصر متقدمة على المغرب فأتى بها قضاء ثم أتى بصلاة المغرب في وقتها أداء وعلى هذا فإن هذا الحديث واضح الدلالة على تعيين الصلاة الوسطى وأنها صلاة العصر وأنها ليست غيرها كما قاله جماعة من أهل العلم منهم من قال إنها الصبح ومنهم من قال إنها غيرها ومنهم من قال إنها مجموع الصلوات الخمس وقد ذكر ابن كثير في تفسيره أن الحافظ أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله قال بأنها مجموع الصلوات الخمس واستعظم هذا ابن كثير من ابن عبد البر مع سعة علمه واطلاعه فقال: وإنها لإحدى الكبر أن الحافظ ابن عبد البر قال إنها مجموع الصلوات الخمس وهو قول ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر يعني فاستعظم هذا منه وقال: إنها لإحدى الكبر يعني مستعظما هذا الأمر وهذا القول أنه قاله مثل ابن عبد البر المعروف بعلمه وفقهه وكونه جمع بين الرواية والدراية.
155 -
وَعَن جَابر بن عبد الله: " أَن عمر جَاءَهُ يَوْم الخَنْدَق بعد مَا غربت الشَّمْس فَجعل يسب كفار قُرَيْش وَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا كدت أُصَلِّي الْعَصْر حَتَّى كَادَت الشَّمْس تغرب! فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: وَالله مَا صليتها، قَالَ فقمنا إِلَى بطحان فَتَوَضَّأ للصَّلَاة وتوضأنا لَهَا فَصَلى الْعَصْر بعد مَا غربت الشَّمْس ثمَّ صَلَّى بعْدهَا الْمغرب " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن عمر رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب قال صلى الله عليه وسلم: «والله ما صليتها» ثم إنه قام وصلى بعدما غربت الشمس صلى العصر التي هي المقضية ثم صلى المغرب التي هي مؤداة يعني في وقتها، يعني معناه أنه أداها جماعة الأولى مقضية التي هي العصر وكانت في غير وقتها بعد أن غربت الشمس وخرج وقتها وثم أتى بعد ذلك بالصلاة المؤداة التي أديت في وقتها
وهي صلاة المغرب فهو مثل الحديث الذي تقدم الذي فيه قال: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا» .
156 -
وَعَن أنس بن مَالك قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا رقد أحدكُم عَن الصَّلَاة أَو غفل عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: {أقِم الصَّلَاة لذكري} " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها» غفل عنها يعني نسيها يعني: «فليصلها إذا ذكرها» عندما يذكر فإنه يبادر ولا يؤخر عن الوقت حتى ولو كان في وقت النهي او تذكر صلاة وهو بعد العصر قبل غروب الشمس وكذلك تذكر بعد صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس فإنه يبادر إلى الإتيان بها ولا يؤخرها عن الوقت الذي ذكرها وإذا كانت الصلوات يعني عدد فإنه يقضيها متوالية إذا كان عدد من الصلاة نام عنهن فإنه يقضيهن في وقت واحد ولا يؤخر صلاة الظهر مع صلاة الظهر وصلاة العصر مع صلاة العصر وصلاة المغرب مع صلاة المغرب وإنما يأتي بها لأن قوله: «فليصلها إذا ذكرها» فسواء كانت واحدة أو أكثر من واحدة فإنه يجب عليه أن يصليها إذا ذكرها سواء كان حصل ذلك بسبب النوم أو بسبب النسيان.
157 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " من نسي صَلَاة فوقتها إِذا ذكرهَا ". (رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد لَا يثبت)
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها» هذا الحديث في إسناده ضعف وذلك أن في إسناده حفص بن أبي العطاف وهو ضعيف كما قال ذلك الحافظ في التقريب ولكن معناه صحيح والحديث الذي تقدم يشهد له وكذلك الحديث الذي في البخاري الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» فالحديث وإن كان في إسناده ضعف إلا أن متنه مطابق وموافق لما جاء في الأحاديث الصحيحة الثابتة ومنها الحديث الذي قبل هذا.
158 -
وَعَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: " كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِي مسير لَهُ فأدلجنا ليلتنا حَتَّى إِذا كَانَ وَجه الصُّبْح عرّسنا فغلبتنا أَعيننَا حَتَّى بزغت الشَّمْس قَالَ: فَكَانَ أول من اسْتَيْقَظَ منا أَبُو بكر، وَكُنَّا لَا نوقظ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم َ من مَنَامه إِذا نَام حَتَّى يَسْتَيْقِظ، ثمَّ اسْتَيْقَظَ عمر فَقَامَ عِنْد نَبِي الله صلى الله عليه وسلم َ فَجعل يكبر وَيرْفَع صَوته [بِالتَّكْبِيرِ] حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَلَمَّا رفع رَأسه وَرَأَى الشَّمْس قد بزغت قَالَ: ارتحلوا، فَسَار بِنَا حَتَّى إِذا ابْيَضَّتْ الشَّمْس نزل فَصَلى بِنَا الْغَدَاة " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ لمُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير يعني في سفر وأنهم أدلجوا يعني في الليل يعني حتى جاء وجه الصبح يعني قرب الصبح أدركهم النوم فنزلوا وعرَّسوا والتعريس هو النزول والنوم في آخر الليل فنزلوا وناموا حتى طلعت الشمس وهم في نومهم فكان أول من استيقظ أبو بكر رضي الله عنه وكانوا لا يوقظون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان نائما لا يوقظونه فكان يعني استيقظ أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما وجعل عمر رضي الله عنه يكبر ويذكر الله عز وجل ويرفع صوته لأنهم ليس من عادتهم أنهم يوقظون الرسول صلى الله عليه وسلم إذا نام ويطلبون منه أن يقوم وإنما كما جاء في هذا الحديث أن عمر رضي الله عنه جعل يكبر ويرفع صوته حتى سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم واستيقظ ثم إنهم ارتحلوا إلى مكان آخر وأدوا الصلاة بأذان وإقامة التي هي صلاة الفجر التي ناموا عنها أداها وإنما لم يكونوا يوقظون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان نائما أولا تأدبا مع الرسول صلى الله عليه وسلم والأمر الثاني أنه قد يكون يوحى إليه في نومه ورؤيا الأنبياء وحي فقد يكون يوحى إليه فتقطع هذه الرؤيا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يرى في منامه شيء فإنها تعتبر وحي لأن هذا من أنواع الوحي أن يؤتى له في منامه ويرى رؤيا فأن رؤياه صلى الله عليه وسلم هي وحي من الله عز وجل فكانوا لا يوقظونه أولا تأدبا معه والأمر الثاني أنه قد يكون يوحى إليه في منامه عن طريق الرؤيا ورؤيا الأنبياء وحي فكانوا لا يفعلون ذلك بأن يباشروه ولكن عمر رضي الله عنه صار يكبر حتى يتنبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالتكبير حتى إذا سمع التكبير فإنه يقوم.
159 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ حِين قفل من غَزْوَة خَيْبَر فَسَار لَيْلَة حَتَّى إِذا أدركنا الْكرَى عرَّس - فَذكر حَدِيث النّوم عَن الصَّلَاة، وَفِيه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: تحولوا عَن مَكَانكُمْ الَّذِي أَصَابَتْكُم فِيهِ الْغَفْلَة. قَالَ: فَأمر بِلَالًا فَأذن وَأقَام وَصَلى " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ:(وَلم يذكر أحد الْأَذَان فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ إِلَّا الْأَوْزَاعِيّ، وَأَبَان الْعَطَّار عَن معمر)، وَقد ذكر مُسلم الحَدِيث من رِوَايَة يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، وَقَالَ فِيهِ:" وَأمر بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاة فَصَلى بهم الصُّبْح " وَلم يذكر الْأَذَان.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو يتعلق بالتعريس يعني في آخر الليل وحصول النوم وأنهم ما استيقظوا إلا بعد طلوع الشمس وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأذان والإقامة وصليت الصلاة بعد خروج وقتها قضاء وقوله: أدركهم الكرى أو حصل لهم الكرى أي النعاس الذي كان وهم راكبون أصابهم النعاس فنزلوا وعرَّسوا حتى ناموا وحصل أن استمروا في نومهم حتى طلعت الشمس وقاموا وصلوا الصلاة بأذان وإقامة كما جاء ذلك في هذا الحديث وغيره من الأحاديث.
الدرس الثامن عشر:
160 -
عَن عبد الله بن عَمْرو أَن نَبِي الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " وَقت الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس وَكَانَ ظلّ الرجل كَطُولِهِ مَا لم يحضر الْعَصْر، وَوقت الْعَصْر: مَا لم تصفر الشَّمْس، وَوقت [صَلَاة] الْمغرب: مَا لم يغب الشَّفق، وَوقت صَلَاة الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل الْأَوْسَط، وَوقت صَلَاة الصُّبْح: من طُلُوع الْفجْر مَا لم تطلع الشَّمْس، فَإِذا طلعت الشَّمْس فَأمْسك عَن الصَّلَاة فَإِنَّهَا تطلع بَين قَرْني شَيْطَان ". وَفِي لفظ: " وَقت صَلَاة الْمغرب إِذا غَابَتْ الشَّمْس مَا لم يسْقط الشَّفق " رَوَاهُ مُسلم.
الشيخ الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي رحمه الله عقد هذه الترجمة لمواقيت الصلاة والصلاة الله عز وجل فرضها في أوقاتها وقد جاء بيان أوقاتها في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله فإنه بين في قوله أوقات الصلوات وبين بفعله أيضاً أوقات الصلوات حيث صلى كل صلاة في وقتها وقد أورد حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي في صحيح مسلم وقد رواه من خمسة طرق يعني لهذا الحديث وقال في أولها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر يعني إذا كان وقت الظهر وأنها إذا زالت الشمس بداية وقتها وأنه يستمر وقتها إلى دخول وقت العصر فإن وقت العصر متصل بوقت الظهر ليس بينهما فاصل ليس بينهما يعني مدة لا تعتبر من هذا ولا من هذا بل إذا خرج وقت الظهر دخل وقت العصر ودل هذا الحديث على أن صلاة الظهرِ تبدأ من الزوال وتستمر حتى يكون طول الرجل يعني مثل ظله ثم بذلك يخرج وقت العصر وإذا دخل وقت صلاة العصر فإن هذا بداية وقتها ويستمر إلى اصفرار الشمس وهذا الاستمرار إلى اصفرار الشمس فهذا الوقت الاختياري وإلا فإن هناك وقت آخر للظهر والعصر وهو إذا يعني الاختيار من دخول وقت العصر الذي هو يكون ظل الشيء يعني مثله إلى أن تصفرّ الشمس وإذا اصفرت الشمس فإنه وقتاً أيضاً إلا أنه وقت اضطراري لا يجوز التأخير إليه ولكن من نام واستيقظ بعد اصفرار الشمس وقبل أن تغرب فإنه قد أدرك الصلاة في وقتها فإذاً الاضطراري هذا لا يصار إليه إلا عند الضرورة كنومٍ أو نسيان أو غير ذلك من الأشياء التي يعني يكون فيها الاضطرار ووقت صلاة المغرب يعني من المغرب مالم يغب الشفق يعني إلى دخول وقت العشاء ووقت دخول العشاء إذا غاب الشفق فهذا مثل الظهر والعصر الوقتان ليس بينهما فاصل فإذا خرج وقت المغرب دخل وقت العشاء ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط إلى نصف الليل وهذا الوقت الاختياري وأما الاضطراري فهوا إلى طلوع الفجر كما جاء ذلك مبيناً في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم ليس من التفريط إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة التي بعدها ولكن بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر هذا وقتٌ اضطراري مثل من اصفرار الشمس إلى الغروب وقتٌ اضطراري ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر يعني الفجر الصادق الذي يعترض في الأفق ويستمر حتى طلوع الشمس يستمر وقتها إلى طلوع الشمس «فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان» يعني معنى ذلك أنه إذا طلع الشمس يمسك عن الصلاة وإذا كان الانسان قد نام ولم يستيقظ إلا بعد هذا فإنه يصلي بعد طلوع الشمس قضاءً لكنه لا يصليها عند البزوغ وعند الطلوع يعني كما سيأتي في أوقات ثلاثة لا يصلى فيهن يعني عند طلوعها وعند زوالها وعند غروبها «وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس مالم يسقط الشفق» هذا بيان البداية هو النهاية إذا غربت الشمس بعد وقت المغرب وإذا سقط الشفق يعني دخل وقت العشاء وخرج وقت المغرب ثم إن الإمام مسلم رحمه الله لما ذكر حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من خمسة طرق يعني أتى بأثرٍ رواه عن شيخه يحي بن يحي التميمي عن عبدالله بن يحي ابن أبي كثير اليمامي يروي عن أبيه أنه قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم، وهذا يدل على أن الانشغال بالعلم والجد والاجتهاد أنه مطلوب وأنه لا يحصل العلم إلا بالتعب والنصب والمشقة وقد ذكر هذا الأثر بعد هذا الحديث الذي ذكره خمس طرق ولعله ذكره إياه أنه لما رأى هذه الاحاديث أو هذا الحديث الواحد يعبر خمس طرق وأن يعني تذكر أن الانشغال بالعلم وأنه لا يحصلان إلا بالجد والاجتهاد فأتى بذكر هذا الأثر قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم.
161 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها: " كن نسَاء الْمُؤْمِنَات يشهدن مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ صَلَاة الْفجْر متلفعات بمروطهن ثمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتهنَّ حِين يقضين الصَّلَاة لَا يعرفهن أحد من الْغَلَس ". مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها يعني وذلك في صلاة الفجر وأنه يبادر بها وأنه يبكر بها وأنه يؤتى بها في أول وقتها هذه هي السنة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يبادر بها وكان النساء المؤمنات يأتين ويصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر إلى أن قضت الصلاة ذهبن إلى بيوتهن متلفعات بمروطهن ما يعرفهن أحدٌ غلس يعني في ظلام يعني عند الخروج من الصلاة.
162 -
وَعَن رَافع بن خديج قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" أَصْبحُوا بالصبح فَإِنَّهُ أعظم لأجوركم، أَو أعظم لِلْأجرِ " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ، وَصَححهُ، وَالنَّسَائِيّ، وَأَبُو حَاتِم، وَابْن حبَان، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَلَفظه:" أسفروا بِالْفَجْرِ فَكلما أسفرتم فَهُوَ أعظم لِلْأجرِ - أَو قَالَ - لأجوركم ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أمر رسول صلى الله عليه وسلم بالإسفار بالفجر وليس المقصود بالإسفار أن الناس يؤخرون الدخول فيها حتى يحصل الإسفار وإنما المقصود أنهم يعني يسفرون بها يعني يخرجون من الصلاة وقد حصل الإسفار ومعنى ذلك أن الأحاديث التي وردت في التذكير وكذلك في الإسفار لا تنافيَ بينها فإن الأحاديث الدالة على التذكير يعني يراد بها الدخول في الصلاة ووقت دخول الصلاة وأن ذلك يكون في وقتٍ مبكر بعد دخول الوقت وأما الإسفار فإنه يكون عند الخروج منها ومعنى ذلك أنهم
يطيلون القراءة أنها تطول القراءة يدخل بصلاته وفي غلس ثم يستمر حتى يعني يحصل الإسفار فيكون ما جاء من التغليس مبنياً على الدخول في الصلاة وأنه يدخل فيها في أول وقتها وتطول فيها القراءة حتى إذا خرج منها وإذا قد حصل الإسفار فإذاً ما جاء من الإسفار مبنياً على الخروج من الصلاة وما جاء من التغليس مبنياً على الدخول في الصلاة في أول وقتها فإذاً لا تنافيَ بين التغليس وبين الإسفار لا يقال أن هذا يخالف هذا وإنما يقال أن التغليس مبنياً على الدخول في أول الوقت و الإسفار مبنياً على الخروج منها بعد أن يمضي مدة وذلك بسبب إطالة القراءة في صلاة الفجر.
163 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ:" إِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالصَّلَاةِ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم، واشتكت النَّار إِلَى رَبهَا فَقَالَت: [يَا رب] أكل بَعْضِي بَعْضًا! فَأذن لَهَا بنفسين: نَفْس فِي الشتَاء، وَنَفس فِي الصَّيف، فَهُوَ أَشد مَا تَجِدُونَ من الْحر وَأَشد مَا تَجِدُونَ من الزَّمْهَرِير " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذ اشتد الحر فأبردوا بالصلاة يعني معناه أن الصلاة يبادر فيها في أول وقتها ولكنه إذا حصل شدة الحر فإنه يبرد يعني يؤخر الدخول فيها قال لأن شدة الحر من فيح جهنم بعني معنى ذلك أنهم يؤخرون حتى تنكسر الشمس ويجب بتأخيرها ولكن الأصل يدل على التبكير ولكنه إذا حصل شدة الحر فإنه تؤخر الصلاة عن أول وقتها وذكر هذا الحديث ثم قال في آخره أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء وفي الصيف فإنه اشد ما يجد الناس من الزمهرير الذي هو البرد الذي يعني في الشتاء يكون يعني في هذا النفس وأشد ما يكون من الحر يعني ما يكون في الصيف يعني شدة الحرارة فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فما يجد الناس في الشتاء من الزمهرير فهو من هذا النفس وما يجد الناس من الحر الشديد وما هو من هذا النفس فلهذا أمر صلى الله عليه وسلم بأن تؤخر الصلاة في حال شدة الحر إلى يعني تنكسر شدة الحرارة ويأتي البراد.
164 -
وَعَن أنس بن مَالك قَالَ: " كَانَ رَسُول صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي الْعَصْر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة حَيَّة فَيذْهب الذَّاهِب إِلَى العوالي فَيَأْتِي وَالشَّمْس مُرْتَفعَة، وَفِي رِوَايَة: إِلَى قبَاء " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ: وَبَعض العوالي من الْمَدِينَة عَلَى أَرْبَعَة أَمْيَال أَو نَحوه.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه التبكير في صلاة العصر وأنه يؤتى ويبكر بها في أول وقتها فالرسول صلى الله عليه وسلم يعني أرشد إلى أن الصلاة يؤتى بها في أول وقتها وأنه كان يصلي بالناس العصر ثم يذهب ذاهب إلى العوالي أو إلى قباء ويصلهم والشمس مرتفعة يعني يصليها والشمس حية يعني في حراتها
أي قوتها ولكنه عندما يفرغ من الصلاة يذهب ذاهب إلى العوالي أو إلى قباء ويصلهم والشمس مرتفعة يعني أنها لم يحصل اصفرارها.
165 -
وَعَن رَافع بن خديج قَالَ: " كُنَّا نصلي الْمغرب مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَيَنْصَرِف أَحَدنَا وَإنَّهُ ليبصر مواقع نبله " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه بيان صلاة المغرب وأنه كان يبكر بها وأنها إذا غربت الشمس دخل وقتها وكان يصليها ثم ينصرفون من الصلاة والواحد منهم يرى موقع نبله يعني إذا أرسل نبله عرف المكان الذي سقطت فيه لأن الظلام ما غطى الأرض وما غطى يعني ما حصل الظلام الذي لا يرى معه موقع النبل فهذا قوله يرى موضع أي أرسل النبل يعرف المكان الذي سقط فيه لأن الضوء غير موجود يعني النور غير موجود ما حصل اشتداد الظلام الذي لا يحصل معه رؤية موقع النبل الذي أرسله الإنسان.
166 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: " أعتم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ ذَات لَيْلَة حَتَّى ذهب عَامَّة اللَّيْل وَحَتَّى نَام أهل الْمَسْجِد ثمَّ خرج فَصَلى فَقَالَ: إِنَّه لوَقْتهَا لَوْلَا أَن أشق عَلَى أمتِي ". وَفِي رِوَايَة: لَوْلَا أَن يشق، رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي يتعلق بوقت العشاء وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان من عادته أنه يبكر يأتي بالصلاة في أول وقتها ولكنه في يوم من الأيام حصل منه أنه تأخر والناس ينتظرونه لصلاة العشاء فتأخر فصاروا ينتظرونه فالرسول صلى الله عليه وسلم خرج وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي يعني أن هذا الوقت لها لكن يعني تأخيرها يعني يكون فيه مشقة ويكون فيه نوم النساء والصبيان فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذا وقتٌ لها ولكنه تركه لئلا يفرض عليهم يعني في هذا الوقت وأنه يكون صلاة في الأصل فيها أن تكون مؤخرة ولكن الأصل أن تكون مقدمة في أول وقتها ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم حصل منه في هذه المرة من المرات يعني شيئًا يعني شغله يعني فلم يأتي الصلاة في أول وقتها هي كما هي العادة وبعض الناس قد نام والصبيان والنساء قد ناموا والذين حضروا للصلاة معه صلى الله عليه وسلم فبين صلى الله عليه وسلم أن هذا وقتٌ لها ولكن التأخير إليه فيه مشقة وهو صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم فلم يحصل منه الشيء الذي فيه مشقة على الناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وقوله عامة الليل يعني معناه ليس مع ذلك أكثر من الليل لأن الصلاة لا تؤخر عن نصف الليل الوقت الاختياري إلى نصف الليل وما بعده وقت اضطرار فيعني لا تؤخر الصلاة إلى بعد نصف الليل فإذاً عامة الليل يعني كثير وليس أكثر يعني كثيرٌ من الليل وليس أكثره.
167 -
وَعَن سيّار بن سَلامَة قَالَ: دخلت أَنا وَأبي عَلَى أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ فَقَالَ لَهُ أبي: كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة؟ فَقَالَ: " كَانَ يُصَلِّي الهجير الَّتِي تدعونها الأولَى حِين تدحض الشَّمْس، وَيُصلي الْعَصْر ثمَّ يرجع أَحَدنَا إِلَى رَحْله فِي أقْصَى الْمَدِينَة وَالشَّمْس حَيَّة ونسيت مَا قَالَ فِي الْمغرب، وَكَانَ يسْتَحبّ أَن يُؤَخر الْعشَاء الَّتِي تدعونها الْعَتَمَة. وَكَانَ يكره النّوم قبلهَا والْحَدِيث بعْدهَا، وَكَانَ يَنْفَتِل من صَلَاة الْغَدَاة حِين يعرف الرجل جليسه وَيقْرَأ بالستين إِلَى الْمِائَة ".
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي الهجير التي تدعونها الاولى يعني الأولى من صلاة بعد الزوال لأن المساء يكون يبدأ من الزوال يعني يقال هل هاجر لأنها تأتي في الهجير الذي من منتصف النهار بعد ما تزول الشمس يعني مصليها في الهجير ثم يصلي العصر يعني في أول وقتها ويذهب ذاهب إلى قباء أو العوالي والشمس مرتفعة لم يحصل اصفرارها بل يعني في حال قوتها وكان يذهب ذاهب يعني فيدرك يصل في ذلك المكان والشمس مرتفعة كما مر في الحديث السابق يعني الأولى من صلاتين صلاة العشي ويصلي العصر يعني في أول وقتها يعني صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر في مسجده ورجعوا الى أهليهم والشمس حية يعني ما ذهبت قوتها وشدتها وحراتها كان يستحب أن يؤخر يعني أن الحديث الذي مر يدل على ذلك ولكن الذي يمنع من ذلك أنه لا يريد أن يشق على أمته صلى الله عليه وسلم وأيضا خشي أن يفرض عليهم أن تكون الصلاة يؤتى بها متأخرا ولكن المعروف من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأتي بالصلاة في أول وقتها إلا أنه لأشياء يؤخرها أحيانا والظهر يؤخرها من شدة الحر كما مر الحديث في ذلك وكان يكره النوم قبل العشاء الحديث بعدها يكره النوم قبلها لئلا يعني يخرج وقت العشاء وهم نائمون ولأنه كان يحب أن يأتي بصلاته في أول وقتها وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها كون إنسان يواصل ويسهر يشغله ذلك يعني بحيث إذا جاء اخر الليل وكان متمكن من النوم وكان صلى الله عليه وسلم يكره النوم بعدها لئلا يؤدي ذلك إلى النوم عن صلاة الفجر يعني إذا تأخر في النوم جاء وقت الفجر والنوم يغلبه فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يكره الحديث بعدها لئلا يؤدي ذلك إلى النوم عن صلاة الفجر وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه يعني كما عرفنا أنه يدخل فيها في أول وقتها ويخرج منها بعدما يحصل الإسفار كما مر في الحديث ذكر التغليس ثم الإسفار أسفروا
في الهجير فإن عظم الأجر وهنا قال حين يعرف الرجل جليسه يعني معناه أنه فرغ من الصلاة والشخص يعرف جليسه لأنه حصل الضياء وحصل النور وكان ينفتل من صلاته حين يعرف الرجل جليسه ويقرأ بالستين الى المائة يعني كونه يقرأ ويطول بالقراءة هذا هو الذي يكون فيه حصول التغليس والإسفار حصول التغليس في البداية والإسفار في النهاية لأنه كان يقرأ بين الستين الى المائة.
168 -
وَعَن جَابر بن عبد الله قَالَ: " كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي الظّهْر بالهاجرة وَالْعصر وَالشَّمْس نقية وَالْمغْرب إِذا وَجَبت، وَالْعشَاء أَحْيَانًا، وَأَحْيَانا إِذا رَآهُمْ اجْتَمعُوا عجَّل، وَإِذا رَآهُمْ أبطأوا أخر. وَالصُّبْح كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ يُصليهَا بِغَلَس " مُتَّفق عَلَيْهِمَا.
ثم ذكر هذا الحديث والحديث الذي قبله وأخر الحكم عليهما بعد الحديث الأول ما ذكر من خرجه ولكنه لما ذكر الثاني قال متفقٌ عليهما يعني على هذا الحديث والحديث الذي قبله الذي ما ذكر تخريجه في آخره كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة يعني في أول وقتها يعني قال إنه يصليها بالهاجرة يعني عند دخول وقتها والعصر يصليها والشمس نقية يعني أنها قوية الحرارة والمغرب إذا وجبت يعني غربت الشمس صلاها في أول وقتها والعشاء أحياناً وأحياناً إن رآهم عجلوا عجل إن كان رآهم مجتمعين عجل وإن كان رآهم متأخرين أخر وكان يصليها بغلس يعني يدخل فيها بغلس ولكنه يخرج منها بالإسفار.
169 -
وَعَن عبد الله بن عمر قَالَ: " سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَقُول: لَا تغلبنكم الْأَعْرَاب عَلَى اسْم صَلَاتكُمْ، أَلا إِنَّهَا الْعشَاء وهم يعتمون بِالْإِبِلِ " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم بأن يقول والعتمة وإنما يقول العشاء كما جاء ذلك في القرآن كما سماها الله في القرآن وبعد صلاة العشاء فإنه ذكر صلاة العشاء لفظ العشاء ذكره في القرآن قال: لاتغلبنكم بأن تستعملوها العتمة وهذا يدل على أنها الأولى أنها تستعمل العشاء ولكنه قد جاء إطلاق العتمة عليها يعني يدل على جواز ذلك ولكن الأولى هو أن يطلق عليها العشاء كما جاء ذلك في القرآن قال: وهم يعتمون يعني بحلاب بالإبل يعني بأنهم يحلبونها في وقتٍ متأخر ولهذا يقولون على العشاء أنها العتمة.
170 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح، وَمن أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه بيان آخر وقت الفجر وآخر وقت العصر وأن آخر وقت العصر الاضطراري هو غروب الشمس وأما الاختياري فإلى الاصفرار ولكن الإنسان لا يؤخر الصلاة إلى الاضطراري إلا إذا كان مضطرا وإنما يأتي بالصلاة أول وقتها ولكنه إن نام أو نسي وتذكر واستيقظ قبل أن تغرب الشمس وأدرك ركعة واحدة قبل الغروب فإنه يدخل في الصلاة ويكمل الباقي بعد الغروب وكذلك الفجر ينتهي بطلوع الشمس والإنسان ليس له أن يؤخرها إلى الطلوع لأن هذا يؤدي إلى خروج الوقت ولكنه إذا أخر وبقي على طلوع الشمس مقدار ركعة فإنه يدخل في الصلاة ويكمل الباقي بعد طلوع الشمس فهذا يدل على نهاية الوقت الاضطراري
للصلاة الذي هو آخر وقتها والذي إذا أدرك منه ركعة قبل الطلوع أو قبل الغروب فإنه يكون مدركا لوقت العصر عندما يدرك ركعة قبل الغروب ومدركا لوقت الفجر عندما يدرك ركعة بعد الطلوع.
171 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: " من أدْرك من الْعَصْر سَجْدَة قبل أَن تغرب الشَّمْس، أَو من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس، فقد أدْركهَا. والسجدة إِنَّمَا هِيَ الرَّكْعَة " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث وهو مثل الذي قبله إلا أن هناك التعبير بركعة وهنا التعبير بسجدة و الركعة يطلق عليها سجدة لأن ليس المقصود سجدة يعني السجود فقط وإنما المقصود الركعة بكاملها فمن أدرك سجدة أي ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الفجر ومن أدرك سجدة أي ركعة
…
قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر ولكن هذا هو الوقت الاضطراري وليس الاختياري.
172 -
وَعَن عقبَة بن عَامر قَالَ: " ثَلَاث سَاعَات كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ ينهانا أَن نصلي فِيهِنَّ وَأَن نقبر فِيهِنَّ مَوتَانا: حِين تطلع الشَّمْس بازغة حَتَّى ترْتَفع، وَحين يقوم قَائِم الظهيرة حَتَّى تَزُول، وَحين تضيَّف: أَي تميل الشَّمْس للغروب " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه ثلاث أوقات مضيقة وقتها ضيق لأن هناك وقتان طويلان من بعد صلا الفجر إلى قرب طلوع الشمس ومن بعد صلاة العصر إلى قرب غروب الشمس هذا الوقت الذي فيه اختياري وفيه اضطراري العصر إلى اصفرار الشمس اختياري وإلى غروب الشمس اضطراري و الفجر من طلوع الفجر اختياري وإذا بقي مقدار ركعة صار اضطراري والحديث فيه بيان أن الصلاة تدرك بإدراك ركعة واحدة ولكن هناك هذي الأوقات الثلاثة هذه ضيقة والإنسان يمكنه أن يؤخر الصلاة لأنها فترة وجيزة ما يؤثر التأخير فإذا حصل الزوال يصبر حتى تنتقل الشمس إلى جهة الغرب وينتقل الظل إلى جهة الشرق وكذلك إذا قرب طلوعها حتى تخرج وكذلك عند الزوال إذا زالت الشمس ينتظر لا يتقدم ولا يتأخر وإنما ينتظر حتى تزول و يصلي وهذه الأوقات ضيقة من أوقات النهي أو الممنوع من الصلاة فيها بل وحتى دفن الموتى فيها لا تكون عن طلوع الشمس ولا عند زوالها ولا عند غروبها فهذه ثلاثة أوقات ضيقة ووقتان واسعان.
173 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَقُول: " لَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس، وَلَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغيب الشَّمْس " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَلمُسلم: " لَا صَلَاة بعد صَلَاة الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَلَا صَلَاة بعد صَلَاة الْفجْر حَتَّى تطلع الشَّمْس ".
يعني هذان الوقتان الواسعان في النهي لأن عرفنا أن هناك ثلاثة أوقات ضيقة لا يصلى فيها ولا يدفن فيها الموتى وأما الوقتان الطويلان فهما بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ولو جمعت مع الظهر جمع تقديم لأن الإنسان إذا صلى العصر ولو كانت مقدمة فإنه يمتنع من الصلاة بعد العصر وأما بعد الفجر هذا إلى طلوع الشمس هذا كله وقت لصلاة الفجر ولكن إذا وجدت الصلاة فإنه لا يصلى بعدها نوافل لا يقوم الإنسان يتنفل لأنه قال لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الفجر حتى
…
تطلع الشمس.
174 -
وَعَن أبي سَلمَة: " أَنه سَأَلَ عَائِشَة عَن السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّيهمَا بعد الْعَصْر؟ فَقَالَت: كَانَ يُصَلِّيهمَا قبل الْعَصْر ثمَّ إِنَّه شغل عَنْهُمَا أَو نسيهما فصلاهما بعد الْعَصْر ثمَّ أثبتهما، وَكَانَ إِذا صَلَّى صَلَاة أثبتها ". قَالَ إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر: تَعْنِي داوم عَلَيْهَا - رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين و لما سئل قال أنه كان يصليهما قبل وأنه شغل عنهما فصلاهما بعد العصر وأنه كان إذا صلى صلاة أثبتها أي استمر عليها فصار يصلي بعد العصر هاتين الركعتين وقد جاء في بعض الأحاديث عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأن أمته ليس لهم أن يفعلوا كما فعل بأنه إذا فاتهم شيء من الصلاة يقضونه بعد العصر فإنه قد جاء عنه من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت له يا رسول الله أنقضيهما إذا فاتتا قال لا فدل هذا على أن قضائهما و الاستمرار على ذلك إنما هو من خصائصه صلى الله عليه وسلم وما جاء في ذلك في حديث أم سلمة رضي الله عنها الذي قالت أنقضيهما قال لا أي لا تقضوهما معناه أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث الذي فيه أنقضيهما إذا فاتتا حسنه بعض العلماء ومنهم شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله فإنه في تعليقه على فتح الباري علق على هذا الأثر الذي جاء عن أم سلمة رضي الله عنها والذي قيل فيه للرسول صلى الله عليه وسلم أنقضيهما إذا فاتتا قال لا، بين أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأن الأمه لا تفعل مثل ما فعل بأنه إذا فاتهم شيء يقضونه وإنما هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقد ذكر ذلك شيخنا كما قلت في تعليقه على فتح الباري وذلك في صفحة 65 من المجلد الثاني.
175 -
وَعَن جُبير بن مطعم قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" يَا بني عبد منَاف! لَا تمنعوا أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت وَصَلى أَيَّة سَاعَة من اللَّيْل وَالنَّهَار " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَابْن حبَان، وَالنَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ. وَقَالَ بعض المصنفين الحذاق:(رَوَاهُ مُسلم) وَهُوَ وهم.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يتعلق بالطواف وركعتين الطواف لأنه قال لا تمنعوا أحدا طاف بالبيت وصلى فيه أية ساعة من الليل و النهار معنى ذلك الإنسان عندما يطوف فإنه يصلي بعد فراغه من الطواف في أي وقت بعد العصر وبعد الفجر فإذا طاف بعد الفجر فإنه يصلي ولكن ليس أنه يكون جالس في المسجد وأنه يقوم ويصلي يتنفل فإن مكة مثل غيرها إلا أنها تتميز بالطواف ومتميزة أيضا بالصلاة بعد
الطواف التي هي ركعتا الطواف فإنه يصليهما في هذا الوقت فتكون مستثناة بالنسبة للطائفين ولكن من كان جالسا في المسجد لا يقوم يتنفل بعد صلاة الفجر ولا يتنفل بعد صلاة العصر وإنما هذا خاص بالطائفين.
باب الأذان
الدرس التاسع عشر:
الأذان في اللغة هو الإعلام وفي الاصطلاح هو الإعلام بدخول وقت الصلوات المفروضة وأدائها بعد دخول وقتها وهو دعاء للناس الذين خارج المسجد ليأتوا إلى المسجد للصلاة وأما الإقامة فإنها أذان ولكنها إعلام للموجودين في المسجد بأن يقوموا إلى الصلاة والإقامة يقال لها أذان وقد جاء في الحديث «بين كل أذانين صلاة» والمقصود بذلك الأذان والإقامة فيطلق على الإقامة أنها أذان كما أن النداء للصلاة لمن هو خارج المسجد يقال له أذان.
176 -
عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَقُول: " المؤذنون أطول النَّاس أعناقاً يَوْم الْقِيَامَة " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث في فضل الأذان عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة» وهذا يدل على فضل المؤذنين وأنهم هذا وصفهم يوم القيامة فيكون فيهم هذا الطول للعنق ومعلوم أن طول العنق طول بصاحبه وكونه يكون طويلا يتمكن من رؤية ما يريد رؤيته وكذلك أيضا قيل في هذا أن الناس يلجمهم العرق يوم القيامة فمن الناس من يلجمه ومنهم من يكون إلى صدره ومنهم من يكون إلى حقوه ومنهم من يكون إلى ركبته فإذا حصل لهم أن صارت أعناقهم طويلة فإن هذا يجعلهم لا يحصل لهم الإلجام وأن يكون العرق دون الإلجام بسبب انشغالهم وفعلهم للأذان في الحياة الدنيا فهذا يدل على فضل المؤذنين وأن هذا وصفهم وأن هذه حالهم.
177 -
وَعَن مَالك بن الْحُوَيْرِث أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن لكم أحدكُم وليؤمكم أكبركم " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم» هنا ذكر الأذان يعني واحد منهم أي واحد لأن الأذان يحصل بكونه يقوم به أي واحد منهم لكن الإمامة لا تكون لكل أحد وإنما تكون لما جاء في الحديث «أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة» ولكنه هنا لما قال: «يؤمكم أكبركم» لأنهم كانوا متساوين لأنهم جاؤوا جميعا وجلسوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أياما وتعلموا جميعا فصاروا متساوين في القراءة ومتساوين في العلم بالسنة ولهذا قال: «يؤمكم أكبركم» اختير الأكبر لأنهم متساوون في القراءة ومتساوون في العلم بالسنة لأنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتعلموا منه وحضروا مجالسه وأرادوا أن يذهبوا إلى أهليهم فقال: «يؤمكم أكبركم» فهذا لا ينافي ما جاء في الحديث أنه يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله لأن هذا هو الأصل لكن جاء الأكبر هنا لأنهم كانوا متساوين في القراءة وهذا يدلنا على تمييز الأذان على الإمامة لأن الأذان يقوم به كل أحد والإمامة لا يقوم بها كل أحد.
178 -
وَعَن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قَالَ: " لما أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ بالناقوس يعْمل ليضْرب بِهِ للنَّاس لجمع الصَّلَاة طَاف بِي وَأَنا نَائِم رجل يحمل ناقوساً فِي يَده، فَقلت: يَا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قَالَ: وَمَا تصنع بِهِ؟ فَقلت: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاة، قَالَ: أَفلا أدلك عَلَى مَا هُوَ خير من ذَلِك؟ فَقلت: بلَى! قَالَ: فَقَالَ تَقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ عَلَى الصَّلَاة حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح حَيّ عَلَى الْفَلاح، الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله. ثمَّ اسْتَأْخَرَ عني غير بعيد ثمَّ قَالَ: تَقول إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة: ألله أكبر ألله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ عَلَى الصَّلَاة حَيّ عَلَى الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة قد قَامَت الصَّلَاة، الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله. فَلَمَّا أَصبَحت أتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَأَخْبَرته بِمَا رَأَيْت، فَقَالَ: إِنَّهَا لرؤيا حق إِن شَاءَ الله فَقُمْ مَعَ بِلَال فألق عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فليؤذن بِهِ فَإِنَّهُ أندى صَوتا مِنْك، فَقُمْت مَعَ بِلَال فَجعلت أُلقيه عَلَيْهِ ويؤذّن بِهِ، قَالَ: فَسمع ذَلِك عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَهُوَ فِي بَيته فَخرج يجر رِدَاءَهُ وَيَقُول: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ يَا رَسُول الله لقد رَأَيْت مثل الَّذِي رَأَى، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: فَللَّه الْحَمد " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه، وَابْن مَاجَه، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، (وَرَوَى التِّرْمِذِيّ بعضه وَصَححهُ) وَزَاد أَحْمد:" فَكَانَ بِلَال مولَى أبي بكر يُؤذن بذلك وَيَدْعُو رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِلَى الصَّلَاة. قَالَ: فَجَاءَهُ فَدَعَاهُ ذَات يَوْم إِلَى الْفجْر فَقيل لَهُ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ نَائِم، فَصَرَخَ بِلَال بِأَعْلَى صَوته: الصَّلَاة خير من النّوم. قَالَ سعيد بن الْمسيب: فأدخلت هَذِه الْكَلِمَة فِي التأذين لصَلَاة الْفجْر ". قَالَ البُخَارِيّ: (لَا يعرف لعبد الله بن زيد إِلَّا حَدِيث الْأَذَان).
ثم ذكر هذا الحديث عن عبدالله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما فرضت الصلاة وجاء الحاجة إلى الأذان فالناس بحثوا أو تشاوروا في أي شيء يفعلونه للنداء إلى الصلاة فحصل أنهم رأوا أن يستعملوا الناقوس والناقوس هو الذي يستعمله النصارى فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أرادوا أن يستعملوا الناقوس كان عبدالله بن زيد رضي الله عنه نام ورأى في المنام أن طائفا طاف به وهو نائم ومعه ناقوس فقال أتبيعني هذا الناقوس يا عبدالله قال وما تصنع به قال لنعلم به للصلاة فقال هل أدلك على ما هو خير منه ثم ذكر ألفاظ الأذان الخمس عشرة جملة التي هي أربع تكبيرات في الأول ثم أربع شهادات شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله مرتين مرتين ثم أربع حيعلات حي على الصلاة حي على الفلاح ثم تكبيرتين ثم لا إله إلا الله فكان المجموع خمس عشرة جملة، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما عرضه عليه وأخبره قال: إنها لرؤيا حق ألقها على بلال فإنه أندى منك، قوله:«فقلت: يا عبدالله» هذا فيه أن الذي لا يعرف عندما يخاطب يقال له يا عبدالله لأن كل الناس عباد الله (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) فيصدق عليه سواء كان مسلما أو كافرا فكل شخص يصلح أن يقال له لكن الآن حصل في هذا الزمان أن الشخص الذي لا يعرف وقد يكون كافرا يقال له يا محمد وهذا ليس بجيد وإنما المناسب أن يقال يا عبدالله كما جاء في هذا الحديث وكذلك جاء في حديث الفتن في آخر الزمان وأن الحجر يقول: يا عبدالله هذا يهودي ورائي فاقتله، فقال يا عبدالله فإذًا التعبير به هو المناسب لمن لا يعرف ولا يناسب أن يقال محمد لأنه قد يكون المخاطب كافرا ولكن إذا قيل عبدالله هذه تصلح للكافر والمسلم فتصلح لكل أحد، وذكر ألفاظ الأذان وهي خمس عشرة جملة، وذكر الإقامة وأن الأشياء التي كانت مكررة اختصرت إلى أن تكون آحاد وأن تكون فردا وصار المجموع إحدى عشرة جملة تكبيرتان في الأول الله أكبر الله أكبر وشهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فيكون المجموع إحدى عشرة جملة فيكون ألفاظ الأذان خمس عشرة جملة وألفاظ الإقامة إحدى عشرة جملة، وقوله:«إنها لرؤيا حق إن شاء الله» المقصود بإن شاء الله التبرك ليس للشك أو عدم اليقين أنه إن شاء الله ذلك أو لم يشأه وإنما المقصود التبرك مثل قوله: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يعني أن هذا تبرك وأن هذا شيء قد حصل ولابد من حصوله، «فإنه أندى صوتا منك» وهذا فيه بيان اختيار المؤذن يكون حسن الصوت يكون جهوري الصوت حتى يبلغ الناس وحتى يحصل إبلاغ الناس على الوجه الذي ينبغي، ثم ذكر أن عمر رضي الله عنه حصل له مثل الذي حصل لعبدالله بن زيد رضي الله عنه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه رأى مثل الذي رأى فقال صلى الله عليه وسلم:«فلله الحمد» وهذا يدل على أن حمد الله عند تجدد النعم وعند حصول الأمور السارة والأمور المحبوبة والمرغوبة فقال فلله الحمد يعني على هذه النعمة، ثم ذكر قضية الحديث الذي فيه أنه بعدما أذن جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذن يخبره بأن وقت الإقامة حضر فقالوا: إنه نائم فرفع صوته الصلاة خير من النوم فجعلوها في الأذان في أذان الصبح هذا يدل عليه ويدل عليه الحديث الذي بعده حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: من السنة إذا قال حي على الصلاة حي على الفلاح يقول الصلاة خير من النوم في أذان الفجر ومعنى قوله الصلاة خير من النوم فمعلوم أن الصلاة خير من النوم لكن هذا فيه بيان أن من كان نائما ونودي إلى الصلاة وهو متلذذ بهذا النوم ومستمتع بهذا النوم وهو راغب في هذا النوم فيقال إنما تدعى له وهو الصلاة خير مما أنت فيه وهو النوم الذي أعجبك والذي أنت متلذذ ومرتاح فيه ما تدعى إليه خير مما أنت فيه.
179 -
وَعَن أبي مَحْذُورَة: " أَن نَبِي الله صلى الله عليه وسلم َ علّمه الْأَذَان: الله أكبر الله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ثمَّ يعود فَيَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مرَّتَيْنِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله مرَّتَيْنِ، حَيّ عَلَى الصَّلَاة مرَّتَيْنِ، حَيّ عَلَى الْفَلاح مرَّتَيْنِ، [زَاد إِسْحَاق] ألله أكبر ألله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله ". كَذَا رَوَاهُ مُسلم، وَقد رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ وَذكروا التَّكْبِير فِي أَوله أَرْبعا، وَفِي رِوَايَة أَحْمد:" وَالْإِقَامَة مثنى مثنى: لَا يرجع "(وَرَوَى التِّرْمِذِيّ: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ علمه الْأَذَان تسع عشرَة كلمة، وَالْإِقَامَة سبع عشرَة كلمة " وَقَالَ: (هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح)).
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي محذورة رضي الله عنه وهو أطول شيء في الأذان وأكثر جمل وهو جاء فيه أنه سبع عشرة جملة لأن فيه الترجيع للشهادتين وجاء التثنية في الأول بأن يقول الله أكبر الله أكبر وجاء التربيع في أن يقوله أربع مرات فعلى أنها مرتين فإنها تكون الجمل سبعة عشر لأنه جاء في الأذان الترجيع وهو أنه إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله مرتين مرتين يرجع يقولها أولا بخفض صوت ثم يرجع ويأتي بها برفع صوت فتكون مع التربيع في الأول تسع عشرة جملة وهذا أعلى شيء ورد في ألفاظ الأذان وعلى التثنية في التكبير في الأول فتكون سبعة عشر جملة مع الترجيع وأما الإقامة فإنه لا ترجيع فيها وقد جاء ما يدل على أنها تكون خمس عشرة جملة وقد مر أنها إحدى عشرة جملة وتكون أيضا سبعة عشر وهو أعلى شيء في الإقامة وأعلى شيء في الأذان تسعة عشر كما جاء في حديث أبي محذورة رضي الله عنه، والإقامة مثنى مثنى لا يرجع معناه تصير خمس عشرة جملة لأنها مثل ألفاظ الأذان وهذا الذي جاء في الإقامة بدون ترجيع، فالإقامة على الرواية التي فيها ألفاظ الإقامة مثل ألفاظ الأذان خمسة عشر ويضاف إليها قد قامت الصلاة فتكون سبعة عشر وأما التسعة عشر في الأذان فهي مع الترجيع وأقل شيء في الإقامة أحد عشر وأقل شيء في الأذان خمسة عشر.
