الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
(1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه وسلم تسليماً مزيداً.
أما بعد: فهذه مجموعة من اختيارات سماحة الشيخ الإمام العالم العلامة سليل الأكارم، وشيخ المشايخ، محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله أقدمها لإخواني من طلاب العلم وغيرهم، ممن يريد الانتهال من مناهل العلم، والمعرفة، وطرق الاستنباط، والترجيح، وعرض الأقوال، والرد على المخالف، وقد أخذتها من:«فتاوى ورسائل الشيخ/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ» جمع وترتيب وتحقيق/ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم. حملني على جمعها واستخراجها علمي الأكيد بحاجة المسلمين إلى هذه الاختيارات والترجيحات؛ لأنها صدرت عن عالم بارز له مكانته المرموقة العالية بين أهل العلم وذووه، لما كان يتصف به من سعة العلم وحدة الذكاء، وتقلد الأعمال، والمهام التي كان من خلالها يشرف من قرب على مصالح المسلمين في الداخل والخارج، فكانت الأسئلة والاستفسارات تتوارد عليه من كل مكان بكل ما يعن لهم من مشكلات، وما يهمهم من ملمات، فأكسبه
(1)
جلها مستقى من مقدمة الشيخ/ محمد بن عبد الرحمن القاسم رحمه الله لفتاوى سماحة الشيخ.
ذلك سعة اطلاع على أحوال أمته الإسلامية في كل مكان، فكان بذلك شيخ الإسلام في زمانه رحمه الله.
أسأل الله أن ينفع الشيخ/ محمد بهذا الجمع، وأن يجعله له من العلم النافع الذي يصله ثوابه بعد موته، كما أسأل الله أن يجعل العمل له خالصًا، ولعباده نافعًا. وأحب أن أنوه إلى أمور:
الأول: أن بعض الحواشي هي مما كتبه جامع الفتوى الشيخ/ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله فما كان له فإني أضع في نهاية الحاشية (القاسم).
ثانياً: سيجد القارئ الكريم في ذيل الكتاب «تحذير الناسك مما أحدث ابن محمود في المناسك» فإني قد نقلته بكامله؛ وذلك لأنه في نظري لا يقبل الانتقاء والاختيار والتلخيص، فهو «خلاصة» كيف تخلص وينتقى منها، ولأنه مبني بعضه على بعض، إذ هو ذكر لأقوال ابن محمود رحمه الله والرد عليها. وهناك فائدة أخرى حملتني على نقله كاملاً وهي أن فيه حسن عرض الأقوال المخالفة وجودة الرد عليها، وعرض لطرق الإقناع، فكان بحق درس واضح بيّن يستفاد منه في هذا الباب - باب الرد على المخالف -؛ ولأن هذا الرد كما أنه رد على ابن محمود فهو رد على كل من قال بشيءٍ من هذه الأقوال المردود عليها، وخصوصاً في وقت الحج.
والحمد لله أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا إلى يوم الدين.
خالد بن سعود بن عامر العجمي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة في أصول الفقه وقواعده
* يسر الشريعة وسماحتها، معنى ذلك:
إن مفردات شرائعها جاءت على السهولة، كقصر الرباعية ونحو هذا، هذا معنى يسر الشريعة، ليس معناه ترك الواجبات وفعل المحرمات
…
ومن ناحية أُخرى عندما يتضايق الحال، كالرخص الشرعية، كأكل الميتة إذا وجدت المخمصة (2/ 5).
*
صلاحية الشريعة لكل زمان،
معنى ذلك:
لأن الشريعة قواعد شرعها المحيط علمه بكل شيء لتنظيم أحوال الناس، وحل مشاكلهم على الدوام
…
ما من زمان وإن تطورت مشاكله واتسعت إلا وفي الشريعة بيان حكمها ثم ليعلم أن تطور الزمان بأي نسبة لا يخرج شيئًا من حكمه الشرعي، إذ دفع حكم ثبت شرعًا بالحوادث لا يجوز بحال لأنه يكون نسخًا بالحوادث، ويفضي إلى رفع الشرع رأسًا، وربما يشبه ههنا بعض الجهلة بقول عائشة (2/ 5 - 6) رضي الله عنها: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد.
ولا حجة فيه بحمد الله على تغيير الأحكام الثابتة شرعًا بالحوادث، فإن
عائشة ردت الأمر إلى صاحب الشرع، فقالت: لو رأى لمنع، ولم تمنع هي، ولم تر لأحد أن يمنع وهذا واضح بحمد الله والله الموفق (1/ 182).
* حكام الشرع المنتسبون إلى الأئمة الأربعة وغيرهم أحكامهم ما بين صواب يحصل لصاحبه أجران، أجر الاجتهاد وأجر الإصابة
…
وما بين خطأ من صاحبه بعد بذل الوسع في الحصول على الصواب إن فاته ذلك لم يفته أجر الاجتهاد والحرص على الصواب. (2/ 7).
* مسألة التحليل والتحريم لم توكل إلى أحد من الخلق إنما ذلك إلى الله ورسوله، فهو من الأمور العامة التي ليس للعلماء ولا لغيرهم فيها منفذ بل لا يقوله أحد إلا الشرع، وفي الآية:{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} الآية [النحل: 116]، (2/ 7).
* المسائل الشرعية لا يقال فيها بالرأي والاقتراحات المجردة عن الدليل (2/ 8).
*
فرض العين وفرض الكفاية أيهما أفضل:
اختلفوا أيهما أفضل، والمعروف والمشهور فرض العين، وذلك أنه واجب عليه عينًا وهو آكد، هذا هو الصحيح والراجح.
إلا أنه قد يقال: هذا آكد من ناحية، وهذا آكد من ناحية.
كما يكون في بعض مسائل التفضيل فيكون جمعًا بين القولين.
هذا آكد بأنه ما فرض إلا وهو متعين عليه، وهذا آكد بأنه إذا ترك أثم الجميع. (2/ 8).
* الكراهة تطلق ويراد بها التحريم، وتطلق ويراد بها التنزيه، فمن الأول:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)} [الإسراء: 38] لأن قبل هذا تعداد الأمور المحرمات، ومن الثاني:«كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها» .
وهي في ألسن السلف المراد بها التحريم أكثر، وهي التي في لغة القرآن. (2/ 8 - 9).
* ينبغي: هذه الكلمة تستعمل فيراد بها الاستحباب، ونحوه عند كثير من الناس، وأتباع الأئمة.
ولا ينبغي: أي لا يستحب، ولكن هذا غلط!
فإن أصل وضعها لتعظيم الامتناع {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69](2/ 9).
* أصول الأدلة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والرابع القياس، والجماهير على حجيته، ومن أدلته:«أرأيتم لو وضعها في حرام» . (2/ 9).
* ليس كمثله شيء.
المشهور عند الأصوليين وغيرهم أن الكاف صلة، وأن معناها: تأكيد نفي المثل، والذي ليس كمثله شيء أبلغ في النفي من: ليس مثله شيء. (2/ 10).
* الراجح: أن العلم قد يحصل بغير المتواتر، وبغير الحواس الخمس وبغير البديهيات، فأخبار الآحاد إذا حفت بها القرائن أفادت العلم ليس الظن فقط. (2/ 11).
*
الإجماع:
قيل: يشترط انقراض العصر!
ولو قيل به لكان الإجماع على ضلالة، والقول الصحيح الأول وأنه في أي عصر وجد (2/ 12).
* «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن» المراد: إجماعهم (2/ 12).
* الخلاف: منه ما له حظ من النظر، ومنه ما ليس له حظ. ومنه قسم ثالث يكون معروف الضعف، فإذا قيل في الثالث: لا يلتفت إليه وليس بشيء فهذا صحيح. (2/ 12).
* قولهم: اختلاف الأمة رحمة، عند النقد والتحقيق غلط
…
الاختلاف بينهم عذاب مع ما ينتج من البغضاء والعداوة والتفرق وغير ذلك، وأيضًا هو لم يجئ في النصوص إلا مذمومًا، والثواب على الاجتهاد لا على الاختلاف، فالتحقيق أن الاجتماع رحمة والافتراق عذاب. (2/ 12 - 13).
*
التفسير بالإشارة:
الإشارة وجه من أوجه التفسير، ويوجد من يستعملها ويكثر، وربما أكثر من يفسر الآية بإشارتها هم المتصوفة
…
يغلون في ذلك حتى يخرجوا عن الحد فيجعلون معاني ليس للإشارة محل فيها. (2/ 13).
*
أصحابي كالنجوم:
المعروف عند أهل الحديث حقًّا أنه لا يثبت سنده ولا يصلح للاحتجاج فلا تقوم به حجة، وكذلك معناه غير مستقيم، فإن معناه يقتضي أنه إذا كان صحابيان
أحدهما يقول: هذا حرام، والآخر يقول: هذا حلال، أن الكل هدى.
هذا تناقض، بل أحدهما هدى، وأما الآخر فلا، لكن قد يكون معذورًا، والمعروف عند المحققين أن الحق واحد. (2/ 13).
* الراجح: أن المصيب واحد، فإنه لا يمكن أن يكون قولان متغايران كل منهما صواب. (2/ 15).
*
المنهي عنه لا لذاته:
هذا الجنس في جميع موارده إذا دعت الحاجة إلى شيء منه جاز (2/ 14).
* إذا استفتى من يعلم أنه أقل علمًا وأخذ قوله لملائمته له، فهذا أشد لومًا ممن قلد شخصًا دون نظيره لمجرد هواه. (2/ 19).
* الناس إذا اجتمعوا على شيء وألفوه وهو قول طائفة من أهل العلم فلا يشوش عليهم. (2/ 260).
* المسألة الخلافية إذا وقعت فيها الضرورة ما هي بشهوة
(1)
، جاز للمفتي أن يأخذ بالقول الآخر من أقوال أهل العلم الذي فيه الرخصة. (2/ 21).
* لا يتعين أن تكون الفتوى في واقعة من الوقائع أصلًا في كل واقعة تجتمع هي وإياها في أصل واحد، بل ولا يسوغ ذلك. (2/ 22).
* لا يتعارض نصان أبدًا في نفس الأمر من كل وجه، إلا وأحدهما منسوخ، إذ ما عند رب العالمين ليس فيه اختلاف. (2/ 23).
(1)
ليست لمجرد هوى في نفس المفتي أو المستفتي. (القاسم).
* قاعدة عند العلماء: أن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا أطلقا
(1)
شيئًا فلا يجوز لأحد تقييده. (2/ 34).
* إذا تعارض رأي الصحابي وروايته، فروايته مقدمة على رأيه، هذا هو الصحيح من قولي العلماء. (2/ 53).
* قول الصحابي إذا خالف الحديث، قدم الحديث عند الأئمة (2/ 60).
* «لو» للخلاف القوي، و «حتى» للمتوسط، و «إن» للضعيف (2/ 125).
* العدالة الظاهرة: هي كونه لا يظهر عليه بين الناس الذين لا مخالطة له معهم حال فاسدة.
العدالة الباطنة: هي ما يشهد بها من يخبر حاله من أجل مخالطته له كأن يكون قد عامله أو جاوره أو سافر معه. (2/ 125).
* ليس مع الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبار، فمتى ثبتت السنة اطرح ما سواها (2/ 215).
* العموم دلالته ضعيفة، وإن كان مسلمًا أنه حجة صحيحة، ما لم يعارضه أدلة أقوى منه.
والعموم تارة يكون قويًّا، وتارة يكون ضعيفًا. (2/ 283).
* لا ينبغي أن تكون هكذا مسائل الدين هذا يقول، وهذا يقول، ويتتبع
(1)
التشريك بين الله وبين نبيه صلى الله عليه وسلم في اللفظ، أو الضمير المقتضي للمساواة مسألة خلافية بين أهل العلم فمن مجيز ومن مانع، وانظر بحثًا مختصرًا جدًّا في حاشية ص (32) من كتاب: إيقاظ الهمة لاتباع نبي الأمة صلى الله عليه وسلم.
الناس الرُّخص، يضيع الدين بهذا، أو تنتقض عراه، بل ينبغي الحيطة لأمر الدين، وأن يكون قولهم واحدًا، وفعلهم واحدًا، ولا يفتى إلا بدليل. (5/ 216).
* مخالفة ما مضى عليه علماء الوطن المحققون سبب نقص في الدين لا زيادة ولا ركود، بل يسبب النزاع والشقاق، ويهون عند العوام أمر الدين، حتى لا يكتفون أن يسألوا من وجدوا لتحصيل الرخص، بل يسلكون بنيات الطريق بخلاف ما إذا ساروا على طريقة بعيدة عن النزاع والشقاق (2/ 329).
* الأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى، والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره. (3/ 49).
* لا يحل لأحد أن يقيد إطلاق دلالة أي نص. (3/ 50).
* المخصص للنصوص العامة إنما هو الدليل الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع نصًّا واستنباطًا، لا عادات بعض البلاد ولا الأقوال ولا الآراء مهما كثر أصحابها، فإن شيئًا من ذلك لا ينهض أبدًا، ولا يصلح معارضًا لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم. (3/ 50 - 51).
* المصلحة المرسلة، والاستحسان، والقياس، والاجتهاد، لا مجال لها في باب العبادات والمقدرات كالمواريث والحدود. (3/ 100).
* كثيرًا من المنتسبين - للعلم والدين - كلامهم لا يؤخذ لأن كل شيء يدرج
(1)
عليهم يحللونه، قبل أن يصل إليهم يحرمونه، وإذا كان بين أظهرهم
(1)
يكثر ويفشو.
أباحوه لكثرة الإمساس. (3/ 173).
* اتباع السُّنة هو المتعين على ولاة الأمر أن يفعلوا بأنفسهم وأن يحملوا الرعية عليه. (4/ 53).
* إذا دل الدليل على تحريم أمر بذاته
(1)
، فمن ادعى خروج صورة من الصور من عموم هذا الدليل فعليه إقامة الدليل، فإن فعل فذاك، وإلا فحق قوله الإلغاء، وحضه التجهيل. (4/ 71).
* لا يشترط لإقامة الحجة العلم، فإن الذي يتكلم فيه الحكم في الظاهر. فإذا عرف وبيّن له الدلالة والسند فيكون ظاهرًا. ولا حاجة إلى أن يقول: علمت، ولو قال: لم أعلم وترك لبطلت إقامة الحجة على كثير.
فالصواب: إلغاء معنى هذه الكلمة كالصلاة سواءً وأولى، والجاهل يُعرّف وبعد التعريف الحقيقي يكفر ولو ما علم. (4/ 115).
* الفتوى: تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. (4/ 184).
* فرق بين شيء يفعل لعارض، وبين شيء يجعل سنة لكل عامل، فلا تجعل المرة -الواحدة- دليلًا لكل شخص في كل حين. (5/ 215).
* لا يُزال عن الأصل إلا بمجوز متحقق. (6/ 13).
* لا يعدل عما دلت عليه الأحاديث الصريحة لأمر يحتمل. (6/ 17).
* التقليد ليس بعلم إجماعًا. (6/ 40).
(1)
كتحريم الذهب على الذكور ذاتًا.
* «القياس» مردود إذا خالف النص باتفاق الأئمة، ويمتنع أيضًا القياس فيما انعقد سبب فعله زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يفعله. (6/ 44).
* متى صحَّ النقل وكان صريح الدلالة، فإن القياس الذي بخلافه من أبطل القياس،
…
ولا يمكن أن يختلف قياس صحيح مع نقل ثابت صريح. (6/ 44).
* الإنسان مهما أَمكنه ما ليس فيه مشكل
(1)
، فلا يعدل عنه. (2/ 88).
(1)
أمر مشكل، أو اختلاف بين أهل العلم.
الفقه
كتاب الطهارة
باب المياه
* القول الراجح في الدليل: انقسام الماء إلى قسمين: طهور، ونجس، وهذا الطهور هو طاهر وطهور. والثاني نجس. (2/ 27).
* يكره استعمال ماء زمزم في إزالة النجاسة تعظيمًا له، ويجوز أن يزال به الحدث بناءً على الأصل. (2/ 28).
* الراجح: الحكم على الماء المستعمل بالطهورية. (2/ 89).
* إذا خالط الماء بول أو عذرة، فإنهما ليسا أسوأ من الكلب، فلا ينجس ما لم يتغير أحد أوصافه بالملاقاة، وهذا القول هو المتمشي مع يسر الشريعة، ونصوصها في هذا المقام. (2/ 28).
* إذا استيقظ العبد من نومه فلا يحل له إدخال يديه الإناء قبل غسلهما ثلاثًا، فإن أدخلهما قبل ذلك فهو عاص آثم مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما المدخلة فيه اليدان فلم يُتعرض لحكمه في الحديث، والصواب: أن الماء لا يفسد بذلك ما دام طهورًا لم يتغير بالنجاسة ولا غيرها. (2/ 29).
* كثير من أهل العلم من الفقهاء، وأهل الحديث، يقولون: ينجس القليل بمجرد ملاقاة النجاسة له، ولا يشترطون تغير أحد أوصافه.
والقول الآخر وهو قول كثير أو أكثر أهل الحديث واختيار الشيخ
(1)
وإمام الدعوة: أنه لا ينجس ولكن هذا ماء ناقص يعدل عنه إلى غيره إذا وجد خروجًا من الخلاف، وتعرف أن ماء نقيًّا لم تلاقه النجاسة خير من ماء لاقته، ومن فوائد البحث أنه إذا توضأ إنسان بذلك الماء وصلى حكم بصحة صلاته. (2/ 30).
(1)
يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
باب الآنية
* طهارة جلد الميتة بالدباغ: هي الرواية الأخرى عن أحمد، وهي اختيار الشيخ، ومال إليه جده في المنتقى وآخرون غيره كصاحب الفائق، وهذا هو الراجح في الدليل للأحاديث الكثيرة الدالة على التطهير، وحديث ابن عكيم
(1)
وإن كان متأخرًا فإنه لا يعارضها
(2)
ولا ينسخها
(3)
وأيضًا الإهاب اسم له قبل الدبغ. (2/ 30).
* الراجح: أن الدباغ لا تأثير له إلا فيما تعمل فيه الذكاة. (2/ 31).
(1)
الذي أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه والأربعة والدارقطني وابن حبان عن عبد الله بن عكيم قال: «أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» . (القاسم).
(2)
لأنه مضطرب في سنده ومتنه، ومُعلل بالإرسال، والانقطاع. (القاسم).
(3)
لأن حديث الدباغ أصح. (القاسم).
باب الاستنجاء
النتر والمسح وأشياء أُخر ذكرت هنا هي من البدع وهي أعظم أسباب وجود السلس، فإنه
(1)
مشبه بالثدي: بل يترك ويتوخى النشاف، وانقطاع الخارج لا بد منه، ولكن بالتأني ما شاء الله كل بحسبه. (2/ 31).
* حديث: «إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثًا» ضعيف لا تقوم به حجة (2/ 31).
* الذي يظهر أنه إذا علم عادة له أنه إذا ابتدأ في الاستنجاء لا يخرج شيء، فإنه يستنجي بناء على غلبة ظنه. (2/ 31).
* الظاهر عدم كراهية السلام على المستجمر ورده، وإنما يكره ذلك في حق المتخلي. (2/ 34).
* إذا كان الرجل يستفيد من البول قائمًا، وأمن على نفسه من أن يرى عورته أحد، وأمن من تطاير رذاذ البول على ملابسه فلا بأس بذلك. والله أعلم. (2/ 34).
* كراهية استقبال النيرين بالبول أو الغائط: هذه مسألة مرجوحة، ولا دليل عليها بحال. (2/ 35).
* التحقيق في مسألة النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة: أن لا فرق بين البنيان والفضاء، لعموم الأدلة الكثيرة المطلقة التي لم تستثن شيئًا. (2/ 35).
(1)
أي: الذكر.
* كل شيء
(1)
يحتاج إليه الناس للحوائج المباحة لا يتخلى فيه ولا يبال. (2/ 36).
* لو انسد المخرج الأصلي وانفتح آخر سواءً بنفسه بأن كان خلقة أو بسبب كعملية فلا يثبت له حكم الفرج، من إجزاء الاستنجاء فيه، بل لا بد فيه من الماء. (2/ 36).
* ذكر بعضهم أنه ينبغي أن يراعى الشرج في الاستنجاء، ويسعى بما يبرؤ ما حوالي نفس الحلقة - يعني أن يتفاج شيئًا زائدًا عن العادة - وهذا إذا عنى به شيئًا لا مشقة فيه فظاهر، فإنه إذا تضام لا يؤمن أن يبقى شيء. (2/ 36).
* القرطاس الخالي من الكتابة ونحوه من كل ناشف خشن يجزي في الاستجمار. (2/ 36).
* أما الزجاج الأملس فلا يحصل به المقصود من إزالة الأجزاء الرقيقة الملساء، ومثله الرماد، وكل شيء ناعم ومسحوق. (2/ 36).
(1)
يعني: مكان.
باب سنن الفطرة
* التسوك بالأصابع يصاب به السنة، أو بعضها على خلاف كلام الأصحاب، وهو أيسر من السواك
(1)
فما لا يدرك كله لا يترك كله. (2/ 37).
* ويقول إذا استاك: «اللهم طهر قلبي
…
إلخ، هذا الدعاء استحبه من استحبه ولا أذكر فيه شيئًا واردًا. (2/ 38).
* الادهان غبًّا عارضه حديث الرجل الذي له جمة ضخمة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعاهدها كل يوم، ويجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الناس وشعورهم، وباختلاف الجو، والمقصود من ذلك حسن الشعر وألَّا يكون بمنظر الشعوثة. (2/ 38 - 39).
* التسمية عند الوضوء جاء فيها أحاديث إلا أن أسانيدها لا تخلو من مقال، لكن مجموعها يدل على الشرعية، وإنما اختلف في الوجوب
…
فالتسمية مندوبة بل متأكدة بكل حال. (2/ 39).
* إن صحت أحاديث التسمية عند الوضوء، فالقول قول من يرى وجوبها في الغسل. (2/ 81).
* الختان يجب عند البلوغ، وفعله زمن الصغر أفضل، وبهذا يتضح أنه لا شيء في إبقاء الصبي أغرل مدة عشر سنوات، وإنما المبادرة بختنه مستحب ما لم
(1)
أي: بالأراك ونحوه حيث لا يوجد في بعض الأوقات. (القاسم).
قال الشيخ عن شجر الأراك: وكان في (الخرج) أحسن ما يوجد منه. (2/ 37).
يبلغ، فمتى بلغ وجب الختان، وبالله التوفيق. (2/ 40).
* اتخاذ الشعر والاعتناء به مستحب. (2/ 43).
* ما يفعله بعض نساء المسلمين في هذا الزمن من فرق شعر الرأس من جانب وجمعه من ناحية القفا، أو جعله فوق الرأس كما يفعله نساء الإفرنج فهذا لا يجوز، لما فيه من التشبيه بنساء الكفار. (2/ 47).
* ما يفعله بعض المسلمين من حلق بعض الرأس وترك بعضه ويسمونه «التواليت» فهذا هو القزع الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنواع:
الأول: أن يحلق من رأسه مواضع ويترك مواضع، مأخوذ من تقزع السحاب وهو تقطعه.
الثاني: أن يحلق وسطه ويترك جوانبه.
الثالث: أن يحلق جوانبه ويترك وسطه.
الرابع: أن يحلق مقدمه ويترك مؤخره.
الخامس: أن يحلق مؤخره ويترك مقدمه.
السادس: حلق بعضه في أحد جوانب الرأس وترك البقية. (2/ 48).
* حلق اللحية حرام، لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة والأخبار، ولعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار، فمن ذلك حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب» وفي رواية: «أحفوا الشوارب واعفوا اللحى» وفيه أحاديث أخرى بهذا المعنى.
و «اللحية» اسم للشعر النابت على الذقن والخدين، وإعفاؤها تركها على حالها، وتوفيرها: إبقاؤها وافرة من دون أن تحلق أو تنتف أو يقص منها شيء. (2/ 50 - 51).
* لطيفة:
رد عمر بن الخطاب رضي الله عنه شهادة من كان ينتف لحيته.
وكذلك ردها ابن أبي ليلى قاضي المدينة. (2/ 51).
* حديث الترمذي: أنه صلى الله عليه وسلم «كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها» غير صحيح. (2/ 53).
* العارضان من اللحية (2/ 53)، وحكم حلق العارضين والتقصير منهما كحكم حلق اللحية والتقصير منها. (2/ 55). حرام أيضًا، هو كاللحية (2/ 57).
* من حلق لحيته بعد العلم بالحكم مصرًّا على ذلك ففعله كبيرة. (2/ 54).
* من حلق لحيته، وأطال شاربه يعلم بالحكم، وينصح حتى يقلع من الذنب، فإن لم يقلع فيهجر إلا إذا كان يترتب على الهجر مفسدة أكثر من المصلحة التي تنشأ عن الهجر فلا يهجره. (2/ 56).
* استعمل الحيلة من حالقي اللحى من ينتسب إلى العلم: يذكرون هنا شبهات هي سخافات، ويقول: معنى «إكرامها» هو حلقها لأنها إذا بقيت ولم تكرم فإنه إهانة لها، فما أشبهه بوأد البنات خشية العار
…
(2/ 57).
* التقصير من اللحية لا يجوز، وفعل ابن عمر أنه كان إذا حج أو اعتمر
قبض لحيته فما فضل أخذه، لا يحتج به لأنه روى النهي عن التقصير، وإذا تعارض رأي الصحابي وروايته، فروايته مقدمة على رأيه. (2/ 53).
* أخذ ابن عمر رضي الله عنهما ما زاد على القبضة، يبين أن الأخذ من الزائد على القبضة أسهل من الأخذ من أصلها. (2/ 57).
* الحناء والكتم إذا جمعا صار فيه لون من الحمرة والسواد، والكتم وحده يكون أسود.
الكتم هو: «الوسمة» شجر معروف ينبت في شعبان نجد. (2/ 58).
* المستحب في الشارب هو: الإطار، وهو أن لا يستأصل ذلك، والإطار هو: أن يكون أعلى الشفة بارزًا، فلا يستأصل بالكلية بل يبقى شيء. (2/ 58).
سنن الوضوء
* التسمية إذا ذكرها في أثناء الوضوء أتى بها في البقية. (2/ 60).
* جاء في التسمية أحاديث إلا أن أسانيدها لا تخلو من مقال، لكن مجموعها يدل على الشرعية، وإنما اختلف في الوجوب، وقول أحمد: لا يصح في هذا الباب شيء، يعني حديثًا مفردًا بعينه، وعضد بعضها لبعض شيء آخر، فالتسمية مندوبة بل متأكدة بكل حال. (2/ 39).
* للمضمضة والاستنشاق صور عديدة، وأفضلها الجمع بينهما بغرفة، ويفعل ذلك ثلاث مرات. (2/ 60).
* جاء في تخليل اللحية الكثيفة - كثيرة الشعر - عدة أحاديث وكلها لا تخلو من مقال، ولكنها لا تنقص عن شرعيته، ويكفي غسل ظاهرها لأن به تحصل المواجهة. (2/ 60).
* الصحيح: أنه لا يندب أخذ ماء جديد للأذنين، وما استدل به على أخذه ماء جديدًا فهو وهم ولا يثبت، بل أصل الحديث أنه أخذ ماءً جديدًا للرأس لا للأذنين (2/ 60).
باب فروض الوضوء وصفته
* النية: هي أن يتصور الإنسان ما سيفعله ثم يشرع في فعله، والتلفظ بها بدعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتلفظ بالنية قط لا في حج ولا عمرة
…
أما: (نويت كذا وكذا)، فهذا ما نطق به النبي صلى الله عليه وسلم أبدًا {أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} [الحجرات: 16] ولم يتلفظ بها الخلفاء الراشدون ولا العشرة والمهاجرون والأنصار. (2/ 63).
* الصحيح: فرضية غسل الفم والأنف في الوضوء والغسل، فإن الفم والأنف داخلان فيما يواجهك، والسنة دالة على ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك المضمضة والاستنشاق مرة واحدة، وفي الحديث:«إذا توضأت فمضمض» . (2/ 61).
* الصواب: أنه لا بد من مسح الرأس كله، وزعم من زعم أن الباء للتبعيض، وليس في لغة العرب أنها للتبعيض بل هي للإلصاق، ثم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة في تعميمه مسح رأسه
…
ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه اقتصر على مسح بعض الرأس بدون عمامة. (2/ 62).
* لا يمسح على الحلي على الرأس، ولا يمسح على المشاط
(1)
على الرأس، فإنه ليس مثل الخفين معنى ولا حسًّا، فهو يوضع للترفه لا للحاجة ولا للضرورة. (2/ 62).
* القراءة الأخرى (وَأَرْجُلِكُمْ) بالجر عطفًا على (برُؤُوسِكُمْ)، استدل بها
(1)
المشاط: خليط من السدر والريحان والأظفار. (القاسم).
الرافضة على جواز الاقتصار على مسح الرجلين وأنه لا يجب غسلهما، ولا دليل فيها، وقراءة النصب أشهر وأكثر، فتكون مفسرة بالغسل.
الفائدة في هذه القراءة: شرعية التخفيف في غسل الرجلين وأنه لا يجب زيادة غسلهما لوطئهما التراب، فالمسح هنا مسح إسالة، فإن المسح مسحان: إسالة، وغير إسالة، والسنة في غسلهما متواترة. (2/ 62 - 63).
* لا يشرع مسح غضاريف الأذنين، أما الصماخان فتدخل فيهما أطراف الأصابع وظاهرهما مما يلي الرأس، والجوانب يمسحان. (2/ 63).
* لا يندب مجاوزة محل الفرض قليلًا احتياطًا للفرض. بل يقتصر على المفروض، وهو اختيار شيخ الإسلام وطائفة، وذلك أنه ما جاء في شيء من الأحاديث والزيادة على المفروض أبدًا، وأحاديث التحجيل لا يلزم منها الزيادة. (2/ 61).
* كل العبادات التي ليست واجبة يندب أن لا يفعلها إلا بطهارة. (2/ 64).
* بعض الناس يرى أن لكل عضو ذكرًا يخصه، ويروي في ذلك شيئًا من الأحاديث، لكنها لا تصح أبدًا، بل هي باطلة.
نعم الذكر في موضعين، عند ابتداء الوضوء (بسم الله)، وعند الفراغ (أشهد)
(1)
أو (سبحانك اللهم)
(2)
كل منهما وارد
…
وحديث (أشهد) أقوى سندًا وأشهر، وهو في الصحيح، والثاني في السنن بسند ثابت أيضًا. (2/ 64).
(1)
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. (القاسم).
(2)
وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. (القاسم).
باب المسح على الخفين
* المسح على الخفين مسألة فروعية، وتذكر في العقائد أحيانًا لأن المخالف فيها الروافض. (2/ 65).
* السنة دلت على جواز المسح على الجوارب ونحوها، كأنواع الشراب. (2/ 65).
* إذا كان الشراب من القطن أو الصوف أو الوبر أو الشعر، وتسمى الجوربين صفيقًا لا يصف البشرة يثبت بنفسه ساترًا للمفروض جاز المسح عليه. (2/ 65 - 66).
* حديث بلال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين والخمار» رواه أحمد والمراد بالخمار هنا العمامة لأنها تخمر الرأس. والله أعلم. (2/ 66).
* لا يصح المسح على خفين من ذهب أو فضة أو محلين بالذهب والفضة على الرجل والمرأة إلا اليسير من الفضة. (2/ 67).
* يجوز المسح على الكنادر والشراب معًا ولو كانت الكنادر غير ساترة، إذا كان تحتها الشراب ساترًا لمحل الفرض، لكن بشرط أن يلبسهما معًا، أو يلبس الفوقاني قبل أن يحدث. (2/ 67).
من لبس شرابين أحدهما صحيح والآخر مخرق:
* فلا يجوز المسح على التحتاني إلا أن يكون هو الصحيح، بخلاف ما إذا كان الفوقاني هو الصحيح، فلا يصح المسح إذًا على التحتاني لأنه غير ساتر بنفسه. (2/ 67 - 68).
* إذا كان الشراب رقيقًا حيث يصف البشرة أو مشقوقًا أو قاصرًا عن ستر المفروض فإنه لا يمسح عليه، ولا على ما فوقه من الكنادر التي لا تستر المفروض. (2/ 68).
* الظاهر صحة المسح على الصفيق كالباغة، ليس المطلوب تغطية اللون بل الجرم. (2/ 70).
* الصحابة رضي الله عنهم أهل أعمال وأعظمها الجهاد، فلا بد أن يكون في الخفاف شيء - يعني: الثقب - ومع ذلك ما جاء تفريق في الحديث، والرخص في حق هؤلاء أنسب منها في حق أهل الرفاهية
…
فالشيء - يعني: الثقب - الذي يدخل معه الإصبع، والفتق الذي بهذا المقدار، يمسح عليه ولا في النفس شيء من المسح عليه. (2/ 70 - 71).
* إذا كان في - الخف أو الجورب ثقب - كبر الريال
(1)
أو نحوه فالورع أن يخلع (2/ 71).
(1)
يعني الفضي في عام 1378 هـ. (القاسم).
* الجرح الذي عليه دواء بقدر الحاجة، وضعه وهو على غير وضوء، يمسح عليه، ولا يكفي درج
(1)
الماء عليه، يمسح عليه ويتيمم عند بعض أهل العلم وهو أحوط، وبعض أهل العلم يكتفي بالمسح، ولو فعل ذلك إنسان لم نأمره بالإعادة. (2/ 71).
* الجرح إذا لم يضع عليه شيئًا وكان يتضرر بغسله فيمسح عليه بالبلل الذي في يده، فإن كان يتضرر بالمسح فيعفى عنه. (2/ 71).
* الجرح البارز لا بد من مسحه ولا يكفي التيمم، وإذا مسح عليه فلا يحتاج إلى تيمم. (2/ 71 - 72).
* الكسر ونحوه
(2)
لا بد من التيمم فيما زاد، والناس يفرطون ما يمسحون على الجرح ولا على الجبيرة واللصوق، وهذا لا تصح طهارته. (2/ 72).
* إن أمكن اختصار الجبيرة المتعدية للحد بدون ضرر اختصرها. (2/ 72).
* حديث صاحب الشجة فيه ضعف
(3)
. (2/ 72).
* إذا كان عليه الخفاف وهو يتيمم لعدم الماء، فإنه لا يجب عليه الخلع بل يتيمم وهما عليه، وهذا هو الأقوى إن شاء الله. (2/ 72).
(1)
جريان الماء عليه.
(2)
مما عليه جبيرة.
(3)
لأنه من رواية الزبير بن خريق. (القاسم).
حديث صاحب الشجة: «إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعضد أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده» .
باب نواقض الوضوء
* خروج الدود من الدبر ينقض الوضوء، وحكمه حكم سلس البول، يلزمه الوضوء لوقت كل صلاة بعد غسل المحل أن تلوث بشيء من الرطوبة وتعصيبه بخرقة طاهرة حتى لا يخرج شيء.
وإن اعتيد انقطاعه في زمن يتسع لفعل الطهارة والصلاة تعين أن يفعلهما في حال انقطاعه، وإلا فيصلي على حسب حاله، وصلاته صحيحة للضرر. (2/ 73 - 74).
* الراجح أن القلس
(1)
لا ينقض الوضوء، وإن كان نجسًا. (2/ 74).
* الصواب في النوم الفرق بين المستغرق وغيره، فالمستغرق ينقض وغيره لا ينقض
…
لحديث: «نام النساء والصبيان» . (2/ 74).
* الاحتياط أن يعتبر مس المرأة بشهوة من النواقض
…
وهذا هو الذي يفتى به. (2/ 74).
* في بعض الأحاديث: «من مس فرجه فليتوضأ»
…
وعليه الفتوى والعمل. (2/ 75).
* إن مست المرأة أحد فرجي طفلها انتقض وضوؤها بذلك، وإلا فلا ينتقض وضوؤها بمجرد تغسيله حتى ولو باشرت غسل النجاسة بيدها، وعليها ملاحظة تطهير يدها بعد ذلك، والاحتراز من تعدي النجاسة على بدنها أو ثوبها. (2/ 75).
(1)
قال الخليل: القلس: ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بقيء، فإن عاد فهو القيء. مختار الصحاح (1/ 259).
* الراجح أن مس الأمرد بشهوة ناقض، لأجل وجود الشهوة، كذات المحرم. (2/ 75).
* لحم الجزور ناقض، واللحم هو الأحمر (الهبر) والأبيض من اللحم الأبيض. (2/ 76).
* الكبد لا تدخل في اللحم، ولا تنقض الوضوء. (2/ 76).
* الظاهر أن الرأس ليس لحمًا، ولا ينقض الوضوء. (2/ 76).
* والشحم والعظم والعصب والقلب والرئة والكلية والستار والحليب كل هذه لا تنقض والرقبة لحم. (2/ 76).
* شرب الدخان بعد الوضوء لا ينقض الوضوء. (2/ 76).
* يحرم على المحدث مس المصحف، فالمميز لا يمس المصحف إلا متطهرًا، وغير المميز لا يمسه أبدًا. (2/ 77).
* سجود التلاوة والشكر ليست صلاة فعدم وجوب الطهارة أقوى. (2/ 77).
* من استيقظ ووجد بللًا، فلا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يتحقق أن هذا الخارج مني فيلزمه الاغتسال ولو لم يذكر احتلامًا.
الثانية: أن يتحقق أنه ليس بمني فلا غسل عليه، وإنما يطهر ما أصابه لنجاسته.
الثالثة: أن يشك في كونه منيًا أو مذيًا فيغتسل وجوبًا، ويطهر ما أصاب بدنه وثيابه احتياطًا. (2/ 79).
* تغييب الحشفة في الفرج مع حائل لا يوجب الغسل إذا لم ينزل. (2/ 80).
* الصغير الذي يقع منه نجاسة في المسجد يمنع من دخوله. (2/ 80).
* والمريض كذلك إن كان به نجاسة تتعدى منع وإلا فلا لقصة سعد
(1)
. (2/ 80).
* حديث: «من غسل ميتًا فليغتسل» ضعيف. (2/ 80).
* إلا أنه معضود بالآثار الثابتة عن بعض الصحابة منهم بعض الخلفاء. (2/ 80).
* يجب غسل ما تحت الشعور الكثيفة، ويجب غسل باطن الشعر الذي بين الظفائر أصوله ومسترسله. (2/ 81).
* باطن العينين لا يغسل لما فيه من الضرر وهو الراجح. (2/ 81).
* نقض المرأة شعر رأسها لغسل الجنابة غير مشروع، وهو متأكد في الحيض. (2/ 81).
* لا نرى - أن يفتح حمام عام تجاري - في هذا البلد، لأن الضرر سيكون أكبر من النفع، ومثل هذه الأشياء تكون عادة وسيلة لفساد لم يخطر في بال الذي أسسها، ومهما حرصت الآن على مراعاة الآداب الشرعية والأخلاقية فإنك لن تستطيع ضمان ذلك في المستقبل بعد فتح هذا الباب. (2/ 83).
(1)
ابن معاذ رضي الله عنه وذلك حين رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد غزوة الخندق، فوضع السلاح، وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد. المسند (25097). قال محقق المسند: بعضه صحيح، وجزء منه حسن، وهذا إسناد فيه ضعف. وقال الألباني:«حسن» السلسلة الصحيحة (1/ 143).
باب التيمم
* القول بأن التيمم رافع في الجملة أقوى من القول بأنه مبيح، وأدلته أبين وأظهر، لكن لا مطلقًا كما هو أحد الأقوال، والقول بأنه رافع مطلقًا يرده الحديث والإجماع، وقيل إن رفعه بخروج الوقت. (2/ 27).
* كثير من الناس يعدل إلى التيمم وهو قادر على الغسل أو المسح بلا ضرر فصلاته باطلة. (2/ 84).
* إذا كان يخشى من الغسل والمسح جميعًا فيتيمم، وإذا كان يتضرر بالتيمم، فإنه يسقط عنه. (2/ 84).
* الحاصل: أنه إذا كان به جرح ببعض أعضاء الوضوء لا يجب عليه في التيمم الترتيب ولا الموالاة.
فالموالاة لا تجب سواء عن حدث أصغر أو أكبر، فلو أخر التيمم مدة تفيت
(1)
الموالاة لم يضر، لو توضأ ضحى وأخر التيمم إلى أن تزول الشمس صح ذلك على الراجح ولو عمدًا. (2/ 85).
* لا يجزئ التيمم لإزالة النجاسة التي على البدن، التي يضره إزالتها بالماء، لعدم ورود شيء من الأدلة، وإنما جاءت نصوص التيمم في الأحداث لم تجيء في النجسات
(2)
، ولأن عين النجاسة باقية. (2/ 86).
(1)
كذا في الأصل، ولعل الصواب: تفوت.
(2)
كذا في الأصل. ولعل الصواب: النجاسات.
* ما سمعت من يقول: يضرب بيديه الأرض ولو لم يكن فيها تراب، ولو قيل لانتقد كغيره. (2/ 87).
* الضرب على الأرض مقصود به أن يأخذ التراب فيمره على الأعضاء كما يمر الماء. (2/ 87).
* من عدم الماء والتراب فالظاهر أنه يصلي الفرض والنفل. (2/ 87).
* والراجح فيه أنه
(1)
يقرأ في الصلاة أكثر مما يجزيه، وهذا وجد في حقه التيسير فاستوى في حقه هذا وهذا. (2/ 87).
* الراجح في حق من عدم الماء والتراب: أنه يصلي الفرض والنفل، وأنه يقرأ في الصلاة ما يجزئه ولا مانع أن يزيد عليه، وأنه يأتي من الطمأنينة بما استطاع ومما يدل عليه أنهم لما صلوا بدون تيمم ولا ماء - التيمم لم يشرع بعد - لم يمتنعوا من هذه الأمور
…
، والذي لم يجد هذا ولا هذا قد اتقى الله ما استطاع. (2/ 87 - 88).
* الراجح من الأقوال: إجزاء التيمم بأي جزء من أجزاء الأرض بالسبخة والأرض المجصة والرمال، ويجاب عن الصعيد بأن له مسمى آخر، فيمتنع أن يكون المراد معنى واحدًا (2/ 88).
* إذا كان في الطائرة ولم يجد ماءً وخشي فوات الصلاة، ولم يجد ترابًا فيضرب لوبشته. (2/ 180).
(1)
من عدم الماء والتراب.
* إذا صارت الأرض طينًا للمطر، فيعمد إلى التجفيف مقدارًا للتيمم، والمسألة تحتاج إلى زيادة بحث.
لطيفة: وقد وقع علينا ولا وجدنا إلا طينًا وصلينا على حسب حالنا، وكان في النفس شيء ولما وصلنا إلى الغدران
(1)
توضأنا وصلينا احتياطًا. (2/ 89).
* الإنسان مهما أمكنه ما ليس فيه مشكل فلا يعدل عنه.
فإذا كان عنده أرض فيها رمل وتراب، أو مجصة وتراب، ونحو ذلك، فيعدل
(2)
. أما إذا لم يكن عنده إلا رمل فلا يركب سيارته ولا مطيته ليحصل على التراب، فإن هذا لا يجامع اليسر في مسألة التيمم (2/ 88 - 89).
* إذا كان الماء قليلًا وعليه غسل فإنه يغسل أعضاء الوضوء أولًا وإذا بقي شيء تيمم له وينوي رفع الحدثين.
وكذلك إذا كان لا يكفي إلا بعض أعضاء الوضوء كالوجه، فإنه يغسله ويكون قد رفع عنه الحدثين. (2/ 83).
* الجزء الذي يتضرر بغسله حول الجرح لا يقدر
(3)
، فيرجع فيه إلى العرف. (2/ 83).
* إذا كان إذا غسل - ما حول الجرح - سال الماء إلى الجرح، فيجتنب (2/ 83).
(1)
الغدير: ماء راكد قليل العمق.
(2)
يعدل بمعنى: ينتقل، أي: إذا كان بأرض فيها رمل وتراب، فليتيمم بالتراب ويترك الرمل، وإذا كان بأرض فيها مجصة وتراب، فليتيمم بالتراب ويترك المجصة.
(3)
يعني: من قبل المفتي.
* الاكتفاء بالمسح على الجرح وحده، وجهه: أنه في بعض أعضاء الوضوء يكفي كالرأس، والخفين. (2/ 83).
* الراجح: أن التراب المستعمل يجوز استعماله. (2/ 89).
* إذا كثر الغبار على اليدين فمشروع أن ينفخه. (2/ 89).
* الأظهر: أن التيمم آخر الوقت لراجي الماء ليس بأولى. (2/ 89).
باب إزالة النجاسة
* الغسلات السبع مختصة بنجاسة الكلب - ولوغه وغيره - فبوله وعذرته أنجس من ريقه. (2/ 91).
* نجاسة غير الكلب الصحيح أنها لا تحد بعدد معلوم، بل لا بد من غسل تزول معه النجاسة، قد يكون مرة أو مرتين إلى عشر، فإن بعض النجاسات يكون له لصوق. (2/ 90).
* «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب»
(1)
عندهم أنه مختص بأسفله، والظاهر: أن ظاهره كذلك، فإن الأذى قد يصيبه، وأيضًا في غسلهما حرج فيعمم الحكم لهذا.
ولا بد من زوال العين، فلا يكفي أن يلبدها بمسحه التراب، وما لا يغسله إلا الماء هو المعفو عنه. (2/ 92).
* وعند الشيخ أن القدمين كالخفين «ألا نغسل من موطئ»
(2)
، والقول الآخر أنها محل للغسل وهو المفتى به وأحوط. (2/ 92).
* ذيل المرأة كالنعلين إذا مر على نجاسة ثم على ناشف طاهر، فإنه يطهرها. قول قوي. (2/ 92).
(1)
خرجه أبوداود في السنن (386)، وابن حبان (1404)، واللفظ له. قال شيخ الإسلام:«حسن» (22/ 167) وكذا حسنه الألباني.
(2)
خرجه أبوداود وابن ماجه.
* الصحيح: أن الصقيل إذا أصابته نجاسة، فإنه يطهر بالمسح، والدليل: ما علم من سيوف الصحابة وأنها من دماء الكفار ملطخة. (2/ 92).
* الصحيح: أن الاستحالة تطهر المتنجس، إذا استحال بنفسه لا عن معالجة، وأدلة هذا القول واضحة من ذلك الآدمي عند الجماهير طاهر البدن فإنه استحال عن العلقة، وهي دم إلى المضغة. (2/ 92).
* الكلونيا إذا ثبت إدخال السبيرتو عليها فمشهور إسكاره، فلا يحل التطيب بها، ولا بيعها وشراؤها، ولا حملها في الصلاة لنجاستها. (2/ 93).
* لا يجزم بأن طيران الكلونيا استحالة، الغسل أولى. (2/ 94).
* الراجح: أن الدهن لا ينجس، بل تلقى النجاسة وما حولها جامدًا أو مائعًا، لعموم حديث ميمونة الثابت: أن فأرة وقعت في سمن فماتت، فسئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«ألقوها وما حولها وكلوه» . (2/ 94).
* رواية: «إذا كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه» ، فيها وهم وإعلال. (2/ 94).
* الغلام الذي لم يأكل الطعام، وإنما غذاؤه باللبن سواء لبن آدمية أو بهيمة، الصحيح: أنه نجس، ولكن نجاسته خفيفة يكتفى في تطهيرها بالرش والنضح. (2/ 95).
* ليس امتصاص الغلام ما يوضع في فمه وابتلاعه أكلًا، وكذلك إذا كان يبغي الطعام لكن منعه فلا يؤثر فليس بنجس، وكذلك إذا أكل من دون شهوة،
فالذي يطلق عليه أنه يأكل الطعام هو الذي يريد الطعام ويتناوله أو يشرئب أو يصيح أو يشير إليه. (2/ 95).
* الشوربة إذا تناولها الغلام فهي طعام كسائر الأطعمة - والله أعلم -. (2/ 95).
* لو أكل الغلام الطعام ثم حُرِم منه، فلا يؤثر، فيكون نجسًا، ولا ينتقل الحكم. (2/ 95).
* المغير
(1)
وهو الذي يصير في لبن الدواب من الدم، المشهور أنه نجس، وبعضهم طهره، وبعض فرق بين اليسير والكثير، ولعل هذا أولى، إذا صار خطوطًا لأنها تعم البلوى به، بخلاف الكثير الذي تعلوه الحمرة الكثيرة وليس دمًا خالصًا فهذا نجس. (2/ 95).
* القول بالعفو عن نثرة
(2)
الحمار والبغل وعرقهما هو الأولى - إن شاء الله - (2/ 96).
(1)
هو الدم الذي يخرج من الثدي عند احتلابه.
(2)
هو مخاطه.
باب الحيض
* الصحيح: أن الحيض لا يحد بسن الخمسين عامًا، بل متى استمر الدم بوقته وصفته وترتيبه فهو حيض، أما إذا اضطرب بعد هذا السن فلا يعتبر حيضًا بل يعتبر في حكم دم الفساد. (2/ 96).
* قول أم المؤمنين عائشة: إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض
(1)
. خبر عن الغالب. (2/ 96).
* الحبلى وما يصيبها في حال حبلها، المعروف والصحيح أنه إذا كان بوقته وصفته فإنه حيض، أما الأشياء المضطربة فهي تلحق بدم الفساد. (2/ 97).
* الراجح أنه لا حد لأقل الحيض، ولا لأكثره. (2/ 97).
* وطء الحائض حرام وعليه الكفارة وهي دينار أو نصفه على التخيير، والمراد بالدينار مثقال من الذهب، وهو بقدر أربعة أسباع الجنيه السعودي. (2/ 98 - 99).
* وطء المستحاضة ليس ممنوعًا، بل يأتيها ولو لم يخف العنت، بل مكروه فقط، والاجتناب مهما أمكن أولى. (2/ 102).
* الصحيح الذي لا يمكن النساء العمل بسواه أن المبتدأة إذا جاءها الدم في زمن يمكن أن يكون زمن حيض فإنها تجلس إلى أن ينقطع، ولا يحتاج أن تنتظر إلى أن يتكرر. (2/ 99).
* الأصل في الدماء الخارجة من فرج المرأة أنها حيض. (2/ 99).
* يجب على المستحاضة أن تغتسل غسلًا واحدًا بعد انتهاء مدة حيضها، ولا يجب عليها بعد ذلك، وعليها أن تتوضأ لكل صلاة حتى يأتي وقت التي بعدها. (2/ 100).
(1)
ذكره أحمد. (القاسم).
* النفساء لها أحوال:
الأولى: أن ينقطع عنها الدم قبل تمام الأربعين ولا يعود بعد ذلك، فتغتسل وتصوم وتصلي.
الثانية: أن ينقطع عنها الدم قبل تمام الأربعين ثم يعود قبل بلوغ الأربعين، فإذا انقطع فتغتسل وتصوم وتصلي، وإذا عاودها فهو نفاس تجلس فلا تصوم ولا تصلي وتقضي الصوم دون الصلاة.
الثالثة: أن يستمر معها إلى تمام الأربعين فتجلس جميع هذه المدة، وإذا انقطع تطهرت وصامت وصلت.
الرابعة: أن يجوز الأربعين وهذا على صورتين:
الأولى: أن يصادف عادة حيضتها، فتجلس عادة حيضها.
الثانية: أن لا يصادف عادة حيضتها، فتغتسل بعد تمام الأربعين وتصوم وتصلي، فإن تكرر ثلاث مرات صار عادة لها وانتقلت إليه، وتقضي الصوم الذي صامته فيه ولا تقضي الصلاة، وإن لم يتكرر فلا حكم له أي يكون دم استحاضة. (2/ 102).
* والراجح في الدليل في النفاس: أنه ما دام مستمرًّا معها فلا تغتسل حتى ينقطع، ولو استمر بعد الأربعين متصلًا بدم النفاس، ولا فيه دليل يدل على التفريق، إنما فيه «كانت النفساء» إلخ. وسنده ضعيف. (2/ 103).
* الذي يجوز للرجل من زوجته وقت النفاس الاستمتاع بما دون الفرج، ويكره وطؤها قبل الأربعين، ولو انقطع الدم وتطهرت. (2/ 103).
كتاب الصلاة
* إذا صلى صلاة بشروطها، وبلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها فلا تلزمه الإعادة وهذا هو الصحيح المرجح. (2/ 106).
* المدعي للإسلام وهو لا يصلي أبدًا، هذا مرتد. (2/ 106).
* إذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمدًّا، تهاونًا وكسلًا إلى أن خرج وقتها الضروري، فإن الواجب عليه قضاؤها عند جمهور العلماء، وفيه قول له حظ من القوة أنه لا يمكنه تلافي ما مضى من معصيته؛ لأن الأمر أعظم من ذلك. (2/ 106).
* من ترك الصلاة إلى أن تضايق وقت الثانية عنها فإن ذلك كفر ناقل عن الملة، وهو قول المحققين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة» .
وإذا كان هذا حكم من ترك صلاة واحدة فما الظن بمن ترك الصلاة عدة سنين؟ وحينئذ فلا يقضي هذا الرجل ما مضى من صلاته لكن عليه أن يتوب إلى الله ويجدد إسلامه، بأن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويستقبل دينه بالمواظبة على فرائض الإسلام
…
(2/ 107).
* كفر تارك الصلاة إجماع بين الصحابة حكاه إسحاق بن راهويه، وابن حزم، وعبد الله بن شقيق، وهو مذهب جمهور العلماء والتابعين ومن بعدهم. (2/ 108).
باب الأذان
* مشروعية الأذان: للإعلام بدخول وقت الصلاة، ولدعوة المسلمين ممن يبلغهم إلى الاجتماع لأداء الصلاة جماعة. (2/ 110).
* جماعة خرجوا لرحلة استجمامية، ثم أذن أحدهم لإحدى الصلوات المكتوبة، ثم أذن مؤذن ثان يقصد من أذانه أن تشهد له الجبال والأودية فهذا غير جائز، وهو داخل في معنى قوله صلى الله عليه وسلم:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»
(1)
(2/ 110).
* الأذان والإقامة فرض كفاية يقاتل أهل بلد تركوهما؛ لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة. (2/ 111).
* الظاهر أن الإمامة أفضل من الأذان. (2/ 111).
* للأذان شروط منها «النية» ولهذا لا يصح من النائم والسكران والمجنون لعدم وجود النية، والنية: أن ينوي المؤذن عند أدائه الأذان أن هذا أذان لهذه الصلاة الحاضرة التي دخل وقتها. (2/ 112).
* الحقيقة: أننا نستنكر استبدال الأذان بالأسطوانات المسجلة، وننكر على من أجاز مثل هذا؛ لأنه يفتح على الناس باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم. (2/ 112).
* نفيدكم بموافقتنا على نقل أذان المغرب من الجامع الكبير في الرياض في
(1)
متفق عليه. (القاسم).
الإذاعة، وعمل الترتيبات اللازمة له، غير أنه يجب أن يعلم أنه لا يكتفى بسماع هذا الأذان من الإذاعة للصلاة. (2/ 113).
* الأذان ليس من حق النساء أبدًا، ليس من شأن المرأة أن تؤذن، وذلك أنه من الأمور الظاهرة العلنية، وهذه أمرها إلى الرجال، كما أنه لا نصيب لهن من الجهاد ونحوه. (2/ 113).
* الأظهر وجوب الأذان في حق الجماعة المسافرين. (2/ 114).
* البادية أولى بالأذان من المسافرين المقيمين الإقامة العارضة على الراجح يؤذنون بكل حال. (2/ 115).
* الأذان للصلوات الخمس لا لغيرها، والجمعة داخلة في الخمس. (2/ 115).
* ينبغي أن لا يكون قتال أهل بلد لتركهم الأذان والإقامة معًا وأن مجرد ترك الأذان يكفي، لكون إغارة النبي صلى الله عليه وسلم وعدمها متوقف على ترك الأذان ولم تذكر الإقامة
…
والمقصود أن ترك الأذان بمجرده يصلح أن يعلق عليه هذا الحكم. (2/ 115).
* لا يسوغ تعيين من يشرب الدخان مؤذنًا. (2/ 120).
* هل يلتفت إذا أذن في المكرفون؟
فأجاب: يسقط، إلا أنه يحتاج السقوط إلى بحث أطول من هذا. (2/ 123).
* كون المؤذن له مكان مخصوص في المسجد هذا ليس مشروعًا. (2/ 124).
* في بعض البلاد يقول المؤذن: الله أكبر، ثم يمكث سدس ساعة أو أقل أو أكثر ثم يأتي ببقية الأذان، وهذا شيء باطل، ويفوت صحة الأذان. (2/ 124).
* من اللحن الذي لا يحيل (اللهَ أكبر)(بالفتح)، ومما يحيل المعنى (رسولَ الله)(بالفتح)، فيكون ناقص جملتين من الخمس عشرة، ولا يقال إنه لم يقصد المعنى، بل لا بد من اللفظ، فإن لكل جملة حكمًا، فلا دلت على شيء للرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عبرة بكونه لم يقصد. (2/ 124).
* التمديد الزائد عن المطلوب في الأذان ما ينبغي، فإن أحال المعنى فإنه يبطل الأذان. (2/ 125).
* كان يوجد في مكة تلحين كثير وهذا سببه جهل وعوائد وكونه لا يختار من هو أفضل، وكأنه في الآخر أخف
(1)
. (2/ 125).
* الأذان الأول للفجر لا ينبغي التبكير به، فإذا كان نصف ساعة أو ثلث بينه وبين الأذان الثاني كان أنفع فيما أظن
…
، وإذا كان أنفع للأكثر كان أولى، ويؤيده أنه الواقع زمن النبي صلى الله عليه وسلم. (2/ 126).
* لا بأس باستعمال مكبر الصوت «الميكرفون» في الأذان وخطبة الجمعة والعيدين إذا دعت الحاجة إلى استعماله. (2/ 127).
* بل قد يكون استعمال الميكرفون قربة من القرب إذا احتيج إلى ذلك إذ أنه وسيلة إلى تبليغ الخطبة جميع المصلين، وكذا إبلاغ صوت المؤذن. (2/ 128).
* قد نظرنا فيما يجمع الناس على أمر واحد فيه مصلحة عامة للمسلمين وقررنا توحيد وقت الأذان ووقت الإقامة
…
فتقرر أن يكون بين الأذان والإقامة
(1)
وقد وجه سماحته رحمه الله خطابًا لرئيس مؤذني المسجد الحرام بإبلاغ مؤذني المسجد الحرام أن يؤذنوا أذانًا سمحًا سهلًا، ويجتنبوا المط والتمديد. إن هذا التمديد والمط الذي يستعملونه الآن مخل بشرعيته، فعليهم اجتناب ذلك والتمشي فيما يوافق الشرع. (2/ 125).
لصلاة الفجر والظهر والعصر والعشاء مقدار ثلث ساعة - عشرون دقيقة - وأما المغرب فلا يؤخر أكثر من عشر دقائق. (2/ 131).
* إجابة المؤذن إذا لم يسمع إلا بعض الأذان، لعل الراجح: أنه لا يجيب إلا ما سمع وأنه يفوت لفوات محله. (2/ 134).
* قول المجيب: «صدقت وبررت» عند قول المؤذن «الصلاة خير من النوم» إنما جاءت في حديث ضعيف.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فقولوا مثلما يقول» يدل على أن المجيب يقول: الصلاة خير من النوم. (2/ 135).
* أسمع بعض الناس يجمع بينهما: يقول الصلاة خير من النوم، صدقت وبررت. ولكن ليس على أصل، بل الأولى النظر في الأدلة. (2/ 135).
* قيل: ويستحب للمؤذن والمقيم إجابة أنفسهما، والقول الآخر: عدم استحبابه وهو أولى. (2/ 136).
* إن كان الخروج من المسجد بعد الأذان بلا داعي ولا غرض له صحيح حرم، أما إذا كان يريد الصلاة في مسجد آخر أوله عذر أو ناويًا الرجوع والوقت متسع فلا يحرم. (2/ 137).
* لا مانع من لبس النعال وقت الأذان. (4/ 217).
* الذي اعترض على المؤذن؛ لأنه أذن وهو منتعل لا علم لديه، ولا يجوز له الخوض فيما لا علم له به. (4/ 217).
باب شروط الصلاة
* وقت الزوال في الساعة لا يختلف صيفًا ولا شتاءً ولا ربيعًا ولا خريفًا فيمكن ضبط الزوال به، وذلك أن ينظر من طلوع الشمس إلى غروبها كم هو من ساعة فينصفه، وهذا لا يختلف في أي بلد، إلا أن الظل ما فيه صعوبة وهو أبين شيء. (2/ 140).
* الصلوات وإن شملتهن الفضيلة فبعضهن أفضل من بعض. (2/ 142).
* وقت المغرب ليس فيه ضرورة، وخروجه عقيب الشفق وهو الحمرة فإذا غابت خرج، وأما البياض فليس معلقًا به شيء من هذا فيدخل وقت العشاء وباق شيء من البياض. (2/ 142).
* الصحيح: جواز الجمع ليلة جمع للمكي ومن دونه إلى المشاعر كصاحب منى، فإنه لم يجئ لهم حكم خاص زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أما «أتموا يا أهل مكة» فإنه قاله عام الفتح. (2/ 143).
* بعض أهل البلدان الشمالية يتبين عندهم الفجر قبل مغيب الشفق الأحمر، أي: أنه لا وقت عندهم لصلاة العشاء، والذي يترجح أنه لا يسقط العشاء. (2/ 143).
* وقت الاختيار لصلاة العشاء إلى نصف الليل. (2/ 144).
* كراهية الحديث بعد العشاء كراهية تنزيه. (2/ 144).
* أحاديث التغليس أشهر وأكثر وأصح وحديث: «اسفروا» ثابت، والجمع
أن المراد تحقق الفجر واتضاحه ويكون مع هذا تغليس بل مبالغة في التغليس، أو أن المراد باعتبار الخروج منها. (2/ 144 - 145).
* الراجح: أن الوقت لا يدرك إلَّا بركعة. (2/ 145).
* من فاتته صلاة العصر فإنه يصليها ولو وقع بعضها قبل الغروب وبعضها بعده. (2/ 146).
* مسافر قصد المسجد فوجد رفقته قد صلوا المغرب وشرعوا في صلاة العشاء، فيجب أن يصلي المغرب أولًا، ولو فاتته صلاة العشاء في الجماعة، ثم يأتي بصلاة المغرب
(1)
بعد ذلك. (2/ 146 - 147).
* سقوط الترتيب بجهل الوجوب هو أقوى، وأما من جهل أنها عليه ثم علم بعدما صلى حاضرة أو فائتة، أو علم اختلال الشرط، فهذا أولى من النسيان. (2/ 147).
* إن أمكن سرد الفوائت في يوم واحد بلا مشقة تعين ذلك، وإلا تقسم على حسب الطاقة مرتبة على حسب الأيام والأوقات من أول يوم وأول وقت. (2/ 147).
* لا يصح القول ببطلان صلاة مكشوف الرأس إمامًا أو غيره. (2/ 150).
* بل ذكر الفقهاء أن انكشاف جزء يسير من العورة لم يفحش في النظر إليه لا يبطل صلاة الإمام والمأمومين؛ لحديث عمر بن مسلمة وفيه: فكنت أؤمهم
(1)
كذا في الأصل، ولعل الصواب: العشاء.
وعلي بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت عني، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم
…
وفي رواية: «فكنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق فكنت إذا سجدت خرجت إستي» وقد انتشر هذا الخبر في عهد النبوة ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. (2/ 151).
* الحرة البالغة عورة في الصلاة إلا وجهها، فليس بعورة، بل المشروع أن تصلي كاشفة وجهها، ولو صلت مغطية وجهها صحت الصلاة، لأنها تركت الأولى، وهذا بالنسبة إذا لم تكن بحضرة أجنبي. (2/ 153).
* الدرع:
هو القميص، والمرأة تسميه الدراعة وهما واحد.
* الخمار: الآن في مكانه الشيلة، والشيال الآن الغالب أنه ما يكفي واحدة، لا بد من اثنتين، أو خمار صفيق لا يصف، ثم هنا لبس الخمر الرقيقة داخل في لبس الرقيق، هذا من «كاسيات عاريات» .
* لو صلى في أرض ما درى صاحبها فالصلاة صحيحة. (2/ 155).
* لا يجب ستر المنكب في الصلاة. (2/ 155).
* يحرم في الصلاة شد وسطه كزنار، والأرجح أنه يحرم في الصلاة وخارجها لعموم المنع، وهو ظاهر الأدلة، أما ما لا يشبه الزنار كالحياصة والسبته فلا يكره. (2/ 155).
* أُمرت المرأة أن تغطي رأسها في الصلاة ولو كانت في جوف بيتها بحيث لا يراها أحد من الأجانب، لحديث:«لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» فدل على أنها مأمورة من جهة الشرع بستر خاص لم يؤمر به الرجل حقًّا لله تعالى وإن لم يرها بشر. (2/ 161).
* من علم أن في ثيابه أو نعله نجاسة، ولكنه نسيها أو جهلها، وصلى فيها، فالصحيح في المسألة عدم الإعادة. (2/ 169).
* {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: 12] أمر موسى عليه السلام بخلع نعليه هو لسبب أنها كانت من جلد حمار وحشي غير مذكى، واليهود صاروا لا يصلون فيها. (2/ 170).
* حديث: «إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه أذى أو قذرًا فليمسحه وليصل فيهما» . هذا فيه مشروعية النظر في النعلين، وإذا وجد فيهما أذى وجب مسحهما، وفيه أنه يطهر بالمسح بالأرض، وفيه دليل على أنه يجوز الصلاة بالنعلين، فيكون دخول المسجد من باب الأولى بشرطه وهو: علم الإنسان وتحققه من سلامتها من الأذى. (2/ 170 - 171).
* قال بعضهم: إن وجود القبر والقبرين في المكان الذي يصلى فيه لا يضر لعدم صدق المقبرة عليها.
والقول الآخر: أن ذلك يضر وهو الصحيح. ولا دليل على أنها لا تسمى مقبرة، بل الكل مقبرة، ثم العلة في المنع ليس هو النجاسة كما يذهب إليه من يذهب، بل العلة كون ذلك وسيلة إلى عبادة القبور من دون الله، وهذا لا فرق
بين أن يكون قبر واحد أو قبران أو أكثر. (2/ 171).
* الحمام ليس هو مطلق المسبح - موضع التروش -
…
إنما المراد الذي حدث هنا وكان بالأمصار، الذي يرتب له الماء تارة ساخن وتارة بارد، فالصلاة في داخله أو في دهليزه، أو في جميع ما ينسب إليه غير صحيحة، والعلة أنها مأوى للشياطين، أو لأنها تكشف فيها العورات، أو هما. (2/ 171).
* أعطان الإبل هي: ما تبيت فيها بيتوتة معتادة، بخلاف مباركها في النزول، أو في الفلوات، إذا باتت رواحلهم في موضع ليلة أو ليلتين، كعادة المسافرين، أو بيتت في مفلاها ليلة أو ليلتين. (2/ 172).
* الصلاة في المزبلة لا تصح، ولا فرقبين الطاهر منها والنجس. (2/ 172).
* البقعة التي فيها المزبلة لو غيرت فزال عنها اسم المزبلة كليًّا؛ فإن الصلاة تصح فيها، كما تصح في موضع الحمام إذا هدم وجعل دارًا، وفي المقبرة إذا نبشت وحولت إلى بيوت ونحوها. (2/ 173).
* الصواب: القول بجواز الصلاة في مسجد يقع فوق طريق نافذ. (2/ 174).
* هناك مسجد جامع محيطة به القبور من جوانبه الأربع والمسجد قديم والمقبرة حادثة، وحيث أن وجود المقابر بقبلة المسجد وبقربه لا يجوز شرعًا، فلا بد من نبش القبور من قبلة مسافة مترين على الأقل، وجعل ما بين المسجد والمقبرة جدارًا فاصلًا ملاصقًا للقبور الباقية بقدر متر. (2/ 175).
* لا بأس ببقاء تلك القبور التي عثر عليها بقرب المسجد، لكن إن كانت في قبلة المسجد فلا بد من وجود حائل بينها وبين المسجد، وهو جدار يبنى عليها غير جدار المسجد، وينبغي أن يكون بينهما فاصل كنحو طريق. (2/ 176).
* المسجد أو البيت الذي تحيط به المقبرة من جهتين أو ثلاث، فذلك لا يمنع صحة الصلاة إذا لم تكن المقبرة إلى القبلة، فإن كانت إلى القبلة وكانت قريبة عرفًا وليس بينهم وبينها حائل، أو كان هناك اعتقادًا خاصًّا في الصلاة حول هذه القبور فإن هذا مما ينهى عنه ولا تصح الصلاة في مثل هذه الحالة، كما لا تصح الصلاة في المقبرة ولا يكفي جدار المقبرة، وإلا جدار المسجد بل لا بد من حائل ساتر منفصل. (2/ 176).
* تصح الصلاة على الطائرة، وهي في الجو، كما تصح الصلاة على الباخرة ونحوها. (2/ 179).
* إذا صلى في الطائرة ونحوها، فإن استطاع أن يصلي قائمًا ويركع ويسجد لزمه ذلك في الفريضة، وإلا صلى على حسب حاله، وأتى بما يقدر عليه من ذلك، كما يلزمه استقبال القبلة حسب استطاعته، وكلما دارت انحرف إلى القبلة إذا كانت الصلاة فرضًا. (2/ 179).
* السيارة لا تصح صلاة الفرض عليها وهي سائرة، إلا إن كان هناك طين ومطر فكالراحلة، أما إذا كانت واقفة فالظاهر الصلاة عليها فرضًا كالخشب المنصوبة، والدكات ونحوها. (2/ 180).
* أما النافلة فتصح على السيارة واقفة وسائرة. (2/ 180).
* من كان في الطائرة ودخل عليه وقت الصلاة فيرجح أنه يؤخر إذا كان يتمكن من الوصول إلى المطار في آخر الوقت الاختياري، أما إذا كان يخرج الوقت الاختياري أو يدخل وقت الضرورة فلا يؤخر. (2/ 181).
* الصحيح أن الفريضة مثل الناقلة تصح في الكعبة وفوقها، وأن الفريضة مثل النافلة إلا ما دل الدليل على التخصيص. (2/ 181).
* راكب الطائرة إن أمكنه النزول بها إلى الأرض مع انتفاء الضرر لزمته الصلاة في الأرض، ولم تصح صلاته في الطيارة، فإن لم يمكنه ذلك، أو كان في ذلك ضررًا، ووجد شيء من الأعذار التي تصح معها الصلاة على الراحلة، فإنه يصلي حينئذ في الطيارة على حسب حاله ويفعل ما يقدر عليه، ويسقط ما لا يقدر عليه، فإن أمكنه استقبال القبلة لزمه ذلك، ويستدير إلى القبلة إذا استدارت، وهذا التفصيل في الصلاة المكتوبة. (2/ 182).
* الراجح دليلًا أنه لا يلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة إذا صلى على الراحلة. وهذا أصح وأشهر وهو أيضًا أسهل وأرفق (2/ 182).
* التلفظ بالنية عند الأصحاب يستحب، ولكن هذا من الغلط الظاهر، بل هو بدعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مقطوع بأنه لم يتلفظ بها، وكذلك الخلفاء والبدريون وأهل بيعة الرضوان، بل ولا الأئمة من السلف، ولا الأئمة الأربعة، ولا استحب ذلك أحد من أهل العلم، إنما هي بدعة راجت على بعض الشافعية لقول الشافعي: إن الصلاة لا تدخل إلا بقول، ومراده التحريمة، لا التلفظ بالنية. (2/ 184).
* من أتى إلى المسجد ووجد الصلاة قد فاتته، ثم أقام وصلى لوحده، ثم دخل رجل آخر فصلى معه؟ المسألة خلافية.
والقول بصحتها مطلقًا هو الراجح دليلًا. (2/ 186).
* إذا علم الإمام بالحدث قبل تمام الصلاة، بطلت صلاته وصلاة من خلفه ولم يجز له الإنابة. (2/ 188).
* إمام الحي إذا قام يصلي بهم بدل نائبه لا يشترط أن لا يكون مسبوقًا، فإن كان مسبوقًا فينتظرونه حتى يأتي بما عليه فيسلمون معه، هذا الأفضل أو يسلمون لأنفسهم. (2/ 189).
* يصح أن يؤم مسبوق في بعض الصلاة مسبوقًا مثله في قضاء ما فاتهما من الصلاة بعد سلام الإمام. (2/ 189).
باب صفة الصلاة
* من أتى إلى الصلاة فيكون بسكينة ووقار إلا إذا خشي فوات الركوع أو فوات الجماعة أو الجمعة وأسرع من غير عجلة إسراعًا لا يفوت السكينة، فأنه لا يكره
…
فمفسدة فوات الجمعة أو الجماعة أكبر لأنهما واجبان، والعجلة منهي عنها إلا أنه نهي كراهة. (2/ 190).
* لا يقوم للصلاة إذا أقيمت إلا إذا رأى الإمام للأحاديث في ذلك. (2/ 190).
* الظاهر- والله أعلم- أن التراص المطلوب في الصف هو ما لا يفوت الخشوع، ولا يحصل معه الضيق، وما لا يفضي إلى خروج منكب هذا وتعريج الصف (2/ 190).
* الإخلال بالتراص إخلال بالسنة (2/ 190).
* إذا كان الرجال والنساء يصلون جميعًا فخير صفوف النساء آخرها، أما النساء المحض فالأول أفضل من الثاني وهكذا. (2/ 191).
* الظاهر أن صلاة النساء صفوفًا وجماعات ليس معهودًا كثيرًا، بل ربما روي القصة ونحوها، كحديث أم ورقة ونحوه
(1)
. (2/ 191).
* إذا كان المصلي إمامًا فإنه يجهر بتكبيرة الإحرام بقدر ما يسمعه من خلفه، وإن كان مأمومًا أو منفردًا فإنه يجهر بقدر ما يسمع نفسه. (2/ 191).
(1)
عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها. إرواء الغليل (493) وحسّنه الألباني.
* لا يخفى أن الإمام يجهر بالقراءة في صلاة الفجر وفي الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء وأما المنفرد فمخير بين الجهر والإخفات؛ لأنه لا يقصد إسماع غيره، وترك الجهر أفضل، وإنما يلزمه أن يقرأ قراءة يسمع فيها نفسه. (2/ 200).
* ليس للإمام أن يتعمد الإسرار في الركعتين الأوليين من المغرب وغيرها من الجهريات، لما في ذلك من مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفويت المأمومين سماع قراءة القرآن، وأما الصلاة خلفه فتجزئ، ولكن لا يقر على ذلك. (2/ 200).
* لا تعارض بين الجهر في الصلاة الجهرية وبين قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)} [الإسراء: 110] فإن النهي عن ذلك الجهر كان بسبب إيذاء المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وسبّهم القرآن آن ذاك حينما يسمعونه يجهر بالقراءة في ذلك الوقت. (2/ 202).
* القول في استعانة الإمام بالمكرفون «مكبر الصوت» الجواز عند الحاجة، وهذا أسهل من المبلغ وأكمل، أما إذا صار الجماعة محصورين ويُسمعهم الإمام فلا حاجة إليه ولا ينبغي؛ لأنه يحصل فيه تشويش، بل لا يجوز لأن القصد الشهرة والسمعة. (2/ 204).
* السنة للمصلي أن يضع يده اليمنى على اليسرى حال قيامه، وهو قول الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو مذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد، وهو الذي ذكره الإمام مالك في الموطأ
…
ومن تأمل الأحاديث والآثار الواردة في ذلك عرف يقينًا أنه هو السنة، وقد تتبع العلماء الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب فبلغت عشرين حديثًا رواها ثمانية عشر صحابيًّا وتابعيان. (2/ 205 - 206).
* لا نزاع بين (جمهور) أهل العلم في أنها تقبض اليمنى على اليسرى لكن أين يجعلان بعد ذلك؟
الأمر فيه سهل: إن جعلت على الصدر، أو تحت الصدر كما ذهب إليه الشافعي وهو متوسط بين الموضعين، أو تحت السرة كما في مذهب أحمد، كل خير إن شاء الله، ولو قيل: إن الكل موضع جمعًا لكان حسنًا، إن قال به أحد، والسر في ذلك كله، أنه ذل بين يدي الله. (2/ 13 - 214).
* من تأمل الأحاديث والآثار الواردة في قول «آمين» بعد قراءة الإمام الفاتحة في الصلاة الجهرية عرف أن التأمين والجهر به سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله وتقريره - صلوات الله وسلامه عليه - وقد تتبعها العلماء فبلغت سبعة عشر حديثًا، وثلاثة آثار، وليس مع الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبار، فمتى ثبتت السنة اطرح ما سواها، وفق الله الجميع لما فيه الخير. (2/ 215).
* يلزم تعلم الفاتحة والأذكار الواجبة للصلاة فورًا، فإن عرف بعض الفاتحة فإنه يكرره بمقدار طول القائمة، وإن لم يعرف منها شيئًا ولا من غيرها من القرآن، لزمه قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. (2/ 216).
* قول الراوي: «ما بين الستين إلى المئة» يعني أنه صلى الله عليه وسلم إن أطال قرأ بمائة وإن قصر قرأ بستين، والمراد في الركعتين. والله أعلم (2/ 216).
* الظاهر أن قراءته صلى الله عليه وسلم بالأعراف؛ لأنه يعلم محبتهم الطول ولا يشق عليهم. (2/ 211).
* إذا تحقق الإمام أن المأمومين لا تشق عليهم الإطالة، وليس فيهم ضعفة؛ فالإطالة غير منهي عنها. (2/ 216).
* الذين يدعون في الركوع والسجود ب {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)} [البقرة: 201] و {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] وشبه ذلك.
هذا ليس حرام، وفيه كلام لأهل العلم، والأولى تركه، أما قراءة ثمن في السجود ونحو ذلك فهذا حرام. (2/ 217).
* إذا كان يشق عليهم إذا أتم التسبيحات العشر فلا يستكملها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم «فأسمع بكاء الصبي» . (2/ 217).
* إذا رفع رأسه من الركوع فإنه لا يرسل يديه بل يجعلهما كما قبل الركوع وهذا أقوى وأصح في الدليل. (2/ 217).
* جلسة الاستراحة من الأشياء العارضة لا الراتبة، وإنما هو لما أسن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، فهذا للحاجة فيكون فعلها للحاجة من السنة العارضة لا الراتبة الدائمة. (2/ 219).
* الرواية الأخرى عن أحمد أنه يستعيذ لكل قراءة في كل ركعة وهذا القول فيه قوة، ولعله أرجح، وهو الذي ذكره الشيخ
(1)
في آداب المشي إلى الصلاة. (2/ 219).
* هل يقول المصلي: سيدنا ومولانا محمد؟
لا يخفى أن الاقتصار على ما ورد في الأحاديث وما جاء عن سلف هذه الأمة وأئمتها أولى وأفضل وأكمل، ولا سيما إذا كان ذلك في نفس الصلاة، فلا ينبغي أن يأتي في الصلاة بألفاظ غير ما ورد، فإن كان خارج الصلاة فهو أيسر، وتركه أولى
(1)
الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
على كل حال، وعلى كل فهذه الكلمة لم ترد عن السلف، فمن تركها فقد أحسن، ومن قالها فلا ينهى عنها نهيًا مطلقًا، بل يرغب بما هو الأفضل.
وهذا لا يغض من قدر نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فإنه له عند المسلمين من المنزلة والمحبة والتعزير والتوقير ما لا يعلمه إلا الله، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. وهو بلا شك سيدنا وسيد جميع الخلق، ولكن اقتران هذه الكلمة بالصلاة عليه دائمًا باستمرار لا نراه، لأنه لم يرد بهذه الصفة، والله أعلم (2/ 221).
* القول الراجح في معنى «الصلاة على النبي» الثناء عليه عند ملائكته. (2/ 221).
* الواجب من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قول: اللهم صل على محمد. (2/ 221).
* «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم» إلخ.
فِعلُهُ صلى الله عليه وسلم وأمره مما يقوي الوجوب، إلا أن المرجح قول الجمهور أن لا وجوب. (2/ 222).
* دعاؤه لوالديه بالمغفرة ولأولاده بالصلاح في الفريضة، ما فيه محذور، ما هو بمرجوح، إلا أن الاقتصار على الوارد أفضل. (2/ 222).
* مذهب أبي حنيفة أن المصلي إذا أتى بالتشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد خرج من صلاته، وأنه لو أحدث بعد ذلك فصلاته صحيحة، واستدل بحديث ابن مسعود رضي الله عنه في رواية أبي داود:«إذا قُلت هذا فقد قَضَيْتَ صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» وهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة، هذا لو لم يعارضه ما هو أقوى منه وهو حديث علي
(1)
. (2/ 223).
(1)
الذي رواه الخمسة إلا النسائي: «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» . (القاسم).
* رفع المصلي رأسه بعد التسليمة الأولى، أو خفضه، ما له أصل. (2/ 224).
* الصواب أن المصلي يرفع يديه إذا نهض في الثلاثية، لثبوته من حديث علي وأبي حميد، هذه قد صحت عند أهل الحديث بلا مرية، والزيادة مقبولة. (2/ 224).
* التورك في التشهد الذي يعقبه السلام من ذوات التشهدين، فلا يكون في الفجر، وهذا هو الذي تجتمع به الأخبار. (2/ 224).
* الدعاء المشروع الذي أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في أدبار الصلوات، إنما هو الدعاء قبل السلام والتحلل من الصلاة. (2/ 224).
* الاجتماع على الدعاء في أدبار الصلوات بدعة، وكذا الاجتماع على غيره من ألوان التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ونحوها مبتدع محدث لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم ولا من عمله ولا من عمل أصحابه. (2/ 225).
* رفع اليدين بالدعاء بعد الصلوات كلها بدعة، أما رفعها في الدعاء بعد النافلة فيجوز. (2/ 225).
* المصافحة لا بأس بها في المسجد وغيره، بل ورد الترغيب فيها، لكن بعض الناس يظن أن هذا مستحب دائمًا في هذه الحالة ولو كان قد قابله ودخلا المسجد جميعًا، بل ولو كان سلم عليه قبل جلوسه، وهذا غلط، لا سيما إذا اعتاده الناس وتوهموا سنية مداومته.
أما إذا فعل في بعض الأحيان، وترك في بعض من دون أن يعتقد من السنة فلا بأس به إن شاء الله. (2/ 226).
* اللنبة
(1)
مثل النار في استقبال المصلي لها، ويدخل في ذلك السراج. (2/ 226).
* سواءً كانت الصورة التي بين يدي المصلي مجسدة بأن أُسندت على الحائط أو كانت في ورقة معلقة فتكره؛ لأنها أولًا مما يلهي القلب، وثانيًا فيه مشابهة لعباد الأصنام لأصنامهم واستقبالهم إياها.
ولو كانت الصورة ملبوسة أو موضوعة كره، لكن الكراهة في المنصوبة أشد للمقابلة التامة. (2/ 226).
* مجرد فتح المصلي فمه مكروه، لأنه ينافي الهيئة المناسبة، وإن كان يتثاءب فهو أشد كراهية. (2/ 227).
* كون المصلي يخص جبهته بشيء يسجد عليه معتاد لها من قطعة ثوب أو نحوه مكروه. (2/ 227).
* من خصائص مكة التساهل في المرور بين يدي المصلي لأنها بلد من شأنها الازدحام وجمع الخلق الكثير، ولو منع المرور لشق ذلك وصعب فكان مسهلًا فيه لذلك، ويلحق به بقية الحرم والمشاعر ومنى لأنها مظنة الحاجة فناسب أن تخص بهذا الحكم. (2/ 228).
* للمأموم أن يفتح على إمامه، وكذلك إذا أسقط آية أو أكثر، أو كلمة، أو حرفًا. (2/ 228).
(1)
وقد وضعت اللنبات بأمره رحمه الله في مسجده أمام الأسطوانات (السواري) فكانت خلف المصلين، وكانت اللنبة التي تشعل للقارئ قبل الإقامة تطفأ إذا أقيمت الصلاة. (القاسم).
* لا تبطل الصلاة بعمل قلب وإطالة نظر في كتاب ونحوه، لتمام الأركان والواجبات، لكن يخل بالأجر، فيفوته من ثوابها على قدر عمله
…
ولا ينبغي للإنسان أن يتعمد التفكير وهو في الصلاة ولو كان تفكيره في طاعة. (2/ 229).
* تبطل الصلاة بمرور المرأة والحمار والكلب الأسود البهيم إذا كان المصلي إمامًا أو منفردًا في صلاة فرض أو نفل ومر واحد منها بينه وبين سترته إذا كان له سترة أو بين يديه قريبًا في ثلاثة أذرع من قدميه إن لم تكن له سترة. (2/ 230).
* وظاهر الحديث أن المقصود بالقطع هو فساد الصلاة. (2/ 231).
* ما سوى هذه الثلاثة فلا يقطع الصلاة إذا مر، ولكن لا يجوز المرور بين المصلي وبين سترته إذا كان له سترة ولو بعيدة، فإن لم يكن له سترة قدر ثلاثة أذرع فأقل سواء كان المار آدميًّا أو غيره، وعلى المصلي دفعه ما لم يغلبه، أو يخشى فساد صلاته. (2/ 231).
* تجويز المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام يدل عليه ما رواه الأثرم بسنده عن المطلب قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي الركن بينه وبين السقيفة فصلى ركعتين في حاشية المطاف ليس بينه وبين الطواف أحد»
(1)
. (2/ 232).
* وأما تجويزه بمكة فيدل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: «جئت أنا وغلام من بني هاشم على حمار فمررنا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فنزلنا عنه وتركنا الحمار يأكل من بقل الأرض فدخلنا معه في الصلاة، فقال: أكان بين يديه عنزة؟
(1)
أخرجه ابن ماجه (585).
قال: لا» رواه أبو يعلى في مسنده. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال أيضًا: قلت: هو في الصحيح خلا قوله: «أكان بين يديه عنزة فقال: لا» . (2/ 232).
* أما جوازه في الحرم فوجهه أن الحرم كله محل المناسك والمشاعر فجرى فجرى
(1)
مكة، فإن الناس يكثرون لأجل قضاء النسك ويزدحمون هناك، فلو منع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس.
ويلحق بهذا ما إذا كان المار محتاجًا في غير الحرم. (2/ 232).
* وأما وجه الجواز فيما إذا غلبه أو خشي فساد صلاته فمن باب ارتكاب أخف المفسدتين لمنع وقوع أعلاها. (2/ 233).
* الجواب عما عارض حديث: «يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كآخرة الرحل: الحمار والكلب الأسود والمرأة
…
».
أما مرور الحمار بين يدي الصف، وصلاة عائشة معترضة، فليس بصريح، إذ ليس فيه إلا المرور بين يدي الصف، وحديث عائشة الرجلين
(2)
وبعض البدن لا يلزم أن يكون مثل كل البدن، ودليل ذلك إدخال النبي صلى الله عليه وسلم رأسه على عائشة ترجله وهو معتكف. (2/ 233).
* آخرة الرحل: بقدر ثلثي ذراع تقريبًا. (2/ 233).
* يكفي وضع العصا، إلا أن الأتم أن تكون منصوبة. (2/ 233).
* قوله: «خط خطًّا» يفيد أنه لو خطه غيره فلا يكفي. (2/ 233).
* لا يكفي الخط إلا إذا عدم الشاخص والعصى. (2/ 234).
(1)
كذا في الأصل، ولعل الصواب: مجرى.
(2)
فإذا سجد قبضت رجلي وإذا قام بسطتها. (القاسم).
* إذا كان للإمام سترة، ومر بين يدي المأمومين، فالذي يقرب أن التغليظ الذي في الحديث لا يتناوله، والعدول عنه ينبغي فإن فيه نوع تشويش، ومسألة كونه لا يقطع هذا وإن لم يثبت حكمًا فلا يلزم منه السلام من الوعيد المشار إليه في الحديث من كل وجه، وهي مسألة بحث. (2/ 234).
* التعوذ عند آية وعيد والسؤال عند آية رحمة، هذا في حق الإمام، أما المأموم فالأصل في حقه الإنصات. (234).
* الصحيح أن ما جاء في النافلة صح أن يستدل به على الفرض والعكس، ما لم يجئ دليل يدل على اختصاص هذه بهذا دون الآخر. (234).
* قول: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، عند قراءة الإمام:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)} [التين: 8] ورد في حديث إلا أن فيه ضعفًا ظاهرًا. (2/ 235).
* ما يقوله العامة عند قوله: {بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)} [الملك: 30] يأتي به الله، لا يثبت فيه شيء. (2/ 235).
* الثابت في آخر القيامة جاء حديث يصلح سنده لمثل هذا. (2/ 235).
* اعلم أن تكبيرة الإحرام لا تصح في الفريضة من القادر على القيام إلا أن يأتي بها كاملة وهو واقف، وإن أتمها في مبادئ انحنائه يجب أن يتمها قبل وصوله إلى أدنى الركوع، وأدنى الركوع هو الانحناء بمقدار ما تمس أطراف أصابع يديه أعلى ركبتيه حين المبالغة في مد يديه، لكن لا ينبغي أن يأتي بها إلا وهو كامل الانتصاب قائمًا. (2/ 235).
* أعدل الأقوال أن قراءة الإمام قراءة للمأموم، لكن في السكتات يندب قراءة الفاتحة خروجًا من الخلاف، وهذا الذي به تجتمع الأدلة. (2/ 235).
* الاعتدال من الركوع والجلسة بين السجدتين لا ينبغي أن يطولهما بمقدار ركعة كاملة بل يكون تطويلًا مناسبًا للركوع والسجود، بخلاف القيام والتشهد الأخير فإنه مستثنى في الحديث
(1)
. (2/ 235 - 236).
* إذا أخل بشيء من الأعضاء السبعة، فكأنه لم يسجد، ولكن ليس المراد أن يضعها على الأرض من حين يسجد إلى أن يرفع، بل لو أول ما سجد وضع يدًا وترك يدًا ولكنه في آخر السجود وضعها على الأرض فقد حصل منه الركن، إلا أن الأكمل الاستمرار، ومثله: إذا سجد وأحس بشيء يخشاه فرفع يده ليزيله فهذا لا يخل. (2/ 236).
* الصحيح أن يقال: كل شيء في الصلاة لم يشمله حديث المسيء ولا دل عليه بخصوصه دليل، فإنه لا يكون واجبًا، هذه هي العبارة الصحيحة، فالتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي، والتسليمتان، كلها لم تذكر في حديث المسيء، ومع ذلك هي أركان. (2/ 236).
* الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير مشروعة، ثم هي ركن على الراجح، والركن المفروض «اللهم صل على محمد» فإذا قال هذا وسلم، فإن الصلاة صحيحة، لكن يكون تشهدًا ناقص الفضيلة على الراجح. (2/ 236 - 237).
(1)
ولفظه: «كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبًا من السواء» . حديث البراء. (القاسم). خرجه البخاري (792).
باب سجود السهو
* إمام صلى بقوم صلاة الظهر خمس ركعات ساهيًا، كان الواجب على المأمومين أن ينبهوه أول ما وقع منه السهو.
وحيث لم ينبهوه إلا بعد فراغه من الصلاة فكان الواجب عليه أنه حال ما نبه استقبل القبلة وسجد سجدتي السهو ثم تشهد ثم سلم مع قصر الفصل. وإن طال الفصل عرفًا، أو أحدث، أو خرج من المسجد سقط عنه سجود السهو لفوات محله، وصلاتهم صحيحة. (2/ 238).
* من تابع الإمام في الزيادة ولم يكن جاهلًا ولا ناسيًا فعليه إعادة الصلاة. (2/ 238).
* إن اختلف على الإمام من ينبهه من المأمومين سقط قولهم، ويرجع إلى البناء على اليقين، أو على غلبة الظن على قول، وهذا القول كأنه أرجح. (2/ 238).
* إمام صلى المغرب فلما أتى في التشهد الأول ظن أنه الأخير، فنبهه الجماعة وقام وأتى بالثالثة، ليس عليه سجود سهو. (2/ 238 - 239).
* سها الإمام فقال أحد المأمومين: إسْجِد واقترب. بطلت صلاته، وإذا قال:{وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [القلم: 19] بلغة القرآن لم تبطل. (2/ 239).
* التشهد الأول من واجبات الصلاة، فإذا نسيه المصلي فإن ذكره قبل أن يعتدل قائمًا فيلزمه الرجوع ويسجد للسهو.
وإن ذكره بعد أن اعتدل وقبل الشروع في القراءة فلا يرجع ويسجد للسهو (2/ 239).
باب صلاة التطوع
* قال الإمام أحمد في أفضل ما يتطوع به: انظر ما هو الأصلح لقلبك فافعله، وهذا مرجح، إذا صار في بعض التطوعات يجد من قلبه خشوعًا وخشية ونحو ذلك صار أفضل لهذا الشخص، وهذه أيضًا تختلف باختلاف الأحوال والبلاد (2/ 240).
* الراجح كما قال الشيخ: أنه لا يقال واحد آكدها مطلقًا، بل الآكدية تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. (2/ 240).
* قراءة {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الوتر لا أذكر فيها شيئًا، ينبغي بعض الأحيان- لاسيما الإمام- إبدال بعض السور بغيرها، ليعلم من لا يعلم أن ذلك ليس بفرض. فإن العوام لا يعلمون من المداومة على الشيء إلا أنه فرض. (2/ 240).
* ينبغي أن يترك القنوت بعض الأحيان لئلا يظن الوجوب. (2/ 241).
* وكذلك قراءة «الم السجدة» و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} في فجر الجمعة، ينبغي أن تترك بعض الأحيان. (2/ 241).
* القنوت في الفجر فيه أحاديث غير صريحة أو غير صحيحة [لا أصل له ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أبدًا. (2/ 242)]، والقول بعدمه أصح وأظهر، وأدلته لا تحتمل التأويل. (2/ 241).
* الراجح: أنه لا يقنت في الفرائض إلا في النوازل. (2/ 242).
* من سجد للسهو لتركه القنوت في الفجر، فإن هذا السجود مبطل للصلاة
(1)
. (2/ 242).
* التراويح والقيام سنتان مؤكدتان، يثاب فاعلهما ولا يعاقب تاركهما، ولا يتعين أداؤهما جماعة. (2/ 243).
* عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أُبي بن كعب رضي الله عنه كان يصلي بهم عشرين ركعة، وكان هذا بمحضر من الصحابة، فيكون كالإجماع، وعلى هذا عمل الناس اليوم، فلا ينبغي الإنكار عليهم بل يتركون على ما هم عليه. (2/ 244).
* إذا كان من عادة أهل بلد فعل صلاة التراويح على وجه
(2)
آخر مما له أصل شرعي فلا وجه للإنكار عليهم. (2/ 244).
* التعدد الحاصل في المسجد الحرام والمسجد النبوي وغيرهما من إقامة عدة جماعات منفردة في صلاة الوتر هو خلاف السنة العمرية،
…
وبناءً على ذلك ونظرًا إلى ما في ذلك من أسباب الخلاف والتفرقة المنافي لمشروعية الجماعة والمقصود منها، فإننا نرى أنه يتعين منع إقامة مثل هذه الجماعة المنفردة، والاكتفاء في ذلك بالإمام الراتب. (2/ 5 - 246).
* رفع المصلين- صلاة التراويح- أصواتهم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل ركعتين منها، مبتدع غير مشروع، ويقال فيه إن اتخاذه عادة والاجتماع عليه مما
(1)
وقد وجه سماحة الشيخ رحمه الله نائبه بالمنطقة الغربية بوجوب منع الأئمة من القنوت في صلاة الصبح، في الليث. (2/ 242).
(2)
لعل سماحته رحمه الله يقصد بالوجه الآخر: عدد الركعات، والله أعلم.
يضاهي المشروع، ومما يستقبح رفع الصوت به في المساجد فيكون من جنس سائر الأقوال المحرمة فيها. (2/ 6 - 247).
* ليس لصلاة العشاء راتبة قبلها. (2/ 247).
* لا يخلو أمر التنفل في السفر من حالين، إما أن يكون فيما يختص بالسنن الرواتب، أو لا:
فإن كان فيما يختص بالسنن الرواتب، فلم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها، إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر، فإنه لم يكن ليدعها حضرًا ولا سفرًا.
أما إذا كان التنفل في السفر مطلقًا، فقد سئل عنه الإمام أحمد فقال: أرجو ألا يكون بالتطوع في السفر بأس. (2/ 248).
* حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر) مراده بالتسبيح التنفل بالرواتب، وذلك أن الرباعية قد خففت إلى ركعتين تخفيفًا للمسافر، فإذا كان التخفيف بترك بعض الصلاة فترك راتبتها من باب أولى، ولهذا قال ابن عمر: لو كنت مسبحًا لأتممت. (2/ 248).
* التطوعات المطلقة جاء في السنة أنها في حق المسافر كهي من المقيم. وفي حديث الثلاثة الذين يعجب الرب منهم: «الرجل المسافر إذا قام يصلي» ، والفرق بينهما وبين إكمال الرباعية أن الرباعية بصفة الوجوب، والوجوب يستمر عليه فتلحقه المشقة، وهذه لا وجوب (2/ 244).
* الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ولو كانت في المسجد، إلا إذا كان بين يدي الصف فلا ينبغي. (2/ 249).
* قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس، هو أولى من قضائها بعد الصلاة. (2/ 219).
* قضاء الوتر، قيل: إنه يضم إليه واحدة ويكون شفعًا، والظاهر أنه على صفته. (2/ 249).
* الحديث في قيام ليلة العيد، ضعيف (2/ 250).
* لا مزية لليلة النصف من شعبان، وجاء فيه حديث لا يصح ولا يثبت، وجاء فيه آثار عن جماعة من الصحابة، والصحيح أنه لا مزية لها بتخصيص عبادة. (2/ 250).
* تطويل الركوع والسجود أفضل من تطويل القيام، وذلك أن القيام مراد للركوع والسجود. (2/ 252).
* كل ما كان السجود من حالة أعلا كان أفضل، إذا كان عن قيام فإنه أفضل منه عن قعود. (2/ 253).
* وقت صلاة الضحى من خروج وقت النهي - وهو ما إذا ارتفعت الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال -
…
وإذا أردت أن تصلي تسليمتين في أول الوقت وتسليمتين في آخره أو فيما بين ذلك فيجوز. (2/ 253).
* الصحيح والمعروف أن سجود التلاوة ما هو بفرض. (2/ 254).
* سجدة «ص» يسجد لها خارج الصلاة، فإن سجد لها في الصلاة فالمشهور في المذهب أن صلاته تبطل، والقول الآخر أنها سجدة من ضمن سجدات القرآن، فعلى هذا يسجد بها في الصلاة ولا بأس، وهو الصواب. (2/ 254).
* جهر الإمام بالتكبير في النهوض من سجود التلاوة في الصلاة لا يشرع بناءً على أن سجود التلاوة ليس بصلاة، وهذا هو الأرجح. (2/ 4 - 255).
* تقرأ السجدة في الحرم في صلاة الفجر ولو كان الحجاج لا يفهمون، وما ذكر من تشوش المصلين من الحجاج الأجانب وارتباكهم في الصلاة وقت السجود في السجدة لا يستبعد، ولكن القضاء على هذا التشويش والارتباك لا يكون بترك السنة الثابتة. (2/ 256).
* الراجح في الدليل فعل ذوات الأسباب في وقت النهي. (2/ 260).
* إذا كان الرجل بين أناس فشا فيهم أن ذوات الأسباب لا تصلى في وقت النهي، كما عند الأصحاب، فترك فعلها أكثر مصلحة. (2/ 261).
* مشايخنا يصلون صلاة الكسوف ولو بعد العصر، أو قبيل الغروب. (2/ 261).
* النبي صلى الله عليه وسلم قضى راتبة الظهر بعد العصر، إلا أنه داوم عليها، ومداومته من أجل أن عمله ديمة، وإلا فأصل فعلها قضاء للرواتب. (2/ 261).
باب صلاة الجماعة
* صلاة الجماعة واجبة على الأعيان حضرًا وسفرًا، ولا يعذر بالتخلف عنها إلا من عذره الشرع بالمرض والخوف وما في معناهما. (2/ 263).