180 -
وَعَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس قَالَ: " من السّنة إِذا قَالَ الْمُؤَذّن فِي أَذَان الْفجْر حَيّ عَلَى الْفَلاح قَالَ: الصَّلَاة خير من النّوم " رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي " صَحِيحه "، وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وهذا الحديث عن أنس رضي الله عنه فيه مشروعية الإتيان بالصلاة خير من النوم بعد حي على الفلاح وقول الصحابي من السنة يعني معناه من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يعني يعتبر مرفوع وأما التابعي إذا قال من السنة فإنه يكون مرسلا مثل لو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الصحابي إذا قال من السنة كذا فهو مثل إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
181 -
وَعَن أنس قَالَ: " لما كثر النَّاس ذكرُوا أَن يُعلموا وَقت الصَّلَاة بِشَيْء يعرفونه فَذكرُوا أَن يوروا نَارا أَو يضْربُوا ناقوساً فأُمر بِلَال أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة " مُتَّفق عَلَيْهِ، زَاد البُخَارِيّ:" إِلَّا الْإِقَامَة ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه شفع الأذان وإيتار الإقامة، شفع الأذان بأن يكون خمس عشرة جملة وإيتار الإقامة بأن يكون إحدى عشرة جملة لأن التكبير أربع في الأول صار ثنتين وأشهد أن لا إله إلا الله في الأذان كانت مرتين وصارت واحدة وأشهد أن محمدا رسول الله في الأذان كانت مرتين وصارت واحدة حي على الصلاة مرتين في الأذان ومرة واحدة في الإقامة حي على الفلاح مرتين في الأذان ومرة واحدة في الإقامة وفيه قد قامت الصلاة تضاف إلى الإقامة ولا توجد في الأذان والله أكبر الله أكبر مرتين في الآخر وكلمة التوحيد في الآخر فالمجموع أقل شيء في الإقامة إحدى عشر وأكثر شيء في الإقامة سبعة عشر وأقل شيء في الأذان خمسة عشر وأكثر شيء في الأذان تسعة عشر.
182 -
وَعَن عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه: " أَنه رَأَى بِلَالًا يُؤذن فَجعلت أتتبع فَاه هَاهُنَا، وَهَاهُنَا يَمِينا وَشمَالًا يَقُول حَيّ عَلَى الصَّلَاة حَيّ عَلَى الْفَلاح " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيه: " فَلَمَّا بلغ حَيّ عَلَى الصَّلَاة حَيّ عَلَى الْفَلاح لوى عُنُقه يَمِينا وَشمَالًا وَلم يستدر " وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ: " رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن [ويدور] وأتتبع فَاه هَاهُنَا وَهَاهُنَا وأصبعاه فِي أُذُنَيْهِ "(قَالَ التِّرْمِذِيّ: (حَدِيث حسن صَحِيح)) وَلابْن مَاجَه: " فَاسْتَدَارَ فِي أَذَانه وَجعل إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه شيئين من الألفاظ المستحبة في الأذان وهي أن يلتفت عندما يقول حي على الصلاة حي على الفلاح يمينا وشمالا وكذلك يجعل أصبعيه في أذنيه فإذًا هاتان سنتان من السنن التي جاءت في الأذان وأنه عندما يقول حي على الصلاة حي على الفلاح يلتفت يمينا وشمالا وكذلك يجعل أصبعيه في أذنيه في حال أذانه.
183 -
وَعَن أبي مَحْذُورَة: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَمر نَحوا من عشْرين رجلا فأذنوا فأعجبه صَوت أبي مَحْذُورَة فَعلمه الْأَذَان " رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي " مُسْنده "، وَابْن خُزَيْمَة فِي " صَحِيحه ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه اختيار من يكون أحسن من غيره في الأذان بأن يكون أندى صوتا وجهوري الصوت فهذا يدل على اختيار المؤذن من بين الناس الذين يحصل منهم الأذان ولكن يتميز بعضهم على بعض فيختار أمثلهم وأنداهم صوتا وأجهرهم صوتا فيختار ويقدم على غيره كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
184 -
وَعَن عبد الله بن عمر قَالَ: " كَانَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم َ مؤذنان: بِلَال وَابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه تعدد المؤذنين ولكن المقصود بالتعدد ليس معنى ذلك أنهم يؤذنون دفعة واحدة معا في وقت واحد وإنما هذا يؤذن في وقت وهذا يؤذن في وقت أو يكون واحد يؤذن الأذان الأول في الفجر والثاني يؤذن الأذان الثاني في الفجر فهذا يدل على تعدد المؤذنين عند الحاجة وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم هذان المؤذنان بلال وعبدالله ابن أم مكتوم رضي الله عنهما.
185 -
وَعَن ابْن عَبَّاس وَجَابِر قَالَا: " لم يكن يُؤذن يَوْم الْفطر وَلَا يَوْم الْأَضْحَى " مُتَّفق عَلَيْهِ.
186 -
وَعَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: " صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ الْعِيدَيْنِ غير مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذين الحديثين اللذان يتعلقان بصلاتي العيدين الفطر والأضحى وأنه لا يؤذن لهما لا ينادى لهما كما ينادى للصلوات وإنما يصليان بدون
أذان يسبقهما فهذين الحديثين يدلان على أن الأذان لا يشرع في حقهما وإنما يقومون إلى الصلاة بدون أذان وإن نبهوا وقالوا الصلاة حتى يقوم الناس لا بأس به لكن ما فيه أذان ما فيه الله أكبر الله أكبر كما يحصل في الأذان فإذًا هذان الحديثان يدلان على أن صلاتي العيدين الفطر والأضحى أنه ليس فيهما أذان ولا إقامة فهذه أحد عشر حديثا من أحاديث هذا الباب.
الدرس العشرون:
187 -
وَعَن أبي قَتَادَة فِي حَدِيث طَوِيل فِيهِ النّوم عَن الصَّلَاة، وَفِيه:" ثمَّ أذن بِلَال بِالصَّلَاةِ فَصَلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ صَلَّى الْغَدَاة فَصنعَ كَمَا كَانَ يصنع كل يَوْم " رَوَاهُ مُسلم.
هذا الحديث من الأحاديث التي أوردها الشيخ الحافظ محمد بن أحمد بن عبدالهادي رحمه الله في كتاب المحرر في باب الأذان وقد مر في الدرس الماضي عدد من الأحاديث في الأذان وهذا الحديث من جملة هذه الأحاديث وقد أشار إلى أنه ضمن حديث طويل وفيه أنه صلى الله عليه وسلم نام عن صلاة فحصل الأذان والإقامة وأنه أتي بالأذان وصلوا بعده ركعتين النافلة التي هي سنة الفجر ثم أقيمت الصلاة وأتوا بصلاة الغداة بصلاة الفجر وقال أنه فعل مثل ما كان يفعل في سائر الأيام أي أنه في القضاء فعل مثل الأداء لأن هذه الكيفية التي هي يؤذن ثم تصلى ركعتين السنة القبلية التي هي مشروعة قبله وهي من آكد النوافل ثم بعد ذلك يقيم ويصلي ركعتين فتكون حال القضاء كالأداء ففعل في هذه المرة التي ناموا فيها مثل ما كانوا يفعلون وهو الصلاة في وقتها بأن يؤذن لها وتصلى الركعتان النافلة ثم تقام وتصلى الفريضة فيكون العمل الذي يحصل عند القضاء مثل ما كان في الأداء.
188 -
وَرُوِيَ عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: " أَنه أَتَى الْمزْدَلِفَة فَصَلى بهَا الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ ".
ثم ذكر هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أتى المزدلفة صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين يعني صلى المغرب ثلاث وصلى العشاء ركعتين لأنه يقصرها وبأذان واحد وإقامتين يعني أذن ثم بعد ذلك أقيمت صلاة المغرب ثم بعدما فرغ منها أقيمت صلاة العشاء وصلى العشاء فهذا حديث جابر رضي الله عنه ضمن حديثه الطويل الذي روى فيه الحج وهو أوسع حديث جاء في الحج وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه وفيه صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الذي حصل منه في المزدلفة هو مثل الذي حصل منه في عرفات لأنه جمَع جمْع تقديم بعدما حصل الزوال ودخل وقت الظهر فإنه جمع بينهما وأتى بهما بأذان واحد وإقامتين وهما مقصورتان الظهر ركعتين والعصر ركعتين والعشاء مثلها بأذان واحد وإقامتين.
189 -
وَعَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر قَالَ: " جمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع: صَلَّى الْمغرب ثَلَاثًا، وَالْعشَاء رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَة وَاحِدَة " رَوَاهُ مُسلم. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: " بِإِقَامَة وَاحِدَة لكل صَلَاة وَلم يناد فِي الأولَى وَلم يسبح عَلَى إِثْر وَاحِدَة مِنْهُمَا "، وَفِي رِوَايَة:" وَلم يناد فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا ".
ثم ذكر هذا الحديث عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بجمع وهي مزدلفة لأن مزدلفة من أسمائها جمع يعني صلى المغرب والعشاء بإقامة واحدة يعني لكل منهما لأن حديث جابر رضي الله عنه فيه أذان واحد وإقامتين وهنا ذكر إقامة واحدة وهو ما حصل منه إلا مرة واحدة فيكون بعضها راجح وبعضها مرجوح فيكون هذا حتى يتفق مع ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه ويتفق مع ما حصل في صلاة الظهر والعصر في عرفة أنه يأتي بها بإقامتين وليس بإقامة واحدة فيكون معنى قوله بإقامة واحدة يعني لكل منهما كما جاء في الروايات الأخرى التي عند غير مسلم، ولم يسبح يعني لم يتنفل بعد الأولى بعد المغرب ولم يتنفل بعد العشاء ولكن فيما يتعلق ببعد العشاء معروف أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يترك الوتر لا في حضر ولا في سفر ومعنى ذلك أنه لم يأتي بالنوافل التي تكون بعد صلاة العشاء ولكن الوتر الذي جاء في الأحاديث أنه كان يحافظ عليه وما كان يتركه لا في حضر ولا في سفر يدل على أنه يأتي بالوتر ولا يقال إنه في هذه الليلة لا يكون فيها وتر وإنما الوتر في جميع الليالي تختم صلاة الليل بالوتر، والوتر وركعتي الفجر هما آكد السنن فهو لم يسبح بينهما ولم يسبح بعدهما يعني يتنفل ولكن الوتر جاء فيها أحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليه.
190 -
وَعَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم. قَالَ: وَكَانَ رجلا أَعْمَى لَا يُنَادي حَتَّى يُقَال: أَصبَحت أَصبَحت " مُتَّفق عَلَيْهِ.
وهذا الحديث فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم له مؤذنان بلال رضي الله عنه كان يؤذن بليل يعني في ليل وذلك قبل دخول الوقت أي وقت الفجر وابن أم مكتوم رضي الله عنه يؤذن الأذان الثاني وكان أعمى ولا يؤذن حتى يقال له أصبحت يعني معناه أنه دخل وقت الصبح فأذان عبدالله بن أم مكتوم رضي الله عنه هذا هو الأذان الذي عند دخول الوقت والذي تحل بعده الصلاة ويحرم الأكل للصائم وأما الأذان الأول فهو يبيح الأكل ويمنع الصيام لأن الصيام إنما يبدأ من الأذان الثاني فالأذان الأول يكون فيه إيقاظ النائم يعني النائم يستيقظ والمصلي يستريح.
191 -
وَعنهُ: " أَن بِلَالًا أذّن قبل طُلُوع الْفجْر فَأمره النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ أَن يرجع فينادي: أَلا إِن العَبْد نَام فَرجع، فَنَادَى: أَلا إِن العَبْد نَام "(رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَذكر علته، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ وَالتِّرْمِذِيّ: (هُوَ غير مَحْفُوظ)، وَقَالَ الذَّهَبِيّ:(هُوَ شَاذ مُخَالف لما رَوَاهُ النَّاس عَن ابْن عمر)، وَقَالَ مَالك:(لم تزل الصُّبْح يُنَادَى بهَا قبل الْفجْر فَأَما غَيرهَا من الصَّلَوَات فَإنَّا لم نر من يُنَادي بهَا إِلَّا بعد أَن يحل وَقتهَا)).
يعني هنا أن الصبح هي التي يؤذن لها أذانين أذان لازم الذي هو عند دخول الوقت وأما الأذان الأول فليس بلازم يعني يمكن أن يؤتى به في بعض المساجد ولكنه لا يلزم أن الناس يؤذنون الأذان الأول في كل مسجد وإنما الأذان الثاني الذي عند دخول الوقت هذا هو الذي لازم وهذا الحديث فيه في أوله أن بلالا رضي الله عنه أذن وأمره صلى الله عليه وسلم أن يعيد ويقول ألا إن العبد نام يعني حتى يعرف أنه حصل منه شيء على خلاف المعتاد والحديث هذا الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يقول ألا إن العبد نام ليس بثابت كما ذكر ذلك جماعة من أهل العلم.
192 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِذا سَمِعْتُمْ النداء فَقولُوا مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم النداء أي النداء في الصلاة فقولوا مثل ما يقول المؤذن يعني إذا قال الله أكبر الله أكبر يقول الله أكبر الله أكبر لكن يستثنى من ذلك الحيعلتين فإنه لا يقال مثل ما يقول المؤذن وإنما يقال لا حول ولا قوة إلا بالله الذي يسمع النداء لا يقول كما يقول المؤذن في الحيعلة وإنما يأتي بالحوقلة يعني بدل الحيعلة فالمؤذن يأتي بالحيعلة والذي يجيبه يجيب بالحوقلة فيقول لا حول ولا قوة إلا بالله إذًا قوله فقولوا كما يقول المؤذن مستثنى من ذلك ما جاء في حديث عمر رضي الله عنه الذي سيأتي أنه تؤتى بالحوقلة عند الحيعلة ولا يأتي السامع بالحيعلة كما يقول المؤذن وإنما يقول لا حول ولا قوة إلا بالله كما جاء ذلك مبينا في حديث عمر رضي الله عنه الذي سيأتي.
193 -
وَعَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " من قَالَ حِين يسمع النداء: اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة آتٍ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة والفضيلة وابعثه مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته، حلت لَهُ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة " رَوَاهُ البُخَارِيّ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَابْن حبَان، وَالْبَيْهَقِيّ:" الْمقَام الْمَحْمُود " بِلَفْظ التَّعْرِيف.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه الذكر بعد الأذان وأن الإنسان إذا تابع المؤذن وقال مثل ما قال وفرغ من الأذان فإنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوا بهذا الدعاء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته هذا هو الذكر الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه صلاة وفيه دعاء له بالوسيلة والفضيلة والوسيلة جاء بيانها في حديث سيأتي وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة» فهذا يدل على أن الوسيلة فسرها في هذا الحديث الذي سيأتي وأما الفضيلة فهي دعاء له بتحصيل الفضل العظيم ومن المعلوم صلى الله عليه وسلم أن أمته كلها من أولها إلى آخرها له مثل أجور أعمالهم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دلهم على الحق والهدى فله مثل أجورهم فإذًا له أجور أعماله صلى الله عليه وسلم وله مثل أجور أمته وهذا فضل عظيم وشرف كبير لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن أمته من أولها إلى آخرها من حين بعثته إلى قيام الساعة كل من عمل عملا صالحا فإن الله يكتب لنبيه صلى الله عليه وسلم مثل عمل هذا العامل لأنه صلى الله عليه وسلم هو الذي دل الناس على الخير وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من دل على هدى فله مثل أجر فاعله» فهذا من فضله وشرفه وتميزه على غيره وأن له هذا الأجر العظيم وهذه الفضيلة العظيمة.
194 -
وَعَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: الله أكبر الله أكبر فَقَالَ أحدكُم: الله أكبر الله أكبر، ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، ثمَّ قَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، ثمَّ قَالَ: حَيّ عَلَى الصَّلَاة قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، ثمَّ قَالَ: حَيّ عَلَى الْفَلاح قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، ثمَّ قَالَ: الله أكبر الله أكبر قَالَ: الله أكبر الله أكبر، ثمَّ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله من قلبه، دخل الْجنَّة " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن عمر رضي الله عنه في إجابة المؤذن وأنه يقول مثل ما يقول إلا في الحيعلة فإنه يأتي بالحوقلة كما تقدمت الإشارة إليه وهنا ذكر الحديث ليس تاما وإنما أتى به بالشيء الذي يكرر يأتي به مرة واحدة وفي هذا الحديث دليل على أنه يجمع بين التكبيرتين في الأول والآخر بنفس واحد ولهذا قال: «إذا قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر» ثم بعد ذلك إذا قال كل جملة يقول مثل ما يقول فيدل هذا الحديث في قوله: «إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر على أنه يجوز أو أنه يشرع الجمع بين التكبيرتين في نفس واحد في أول الأذان الله أكبر الله أكبر وفي آخر الأذان الله أكبر الله أكبر إلا أنه في أول الأذان يكون الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر يعني أربع تكبيرات بنفسين وأما في آخر الأذان فتكبيرتان بنفس فهذا الحديث فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين عند كل جملة أنه يقول مثل ما يقول المؤذن والحديث الذي مر إذا «سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن» مستثنى منه الحيعلة فإنه يقال في الحوقلة وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مبين لهذا.
195 -
وَرَوَى عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَقُول: " إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن فَقولُوا مثل مَا يَقُول، ثمَّ صلوا عَلّي فَإِنَّهُ من صَلَّى عَلّي صَلَاة صَلَّى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا، ثمَّ سلوا الله لي الْوَسِيلَة فَإِنَّهَا منزلَة فِي الْجنَّة لَا تنبغي إِلَّا لعبد من عباد الله تَعَالَى وَأَرْجُو أَن أكون أَنا هُوَ، فَمن سَأَلَ لي الْوَسِيلَة حلت لَهُ الشَّفَاعَة ".
وهذا فيه بيان الوسيلة والمراد بالوسيلة وأنه منزلة في الجنة لا تكون إلا لعبد ويرجوا أن يكون هو وأن من سأل الله له الوسيلة حلت له شفاعته صلى الله عليه وسلم وكذلك بيان أن من صلى عليه صلاة صل الله عليه بها عشرا فهذا مبين للصلاة وفضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد الأذان وأن من صلى عليه واحدة صل الله عليه بها عشرا هذا في جميع الأحوال كل من صلى على الرسول صلى الله عليه وسلم في أي وقت من الأوقات فالله يصلي على من صلى عليه واحده يصلي عليه بها عشرا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
196 -
وَعَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ أَنه قَالَ: " يَا رَسُول الله اجْعَلنِي إِمَام قومِي، قَالَ: أَنْت إمَامهمْ، واقتد بأضعفهم، وَاتخذ مُؤذنًا لَا يَأْخُذ عَلَى أَذَانه أجرا " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن ماجة، وَالنَّسَائِيّ، وَالْحَاكِم، وَقَالَ:(عَلَى شَرط مُسلم)، وَفِي رِوَايَة:" أَن آخر مَا عهد إلىّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ أَن أَتَّخِذ مُؤذنًا لَا يَأْخُذ عَلَى أَذَانه أجرا " رَوَاهُ ابْن ماجة، (وَالتِّرْمِذِيّ حسنه).
ثم ذكر هذا الحديث المتعلق بالأذان وأنه لا يؤخذ عليه الأجر ومعلوم أن الأذان قربة وعبادة وأن الإخلاص لله عز وجل مطلوب في أي عمل يتقرب به إلى الله عز وجل ولا يؤخذ عليه الأجر بأن يكون مثل الحرف ومثل المهن وأن الإنسان لا يؤذن إلا بأجرة لكن إذا حصل جعل أو وقف على المؤذنين فله أن يأخذه ويكون هذا من الثواب المعجل وأما كونه لا يصلي إلا بمقدار معين وأنه لا يؤذن إلا إذا أعطي مقدار معين فإن هذا يقدح في الإخلاص وأخذ الأجرة وأن الإنسان لا يصلي إلا بأجرة هذا هو الذي فيه المحذور وأما كونه يأخذ الجعل الذي يجعل في بيت المال للمؤذنين أو كذلك الأوقاف يعني هذه العمارة وقف على المؤذنين في المساجد أو في المساجد المعينة فإن هذا سائغ ولا بأس به فالجعل غير الإجارة فالجعل سائغ ولا بأس به وأما الإجارة فإن أمرها فيه إشكال ولهذا جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل عن رجل يقول أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهما فقال أسأل الله العافية ومن يصلي خلف هذا، ذكره الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه الذي هو آداب المشي إلى الصلاة.
باب شروط الصلاة
الدرس الحادي والعشرون:
قال الشيخ الحافظ محمد بن أحمد بن عبدالهادي رحمه الله في كتابه المحرر باب شروط الصلاة، وشروط الصلاة هي التي لابد أن تكون موجودة قبل الدخول في الصلاة وأولها الطهارة وأن يكون الإنسان على طهارة عندما يريد أن يدخل في الصلاة يتوضأ كما قال الله عز وجل:(يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) يعني إذا أردتم القيام فاغسلوا وجوهكم يعني أنهم يتوضؤون.
197 -
عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: " لَا يقبل الله صَلَاة أحدكُم إِذا أحدث حَتَّى يتَوَضَّأ " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ لمُسلم.
والطهارة تكون بالماء إذا كان موجودا كما جاء في الحديث «حتى يتوضأ» وإن كان الماء غير موجود فإنه يقوم مقامه التيمم وذلك بأن يضرب الأرض ويمسح وجهه ويمسح ظاهر كفيه فيكون الطهارة الأصلية الذي هو الوضوء إذا كان موجودا وإن لم يكن موجودا فإنه ينتقل إلى الطهارة التي تقوم مقامها وتأتي بدل منها الذي هو التيمم ولهذا جاء في هذا الحديث المتفق على صحته «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» يعني إذا حصل منه الحدث بأي ناقض من نواقض الوضوء سواء كان ببول أو غائط أو نوم أو غير ذلك مما يكون به نقض الوضوء.
198 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ:" لَا ينظر الرجل إِلَى عَورَة الرجل، وَلَا الْمَرْأَة إِلَى عَورَة الْمَرْأَة وَلَا يُفْضِي الرجل إِلَى الرجل فِي ثوب وَاحِد وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فِي الثَّوْب الْوَاحِد ". رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة» ومن المعلوم أنه إذا كان الرجل ينظر إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل أن هذا من باب أولى يعني في المنع إذا كان الرجل لا ينظر إلى عورة الرجل فالرجل لا ينظر إلى عورة المرأة الأجنبية وكذلك المرأة لا تنظر إلى عورة الرجل الأجنبي فهذا فيه بيان العورة وسترها وأنها تستر في الصلاة وفي غير الصلاة وهنا ذكر أن الرجل لا ينظر إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة وذلك سواء في حال الصلاة وفي غير الصلاة، «ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد» فيدخل في هذا إذا كان الثوب شفافا من الرجل أو شفافا من المرأة فلا ينظر الرجل إلى عورة الرجل التي من وراء الثياب الشفافة وكذلك المرأة لا تنظر إلى عورة المرأة وكذلك أيضا إذا كان في فراش وقرب بعضهم من بعض لابد أن يكون هناك فاصل وأن يكون هناك حائل لا يقرب الجسد من الجسد فيمسه ويتصل به.
199 -
وَعَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: " قلت يَا رَسُول الله عوراتنا مَا نأتي مِنْهَا وَمَا نذر؟ قَالَ: احفظ عورتك إِلَّا من زَوجتك أَو مَا ملكت يَمِينك، قلت: فَإِذا كَانَ الْقَوْم بَعضهم فِي بعض؟ قَالَ إِن اسْتَطَعْت أَن لَا يَرَاهَا أحد فَلَا يرينها، قلت: فَإِذا كَانَ أَحَدنَا خَالِيا؟ قَالَ: فَالله تبارك وتعالى أَحَق أَن يستحيى مِنْهُ من النَّاس " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن ماجة، وَالنَّسَائِيّ، (وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَإِسْنَاده ثَابت إِلَى بهز، وَهُوَ ثِقَة عِنْد الْجُمْهُور).
ثم ذكر هذا الحديث عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة هذا معاوية بن حيدة رضي الله عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ يعني ما يحل وما يحرم مالذي لنا أن ننظر ومالذي لنا أن لا ننظر قال صلى الله عليه وسلم: «احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» لأن الإنسان يحفظ عورته من كل أحد ولا يستثنى من ذلك إلا الزوجة وملك
اليمين فإنه له أن ينظر إلى زوجته وملك يمينه وكذلك الزوجة وملك اليمين تنظر إلى الزوج وإلى السيد، قال فإذا كان القوم بعضهم في بعض يعني مختلطين حصل اجتماع قد يحصل معه انكشاف عورته قال صلى الله عليه وسلم:«إن استطعت أن لا يرى عورتك أحد فافعل» يعني احرص على أن لا يراك أحد وذلك بالحرص على التستر وأن لا تعرض نفسك لشيء يحرم على الناس النظر إليه فأن تكون متسترا وغيرك أيضا يكون متسترا فلا ينظر أحد إلى عورة أحد، قال: فإذا كان أحدنا خاليا يعني في غرفة وحده وليس عنده أحد من الناس يتستر عنه فإنه لا يتجرد ويتعرى قال: «فالله أحق أن يستحيى منه من الناس» كما أن الناس يستحيى منهم أن يكون الإنسان متعري أمامهم فالله تعالى أحق أن يستحيى منه من الناس فمعنى ذلك أن الإنسان إذا كان وحده لا ينام متعريا ولكن يغطي نفسه إما بثيابه أو بشيء يضعه عليه بحيث لا تكون عورته ظاهرة وينام وهو عريان غير متستر لا في ثيابه ولا في غطاء يتغطى به ويستر به جسمه ويستر به عورته.
200 -
وَعَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: " كنت جَالِسا عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ إِذْ أقبل أَبُو بكر آخِذا بِطرف ثَوْبه حَتَّى أبدى عَن ركبته فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: أما صَاحبكُم فقد غامر " الحَدِيث، رَوَاهُ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث والمقصود منه الجملة الأخيرة التي فيها قد أبدى ركبته يعني ظهرت ركبته ومعنى ذلك أنها عورة تابعة للفخذ فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: «قد غامر» يعني أنه قد خاصم وحصل شيء أزعجه حتى صار على هذه الهيئة وهذا في قصة حصلت بينه وبين عمر رضي الله عنه فغضب أبو بكر رضي الله عنه وجاء على هذه الهيئة فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى أنه قد حصل له جزع وحصل له إزعاج جعله يفعل هذا الفعل، والمقصود من ذلك أن الإنسان يحفظ عورته من السرة إلى الركبة هذه هي العورة التي ليس لأحد أن ينظر إلى ما بين السرة والركبة وأما ما فوق السرة وما تحت الركبة فللإنسان أن ينظر إليه بالنسبة الرجل للرجل وكذلك المرأة للمرأة مثل لو كانت ترضع طفلا وأظهرت ثديها عند النساء وهي ترضع فمعنى ذلك أنه لا بأس لأن هذا ليس بعورة.
201 -
وَرَوَى عَن أبي مُوسَى: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كَانَ قَاعِدا فِي مَكَان فِيهِ مَاء قد انْكَشَفَ عَن رُكْبَتَيْهِ أَو ركبته - فَلَمَّا دخل عُثْمَان غطاها ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا على مكان فيه ماء وهذا في قصة الحديث الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأنه جلس ودلى رجليه في البئر وجاء أبو موسى رضي الله عنه وقال لأكونن بوابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند الباب فجاء أبو بكر رضي الله عنه يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة ثم جاء عمر رضي الله عنه فقال ائذن له وبشره بالجنة وجاء وجلس أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره ثم جاء عثمان رضي الله عنه واستأذن فأخبر أبو موسى رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بمجيء عثمان رضي الله عنه فقال ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فجاء وجلس وقد امتلأ جهة البئر التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فجلس في المقابل وقد جاء فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم ستر ركبته لما جاء عثمان رضي الله عنه وكذلك حصل هذا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل له إنك فعلت مع عثمان شيئا ما فعلته مع أبو بكر وعمر قال صلى الله عليه وسلم: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة يعني أنه حييٌّ وأنه لو جاء وركبته مكشوفة فإنه يستحي ويرجع أو يستحي من أن يكون جاء لحاجة يريدها ثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحالة فلغلبة حيائه فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد لا يصل ولا يسأل عن حاجته لحيائه رضي الله عنه وأرضاه والمقصود من ذلك أن الركبة هي من العورة.
202 -
وَعَن صَفِيَّة بنت الْحَارِث عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ أَنه قَالَ: " لَا يقبل الله صَلَاة حَائِض إِلَّا بخمار " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن ماجة، وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَالْحَاكِم وَقَالَ:(عَلَى شَرط مُسلم)، وَصفِيَّة (وثقها ابْن حبَان، وَقد رُوِيَ مَوْقُوفا ومرسلا)، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي " صَحِيحه " وَلَفظه:" لَا يقبل الله صَلَاة امْرَأَة قد حَاضَت إِلَّا بخمار ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه كون المرأة في الصلاة تغطي جسمها كله وأنه تغطي رأسها والخمار هو الذي يكون غطاء الرأس فتكشف وجهها وتغطي رأسها إلا إذا كانت في حضرة رجال أجانب فإنه تغطي وجهها مع رأسها وقال: «لا يقبل الله صلاة حائض وفي بعض الروايات قد حاضت» يعني أنها بلغت وأن التكليف إنما يكون بالبلوغ كما جاء في الحديث: «رفع القلم عن ثلاثة وفيه والصبي حتى يبلغ» فالبلوغ الذي يكون مشترك للرجال والنساء يكون بالاحتلام إذا حصل احتلام في وقت مبكر يعني قبل الخامس عشرة فإنه يكون حصل بلوغ وإذا لم يحصل احتلام وبلغ الخامس عشرة فإنه يحصل بلوغ السن وتزيد المرأة أنها إذا حاضت فإن هذا دلالة على بلوغها وأنه لابد لها أن تستر رأسها وتستعمل الخمار في حال صلاتها وقوله: «لا يقبل الله صلاة حائض» يعني بلغت سن المحيض هذا هو المقصود به ولهذا الرواية الثانية بينتها «امرأة قد حاضت» يعني حصل لها الحيض فإذا حصل لها الحيض قبل الخامس عشرة فهي بلغت وإذا حصل الاحتلام من الرجل والمرأة قبل بلوغ الخامس عشرة فقد بلغ كل منهما وإذا بلغ الخامس عشرة كل منهما فإنه يكون قد بلغ، إذًا هناك علامتين يشترك فيها الرجال والنساء وهي بلوغ خمسة عشر سنة والاحتلام وعلامة تختص بها النساء وهي أن يحصل لها الحيض.
203 -
وَعَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" من جر ثَوْبه خُيَلَاء لم ينظر الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة. فَقَالَت أم سَلمَة: فَكيف يصنع النِّسَاء بذيولهن؟ قَالَ: يرخين شبْرًا، قَالَت: إِذا تنكشف أقدامهن؟ قَالَ: فيرخينه ذِرَاعا لَا يزدن عَلَيْهِ " رَوَاهُ النَّسَائِيّ، (وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ:(حَدِيث حسن صَحِيح)). وَقد رُوِيَ عَن نَافِع عَن أم سَلمَة، وَعنهُ عَن صَفِيَّة عَن أم سَلمَة، وَعنهُ عَن سُلَيْمَان عَن أم سَلمَة. وَالله أعلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» يعني معناه أن الإنسان لابد أن يستر نفسه ويستر العورة ويستر الشيء الذي يحتاج إليه زيادة عن العورة لكن ليس له أن يغطي كعبه وأن ينزل ثوبه عن الكعبين وأن من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه، وقوله خيلاء يعني هذا لا يعني أن الإنسان له أن يلبس وإذا قيل له لماذا قال أنا لا ألبسه خيلاء وإنما الإنسان لا يجوز له أن ينزل ثوبه أو إزاره إلى ما دون الكعبين وإنما يكون فوق الكعبين فإنزاله عنهما هذا يكون محرم ولا يجوز ومما يدل على أنه ليس من شرط المنع أن يكون خيلاء ما رواه البخاري في صحيحة في قصة ما حصل لعمر رضي الله عنه عند طعنه وكونه جلس بعد ذلك والناس يعودونه ويدعون له وكان ممن زاره رجل شاب لما جاء أثنى عليه قال هنيئا لك يا أمير المؤمنين صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسنت صحبته ثم جئت مع أبي بكر رضي الله وكنت معه عونا له ثم وليت قال وددت أن يكون كفافا لا لي ولا علي ثم إنه لما أدبر وإذا ثوبه يمس الأرض لما ولى الغلام وإذا ثوبه يمس الأرض فقال ردوا علي الغلام ثم قال يابن أخي ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأبقى لثوبك ما قال أنت تجره خيلاء ولا ما هو خيلاء؟ وإنما أرشده إلى أنه يترك هذا الفعل الذي وقع فيه وهو كونه يجر ثوبه فقال ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأبقى لثوبك فأرشده إلى فائدتين دنيوية وأخروية الدنيوية هي قوله أبقى لثوبك يعني معناه أن الثوب ما يتوسخ ويطول أمده وأتقى لربك بأن يكون أتقى الله عز وجل وعمل بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم من عدم الإسبال وعدم جر الثياب وهذا من جنس الحديث الذي سبق أن مر بنا في السواك الذي قال:«السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» فإن فيه فائدة دنيوية وأخروية فالفائدة الدنيوية كونه مطهرة للفم ويطهر الفم فتكون رائحته طيبة ويكون أيضا فائدة دنيوية وأخروية بكونه فعل طاعة لله عز وجل حيث قال: «ومرضاة للرب» ، وقالت أم سلمة رضي الله عنها ما يفعل النساء بذيولهن قال:«يرخين شبرا» قالت: إذًا تنكشف أقدامهن، قال:«يرخين ذراعا ولا يزدن على ذلك» يعني معناه أن رجليها تكون مغطاة ولا تزيد على الذراع الذي يغطي الرجلين بأن تطيل ذيل ثوبها بحيث تجره وراءها وهو طويل وإنما على قدر ما يغطي الرجلين وهذا الحديث الذي فيه إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تغطية الرجلين يدل على وجوب تغطية الوجه وذلك أنه إذا كانت الرجلين أُمر بتغطيتهما والوجه هو محل الزينة ومحل الجمال فهو من باب أولى أن يغطى.
204 -
وَعَن أبي يَحْيَى القَتَّات، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ:" مر النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ عَلَى رجل وَفَخذه خَارِجَة فَقَالَ: غط فخذك فَإِن فَخذ الرجل من عَوْرَته " رَوَاهُ أَحْمد وَهَذَا لَفظه، وَأَبُو يعْلى، (وَالتِّرْمِذِيّ وَلَفظه:" أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: الْفَخْذ عَورَة ". وَقَالَ: (هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب) وَصَححهُ الطَّحَاوِيّ. وَأَبُو يَحْيَى: مُخْتَلف فِيهِ، وَثَّقَهُ ابْن معِين فِي رِوَايَة، وَقَالَ النَّسَائِيّ:(لَيْسَ بِالْقَوِيّ)، وَقَالَ البُخَارِيّ:(وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وجرهد وَمُحَمّد بن جحش عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: " الْفَخْذ عَورَة "، وَقَالَ أنس: " وحسر النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ عَن فَخذه " وَحَدِيث أنس أسْند وَحَدِيث جرهد أحوط حَتَّى يخرج من اخْتلَافهمْ)). وَقد رُوِيَ حَدِيث ابْن عَبَّاس من وَجه آخر عَن طَاوس عَنهُ.
ثم ذكر هذا الحديث المتعلق بالفخذ وأنه عورة وقد ورد فيه حديثين وكل منهما فيه كلام ولكن الأحاديث التي وردت في هذا لا تخلوا من مقال ولكن بمجموعها وأن ضعفها ليس بشديد يعني يقوي بعضها بعضا فيكون ذلك حجة على أن الفخذ عورة وأنه يجب تغطيته وستره وأن لا يراه أحد لا يرى العورة أحد إلا الزوج والسيد أو الزوجة أو الأمة الموطوءة التي يحل لسيدها وطؤها بأن يكون هو الذي يطؤها فما تكون مزوجة ولها زوج فإنه لا يرى العورة إلا الزوج أو السيد وكذلك الزوجة أو الأمة الموطوءة التي يحل للإنسان وطؤها فإذًا هذه الأحاديث التي وردت في بيان العورة وأن الفخذ عورة يشد بعضها بعضا ويقوي بعضها بعضا.
205 -
وَعَن أنس بن مَالك: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ غزا خَيْبَر فصلينا عِنْدهَا صَلَاة الْغَدَاة بِغَلَس فَركب نَبِي الله صلى الله عليه وسلم َ وَركب أَبُو طَلْحَة وَأَنا رَدِيف أبي طَلْحَة فَأَجْرَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِي زقاق خَيْبَر [وَإِن ركبتي لتمس فَخذ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم َ] ثمَّ حسر الْإِزَار عَن فَخذه حَتَّى إِنِّي أنظر إِلَى بَيَاض فَخذ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم َ فَلَمَّا دخل الْقرْيَة قَالَ: الله أكبر خربَتْ خَيْبَر!! إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح المنذَرين، قَالَهَا ثَلَاثًا ". رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لمُسلم:" وانحسر الْإِزَار عَن فَخذ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم َ "(فَلفظ مُسلم لَا حجَّة فِيهِ عَلَى أَن الْفَخْذ لَيْسَ بِعَوْرَة، وَلَفظ البُخَارِيّ مُحْتَمل وَالله أعلم).
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه عن أنس رضي الله عنه أنهم لما دخلوا خيبر في غزوة خيبر وذلك سنة سبع أنه صلى الله عليه وسلم كان راكبا وكان أبو طلحة رضي الله عنه على فرس راكب ووراءه أنس بن مالك الذي أبو طلحة زوج أمه رضي الله عنهما فكان راكبا وكان هذان الفرسان فرس عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وفرس عليه أبو طلحة وخلفه أنس رضي الله عنهما فكان الزقاق ضيقا وكانت الفرس بجنب الفرس حتى أنه انحسر الإزار عن فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان فخذه يتصل بفخذ الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الزقاق كان ضيقا وقربت الفرس من الفرس وحصل انحسار بسبب الهواء والريح يعني لم يكن الحسر بفعله صلى الله عليه وسلم وأنه أظهر فخذه وإنما حصل هذا بشدة الجري وشدة الريح التي كانت مقابلة لهم حتى انحسر فهذا يدل على أن العورة إذا حصل انكشافها لعارض فإن ذلك لا يؤثر وإنما المحذور أن يكون الإنسان يتعمد أنه يكشف عورته أما كونه يحصل له بسبب الريح أو الهواء أنه ينكشف شيئا من عورته فإن ذلك هو فيه معذور.
الدرس الثاني والعشرون:
206 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" لَا يُصَلِّي أحدكُم فِي الثَّوْب الْوَاحِد لَيْسَ عَلَى عَاتِقه مِنْهُ شَيْء " رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم، وَعِنْده:" عَاتِقيهِ " و " عَاتِقه " أَيْضا.
207 -
وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: " خرجت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِي بعض أَسْفَاره فَجئْت لَيْلَة لبَعض أَمْرِي فَوَجَدته يُصَلِّي وَعلي ثوب [وَاحِد] فاشتملت بِهِ وَصليت إِلَى جَانِبه، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: مَا السرى يَا جَابر؟ فَأَخْبَرته بحاجتي، فَلَمَّا فرغت قَالَ: مَا هَذَا الاشتمال الَّذِي رَأَيْت؟ قلت كَانَ ثوب - يَعْنِي ضَاقَ - قَالَ: فَإِن كَانَ وَاسِعًا فالتحف بِهِ وَإِن كَانَ ضيقا فاتزر بِهِ ". رَوَاهُ البُخَارِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، وَرَوَاهُ مُسلم وَلَفظه:" إِذا كَانَ وَاسِعًا فَخَالف بَين طَرفَيْهِ، وَإِن كَانَ ضيقا فاشدده عَلَى حقوك ".
فهذان الحديثان عن أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما يتعلقان بستر العورة وأن الإنسان في صلاته عليه أن يستر عورته وذلك بأن يلبس اللباس الذي يكون به ستر العورة كالقميص الذي يكون يستر على الجسد وأسفله أو يلبس إزار ورداء، إزار على نصفه الأسفل ورداء على نصفه الأعلى يعمل هذا العمل بأن يلبس هذا اللباس وقد ذكر الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يصلي في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» يعني معناه أنه بالإضافة إلى الإزار فإنه يضيف إلى ذلك أنه يغطي شيء من أعلى جسده كالعاتقين أو العاتق وإنما جاء ذلك لأن الإزار يسترخي وقد ينزل ولكنه إذا صار له طرف أعلى مرتفع فإنه يكون أقوى لشده وأدعى إلى كونه لا ينزل عن وسطه لهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذا الحديث: «لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» يعني أنه يستر عاتقه وذكر بعد ذلك حديث جابر رضي الله عنه الذي فيه أنه قال لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان له حاجة فوجده يصلي وصلى معه ولما فرغ وسأل عن حاجته قال ما هذا الثوب الذي عليك فقال إنه كان ضيقا وأنه اشتمل به فقال صلى الله عليه وسلم: إذا كان واسعا فالتحف به يعني إذا كان الثوب يعني القطعة من القماش لأن الثوب هنا ليس المراد به القميص وإنما هو قطعة من القماش فيلتحف به فيغطي ظهره وما نزل منه إلى الركبة وما تحتها وكذلك من جهة الأمام يغطي من السرة إلى الركبة وما أمكن مما يضيف إلى ذلك وقال في بعض الروايات أنه يجعل طرفي ردائه على كتفيه يعني وأن يخالف بينهما فيجعل الشيء الذي من جهة اليمين ينسف على جهة اليسار والذي من جهة اليسار ينسف على جهة اليمين فيكون بذلك ستر العورة وستر ما زاد عليها وقد ذكر إذا كان واسعا يشتمل به وإذا كان ليس واسعا يشده على حقوه أي يستر عورته التي هي من السرة إلى الركبة وفي الرواية الأخرى قال يتزر به يعني يتزر به ويشده على حقوه وهذا يشعر بأن كونه يشده ويجعل شيء على عاتقيه أنه ليس بلازم لأنه جاء في هذا الحديث أنه يتزر أو يشده على حقوه ومعنى ذلك أنه ليس على عاتقه منه شيء لكن الحديث صحيح وقد ثبت في الصحيحين فالأخذ به مهما أمكن هو المطلوب وإذا لم يمكن ولم يكن الإنسان عنده إلا إزار فإن ذلك يكفيه.
208 -
وَعَن أبي مسلمة سعيد بن يزِيد قَالَ: " قلت لأنس بن مَالك. أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي فِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: نعم " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث في الصلاة بالنعلين وأنه يجوز للإنسان أن يصلي في نعليه ولكن هذا في ما إذا كان في أرض ترابية سواء في المسجد أو خارج المسجد أما إذا كان المساجد مثل ما هو موجود في هذا الزمان مفروشة فلا يصلح أن الإنسان يأتي بنعاله ويصلي فيها ويمشي فيها لأنه يوسخ وإذا كانت أماكن البيوت يحترز من كونه يمشى بالنعال على الفرش فإن المساجد من باب أولى أن تصان من أي شيء يوسخها ويكون بجلب الأوساخ إليها فذكر هذا الحديث الذي فيه لبس النعال وأنه يصلي بالنعال وأن ذلك جائز وأنه لا بأس به وإنما ذكره هنا بعد حديث ستر العورة لأن فيه أن الإنسان في صلاته يستر بعض مواقع السجود ومن مواضع السجود الرجلين فإنه يكون سترها بالنعال ولبس النعال كما أشرنا إنما يكون في الفلاة أو يكون في المساجد التي أرضها ترابية فهذا هو الذي يراد.
209 -
وَعَن أنس بن مَالك " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ كَانَ يُصَلِّي نَحْو بَيت الْمُقَدّس فَنزلت {قد نرَى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء فلنولينك قبْلَة ترضاها فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} فَمر رجل من بني مسلمة وهم رُكُوع فِي صَلَاة الْفجْر وَقد صلوا رَكْعَة فَنَادَى: أَلا إِن الْقبْلَة قد حولت فمالوا كَمَا هم نَحْو الْقبْلَة " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة وأن رجل ذهب إلى مسجد الناس يصلون فيه إلى جهة بيت المقدس فأخبر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنزل عليه قرآن وأنه صلى إلى الكعبة فاستداروا وهم في صلاتهم بأن كانوا متجهين إلى الشمال فاتجهوا إلى الجنوب وصلوا الركعة الباقية لهم وذلك لأنه بلغهم الخبر وهم في أثناء الصلاة فإذًا صار قسم منها على جهة بيت المقدس وقسم منها على جهة الكعبة وقد جاء في صحيح مسلم قبل هذا الحديث الحديث الذي فيه أن جماعة كانوا يصلون في مسجد قباء وأنهم أتاهم آت وهم يصلون الصبح وقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم أنزل عليه قرآن فانحرفوا من جهة بيت المقدس إلى جهة القبلة وأورد مسلم هذا الحديث الذي ليس فيه ذكر المسجد وتعيينه وإنما فيه ذكر الرجل الذي أخبر بهذا الخبر أورده بعده فيمكن أن تكون القصة واحدة وأن هذا فيه تعيين المسجد وأنه مسجد قباء وهذا فيه تعيين الرجل الذي تكلم والذي أخبرهم بهذا الخبر وأنه من بني سلمة.
210 -
وَعَن عُثْمَان الأخنسي عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (وَقَالَ (هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح)، وَتكلم فِيهِ أَحْمد، وَقواهُ).
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» يعني أن الانحراف اليسير لا يؤثر وذلك أن القبلة إذا كان الإنسان حولها في المسجد الحرام يصلي إليها ويتجه إلى عين القبلة عين الكعبة أما إذا كان الإنسان بعيدا فإنه يصلي إلى جهتها ومن الصعب التحقق بأنه إلى عينها لأن الإنسان إذا كان من مكان بعيد لا يرى الكعبة فإن إصابة العين غير محققة ولكنها ليست بلازم ولهذا يكفي أن يكون بين المشرق والمغرب وهذا الكلام بالنسبة لقبلة المدينة وكذلك الذين من جهة اليمن فإن ما بين المشرق والمغرب قبلة يعني أنهم يتجهون إلى الجهة ولو حصل انحراف يسير لا يؤثر لأن إصابة العين غير متحققة ومثل ذلك إذا كانوا من جهة الغرب ومن جهة الشرق فإنه ما بين الشمال والجنوب قبلة مثل ما بين المشرق والمغرب قبلة يعني لو كان من جهة الغرب ومن جهة الشرق فيقال ما بين الجنوب والشمال قبلة فهذا يدلنا على أن الإنسان إذا كان في المسجد الحرام عليه أن يصيب الكعبة عينها وإذا كان ليس في المسجد الحرام وإنما هو في مكة أو في أي مكان من الأرض فإنه يتجه إلى جهة القبلة فإن كان في شمال مكة أو جنوب مكة فإنه ما بين المشرق والمغرب وإن كان غرب مكة وشرق مكة فإنه ما بين الشمال إلى الجنوب يقال له قبلة.
211 -
وَعَن عَامر بن ربيعَة قَالَ: " رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ:" يوميء بِرَأْسِهِ قبل أَي وَجه توجه، وَلم يكن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يصنع ذَلِك فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ".
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان فيه أنه يتنفل في سفره متجها إلى أي جهة سواء القبلة أمامه أو يمينه أو شماله أو وراءه ولكنه جاء في بعض الأحاديث أنه يبدأ الصلاة متجها إلى القبلة وهذا ليس بلازم مستحب إذا تيسر وإلا فأنه يبدأ صلاته لو بدأ صلاته إلى الجهة التي يريد فإن له ذلك وذلك في حق النوافل وأما في الفرائض فإن مدتها يسيرة فينزل الإنسان ويصلي إذا لم يكن هناك مانع مطر شديد والأرض كلها مطر عند الضرورة إذا صلوا على الرواحل لا بأس بذلك بالنسبة للفرض وأما في الاختيار فإنه لا يصلى إلى غير جهة القبلة إلا النوافل وذلك أن النوافل الإنسان يطول أو يكثر من الصلوات فلو أنه لزمه أن يصلي في الأرض لذهب الليل وهو جالس في الأرض يصلي لكن الفريضة مدتها وجيزة فينزل الإنسان ويصلي وهذا هو الذي كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في الأرض بالنسبة للفرائض وأما بالنسبة للسفر فإنه يصلي على الراحلة أينما توجهت وذلك أنه لو نزل يصلي للنوافل فإن الليل يذهب وهو لم يقطع مسافة ولكن الذي جاءت به السنة أنه ينزل للرواتب وأما النوافل فإنه يصلي إلى أي جهة اتجه.
212 -
وَعَن زيد بن أَرقم قَالَ: " إِنَّا كُنَّا لنتكلم فِي الصَّلَاة عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يكلم أَحَدنَا صَاحبه بحاجته حَتَّى نزلت {حَافظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ، ونهينا عَن الْكَلَام " مُتَّفق عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي البُخَارِيّ: " ونهينا عَن الْكَلَام ".
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتحدثون في الصلاة ويكلم الرجل صاحبه بحاجته وهو في الصلاة فلما نزلت الآية: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) قال أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ومعنى: (وقوموا لله قانتين) يعني خاشعين متذللين لله عز وجل ومن تمام الخشوع والتذلل أن الإنسان لا يكلم صاحبه فكان بعدما نزلت هذه الآية أمروا بالسكوت يعني السكوت عن الكلام بعضهم مع بعض وإنما يكون شغلهم في الصلاة ولهذا كانت تكبيرة الإحرام هي التي يحرم بعدها ما كان حلالا قبلها فالإنسان قبل أن يأتي بتكبيرة الإحرام له أن يتكلم وله أن يأكل ويشرب ويقوم ويقعد ويفعل ما يريد لكن إذا جاءت تكبيرة الإحرام حرم عليه أمور كانت حلالا قبلها لا تتعلق بالصلاة ولهذا قيل لها تكبيرة الإحرام وقد قال صلى الله عليه وسلم: «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» يعني الإنسان إذا دخل فيها ليس عنده إلا شغل الصلاة ما يتكلم ولا يتحدث بشيء ولا يقوم ولا يقعد ولا يلتفت إلى أن يتم التسليم فيكون ما بين التكبير والتسليم هذا ليس فيه إلا أفعال الصلاة وأقوالها وقراءة القرآن والذكر وما إلى ذلك مما هو مطلوب في الصلاة فنزلت هذه الآية فأمروا بالسكوت ونهوا عن الكلام بالسكوت يعني في الكلام الذي كانوا اعتادوه من أنه يكلم بعضهم بعضا.
213 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء فِي الصَّلَاة " قَالَ ابْن شهَاب: (وَقد رَأَيْت رجَالًا من أهل الْعلم يسبحون ويشيرون) مُتَّفق عَلَيْهِ. وَلم يقل البُخَارِيّ: " فِي الصَّلَاة " وَلَا ذكر قَول ابْن شهَاب.
ولما ذكر الحديث الأول الذي فيه النهي عن الكلام وأنهم لا يتكلمون أتى بشيء يقوم مقام الكلام يعني الحديث الذي بعده يقوم مقام الكلام عند الحاجة وهو أن الإنسان لا يكلم صاحبه ولا يكلم الإمام ولكنه يسبح إذا كان رجلا وتصفق المرأة هذا يقوم مقام الكلام فإذا ناب الإمام شيء وأرادوا أن يفتحوا عليه يقول الرجل سبحان الله والمرأة تصفق وجاء التسبيح للرجال والتصفيق للنساء لأن النساء يصفقن بأيديهن سواء باطنها بباطنها أو هذه على ظهر هذه وهذه على بطن هذه هذا هو التصفيق للنساء وذلك أن أصواتهن قد يحصل بهن فتنة ولهذا فرق بين الرجال والنساء وهذه من
المسائل التي يكون فيها التفريق بين النساء والرجال في الأحكام لأن الرجال والنساء جاء أحاديث كثيرة تدل على التفريق بين الرجال والنساء وقد ذكرت في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى في الفائدة رقم أربع مائة وثلاث وثمانين عشرين مسألة فيها التفريق بين الرجال والنساء في الأحكام وهذه المسألة التي معنا هي من هذه المسائل التي يفرق فيها بين الرجال والنساء في الأحكام فالرجال يسبحون والنساء يصفقن ولا يتكلمن ما يفتحن بالكلام وإنما يفتحن بالتصفيق وذلك لئلا يظهر صوتهن ويحصل الافتتان بأصواتهن فلهذا بعدما حصل النهي جاء ما يدل على ما يقوم مقام ذلك الذي نهي عنه وهو الكلام وهو التسبيح في حق الرجال والتصفيق في حق النساء وهذا في الصلاة وغير الصلاة الرجال من شأنهم التسبيح والنساء من شأنهن التصفيق وليس من شأن الرجال أنهم يصفقوا كما هو موجود في هذا الزمان عندما يأتي شيء طيب كذا يصفقون فإن هذا خلاف ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسنة التي جاءت في أنهم إذا سمعوا شيء يعجبهم يكبرون فكان الصحابة رضي الله عنهم إذا سمعوا شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبهم قالوا الله أكبر يعني معناه سرور وابتهاج على هذه النعمة التي أعطاهم الله تعالى إياها فكان شكر الله عز وجل على هذا أن يكبروا لا أن يصفقوا وهذا التصفيق إنما جاء بالاقتداء بما يأتي من الغرب وما يأتي من أعداء الإسلام صار هذا التصفيق يكون لذلك والسنة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يكبرون عندما يأتي شيء يسرهم.
214 -
وَعَن مطرف بن عبد الله بن الشخير عَن أَبِيه قَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي وَفِي صَدره أزيز كأزيز الْمرجل من الْبكاء " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ فِي " الشَّمَائِل "، وَابْن حبَان، وَالنَّسَائِيّ وَعِنْده:" وَقَالَ يَعْنِي: يبكي " وَقد وهم فِي هَذَا الحَدِيث من قَالَ: أخرجه مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في صلاته لصدره أزيز كأزيز المرجل والمرجل هو القدر الذي فيه ماء فإذا غلا يطلع صوت لغليان الماء في القدر فشبه ما يحصل من الحشرجة وما يحصل من بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومن النشيج الذي يحصل منه صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن مثل ذلك أنه سائغ وهذا فيما إذا كان حصل من غير تكلف فإذا حصل ذلك منه فإنه معذور في ذلك وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحصل منه هذا الشيء فلما ذكر ما يتعلق بالكلام والنهي عن الكلام وما يقوم مقام الكلام عند الحاجة إليه ذكر شيئا فيه صوت ولكنه صوت حصل من غير اختيار مما يحصل في صدره وكذلك النشيج الذي يكون من أنفه عندما يحصل البكاء جاء في هذا
الحديث ما يدل على أن مثل ذلك حيث يكون الإنسان من غير تكلف فإنه معذور في ذلك وأنه لا يؤثر ذلك على صلاته.
باب صفة الصلاة
الدرس الثالث والعشرون:
215 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ دخل الْمَسْجِد فَدخل رجل فَصَلى ثمَّ جَاءَ فَسلم عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَرد عليه السلام فَقَالَ: ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل، فَصَلى، ثمَّ جَاءَ فَسلم عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَ: ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل - ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا مَا أحسن غَيره فعلمني، قَالَ: إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فأسبغ الْوضُوء ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة فَكبر ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تعتدل قَائِما ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئِن جَالِسا ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئِن جَالِسا ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظ البُخَارِيّ.
فهذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه معروف بحديث المسيء في صلاته والنبي صلى الله عليه وسلم كان في المسجد فجاء ودخل وصلى والرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ولما فرغ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسلم عليه فقال صلى الله عليه وسلم: «ارجع فصل فإنك لم تصل» فرجع وصلى مثل صلاته السابقة ثم قال: «ارجع فصل فإنك لم تصل» ثم جاء وصلى وقال له: «ارجع فصل فإنك لم تصل» يعني ثلاث مرات وبعد ذلك قال: والذي بعثك بالحق نبيا ما أحسن غير هذا فعلمني، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة وقد أورد البخاري رحمه الله هذا الحديث في باب إذا صلى صلاة لا يتم ركوعها ولا سجودها وذكر أنه قد جاء عند ابن أبي شيبة هذا الحديث وفيه أن رجل صلى صلاة خفيفة لا يتم ركوعها ولا سجودها قال الحافظ ابن حجر: ولعل البخاري أشار للترجمة إلى هذا الحديث الذي جاء عند ابن أبي شيبة ولكنه أشار إليه في الترجمة ومعنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما تكرر ذلك منه أرشده إلى الكيفية التي عليه أن يأتي بها، «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء» يعني إذا أردت القيام للصلاة فأسبغ الوضوء واستقبل القبلة وكبر يعني أنه معناه لابد من الطهارة قبل ذلك وإسباغ الوضوء يكون بكونه يأتي على وجه أتم إذا كان يغسل كل عضو ثلاث مرات والشيء الذي يجزئ والذي يكون به أداء الواجب هو أن يغسل مرة واحدة مستوعبة لجميع أعضاء الوضوء ثم بعد ذلك يستقبل القبلة ثم بعد ذلك يأتي بتكبيرة الإحرام التي يدخل فيها الصلاة وقيل لها تكبيرة الإحرام لأنه يحرم بعدها أمور كانت حلالا قبلها لأن الإنسان قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام له أن يأكل ويشرب ويمشي ويتحرك ويتكلم أمور سائغة له لكنه إذا دخل فيها امتنع إلى أن يأتي التسليم ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» يعني أنه بالدخول بكلمة الله أكبر لتكبيرة الإحرام يحرم عليه بعدها أمور كانت حلالا قبلها ويستمر بذلك إلى التسليم حيث يخرج من الصلاة فيعود الأمر إلى ما كان عليه قبل تكبيرة الإحرام، «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» وقد جاء في بعض الأحاديث التي ستأتي أنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وأن الإنسان عليه أن يقرأ بفاتحة الكتاب والقراءة التي بعدها تكون مستحبة وليست بواجبة وإنما اللازم هو قراءة الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة، وأكثر التفاصيل التي جاءت في الصلاة بالهيئات يركع حتى يطمئن راكعا ثم يعتدل حتى يطمئن قائما ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا ثم يجلس حتى يطمئن جالسا ثم يسجد مرة أخرى حتى يطمئن ساجدا ثم يرفع حتى يعتدل قائما ثم يفعل ذلك في صلاته يعني علمه ما يتعلق بالركعة الواحدة وباقي الركعات كلها تكون على وفق هذا الذي حصل في هذه الركعة.
216 -
وَعَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء: " أَنه كَانَ جَالِسا مَعَ نفر من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَذَكرنَا صَلَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَ أَبُو حميد السَّاعِدِيّ: أَنا كنت أحفظكم لصَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ رَأَيْته إِذا كبر جعل يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه وَإِذا ركع أمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ ثمَّ هصر ظَهره فَإِذا رفع رَأسه اسْتَوَى حَتَّى يعود كل فقار مَكَانَهُ، فَإِذا سجد وضع يَدَيْهِ غير مفترش وَلَا قابضهما واستقبل بأطراف أَصَابِع رجلَيْهِ الْقبْلَة، فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَتَيْنِ جلس عَلَى رجله الْيُسْرَى وَنصب الْيُمْنَى، وَإِذا جلس فِي الرَّكْعَة الْآخِرَة قدم رجله الْيُسْرَى وَنصب الْأُخْرَى وَقعد عَلَى مقعدته " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه وكانوا في مجلس يتذاكرون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد رضي الله عنه: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا ليس معناه أنه يفتخر عليهم وإنما يريد أن يعرفوا أن عنده علم وأنه متمكن من معرفة كيفية صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يأخذوها عنه هذا هو المقصود الذي جعله يقول هذا الكلام ويقول أنا أحفظكم يعني حتى يستعدوا ويتهيؤوا لمعرفة هذه الكيفية التي جاء بها أبو حميد رضي الله عنه وأنها مطابقة لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «رأيته إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه» وهذا يدل على أن الإنسان عند تكبيرة الإحرام يرفع يديه حتى تكون حذو منكبيه وقد جاء في بعض الروايات كما سيأتي أنها تكون حيال أذنيه ورفع اليدين عند تكبيرة الإحرام سواء حذو المنكبين أو حيال الأذنين كل ذلك جاءت به السنة فأي فعل من هذا الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كله سائغ وجائز، «وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره» يعني يضع يديه على ركبتيه حتى يعتمد عليهما وهصر ظهره معناه حناه وسيأتي في حديث أنه لا يخفض رأسه ولا يصوبه وإنما يكون مؤخره مقدم كله على حد سواء متساوي يعني رأسه مساو مع مؤخره فهذه الكيفية التي يكون فيها الركوع، «فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه» يعني معناه إذا رفع رأسه من الركوع يقوم ما يعمله بسرعة ويسجد وإنما حتى يستقر قائما وحتى يرجع كل ما كان على حاله التي كان عليها قبل الركوع، «فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما» فإذا سجد وضع يديه على الأرض غير مفترش بأن يضع يده من مرفقه إلى كفه على الأرض هذا افتراش الكلب وقد جاء النهي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأيدي ليست مقبوضة وإنما هي مبسوطة ولا يعملها مقبوضة بحيث يجعل الأصابع في داخل الراحة وإنما مبسوطة قال غير مفترش يعني لا يفعل كهيئة الكلب بأن يفترش يضع ذراعه كلها من مرفقه إلى أطراف أصابعه ولا قابضهما بمعنى أنه يقبضهما بحيث يكون أطراف الأصابع إلى داخل اليدين وإنما وضعهما على الأرض وهما مبسوطتان، وفي حال سجوده يستقبل بأصابع رجليه القبلة يسجد على الرجلين بحيث تكون أصابع رجليه إلى القبلة وإذا كان الإنسان لا يستطيع أو أنه ما تنعطف أصابعه فإنه عليه أن يضع أصابع رجليه على الأرض أما إذا كانت تنحني وتنعطف بحيث تكون أطرافها إلى القبلة فإن هذا هو الذي يفعله لكن إذا كان لا يستطيع ذلك بأن كأن رجليه متصلبة بحيث أصابعه لا تتحرك فإنه يكفيه أن يضعها على الأرض، ثم ذكر الكيفية في الجلوس للتشهد الأول وهو الافتراش وذلك بأن يفرش اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويجعل أصابعها إلى القبلة مثل ما حصل بالنسبة للسجود وهذا الافتراش يكون بعد الركعتين يعني في التشهد الأول من الصلاة التي لها تشهدان وهي ما عدا الفجر لأن كل الصلوات لها تشهدان ما عدا صلاة الفجر فإنها ركعتان وما فيها إلا تشهد واحد ففي التشهد الأول يفترش الرجل اليسرى ويجلس عليها واليمنى يجعلها منصوبة وأطراف أصابعها إلى الأرض هذه الكيفية التي تكون في التشهد الأول وأما ما يتعلق بالجلسة بين السجدتين فيكون فيها الافتراش كالتشهد الأول ويكون فيها الذي هو الإقعاء السائغ الذي جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ينصب قدميه أحيانا ويجلس عليهما فإذًا جاءت السنة في أن الافتراش يكون بين السجدتين وفي التشهد الأول وجاءت السنة أيضا بأن الجلوس على العقبين ينصبهما ويجلس على عقبيه أحيانا جاءت السنة بهذا وبهذا وأما في التشهد الأول فإنه يفترش اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى، وإذا كان في الركعة الآخرة من ركعات الصلاة سواء كانت الركعتين الأخيرتين في الظهر والعصر والعشاء أو الركعة الأخيرة التي هي من المغرب فإنه ينصب اليمنى كما كان نصبها في التشهد الأول أما اليسرى فإنه يقدمها إلى جهة اليمين بحيث تدخل من تحت ساقه اليمنى ويجلس على مقعدته ولهذا قيل له تورك لأن وركه يكون على الأرض وهناك قيل له افتراش لأن وركه على رجله اليسرى.
217 -
وَعَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: " أَنه كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين، إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين، اللَّهُمَّ أَنْت الْملك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، أَنْت رَبِّي وَأَنا عَبدك ظلمت نَفسِي وَاعْتَرَفت بذنبي فَاغْفِر لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، [إِنَّه] لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت واهدني لأحسن الْأَخْلَاق لَا يهدي لأحسنها إِلَّا أَنْت واصرف عني سيئها لَا يصرف عني سيئها إِلَّا أَنْت لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر كُله فِي يَديك وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك، أَنا بك وَإِلَيْك تَبَارَكت وَتَعَالَيْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك. وَإِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي، وَإِذا رفع قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَاوَات و [ملْء] الأَرْض و [ملْء] مَا بَينهمَا وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد، وَإِذا سجد قَالَ: اللَّهُمَّ لَك سجدت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت، سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ، ثمَّ يكون من آخر مَا يَقُول بَين التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم: اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا أسررت وَمَا أعلنت وَمَا أسرفت وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني. أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر لَا إِلَه إِلَّا أَنْت " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي ذكر فيه صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم والأذكار التي يأتي بها في صلاته وأنه عندما يأتي في الدخول للصلاة يأتي بدعاء الاستفتاح فيقول: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين» هذا من أنواع الاستفتاح التي تستفتح بها الصلاة، ذكر كل هذه الأدعية قبل أن يأتي بالقراءة ذكر الذكر الذي يكون ثم يأتي بعده بقراءة الفاتحة وما تيسر بعدها من القرآن، قوله:«والشر ليس إليك» المقصود أن الله لا يخلق شرا محضا لا يترتب عليه فائدة ومصلحة من جميع الوجوه فهذا هو المعنى وإلا فإن الله خالق كل شيء خالق الخير وخالق الشر ولهذا في سورة الفلق: (من شر ما خلق) الله تعالى خلق الشر وخلق الخير كل شيء خلق الله، الله تعالى هو الخالق وكل ما سواه مخلوق فقوله:«والشر ليس إليك» ليس معنى ذلك أنه ليس مخلوقا له وإنما المقصود أن الله تعالى لا يخلق شيئا يكون شرا محضا لا يترتب عليه مصلحة وليس من ورائه فائدة هذا هو المقصود من قوله: «والشر ليس إليك» لا يعني ذلك أن الشر ليس مخلوقا له فالله عز وجل خالق كل شيء الخير والشر كل ذلك خلق الله عز وجل، وإذا ركع قال:«اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي» وهذا يقوله في الركوع، يعني هذا الحديث كله فيه ذكر أدعية في الاستفتاح وأدعية في الركوع وأدعية بعد الركوع وأدعية في السجود وأدعية في الآخر قبل السلام أكثر ما فيه أدعية يؤتى بها في مواضعها.
218 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة بِاللَّيْلِ كبر، ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك، ثمَّ يَقُول: الله أكبر كَبِيرا، ثمَّ يَقُول: أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفخه ونفثه " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن ماجة، وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ - وَهَذَا لَفظه - من رِوَايَة جَعْفَر بن سُلَيْمَان، (وَقد احْتج بِهِ مُسلم عَن عَلّي بن عَلّي الرِّفَاعِي، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَأَبُو زرْعَة، عَن أبي المتَوَكل، عَن أبي سعيد. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: (وَقد تكلم فِي إِسْنَاده، كَانَ يَحْيَى بن سعيد يتَكَلَّم فِي عَلّي بن عَلّي. وَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح هَذَا الحَدِيث) وَقَالَ أَبُو دَاوُد: (هَذَا الحَدِيث يَقُولُونَ هُوَ عَن عَلّي بن عَلّي عَن الْحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْوَهم من جَعْفَر))
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي سعيد رضي الله عنه الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة قال: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» وهذا أحد أدعية الاستفتاح الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء أيضا الحديث الذي سيأتي «اللهم باعد بيني وبين خطاياي» حديث أبي هريرة رضي الله عنه فكل ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن الإنسان أن يأتي به لكن لا يجمع بينها بأن يأتي بهذا الدعاء وهذا الدعاء كلها في صلاة واحدة بل يأتي باستفتاح واحد للصلاة يعني لا يأتي بها مجتمعة وإنما يأتي بها متفرقة، وبعض العلماء يختار هذا الدعاء وذلك لأنه ثناء على الله عز وجل ومن المعلوم أن كون الإنسان يثني على الله عز وجل في الأول ويمجده وبحمده أن هذا هو الذي ينبغي ولهذا جاء في الحديث رجل دعا ولم يحمد الله ولم يصل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم:«عجل هذا» فهذا الاستفتاح اختاره بعض العلماء وقالوا أنه هو الأولى لأن فيه ثناء على الله عز وجل سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك والمقصود بالجد العظمة كما قال الله عز وجل عن الجن: (وأنه تعالى جد ربنا) يعني تعالت عظمته وجلاله هذا هو المقصود بالجد، والجد يطلق ثلاثة إطلاقات على الجلال والعظمة كما في هذا الحديث أو كما في آية سورة الجن، ويطلق على الجد الذي هو أب الأب وأب الأم، ويطلق على الحظ والنصيب كما جاء في الحديث من أدعية بعد الركوع:«ولا ينفع ذَا الجد منك الجد» لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك وإنما ينفعه العمل الصالح فهذه هي معاني ثلاثة لكلمة الجد الجلال والعظمة والجد الذي هو أب الأب وأب الأم والجد الذي هو الحظ والنصيب هذا الذي يقول الشاعر: الجد بالجد والحرمان بالكسل فانصب تصب عن قريب غاية الأمل الجد بالجد يعني أن الحظ والنصيب يحصل بالجد والاجتهاد والحرمان بالكسل إذا كان ضد الحظ والنصيب الحرمان يعني سببه الكسل فالكسل يورث الحرمان والجِد يورث الجَد الذي هو الحظ والنصيب، ثم بعد ذلك بعدما يأتي بدعاء الاستفتاح يأتي بالاستعاذة فيقول:«أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه» من همزه قيل المقصود به نوع من الجنون فقال همز الشيطان، ونفخه الذي هو الكِبِر، ونفثه الذي هو الشعر المذموم وأما الشعر الذي هو حكم فهذا لا محذور فيه وهذا من الأمور الطيبة قد جاء إن من الشعر لحكمة لكن المذموم هو الشعر الذي يفرح به الغاوون كما قال الله عز وجل:(والشعراء يتبعهم الغاوون) ثم قال: (إلا الذين ءامنوا) فالشعر المذموم هو الذي يراد به نفث الشيطان.
219 -
وَعَن عَبدة: " أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه كَانَ يجْهر بهؤلاء الْكَلِمَات يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك تبَارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك " ذكره مُسلم فِي صَحِيحه لِأَنَّهُ سَمعه مَعَ غَيره وَلَيْسَ هُوَ عَلَى شَرطه، فَإِن عَبدة بن أبي لبَابَة لم يدْرك عمر بل وَلم يسمع من ابْنه إِنَّمَا رَوَاهُ رِوَايَة. وَقد رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن الْأسود عَن عمر أَنه كَانَ يَقُول هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات. وَقَالَ الْمروزِي:(سَأَلت أَبَا عبد الله عَن استفتاح الصَّلَاة فَقَالَ: نَذْهَب فِيهِ إِلَى حَدِيث عمر). وَقد رَوَى فِيهِ من وُجُوه لَيست بِذَاكَ.
ثم ذكر هذا الحديث عن عمر رضي الله عنه وهو مثل ما جاء في حديث أبي سعيد الذي قبل هذا وأن هذا من أنواع الاستفتاح الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء عن أبي سعيد وجاء عن عمر رضي الله عنهما وهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
220 -
وَعَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يستفتح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَة ب {الْحَمد لله رب الْعَالمين} وَكَانَ إِذا ركع لم يشخص رَأسه وَلم يصوبه وَلَكِن بَين ذَلِك، وَكَانَ إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع لم يسْجد حَتَّى يَسْتَوِي قَائِما وَكَانَ إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة لم يسْجد حَتَّى يَسْتَوِي جَالِسا وَكَانَ يَقُول فِي كل رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّة، وَكَانَ يفرش رجله الْيُسْرَى وَينصب رجله الْيُمْنَى وَكَانَ ينْهَى عَن عقبَة الشَّيْطَان وَينْهَى أَن يفترش الرجل ذِرَاعَيْهِ افتراش السَّبع، وَكَانَ يخْتم الصَّلَاة بِالتَّسْلِيمِ " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير يعني تكبيرة الإحرام وهي التي تكون مفتاح الصلاة أول شيء يؤتى به تكبيرة الإحرام لأنه يحرم بها ما كان حلالا قبلها والقراءة يبدؤها بـ (الحمد لله رب العالمين) يعني لا يذكر بسم الله الرحمن الرحيم وإنما يجهر بـ (الحمد لله رب العالمين) والبسملة يأتي بها سرا لا يجهر بها فكان يبدأ الصلاة بـ (الحمد لله رب العالمين) ما يقول بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وإنما يأتي بالحمد، وقد جاء في حديث آخر صحيح وهو حديث قدسي الذي يقول فيه الله عز وجل: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين -يعني قسم القراءة قراءة الفاتحة- فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال حمدني عبدي -ما قال إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم وإنما بدأ بالحمد لله رب العالمين فيذكر الأشياء التي أولها لله عز وجل وفي آخرها للعبد لكن المقصود من ذلك أنه لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم وإنما يبدأ بـ الحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه يعني لم يرفعه ولم يصوبه بحيث يخفضه وإنما بين ذلك بحيث مقدم رأسه محاذي لمؤخره هذه الهيئة التي يكون عليها الركوع، وأنه إذا رفع رأسه من الركوع لا يسجد مباشرة بدون أن يثبت قائما وإنما يستقر قائما، وكذلك الجلسة بين السجدتين يستقر فيها جالسا، وكان يقول في كل ركعتين التحية يعني معناه يأتي بالتشهد بعد الركعتين الأوليين ثم في آخر الصلاة يأتي بالتشهد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم لأن التشهد الأول يقتصر فيه على التشهد وإن أتى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك سائغ وأما التشهد الأخير فيؤتى به بالتشهد ويؤتى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها في التشهد الأول وبين السجدتين يفرش اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويجعل أصابعها إلى القبلة كما سبق أن مر، وكان ينهى عن عقبة الشيطان وهي الإقعاء الذي كإقعاء الكلب هذه الجلسة المذمومة التي يكون فيها مقعيا كإقعاء الكلب والكلب عندما يقعي فإنه يجعل مؤخره على الأرض وينصب ساقيه ويمد يديه إلى جهة الأمام ويضعها على الأرض هذه هي هيئة إقعاء الكلب المذمومة والتي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها عقبة الشيطان لكن جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة أخرى للجلوس بين السجدتين بالإضافة إلى الافتراش أنه ينصب القدمين ويجعل إليته على عقبيه وهذا هو الذي جاء في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أنه كان يقعد هذه القعدة بين السجدتين وقد جاء عنه هذا وهذا فهذا كله صحيح فالافتراش صحيح والجلوس الذي هو على عقبيه صحيح وكل منهما ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السجدتين إلا أن الافتراش يكون أيضا في التشهد الأول ولا يكون الجلوس على العقبين في التشهد الأول وإنما هو خاص بين السجدتين لأن الجلسة فيها أقل من التشهد الأول، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وذلك لأن السبع الذي هو الكلب والسباع تبسط يدها من الذراع إلى أطراف الأصابع فالإنسان عندما يفعل هذه الفعلة المحرمة يعني معناه أنه يضع يده على الأرض مفترشا إياها من المرفق إلى أطراف الأصابع هذا هو افتراش الكلب وهو منهي عنه وقد جاء في هذا الحديث الصحيح وغيره من الأحاديث، وكان يختم الصلاة بالتسليم يعني يبدؤها بالتكبير ويختمها بالتسليم.
الدرس الرابع والعشرون:
221 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَنه قَالَ:" إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ فَإِذا كبر فكبروا، وَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد وَإِذا صَلَّى قَائِما فصلوا قيَاما وَإِذا صَلَّى قَاعِدا فصلوا قعُودا أَجْمَعُونَ " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَلَفظه لمُسلم.
فهذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه بين فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن الإمام إنما جعل ليؤتم به فيتابع فلا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه وإنما يؤتى بالأعمال بعده مباشرة بدون مسابقة وبدون موافقة وبدون تخلف وإنما بعده مباشرة هذا هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وأحوال المأموم مع الإمام أربع حالات هي المسابقة بأن يأتي بالأفعال قبل الإمام، والثاني أنه يوافقه معناه أنه لا يتقدم عليه ولا يتأخر، والثالث أنه يتابع فيأتي بعده مباشرة بدون تخلف، والرابع التخلف وهو أنه يتأخر عنه ويتخلف عنه فهذه أمور أربعة المشروع منها هو المتابعة التي هي كونه يأتي بالأعمال بعد إمامه لا يوافقه ولا يسابقه ولا يتأخر عنه قال صلى الله عليه وسلم:«إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا -يعني إذا كبر للإحرام وقال الله أكبر يقول المأمومون بعده الله أكبر بدون فاصل وبدون تأخر- وإذا ركع فاركعوا -يعني أنهم عندما يركع يتابعونه في الركوع لا يتخلفون عنه ولا يسابقونه ولا يوافقونه- وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد -وسمع الله لمن حمده يقولها الإمام والمنفرد وأما المأموم فإنه لا يقولها ما يقول سمع الله لمن حمده وإنما يقولها المنفرد الذي يصلي وحده والإمام يقول سمع الله لمن حمده وأما ربنا ولك الحمد فيقولها كل مصل يقولها الإمام والمنفرد ويقولها المأموم وأما سمع الله لمن حمده يقولها الإمام والمنفرد هؤلاء هم الذي يقولون سمع الله لمن حمده ومعناها استجاب الله لمن حمده هذا هو معنى سمع في المواضع التي فيها استجابة فإنه يراد بها الاستجابة ولا يراد بها أنه سماع الكلام لأن الله عز وجل سمعه وسع جميع المسموعات وبصره وسع جميع المبصرات لكن هذه ليست من هذا القبيل هذه بمعنى الاستجابة ولهذا جاء في بعض الأحاديث التعوذ من دعوة لا يستجاب لها فإذًا سمع الله لمن حمده هذه معناها استجاب الله لمن حمده أي أن الله تعالى أجاب دعاء من حمده ولهذا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لما قال: (رب هب لي من الصالحين) هذا دعاء وقد أجاب الله دعاءه بأن وهب له إسماعيل وإسحاق كما جاء في الآية الأخرى: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء) يعني مجيب الدعاء ليس المقصود أنه سماع الصوت وسماع الكلام فإن سمع الله واسع لكل شيء لكن سمع هنا بمعنى استجاب فإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يعني لا يقولون سمع الله لمن حمده وإنما يقولون ربنا ولك الحمد وإنما الذي يقول سمع الله لمن حمده الإمام والمنفرد والمأموم يقول ربنا ولك الحمد ولا يقول سمع الله لمن حمده- وإذا صلى قائما فصلوا قياما -يعني يتابعونه- وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون» والمقصود بذلك أنه إذا صلى قاعدا وهو الإمام إمام الحي وفيه علة طارئة يرجى زوالها أما إذا كان إمام الحي علته لا يرجى زوالها وإنما هو متعب لا يستطيع أن يقوم فلا يأتي ليصلي بالناس بل يصلي غيره ولكن إذا طرأ علة يرجى زوالها فإنه هو الذي يصلي الناس وراءه قعودا.
222 -
وَعَن عبد الله بن عمر: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ كَانَ يرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه إِذا افْتتح الصَّلَاة وَإِذا كبر للرُّكُوع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفعهما كَذَلِك أَيْضا، وَقَالَ: سمع الله لمن حَمده رَبنَا وَلَك الْحَمد. وَكَانَ لَا يفعل ذَلِك فِي السُّجُود " مُتَّفق عَلَيْهِ. وللبخاري عَن نَافِع: " أَن ابْن عمر كَانَ إِذا دخل فِي الصَّلَاة كبر وَرفع يَدَيْهِ، وَإِذا ركع رفع يَدَيْهِ، وَإِذا قَالَ سمع الله لمن حَمده رفع يَدَيْهِ، وَإِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ " وَرفع ذَلِك ابْن عمر إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ.
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما وهو يتعلق برفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند التكبير للركوع وعند التكبير للقيام من الركوع وعند التكبير للقيام من التشهد الأول هذه أربعة مواضع ترفع فيها الأيدي ورفع الأيدي يكون حذو المنكبين أو محاذاة الأذنين وعلى هذا فإن الذي ثبت له السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المواضع الأربعة التي هي عند تكبيرة الإحرام وعند التكبير للركوع وعند التكبير للرفع منه وعند التكبير للقيام من التشهد الأول.
223 -
وَعَن مَالك بن الْحُوَيْرِث: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ كَانَ إِذا كبر رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما أُذُنَيْهِ، وَإِذا ركع رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما أُذُنَيْهِ، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع فَقَالَ: سمع الله لمن حَمده، فعل مثل ذَلِك " رَوَاهُ مُسلم وَفِي رِوَايَة لَهُ: " حَتَّى يُحَاذِي بهما فروع أُذُنَيْهِ ".
ثم ذكر هذا الحديث عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه وهو يتعلق برفع اليدين إلى محاذاة الأذنين وقد جاء أن رفع اليدين يكون حذو المنكبين ويكون إلى محاذاة الأذنين كل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرفع يديه إلى هذا المستوى الذي هو محاذاة الكتفين ومحاذاة الأذنين.
224 -
وَرَوَى عَن وَائِل بن حجر: " أَنه رَأَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ رفع يَدَيْهِ حِين دخل فِي الصَّلَاة كبر حِيَال أُذُنَيْهِ ثمَّ التحف بِثَوْبِهِ ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَن يرْكَع أخرج يَدَيْهِ من الثَّوْب ثمَّ رفعهما ثمَّ كبر فَرَكَعَ فَلَمَّا قَالَ: سمع الله لمن حَمده رفع يَدَيْهِ، فَلَمَّا سجد سجد بَين كفيه ".
ثم ذكر هذا الحديث عن وائل بن حجر رضي الله عنه وهو مثل ما تقدم ترفع الأيدي في هذه المواضع الثلاثة عند تكبيرة الإحرام وعند تكبيرة الركوع وعند القيام من الركوع والموضع الرابع الذي مر أنه تكون عند القيام من التشهد الأول.
225 -
وَرَوَى ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه عَن وَائِل بن حجر قَالَ: " صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ وَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى يَده الْيُسْرَى عَلَى صَدره ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه موضع اليدين في حال القيام وهو أنه يضع اليمنى على اليسرى ويكون على صدره هذا موضع اليدين فلا تكون مرسلة وإنما تجعل اليمنى على اليسرى وتكون على صدره هذا هو الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
226 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يسكت بَين التَّكْبِير و [بَين] الْقِرَاءَة إسكاتة، قَالَ: أَحْسبهُ قَالَ: هنيَّة، فَقلت: بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله إسكاتك بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة مَا تَقول؟ قَالَ: أَقُول: اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب، اللَّهُمَّ نقني من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس، اللَّهُمَّ اغسل خطاياي بِالْمَاءِ والثلج وَالْبرد " مُتَّفق عَلَيْهِ وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه دعاء من أدعية الاستفتاح وهو أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم وكان يسكت إذا كبر يعني لا يقرأ بعد التكبير مباشرة وإنما سكوت فسأله ماللذي يقوله في حال هذا السكوت وهذا الذي يكون بين تكبيرة الإحرام وبين الدخول في القراءة فأخبر صلى الله عليه وسلم بأنه يدعوا بهذا الدعاء الذي هو دعاء الاستفتاح وقد مر في ما مضى وجاء من طرق متعددة وأن منها هذا الحديث الذي أوله: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» وكذلك الحديث الذي هو «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك
…
» ودعاء الاستفتاح مستحب ليس بواجب.
227 -
وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِأم الْقُرْآن ". وَفِي رِوَايَة: بِفَاتِحَة الْكتاب - مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن فاتحة الكتاب يقرؤها كل مصل فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب هذه السورة يؤتى بها في كل ركعة من ركعات الصلاة قال صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» .
228 -
وَرَوَى ابْن حبَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " لَا تجزيء صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَة الْكتاب "(وَقد أعل).
وهذا مثل الذي قبله.
229 -
وَعَن أنس: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وَأَبا بكر وَعمر كَانُوا يفتتحون الصَّلَاة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما أنهم كانوا يفتتحون القراءة بـ (الحمد لله رب العالمين) يعني لا يأتون ببسم الله الرحمن الرحيم يجهرون بها ولكنهم يأتون بها سرا فبسم الله الرحمن الرحيم لا يؤتى بها جهرا وإنما يؤتى بها سرا وهذا هو الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما ومعنى ذلك أن هذا من السنن الثابتة التي استقرت بعده وعمل بها خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم وأنهم يأتون ببسم الله الرحمن الرحيم سرا ولكنهم لا يجهرون بها ولهذا قال يستفتحون القراءة بـ (الحمد لله رب العالمين) ما قال يفتتحونها ببسم الله الرحمن الرحيم وإنما يفتتحونها بـ (الحمد لله رب العالمين) وقد جاء أيضا في حديث آخر حديث قدسي قال الله عز وجل: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال الحمد لله رب العالمين قال حمدني عبدي» ما قال إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم فهي تقال سرا ولا يجهر بها.
230 -
وَرَوَى مُسلم: " صليت خلف النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَكَانُوا يستفتحون بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين. لَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي أول قِرَاءَة، وَلَا فِي آخرهَا "، (وَقد ضعف الْخَطِيب وَغَيره رِوَايَة مُسلم بِلَا حجَّة)، وَفِي لفظ لِأَحْمَد وَالنَّسَائِيّ، وَابْن خُزَيْمَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ:" فَكَانُوا لَا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَفِي لفظ لِابْنِ خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ، " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ كَانَ يسر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَأَبُو بكر وَعمر ". زَاد ابْن خُزَيْمَة:" فِي الصَّلَاة ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا يبدؤون القراءة بـ (الحمد لله رب العالمين) لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم لا في أول قراءة ولا في آخرها يعني ما يبتدئون بالبسملة ثم قال لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم لا في أول قراءة يعني عندما يأتون بالفاتحة وهي أول القراءة لا يأتون بها ولا في آخرها يعني إذا قرؤوا سورة بعد الفاتحة فإن جميع سور القرآن فيها بسم الله الرحمن الرحيم ولا يجهر بها ولكنه يسر بها فكانوا لا يجهرون ب بسم الله الرحمن الرحيم لا في أول قراءة ولا في آخرها ومعنى ذلك أنهم يسرون لا يعني ذلك أنه لا يأتون بالتسمية أصلا وإنما يأتون بها لكن يأتون بها سرا ولهذا جاء في بعض الروايات: لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم يعني معناه أنهم يأتون بها سرا.
231 -
وَعَن نعيم المجمر قَالَ: " صليت وَرَاء أبي هُرَيْرَة فَقَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ثمَّ قَرَأَ بِأم الْقُرْآن حَتَّى إِذا بلغ وَلَا الضَّالّين قَالَ: آمين، وَقَالَ النَّاس آمين، وَيَقُول كلما سجد: الله أكبر وَإِذا قَامَ من الْجُلُوس من الاثنتين قَالَ: الله أكبر، ثمَّ يَقُول إِذا سلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأشبهكم صَلَاة - لَعَلَّه بِصَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ " رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ، والخطيب (وصححوه، وَقد أعل ذكر الْبَسْمَلَة).
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى وجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وقال إنه أشبههم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم والتسمية كما عرفنا فيما مضى أنه يؤتى بها لكن لا يؤتى بها جهرا وإنما يؤتى بها سرا فالأحاديث التي مرت في الصحيحين تدل على أنه لا يجهر بها وإنما يؤتى بها سرا ولا تذكر لا في أول قراءة ولا في آخرها جهرا وإنما تذكر سرا وعلى هذا فيكون هذا الذي جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه معناه محمول على أنه كان أحيانا يجهر حتى يعلم الناس وحتى يعرف الناس أنه يأتي بها فيكون الجهر من أجل تعليم الناس أحيانا وإلا فإن المعول عليه هذه الأحاديث التي نصت على أنهم لا يأتون ببسم الله الرحمن الرحيم لا في أول قراءة ولا في آخرها وهو الذي عليه عمل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم.
الدرس الخامس والعشرون:
232 -
وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه قَالَ: " كُنَّا خلف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فِي صَلَاة الْفجْر فَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَثقلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة فَلَمَّا فرغ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تقرؤون خلف إمامكم؟ قُلْنَا: نعم يَا رَسُول الله قَالَ: لَا تَفعلُوا إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب فَإِنَّهُ لَا صَلَاة لمن لَا يقْرَأ بهَا " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، (وَالتِّرْمِذِيّ، وَحسنه، وَابْن حبَان، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: (إِسْنَاد حسن)، وَصَححهُ البُخَارِيّ، وَتكلم فِيهِ أَحْمد، وَابْن عبد الْبر وَغَيرهمَا). وَهُوَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
فهذا الحديث يتعلق بالقراءة خلف الإمام وجاء هذا الحديث في بيان أن الإنسان يقرأ بفاتحة الكتاب فقط إذا كان مأموما وأنه لا يقرأ غيرها وجاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن قراءة الإمام قراءة للمأموم لكن هذا الحديث يدل على ثبوتها وعلى أن الإنسان يقرأ الفاتحة وراء الإمام ولا يقرأ غيرها يقرأ الفاتحة وراء الإمام إذا كان هناك سكتات يقرأ فيها وإن كان ما هناك سكتات فإنه يقرؤها والإمام يقرأ السورة وقد جاء في هذا الحديث أنهم كانوا يفعلون ذلك هذًّا يعني أنهم يسرعون في القراءة فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فدل على أن المأموم ممنوع
من قراءة شيء غير الفاتحة وراء إمامه في الصلوات الجهرية وأنه لا يقرأ شيئا أكثر من الفاتحة.
233 -
وَعَن أبي مُوسَى: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ خَطَبنَا فَبين لنا سنتنا وَعلمنَا صَلَاتنَا فَقَالَ: إِذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثمَّ ليؤمكم أحدكُم: فَإِذا كبر فكبروا، وَإِذا قَرَأَ فانصتوا " رَوَاهُ مُسلم، (وَصَححهُ الإِمَام أَحْمد، وَتكلم فِي قَوْله: " فَإِذا قَرَأَ فأنصتوا " أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو عَلّي النَّيْسَابُورِي وَغَيرهم. وَقد رُوِيَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَصَححهُ مُسلم، وَتكلم فِيهِ غير وَاحِد).
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خطبهم وعلمهم صلاتهم وسنتهم وجاء فيه: «وإذا قرأ فأنصتوا» لأن الأول فيه أنه يقرأ الفاتحة وهنا قال وإذا قرأ فأنصتوا يعني معناه أنه ما فيه قراءة لكن يجمع بينهما بأن يحمل الحديث المتقدم على خصوص قراءة سورة الفاتحة وهنا قوله: «وإذا قرأ فأنصتوا» يعني في غير الفاتحة وأما الفاتحة فإنه يأتي بها المأموم كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق حيث قال: «لا تقرؤوا إلا بفاتحة الكتاب» وقوله: «وإذا قرأ فأنصتوا) هذا يدل على أن ما عدا الفاتحة فإن على المأموم خلف إمامه أن ينصت وقد جاء هذا الحديث في صحيح مسلم وقيل لمسلم لماذا لم تضعه في كتابك قال ليس كل صحيح عندي وضعته هاهنا يعني معنى ذلك أن مسلم ما أراد الاستيعاب وكذلك البخاري فهما ما أرادا استيعاب الأحاديث الصحيحة وإنما أرادا ذكر جملة كبيرة منها وهذا يوضحه هذا الكلام الذي قاله مسلم في صحيحه حيث قيل له لماذا لم تضعه في صحيحك قال ليس كل صحيح وضعته هاهنا.