* درس العلم وتدريسه ليس عذرًا في عدم الحضور للجماعة. (2/ 264).
* يزعم بعض الناس عن بعض الأئمة أنها سنة، وهذا المروي لا يصح. (2/ 264).
* أقوال الأئمة جميعًا ترجع إلى أن صلاة الجماعة فرض، والمسألة مترددة بين أنها شرط صحة، وبين أنها فرض عين. (2/ 264).
* والقول بأنها شرط قول قوي. (2/ 265).
* الرسول صلى الله عليه وسلم لا يهم بباطل، بل همه صواب، ولم يمنعه من التنفيذ إلا ما في رواية أحمد:«لولا ما فيها من النساء والذرية» ورواية أحمد لا مطعن فيها، فذكر «الهم» ولم يقل: إني نهيت.
فتبين أن ذلك من الحق، مع قطع النظر عن رواية أحمد، فهو يريد أن الشأن يستحق ذلك، ولو لم يكن إلا هذا لكفى. (2/ 265).
* ما الجمع بين حديث: «لأحرقن عليهم بيوتهم» وبين حديث: «لا يعذب بالنار إلا رب النار» ؟
الجواب: الحديث الأول فيه جواز العقوبة المالية، وليس المراد أنه قصد تحريق
ذواتهم، فإن البيوت تحرق على أهلها وقد تصيبهم، وقد لا تصيبهم - وهو الأكثر - أما لو قال: لأحرقهم، لكان يحتاج للنظر في الجمع بينهما. (2/ 280).
* وجوب صلاة الجماعة لا يختص بالحضر، والنبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليها حضرًا وسفرًا، فإذا كانوا مسافرين اثنين فأكثر فيصلون جماعة. (2/ 265).
* إذا دخل المسافر المسجد ولا رفقة له، فيتعين عليه فعلها مع الجماعة، فإن الواجب مقدم على السنة، فلا ينفرد ويصلي ركعتين، فإن الله فرض الجماعة حضرًا وسفرًا. (2/ 266).
* مسافرين يريدون القصر في بيتهم، لا بأس، ولكن إذا لم يريدوا القصر فلا وجه لصلاتهم في البيت. (2/ 267).
* الذين يصلون في الدوائر، إن كان سائغًا فيجعلون مسجدًا ويصلون فيه. (2/ 267).
* نظرًا لوجود جملة من الموظفين في مبنى المطار مع من يتصل بهم من المراجعين والمسافرين والمودعين، لهذا ينبغي أن يجعل لهم مسجد قريب منهم ليؤدوا فيه الصلوات جماعة. (2/ 269).
* التأكيد على ضرورة العناية بالصلاة جماعة في مدرستهم ما دامت الصلاة تدركهم ولم ينتهوا بعد من دراستهم. (270).
* من كان في بلد ليس فيها مساجد ولا أذان ولا جماعة، فيصلي هو ورفيقه الصلوات الخمس في مكان سكناهم بأذان وإقامة لكل صلاة. (2/ 271).
* لا يجوز العمل الذي يفوت صلاة الجماعة مهما كان نوعه. (2/ 272).
* الذين يبقون في مجالسهم والناس يصلون لا رغبة لهم في الخير، وأدنى أحوالهم أنهم فساق إن صدقوا أنهم سيصلون في بيوتهم. (2/ 273).
* لا يخفى ما وقع فيه كثير من الناس من التكاسل وعدم الاهتمام بأداء الصلاة جماعة في المساجد، وهذه مصيبة عظمى وبلية كبرى، والسكوت على مثل هذا مداهنة في الحق والعياذ بالله.
لهذا تعين التنبيه على الجميع بالقيام على الكسالى وتفقدهم جميعًا بأسمائهم لصلاة الفجر، كما وردت به السنة وعليه عمل المسلمين. (2/ 275).
* الذين يقولون لا تجب صلاة الجماعة هم في كل ما يخالف شهواتهم يقولون: لا يصلح دليلًا ونحو هذا، ويوجد منهم أشياء تدل على أنهم ما صلوا الصلاة الشرعية، يوجد منهم شرب
(1)
، ويوجد منهم أشياء أُخر. (2/ 279).
* القول الصحيح أن الصلاة لا تصلى في البيت إلا إذا كان معذورًا وإلا فلا، ويأثم بفعلها في بيته ما دامت الجماعة في المسجد. (2/ 282).
* يصدق الإنسان إذا قال إنه صلى في بيته، أو أنه أدى زكاته، لكن لا يجوز إقراره على صلاته في بيته وتركه الجماعة، وإذا تكرر ذلك منه من غير عذر، وجب تأديبه بما يردعه وأمثاله عن ترك واجب أداء الصلاة جماعة في المسجد. (2/ 282).
* حديث: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» عموم هذا يستدلون به على جواز الصلاة في البيت، وهذا عموم، والعموم دلالته ضعيفة، وإن كان مسلمًا أنه
(1)
أي: شرب للخمر.
حجة صحيحة، ولكن عارضه أدلة أقوى منه، وهذا من العموم الضعيف، فإن العموم تارة يكون قويًّا، وتارة يكون ضعيفًا.
وأضعف من هذا لو استدل به فقال: أنا في مسجد، فيقال: أنت في مسجد لكن تركت الأدلة الأخر.
ويقال هذا العموم يسلم إذا لم يوجد في المسجد أحد، أما ما دام الجماعة قائمة في المسجد فلا. (2/ 283).
* الجمع بين حديث: «لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه» رواه مسلم وبين حديث: «من زار قومًا فلا يؤمهم» .
يحمل على إمامتهم بغير إذنهم، أو يجمع بأن الأولى له أن يدع وإن أذن له، وبكل حال أن كلمة «بأذنه» دالة على الجواز. (2/ 285).
* المغرب كغيرها من الصلوات ولا فرق - في إعادتها مع من فاتته الجماعة - فالراجح: أنها تعاد كركعتي المغرب بعد المغرب فإنها لا تزيل الوتر. (2/ 286).
* الأظهر: أن مسجدي مكة والمدينة كغيرهما من المساجد في إعادة الجماعة لمن فاتته صلاة الجماعة مع الإمام. (2/ 286).
* المبادرة بتحية المسجد هو السنة إذا لم يشرع المؤذن في الإقامة. (2/ 287).
* تكبيرة الإحرام لا تصح في الفريضة من القادر على القيام إلا أن يأتي بها كاملة وهو واقف، وإن أتى في مبادئ انحنائه يجب أن يتمها قبل وصوله إلى أدنى الركوع صحت منه أيضًا.
وأدنى الركوع هو انحناء بمقدار ما تمس أطراف أصابع يديه أعلى ركبتيه حين المبالغة في مد يديه، لكن لا ينبغي منه أن يأتي بها إلا وهو كامل الانتصاب قائمًا. (2/ 288).
* الراجح: سقوط قراءة الفاتحة عن المأموم، لكن يتأكد خروجه من الخلاف إذا أمكنه في السكتات. (2/ 290).
* الراجح: أن الذي يدرك المسبوق مع الإمام من صلاته هو أولها، وما يقضيه هو آخرها. (2/ 290).
* المسبوق إذا جلس إمامه للتشهد الأخير فإنه يقتصر على التشهد الأول ويكرره حتى يسلم الإمام، ثم ينهض ليأتي بما سبق به. (2/ 291).
* مأموم تخلف عن إمامه فسجد الإمام وجلس بين السجدتين وسجد السجدة الثانية، فلحقه المأموم في السجدة الثانية، فلما قام الإمام للركعة الثانية جلس المأموم بين السجدتين وسجد السجدة الأخرى ثم قام فلحق إمامه قائمًا، فإن كان تخلف لغير عذر بطلت صلاته إذا كان عالمًا متعمدًا، فإن كان جاهلًا أو ناسيًا أو لعذر من نعاس ونحوه وأمكنه الإتيان بما تخلف عنه ومتابعة إمامه قبل فوات الركعة الثانية فصلاته صحيحة، ويعتد بتلك الركعة، وإلا لغت الركعة وقامت التي تليها مقامها، ويلزمه متابعة إمامه، ويأتي بركعة بدل التي لغت بعد سلام إمامه. (2/ 292).
* الذي يجلس قليلًا إذا قام الإمام، الغالب على أكثرهم بطلان صلاته، إلا أن الذي يفعل هذا جهال في الغالب، فإنه ترك ركن إنما يتركونه تكاسلًا عن الصلاة فيما يتبقى فينبغي تنبيه من يفعله. (2/ 292).
* لو صف المأمومين فيما هو متخذ طريقًا في المسجد للنفوذ من موضع إلى موضع فإن للمار مع هذا الطريق أن يتخطى؛ لأنهم هم الذين جلسوا في الطريق. (3/ 38).
* فرش البسط والحنابل في المسجد، ومنع الناس من الجلوس عليها والصلاة، لا يجوز، لأن المساجد لله سبحانه، والسابق أحق من المتأخر، والسبق والتقدم إلى المسجد يكون بالبدن لا بالفرش والوطاء، بل هذا ظلم وغصب لتلك البقعة من المسجد بدون حق. (3/ 38).
فصل في أحكام الإمامة
* كل من كان أعلم بصلاته فالصلاة خلفه أفضل من الصلاة خلف من دونه. (2/ 292).
* يجوز للأفقه الأجود قراءة أن يصلي خلف من لا يحسن ذلك، مع أن الأقرأ، ثم الأفقه أولى بالإمامة من ضدهما. (2/ 293).
* إمام الحي - أي الإمام الراتب - يقدم ولو كان في المأمومين من هو أقرأ أو أفقه منه. (2/ 293).
* إذا كان الإمام أميًّا وهو من لا يحسن الفاتحة، أو يدغم فيها ما لا يدغم، أو يلحن لحنًا لا يحيل المعنى أو يبدل حرفًا فهذا لا تصلح إمامته إلا بمثله، فإن قدر على إصلاح ذلك ولم يفعل لم تصح صلاته. (2/ 293).
* الراجح: أن الصلاة خلف الفاسق تصح، لكنها ناقصة بكل حال، فينبغي العدول عنه إذا كانت صلاة فيها تعدد أو الجمعة إذا كان فيها تعدد، وإلا صلى خلفه ولو مع فسقه؛ لأن الأمر دائر بين فعلها خلف فاسق، وترك الجماعة، وترك الجماعة فيه الوعيد الشديد، فصلاة ناقصة ساقط بها الفرض، خير من صلاة لا تصح بحال. (2/ 293).
* معلوم في النصوص أن الفاسق لا يقدم، بل يجب عزله ولا كرامة، ويحرم ابتداء ترتيبه
(1)
. (2/ 293).
* حالق اللحية لا يجوز أن يُولى الإمامة لأنه فاسق، والفاسق ليس أهلًا للإمامة، لكن الصلاة خلفه صحيحة مجزئة. (2/ 294).
(1)
يعني: تعيينه على وظيفة راتبة.
* الذي يجاهر بشرب الدخان فاسق لا يصلح للإمامة، ولا ينبغي أن يُولى الإمامة في الصلاة إلا بمثله. (2/ 294).
* إذا كان الذي لا يشرب الدخان أُميًّا بمرة لا يحسن قراءة الفاتحة وأذكار الصلاة، ووجد من يحسن ذلك ممن يشربون الدخان، فحينئذ يصلي بهم هذا للضرورة. (2/ 295).
* لا يجوز تقديم مبتدع إمامًا في الصلاة. (2/ 298).
* الصحيح: صحة الصلاة خلف من صلاته في نفسه صحيحة. (2/ 299).
* دائم الحدث: كمن يخرج منه دود، أو كمن أصيب بسلس البول، لا يقتدي به إلا من هو مثله. (2/ 299).
* العلماء رحمهم الله سهلوا في أمر إبدال الضاد ظاء لا سيما من يعجزه النطق بالضاد. (2/ 300).
* إن قدر على إصلاح إدغام حرف في آخر لا يدغم فيه، أو إبدال حرف بحرف، غير ضاد المغضوب، والضالين بظاء، أو على إصلاح اللحن المحيل للمعنى، لم تصح صلاته ما لم يصلحه. (2/ 301).
* اللحن الذي يحيل المعنى إذا تعمده في الفاتحة أو غيرها بطلت صلاته، وذلك أنه ليس قرآنًا، وإن كان جهلًا أو سهوًا فإن كان في الفاتحة فلا بد أن يعيده مُصلحًا، ويلزمه سجود السهو، وفي غير الفاتحة لو لم يعده، ويسجد. (2/ 301).
* الرجل الذي يوسوس في صلاته، ويكرر الفاتحة، والتشهد، ويستأنف تكبيرة الإحرام مرة أخرى. مثل هذا لا ينبغي أن يوظف إمامًا في الصلاة. (2/ 302).
* قصور الإمام في العلم ليس مسوغًا لعزله. (2/ 305).
* يصح ائتمام المفترض بالمتنفل كصلاة العشاء خلف من يصلي التراويح، هذا هو الراجح عندنا بمعنى أننا لا نأمره بالإعادة، ولكن الخروج من الخلاف أولى وأحوط. (2/ 306).
* الصواب إن شاء الله: أن الرجل الذي لم يجد له محلًّا في الصف يقف فيه، ولم يحصل له بعد أن ينبه أحد المأمومين بجذب أو غيره أن يتأخر من أجله ليصف معه، ولم يتمكن أن يقف عن يمين الإمام، أن صلاته فذًّا صحيحة للحاجة، لأنه اتقى الله ما استطاع. (2/ 307).
* إن ركع الرجل فذًّا لعذر بأن خشي فوات الركعة ثم دخل في الصف قبل سجود الإمام أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت صلاته قولًا واحدًا. (2/ 307).
* صلاة الفذ خلف الإمام بلا عذر باطلة. (2/ 308).
* صلاة الجماعة في سرحة المسجد المنفصلة عنه لا بأس بها، ولا يعد ذلك هجرانًا للمسجد. (2/ 309).
* إذا سمع المأمومين صوت الإمام بدون مكبر: فلا مانع من الاقتداء، ولو كان بينهم وبينه حائل، أما إذا كان بمكبر فلا يجوز. (2/ 309).
* مشي الرجل إلى فرجة في الصف الذي أمامه وهو في الصلاة، لا بأس بذلك، وإذا قصد بذلك اتباع السنة وامتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«سدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان» فهو مثاب على قصده ونيته، ولا تبطل به الصلاة. (3/ 7 - 38).
فصل في الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة
* البقولات التي يكون فيها بعض الرائحة غير الطيبة كالكراث والبصل والثوم لا يمنع من أكلها سواء للشهوة أو للتداوي، فإنها من الطيبات لا من الخبائب، لكن من أكلها فلا يأتي المسجد، ولا يتحيل بأكلها على ترك الجمعة والجماعة، ثم إذا أمكن إزالة الرائحة بشيء فهو أولى. (2/ 310).
* جميع من فيه ما يؤذي الناس يجتنب المسجد ولا يأتيه كمن فيه قروح يتأذى منها الناس، وتكون له عذرًا مسوغًا عدم الحضور. (2/ 310).
* من به سلس بول إن أمكنه التحفظ من تلويث المسجد فيتعين عليه الصلاة جماعة في المسجد، أما إذا لم يمكنه ذلك، فيعذر في صلاته في البيت. (2/ 311).
* الواجب على المريض ألا يؤخر الصلاة عن وقتها، فيصلي على حسب حاله: إن استطاع القيام صلى قائمًا، وإلا صلى جالسًا، فإن لم يستطع صلى مضطجعًا ويومئ إيماءً، وإن أمكنه الوضوء بلا ضرر وإلا تيمم ولا إعادة عليه، ولا يحل له تأخير الصلاة عن وقتها ما دام عقله معه. (2/ 314).
* المريض الذي لم يصل مدة مرضه، عليه قضاء الصلاة فورًا مرتبة. (2/ 314).
* إذا لم يسبق أن كان منك نزيف بسبب ركوع أو سجود، وإنما تخشى ذلك. وأنت تستطيع الركوع والسجود فلا يجوز إيماؤك بالسجود والركوع طالما أنك تقدر عليهما، فإن كان يحدث لك بالفعل إذا ركعت أو سجدت نزيف، فإنه عند ذلك يجوز لك الإيماء بالركوع والسجود. (2/ 315).
* إذا كان المأموم لا يستطيع السجود من حين يكبر الإمام حتى يرفع فإنه يسجد مع الإمام، فإذا شق عليه السجود فيرفع قدر ما يقدر به من الأرض، ولا يكون هذا مفارقًا إمامه، فإن كان لا يقدر السجود على الأرض فيسجد قدر ما يستطيع من الأرض. (2/ 315).
* إذا كان الطبيب ثقة غير متهم، وكان تقديره عن علم ودراية، فلا مانع من الأخذ بقوله، وترك السجود بقدر المدة التي يقررها، وحينئذ فيومئ إيماءً. (2/ 216).
فصل في قصر المسافر الصلاة
* المسافر يستبيح رخص السفر وهي أربع رخص: قصر الرباعية، والجمع بين الصلاتين، والفطر في رمضان، وزيادة المسح على الخفين إلى ثلاثة أيام بلياليها، والمرأة كالرجل في ذلك، والعبد كالحر، والصبي كالبالغ. (2/ 314).
* سفر المعصية بمجرده لا يجوز قصر الصلاة فيه. (2/ 316).
* الأصح دليلًا: أن كل ما سمي سفرًا عرفًا واحتاج إلى حمل الزاد والمزاد والراحلة للركوب فهو سفر تستباح به رخص السفر لعدم ورود حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحديد ذلك. (2/ 316).
* لا نعلم دليلًا يدل على مسافة معينة لقصر الصلاة، وما لم يرد له تحديد في الشرع، فيرجع في تحديده إلى العرف، فما تعارف عليه الناس بأنه سفر واحتاج إلى زاد وراحلة فإن المسافر يقصر فيه. (2/ 325).
* من سافر سفرًا مباحًا إلى جهة معينة ساغ له أن يستبيح رخص السفر كالفطر والقصر والجمع وزيادة مدة المسح على الخفين إذا كان سفره طويلًا بحيث يكون بينه وبين البلد التي قصدها مسافة قصر. (2/ 317).
* الظاهر أنه لا يسوغ استباحة رخص السفر في مسافة ستين كيلو. (2/ 318).
* لا تقصر الصلاة في مسافة عشرين أو ثلاثين كيلو، فإن مثل هذا لا يسمى سفرًا، ولا يحتاج فيه إلى حمل الزاد والمزاد لا سيما على السيارات. (2/ 319).
* الظاهر أن الذي يسافر إلى «ثادق» و «البير» و «القصب» أن هذا سفر يبيح الفطر والقصر. (2/ 319).
* من ذهب من الرياض إلى مكة في يوم يقصر. (2/ 320).
* إذا جمع الصلاتين صار الوقتان في حقه كالوقت الواحد. (6/ 100).
* مفارقة عامر قريته ليس شرط أن لا يراها، بل لو لم يكن بينه وبينها إلا أذرع يسيرة، لكن يشترط أن يفارقها ويفارق ما يتبعها، فما دام في معمور من قصور وبساتين فإنه فيها
(1)
. (2/ 320).
* البدوي الذي ضاعت إبله وسافر يبحث عنها لا يقصد مكانًا معينًا ولا يعلم هل يستمر سفره إلى مسافة القصر أو يجدها دونه، لا يستبيح رخص السفر حال ما يخرج من بلده، حتى يجاوز المسافة، فإذا جاوزها ابتدأ استباحة رخص السفر. (2/ 320).
* لو سافر بعد دخول الوقت، فالراجح في الدليل، أن له الترخص، فإن الله يقول:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية [النساء: 101] فهو يتناول من كان سفره قبل دخول الوقت ومن كان بعده. (2/ 321).
* الذي نراه في مسألة المرابطين في الثغور، العمل بالأحوط من أن مثل هؤلاء لا يجوز لهم الترخص برخص السفر، لأنهم قد عزموا على الإقامة مدة عام كامل. (2/ 323).
(1)
أي: في قريته.
* من كان سفره غير منقطع، فإن كان أهله معه، أو لا أهل له، لزمه الإتمام. (2/ 324).
* من كان سفره غير منقطع، وله أهل لا يحملهم معه فالسنة في حقه القصر لعموم أدلته. (2/ 324).
* يشرع قصر الصلاة في كل سفر إلا السفر المحرم، كسفر قطاع الطريق ومن يتجرون في أمور محرمة. (2/ 324).
* موانع القصر:
1 -
الشك في قدر المسافة.
2 -
عدم قصد جهة معينة.
3 -
السفر من أجل الترخص برخص السفر.
4 -
كون المسافة أقل من مسافة قصر.
5 -
الشك في قدر المسافة المعلومة لهذا المسافر هي مسافة قصر أو أقل أو أكثر.
6 -
ائتمام المسافر بمقيم أو بمن يشك في إقامته.
7 -
وجوب الصلاة في الحضر ثم يسافر قبل فعلها، أو تجب في السفر ولا يفعلها إلا بعد الإقامة
(1)
.
8 -
عدم نية القصر أو الشك فيها هل نوى القصر أو لا؟
9 -
نية الإقامة لأكثر من أربعة ايام.
(1)
انظر المسألة الخامسة في ص (86) فالذي يظهر أن للشيخ رحمه الله قولين في المسألة.
10 -
كون سفره لا ينقطع وهو لا أهل له، ولا مسكن، أو له أهل وهم معه. (2/ 324 - 325).
* الأصل في مشروعية القصر أنه سنة، لفعله صلى الله عليه وسلم وفعل خلفائه الأربعة. (2/ 325).
* البادية إذا حالوا محوال حقيقي لهم حكم المحوال
(1)
، وكونهم يقيمون بعض يوم من أجل مواشيهم لا يضر
(2)
. (2/ 325).
* إذا مر المسافر بقرية وتزوج فيها ذلك اليوم فيتم، أو مر وهي
(3)
فيها. أما إذا مر على البلد والزوجة ليست فيها، أو ماتت، أو طلقها فيقصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترخص في مكة وهو قد تزوج فيها، وكذلك الصحابة. (2/ 5 - 326).
* جمع العصر إلى الجمعة لا يصح بحال، ويلزم من جمع العصر إلى الجمعة قضاء صلاة العصر عن تلك الأيام التي جمع العصر فيها إلى الجمعة. (2/ 327).
* لا يجمع بين الظهر والعصر للمطر ولا لريح شديدة باردة. (2/ 328).
* مذهب الإمام أحمد رحمه الله أوسع المذاهب في الجمع. (2/ 329).
* الشغل الذي يجوز الجمع من أجله، هو: الذي يحصل بتفويته نقص. (2/ 330).
(1)
المحوال: هو السفر من جهة إلى أخرى قصدًا للمرابع وأماكن نزول الغيث. (القاسم).
(2)
لعل مراد الشيخ رحمه الله: أنهم يترخصون برخص السفر، إذا كانت الحال ما ذكر.
(3)
يعني: زوجته.
* الإنسان لا يخلو غالبًا من شغل، ولو قيل: بجواز الجمع لمطلق الأشغال لكان الفرد يجمع كل يوم، وهذا لا قائل به. (2/ 330).
* لا يجمع لمجرد المطر، وكذلك إذا لم يوجد معه مشقة. (2/ 330).
* إذا كان في الأرض طين بأن مطرت في أول النهار فيجوز الجمع ما دامت طينًا، فإذا كان طين وماء فكذلك، فإذا نضب الماء وبقي الطين فكذلك، وكذلك الدحض بمجرده.
الوحل: هو الطين، والدحض: هو الزلق. (2/ 330).
* إذا كنتم في الصحراء وفي شدة البرد والثلوج واجتماع الجماعة في الوقت الأول دون الوقت الأخير، فيجوز الجمع، وقد دلت السنة على جواز الجمع للمطر، وهذا مثله بل أولى. (2/ 331).
* إذا كان المأموم من نيته أنه إذا جمع إمامه جمع كفى. (2/ 332).
* إن كان الإمام لو ما أخبر الجماعة - بأنه سيجمع - وقع شر واختلاف فلو أخبرهم لا على وجه السنة بل على قصد الموافقة جاز (2/ 332).
* إذا لم يجمعوا، فجمع رجل واحد في المسجد فينكر عليه بكل حال لمخالفته الجماعة، ولو أمر بالإعادة تنكيلًا فله وجه، أما صلاته فصحيحة إن شاء الله. (2/ 332).
باب صلاة الجمعة
* الجمعة أفضل من الظهر مطلقًا، للأحاديث التي فيها من التغليظ على تفويتها ما لم يوجد مثله في تفويت الجماعة. (3/ 5).
* سقوط الجمعة عن العبد كسقوط وجوب الحضور عن المريض، فيصلون ظهرًا. ولو وجبت وهم في المسجد وجبت عليهم. (3/ 7).
* المزارع الذي يمكث أشهرًا، ثم إذا انقضى الزرع رحل، لا يسمى مستوطنًا. (3/ 7).
* العشش (1)، ومثلها الصنادق
(1)
، وأشباهها مما جنسه يتخذ للاستيطان حكمها كالبناء المعتاد من الحجر والقصب. (3/ 7).
* لو خرج أهل بلد يوم الجمعة لعارض كفزع أو لطمع، فلما كان وقت الجمعة إذا هم في البرية ولا بقي إلا عشرون طالب علم - مغترب - وخمسة تجار فلا يصلون جمعة، بل إن حضر أهل البلد صلوا معهم. (3/ 7).
* لا أعلم دليلًا صريحًا صحيحًا يجب المصير إليه في اشتراط الأربعين. (3/ 9).
* إذا اجتمع عدد كثير وإن نقصوا عن الأربعين فلا بأس إن شاء الله بإقامتهم الجمعة. (3/ 9).
* أهل قرية عددهم ثلاثون، إذا كانوا مقيمين فيها استيطانًا، ومعهم أهلهم، وتجب الجمعة على كل واحد منهم، ولم يكونوا موظفين حيث أنهم عرضة للتنقل فلا بأس أن تقام فيهم الجمعة. (3/ 10).
(1)
ما يتخذ سكنًا - من الأخشاب ونحوها.
* أهل قرية إذا قلوا كانوا خمسة وعشرين رجلًا، وبينهم وبين البلد الأخرى مسافة اثنتي عشرة ساعة للراكب، يقيموا الجمعة في هجرتهم. (3/ 10).
* أهل قرية عددهم يتراوح بين الخمسة والعشرين والعشرين، وأقرب قرية إليهم تبعد كيلو متر، يلزمهم أداء الجمعة في القرية القريبة منهم، إلى أن يبلغ عددهم الحد المعتبر. (3/ 11).
* عددهم عشرون وفي بعض الأحيان يزيدون، وبينهم وبين أقرب بلد مقدار ساعتين للراجل، يقيمون الجمعة. (3/ 11).
* عددهم عشرون، وبينهم وبين الجامع سبعة كيلو متر، والمسافة كلها صحاري، لا نرى مانعًا من السماح لهم بالانفراد بصلاة الجمعة. (3/ 11).
* عددهم يقارب العشرين وهم مستوطنون، وبينهم وبين أقرب بلد مسافة طويلة، الذي نرى إقامة الجمعة في مسجدهم، ولا تجب عليهم، هذا إذا كان لهم إمام. (3/ 12).
* عددهم من خمسة عشر إلى عشرين وبينهم وبين أقرب بلد مسافة ساعة، ويلحقهم مشقة من الذهاب إليها، لا يلزمهم الذهاب إليها، إذا كانت المسافة صحراء، ولا نرى مانعًا من صلاتهم جمعة. (3/ 12).
* عددهم ستة إلى ثمانية، الذي نرى أن ينتظرون حتى يكثر السكان ويجتمع العدد الكافي لصلاة الجمعة. (3/ 12).
* اثنان في بلد ليس عندهم أحد يصلي الجمعة، إذا كان الأمر كما ذكر فيصليا ظهرًا. (3/ 12).
* لم يبلغنا أن أحدًا من السلف أقام الجمعة في السجن. (3/ 13).
* إذا توافرت الشروط لم نر مانعًا من إقامة الجمعة والشروط كالآتي:
1 -
أن يتم العدد المشترط أربعين فصاعدًا
(1)
.
2 -
أن يكونوا ساكنين صيفًا وشتاءً بحيثُ تعتبر المحطة كقرية مستقلة بنفسها.
3 -
أن تكون المسافة التي بينها وبين أقرب جمعة صحراء غير معمورة بالسكان والنخيل. (3/ 14).
* صلاة الجمعة لا تجب ولا تصح من عمال غير مستوطنين. (3/ 15).
* لا جمعة على البدو المتنقلين في البر إذا أقاموا مدة تقارب الشهر أو تزيد، ولا تصح منهم، لأن من شروطه أن يكونوا مستوطنين ببناء معتاد يشمله اسم واحد لا يرحلون عنه صيفًا ولا شتاءً. (3/ 16).
* لا مانع من إقامة صلاة الجمعة في المطار ما دام موظفوه مستوطنين فيه لا يرحلون عنه صيفًا ولا شتاءً. (3/ 17).
* الذي يقوم يصلي إذا تحرى لدخول الإمام يوم الجمعة فعله هذا ليس بمشروع. (2/ 248)
(2)
.
* الصلاة على النبي في الخطبة:
يتعين لفظ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكفي غيرها، خلافًا للقول الآخر، يذكر اسمه المظهر من اسمه العلم ك محمد أو النبي أو أحد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم. (3/ 17).
(1)
انظر المسألة السادسة في ص (90).
(2)
سبقت مسألة مماثلة لها في ص (71).
* قول: سيدنا محمد، في خطبة الجمعة:
لا يخفى أن الاقتصار على ما ورد في الأحاديث، وما جاء عن سلف هذه الأمة وأئمتها أولى وأفضل وأكمل، ولا سيما إذا كان ذلك في نفس الصلاة، فلا ينبغي أن يأتي في الصلاة بألفاظ غير ما ورد.
فإن كان خارج الصلاة فهو أيسر، وتركه أولى على كل حال، وعلى كل فهذه الكلمة لم ترد عن السلف فمن تركها فقد أحسن، ومن قالها فلا ينهى عنها نهيًا مطلقًا، بل يرغب بما هو الأفضل. (3/ 18).
* القول الراجح: أن الخطيب لو قرأ آية لا تستقل بمعنى، أو حكم، كقوله:{ثُمَّ نَظَرَ (21)} [المدثر: 21] أو: {مُدْهَامَّتَانِ (64)} [الرحمن: 64] لم يكف. (3/ 18).
* إذا كان الذين يحضرون في المساجد لا يفهمون خطبة الجمعة لجهلهم اللغة العربية فينبغي للخطيب أن يشرح لهم معانيها باللغة المحلية بعد الفراغ من إلقائها لتحصل لهم الفائدة المقصودة من الخطبة. (3/ 19).
* ينبغي أن تكون الخطبة مشتملة على ذكر دعائم الدين وقواعده العظام، وكذلك ينبغي بل يجب أن ياتي بما يحرك القلوب، أما شيء لا يحركها فلا ينبغي. (3/ 20).
* الاقتصار على ذكر فناء الدنيا والموت لا يكفي، كما أنه لا يكفي الاقتصار على كلمات الحكم النافعة، لابد من موعظة وشيء يحرك القلوب. (3/ 20).
* اعتماد التسجيع وكونه هو هم الخطيب مرجوح ولا ينبغي، فإن أتى به مع إتيانه بالأمور الهامة فلا مانع. (3/ 20).
* اعتماد النبي صلى الله عليه وسلم على القوس والعصا في حديث أبي داود فيه فوائد: منها شرعية الاعتماد في الخطبة على قوس أو على عصًا، وذلك لكونه أرفق للخطيب وأثبت له. (3/ 21).
* الاعتماد على السيف ليس بمشروع. (3/ 21).
* يكون دعاؤه للمسلمين بالأمور الهامة من نصرة الإسلام والمسلمين، وكبت أعداء الدين ونحو ذلك. (3/ 21).
* الظاهر أنه لا يعيد الجمعة ظهرًا إذا صلاها مع الخوارج، والصحيح والذي تدل عليه الأدلة الشرعية صحة الصلاة خلف الفاسق، وأن من صحت صلاته في نفسه صحت خلفه، أما إذا كان تحت اليد والتصرف فلا يقدم ذو البدعة وذو الفسق بحال. (3/ 22).
* السنة هي قراءة السجدة في فجر كل جمعة ويداوم عليها، وإذا كان الإمام يخشى ظن الجهال وجوب قرائتها فمن المستحسن أن يقرأ بعض الأحيان بغيرها. (3/ 22).
* إذا كان الجامع قريبًا وواسعًا لم يجز تفريق الجمعة، ولو كان فيهم مرضى وشيوخ، والشيخ والمريض الذي لا يستطيع المشي إلى المسجد الجامع يتعين عليه حضور الجمعة وإتيانها راكبًا، أو محمولًا إن استطاع ذلك، وإلا فهو معذور يصلي في بيته ظهرًا. (3/ 23).
* انفراد أهل كل حارة بمسجد للجمعة يتنافى مع مشروعية الجمعة، وتشوف الشارع إلى اجتماع أكبر عدد ممكن من المسلمين لها في مسجد واحد. (3/ 23).
* لا يخفى عليكم حكم تعدد الجمع، وأن ذلك لا يجوز شرعًا، إلا بأحد المسوغات كضيق المسجد، أو بعده، أو نحو ذلك. (3/ 24).
* من مسوغات تعدد الجمعة ضيق المسجد، وحصول العداوة. (3/ 13).
* الشحناء الدنيوية بين الجماعة وإمام الجامع ليست مسوغ شرعي يسوغ لهم الانفراد في الجمعة والعيد. (3/ 25).
* أهل هجرة عددهم يقارب الخمسة والعشرين، وأنهم يبعدون عن أقرب هجرة إليهم قرابة كيلو ونصف، وأن هجرتهم منفصلة عن غيرها من الهجر المجاورة ومعروفة باسمها، فلا نرى بأسًا في السماح لهم بإقامتهم الجمعة في هجرتهم. (3/ 32).
* الجمعة لا تجوز إلا فيما يأذن الإمام بإقامتها فيه، فإذا أُقيمت في مسجد بغير إذن الإمام فجمعة من صلى فيه غير صحيحة. (3/ 36).
* إذا صلى العيد يوم الجمعة، فلم يرد أنهم يجتمعون ويصلون في المسجد ويؤذن لهم ظهرًا، والظاهر أنه لو فعل ذلك كان بدعة، لأنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بل سقط الحضور وكفى مجمع عن مجمع. (3/ 37).
* جاء ترك التحلق يوم الجمعة للعلم وغيره، لأجل أنه يعوق عن الصلاة. (3/ 37).
* ترك العمل كل يوم جمعة من مشابهة أهل الكتاب. (3/ 37).
* الراجح من أقوال العلماء في ساعة الإجابة: أنها آخر ساعة، ويليه في الرجحان أنه من حين يخرج الإمام إلى أن يفرغ من الصلاة. (3/ 37).
* من سبق إلى مكان في مقدمة الصف لم يسبق إليه فهو أحق به، فلا يجوز إقامته من مكانه بحجة أن هذا المكان لشخصية كبيرة، إلا إذا لم يكن من أُولي الأحلام والنهى. (3/ 42 - 43).
* من قدم عصاه إلى المسجد لحجز مكان لم يجز، أما من- كان في المسجد- طرأ عليه- أمر- حادث فوضع عصاه فقد يكون مستحبًّا. (3/ 43).
* إمام كان يخطب خطبة الجمعة فجاء صبيان يلعبان فتوقف عن الخطبة وتكلم على الأولاد، وعلم الحاضرين، وبعد الخطبة الأولى نزل وضرب الصبيين وأخرجهما من المسجد، ما كان ينبغي للإمام، أن يفعل هذا، وإذا أراد أن يعلمهم فيكون بطريقة الحكمة والموعظة الحسنة، ومع هذا فلا تبطل الخطبة بمثل هذا الكلام، لأنه ليس بكلام محرم، وإنما هو مكروه لا يليق. (3/ 44).
* اعتياد بعض الناس مصافحة من على يمينه وشماله إذا دخل الإمام يوم الجمعة بدعة (3/ 44).
* استعمال المهفة وقت الحر والإمام يخطب لا بأس به. (3/ 44).
* المنع من الموعظة والتذكير بعد صلاة الجمعة لا أعلم له أصلًا، والوعظ والتعليم لا يتقيد بزمن، بل ينظر فيه المصلحة وحالة المتعلمين ونحوهم، وينبغي تخولهم وعدم إملالهم. (3/ 45).
باب صلاة العيدين
* «عيد الفطر» شكر لله، وسرور، وابتهاج بما من الله على العبد بتكميل رمضان، ومثله «عيد النحر» فإنه يوم سرور وأنس لكمال ما تعبد به في يوم عرفة وما حو اليه من أيام الحج، وأيضًا ما بعده من الأيام الثلاثة هي أيام أعياد تبعًا. (3/ 46).
* لا يسوغ تعظيم شيء إلا ما عظم في الشريعة. (3/ 46).
* «العيد البدعي» هو اتخاذ زمن ما عيدًا لم يتخذه الشرع، ولم يأذن فيه لمفهوم قوله:«عيدنا أهل الإسلام» . (3/ 47).
* الوقائع المتعددة وأبرزها «الهجرة» و «الفتح» لم تتخذ أعيادًا، فاتخاذ الذكريات والموالد أعيادًا، حدث في الإسلام منكر مستكره، لم يشرعه الله، وليس من دين الحق في شيء. (3/ 51).
* لو كانت إقامة الموالد خيرًا محضًا، أو راجحًا، لسارع إليها السلف الصالح، فإنهم كانوا أحرص الناس على الخير أخذًا به وسبقًا إليه. (3/ 51).
* ولو كانت إقامة الموالد للنبي صلى الله عليه وسلم من أعلام حبه أو تعظيمه لأقاموها، فإنهم كانوا أعلم الناس بما يصلح له صلى الله عليه وسلم ومن أشدهم تعظيمًا له وحبًّا فيه. (3/ 51).
* تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بالإيمان به واتباعه ومحبته، وتقديم محبته على النفس والأهل والمال والولد والناس أجمعين. (3/ 53).
* قول بعض الجهال والمضللين: من أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر الاحتفالات بمولده، هذا من أبطل الباطل، ومما لا يتسع له عقل عاقل. (3/ 56).
* اتخاذ يوم نزول القرآن عيدًا يتكرر بتكرر الأعوام، لا يجوز شرعًا؛ لأنه لا أصل له في الدين، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه الراشدين، وسائر صحابته والتابعين لهم بإحسان ولا عن أحد من الأئمة الأربعة. (3/ 97).
* الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج ليس بمشروع لدلالة الكتاب والسنة والاستصحاب والعقل - ثم ساق رحمه الله الأدلة من الكتاب والسنة- ثم قال:
وأما الاستصحاب فهو هنا استصحاب العدم الأصلي، وتقرير ذلك أن العبادات توقيفية، فلا يقال: هذه العبادة مشروعة، إلا بدليل من الكتاب والسنة والإجماع، ولا يقال: إن هذا جائز من باب المصلحة المرسلة، أو الاستحسان أو القياس أو الاجتهاد؛ لأن باب العقائد والعبادات والمقدرات كالمواريث والحدود لا مجال لتلك فيها.
وأما المعقول فتقريره أن يقال: لو كان هذا مشروعًا لكان أولى الناس بفعله محمد صلى الله عليه وسلم. (3/ 98 - 99 - 100).
* الاحتفال بذكرى «الإسراء والمعراج» أمر باطل، وشيء مبتدع، وهو تشبه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع.
فلا يجوز، ولا تجوز المشاركة فيه. (3/ 103).
* من نذر أن يذبح ذبيحة في اليوم السابع والعشرين من رجب من كل عام، فهذا النذر لا ينعقد لاشتماله على معصية، وهي أن شهر رجب شهر معظم عند أهل الجاهلية، وليلة السابع والعشرين منه يعتقد بعض الناس أنها ليلة «الإسراء والمعراج» فجعلوها عيدًا يجتمعون فيها، ويعملون أمورًا بدعة، وقد نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوفاء بالنذر في المكان الذي يفعل فيه أهل الجاهلية أعيادهم أو يذبح فيه لغير الله. (3/ 104).
* بعض التجار استوردوا هدايا خاصة لمناسبة العيد المسيحي لرأس السنة الميلادية، من ضمن هذه الهدايا «شجرة الميلاد المسيحي» ، وبعض المواطنين كانوا يشترونها ويقدمونها للأجانب المسيحيين في بلادنا مشاركة منهم في هذا العيد، وهذا أمر منكر ما كان ينبغي لهم فعله. (3/ 105).
* عيد الجلوس
(1)
من طرائق اليهود والنصارى. (3/ 106).
* المسلمون لم يخلوا بحمد الله في السنة من عيد، بل شرع لهم عيدان اثنان، اشتمل كل واحد من العيدين من العبادات والعادات من الفرح والامبساط ومظهر مزيد التآلف والتواد والتهاني به بينهم ودعاء بعضهم لبعض على ما لم يشتمل عليه سواهما من الأعياد، وتعيين يوم ثالث من السنة للمسلمين فيه عدة محاذير شرعية:
«أحدها» المضاهاة بذلك للأعياد الشرعية.
«الثاني» أنه مشابهة للكفار من أهل الكتاب وغيرهم في إحداث أعياد لم تكن مشروعة أصلًا.
«الثالث» أن ذلك اليوم الذي عين للوطن الذي هو أول يوم من الميزان هو يوم المهرجان الذي هو عيد الفرس المجوس، فيكون تعيين هذا اليوم وتعظيمه تشبهًا خاصًّا، وهو أبلغ من التحريم من التشبه العام.
(1)
هو ذكري تولي الملوك ورؤساء الدول. انظر (1/ 106) من فتاوى سماحة الشيخ رحمه الله.
«الرابع» أن في ذلك من التعريج على السنة الشمسية وإيثارها على السنة القمرية التي أولها المحرم ما لا يخفى.
«الخامس» أن ذلك شرع دين لم يأذن به الله، فإن جنس العيد الأصل فيه أنه عبادة وقربة إلى الله تعالى. (3/ 109 - 110 - 111).
* تخصيص «يوم للنظافة» والاحتفال به أمر لا يجيزه الشرع حيث يكون بصفة العيد، ولا عيد لأهل الإسلام غير أعيادهم التي سنها الشرع، وما سواها فحدث باطل ينهى عنه الإسلام ويمنعه. (3/ 122).
* إذا قامت البينة بالعيد من أول النهار وجبت صلاة العيد، لبقاء الوقت، فإنه من ارتفاع الشمس إلى الزوال، وإن لم يعلم بالعيد إلا بعد زوال الشمس أو قبله ولم يمكن فعلها في الوقت فإنهم يصلونها من الغد قضاءً. (3/ 123).
* العيد من شأنه اللعب، حتى إن الصغار من الجواري لهم أن يلعبوا في ذلك اليوم اللعب الذي لا يشتمل على محظور، لأنه يوم سرور. (3/ 123).
أما ما يشتمل على محظور فلا يجوز بحال، كمدح الخدود والقدود ونحو ذلك، فإنه لا يجوز، وأكل مال بالباطل، ويكون سببًا لاستيلاء الغفلة. (3/ 124).
* «العرضات» التي توجد في هذه السنوات أيام الأعياد مما ينافي العيد، وهو من الباطل لا من السرور. (3/ 124).
* تناول طعام العيد في البيوت كان مشهورًا في نجد، وأخرج في الأسواق ليكمل الانتفاع به، لأنه مجمع فيه يكمل السرور والإطعام ونحو ذلك. (3/ 125).
* المنع من تجول أهل القرى بعضها على بعض في أيام العيد، وذلك بعد عودتهم من صلاة العيد وتقديم بعض أنواع الطعام في غير محله. (3/ 125).
* الراجح في الدليل: أن خطبة العيدين تفتتح بالحمد لما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح خطبه بالحمد لله.
أما كونها تبتدئ بالتكبير فلا، بل تبتدئ بالحمد كسائر الخطب. (3/ 126 - 127).
* التكبير في حال الجلوس في مصلى العيد أفضل من قراءة القرآن، ومن سائر الذكر. (3/ 127).
* التكبير الذي كان يعمل في المسجد الحرام يوم العيد، يجلس شخص أو أشخاص في سطح زمزم ويكبرون، وأُناس يجاوبونهم في المسجد
(1)
، هذه الكيفية في التكبير لا أعرف أنا وجهها، فالمدعي شرعية ذلك بهذا الشكل عليه إقامة الدليل والبرهان. (3/ 7 - 128).
* الراجح هو: عدم التعريف عشية عرفة بالأمصار؛ لأن هذه عبادة اختصت بمكان وهو عرفة، ولا يلحق غيره به. فإلحاق مكان بمكان في عبادة زيادة في الشرع، فالذي عليه العمل أنه بدعة. (3/ 128).
(1)
فقام الشيخ/ عبد العزيز بن باز وأنكر عليهم هذه الكيفية، وقال: إنها بدعة، ومقصود الشيخ: أنها بدعة نسبية بهذا الشكل الخاص، ولا يقصد أن التكبير بدعة، فتذمر من ذلك بعض عوام أهل مكة، لأنهم قد ألفوا ذلك. (3/ 127).
باب صلاة الكسوف
* الكسوف يدرك بالحساب، وليس توثبًا على علم مستقبل، بل هو أخذ مستقبل من ماضٍ، إلا أنه لا يجزم بقولهم، فلا يصدقون ولا يكذبون. (3/ 128).
* وتوضؤ الإنسان وتهيؤه هو تصديقه وهو مخطئ وغلطان
(1)
. (3/ 129).
* قول أهل الفلك في سبب الكسوف والخسوف لا ينافي كون ذلك تخويفًا. (3/ 129).
* الصحيح أن صلاة الكسوف تفعل في وقت النهي كبعد العصر. (3/ 129).
* الراجح: أن الكسوف وقع مرة واحدة، فيتعين مسلك الترجيح، وتكون الصلاة أربع ركعات في أربع سجدات، لشهرة الأحاديث وصحتها بذلك، وما عدا هذه الصفة وهم. (3/ 130).
* لا مانع أن تصح - صلاة الكسوف - بدون تعدد الركوعات، لأن تعدد الركوعات من باب الندب، فلو صليت كالفجر. (3/ 130).
* من ترك صلاة الكسوف واكتفى بصلاة الفجر - لأن الكسوف حصل بعد دخول وقت صلاة الفجر - ظانًّا أن تطويل صلاة الفجر فيه تعويض عن صلاة الكسوف فقد أخطأ، وهذا لا وجه له، بل هو جهل صرف. (3/ 30 - 31).
(1)
قلت: وتقدمت فتوى في التنجيم. ذكر فيها إنكار المشايخ على الحساب الذي قصد المسجد في الدرعية. (1/ 169 - 170)(القاسم).
* إذا وقع الكسوف في وقت صلاة الفجر فيبدأ بصلاة الكسوف أولًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم بالكسوف خرج إلى الصلاة مسرعًا فزعًا يجر رداءه. (3/ 131).
* إذا وقع الكسوف في وقت صلاة الفجر فبدأ الإمام بصلاة الفجر ودخل رجل المسجد وكبر للإحرام ناويًا صلاة الفجر، ثم ظن أن الإمام يصلي الكسوف فإن كان لم ينوي غير صلاة الفجر فصلاته صحيحة، وإن كان نوى الفجر ومعها صلاة الكسوف فصلاته غير صحيحة. (3/ 131).
باب صلاة الاستسقاء
* جاء تقديم الصلاة على الخطبة وهو الذي عليه العمل، وصرح به الأصحاب، ولكن يجمع بينه وبين حديث عبد الله بن زيد
(1)
بأن الكل جائز، فيكون وجهان في ذلك، كل سنة. (3/ 132).
* صيام يوم الاستسقاء لم يجئ فيه شيء من الأحاديث، ولكنه طاعة، وجاء أن دعوة الصائم مجابة. (3/ 132).
* من أعظم المعاصي تأثيرًا في منع القطر، منع الزكاة. (3/ 132).
* قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)} [الجن: 16] ومعنى الآية: لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها، لأسقيناهم
(2)
ماء غدقًا يعني سعة الرزق، وضرب الماء الغدق مثلًا لأن الخير والرزق من المطر. (3/ 134).
* مما ينبغي أن يقدم بين الاستسقاء الصدقة وملاحظة الفقير والنظر إليه نظرة رحمة، عسى أن يرحمنا ربنا. (3/ 147).
* كان جل خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء استغفار الله سبحانه ودعوته والابتهال إليه. (3/ 153).
(1)
حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى فاستسقى فاستقبل القبلة، وقلب رداءه، وصلى ركعتين. متفق عليه.
(2)
في الأصل: (لاستقيناهم) ولعل الصواب ما أثبته.
* ينبغي - وفقني الله وإياكم - أن أهل كل مسجد من المساجد يجمعون صدقاتهم، ويدفعونها إلى وكيل منهم أمين، إما المؤذن أو غيره، وبعد ما تجتمع تفرق على المساكين من جيران المسجد ومن يحضر معهم من الغرباء الفقراء ويكون تقسيمها عليهم قبل يوم الاستسقاء بيوم. (3/ 154 - 159).
* مراد الأصحاب - الحنابلة - بقولهم: والتوسل بالصالحين. التوسل بدعائهم الله، لا بذواتهم، فإن ذات أحد لا تكون وسيلة لإجابة دعوة أحد. (3/ 159).
* قولهم: ويجلس للاستراحة
(1)
، يحتاج إلى دليل، فإن قام دليل وإلا فلا، ولهذا العمل على خلافه. (3/ 159).
* يستحب للإمام والمأموم رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء. (3/ 160).
* عند الأصحاب - الحنابلة - ينادى لصلاة الاستسقاء، مقيسًا على الكسوف، ولا يصح هذا القياس. (3/ 160).
(1)
يعني في خطبة الاستسقاء.
كتاب الطب والجنائز
* يكره الأنين لما فيه من نوع التشكي، إلا فيما لا يستطيع الكف عنه، كالذي تقتضيه الحال والطبيعة، وشدة الألم، فهذا لا يدخل تحت الكراهة. (3/ 163).
* يكره تمني الموت، لكن عند خوف الفتن وتوافر وتظافر أسبابها، قيل بإباحته حينئذ. (3/ 163).