234 -
وَعَن عبد الله بن أبي أَوْفَى قَالَ: " جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن آخذ من الْقُرْآن شَيْئا فعلمني مَا يجزيني، قَالَ: قل سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. قَالَ: يَا رَسُول الله هَذَا لله فَمَالِي؟ قَالَ: قل اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وارزقني وَعَافنِي واهدني. فَلَمَّا قَامَ قَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: أما هَذَا فقد مَلأ يَده من الْخَيْر " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ:«عَلَى شَرط البُخَارِيّ» . وَقد قصر من عزاهُ إِلَى ابْن الْجَارُود فَقَط.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنني لا أحسن شيئا من القرآن فعلمني شيء يجزئ يعني معناه أنه إذا كان الإنسان لم يحفظ شيئا من القرآن وأراد أن يصلي فإن هذه الكلمات التي جاءت في هذا الحديث يأتي بها الإنسان بدل القراءة ولكن عليه أن يتعلم ولو على الأقل سورة الفاتحة التي يقرأ بها في كل ركعة من ركعات الصلاة لكن إذا كان الإنسان لم يكن حافظا شيئا من القرآن لا الفاتحة ولا غيرها فإنه يأتي بهذه الأذكار سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإن هذه كلمات فيها ذكر لله عز وجل وهو يأتي بها بدل القراءة حيث لم يكن متمكنا من حفظ شيء من القرآن وعليه المبادرة بحفظ ما أمكنه من القرآن ولاسيما سورة الفاتحة، فقال: هذه لربي لأن كلها ثناء لله عز وجل فما لي؟ فقال: قل رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني ثم شد على يديه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد ملأ يده من الخير يعني لما شد يده بعد أن سمع هذا الكلام الذي سأل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم سؤالين سؤال يتعلق ما يأتي به بدل القراءة وسؤال يأتي به من أجل الفوائد التي ترجع إليه وهي المغفرة والرحمة فقال: أما هذا فقد ملأ يده من الخير يعني إشارة إلى أنه لما قبض يده على هذه الأشياء التي سمعها قال صلى الله عليه وسلم: إنه ملأ يده من الخير.
235 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ:" إِذا أمّن الإِمَام فأمّنوا فَإِنَّهُ من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
…
«إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» وهذا يدلنا على أن الملائكة تؤمن على التأمين في الصلاة وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤمن وهذا يدل على حصول التأمين من الإمام والمأموم ومن الملائكة كل هؤلاء يؤمنون عند قول: (ولا الضالين) والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمن الإمام فأمنوا» وهذا يدل على تأمين الإمام وأن المأمومين يؤمنون معه لا يتقدمون ولا يتأخرون وإنما يأتون لأنه إذا قال: (ولا الضالين) الإمام يقول آمين والمأمومون يقولون آمين والملائكة تقول آمين، ثم قوله:«إذا أمن الإمام فأمنوا» هذا يدل على صلاة الجماعة وهذا لأن الحديث لا يتأتى إلا مع حصول الجماعة ووجود صلاة الجماعة فهو يدل على مشروعية صلاة الجماعة وأن الناس يأتون للمساجد وأنهم إذا سمعوا قراءة الإمام ينصتون وإذا فرغ من: (ولا الضالين) يقولون آمين، «ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» ومعنى ذلك أن الإمام والمأموم والملائكة كلهم يقولون في وقت واحد آمين ومعنى آمين اللهم استجب.
236 -
وَعَن أبي قَتَادَة قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي بِنَا فَيقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِفَاتِحَة الْكتاب وسورتين ويسمعنا الْآيَة أَحْيَانًا، وَكَانَ يطوِّل الرَّكْعَة الأولَى من الظّهْر وَيقصر الثَّانِيَة وَيقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَة الْكتاب " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَاللَّفْظ لمُسلم، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ:" وَكَانَ يطول الأولَى من صَلَاة الْفجْر وَيقصر فِي الثَّانِيَة ".
هذا الحديث في صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه كان يصلي بهم وأنه يقرأ في الركعتين الأوليين يطول فيهما ويقرأ مقدار ثلاثين آية وأن الركعة الأولى أطول من الثانية وذلك ليجتمع الناس وليدرك الركعة الأولى من كان متأخرا لأن هذا من أسباب تطويل القراءة في الأول ولهذا جاء في قصة قتل عمر رضي الله عنه واستشهاده وجاء فيه أنه كان يقرأ في سورة يوسف ليحضر الناس وليدركوا معناه أنه يطول في أول الصلاة ليدرك الناس الصلاة فكان يطول في الركعة الأولى من الصلوات أكثر من الثانية حتى يدرك الناس أول الصلاة الذي هو الركوع، ويسمعنا الآية أحيانا يعني حتى يعرف الناس ماذا يقرأ لأنها هي سرا الظهر ولكنه يجهر بالآية حتى يعرف الناس السورة التي يقرأ فيها في صلاة الظهر لأنها صلاة سرية فإذا سمعوا نطقه أحيانا ببعض الآية أو بشيء من الآية فإنهم يعرفون السورة التي كان يقرأ بها في صلاته السرية صلى الله عليه وسلم، ويقرأ بفاتحة الكتاب يعني لا يزيد عليها وقد جاء في بعض الأحاديث التي ستأتي أنه يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر على النصف من الركعتين الأوليين ويقرأ في الركعتين الأخيرتين من العصر على النصف من الأوليين في صلاة العصر.
237 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: " كُنَّا نحزر قيام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فِي الظّهْر وَالْعصر فحزرنا قِيَامه فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الظّهْر قدر قِرَاءَة: الم تَنْزِيل السَّجْدَة، وحزرنا قِيَامه فِي الْأُخْرَيَيْنِ قدر النّصْف من ذَلِك، وحزرنا قِيَامه فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الْعَصْر عَلَى قدر قِيَامه فِي الْأُخْرَيَيْنِ من الظّهْر، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ من الْعَصْر عَلَى النّصْف من ذَلِك ". وَفِي رِوَايَة: " بدل تَنْزِيل السَّجْدَة قدر ثَلَاثِينَ آيَة، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قدر خمس عشرَة آيَة [أَو قَالَ نصف ذَاك]، وَفِي الْعَصْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فِي كل رَكْعَة قدر [قِرَاءَة] خمس عشرَة آيَة، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قدر النّصْف من ذَلِك " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه كان الصحابة رضي الله عنهم يحزرون يعني يقدرون قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر وقال إنه كان يقرأ في الظهر بمقدار ألم السجدة وفي الرواية الأخرى أنه مقدار ثلاثين آية وأنه يقرأ في الركعتين الأخيرتين على النصف من ذلك وأما صلاة العصر فإنه يقرأ فيها في الركعتين الأوليين مثل الركعتين الأخيرتين من صلاة الظهر الذي هو نصف الثلاثين آية الذي هو خمسة عشر أو نصف سورة ألم السجدة فتكون صلاة العصر على النصف من الظهر الركعتان الأوليان القراءة فيهما على النصف من القراءة في الظهر والركعتان الأخيرتان في العصر على النصف مما يقرأ فيه في صلاة الظهر وهو مقدار الأوليان خمسة عشر والتي بعدها على النصف من ذلك.
238 -
وَعَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: " مَا صليت وَرَاء أحد أشبه صَلَاة برَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ من فلَان. قَالَ سُلَيْمَان: كَانَ يُطِيل الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الظّهْر ويخفف الْأُخْرَيَيْنِ ويخفف الْعَصْر وَيقْرَأ فِي الْمغرب بقصار الْمفصل وَيقْرَأ فِي الْعشَاء بوسط الْمفصل وَيقْرَأ فِي الصُّبْح بطول الْمفصل " رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ (وَهَذَا لَفظه، وَهُوَ أتم، وَإِسْنَاده صَحِيح).
ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه المتعلق بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان يطيل في الأوليين ويخفف الركعتين وكذلك بالنسبة للعصر كان يخفف على النصف من ذلك وهو مثل ما تقدم في الذي جاء أنهم كانوا يحزرون صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر وأن العصر على النصف من الظهر فهذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه مماثل للحديث السابق الذي مر أن الصحابة كانوا يحزرون قراءته صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر في المقدار الذي ورد في الحديث، وفلان هذا رجل مبهم جاء غير معين وقد ذكر أنه عمر بن عبدالعزيز رحمه الله لكن هذا الذي يبدوا أنه ليس عمر بن عبدالعزيز لأنه إنما ولد بعد وفاة أبي هريرة رضي الله عنه لأن أبا هريرة رضي الله عنه توفي قبل الستين وعمر بن عبدالعزيز ولد بعد الستين لأنه مات سنة مائة وواحد وعمره أربعون سنة فإذًا ولادته كانت بعد الستين فهذا يدل على أنه إن كان معزوا إلى أبي هريرة رضي الله عنه فإنه وهم وإن كان المقصود من ذلك أن من قاله دون أبي هريرة رضي الله عنه فهذا ممكن، والمفصل يبدأ من ق أو من الحجرات هذا هو المفصل وسمي مفصل لكثرة الفصل بين السور بالبسملة لأنها سور كثيرة والفصل بين كل سورة وسورة فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهذا قيل له المفصل وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحزبون القرآن سبعة أحزاب كما جاء عن أوس بن أوس الذي فيه قال أنهم يحزبون القرآن ثلاثا وخمسا وسبعا وتسعا وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب مفصل واحد وأوله ق يعني أنه سبعة أحزاب يقرؤون كل يوم حزب ويختمون بسبعة أيام في أيام الأسبوع كل أسبوع يختمون القرآن وقال وحزب مفصل واحد وأوله ق وقال إنه يقرأ في المغرب من قصار المفصل ويقرأ في العشاء من أوساط المفصل ويقرأ بالفجر من طوال المفصل وقد قيل إن طوال المفصل تنتهي إلى عم وأن أوساطه من عم إلى الضحى وما بعد ذلك هو قصاره.
239 -
وَعَن ابْن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَنه قَالَ: " مَا من الْمفصل سُورَة صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا وَقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يؤم النَّاس بهَا فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال ما من سورة من سور المفصل إلا وسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها وهذا الحديث إسناده ضعيف لأنه من رواية ابن إسحاق وابن إسحاق مدلس ولم يوجد منه التصريح بالسماع فإذًا يكون غير ثابت لكن كما هو معلوم الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث السابق أنه كان يقرأ أحيانا يطول حتى المغرب التي يقصر فيها وجاء أنه يقرأ فيها من قصار المفصل جاء في حديث صحيح أنه قرأ فيها بالأعراف، وأنه يخفف في بعض الصلاة وقد تكون مثلا الصلاة التي يطول فيها تخفف.
240 -
وَعَن جُبَير بن مطعم قَالَ: " سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يقْرَأ بِالطورِ فِي الْمغرب " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور في المغرب وهذا قاله قبل أن يسلم لأنه من أسارى بدر وقد أتي به مع الأسارى في المدينة فكان سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس المغرب ويقرأ بالطور وكان هذا سبب إسلامه لما جاء في بعض الروايات لما سمع: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون
…
الآيات) قال: كاد قلبي أن يطير ثم دخل في الإسلام وأسلم رضي الله عنه.
241 -
وَعَن فليح قَالَ: حَدثنِي عَبَّاس بن سهل قَالَ: " اجْتمع أَبُو حميد وَأَبُو أسيد وَسَهل بن سعد وَمُحَمّد بن مسلمة فَذكرُوا صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَ أَبُو حميد: أَنا أعلمكُم بِصَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ، وَفِيه: ثمَّ ركع فَوضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابض عَلَيْهِمَا ووتّر يَدَيْهِ فتجافى عَن جَنْبَيْهِ، قَالَ: ثمَّ سجد فَأمكن أَنفه وجبهته ونحّى يَدَيْهِ عَن جَنْبَيْهِ وَوضع كفيه حَذْو مَنْكِبَيْه ثمَّ رفع رَأسه حَتَّى رَجَعَ كل عظم فِي مَوْضِعه حَتَّى فرغ ثمَّ جلس فافترش رجله الْيُسْرَى وَأَقْبل بصدر الْيُمْنَى عَلَى قبلته وَوضع كَفه الْيُمْنَى عَلَى ركبته الْيُمْنَى وكفه الْيُسْرَى عَلَى ركبته الْيُسْرَى وَأَشَارَ بإصبعه " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَرَوَى التِّرْمِذِيّ بعضه وَصَححهُ).
ثم ذكر هذا الحديث أن جماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمعوا وتذاكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو حميد الساعدي رضي الله عنه: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الحديث ولما جاء عند الركوع وضع يديه على ركبتيه كأنه قابض لهما يعني معناه أنه وضع يديه على ركبتيه ووتر يديه يعني معناه أنه لم يجعل يديه متصلة بفخذيه وأنه لم يجافي بل جافى بينهما ما جعل يديه تلتصق ببطنه أو برجله وإنما جعل فيه مجافاة يعني يسيرا بحيث لا يؤثر على جاره في الصلاة، ثم ذكر السجود وأنه وضع جبهته وأنفه ونحّى يديه عن جنبيه يعني يجافي لم يلصق يديه بجنبيه وإنما جافى بينهما معناه أنه لا يلصق فهذه كيفية السجود التي حكاها أبو حميد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال إنه أعلمهم وإنما قال إنه أعلمهم حتى يعرفوا بأنه متمكن وأنه متحقق من أنه عارف لكيفية الصلاة وإنما قال هذا الكلام ليأخذوا عنه وأنه متقن للشيء الذي يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا قام من السجود يجلس ويستقر حتى يكون على هيئته هيئة الجلوس، ثم ذكر الحالة عند الجلوس وهذا في التشهد الأول وذلك بأنه ينصب اليمنى ويجعل أصابعها إلى القبلة ويفرش اليسرى ويجلس عليها وهذه هي هيئة الجلوس بين السجدتين وفي التشهد الأول أما في التشهد الأخير فإن فيه التورك حيث يخرج رجله اليسرى من تحت ساقه اليمنى ويجلس على الأرض فتكون مقعدته على الأرض وليس على رجله كما هي حال الافتراش ويجعل كذلك في حال جلوسه يده اليمنى على ركبته اليمنى ويده اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بأصبعيه يعني في السبابة في اليمنى يشير في التشهد عند ذكر الله عز وجل.
الدرس السادس والعشرون:
242 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: " كشف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ الستارة وَالنَّاس صُفُوف خلف أبي بكر فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّه لم يبْق من مُبَشِّرَات النُّبُوَّة إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسلم، أَو تُرى لَهُ. أَلا وَإِنِّي نُهيت أَن أَقرَأ الْقُرْآن رَاكِعا أَو سَاجِدا. فَأَما الرُّكُوع فَعَظمُوا فِيهِ الرب عز وجل، وَأما السُّجُود فاجتهدوا فِي الدُّعَاء فقمن أَن يُسْتَجَاب لكم " رَوَاهُ مُسلم.
فهذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما فيه بيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود وذلك أن الركوع والسجود فيهما تعظيم الرب والدعاء وأما القراءة فإنها تكون في القيام لا تكون في السجود لأن محل الركوع والسجود تعظيم الله عز وجل والثناء عليه ويقول ابن عباس رضي الله عنهما إن الرسول صلى الله عليه وسلم في مرض موته كشف السترة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه فقال إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤية الصالحة والمقصود بأن النبوة فيها اطلاع على أمور مستقبله ومعلوم أن هذا لا يعرف إلا عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك الرؤية الصالحة يراها المسلم أو ترى له فإن هذه تدل على حصول أمر مستقبل وهذا يعرف عن طريق الرؤية الصالحة أنها تقع طبقا لما رآه الرائي ويكون هذا الذي حصل لم يحصل عن طريق الوحي وإنما حصل عن طريق الرؤيا التي يكون فيها معرفة أمر مستقبل عرف عن طريق هذه الرؤيا والحديث أورده ابن عبدالهادي رحمه الله من أجل ما يقال في الركوع والسجود وأنه يقال فيه التعظيم قال صلى الله عليه وسلم: «إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا» إذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم نهيت فالناهي له هو الله عز وجل وإذا قال أمرت فالآمر له هو الله عز وجل وهذا يدلنا على أن السنة وحي من الله كما أن القرآن وحي من الله إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به وأما السنة فإنه متعبد بالعمل بها فقول النبي صلى الله عليه وسلم أمرت ونهيت هذا يدلنا على أن السنة وحي من الله وأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من الله وأنه ليس من عند الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هو من عند الله سبحانه وتعالى وعلى هذا فالركوع والسجود ليس محلا للقراءة وإنما محلها القيام وأما الركوع والسجود ففيه تعظيم الله عز وجل والدعاء ويكون التعظيم أكثر في الركوع والدعاء أكثر في السجود ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» يعني حري وجدير أن يستجاب لكم.
243 -
وَعَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِر لي " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه الدعاء في الركوع والسجود وهذا الدعاء الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها يدل على أن الركوع فيه تعظيم ودعاء وأن السجود فيه تعظيم ودعاء لكن الغالب على الركوع أن يكون للتعظيم والغالب على السجود أن يكون للدعاء كما جاء في الحديث: «أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» وهذا الدعاء الذي كان يدعوا به الرسول صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما صلى صلاة بعد إذ أنزل عليه (إذا جاء نصر الله والفتح) إلا قال في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن، يعني أنه ينفذ ويطبق ما جاء في القرآن لأن القرآن جاء فيه (فسبح بحمد ربك واستغفره) فقوله سبحانك اللهم وبحمدك تنفيذ لقوله فسبح بحمد ربك وقوله اللهم اغفر لي تنفيذ لقوله واستغفره يتأول القرآن يعني أنه ينفذ ما أمر به في القرآن وقد أمر في القرآن بهذه السورة بأن يسبح الله ويستغفره في كل من ركوعه وسجوده.
244 -
وَعَن ثَابت عَن أنس قَالَ: " إِنِّي لَا آلو أَن أُصَلِّي بكم كَمَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي بِنَا. قَالَ: فَكَانَ أنس يصنع شَيْئا لَا أَرَاكُم تصنعونه: كَانَ إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع انتصب قَائِما حَتَّى يَقُول الْقَائِل قد نسي. وَإِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة مكث حَتَّى يَقُول الْقَائِل قد نسي " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن ثابت بن أسلم البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إني لا آلو أن أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا آلوا لا أقصر وأنه يصلي لهم صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ذكر ثابت أن من صلاته أي أنس رضي الله عنه أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل قد نسي وإذا قام من السجدة وجلس بين السجدتين جلس حتى يقول القائل قد نسي، والمقصود بقوله حتى يقول القائل يعني في نفسه لا يتكلم الواحد يقول قد نسي وإنما المقصود من ذلك أنه يقول في نفسه قد نسي لأن الصلاة لا يتكلم فيها بالكلام وقد نهوا عن الكلام كما مر في بعض الأحاديث وقبل ذلك كانوا يتكلمون لكن هنا قوله حتى يقول القائل يعني في نفسه قد نسي ومعنى ذلك أنه يطيل الجلوس بين السجدتين ويطيل القيام بعد الركوع.
245 -
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِين يرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ:«سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ:«رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدَاً، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ مِثلَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا، حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوس. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظُ مُسلم، غيرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنَ الْمَثْنَى بَعدَ الجُلُوسِ
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه التكبيرات في الصلاة وما يقال عند الانتقال من ركن إلى ركن أولا تكبيرة الإحرام ثم بعد ذلك يكبر عند الركوع ثم بعد القيام من الركوع يقول سمع الله لمن حمده ويقول ربنا ولَك الحمد ثم يكبر عند السجود ثم يكبر عند القيام من السجدة الأولى ثم يكبر عند السجدة الثانية ثم يكبر عند القيام من السجدة الثانية ثم يفعل ذلك في جميع الركعات ومعنى ذلك أنه عند الانتقال كل ما يأتي به تكبير إلا عند القيام من الركوع فإن الإمام والمنفرد يقول سمع الله لمن حمده ولا يقولها المأموم وكل من الإمام والمنفرد والمأموم يقول ربنا ولَك الحمد فإذًا هذا الحديث ساقه المصنف لاشتماله على تكبيرة الإحرام وتكبيرة الانتقال وأن ذلك عند كل خفض ورفع إلا أنه عند الرفع من الركوع يقول سمع الله لمن حمده الإمام والمنفرد، والإمام والمنفرد والمأموم كل منهم يقول ربنا ولَك الحمد.
246 -
وَفِي الْمُتَّفقِ عَلَيْهِ، عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْد، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))
ثم ذكر هذا الحديث في الصحيحين الذي جاء فيه أنه إذا قام من الركوع يقول سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولَك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه يعني معنى ذلك أن المأموم عندما يسمع الإمام يقول سمع الله لمن حمده لا يقول سمع الله لمن حمده وإنما يقول ربنا ولَك الحمد والملائكة تقول ذلك وقد قال: «ومن وافق قوله قول الملائكة» يعني معناه أنه بعدما يقول سمع الله لمن حمده يقول ربنا ولك الحمد «غفر له ما تقدم من ذنبه» وهذا مثل ما تقدم عند التأمين «إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» .
247 -
وَعَنْ أَبي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: ((اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلُ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ العَبْدُ، وكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ)). رَوَاهُ مُسلمٌ، وَله منْ حَدِيث ابْن عَبَّاس نَحوُهُ
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه الدعاء عند القيام من الركوع يدعوا بهذا الدعاء اللهم ربنا ولك الحمد جاء في بعض الروايات حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذَا الجد منك الجد، وقوله «ولا ينفع ذَا الجد منك الجد» الجد هنا بمعنى الحظ والنصيب وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه «سبحانك اللهم وبحمد وتبارك اسمك وتعالى جدك» وقلنا أن الجد يأتي لثلاثة معاني يأتي لمعنى الجد الذي هو تعظيم الله عز وجل وقول الجن (وأنه تعالى جد ربنا) أي تعالت عظمته وجلاله وكذلك الجد الذي هو أب الأب وأب الأم وكذلك الجد الذي هو بمعنى الحظ والنصيب كما في هذا الحديث:«ولا ينفع ذَا الجد منك الجد» يعني لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك وإنما ينفعه العمل الصالح.
248 -
وَعَنْ شريكٍ، عَنْ عَاصِمِ بنِ كُلَيْب، عَنْ أَبِيه، عَنْ وَائِل بنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قبل يَدَيْهِ، وَإِذا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ -وَقَالَ:((عَلَى شَرْطِ مُسْلِم)) -، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ((حَسَنٌ غَرِيبٌ
…
وَرَوَى همَّامٌ عَنْ عَاصِمٍ هَذَا مُرْسَلاً))، وَشَرِيْكٌ كثيرُ الْغَلَطِ وَالوَهْمِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ:((تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، عَن شَرِيْكٍ، وَلم يُحَدِّثْ بِهِ عَنْ عَاصِمْ غَيرُ شَرِيْكٍ، وَشَرِيْكٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِيمَا يَتَفَرَّدُ بِهِ))، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ:((حَدِيثُ وَائِل أَصحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ)).
249 -
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ حَسَن، عَنْ أَبي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذا سَجَدَ أَحَدُكُم فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبِلَ رُكْبَتَيْهِ)) رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ فِي ((تَارِيخه)) وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ -وَلَفظُهُ-: ((يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَبْرُكُ فِي صَلَاتِهِ بَرْكَ الْجَمَلِ)) وَقَالَ: ((حَدِيثٌ غَرِيبٌ))، وَمُحَمّدٌ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ البُخَارِيُّ:((لَا يُتَابعُ عَلَيْهِ، وَلَا أَدْرِي أَسَمِعَ مِنْ أَبي الزِّنَاد أَمْ لَا)). وَقَالَ البُخَارِيُّ: ((وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عمرُ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ))، وَقد رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي ((صَحِيحه)) مَرْفُوعاً.
ثم ذكر هذين الحديثين عن وائل بن حجر وعن أبي هريرة رضي الله عنهما وهما يتعلقان بالنزول من القيام إلى السجود بعد الركوع وحديث وائل رضي الله عنه أنه يقدم ركبتيه ثم يديه وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عكس ذلك أنه يقدم يديه قبل ركبتيه وكل من الحديثين ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء الثاني والعشرين في صفحة أربع مائة وتسع وأربعين قال: إن العلماء اتفقوا على أن فعل أي واحد منهما صحيح وأنه مجزئ وإنما اختلفوا في أيهما أفضل فمن العلماء من فضل تقديم اليدين على الركبتين ومنهم من فضل تقديم الركبتين على اليدين وقال أن الاتفاق حاصل على من فعل أي واحد منهما فعمله صحيح، وهذا فيه أخذ بالأدلة لأن من العلماء من أخذ بحديث وائل رضي الله عنه ومنهم من أخذ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه لكن الذي ينبغي أن يعلم أن الهيئة التي تحصل من البعير وهي كونه ينزل بقوة حتى يكون لنزوله على الأرض صوت بسبب نزول جسمه على ركبتيه هذا هو الذي واضح النهي عنه أنه لا يفعل كما يفعل البعير بهذه القوة ولكن كونه يقدم يديه وينزل بسهولة حتى يضعهما دون أن يكون لهما صوت وكذلك إذا نزل ركبتيه قبل يديه أنه لا يكون لهما صوت هذا هو الذي يكون فيه البعد من مشابهة البعير وأما تقديم الركبتين على اليدين واليدين على الركبتين فقد قال كل من القائلين بهذا وهذا أن هذا فيه عدم مشابهة البعير.
250 -
وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" أُمرت أَن أَسجد عَلَى سَبْعَة أعظم من الْجَبْهَة وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنفه وَالْيَدَيْنِ والركبتين وأطراف الْقَدَمَيْنِ وَلَا نكفت الثِّيَاب وَالشعر " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَلَفظه للْبُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أعضاء السجود وأنها سبعة وهما الجبهة والأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين هذه هي الأعضاء السبعة التي يكون عليها السجود والتي بينها الرسول بقوله أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وذكرها فهذه هي الهيئة التي يكون عليها السجود وهيئة السجود هي التي يكون بها استغلال الأرض أكثر، الإنسان عندما كان يصلي يستغل الأرض في حال سجوده أكثر من جميع الأحوال الأخرى لأنه في حال قيامه وفي حال ركوعه ما على الأرض إلا رجليه والباقي ليس على الأرض وفي حال جلوسه أشرف شيء فيه هو وجهه وكذلك يداه لا يصلان الأرض وإنما في حال سجوده كل هذه الأعضاء يصلها الأرض ولهذا قيل لأماكن العبادة مساجد أخذت من حالة السجود لأنها هي التي استغلوا فيها الأرض أكثر من غيرها ما قيل لها مراكع ولا قيل لها مواقف ولا قيل لها مجالس لأن أحوال المصلي أربعة لا خامس لها فهو إما قائم وإما راكع وإما ساجد وإما جالس في التشهدين وبين السجدتين فلهذا أطلق على أماكن العبادة مساجد لأنها هي كما هو معلوم تستغل الأرض أكثر في حال السجود منها في حال الأحوال الأخرى، ولا تكفت الثياب والشعر يعني الإنسان لا يرفع ويشمر ثيابه ويحزمها وإنما يتركها كما هي دون أن يشمرها وكذلك شعر الرأس إذا كان ينسدل على الجبهة شيئا من الرأس فإنه لا يزيله ويكفته إلى أن يكون من الخلف بل يخليه يسجد معه هذا الذي يكون يظهر من مقدم الرأس على جبهته أو على أطراف جبهته فإنه لا يكفته ويجعل العمامة تغطيه وإنما يتركه.
251 -
وَعَن عبد الله بن مَالك بن بُحَيْنَة: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كَانَ إِذا صَلَّى فرّج [بَين] يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُو بَيَاض إبطَيْهِ " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذه الهيئة للسجود وهو أنه إذا سجد فرق بين يديه حتى يرى إبطه وذلك لأنه ما كان يلصقها بجنبه عند سجوده وإنما يجافي فيه مجافاة عند السجود بحيث يضع يديه على الأرض ويجافي بعضديه عن جنبيه فلا يلصقهما لا بجنبه ولا على فخذه وإنما يجافيهما.
…
252 -
وَعَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذه الهيئة في السجود أنه يضع كفيه على الأرض ويرفع مرفقيه يعني لا يلصقهما بفخذه ولا يلصقهما في جنبه مثل الحديث الذي قبل هذا.
253 -
وَعَن وَائِل: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كَانَ إِذا ركع فرّج بَين أَصَابِعه، وَإِذا سجد ضم أَصَابِعه " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ: «عَلَى شَرط مُسلم» .
ثم ذكر حال اليدين في الركوع والسجود وأنه في حال الركوع يفرجه على الركبتين ليست مضمومة وإنما مفرجة أما في حال السجود فإنه يضعها وأصابعها على الأرض مبسوطة لا يقبضها كما مر في الحديث أنه سجد غير مفترش ولا قابض، يقبض يعني يجعل أصابع يديه تكون إلى باطن راحته وإنما يبسطها ما يجعلها مفرجة مثل ما هو في حال الركوع وإنما الأصابع مضموم بعضها إلى بعض ما يفرجها.
الدرس السابع والعشرون:
254 -
وَعَن كَامِل أبي الْعَلَاء، عَن حبيب بن [أبي] ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس:" أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كَانَ يَقُول بَين السَّجْدَتَيْنِ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني واهدني وَعَافنِي وارزقني " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ، (وَالْحَاكِم وَصَححهُ) وَهَذَا لفظ أبي دَاوُد وَالْحَاكِم. وَعند التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه:" واجبرني " بدل " وَعَافنِي ". وَعند ابْن مَاجَه أَيْضا: " وارفعني " بدل " واهدني ". (وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: (غَرِيب، وَرَوَاهُ بَعضهم عَن كَامِل أبي الْعَلَاء مُرْسلا). وَقد وثق كَامِلا ابْن معِين، وَقَالَ النَّسَائِيّ:(لَيْسَ بِالْقَوِيّ)، وَقَالَ ابْن عدي:(أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ)). وَرَوَى هَذَا الحَدِيث، وَلَفظه:" اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني واجبرني وَعَافنِي، وارزقني واهدني ".
فهذا الحديث يتعلق بالدعاء الذي يكون بين السجدتين وقد ورد الدعاء بين السجدتين بلفظ الإفراد ومجموع جمله سبع جمل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني واجبرني وارفعني هذه سبع جمل هي التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدعوا به المصلي بين السجدتين.
255 -
وَعَن مَالك بن الْحُوَيْرِث اللَّيْثِيّ: " أَنه رَأَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي فَإِذا كَانَ فِي وتر [من] صلَاته لم ينْهض حَتَّى يَسْتَوِي قَاعِدا " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه الذي فيه ما يسمى جلسة الاستراحة وهو أنه إذا كان في وتر من صلاته يعني عندما يقوم من الأولى إلى الثانية فإنه يجلس جلسة الاستراحة وكذلك عندما يقوم من الثالثة إلى الرابعة إذا كان في وتر من صلاته والوتر يكون بالقيام من الأولى والقيام من الثالثة يعني في الرباعية عندما يقوم يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم ومعنى ذلك أن قيامه عن جلوس وليس عن سجود يعني إذا لم يجلس جلسة استراحة يقوم من السجود إلى القيام ولكن في الاستراحة يجلس جلسة خفيفة جدا ثم يقوم منها فيكون قيامه عن جلوس وليس قيامه عن سجود.
256 -
وَعَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أنس بن مَالك قَالَ:" مَا زَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يقنت فِي الْفجْر حَتَّى فَارق الدُّنْيَا " رَوَاهُ أَحْمد، وَالدَّارَقُطْنِيّ، (وَصَححهُ الْحَاكِم، وَأَبُو جَعْفَر وَثَّقَهُ غير وَاحِد، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: (شيخ يهم كثيرا)، وَقَالَ الغلاة:(فِيهِ ضعف وَهُوَ من أهل الصدْق سيء الْحِفْظ). وَقَالَ النَّسَائِيّ: (لَيْسَ بِالْقَوِيّ)، وَقَالَ ابْن حبَان:(ينْفَرد بِالْمَنَاكِيرِ عَن الْمَشَاهِير)).
ثم ذكر هذا الحديث الذي في إسناده أبي جعفر الرازي والذي يقول في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا يعني معناه أنه مستمر على القنوت في الفجر لكن القنوت الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو بالنوازل وأما كونه يقنت في الفجر دائما وأبدًا فقد جاء من هذا الطريق الذي من طريق أبي جعفر الرازي فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الثابت أنه كان يقنت في النوازل يدعوا لأناس وعلى أناس أما كونه يقنت في الفجر دائما وأبدًا فقد جاء في هذا الحديث الذي هو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
257 -
وَعَن سعد بن طَارق الْأَشْجَعِيّ قَالَ: " قلت لأبي يَا أَبَت إِنَّك قد صليت خلف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي هَاهُنَا بِالْكُوفَةِ نَحوا من خمس سِنِين فَكَانُوا يقنتون بِالْفَجْرِ؟ قَالَ: أَي بني مُحدث " رَوَاهُ أَحْمد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ (وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ، وَسعد: رَوَى لَهُ مُسلم، وطارق: صَحَابِيّ مَعْرُوف، وَلَا وَجه لقَوْل الْخَطِيب: (فِي صُحْبَة طَارق نظر)).
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم كانوا لا يقنتون في الفجر وإنما كان القنوت في النوازل ولهذا قال الصحابي أنه محدث، وهذا الأثر يدل على أن الأثر السابق الذي فيه أنه كان يقنت حتى فارق الدنيا أنه غير صحيح وأنه غير ثابت وقال إن هذا محدث يعني كونه يصير في صلاة الفجر وإنما الثابت أنه كان في النوازل والمقصود أن هذا الصحابي رأى الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وعلي إنما كان في الكوفة وأنه جلس معه وصلى معه وأنه خمس سنوات مع علي فالمقصود من ذلك علي رضي الله عنه وأما الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فإن هذا في الوقت الذي كانوا في أول الأمر وأما علي رضي الله عنه انتقل إلى الكوفة وكان هذا الصحابي انتقل معه وكان معه هذه الخمس سنوات
…
وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لا يقنتون ثم أيضا رأى عليا رضي الله عنه أنه لا يقنت وأن الصحابي قال إن هذا محدث يعني لم يكن عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم.
258 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قنت شهرا بعد الرُّكُوع يَدْعُو عَلَى أَحيَاء من أَحيَاء الْعَرَب ثمَّ تَركه " مُتَّفق عَلَيْهِ.
وهذا الحديث يدل على أن الذي حصل منه صلى الله عليه وسلم أنه قنت بعد الركوع شهرا يدعوا على أحياء من أحياء العرب يعني يدعوا عليهم فهذا هو الذي ثبت وهو القنوت في النوازل وهو الدعاء لقوم أو الدعاء على قوم، الدعاء لقوم من المؤمنين بأن ينجيهم الله ويخلصهم من بلاء الكافرين ودعاء على الكافرين.
259 -
وَعنهُ: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كَانَ لَا يقنت إِلَّا إِذا دَعَا لقوم أَو دَعَا عَلَى قوم " رَوَاهُ الْخَطِيب فِي " الْقُنُوت " بِإِسْنَاد صَحِيح، وَرَوَى ابْن حبَان نَحوه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
وهذا أيضا مثل الذي قبله يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان يقنت في النوازل وأنه يدعوا لأناس ويدعوا على أناس.
260 -
وَعَن الْحسن بن عَلّي قَالَ: " عَلمنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ كَلِمَات أقولهن فِي قنوت الْوتر: اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت وَعَافنِي فِيمَن عافيت وتولني فِيمَن توليت وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت وقني شَرّ مَا قضيت فَإنَّك تقضي وَلَا يُقضى عَلَيْك، وَإنَّهُ لَا يذل من واليت، تبَارك رَبنَا وَتَعَالَيْت " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، (وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَهُوَ مِمَّا ألزم الشَّيْخَانِ تَخْرِيجه)، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَزَاد فِيهِ فِي بعض رواياته بعد واليت:" وَلَا يعز من عاديت ".
ثم ذكر هذا الحديث عن الحسن بن علي رضي الله عنه في دعاء القنوت في صلاة الوتر أنه يقنت بهذا الدعاء وهو مشتمل على تسع جمل اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت هذه الجمل علم الرسول صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما بأن يدعوا بها في قنوت الوتر.
261 -
وَعَن ابْن عمر: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ كَانَ إِذا قعد فِي التَّشَهُّد وضع يَده الْيُسْرَى عَلَى ركبته الْيُسْرَى وَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى ركبته [الْيُمْنَى] وَعقد ثَلَاثَة وَخمسين، وَأَشَارَ بالسبابة " وَفِي رِوَايَة: " وضع كَفه الْيُمْنَى [عَلَى فَخذه الْيُمْنَى] وَقبض أَصَابِعه كلهَا وَأَشَارَ بإصبعه الَّتِي تلِي الْإِبْهَام " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذه الهيئة التي يكون اليدين في حال التشهد وذلك أنه يضع اليسرى على الركبة اليسرى واليمنى يضعها على الفخذ اليمنى ويقبض ثلاث وخمسين يعني يعقد ثلاث وخمسين ومعنى ذلك أنه يقبض أصابعه الثلاث الخنصر والبنصر والوسطى ويجعل الإبهام على الوسطى ويشير بالسبابة هذه الهيئة يقال لها ثلاث وخمسين وهذي معناها أن العرب اعتادوا أنهم يعملون إشارات يعرف بها الأرقام والأعداد وهنا ثلاث وخمسين هذه الهيئة التي تكون في التشهد بأن يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويضع إبهامه على الوسطى ويشير بالسبابة هذه يفهم منها أن هذه الهيئة عدد ثلاث وخمسين والعقود عند العرب اصطلحوا عليها بحيث أن الواحد منهم بدل ما يتكلم يشير بيده إلى هيئة معينة فيفهم صاحبه رقما معينا كما هنا وهذه العقود ذكرها العلماء وممن ذكرها الصنعاني في سبل السلام عند شرح هذا الحديث الذي معنا في بلوغ المرام فإنه عندما شرحه أتى بألفاظ العقود من أولها إلى آخرها شرْحها ووش معنى واحد واثنين وثلاثة وعشرة وخمسة عشر وعشرين ثلاثين يعني الهيئات التي تكون عليها صفة اليد عندما يريد أن يشير لصاحبه بعدد معين فإن هذه العقود أو هذه الصفة شرحها أو وضحها الصنعاني في شرحه سبل السلام على بلوغ المرام عند شرح هذا الحديث الذي معنا الذي فيه أنه عقد ثلاثا وخمسين.
262 -
وَرَوَى عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِذا قعد فِي الصَّلَاة جعل قدمه الْيُسْرَى بَين فَخذه وَسَاقه وفرش قدمه [الْيُمْنَى] وَوضع يَده الْيُسْرَى عَلَى ركبته الْيُسْرَى وَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى وَأَشَارَ بإصبعه السبابَة وَوضع إبهامه عَلَى إصبعه الْوُسْطَى ".
ثم ذكر هذه الهيئة وضع اليدين على الركبتين أو على الفخذين وكذلك أيضا الجلوس مفترشا وذلك بأنه يفرش رجله اليسرى ويجعلها بين فخذ وساق اليمنى ويفترش اليمنى فيكون يفترش اليمنى واليسرى وهذه الهيئة جاءت في صحيح مسلم ولكن الهيئة المشهورة والمعروفة أنه يكون افتراش اليسرى ونصب اليمنى وهذا في التشهد الأول وأما في التشهد الأخير ففيه التورك الرجل اليمنى منصوبة واليسرى يجعلها إلى جهة اليمين حتى يجلس على وركه وعلى مقعدته ما يفترش مثل ما يحصل في التشهد الأول، ومعلوم أن الهيئات التي جاءت في حال الجلوس في التشهد الأول افتراش اليسرى ونصب اليمنى والتشهد الأخير نصب اليمنى والقعود على مقعدته لأن اليسرى قدمت إلى جهة اليمين ثم أيضا جاء بين السجدتين أنه ينصب عقبيه ويجلس عليهما وجاء بين السجدتين أنه يفترش كما يفترش في التشهد الأول وجاء في هذه الرواية أنه يفترش اليسرى واليمنى.
الدرس الثامن والعشرون:
263 -
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: " كُنَّا إِذا صلينَا خلف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قُلْنَا: السَّلَام عَلَى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، السَّلَام عَلَى فلَان وَفُلَان، فَالْتَفت إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَ: إِن الله هُوَ السَّلَام، فَإِذا صَلَّى أحدكُم فَلْيقل: التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين فَإِنَّكُم إِذا قُلْتُمُوهَا أصَاب كل عبد صَالح فِي السَّمَاء وَالْأَرْض. أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ثمَّ ليتخير من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ فيدعو " مُتَّفق عَلَيْهِ وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ.
264 -
وَله أَيْضا قَالَ: " كُنَّا إِذا كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِي الصَّلَاة قُلْنَا: السَّلَام عَلَى الله من عباده، السَّلَام عَلَى فلَان وَفُلَان، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: لَا تَقولُوا السَّلَام عَلَى الله فَإِن الله هُوَ السَّلَام ".
-
هذه الأحاديث التي أولها حديث ابن مسعود رضي الله عنه من الأحاديث التي فيها بيان التشهد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ذكر هذا الحديث الذي فيه أنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم يقولون السلام على فلان وفلان السلام على جبريل وميكائيل السلام على فلان وفلان يسمون أسماء يسردونها فالرسول صلى الله عليه وسلم قال إذا صليتم فإنكم تقولون السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قال الإنسان السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين شملت كل عبد صالح في السماء والأرض فلا يحتاج أن يقول جبريل وميكائيل وفلان وفلان وإنما إذا قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنها تشمل كل عبد صالح في السماء والأرض ثم اللفظ الثاني الذي قال أنهم كانوا يقولون السلام على الله من عباده السلام على جبريل وميكائيل، قولهم السلام على الله من عباده نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفعلوا هذا وذلك أن الله عز وجل هو السلام ومنه السلام والسلام على فلان دعاء له والله عز وجل يدعى ولا يدعى له إذا قال يا الله يا رحمن يا رحيم لكن ما يدعى له لأن الذي يدعى له هو المخلوق فالمخلوق يدعى له ولا يدعى، غير الله يدعى له ولا يدعى والله عز وجل يدعى ولا يدعى له لأنه هو الذي منه السلام فلا يدعى له بالسلامة وإنما هو السلام الذي سلم نفسه واتصف بكل كمال سبحانه وتعالى أما المخلوقون فهم الذين يدعى لهم ولا يدعون، لا يطلب من غير الله عز وجل ولا يسأل غير الله شيء ما يقال يا فلان أغثني يا فلان أعطني كذا يا فلان حقق لي كذا وإنما شأنه أن يدعى له فيقال بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم اللهم صل على محمد يطلب من الله عز وجل أن يصلي عليه وكذلك المسلمون يدعى لهم وأما الله عز وجل فإنه يدعى ولا يدعى له.
265 -
وَعَن أبي الزبير، عَن سعيد بن جُبَير، وَعَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ:" كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن، فَكَانَ يَقُول: التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ". رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو تشهد آخر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قريب من تشهد ابن مسعود رضي الله عنه وهو صحيح وكل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألفاظ التشهدات ومما ثبت عنه فإنه يؤتى به إن أتى بهذا فهو على حق وإن أتى بهذا فهو على حق لأن هذا الاختلاف من اختلاف التنوع وليس من اختلاف التضاد فللإنسان أن يأتي بتشهد ابن مسعود رضي الله عنه وللإنسان أن يأتي بتشهد ابن عباس رضي الله عنهما وللإنسان أن يأتي بتشهد عمر رضي الله عنه وغيرها من التشهدات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا ألفاظ الأذان وألفاظ الاستفتاح وألفاظ التشهد كل ما ثبت فيها عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يؤتى به لكن لا يؤتى بها مجتمعة بأن يؤتى بتشهد ابن مسعود وتشهد ابن عباس وتشهد عمر رضي الله عنهم وما إلى ذلك وإنما يؤتى بهذا مرة وبهذا مرة وبهذا مرة هذا هو الذي يفعل في هذه التشهدات وكما قلت أن هذا من اختلاف التنوع من اختار هذا التشهد فله ذلك ومن اختار هذا فله ذلك ومن اختار هذا فله ذلك وكلها تشهدات صحيحة ما ثبت منها فإنه يأتي الإنسان بما شاء منها.
266 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: " كُنَّا نقُول فِي الصَّلَاة، قبل أَن يفْرض التَّشَهُّد: السَّلَام عَلَى الله " الحَدِيث، رَوَاهُ النَّسَائِيّ، (وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصحح إِسْنَاده).
وهذا مثل الذي قبله كون السلام على الله دعاء له والله عز وجل يدعى ولا يدعى له.
267 -
وَقَالَ عمر رضي الله عنه: " لَا تُجزئ صَلَاة إِلَّا بتشهد " رَوَاهُ سعيد وَغَيره
وهذا من كلام عمر رضي الله عنه لا تجزئ صلاة إلا بتشهد ولكنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالتشهد والرسول صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد فالتشهد لابد منه يأتي به الإنسان في الصلاة بالتشهد الأول والتشهد الأخير إلا أن التشهد الأخير يكون بعده دعاء وكذلك الأول يجوز أن يأتي بعده بدعاء لكن الأصل أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء يكون بعد التشهد الأخير.