* لا بأس بالنفث في الماء، ثم يسقاه المريض استشفاء بريق ذلك النافث، وما على لسانه حينئذٍ من ذكر الله تعالى، أو شيء من الذكر، كآية من القرآن ونحو ذلك، بل قد صرح العلماء باستحبابه. (1/ 92).
* أن يكتب للمريض بعض آيات قرآنية في إناء يغسله ثم يشربه لا يظهر في جواز ذلك بأس. (1/ 94).
* النفث في الملح ليس فيه بأس. (1/ 94).
* الرقية باللسان الأعجمي حرام. (1/ 95).
* من يشوي الحية، ثم يأكلها، فقد أطاع الشيطان، وذلك لا يجوز. (1/ 95).
* التمائم إن لم تكن من القرآن، ولا من أسماء الله وصفاته، فلا نعلم خلافاً بين أهل العلم في منعه وتحريمه واعتباره شركاً بالله. (1/ 96).
* وإن كانت من القرآن أو من أسماء الله وصفاته، فقد اختلف علماء السلف في حكم تعليقها، والقول بتحريمها هو الصحيح. (1/ 96).
* قطع معدنية على شكل أهلة ونحوها، مكتوب فيها آيات قرآنية، تباع
لتعلق على الأطفال وغيرهم، كتمائم يتقى بها العين والوحشة، يلزم منع بيعها، واستعمال الناس لها، ومصادرة ما يعرض منها في الأسواق. (1/ 98).
* فائدة: التمائم لم يتعارض فيها التحريم والأمر، حتى يقال: ينظر ما يقدم، فإن المعارضة بين النهي والإباحة، وبعض المباحات تترك في أشياء كثيرة لأجل خوف الوقوع في المفسدة، ولم يقل أحد إنها واجبة. (1/ 98).
* هذه الحروز التي تلبس أكثرها ليس فيه إلا طلاسم، وبعضها ليس فيه إلا أنياب السباع وحبوب بعض النباتات. (1/ 98).
* لا عبرة بالذين يجيزون لبس التمائم ويتشبثون بقول بعض أهل العلم، ولا داعي إلى ذلك إلا الدراهم، ما ضر الدين إلا الدراهم في قديم الزمان وحديثه. (1/ 98).
* الأصبع الزائدة إن كانت ثابتة عظامها في الكف من أصل خلقتها، ولا يمكن قطعها إلا بتكسير عظام الكف، فهذا لا يجوز قطعه، لأنه يشوه منظر الكف، وهو من التمثيل المنهي عنه شرعًا.
أما إن كانت غير ثابتة في عظم الكف بل تتدلى كالسلعة الزائدة، وليس في قطعها تشويه لمنظر الكف فالظاهر أن هذا لا بأس به. (3/ 4 - 165).
* الحجامة شأنها هام في الصحة، فإن الدم يبقى فيه فضلات زائدة على ما يدور في البدن وما يفرز، ولولا أنه يتلاشى شيئًا فشيئًا ما بقيت الحياة، ثم أيضًا يفرز منه فضلة لا حاجة إليها، فجاءت الحجامة. (3/ 165).
* الدكاتر لا يرون الحجامة شيئًا، وليس بمستنكر عليهم، فإن عندهم قصورًا من نواح عديدة. (2/ 164).
* حديث: «تداوو ولا تتداوو بحرام» يفيد تحريم التداوي بالحرام، ولا يفيد
أنه لا شفاء فيه، بل يفيد أن مضرته أكثر. (3/ 167).
* حديث: «إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليكم» يفيد أنه لا بد أن يعتقد عقيدة أن الله لم يجعل فيه شفاء فهو مسلوب العافية. (3/ 167).
* قد يوقع الشيطان كثيرًا من العوام بأشياء يزعمون فيها شفاء، وهي خداع من الشيطان. (3/ 164).
* شرب دم «البرازي» لمن عضه الكلب، باطل، ومن الشيطان، وكثير يحصل اتفاق أنه يشفي، ثم إن الشيطان جعل لهم شبهة فإنه تارة يشفي، وتارة لا، وإذا لم يوجد شفاء قالوا: فلان
(1)
فيه شيء، وكل هذا تحسين لمسلكهم السيء، وترويج الباطل. (3/ 167).
* التداوي بشرب دم الضب، إذا كان دم الضب مسفوحًا فهو حرام، والتداوي بالمحرمات لا يجوز. (3/ 168).
* الله جل وعلا هو الذي قدر الأمراض وقدر لها الأدوية، وهو المحيط بكل شيء، فما أثبته فهو المستحق أن يثبت، وما نفاه فهو المستحق أن ينفى قولًا وعملًا واعتقادًا. (3/ 170).
* أن الله جل وعلا شرع لإزالة الأمراض أسبابًا شرعية، وأسبابًا طبيعية، وعادية.
فالأسباب الشرعية: مثل قراءة القرآن، والأدعية، وقوة التوكل ونحو ذلك.
وأما الطبيعية: فمثل ما يوجد عند المريض من قوة البدن التي تقاوم المرض حتى يزول.
(1)
فلان: أي البرازي الذي شرب المصاب دمه.
وأما الأسباب العادية: فمثل الأدوية التي تركب من الأشياء المباحة. (3/ 170 - 171).
* التداوي مشروع وليس بواجب، فلا يجوز ارتكاب محظور من أجل فعل جائز. (3/ 171).
* زوال المرض بالدواء المباح مظنون، وأما بالدواء المحرم فمتوهم، فكيف يُرتكب الحرام لأمر متوهم. (3/ 171).
* لا تلازم بين تعاطي الدواء المحرم وبين زوال المرض بعد التعاطي، لأن زواله قد يكون بدواء شرعي وطبيعي وعادي ولكن صادف زواله تعاطي هذا الدواء الذي هو في الحقيقة داء، فنسب إليه، وقد يكون زواله لا من أجل كونه دواء ولكن من باب الابتلاء والامتحان. (3/ 172).
* عجز الأطباء لا يصح الاستناد عليه لإباحة التداوي بالمحرم، لأن عجز عدد من الأطباء لا يلزم منه عجز غيرهم، ولا يلزم منه عدم وجود دواء مباح مما يعرفه الأطباء. (3/ 173).
* لا يجوز أخذ الدم وحقن شخص به، الأصل فيه المنع، لأنه نجس، والتغذي بالنجاسات له من الآثار السيئة ما هو معلوم، لكن إن صح لنا ضرورة كبرى تسيغ مثل ارتكاب هذا المحظور شرعًا استثنيت منه هذه الصورة. (3/ 173)
(1)
.
* الشخص الذي ينقل إليه الدم هو من توقفت حياته على نقل الدم، إذا كان مريضًا أو جريحًا، والأصل في هذا قوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] وقوله سبحانه: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ
(1)
انظر لنفس الموضوع الفتوى رقم: (864)(3/ 177).
غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3] وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119](3/ 174).
* الشخص الذي ينقل منه الدم هو الذي لا يترتب على نقله منه ضرر فاحش، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار» . (3/ 175).
* الشخص الذي يعتمد على قوله في استدعاء نقل الدم هو الطبيب المسلم، وإذا تعذر فلا يظهر لنا مانع من الاعتماد على قول غير المسلم يهوديًّا كان أو نصرانيًّا، إذا كان خبيرًا بالطب ثقة عند الإنسان، والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح:«أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر رجلًا مشركًا هاديًا خريتًا ماهرًا» . (3/ 175).
* رأيي الخاص: أنا متوقف في حكم سلخ قرنية عين الميت وتركيبها لحي، مع أني أميل إلى المنع أخذًا بظواهر النصوص، والمسألة تحتاج إلى زيادة تحقيق
(1)
. (3/ 179).
* الظاهر كراهية التوتين، لما فيه من تعجل البلاء، ولكونه نجاسة، والتحريم ما قام عليه دليل. (3/ 180).
* التداوي بصوت الملاهي: جميع آلات الملاهي محرمة السماع، إلا ما أذن فيه وهو الدف في العرس، أما بقية الملاهي فلا يجوز، فإن المحرمات تزيد الداء داء لحديث:«انزعها فإنها لا تزيد إلا وهنًا» ، «تداووا ولا تتداووا بحرام» هذه الصيغة ما خصت مأكولًا أو مشروبًا، فدل على أن العلة كونه محرمًا، وقد تترتب عليه مصلحة دنيوية ابتلاءً وامتحانًا
(2)
. (3/ 181).
* يحرم التداوي بشرب البول. (3/ 181).
(1)
وله يرحمه الله فتوى أخرى بالمنع برقم (864)، (3/ 177).
(2)
انظر المسألة الرابعة (3/ 108).
* القراءة المشروعة ما كان قبل الموت وعند الاحتضار كقراءة (يس) أو (الفاتحة) أو (تبارك) أو غير ذلك من كتاب الله. (3/ 181).
* لا ينبغي وضع المصحف على بطن الميت، فإن الغرض هنا تثقيل بطنه، والعوام يرون أن المصحف يؤنسه ولا يرون أنه من أجل انتفاخ بطنه. (3/ 182).
* ينبغي للمستشفى تأمين ثلاجة للموتى، حتى إذا حدث موت أحد المرضى يجعل في الثلاجة ريثما يتحصلون على أهله. (3/ 182).
* النعي هو: أن يقال: فلان مات، وكان أهل الجاهلية إذا مات أركبوا فارسًا ينادي: فلان مات، تعظيمًا لأمره.
أما إعلام أقاربه ومن له في إعلامه مزيد رغبة فإنه لا يدخل في ذلك. (3/ 184).
* إذا وقف على أهل المسجد، وقال: فلان مات. هذا من نعيه. (3/ 184).
* إذا وقف في السوق، وقال: جنازة. هذا ليس نعيًا. (3/ 184).
* لا يحرم أخذ الأجرة على غسل الميت وحفر قبره، لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك. (3/ 184).
* الموتى الذين ليس لهم من يجهزهم، نرى أن تجهيزهم من بيت المال. (3/ 185).
* استعمال الأشنان في غسل الميت أولى من الصابون. (3/ 186).
* الأشنان هو دقيق أعواد العراد، وهو نوع من الحمض. (3/ 186).
* أسنان الذهب التي في الميت، تقلع وتؤخذ، فإن نبت اللحم عليها وخيف حصول قطع شيء فتترك. (3/ 186).
* الشهداء أوصلهم بعض العلماء بالتتبع إلى نحو عشرين، لكنهم ينقسمون إلى أربعة أقسام:
قسم شهيد في الدنيا والآخرة - وهو قتيل المعركة الذي قتل صابرًا لإعلاء كلمة الله، فهذا لا يغسل في الدنيا ولا يصلى عليه، لفعله صلى الله عليه وسلم بقتلى أُحد، وما جاء أنه صلى عليهم فلا يصح، وإن صح فليس معناه إلا الدعاء لهم في مصارعهم.
وشهيد في الدنيا فقط: وهو من قتل في المعركة لكن نيته ليست في سبيل الله.
وشهيد في الآخرة فقط: وهو الذي قاتل في سبيل الله فقتل وتأخر موته فيصلى عليه في الدنيا ويغسل.
وأما المقتول ظلمًا مثل شهيد المعركة في الأحكام الدنيوية، وكذلك في الأجر بالنسبة إلى مقامه فإنه شهيد في الدنيا والآخرة، وأما بقية الشهداء فإن لهم أحكام الشهداء في الآخرة لا في الدنيا، فالواحد منهم يغسل ويصلى عليه. (3/ 186 - 187)(3/ 195).
* الميت بالجدري ونحوه
(1)
، إذا خشي سقوط شيء من أجزائه إذا غسل اكتفي بتيميمه، وإن كان بصفة لا مضرة في غسله كأن يكون نصفه سليمًا ونصفه غير سليم، غسل السليم ويمم عن غير السليم. (3/ 187).
* الظاهر أنه لا أصل لفك الحزائم التي على الكفن. (3/ 188).
* إذا أصاب الكفن ماء نجس لزم غسله وتطهيره، وتجفيفه، أو يبدل بكفن غيره، ولا تصح الصلاة على الميت مع هذه النجاسة المذكورة. (3/ 190).
* السنة أن يتقدم الإمام على المأمومين كما في الصلاة، وما يفعله كثير من الناس من الصف عن يمين الإمام لا أصل له بحال، لكن إنما يتسامح في هذا لأنهم قد لا يجدون مكانًا في الصفوف وليحملوه بسرعة. (3/ 190).
(1)
الحريق.
* الحائض والنفساء إذا ماتت إحداهما يجوز الصلاة عليها في المسجد إذا أُمن تلويثه، لأن الأحكام انقطعت بالموت. (3/ 190 - 191).
* الأصل الصلاة على من ينتسب إلى الإسلام، فيصلي عليه المسلمون إلا إذا كان يعرف أنه كافر. (3/ 192).
* الصحيح قول الجمهور: أنه يصلى على جنازة العاصي المستعلن بالمعاصي، نعم هناك جرائم خاصة جاء فيها التغليظ بترك الإمام الصلاة عليه كالغال وقاتل نفسه، وأما أن ذلك في مطلق الجرائم فلا. (3/ 192).
* المقتول في حد أولى العصاة أن يصلى عليه. (3/ 192).
* إذا كان إمام المسجد من أهل العلم، ولو ترك الصلاة على الغال، يحصل بترك صلاته التأديب فلا مانع. (3/ 193).
* الدعاء للميت بعد السلام من صلاة الجنازة لا مانع منه إذا لم يكن على هيئة جماعية تلحقه بالبدع. (3/ 194).
* المشروع أن تحمل الجنازة على الرقاب، إلا أن الناس توسعوا في ذلك فصاروا لا يحملونه إلا على السيارات. (3/ 194).
* لا بأس من إدخال الأجنبي المرأة قبرها، وحله عقد أكفانها، ولو كان ثم محرم. (3/ 196).
* تلقين الميت بعد الدفن، جاء فيه حديث، إلا أنه عند الحفاظ لا يصح، بل هو معدود عندهم في الموضوعات، فيكون ذلك بدعة. (3/ 196).
* رفع اليدين بعد دفن الجنازة، والدعاء لها عند القبر ما جاء فيه شيء، ولا ترفع (3/ 197) وهذا شيء بدعة لم ترد به سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم. (3/ 198).
* قد يعمل بعض الناس حال هذا الدعاء المشروع بشكل غير مشروع، وهو
أن يقوم صف يتقدمهم شخص قد يكون أمثلهم، ويدعو هذا الدعاء. (3/ 198).
* الدعاء بعد التخطي خطوتين إلى الوراء لا نعلم لذلك أصلًا. (3/ 198).
* يكره الزيادة في تراب القبر على الشبر، والمراد كراهة التنزيه، وهذا بالنسبة إلى الشيء اليسير الذي ليس الرفع الكثير الذي يفعل على وجه الغلو في الميت، فإن الغلو محرم، وهو من وسائل الشرك. (3/ 198).
* لا يجوز تجصيص القبور لا في القبر ولا في اللحد. (3/ 199).
* تعليم القبر بالحجارة أولى، والحديد ليس مما يستعمل جنسه، ولا مانع، لكن ليس في زمن الصحابة. (3/ 199).
* وضع الخرقة
(1)
علامة على القبر محذور، لأنه قد يجعلها من يلمح التبرك. (3/ 199).
* وضع العظم علامة على القبر إذا كان باليًا ليس فيه رطوبة فلا بأس. (3/ 199).
* نقش وسم على حصاة تبين أن هذا قبر فلان، هو بمعنى الكتابة، وفيه مزيد الاعتناء الذي ليس شرعيًّا، وليس عليه الصحابة، فهو ما ينبغي. (3/ 200).
* تشجير المقبرة لا يجوز، وفيه تشبه بعمل النصارى الذين يجعلون مقابرهم أشبه ما تكون بالحدائق، فيجب إزالتها، وإزالة صنابير الماء التي وضعت لسقيها، ويبقى من الصنابير ما يحتاج إليه للشرب وتلبين التربة. (3/ 200).
* إضاءة المقبرة يخشى أن يجر إلى إسراج القبور الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله، ولا سيما ونفوس الجهال تتعلق كثيرًا بالخرافات، فتزال هذه الأنوار سدًّا
(1)
القطعة من القماش.
للذريعة. (3/ 201).
* ترخيم القبور لا يجوز أيضًا، فيجب منعه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم:«نهى أن تجصص القبور أو يبنى عليها» . (3/ 201).
* الذي يشير بتنوير المقبرة وتشجيرها يمكن أنه من الذين لهم تعلق بالقبور والخرافات، ويريد إحياء الشرك والخرافات، وهذه البلاد المقدسة - مكة المكرمة - قد طهرها الله - وله الحمد والمنة - من الشركيات والبدع والخرافات، فيجب علينا أن نحافظ عليها، ونبتعد من الأسباب التي تفضي إلى شيء من ذلك. (3/ 201).
* حديث: «كسر عظم الميت ككسره حيًّا» معناه: أن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم، ويحتمل: أن الميت يتألم كما يتألم الحي، يؤيد ذلك ما رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» عن ابن مسعود قال:«أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته» . (3/ 204 - 205).
* لا يجوز أن يدفن في القبر أكثر من ميت واحد، إلا من حاجة ككثرة الموتى، كما لا يجوز أن يدفن عليه حتى يظن أنه بلي وصار ترابًا. (3/ 270).
* إن حفر قبر فوجد فيه عظامًا لم يجز دفن آخر عليه. (3/ 207).
* لا يحل لأحد نبش أموات المسلمين من قبورهم إلا لغرض شرعي صحيح، وهو ما كان لمصلحة الميت أو كف الأذى عنه، ونحو ذلك، وأما إذا كان لمصلحة غيره من الأحياء أو الأموات فلا، كما لا يجوز لأحد أن يهينهم في قبورهم أو يطأ عليهم، أو يمشي فوقها. (3/ 207).
* إذا بَلِيَ الميت في قبره بعد مرور المدة الكافية لبلائه فحينئذ يجوز أن يدفن في محله ميت غيره. (3/ 208).
* المقبرة المسبلة لا يجوز استعمالها في غير ما وقفت فيه. (3/ 208).
* مجرد ضيق الطريق ليس من مسوغات نقل القبور، لأنه يمكن توسيع الطريق من جانب آخر، أو العدول عنه إلى طريق سواه، أو غير ذلك مما لا يخفى. (3/ 208).
* أرض مقبرة مسبلة قديمة استوعبت بالقبور، ولكن قد بلي الموتى منها وصاروا رميمًا، فحينئذ لا مانع من استعمالها سوقًا لمصالح المسلمين، إلا أنها تقوم بقيمة مثلها، ويشتري بقيمتها مقبرة بدلها. (3/ 209).
* إن ثبت أقدمية السوق، وأن الأموات لم يدفنوا إلا بعد أن كانت الأرض سوقًا، ولم تبل الموتى منها، ففي هذه الحالة إن أمكن الجمع بين المصلحتين بأن تتسع الأرض لمرور الناس مع حفظ كرامة الموتى، وصيانتهم بإحاطة حائط على جميع القبور، إن كانت مجتمعة في بقعة واحدة، أو إحاطة كل بقعة فيها أموات بحائط، ويترك الباقي سعة للسوق والاستطراق
(1)
فلا مانع، وإن لم يمكن الجمع فيتعين نبش القبور احترامًا لهم؛ لأن نبش الميت لا يجوز إلا لغرض صحيح يتعلق بمصلحة الميت خاصة، فحينئذ ينقلون إلى المقبرة العامة، إلا أن تكون أجسادهم قد بليت وصارت رميمًا، ويعرف ذلك بواسطة أهل الخبرة والمعرفة من قبوريين وغيرهم، ففي هذه الحالة لا يحتاج إلى نبشهم بل يجوز استعمال الأرض على حالتها الراهنة. (3/ 209).
* من دفن في أرض مملوكة، فيتعين نقل رفات المتوفى ودفنه حيث توجد مقابر أُخرى، بيد أنه يلاحظ في ذلك مراعاة نقل المتوفى من قبل أشخاص موثوق بهم، لأن للميت حرمة كحرمة الأحياء. (3/ 210).
(1)
يعني: طريق.
* العظام التي قد جرى نبشها لا يلزم إعادتها إلى محلها الأول، بل تدفن في مقابر المسلمين. (3/ 211).
* إذا كانت القبور لا زال باقيًا بها أثر العظام، فإنه لا ينبغي أن يتعرض لها بشيء، لأن القبور لها حرمة المساكن، بل هي أهم من مساكن الأحياء، فلا ينبغي لأحد الإقدام على التصرف في شيء من مقابر المسلمين. (3/ 207).
* كون المقبرة في وسط البلد ولا ينتفع بها ليس مبررًا على جواز امتهانها وتعرضها للشوارع، فمتى كانت مشغولة بقبور المسلمين فهي منتفع بها. (3/ 212).
* لا ينبغي التعرض لأي مقبرة إلا بعد صدور فتوى من الجهة المعنية. (3/ 212).
* كل مقبرة لم تستحيل الأموات فيها بحيث تكون رفاتًا (ترابًا) فإنها تبقى على حالها، ويعتنى بحياطتها وحفظها من الامتهان. (3/ 212).
* إذا كانت القبور قد بليت بلًا أحال عظامها إلى رفات يقرب من التراب وهي واقعة بين المنازل مما يجعلها عرضة للاستطراق وإلقاء القمائم والامتهان، فلا بأس من تقوية أغطيتها بما يمنع انهيارها، ثم استعمالها كفناء للبيوت المجاورة لها، أو توسعة لما حولها من شوارع، وذلك بعد أن تقدر قيمتها بمبلغ يشترى به عوضًا عنها مقبرة أُخرى. (3/ 221).
* المقابر من أوقاف المسلمين لا يباح أخذ شيء منها، إلا بمسوغ شرعي، مع ملاحظة تقدير ثمنه
(1)
وجعله في مكان آخر. (3/ 221).
* التحديد بالسنين - تسعون سنة - لبلاء العظام غير معول عليه، ولا صحة فيه، بل بلاء الأموات في قبورهم يختلف باختلاف البلاد حرارة وبرودة وغير ذلك. (3/ 222) وإنما معرفة ذلك بشق الأرض ورؤية عظام الموتى فيها. (3/ 221).
(1)
يعني: الوقف.
* نوافق على توسعة الشارع من أرض المقبرة، مما لم يدفن فيه لحاجة الشارع. (3/ 222).
* لا يظهر لنا جواز نقل الميت من بلده إلى المدينة المنورة لدفنه فيها. (3/ 226).
* الراجح: المنع من قراءة القرآن على القبر، وفي الحديث:«فلا تتخذوا القبور مساجد» فإن المساجد من شأنها أن يقرأ فيها القرآن، وفي حديث الأعرابي في شأن المساجد:«إنما هي لذكر الله وتلاوة القرآن» وقراءة القرآن عندها من الغلو فيها المسبب للشرك، فإن ما فعله قوم نوح ليس من باب الحزن على الميت، بل من باب تعظيمه فانجر إلى عبادتها. (3/ 228).
* حديث: «من دخل المقابر فقرأ فيها (يس) خفف عنهم يومئذ، وكان له بعددهم حسنات» لا يصح. (3/ 228).
* حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها.
لا يدل على الإطلاق، ولو لم يعارضه شيء لقيل إنه دل على الجنس، ولكن جاء ما يعارضه وهو النهي عن اتخاذها مساجد واللعن، واتخاذها مساجد استعمالها فيما شرع أن يستعمل في المساجد، فالذي يقصد القبور لقراءة القرآن عندها قد اتخذها مساجد، ويظهر أنه ليس من عادة الصحابة، ولا من فعلهم، ولا فعله أبوه، ولا أبو بكر، ولا بقية العشرة والصحابة. (3/ 8 - 229).
* القراءة على الميت سواءً كان في المسجد، أو عند القبر، أو في البيت ثم عمل طعام بعد الختمة وبعد الوفاة بثلاثة أيام يوزع على الفقراء، من الأمور المبتدعة. (3/ 229).
* القراءة المشروعة هي ما كان قبل الموت وعند الاحتضار كقراءة سورة (يس) أو (الفاتحة) أو (تبارك) أو غير ذلك من كتاب الله. (3/ 229).
* صرف ثواب قراءة القرآن للميت لا يظهر لنا بأس في جوازه، إذا لم يكن محددًا بوقت، أو مكان، أو صفة فيها ميزان البدع والمنكرات. (3/ 230).
* صلاة النوافل وإهداء ثوابها إلى أقربائه، وكذلك ذبح الذبيحة، والصدقة بها وإهداء ثوابها إليهم: لا بأس بذلك إن شاء الله. (3/ 230).
* لا يظهر لنا بأس في إهداء ثواب الدعاء. (3/ 231).
* ما يفعله بعض الناس إذا مات عندهم الميت من صنع طعام للناس الذين يأتون للعزاء من قريب وبعيد ويقرءون القرآن مدة ثلاثة أيام يجلسون فيها ويسمونها العزاء إلى آخره
…
كل هذا من البدع المحدثة التي لم يرد فيها نص من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحد من السلف
…
(3/ 1 - 232).
* وفي تقرير له قال: هو من البدع ومن النياحة، لأنه يجتمع مع أهل الميت من يجتمع للبكاء معهم، فصناعة أهل الميت الطعام مما يساعد على ذلك. (3/ 232).
* إقامة المآتم على الميت في أي يوم كان غير مشروعة. (3/ 232).
* ما يقع بعد الدفن من عمل المأتم ليلة، أو ثلاثًا مثلًا، لا نزاع في أنه بدعة، ولم يثبت عن الشارع، ولا عن السلف أنهم جلسوا بقصد أن تذهب الناس إلى تعزيتهم، وكانت سنته صلى الله عليه وسلم أن يدفن الرجل من أصحابه وينصرف كل إلى مصالحه، وهذه كانت سنته، وهذه كانت طريقته، والله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21]، فلنتأسَّ به فيما ترك كما نتأسى به فيما فعل، والجمهور على كراهية ذلك؛ لأنه يجدد الحزن
(1)
، وقال الإمام الأذرعي:«الحق أن الجلوس للتعزية على الوجه المتعارف في زماننا مكروه أو محرم» . (3/ 3 - 234).
* الطعام للميت بعد ثلاثة أيام من موته أو سبعة أو عشرة أو أقل أو أكثر ذلك بدعة محدثة، وكل محدثة ضلالة. (3/ 235).
* المستحب في ذلك أن يصلح أقرباء الميت وجيرانه طعامًا لأهله. (3/ 235).
* صنع أهل الميت الطعام للناس خلاف المشروع، وفيه زيادة على مصيبتهم وشغل لهم مع انشغالهم وحزنهم. (3/ 235).
* الظاهر تحريم الذبح عند القبور. مع أنهم لا يعنون التقرب للمخلوق، ويحمل على صفة دون ما يفعله الوثنيون عند القبور.
ومن المكروه عقر أهل الجاهلية عند القبر لا تقربًا إليه، بل لأنه يحب الضيوف، هذا هو الذي يعنون. (3/ 235).
* الزيارة للقبور تنقسم إلى: «شرعية» و «بدعية» :
فالشرعية هي: الدعاء للميت وتذكر الآخرة.
والبدعية الشركية هي: زيارتها لدعائهم والاستغاثة بهم وتوسيطهم، كصنيع المشركين الأولين. (3/ 237).
(1)
هذا الكلام للشيخ (علي محفوظ) وسماحة الشيخ/ محمد بن إبراهيم نقله مقر له.
* قبور الكفار لا تزار إلا لمصلحة خاصة، هي تذكير الموت، أما الدعاء فلا، وكذلك شهود جنائزهم. (3/ 237).
* من الزيارة غير الشرعية: زيارتها لأجل النياحة على القبر كفعل بعض أهل الجاهلية. (3/ 237).
* من شرط الزيارة الشرعية: أن لا يتخذها عيدًا أيضًا، كما أن من شرطها أمر آخر فيها وفي غيرها: إنكار المنكر إذا وجد. (3/ 237).
* الراجح: تحريم زيارة النساء للقبور، لما فيه من اللعن، واللعن لا يكون على مكروه. (3/ 238).
* إذا خرجت المرأة بالماء إلى المقبرة، فتضعه دون المقبرة، لعله لا محذور فيه، مع أن تولي الرجل ذلك أولى. (3/ 239).
* الصحيح منع النساء من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم. (3/ 239).
* زيارة قبره صلى الله عليه وسلم لا مأمور، ولا مقدور، ما جاء الأمر بزيارة قبره خاصة، وصنيع الصحابة أيضًا، وابن عمر مع تحريه للسنة لا يأتي للقبر إلا إذا أراد سفرًا، أو رجع من سفر، ويكتفى ما دام في المدينة بالصلاة والسلام عند دخول المسجد، وما يفعله كثير من الجهال هو من اتخاذه عيدًا، فليس مأمورًا بزيارته كزيارة بقية الناس.
وغير مقدور: يعني الوصول إليه، والذي يقدر عليه يفعل للرجال
(1)
. (3/ 240).
* دعوى نسخ أحاديث منع النساء من زيارة القبور بما في الحديث الصحيح: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» بناءً على أن الإناث يدخلن في خطاب
(1)
دون النساء.
الذكور، يرده أن محل دخولهن فيه حيث لم يوجد دليل صريح قاض بعدم الدخول كوجود أحاديث لعنه زائرات القبور هنا، فإن ذلك من أظهر القرائن على عدم تناول خطاب الإذن لهن. (3/ 242).
* سلام المرأة على قبر اجتازت به في طريقها إلى مقصودها، لا بأس به. (3/ 244).
* معارضة رئاسة القضاء ورئيس هيئة الأمر بالمعروف بناء مظلة عند المقبرة للمعزين يقصد اتخاذها مجلسًا لعزاء المصاب بالميت، في محلها؛ لأنه أمر لا ينبغي شرعًا، وبأنه شيء لم يكن على عهد السلف، وربما يكون ذريعة إلى مفاسد أخرى، وحينئذ ينبغي المنع من بناء تلك المظلة. (3/ 248).
* لم يجئ نص يحدد التعزية بثلاثة أيام. (3/ 248).
* غير محذور أن يتأثر الإنسان بالمصيبة للقريب ولو كافرًا، فلم يمنع الشرع منه، لأنه أمر طبيعي كالتألم من البرد والحر. (3/ 248).
* متى ثبت دين على ميت من المسلمين ولم يخلف ما يفي دينه، فإنه يتعين قضاؤه من بيت المال: مع ملاحظة أن يكون هذا الدين تحمله لإصلاح ذات البين، أو لنفسه في مباح. (4/ 138 - 140).
كتاب الزكاة
* بعض الناس تساهل بالزكاة وغفلوا عنها، مشتغلين بتدبير أموالهم عن فريضة من فرائض الدين، وركن من أركان الإسلام يكفر جاحده، وتقاتل الطائفة الممتنعة من أدائه. (4/ 5).
* الأموال ودائع في أيدي الأغنياء، وفتنة، وامتحان لهم من الله لينظر أيشكرون أم يكفرون، ومن شكرها وقيد النعمة فيها أداء زكاتها والصدقة على الفقراء والمساكين، والإنفاق مما استخلفهم الله فيه. (4/ 7).
* من الحكمة في تشريع الزكاة مواساة الأغنياء لإخوانهم الفقراء، فلو قام الأغنياء بهذه الفريضة حق القيام وصرفوا الزكاة مصرفها الشرعي لحصل للفقراء والمساكين ما يكفيهم. (4/ 7).
* لقد تولى الله قسمة الزكاة بنفسه وجزأها إلى ثمانية أجزاء (4/ 8) ولا يجوز صرفها لغير أهلها الثمانية الذين ذكرهم الله. (4/ 9).
* الأشياء التي تجب فيها الزكاة أربعة أصناف: (1) الخارج من الأرض كالحبوب والثمار. (2) بهيمة الأنعام. (3) عروض التجارة (4) الذهب والفضة، وقد تجب في غيرهن. (4/ 9).
* لكل من الأصناف الأربعة نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما دونه:
فنصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق.
وأدنى نصاب الغنم: أربعون شاة.
وأدنى نصاب الإبل: خمس.
وأدنى نصاب البقر: ثلاثون.
ونصاب الفضة: مائتا درهم [وزنتها: مائة وأربعون مثقالًا (4/ 17)] وقدره ستة وخمسون ريالًا عربيًّا تقريبًا، [وبالفرانسي ثلاثة وعشرون ريالًا تقريبًا (4/ 12)].
ونصاب الذهب: عشرون مثقالًا، وقدره إحدى عشر جنيهًا ونصف.
وكذلك الأوراق التي كثرت في أيدي الناس وصار التعامل بها أكثر من غيرها، فإذا ملك الإنسان منها ما يقابل نصابًا من الفضة، وحال عليها الحول فإنه يخرج منها زكاتها ربع العشر، أما العروض وهي ما اشتراها الإنسان للربح فإنها تقوم في آخر العام ويخرج ربع عشر قيمتها. (4/ 9).
* إذا كان للإنسان دين على أحد، فإنه يزكيه إذا قبضه، فإن كان الدين على مليء فالأفضل أن يزكيه عند رأس الحول، وله أن يؤخر زكاته حتى يقبضه. (4/ 9).
* ويجب إخراج الزكاة في بلد المال إلا لعذر شرعي. (4/ 9).
* إن كان في بلده مسلمون حقًّا دفعها إليهم، وإلا دفعها إلى أقرب فقراء المسلمين حقًّا إلى بلده، وحيث أن الصدقة في الحرمين الشريفين مضاعفة فإننا نرى
أن يبعث بزكاته إلى من يفرقها فيهما. (4/ 17).
* الزكاة حق الله فلا يجوز المحاباة بها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعًا، أو يدفع ضرًّا. (4/ 10).
* عروض التجارة وهي: كل ما أُعد للبيع والشراء لأجل الربح والتكسب من جميع سلع التجارة
…
من المنقولات والثابتات،
…
إذا تملكها بفعله بنية التجارة فإنها تعتبر سلعة تجارة، ويلزمه أن يقومها عند الحول بما تساوي من الثمن لدى أهل الصنف، ولا ينظر إلى رأس مالها الذي اشتراها به، وعليه أن يؤدي قيمتها عند الحول إذا بلغت نصاب الذهب والفضة. (4/ 12).
* إذا استفاد مالًا مستقلًّا خارجًا عن ربح التجارة كالأجرة والراتب ونحوها، فإنه يبتدئ له حولًا من حين استفاده، ويزكيه إذا تم حوله. (4/ 13).
* لا يجوز صرف الزكاة إلى غير مصارفها الثمانية كبناء المساجد والمدارس وتكفين الموتى، ووقف المصاحف، وكتب العلم وغير ذلك من جهة الخير. (4/ 13).
* يجب إخراجها عند تمام الحول فورًا إلا لعذر شرعي. (4/ 13).
* لا يدفعها إلا لمن يغلب على الظن أنه من أهلها. (4/ 13).
* لا يجزي إخراجها إلا بنية سواءً أخرجها بنفسه أو بوكيله. (4/ 13).
* لا يجوز دفعها إلى أصوله أو إلى فروعه، أو زوجته، أو إلى أحد ممن تلزمه نفقته، ولا يحابي بها قريبه، أو يقي بها ماله، ولا يدفع بها مذمة. (4/ 14).
* إذا كان لرجل تسع من الإبل، فأنتجت في آخر الحول سبعة حيران
(1)
، فهذه تزكى مع أمهاتها: ويصير في الجميع ثلاثة نصب.
وكذلك إذا كان للرجل مائة من الغنم فأنتجت في آخر الحول إحدى وعشرين يصير في الجميع شاتان. (4/ 17).
* زكاة الوقف:
إذا كان الوقف على معينين وبلغت حصة كل منهم نصابًا وجبت فيه الزكاة. وإن كان الوقف على غير معين كالموقوف على الفقراء والمساجد والمدارس والأربطة ونحو ذلك من أعمال البر فلا زكاة فيه، لأن من شروط الزكاة تمام الملك. (4/ 19).
* الوقف الذي على الضيف وفي أضاحي وفي وجوه الخير ليس عليه زكاة. (4/ 18).
* ما يدعى أنه وقف من المواشي، وكان المدعي لذلك ثقة مأمونًا، فيقبل قوله: أن هذا الشيء وقف، وأما المتهم فلا يقبل قوله إلا بأمر شرعي، أو يمين. (4/ 20).
* يجوز للشركة التي عليها ديون أن تحسم من أموالها الزكوية بمقدار ما عليها من الديون وتزكي الباقي. (4/ 20).
(1)
صغار الإبل.
* الديون التي عند الناس لا تخلو من حالتين:
الأولى: الدين الذي على مليء باذل، تزكيه إذا قبضته عن جميع السنين الماضية.
الثانية: الديون المشكوك في تحصيلها، كالتي عند أناس مفلسين، أو مماطلين، أو جاحدين، ونحوهم، فلا زكاة فيها حتى تقبض، فإذا قبضت فالصواب: أنها تزكي لعام واحد فقط. (4/ 20 - 21).
* في المذهب روايتان أقواهما وهي التي عليها العمل أن الدين لا يمنع زكاة الأموال الظاهرة، وذلك لأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر عماله بأن يستفسروا من أهل الأموال الظاهرة ممن تجب عليهم الزكاة هل عليهم ديون تنقص نصابها، وكذا لم يرد عن عماله رضي الله عنهم الاستفسار عن ذلك. (4/ 22).
* لا يلزم إخراج الزكاة من نفس النصاب، بل يجوز إخراجها منه أو من أي مال استجد لديه، بل يجوز أن يخرجها ولو من غير ماله، كما إذا أخذ دراهم من غيره قرضة أو هبة فأخرج زكاته منها فلا بأس بذلك. (4/ 22).
* من وجبت عليه الزكاة واستقرت بذمته ثم أعسر بوفائها، فتبقى بذمته حتى يجد وفاءها. (4/ 23).
* من ادعى أن ليس عليه زكاة أصلًا لكونه لم يزرع، أو لنقصان النصاب، او غير ذلك، فيقبل قوله، ما لم يخالف المحسوس، أو يكن هناك بينة. (4/ 23).
باب زكاة بهيمة الأنعام
* عمال الجباية هم الذين يتمكنون من الاطلاع على مقادير أقيام المواشي، حيث أنهم يمشون على البادية في محلاتهم، ويطلعون على أحوالهم وأماكنهم. (4/ 24).
* يشترط لوجوب الزكاة عدة شروط:
منها: الحول. فلا تجب الزكاة في شيء من المواشي قبل تمام الحول، إلا النتاج فلا يشترط له تمام الحول، بل حوله حول أصله إذا بلغ أصله نصابًا.
ومنها: تمام الملك. فلا تجب الزكاة في الماشية الموقوفة على غير معين كالفقراء والمساكين والضيف وبقية أعمال البر كالأضحية وغيرها.
ومنها: السوم. وهو الرعي بأن تكون سائمة الحول، فلو كانت معلوفة نصف الحول فأكثر لم تجب فيها الزكاة.
ومنها: بلوغ النصاب. وأدناه في «الإبل» خمس، فيجب فيها شاة بصفة الإبل جودة ورداءة.
وأدناه في «البقر» ثلاثون بقرة ويجب فيها تبيع أو تبيعة، لكل منهما سنة.
وأدناه في «الغنم» أربعون شاة، فيجب فيها شاة. (4/ 5 - 26).
* حيث ذكرت الشاة في جميع ما تقدم فالمراد بها الأنثى من الضأن والمعز. (4/ 26).
* المجزئ من الضأن ما تم له ستة أشهر، ودخلت في الشهر السابع، ومن المعز الثنية، وهي ما تم لها سنة، ودخلت في السنة الثانية. (4/ 26).
* لا يجزئ الذكر في إخراج زكاة الإبل، والغنم، إلا في موضعين:
أحدهما: إجزاء ابن لبون، وكذا الحق، والجذع عن بنت مخاض.
الثاني: إذا كان النصاب كله ذكورًا. (4/ 26).
* الخلطة في المواشي تصير المالين كالمال الواحد. (4/ 26).
* إذا تمت الشروط من الإسلام ونحوه في المختلطين فأكثر، وبلغ مجموع ماشيتهما نصابًا، ومضى على خلطتهما حول كامل وجبت الزكاة فيهما. (4/ 6 - 27).
* خلطة أوصاف: بأن يميز مال كل منهما من مال صاحبه (4/ 27).
* خلطة أعيان: بأن كانت ماشيتهما مشاعًا بينهما. (4/ 27).
* شروط الخلطة ستة:
1 -
اتحاد المراح 2 - والمسرح 3 - والمشرب 4 - والمحلب 5 - والراعي
6 -
والفحل. (4/ 27).
* لا يجوز للخلطاء التحيل في إسقاط الزكاة، بأن يفرقوا النصاب قرب وصول العامل إليهم فرارًا من الزكاة. (4/ 27).
* هذا التقسيم لا يسقط عنهم وجوب الزكاة. (4/ 27).
* كذلك لا يجوز الجمع بين مفترقين لقصد إسقاط الزكاة أو تقليلها، كما لو كان لرجلان لكل واحد منهما أربعون شاة، وليس بينهما خلطة حتى إذا قرب مجيء العامل خلطاها، فكانت ثمانين، فإنه يجب حينئذ عليهما شاتان، كل واحد منها عليه واحدة لزكاة النصاب الذي في يده، لعدم وجود الخلطة. (4/ 27).
* إذا ثبت عن أحدٍ خلط المالين المتفرقين، أو تفريق المال المختلط ثبوتًا شرعيًّا، وجب على الإمام تأديبه وتعزيره بعد أخذ الزكاة تامة بما يردع أمثاله، مثل كون الزكاة تؤخذ منه مثنية، أو ما يراه الإمام مما يقارب ذلك. (4/ 32).
* يجب على جباة الزكاة متى أخذت القيمة، الاستقصاء في أخذها، ومتى تركوا شيئًا منها فقد خانوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وخانوا ولي أمرهم وظلموا أرباب الزكاة وغشوا أرباب الأموال وبقي ذلك في ذممهم. (4/ 7 - 28).
* لا تسقط الزكاة بمضي الحول، ولا بذهاب العمال عمن وجبت عليها الزكاة، ولا بمسامحة ولي الأمر لو سامح. (4/ 28).
* الصحيح أنه: إذا اجتمع نصاب من الوضيحي مسام غير معلوف ومضى عليه حول، فإنها لا تجب فيه الزكاة. (4/ 29).
* الرحل
(1)
المغفلة أكثر من ستة أشهر، وكذلك التي لا تستعمل إلا نحو اليوم واليومين من كل شهر من السنة، وما يقرب من ذلك تجب فيها الزكاة، وأما التي ترحل نصف الحول أو أكثر في شديد مديد
(2)
، وغير ذلك، فليس فيها زكاة. (4/ 29).
* الإبل التي دون خمسة وعشرين إذا كانت كلها ذكورًا فلا يجزيه أن يخرج ذكرًا من الغنم، لأن الواجب جنس غير الإبل، ولأن الزكاة تجب في عين المال، ولها تعلق بالذمة. (4/ 30).
(1)
ما يعد من الإبل لحمل الأثقال والأمتعة.
(2)
أي: مستمرة - نصف الحول أو أكثر - في شد الأحمال عليها، والمد عليها لنقل الأطعمة، والأمتعة والتجارات - كما هي الحال في نجد قبل وجود السيارات (قاسم).
* زكاة العدايل
(1)
على مالكها، وليست منافع الماشية من لبن وصوف وركوب ونحو ذلك شيئًا من الزكاة الواجبة فيها. (4/ 31).
* إذا كان للرجل الواحد إبل كثيرة، فإن كانت على ماء واحد أو مياه متقاربة دون مسافة القصر، فإنها تجمع في الزكاة، وتعتبر إبلًا واحدة، وإذا كان بين المياه التي هي عليها مسافة قصر فأكثر فإن لكل إبل حكمها وحدها. (4/ 33).
* إذا كان للرجل مجموعة أملاك في أماكن متفرقة، فإذا كانت من جنس واحد كالنخيل والحبوب بمختلف أنواعها فتضم ثمارها بعضها إلى بعض في تكميل النصاب إذا كانت ثمرة عام واحد، إلا إذا كانت متباعدة بأن كان بين بعضها وبعضها الآخر مسافة قصر فأكثر، فما كان بهذا البعد فله حكمه المستقل. (4/ 34).
* لو كان هناك نخيل لعدة أشخاص في حائط واحد متميز فيها ملك أصحابها فلكل مال حكمه المستقل به، من أن الزكاة لا تجب فيه حتى يستكمل شروط وجوبها، ومنها بلوغه النصاب خمسة أوسق. (4/ 34).
* يجوز تقديم الزكاة لحولين فأقل. (4/ 35).
(1)
«العدايل» من إبل أو غنم يمنحها الشخص لأحد أقاربه أو جيرانه أو أصدقائه سنة أو أقل أو أكثر. (قاسم).
باب زكاة الحبوب والثمار
* القهوة فيها زكاة على الراجح، وليست كالأبازير، بل هي من الأُدم، وهي مكيل كسائر المكيلات، وهي حب كسائر الحبوب. (4/ 36).
* زكاة حبوب اللوز كغيره من الحبوب. (4/ 36).
* الزكاة واجبة في ثمار الأعناب إذا بلغت نصابًا [وقدره خمسة أوسق ستون صاعًا (4/ 38)]؛ لأن ثمرتها إذا جففت صارت مما يكال ويدخر. (4/ 37).
* الزكاة تجب في جميع العنب سواءً منه القابل للتجفيف وغيره ولا فرق، إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أن الزكاة في نوع دون الآخر. (4/ 38).
* يجب أن يبعث عمال يخرصون الأعناب كما يخرصون النخيل. (4/ 37).
* الخلاف: هل تخرج الزكاة من عين العنب أو من ثمنه؟
ونظرًا إلى أن ثمرة العنب لا تتحمل كثرة النقل ولا الانتظار، ولأن مصلحة الفقراء تتحقق في أخذ الزكاة من قيمته من غير أن يتضرر أرباب العنب، فلا مانع أن تؤخذ الزكاة من ثمنه. (4/ 1 - 32).
* إذا أُخذت الزكاة من القيمة فالاعتبار بقيمة العنب في شجره جملة، لا باعتبار قيمته في الأسواق، كما يقضي به العدل والإنصاف، ولأنه لا يلزم المزارع تحميله. (3/ 39).
* مقدار نصاب العنب بالكليو جرام؟ الأصل في مثل هذا الكيل، ولكنه رد إلى الوزن لينضبط، وأن نصاب الزكاة خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا، والصاع النبوي وزن ثمانين ريالًا فرانسيًّا، والكيلو وزن سبعة وثلاثين ريالًا فرنسيًّا تقريبًا، إذا عرفت هذا سهل عليك نسبة الكيلو من الصاع، ومعرفة النصاب الزكوي
(1)
والله الموفق. (4/ 40).
* الخضروات لا زكاة فيها، لحديث:«ليس في الخضروات صدقة» رواه الدارقطني عن علي، وعن عائشة نحوه، ولأنها غير مكيلة، ولا موزونة، ولا مدخرة، وهذا الذي نص عليه علماؤنا، وعليه العمل. (4/ 41).
* البندورة
(2)
وأمثالها مما لم تجر العادة بادخاره كسائر الفواكه والخضروات لا زكاة فيه. (4/ 41).
* لا زكاة في البقول والخضر لفقد الانتفاع بها في المآل، ولا يرد علينا ما يصبر
(3)
، فإن بقاءه ليس من طبعه، والمعالجة تبقى أشياء أُخر.
فالمراد بالنسبة إلى ما هو من طبعها
(4)
لوجود الصلابة فيها وعدم التغير الذي يعتريها كما يعتري الخضر والفواكه. (4/ 42).
* من حصد زرعه قبل بدو صلاحه وباعه علفًا بدراهم، فإذا لم يفعل ذلك
(1)
وعلى هذا والله أعلم يكون الصاع بالكيلو جرام = (2. 162) كجم.
(2)
الطماطم. (قاسم).
(3)
بوضعه في الثلاجات أو المبردات.
(4)
وهو في الحبوب والثمار، دون البقول والخضروات. (قاسم).
فرارًا من الزكاة فلا زكاة في الدراهم حتى يحول عليها الحول بعد بلوغها نصاب الفضة، وحينئذ فيها زكاة أثمان لا زكاة خارج من الأرض. (4/ 43).
* المزارع العرضية التي تأتي ثمارها على فترات متقطعة، يضم بعضها إلى بعض إذا كانت جنسًا واحدًا كالذرة مثلًا، سواءً كانت نوعًا واحدًا أو أنواعًا من الذرة مثلًا، وتزكى إذا بلغ مجموعها النصاب، بشرط ألا يكون بين حصول الثمرة الأولى وحصول الثمرة الثانية ستة أشهر فأكثر. (4/ 44).
* الذي نجح
(1)
في الشتاء والذي نجح في الصيف كالحنطة الربعي والصيفي كله يضم بعضه إلى بعض، وكذلك الدخن وكذلك الرثا
(2)
الذي في الصيف ولا يصرم إلا في الشتاء. (4/ 44).
إذا والاه
(3)
بالنصف أو غيرها فإن اعتبرناه شريكًا وجبت عليه زكاته، وهذا بحث لم ينته بعد هل هو إجارة أو مشاركة. (4/ 45).
* إذا بلغ المحصول الزراعي ثلاثمائة صاع بالصاع النبوي وجب فيه الزكاة، فإن كان عثريًّا
(4)
وجب فيه العشر، وإن كان يسقى بمؤنة فنصف العشر، وإن نقص عن ذلك فلا زكاة فيه. (4/ 45).
* الزكاة على زارع الأرض سواءً كان مالكًا، أو مستأجرًا، أو مرتهنًا، ولا
(1)
أي: اشتد. (قاسم).
(2)
هو ثمر النخل يطلع في الصيف ولا ينضج إلا في الشتاء، ووجوده بقلة. (قاسم).
(3)
والاه: قام بتشويكه، وتلقيحه، وتعديله، ونحو ذلك. (قاسم).
(4)
العثري هو: الذي يزرع على المطر. (قاسم).
حق لصاحب الأرض فيها
(1)
مطلقًا، وليس له على المزارع إلا أجرة زراعة أرضه. (4/ 47).
* شرط المستأجر على المؤجر أنه ليس عليه زكاة لا يسقط الزكاة عنه. (4/ 47).
* تجب الزكاة ببدو صلاح الثمرة. (4/ 48).
* إذا كان هناك شريكان في زرع، فيجوز أن يخرجان الزكاة قبل القسمة أو بعدها. (4/ 48).
* إذا احترقت الثمرة فتسقط الزكاة فيها إذا لم يفرط. (4/ 49).
* الحكم في سقوط الزكاة عن الثمرة التالفة قبل أخذها بغير تعدٍ من صاحبها لا تختص به طبقة
(2)
دون أُخرى. (4/ 50).
* لا يجاب المزارعون لطلبهم: أن تستوفى منهم الزكاة على أساس عقود التأجير، للجور الذي يدعون أنه ينالهم من طريقة الخرص، بل تخرص عليهم جميع نخيلهم، لأن بعث السعاة لخرص ثمار النخيل ونحوها سنة ثابتة. (4/ 51).
* استيفاء الزكاة على حسب الأجور
(3)
، هذا لا يجوز ولا أساس له في الشرع. (4/ 52).
(1)
أي: الزكاة.
(2)
بأن يكون بعضهم أغنياء، وبعضهم دون ذلك.
(3)
عقود التأجير بين صاحب الأرض ومستأجرها.
* يجب على ولي الأمر أن يحرض الذين يتولون الخرص على عدم الظلم والزيادة، بل يجب أن يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع. (4/ 52).
* حديث: «إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع» صحيح لا إشكال فيه. (4/ 53).
* ما ترك لصاحب المال، إذا لم يأكله أو بعضه أخرج زكاته. (4/ 52 - 55).
* الزروع من الحنطة والشلب والشعير ونحو ذلك لا بأس أن يأكلوا منه ما جرت العادة بأكله قبل تمام الحصاد والتصفية، ولا يحتسب عليهم ذلك عند إخراج الزكاة. (4/ 5 - 56).
* أخذ القيمة في الزكاة، لا أعلم فيه دليلًا صحيحًا من السنة. (4/ 58).
* جعل الخيرة لأرباب الأموال بين دفعها نقودًا وبين دفعها عينًا لا أصل له في الشرع، بل الواجب في إخراج زكاة الثمار أن تكون عينًا، وهو الأصل، والنصوص في ذلك معروفة مشتهرة، ولا يجوز إخراج القيمة إلا فيما ظهرت فيه المصلحة لحظ من وجبت له، أو كان في إلزام من وجبت عليه بالعين مشقة. (4/ 60).
* من باع ثمر بستانه أو زرعه فيجزئه إخراج عشر القيمة، لأنه ساوى الفقير بنفسه. (4/ 60).
* القول: بأن الزكاة مبرة ولي الأمر غير مستقيم، ومن باب تسمية الأشياء بغير أسمائها، إذ هي حق الفقراء على الأغنياء كما جاء ذلك في الكتاب والسنة.
ومن ذلك قوله تعالى: {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} [المعارج: 24 - 25]. (4/ 61).
* القاعدة الشرعية في استحصال الزكوات أن من لديه زكاة تمر يخرج من جميع الأنواع التي عنده من المتوسط، والطيب، والرديء، وإن أخرجها جميعها من الطيب كان أفضل، وإن أخرجها جميعها من الوسط أجزأه، ولا يخرجها من الرديء فقط. (4/ 63).
* لا تجب الزكاة في العسل حتى يبلغ نصابًا، ونصابه كما ذكره الفقهاء مائة وستون رطلًا، وذلك عشرة أفراق على المنصوص، والفرق ستة عشر رطلًا عراقية، وهي مكيال معروف. (4/ 64).
* لا تتكرر زكاة المعشرات ولو بلغت أحوالًا، لكن هذا ما لم تكن للتجارة، فإذا زرع للتجارة فإنها تقوم عند الحول، وأما أنها تزكى زكاة حبوب فلا
(1)
. (4/ 65).
المشهور: أن خرص الأموال على أصحابها، ليؤدوا الواجب فيها، وإن بذلت من بيت المال جاز. (4/ 7 - 128).
(1)
أي: أن صاحب الزرع إذا حصده، وأخرج زكاته عند الحصاد، فلا تتكرر في حقه الزكاة ولو ادخره، إلا إذا كان عروض تجارة فإنه يقوّم كل سنة ويزكى.
باب زكاة النقدين
* تجب الزكاة في المال المعد للبناء بعد مضي حول، والواجب فيه ربع العشر عن كل عام يمضي عليه. (4/ 66).
* اختلف في أوراق البنكنوت
(1)
: هل هي عروض، أو فلوس، أو أثمان، وحيث أن الغالب عليها وصف الأثمان، فهي فرع عنها، فلا يظهر لي فيها إلا أنها كالأثمان حكمًا في الزكاة والربا والصرف، فتجب فيها الزكاة بشرطها. (4/ 66).
* أحسن المسالك في الأوراق
(2)
هذه أن تكون في كل باب من أبواب الربا تعد نقودًا، وفي باب الزكاة تعد نقودًا.
فكل ناحية يتوفر فيها حق المستحقين، ويسلم من الربا يعتبر نقودًا. (4/ 67).
* التجارة اليوم أكثرها ليس تجارة مسلمين، بل تجارة نصارى، أو أشباه نصارى، إذا أخذ ورق بورق مؤجل هذا الربا. (4/ 67).
* البلاتين يمكن إلحاقه بالذهب في الأحكام، جنيهه يفوق المائة، يزيد على الذهب أكثر من المرتين
…
فيه من القوة والصلابة شيء كثير، وفيه نفاسة فله ميزة، والظاهر أن ميزته نفاسته
(3)
في الجوهرية، وكأنه ليس كثيرًا، إذ لو كان كثيرًا لكان موجودًا بكثرة.
(1)
الأوراق النقدية.
(2)
الأوراق النقدية.
(3)
كذا في الأصل، ولعل صوابه: والظاهر أن ميزة نفاسته في الجوهرية.
ينبغي البحث في أحكامه: من زكاته، ومسألة الربا فيه، ومن جواز اللبس ونحو ذلك
…
عندي منه أسنان ولا استمريت في لبسها، فترددت في اللبس وعدمه فيما علمت، والذي صنع لي الأسنان، ذكر أنه معدن.
لكن إذا كان هذه نفاسته: هل يلحق بالذهب، أو لا. فإنه يوجد جواهر أنفس من الذهب، ولا يلزم من ذلك أن تعطى أحكام الذهب، والله أعلم. (4/ 68).
* لا بأس بلبس الساعة اليدوية - للرجال - وليست من التشبه في شيء، ما لم تكن مذهبة. (4/ 69).
* ساعة الذهب للمرأة:
ليست من الحلي، لكن إن اجتهد وقيل هي من جنس السوار فربما لكونها مكان السوار، ولعلها إذا ساوت السوار في الزنة لا بأس بها. (4/ 70).
* لا يجوز لبس الخناجر الذهبية، كما لا يجوز تذهيبها. هذا التذهيب الموجود من طمسها ونحوه. (4/ 70).
* لا يجوز اتخاذ السن من الذهب سوءًا لضرورة أو غيرها، إنما يجوز ربط السن والأسنان بالذهب فقط. (4/ 70)، وأنف الذهب ونحو ذلك بما تدعو إليه الضرورة، بخلاف ما يقصد به المباهاة والفخر والزينة ونحوها. (4/ 71).
* لا أعرف وجهًا لجواز أسنان الذهب للرجال والنساء. (4/ 71).
* الذي يقلع أسنانه ويبدلها، هذا لا يجوز فيما نعرف، والنساء أخف. (4/ 71).
* النظارة تارة تكون مفضضة، وتارة تكون مذهبة، وتارة تكون مجردة من ذلك، وتارة تكون مذهبة مفضضة، فالجميع جائز الاستعمال للرجال والنساء عدا المذهبة كثيرًا فإنها ممنوعة محرمة للرجال فقط. (4/ 72).
* حديث معاوية رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الذهب إلا مقطعًا» إسناده جيد، ورواه أحمد وأبو داود والنسائي. (4/ 72).
* الدليل على إباحة المفضضة ما رواه أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبًا» وفي رواية: «كيف شئتم» . (4/ 73).
* الخاتم ذهبًا كان أو فضة أو حديدًا أو نحاسًا أو رصاصًا فلا يحرم مطلقًا، عدا خاتم الذهب فتحريمه على الرجال ظاهر، وقد حكي الإجماع على ذلك. (4/ 73).
* قال بعض العلماء بإباحة خاتم الحديد، بدليل ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل:«التمس ولو خاتمًا من حديد» وهذا أصح من الأحاديث الدالة على الكراهة. (4/ 73).
* «الساعة» حكمها حكم النظارة، وتقدم الكلام عليها. (4/ 73).
* «السوار» إما أن يكون من ذهب أو غيره، وعلى كل حال هو مباح للنساء مطلقًا، وأما الرجال فغير مباح لهم مطلقًا.
* «السوار» ما كان من ذهب فمنعه على الرجال لعلتين: إحداهما كونه ذهبًا، والثانية: ما فيه من التشبه بالنساء، وإن كان من غير ذهب فعلة المنع فيه التشبه بالنساء. (4/ 74).
* المرجع فيما هو من خصائص الرجال والنساء في اللباس إلى عرف البلد. (4/ 74).
* «السلسلة» التي يلبسها أهل التأنث، فإن كانت ذهبًا أو فضة فقد تقدم الكلام على حكم لبس الرجل الذهب والفضة
(1)
، وإن كانت غير ذلك ولبسها تأنيثًا وتشبهًا بالنساء فحرمته أيضًا بعلة التأنيث، إذ التخنث ومشابهة النساء في أزيائهن وحركاتهن حرام. (4/ 74).
* «البرنيطة» لا يجوز لبسها لأنها من ألبسة الكفار وزيهم الخاص، ففي لبسها تشبه بهم، والتشبه بالكفار محرم. (4/ 76).
* اعلم أن التشبه بالكفار يكون بمجرد عمل ما يعملون قصد المشابهة، أو لا. (4/ 80).
* لبس «السترة، والبنطلون» إن كان ذلك من لباس الكفار وزيهم الخاص فهو ممنوع بعلة التشبه بهم، وإن لم يكن من زيهم الخاص فلا بأس بذلك؛ إذ الأصل في اللباس الإباحة، إلا ما ورد الدليل بالنهي عنه. (4/ 84).
* بعض الناس ذهب إلى المنع من تحلي النساء بالذهب وكتب في ذلك، وهذا
(1)
انظر مسألة «السوار» . ص 140.
خلاف ما في الأحاديث المصرحة بذلك،
…
وجمع آثارًا ولكنها لا تصلح أن تعارض الأحاديث. (4/ 92).
* يجوز للمرأة من إزرار الذهب، وغيرها ما لا تختص كيفيته بالرجال.
والخلاصة: أن ما تختص
(1)
كيفيته بالرجال من الأزرار يجوز للمرأة، ويحرم عليها ما ليس كذلك، للنهي عن تشبه النساء بالرجال والله الموفق. (4/ 2 - 93).
* الحاصل: أننا لا نرى زكاة الحلي المعد للبس للأدلة الصحيحة،
…
وكذلك ما أُعد للعارية لا زكاة فيه، وأما الحلي الذي ليس للاستعمال ولا للعارية ففيه الزكاة. (4/ 97).
* إذا كان الذهب معدًّا للكراء، بأن كانت صاحبته تؤجره لمن يلبسه أو يكون لا يلبس أصلًا، ولكنه معد للنفقة كلما احتاج صاحبه باع منه قطعة وأنفق ثمنها وهكذا، أو يكون محرمًا كآنية الذهب والفضة، وخاتم الذهب للرجل، وسواره، ونحوها، ففي هذه الأشياء تجب الزكاة إذا بلغ نصابًا بنفسه أو بضمه إلى ما عنده مما هو من جنسه أو في حكمه. (4/ 98).
* حديث «المسكتين» فقد تكلم في سنده، وضعفه العلماء، وقال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء، وعلى تقدير صحته فهو معارض بغيره من الأحاديث. (4/ 98).
(1)
كذا بالأصل ومسودته، ولعله: ما لا تختص، كما في أول الجواب، ومدلول الأحاديث. (القاسم).
* «الظفار» ليس مما تجب فيه الزكاة إلا إذا أُعد للتجارة فحكمه حكم عروض التجارة في وجوب الزكاة بشرطه. (4/ 99).
* السيوف والخناجر والبنادق والفرود لا يخلو أمر تحليتها بالذهب والفضة من الإباحة أو عدمها، فإن كانت التحلية مباحة، وكانت معدة للاستعمال، أو العارية. فلا زكاة فيها، وإن كانت غير مباحة أو كانت معدة للتجارة، أو الكراء، أو القنية، أو الادخار، أو نحو ذلك ففيه الزكاة بشرطه. (4/ 99).
* لتمام الفائدة: المباح للرجال من الفضة خاتم، وقبيعة سيف، وحلية منطقة، وحلية جوشن، وخوذة، وخف، وران، وحمائل سيف، ونحو ذلك.
ومن الذهب: قبيعة سيف، وما دعت إليه الضرورة كأنف، وسن، ومشبك أسنان.
وما كان غير ذلك كتحلية المراكب، ولباس الخيل كاللجم، وتحلية الدواب، والمقلمة، والكمران، والمشط، والمكحلة، والميل، والمرآة، والقنديل فتحرم تحليتها وفي حليتها الزكاة إذا بلغت نصابًا، وتجب إزالتها. (4/ 99 - 100).
باب زكاة عروض التجارة
* عروض التجارة التي تجب فيها الزكاة هي ما ملكه بفعله بشراء ونحوه بنية التجارة (أي: بيعه بربح) فتجب في قيمتها الزكاة، بشرط بلوغ قيمتها النصاب بنفسها، أو بضمها إلى غيرها، ويشترط تمام الحول. (4/ 102).
* إذا خلف الميت عروضًا ساحليًّا، وقهوة، أو شبهها، فلا تجب فيها الزكاة، ولا تجري في حولها ما دامت عروضًا عند الوارث، فإن باعها الوارث بنقود مطلقًا أو عروضًا ناويًا بالمستبدل التجارة، وجبت فيها الزكاة، وابتداء الحول من حين الاستبدال. (4/ 100).
* الأرض المشتراة المعدة للتجارة هذه عروض تجارة تجب فيها الزكاة في قيمتها إذا حال عليها الحول وبلغت نصابًا. (4/ 101).
* الأرض التي أُقطعت وأُعدت للتجارة، فإنه لا يكون حكمها حكم عروض التجارة، بل لا زكاة في قيمتها. ولا يتم تملكها بمجرد الإقطاع، بل لا بد من إحيائها الإحياء الشرعي. (4/ 101).
* العقار، والسيارات، والآلات الرافعة للماء، ونحو ذلك إذا لم ينو شيء منها للتجارة حين تملكها، فلا زكاة في قيمتها، لأنها ليست عروض تجارة، بل هي عروض قنية. (4/ 101).
* رجل يملك بيتًا للسكن، ولما رحل عن بلده أعده للإيجار تجارة، وقيمته عشرة آلاف ريال، لا تجب الزكاة في قيمته، لأنه لم ينو بيعه وشراءه، ولا تجب في
أُجرته لأنه لم ينو بها الإتجار بطريق الأجرة إلا بعد ما ملكه بمدة، والأصل عدم وجوبها فيه، وهذه النية لا تقوى على رفع الأصل، لكن هذا المال الذي قبضه تجب فيه الزكاة بعد تمام الحول من وقت استحقاقه. (4/ 2 - 103).
* الأراضي المساهم فيها تعتبر عروض تجارة تقوم بما تساويه من النقد وقت استحقاق الزكاة عليها وهو تمام حول أصلها، وتخرج الزكاة من قيمتها قدر ما يجب فيها وهو ربع العشر، وذلك لكل سنة، وفي كل حول تقوم تقويمًا جديدًا بسعر يومها. (4/ 103).
* ما من عين من عقار ونحوه إلا ولها قيمتها قلت أو كثرت، ويكفي
(1)
بغلبة الظن في تقدير ذلك. (4/ 103).
* أقرب الأقوال للصواب في وجوب الزكاة على الدين على غير مليء، أن ما لا يؤمل رجوعه كالمسروق والمغصوب والمجحود لا زكاة فيه، لأنه غير مقدور على الانتفاع به، أشبه مال المكاتب.
وما يؤمل رجوعه كالدين على المفلس أو الغائب المنقطع خبره فيه الزكاة، وإذا قبضه زكاه لسنة واحدة. (4/ 104).
* الأصح من أقوال العلماء: جواز دفع الزكاة من العروض كالحب والدقيق والكسوة، إذا كانت أنفع للفقير خشية أن ينفق الدراهم في أشياء لا تنفعه. (4/ 104).
(1)
لعله: ويكتفى. (القاسم).
* الدور التي تبنى للتأجير بمبلغ ضخم لا زكاة عليها، وإنما الزكاة في ريعها إذا بلغ نصابًا وحال عليها الحول. (4/ 105).
* رجل عنده سيارة يترزق الله عليها من بلد إلى بلد ويكتسب من كدها، لا زكاة فيها إذا لم ينوها من عروض التجارة، وإنما الزكاة فيما يتحصل من ريعها إذا بلغ نصابًا، وحال عليه الحول. (4/ 105).
* ما لم يعد للبيع لا زكاة فيه من العقار، والمكاين، والآلات، والدور، والفنادق، والمراكب، وغيرها
(1)
. (4/ 107).
(1)
مثل البواخر، والمصانع، والورش. (4/ 107).
باب زكاة الفطر
* ليس المقصود بالغنى في هذا الباب الغنى الذي في باب زكاة الأموال، فإن الذي تجب عليه هنا هو من فضل عنه يوم العيد وليلته صاع عن قوته وقوت عياله وحوائجه الأصلية له ولم تجب عليه نفقته، وإن فضل بعض صاع أخرجه. (4/ 9).
* وزارة العمل والشئون الاجتماعية لا يجب عليها دفع زكاة الفطر عن كل طالب وطالبة ممن يدرس في الدور الاجتماعية التابعة لها. (4/ 108).
* غير المكلف ممن هو من طلاب الدور الاجتماعية يخرجها من ماله من له الولاية الشرعية عليه، فإذا لم يكن ثم مال، فإنه يخرجها عنه من تجب نفقته عليه شرعًا. (4/ 110).
* الأحوط أن لا يخرج في زكاة الفطر إلا صاعًا من البر وغيره. (4/ 110).
* الأحوط الاقتصار على الخمس المذكورات في الحديث: «صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب»
(1)
فإن لم توجد فبقية أقوات البلد سواها. (4/ 110).
* إذا نبهتم أهلكم بالمملكة على إخراج زكاة الفطر عنكم وأنتم في أمريكا، وأخرجوها بنيتها فهي مجزئة إن شاء الله. (4/ 123).
(1)
متفق عليه.
باب إخراج الزكاة
* الزكاة أحد أركان الإسلام، وقرينة الصلاة، وهما جميعًا قرينتا التوحيد، وأنه يجب قتال من امتنع عن أدائها حتى يؤديها. (4/ 112).
* كثير من العمال الموكول إليهم أخذ الزكاة من أرباب الأموال لا يقومون بالواجب إذا قبضوا منهم القيمة.
فيقبض بعضهم نصف القيمة أو ثلثيها فقط أو قريبًا من ذلك، وهذا لا يبرئ ذمة أرباب الأموال، ولا يحل لهم ما ترك من قيمة زكاة أموالهم، بل هي عليهم حرام، ويبقون غير مؤدين لهذا الركن العظيم من أركان الإسلام، ولا يسقط هذا بمفارقة العامل لهم، ولا بمضي سنة، بل هذا دين في رقاب أرباب الأموال ولا يجوز لولاة المسلمين إقرارهم على بقائها في ذممهم. (4/ 113).
* يتعين على ولاة الأمور أن يوصوا من يبعثون في قبض الزكاة بتقوى الله، واستيعاب جميع القيمة عندما تؤخذ القيمة، والاستقصاء في ذلك. (4/ 113).
* يجب على ولاة الأمور أن يقوموا حول هذه العبادة العظيمة وسائر فرائض الدين بما يخرجون به من عهدة ما ولاهم الله عليه وهو سائلهم عنه يوم القيامة، فإن أهم مقاصد الولاية إقامة دين الله، وإلزام الخاصة والعامة من المسلمين بالتزام فرائضه، ولا سيما التوحيد والصلاة والزكاة، وأن يعاقبوا المتهاونين بأمر الله ورسوله والمتساهلين بفرائض الدين العقوبة التي تردع العصاة والغواة عن عصيانهم وغيهم، وأن يوصلوا الزكاة إلى أربابها المستحقين لها، وهم الأصناف الثمانية. (4/ 114).
* دفع الزكاة إلى غير الأصناف الثمانية لا يبرئ الذمة، ولا يعتبر شرعًا أداءً للزكاة. (4/ 114).
* على العمال مخافة الله وتقواه فيما ائتمنوا عليه بأن لا يأخذوا أكثر من الواجب ولا يتركوا من الواجب شيئًا، فيكونوا قد خانوا الله ورسوله، وخانوا أولي أمرهم وخانوا أرباب الزكاة من الفقراء والمساكين ونحوهم، وغشوا أرباب الأموال حيث أُرسلوا ليعينوهم على أنفسهم ويطهروهم بقبضها منهم. (4/ 114).
* يجب على أرباب الأموال تقوى الله وخشيته والخوف من أن يموت أحدهم وزكاة الإسلام في ذمته، ولا تقضى بعد، بل يلقى الله بها يوم القيامة وهي في ذمته. (4/ 114).
* الأصل في المسلم ائتمانه في أمور العبادات بقبول قوله في تأديتها أو دعوى سقوطها، ما لم يعارض هذا الأصل بأصل ينقضه، كإن ثبت شرعًا كذبه. (4/ 5 - 116).
* الزكاة حق الله تعالى، وهي واجبة في الموقوف على معين، كالوقف على زيد مثلًا وآل فلان. (4/ 116).
* إن كان من وجبت عليه الزكاة يزعم أن نخله لا ثمرة فيه في الأعوام الماضية، أو أن زكاته أقل مما طلب منه، فعليه أن يبين ذلك للجهة المختصة ويتفاهم معهم عن ذلك. (4/ 116).
* إن كان من وجبت عليه الزكاة يزعم أنه أخرجها حينما لم يأت لها طالب في المدة السابقة، فله أن يدلي بهذا لدى المسئولين، ويمكن أن يقبل قوله إذا لم يوجد ما يخالفه. (4/ 116 - 129).
* إن كان من وجبت عليه الزكاة لم يخرجها أصلًا، ويدعي أنه عاجز عن تسليمها دفعة واحدة، فهي باقية عليه، ويمكن تقسيطها عليه حسب استطاعته إذا ثبت إعساره، كديون الآدميين. (4/ 117).
* إذا حصد الثمرة قبل مجيء عمال الزكاة، واختلفوا في مقدارها، فيقبل قول صاحب الثمرة لحديث:«الناس مؤتمنون على زكواتهم» ما لم يخالف ما هو مشتهر لدى جيرانه وغيرهم ممن يعرفون مقدار زرعه. (4/ 117).
* الصحيح - إن شاء الله -: أن ولي الصبي والمجنون يخرج زكاة أموالهما. (4/ 117).
* لا ريب في وجوب الزكاة في أرباح شركة الكهرباء، كما لا ريب أنه لا بد في إجزاء إخراجها من نية المالك عند إخراجها، أو من يقوم مقامه من وكيله إن كان جائز التصرف، أو ممن يلي ماله إن كان غير جائز التصرف، كوالده ووصيه ونحوهما. (4/ 118).
* إذا كان المساهمين لا يرضون ولا يأذنون بتولي مجلس إدارة الشركة تفريق
(1)
الزكاة فإنه لا يجزئ إخراج مجلس إدارة الشركة لها، بل يدفع ربح سهمان
(2)
المساهمين إليهم كاملًا غير محسومة منه الزكاة، ليتولى أربابها إخراج الزكاة. (4/ 119).
* إن طلب ولاة الأمور حسم الزكاة من الأسهم قبل دفعها إلى أربابها ليتولوها هم أجزأت وبرأت بذلك ذمم المساهمين، ويرجح ذلك كون هذه الزكاة
(1)
أي: توزيع.
(2)
أي: أسهم.
شبيهة بالأموال الظاهرة لاجتماعها معها في العلم بمقدار ذلك المال المزكى وزكاته. (4/ 119).
* على ولاة الأمور إن تولوا الزكاة أن يتقوا الله تعالى وأن يقوموا فيها بتفريقها على الوجه الشرعي. (4/ 119).
* أجرة نقل الزكاة على رب المال، لأن عليه تسليمها إلى مستحقيها فكان عليه مؤنته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. (4/ 120).
* يجوز نقل الزكاة إلى غير بلد المال إذا كان في نقلها مصلحة. (4/ 120 - 121).
* المشهور: أنه يجب على الإمام بعث السعاة لقبض زكاة المال الظاهر. (4/ 123).
* المشهور: أن الإنسان إذا دفع زكاته إلى الإمام أو نائبه أجزأت مطلقًا سواءً صرفها لمصارفها أو صرفها لغير مصارفها، هذا إذا ذهب صاحب المال بزكاته للساعي من غير طلب، أما إذا بعث الإمام السعاة لأخذها فإنها تدفع إليهم ويُجزئ مطلقًا، سواءً صرفوها إلى مصارفها أو لا، لأنه دفعها إلى ما هو أصل المصرف، وتبرأ الذمة وتكون التبعة والمعرة على من خالف وعصى. (4/ 124).
* الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخرج للأموال الباطنة عمال وجباتًا، كالأموال الظاهر؛ لأنها أموال سرية خفية غير ظاهرة، فينبغي في حق أرباب هذه الأموال النصائح الدقيقة البليغة المكررة؛ لإخراجهم زكاة أموالهم الخفية. (4/ 4 - 125).
* المشهور: ان خرص الأموال على أصحابها، ليؤدوا الواجب فيها. (4/ 7 - 128).
* الحكمة في وسم إبل الصدقة، ونعم الجزية، تمييزها، وليردها من أخذها ومن التقطها، وليعرفها صاحبها فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلًا، لأن لا يعود في صدقته. (4/ 128).
* كان صلى الله عليه وسلم يضع وسم الإبل في أفخاذها، والغنم في آذانها. (4/ 128).
* إذا كان التأخير عن قبض الزكاة من قبل الساعي فلا يصح أخذ مبلغ بناءً على أنه جزاء عن تأخير الدفع، لأن التأخير عن قبضها إنما جاء من قبل الساعي، ولا يجوز أخد أحد بجريرة غيره. (4/ 130).
* لا يجزي إخراج الزكاة إلا بنية، لأنها عبادة يشترط لها النية. (4/ 131).
* الزكاة إذا طلبها ولي الأمر باسم الزكاة، ووقعت إليه بنية الزكاة أجزأت، إذا كان ولي الأمر مسلمًا. (4/ 131).
* ما يدفع من ضريبة الدخل شيء آخر لا يجزئ أن يحتسب من الزكاة (4/ 131).
* بناء أسوار البلد مما يحصنها وهو مصلحة عامة، والبلد تفتقر إلى ذلك لدفع شر العدو، لكن لا من الزكاة. (4/ 132).
* الحمد لله: الذي يظهر في هذه المسألة هو المنع من صرف الزكاة إلى صندوق البر، لأنه لا بد في الزكاة من دفع مبرئ للذمة، وذلك بأن يدفعها صاحبها أو وكيله في دفعها بنية الزكاة إلى مستحقها، أو يدفعها هو أو وكيله في دفعها إلى الإمام أو نائبه لتصرف مصارفها الشرعية. (4/ 133).
* تولي الإمام أو نائبه جباية الزكاة وصرفها مصارفها الشرعية أصل معروف، وحق من حقوق الإمام، ولا نائب لعموم المستحقين في قبض الزكاة إلا الإمام أو نائبه. (4/ 133).
* الظاهر أن الفقراء من أهل الوطن والفقراء من أهل الأوطان الأخرى إذا كانوا عندنا في وطننا فحكمهم حكمهم، إذا شاركوهم في مسمى الفقر والحاجة. (4/ 134).
* يجوز دفع الزكاة للكسير الفقير ليدفعها أجرة للطبيب الذي سيعالج كسوره، فيدفع له ما يكفيه نفقة وعلاجًا، وما يكفي عائلته نفقة. (4/ 135).
* الطفل الفقير الذي عمره ثلاث سنوات ونحوها يجوز دفع الزكاة له ويقبضها له وليه الشرعي. (4/ 135).
* مصاريف الزكاة من أُجرة جابي وكاتب وعداد وقسام ونحوهم ممن يعمل في الزكاة، وسائر مؤونتها من قيمة أوان، وأُجرة حمل إن احتيج إليه، ونحو ذلك كل ذلك يكون من نفس الزكاة. (4/ 136).
* لا تحديد فيما يدفع من مصاريف الزكاة للعاملين عليها، ولا يدفع لهم إلا بقدر عملهم فقط سواء قل عن الثمن أو زاد عليه. (4/ 136).
* مئونة حمل الزكاة وإيصالها إلى القابض ومثله أُجرة الخراريص كل ذلك على أرباب الأموال، وليس على الزكاة ولا على المالية، إلا أن يرى ولي الأمر - وفقه الله دفع أُجرة الخراريص عنهم من المالية نظرًا لشدة المئونة وتكلفهم من الفلاحة كثيرًا، لا سيما وقد جرى العادة أن الخراريص يعطون أجرتهم من المالية. (4/ 136 - 137).
* شيخان القبائل إذا كانوا بصفة المؤلفة قلوبهم فيعطون من الزكاة بقدر ما يحصل به التأليف فقط. (4/ 137).
* الحكم الشرعي أن لا تخرج الزكاة إلا عين من أعيانها، فيعطي من التمر تمر، ومن البر بر، ومن الذرة ذرة، ونحو ذلك. (4/ 137).
* هاهنا أمر هام يصح أن يصرف فيه من الزكاة، وهو إعداد قوة مالية للدعوة إلى الله ولكشف الشبه عن الدين، وهذا يدخل في الجهاد، وهذا من أعظم سبيل الله. (4/ 142).
* الذي ينبغي أن تجمع زكاة كل وطن عند وكيل ثقة أمين لتفرق على الفقراء والمساكين فقط، فإن أحق أصناف الزكاة الثمانية بها هم الفقراء والمساكين. (4/ 143).
* ليعلم أن أخذ غير المستحق للزكاة ظلم لأربابها. (4/ 144).
* ينبغي أن لا يحرم من الزكاة من يعطى من بيت المال لأجل وظيفته إذا كان ما يأخذه من بيت المال لا يقوم بكفايته وكفاية من يمونه. (4/ 144).
* يجوز أن يصرف للشخص من زكاة أخيه ما يكفيه ويكفي من يعول والأخ أولى من غيره بزكاة أخيه. (4/ 145).* إذا كانت الأخت وأولادها فقراء، والشخص الذي تجب نفقتهم عليه فقير، فيجوز أن يعطوا من الزكاة كفايتهم سنة. (4/ 145).
* القريب الذي لا تدفع له الزكاة هو الذي لو مات في الحال ورثه الدافع. (4/ 145).
* الصحيح: أن آل البيت يعطون من الزكاة إذا لم يكن هناك فيئٌ. (4/ 146).
* غالب وارد المالية الآن مقسم إلى ثلاثة أقسام:
(أحدها): ما كان من الجمرك وأشباهه، وهذا من الموارد غير المشروعة.
(الثاني): ما كان زكاة، وهو مورد مشروع، إلا أنه لا يحل لآل البيت إلا بعد انقطاع واردات الفيء أو منعهم منه.
(الثالث): ما كان في مقابلة خارج الأرض من معادن وزيوت ونحوها، فهذا مما أفاء الله به على عباده، فيتعين إعطاء آل البيت منه ما يكفي فقراءهم. (4/ 146).
* القول الصحيح: إباحة صدقة التطوع لبني هاشم. (4/ 147).
* القول الأصح: عدم تحريم الزكاة على بني المطلب كأخويهم بني عبد شمس ونوفل، واستحقاقهم من الفيء ليس هو من أجل النسب، بل لأجل المعاضدة والنصرة. (4/ 147).
* إذا كان الإنسان له كسب يكفي عائلته، وهو صحيح الجسم والعقل فلا بأس بتصدقه بجميع ماله. (4/ 148).
كتاب الصيام
* القول هو ما دلت عليه الأحاديث وما علم بالسنة الثابتة من أنه لا صيام إلا بالرؤية. (4/ 151).
* الصحيح في الدليل أنه إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر فلا صيام، وما استدل به القائل بوجوب الصيام لا يقاوم الأحاديث الصحيحة الصريحة في نفس المسألة. (4/ 151).
* من تبين له بعد ما صام يوم الشك أنه من رمضان، فلا يجزئه صيام ذلك اليوم بل يتعين عليه قضاؤه. (4/ 152).
* لا شك في تناول أدلة المنع لما
(1)
إذا حال دون منظر الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين، كما تناولت غيره، فالجميع يصدق عليه أنه يوم شك. (4/ 153) والخلاصة: أن صيام يوم الشك ممنوع. (4/ 254).
* أفيدكم أن موضوع مواقيت أهلة رمضان والفطر والحج مسألة فروعية والحق فيها معروف كالشمس. والفصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» والخلاف في تطبيق مدلول هذا الحديث وغيره بتأويل اجتهادًا، أو تقليدًا مثل نظائره في المسائل الفروعية وجنس هذا الاختلاف لا بد منه في المسائل الفروعية، ولا يضر. (4/ 156).
(1)
كذا في الأصل، ولعل صوابها: ما إذا حال
…
* لا أرى ولا أوافق على هذا المجتمع الذي هو بخصوص النظر فيما يتعلق بأهلة الصوم والفطر ونحوهما، وقد درجت القرون السابقة وجنس الخلاف في ذلك موجود، ولم يروه من الضار، ولا مما يحوج إلى الاجتماع للنظر فيه، والسلام عليكم. (4/ 157).
* أهل بلد منذ طلوع الشمس إلى غروبها عشرون ساعة، وإذا غربت الشمس يبقى نور، ولكنه ما هو كثير، نور ما بين العشاءين
(1)
باقي، ويستمر ولا يزول، إلا أنه إذا أخذ ما أخذ زاد والشمس غائبة، فهؤلاء لهم ليل صحيح ونهار صحيح، فإذا غربت الشمس فيفطرون، ويستمرون على الفطر إلى أن يبدأ يزيد نورهم فهو الفجر.
وإذا قدر أن شخصًا لا يقدر
(2)
فيفطر ويقضي. (4/ 7 - 158).
* من تغيب الشمس عليهم أربع ساعات لا غير، ويبقى طوال الليل ضوء قليل، فهؤلاء: يقدرون حصة الفجر آخر الليل، وحصة العشاء أول الليل تقديرًا، فتجعل نصف ساعة قبل طلوع الشمس هي حصة الفجر التي يجب الإمساك عندها، أي قبل طلوع الشمس بنصف ساعة يحرم الأكل والشرب على الصائم. (4/ 159).
* ما دام الليل باقيًا فلا حرج على من أكل أو شرب، والأصل بقاء الليل، فإذا تبين الفجر لزم الإمساك مع الاحتياط ببضع دقائق قبل تبين الفجر احتياطًا للعبادة وأما الفطر فالأصل بقاء النهار، فلا يفطر حتى يغلب على الظن غروب
(1)
المغرب والعشاء.
(2)
يعني: لا يقدر على الصيام لطول النهار.
الشمس ويعرف ذلك بغشيان الظلام واختفاء أنوار الشمس، فإذا غلب على ظن الإنسان ذلك باجتهاده أو بخبر ثقة جاز له الفطر. (4/ 160 - 161).
* من لا تطلع عندهم الشمس أيام الشتاء مطلقًا، فيجب عليهم الصيام، وينظرون البلاد التي تليهم. (4/ 161).
* إذا اشتبه دخول الشهر وخروجه على من بأمريكا أو غيرها، فيتعين عليهم الاتصال بالجهات المختصة للتحقق من دخول شهر رمضان وخروجه لأداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، وأداء صيام شهر رمضان بيقين، والسفارة السعودية لديهم تسهل لهم هذه المهمة. (4/ 161).
* لم تجر العادة بصرف مكافأة على رؤية الهلال. (4/ 2 - 163).
* لا تثبت شهادة من رأى الهلال ما لم يشهد بها عند حاكم ويثبتها. (4/ 163).
* لا بأس من اعتماد خبر الراديو إذا استمرت العادة أنه لا يذاع إلا ما هو محقق وثابت. (4/ 170).
* الذي لم يبلغه الخبر إلا بعد طلوع الشمس وهو لم يأكل ولم يشرب فإنه يمسك حال وصول الخبر إليه ويقضي هذا اليوم. (4/ 171).
* المشروع كون الإمساك والإفطار تبعًا للأذان، وهذا هو السنة. (4/ 170).
* قد يكون الذي يثور المدفع عدل، وقد يكون ليس كذلك فلا يفطر الصائم على المدفع ولا على الساعة، فلكي يصير الناس فطرهم واحد، وعلى أصل الشريعة هو الأذان. (4/ 171).
* الأصل في تعاطي الحبوب لمنع الحيض لأجل الصيام أو الحج الجواز، ولا نعلم دليلاً يخالف هذا الأصل، وكون المرأة تصلي والحيض محتبس بسبب تعاطي الحبوب لا أثر له في صحة العبادة، فإن أحكامه لا تثبت إلا بعد ثبوت خروجه. (4/ 6 - 177).
* إذا علم مسافر أنه يقدم غدًا، فالصحيح - إن شاء الله - أنه لا يجب عليه الصوم، لأنه لم يزل في بقية العذر، فإنه ما دام هكذا فهو في سفر. (4/ 177).
* المرضى الذين منعهم الأطباء من الصيام مع أن بعضهم يطيقه، فطرهم لا بأس به، ولا فرق بين من هو في مبدإ المرض وأثنائه أو في أخرياته، أو في أول البرء ويخشى عليه منه. (4/ 178).
* من عليه أيام من رمضان أو شهر أو أكثر وأفطرها لأجل المرض، فليس عليه إذا عوفي وقوي على الصوم أكثر من القضاء، إذا لم يؤخره عن عام البرء إلى أن يدخل عليه رمضان، فإن أخره إلى رمضان فعليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم - مد بر أو نصف صاع من غيره. (4/ 179).
* من كان لا يطيق الصيام فالواجب عليه بدلًا عن كل يوم أن يطعم مسكينًا مدًا من البر أو نصف صاع من غيره. (4/ 180).
* من نصحه الأطباء بعد الفحوصات والتقارير بعدم الصوم تفاديًا من تضاعف المرض واستفحاله، نرى أنه والحال ما ذكر له الفطر، وعليه القضاء بعد شفائه إذا كان مرجوًا برؤه، أما إذا كان من غير المحتمل شفاؤه، فله أن يطعم عن كل يوم من شهر رمضان مسكين. (4/ 180).
* قرار الأطباء يعتبر إذا كان الأطباء ثقات غير متهمين، وتقريرهم عن علم وخبرة، وبعض العلماء يشترط إسلام الطبيب المقرر، وبعضهم لا يشترط. (4/ 181).
* حيث قد قرر الطبيبان المسلمان تضررك بالصيام فيسوغ لك الفطر، وقضاء الصوم بعد برئك إن شاء الله، وهذا إذا كان الطبيبان المسلمان من أوثق من لديكم. (4/ 182).
* نص العلماء على أنه إذا أخبر طبيب مسلم ثقة بأن الصيام مما يضر بهذا المريض أو يمكن منه العلة أو يبطئ البرء ونحو ذلك، فإن ترك الصيام في مثل هذه الحال جائز شرعًا، فإن كان الطبيب غير مسلم أو مسلمًا لكنه غير عدل فلا يقبل قوله إلا عند الضرورة، مثل ألا يتمكن من سؤال غيره فإذا وجدت الضرورة وحفت القرائن على صدق غير المسلم ونحوه، بأن يحس المريض من نفسه بذلك، أو يكون مشتهرًا أن هذا المرض مما يتمكن بالصيام ويصعب برؤه فحينئذ يجوز ترك الصيام حتى يعافيه الله ويقوى عليه بدون ضرر. (4/ 183).
* قبول قول الطبيب المسلم الثقة الذي نصح المريض بعدم الصيام خمس سنوات متتاليات سائغ، يجوز تأخير الصيام في المدة المذكورة عملًا بقوله، وأما غير المسلم الثقة فلعله يسوغ قبول قوله في مثل هذه المسألة مدة المعالجة، وما بعدها بزمن غير طويل للضرورة وهي عدم وجود الطبيب المسلم الثقة، وبخلاف ما بعد المعالجة بزمن طويل، لا سيما مع إحساس الإنسان من نفسه بتمام البرء والنشاط والقوة على الصيام وغلبة ظنه أن الصيام لا يسبب زيادة المرض أو تأخير البرء. (4/ 3 - 184).
* الذي يذود
(1)
الجراد والدبا له الفطر إذا كان يلحقه مشقة. (4/ 184).
* اختلف العلماء أيهما أفضل: الصيام أو الفطر في السفر، والراجح أن الفطر أفضل. (4/ 184).
* إذا اشتد المرض بالإنسان وطال، وصار لا يشعر بعض الأحيان وتوفي، فالمدة التي لا يشعر فيها فالصيام ساقط عنه، وأما المدة التي خف المرض فيها، فإن كان يستطيع الصيام فيطعم عنه عن كل يوم مسكين، مد بر، أو نصف صاع من غيره، وإن كان لم يقدر على الصيام حتى مات فلا شيء عليه لا إطعام ولا غيره. (4/ 185).
* الاحتياط في قول الجمهور وهو وجوب تبييت النية لصوم كل يوم واجب. (4/ 186).
* ما يجعل في العين والأذن ليلًا ثم لا يجده في ريقه إذا بصقه إلا نهارًا، فهذا لا يضر. (4/ 186).
* الإبرة: تجتنب، إلا من ضرورة للصائم مثلها يحل له الفطر، ثم الذي يغلب على الظن أنها تفطر. (4/ 187).
* التوتين - أي التلقيح ضد الجدري - بشكله المعروف لدينا لا نرى فيه ما يؤثر على صوم الصائم، وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الصائم لا يفطر بفصد وشرط ونحوهما. (4/ 189).
(1)
يدفعه ويطرده.
* الذي يظهر لنا أن إبرة الوريد تفسد الصوم لتحقق دخول مادتها إلى جوف مستعملها، .... وأما إبرة العضل فإنه لا يظهر لنا جواز استعمال الصائم لها، والأحوط تركها، وبالله التوفيق. (4/ 189).
* الراجح: أن من أمذى لا يفطر بذلك، وإلحاقه بالمني لا يصح، وبينهما فروق عديدة. (4/ 190).
* رجل داعب زوجته في نهار رمضان، وأنه لم يلمس جسمها لمسًا مباشرًا، ثم إنه أمنى، صيامه ذلك اليوم فاسد يلزمه قضاؤه ولا كفارة عليه إذ الكفارة مخصوصة بالوطء. (4/ 191).
* مما ينبغي للصائم أن يعدل عن التفكير إذا صار يعرف أنه يؤثر عليه بمذي أو فوق ذلك وهو المني، كما ينبغي له أن يجتنب كل ما من شأنه الإفساد. (4/ 191).
* التفطير بالحجامة هو الصحيح ولا يوجد حديث يقاومه.
والصحيح عند أهل الحديث أن احتجام النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في حديث ابن عباس في الحج فقط، وذكره مع الصوم أو مجموعاً وهم. (4/ 191).
* الصحيح الفطر بالفصد وإلحاقه بالحجامة بجامع أن كلا منهما خروج منفعة من البدن. (4/ 191).
* الصواب في مسألة الرعاف:
أنه إذا عالج أنفه حتى أرعف، سواء قصد الرعاف فهذا مفطر بكل حال، أو لا بأن عالج أنفه معالجة يحتاجها فأرعف.
ومثله لو استدعى خروج الدم من موضع آخر، ولو ما هو بشرط محجم، والضرس كذلك في حق الصائم إذا تعمده، ومن المعلوم أنه يخرج منه دم كثير فيفطر بذلك. (4/ 1 - 192).
* ورد النهي عن الحجامة في غير ما حديث، والقياس على الحجامة كل ما كان في معناه، من فصد العروق لاستخراج الدم وشقها ونحو ذلك. (4/ 193).
* أخذ عينات الدم من جنس فصد العروق، فينبغي أن يتوقاه الصائم، ولو لم يكن إلا سدًا للذريعة لئلا يحصل التساهل في أمر الصيام. (4/ 193).
* لا يلزم تذكير من أكل ناسيًا، لأنه لم يفعل منكرًا، هو معذور، والمسألة فيها قولان هذا أولاهما، ومن قال إنه واجب فعليه إقامة الدليل. (4/ 193).
* من أكل ظانًّا أن الشمس قد غربت فتبين أنها لم تغرب، فالأحوط القضاء، والله أعلم. (4/ 3 - 194).
* رجل جامع زوجته أول يوم من رمضان، وهو لم يعلم أن ذلك اليوم من رمضان، الصواب إن شاء الله، ليس عليه كفارة، لأنه معذور. (4/ 195).
* رجل جامع زوجته في نهار رمضان ويزعم أنهما جاهلان عاشا في البادية، ولم يعلما أن الجماع في نهار رمضان حرام، فإن كانا صادقين وأنهما يجهلان تحريمه، وإلا يبلغان بوجوب ما يترتب عليهما من القضاء، والكفارة على كل منهما، إن كانت الزوجة مطاوعة. (4/ 5 - 196).
* إذا كان الصائم مسافراً سفر قصر، وكان ذلك السفر غير سفر معصية، فإن له الفطر في نهار رمضان،
…
والنصوص من الكتاب والسنة الدالة على فطره بالسفر المذكور لم تفرق في تعاطيه المفطرات بين أكل وشرب وجماع بل له تعاطي الجميع من غير فرق. (4/ 196).
* بل هنا مسألة أبلغ من ذلك، وهي أنه لو صام في السفر ثم جامع في هذا الصيام فسد صومه فقط، ولا كفارة عليه لوطئه المذكور؛ لأنه محكوم بفطره من حين عزم على الجماع، فلم يقع جماعه المذكور في صوم، لفطره قبله بعزمه على الجماع. (4/ 197).
باب ما يكره ويستحب في الصوم، وحكم القضاء
* ينبغي للصائم التخليل
(1)
قبل زمن الصوم، ولا ينبغي له أن يخلل بعد. وذلك أنه يمكن أن يصل شيء إلى فمه فيبتلعه: فكره لذلك. (4/ 198).
* من مضت عليه سبع سنين وهو مريض لا يستطيع الصوم، ثم شفي، فالواجب عليه قضاء ما فاته من أشهر الصوم من السنين السبع على الترتيب أولًا بأول ويستحب قضاء الأيام من كل شهر متتابعة، فإن لم يستطع جاز له التفريق بين أيام كل شهر، ولا كفارة عليه في ذلك لأنه زمن تركه للصوم خلال السنين السبع معذور. (4/ 199).
* لا بأس بقضاء الصوم مفرقًا، لكن بشرط ألا يأتي شهر رمضان إلا وقد أتم قضاء ما عليه من صوم. (4/ 200).
* من أخر القضاء إلى حلول رمضان الأخر، فإن كان مستطيعًا لصيامه فيجب عليه أن يطعم عن كل يوم مد بر لمسكين، لقول ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة، وهو قول مالك وأحمد والشافعي، وإن كان غير مستطيع فلا شيء عليه سوى القضاء. (4/ 200 - 201).
* متى تحقق لدى المسلم أن الصيام يضره، وأخبره بهذا طبيب ثقة، فلا بأس من تأخير الصيام إلى وقت يقدر فيه على الصيام، بدون أن يؤثر على صحته، ولا يضره أن تتراكم عليه أشهر الصيام، لأنه معذور بمرضه، ولا شيء
(1)
تخليل الأسنان.
عليه من إطعام وغيره، فإن قدر أن هذا المرض يستمر، وتحقق لديه من تقرير الأطباء أنه لا يرجى برؤه، فإنه يطعم عن كل يوم مسكينًا مد بر، أو نصف صاع من غيره بعدد أيام الصيام. (4/ 1 - 202).
* صام شخص صيام قضاء رمضان في آخر شعبان، فوافق أن يكون من أيام رمضان، ولم يعلم إلا في الصباح لأنه في قرية بعيدة، فلا يصح قضاءً ولا أداءً، ولا نفلاً
…
وبناءً على ذلك فيلزمه قضاء هذا اليوم، وأما اليوم الذي بقي عليه فيلزمه قضاؤه، وإذا كان تأخيره حتى أدركه رمضان لغير عذر فيجب عليه مع القضاء إطعام مسكين واحد وهو مد من بر، وإذا كان لعذر فلا يجب عليه إلا القضاء لا غير. (4/ 203).
باب صوم التطوع
* قول بعض أهل العلم عن يوم عاشوراء: يسن فيه التوسع على العيال.
هذا لا أصل له، ولا يصح، وليس هذا مسنوناً بحال، وجميع الأحاديث الواردة فيه لا تصح، فتعظيمه بغير الصيام باطل. وهذه التي زيدت سببها مخالفة الرافضة؛ فإن الرافضة هو عندهم يوم حزن من أجل أنه اليوم الذي قتل فيه السبط الحسين قتل بكربلاء وطائفة معه من شباب أهل البيت، وقصد قوم مخالفة الروافض ومغيظتهم فجعلوه عيداً عندهم؛ ولهذا يعد العوام في نجد «عيد العمر» وهو من تعظيمه. فلا يجوز أن يحزن فيه كما تفعله الرافضة، ولا يجوز أن يزاد فيه بالسرور فيكون بدعة أيضاً. وهو ليس بعيد أبداً، هو يوم فضله الله بصومه فقط. (4/ 203).
* إذا كان الإنسان حاجًّا وكان بعرفة فإنه لا يصومه، لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:«نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة» رواه أبو داود. (4/ 204).
* أما إذا كان غير حاج أو كان حاجاً وليس بعرفة بل لم يأت إليها إلا متأخراً كبعد المغرب فلا يدخل في النهي. (4/ 204).