268 -
وَعَن فضَالة بن عبيد قَالَ: " سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ رجلا يَدْعُو فِي صلَاته لم يمجد الله [تَعَالَى] وَلم يصل عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: عجل هَذَا، ثمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ - أَو لغيره: إِذا صَلَّى أحدكُم فليبدأ بتمجيد ربه جلّ وَعز وَالثنَاء عَلَيْهِ ثمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ ثمَّ يَدْعُو بعد بِمَا شَاءَ " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه، وَالنَّسَائِيّ، (وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ)، وَابْن حبَان، (وَالْحَاكِم وَقَالَ:(صَحِيح - عَلَى شَرط مُسلم))، وَفِي مَوضِع (عَلَى شَرطهمَا))، وَفِي لفظ بَعضهم:" إِذا صَلَّى أحدكُم فليبدأ بتحميد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ ثمَّ ليُصَلِّي عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعوا لم يحمد الله ولم يمجده ولم يصل على رسوله صلى الله عليه وسلم قال عجل هذا ثم قال إذا دعا أحدكم فليحمد الله ويصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم يدعوا بما شاء وهذا هو الذي يشرع في التشهد يعني الإنسان يأتي بالتشهد أولا وهو حمد الله وثناء عليه ثم يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي بالدعاء ويكون الدعاء سبقه حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا من أسباب قبول الدعاء أن يكون مسبوقا بحمد الله والثناء عليه ولهذا كانت صلاة الجنازة شرع فيها قراءة الفاتحة التي هي تمجيد الله والثناء عليه ثم بعد ذلك الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك الدعاء للميت فهذا جاءت صلاة الجنازة مطابقة لما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الدعاء يسبقه حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم.
269 -
وَعَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ قَالَ: " أَتَانَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ وَنحن فِي مجْلِس سعد بن عبَادَة فَقَالَ لَهُ بشير بن سعد: أمرنَا الله تَعَالَى أَن نصلي عَلَيْك يَا رَسُول الله فَكيف نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: فَسكت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ حَتَّى تمنينا أَنه لم يسْأَله، ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: قُولُوا اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صليت عَلَى آل إِبْرَاهِيم وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد، وَالسَّلَام كَمَا قد علمْتُم " رَوَاهُ أَحْمد، وَمُسلم، وَرَوَاهُ أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم بِنَحْوِهِ، وَعِنْدهم:" فَكيف نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا عَلَيْك فِي صَلَاتنَا " وَهَذِه الزِّيَادَة تفرد بهَا (ابْن إِسْحَاق، وَهُوَ صَدُوق، وَقد صرح بِالتَّحْدِيثِ فَزَالَ مَا يخَاف من تدليسه، وَقد صححها ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم).
ثم ذكر هذا الحديث الذي هو في الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في التشهد ويكون ذلك في التشهد الأخير وذلك أن الإنسان عندما يأتي بتشهد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويأتي بالصلاة الإبراهيمية التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاءت على صيغ متعددة ولكن أكملها الصيغة التي فيها الجمع بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله وإبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله فيقال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد فيأتي بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة والسلام على إبراهيم عليه صلى الله عليه وسلم لأن بعضها فيه اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وفي بعضها كما صليت على إبراهيم لكن أكملها الصيغة التي فيها الجمع بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله والصلاة على إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله وقد جاءت هذه الصيغة في صحيح البخاري، وقوله: إن الله أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك، والمقصود بذلك أمرهم في قوله:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) والسلام قد عرفوا أنه السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فسألوا عن الصلاة فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وعلى هذا فإنه يؤتى بتشهد ويؤتى بالصلاة الإبراهيمية ويؤتى بها على الهيئة الكاملة ولهذا جاء في بعض الروايات كيف نصلي عليك إذا صلينا عليك في صلاتنا يعني إذا صلينا عليك في صلاتنا ماذا نقول وذلك جاء أنهم قد علموا السلام فقال السلام كما علمتم يعني السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ثم بعد ذلك يأتي بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم.
270 -
وَعَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: " عَلمنِي دُعَاء أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتي. قَالَ: قل اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الدعاء الذي يكون بعد التشهد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا مر في بعض الأحاديث ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه ومن أعجب ما يكون هو هذا الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أنه قال علمني دعاء أدعوا به في صلاتي فعلمه هذا الدعاء.
271 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا تشهد أحدكُم فليستعذ بِاللَّه من أَربع، يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب جَهَنَّم، وَمن عَذَاب الْقَبْر، وَمن فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات، وَمن [شَرّ] فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ لمُسلم. وَفِي لفظ لَهُ:" إِذا فرغ أحدكُم من التَّشَهُّد الآخر فليتعوذ بِاللَّه من أَربع ".
ثم ذكر هذا الدعاء الذي هو الدعاء بأربع وكان هذا قال في التشهد الآخر يعني التشهد الأول لا يطول مثل الآخر وإنما الذي يطول هو الآخر لأن فيه تشهد وصلاة ودعاء والتشهد الأول يجوز أن يؤتى بالصلاة عليه ويجوز أن يدعى له لكن الأصل أنه يخفف وأما الأخير فإنه يطول ويأتي الإنسان بما شاء من الدعاء وما أعجبه من الدعاء وقد جاء في الحديث السابق دعاء أبي بكر رضي الله عنه الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك هذا الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم وهو التعوذ بالله من أربع اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، وفتنة المحيا والممات يعني عذاب وفتنة القبر ففتنة القبر هي السؤال والامتحان والاختبار يسأل عن ربه ودينه ونبيه وعذاب القبر هو العذاب الذي يأتي من النار للإنسان في قبره إذا كان من أهل العذاب كما جاء في الحديث أنه إذا كان موفقا وأجاب بالجواب السديد يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها وإذا كان بخلاف ذلك يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها، وفتنة المحيا يعني ما يحصل فيه من الفتن وما يحصل فيه من البلاء الذي يصيب الإنسان، وفتنة الممات يعني السؤال في القبر وكذلك التوبيخ في الدخول في النار كما قال الله عز وجل:(كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير) فهذه من الفتنة التي تكون في الآخرة وتكون في عذاب النار أنه يمتحن ويقال لهم إذا ألقوا فيها قال ألم يأتكم نذير فيكون فيه فتنة في النار وفتنة في القبر وفتنة في الحياة الدنيا وفتنة المسيح الدجال التي جاءت الأحاديث الكثيرة المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيها وبيان أخبار الدجال وهي أحاديث متواترة.
272 -
وَعَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاة: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب الْقَبْر، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمحيا و [فتْنَة] الْمَمَات. اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من المأثم والمغرم فَقَالَ لَهُ قَائِل: مَا أَكثر مَا تستعيذ من المغرم، فَقَالَ: إِن الرجل إِذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه ما في الذي قبله من التعوذات الأربع وأنه كان يتعوذ من المأثم والمغرم وقيل له إنك تقول هذا الدعاء وتأتي به قال إن الإنسان إذا غرم وعد فأخلف وحدث فكذب عندما يأتيه الغرماء يضيقون عليه فإنه يضطر إلى أن يحلف فيكذب ويعد فيخلف، المأثم يعني حصول ما فيه الإثم والمغرم هو الدين الذي يكون على الإنسان فإنه إذا كان مدينا وألح عليه الغرماء الدائنون فإنه يضطر إلى أن يعدهم مواعيد لا يتمكن من الوفاء فيها وكذلك يحلف فيكذب.
273 -
وَعَن وَائِل بن حجر قَالَ: " صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَكَانَ يسلم عَن يَمِينه السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، وَعَن شِمَاله السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح.
ثم ذكر هذا الحديث عن وائل بن حجر رضي الله عنه وأنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى يساره السلام عليكم ورحمة الله وقد جاءت الأحاديث أيضا بأن يقول السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه وشماله وجاء زيادة بركاته بالتسليمة الأولى كما جاء في هذا الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أحسن الله إليكم هل يجزئ الاقتصار بلفظ السلام عليكم فقط؟
يعني جاء لكن الذي جاء وهو الذي تبرأ الذمة والذي فيه الكمال والذي فيه الاحتياط هو أنه يقول السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله تسليمتين ولهذا ذكر ابن القيم أن التسليمتين جاءت عن أربعة عشر صحابيا.
274 -
وَعَن وراد كَاتب الْمُغيرَة قَالَ: " أَمْلَى عَلّي الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي كتاب إِلَى مُعَاوِيَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كَانَ يَقُول فِي دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد " مُتَّفق عَلَيْهِ.
وهذا الحديث عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيه هذا الدعاء الذي يكون بعد الصلاة.
275 -
وَعَن أبي الزبير قَالَ: " كَانَ ابْن الزبير يَقُول فِي دبر كل صَلَاة حِين يسلم: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه لَهُ النِّعْمَة وَله الْفضل وَله الثَّنَاء الْحسن، لَا إِلَه إِلَّا الله مُخلصين لَهُ الدَّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ، وَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يهلل بِهن دبر كل صَلَاة " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه هذا الذكر والدعاء بعد السلام لأنه بعدما ذكر السلام ذكر الأدعية التي تكون بعد السلام وهذا منها.
276 -
وَعَن سعد بن أبي وَقاص: " أَنه كَانَ يعلم بنيه هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات كَمَا يعلم الْمعلم الغلمان الْكِتَابَة وَيَقُول: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ كَانَ يتَعَوَّذ بِهن دبر كل صَلَاة: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْبُخْل وَمن عَذَاب الْقَبْر " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه هذا الدعاء الذي هو من الأدعية بعد السلام ويجوز أن يكون أيضا يؤتى به قبل السلام لأن كلمة الدبر تطلق على آخر الشيء أو ما يلي آخر الشيء معناه ما يكون في آخره قبل السلام الذي هو آخر شيء وما يلي آخره الذي هو بعد السلام فالدبر أحيانا يراد بها هذا وهذا وأحيانا لا يراد بها إلا واحد معين وهو الحديث الذي سيأتي الذي يقول سبحان الله الحمد لله الله أكبر ثلاث وثلاثين ويقول تمام المائة
…
، هذا لا يؤتى به في داخل الصلاة وإنما يؤتى به بعد الصلاة.
277 -
وَعَن ثَوْبَان قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِذا انْصَرف من صلَاته اسْتغْفر ثَلَاثًا وَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام تَبَارَكت ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام - قَالَ الْوَلِيد بن مُسلم: فَقلت للأوزاعي كَيفَ الاسْتِغْفَار؟ قَالَ تَقول: أسْتَغْفر الله " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه الدعاء أول ما ينصرف من الصلاة فإنه يدعوا به يقول أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذَا الجلال والإكرام هذا يقوله متجها إلى القبلة إذا كان إمامًا ثم ينصرف عندما يقول هذه الكلمات لا يتأخر بعد ذلك وإنما إذا أتى بهذا الذكر وهذا الدعاء القصير ينصرف إلى المأمومين ولا يستمر إلى جهة القبلة ويطول استدبار الناس وإنما يأتي بهذا الذكر فقط ثم ينصرف إلى الناس.
278 -
وَرَوَى عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ:" من سبح [الله فِي] دبر كل صَلَاة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ [وَحمد الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ] وَكبر الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَتلك تِسْعَة وَتسْعُونَ وَقَالَ تَمام الْمِائَة: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، غفرت خطاياه وَإِن كَانَت مثل زبد الْبَحْر ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه التسبيح والتكبير والتحميد ثلاثا وثلاثين سبحان الله والحمد لله والله أكبر يأتي بها ثلاثا وثلاثين فيكون المجموع تسع وتسعين ويضيف تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وهذا خاص بما بعد الصلاة لا يؤتى به في داخل الصلاة، إذًا كلمة دبر هنا يراد بها خصوص ما بعد الصلاة وما بعد الفراغ من الصلاة لأن هذا الذكر لا يؤتى به في داخل الصلاة يعني الإنسان يعدُّ في صلاته وإنما هذا يكون بعد السلام.
279 -
وَعَن معَاذ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَخذ بِيَدِهِ وَقَالَ: " يَا معَاذ [وَالله] إِنِّي لَأحبك! أوصيك يَا معَاذ لَا تدَعَنّ فِي دبر [كل] صَلَاة تَقول: اللَّهُمَّ أعنّي عَلَى ذكرك وشكرك وَحسن عبادتك " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه، وَالنَّسَائِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه فضيلة معاذ رضي الله عنه وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إنه يحبه وحلف بالله أنه يحبه وهذا يدل على فضله رضي الله عنه ثم إنه أوصاه بأن لا يدع دبر كل صلاة أن يقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وهذا الذكر يمكن يؤتى به قبل السلام وبعد السلام لأنه دبر الصلاة يمكن أن يؤتى به بالدبر الذي قبل السلام ويمكن يؤتى به بالدبر الذي بعد السلام.
280 -
وَعَن أبي أُمَامَة قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ وَقل هُوَ الله أحد دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة لم يمنعهُ من دُخُول الْجنَّة إِلَّا الْمَوْت " رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَالرُّويَانِيّ، وَابْن حبَان، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد، (وَالطَّبَرَانِيّ وَهَذَا لَفظه، وَلم يصب فِي ذكره فِي " الموضوعات " فَإِنَّهُ حَدِيث صَحِيح).
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه وهو أنه كان صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت» معنى ذلك أن هذا من أعظم أسباب دخول الجنة والحديث ثابت في ذكر آية الكرسي وأما ذكر قل هو الله أحد معها فإن هذا غير ثابت ولكنه ثبت أنه في دبر كل صلاة يأتي بـ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس بعد كل صلاة مكتوبة يأتي بقراءة آية الكرسي وقراءة السور الثلاث أما هذا الحديث الذي فيه يقرأ قل هو الله أحد فإن قل هو الله أحد قراءتها وحدها في هذا الحديث غير ثابتة وإنما الثابت قراءة آية الكرسي وقد ثبت أيضا أنه يقرأ بعد كل صلاة من الصلوات الخمس قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ولا يخص قل هو الله أحد فإن إفراد قل هو الله أحد مع آية الكرسي هذا غير صحيح وإنما الصحيح قراءة آية الكرسي وقراءة قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس هذا كله ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما كونه يؤتى بـ قل هو الله أحد مع آية الكرسي فقل هو الله أحد هذا غير ثابت.
باب أمور مستحبة وأمور مكروهة في الصلاة سوى ما تقدم
الدرس التاسع والعشرون:
281 -
عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: كَانَت علينا رِعَايَة الْإِبِل فَجَاءَت نوبتي فروحتها بعشي، فأدركت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَائِما يحدث النَّاس فأدركت من قَوْله:" مَا من مُسلم يتَوَضَّأ فَيحسن وضوءه ثمَّ يقوم فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ مُقبلا عَلَيْهِمَا بِقَلْبِه وَوَجهه إِلَّا وَجَبت لَهُ الْجنَّة " رَوَاهُ مُسلم، وَقصر من عزاهُ إِلَى أبي دَاوُد وَحده.
هذا الحديث عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه الذي أخبر أنه كانت عليهم رعاية الإبل وكانوا يتناوبون على رعاية الإبل بمعنى أن شخص يكون له خمس وشخص أربع وشخص ثلاث ثم يجمعونها ويقوم يرعاها بعضهم يوم وبعضهم يوم آخر فيوفقون بين أن يسرحوا ببهائمهم بأن يقوم بها أحدهم والباقون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعون حديثه فكان النوبة التي كانت عليه وكان جاء مبكرا من السرح بالإبل فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يحدث أصحابه فكان مما قاله صلى الله عليه وسلم: أن المسلم إذا أسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين مقبلا فيهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة، فهذا الحديث من الأمور المستحبة لأن فيه ذكر صلاة ركعتين بعد الوضوء وأن هذا ثوابهما عند الله عز وجل وأنه تكون له الجنة وهذا العمل الذي عمله الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرص على حضور مجالسه صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك ليوفقوا بين مصالحهم الدنيوية والأخروية وقد ثبت في الصحيح أن عمر رضي الله عنه كان له جار من الأنصار في بستانه وأنه كان يتناوب هو وإياه فهذا يذهب يوم وهذا يأتي يوم والذي يذهب يأتي بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ويأتي بما تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجمعون بين مصالحهم الدنيوية والأخروية عمر رضي الله عنه يبقى في بستانه ويذهب صاحبه في يوم ويأتي ويحدثه بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يبقى الأنصاري في يوم آخر ويذهب عمر رضي الله عنه ويحدثه بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
282 -
وَعَن أبي جهيم قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ خيرا لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ - قَالَ أَبُو النَّضر - لَا أَدْرِي قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو شهرا أَو سنّة " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَفِي بعض رِوَايَات البُخَارِيّ: " مَاذَا عَلَيْهِ من الْإِثْم ".
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي جهيم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر عليه» ، قال: لا أدري أربعين عاما أربعين شهرا أربعين يوما، ومعلوم أن كون الإنسان يقف ولا يمر بين يدي المصلي حتى ولو كانت ساعات فإن هذا أهون عليه كونه يقف ساعات أهون من أن يمر بين يدي المصلي فهذا يبين خطورة المرور بين المصلي وبين سترته وأنه لا يمشى أمامه لأن هذا يشغله ويشوش عليه وقد جاء في بعض الطرق أن فيه: ماذا عليه من الإثم، وكلمة ماذا عليه من الإثم هذه قال الحافظ ابن رجب في شرح صحيح البخاري: هذه غير محفوظة يعني أنها شاذة ونقل عن ابن أبي شيبة أنه قال: ماذا عليه يعني من الإثم، قوله يعني من الإثم هذا تفسير من بعض الرواة ثم أدرجت في الخبر في بعض الروايات، الحاصل أن المصلي يصلي إلى سترة ويمنع من يمر بين يديه ووقوف الإنسان ينتظر حتى يتمكن من المرور خير له من أن يمر بين يدي المصلي وقوفه فترة من الزمان خير له وذكر الأيام والشهور والأعوام والواقع أنه حتى لو كان ساعات أو بعض الشيء من الوقت فإن هذا أهون عليه من أن يمر بين يدي المصلي.
283 -
وَعَن ابْن عمر: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ كَانَ إِذا خرج يَوْم الْعِيد أَمر بالحربة فتوضع بَين يَدَيْهِ فَيصَلي إِلَيْهَا وَالنَّاس وَرَاءه، وَكَانَ يفعل ذَلِك فِي السّفر فمِن ثَمّ اتخذها الْأُمَرَاء " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يوم العيد تنصب الحربة أمامه ويصلي إليها لأنه يكون في مكان عراء مكشوف ليس فيه جدران فكان يغرز الحربة والحربة هي عصا في آخرها حديدة تغرز في الأرض وهي سترة يتخذها سترة فكان يفعل ذلك في صلاة العيد وكذلك في السفر إذا كان في السفر فإنها تكون معه الحربة فتغرز أمامه ويصلي إليها يتخذها سترة.
284 -
وَعَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: " سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فِي غَزْوَة تَبُوك عَن ستْرَة الْمُصَلِّي؟ فَقَالَ: مثل مؤخرة الرحل " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث في سترة المصلي ومقدار ارتفاعها من الأرض قال: «مثل مؤخرة الرحل» الرحل هو الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه الراكب ومؤخرته العود الذي يستند عليه الراكب من ورائه وهي ليست طويلة قيل إنها تكون مقدار ثلثي ذراع ومعنى ذلك أنه يجعل أمامه شيء شاخص بمقدار هذا وقد جاء ذكر الحربة وقد جاء ذكر العصا وأن الإنسان يغرسها أمامه ويصلي فكان صلى الله عليه وسلم أرشد إلى هذا، وهذا هو الحد الأدنى، المقصود أنه شيء شاخص يعني يراه من يقبل عليه أنه يصلي إلى سترة فلا يمر بينه وبينها وإنما يمر من ورائها سواء كانت قصيرة أو طويلة.
285 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِذا صَلَّى أحدكُم فليجعل تِلْقَاء وَجهه شَيْئا، فَإِن لم يجد فلينصب عَصا، فَإِن لم يكن مَعَه عَصا فليخط خطا، ثمَّ لَا يضرّهُ مَا مر أَمَامه " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، (وَهُوَ حَدِيث مُضْطَرب الْإِسْنَاد، وَكَذَلِكَ ضعفه الشَّافِعِي وَغَيره، وَصَححهُ ابْن الْمَدِينِيّ وَغَيره. وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: (لم نجد شَيْئا نَشد بِهِ هَذَا الحَدِيث))، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ:(لَا بَأْس بِهَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الحكم)).
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه السترة وأنها يصلي إلى شيء أمامه هذا لا إشكال فيه إذا كان شيء بارز وكذلك العصا فإنها كذلك تكون قِبله لكن ما جاء في آخره أنه إذا لم يجد يخط خطا في الأرض ويتخذه سترة هذا هو الذي لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلف في ثبوته ولكن الأقرب أنه غير ثابت لأن في إسناده من هو متكلم فيه فلا يستعمل الإنسان الخط وإنما يستعمل الشيء الذي ورد في السنة أنه شيء شاخص وأنه شيء مرتفع وهذا الحديث ليس بصحيح والحافظ ابن حجر حسنه في بلوغ المرام وقال: ولم يصب من قال إنه مضطرب بل هو حديث حسن، لكن في بعض رواته من هو متكلم فيه فلا يعول عليه.
286 -
وَعَن أبي سهل بن أبي حثْمَة يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِذا صَلَّى أحدكُم إِلَى ستْرَة فليدن مِنْهَا لَا يقطع [الشَّيْطَان] عَلَيْهِ صلَاته " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن حبَان. (وَهُوَ حَدِيث مُخْتَلف فِي إِسْنَاده، وَرُوِيَ مُرْسلا.
ثم ذكر هذا الحديث الذي يتعلق بالسترة وأن الإنسان يدنوا منها يجعل له سترة ويدنوا منها لا يجعلها بعيدة وإذا كان الإنسان صلى إلى غير سترة فإن المساحة التي أمامه لا يمنع منها الإنسان أن يمر بل يمر من وراء ثلاثة أذرع إذا كان ترك مقدار ثلاثة أذرع ومشى وراءها فإنه لا بأس بذلك، والثلاثة الأذرع هي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت وجعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه وصار بينه وبين الجدار الذي أمامه ثلاثة أذرع، فإذًا إذا كان الإنسان وضع سترة سواء ثلاثة أذرع أو أقل فالأولى أن يدنوا منها ويقرب منها وإن لم يضع سترة فإن المار يمر بعد مقدار ثلاثة أذرع لأن المساحة التي أمامه لا يكون من حقه أنه يمنع الناس أو أن الناس لا يمرون بل يمرون بحيث لا يقربون منه وهو يصلي.
287 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " نهي أَن يُصَلِّي الرجل مُخْتَصرا " رَوَاهُ البُخَارِيّ هَكَذَا، وَرَوَاهُ مُسلم:" نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ ".
وهذا نهي عن الاختصار في الصلاة والاختصار هو أن يضع الإنسان يديه على خاصرتيه يده اليمنى على خاصرة اليمنى ويده اليسرى على خاصرة اليسرى هذا هو الاختصار الذي في الصلاة وهو نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما اليدين عملهما في الصلاة أن يجعل اليمنى على اليسرى وعلى صدره كما سبق أن مر بنا في الحديث يضع اليمنى على اليسرى على صدره ولا يفعل هذا الفعل الذي هو الاختصار بأن يضع يده اليمنى على خاصرته اليمنى ويده اليسرى على خاصرته اليسرى.
288 -
وَعَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِذا قُدم الْعشَاء فابدأوا بِهِ قبل أَن تصلوا صَلَاة الْمغرب وَلَا تعجلوا عَن عشائكم " مُتَّفق عَلَيْهِ.
هذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا قدم له العشاء وقد حضر وقت الصلاة فإنه يقدم العشاء لأنه لو اشتغل في الصلاة والعشاء ما أخذ حاجته منه فإنه يحصل له التشويش في ذلك والحديث يدل على أنهم كانوا يتعشون قبل المغرب معنى ذلك أنه قال: «إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب» لأن العشاء يكون قبل صلاة المغرب والمقصود من ذلك أن لا يحصل التشويش وتتعلق نفسه به ويكون مشغول في الصلاة.
289 -
وَعنهُ قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا كَانَ أحدكُم فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ يُنَاجِي ربه عز وجل، فَلَا يبزقن بَين يَدَيْهِ وَلَا عَن يَمِينه، وَلَكِن عَن شِمَاله تَحت قدمه " مُتَّفق عَلَيْهِ أَيْضا. وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: " عَن يسَاره أَو تَحت قدمه ".
وهذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا كان في أرض ترابية وأنه صلى وأنه أصابه بزاق فإنه لا يفعله أمامه ولا عن يمينه ولكن يجعله عن يساره أو تحت قدمه أما إذا كان بجواره أحد من جهة اليسار فإنه لا يفعل ذلك وإنما عليه إذا كان معه مناديل يستعمل مناديل وإلا ففي طرف ثوبه يجعل نخامته وما يحصل منه بطرف ثوبه.
290 -
وَعَن معيقيب - وَهُوَ ابْن [أبي] فَاطِمَة الدوسي - قَالَ: " ذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ الْمسْح فِي الْمَسْجِد - يَعْنِي الْحَصَى - قَالَ: إِن كنت لَا بُد فَاعِلا، فَوَاحِدَة " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي يتعلق بمسح الحصى يعني تسويته في الأرض قال إذا كان هناك حاجة مرة واحدة يعني معناه في الأول لأنه إذا كان يصلي على أرض ترابية أو أرض حصباء فإنه قد يكون بعضها عالي وبعضها نازل فيكون فيه نتوء ونزول فالإنسان إذا وضع وجهه على الأرض يكون ما هو مستقيم فإذا كان هناك حاجة يمسحه مرة واحدة في الأول ثم لا يكرر مسحه إذا جاء في الركعات الأخرى لأنه لا حاجة إليه لأن الأرض سويت في أول مرة فإذا كان الإنسان في حاجة يفعله في أول مرة وبعد ذلك لا يكرر مسح الحصى وإنما كون الأرض غير مستوية وبعضها ناتئ وبعضها نازل فإنه عندما يسجد السجدة الأولى في الركعة الأولى فإنه يمسح الأرض بحيث تتواسى ما يكون بعضها عالي وبعضها منخفض وبعد ذلك ليس له أن يكرر لأنه لا حاجة إليه الأرض مستوية في أول مرة.
291 -
وَعَن أبي ذَر قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا قَامَ أحدكُم فِي الصَّلَاة فَلَا يمسح الْحَصَا فَإِن الرَّحْمَة تواجهه " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، وَفِي لفظ لِأَحْمَد:" سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ عَن كل شَيْء حَتَّى سَأَلته عَن مس الْحَصَى، فَقَالَ: وَاحِدَة أَو دع ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أنه قال لا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه يعني معناه أن ترك المسح من أجل الرحمة تواجهه ولكن الحديث الذي قال أنه مرة واحدة معناه إذا كان الأرض فيها ارتفاع وانخفاض يكون في المرة الأولى والحديث هذا ضعيف غير صحيح وإنما الحكمة والفائدة من مسحه هو كون الأرض تكون متساوية وذلك يحصل بمسحه مرة واحدة في البداية وأما كونه يعلل بأن الرحمة تواجهه وأنه يترك الأرض ولو كان بعضها طامن وبعضها مرتفع من أجل أن الرحمة تواجهه هذا الحديث غير صحيح.
292 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ:" أما يخْشَى أحدكُم إِذا رفع رَأسه قبل الإِمَام أَن يحول الله رَأسه رَأس حمَار أَو يَجْعَل صورته صُورَة حمَار " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه بيان خطورة المسابقة مع الإمام وأنه يسبق الإمام وذكر: «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو صورته صورة حمار» هذا يدل على تحريم مسابقة الإمام ومعلوم أنه إذا حصل أنه سابق الإمام فإنه يرجع ويأتي في الركن بعد الإمام وأما الشيء الذي قبل الإمام فإنه لا يعتبر لأنه إذا كان يسابقه إش فائدة الائتمام إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا ولا يركعون قبل أن يركع لأنهم إذا ركعوا قبل أن يركع صاروا سابقوه ولم يكن فائدة للإمامة.
293 -
وَعَن عَائِشَة قَالَت: " سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ عَن الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة؟ فَقَالَ: هُوَ اختلاس يختلسه الشَّيْطَان من صَلَاة العَبْد ". رَوَاهُ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث عن الالتفات وأنه اختلاس يعني نقص يحصل من الشيطان لينقص به صلاة العبد اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة
…
العبد يعني معناه أنه ينقصها بهذا الالتفات لأن المقصود بالصلاة هو الإقبال على الله عز وجل والإقبال بحيث ينظر إلى محل سجوده ولا يلتفت يمينا
…
ولا شمالا.
294 -
وَعَن أنس قَالَ، قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" [يَا بني] إياك والالتفات فِي الصَّلَاة فَإِن الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة هلكة، فَإِن كَانَ لَا بُد فَفِي التَّطَوُّع لَا فِي الْفَرِيضَة " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي هو غير صحيح وغير ثابت الذي يقول أنه إذا كان في التطوع، الإنسان ليس له أن يلتفت لا في التطوع ولا في الفرض وإنما عليه أن يخشع وينظر إلى مكان سجوده ولا يشغل نفسه بالنظر يمينا ولا شمالا لا في فرض ولا في نفل وهذا الحديث الذي فيه أنه جوازه في النفل غير صحيح.
295 -
وَعَن سهل بن الحنظلية قَالَ: " ثُوِّب بِالصَّلَاةِ - يَعْنِي صَلَاة الصُّبْح - فَجعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي ويلتفت إِلَى الشّعب " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، (وَالْحَاكِم وَصَححهُ).
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أنه إذا ثوب في الصلاة يعني أقيمت الصلاة لأن الأذان أول ثم بعد ذلك يؤتى بالإقامة فيقال لها تثويب معناه أنه رجع إلى ذكر الله عز وجل، أولا ذكر الله في الأذان ثم ذكر في الإقامة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى الشعب وهو يصلي وهذا محمول أنه كان أمامه وأنه لا يلتفت يمينا ولا شمالا وإنما كان الشعب وهو الطريق بين الجبلين ينظر إليه وهو متجه إلى القبلة يعني لا يحصل منه الالتفات يمينا وشمالا فيكون هذا محمول على أنه في قبلته ينظر إليه بدون التفات.
296 -
وَعَن أنس قَالَ: كَانَ قِرام لعَائِشَة سترت بِهِ جَانب بَيتهَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: " أميطي عَنَّا قرامك هَذَا فَإِنَّهُ لَا تزَال تصاويره تعرض فِي صَلَاتي " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن عائشة رضي الله عنها لها قرام يعني ستر قماش فيه تصاوير وأنه سترت له محل في بيتها وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال أزيلي هذا القرام فإن تصاويره لا تزال تعرض لي ومعنى ذلك أن الإنسان لا يكون أمامه شيء يشوش عليه ويشغل باله وإنما يكون أمامه شيء خالي مما يشوش عليه أو يجعله ينشغل بالنظر إلى هذه الأشياء.
297 -
وَعَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَقُول: " لَا صَلَاة بِحَضْرَة طَعَام وَلَا هُوَ يدافعه الأخبثان " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث وهو قريب من الذي قبله الذي قال إذا قدم العشاء أو إذا حضر العشاء قبل المغرب فابدؤوا بالعشاء، قال هنا:«لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان» يعني معناه الطعام إذا كان موجودا وأنه مقدم ما يصلي الإنسان ويكون مشوش الذهن، ولا وهو يدافعه الأخبثان إذا كان الأخبثان البول والغائط بأن يحس بأنه سيخرج منه أو يكاد يخرج منه وإنما يصلي الإنسان وهو مرتاح من ناحية أي شيء يشوش عليه يكون سلم منه لا أن يكون مشغولا بالتفكير في الطعام ولا مشغولا بمدافعته يعني البول أو الغائط.
298 -
وَرَوَى عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: أبْصر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قوما رافعي أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء وهم فِي الصَّلَاة فَقَالَ: " لينتهين أَقوام يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة، أَو لَا ترجع إِلَيْهِم ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه كون الإنسان إذا صلى يقبل على صلاته وينظر إلى محل سجوده ولا يشغل نفسه بالالتفات لا يمينا ولا شمالا ولا يرفع بصره إلى السماء وإنما بصره يكون على الأرض وعلى مكان سجوده فقال لينتهين أقوام عن هذا العمل أو لا ترجع إليهم أبصارهم بأن الله يعاقبهم بأن يأخذها وأن يطمس نورها فهذا مثل الذي مر بالمسابقة يجعل الله رأسه رأس حمار أو صورته صورة حمار هذا قال أنها لا ترجع إليهم أبصارهم بمعنى أنهم يفقدونها وأن الله تعالى يعاقبهم بأن يزيلها عنهم.
299 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " التثاؤب فِي الصَّلَاة من الشَّيْطَان، فَإِذا تثاءب أحدكُم فليكظم مَا اسْتَطَاعَ "(رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ)، وَرَوَاهُ مُسلم، وَلم يقل:" فِي الصَّلَاة ".
ثم ذكر هذا الحديث في التثاؤب وأن التثاؤب من الشيطان لأنه يدل على الكسل وعلى الخمول وأرشد صلى الله عليه وسلم أنه عند التثاؤب يكظم ما استطاع يعني لا يسترسل في فتح فمه وإنما يكظم ما استطاع فإن غلبه وأنه اضطر إلى أن ينفتح فمه فإنه يضع يده على فمه وهذا في الصلاة وفي غير الصلاة ليس خاصا كما جاء في بعض الروايات عند مسلم أنه ليس فيه ذكر الصلاة وعلى هذا فالتثاؤب من الشيطان سواء كان في الصلاة أو في غير الصلاة.
باب سجود السهو
الدرس الثلاثون:
300 -
عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " صَلَّى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ إِحْدَى صَلَاتي الْعشي - قَالَ مُحَمَّد: وَأكْثر ظَنِّي [أَنَّهَا] الْعَصْر - رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم، ثمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَة فِي مقدم الْمَسْجِد فَوضع يَده عَلَيْهَا، وَفِيهِمْ أَبُو بكر وَعمر فَهَابَا أَن يُكَلِّمَاهُ وَخرج سرعَان النَّاس، فَقَالُوا: أقصرت الصَّلَاة؟ وَرجل يَدعُوهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: ذَا الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أنسيت أم قصرت؟ فَقَالَ: لم أنس وَلم تقصر. قَالَ: بلَى! قد نسيت. فَصَلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ سلم، ثمَّ كبّر فَسجدَ مثل سُجُوده، أَو أطول، ثمَّ رفع رَأسه فكبّر [ثمَّ وضع رَأسه فكبّر، فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول، ثمَّ رفع رَأسه وكبّر] " مُتَّفق عَلَيْهِ وَهَذَا لفظ البُخَارِيّ. وَفِي لفظ لَهُ فِي آخِره: " فَرُبمَا سَأَلُوهُ: ثمَّ سلم؟ فَيَقُول نبئت أَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: ثمَّ سلم "، وَفِي بعض رِوَايَات مُسلم:" صَلَاة الْعَصْر " بِغَيْر شكّ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيه: " فَأقبل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ عَلَى الْقَوْم فَقَالَ: أصدق ذُو الْيَدَيْنِ؟ فأومأوا: أَي نعم ". قَالَ أَبُو دَاوُد: (وَلم يذكر فأومأوا إِلَّا حَمَّاد بن زيد)، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد:" كبر ثمَّ كبر وَسجد " وَانْفَرَدَ بهَا حَمَّاد بن زيد أَيْضا. وَفِي لفظ لَهُ قَالَ: " وَلم يسْجد سَجْدَتي السَّهْو حَتَّى يقّنه الله ذَلِك ".
فهذه الأحاديث تتعلق بسجود السهو وأولها هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم إحدى صلاتي العشي، وصلاتي العشي هي الظهر والعصر لأن العشي يبدأ بالزوال فصلى بهم إحدى صلاتي العشي وقد جاء في المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم حصل منه أنه في هذا الحديث أنه صلى ركعتين ثم سلم وجلس في مكان في المسجد وكان هذا زمن التشريع وكانوا يعرفون أن الصلاة نقصت ولكن الزمن زمن تشريع يخشون أن يكون نزل وحي وأن الصلاة قصرت بدل ما تكون أربع صارت ثنتين ولهذا ما تكلموا ولما قام وجلس قال له ذو اليدين يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت قال:«لم أنس ولم تقصر» قال بل نسيت، يعني ما دام أنه ما حصل وحي بل نسيت ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«أصدق ذو اليدين؟» يعني سألهم فقالوا: نعم يعني صدق ذو اليدين فقام وصلى الركعتين وسلم ثم سجد سجدتي السهو بعد السلام ثم سلم بدون تشهد بعد سجدتي السهو ليس بعدهما تشهد وسيأتي أن ذكر التشهد شاذ وأنه غير محفوظ ولكن المحفوظ هو أنه لم يتشهد وإنما سجد السجدتين بعد السلام ثم سلم صلى الله عليه وسلم ولما نبهوه قام ودخل في الصلاة يعني ما كبر وإنما لأنه كأن الصلاة على ما هي عليه متصلة ومن المعلوم أن الإنسان عندما يصلي الركعة الثانية يقول الله أكبر فاعتبر هذا التكبير الذي حصل عند الانتهاء من الركعة الثانية وقام صلى الله عليه وسلم دون أن يكبر لأنه يعتبر كأنه في الصلاة وهذا يدلنا أنه إذا حصل فاصل يسير وحصل كلام لمصلحة الصلاة فإن ذلك لا يؤثر على الصلاة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم معهم وتكلموا معه وقالوا أقصرت الصلاة أم نسيت وقال: «أصدق ذو اليدين» فصار هذا الكلام وهذه الأشياء لمصلحة الصلاة أنه لا يؤثر والسجود بعد السلام حصل لكونه صلى الله عليه وسلم سلم في أثناء الصلاة وهذه زيادة وأيضا كونه حصل منه صلى الله عليه وسلم أنه سلم عن نقص فيكون سجود السهو بعد السلام لهذا ولهذا، -فربما سألوه ثم سلم؟ فقال نبئت أن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: ثم سلم- نعم لأن بعد سجود السهو لابد من التسليم.
301 -
وَعَن عمرَان بن حُصَيْن: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ صَلَّى الْعَصْر فَسلم فِي ثَلَاث رَكْعَات ثمَّ دخل منزله فَقَامَ رجل يُقَال لَهُ الْخِرْبَاق وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طول فَقَالَ: يَا رَسُول الله، فَذكر لَهُ صَنِيعه وَخرج غَضْبَان يجر رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاس فَقَالَ: أصدق هَذَا؟ قَالُوا: نعم، فَصَلى رَكْعَة ثمَّ سلم، ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن عمران بن حصين رضي الله عنه الذي فيه أنه حصل منه أن سلم من ثلاث ثم قام ودخل بيته وهذا يشبه حديث ذي اليدين لأن حديث ذي اليدين سلم من ركعتين ثم أتى بالركعتين وهذا سلم من ثلاث ثم دخل منزله فأخبر وجاء وصلى الركعة الباقية وسجد سجدتين بعد السلام ثم سلم، فإذًا حديث عمران بن حصين وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما مؤداهما واحد وشأنهما واحد وذلك أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه كان فيه نقص ركعتين وحديث عمران بن حصين رضي الله عنه فيه نقص ركعة وكل منهما فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل بقية صلاته وأنه دخل في الصلاة دون أن يكبر ثم إنه بعد ذلك سلم ثم سجد بعد السلام سجدتين في الحديثين ثم سلم دون أن يتشهد.
302 -
وَعَن أَشْعَث بن عبد الْملك، عَن ابْن سِيرِين، عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن أبي الْمُهلب، عَن عمرَان بن حُصَيْن:" أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ صَلَّى بهم فَسَهَا، فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ ثمَّ تشهد ثمَّ سلم " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، (وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَالْحَاكِم وَقَالَ ([عَلَى] شَرطهمَا). وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: (تفرد بِهَذَا الحَدِيث أَشْعَث الحمراني)، ثمَّ تكلم عَلَيْهِ وَخَطأَهُ).
ثم ذكر هذا الحديث عن عمران بن حصين رضي الله عنه وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه أنه تشهد، وذكر التشهد شاذ يعني بعد سجود السهو لأنه سجد بعد السلام ثم إنه هنا فيه زيادة تشهد ثم سلم فالتشهد هذه الزيادة منكرة هذه الزيادة شاذة والحديث بدونها يدل عليه الرواية السابقة لكن ذكر التشهد لأنه شاذ.
303 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر كم صَلَّى ثَلَاثًا أم أَرْبعا! فليطرح الشَّك، وليبن عَلَى مَا استيقن ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم فَإِن كَانَ صَلَّى خمْسا شفعن لَهُ صلَاته، وَإِن كَانَ صَلَّى إتماما لأَرْبَع كَانَتَا ترغيماً للشَّيْطَان " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من شك في صلاته فليبني على ما استيقن، يعني اليقين هو الأصغر المتحقق هو الأصغر إذا شك أنه صلى ثلاثا أو أربعا فيعتبرها ثلاث ثم يكمل الصلاة على هذا ويسجد قبل السلام وأما ما يتعلق بكونه يتحرى الصواب هذا سيأتي ولكن الشك الذي بنى على اليقين وهو العدد الأقل ثم يكمل الصلاة أو يكمل الركعات الباقية فإن هذا يكون السجود قبل السلام.
304 -
وَعَن ابْن عَبَّاس: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ سَمّى سَجْدَتي السَّهْو المرغمتين " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، (وَالْحَاكِم وَصَححهُ، وَفِي إِسْنَاده ضعف).
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما الذي فيه أنه سماها المرغمتين يعني سماهما وأطلق عليهما المرغمتين يعني السجدتين سجدتي السهو وهذا الحديث إسناده ضعيف ولكن الحديث الأول الذي قبل هذا الذي قال أنه إذا بنى على اليقين ثم سجد سجدتين فإنه إن كان صلى خمسا فإنها تكون جبرا للنقص وإن كانتا تماما فكانتا الإتيان بها إرغاما للشيطان، الحديث الأول فيه ذكر الإرغام وهنا قال سماهما المرغمتين معنى ذلك أن الحديث الأول شاهد لهذا وإن كان هذا الإسناد الذي فيه المرغمتين فيه ضعف لكن الحديث الأول يدل عليه.
305 -
وَعَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ:" صَلَّى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ إِبْرَاهِيم: زَاد أَو نقص - فَلَمَّا سلم قيل لَهُ: يَا رَسُول الله أحدث فِي الصَّلَاة شَيْء؟ قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالُوا: صليت كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَثنى رجلَيْهِ واستقبل الْقبْلَة، فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ سلم، ثمَّ أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّه لَو حدث فِي الصَّلَاة شَيْء لأنبأتكم بِهِ [وَلَكِن] إِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون. فَإِذا نسيت فذكروني، وَإِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليتحر الصَّوَاب، فليتم عَلَيْهِ، ثمَّ ليسجد سَجْدَتَيْنِ " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: " فليتم عَلَيْهِ ثمَّ يسلم ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ "، وَفِي لفظ لمُسلم:" فَإِذا زَاد الرجل أَو نقص فليسجد سَجْدَتَيْنِ ". وَله عَن عبد الله: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ سجد سَجْدَتي السَّهْو بعد السَّلَام وَالْكَلَام ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أنه إذا شك في الزيادة أو النقص فإنه يتحرى الصواب ويبني عليه، وسبق أن مر إذا كان جزم أنه متحقق النقص فإنه يسجد قبل السلام وأما إذا تحرى الصواب وغلب على ظنه أنه ثنتين أو ثلاثا واعتبرها ثلاث فإنه يسجد سجدتين بعد السلام ثم يسلم فيكون معنى هذا أن السجود بعد السلام يكون فيما إذا نقص ركعة أو ركعتين كما في الحديثين الأول والثاني ويكون أيضا فيما إذا تحرى الصواب وغلب على ظنه الزيادة فإنه يأخذ بالزيادة ويبني عليها ويكون سجوده بعد السلام وأما إذا كان بنى على اليقين وهو العدد الأقل فإن سجوده يكون قبل السلام.
306 -
وَعَن عبد الله بن بُحَيْنَة: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَامَ فِي صَلَاة الظّهْر، وَعَلِيهِ جُلُوس، فَلَمَّا أتم الصَّلَاة سجد سَجْدَتَيْنِ يكبر فِي كل سَجْدَة وَهُوَ جَالس، قبل أَن يسلم وَسجد النَّاس، مَكَان مَا نسي من الْجُلُوس " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن عبدالله بن بحينة رضي الله عنه الذي فيه ترك التشهد الأول وترك الجلوس له لأن التشهد الأول هذا واجب من واجبات الصلاة والجلوس له واجب من واجبات الصلاة فإذا نسي وقام ودخل في الركعة الثانية فإنه يستمر في صلاته ولكن يسجد سجدتين قبل السلام فتكون هذه مثل ما إذا شك وبنى على اليقين وهو الأقل فإنه يسجد قبل السلام وهذا حصل نقص في الصلاة الذي هو التشهد والجلوس له فيسجد له ويكون ذلك قبل السلام.
307 -
وَعَن ابْن مَسْعُود: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ صَلَّى الظّهْر خمْسا، فَقيل لَهُ: أَزِيد فِي الصَّلَاة؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالُوا: صليت خمْسا. فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ بعد مَا سلم " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَلم يقل مُسلم: " بعد مَا سلم ".
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه الذي فيه أنه صلى خمسا فقيل له في ذلك فسجد بعد السلام، معلوم أن هذا ما يكون فيه سجود إلا بعد السلام لأنه بعدما زاد خامسة وانتهى منها وسلم قالوا أزيد في الصلاة فبعد ذلك سجد فهذا سجود لابد أن يكون بعد السلام لأنه بعدما صلى خمسا وكان زمن التشريع ما كانوا نبهوه يخشون أنه فرضت الصلاة خمس فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبروه سجد وهذا السجود لا يمكن أن يكون إلا بعد السلام لأنه صلى خمس ركعات وسلم، إذًا هذا السجود بعد السلام هو شيء لابد منه لأنه ما عرف السهو والغلط إلا بعد السلام.
308 -
وَعَن عبد الله بن جَعْفَر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " من نسي فِي صلَاته فليسجد سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا يسلم " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن خُزَيْمَة فِي " صَحِيحه " من رِوَايَة مُصعب بن شيبَة، وَهُوَ مُتَكَلم فِيهِ. وَقد رَوَى لَهُ مُسلم، (وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ:(إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث لَا بَأْس بِهِ)).
ثم ذكر هذا الحديث عن عبدالله بن جعفر رضي الله عنه أنه قال من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم، وهذا الحديث ضعيف ولكن الصحيح الذي سبق أن مر أنه إذا شك في صلاته وتحقق النقص فإنه يسجد قبل السلام وهذا يقول بعد السلام لأنه إذا شك فهو إما يبني على اليقين ويكون السجود قبل السلام وإما أن يبني على غالب الظن فيكون السجود بعد السلام أما كونه بمجرد حصول الشك منه أنه يسجد بعد السلام فهذا يخالف الحديث الصحيح الذي سبق أن مر وهو أنه إذا تحقق أنه نقص فإنه يبني على اليقين الذي هو الأقل ويكون سجوده قبل السلام وليس بعد السلام.