* صيام يوم وفطر يوم هو أفضل الصيام، لكن إنما يكون ذلك في حق من يداوم عليه، وأما الإنسان إذا كان عاجزًا فإنه يداوم على ما يقدر عليه. (4/ 205)
* المداومة على صيام رجب وشعبان لم يكن على عهد السلف. (4/ 205)
* الأصل في النهي التحريم، فلم صار في صيام الجمعة للكراهة؟
لعله لكونه رخص في الشرع في صيامه وصيام يوم معه، فلو كان حرامًا لما ساغ صومه بالكلية. (4/ 206)
* يكره إفراد يوم السبت بالصوم. (4/ 206).
* بعضهم لا يرى أن يوم الثلاثين من شعبان يوم شك، إلا إذا كان صحوًا، والتحقيق أنه ولو كان هناك غيم فإنه يوم شك، للنهي عنه في الأحاديث الصحيحة الدالة على النهي عن صيام يوم ثلاثين من شعبان. (4/ 206).
* ليلة القدر بعض أهل العلم قال: إنها مرفوعة، والصحيح والمعروف عدم رفعها، إذ لا دليل عليه. (4/ 206).
كتاب الحج
الكعبة والمشاعر
الكعبة
* لا بأس بما قررته الهيئة ووقعت عليه، وتبين لهم بإجماع الرأي ضرورة تغيير السقف الأعلى - للكعبة المشرفة- وإزالته وعمل سقف مسلح بدلاً منه.
أما السقف الأسفل فيبقى على وضعه الحاضر بشرط أن يرمم وتغير الأعواد والأخشاب الخاوية، ويوضع أعواد جديدة بدلًا منها.
كما رأوا تغيير السقف الأعلى بسقف مسطح تعمل تحته ميدة من المسلح تحيط بالجدر جميعها.
والترميم اللازم بالطرق الفنية المتبعة.
وكما رأوا أيضًا ضرورة ترميم الكسوة الرخامية المحيطة بالجدار من الداخل، وتثبيتها في أماكنها كما كانت.
يمتنع شرعًا أن تظهر الميدة المذكورة في القرار عن سمت حيطان البيت المطهر الأصلية خشية الزيادة في بيت الله تعالى ما ليس منه.
تكون عمارة البيت المطهر من أطيب كسب. (5/ 6).
* يمتنع شرعًا أن يُذهّب السقف أو يفضض أو يموه بأحد النقدين. (5/ 6).
* تكون عمارة سقف الكعبة وترميمها من دخل البريد، لأنه أحل وأطيب من غيره، أو من المال الذي بداخل الكعبة - كنزها -. (5/ 7).
* التعرض للحجر الأسود غير وجيه، لأن ذلك مما يسبب كونه ملعبة بحسب الاقتراحات. (5/ 8).
* الذهب الذي على باب الكعبة حرام ولا يحل، وأصل وضعه من بعض الملوك بعدما مضى عصر الصحابة وملوك العدل في الجملة، بعد ذلك حلي باب الكعبة، وإلا فهو لا يجوز، وكذلك الميزاب. (5/ 8).
* اقتراح عمل لوح من ذهب يعلق بالكعبة مشتملاً على:
(1)
تاريخ استيلاء الملك الراحل على الحجاز.
(2)
بيعة جلالة الملك بالملك.
(3)
إيصال ماء عين العزيزية إلى جدة وإلى مكة.
اقتراح غير سديد، وأنه مخالف للشرع، وليس من تعظيم الكعبة. (5/ 9).
* تعظيم الكعبة إنما هو بما عظمها الله به ورسوله. (5/ 9).
* ليس أحد من السلف يرغب في القطعة من قطع كسوة الكعبة فيتبرك بها، والذين يتولون قسمتها إذ ذاك إنما يقصدون بها سد حاجة الفقراء المحتاجين إلى الاكتساء بها ونحوه، لا يقصدون أن يتبرك بها. (5/ 11).
* بيع القطع من كسوة الكعبة المشرفة لآجل التبرك بها [من أنواع الشرك. (5/ 13)] لا يجوز تمكينهم من ذلك، لا يجوز شرعًا، بل هو من معاونتهم على الإثم والعدوان. (5/ 11 - 13).
* الكعبة نفسها- زادها الله تشريفًا- لا يتبرك بها، ولهذا لا يُقبّل منها إلا الحجر الأسود فقط، ولا يمسح منها إلا هو والركن اليماني فقط؛ وهذا المسح والتقبيل المقصود منه طاعة رب العالمين واتباع شرعه، ليس المراد أن تنال اليد البركة في استلام هذين الركنين. (5/ 12).
* التزام الكعبة المعروف ليس فيه التمسح بحال، إنما هو إلصاق الخد والصدر واليدين؛ اشتياقًا تارة، وأسفًا على الفراق تارة، وذلاً لله تعالى وخشية تارة أخرى. (5/ 12).
(كلام الشيخ رحمه الله حول نقل المقام)
* ما عرف من التاريخ الصحيح والآثار لموضع حجر المقام - مقام إبراهيم - والمواقع التي كان بها والتنقلات التي وقعت له لأسباب عديدة، يفيد أن لا محذور في تنحيته من مكانه الذي هو به الآن إلى جانب المطاف بعد التوسيع، لضرورة الضيق والازدحام الشديد، وهذا هو رأي كثير من العلماء المعاصرين، ولأن المقصود هو الصلاة خلف حجر المقام في أي مكان كان فيه الحجر من المسجد، وبطريق الأولى تنحية المنبر، وباب بني شيبة من موضعهما الآن. (5/ 4 - 15).
* الذي أراه أن يعقد اجتماع في مكة المكرمة يدعى إليه العلماء المشهورين من الأقطار الإسلامية، مع العلماء في نجد والحجاز، ويبحث موضوع نقل المقام بينهم ثم يتخذ بشأنه القرار اللازم. (5/ 16).
* ثبت عن السلف الصالح أن مقام إبراهيم عليه السلام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه، في سقع البيت، وأن أول من آخره عن ذلك الموضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (5/ 18).
* لا مانع من تأخير المقام اليوم عن ذلك الموضع
(1)
إلى موضع آخر من المسجد الحرام يحاذيه ويقرب منه ....
ونكون مقتدين بعمر بن الخطاب المأمور بالاقتداء به، ونرفع الحرج من ناحية أخرى عن الأمة المحمدية التي دلت النصوص القطعية على رفع الحرج عنها. (5/ 53).
* أقول: لم يذهب أحد من السلف إلى أن المقام هو البقعة التي خلف المقام، ودعوى ترجيح ابن جرير ذلك باطلة، فإن ابن جرير استعرض في تفسيره من أقوال السلف في المقام ما يلي:
أولاً: أنه الحج كله.
ثانيًا: أنه عرفة، ومزدلفة، والجمار.
ثالثًا: أنه الحرم.
(1)
الذي وضعه فيه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
رابعًا: أنه الحجر الذي قام عليه إبراهيم حين ارتفع بناء البيت وضعف عن رفع الحجارة.
خامسًا: أنه المقام المعروف بهذا الاسم الذي هو في المسجد الحرام.
ثم قال الشيخ مؤيدًا: أولى الأقوال بالصواب عند ابن جرير أن مقام إبراهيم هو: الحجر الذي قام عليه، لا نفس البقعة التي خلف الحجر. (5/ 7 - 8 - 89).
* القول: بأن حكم الصلاة - خلف المقام - إنما يتعلق بنفس البقعة لا بالمقام، في غاية المخالفة لعمل الصحابة حين نقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه المقام عن موضعه في عهد النبوة إلى موضعه الذي هو فيه اليوم. (5/ 89).
* المقام نعرف أن موضعه ليس معينًا ذاتًا من الأرض، بخلاف الكعبة، ما ورد في المقام يفيد أنه ما له موضع معين
…
وإنما المتعين أن يكون بنسبة من البيت. (5/ 132).
* حدود منى: من شفير وادي محسر الغربي إلى جمرة العقبة
…
ومنى في العرض كل ما انحدر به السيل إلى منى كله تبع منى، وهو ما بين الجبلين الأيمن والأيسر وجميع التلاع التي فيه. (5/ 150).
* لا نرى مانعًا من إنشاء دور ثان للجمار الثلاث وإقامة مظلات حولها. (5/ 155).
* كما أن المسجد الحرام لا يجوز لأحد أن يبني فيه منزلًا، فهذا المشعر - منى - كذلك، ومن استولى على شيء منه تملكًا وصلى فيه فصلاته غير
صحيحة
…
واغتصاب شيء منه أعظم من اغتصاب أملاك المسلمين المحترمة المنصوص عليها وعلى غيرها في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا .... » الحديث. (5/ 5 - 156).
* إنشاء عمل سبيل لله تعالى، وغرفة الماتور بمنى غير جائز، ولا يمكن السماح بإقامة ذلك في منى، خاصة وأن الحكومة وفقها الله قد عملت على توفير ذلك. وإن كان يقصد عمل الخير، فأعمال البر وطرق الخير كثيرة. (5/ 162).
* من أجل حاجة الحجاج إلى دورات المياه، وتوفير المياه، وضرورة ذلك، فلا مانع من إيجاد دورات المياه وخزانات الماء، وتكون داخل المظلات فقط، بحيث لا تأخذ شيئًا من الأرض البيضاء المخصصة لنزول الحجاج أما بناء مطابخ فلا ينبغي. (5/ 162).
* ما دام الخزان في علو الجبل، والمطلوب إقامة مظلة فوق الخزان للحارس، وليس ذلك في مواقع سكن الحجاج ولا طرقهم، فنرجو ألا يكون هناك مانع من ذلك. (5/ 163).
* من كان بيته بسفح جبل منى بموجب الإذن له بالبناء، فيعوض عن بنائه ويناسب إعطاؤه أرض ليست في مشعر من المشاعر، ولا في موضع يحصل به التضييق على الحجاج. (5/ 5 - 166).
* اقتراح إقامة بوابة لمدخل منى على حدها، ليعرف الحجاج حدودها الشرعية فلا يتعدونها، لم نجد له مأخذًا شرعيًا، إذ لم يفعله أو يقل به أحد من سلف الأمة وأئمتها. (5/ 169).
* منى ومزدلفة حرم ومشعر، لا يصح
(1)
للملاعب، فهو لإقامة ذكر الله والركعة فيه بمائة ألف ركعة، فالواجب منع ذلك. (5/ 170).
(1)
لعلها: لا يصلح.
أحكام المناسك
* حج بيت الله الحرام من واجبات الدين على المستطيع، وأحد أركان الإسلام. (5/ 188).
* على الحاج أن يجتنب في حجه الرفث والفسوق والمراء. وأن لا يقصد بحجه رياء ولا سمعة. وأن يطيب نفقته في الحج. وأن لا تكون من كسب حرام، فبذلك يبر حجه. ويتحقق له الثواب الجزيل وهو الجنة. (5/ 188).
* هاهنا أمر ينبغي التفطن له وهو: أن كثيراً ممن يحج لا يهتم من هذه الفريضة. فلا يتعلم أحكامها، ولا يسأل أهل العلم عن ذلك. وقد قال الله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل: 43] ولهذا يقع من كثير من هؤلاء الإخلال ببعض الواجبات وفعل بعض المحظورات مما قد يفسد حجه من أصله أو ينقصه التنقيص الذي يأثم به. (5/ 188).
* الصحيح: أنه لا دليل على وجوب العمرة. (5/ 189).
* إذا كنت مستطيعًا للحج فيتعين عليك أداؤه حيث أنه أحد أركان الإسلام، ويخشى على من تركه مستطيعًا أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا. (5/ 189)
* الناس يختلفون - في إدخال الصغير في النسك - أما الصحابة فإنهم يدخلونه في النسك ويخرجونه منه، وأما بعض أهل الوقت فهم يدخلونه فيه ولا يخرجونه منه، فإفاتته فضيلة خير من الوقوع في مأثم. (5/ 189 - 190).
* يشترط للطواف بالصغير راكبًا أو محمولًا، أن يكون ركوبه وجهة حامله بحيث إذا مشى حامله فإذا البيت عن يساره: إما أن يجلسه على كتفه ورجليه متدلية إلى صدر الحامل، أو يفحجه على عنقه الذي هو (العك) أو يسند ظهر الصبي على صدره ويلقفه بيده. (5/ 190).
* لو جعل وجه المحمول - صبي أو غيره - إلى الكعبة أو ظهره إليها أو وجهه خلف فلا يصح، لأنه أحد شروط الطواف أن يجعلها على يساره. (5/ 190).
* إذا طاف الولي ناويًا هذا الطواف للصبي - المحمول - وكان صغيرًا دون التمييز فهذا الطواف للصغير، ولو نواه الكبير لنفسه فلا يكون للصغير. أو نواهما جميعًا فلا يكون للصغير ولا للكبير. (5/ 190).
* لا يصح الطواف راكبًا إلا لعذر، وما جاء من طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبًا فإنه لعذر وهو خشية حطمة الناس عليه. وهو أنهم يزدحمون عليه محبة وتعظيمًا وأخذًا للمناسك عنه. (5/ 190).
* إذا كان والدك غنيًّا عاجزًا عن الحج فأقمت من يحج عنه فرضه بإذنه من ماله فالحجة واقعة عن أبيك، إذا كان الشخص الذي حج عنه قد حج عن نفسه، فإذا كان لم يحج عن نفسه فلا تقع هذه الحجة عن والدك، بل يحج عنه من ماله. (5/ 192).
* لا يجب الحج على من عاش إلى أن مات وهو مختل الشعور. (5/ 192).
* من مات غنيًا ولم يحج، وجب أن يحج عنه من ماله، وإن تبرع عنه أحد جاز. (5/ 192).
* ما دامت والدتك قد أدت فريضة الحج عنها، فلا مانع من حجها عن والدك. (5/ 192).
* الميت الذي لم يحج حجة الإسلام، تجب الحجة في ماله إن كان قد استطاع الحج في حياته، من حيث وجبت عليه، أي من بلده، فإن كان له وطنان فمن أقرب وطن. (5/ 193).
* فإن أوصى بنسك نفل وأطلق فلم يقل من محل كذا، جاز أن يفعل عنه من ميقاته، ما لم تمنع منه قرينة، كجعل مال يمكن الحج به من بلده فيستناب به منه. (5/ 193).
* رجل حج لوالديه تطوعًا وهما على قيد الحياة، مع أنهما قد حجا عن أنفسهما فريضة الإسلام، فالحمد لله ما داما قد حجا عن أنفسهما فريضة الإسلام فحجك عنهما تطوعًا جائز وصحيح. (5/ 194).
* رجل قضى فريضته، وأراد أن يتنفل عن رجل قادر؟ لعله يصح، وليس فعل السلف. (5/ 194).
* الكفيف الأصم الأبكم إذا لم يحج حجة الإسلام، وكان لا يستطيع فهم الإشارات بمناسك الحج لا سيما نيات المناسك، فإنه يحج عنه من ماله. (5/ 195).
* من شروط الاستطاعة بالنسبة للنساء وجود محرم للمرأة في سفرها من بلادها للحج حتى رجوعها، فإذا لم تجد لها محرمًا سقط عنها وجوب الحج. (5/ 196).
* الرجل محرم لزوجة ابن ابنته، وله السفر بها في غير معصية. (5/ 6 - 197).
* لا بأس أن تحج المرأة فريضتها مع جماعة نساء موثوقات، مضافًا إلى ذلك وجود ابنها البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، فإنه وإن لم تتم فيه شروط المحرمية فإن ذلك منجبر بجماعة النساء الثقات. (5/ 198).
* بالنسبة لحج المرأة مع النساء المأمونات، هذا قول لبعض أهل العلم، والأحوال تختلف، فتختلف الأحكام باختلاف الأحوال، فإذا صار الفساد فاشيًا في مثل هذه الأزمنة لا ينبغي أدنى نظرة إلى هذا القول.
لكن إذا كان السفر قصيرًا فأباحه بعض أهل العلم محتجًا بقصة امرأة الزبير وذهابها إلى ناحية من نواحي المدينة، فأخذ منه بعض أهل العلم جواز مثل ذلك وهو كذلك. (5/ 8 - 199).
* إذا مات محرم المرأة في الحج، فإذا وجد محرم بشيء يحتمل فإنه يجلب، وإلا فتسافر ولو
(1)
، لكن لا تسافر في محل يكون خطرًا على نفسها. (5/ 199).
(1)
يعني: لو بدون محرم.
* لا يشترط عدالة المحرم، وذكر بعضهم اشتراط العدالة في الرضيع
(1)
وهو جيد. (5/ 201).
* نعرف أن النائب الشرعي الصحيح، من له رغبة في الحج ولا عنده ما يحج به، أو عنده ولكن يميل إلى أنه ببذل أحد.
أما غيره كما يفعله كثير من الناس فليس بحاج، ولا تصح نيابته، وهذا من المفسدات من حيث النية
…
الحاصل: فرق بين من حج ليأخذ، ومن أخذ ليحج. (5/ 201).
* استنابة الشيعي عن السني، لا ينبغي، لاختلال شرط الاستنابة في النسك في الشيعي، وهو العدالة. (5/ 203).
* ظاهر النصوص الواردة فيمن حُج عنه، أن له أجر حجة كاملة. (5/ 203).
* إن كانت حجة الإسلام قد وجبت على المتوفى قبل وفاته، فهي فرض عليه، ودين من الديون مقدم على الوصايا وعلى الميراث. (5/ 206).* الميت الذي لم يحج فرضه، إن خلف من المال ما يبلغ الحج من وطنه تعين أن يستناب عنه من وطنه، ولم تؤدِ حجة ابنه الساكن بجدة عنه فريضة الإسلام، وإن كان ما خلف قليلًا بمقدار ما يبلغ من جدة أو مثل مسافتها أو لم يخلف مالًا أصلًا، أو مات قبل أن تجب عليه فإن حج ابنه عنه صحيح. (5/ 206).
(1)
يعني إذا كان محرم بالرضاعة.
* النية التي ينويها النائب عند إحرامه: ينوي بقلبه أنها عن فلان، ويندب أن يتلفظ باسم من أراد أن يحج عنه في مبدأ تلبيته فيقول: لبيك عن فلان ويسميه باسمه. (5/ 6 - 207).
باب المواقيت
* الجحفة الآن خراب بسبب الحمى، لكن الآن رابغ أبعد عن مكة منها بشيء قليل، فالذي يحرم من رابغ متقدم على الميقات بشيء يسير فلم يتجاوز الميقات. (5/ 207)
* قرن المنازل هو وادي السيل، وما يتوهمه أُناس هناك أنه جبل يقال له: قرن فهو غلط، بل الاسم هو للوادي
…
وأعلاه هو الذي يسميه أهل الطائف «المحرِم» فالمحرم والسيل واحد.
ولا ينبغي أن يحرم من خارج الوادي، ومن أحرم من ناحية الوادي لا يقال عليه فدية، ولكن الاحتياط من بطن الوادي. (5/ 7 - 208).
* لا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ووقت لأهل الشام الجحفة، ووقت لأهل اليمن يلملم، ووقت لأهل نجد قرنًا، ووقت لأهل العراق ذات عرق. (5/ 208).
* قد حصل في تعيين قرن المنازل عدة أوهام:
1 -
وهو أفحشها. قول من قال: إنه جبل مطل على عرفة أملس كأنه بيضة في تدوره.
2 -
ومنهم من قال: إنه جبل قرب قرية المغاسل التي يحرم منها جماهير أهل نجد والطائف، ومن تبعهم، إذ لا جبل هناك بهذا الاسم أصلًا
…
3 -
وهو مفرع عن الوهم الثاني وهو تسمية ذلك القرن بقرن الثعالب إذ قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى.
4 -
قول من قال: إنه قرية المغاسل وما قاربها فقط، وأن بقية الوادي لا يدخل في مسمى الميقات
…
* والحق الذي لا مرية فيه أن «قرن المنازل» اسم للوادي جميعه: أسفله، وأعلاه، وأوسطه، ومن جملته القرية المذكورة وما قاربها (5/ 9 - 210).
* مسألة: الطائرة إذا مرت ميقاتًا فهو ميقاتها، وإن مروا مع طريق لا يحاذي
(1)
الميقات، فيحرم إذا حاذى الميقات عن يمينه أو عن يساره، ويحتاط فيقدم شيئًا ليس بكثير احتياطًا، لأنها تمر بسرعة. (5/ 214).
* بعض الناس يجوز للذي يقدم عن طريق البحر ويحاذي رابغ أنه يحرم من جدة، وليس الأولى لقوله:«هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن» .
فالذي يفتي أنهم لا يتجاوزون الميقات إلا محرمين، هو أقرب لدلالة الحديث. (5/ 214).* الاغتسال: إذا كان أسهل لراكب الطائرة أن يغتسل من بلده قبل أن يركب فلا بأس لأن الوقت قريب.
أما الركعتان فيصليهما وهو في نفس الطائرة قبيل أن يحاذي الميقات
…
فإن تمكن من الركوع والسجود في الطائرة فذاك وإلا فيومئ إيماءً كراكب السفينة. (5/ 214).
(1)
كذا بالأصل، ولعل المقصود: وإذا مروا مع طريق لا يمر الميقات، فيحرم إذا حاذى الميقات.
* اختار الشيخ
(1)
أنه لا عمرة على المكي، والحجة معه، وليس في المسألة إلا إعمار عائشة من التنعيم، وهي قضية عين، واعتمار ابن الزبير ومن معه لعله أراد أنها تحية للكعبة بعد تجديد عمارتها وهو اجتهاد منه. (5/ 215).
* من كان قاصدًا الحج والعمرة من أصل سفره، فهذا إذا تعدى الميقات فعليه دم بلا نزاع، للسنة الظاهرة، وإن أمكنه أن يرجع قبل الإحرام رجع وأحرم ولا شيء عليه. (5/ 215).
* قوله: «ممن أراد الحج والعمرة» يحتج به من يذهب إلى أن مريد تجارة أو زيارة الأرحام لا يلزمه إحرام، والمعروف لزوم ذلك لزوم كل مريد مكة بحج أو عمرة أو غير ذلك، وهو من خصائص مكة. (5/ 215).
* الذي يمر بمكة وهو يريد جدة، هذا لا يريدها، هذا مرور. (5/ 216).
* الذي يروح للطائف ويجيء ما أحرم كما يفعله كثير من الناس شيء لا ينبغي وعليه دم
(2)
. (5/ 216).
* لو كان يتردد بين مكة والطائف حطاب أو بريد فهذا يجوز له التخطي من دون إحرام لمشقة ذلك. (5/ 216).
* قول العامة: «لا يكرر العمرة إلا بعد أربعين يومًا» ، لا أعرف له أصلاً. (5/ 216).
(1)
يعني شيخ الإسلام.
(2)
وقد كان الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يصيّف في الطائف ولا ينزل لمكة إلا محرمًا إلى أن توفي. (القاسم).
* لو اتفق له أنه يأتي مكة في الشهر أربع مرات فهذا لا يحل له تجاوز الميقات بغير إحرام، والذين يفتون وهم ليسوا علماء مجتهدين إنما هذا اجتهاد شهواني لا يجوز. (5/ 216).
* من أحرم داخل الميقات
(1)
فإنه آثم، وناقص حجه، ولا يبطل، ويفدي. (5/ 216).
* الإحرام بالنسك من الميقات أحد واجباته، فمن أراد الحج أو العمرة ثم تجاوز الميقات دون الإحرام بما أراده من نسك فعليه دم شاة، فإن لم يستطع صام عشرة أيام. (5/ 217).
(1)
يعني: من تجاوز الميقات بدون إحرام، ثم أحرم.
باب الإحرام
* المخيط كل ما يخاط على قدر الملبوس، بأن يكون على قدر البدن كله، كأن يكون له جيب وأكمام، أو على نصفه كالقميص والصديرية والفنيلة، وسواء كان مخيطًا أو منسوج بصفة على البدن فلو كان ما فيه خيط فكذلك، أو على تقدير عضو منه كالشراب ودسوس اليدين. (5/ 217).
* لو كان إزاره قطعتين أو ثلاث أو رداؤه فهذا ليس مخيطًا إنما المحظور أن يلبس ما مثله مفصل على البدن أو بعضه. مثال ما يفصل على البدن: الجبة والمشلح سواءً أدخل يديه أو لا. ومثال ما يفصل على بعض البدن: السراويل. وما يفصل على الرجل: الخف. (5/ 218).
* لا يحتزم بحزام البندق، إلا إذا كان خوف فتنة وإلا فلا. (5/ 218).
* لا يظهر جواز لبس ساعة اليد. (5/ 218).
* لا يوضع المشبك في الرداء؛ لأنه أخو الأبرة. (5/ 218).
* العامي: بمجرد لبسه يكون محرمًا بدليل أنه لا يجدد شيئاً بعد ذلك، وإذا قلنا: لابد من شيء آخر ما صح له حج ولا عمرة. (5/ 219).
* الاشتراط: يندب في حق من كان به عذر كالمريض والخائف، أما إنسان ليس به مرض ويشترط فليس بظاهر، ولهذا ما جاء في تلبية النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، إنما جاء في حديث ضباعة لأنها مريضة. (5/ 219).
* من قدم إلى مكة المكرمة متمتع بالعمرة إلى الحج وبعد إحلاله من العمرة نزل إلى جدة، وأحرم بالحج من جدة، وخرج إلى منى، فهذا ليس عليه فدى لأن من شرط وجوب دم التمتع أن لا يسافر المتمتع بين العمرة والحج مسافة قصر فأكثر. (5/ 219)، (220)، (221).
* الذي أفرد الحج، هذا ما عليه فدًا بحال.
والقارن عليه الفدا بكل حال.
والمتمتع: وهو الذي يعتمر في أشهر الحج - وأشهر الحج شوال، وذي القعدة، وعشر من ذي الحجة - فهذا إن كان من حاضري المسجد الحرام، وهم أهل مكة ومن حواليها دون مسافة قصر مثل: الشرائع، والزيمة، وجدة، وبحرة، ووادي فاطمة، ونحوهن، فهذا ليس عليه فدا، وحكم المقيم بمكة من غير أهلها حكم أهل مكة. (5/ 221).
* من اشترى الفدية من خارج الحرم، وهو متمتع وقصده ذبحها عن دم المتعة - كما لو اشتراها من السيل أو بهبة
(1)
ثم قدم بها مكة وهو متمتع - فهذا سائق الهدي من خارج الحرم فلا يحل إلا بعد الفراغ من أعمال الحج وذبحه في منى. (5/ 221).
* لو أن إنسانًا وصل مكة لا للحج، ثم بدا له أن يحج، فيحج من مكة، ويكون مكيًّا. (5/ 221).
(1)
كذا في الأصل ولعل الصواب: بهيتة، وهي بالقرب من السيل.
* جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لبيك ذا المعارج» ولكن اللفظ الأول: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك، لا شريك لك» هو الأصل، وهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن زاد فهو من باب المأذون فيه، ولو اقتصر لكانت كافيةً شافية في المقام. فهي تلبيته صلى الله عليه وسلم. (5/ 222).
باب محظورات الإحرام
* يجوز للمحرم أن يتداوى بالإبر، ولا يوجب عليه خروج الدم بسبب استعمالها شيئًا، لما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما:«أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم» . (5/ 222).
* إن ترك كشف رأسه حياءً من الناس من غير مضرة فليس له رخصة، وإن غطاه فهو عاص آثم. (5/ 224).
* من استظل في محمل راكبًا فعلى رواية:
الرواية الأخرى وهي اختيار الموفق وجماعة من الأصحاب أن في ذلك الكراهية فقط، وهي أولى وأصح وأقوى، إن شاء الله، أن لا يكون محرم بل مكروهًا وهو الراجح. (5/ 224).
* للمحرم أن يعقد الرداء وغيره مطلقًا، سواءً على ما ينكشف أو لا، والعقد أولى من التنفيذ فإن التنفيذ
(1)
غير موثوق بخلاف العقد.
ولكن احتياطًا: إذا كان ممكن التنفيذ (1) ويتعاهده، ويكون خارجًا من الخلاف.
(1)
التنفيذ: أن ينفذ طرف الرداء من تحت (الكمر)، أو يلف الرداء خلف عنقه وينفذ بعضه في بعض فيستمسك من غير عقد، ولكنه يحتاج إلى تعهد.
* الهميان المسمى «الكمر» يشد وسطه فيه النفقة، فهو مباح لأجل الحاجة له في إحرامه. (5/ 224).
* العود الذي يوضع على الجمر: طيب، ويحظر على المحرم، لكن هذا إذا شمه قصدًا.
أما لو ابتلى به فشمه بدون قصد، فهو كمن سقط عليه طيب يبادر إلى إزالته. (5/ 4 - 225).
* الصابون الممسك طيب. (5/ 225).
* النعناع: ليس من الطيب. (5/ 225).
* الريحان المعروف: طيب طريًّا ويابسًا. (5/ 225).
* البرتقال: هذا فاكهة. (5/ 225).
* الزعفران: يجتنب في القهوة وهو طيب. (5/ 225، 226).
* الهيل: صار يجتنب عند كثير ممن يحج من أهل نجد، إلا أنه في الآخر كأنه اتحد القول: أنه ليس طيبًا، ولم نسمع أحدًا يتوقف فيه من حين حجينا إلى الآن يلحقه بالأدم والتوابل. (5/ 225).
* القرنفل: من التوابل. (5/ 225).
* لا يجوز تربية الحمام في الحرم، ونثر الحبوب له لما يترتب على ذلك من عدم نظافة الحرم، وقد ثبت في البخاري عن عائشة رضي الله عنها:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في جدار القبلة مخاطًا أو بزاقًا أو نخامة فحكه» . وثبت في صحيح مسلم
عنه صلى الله عليه وسلم: «أن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر» . (5/ 227).
* لا يجوز صرف كفارة محظورات الإحرام للحمام الذي في الحرم، لأنها حق من حقوق المساكين. (5/ 227).
* الجراد إذا دخل الحرم وحصل منه أضرار يحل قتله في الحرم دفعًا لضرره؛ لأن حكمه حكم الصائل. (5/ 7 - 228).
* الوطء بعد التحلل
(1)
لا يفسد الحج، سواءٌ كان مفردًا، أو قارنًا، وإنما يفسد الإحرام فقط بمعنى أنه لا يصح منه طواف الإفاضة حتى يخرج إلى الحل فيحرم ثم يدخل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة في إحرام صحيح ليجمع بين الحل والحرم.
وعليه فدية شاة تذبح في الحرم، وتطعم المساكين، ولا يأكل منها شيئًا، وعلى الزوجة فدية شاة أُخرى إن كانت مطاوعة، فإن كانت مكرهة فلا شيء عليها، والسلام. (5/ 228).
* تحفظ
(2)
النساء بأشياء غير مسنونة كالعود الذي تجعله في مقدم رأسها، أو عمامة تعصب بها رأسها وكل هذين بدعة.
وقولهم: لا يمس جلبابها وجهها. هذا لم يقله أحد وليس منصوصًا. (5/ 228).
(1)
الأول.
(2)
بمعنى: احتياط.
* حديث: «وإحرام المرأة في وجهها» لا يصح. (5/ 229).
* فالصحيح أنه لا بأس إذا مس وجهها، بل هو واجب إذا مر الرجال ولو مس جلبابها وجهها فلا فدية، ولا حرج، ولا تجعل شيئًا يعديه
(1)
. (5/ 229).
(1)
أي: يرفعه عن وجهها. (قاسم).
باب الفدية
* لو صام قبل يوم النحر اعتقادًا أنه لا يجد الهدي ثم وجد يوم النحر فالصحيح: أن صيامه يجزيه، لأن فعله سائغ له. فالراجح: أنه لا يجب عليه دم وقد صام. (5/ 229).
* العاجز عن الهدي لو أخر صيام الثلاثة الأيام عن أيام منى، فالراجح إن شاء الله أنه إذا أخره لعذر أنه يصوم الثلاثة ولا شيء عليه. (5/ 229).
* إذا رفض إحرامه فالظاهر: أن أجره يبطل، لأنه أبطل نيته، وكمله عابثًا، ولم أحفظ فيه كلامًا قبل الآن، فالأولى: أنه يحتاط ويحج ثانية لأن حجته تلك أقل أحوالها أن تكون ناقصة أو باطلة، لأن الأعمال بالنيات، ولا يكتب للإنسان من العمل إلا ما أتقنه وحفظه بنية صالحة. (5/ 230).
* الصحيح إن شاء الله أنه لا شيء في الحلق والتقليم في الإحرام مع الجهل والنسيان. (5/ 230).
باب صيد الحرم
* ما قطع من شجر الحرم لا ينتفع به (5/ 231).
* إذا كان الشوك في طريق المارة، فالظاهر: جواز قطعه، لأنه يُتأذى بذلك، ثم إذا قطع ففيه جزاء. (5/ 231).
باب دخول مكة
* ينبغي للعبد عند دخول مكة، أن يستشعر دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة، ومعه أصحابه، دخلوا الأبطح في حالة خشوع عظيمة، وذل لله، واعتراف بمنته. (5/ 245)
* الظاهر: أنه يقول عند دخول المسجد الحرام ما يقال في بقية المساجد. (5/ 240)
* حديث: «الطواف بالبيت صلاة» هذا الحديث في سنده شيء، وكثير من الفقهاء والعلماء يستدلون به على اشتراط الطهارة.
أما شرعية أن يطوف متطهرًا فلا ريب فيها، وعند كثير أنه شرط، وهذا الذي ينبغي اعتماده. (2/ 78)
* تقبيل الحجر الأسود غير مشروع في حق النساء [وذكر ابن رشد أنه لا يندب في حق المرأة بالإجماع، ولا أدري عن حكاية الإجماع، وكلام الأصحاب: أنها لا تزاحم الرجال، ويفهم منه أن المرأة لها أن تقبل وتستلم إذا كان الطائف نساء، أو لا زحمة، ولكن كلام ابن رشد لا أقل من أن يكون قول الجمهور. (5/ 243)] وكذلك الرمل ليس مشروعًا للنساء، والبعد عن البيت مشروع في حقهن، وليس مشروعًا قربهن، وذلك لكونهن عورة، وفي التقبيل جنس مزاحمة الرجال، فتوفير ستر عورتها متعين مطلوب، وهذه الأشياء مندوبة. (5/ 240).
* يسن استلام الحجر الأسود في كل مرة من طوافه، ولا يسن له تقبيله في كل طوفة، ما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا جاء ما يدل عليه، فلا يكون سنة، بخلاف استلام الركنين فإنه مندوب في كل مرة إن لم يكن زحمة. (5/ 241)
* إن حصل استلام للركن اليماني وإلا فلا يشير. (5/ 241)
* لا يجوز التبرك بما مس الكعبة، لا الكسوة ولا الطيب، وهو شيء ما عرفه السلف الذين هم أعظم الناس تعظيمًا لشعائر الله. (5/ 241)
* الدعاء الثابت في الطواف: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة» إلخ هذا مندوب وثابتة به السنة أنه كان يقوله بين الركنين، وبقية الأدعية ما فيها شيء ثابت. (5/ 241)
* الحقيقة: أن الذكر مشروع في الطواف والسعي وحال رمي الجمار وبعرفة ومزدلفة لا سيما بعد طلوع الفجر، بل ذكر الله مشروع في كل زمان ومكان، إلا أمكنة خاصة. (5/ 241)
* من أفضل ما يقول في الطواف قراءة القرآن. (5/ 242).
* الأدعية الموجودة بين الناس اليوم في بعضها آثار، ولم يجئ فيها نص يتعين أنها ذكر، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عمن يلحق قوله وفعله بالسنة. (5/ 242).
* كيفية الدعاء في الطواف؟ يسمع نفسه إسماعًا، لكن الذي يشوش المطوف بل يروع
(1)
من يتروع، إذا كان إلى جنبه، فضلًا عن أن يكون شوش على الذاكرين ذكرهم، هذا باطل. (5/ 242).
* السر في جعل البيت عن اليسار ما هو لازم أنا نعرفه، إن عرفناه فذاك وإلا فهي عبادة على الحكمة والمصلحة {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فصلت: 42] فجميع تصرفات الشرع على الحمد والعلم والحكمة، فله كمال الحمد في خلقه، وكمال الحمد في شرعه ودينه. (5/ 242).
* النطق بالنية عند الطواف، كالنطق بها عند الصلاة، فهو بدعة. (5/ 343).
* الكلام حال الطواف لا ينبغي، وإن كان جنس الكلام مباحًا، هذا شغل عن الذكر، والطواف ذكر، فالذي لا بأس به رد السلام، والأمر بقضاء حاجة أو نحو ذلك.
أما الذي يفعله بعض الناس يكثرون من فضول الكلام، فلا ينبغي وينقص الطواف. (5/ 243).
* إذا كان زحمة فتترك المرأة صلاة ركعتي الطواف خلف المقام، مثل ما تركت تقبيل الحجر. (5/ 243).
* الأولى: أن تقدم ركعتي الطواف على ركعتي الضحى حتى يصل الطواف بركعتيه، وألَّا يفصل بينهما بصلاة. (2/ 257).
(1)
يخيف.
* ثم بعد صلاة الركعتين يأتي إلى الحجر ويستلمه، وهذه السُّنَّة مهجورة الآن، وإتيانه للحجر استلام فقط لا يقبله. (5/ 244).
* إذا كان يرى البيت وهو على الصفا مع شيء من الأبواب فذاك، وإذا لم يره بالذات فيقف موقف استقباله حين كان يرى. (5/ 244).
* رفع اليدين في الصفا والمروة مسنون؟ نعم هو الظاهر. (5/ 244).
* الذكر الوارد على الصفا والمروة هو الذي ينبغي، والدعاء بغيره جائز، إلا أنه لا يجوز الاعتداء، أما الذي ليس فيه اعتداء فباب الرب مفتوح لعباده، يسألونه حوائجهم، إلا أنه ينبغي أن تكون له رغبة لصلاح القلب والنية والدعاء لنصرة الدين وأئمة المسلمين
…
وتعلم أن أفضل الدعاء الأدعية التي فيها التوحيد، فإنه يجتمع فيها دعاء العبادة ودعاء المسألة. (5/ 4 - 245).
* ما بين الميلين هو وادي إبراهيم - ويسمى الأبطح -
…
يسرع أكثر من الطواف سعيًا لا يلحقه مشقة. ويستثنى حامل المعذور، والنساء عورات، المطلوب سترهن.
* أما لو كان على بعير أو سيارة أو عربة فإنه لا يسعى شديدًا. (5/ 245).
* محرم المرأة إذا وصلا الميلين، لا يبعد عنها، فإنه يخشى عليها من الضياع أو من الأطماع. (5/ 245).
* ينبغي للساعي ندبًا أن يستشعر حالة هاجر ليس معها إلا طفلها، فإذا ذكر ذلك الإنسان دعاه إلى خشية ربه. (5/ 245).
* إذا أُقيمت الصلاة وهو في السعي، يصلي، ثم إذا رجع فيبني على ما مضى، لكن يبتدئ الشوط الذي قطع في أثنائه من أوله، ومثله في الطواف. (5/ 246).
* الاعتمار في رجب الذي يفعله بعض أهل الأمصار ما له وجه. (4/ 205).
باب صفة الحج والعمرة
* التمتع بالعمرة إلى الحج هو أفضل الأنساك، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المحرم بالحج مفردًا والقارن بينهما الذين لم يسوقا الهدي بفسخ الحج إلى العمرة، وتأسف صلى الله عليه وسلم على سوقه الهدي بقوله:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هديًا ولحللت معكم» . (6/ 42).
* القول بأن: الأفضل أن يكون الإحرام من تحت الميزاب يحتاج إلى برهان، ولا أذكر برهانًا على ذلك.
والأحاديث كافية واضحة ما أحرموا إلا من البطحاء، وحديث ابن عباس:«حتى أهل مكة من مكة» والنبي صلى الله عليه وسلم حج قارنًا، والآخرون وهم أكثر الصحابة
(1)
ذكروا أنهم ما أهلوا إلا من البطحاء. (6/ 5).
* من اعتمر في أشهر الحج ثم ذهب إلى جدة فلا بد أن يكون إحرامه بالحج من جدة، فإن ذهب إلى مكة وأحرم بالحج منها فيلزمه دم، لأنه فوت واجبًا وهو إحرامه من مكانه وهو منزله الذي سار منه، وأصل قصده من هذا السير الذهاب إلى الحج. (6/ 5 - 6).
* بعضهم يذكر خطبة في اليوم الثامن يبين فيها أحكام الحج، لكن لم يقم على هذه الخطبة الرابعة دليل. (6/ 60).
(1)
أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدي بالحل بعد العمرة، فتحللوا وبقوا متمتعين حلالًا إلى يوم التروية، ثم أحرموا بالحج من البطحاء، ولم يذهبوا إلى البيت ولا أحرموا من تحت الميزاب.
يوم عرفة
* هذا التفرق الذي كل خبرة
(1)
تصلى وحدها هذا ما ينبغي، إنما ينبغي أن يصلي أكبر عدد ممكن إذا وجد مكان متسع، وإن لم يحصل فالتفرق جائز. (6/ 6).
* إذا استناب الإمام أو نائبه خطيبًا ليوم عرفة فليكن عالمًا. (6/ 6).
* الجمع بعرفة من حين تزول الشمس، سواءٌ كان في الصيف أو الشتاء، شديد الحر، أو لا، ولا يشرع الإبراد في هذا، لأن فيه السنة المشهورة، ولأن الناس جاءوا متصدين لأعمال الحج. (6/ 6 - 7).
* القريبين من عرفة لا يترخصون - بالجمع والقصر - عند الأصحاب، والقول الثاني: أن لهم الجمع والقصر، وهو الصحيح، وهذا جاء على أحد أصلين:
إما أن يقال: إن حكم سفر المناسك غير حكم الأسفار الأخر.
أو على أصل آخر وهو اختيار الشيخ: أن مسافة القصر لم يثبت فيها تحديد.
* كون الواقف بعرفة راكبًا أسهل له من الأرض، والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حجة الوداع وقفوا راكبين على رواحلهم، فهذا أصل وحده كاف. (6/ 7).
(1)
أي: مجموعة من الحجاج.
* الأفضل في حال الوقوف بعرفة إن كان على سيارة أرفق به، وأتم في حقه، فهو الأفضل، وإن كان نزوله في الخيمة أرفق به فنزوله أفضل، فالحالة التي توفر عليه ما يحتاج له من حضور القلب، ومن كمال الدعاء، و الذكر هي المراد. (6/ 7).
* لا مانع من أن ينتقل الواقف بعرفة من حال إلى حال، ليس في ذلك منع من شيء من هذه الأمور، ولا مرجوحية فيها، نعم محل النبي صلى الله عليه وسلم يقف فيه، إلا أن الاستقرار أولى إذا لم يدع داع لمصلحة الموقف. (6/ 7 - 8).
* ينبغي له الانفراد لحديث جابر
(1)
، وأن يكون دعاؤه سرًّا، لأن الأصل في الدعاء الإسرار، وهو أفضل. (6/ 8).
* الجهال يعظمون - جبل عرفة
(2)
- ويصعدونه، وهذا أكثر ما يروج على الخرافيين أهل تعظيم الأحجار والأشجار ونحوها، وأهل التوحيد لا يروج عليهم. (6/ 8).
* الصعود إلى الجبل نتيجة اعتقاد خصوصية شرعية، بدعة إذ لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من سلف الأمة الصالح أنه صعد الجبل يوم عرفة تقربًا. (6/ 8).
(1)
لقوله رضي الله عنه: ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة
…
خرجه الإمام مسلم في الصحيح برقم (1218).
(2)
الذي يسميه العامة: جبل الرحمة.
* العمل لتسهيل الصعود إلى الجبل - بعمل عدة منافذ من الدرج - معناه إقرار هذه البدعة، وتسهيل أمرها، والمساعدة على أدائها، وهذا منكر أيضًا إذ الدال على الخير كفاعله، وعكسه ظاهر. (6/ 9).
* كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم أسفل الجبل عند الصخرات، وقال صلى الله عليه وسلم:«وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف»
(1)
. (6/ 8 - 9).
* من وقف يوم عرفة أمام مسجد نمرة إلى جهة مزدلفة، فلا شك أن هذا الموضع ليس من عرفة، فمن لم يتيسر له منهم أن دخل عرفة بقية يوم عرفة أو ليلة النحر، فيلزمه إعادة حجه مفترضًا، أو نائبًا في الحج، أما من تيسر له دخول عرفة بأن ذهب إلى السوق داخلها أو إلى الجبل أو غيره من أراضي عرفة، ثم رجع إلى مكانه الذي ذكرت
(2)
فهذا حجه صحيح، ويلزمه دم لانصرافه منها قبل الغروب. (6/ 9 - 10).
* كثير من الحجاج يقفون دون عرفة، فلا يصح حجهم، جاهلين، أو لا. (6/ 10).
* قد كان بعض الإخوان سهلوا في الدفع من عرفة قبل الغروب، ولكن رجعوا لما اتضحت لهم السنة، وقول جماهير أهل العلم. (6/ 10).
* قد نزع بحديث عروة من يرى جواز الدفع قبل الغروب، ولكن هذا غلط واضح، فإنه ليس نصًّا في المسألة، وإنما فيه إطلاق مقيد، أو عموم مخصوص بالأحاديث الأخر. (6/ 10).
(1)
رواه مسلم.
(2)
يعني: خارج عرفة قبل غروب الشمس.
* الذين خرجوا من عرفة قبل غروب الشمس يلزم الغني منهم ذبح شاة في مكة تفرق
(1)
على المساكين هناك، أما الفقير فيلزمه صيام عشرة أيام، ولا فرق بين الجاهل والعارف. (6/ 11).
* الذي يتعمد ألَّا يقف بعرفة إلا ليلًا هذا خالف السنة والمسلمين في العمل، وهذا لا يكاد يقصده إلا قليل الرغبة في الدين جدًّا. (6/ 143).
* ليس كل من ذهب إلى المشاعر يلزمه الحج. (6/ 11).
* من حج من الجند الذين يقومون بتنظيم السير وحفظ الأمن، وانصرف من عرفة قبل الغروب بمقتضى وظيفته فلا إثم عليه في ذلك، وإنما يلزمه دم فقط، ومن لم يجد دمًا صام عشرة أيام بعد فراغه من الحج، ومن عاد منهم إلى عرفة في تلك الليلة فلا دم عليه. (6/ 11 - 12).
* إذا قهرهم راعي
(2)
السيارة وانصرف بهم من عرفة قبل الغروب، فعليهم دم، ويغرمه لهم صاحب السيارة. (6/ 12).
(1)
يعني: توزع.
(2)
يعني: صاحب السيارة.
ليلة مزدلفة
* الدفع من مزدلفة بسكينة وركود واطمئنان في سيره وفي هيئته من حيث عدم الانزعاج واضطراب لا حاجة إليه، وعند الحاجة كشيء يخشى فواته فشيء آخر. (6/ 12).
* تقسيم مزدلفة بالنسبة للحجاج الذين يبيتون بها إلى الفجر، والذين ينصرفون بعد نصف الليل، بحيث يجعل لهؤلاء مكان خاص من مزدلفة، ولهؤلاء مكان آخر، ليس وجيهًا من الناحية الشرعية وغيرها. (6/ 12).
* هذه المناسك لمن سبق إليها، ولا يحل منع من سبق إلى محل من مزدلفة أن يمنع منه لانتظار أحد لم يأت بعد. (6/ 13).
* إذا وصل مزدلفة بعد ربع ساعة، فإن أخر الصلاة إلى وصول وقت العشاء فهذا أحسن، وإن جمع قبل ذلك فله وجه، فإنه مشروع أن يجمع إذا وصل، ولكن الأول هو الأقرب لمراعاة السنة. (6/ 13).
* بعض أهل العلم يأبى الدفع من مزدلفة بعد نصف الليل لغير الضعفة ويقول: إن الرخصة ما جاءت إلا في حق الضعف، فلا يكون مسوغًا لبقية الناس أن يدفعوا مثلهم، وهذا هو الأحوط، لأن الرخصة ما جاءت إلا في حقهم، والأصل الاستمرار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يُزال عن الأصل إلا بمجوز متحقق، وهذا الذي في الضعفة غير متحقق في غيرهم. (6/ 13).
* الضعف هو: كبر السن، أو المرض، والثقل، ونضو الخلقة، وجاء:«أن سودة كانت ثبطة فاستأذنت فأذن لها» فمن جوز مسألة في الدفع قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، فعليه إقامة الدليل، وإلا فلا. (6/ 13).
* صلاة الصبح بغلس:
أحاديث التغليس أكثر ما تفيد أنه بالغ في التبكير، فيفيد أن السنة أن يبكر بالنسبة إلى أول وقتها، وليس هو هذا التسرع الذي يفعله كثير من الناس. (6/ 14).
* التغليس بصلاة الصبح لأجل إطالة الدعاء في المشعر. (6/ 14).
* الجنود الذين يقومون بتنظيم السير في الحج وحفظ الأمن من حج منهم، فإذا اقتضت المصلحة دفعهم من مزدلفة قبل نصف الليل فلا إثم عليهم في ذلك. (6/ 12)
* صعود المشعر - ليلة مزدلفة - إن قام عليه دليل، وإلا فلا. (6/ 14).
أعمال يوم النحر
* حد الحصى الذي لا يجزي الرمي به، ما أعرف. لعل لو حدد ذلك بما يرمى به الرجل والصيد مقدار البيضة أو ما يقاربها -
…
(6/ 15)
* الجمرة التي كبر دمن الحاشي
(1)
، لعله يجزي، لأنه ليس في العادة أنه يرمى به أحد
…
(6/ 15).
* خصائص جمرة العقبة:
لها أربع خصائص اختصت بها على سائر الجمرات بالنسبة إلى ما ذكره الأصحاب فقط، أما بالنسبة إلى ما هو القول الصحيح فتصير خمسًا:
(الأول): أنها ترمى يوم النحر.
(الثاني): صباحًا.
(الثالث): من أسفلها.
(الرابع): لا يوقف عندها.
(الخامس): أنها تستقبل حال الرمي
(2)
، وتكون القبلة عن يسار الرامي، بخلاف بقية الجمرات فإنها تستقبل
(3)
.
(السادس): أنها إحدى الحل، فإنه إذا رماها حل.
(1)
رجيع صغير الإبل.
(2)
في جميع رميها، كما في حديث ابن مسعود:«جعل البيت عن يساره» .
(3)
كذا بالأصل، ولعل الصواب: بخلاف بقية الجمرات فإنها لا تستقبل.
وإن قيل: إن من خصائصها قطع التلبية، فيمكن أن يُعَدَّ. (6/ 15).
* من ناحية جواز رمي جمرة العقبة من فوقها؟ فهذا جائز شرعًا، بتصريح أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم، ولا نعلم أحدًا قال: إن رميها من فوقها غير صحيح، وإنما رميها من بطن الوادي هو السنة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم فهو أفضل وأكمل بلا شك: وأما رميها من فوقها فصحيح ومجزئ قولًا واحدًا. (5/ 152).
* الحصاة التي رمي بها تصير مستعملة عند الأصحاب لا يرمى بها ثانيًا، وهذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه، لكن بكل حال إذا علم أنها رمي بها، الأولى ألَّا يرمي بها، خروجًا من الخلاف، وأحوط، واهتمامًا بالعبادة. (6/ 16).
* الضعفة مندوب في حقهم ألَّا يرموا إلا بعد طلوع الشمس، وإن رموا قبل ذلك جاز. (6/ 16).
* الهدايا شرعت في الحج اقتداءً بخليل الله إبراهيم، حين أمره الله بذبح ولده إسماعيل، فامتثل، ثم فداه الله بذبح عظيم، فذبحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، ودرج على ذلك المسلمون جميعًا جيلًا بعد جيل، وقرنًا بعد قرن، وقد كان ذبح القرابين قديمًا في الأمم على اختلاف مذاهبها. (6/ 51).
* ليس مع من يجوز تقديم ذبح دم المتعة على يوم النحر حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل السنة المعلومة المتغيضة
(1)
دلت على أن زمن ذبح هدي التمتع والقران هو يوم النحر فما بعده من الأيام التابعة له. (6/ 17).
(1)
كذا بالأصل، ولعلها: المستفيضة.
* لم يجئ في أحاديث إحلال الصحابة رضي الله عنهم من عمرتهم بمكة زمن حجة الوداع أمره صلى الله عليه وسلم إياهم أن يذبحوا في هذا الحين هديًا، بل ولا فعله منهم أحد. (6/ 18).
* الذي لا ريب فيه أنه لم يثبت عن واحد من الصحابة أنه أهدى قبل يوم النحر، وعلى من زعم خلاف ذلك إقامة الدليل، وهيهات أن يقيم دليلًا صحيحًا على ذلك
(1)
. (6/ 28).
* روى البيهقي في «السنن» عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: من اعتمر في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة، أو ذي الحجة فقد استمتع ووجب عليه الهدي، والصيام إن لم يجد هديًا، فإن هذا من قول ابن عمر نفسه لكن له حكم الرفع، لأن الصحابي إذا قال شيئًا ليس للرأي فيه مسرح ولم يكن ذلك الصحابي يروي عن بني إسرائيل فإنه يكون لما قاله حكم الرفع. وابن عمر لا يروي أحاديث بني إسرائيل، وهذا مما لا مسرح للرأي فيه، وأصل هذا الخبر ومدلوله: أن من أحرم بالعمرة في أشهر الحج بأن قال: لبيك عمرة، سواءً قال: متمتعًا بها إلى الحج أو لم يقل، وسواءٌ نوى ذلك، أو لم ينوه، فإنه متمتع بالعمرة إلى الحج، كما لو نطق بذلك بلسانه ولا فرق، فإذا حج تلك السنة التي اعتمر في أشهر حجها فعليه دم المتعة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإنه
(1)
انظر: فتوى مطولة في: أنه لا يجوز ولا يجزي تقديم دم المتعة قبل يوم النحر، والجواب عما احتج به من جوزه. (6/ 19 - 48).
داخل في معنى قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
…
} الآية [البقرة: 196]. (6/ 6 - 37).
* ليعلم أن دم التمتع والقران ليس من الجبران في شيء، وإنما هو دم نسك مستقل أو شعيرة من شعائر الحج، معتبر من حيث الزمان والمكان، ومن حيث ترتيب أعمال الحج بعضها مع بعض، فالمكان هو منى الذي هو مكان الرمي والحلق والنحر، والزمان هو من طلوع الشمس يوم النحر إلى آخر أيام التشريق. (6/ 1 - 42).
* صيام ثلاثة أيام في الحج لمن لم يجد الهدي، لا تصام أيام التشريق لأنهن أعياد وأيام أكل وشرب، كما ثبتت بذلك السنة، نعم: يصمن للضرورة إذا لم يبق للصوم زمن إلا ذلك، كما في الحديث:«لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي» . (6/ 45).
* من ناحية الذبح خارج منى، فهذا لا شك في جوازه، وقد صرح العلماء بذلك، أما الأفضلية، فالأفضل: أن يكون ذبح الدماء المتعلقة بالحج بمنى، وأما ما يتعلق بالعمرة، فالأفضل ذبحه بمكة. (6/ 49).
* كلما كان الذبح بمكان أسهل وأنفع للفقراء للانتفاع باللحم وقلة الأضرار الناتجة عنه والإيذاء بفضلاته فهو أولى.
غير أن هناك نقطة لا يستهان بها، وهي: أن إقامة هذه المباني - المجازر - خارج منى أمر لا ينبغي، ولا يسوغ شرعًا، لما يفضي إليه من استبدال المذبح الحقيقي بموضع آخر يتخذ مشعرًا بدلًا منه، وهذا من الأحداث بالمناسك
والمشاعر بغير مسوغ شرعي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«نحرت هاهنا ومنى كلها منحر» فمنى هي المشعر الذي ينزله الحجاج، ويقيمون فيها أيام منى، ويبيتون فيها تلك الليالي، ويذبحون فيه هديهم ونسكهم، فلا ينبغي أن يجعل لهم موضع يذبحون فيه هديهم غير هذا المشعر ويلزمون بذلك إلزامًا.
فإن استدل مستدل يجوز الذبح بغير منى؟
فالجواب: أن مسألة الجواز شيء ومسألة إلزام الناس بالذبح خارج منى شيء آخر، وأخشى أن يكون هذا من التشريع الذي لم يأذن به الله، وأن يتطاول العهد فيظن الناس أنه لا يجوز الذبح إلا بهذا المكان. (6/ 49 - 50).
* أقسام الناس في الحج:
من الحجاج من يصبر ويحتسب، ويتحمل ما يجده من المتاعب، والآلام، والمضايقات، وقد يتلذذ به، ويطمئن له، لكون ذلك إنما ناله في سبيل الوصول إلى طاعة ربه الذي أمره بالحج إلى بيته، لينال رضا الله ومغفرته وجنته، فيهون عليه ما يعترض له في طريقه من أشواك، وما يلقاه من نصب ومشقة.
ومن الحجاج من يتأثر ويتضايق مما يصيبه من الآلام والمتاعب والمشقة، ويظهر عليه الجزع وقلة الصبر، وذلك ناشئ من ضعف الإيمان، فإنه لو قوي إيمانه بالله وبما أعده الله للحجاج الصابرين المحتسبين من الأجر والثواب لهان عليه كل ما يجده في هذا السبيل.
ومن الحجاج من ليس منهم على الحقيقة، ولا إرب له في الحج، إلا الانتقاد على تشريع الله، وعلى الطرق الحكيمة التي أمر الله أن تؤدى عليها هذه
العبادات، ويحاول تغييرها والاجتهاد فيها بحسب ما يملي عليه هواه وشيطانه، ويريد أن يجعل من الدين نفسه وسيلة إلى تنفيذ مقاصده وأهدافه وغاياته واجتهاداته الخاطئة، فيتكلم مثلاً في مشروعية الذبح ويقلل من أهميتها، ويريد أن يبذل الحجاج بدل هذه الذبائح التي شرع الله ذبحها عبادة له وتعظيمًا. وأن يطعم منها القانع والمعتر، يريد بمجرد رأيه وهواه أن يدفع الحجاج بدلها نقوداً تبذل للفقراء وفي المشاريع الإصلاحية على حد تعبيره، وهذا شأنه في كثير من التشريع الإسلامي، يحاول تشريعاً جديدًا، وعملاً لم يأذن به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد سمعنا شيئًا من ذلك عن كثير من الناس
…
(6/ 53).
* بيع لحوم الهدايا والضحايا يجوز في حق من ملك تلك اللحوم بصدقة عليه أو إهداء إليه منها، أما صاحب الهدي الذي ذبحه قربة إلى الله عز وجل فلا يجوز له بيع شيء من ذلك. (6/ 55).
* يجب أن يكون للحجاج الحرية المطلقة في لحوم هداياهم أكلًا وصدقة وادخارًا، ويذبح في أي موضع أراد. (6/ 56).
* لا يؤخذ من لحوم الهدايا والأضاحي للحفظ إلا ما فضل عن حاجة الناس. (6/ 56).
* ذبح الهدايا والأضاحي مسألة نسك ومشاعر، وليست مسألة تجارة، والأصل في الهدايا والضحايا أن يأكل منها المهدي ويتصدق ببعضها ويهدي البعض الآخر، ولو جعل على شكل شركة لأضرت بالمساكين الفقراء الذين هم من أهم المقاصد التي لأجلها شرع الهدي. (6/ 57).
* الاعتناء في أمر هذه الذبائح وعمل ما من شأنه حفظها من الضياع، ومنع الأضرار التي تنجم عنها من روائح وأوساخ، وما يحدث نتيجة لذلك من الأمراض، وحفظ ما يتبقى من اللحوم وتوزيعه على فقراء الحرم مما لا يتنافى مع الحكمة الشرعية: هذا حسن لا يترتب عليه ضرر. (6/ 7 - 58).
* إذا نحر المهدي فيفرقه على محاويج الحرم، سواء من أهل الحرم الساكنين فيه، أو غيرهم من الحجاج، أو غيرهم، وتفريقه هو الأولى، فيكون قد أوصله إلى مستحقيه مع كمال اليقين، فإن لم يفرقه فبعد ما يذبحه يُمَكِّنُ ساكن الحرم منه. (6/ 58).
* وقت ذبح الهدي والأضاحي إلى الغروب من اليوم الثالث عشر فتكون أيام النحر أربعة: يوم العيد، وأيام التشريق كلها، وهذا الذي عليه العمل والفتوى. (6/ 3 - 154).
* الحلق عبادة، وهو أفضل من التقصير، ووجه كون حلقه عبادة أن شعره محبوب إليه متخذه للجمال، فإذا جاد بشعره فهذه قربة. (6/ 58).
* الصواب في قص الشعر: أنه لا بد من الإتيان على جميعه، وإن لم يكن على كل شعرة شعرة. (6/ 58).
* فعل ابن عمر رضي الله عنه أنه إذا حج أو اعتمر قبض لحيته فما فضل أخذه لا يحتج به، لأنه روى النهي عن قصها. (6/ 58).
* الحلق أو التقصير نسك لا يتعين أن يفعل في مكة وما حولها، ولا أن يوالي بينه وبين بقية أعمال الحج، ولا أن يوقعه في أيام منى، فعلى هذا يحلق أو
يقصر متى ذكر إن كان ناسيًا أو متى علم إن كان جاهلًا، في أي محل كان، ولا شيء عليه إن لم يكن فعل شيئًا من محظورات الإحرام. (6/ 59).
* إذا كان الحاج بمزدلفة ليلة جمع فأفاض من أراد الإفاضة بعد نصف الليل فطاف قبل الرمي، فلا يظهر لنا في ذلك بأس:«فما سُئل صلى الله عليه وسلم يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج» . (6/ 60).
* الحاج المريض يطاف به محمولًا، ويسعى به في سيارة ونحوها، أو محمولًا إذا كان لا يستطيع الطواف والسعي ماشيًا. (6/ 60).
* امرأة حجت وحاضت قبل طواف الإفاضة، ولما أراد رفقتها السفر إلى بلادهم، وكلت وليها يطوف عنها طواف الإفاضة ويسعى عنها ففعل، ظاهر كلام الفقهاء جواز مثل هذا إذا كان الحج نفلًا، والذي وكلته قد حج تلك السنة وفرغ من أعمال الحج، ولا سيما عند الحاجة. (6/ 60 - 61).
* القول: بأن القارن والمفرد إن لم يكونا دخلا مكة قبل، فيطوفان للقدوم ثم للزيارة، هذا قول نعرف ضعفه؛ لأنه لم يقم على برهان شرعي، فهو قول مرجوح بمره لا يلتفت إليه وإن كان اختاره الأكثر، والصحيح ما اختاره الشيخ والموفق وابن رجب: بأنه يكفي طواف الإفاضة عن طواف القدوم. والذي في الأحاديث إنما هو طواف الإفاضة. (6/ 61).
* إذا كانت المرأة من سكان جدة، وحاضت قبل طواف الإفاضة فإنها لا تخرج إلى جدة حتى تطهر وتطوف طواف الإفاضة [لحديث:«أحابستنا هي» (6/ 64)] إلا إذا كان عليها مشقة في بقائها بمكة من جهة المسكن أو غيره، فإنها
تخرج إلى جدة، ويسقط عنها الوداع، ولكن تكون في حكم الإحرام فلا يقربها زوجها إذا طهرت، ومن حين تطهر ترجع إلى مكة لتأتي بطواف الإفاضة، وينبغي أن تحرم من جدة في دخولها بعمرة، فإذا طافت وسعت لعمرتها وقصرت من شعرها حلت من العمرة، وحينئذ تطوف طواف الإفاضة
(1)
. (6/ 62).
* هذه المرأة التي ذهبت إلى جدة قبل طواف الإفاضة إن جامعها زوجها حينئذ فلا يحل لبقاء الإفاضة عليها، وتخير بين ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين، وعليها أن ترجع إلى مكة بعمرة
…
كما في المسألة السابقة. (6/ 64).
* الرجل الذي حج ورجع إلى أهله قبل أن يطوف طواف الإفاضة، يلزمه أن يرجع لمكة، فإذا وصل إلى الميقات أحرم بعمرة، فإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت لعمرته التي أحرم بها من الميقات، ثم سعى بين الصفا والمروة، ثم حلق رأسه لعمرته المذكورة وبعد ما يفرغ منها يطوف طواف حجه السابق، ثم يسعى بين الصفا والمروة، ولا شيء عليه غير ذلك، ثم يعرف أنه في هذه المدة لا يقرب امرأته. (9/ 2 - 63).
* الصواب الذي عليه الجمهور أن القارن يجزيه سعي واحد. (6/ 65).
* أما المتمتع فالاحتياط وهو الذي عليه الفتوى والعمل أنه يسعى سعيًا ثانيًا. (6/ 65).
* ثم بعد ذلك مندوب الطواف كل وقت، وكان بعض الناس يحاول أنه لا يستحب، ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عنه ولا طواف، ولكن هذا قول ما يلتفت
(1)
قلت: هذا أيضًا بناءً على أنها مسافة قصر إذ ذاك. (القاسم).
إليه، فكون الطواف عبادة مستقلة يثاب عليها شيء معلوم معروف عن الأئمة الأربعة وعند الأصحاب، فهذا قول لا وجه له وباطل، فيستحب الإكثار من الطواف ولا سيما في حق الآفاقي، فإن تطوعه بالطواف أفضل من تطوعه بالصلاة. (6/ 66).
* المشروع أن يكون الحاج في منى نهاره، لا سيما قرب زوال الشمس إلى الغروب ونحو هذا، فإنه مندوب، لأجل رمي الجمرات، ولأجل إقامة ذكر الله وإن كان غير واجب. (6/ 66).
* من رمى الجمار أيام التشريق بعد الزوال، ولكنه بدأ بالكبرى، ثم الوسطى، ثم الصغرى، فرميه منكس، ولا يصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى رميًا مرتبًا، وقال:«خذوا عني مناسككم» والأمر يقتضي الوجوب. (6/ 120).
* من نكس الرمي في يوم أو يومين، وترك الرمي في اليوم الثالث، فيجب عليه عند الجميع فدية واحدة، تذبح في الحرم، وتوزع على مساكينه، فإن لم يستطع فيصوم عشرة أيام. (6/ 120).
* من ترك المبيت بمنى، فيجب عليه فدية ذبيحة، وليس حكم هذا الفدي حكم ذبائح النسك في الذبح بمنى، بل يذبح هذا الفدي بمكة، ويفرق على الفقراء، سواء من أهل مكة، أو من فقراء الحجاج، ولا يأكل الحاج الذي لحقه هذا الفدي منه شيئًا، فإن لم يجد الفدي فيصوم عشرة أيام. (6/ 20 - 121).
* المرجح: هو أن غير السقاة والرعاة مثلهم، في جواز ترك المبيت بمنى، مثل من كان له في مكة مال يخشى عليه، أو حرم يخشى عليهم، أو غير ذلك،
فإن له ترك المبيت
(1)
. (6/ 121).
* من طاف طواف الإفاضة قبل أن يخلص الرجم، ونوى في طوافه للإفاضة والوداع فإنه لا يجزئه عن الوداع، لأنه لم يكمل أعمال الحج بعد. (6/ 122).
* من طاف للإفاضة بعد فراغه من الرمي ونواه للإفاضة، واكتفى به عن الوداع، ولم يقم بعده بل سافر في الحال كفاه عن الوداع. (6/ 122).
* جميع من يسافر من الحجاج إلى جدة أو غيرها فعليه الوداع، فإنه أحد واجبات الحج. (6/ 122).
* المتكرر دخوله لمكة وخروجه إلى جدة كثيرًا كالذي يدخل كل يوم، أو في اليوم مرتين، أو كل يومين مرة، أو ما يقرب من ذلك، فلم أقف على تصريح لعلمائنا بسقوط الوداع عنهم، ولعله أن يسهل في هذا من أجل مشقة التكرار ومن أجل أن السيارات قربت المسافة
(2)
. (6/ 122).
* شراؤه بعد ما يودع ما هو من أهبة سفره ليس مثل التجارة، والحوائج الأخر التي ليست تجارة مثل ما يتحف به أقاربه وهي المسماة «الصوغة»
(3)
فإن هذا لا يخل ولا يعد تجارة، هذا لا يسمى اتجارًا غير أن المستحب أن يبدأ بذلك. (6/ 123).
(1)
وقد تقدم أن الجند الذين يرافقون الحجاج لتسهيل أمورهم وحفظ أمنهم، إذا احتاجوا للمبيت خارج منى، فإنه لا إثم عليهم ولا فدية. ص 6/ 12.
(2)
وهذا بناء على أنها مسافة قصر إذ ذاك. (قاسم)
(3)
الهدية.
* إذا لم يطف للوداع وكان حجه فريضة فالظاهر: أنه يستنيب
(1)
في طواف الوداع، بل إذا عجز طيف به راكبًا أو محمولًا، فإن لم يفعل فعليه دم. (6/ 123).
* إذا كان الجندي لا طاقة له في مخالفة الأوامر الصادرة عليه بمغادرة مكة قبل الوداع، فنرجو أن يكون معذورًا بذلك، فيسقط عنه وجوب طواف الوداع. (6/ 123).
* المنصوص: أن من خرج من مكة مسافة قصر فأكثر سواء سافر إلى وطنه أو إلى غير وطنه، وترك طواف الوداع فعليه دم، ولو رجع إلى مكة لأجل الوداع لم يسقط الدم عنه، وسواءً تركه خطئًا أو نسيانًا أو تعمدًا، ولا فرق، لأنه من واجبات الحج فاستوى عمده وخطؤه والمعذور
(2)
وغيره. (6/ 124).
* لا يفتى بسقوط الوداع عن الحائض إلا إذا كان ثم مشقة. (6/ 124).
* لو أخر طواف الزيارة إلى وقت خروجه من مكة؟
فيظهر: أنه لو نواهما جميعًا لم يكف، بل لا بد من تمحيضها
(3)
للإفاضة، ويصدق عليه أنه آخر عهده بكل حال. (6/ 124).
* الأصحاب: ذكروا استحباب الوقوف بالملتزم عند وداع البيت، ولعل مرادهم أن أولى ما يكون عند المفارقة يفعل هذا، وإلا لو فعله قبل في حين من الأحيان كان له محل. (6/ 125).
(1)
كذا في الأصل ولعل صوابه: إذا كان حجه فريضة فالظاهر أنه لا يستنيب في طواف الوداع.
(2)
لعل الشيخ يقصد: المعذور الذي ليس عليه مشقة في الانتظار في مكة إلى أن يزول عذره، كما ذكر في مسألة الحائض التي ليس عليها مشقة في الانتظار.
(3)
تخصيصها، وتخليصها.
* جاء في فضل هذا الالتزام واستحباب الدعاء فيه أحاديث، حتى إنه مروي بذلك مسلسل من المسلسلات إلى عطاء، فيقول الراوي عن ابن عباس: إني دعوت ربي دعوة فأعطانيها. إلى الآن. (6/ 125).
* وأنا
(1)
دعوت الله عند الملتزم دعوة هامة شاقة
(2)
فاستجيب لي هذه السنة فأعطيتها، وليست أهميتها طلب دنيا. (6/ 125).
* من آداب الدعاء: حمد الله والثناء عليه، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم سؤال العبد ربه، وإن أخرها
(3)
وختمها فكذلك.
* الحطيم من البيت، ومن يكون فيه فكأنه داخل البيت، لكن لا يدنو من عبادة الطواف
(4)
، والعوام والجهال يزاحمون عليه، وعند العوام أنه أكبر شيء. (6/ 125).
(1)
سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم. (قاسم).
(2)
أي على الداعي، لكن فيها مصلحة دينية كبرى. (قاسم)
(3)
لعل المقصود: وإن أخر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد السؤال والدعاء، وختم بها دعاءه فكذلك.
(4)
يعني: أن عبادة الطواف بالبيت أفضل من دخول الحطيم.
زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
* قول الأصحاب: وتستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
…
إلخ يحمل على أن المراد به المسجد، إحسانًا للظن بالعلماء، وإلا فالذي تشد الرحال إليه هو المسجد. (6/ 126).
* وشاد الرحال: إما أن يريد المسجد فقط، أو القبر فقط، أو هما:
- فإن قصد المسجد فهو مشروع، لقوله:«صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» .
- وإن أراد القبر فليست مشروعة، فالقبور من حيث هي لا تشد لها الرحال، وأما زيارتها بدون شد رحل فيجوز، ومرغب فيه.
- وأما إذا قصدهما فيجوز، ويدخل القبر تبعًا، وليس هذا استهانة، بل إن الله سبحانه جعل الصلاة عليه من البعيد تبلغ من أمته، بل أبلغ من ذلك أن أعمال أمته تعرض عليه فيسر بالحسن ويستاء بالسيئ، ومن جملة ذلك الصلاة عليه بعد وفاته.
فلا يكون شيء من الغضاضة أنه لا يقصد القبر، ولا يفيد عدم اهتمام أو إعراضًا عمن في القبر، إنما تروج هذه على الخرافيين الغلاة الذين لم يعرفوا ما بَيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
(1)
محل هذا الباب والذي يليه بعد نهاية أبواب الحج، ولكن التزامي بترتيب فتاوى ورسائل الشيخ رحمه الله المطبوعة، هو ما دعاني لوضعه هاهنا.
أما أهل التوحيد المحض فإن اعتقاداتهم وأعمالهم وأقوالهم يميزون بين ما هو حق وما هو زور وكذب وليس من سنته، أفلا يكون هذا الصنيع كله تبع لما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم. (6/ 126).
* الواصل إلى المسجد إذا صلى، وأراد السلام عليه صلى الله عليه وسلم، وقف عند الحجرة وسلم عليه كما يسلم عليه صلى الله عليه وسلم في الحياة يعني يكون أمام وجهه مستقبلًا للنبي صلى الله عليه وسلم حال السلام عليه فقط، يصير وجهه شمال المسجد النبوي. وكذلك «قبري صاحبيه» . (6/ 127).
* حال أهل المدينة مع القبر؟
حالهم كما فعل ابن عمر رضي الله عنه، لا يرى أنه كلما دخل المسجد بل لا يفعل ذلك إلا عند مبارحة المدينة أو القدوم من السفر، ومن المعلوم أن الصلاة عليه في الصلاة في المسجد يكفي، كما يكفي من البعيد، ثم فعل ذلك عند دخول المدينة أو مغادرتها شيء آخر. (6/ 127).
* حديث: «من حج ولم يزرني فقد جفاني» ضعيف، ولا يصح الاحتجاج به، ولو يصح فإنه يحمل على حالة ليس فيها شد رحل، لصراحة وصحة أحاديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» . (6/ 127).
* مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يأبى لأمته (شد الرحال لزيارة قبره) ما جاء عنه واشتهر: «ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء» ، «إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام» ، «لا تجعلوا قبري عيدًا» وأحاديث كثيرة ظاهرة أن الذي يحبه لا يأتي إلى قبره لأجل هذا الغرض- السلام-، بل هذا حاصل للأمة ولم يحوجوا إلى شد الرحال
ليقفوا عند قبره، فليست عبثًا، بل مراد معناها وأنه يكتفي بذلك. (6/ 128).
* الزيارة بعدما يفرغ من الحج.
ولا يبدأ بها على الحج كما يفعله كثير، وهذا في الحقيقة من صنع الخرافيين ومن يلحق بهم ويشابههم، حتى إن بعض من يحج يرجع من المدينة ويقول: يكفيني عن حج البيت.
وهذا غلو في الحجرة لا يأتون للمسجد. (6/ 128).
* استشكال وجوابه:
إن قيل: إذا كانت الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في المسجد النبوي بالأضعاف المذكورة، فكيف يقصد إلى المدينة ويزور المسجد النبوي؟
فيقال: هذا كسائر الأعمال الصالحة التي في بعضها من الفضيلة الشيء الكثير، ولا يقال: يكتفى بهذا، بل هذا نوع وهذا نوع، وكمال الاتباع أن يتبع صلى الله عليه وسلم ويُرغب فيما رغب فيه على وجوهه المتنوعة. (6/ 8 - 129).
* حديث: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة»
ليس فيه دليل على أنه يدفن فيه.
ومن معناه: أن هذه هي الروضة النبوية، وأن بها بدأ العلم، وبيان النبي صلى الله عليه وسلم الشرع: بيان الكتاب والسنة، وأخذ الصحابة عنه ذلك
…
(6/ 129).
* الصحيح منع النساء من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم. (3/ 239).
* زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب، ما لها أصل. (6/ 131).
* الطواف بالحجرة شرك، لا يطاف إلا ببيت الله، والطواف بحجرته صلى الله عليه وسلم طواف به، فهو شرك أكبر. (6/ 135).
* يحرم التمسح بالحجرة، وهو من روائح الشرك ووسائله. (6/ 136).
* قد ابتلي كثير من الحجاج والأفاقين برفع أصواتهم عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ابتلوا بالبدع. بل بالشرك الذي يصرخ به هناك، وهذا من غربة الدين، ومن وحشة الزمان وأهله
…
(6/ 136).
* بعض الغلاة يضع يديه على صدره ويطأطئ رأسه، ويقع منهم ألفاظ الغلو، لكن الله حمى قبر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوصل إليه بشيء من ذلك، إنما هو من وراء الجدران. (6/ 136).
القدس والصخرة
* الصخرة لم يصح في فضلها شيء من الأحاديث. (6/ 138).
* دعوى: أن في الصخرة أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح. (6/ 138).
* أرفع شيء في الصخرة أنها كانت قبلة اليهود، وهي في المكان كيوم السبت في الأزمان، فأبدل الله بها الأمة المحمدية الكعبة البيت الحرام. (6/ 138).
* ما ذكر أن الله يقول للصخرة: أنت عرشي الأدنى. كذب وافتراء على الله. (6/ 139).
* الصحابة والتابعون لهم بإحسان رضي الله عنهم لم يكونوا يعظمون الصخرة ولا يصلون عندها. (6/ 141).
باب الفوات والإحصار
* الاشتراط لا ينفع إلا إذا خشي وجود حادث، ككون هناك عدو أو مرض يخشى أن يمنعه، أما إذا لم يلم به شيء فإنه لا ينفعه، فإن ضباعة إنما أرشدها إلى أن تشترط لما كانت وجعة. (6/ 144).
* إذا أخطأ الناس فوقفوا في الثامن وعلموا فإن زمن الوقوف بقي بحاله
(1)
. (6/ 144).
* بخلاف إذا لم يعلموا بالخطأ إلا في العاشر وقد وقفوا بعرفة، أو أقبلوا عليها، فإنه لا يمكنهم إلا هذا. (6/ 144).
* الذي معه هدي إذا صد عن البيت يذبحه ثم يتحلل، والذي ليس معه هدي لا يلزمه، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين هناك
(2)
الوجوب على من لا هدي معه. (6/ 144).
(1)
أي: أنهم يقفون في اليوم التاسع، ولا يجزئهم الوقوف في اليوم الثامن.
(2)
في عمرة الحديبية، التي صد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت.
باب الهدي والأضحية
* أصل التضحية في حق الحي يضحي عن نفسه. (6/ 145)
* قوله صلى الله عليه وسلم: «عن محمد وأمة محمد» هذا هو المعتمد في التضحية عن الأموات، وأيضًا هي قربة من القرب، ومتقرر عند الجماهير أن إهداء القرب مشروع. (6/ 145).
* الذي يضحي عن غيره ولا يضحي عن نفسه عمله هذا مرجوح. (6/ 145).
* الناس كادوا يخرجون عن أصل الشرعية، فإن هذه التضحية بهذه الكثرة ما كانت في السلف. (6/ 145).
* الكبش الأقرن أفضل، وإن كان القرن غير مأكول، لكنه كمال في الخلقة، وربما يكون في الغالب قوة في بدنه وجزالة. (6/ 145).
* «موجوئين» خصيين. (6/ 146).
* «فحيلين» فحيل قوي في الخلقة، فإن فحيل كل شيء جيده، ليس المراد غير خصيين لئلا يتنافي مع ما تقدم. (6/ 146).
* يصح التضحية بالشاة الحامل، كما يصح بالحائل، إذا كانت سليمة من العيوب المنصوصة في الأضاحي. (6/ 146).
* إجزاء الشاة الرجل وأهل بيته ولو الأموات، حتى لو كانوا
(1)
ليسوا في بيته بل متفرقين إذا صار يشملهم هذا الاسم، يرشحه
(2)
ما تقدم في الحديث: «محمد وأمة محمد» الناس مع أبيهم كأهل البيت مع راعيه، وهو صلى الله عليه وسلم ضحى عن جميع المسلمين أحيائهم وأمواتهم، وبعضهم قد توفي. (6/ 146).
* الشاة لا تجزئ عمن كانوا في بيت واحد مأكلهم ليس واحدًا. (6/ 146).
*إذا كان مأكلهم واحدًا، هؤلاء بمنزلة الرفقة في السفر، فيكونون ملحقين بأهل البيت الواحد. (6/ 147).
* من كان يسكن هو وزوجته، ورفيقه وزوجته في دار واحدة، ومصروفهم وأكلهم وشربهم واحد، فإنه يجوز أن يشتركوا في شاة واحدة، لأنهما في حكم أهل البيت الواحد. (6/ 147).
* الأوقاف التي أوقف في أضاحي، وقد نقصت غلتها عن قيمة أضحية كاملة لا يظهر لنا وجه صحيح يسوغ جمع غلال هذه الأوقاف بعضها إلى بعض ليشتري بها أضحية تذبح كل سنة على نية الموقفين، كل على حسب ريع وقفه، والأولى بقاؤها على ما كانت لأن الموصي أوصى بدم كامل، والتشقيص يفوت عليه مقصوده. (6/ 148).
* البدنة والبقرة لا تجزئ عن أكثر من سبعة، فالسبع لا يجزئ عن الرجل وأهل بيته لأنه ليس دمًا كاملًا، وإنما هو جزء دم. (6/ 149).
(1)
الأموات.
(2)
كذا في الأصل، ولعل صوابه: يشرحه.
* سبع البدنة لا يجزئ إلا عن شخص واحد، والدليل إنما يطلب ممن أجازه، لأنه المدعي إجزاء السبع عن اثنين فصاعدًا، ولا فرق في ذلك بين الهدايا والضحايا، ولا يجد مدعي ذلك إلى تحصيل الدليل سبيلًا، والنسك عبادة محضة، والعبادات توقيفية. (6/ 150).
* البدنة والبقرة عن سبعة أشخاص، لا عن سبع شياه. (6/ 150).
* لا شك أن الأضحية بدم كامل أفضل من التشريك في سبع بدنة أو بقرة، لكن إذا كانت الوصية لا تكفي لقيمة دم كامل وأردت أن تشترك في سبع بدنة أو بقرة، فذلك جائز ومجزي، إذا كانت الأضحية لشخص واحد. (6/ 151).
* قوله: «لا مخ فيها» المخ هو ما يكون في العظم المجوف، كعظم الساق أو العضد والفخذ. و «المخ» هو الدهن، فإنها إذا قويت كان في عظامها دهن، وإذا هزلت لم تكمل استحالته دهنًا بعدُ، أو كان دمًا أحمر. وإذا لم يكن دمًا فيحتاط لأنها إذا كانت كذلك فهي رديئة اللحم. (6/ 151).
* إذا كان لا شحم فيها إلا قليلًا وفيها مخ فتجزئ، إلا أن ما كان أسمن فهو أفضل. (6/ 151).
* «العرجاء» التي لا تطيق مشيًا مع صحيحة، أما العرج اليسير الذي لا يردها عن ذلك، بل فيها غمز فتجزي مع نقص. (6/ 152).
* «الجداء» ما عاب ونشف ضرعها، أما لو ولدت ولا در فيها فلا تجزي، لما فيها من النقص الظاهر.
أما التي عاب شق دون شق فتجزي، لكن مع الكراهة والنقص. (6/ 152).
* «المريضة» كالتي بها وِعَالْ، أو أبو رمح، أو مهيومة، أو مجدورة، أو جرباء، أو نحو ذلك. (6/ 152).
* المرض لا فرق بين أن يكون متلفًا أو لا. (6/ 152).
* المريضة المرض الذي يفسد اللحم لا تجزي، إما إذا كان مرض مثله ما يفسد اللحم فهذه تجزي، لكن مع النقص. (6/ 152).
* «العضباء» التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها، أما لو ذهبت واحدة فإنها لا تجزي، أو أكثر قرنها فإنها لا تجزي، فالعضب هنا يكون في موضعين في الأذن والقرن. (6/ 152).
* الخصي غير المجبوب هذا يجزي، وقد يكون فضيلة في الأضحية. (6/ 153).
* المقابلة، والمدابرة، والشرقاء، والخرقاء، تكون في الإبل والبقر، ولكن هي في الغنم أكثر. (6/ 153).
* قولهم في ذبح الهدايا: «بعد الإمام» هذا إن كان الإمام تهيأ، بأن كان له محل مهيء حول المصلى، أما إذا كان لا يعلم متى يذبح فالحكم حينئذ غير متصور. (6/ 154).
* يجوز أن يتصدق على جازرها منها، إن كان أهلًا للصدقة. (6/ 154).
* ولا يجوز أن ينقص أجرة الجزار من أجل أنه تصدق عليه. (6/ 154).
* إذا اشتراها صحيحة ثم تعبت من غير تعدٍّ منه ولا تفريط، فإنه يذبحها في أيام الذبح وهي معيبة. (6/ 154).
* إذا اشترى وصية عنده وضاعت، فإن كان متقدمًا بالشراء كمن يشتريها من رمضان أو من شوال - وهي وصية - فإنه يضمن. (6/ 4 - 155).
* لعل تقدمه بالشراء باليومين والثلاثة والأربعة قبل يوم الذبح ما فيه مشكل مخافة أنه لا يوجد شيء بعد، أو خاف من الغلا، فيتقدم بقدر ما جرت العادة به غالبًا. (6/ 155).
* الوصي يلزمه لموصيه مثل ما يفعله لنفسه، فإن تعدى أو فرط ضمن، وإلا فلا يضمن. (6/ 155).
* الأضحية التي هي غلة الموقوف: تكون أثلاثًا فيندب أن يتصدق بثلث، ويهدي ثلثًا، وأولياء هذا الواقف يأكلون ثلثًا.
* بعض أهل الكبر لا يأكل من الضحايا، بل يذبح له غيره، لأنه يمتاز عن غيره، فهذا من العنة والكبر. قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا
…
} [الحج: 28] هذا أمر، وإن كان مفاده الندب، ولو قال أحد بالوجوب لكان له وجه. (6/ 155).
* الذي يريد أن يضحي لنفسه لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يذبح تلك الأضحية، إلا أن يكون حاجًّا فيقصر يوم النحر مع الحجاج. (6/ 156).
* المضحي إذا عرض له في العشر عمرة فإنه يحلق للعمرة ولو أنه سيضحي، لأن «مسألة النسك» أهم من «مسألة الأضحية» . (6/ 156).
* الأخذ من الشعر في العشر لمن أراد أن يضحي حرام على قول، والأظهر أنها على الكراهة. (6/ 156).
العقيقة
* العقيقة عن الذكر والأنثى مستحبة. (6/ 156).
* وهذا الاستحباب في حق الأب فقط، لأن الخطاب في الحديث موجه إليه. (6/ 157).
* شخص رزق مولودًا فاشترى عقيقة، وعند مجيئه بها إلى البيت وجد فيه ضيوفًا فذبحها على أنها تميمة ولده، وقدمها للضيوف وهم يعتقدون أنها ضيافتهم، وحياهم عليها دون أن يذكر أنها تميمة؟
ما دام قد اشتراها تميمة، وذبحها على أنها تميمة، ولم يؤجل ذبحها انتظار لضيوف يأتون إليه، فلا يظهر لنا مانع من إجزائها تميمة، وإذا لم يكن قد أخرج منها شيئًا صدقة فينبغي أن يضمن قدر أوقية لحم يتصدق بها. (6/ 157).
* السنة أن يذبح عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، وإن اقتصر على واحدة فلا بأس. (6/ 158).
* الزيادة على شاتين في العقيقة ليس مشروعًا، ليس خبرًا من الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما هذا تبع للأشر والبطر والإسراف. (6/ 158).
* لكن لو زاد عن شاتين لأنه يريد أن يدعو من يعزون عليه وفيهم كثرة فمن هذه الناحية لا بأس بالزيادة. (6/ 158).
* إذا ذبح الأضحية عن أُضحية نواها وعن العقيقة كفى. (6/ 159).
* «مسألة» لو رزق أولادًا واتفق اسمهم في يوم مثل التوأم، يجزي اثنين عنهما، وكذلك لو كانوا عشرة، أو بينهما تفاوت في الأيام، فيقصد عقيقة عن الجميع، نظير من دخل المسجد، ومن صلى الفريضة بعد الطواف تتداخل المشروعات، ونظير ذلك غسل الجنابة والجمعة. (6/ 159).
* بعض الناس يرى أن المولود يلطخ رأسه بدم العقيقة، وسبب هذا أنه وهم في بعض ألفاظ الحديث. (6/ 161).
* على الأب أن يسمي ابنه باسم حسن. (6/ 162).
* هناك أسماء يتسمى بها بعض الناس مما لم تكن معروفة، ولا مألوفة، وفيها إيهام وإساءة أدب مثل: شر الله، وأمر الله، سيد الرحمان، ونسيم إلاهي، وحياة محمد، ونحو ذلك.
لقد تأملنا ما ذكر، ووجدنا أغلب الأسماء التي ذكرتها توهم معاني غير صحيحة، ولا يجوز إطلاقها على الله تبارك وتعالى، ولهذا فلا ينبغي التسمي بها. (6/ 162).
* لا يظهر لنا مانع شرعًا من تغيير الجعفري اسمه إلى ما رغب أن يكون عليه، بعد اعتناقه مذهب أهل السنة. (6/ 2 - 163).
* لا مانع من بقاء ابنك على اسمه (شوعي) لأنه لا يترتب عليه محذور شرعي. (6/ 164).
* من أخر العقيقة سنة لكونه معسرًا ثم وجدها، يتبعها تحري الأيام السبعة بعد ذلك، ولو شاب المولود، وهي قربة في حق الأب. (6/ 165).
* إذا ولد ثم مات قبل أن يعق عنه، يعق عنه بعد موته. (6/ 165).
* قوله صلى الله عليه وسلم: «لا فرع ولا عتيرة» النفي يفيد البطلان ك «لا عدوى ولا طيرة» أفلا يكون «لا فرع ولا عتيرة» إبطال لذلك؟!
…
هذا مع دلالة: «من تشبه بقوم فهو منهم» مع دلالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع من مشابهة الجاهلية.
ثم هذا من باب العبادات، والعبادات توقيفية، فلو لم ينفها صلى الله عليه وسلم كانت منفية، فإن أمور الجاهلية كلها منتفية لا يحتاج إلى أن ينصص على كل واحد منها. (6/ 5 - 166).
تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك
(1)
الحمد لله، أحمده، وأستعينه، وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور نفسي، ومن سيئات عملي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
أما بعد: فإنه لما كان في منتصف ذي الحجة شهر الله الحرام أحد شهور عام خمس وسبعين وثلاثمائة وألف وأنا في بلد الله الحرام مكة المكرمة، وقع إلى يدي كتاب من الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود، وبرفقه رسالة ألفها، وسماها «يسر الإسلام» وبين أشياء من مناسك حج بيت الله الحرام، ابتدأها بمقدمة تشتمل «أولًا» على مضمون شطر عنوانها الأول، وهو: يسر هذا الإسلام وتشتمل «ثانيًا» على مضمون شطر عنوانها الآخر وهو: بيان أشياء من مناسك حج بيت الله الحرام.
وقد ذكر في كتابه إليَّ المرفق به هذه الرسالة تأليفه إياها، وأنه أرسلها إليَّ لأنظر، هذا بعد أن طبع منها الألوف الكثيرة، وفرقها في نجد والحجاز وكثير من البلاد المجاورة. وهذا من العجيب، كيف ينشرها هذا النشر الشهير، ويوزعها هذا التوزيع العميم، ويكتب إليَّ لأخذ رأيي فيها. وكل من اطلع على رسالته من العلماء والطلاب لا يشك ولا يرتاب، أنه وقع بتأليفها في هوة مردية، واكتسب
(1)
وموضوعه: بيان أن رمي الجمرات أيام التشريق الثلاثة لا يصح قبل الزوال بالكتاب والسنة والإجماع، وأنه لا يجوز الرمي ليلًا ولا يسقط عمن لا يستطيعه. وقد طبع هذا الرد مطبعة الحكومة بمكة عام 1376 هـ.
بكتابتها سمعة مزرية، وفاه بجهالة جهلا، وضلالة في هذا الباب عميا وكنت قد عزمت بعد التوكل على الله أن أكتب ما يبين غلط فمه
(1)
، وزلقات قلمه، ثم بعد التروي ما شاء الله عدلت إلى أن أذكر زلاته لولي أمر المسلمين، رجاء أن يقوم بما أعطيه من السلطان مقام الرادع لهذا الإنسان، عما زينته له نفسه من الإقدام على هذا الشأن، الذي لم يسبقه إليه أحد بما يحمله إلى أن يتوب إلى الله سبحانه ويرجع عما كتبه في هذا الشأن.
ثم لم ألبث إلا قليلًا حتى أرسل إلي ولي أمر المسلمين الملك سعود. أيده الله بالحق. كتاب هذا الرجل إليه مرفقًا به هذه الرسالة، ويلتمس الملك سعود حفظه الله بيان ما لدي في ذلك، فبينت له أن رسالته قد اشتملت من الأغلاط على ما لم يسبقه إليه أحد، وتضمنت من مخالفة صريح السنة ومعاكسة ما درج عليه السلف الصالح وسائر علماء الأئمة ما لا يوافق عليه، وأنها أول أساس يتخذ لنقض أحكام الحج، ويسلط أرباب الزيغ والإلحاد أن يسلكوا من طرق نبذ الشريعة ما شاءوا أن يسلكوه، وأن يصلوا من هد بنائها القوي المحكم ما قصدوه ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وإعلاء كلمة دينه وظهوره.
وبعد أن كتبت للملك وفقه الله بالحق بمضمون ذلك مضى عليَّ زمن غير طويل، ثم لم أشعر إلا وقد قدم هذا الرجل إلى بلد الرياض وتحققت بعد أنه بإيعاز من الملك أيده الله بالحق إليه للاتصال بنا وبعلماء الرياض للبحث معه فيما يتعلق بهذا الصدد، وجلس معنا ومع جماعة العلماء مجلسين أو أكثر، بينا له فيها شفاهًا غلطاته، ووضحنا له أنه أبعد النجعة في اختياراته، وبعد تكرار
(1)
كذا في الأصل، ولعل الصواب: فهمه.
البيان ومزيد الإيضاح ظهر أنه غلط في رسالته عدة غلطات: ما بين غلطة كبرى فاحشة، وما بين أخرى دونها، وما هو دون ذلك، فأظهر الندم على ما كتب، وصرح بالتوبة عما إليه حول هذا الصدد قد ذهب، فقبلنا توبته، وعرفنا له رجوعه إلى الحق وأوبته، ودعونا له بالتوفيق وشكرنا الله تبارك وتعالى على هدايته إلى سواء الطريق، وقررنا معه أن المقام يفتقر إلى أكبر من ذلك، وأكثر مما هنالك، من تأليفه رسالة تتضمن رجوعه مدعمة بالأدلة، ومركزة على أصول تلحقها بفروع الملة، فأجابنا إلى ذلك، ووعد بأنه إذا وصل إلى وطنه «قطر» ونال الراحة بالأوبة من السفر: كتب تلك الرسالة، وضمنها جميع ما يحتاج إلى البيان من غلطاته وأسبابها، والتصريح بالرجوع عنها عن بسط بما يكفي ويشفي، وأنه يكفي حالًا كتابة رجوعه وظهور الحق له اختصارًا، وكتب كتابًا هذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
بما أنه تقرر لدى فضيلة المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم وكذلك الشيخ عبد العزيز بن باز وسائر المشائخ الحاضرين بأنه حصل الغلط مني في شأن الرسالة المؤلفة في الحج، وذلك في موضعين منها: القول بتوسعة الوقت للرمي. ورأوا أنه مقدر بما بين الزوال إلى الغروب. ومنها: سقوط الرمي عمن لا يستطيعه حيث قلت به في الرسالة بدون أن يستنيب. ورأوا أن القول به خطأ مني، وأنه يجب مع العجز الاستنابة، فعليه فإني أتوب إلى الله من الخطأ فيما قلت، وأن القول قولهم، وأنا تابع وراجع عما قلت، فيتعين على من لا يستطيع
أن يستنيب من يرمي مكانه، وإني أستغفر الله مما جرى به القلم، أو زل به القدم.
قاله معترفًا به على نفسه
عبد الله بن زيد آل محمود.
وقد ذيلت على كتابه بما نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أشرفت على ما كتبه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وقد سرني ذلك حيث رجع عما في رسالته المتعلقة بالحج من الأخطاء. ولكن لا بد من التصريح برجوعه عن القول بجواز الرمي قبل الزوال وكذلك عن القول بجوازه ليلًا. بعبارة واضحة، كما أنه لا بد أن يزيد بقوله:(أنا راجع عن جميع ما في رسالتي المطبوعة المتعلقة بالحج من الخطأ) وأن يصرح في هذا الكتاب بأنه سيكتب رسالة في ذلك، ويوضح أدلة الصواب في المسائل التي رجع عنها، ولا بد من تأليفه الرسالة فعلًا، وطبعها بعد أن تعرض علينا، ثم تفريقه إياها على من فرقت عليهم الرسالة السابقة. والقصد من ذلك. والله المطلع. نجاته وخلاصه هو ومن اتصلت إليه هذه الرسالة من الزلل والوقوع فيما يخالف الأدلة وجماعة العلماء، وقد التزم بما اشترطناه عليه أعلاه، وكتب تحته بقلمه ما نصه:
الحمد لله. نعم إنني قد التزمت لفضيلة الأستاذ المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم بأن أصنف رسالة تقتضي التصريح بالرجوع عما قلت في الرسالة المؤلفة في شأن الحج من خاصة القول بتوسعة الوقت للرمي، وأني أُصرح تصريحًا ليس بالتلويح في خاصة الرجوع عن القول بذلك، وأنه لا يجوز لأية
شخص في أن يقلدني في القول بذلك مع تصريحي بالرجوع عنه. وكذلك القول بالاستنابة في الرمي، فقد ترجح لدي قول فضيلة المفتي من القول بوجوبه، وبين الأدلة المقتضية لذلك، فمن أجله رجعت عن قولي إلى القول بوجوبه، لأن رأي جماعة العلماء أقرب إلى العدل والخير والصواب من رأيي وحدي، وسيحصل تأليف رسالة تقتضي التصريح بكل ذلك. إن شاء الله تعالى.
قاله عبد الله بن زيد آل محمود.