باب صلاة التطوع
الدرس الحادي والثلاثون:
بعدما فرغ المؤلف رحمه الله من ذكر أبواب تتعلق بالصلاة وفرضها ذكر في هذا الباب ما يتعلق بالتطوع وهي الصلوات المستحبة التي ليست بواجبة وهي متفاوتة منها ما هو آكد من بعض ومنها ما هو دونه فأتى بالأحاديث التي تتعلق بهذا الباب
309 -
عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: " سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: أَي الصَّلَاة أفضل؟ قَالَ: طول الْقُنُوت " رَوَاهُ مُسلم: وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد، أبي دَاوُد، من رِوَايَة عبد الله بن حبشِي الْخَثْعَمِي قَالَ:" طول الْقيام ".
وذكر أولها هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الصلاة أفضل يعني أي صلوات التطوع أفضل فقال: «طول القنوت» والقنوت المقصود به القيام وقد جاء في بعض الروايات: «طول القيام» ومعنى ذلك أن الإنسان عندما يصلي النوافل لاسيما مثل قيام الليل فإنه يطيل القنوت يعني القيام وذلك لكونه يصلي ويطيل القيام ويقرأ كثيرا من الآيات والرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه هذا من قوله كما في هذا الحديث وجاء عنه من فعله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطر قدماه يعني من طول القيام، وكذلك أيضا حديث حذيفة رضي الله عنه الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأنه قرأ البقرة والنساء وآل عمران فهذا كله يدلنا على أن النوافل الإنسان له أن يخفف وله أن يطيل لكن كونه يطيل لأنه ليس هناك أحد يتأذى بالصلاة معه لكن إذا صارت الصلاة مثل صلاة التطوع تشرع لها الجماعة فإنه يراعي حال المأمومين مثل صلاة التراويح فإنه لا يطيل الإطالة التي تشق على الناس وإنما يراعي حال المأمومين فإذا كان يعرف منه أنهم يحبون التطويل وأنه ليس هناك أحد يتأذى فإنه يطيل وإذا كان بخلاف ذلك فإنه يراعي حال المأمومين.
310 -
وَعَن ربيعَة بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ قَالَ: " كنت أَبيت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ، فَأَتَيْته بوضوئه وَحَاجته فَقَالَ: سل! فَقلت: أَسأَلك مرافقتك فِي الْجنَّة، فَقَالَ: أَو غير ذَلِك؟ قلت: هُوَ ذَاك، قَالَ: فأعني عَلَى نَفسك بِكَثْرَة السُّجُود " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي رواه مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أتى بوضوئه يعني إليه وأنه قال له: «سل» قال: أسألك مرافقتك في الجنة قال: «أو غير ذلك» قال: هو ذلك قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود» المقصود من ذلك كثرة الصلوات وكثرة السجود معناه أنه يكثر من النوافل، في الأول قال طول القيام وهنا قال كثرة السجود والمقصود بالسجود يعني الركعات لأن الركعة الواحدة بقيامها وركوعها وجلوسها وسجودها يقال لها ركعة ويقال لها أيضا سجدة قال: كثرة السجود بمعنى كثرة الصلاة بمعنى أنه يأتي بركعات كثيرة وهذا كما عرفنا إذا كان الإنسان وحده فالأمر في ذلك واسع وإذا كان مع غيره فإنه يراعي مصلحة غيره سواء من ناحية إطالة القيام كما في الحديث الأول أو من ناحية كثرة الركعات كما في الحديث الثاني.
أحسن الله إليكم قوله: فأتيته بوضوئه وحاجته، مالمقصود بالحاجة؟
حاجته مثل السواك لأنه جاء في بعض الأحاديث وكذلك في السفر أنه يؤتى بالسواك والعنزة والوضوء، والعنزة أنه يغرزها لتكون سترة ويصلي إليها والسواك لأنه يستاك عند الوضوء وقد مر في الحديث:«لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء» وفي بعض الأحاديث: «عند كل صلاة» .
311 -
وَعَن ابْن عمر قَالَ: " حفظت من النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ عشر رَكْعَات: رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر، وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب فِي بَيته، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء فِي بَيته وَرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الصُّبْح، وَكَانَت سَاعَة لَا يدْخل عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِيهَا. حَدَّثتنِي حَفْصَة: أَنه كَانَ إِذا أذن الْمُؤَذّن وطلع الْفجْر صَلَّى رَكْعَتَيْنِ " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظ البُخَارِيّ، وَفِي لفظ لمُسلم، قَالَت:" كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ إِذا طلع الْفجْر لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ خفيفتين "، وَفِي رِوَايَة لَهما:" وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْجُمُعَة فِي بَيته ".
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما الذي فيه السنن الرواتب التي تتعلق بالصلاة يعني قبلها أو بعدها يعني ما يكون راتبة قبل الصلاة أو بعدها ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي ذكر فيه أن السنن الرواتب عشر ركعات وأنها ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر هذه عشر قال: حفظتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أن الركعتين اللتين قبل الفجر أن هذا لا يعرف إلا عن طريق أهل بيته ولا يدخل عليه فيها وقد روى عن أخته حفصة رضي الله عنها أنه كان يصلي ركعتين فهذا الحديث صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما فيه أن السنن الرواتب عشر لكنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على الزيادة على ذلك، وذكر في بعض الروايات:
وركعتين بعد الجمعة في بيته، وهذا معناه أنه يحصل بعد الظهر ركعتين وبعد الجمعة ركعتين.
312 -
وَعَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كَانَ لَا يدع أَرْبعا قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْغَدَاة " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
وهذا الحديث يدل على أن من السنن الرواتب أربعا قبل الظهر واثنتين قبل الفجر، واثنتين قبل الفجر جاءت فيها أحاديث كثيرة وجاءت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي مر وأما الأربع التي قبل الظهر فقد جاءت في حديث أم حبيبة رضي الله عنها الذي كان أنه اثنا عشر ركعة ومنهن أربع قبل الظهر.
313 -
وعنها قَالَت: " لم يكن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ عَلَى شَيْء من النَّوَافِل أَشد مِنْهُ تعاهدا عَلَى رَكْعَتي الْفجْر " مُتَّفق عَلَيْهِ وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ. وَلمُسلم: " رَكعَتَا الْفجْر خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ".
وهذا يدل على فضل ركعتي الفجر من ناحية أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يتعاهد أو لم يكن أشد تعاهدا بشيء من النوافل مثل ما يتعاهد ركعتا الفجر والأمر الثاني كونه قال أنها خير من الدنيا وما فيها فهذا يدل على فضل هاتين الركعتين وأنه من آكد النوافل أو آكد النوافل وقد جاء أن آكد شيء الذي ما كان يتركه النبي صلى الله عليه وسلم لا في حضر ولا في سفر ركعتا الفجر والوتر هاتان الصلاتان كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليهما ويداوم عليهما في الحضر والسفر، فإذًا هذان الحديثان يدلان على فضل ركعتي الفجر وهما الركعتان اللتين تكونان قبل صلاة الفجر يعني بعد الأذان سواء في بيته أو في المسجد هاتان الركعتان جاء ما يدل على فضلهما هذان الحديثان الحديث الذي يقول أنه لم يكن يتعاهد شيء من الرواتب مثل ركعتا الفجر والثاني أن هاتين الركعتين خير من الدنيا وما فيها خير من الدنيا كل ما فيها من متع ولذات وخيرات يتقاطع عليها الناس ويتخاصم عليها الناس ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها من المتع واللذات.
314 -
وَعَن أم حَبِيبَة قَالَت، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَقُول:" من صَلَّى اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة فِي يَوْم وَلَيْلَة بُني لَهُ بِهن بَيت فِي الْجنَّة " وَفِي رِوَايَة: " تَطَوّعا " رَوَاهُ مُسلم. (وَقد رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ)، وَالنَّسَائِيّ وَفِيه:" أَرْبعا قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء، وَرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْفجْر ". قَالَ النَّسَائِيّ: " قبل الصُّبْح " وَذكر رَكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر بدل رَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء.
ثم ذكر هذا الحديث عن أم حبيبة رضي الله عنها الذي فيه أن الرواتب اثنتا عشرة ركعة وهو مثل حديث ابن عمر رضي الله عنهما إلا أن الذي قبل الظهر بدل ما يكون اثنتين صار أربع تفصيله وتوضيحه هو مثل ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي قال عشر ركعات وهنا قال اثنتا عشرة ركعة والزيادة من عشر إلى اثنا عشر جاءت في ركعتين قبل الظهر في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ركعتان وفي حديث أم حبيبة رضي الله عنها أربع ركعات وعلى هذا فإن الإتيان بهذه الاثنا عشر والمحافظة عليها لأن هذه فيها زيادة ركعتين فيحافظ عليها وأما ما ذكر من أن عند النسائي أنه يأتي بركعتين قبل العصر بدل من ركعتين التي بعد العشاء فهذا شاذ وغير صحيح والثابت هو ركعتين بعد العشاء كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفي غيره من الأحاديث.
315 -
وَعَن أم حَبِيبَة قَالَت، قَالَ رَسُول الله:" من حَافظ عَلَى أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا حرمه الله عَلَى النَّار " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، (وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ:(حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب)).
ثم ذكر هذا الحديث عن أم حبيبة رضي الله عنه وأنه من حافظ على أربعا قبل الظهر وأربعا بعدها حرمه الله على النار وهذا يدلنا على فضل هذه الركعات أما الركعات التي قبل الظهر فهي من السنن الرواتب كما جاء في حديثها وأما التي بعد الظهر فقد جاءت في هذا الحديث الصحيح ولكنها ليست مثل التي قبل الظهر لأن الظهر جاءت أنها من اثنا عشر معدودة وأما هذه فجاء فيها الزيادة فالإنسان إذا أتى بها لاشك أنه على خير ولكن المحافظة إنما تكون على الأربع التي قبل الظهر وقوله نقل عن الترمذي أنه قال: حديث حسن صحيح غريب، يعني جمع بين الحسن وبين الصحة وبين الغرابة وذكر الغرابة إذا جاءت مع الحسن وجاءت مع الصحة فإن هذه تكون عنده حتى في الأحاديث الصحيحة المتفق عليها لأن آخر حديث في صحيح البخاري:«كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» هذا الحديث قال عنه الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، معناه أنه غريب أنه جاء من طريق واحد فليست علة ليست تعييبا له وأنه فيه علة وإنما هو حديث صحيح فأول حديث في البخاري هو حديث غريب جاء من طريق واحد وآخر حديث في البخاري جاء من طريق واحد وقد قال الترمذي على حديث: «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن
…
» لما خرجه قال: حديث حسن صحيح غريب.
316 -
وَعَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَلّي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: " كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي قبل الْعَصْر أَربع رَكْعَات يفصل بَينهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَة المقربين وَمن تَبِعَهُمْ من الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ " رَوَاهُ أَحْمد، (وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه، و " عَاصِم " وَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن الْمَدِينِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَغَيرهم، وَتكلم فِيهِ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة).
317 -
وَعَن ابْن عمر قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" رحم الله امْرأ صَلَّى أَرْبعا قبل الْعَصْر " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن خُزَيْمَة فِي " صَحِيحه " ([وَالتِّرْمِذِيّ] وَقَالَ:(حسن غَرِيب)، ووهّى أَبُو زرْعَة رُوَاته).
ثم ذكر هذين الحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يتعلقان بصلاة أربع قبل العصر وهذه من النوافل المستحبة ولكنها ليست من الرواتب التي جاءت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما وحديث أم حبيبة رضي الله عنها وإنما هذه من السنن المستحبة وقد ثبت الحديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهما حديثان فيه ذكر الأربعة قبل العصر وهذه الأربعة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذين الحديثين ولكنها ليست من السنن الرواتب لأنه ما جاء رواتب تتعلق بالعصر وإنما جاءت الرواتب تتعلق بالظهر والمغرب والعشاء والفجر.
318 -
وَعَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: " كُنَّا نصلي عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ رَكْعَتَيْنِ بعد غرُوب الشَّمْس قبل صَلَاة الْمغرب! فَقلت لَهُ: أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ صلاهما؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نصليهما فَلم يَأْمُرنَا وَلم ينهنا " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث المتعلق بصلاة المغرب قبلها لأن بعدها من السنن الرواتب ركعتان وأما قبلها فليس فيه راتبة وقد جاء في هذا الحديث ما يدل على مشروعية أو استحباب صلاة قبل المغرب وأن ذلك مستحب ولكنه ليس من الرواتب ولما سئل هل فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه كان يرانا فلم يأمرنا ولم ينهنا ومعنى ذلك أنه إقرار أقرهم على ذلك وسيأتي في الحديث الذي بعد هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا قبل المغرب لمن شاء» هذا من قوله أنه يصلى قبل المغرب ولكنها ليست من الرواتب لأن التي من الرواتب تكون بعدها وأما ما كان قبلها فقد جاء من إقراره ومن قوله جاء ذكر التنفل قبل المغرب من إقراره لأنهم كانوا يفعلونه وهو يقرهم على ذلك والسنة تؤخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وتقريرا فهذه جاءت السنة من قوله وتقريره.
319 -
وَعَن عبد الله بن مُغفل الْمُزنِيّ، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ:" صلوا قبل صَلَاة الْمغرب، قَالَ فِي الثَّالِثَة: لمن شَاءَ كَرَاهِيَة أَن يتخذها النَّاس سنة " رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَابْن حبَان، وَزَاد " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ صَلَّى قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه من قوله صلى الله عليه وسلم وجاء في بعض الروايات أنه صلى قبل المغرب ركعتين ولكن هذه كما هو معلوم من السنن المستحبة وليست من السنن الراتبة.
320 -
وَعَن زُرَارَة بن أبي أَوْفَى: " أَن عَائِشَة سُئِلت عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فِي جَوف اللَّيْل؟ فَقَالَت: كَانَ يُصَلِّي الْعشَاء فِي جمَاعَة، ثمَّ يرجع إِلَى أَهله فيركع أَربع رَكْعَات، ثمَّ يأوي إِلَى فرَاشه وينام " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، (وَفِي سَماع " زُرَارَة " عَن " عَائِشَة " نظر).
ثم ذكر هذا الحديث الذي يتعلق بصلاة أربع بعد صلاة العشاء وهذا الحديث متكلم فيه من ناحية أن زرارة بن أوفى لم يسمع من عائشة رضي الله عنها ومعناه أنه فيه انقطاع فإذًا ما ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يصلي أربعا بعد العشاء وإنما الذي ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وحديث ميمونة رضي الله عنها أن السنة الراتبة بعد العشاء ركعتان وليست أربع وما جاء في هذا الحديث من أنه يصلي أربعا ثم ينام هذا غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الذي ثبت عنه أنه كان يصلي من الليل من أوله ووسطه وآخره وأما كونه يفعل أنه إذا صلى العشاء دخل بيته وصلى أربع ركعات ثم نام ثم بعد ذلك إذا قام صلى صلاته من الليل هذا الحديث الذي ورد من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه زرارة بن أوفى أنه غير صحيح.
321 -
وعنها قَالَت: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُخَفف الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبل صَلَاة الصُّبْح حَتَّى إِنِّي أَقُول: هَل قَرَأَ بِأم الْكتاب أم لَا " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث في صفة ركعتي الفجر وأنها تكون خفيفة وأنها من أخف السنن وأخف التطوع لأن عائشة رضي الله عنها قالت كان يخففهما حتى تقول في نفسها هل قرأ بأم الكتاب لخفتها ومعلوم أن قراءة الفاتحة لابد منها والرسول صلى الله عليه وسلم لابد أن يقرأ بفاتحة الكتاب بل جاء في بعض الروايات أنه يقرأ بعدها سورتين: (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) وجاء أيضا أنه يقرأ في آيتين إحداهما في سورة البقرة والثانية في سورة آل عمران كما سيأتي.
322 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَرَأَ فِي رَكْعَتي الْفجْر: {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و {قل هُوَ الله أحد} ".
323 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَي الْفَجْرِ فِي الأُولَى مِنْهُمَا {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة:136] الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْهُمَا {آمَنَّا بِاللَّهِ واشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:52] رَوَاهُمَا مُسلمٌ
ثم ذكر ما يقرأ في ركعتي الفجر اللتين قبل الصلاة وأنه جاء قراءة (قل يا أيها الكافرون) في الركعة الأولى و (قل هو الله أحد) في الركعة الثانية وجاء أيضا قراءة آية في سورة البقرة: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) في الركعة الأولى والآية الثانية في سورة آل عمران: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) جاء قراءة آية في الركعة الأولى من سورة البقرة وآية في الركعة الثانية من سورة آل عمران، وآية:(آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون) جاءت في آخر قول الله عز وجل: (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله) هذا القطعة من الآية التي ذكرها تتعلق بالآية لكنه جاء في الآية الثانية التي ذكر أولها فيكون المقصود من ذلك أنها آية: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) فهي مماثلة لسورة البقرة وأما الآية التي في سورة آل عمران: (فلما أحس عيسى منهم الكفر) فهذه ليست مماثلة لها وعلى هذا جاء في صحيح مسلم ذكر أول الآية وهي: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) فيكون المقصود من ذلك هذه الآية وليس المقصود: (فلما أحس عيسى منهم الكفر)
324 -
وَعَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ إِذا صَلَّى رَكْعَتي الْفجْر اضْطجع عَلَى شقَّه الْأَيْمن " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
325 -
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذا صَلَّى أَحَدُكُم الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ؛ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمنِ)). رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ -وَقَالَ: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ)) -، وَقَدْ تكَلَّمَ أَحْمدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيرُهمَا فِي هَذَا الحَدِيثِ، وصَحَّحُوا فِعْلَهُ الإضْطِجَاعَ لَا أَمْرَهُ بِهِ.
ثم ذكر هذين الحديثين فيما يتعلق بالاضطجاع وأنه ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم وذلك في بيته وأنه إذا صلى ركعتي الفجر في بيته اضطجع على شقه الأيمن ومعلوم أن هذا ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء في الحديث قال: «تنام عيناي ولا ينام قلبي» معناه أنه لا يحصل له حدث أو يحصل له شيء كغيره لأن غيره إذا نام وفقد إحساسه فإنه قد يخرج منه الريح التي ينتقض وضوءه وأما هو صلى الله عليه وسلم فهو تنام عيناه ولا ينام قلبه بخلاف الناس تنام عيونهم وقلوبهم فالرسول صلى الله عليه وسلم هذا من خصائصه والحديث ثبت وأما ما يتعلق بالأمر فهذا فيه خلاف منهم من صحح الحديث ومنهم من لم يصححه ومعلوم أن حصول النوم منهم قد يحصل نقص الوضوء لأنهم ليسوا كالرسول صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه وإنما هم تنام عيونهم وقلوبهم فيكون إذا حصل منه النوم قد يكون حصل منه الناقض ولهذا جاء من نواقض الوضوء النوم قال: «العين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء» الحاصل أنه من فعله ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما من القول فقد اختلف العلماء فيه ومعلوم أن هناك فرق بين ما جاء من فعله وما جاء من قوله وأن فعله هذا لا إشكال فيه وأما قوله الذي فيه أنهم ينامون فهذا من العلماء من صححه ومنهم من ضعفه ومعلوم أن هناك فرق بين نوم الرسول صلى الله عليه وسلم ونوم غيره.
الدرس الثاني والثلاثون:
326 -
وَعَن ابْن عمر أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ عَن صَلَاة اللَّيْل؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: " صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى، فَإِذا خشِي أحدكُم الصُّبْح صَلَّى رَكْعَة وَاحِدَة توتر لَهُ مَا قد صَلَّى " مُتَّفق عَلَيْهِ.
فهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل وقيام الليل من التطوع والباب هو باب التطوع والمقصود من ذلك أن صلاة الليل أنها من التطوع بل هي آكد التطوع وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن صلاة الليل فقال: «مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى» ، «صلاة الليل مثنى مثنى» يعني معناه أنه يأتي بها ركعتين ركعتين ما يجمعها يكون أربع وإنما يأتي بها ركعتين ركعتين، «فإذا خشي الصبح أتى بركعة توتر ما مضى» يعني يكون ما مضى وترا وهذا يدل على أنه لا يلزم التقيد بثلاثة عشر ركعة أو بإحدى عشرة ركعة لأنه لا يلزم التقيد بها لأن قوله صلى الله عليه وسلم:«صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح» يدل على أن الإنسان يصلي ما شاء من الليل ولكنه يختم بوتر إذا خشي طلوع الفجر فإنه يأتي بركعة تضاف إلى الركعات الكثيرة التي سبقت اثنتين اثنتين وتكون آخر صلاته بالليل ركعة واحدة تكون وترا وكما قلت أن هذا يدل على أن كون الإنسان لا يزيد على أحد عشر أو لا يزيد على ثلاثة عشر أن هذا الحديث يدل على جوازه وأنه لا بأس به لأنه قال: «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليأت بركعة توتر ما مضى» .
327 -
وَعنهُ رضي الله عنه، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ:" صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن حبَان، (وَصَححهُ البُخَارِيّ وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ وَغَيره عَنهُ:(إِسْنَاده جيد). وَقَالَ النَّسَائِيّ: (وَهَذَا الحَدِيث عِنْدِي خطأ). وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: (اخْتلف أَصْحَاب شُعْبَة فِي حَدِيث ابْن عمر فرفعه بَعضهم وَوَقفه بَعضهم)، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ:(الصَّحِيح ذكر صَلَاة اللَّيْل دون ذكر النَّهَار)).
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا وفيه ذكر النهار مع ذكر الليل لأن الحديث الأول يتعلق بصلاة الليل وهنا بصلاة الليل والنهار فقال صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» فهذا يدلنا على أن الإنسان عندما يتطوع في الليل والنهار فإنه يصلي ركعتين ركعتين كلما أراد أن يزيد يزيد ولكنها ركعتين ركعتين فيدل على أن الإنسان إذا تطوع سواء في الليل والنهار فإنه يأتي بها ركعتين ركعتين فهذا ليس خاصا بصلاة الليل وإنما هو لصلاة الليل وصلاة النهار أيضا.
328 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" أفضل الصّيام بعد رَمَضَان شهر الله الْمحرم، وَأفضل الصَّلَاة بعد الْفَرِيضَة صَلَاة اللَّيْل " رَوَاهُ مُسلم، (وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة شُعْبَة مُرْسلا).
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل» فهذا يدلنا على أن قيام الليل أفضل التطوع وأن أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم، جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان فضل صيام شهر الله المحرم وأنه خير الصيام بعد رمضان وأيضا في فضل صلاة وأنها صلاة الليل وأنها أفضل الصلوات وذلك لأن فيها مناجات الله وفيها الإسرار وعدم ظهور العبادة للناس لأنها قد تكون والناس نيام.
329 -
وَعَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أَنه قَالَ: " لأرمقن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ اللَّيْلَة، فَصَلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين، ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طويلتين، طويلتين، طويلتين، ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وهما دون الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبلهمَا، ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وهما دون اللَّتَيْنِ قبلهمَا، ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وهما دون اللَّتَيْنِ قبلهمَا، ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وهما دون اللَّتَيْنِ قبلهمَا، ثمَّ أوتر. فَذَلِك ثَلَاث عشرَة رَكْعَة " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه وهو يتعلق بصلاة الليل وأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلها وهي ثلاث عشرة ركعة يعني ركعتين ركعتين وكل ركعتين أخف من التي قبلها وختم بواحدة فتكون ثلاث عشرة ركعة وهذا أعلى ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله وأقل ما ثبت من فعله سبع ركعات لكن الغالب والكثير أنه يصلي إحدى عشرة ركعة فإذًا هذا الحديث يدل على أنه ثبت من فعله ثلاث عشرة ركعة وثبت من فعله أيضا إحدى عشر ركعة وثبت أقل شيء من فعله صلى الله عليه وسلم أنه سبع ركعات، وهذا الحديث الذي فيه ثلاثة عشر ركعة أيضا ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما بات عند خالته ميمونة رضي الله عنها وأنه صلى ثنتين ثنتين ثنتين يعني ست مرات وأتى بركعة فكان المجموع ثلاثة عشر فيكون هذا الحديث الذي معنا فيه ثلاثة عشر ركعة من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وحديث ابن عباس رضي الله عنهما مثله الذي بات عند خالته ميمونة رضي الله عنها وأنه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة الليل وأنها ثلاث عشرة ركعة ركعتين ركعتين ركعتين وختم بركعة واحدة وهو أعلى شيء ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم.
330 -
وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِذا قَامَ من اللَّيْل يتهجد قَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد، أَنْت قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ، وَلَك الْحَمد، لَك ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ، وَلَك الْحَمد أَنْت نور السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَلَك الْحَمد، أَنْت ملك السَّمَوَات وَلَك الْحَمد أَنْت الْحق، وَوَعدك الْحق ولقاؤك حق، وقولك حق، وَالْجنَّة حق، وَالنَّار حق، والنبيون حق، وَمُحَمّد حق، والساعة حق. اللَّهُمَّ لَك أسلمت وَبِك آمَنت، وَعَلَيْك توكلت، وَإِلَيْك أنبت وَبِك خَاصَمت، وَإِلَيْك حاكمت، فَاغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا أسررت وَمَا أعلنت، أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَلَا إِلَه غَيْرك. قَالَ سُفْيَان: وَزَاد عبد الْكَرِيم أَبُو أُميَّة: وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَلَفظه للْبُخَارِيّ. وَفِي لفظ لَهما: " أَنْت رب السَّمَوَات وَالْأَرْض " بدل " لَك ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض "، وَفِي آخِره:" وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه " وَعند ابْن مَاجَه: " وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه استفتاح صلاة الليل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان يستفتحها بهذا الذكر وهذا الدعاء الطويل وذلك أن صلاة الليل تطول فيها القراءة يعني الإنسان يصلي لنفسه وحده ويطول القراءة فيأتي باستفتاح طويل وهذا الاستفتاح مشتمل على ثناء على الله عز وجل وعلى تمجيد له سبحانه وتعالى وبعد ذلك فيه الدعاء وهو متفق مع ما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما سمع رجلا يدعوا قال: «عجل هذا» لم يحمد الله ولم يمجده ولم يصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم قال: «عجل هذا» فهذا يدل على أن صلاة الليل تستفتح بهذا الدعاء الطويل أو بهذا الاستفتاح الطويل وهو مشتمل على تمجيد الله والثناء عليه وعلى الدعاء الذي يكون بعد ذلك وعلى هذا فإن هذا الاستفتاح لصلاة الليل لأن صلاة الليل الأصل فيها أن الإنسان يطول وقد جاء في الحديث أن حذيفة رضي الله عنه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه صلى بركعة واحدة البقرة والنساء وآل عمران فناسب أن يكون الاستفتاح الذي تستفتح فيه صلاة الليل والتي تطال فيها القراءة أنه يستفتح بدعاء طويل وهو هذا الدعاء الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين.
331 -
وَعَن أم سَلمَة: " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ اسْتَيْقَظَ لَيْلَة فَقَالَ: سُبْحَانَ الله مَاذَا أنزل اللَّيْلَة من الْفِتْنَة؟ مَاذَا أنزل من الخزائن! من يوقظ صَوَاحِب الحجرات يَا رب كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية فِي الْآخِرَة " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان عندها لأن الذي قال من يوقظ صواحب الحجر أنه كان عندها لأنه قال استيقظ معناه أنه كان عند أم سلمة رضي الله عنها فقال: «سبحان الله» وهذه يؤتى بها للتعجب، «ماذا أنزل الليلة من الفتنة ماذا أنزل من الخزائن» يعني ما أنزل من الخير وما أنزل من الفتن، «من يوقظ صواحب الحجرات» يعني زوجاته لأنهن أقرب الناس إليه
ولأن الحجرات بجواره لأنه كان عند أم سلمة رضي الله عنها وأراد أنهن يقمن ويصلين صلاة الليل ويحصلن هذا الخير الذي جعله الله عز وجل والخزائن التي فتحت لمن يعمل الأعمال الصالحة التي تقربه إلى الله عز وجل، «من يوقظ صواحب الحجرات» ليصلين ويطلبن الخير من الله عز وجل والمقصود من ذلك هو الصلاة ولهذا أتى بها في صلاة الليل وفي صلاة التطوع ثم قال:«رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» فسر بأنها كاسية من نعم الله عز وجل عارية من شكرها وأنها كاسية يعني لابسة لباس ولكنه شفاف يرى ما وراءه وهذا شيء مذموم وأن الإنسان عليه أن يحرص على أن يكون مستقيما على طاعة الله ويرجوا ثواب الله عز وجل وأن تكون النساء يستترن وكذلك الرجال لا تظهر شيء من عوراتهم حتى من ناحية الشفاف الذي قد يرى ما وراءه فإنه ليس للإنسان رجل أو امرأة أن يفعل هذا الفعل الذي قد يكشف ما وراءه.
332 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ، قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" يَا عبد الله لَا تكن مثل فلَان! كَانَ يقوم من اللَّيْل فَترك قيام اللَّيْل " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لا تكن مثل فلان، وهنا لم يسم وفيه الإشارة إلى أن الإنسان يحرص على أن يكون يأتي بالفرائض ويأتي بالنوافل التي يتقرب بها إلى الله عز وجل وأن يقتدي بالأخيار وأن يفعل فعل الأخيار ولا يفعل فعل الذين حصل منهم التقصير فيقتدي بأهل الإقدام والخير ولا يقتدي بالذين عندهم كسل وخمول.
333 -
وَعَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" يَا أهل الْقُرْآن! أوتروا، فَإِن الله وتر يحب الْوتر " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن ماجة، وَابْن خُزَيْمَة فِي " صَحِيحه "، (وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ:(حَدِيث حسن غَرِيب) و " عَاصِم " مُخْتَلف فِيهِ، وَلَقَد أبعد من قوى هَذَا، والمتروك وَالْمُتَّهَم).
ثم ذكر هذا الحديث الذي يتعلق بالوتر وأن الوتر يؤتى به بل هو آكد السنن لأن آكد السنن شيئان ركعتا الفجر والوتر هذان ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتركهما لا في حضر ولا في سفر وهنا قال: أوتروا يا أهل القرآن، والوتر مطلوب من أهل القرآن وغير القرآن لكن أهل القرآن أولى لأنهم المشتغلون بالقراءة فإذا صلوا بالليل وقرؤوا ما أمكنهم من القرآن وكذلك يطيلون فيها فإنهم يأتون بالوتر في آخرها وأن صلاة الليل تختم بوتر وأن الإنسان لا يترك الوتر لأنه مما داوم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في حضره وفي سفره مع ركعتي الفجر لأنهما آكد النوافل قال:«أوتروا يا أهل القرآن فإن الله وتر يحب الوتر» .
334 -
وَعَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ:" إِن الله قد زادكم صَلَاة وَهِي الْوتر " رَوَاهُ أَحْمد و " حجاج " غير مُحْتَج بِهِ، وَلم يسمعهُ من عَمْرو.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه تخصيص صلاة الوتر وأن الله زادهم إلى صلواتهم المستحبة والمشروعة والتي يأتون بها تقربا إلى الله عز وجل زادهم الوتر وهذا يدل على تأكده وعلى أن الإنسان يحرص عليه.
335 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِن الله عز وجل زادكم صَلَاة إِلَى صَلَاتكُمْ هِيَ خير لكم من حمر النعم، [أَلا] وَهِي الركعتان قبل صَلَاة الْفجْر "(رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح).
ثم ذكر هذا الحديث ويتعلق بركعتي الفجر لأن الحديث الأول في الوتر وهذا يتعلق بركعتي الفجر وهما آكد النوافل هذه وهذه وقد سبق أن مر أن ركعتي الفجر قال فيهما أنهما خير من الدنيا وما فيها فهذه الأحاديث كلها تدل على فضل هاتين الركعتين، قوله:«هي خير من الدنيا وما فيها» وقوله: «زادكم صلاة» التي هي ركعتا الفجر فإذًا جاء النص على آكد النوافل وهي الوتر وركعتا الفجر وجاءت الأحاديث في تأكدها وتميزها على غيرها.
336 -
وَعَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " اجعلوا آخر صَلَاتكُمْ بِاللَّيْلِ وترا " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا» يعني معناه أن صلاة الليل يؤتى بها وتختم بالوتر مثل الحديث الأول الذي مر بنا: «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى» وهنا قال: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا» يعني معناه أن الإنسان يختم صلاة الليل بالوتر لكنه لو صلى الليل وأوتر في آخره ونام ثم استيقظ فله أن يصلي ما شاء لكن لا يوتر مره ثانية لأنه لا وتران في ليلة إذا أوتر في أول الليل وقام وأراد أن يصلي، يصلي ما شاء لكنه لا يوتر مرة ثانية لأن الوتر لا يتكرر في الليلة وإنما يؤتى به مرة واحدة.
الدرس الثالث والثلاثون:
337 -
وَعَن أبي سَلمَة قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ؟ فَقَالَت: " كَانَ يُصَلِّي ثَلَاث عشرَة رَكْعَة: يُصَلِّي ثَمَان رَكْعَات ثمَّ يُوتر ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالس، فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع قَامَ فَرَكَعَ، ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَين النداء وَالْإِقَامَة من صَلَاة الصُّبْح " رَوَاهُ مُسلم.
فهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها في بيان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وأنه كان يصلي ثلاث عشرة ركعة وهذا أعلى شيء جاء عنه صلى الله عليه وسلم لأن الذي جاء عنه أنه فعله ثلاث عشرة ركعة وإحدى عشرة ركعة وتسع ركعات وسبع ركعات فالسبع هي أقل شيء ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم والثلاث عشرة هي أكثر
شيء ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم ثم إنه بعدما ذكر ثلاث عشرة ركعة قال إنه بعد ذلك صلى ركعتين يصليهما جالسا وإذا أراد أن يركع قام ثم بعد ذلك ركعتي الفجر ومعلوم أن ركعتي الفجر لا علاقة لها بصلاة الليل وإنما هي من صلاة النهار لأنها تابعة لصلاة الفجر وهي لا تكون إلا بعد طلوع الفجر ودخول النهار الذي يحصل عنده الإمساك للصائم فيكون معنى ذلك أن ذكره الصلاة على هذا الاعتبار أنها لا علاقة لها بصلاة الليل وإنما صلاة الليل هي الثلاث عشرة ركعة ثم الركعتين اللتين بعدها ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا» وأنه يوتر في آخر صلاته لكنه فعل هذا في بعض الأحيان للجواز وبيان أن الإنسان إذا صلى صلاة الليل وأوتر فإنه يجوز له أن يصلي بعدها ولكن هذا ليس العادة المستمرة وإنما فعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز وإلا فإن العادة المستمرة أو الغالب من فعله أن الوتر هو آخر شيء ولكنه فعل هذا في بعض الأحيان للجواز وليس هذا باستمرار ودائم وأما قولها: (كان) في أول الحديث الذي قد يفهم منه أن هذا عادته وأن هذه طريقته فمعلوم أن (كان) أحيانا تأتي ويراد بها الاستمرار وأحيانا تأتي ويراد بها المرة الواحدة كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت، فقولها: ولحله قبل أن يطوف بالبيت، معلوم أنه صلى الله عليه وسلم ما حج إلا مرة واحدة حجة الوداع فإًذا قولها ولإحرامه معناه أنه حصل منه لمرة واحدة وهو كونه صلى الله عليه وسلم عائشة طيبته بعدما رمى الجمرة وحلق رأسه ولَم يبقى عليه إلا طواف الإفاضة فإنها طيبته لحله بعد أن رمى وحلق طيبته قبل طوافه بالبيت ومعنى ذلك أنه أطلق كان على المرة الواحدة فعلى هذا لا يقال إن هذا من ديدنه وأنه كان يصلي بعد الوتر هاتين الركعتين اللتين وصفتهما عائشة رضي الله عنها وأنه كان جالسا وأنه إذا أراد أن يركع قام فهذا يدلنا على أن هذا ليس من عادته وإنما يفعله في بعض الأحيان لبيان الجواز وهو كونه يجوز أن يصلى بعد الوتر ويجوز أن يصلي الإنسان قاعدا.
338 -
وَعَن مَسْرُوق قَالَ: " سَأَلت عَائِشَة عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ بِاللَّيْلِ؟ فَقَالَت: سبع، وتسع، وَإِحْدَى عشرَة، سُوَى رَكْعَتي الْفجْر " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى سبعا وصلى تسعا وصلى إحدى عشرة وأيضا جاء صلى ثلاث عشرة فإذًا أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في الليل منحصرة في أربع أشياء كان يصلي سبعا أحيانا وأحيانا يصلي تسعا وأحيانا يصلي أحد عشر وهذا هو الكثير وأحيان يصلي ثلاث عشرة فإذًا هذه أفعاله صلى الله عليه وسلم سبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة.
339 -
وَعَن طلق بن عَلّي قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يَقُول: " لَا وتران فِي لَيْلَة " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن حبَان، (وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ:(حَدِيث حسن غَرِيب)).
ثم ذكر هذا الحديث: «لا وتران في ليلة» يعني الوتر مرة واحدة ولكنه إذا أوتر ثم أراد أن يصلي، يصلي ولكن لا يوتر مرة ثانية مثل ما حصل في الحديث الأول الذي قبل هذا أنه صلى ثلاث عشرة ثم صلى ركعتين وهو جالس ما أوتر بعدها فالوتر إنما يكون مرة واحدة وإذا صلى الإنسان الوتر في أول الليل وقام وأراد أن يصلي، يصلي ما شاء لكنه لا يختم صلاته الأخيرة هذه بوتر لأنه لا وتران في ليلة، الليلة الواحدة فيها وتر واحد وليس فيها وتران.
340 -
وَعَن أبي بن كَعْب قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُوتر ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}، و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و {قل هُوَ الله أحد} " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن ماجة، وَالنَّسَائِيّ وَزَاد:" وَلَا يسلم إِلَّا فِي آخرهَا ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم في الركعات الثلاث الأخيرة التي كان يختم بها صلاته في الليل وأن الغالب عليه كان يصلي إحدى عشر فكان يصلي ثمان ثنتين ثنتين ثنتين ثم يأتي بعد ذلك ويصلي ثلاث وهذه الثلاث يجوز أن يجعلها بتسليمتين بأن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يصلي ركعة ثم يسلم ويجوز أن يجعلها كلها في تسليمة واحدة بأن يسردها سردا ثم يأتي كما جاء في هذا الحديث أنه كان الثلاث ركعات الأخيرة التي بعد الثمان كان صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بـ (سبح اسم ربك الأعلى) في الركعة الأولى وفي الثانية بـ (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة بـ (قل هو الله أحد) وأحيانا وهو الغالب كان يأتي بها مفصلة بأن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم ركعة ويسلم وهذا هو الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون بسلام واحد كما جاء في هذا الحديث أنه لا يجلس إلا في آخرها لكن الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم أنه لا يجمع الثلاث مع بعض وإنما يفعله في بعض الأحيان وأما ركعتين ثم يسلم ثم ركعة ويسلم هذا هو الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم الذي جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مبيته عند خالته ميمونة رضي الله عنها ليعرف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيه أنه صلى ثلاث عشرة ركعة ركعتين ست مرات ثم يأتي بركعة واحدة التي هي يختم بها صلاته من الليل فتكون وترا له صلى الله عليه وسلم.
341 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي من اللَّيْل ثَلَاث عشرَة رَكْعَة يُوتر من ذَلِك بِخمْس، لَا يجلس فِي شَيْء إِلَّا فِي آخرهَا " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة وهذا ليس الغالب على فعله، الغالب على فعله إحدى عشر كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يعني غالبا وإلا فإنه قد جاء عنه أنه صلى ثلاث عشرة ركعة كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما وكما جاء في هذا الحديث وذكر في هذا الحديث أنه يصلي ثمانيا ثنتين ثنتين في أربع تسليمات ثم يأتي بخمس لا يجلس إلا في آخرها فإذًا إذا صلى ثمانيا يمكن أن يصلي بعدها ثلاثا ولا يجلس إلا في آخرها ويمكن أن يصلي أيضا خمسا لا يجلس إلا في آخرها معناه إذا كان صلى ثلاثة عشر يصلي ثمان ثم يأتي بالخمس التي هي الوتر مسرودة أو أنه إذا صلى ثمانيا يصلي ثلاثا مسرودة وهي وتره صلى الله عليه وسلم-
342 -
وعنها قَالَت: " من كل اللَّيْل قد أوتر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ من أول اللَّيْل وأوسطه وَآخره فَانْتَهَى وتره إِلَى السحر " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ لمُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بفعله صلى وتره وصلاته من الليل جعلها في أول الليل وجعلها في وسط الليل وجعلها في آخر الليل كل ذلك فعله صلى الله عليه وسلم وهو يدل على الجواز وانتهى وتره إلى السحر يعني معناه أن هذا الذي كان الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم أن وتره كان يكون في آخر الليل فيكون معنى ذلك أن الإنسان له أن يصلي صلاة الليل وآخرها الوتر في أول الليل وكذلك في وسطه وكذلك في آخره ويمكن أن يصلي بعضها في أول الليل وبعضها في آخر الليل لكن تكون آخر صلاته بالليل وترا وهذا في الغالب وإلا فإنه قد جاء ما يدل على أنه يصلي بعد الوتر ركعتين كما في الحديث الأول الذي مر بنا.
343 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ:" أوتروا قبل أَن تصبحوا " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث: «أوتروا قبل أن تصبحوا» معناه أن الوتر محله الليل وأنه ينتهي وقته في الصباح إذا دخل وقت الفجر انتهى وقت الوتر فالإنسان يأتي بوتره قبل أن يصبح وقبل أن يأتي وقت صلاة الفجر قبل أن يؤذن للفجر لأن هذه صلاة الليل ولكنه إذا حصل أنه ما تمكن من الإيتار قبل أن يطلع الفجر وطلع عليه الفجر ولم يوتر فإنه يصلي من الضحى اثنتي عشرة ركعة لأنه صلى الله عليه وسلم عادته إحدى عشر فكان يقضيها ولكن يضيف إليها ركعة حتى لا يكون وترا في النهار لأن النهار ليس فيه وتر وإنما الوتر هو في الليل ووتر النهار إنما هو صلاة المغرب لأنها تكون في آخر النهار فإذًا الوتر إنما يكون قبل طلوع الفجر وإذا طلع الفجر فات وقت الوتر ولكنه يقضيه قضاء ويضيف إليه ركعة في الضحى لأنه كان من عادته أنه يصلي أحد عشر فإذا لم يتمكن فإنه يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة كما جاء ذلك في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى ذلك أن الإنسان إذا كان عادته أنه يصلي ثلاث وفاته الوتر فإنه يصلي في الضحى أربع وإذا كان من عادته أنه يصلي خمس فإنه يصلي ست في الضحى وإذا كان من عادته يصلي سبع يصلي ثمان في الضحى وهكذا.
344 -
وَرَوَى عَن جَابر بن عبد الله قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" من خَافَ أَن لَا يقوم من آخر اللَّيْل فليوتر أَوله، وَمن طمع أَن يقوم آخِره فليوتر آخِره، فَإِن صَلَاة آخر اللَّيْل مَشْهُودَة. وَذَلِكَ أفضل ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه الترغيب بأن يكون الوتر في آخر الليل ولكنه له أن يفعل ذلك في أول الليل وله أن يفعله في آخر الليل ولكن من غلب على ظنه أنه يقوم فإنه يؤخر وأما إذا كان يغلب على ظنه أنه لا يقوم ويصلي صلاته في آخر الليل فإنه يوتر آخر الليل -لعل قصد الشيخ يوتر أول الليل- وهذا هو الذي أوصى به صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله عنه كما سيأتي.
345 -
وَعَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِذا طلع الْفجْر فقد ذهب كل صَلَاة اللَّيْل وَالْوتر، فأوتروا قبل طُلُوع الْفجْر " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: (سُلَيْمَان بن مُوسَى تفرد بِهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظ)، وَلم نر أحدا من الْمُتَقَدِّمين تكلم فِيهِ، (وَهُوَ ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث، وَقَالَ البُخَارِيّ: (عِنْده مَنَاكِير)، وَقَالَ النَّسَائِيّ:(لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث)، وَقَالَ ابْن عدي:(هُوَ عِنْدِي ثَبت صَدُوق)).
ثم ذكر هذا الحديث الذي قال إذا طلع الفجر فقد ذهب وقت صلاة الليل والوتر لأن صلاة الليل والوتر إنما هي بالليل وإذا طلع الفجر دخل النهار فذهب وقتها أداء لكن كونها تقضى فقد ثبت في صحيح مسلم كما أشرت إليه أنه إذا كان شغله شيء عن صلاته بالليل فإنه صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة لأنه كان يصلي إحدى عشرة فيضيف إليها ركعة وعلى هذا فإنه إذا طلع الفجر ذهب وقت صلاة الليل والوتر أداء ولكن قضاؤها ثابت في السنة كما في صحيح مسلم أنه يصلي من النهار اثنتا عشرة ركعة.
346 -
وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ نَامَ عَنِ الوِتْرِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّ إِذا أَصْبَحَ أَوْ ذَكَرَ)) رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ ماجه وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقد ضَعَّفَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَرُوِيَ مُرْسلاً. وَإسْنَادُ أَبي دَاوُد لَا بَأْسَ بِهِ
شرح الحديث:
وهذا الحديث يدل على ما جاء فيه الحديث الذي في صحيح مسلم والذي أشرنا إليه وأنه إذا شغل عن صلاته من الليل فإنه يصلي من النهار ثنتي عشرة ركعة ومعنى ذلك أنه يذهب وقت الأداء أما وقت القضاء فإنه قد جاء في صحيح مسلم ما يدل عليه وهو أنه كان يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة، إحدى عشرة التي كان يصليها من الليل ويضيف إليها ركعة حتى لا يكون وترا بالنهار.
347 -
وَقد رَوَى ابْنُ حِبَّان مِنْ حَدِيثِ أَبي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَلَمْ يُوتِرْ، فَلَا وِتْرَ لَهُ)).
ثم ذكر هذا الحديث: «من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له» يعني لا وتر له أداء من أدرك الصبح يعني جاء الصبح وطلع الفجر وهو لم يوتر فلا وتر له يعني لا وتر له أداء ما يروح يصلي الوتر بعد طلوع الفجر وإنما يمكن أن يقضيه في الضحى بحيث يضيف إليه ركعة إذا كان يصلي ثلاثا يصلي أربعا تسليمتين وإذا كان يصلي خمسا يصلي ستا بثلاث تسليمات وهكذا.
الدرس الرابع والثلاثون:
348 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: " أَوْصَانِي خليلي بِثَلَاث لَا أدعهن حَتَّى أَمُوت: صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وَصَلَاة الضُّحَى، ونوم عَلَى وتر " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَلَفظه للْبُخَارِيّ، وَرَوَى مُسلم نَحوه من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء، وَأحمد وَالنَّسَائِيّ نَحوه من حَدِيث أبي ذَر.
فهذه الأحاديث التي أولها هذا الحديث عند ابن عبدالهادي رحمه الله في المحرر تشتمل على صلاة الضحى وعلى مشروعية صلاة الضحى وهي من صلوات التطوع وذكر أولها هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن ما حييت صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد وهذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه جاء أيضا عن أبي الدرداء رضي الله عنه عند مسلم وجاء عند أبي ذر رضي الله عنه عند غيره وهو حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه هذه الأعمال الثلاثة التي هي مما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وأبا الدرداء وأبا ذر رضي الله عنهم وهؤلاء الذين رووا هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهروا بكناهم أكثر من أسمائهم وقوله رضي الله عنه: أوصاني خليلي، عبر هنا بخليلي والخلة نهاية المحبة ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا» يعني أن الله اتخذه خليلا ولو كان متخذا خليلا من أمته لاتخذ أبا بكر رضي الله عنه خليلا ومعنى ذلك أنه نفى الخلة أن تكون حصلت منه لغير الله عز وجل وهذا الحديث يقول فيه أبا هريرة رضي الله عنه خليلي ومعلوم أن هذا إنما هو من جانب أبي هريرة هذا لا يعارض الحديث الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم خليل الرحمن لا يعارضه لأن قول أبا هريرة رضي الله عنه: خليلي، يريد أن محبته شديدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تنافي بينه وبين الحديث الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان متخذا خليلا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما اتخذ أبا هريرة رضي الله عنه خليلا وإنما أبو هريرة رضي الله عنه هو الذي اعتبره خليلا له ولهذا قال خليلي يعني الذي بلغت محبته في قلبي شيئا عظيما وقع في قلبه من محبته للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر هذه الثلاثة قال: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وذلك أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر كما جاء في بعض الأحاديث يعني أن اليوم بعشرة أيام فإذا صام من كل شهر ثلاثة أيام كأنه صام الدهر يعني صام السنة كلها لأن اليوم عن عشرة أيام والحسنة بعشر أمثالها فهذا يدل على عظم شأن صيام ثلاثة أيام وأن الإنسان إذا فعل ذلك في كل شهر يكون كمن صام الدهر وصام السنة كلها يعني في الأجر ثلاثة أيام في الفعل وثلاث مائة وستين يوما بأيام السنة، ثم قال: وصلاة الضحى، وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث في باب التطوع هنا أورده من أجل صلاة الضحى وهذا يدلنا على عظم شأن صلاة الضحى وأهميتها وأن الإنسان يحرص عليها وإنما جاء الترغيب فيها لأنها تقع في وقت طويل بين الصلوات لأن صلاة الفجر ينتهي وقتها بطلوع الشمس ثم يكون زمن طويل من بعد طلوع الشمس إلى قبل الزوال هذا ليس فيه صلوات مفروضة المفروضة كلها محصورة من دخول وقت الظهر إلى آخر وقت الفجر والمسافة التي بين طلوع الشمس وبين الزوال هي مسافة طويلة وليس فيها صلوات مفروضة ولهذا جاء الترغيب في هاتين الركعتين لأنها تقع في زمن طويل ليس فيه شيء من الصلوات ولهذا جاء التأكيد عليها والترغيب فيها في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وحديث أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما وذلك لكون الإنسان يكون على صلة بالله عز وجل في الصلاة يقوي صلته بالله عز وجل فيصلي في هذا الوقت الطويل الذي ليس فيه وقت لصلوات مفروضة فيأتي به بصلاة مستحبة من آكد المستحبات وآكد السنن، ثم قال: وأن أوتر قبل أن أنام، معناه أنه ينام على وتر حتى يتحقق ويطمئن بأنه أوتر بالليل لأن الإنسان إذا كان ما يتحقق من قيامه في آخر الليل فإنه إذا نام قبل أن يوتر قد يطلع الفجر وينتهي وقت صلاة الليل وينتهي وقت صلاة الوتر وهو ما أوتر ولهذا جاءت هذه الوصايا الثلاث من الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة ولأبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهم وهذا يدل على عظم شأن هذه النوافل الثلاثة واحدة تتعلق بالصيام وواحدة تتعلق بصلاة الضحى وواحدة تتعلق بختم صلاة الليل بوتر وأنه إذا لم يتحقق من أنه يقوم آخر الليل فإنه لا ينام إلا وقد أوتر وهذا الحديث هو أقل شيء في صلاة الضحى لأنه ركعتان لأن التطوع لا يكون بأقل من ركعتين الركعة الواحدة لا يؤتى بها إلا في الوتر وإلا فإن
…
أقل النوافل ركعتين إلا ما يتعلق بالوتر والوتر ركعة واحدة تكون في آخر صلاة الليل.
349 -
وَعَن أم هَانِيء بنت أبي طَالب قَالَت: " ذهبت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ عَام الْفَتْح فَوَجَدته يغْتَسل وَفَاطِمَة ابْنَته تستره بِثَوْب، قَالَت: فَسلمت عَلَيْهِ، فَقَالَ: من هَذِه؟ فَقلت: أم هَانِيء بنت أبي طَالب، فَقَالَ: مرْحَبًا بِأم هَانِيء. فَلَمَّا فرغ من غسله قَامَ فَصَلى ثَمَانِي رَكْعَات ملتحفا فِي ثوب وَاحِد، فَلَمَّا انْصَرف قلت: يَا رَسُول الله! زعم ابْن أُمِّي عَلّي بن أبي طَالب أَنه قَاتل رجلا أجرته: فلَان ابْن هُبَيْرَة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: قد أجرت من أجرت يَا أم هَانِيء، وَذَلِكَ ضحى " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه بيان أكمل صلاة الضحى وأتمها وهي ثمان ركعات لأن الحديث الأول يتعلق بأقلها وهو ركعتان وهذا الحديث الذي بعده يتعلق بكمال صلاة الضحى وأنها تكون ثمان وما بين ذلك يكون بين الأقل وبين الأتم فالأربع تلي الاثنتين والست تلي الأربع والثمان التي هي الأتم تكون بعد الأربع والست التي في الوسط وهي أقلها اثنتان ثم أربع ثم ست ثم ثمان وهي أتمها وأكملها، أم هانيء رضي الله عنها جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح وكانت ابنته فاطمة رضي الله عنها تستره بثوب يعني معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم وراء الثوب وهي رافعة الثوب تستره يعني لا تراه ولا تنظر إليه ولكن تسمع كلامه والثوب يستره حائل بينها وبين الرسول صلى الله عليه وسلم فجاءت أم هانيء رضي الله عنها وسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدلنا على أن الإنسان إذا كان يقضي حاجته لا يسلم عليه ولا يتكلم معه ولا يتكلم مع أحد إلا للضرورة لكن في ما يتعلق بكونه يسلم عليه ويخاطب وهو يغتسل يعني لا يقضي حاجة هذا الحديث يدل عليه ولهذا قالت: فسلمت عليه، ورد عليها السلام ثم قال: مرحبا بأم هانيء وهذا يدلنا على أن السلام هو أول ما يكون في الكلام يسلم على الذي يغتسل والمغتسل يرد السلام وله أن يقول بعد ذلك مرحبا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال مرحبا بعد السلام ولكن لا يؤتى بمرحبا بدون رد السلام، إذا قال السلام عليكم ورحمة الله ما يقول مرحبا وإنما يقول عليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبا، فالإتيان بمرحبا بعد رد السلام هذا سائغ ولكن الذي لا يسوغ أنه يتخذ سلاما بدل السلام فلا يأتي الداخل ويقول مرحبا، وإذا جاء الداخل وسلم فإنه يرد عليه السلام ثم يقول بعد ذلك مرحبا لأن مرحبا من الكلمات اللطيفة والكلمات الجميلة والتي تدل على الاحتفاء بالداخل فقال: مرحبا بأم هانيء، فلما انتهى من الاغتسال التحف بثوب واحد وصلى فيه وهذا يدل على أن الثوب الواحد الذي يستر الإنسان أنه يكتفى به وأنه يصلي الإنسان فيه لأن العورة مستورة وأكثر الجسم مستور، والمراد بالثوب القطعة من القماش وليس القميص وإنما القطعة من القماش هذا هو المقصود من التحف بثوب مثل الشملة التي يشتمل بها الإنسان ويضعها على جسده تستره فصلى بها صلى الله عليه وسلم، ولما فرغ قالت له أم هانيء رضي الله عنها حاجتها التي أتت من أجلها وهي أن أخاها علي بن أبي طالب رضي الله عنه زعم أنه قاتل من أجارته وكان هذا عام الفتح فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: قد أجرنا من أجرتي يا أم هانيء، يعني ليس لأحد أن يتعرض لمن أجرتي لا علي رضي الله عنه ولا غيره قالت: وكان ذلك ضحى، يعني هذه الصلوات التي صلاها كانت في الضحى ومعنى ذلك أنها صلاة ضحى فالحديث الأول يدل على أقل ما تصلى به صلاة الضحى والحديث الثاني يدل على أكمل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى لكن لا يعني ذلك أنه لا يجوز الزيادة على ثمان ولكن هذه الأولى عند الأكثر لكن إن زاد وصلى عشر فإنه
…
لا بأس بذلك.
350 -
وَعَن زيد بن أَرقم: " أَنه رَأَى قوما يصلونَ من الضُّحَى فِي مَسْجِد قبَاء، فَقَالَ: أما لقد علمُوا أَن الصَّلَاة فِي غير هَذِه السَّاعَة أفضل، إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: صَلَاة الْأَوَّابِينَ حِين ترمض الفصال " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن زيد بن أرقم رضي الله عنه وأنه رأى أناس يصلون في مسجد قباء فقال أما علموا أن الصلاة في غير هذا الوقت أنها أفضل، وهذا كله في الضحى لأن الضحى تبدأ من بعد طلوع الشمس إلى قرب الزوال ولكن هذا الزمان كله وقت لصلاة الضحى لكن الأولى أن يكون في شدة الحرارة وفي شدة الرمضاء التي تكون الأرض حارة إذا وطئت عليها الفصال التي هي أولاد الإبل فإنها تضرها وتؤثر عليها لأن خفافها خفيفة طرية ليست قوية مثل الإبل فقال:«صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» يعني في وقت شدة الحرارة هذا أفضل ما تؤتى به صلاة الضحى وإن أتي بها بعد طلوع الشمس بقليل الذي هو بعد ارتفاع الشمس وانتهاء وقت التحريم الذي هو الصلاة عند طلوع الشمس فكل ذلك سائغ لكن بعضه أفضل من بعض، لكن كونه يؤتى بها في شدة الحرارة، صلاة الأوابين إلى الله عز وجل حين ترمض الفصال والفصال هي أولاد الإبل التي تتأثر من حرارة الرمضاء عندما تشتد الشمس وعندما تشتد حرارة الأرض بشدة حرارة الشمس عليها قال:«صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» يعني تصيبها الرمضاء وتؤثر الرمضاء على الفصال وأما الإبل الكبيرة فإنها لا تؤثر عليها الرمضاء.
351 -
وَرَوَى عَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبعا وَيزِيد مَا شَاءَ [الله] ".
ثم ذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله، يزيد ما شاء الله يعني أنه يزيد فتصير ست وثمان وما فوق ذلك لكن أعلى شيء ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم هو ثمان كما في حديث أم هانيء رضي الله عنها المتقدم، وهذا يدل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعا للضحى ويزيد ما شاء الله عن الأربع ومعنى أربع يعني ركعتين ركعتين لأن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى كما سبق أن مر بنا، يصلي أربعا يعني يصلي ركعتين ثم يصلي ركعتين وقد جاء ما يدل على صلاة أربعا في الضحى الحديث الصحيح الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يقول الله عز وجل: يا ابن آدم اكفني أربع ركعات في أول النهار أكفك بهن بقية يومك» وهذا يدلنا على أن صلاة الضحى تكون أربع وتكون في أول النهار لأن من العلماء من قال أن الصحيح فيها أنها صلاة الضحى هذه الأربع التي جاءت في الحديث، ومن العلماء من يقول أنها ركعتا الفجر وركعتا الفريضة فيكون المجموع أربع ركعات هذه أول النهار لكن القول بأن الأربع صلاة الضحى وأنها في وقت الضحى هذا هو الأقرب وهو الأولى وهو الذي يدل على أن التطوع الذي يحصل من الإنسان في أول النهار يكفيه الله عز وجل به الشرور في بقية يومه.
352 -
وَله عَن عبد الله بن شَقِيق قَالَ: " قلت لعَائِشَة هَل كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَت: لَا، إِلَّا أَن يَجِيء من مغيبه ".
ثم ذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه، يعني إذا جاء من سفر ومعلوم أنه إذا جاء من سفر أول شيء يبدأ به أنه كان يأتي المسجد ويصلي ركعتين فكان هذا هو الذي كانت تعلمه أنه يفعله بحضرة الناس وذلك أنه إذا جاء من مغيبه جاء مسافرا فإنه يصلي ولكنه يصلي في المسجد ما يصلي في بيته يعرف الناس ذلك الناس يعرفون ذلك وليس هذا تختص به عائشة رضي الله عنها وإنما هذا معلوم للناس أنه يأتي المسجد ويبدأ به ويصلي فيه ركعتين صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يحرص على أن يأتي في الضحى وأنه يدخل في الصباح في الضحى فيكون يبدأ بالمسجد ويصلي فيه ركعتين.
353 -
وَعَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: " مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي سبْحَة الضُّحَى قطّ، وَإِنِّي لأسبحها، وَإِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ ليَدع الْعَمَل وَهُوَ يحب أَن يعْمل بِهِ، خشيَة أَن يعْمل بِهِ النَّاس فيفرض عَلَيْهِم " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها ما رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى وأنها تسبحها، السبحة هي الصلاة لأن النوافل يقال لها سبحة ولهذا جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما في السفر قال: لو كنت مسبحا لأتممت، يعني لو صرت آتيًا بالرواتب مع القصر لأتممت وما دمت أن الأربع تصير ثنتين فكيف آتي بالنوافل مع الفرائض والفرائض بدل ما تكون أربع صارت ثنتين، تقول ما رأته يصلي سبحة الضحى، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم في الغالب ما يكون عندها في الضحى لأنه في الغالب إما أن يكون في سفر أو يكون عند زوجاته في بقية الأيام لأن زوجاته تسع وكان يكون عند كل واحدة يوم فكانت رضي الله عنها ما يكون الرسول صلى الله عليه وسلم عندها لأنه إما أن يكون عند زوجاته وإما أن يكون مسافرا وإما أن يكون جالسا للناس في المسجد يحدثهم ويعلمهم ويرشدهم ويفقههم في الدين صلى الله عليه وسلم فلهذا أخبرت عن الواقع من فعله صلى الله عليه وسلم لأنه في الغالب ما يكون عندها في الضحى إما مسافر وإما عند زوجاته بقية الأيام وإما أن يكون في المسجد يعلم الناس وإما أن يكون ذهب لحاجة كأن يكون ذهب إلى قباء أو ذهب إلى بعض الجهات فالحاصل أنها أخبرت عن شيء لا يكون عندها بحيث أنها تعلم بأنه تراه عندها ويصلي عندها وإنما أخبرت عن شيء لا يختص بها.
354 -
وَعَن مُورق قَالَ: " قلت لِابْنِ عمر: أَتُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لَا، قلت: فعمر؟ قَالَ: لَا، قلت: فَأَبُو بكر قَالَ: لَا. قلت فالنبي صلى الله عليه وسلم َ؟ قَالَ: لَا إخَاله " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما -سئل- تصلي الضحى قال: لا قال: أبو بكر قال: لا قال: عمر قال: لا قال: فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا إخاله، يعني لا أظنه ومعنى ذلك قيل أن هذا محمول في السفر وأما الحضر فقد جاءت الأحاديث الأخرى الدالة على كونه يفعل ذلك وإنما هذا محمول على السفر ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي النوافل على الدابة وصلاته تكون في الأوقات المختلفة يعني غير أوقات النهي التي لا يتنفل فيها فيصلي بالليل وهو على راحلته ويصلي في الضحى وهو على راحلته ولكن كونه يقال أنه صلى صلاة الضحى بالتحديد وإنما هذا شأنه في السفر يصلي النوافل وهو راكب وأما الفرائض فإنه إذا جاء وقتها ينزل ويصلي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فإن ما جاء في الحديث من قوله: لا إخاله وكذلك عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعنه المقصود من ذلك ما كان في السفر وأما ما كان في الحضر فإن هذا جاءت الأحاديث فيه ومنها ما تقدم.
355 -
وَعَن جَابر بن عبد الله قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يعلمنَا الاستخارة فِي الْأُمُور كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن، يَقُول: إِذا هم أحدكُم بِالْأَمر فليركع رَكْعَتَيْنِ من غير الْفَرِيضَة، ثمَّ ليقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وَأَسْأَلك من فضلك الْعَظِيم، فَإنَّك تقدر وَلَا أقدر وَتعلم وَلَا أعلم، وَأَنت علام الغيوب، اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر خير لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي - أَو قَالَ عَاجل أَمْرِي، وآجله - فاقدره لي ويسره لي ثمَّ بَارك لي فِيهِ، وَإِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر شَرّ لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي - أَو قَالَ عَاجل أَمْرِي - وآجله فاصرفه عني واصرفني عَنهُ واقدر لي الْخَيْر حَيْثُ كَانَ ثمَّ ارضني بِهِ قَالَ: ويسمي حَاجته " رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ - عَن الشَّيْخ الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ البُخَارِيّ - وَعِنْده:" ثمَّ أرضني بِهِ " وَعند أبي دَاوُد، وَهُوَ رِوَايَة للْبُخَارِيّ:" ثمَّ رضِّني بِهِ ".
ثم ذكر ابن عبدالهادي رحمه الله هذا الحديث في ختام أحاديث صلاة التطوع وأورد فيه صلاة الاستخارة ودعاء الاستخارة بعد الصلاة فقال في هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن فكان يقول: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة» يعني ما يجعل الفريضة هي التي يستخير بعدها لأنه قال من غير الفريضة ركعتين تطوع يأتي بهما تطوعا لله عز وجل ويدعوا بعدهما ولا تكون الاستخارة من الفريضة لأن الإنسان يحرص على أن يكون متطوعا بالصلوات لا يكون شأنه الاقتصار على الفرائض وأنه حتى الاستخارة لا يأتي بركعتين يتطوع فيهما لله عز وجل ويستخير بعدهما وإنما يكون فعله بعد الفرائض قال: «من غير الفريضة» يعني صلاة التطوع يطلق عليها صلاة الاستخارة أي من أجل الاستخارة فكان صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليدعوا» وهذا يدلنا على أن الدعاء يكون بعد الصلاة ثم يقول: «اللهم إني أستخيرك بعلمك» يعني أطلب منك الخير وأطلب منك الخيرة لعلمك لأنك تعلم كل شيء وتعلم عواقب الأمور وتعلم ما فيه الخير في المستقبل وما فيه خلاف ذلك في المستقبل لأنه عالم بكل شيء عالم بما كان وما سيكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون مثل ما قال الله عز وجل عن الكفار: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) فالله علم أنهم لا يردون وعلم أنهم لو ردوا لحصل منهم العود فهو عالم بما كان وما سيكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون، «وأستقدرك بقدرتك» أطلب منك القدرة والإقدار على العمل الذي أريده والذي أرجوا أن أصل إليه لأن الله تعالى على كل شيء قدير وهو بكل شيء عليم فهو يستخيره بعلمه ويطلب منه ما فيه الخيرة له بعلمه لعلمه بكل شيء ويستقدره بقدرته بأن يقدره الله عز وجل على ذلك العمل الذي يريده وأن يهيئ ذلك الشيء الذي يريده، «وأسألك من فضلك العظيم» لأن كل شيء من الله هو من فضله سبحانه وتعالى ولا يكون عمل الإنسان أنه يستحق به الجزاء من المعاوضة وإنما هو فضل من الله عز وجل كما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم:«لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال:«ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل منه» ، فالله عز وجل كل ما يحصل للإنسان من خير فهو بفضل الله عز وجل هو الذي تفضل عليه بأن أقدره على العمل الصالح وتفضل عليه بالعمل الصالح وتفضل عليه بالجزاء بعد هذا العمل الصالح، «فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم -أي هذا الأمر يعني في إقدامي على هذا الزواج أو إقدامي على هذه التجارة أو إقدامي على هذا العمل الذي يعين ويسميه- خير لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ورضني به وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه ويسر لي الخير حيث كان ثم رضني به» يعني هيئ لي الخير بعد ذلك مما تعلم أن فيه الخير لي ثم رضني به يعني يجعله رضيا بهذا الشيء الذي قدره الله عز وجل عليه أو قدره له من الخير فهذا دعاء الاستخارة الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه يؤتى به بعد ركعتين غير الفريضة لكنه لا يأتي بذلك في أوقات النهي وإنما يأتي به في غير أوقات النهي يأتي به في الضحى ويأتي به في الليل ويأتي به بعد المغرب ولكنه لا يتعمد أنه يأتي بصلاة الاستخارة في أوقات النهي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس» .
باب سجود التلاوة والشكر
الدرس الخامس والثلاثون:
هذا الباب يتعلق بسجود التلاوة وسجود الشكر، والصلاة أقل شيء فيها ركعة واحدة وهي الوتر ولا يؤتى بالتقرب إلى الله تعالى بركعة واحدة إلا بالوتر ثم بعد ذلك التقرب إلى الله يكون بركعتين أقل شيء ركعتين «إذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» جاءت الأحاديث في صلاة التطوع ذكر ركعتين في الرواتب مر بنا ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر، فأقل ما يتقرب به إلى الله عز وجل الوتر، وهذا ركعة واحدة تكون في آخر صلاة الليل وتكون أيضا بعد ذلك ركعتان، وقد مر بنا صلاة الليل مثنى مثنى ومر صلاة الليل والنهار مثنى فهذا يدلنا على أن أقل شيء يتقرب إلى الله عز وجل به في غير الوتر إنما هو ركعتان، ويأتي أحيانا في ذكر السجود الذي ليس معه ركوع ولا قيام وإنما هو سجود فقط جاء في موضعين في سجود التلاوة وسجود الشكر، الإنسان يسجد سجدة واحدة ليس معها ركوع وإنما هي سجدة واحدة لا ركوع فيها ولا قيام، وسجود
التلاوة جاء في القرآن الكريم وقد أجمع العلماء على أنه ليس في القرآن أكثر من خمسة عشر سجدة يعني سجود القرآن منحصر في خمسة عشر ليس هناك أكثر من خمسة عشر سجدة هذه الخمس عشرة عشرٌ منها مجمع عليها وخمسٌ منها مختلف فيها والصحيح ثبوت الأحاديث في هذه الخمس المختلف فيها والخمس هي السجدة الثانية من الحج وسجدة ص وسجدات المفصل الثلاث التي هي النجم والانشقاق والعلق هذه هي السجدات المختلف فيها وأما العشر الباقية فإنه متفق عليها وقد أجمع العلماء على السجود فيها وعلى هذا فإن القرآن أجمع على أنه ليس فيه أكثر من خمسة عشر سجدة وأن عشر منها مجمع عليها لا خلاف فيها بين العلماء وخمس مختلف فيها والحق أنها كلها ثابتة وأن هذه المختلف فيها الصحيح ثبوتها لأنها جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسجود في هذه الخمس المختلف فيها.
356 -
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا قَرَأَ ابْن آدم السَّجْدَة فَسجدَ، اعتزل الشَّيْطَان يبكي يَقُول: يَا ويله! أُمر ابْن آدم بِالسُّجُود فَسجدَ فَلهُ الْجنَّة وأُمرت بِالسُّجُود فأبيت، فلي النَّار " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الشيطان إذا سجد ابن آدم أي قرأ آية فيها سجدة وسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار، هذا يدل على حزن الشيطان وأنه يتألم ويحزنه أنه حصل لابن آدم أنه أمر بالسجود فسجد وأما هو فأمر بالسجود فلم يسجد، وهذا الحديث يدل على فضل السجود لأنه أول حديث ذكره في هذا الباب والمقصود بيان فضل سجود التلاوة وأن إبليس يتألم ويتحسر لكونه أمر بالسجود فلم يسجد وابن آدم أمر بالسجود فسجد فله الجنة وأما هو فأمر بالسجود فلم يسجد فله النار، إذًا الحديث يدل على فضل سجود التلاوة لكنه ليس بواجب وإنما هو مستحب لأنه جاء ما يدل على أن للإنسان أن يسجد وله أن لا يسجد لكن الأولى أن يسجد لأنه يحصل له الأجر والثواب الذي جاء الوعد به في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث.
357 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: " {ص} لَيست من عزائم السُّجُود، وَقد رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ يسْجد فِيهَا " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث في سجدة ص وهي مختلف فيها كما عرفنا ولكن ثبت السجود فيها كما جاء في هذا الحديث، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ص ليست من عزائم السجود وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها، يعني أن السجدات متفاوتة يعني فيها ما يقال لها من عزائم السجود وفيها ما يقال
ليس من عزائم السجود كما جاء في هذا الأثر، فقوله: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد بها، يعني هذا يدل على أن السجود فيها ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي سجدة ص.
358 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يقْرَأ فِي الْجُمُعَة فِي صَلَاة الْفجْر {الم تَنْزِيل} السَّجْدَة، و {هَل أَتَى عَلَى الْإِنْسَان} " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ أَيْضا.
ثم ذكر هذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في فجر يوم الجمعة ب الم السجد وهل أتى على الإنسان يأتي بهاتين السورتين وذلك لما اشتملتا عليه من البعث والمعاد والجزاء والحساب والثواب والعقاب وغير ذلك من الأمور التي اجتمعت فيهما وذلك لأن يوم الجمعة هو اليوم الذي جاء أنه يحصل فيه أمور متعددة.
359 -
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قالَ: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّجْمَ، فَلَمْ يَسْجدْ فَيْهَا. متفقٌ عَليْه، واللفظُ للبخاريِّ أَيضاً
ثم ذكر هذا الحديث عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها، فهذا يدل على أن السجود ليس بلازم لا يقال أنه لمّا لم يسجد فيها يعني ما فيها سجود وإنما الإنسان له أن يسجد وله أن لا يسجد والرسول صلى الله عليه وسلم حصل منه السجود في بعض الأحيان وفي بعض المواضع ولم يحصل منه السجود في البعض الآخر.
360 -
وَعَن ابْن عَبَّاس " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ سجد ب {النَّجْم} وَسجد مَعَه الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنّ وَالْإِنْس " رَوَاهُ البُخَارِيّ وَقَالَ: " كَانَ ابْن عمر يسْجد عَلَى غير وضوء ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي في سجدة النجم وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى وسجد وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس وقال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يسجد على غير وضوء، لأن سجود التلاوة وسجود الشكر لا يلزم أن يكون على وضوء فهو ليس صلاة لأن الصلاة أقلها ركعة وإنما هذا سجود عند التلاوة فللإنسان أن يسجد وله أن لا يسجد ولكن السجود أولى لأن فيه ثواب وفيه جزاء كما هو الشأن في المستحبات الإنسان إذا فعلها فإنه يؤجر وإذا لم يفعلها فإنه لا يعاقب، وهذه من سجدات المفصل وكلها مختلف فيها ولكنه ثابت وهذا مما يدل على ثبوت السجود فيها.
القارئ: أحسن الله إليكم كيف سجد معه المشركون؟
الله سبحانه أسجدهم وجعلهم عندما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم وسجد سجد معه الجميع.
361 -
وَعَن خَالِد بن معدان أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " فضلت سُورَة الْحَج عَلَى الْقُرْآن بسجدتين " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي " الْمَرَاسِيل ". وَقَالَ: ((وَقد أسْند هَذَا وَلَا يَصح)).
ثم ذكر هذا الحديث الذي يتعلق بسجدتي الحج وذكر فيه هذا الحديث أنها فُضلت يعني معنى ذلك أن جميع سور القرآن السجدة تكون في موضع واحد من السورة إلا في هذه السورة فإنه يكون فيها سجدتان لكن السجدة الأولى متفق عليها ومجمع عليها والثانية التي في آخر الحج مختلف فيها والصحيح أن السجود فيها ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنى ذلك أنها أفضل من غيرها من السور ولكن كما هو معلوم بعض السور تفضل بشيء يخصها ولا يعني ذلك أنها تكون أفضل من غيرها فإن تفضيل هذه السورة لوجود السجدتين فيها وأن الإنسان إذا قرأها يسجد وأنه يثاب وأن الشيطان كلما سجد ابن آدم يحصل له تألم وتحسر ويقول ابن آدم سجد فله الجنة وأنا أمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار فالمقصود من ذلك أن هذه السورة فيها سجدتان وأن الإنسان يؤجر إذا سجد في كل منهما ولكن لا يعني ذلك أنها أفضل من غيرها من سور القرآن وإنما هذا تفضيل خاص من أجل ما يوجد فيها من السجدتين.
362 -
وَعَن عَطاء بن ميناء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " سجدنا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِي {إِذا السَّمَاء انشقت} و {اقْرَأ باسم رَبك} ". رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه السجود في سورتين من المفصل سورة الانشقاق وسورة العلق، فقال أنهم سجدوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث رواه مسلم، فإذًا هذا كله يبين لنا أن السجدات الثلاث التي في المفصل أنها كلها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي محل خلاف بين العلماء ولكن من حيث الثبوت هي ثابتة ولهذا قلت في الأول أن المختلف فيها خمس ومنها سجدات المفصل الثلاث وهذه السجدات الخمس المختلف فيها ثبتت السنة بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
363 -
وَعَن عَلّي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: " أَنا أتعجب من حدبي لَا يسْجد فِي الْمفصل " رَوَاهُ الْحَاكِم بِإِسْنَاد صَحِيح.
ثم ذكر هذا الأثر عن علي رضي الله عنه وفيه أنه قال: الم السجدة وحم السجدة والنجم والعلق هذه من عزائم السجود وإني أتعجب ممن لا يسجد بها، المقصود من ذلك أن الإنسان يحرص على أن يسجد بها ولا يترك السجود بها ولكنه كما عرفنا ليس بلازم، قال وقد عجبت ممن حدثني لا يسجد في المفصل يعني معناه أنه يعرف أن المفصل فيه سجدات وأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل عليه ويتعجب ممن لا يسجد بهذه السجدات.
364 -
وَعَن الْبَراء رضي الله عنه قَالَ: " بعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى أهل الْيمن يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام فَلم يُجِيبُوهُ، ثمَّ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ بعث عَلّي بن أبي طَالب، وَأمره أَن يقفل خَالِدا وَمن كَانَ مَعَه، إِلَّا رجل مِمَّن كَانَ مَعَ خَالِد أحب أَن يعقب مَعَ عَلّي فليعقب مَعَه، قَالَ: فَكنت مِمَّن عقب مَعَه، فَلَمَّا دنونا من الْقَوْم خَرجُوا إِلَيْنَا، فَصَلى بِنَا عَلّي، وَصفنَا صفا وَاحِدًا، ثمَّ تقدم بَين أَيْدِينَا، فَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَأسْلمت هَمدَان جَمِيعًا، فَكتب عَلّي إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ الْكتاب خر سَاجِدا، ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ: السَّلَام عَلَى هَمدَان، السَّلَام عَلَى هَمدَان " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: (أخرج البُخَارِيّ صدر هَذَا الحَدِيث وَلم يسقه بِتَمَامِهِ، (وَسُجُود الشُّكْر فِي تَمام الحَدِيث [صَحِيح] عَلَى شَرطه)).
ثم ذكر بعدما فرغ من الأحاديث التي فيها سجود التلاوة وهي ثمانية أحاديث عند ذلك أتى بهذا الحديث والأثر الذي يتعلق بسجود الشكر وذكر هذا الحديث وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى اليمن وبعد ذلك أرسل عليا رضي الله عنه وأمره بأن يُقفل خالدا يعني يطلب من خالد أن يرجع إلى المدينة وأنه يرجع من أراد أن يرجع معه ومن أراد أن يبقى فليبقى مع علي رضي الله عنه وكان البراء رضي الله عنه ممن بقي وذكر فيه أنه لما جاء الخبر بإسلامهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سجد لكن هذا الحديث في إسناده من هو متكلم فيه فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الأثر الذي بعده.
365 -
وَعَن أبي عون الثَّقَفِيّ، عَن رجل لم يسمه:" أَن أَبَا بكر رضي الله عنه لما أَتَاهُ فتح الْيَمَامَة سجد " رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي " كتاب الْفتُوح ".
وذكر هذا الأثر عن أبي بكر رضي الله عنه أنه لما جاء فتح اليمامة سجد وهذا فيه رجل مبهم فهو غير ثابت هذا الأثر لأن فيه رجل مبهم غير معروف في إسناده واحد غير مسمى فهو غير معروف فلا يكون ثابتا، فإذًا الحديث المرفوع فيه ضعف وهذا الأثر أيضا فيه ضعف ولكنه جاء ما يدل على سجود الشكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعض أصحابه فهو ثابت فمما جاء في ذلك الحديث الذي رواه أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنه كان إذا جاءه أمر يسره أو بشّر فإنه يخر ساجدا لله عز وجل» وهذا ثابت عند أبي داود وكذلك جاء أثر عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه لما بلغه توبة الله عز وجل عليه خر ساجدا، فإذًا هذا الذي ذكره المصنف حديث مرفوع وحديث موقوف وكل منهما غير ثابت ولكنه جاء في حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا بشّر أو جاءه شيء يسره فإنه يسجد وجاء عن كعب بن مالك رضي الله عنه لما بشّر بتوبة الله عز وجل عليه خر ساجدا.
باب صلاة الجماعة
الدرس السادس والثلاثون
366 -
عَن عبد الله بن عمر، أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ:" صَلَاة الْجَمَاعَة أفضل من صَلَاة الْفَذ بِسبع وَعشْرين دَرَجَة " مُتَّفق عَلَيْهِ.
367 -
وَفِي حَدِيث أبي سعيد: " بِخمْس وَعشْرين دَرَجَة " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
368 -
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " بِخمْس وَعشْرين دَرَجَة " مُتَّفق عَلَيْهِ.
فهذه الأحاديث تتعلق بصلاة الجماعة، وصلاة الجماعة واجبة على الرجال حضرًا وسفرًا حتى في الخوف، وهذا من أوضح الأدلة على وجوبها، لأنه لو كان الأمر فيها سائغًا، وتركها سائغًا، وعدم الإتيان بها سائغًا، لما جاء هذا الحث عليها، والإخبار بأنه إذا كان في خوف أنه يأتي بها، وأنها لا تسقط حتى في حال الخوف، وهذا يدلنا على وجوبها وعلى تعينها، وما جاء من الأحاديث من أن صلاة الجماعة بسبع وعشرين درجة أو خمسة وعشرين جزءًا لا يدل على أنها غير واجبة، وإنما يدل على أن من أتى بها منفردًا فإن صلاته صحيحة، وخرج من أن يكون تاركًا للجماعة، لكنه آثم لكونه ترك أمرًا واجبًا وهو الإتيان بالصلاة في جماعة، لأن هذا الإتيان بها لا بد منه، وهو ركن من أركان الإسلام، ومن ترك الصلاة فقد كفر، ولكنه إذا صلى وحده فإن صلاته صحيحة، ولكنه آثم لكونه لم يأت بها في الجماعة، وقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على وجوبها على الرجال دون النساء، والمصنف ذكر جملة منها، لكن هذا يدلنا على عظم شأن صلاة الجماعة، وأن من صلاها منفردًا فاته ذلك الأجر العظيم، وحصل له إثم بكونه لم يأت بهذا الواجب الذي هو الإتيان بصلاة الجماعة، وقد جاء في بعض الأحاديث في صحيح مسلم أن قوله «تفضل بسبع وعشرين جزءًا» يعني أن المقصود بها أنها تعدل خمسًا وعشرين صلاة، يعني مَنْ صلى وحده فكأنما صلى صلاة واحدة، من صلى في جماعة فيكون له أجر خمس وعشرين صلاة، هكذا جاء في صحيح مسلم في بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
369 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد هَمَمْت أَن آمُر بحطب فيحتطب، ثمَّ آمُر بِالصَّلَاةِ فَيُؤذن لَهَا، ثمَّ آمُر رجلا فيؤم النَّاس، ثمَّ أُخَالِف إِلَى رجال فَأحرق عَلَيْهِم بُيُوتهم، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو يعلم أحدهم أَنه يجد عرقا سمينا أَو مرماتين حسنتين لشهد الْعشَاء " رَوَاهُ البُخَارِيّ وَهَذَا لَفظه، وَمُسلم وَلَيْسَ عِنْده:" أَو مرماتين حسنتين ".
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو من الأدلة الواضحة على وجوب صلاة الجماعة، وأن من تركها يكون آثمًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هَمَّ أن يأمر بِحَطَبٍ فيحطب، ثم بأن يؤذن للصلاة فيؤذن لها، ثم يأمر رجلا فيؤم الناس يصلي بالناس، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم يذهب في الوقت الذي الناس يصلون، وفيهم من خلفه عنه ينوب عنه، ويذهب بنفسه ومعه جماعة مع حُزَمٍ من حطب إلى أناس لا يصلون الجماعة، وإنما يصلون في بيوتهم فيحرق عليهم بيوتهم بالنار، لأنهم تركوا أمرًا واجبًا عليهم، فهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة، لأن الهمّ بالتحريق هذا أمره خطير، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم سيتولى هذا بنفسه، ويجعل من يصلي بدلًا منه، ومن يخلفه في إمامة الناس، ثم يذهب إلى أناس في الوقت الذي الناس فيه يصلون، وهذا كما يقال:"لأذهب إليهم وهم متلبسون بالجريمة" لأن الناس يصلون وهم ليسوا معهم، وإنما هم باقون في بيوتهم، فَهَمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أنه لو لم يفعل فمجرد الهمّ يدل على خطورة الأمر، وعلى أن الأمر ليس بالهيّن، وأن حتى لو لم ينفذ لأن مجرد الهمّ يكفي في بيان خطورة الأمر وعلى وجوبها، وأن من تخلف عنها يُحَصِّل إثمًا عظيمًا، ثم إن هذا شأن المنافقين، الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة، المنافقون يتخلفون عن صلاة الجماعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«لو يعلم أحدهم أنه يحصل عَرْقًا سمينًا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء» يعني يتخلف عن العشاء، وصلاة العشاء وصلاة الفجر هي أثقل الصلاة على المنافقين كما جاء في الحديث "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبوًا".
يأتون يحبون على الركب لو كانوا يعلمون ما فيها من الأجر، ثم إن المنافقين همهم الدنيا وليس همهم الآخرة، ولهذا قال «لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقًا سمينًا» ، والعَرْقُ هو العظم الذي عليه بقية لحم، عظم عليه بقية اللحم هذا يقال له عَرْق، «أو مرماتين حسنتين» وهما ما بين ظِلْفَي الشاة من اللحم، معناه أنه شيء زهيد، وشيء تافه، ليس من الشيء الجيد وليس من اللحم الجيد، لأنه عَرْق عليه بقية لحم ليس عليه لحم كثيرًا، ومرماتين: ما بين ظِلْفَي الشاة من اللحم، هذا شيء تافه بسيط، ليس بشيء، ولكنهم يحرصون على الدنيا، ولو كان شيئًا يسيرًا، ويعرضون عن الآخرة، ولو كان الإنسان لا يصل إليها إلا حبوًا، فإنه يذهب إليها، هذا يدلنا على عظم شأن صلاة الجماعة، وعلى وجوبها، وأن التخلف عنها من صفات المنافقين، «لو يعلم أحدهم لشهد العشاء»: لو كان يعلم أن في لحم يوزع عند باب المسجد أو في المسجد ولو كان تافهًا لذهب إلى المسجد ليأخذ نصيبه من الدنيا ومن المآكل الزهيدة الرديئة التي تكون عند المسجد، لو كان هناك لحم يوزع لذهبوا إليه، وأما الصلاة التي هذا أجرها وهذا ثوابها فإنهم يتخلفون عنها، ولهذا، الحديث من أوضح الأدلة على وجوب صلاة الجماعة.
370 -
وَعَن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَلأَحْمَد وَأبي دَاوُد وَالْحَاكِم وَقَالَ: (عَلَى شَرطهمَا): " لَا تمنعوا النِّسَاء أَن يخْرجن إِلَى الْمَسَاجِد وبيوتهن خير لَهُنَّ ".
ثم ذكر هذا الحديث في حكم صلاة الجماعة للنساء، وأنها ليست واجبة على النساء، وإنما هي واجبة على الرجال، ولكن النساء إذا طلبن أن يذهبن إلى المسجد فإنهن يمكن ولا يمنعن من ذلك، لكن بشرط أن يكن ما في فتنة، ما في طيب، ولا في لباس جميل، وإنما يذهبن على هيئة لا تفتن الناس بحيث لا ينفتن هن بالرجال إذا ذهبن، ولا ينفتن الرجال بهن بكونهن يتطيبن ويلبسن لباسًا حسنًا، وإنما إذا ذهبن يذهبن مع حصول السلامة لهن ولغيرهن، حصول السلامة لهن بأن يفتتن بالرجال، وكذلك الرجال أن يفتتنوا بهن، وقال:«وبيوتهن خير لهن» يعني صلاتهن في البيوت خير من صلاتهن في المساجد، ولكنهن إذا طلبن لا يمنعن، والحديث يدل على عدم وجوب صلاة الجماعة على النساء، وأن صلاتهن في البيوت خير لهن، وأنهن إن خرجن إن استأذن فإنه يؤذن لهن ولا يمنعن من الذهاب إلى المساجد، لكنه يذهبن على الوجه الذي لا يفتن أنفسهن بغيرهن، ولا يفتن الرجال بأنفسهن.
371 -
وَعَن زَيْنَب الثقفية إمرأة عبد الله قَالَت، قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِذا شهِدت إحداكن الْمَسْجِد فَلَا تمس طيبا " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه بيان صفة المرأة أو هيئة المرأة أو الحال التي تكون عليها المرأة إذا ذهبت إلى المسجد أنها لا تمس طيبًا، وكذلك أيضًا لا تلبس زينة، لأن الطيب يحصل عن طريق الشم، وعن طريق الافتتان بهن عن طريق ما يحملنه من الطيب الذي يشم رائحته، وكذلك أيضًا لا يلبسن الزينة التي يفتن بالنظر إليهن وإلى زينتهن، فالمرأة حيث أذن لها بالذهاب، فإنها تكون متصفة بالصفة التي لا تفتن أحدًا في رائحتها ولا في لباسها الحسن الذي يجعل الرجال ينظرون إلهيا.
372 -
وَعَن أبي مُوسَى قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِن أعظم النَّاس فِي الصَّلَاة أجرا أبعدهم إِلَيْهَا ممشى فأبعدهم، وَالَّذِي ينْتَظر الصَّلَاة حَتَّى يُصليهَا مَعَ الإِمَام أعظم أجرا من الَّذِي يُصليهَا ثمَّ ينَام " وَفِي رِوَايَة: " حَتَّى يُصليهَا مَعَ الإِمَام فِي جمَاعَة " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه بيان فضل صلاة الجماعة، ولا سيما إذا كان بيته بعيدًا، فإنه يأتي على رجليه، وبكل خطوة يخطوها إلى الصلاة يرفع له درجة ويحط عنها خطيئة، «أبعدهم ممشى فأبعدهم» هذا يدلنا على تفاوت الناس في صلاة الجماعة، وأنهم لا يتساوون، وأن من كان جاء مبكرًا وجلس في المسجد هو في صلاة ما انتظر الصلاة، ومن جاء من مكان بعيد يمشي على رجليه فإن كل خطوة يخطوها ترفع له بها درجة، وتحط عنه بها خطيئة، فإذًا الناس مع صلاة الجماعة ومع مجيئهم رجالًا للجماعة، فهم متفاوتون في الأجر والثواب بتبكيرهم ومكثهم في المساجد، وكذلك بكثرة الخطى بكون مساكنهم بعيدة، ولهذا قال:«أبعدهم ممشى» ،
هذا يدلنا على فضل صلاة الجماعة، وأن كل ما كان الإنسان أبعد، فإنه يكون أجره أعظم، لأن كل خطوة يخطوها ترفع له درجة، وتحط بها عنه خطيئة.
القارئ: أحسن الله إليكم، هل ترفع الدرجات في حال الخروج من المسجد إلى البيت مشيًا؟
فضيلة الشيخ: لا شك أن التعب على قدر النصب، ولكن حتى الإنسان إذا ذهب بالسيارة، ولا سيما إذا كان المسجد بعيدًا، فإنه على أجر ويحصل أجرًا، وكل ما طالت المسافة سواء بالسيارة أو على الأقدام.
373 -
وَعَن هشيم، عَن شُعْبَة، عَن عدي بن ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ:" من سمع النداء فَلم يَأْته فَلَا صَلَاة لَهُ، إِلَّا من عذر " رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، (وَإِسْنَاده عَلَى شَرط مُسلم، وَقد أعله بِالْوَقْفِ)
ثم ذكر هذا الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلا من عذر» ، لكن لا يعني ذلك أنه يكون تاركًا للصلاة، ولكنه ترك أمرًا عظيمًا وأمرًا خطيرًا، يعاقب عليه، وإلا فقد سبق أن مرّ أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة أو بخمسة وسبعين جزءًا، معنى ذلك أنه أدى الواجب عليه وأدى الركن، ولكنه ترك الشيء الواجب الذي يثاب عليه إذا أتى به، ويعاقب عليه إذا تركه لأنه ليس من المستحبات، وإنما هو من الواجبات، والمستحب هو الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ولكن هذا يثاب فاعله ويعاقب تاركه لأنه واجب.
374 -
وَعَن نَافِع قَالَ: " أذّن ابْن عمر فِي لَيْلَة بَارِدَة بضجنان ثمَّ قَالَ: صلوا فِي رحالكُمْ، فَأخْبرنَا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: كَانَ يَأْمر مُؤذنًا يُؤذن ثمَّ يَقُول عَلَى إثره: أَلا صلوا فِي الرّحال فِي اللَّيْلَة الْبَارِدَة أَو الْمَطِيرَة فِي السّفر " مُتَّفق عَلَيْهِ وَهَذَا لفظ البُخَارِيّ.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن ابن عمر رضي الله عنهما كان في ضَجْنَان، وقيل: وهو مكان بين مكة والمدينة، وكانوا في سفر، وأنها كانت ليلة باردة وشديدة، وأمر مؤذنه بأن يقول "صلوا في رحالكم" يعني الخيام التي هم فيها، والمحلات التي هم مستوطنون فيها أو مقيمون فيها، لأن المسافرين معهم خيام ومعهم رحال، ليستقر كل في رحله، فالليلة مطيرة، يعني كونهم يجتمعون للصلاة وفيه مطر أو فيه برد شديد، فكان يأمر أن يقول "صلوا في رحالكم"، ليس المقصود أنهم يأتون للصلاة، ما يقول:"حيّ على الصلاة" تعالوا، وإنما يقول:"صلوا في رحالكم".
375 -
وَرَوَى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ:" نَادَى مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ بذلك فِي الْمَدِينَة فِي اللَّيْلَة الْمَطِيرَة والغداة القرة ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي يتعلق بالمناداة بالمدينة وليس في السفر، لأن الحديث الذي مر يتعلق بالسفر، وهذا يتعلق بالمدينة، وهذا الحديث فيه ابن إسحاق، وهو مدلس، ولا تعتبر روايته إلا إذا صرّح بالتحديث، وهو لم يصرح بالتحديث، فيكون هذا ضعيفًا.
376 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه أَنه سُئِلَ عَن الثوم؟ فَقَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" من أكل من هَذِه الشَّجَرَة فَلَا يقربنا وَلَا يُصَلِّي مَعنا " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَاللَّفْظ لمُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث المتعلق بالثوم، وهو أن الإنسان إذا أكل ثومًا فإنه لا يقرب المساجد، ولا يقرب مجامع الناس للعبادة كالعيدين، فلا يقرب المساجد ولا يقرب الأماكن الخاصة بالعبادة، الأماكن التي يصلى فيها العيدين ولو كانت أنها في عَرَاء، وكذلك لا يأتي إلى الناس في مجامعهم ويؤذيهم بالرائحة، وهذا يدلنا على أن دفع الأذى عن المسلمين وعن المصلين أن هذا من الأمور المطلوبة وأنه لا يأتي ورائحته كريهة، يؤذيهم برائحته، فهذا يدلنا على أن المساجد التي شأنها عظيم، والصلاة فيها تضاعف، أن من كان كذلك لا يأتي المساجد يؤذي، وإنما إذا أكل ثومًا أو بصلًا فإذا كان هناك شيء يزيل رائحته، يزيله ويأتي وقد سلم من الرائحة، أو أنه أكله في وقت مبكر بحيث أنه تذهب رائحته، أما كونه يأكله ثم يأتي ورائحته منتنة يؤذي الناس، وإذا كان هذا حصل في الثوم مع أنه من الطيبات ومن المأكولات الطيبة، ولكنه فيه أذى من ناحية الرائحة، إذا كان هذا حصل في الثوم، فكيف يكون بالدخان؟ الذي هو خبيث، والذي يكون فيه غرر على شاربه، وضرر على الناس الذين يختلط بهم ويجتمع بهم، وقد اجتمع فيه عدة محاذير: اجتمع فيه رائحته الكريهة التي يؤذي الناس فيها، واجتمع فيه إضاعة المال الذي كون الإنسان يضيع ماله فيما يعود عليه بالمضرة، فمن الأمور الواضحة الجلية أن الواجب على الإنسان أن يبتعد عن الدخان، سواء مطلقًا، سواء حضر عند الناس أو ما حضر عند الناس، لأن تركه والابتعاد عنه لا شك أن فيه السلامة، وهذه الأحاديث مرّ جملة منها تدل على وجوب الصلاة على الرجال، ومما جاء فيها عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى لهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به ويهادى بين الرجلين حتى يقام في
الصف"، لا يستطيع أن يمشي على رجليه من شدة المرض، ومع ذلك هو
معذور لو صلى في بيته وله أجره كاملًا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه أن من كان تخلف لعذر فإنه يكون مأجورًا كما في الحديث:«إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله صحيحًا مقيمًا» ، حديث صحيح رواه البخاري، إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل في حال صحته وهو مقيم، ما كان يعمله وهو صحيح مقيم، يعني صحيحًا غير مريض، ومقيمًا غير مسافر.
الدرس السابع والثلاثون
377 -
وَعَن يزِيد بن الْأسود " أَنه صَلَّى مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ صَلَاة الصُّبْح [بمنى] وَهُوَ غُلَام شَاب فَلَمَّا صَلَّى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ إِذا هُوَ برجلَيْن لم يصليا، فَدَعَا بهما، فجيء بهما تُرْعَد فرائصهما، فَقَالَ لَهما: مَا منعكما أَن تصليا مَعنا؟ قَالَا قد صلينَا فِي رحالنا. قَالَ: فَلَا تفعلا، إِذا صليتم فِي رحالكُمْ ثمَّ أدركتم الإِمَام لم يصل فَصَليَا مَعَه فَإِنَّهُ لكم نَافِلَة " رَوَاهُ أَحْمد وَهَذَا لَفظه، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ.
فهذه الأحاديث تتعلق بصلاة الجماعة، وقد مر جملة من الأحاديث في ذلك، وهذا الحديث من أحاديث صلاة الجماعة، وهو أن المفترض يصلي خلف المفترض، والمتنفل يصلي خلف المفترض، والمفترض يصلي خلف المتنفل، وهذا الحديث، حديث يزيد بن الأسود فيه الدليل على صلاة المتنفل خلف المفترض، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالناس صلاة الصبح، جاء في بعض الروايات عند أحمد أنه في مسجد الخيف، وذلك في الحج، وجاء في بعض الروايات أنها في منى، فلما صلى وقضى صلاته وانصرف، وإذا رجلان جالسان لم يصليا معه، فدعا بهما، طلب أنهم يأتون إليه، فجاؤوا ترتعد فرائصهما من الخوف، خشية أن يكون حصل لهم شيء خطير، فترتعد فرائصهما، والفرائص: جمع فريصة وهي اللحمة التي بين الكتف والجنب، وتتحرك عندما يصير هناك اضطراب وانزعاج أو تأثر، فقال:«ما لكما لم تصليا؟» قالا: "صلينا في رحالنا" يعني الفرض الذي علينا أديناه في رحالنا، يعني في الخيام في منى، فقال:«لا تفعلا» يعني في المستقبل، «لا تفعلا إذا أتيتما والإمام لم يصل فصليا معه، تكون لكما نافلة» ، وهذا يدل على صحة صلاة المتنفل خلف المفترض، بل أيضًا حتى في الصلوات التي لا يتنفل بعدها، مثل صلاة الفجر، لأن صلاة الفجر ما في تنفل بعدها، ومع ذلك في إعادة الجماعة، وكونهم يصلونها جماعة نافلة بعد أن صلوا الفريضة في رحالهما، هذا يدل على جواز ذلك، وعلى أن ذلك سائغ، فالحديث واضح الدلالة على صحة صلاة المتنفل خلف المفترض.
378 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ رجل أَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُول الله [إِنَّه] لَيْسَ لي قَائِد يقودني إِلَى الْمَسْجِد؟ فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَن يرخص لَهُ فَيصَلي فِي بَيته فَرخص لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: هَل تسمع النداء بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فأجب " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه وجوب صلاة الجماعة، حتى الأعمى الذي لا يستطيع أن يأتي بمفرده، فرجل أعمى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء أنه عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، وسأله أن يرخص له لأنه لا يجد قائدًا يلائمه، يعني يأتي به إلى المسجد، فالرسول صلى الله عليه وسلم أَذِنَ له يعني يصلي، ولكنه بعد ما ولّى طلب منه الرجوع، فقال أنه لا أجد لك رخصة، يعني صل مع الجماعة، وذلك لأنه لو ترك الجماعة وصلى في البيت، معناه أنه ما يأتي إلى المسجد، ولا يكون من عمّار المساجد، لأنه إذا كان سيصلي في بيته وأنه مرخص له، معناه أن الأعمى لا يأتي إلى المساجد، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يأتي إلى المساجد، وأراد أن أهل الأعذار يأتون إلى المساجد، لكن إذا حصل شيء مانع، يعني يمنع كالمرض أو غير ذلك فهذا معذور، وله الأجر في ذلك، كما جاء في الحديث «إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم» ، إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل في حال صحته وفي حال سفره، يكتب له ذلك، فعلى هذا، فإذا كانت الجماعة واجبة وأنها لازمة حتى لمن كان أعمى، لا يستطيع أن يأتي إلا معه قائد يلائمه، فيدل على أن الصحيح المعافى، الذي أنعم الله عليه بالصحة والعافية أنه يتعين عليه، وأنه إذا لم يرخص لأعمى، فكيف يسوغ وكيف يليق بإنسان أعطاه الله الصحة والعافية، ثم بعد ذلك يتخلف عن صلاة الجماعة فيكون شبيهًا بالمنافقين.
379 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، فَإِذا كبّر فكبّروا وَلَا تكبّروا حَتَّى يكبّر، وَإِذا ركع فاركعوا وَلَا تركعوا حَتَّى يرْكَع، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده: فَقولُوا: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد، وَإِذا سجد فاسجدوا، وَلَا تسجدوا حَتَّى يسْجد، وَإِذا صَلَّى قَائِما فصلوا قيَاما، وَإِذا صَلَّى قَاعِدا فصلوا قعُودا أَجْمَعُونَ " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه أن الإمام جعل ليؤتم به، ومعنى ذلك أنه يتابع، فلا يسابق، ولا يوافق، ولا يتخلف عنه، وإنما يتابع، لأن أحوال المأموم وراء الإمام أربع حالات؛ فهو إما أن يسابقه، بأن يركع قبله، وهذا لا يجوز ولا يصح الصلاة معه، إذا سبقه ولم يرجع إلى الركن، فإنه صلاته غير صحيحة، وكذلك بعدها الموافقة، بأن يكون معه، لا يتقدم ولا يتأخر، وهذا أخف من الأول، وتصح الصلاة معه، وهو مكروه، إلا فيما يتعلق بتكبيرة الإحرام فإنه لا بد أن يكون بعده، لا يكون موافقًا له، ويلي ذلك المتابعة، وهي أنه إذا أتى بالركن الإمامُ، يأتي هذا بعده، دون مسابقة وموافقة ودون تخلف، وإنما بمتابعة، رَكَعَ، فإذا استقر راكعا يركع هذا معه، وإذا قام أو استقر قائمًا يقوم، وإذا سجد فإنه يسجد معه إذا استقر
في الأرض ساجدًا، فالإمام جعل ليؤتم به، وهذا الحديث سبق أن مر في صفة الصلاة برقم (221)، وهناك متفق عليه، ولكنه بهذا اللفظ الذي أورده هنا ليس في المتفق عليه، ولكنه صحيح، وهو بمعنى الأول، وأن فرض المأموم المتابعة، ولا يسابقه ولا يوافقه ولا يتخلف عنه.
380 -
وَعَن الْبَراء: " انهم كَانُوا يصلونَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَإِذا ركع ركعوا، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع فَقَالَ: سمع الله لمن حَمده، لم نزل قيَاما حَتَّى نرَاهُ قد وضع وَجهه بِالْأَرْضِ، ثمَّ نتبعه " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ لمُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث وهو بمعنى الذي قبله، وهو أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون معه، وأنه إذا انتقل من ركن إلى ركن لا ينتقلون حتى ينتهي من الركن، وذلك بأنه كان يكبر ويكبرون، وإذا ركع ركعوا، وإذا قام من الركوع قاموا معه، ثم إنهم يبقون قيامًا إلى أن يسجد ويصل إلى الأرض، ومعنى ذلك أنه انتقل إلى الركن، وبدأ بالركن الذي بعده، فلا يكونوا معه في الهُوِي لأن هذا موافقة، وإنما يكونون بعده، يكونون بعد ما ينتهي من الهُوِي، وأن يستقر وجهه على الأرض، فعند ذلك يتابعه المأمومون.
381 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه: " أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ رَأَى فِي أَصْحَابه تأخرا فَقَالَ لَهُم: تقدمُوا فائتموا بِي، وليأتم بكم من بعدكم، وَلَا يزَال قوم يتأخرون حَتَّى يؤخرهم الله عز وجل " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه الائتمام بالإمام، وأنهم يتابعونه، وكان يقول لأصحابه:«تقدموا فائتمّوا بي» ، يقوله للذين قريبين منه، الذين هم قريبون منه يقول:«تقدموا فائتموا بي وليأتمّ بكم من بعدكم» يعني معناه أن الصفوف المتأخرة التي لا يرون الإمام يتبعون الصفوف التي أمامهم، ومعنى ذلك أنهم عندما يكبر إنسان يكبر الذين وراءه، وكل من يسمع فإنه يكبر، كل من يسمع فإنه يكبر، وكذلك في جميع أركان الصلاة يأتون بها بعد الإمام، قال:«تقدموا فأتمّوا بي، وليأتمّ بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله» وهذا الجزاء من جنس العمل، لأنهم تأخروا فحصل لهم التأخير من الله عز وجل، تأخروا عن الإمام ولم يتابعوه، فيحصل لهم التأخير، كما قال: "تقدموا فائتموا، وليأتم
…
ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله.
382 -
وَعَن زيد بن ثَابت قَالَ: " احتجر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ حجيرة بخصفة أَو حَصِير فَخرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي فِيهَا، قَالَ: فتتبع إِلَيْهِ رجال وَجَاءُوا يصلونَ بِصَلَاتِهِ، قَالَ: ثمَّ جَاءُوا لَيْلَة فَحَضَرُوا، وَأَبْطَأ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ عَنْهُم، قَالَ: فَلم يخرج إِلَيْهِم، فَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا الْبَاب، فَخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ مغضبا، فَقَالَ لَهُم: مَا زَالَ بكم صنيعكم حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيكتب عَلَيْكُم، فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ فَإِن خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ لمُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجر حُجَيْرَة من خَصَفَة أو حَصِيْر، يعني من خُوْص النخل، فجعله في قبلته من أجل أن يصلي أمامه، هذا في المسجد عند باب حجرته، فالناس لما شافوه يصلي جاؤوا صلوا معه، في الليلة الأولى قليلون، ثم زادوا ثم زادوا، حتى كثروا، وكان هذا في رمضان كما جاء في صحيح البخاري، والرسول صلى الله عليه وسلم خشي أن يفرض عليهم قيام رمضان، ولهذا تركه، وكان يحب الشيء أن يفعله ولكنه يتركه خشية أن يفرض، فخشي أن يفرض عليهم قيام رمضان، وأن يوجب عليهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم من شفقته على أمته صلى الله عليه وسلم وعلى سلامتها من أي شيء يكون فيه تقصير منها، تقصير منها بالفعل، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقرت الشريعة، والوحي انقطع، عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس على إمام في صلاة التراويح، لأن الذي كان يخشاه الرسول قد زال بوفاته صلى الله عليه وسلم لأن الوحي انقطع، فدل هذا على أن صلاة التراويح أنها سنة، وأنها مستحبة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تركها خشية أن تفرض، ولما مات صلى الله عليه وسلم وزال ما كان يُخْشَى، عمر رضي الله عنه جمع الناس على إمام يصلي بهم، وهذا قد جاء -كما قلتُ- في البخاري، وأن الصحابي قال:"وكان ذلك في رمضان".
383 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه، قَالَ:" صَلَّى معَاذ لأَصْحَابه الْعشَاء فطول عَلَيْهِم فَانْصَرف رجل منا، فَصَلى، فَأخْبر معَاذ عَنهُ، فَقَالَ: إِنَّه مُنَافِق، فَلَمَّا بلغ ذَلِك الرجل دخل عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَأخْبرهُ مَا قَالَ معَاذ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: أَتُرِيدُ أَن تكون فتانا يَا معَاذ؟ إِذا أممت النَّاس فاقرأ ب {الشَّمْس وَضُحَاهَا} و {سبح اسْم رَبك}، و {اقْرَأ باسم رَبك} و {اللَّيْل إِذا يغشى} " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ لمُسلم أَيْضا: وَفِي لفظ لَهُ: " فانحرف رجل فَسلم ثمَّ صَلَّى وَحده وَانْصَرف ".
ثم ذكر هذا الحديث في قصة معاذ رضي الله عنه، وأنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الفرض، ثم يذهب ويصلي بهم تلك الصلاة، هم مفترضون وهو متنفل، لأن صلاة الفرض كانت مع الرسول صلى الله عليه وسلم وإذًا، فهذه الصلاة التي صلاها بقومه هي نافلة له وفريضة عليهم، فهذا عكس الذي تقدم في أول حديث، وهو المتنفل خلف المفترض، هنا المفترض خلف المتنفل، لأن معاذًا رضي الله عنه صلاته بقومه هي نافلة، وقد صلى بهم العشاء، فطوّل فيهم، طول القراءة، فرجل كان مشغولًا، فشقّ عليه الاستمرار معه والقراءة الطويلة، فقطع صلاته، وصلى وحده، ثم انصرف، فبلغ معاذًا خبره فقال:"إنه منافق"، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي معاذًا، فدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال:«أفَتَّانٌ أنت يا معاذ؟ أفَتَّانٌ أنت يا معاذ؟ إذا صليت بالناس فاقرأ بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) و (الليل إذا يغشى)) يعني معناه: أنه يقرأ بأوساط المفصل في العشاء، لأن المغرب بقصار المفصل، والعشاء من أوساطه، والفجر والظهر والعصر من طواله، فالرسول صلى الله عليه وسلم دعاه وقال له: «إذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء، وإذا صلى وحده [يريد فضيلة الشيخ: وإذا أَمَّ الناس] فليخفف، فإن فيهم الضعيف، والصغير، وذا الحاجة» كما سيأتي.
384 -
وَعَن عَائِشَة قَالَت: " لما ثقل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ جَاءَ بِلَال يُؤذنهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ: مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ، قَالَت، فَقلت: يَا رَسُول الله! إِن أَبَا بكر رجل أسيف وَإنَّهُ مَتى يقم مقامك لَا يسمع النَّاس فَلَو أمرت عمر؟ فَقَالَ: مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ. قَالَت: [فَقلت لحفصة: قولي لَهُ: إِن أَبَا بكر رجل أسيف، وَإنَّهُ مَتى يقم مقامك لَا يُسمع النَّاس فَلَو أمرت عمر، فَقَالَت لَهُ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: " إنكن لأنتن صَوَاحِب يُوسُف مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ قَالَت:] فَأمروا أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ، قَالَت: فَلَمَّا دخل فِي الصَّلَاة وجد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ من نَفسه خفَّة فَقَامَ يهادى بَين رجلَيْنِ وَرجلَاهُ تخطان فِي الأَرْض، قَالَت: فَلَمَّا دخل الْمَسْجِد سمع أَبُو بكر حسه، ذهب يتَأَخَّر، فَأَوْمأ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: قُم مَكَانك، فجَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ حَتَّى جلس عَن يسَار أبي بكر، قَالَت: فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسا وَأَبُو بكر قَائِما، يَقْتَدِي أَبُو بكر بِصَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ، ويقتدي النَّاس بِصَلَاة أبي بكر " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ثقل، اشتد به المرض صلى الله عليه وسلم فكان يقول:«مروا أبا بكر فليصل بالناس» ، يعني معناه هو الذي يؤم الناس، فكانت عائشة رضي الله عنها رأت أن تقدم أبيها ومجيئَه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، ما يكون الناس مرتاحين لكون الرسول مَرِض، ولكونه جاءهم شخص غيره، فهي ما أرادت أن يكون أبوها هو الذي في النفوس، في نفوس الصحابة شيء من إمامته، لأنه لا يرتاح الناس لأحد يأتي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشقّ ذلك عليهم ويكونون يتألمون ويتأثرون.
فكانت عائشة رضي الله عنها تقول هذا، ثم قالت لحفصة قولي له، فقال:«إنكن لصواحب يوسف» ، يعني معنى ذلك: أنهن يقلن شيئًا وهنّ يردن غيره، وذلك أنها قالت:"أن أباها رجل أسيف"، يعني معناه: أنه بكّاء، وأنه لا يملك نفسه من البكاء، وأنه إذا صلى لا يُسْمِعُ الناس من البكاء، هذا هو الظاهر، ولكن الخفي والباطن الذي تريده أن الناس لا يتأثرون بكونهم صلوا وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«إنكن لصواحب يوسف» ، ثم إنه دخل في الصلاة أبو بكر، وكان في أولها، فوجد النبيُّ صلى الله عليه وسلم خِفَّة، يعني أنه خفيف يمكن أنه يذهب، فذهب يهادى بين رجلين حتى جلس بجوار أبي بكر عن يساره، وكان ذلك في أول الصلاة، لم يمض شيء من الصلاة، فكان صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس هو الإمام، وأبو بكر على يمينه يبلغ صلاته، فأبو بكر يسمع صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو صوته خافت، يعني ليس مرتفعًا، ثم يبلغ الناس يرفع صوته، يعني الذي هو أبو بكر، فدل هذا على أن الإمام [لعل الشيخ يريد "المأمومين"] إذا بدؤوا بالصلاة وهم قيام، ثم حصل طارئ أو عذر فإنهم يستمرون، ويستمرون على قيامهم، لأنهم دخلوا في الصلاة مع أبي بكر، ثم إنهم استمروا بعدما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وتحول من كونه -أبو بكر-، من كونه إمامًا إلى كونه مأمومًا، الرسول صلى الله عليه وسلم يكبر، وأبو بكر يبلغ تكبيره للناس.
385 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " إِذا أمّ أحدكُم النَّاس فليخفف فَإِن فيهم الصَّغِير وَالْكَبِير والضعيف وَالْمَرِيض، فَإِذا صَلَّى وَحده فَليصل كَيفَ شَاءَ " وَفِي لفظ: " وَذَا الْحَاجة " وَفِي آخر: " الضَّعِيف والسقيم " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ لمُسلم. وَلم يقل البُخَارِيّ:" وَالصَّغِير ".
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه أنه يقول لمن صلى إمامًا أنه يراعي حال المأمومين، فيراعي حال الكبير والضعيف وذا الحاجة، وأما إذا كان وحده فليصل ما شاء، لأنه ليس هناك أحد يتضرر أو يتأذى بتطويله، لأن هذا شيئًا خاص به، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن الإنسان إذا كان إمامًا أنه يراعي حال المأمومين، فيخفف من أجل من يتضرر بتطويله، وإذا صلى وحده فإنه يطول ما شاء، وهذا منهج قويم، رسمه صلى الله عليه وسلم للأئمة، وأن الإمام يراعي حال المأمومين، ما يطول ويشقّ على الناس، ولكنه يراعي أحوالهم، فإذا رأى أنهم يتمكنون، وأنه يعرف أنهم لا يشقّ عليهم
…
وإذا كان يعرف أنه يشقّ عليهم فإنه يخفف ويراعي حال المأمومين.
الدرس الثامن والثلاثون
386 -
وَعَن عَمْرو بن سَلمَة الْجرْمِي قَالَ: " كُنَّا بِمَاء ممر النَّاس، وَكَانَ يمر بِنَا الركْبَان فنسألهم مَا للنَّاس؟ مَا للنَّاس؟ مَا هَذَا الرجل؟ فَيَقُولُونَ: يزْعم أَن الله عز وجل أرْسلهُ، أَو أوحى الله بِكَذَا، فَكنت أحفظ ذَلِك الْكَلَام فَكَأَنَّمَا يقر فِي صَدْرِي. وَكَانَت الْعَرَب تلوّم بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْح فَيَقُولُونَ: اتركوه وَقَومه، فَإِن ظهر عَلَيْهِم فَهُوَ نَبِي صَادِق. فَلَمَّا كَانَت وقْعَة [أهل] الْفَتْح بَادر كل قوم بِإِسْلَامِهِمْ، وَبدر أبي قومِي بِإِسْلَامِهِمْ. فَلَمَّا قدم قَالَ: جِئتُكُمْ وَالله من عِنْد النَّبِي حَقًا، فَقَالَ: صلوا صَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا وصلوا صَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا، فَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن أحدكُم وليؤمكم أَكْثَرَكُم قُرْآنًا. فنظروا فَلم يكن أحد أَكثر قُرْآنًا مني لما كنت أتلقى من الركْبَان فقدموني بَين أَيْديهم وَأَنا ابْن سِتّ أَو سبع سِنِين، وَكَانَت عَلّي بردة وَكنت إِذا سجدت تقلصت عني، فَقَالَت امْرَأَة من الْحَيّ: أَلا تغطون عَنَّا است قارئكم!؟ فاشتروا، فَقطعُوا لي قَمِيصًا فَمَا فرحت بِشَيْء فرحي بذلك الْقَمِيص " رَوَاهُ البُخَارِيّ وَعند أبي دَاوُد: " وَأَنا ابْن سبع سِنِين أَو ثَمَان سِنِين " وَعند النَّسَائِيّ: " وَأَنا ابْن ثَمَان سِنِين ".
فهذه الأحاديث هي الأحاديث المتبقية من باب صلاة الجماعة عند ابن عبد الهادي في المحرر وأولها هذا الحديث عن عَمرو بن سَلَمَة الجَرْمِي رضي الله عنه أنهم كانوا في طريق في ممر الناس، يأتون ذاهبين وآيبين يمرون، فكانوا يتلقون الركبان الذين يأتون من مكة والمدينة، وكان يتلقون عنهم، ويأخذون عنهم، وكان عَمْرو بن سَلَمَة يتلقى الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق هؤلاء الركبان الذين يمرون بالمكان الذي هم فيه، فكان يتلقى، وكان أكثرهم قرآنًا، لأنه كان يحرص على السماع من هؤلاء الذين يمرون بهم، فكان يحرص على ذلك، وكان أكثرهم قرآنًا، ولما جاء وقت الصلاة، صلوا وجعلوه إمامًا لهم، لأنهم وجدوا أنه أكثرهم قرآنًا، وقد جاء في الرواية عند البخاري أنه "ابن ست أو سبع سنين"، وجاء عند أبي داود، وغيره أنها "سبع أو ثمان"، وجاء أيضًا أنه "ثمان سنين"، وعلى هذا فإن إمامة الصبي إذا كان مميزًا، والتمييز يكون ببلوغ السبع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع» وهم قبل السبع ليسوا مأمورين، وإنما يؤمرون عند بلوغ السبع، وعلى هذا فإن المميز الذي بلغ سبع سنين فأكثر، فإنه يؤم الناس عند الحاجة إليه، لا سيما إذا كان أكثر من غيره قرآنًا، فهذا يدل على إمامة الصبي إذا كان مميزًا، وهذا عمل حصل في زمن النبوة، ولو كان ذلك غير صحيح لنزل الوحي ببيان أن عملهم هذا أنه ليس بصحيح، ومثله الحديث الذي جاء عن جابر رضي الله عنه أو قال:"كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئًا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن"، فلو كانت صلاتهم غير صحيحة وأن هذا العمل غير صحيح لنزل القرآن ولجاء الوحي بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإن إمامة الصبي إذا كان مميزا أنها صحيحة، والعمدة في ذلك هذا الحديث.
ولكن كما قلتُ أن الروايات الأخرى التي جاءت "ست""سبع" أو جاءت "ثمان"، هذه روايات صحيحة، وهي التي تكون مطابقة لقوله صلى الله عليه وسلم:«مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» .
387 -
وَعَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " يكره أَن يؤم الْغُلَام حَتَّى يَحْتَلِم " رَوَاهُ الْأَثْرَم وَالْبَيْهَقِيّ، وَلَفظه:" لَا يؤم الْغُلَام حَتَّى يَحْتَلِم ".
و هذا أثر جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو أنه يكره للغلام أن يؤمّ حتى يحتلم يعني حتى يبلغ، ولكن هذا الأثر غير صحيح، لأن في إسناده رجلًا متروكًا يعني لا يعول على روايته والحديث السابق هو الواضح في صحة إمامة الصبي الذي لم يبلغ.
388 -
وَعَن أبي مَسْعُود قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله، فَإِن كَانُوا فِي الْقِرَاءَة سَوَاء فأعلمهم بِالسنةِ، فَإِن كَانُوا فِي السّنة، سَوَاء فأقدمهم هِجْرَة، فَإِن كَانُوا فِي الْهِجْرَة سَوَاء، فأقدمهم سلما، وَلَا يؤمّنّ الرجلُ الرجلَ فِي سُلْطَانه، وَلَا يقْعد فِي بَيته عَلَى تكرمته إِلَّا بِإِذْنِهِ " وَفِي رِوَايَة: " سنا " بدل سلما. رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه، أنه قال:«يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة» ، وهذا يدل على أن الأكثر قراءة، وأن الذي يكون أكثر من غيره قراءة أنه هو الأولى بالإمامة، وأنه إذا تساووا في القراءة فإنه يصار إلى من كان أعلم بالسنة، وإن كانوا اتفقوا بكونهم في الحفظ وفي العلم بالسنة سواء، فيقال أقدمهم هجرة يعني انتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا أي إسلامًا، من كان أسلم، إسلامه متقدمًا، وفي بعض الروايات أقدمهم سنًّا يعني إذا كان أكبر فإنه يقدم على غيره، وهذا الحديث يدلنا على بيان أولى الناس بالإمامة، وهو حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه، وفي بعض الروايات بدل «سلمًا» ، «سنًّا» يعني أكبرهم، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكبركم» ، وهذا فيما إذا كانوا متماثلين، فإذا كانوا متماثلين ولم يبق إلا السنّ، فإنه يقدم من كان أقدم سنًّا، ولهذا جاء في الحديث «أقدمهم سنًّا» يعني الذي هو أكبر من غيره، وعلى هذا فإن الإمامة أول ما تكون، إنما تكون للأقرأ، ثم يكون من عنده علم بالسنة، ثم يكون من أقدم هجرة، ثم يكون من أقدم سلمًا، وفي بعض الروايات «سنًّا» بدل «سلمًا» ، «ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه» يعني الحاكم والإمام إذا حضر فهو الأولى بالإمامة من الإمام الراتب، ولهذا قال:«ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ في سلطانه» يعني أنه هو الأولى، وهذا يدلنا على أن المرأة ليست أهلًا للولاية، لأنه قال:«يؤمهم» المرأة لو حصل هذا ما تصلي بالناس، ما تكون إمامة للرجال، فهذا يدلنا على أن المرأة لا تصلح للإمامة، وأنها لا تكون لها ولاية على الرجال، وإنما الرجال هم الذين لهم الولاية على الرجال والنساء، والنساء لا يكن لهن ولاية على الرجال لأنه قال:«ولا يؤم الرجل في سلطانه» والمقصود بذلك الرجل، وأما المرأة فليس لها حق الولاية، ولا يصح أن تتولى الإمامة لأن المرأة لا تؤم الرجال، فلا تؤمهم في الولاية، ولا تؤمهم في الصلاة، «ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه» إذا جاء الإنسان في مجلس إنسان، فإنه هو الذي ينزل الناس منازلهم، وهو الذي يقول لفلان "اجلس هنا، اجلس هنا" هذا إليه، ليس إلى الداخل، وليس إلى الضيف الذي يأتي، وأنه يتخير أحسن مكانٍ أو أقرب مكان فيصير يجلس فيه، وإنما المكان الذي يضعه فيه صاحب البيت هو الذي يجلس فيه، أما كونه يختار له مكانًا لا يرضاه صاحب البيت ولم يأذن له صاحب البيت فليس له أن يفعل ذلك.
389 -
وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" لِيَلني مِنْكُم أولو الأحلام والنُّهى ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا، وَإِيَّاكُم وهيشات الْأَسْوَاق " رَوَاهُ مُسلم أَيْضا.
ثم ذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى» يعني أقرب ما يكون إلى الإمام وهو يصلي، «أولوا الأحلام والنهى» يعني أصحاب العقول، الأحلام والعقول، «والنهى» هي المقصود بها العقول، يعني من كان متصفًا بهذه الصفات هو الأولى أن يكون قريبًا من الإمام، لا سيما وأنه إذا كان قريبًا من الإمام وهو صاحب عقل، وحافظ شيء من القرآن، فإنه يفتح على الإمام إذا أخطأ، وكذلك لو نابه شيء فإنه يمكن أن يكون أهلا للإمامة، وأنه يتولى الإمامة، فإذًا الذين يلون الإمام هم أهل العقول وأهل النهى، وأهل العلم والمعرفة، فهم يقدمون على غيرهم، ثم الذي يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم قال:«وإياكم وهيشات الأسواق» يعني هو الصخب الذي يكون في الأسواق، واللغط هو الذي يكون الناس في الأسواق لا يتورعون من أن يتكلموا بكلام غير لائق، وإنما عليهم أن يكونوا متأدبين بالآداب الحسنة، وأن لا يحصل منهم أمور منكرة.
390 -
وَعَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: " رصوا صفوفكم وقاربوا بَينهَا وحاذوا بالأعناق، فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأرَى الشَّيَاطِين تدخل من خلل الصَّفّ كَأَنَّهَا الْحَذف " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، النَّسَائِيّ وَابْن حبَان البستي. والحذف بِالتَّحْرِيكِ: غنم سود صغَار من غنم الْحجاز الْوَاحِدَة حذفة، قَالَه الْجَوْهَرِي.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن الجماعة عندما يقومون للصلاة فإنهم يتراصون فيها، ويتقاربون، ويتساوون، بحيث لا يكون بينهم فجوات، ولا يكون تقدمًا وتأخرًا، وإنما يكون الصف مستقيمًا مع التراص ومع المحاذاة في الأعناق، بحيث أنه لا يتقدم ولا يتأخر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى هذا، وذكر أن الشياطين أنها تكون إذا وجد خلل، فإنها تدخل معه كما تدخل البهائم، الشياطين تدخل كهيئة البهائم التي تدخل بين الأماكن التي فيها مجال للدخول معه.
391 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:" خير صُفُوف الرِّجَال أَولهَا، وشرها آخرهَا. وَخير صُفُوف النِّسَاء آخرهَا وشرها أَولهَا " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث في أفضلية صفوف الرجال والنساء، أما صفوف الرجال والنساء فهي على الإطلاق، لأن خيرها أولها وشرها آخرها، لأن أولها فيه تقدم للصلاة، وفيه القرب من الإمام، وسماع لقراءته وسماع تذكيره وبيانه إذا حدّث الناس أو نصحهم أو ذكّرهم، فإن من يكون قريبًا من الإمام يحصل له هذه الفضائل، ويحصل له هذه المنافع، وأما آخر الصفوف، إنما يكون فيه الذين جاؤوا متأخرين، ومعنى ذلك أن المتقدمين كما قال:«خير الصفوف الرجال أولها وشرها آخرها» يعني معناه هذه أعظم أجرًا، وأعظم ثوابًا، وهذه أقل ثوابًا، ثم إذا كان معهم نساء، فإن قرب آخر صفوف الرجال ويليه أول صفوف النساء يكون بينهم شيء من التقارب، وقد تحصل فتنة بين الرجال والنساء بسبب ذلك، وأما إذا النساء صلين وحدهن، فإنه لا يقال "إن خير صفوفهن آخرها"، بل خيرها أولها، يعني إذا كانت النساء يصلين وحدهن، وإنما تكون إذا كن مع الرجال فآخرها هو الأفضل، لأنه فيه الإبتعاد عن الرجال وعن رؤية الرجال والإفتتان بالرجال، فإذا كن النساء وحدهن ويصلين وحدهن وليس وراء إمام من الرجال، فإن هن يكن مثل الرجال صفوفهن الأول هي الخير وهي الأفضل.
392 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: " صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ ذَات لَيْلَة فَقُمْت عَن يسَاره فَأخذ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ برأسي من ورائي فجعلني عَن يَمِينه " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهذا حصل عندما بات عند خالته ميمونة رضي الله عنها لينظر إلى صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قام في الليل، وتوضأ ودخل في الصلاة، يصلي صلاة الليل، وابن عباس قام وتوضأ مثله، وجاء وصفّ عن يساره، فالرسول صلى الله عليه وسلم أداره عن يمينه، وجعله بمحاذاته من جهة اليمين، وهذا يدلنا على أن الواحد إذا كان مع الإمام فإنه يكون عن يمينه، ولا يكون عن يساره، لكنه لو صلى عن يساره صحّت صلاتُه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل في الصلاة وابن عباس عن يساره، اعتبر له دخوله في الصلاة، وأن ما مضى أنه صحيح، ولو كان ذلك غير صحيح لنبّهه بأن يقطع الصلاة وأن يدخل فيها من جديد، لكنه اعتبر تكبيرته للإحرام ودخوله للإحرام وهو على يساره،
فدل هذا على أنه لو صلى فإن صلاته صحيحة، لكن السنة أن يكون على يمين الإمام وليس عن يساره، فإذًا الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما دخل ابن عباس في الصلاة عن يساره أداره حتى جعله عن يمينه، فدل هذا على أن الجماعة أقلها اثنان، وأن من يكون مع الإمام في صلاة الجماعة وهو واحد فإنه يكون عن يمينه.
393 -
وَعَن أنس قَالَ: " صَلَّى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فِي بَيت أم سليم، فَقُمْت ويتيم خَلفه وَأم سليم خلفنا " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ. وَلمُسلم:" أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ صَلَّى بِهِ وبامرأة فَجعله عَن يَمِينه وَالْمَرْأَة خَلفه ".
ثم ذكر هذين الحديثين عن أنس رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وهو أنه كان صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم يعني مرة معه امرأة، فصار عن يمينه، والمرأة وراءهم، والرواية الثانية أنه كان معه يتيم، وأنه صلى مع اليتيم وراء النبي صلى الله عليه وسلم، والمرأة بعدهم، فدل هذا على أن المرأة تكون صفًّا وحدها، وأنها ليست كالرجال، الرجال لا يجوز، لأن للإنسان أن يصلي منفردًا خلف الصف، وأما المرأة لا تصلي في صف الرجال، وإنما تكون وراء الرجال، إن كان رجلًا، لو كان رجلًا واحدًا فإنها تكون صفًّا وراءه وحدها، ولا تصف بجواره، وإن كان في صفوف، فإنها تكون وراء الصفوف إذا كانت وحدها، وصلاتها تصح وهي منفردة، بخلاف الرجال أنه لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف كما سيأتي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل أيضًا على مصافة الصغير لأنه قال:"ويتيم" يعني معناه أنه صغير، فدل على أن الصغير يكون صفًّا ويكون مع غيره صفًّا لأنه صلى ومعه اليتيم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرأة وراءهم يعني صفًّا ثانيًا.
394 -
وَعَن أبي بكرَة: " أَنه انْتَهَى إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وَهُوَ رَاكِع فَرَكَعَ قبل أَن يصل إِلَى الصَّفّ فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَ: زادك الله حرصا، وَلَا تعد " رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَأبي دَاوُد:" أَنا أَبَا بكرَة جَاءَ وَرَسُول الله رَاكِع، فَرَكَعَ دون الصَّفّ، ثمَّ مَشَى إِلَى الصَّفّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: زادك الله حرصاً وَلَا تعد ".
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه أن أبا بكرة رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وهو راكع، وركع قبل أن يصل إلى الصف، ثم دبّ حتى دخل في الصف، والرسول صلى الله عليه وسلم قال له بعد ذلك لما عَلِمَ وسأله وقال أنه هو الذي فعل هذا، وقال صلى الله عليه وسلم:«زادك الله حرصًا ولا وتعد» ، يعني زاده الله حرصًا على تحصيل الفضائل، وعلى تحصيل الفضل، ولكنه أرشده أن لا يعود إلى مثل هذا، وإنما عليه أن يأتي فما أدرك صلى وما فاته قضى، ما أدركه مع الإمام صلاه، وما فاته قضاه، كما سيأتي في حديث بعد هذا، فهذا يدلنا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبر هذه الركعة له، ولكنه أرشده إلى أن لا يعود إلى ذلك في المستقبل، وإنما يأتي وعليه السكينة، فما أدرك صلى، وما فاته قضى.
395 -
وَعَن هِلَال بن يسَاف، عَن عَمْرو بن رَاشد، عَن وابصة بن معبد:" أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ رَأَى رجلا يُصَلِّي خلف الصَّفّ [وَحده] فَأمره أَن يُعِيد الصَّلَاة " رَوَاهُ أَحْمد وَحسنه، وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه، وَابْن حبَان فِي " صَحِيحه "، (وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ:(حَدِيث حسن). وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: (ثبّت الحَدِيث أَحْمد وَإِسْحَاق). وَقَالَ ابْن عبد الْبر: (فِي إِسْنَاده اضْطِرَاب)).
ثم ذكر هذا الحديث عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أنه رأى رجلًا يصلي خلف الصف -يعني وحده-، فأمره بإعادة الصلاة -يعني معناه لم يعتبر له هذا الموقف أنه يكون صفًّا وحده-، وإنما المرأة هي التي تكون صفًّا وحدها، إذا لم يكن معها أحد فإنها تكون صفًّا وحدها بخلاف الرجال، فإن الواحد لا يكون صفًّا وحده، وإنما عليه إذا وجد له متسعًا، وإلا فله أن يتقدم ويصلي على يمين الإمام، يعني بدل ما يصلي وحده ولا تصح صلاته، فإنه يتقدم ويصلي على يمين الإمام، يعني فيكون مع الإمام على يمينه، وبذلك تصح صلاته، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد من صلى وحده خلف الصفّ أن يعيد الصلاة لأن صلاته لا تصح إذا كان وحده، ولكنه عند الحاجة يتقدم حتى يكون بجوار الإمام ولا يكون صفًّا وحده، وإنما يكون بجوار الإمام، ولكن لو أن إنسانًا صفّ وحده ثم جاء أحد ودخل معه قبل أن يركع، فإنه يصح لأنه حصل الركوع وهم جماعة، لكن كونه يركع وهو وحده فهذا مثل ما تقدم أنه يعيد الصلاة، لكن إذا كان أنه جاء أحد ودخل معه في الركعة الثانية فإنه الركعة الأولى غير معتبرة، وإنما عليه أن يقضيها مثل ما لو أنه صلى صلاة كلها وهو منفرد فإنه يقضي الصلاة كلها.
396 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ:" إِذا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَة فامشوا إِلَى الصَّلَاة وَعَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار وَلَا تسرعوا فَمَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فَأتمُّوا " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ. وَفِي لفظ لمُسلم:" صل مَا أدْركْت واقض مَا سَبَقَك " وَرَوَاهُ أَحْمد عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة: " وَمَا فاتكم فاقضوا ". وَقد وهم بعض المصنفين فِي قَوْله: (إِن لفظ الْقَضَاء مخرج فِي الصَّحِيحَيْنِ). وَقَالَ أَبُو دَاوُد: (قَالَ يُونُس الزبيدِيّ، وَابْن أبي ذِئْب، وَإِبْرَاهِيم بن سعد، وَمعمر، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ: " وَمَا فاتكم فَأتمُّوا " وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: عَن الزُّهْرِيّ وَحده: " فاقضوا "). وَقَالَ مُسلم: (أَخطَأ ابْن عُيَيْنَة فِي هَذِه اللَّفْظَة، وَلَا أعلم من رَوَاهَا عَن الزُّهْرِيّ غَيره). وَفِي قَول أبي دَاوُد وَمُسلم نظر! فَإِن أَحْمد رَوَاهَا عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ، وَقد رويت من غير وَجه عَن أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ:(وَالَّذين قَالُوا " فَأتمُّوا " أَكثر وأحفظ وألزم لأبي هُرَيْرَة فَهُوَ أولَى) وَالتَّحْقِيق أَنه لَيْسَ بَين اللَّفْظَيْنِ فرق فَإِن الْقَضَاء هُوَ الْإِتْمَام لُغَة وَشرعا.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة والوقار» يعني إذا سمع الإقامة ما يسرع، يأتي وهو مسرع حتى يدرك الركعة الأولى أو الركعة التي فيها الإمام، وإنما يمشي وعليه السكينة والوقار، فما أدرك صلاه وما فاته أتمه أو قضاه، وقد جاءت الروايات كثيرة بلفظ «أتموا» ، وجاء في بعضها «اقضوا» ، ولكن القضاء يحتمل معنيين، يحتمل أن يكون يقضي الشيء الذي فات، ويحتمل أن يكون أنه يتم الشيء الذي مضى، فتكون بمعنى الإتمام.، وهذا مثل ما قال الله (فقضاهن سبع سماوات) يعني أتم خلقهن، فالقضاء يأتي بمعنى الإتمام، ولكن ذكر الإتمام والقضاء يترتب عليه مسألة وهي "هل ما يقضيه المسبوق أول صلاته أو آخر صلاته؟ "، فالصحيح أن ما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته، وما يفعله مع الإمام هو أول صلاته، فيكون آخر صلاة الإمام أول صلاة للمأموم المسبوق يعني يكون أول صلاته، الأول أول، والآخر آخر، الأول للإمام أول والآخر آخر، والأول للمسبوق أول والآخر آخر، فإذًا ما يقضيه المسبوق هو أول صلاته لأنه قال:«فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» فأتموا يعني معناه آخر الصلاة يأتي به، لأن أول الصلاة هو الذي أدركه مع الإمام، والذين قالوا إنما يقضيه المسبوق هو أول صلاته، قالوا يعني ذكر القضاء وأنه يقضي ما فات، ولكن القضاء يأتي بمعنى قضاء الشيء، ويأتي بمعنى إتمام الشيء، والرواية التي فيها القضاء تكون بمعنى الإتمام، ولا تنافيها، فيكون بذلك المعنى واحد، وهو أنما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته، وما أدركه مع إمامه هو أول صلاته.