وبعد أن سافر إلى وطنه، ومضى ما يزيد على شهر بقينا منتظرين إرساله ما وعد به من تأليفه في الرجوع، ولم نزل عدة أشهر في الانتظار، حتى أسفر ليل تلك المواعيد عن خيبة الأمل، وأن الرجل لم يصدق في الموعود ولا عدل، وأنه بقي في ظلماء جهله، وفتنته بما به استدل مما هو أشبه شيء بالسراب بقيعة، ولما لم ينجح فيه الدليل والبيان، ولم يقبل مشورة أولئك الإخوان، وكانت المواعيد منه عرقوبية، ومساعيه حول هذا الصدد وخيمة وبية، وكانت فتنة الجهال وأرباب الكسل برسالته عظيمة، ومفضية إلى أن تبقى البراهين الشرعية ليس لها بين الأمة قيمة، ومؤدية إلى تضليل الأمة، وفتح باب غث الرخص، وانتهاز الملاحدة واللادينيين في إفساد الدين الفرص، ومفضية ولا بد بالجهال إلى التوثب بجهالتهم على الشريعة، وإبداء ما لديهم من توهمات فظيعة، رجعت إلى ما كنت قد عزمت عليه أولًا: من كشف شبهاته، والبرهنة على غلطاته، ليستقيم السبيل، ويؤخذ بواضح الدليل، ويكون المسلمون إخوة متعاونين على التمسك بالدين، والسير على وفق ما شرعه لهم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
فأقول: أما ما قرره هذا الرجل في مقدمته من «يسر هذه الشريعة المحمدية» وبعدها كل البعد عن الآصار والأغلال. فأمر لا يختلف فيه اثنان من المسلمين، ولا يشك فيه سواهم من علماء الملل الأخرى المنصفين، ولكن لم يرد به هذا الرجل حقًّا، بل أراد به باطلًا من حيث لا يشعر، وذلك أنه لا دليل فيها بوجه على ما ذهب إليه، كما أنه لا دليل فيها بوجه على صحة الصلاة بل ولا صحة ابتدائها قبل دخول الوقت بلحظة لا في حق المريض ولا في حق غيره، فلو أن قائلًا قال بصحة هذه الصلاة مستدلًّا بهذه القاعدة العظيمة - وهي يسر الشريعة المحمدية وبعدها عن الآصار والأغلال - لكان أقل أحواله أن يعد من أجهل الجاهلين. ونظير ذلك لو استدل بها الصائم الذي آلمه الجوع والعطش على جواز الإفطار لعد من الجاهلين الخاطئين، ومن أعظم الجناة على شريعة رب العالمين، وكم نزع أرباب الشهوات بهذا الأصل على ارتكابهم ما ارتكبوه من المعاصي. أفيكونون بذلك معذورين؟ كلا!
ويسر الشريعة المحمدية: مثل إفطار المسافر في رمضان، وإفطار المريض الذي يضره الصوم، ونحو ذلك، وكقصر المسافر الرباعية إلى ركعتين، وتيمم المريض بشرطه، وتيمم عادم الماء، ونحو ذلك مما هو منصوص عليه أو ملحق بالمنصوص عليه لتحقق اجتماعه معه في العلة، وأمثلة ذلك معروفة.
وما علم حكمه من نص الكتاب أو السنة وما يلحق بذلك كإجماع الأمة ونحو ذلك فلا يجوز مخالفته استدلالًا بنصوص يسر الإسلام وبعده عن الحرج.
وأرباب هذا المسلك لا مناص لهم عن أن ينصبوا راية الخلاف بين النصوص، ويضربوا بعضها ببعض، ويسلطوا الجهلة على سلوك هذا السبيل الوبي المهلك، ويبقوا في أعظم حيرة، ويستعملوا أنواعًا وألوانًا من طرق الدرء في نحور النصوص، وأن تكون لهم الخيرة من أمرهم، وإليهم النظر فيما يلم بهم من حادثة، وأن يفزع كل إلى ما يشتهي عند الكارثة.
ونظير ذلك ما قرره في هذه المقدمة من (أن الشريعة بنيت على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها) فإنه حق، وأصل أصيل، والشأن كل الشأن في التطبيق، وصدق ذلك عند التحقيق، فليس كل من استدل بها على رأي رآه يكون مصيبًا، فلا دليل فيه على ما ذهب إليه، ولا مستأنس له فيه، فإن كثيرًا من المنحرفين عن الصواب لا يزالون يعولون في زعمهم في الانحراف على هذا الشأن، وهم ليسوا من فرسان هذا الميدان، وقد أخطأ هذا الرجل في تفريعه على هذه القاعدة بما يعرفه أهل العلم، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وهكذا تقريره علة شرعية الحج، وأنه إقامة ذكر الله. فإن هذا صحيح ومعلوم بالنصوص، لكن أخطأ هذا الرجل في هذا المقام، وذلك أنه جعل ذكر الله المعني ها هنا هو الذكر القولي فقط دون الفعلي، ولم يعرج على ذكر الله الفعلي في أول بحثه أصلًا، بل لم يكتف بذلك، حتى صرح بما يقتضي خروج الذكر الفعلي عن ذلك.
ولم يدر المسكين أن الأذكار الفعلية أعظم شأنًا وأهم من الأذكار القولية،
ولهذا كانت أركان الحج وواجباته كلها فعلية ولم يكن منها واحد قوليًّا، ورمي الجمار من الأذكار التي هي من واجبات الحج. وأما الأذكار القولية التي يؤتى بها حال رمي الجمار وبعده فليس منها ذكر واجب إجماعًا، أفلا يستحي رجل هذه بضاعته في أحكام الحج من أن يتكلم فيه، فضلًا عن أن يكتب، فضلًا عن أن ينشر، فضلًا عن المبالغة العظيمة في النشر والتعميم؟!!
ويظهر والله أعلم أنه مع جهله حاول الاستهانة بشأن رمي الجمار، وهذا هو الذي حمله، والله أعلم، على سلوك هذا المسلك، وعلى ذكر ما نسبه عن الحافظ ابن جرير رحمه الله فيما حكاه عن عائشة من أنه إذا ترك الرمي وكبر أجزأه. وأبلغ من ذلك ما حكاه قبل ذلك عن بعض أهل العلم أنه قال: إنما أمر الله بالذكر في أيام التشريق ولم يأمر برمي الجمار لأن الذكر هو روح الدين، وهو الأمر المهم منه، وقد شرع الرمي لأجله، وأنه إنما شرع حفظًا للتكبير. انتهى.
ولهذا قال هذا الرجل بعد أن ذكر أنه حكى بعض أهل العلم الإجماع على أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق الثلاثة من حادي عشر ذي الحجة إلى آخره ما نصه: وذكر الله في هذه الأيام هو التكبير في أدبار الصلاة، والدعاء عند رمي الجمار. فأتى هذا الرجل من الفرية على الله ورسوله ما لا يخفى على أهل العلم، وذلك أنه حصر أمر الله تعالى بذكره في الأيام المعدودات في الذكر القولي، المفيد أن الله لم يأمر بالرمي في هذه الأيام. ويا ليت شعري من إمام هذا الرجل في ذلك، وجعل هذا الرجل عمل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو امتثال أوامر ربه والتشريع لأمته وتفسيره لهذه الآية الكريمة ما زعمه من أنه الأذكار القولية فقط،
مستشهدًا عليه بما رواه البخاري في صحيحه، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يُكبِّرُ على إثرِ كل حصاة ثم يتقدم ثم يسهل» إلى آخر الحديث، وبحديث أبي داود، وفيه «أن ابن عمر كان يدعو هنا بالدعاء الذي كان يدعو به في عرفة» والحديثان لا يدلان على أن رمي الجمار لا يدخل في مسمى الذكر بحال.
ولعمري إن أعلم الخلق بمعاني القرآن الكريم وبأحكام الحج هو من أُنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم: قد فسر هذه الآية الكريمة بما فعله وأمر به من واجب كرمي الجمرات، وما يتبع ذلك من الأذكار القولية المندوبات، وفسرها بذلك علماء الإسلام متبعين بذلك تفسير سيد الأنام، صلى الله عليه وسلم برميه الجمار تلك الأيام، وأمره أمته بذلك. وقد غر هذا الرجل في اقتصاره على الذكر القولي اقتصار كثير من المفسرين عليه في تفسير هذه الآية، فظن عدم دخول رمي الجمار في ذلك، وهم إنما تركوه لوضوحه.
قوله: فهذا المنسك الذي شرع للذكر والدعاء والتكبير قد انقلب إلى لغو وصخب وتزاحم وتلاكم وفساد كبير.
أقول: ليس الأمر كما زعمه، ولا الشأن ما توهمه، بل ذلك المنسك الشرعي هو هو لم ينقلب هذا الانقلاب، وإنما انقلب تصور هذا الرجل، وغاية ما هنالك أنه يوجد من بعض جهلة الأعراب، ونحوهم شيء من ذلك، وبعضه غير مقصود، وما كان منه على وجه لا يؤذي به المزاحم أحدًا من الحجاج لأجل الوصول إلى أداء ما أوجب الله عليه من هذا النسك على وجهه الشرعي
فهذا غير مذموم، لا في رمي الجمرات، ولا في المواضع الأخر مما يتصور فيه الزحام كالطواف والسعي، بل هو من المأمور به شرعًا، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
قوله: وصار الناس لا يذهبون إليه إلا وهم متذمرون للمحاربة وقصد المغالبة، يمد بعضهم بعضًا، ويؤيد بعضهم بعضًا.
يقال: هذا من المجازفة الظاهرة. ولو قال: وصار بعض الناس لكان أقرب إلى الصدق.
قوله: وصار من الصعب الوصول إليها وتحقق وقوع الجمار فيها. يقال: هذا إن أراد به الصعوبة التي تسقط هذا الفرض فباطل، وإن أراد الصعوب التي تحتمل. فهو نظير ما في الجهاد في سبيل الله من الصعوبة، وما في صيام رمضان في شدة الصيف من الجوع والعطش الذي جنسه يحتمل ولا يرخص بسبب حصوله في الإفطار والمصير إلى القضاء، وفي مزاولة هذه الصعوبة والصبر على ما يناله من المكاره من الأجر ما لا يعلمه إلا الله. وفي ضمن هذا الكلام من التمهيد لما سيصرح به بعد من سقوط وجوب الرمي مطلقًا من أجل الزحام ما لا يخفى.
قوله: وكان لهذا الأمر الذي حقق الخطر، ووسع دائرة الضرر، عوامل عديدة ساعدت عليه: منها فتح مشارق الأرض ومغاربها بالآلات الحديثة من كل ما سهل السفر وقصر المسافة، حتى صارت الدنيا كلها كمدينة واحدة، وكأن بلدانها على بعدها بيوت متقاربة. إلى آخر كلامه الطويل، حوالي هذا التدليل والتعليل.
يقال: الحمد لله. لا ينكر أحد حدوث حصول أسباب جديدة مما سهلت الوصول إلى الحج، ولكن اشتمل كلامه في ذلك على مجازفات لا تخفى، وعلى القطع والجزم بأشياء لا يجوز الجزم بها بل هذه أشياء أمرها إلى الله، وربما يظهر من الواقع ما يكذبها.
ولا يفوت على الواقف على ما قررته هاهنا ما عم وطم ودهم وادلهم من ليل الإدبار عن التسمي باسم الدين، وتهاون الأكثر من المتسمين به بأركانه الأصولية والفروعية. وبتقدير حصول الحجاج إلى كثرة تبلغ ما تصوره هذا الرجل، فإن الله سبحانه وتعالى يحدث من أنواع التيسير والتسهيل كونًا وقدرًا على يد من يشاء من عباده ما يقابل تلك الكثرة، بحيث لا توجد الصعوبة التي أشار إليها هذا الرجل
(1)
، كما أن ربنا سبحانه وتعالى قد شرع ويسر مخرجًا من تلك الصعوبة سهلًا مناسبًا جاريًا على أصول ما بعث به تعالى خير بريته محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الدين السهل السمح الذي هو أبعد شيء عن الصعوبة والآصار والأغلال، كما سيأتي إيضاحه في موضعه إن شاء الله تعالى.
قوله: وذلك أن الفقهاء قالوا: إن رمي كل يوم من أيام التشريق يدخل بزوال الشمس ويخرج بغروبها، وأنه لو رمى قبل الزوال أو بالليل لم يجزئه، ودليلهم في ذلك ما روى البخاري في صحيحه عن جابر قال:«رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس» .
(1)
كما حصل على أيدي الولاة من آل سعود رحمهم الله من بذل ما في وسعهم من الأموال والجهد في تيسير أمور المناسك، وهذا من إحداث الله عز وجل التيسير على يد من شاء من عباده فله الحمد.
يقال: نعم: قالوه لهذا الدليل الصحيح الصريح الذي لا معارض له، وهو ما ساقه هذا الرجل.
قوله: فظن من ظن أن هذا حكم عام في جميع الأحوال والأزمان.
يقال: هؤلاء الذين ذهبوا إلى ذلك متيقنين متحققين أنها سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم هم الصحابة والتابعون والأئمة أجمعون عملًا بقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] فإن هذا الأمر في الآية الكريمة يشمل ما ثبت بقوله صلى الله عليه وسلم أو بفعله أو تقريره، وعملًا بقوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)} [البقرة: 203] والأيام المعدودات هاهنا هي أيام التشريق. وهذه الآية الكريمة دليل واضح في وجوب رمي الجمار، لما فيها من الأمر به.
قوله: ولم يفرقوا بين إمكان الفعل وتعذره، فكان هذا الفهم هو العامل الأكبر في حصول الضرر، وتوسيع دائرة الخطر؛ لأن التقدير بهذا الزمن القصير قد أفضى بالناس إلى الحرج والضيق.
يقال: الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام عندما تقوم الأعذار الشرعية في ترك المأمورات العينية، يخرجون من ذلك المأزق إلى ما وسعه الله من الرخص الشرعية. إما بالعدول إلى الاستنابة فيما يمكن الاستنابة، وإما إلى الاكتفاء بالفدية فيما فيه فدية، كما عرف ذلك في أقوال العلماء المستندة إلى الدليل، ولا حرج ولا ضيق إلا في حق من لم يعرف الطريق، ولم يشم رائحة الفهم والتحقيق.
قوله: حتى إن هذا ليعد من التكاليف الآصارية، التي تبطله النصوص الدينية، وما اشتملت عليه من الرحمة والمصلحة والإحسان والحنان.
يقال: لا يعد هذا من الآصار إلا من انغمس في الإلحاد، وصرح بما يدل أنه عن الدين قد حاد، أو منافق قد عاث في الأرض والفساد وتستر بالدين وكان في الحقيقة للدين قد كاد، أو جاهل قد تزيا بزي أهل العلم وهو منهم في غاية الابتعاد، فعد ذلك من الحرج، وتصور أن لا مخرج منه إلا بما أدركه فهمه الذي مرج، وفارق أفهام السلف الصالح الذين أقاموا من الدين العوج، وعرفوا الخروج من المضايق بما يسر الله وشرعه من فرج، وذلك أن الناس إذا عملوا بغث رخصته، حشدوا جميعًا أو أكثرهم أول النهار خشية حر الشمس أو قبل الفجر فحصل ما فر منه من الزحام، وفات عليه غرضه الذي حوله قد حام، لتوسيع هذا الرجل لهم المجال، وتصريحه بما لم يسبق إليه في الاستدلال، فإنه صرح- كما يأتيك في رسالته- بما يقتضي أن حديث «فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال افعل ولا حرج» أن التحديد في أمثال هذا من باب الاستحباب، وليس له أي حظ من حكم الإيجاب، أو يفضي ما قرره إلى تأخيره عن يومه إلى الليل، فيلقون من مكابدة ظلامه كل ويل، أو إلى أن يستولي عليهم الكسل، فيفضي بهم إلى ترك العبادة مطلقًا أو تأخيرها التأخير الموقع في الإثم، وحينئذ يكون هذا الرجل قد فوتهم المأمور، وأوقعهم في نظير ما فر منه من المحذور، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ولعمري لا شيء أحسن من الاعتصام بالكتاب والسنة، والدرج على ما
درج عليه صدر هذه الأمة، الذين هم القدوة والأئمة، الذين عرفوا من مراد الله ورسوله تأصيلًا وتفصيلًا ما حرمه أرباب الدعاوي الكاذبة، الذين صرحوا فيما كتبوه بأقلامهم بما يقتضي أنهم من أزجى الناس بضاعة في الشريعة المحمدية، وحظهم اللخبطة الشقاشق، والمخرفة والتحامق، وقد قدمنا أنه معلوم بالضرورة أن هذا الدين الإسلامي هو دين الرحمة والمصلحة رخصه وعزائمه.
قوله: «والنبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم العيد في أول النهار، ثم رمى الجمار بقية الأيام فيما بعد الزوال» والكل سنة، وإنما فعل هذا وهذا توسعة منه على أمته، وبيانًا لامتداد وقته، كما وسع عليهم في الوقوف بعرفة في المكان والزمان، فإنه وقف بها بعد الزوال إلى الغروب عند الصخرات، وقال:«وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف»
(1)
وقال فيما رواه عروة بن مضرس المزني، أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بمزدلفة، قال: قلت: يا رسول الله، جئتك من جبل طيء، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، ولا والله ما تركت من جبل تحب أن يوقف عليه إلا وقفت عليه فهل يجزيني ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من شهد صلاتنا هذه. يعني بالمزدلفة. ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه»
(2)
وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث على أن وقت الوقوف يدخل فجر يوم عرفة، وجعل الأصحاب الوقوف إلى الغروب من الواجبات التي تجبر بالدم، والحديث لا يقتضيه. والله أعلم.
يقال: مراد هذا الرجل بالسنة هاهنا السنة الاصطلاحية المعرفة عند الفقهاء بتعريف المستحب وهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه. كما يعرف مما سبق من كلامه وما سيأتي منه. ومراده أيضًا أنه كما أن رمي جمرة العقبة يوم النحر أول النهار سنة، فالرمي في أيام التشريق بعد الزوال سنة، وأنه يجوز في أيام منى الثلاثة رمي الجمار قبل الزوال، كما رمى صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة في يوم النحر ضحى، فقاس رمي الجمار أيام التشريق على رمي جمرة العقبة يوم النحر في توسيع وقته، فيلزمه حينئذ أن يقيس أيام التشريق على يوم النحر في الاقتصار على رمي جمرة العقبة ولا فرق، وهذا قياس باطل، لمخالفته فعله صلى الله عليه وسلم وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم جميعًا، عن عيسى بن يونس، قال ابن خشرم: أخبرنا عيسى عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرًا يقول:«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر، ويقول: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» .
ورميه صلى الله عليه وسلم في كل يوم من أيام التشريق الثلاثة ثلاث الجمرات بعد الزوال كما في حديث جابر الصحيح، وحديث ابن عباس، وحديث ابن عمر: يبطل هذا القياس من جهة الوقت، ومن جهة عدم اقتصاره صلى الله عليه وسلم فيهن على رمي جمرة العقبة.
ورميه صلى الله عليه وسلم الجمرات أيام التشريق بعد الزوال يدل على الوجوب؛ لأنه فعله صلى الله عليه وسلم مشرعًا لأمته على وجه الامتثال والتفسير، فكان حكمه حكم الأمر.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «شرح العمدة» : والفعل إذا خرج
مخرج الامتثال والتفسير كان حكمه حكم الأمر، وهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم»
(1)
انتهى.
وما احتج به هذا الرجل من قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: «وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف» على توسيع زمن رمي الجمار أيام التشريق بحيث يجوز ويجزي قبل الزوال فهو باطل، إذ من المعلوم عند كل أحد أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم عدم تعيين الموضع الذي وقف فيه عند الصخرات لوقفة الحج، ولهذا قال:«عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة» ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم بمنى: «نحرت هاهنا ومنى كلها منحر»
(2)
قال ذاك بعرفة خشية أن يظن أن لا موقف في عرفة إلا الموضع الذي وقف فيه عند الصخرات، وقال هذا في منى خشية أن يظن أن لا منحر إلا في المكان الذي نحر فيه صلى الله عليه وسلم، ولم يقل صلى الله عليه وسلم حين رمى الجمرات أيام التشريق بعد الزوال:«رميت هذا الوقت وكل اليوم وقت رمي» فلما قال في الموقف بعرفة والمنحر بمنى ما قال ولم يقل نظيره في وقت رمي الجمار أيام التشريق تبين الفرق بينهما، وأن الرمي أيام التشريق يختص بالوقت الذي رمى فيه، وأن الموقف بعرفة والمنحر بمنى لا يختص بالمكان الذي وقف فيه والمكان الذي نحر فيه، وهذا من أوضح الواضحات.
وتوسيع النبي صلى الله عليه وسلم زمن الوقوف المستفاد من حديث عروة بن مضرس ليس توسيعًا إطلاقيًّا، وإنما هو توسيع محدود الأول والآخر. فمن وقف في غير عرفة
(1)
متفق عليه.
(2)
أخرجه مالك.
فلا حج له، ومن وقف في غير الزمن المحدود في حديث عروة فلا حج له، فمكان الوقوف وزمانه محدودان بالسنة النبوية، وزمن الرمي وعدده ومكانه محدودة بالسنة النبوية كما تقدم في حديث جابر وغيره، فمن لم يكتف في أي عبادة من عبادات الحج بمقدار التوسيع الذي وسعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقاسها على توسيع زمن أو مكان عبادة أخرى فقد أخطأ، وقدم بين يدي الله ورسوله، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله، فإن العبادات نوعًا وقدرًا ووقتًا وكيفية إنما تتلقى من مشكاة النبوة، والآراء مطرحة والقياس لا قيمة له إذا أشرقت شمس سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
قوله: وجعل الأصحاب الوقوف إلى الغروب من الواجبات التي تجبر بدم، والحديث لا يقتضيه.
يقال له: ليس هذا قول الأصحاب فقط، بل هو قول سائر أئمة الدين وعلماء المسلمين إلا من شذ، بل ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن ذلك من أركان الحج.
ودليل وجوب بقاء الواقف بعرفة إلى غروب الشمس فعله صلى الله عليه وسلم، مع قوله صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم»
(1)
.
وتقدم قول شيخ الإسلام في شرح العمدة: إذا خرج مخرج الامتثال والتفسير كان حكمه حكم الأمر.
ولا يظن أن بين ما قررناه ها هنا وبين حديث عروة بن مضرس شيئًا من
(1)
متفق عليه.
التنافي، بل ما قررناه يوافق حديث عروة ويفسره؛ وذلك أنه ليس في حديث عروة ما يدل على جواز الدفع من عرفة قبل غروب الشمس أصلًا؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم:«وقد وقف بعرفة ليلًا أو نهارًا» يفسره فعله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه وقف بالمسلمين نهارًا إلى غروب الشمس؛ فدل على أنه واجب، وعروة لم يصل إلى عرفة إلا ليلًا فقط؛ لأنه لو كان قد وقف بها نهارًا مع الجمع العظيم ما قال للنبي صلى الله عليه وسلم فهل لي من حج، وأكثر ما في حديث عروة صحة حج من وقف بعرفة نهارًا ودفع قبل الغروب، وقد أخذ الفقهاء بذلك فصححوا وقفته وأوجبوا عليه دمًا، كما صححوا وقفة من لم يصل إلى عرفة إلا ليلًا ولم يوجبوا عليه دمًا، وكما صححوا هم وغيرهم وقفة من وقف بعرفة نهارًا وبقي إلى غروب الشمس واعتقدوا أنه هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ورأوا وجوبه عملًا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله:«خذوا عني مناسككم» وجمعوا بذلك بين سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما يدل على عدم جواز الدفع من عرفة قبل الغروب عدم إذن النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة في ذلك مع ما يلقونه في طريقهم من الزحمة وحطمة الناس، كما رخص لهم في الدفع من مزدلفة آخر ليلة جمع لذلك. ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عروة:«فقد تم حجة» أي صح؛ فإن عروة لم يسأل إلا عن صحة حجه كما تفيده كلمة: فهل لي من حج يا رسول الله ووجوب الدم لا يمنع صحة الحج؛ فإن من ترك واجبًا من واجبات الحج عامدًا أو ناسيًا فعليه دم وحجه صحيح، ويشهد لاستعمال النبي صلى الله عليه وسلم التمام بمعنى الصحة ما في النسائي وأبي داود مرفوعًا:«إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ثم يكبر الله» الحديث.
قوله: ولو كان الأمر كما زعموا أن ما قبل الزوال وقت نهي غير قابل للرمي لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانًا واضحًا بنص قطعي الرواية والدلالة وارد مورد التكليف العام؛ إذ لا يجوز في الشرع تأخير بيان مثل هذا عن وقت حاجته، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في أوقات معلومة
(1)
.
يقال: أولًا عجبًا لهذا الرجل: كيف يكون عدم النهي عن فعل العبادة المقيدة بوقتها المأمور بها فيه دليلًا على جواز فعل تلك العبادة قبل وقتها، وهل هذا إلا شرع دين لم يأذن به الله؟! أما يدر هذا الرجل أن العبادات مبناها على الأمر؟! أيخفى عليه حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا:«من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»
(2)
.
فإنه يشمل بعمومه إحداث عبادة لم تعلم من الشرع.
ويشمل بعمومه أيضًا فعل عبادة مأمور بها لكن فعلها الفاعل في غير وقتها
(1)
وبهذه الحيلة التي استطاع ابن محمود من خلالها أن يغر المتعالمين الذين رخصوا في الرمي قبل الزوال، يقال لهم: بإمكانكم كما وسعتم على الحجاج زمن الرمي، أن توسعوا عليهم مكانه، فليس على من أراد ذلك إلا أن يأخذ كلامهم هذا ويغير فيه بعض العبارات حتى يخرج على المساكين بتوسعة ما خطرت على قلب بشر! فلو قال مغرور متعالم: لو كان الأمر كما زعموا: أن رمي الجمار لا يجوز إلا في هذا الموضع، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً واضحاً، بنص قطعي الرواية والدلالة وارد مورد التكليف العام، إذ لا يجوز في الشرع تأخير بيان مثل هذا عن وقت الحاجة، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في أماكن معلومة. وبهذه الحيلة الخبيثة نُغيّر شريعة ربنا ونحرف دينه ونبدله، ونشابه أهل الكتاب من قبلنا، والعياذ بالله.
(2)
أخرجه مسلم.
الذي أمر بها فيه كمسألتنا.
ويشمل بعمومه فعل عبادة قد أمر بها فيه لكن عملها في مكان غير المكان الذي عين أن تفعل فيه. ونظير ذلك لو فعلها في وقتها الذي أمر أن تفعل فيه وفي المكان الذي أمر أن تفعل فيه لكن زاد فيه أو نقص. وزعم هذا الرجل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين المنع من رمي الجمرات أيام منى قبل الزوال منعًا واضحًا بنص قطعي الرواية والدلالة وارد مورد التكليف العام. زعم باطل؛ فإن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه العبادة في أيام منى الثلاث بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير منزل منزلة الأمر العام عند جميع أئمة الإسلام.
ويقال ثانيًا: قد ثبت النهي عن رمي هذه الجمرات قبل الزوال، فروى مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول: لا ترمى الجمرة حتى تزول الشمس
(1)
. وهذا له حكم الرفع؛ لا مسرح للرأي فيه.
ويقال ثالثًا: لا تفتقر الأحكام الشرعية الفرعية في ثبوتها إلى اشتراط قطعية السند؛ بل تثبت بالأدلة الظنية، إنما الذي يحتاج في ثبوته إلى كون دليله قطعيًّا هي الأصول والعقائد؛ فإنه لا يثبت أصل شرعي بدون دليل قطعي من تواتر أو ما يقوم مقامه، كما لا تثبت العقائد بدون دليل قطعي من تواتر أو ما يقوم مقامه. فجمع هذا الرجل هاهنا بين عدة أنواع من الجهل:
أحدها: إقدامه على أن الجمرات ترمى في كل وقت لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه نهي صريح.
(1)
بلفظ: «لا تُرمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس» الموطأ برقم (1219).
الثاني: اشتراطه في أدلة الفروع أنها قطعية.
الثالث: تصريحه أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم توقيت رمي الجمار الثلاث أيام منى بعد الزوال بأمر عام، متخيلًا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أيام التشريق أنه فعل فقط، وأنه لا عموم له، ولهذا اشتراط كون الدليل وارد مورد التكليف العام، ولهذا أعرض في رسالته عن حديث:«خذوا عني مناسككم» إما عمدًا وإما نسيانًا له، سبب وقوعه فيما وقع فيه من الغلط.
وأما استدلال هذا الرجل على جواز رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال بعدم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، معللًا بأن المنع من الصلاة أوقات النهي هو لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها. فهو من عظيم جهله، وذلك للفرق الواضح بين رمي الجمرات وبين نوافل الصلاة المطلقة وصلاة الجنازة ونحوها مما لم يوقت له مما يجوز فعله في كل وقت من ليل ونهار، لكن نهى عنها في أوقات النهي الخمسة لعلة مشابهة الكفار ونحو ذلك.
أما العبادات المؤقتة من صلاة وطواف ورمي جمار فهي مقيدة بتلك الأوقات، وفعلها بعد دخولها من جملة شروط صحتها، ومن لم يعرف الفرق بينهما فهو إلى أن يتعلم أحوج منه إلى أن يفتي ويتكلم.
قوله: وكما نهى ابن عباس والضعفة الذين معه بأن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس، فبدل الناس قولًا غير الذي قيل لهم فكانوا يدفعون ثم يرمون الجمرة وهم أصحاء أقوياء.
مراد هذا الرجل من استدلاله بنهي النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس وأُغيلمة بني عبد
المطلب عن أن يرموا قبل طلوع الشمس على جواز الرمي أيام التشريق قبل الزوال: أنه كما استفيد من نهيه عن الرمي قبل طلوع الشمس المنع، فإنه يستفاد من عدم النهي عنه قبل الزوال أيام التشريق الجواز.
فيقال: أولًا: إنما يستقيم هذا فيما أصله الإباحة، والعبادات ليست كذلك، إنما هي توقيفية، فما شرعه الله ورسوله مطلقًا كان مشروعًا كذلك، وما شرعه مؤقتًا في زمان أو مكان توقت وتقيد بذلك المكان والزمان، ولا يحتاج الحكم على فساد العبادات إذا فعلت قبله إلى نهي عن ذلك، اكتفاء بالتوقيت الشرعي، والتحديد الشرعي ومسألتنا من هذا الباب.
فإن قيل: لم جاء هذا النهي في حق ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب ولم يجئ نهي الناس عمومًا عن الرمي قبل الزوال أيام التشريق.
قيل: إنما جاء ذلك في حق ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب لعدم إمكان أخذهم مناسكهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في رميهم جمرة العقبة يوم النحر، لعدم حضورهم معه صلى الله عليه وسلم الحين الذي يصلون فيه إلى جمرة العقبة، فكانوا محتاجين لتوقيت رمي الجمرة لهم بالبيان القولي منه صلى الله عليه وسلم، بخلاف من لم يدفع إلا معه صلى الله عليه وسلم، فإنهم مستغنون عن ذلك بحضورهم معه صلى الله عليه وسلم حين رميه تلك الجمرة واقتدائهم به، وأخذهم عنه صلى الله عليه وسلم مناسكهم، كما قال صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم» وهكذا هم معه صلى الله عليه وسلم في بقية أعمال الحج التي تعمل يوم النحر وبعده من رمي الجمرات أيام التشريق بعد الزوال.
فأول وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر لغير الضعفة مبين من النبي صلى الله عليه وسلم
ببيانين (أحدهما): القولي الذي علمه ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب. و (الثاني): فعله صلى الله عليه وسلم برميه تلك الجمرة بعد طلوع الشمس على وجه الامتثال والتفسير المنزل منزلة الأمر. فما قبل طلوع الشمس ليس بوقت لرمي الجمرة في حق غير الضعفة، كما أن أول وقت رمي الجمرات أيام منى الثلاثة مبين بفعله صلى الله عليه وسلم الذي فعله على وجه الامتثال والتفسير المنزل منزلة الأمر، ولم يحتج هنا للبيان القولي لكون ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب وسائر الضعفة حاضرين معه صلى الله عليه وسلم، مكتفين في معرفة وقت الرمي بفعله صلى الله عليه وسلم، فكما استفيد من تحديد أول وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر بطلوع الشمس أن ما قبله لا يصح فيه الرمي، فإنه استفيد من تحديده الثاني لأول وقت رمي الجمرات أيام التشريق بالزوال أنه لا يصح الرمي قبله.
ويقال «ثانيًا» مقتضى استدلال هذا الرجل- بكون الشريعة المحمدية شريعة اليسر البعيدة عن الآصار والأغلال على جواز الرمي أيام منى قبل الزوال- تجويز الدفع من مزدلفة ليلًا مطلقًا، وهو مقتضى استدلاله عليه أيضًا بحديث:«فما سئل يومئذ عن شيء قدِّم أو أُخِّر إلا قال: افعل ولا حرج» وإلا فما الفرق؟! أفتكون هذه حججًا إذا كانت في جانبه، وإذا كانت في جانب سواه لغت وسقطت.
ويقال أيضًا: السنة فرقت بين الضعفة وغيرهم، فجوزت الدفع لهم آخر ليلة جمع، ولم تجوز لواحد منهم الرمي أيام منى قبل الزوال خشية الزحمة، مما يعلم به أن التوقيت والتحديد لرمي الجمرات تلك الأيام آكد وأبلغ من التحديد والتوقيت للدفع من جمع. أفيكون المجوزون للدفع لغير الضعفة من جمع قبل
الوقت الذي دفع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدلين قولًا غير الذي قيل لهم مع وجود جنس الرخصة في حق بعض الحجاج، ولا يكون من رمي الجمرات أيام منى قبل الزوال الذي لم توجد الرخصة فيه لأحد غير مبدلين قولًا غير الذي قيل لهم؟! هذا في غاية البعد عن العدل والإنصاف.
قوله: ومما يدل على جواز الرمي قبل الزوال ما رواه البخاري في صحيحه، حدثنا أبو نعيم، حدثنا مسعر عن وبرة، قال: سألت ابن عمر متى أرم الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارمه فأعدت عليه المسألة، فقال:«كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا»
(1)
.
يقال: هذا الرجل لبعده عن هذا الشأن، وعدم استحقاقه أن يجول في هذا الميدان، أصبح كعنز السوء تبحث عن حتفها بظلفها، وذلك أن حديث ابن عمر هذا أحد أدلة المسلمين، على أن سنة سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم وهديه الواجب الاتباع هاهنا أن لا ترمي الجمرات الثلاث أيام منى إلا بعد زوال الشمس، نظير حديث جابر وغيره من الأحاديث الدالة على توقيت رمي الجمار الثلاث بما بعد الزوال، وهذا هو صريح حديث ابن عمر المذكور الذي استدل به هذا الرجل على خلاف مدلوله، وذلك في قوله لما أعاد عليه وبرة السؤال: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا. فأخبر رضي الله عنه أن هديه وهدي سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو الرمي في أيام منى الثلاثة بعد زوال الشمس. فانخرط هذا الرجل في سلك الذين بدلوا قولًا غير الذي قيل لهم.
(1)
أخرجه البخاري.
والذي غره ما في قول ابن عمر لوبرة حين سأله متى أرم؟ فقال ابن عمر: إذا رمى إمامك فارمه. فمن أين لهذا الرجل أن هذا الإمام الذي أحال ابن عمر وبرة إلى أن يرمي إذا رمى كان يرمي قبل زوال الشمس، بل نعلم قطعًا أن هذا الإمام لا يرمي إلا بعد زوال الشمس، وإلا لزم أن ابن عمر يفتي من سأله بالاقتداء بمن يعلم أنه يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في وقت الرمي، وهذا في غاية البطلان، ولا سيما وابن عمر قد اشتهر من تعظيم السنة بما يعرفه كل أحد، ولا سيما أحكام الحج، وقصته مع الحجاج في وقت الوقوف بعرفة وما وضح له من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم معلومة، وابن عمر رضي الله عنهما راعى هاهنا شيئين لم يراعهما هذا الرجل، بل قام بالدعاية ضدهما، وذلك أن ابن عمر عظم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعظم طاعة أُولي الأمر: فأحال وبرة هذه الإحالة تنبيهًا على طاعة الإمام وعدم مخالفته فيما لا يخالف الحق، وعظم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا» وهذا الرجل لم يبال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين، وما تمسك به المسلمون من ذلك إلى زمننا هذا، ولم يبال بأولي الأمر، بل دعا إلى خلافهم بالدفع من عرفة قبلهم، والرمي أيام التشريق قبلهم. وتعليل هذا الرجل إحالة وبرة إلى رمي الإمام بعلة سعة الوقت، واستدلاله على ذلك بأنه لو كان رمي الجمار مؤقتًا بما بعد الزوال لأحاله إليه من أول مرة، لأن العلم أمانة والكتمان خيانة. تعليل فاسد، وتقرير ساقط، ولا يستقيم إلا بعد أن يتحقق أن ذلك الإمام يرمي قبل الزوال وأن ابن عمر عالم بتلك الحال، ولن يجد هذا الرجل إلى ذلك سبيلًا.
والصواب - والله أعلم - أن وبرة خشي او ظن تفويت الإمام السنة بتأخير
الرمي عن أول وقته، فأرشده ابن عمر إلى أن لا يخالف إمامه بشيء لا يخرج عن الحق، لما في موافقته من المصلحة الظاهرة العامة، ولما في مخالفته من أسباب التفرق على الإمام، المسبب ما لا يخفى من الشر والفساد، فلما كرر وبرة السؤال على ابن عمر رأى أن لا مناص من التنصيص عن الوقت، فقال:«كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا» ولا منافاة بين جواب ابن عمر لوبرة الأول وبين جوابه الثاني. وهذا الذي قررناه هو الحق بلا ريب، لما فيه من إعطاء النصوص حقها، والمحافظة على موقف ابن عمر منها، وطاعة أُولي الأمر بما لا يخالف الحق. فلله الحمد والمنة.
وقد دلت السنة على توقيت رمي الجمرات أيام التشريق بما بعد زوال الشمس من وجوه:
«أحدها» ما رواه البخاري في صحيحه، حدثنا أبو نعيم إلى آخر ما ساقه هذا الرجل إسنادًا ومتنًا
(1)
وقد عرفت دلالته على التوقيت.
«الثاني» ما رواه الجماعة عن جابر رضي الله عنه قال: «رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضُحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس» .
«الثالث» ما رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، قال الترمذي: حدثنا أحمد بن عبدة الضبي البصري، حدثنا زياد بن عبد الله، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار إذا زالت الشمس» .
(1)
وهو قول ابن عمر: «
…
كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا».
«الرابع» ما رواه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: «لا تُرمى الجمرة حتى تزول الشمس» وقد تقدم.
«الخامس» ما رواه أحمد وأبوداود، عن عائشة رضي الله عنها قالت:«أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها» .
قوله: وأما قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس يوم العيد من أجل أنها تحية منى. فهذا التعليل لا أصل له شرعًا. يقال: حدى هذا الرجل على اعتراض الفقهاء في هذا التعليل ظنه أن ذلك تعليل لرمي جمرة العقبة يوم النحر قبل الزوال وهم لم يعللوا بها لذلك، ولم يخطر ببالهم أن أحدًا يجوز رمي جمرات أيام التشريق قبل الزوال بصفة الحث على الأخذ بذلك حتى يعللوا رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى بهذا التعليل، وإنما عللوا بذلك بداءته صلى الله عليه وسلم برمي جمرة العقبة قبل نزوله وقبل النحر والحلق، وحينئذ يعلم غلط هذا الرجل على الفقهاء لفظًا ومعنى، وسوء تصوره، وأنه من شدة وجله في سلوك هذا الطريق، وفلسه في العلم والتحقيق، يحسب كل صيحة عليه، فسعى في إبطال هذا التعليل بما لا يجدي عليه شيئًا عند التحصيل، فقال: وبطلان هذا التعليل واضح بالدليل. يريد حديث «فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج» .
فيقال: «أولًا» : أين إبطال ما تقدم من التعليل من هذا الدليل؟
أدل على هذا بمنطوقه؟ أو بمفهومه؟ أو غيرهما من أوجه الدلالة؟ ويقال له:
«ثانيًا» إن لم يكن في هذا الحديث دليل على صحة ذلك التعليل لم يكن فيه ما يبطله، بل هو على إثباته أدل منه على نفيه. ولا يرد على هذا جوابه صلى الله عليه وسلم عن التقديم والتأخير يومئذ بقوله:«افعل ولا حرج» إما لكون ذلك في حق من لم يشعر، أو مطلقًا، إذ لا يدل نفي الحرج على استوءا التقديم والتأخير، بل السنة المستقرة أنه يرمي أولًا، ثم ينحر ثانيًا، ثم يحلق ثالثًا. فأين عمل استقرت به السنة من فعل يعذر صاحبه لأجل الجهل أو أحسن أحواله نفي الحرج عن فاعله؟! شتان ما بينهما.
قوله: وأما قولهم: إنه خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: حاشا أن نخالف في سنة من سنن الدين، أو أن نتبع غير سبيل المؤمنين، فقد رمى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه يوم النحر قبل الزوال، ثم رمى بقية الأيام بعد الزوال، وفعله في الأول كفعله الآخر، و {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21].
يقال: لقد كفانا هذا الرجل مؤونة الرد عليه، فقف وانظر وتأمل واعتبر وزن بذلك علم هذا الرجل وعقله، فإنه جعل مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غايرت بين وقت رمي الجمرة يوم النحر وبين رمي جمرات أيام التشريق، فرمى صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى، ورمى جمرات أيام
التشريق بعد زوال الشمس، ولا يكون الحاج عاملًا بقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] حتى يفعل كما فعل صلى الله عليه وسلم من رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى ورمي ما عداها بعد الزوال، والمسوي بينهن برميهن كلهن قبل الزوال هو عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعزل والمقام في الحقيقة غني عن أن يقرر فيه مثل هذا التقرير، ولكن ضرورة خوض هذا الرجل في هذه الأبحاث بغير علم ومباهتته ومكابرته ألجأتنا إلى هذا التقرير.
قوله: فقولنا بجواز الرمي قبل الزوال ليس من المخالفة في شيء بل هو نفس الموافقة.
يقال: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرات الثلاث أيام منى بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير المفيد للوجوب، وأنت أيها الرجل رميت قبل الزوال، فما المخالفة غير هذا؟! إذا لم يكن هذا مخالفة فلا ندري ما المخالفة. ورمي جمرة العقبة يوم النحر هي وظيفة ذلك اليوم وعبادته. وأحكامها تختص بها، كما أن رمي الجمرات الثلاث أيام منى هي وظائف تلك الأيام، وأحكامها تختص بها، فلا يكون وقت عبادة يوم معين وقتًا لعبادات يوم آخر سواء. والتوقيت توقيفي، فما وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبادة يوم كان وقتًا لها فقط، فقياس جمرات منى في الوقت على وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر باطل، كبطلان التيمم حال وجود الماء، إذ من شرط القياس عدم النص، فوقت رمي الجمار أيام التشريق منصوص عليه، وإن أبيت إلا البقاء على ما رأيت، فقس أيام التشريق على يوم النحر، واقتصر على رمي جمرة العقبة فقط فإن قلت: لا أفعل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى
الجمرات الثلاث ولم يقتصر على جمرة العقبة.
قيل لك: ولا ترم الجمرات قبل زوال الشمس أيام التشريق، لكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما رماها بعد الزوال ولم يرم قبله.
وأما حكم هذا الرجل على من قال بإجزاء رمي الجمرات جميعها إذا أُخرت فلم ترم إلا في آخر أيام التشريق مع منعهم رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال (بالتناقض) فهو من جهله إنما المتناقض من يمنع تقديم العبادة على وقتها تارة ويجوزه تارة أخرى، والتسوية بين تقديم العبادة على وقتها وتأخيرها عن وقتها لا يستقيم، إذ تقديمها على وقتها مبطل لها، وتأخيرها عن وقتها غير مبطل لها، إنما فيه التحريم والتأثيم إذا لم يكن معذورًا، هذا في التأخير المحقق. أما تأخيرها إلى وقت هو وقت لجنسها فلا يحكم عليه بحكم التأخير الحقيقي، فإنه وقت في الجملة، كما في حديث عاصم بن عدي
(1)
.
وزعم هذا الرجل عدم مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذهب إليه بناءً على أمرين:
(أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة قبل زوال الشمس.
(الثاني) أن الفقهاء جوزوا تأخير رمي الجمرات إلى آخر أيام التشريق.
وقد قدمت لك بطلان دليله وفحش غلطه فيما ذهب إليه، وأنه إن أصر على القياس لزمه التناقض والانتكاس. وبما قدمته يعرف أن تجويزه رمي الجمار قبل
(1)
الذي أخرجه الخمسة وصححه الترمذي «أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر، ثم يرمون ليومين ثم يرمون يوم النفر» .
الزوال مطلقًا في أية ساعة شاء من ليل أو نهار بناءً على الأمرين الذين وضحت بطلانهما. وبسقوط أصليه اللذين بنى عليهما يسقط ما لديه من بنيان، ويستقر الأمر على أن لا محيد له عما عليه المسلمون من اقتفاء سنة سيد ولد عدنان، وأن يرجع عما اشتملت عليه رسالته من الغلط والبهتان.
قوله: وهذا مذهب طاووس وعطاء.
يقال له: (أولًا) أنت مطالب بثبوت ذلك عنهما.
ويقال له: (ثانيًا) من طاووس وما طاووس، ومن عطاء وما عطاء، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالشمس في رابعة النهار، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما حين ناظره من ناظره في متعة الحج، واحتج مناظره عليه بقول أبي بكر وعمر: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر. وقال الإمام أحمد رحمة الله عليه: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله يقول:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} [النور: 63] أتدري ما الفتنة؟ الفتنة شرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. أفتترك توقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتوقيت سواه؟ أفتقيس قياسًا السنة تأباه، وكل من أهل العلم لا يرضاه؟!
قوله: ونقل في «التحفة» عن الرافعي - أحد شيخي مذهب الشافعي - الجزم بجوازه، قال: وحققه الأسنوي، وزعم أنه المعروف مذهبًا، ورخص الحنفية في الرمي يوم النفر لمتعجل قبل الزوال مطلقًا، وهي رواية عن الإمام أحمد ساقها في «الفروع» بصيغة الجزم بقوله: ويجوز رمي متعجل قبل الزوال.
يقال: إن صح هذا النقل عن الرافعي وتحقيقه عن الأسنوي فإن سبيله سبيل ما قبله من عدم الصلاحية أن تعارض به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لا يصح أن يعارض به مذهب أمامهما، فضلًا عن أن تعارض به السنة، وهو مردود بقول الشافعي: إذا خالف قولي قول النبي صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي الحائط.
قوله: فقد علم مما تقدم من هذه الأقوال أن للاجتهاد في مثل هذه القضية مجالًا، وأن من العلماء من قال بجواز الرمي مطلقًا قبل الزوال ومنهم من جوزه لحاجة الاستعجال.
يقال: (أولًا) غاية ما علم مما لفقه هذا الرجل هاهنا وجود جنس الخلاف في تجويزه مطلقًا، أو بشرط، وأنه روي عن بعض المانعين منه قول آخر بالجواز. ويقال:(ثانيًا) ليس كل خلاف يعول عليه، إنما يعول على خلاف له حظ من الاستدلال، وما أحسن ما قيل:
وليس كل خلاف جاء معتبرًا
…
إلا خلاف له حظ من النظر
وهذا الخلاف الذي ذكره هذا الرجل لا حظ له من النظر مطلقًا كما عرف ذلك مما تقدم ولا يعد مثل هذا الخلاف من العلم.
إنما العلم هو ما يستند إلى كتاب أو سنة أو قول الصحابة، ولله در القائل:
العلم قال الله قال رسوله
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
…
قال الصحابة ليس خلف فيه
بين النصوص وبين رأي فقيه
والحق عند النزاع أن يرد ذلك إلى الله ورسوله، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} [النساء: 59] والحق أيضًا رد ما تشابهت دلالته من النصوص إلى المحكم منها، ومخالف ذلك موسوم بزيغ القلب، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7].
قوله: ولا شك أن الضرورة الحاصلة بنحو الزحام، المفضي بالناس إلى الموت الزؤام، أشد من حاجة الاستعجال.
يقال: من جوزه للاستعجال كالحنفية ومنعه مع الضرورة الموصوفة بهذه الصفة ولم يوجد منها مخرج شرعي فلا شك في غلطه حيث فرق بين متماثلين، بل جوزه في حال ومنعه في حال هي أولى بالجواز، وقول الحنفية في هذا الباب غير مسلم، ودعوى هذا الرجل الضرورة الموصوفة بتلك الصفة مردودة، والزحام إنما هو في بعض الوقت لا في جميعه، والشريعة المحمدية السهلة السمحة دلت على مخرج من هذه الضرورة لو ثبتت خير من هذا المخرج الذي زعمه هذا الرجل وتصوره لتمشيه على الأصول الشرعية، ومخرجه هو إنما بناه على شفا جرف هار، فإن الأعذار والضرورات لا تجوز تقديم عبادة على وقتها بحال، فلا يجوز للمريض ولا غيره أن يصلي الظهر ولا أن يحرم بها قبل زوال الشمس، وهكذا سائر الصلوات وكافة العبادات الموقتة بالأوقات من فرائض ومندوبات، وجمع العصر إلى الظهر للعذر الشرعي تقديمًا والعشاء إلى المغرب كذلك ليس من هذا الباب، إذ الوقتان في حق المعذور كالوقت الواحد،
فكما لا يسوغ تقديم رمي جمرات التشريق يوم النحر، فلا يسوغ تقديمها في يومها على وقتها الخاص بها. وهو الزوال.
قوله: وقد استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له، ولم يأمره بالرجوع في النهار لرمي الجمار، وقيس عليه كل من كان له عذر من مرض أو تمريض صديق يتعاهده أو من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته، ويلتحق به على الأولى كل من خاف على نفسه وحرمه من مشقة الزحام، والسقوط تحت الأقدام، ومثله خوف الخفرة من تكشفها أو ظهور شيء من عورتها. فهذه الأعذار كلها وما أشبهها تسقط وجوب المباشرة للرمي.
يقال: اشتملت هذه الأسطر من التخليط والكذب والجهل والقول على الله بلا علم، ما يعرفه من له أدنى إلمام بالشريعة، ورخصة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته شيء معلوم، وهو يدل على أن المبيت بمنى واجب، وعلى الرخصة لأهل السقاية، وقياس أهل العلم أرباب الأعذار المنصوصة في كلامهم على أهل السقاية شيء معلوم معروف.
واستدلال هذا الرجل بقصة العباس على عدم وجوب الرمي باطل، فإن أكثر ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يعود إلى منى لرمي الجمار. ومن المعلوم أن العباس أعلم من هذا الرجل وأضرابه بأحكام الحج، وهو لم يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في ترك المبيت فقط، أفيكون استئذانه النبي صلى الله عليه وسلم في ترك المبيت بمنى استئذاناً في ترك الرمي وهما واجبان متغايران؟!
لا يقول هذا إلا من هو من أجهل الناس بالأحكام، ودلالة الكلام، ومن المعلوم أنه يمكن العباس الرجوع إلى منى لرمي الجمار بدون أي مشقة، وإذا كان وجوب رمي الجمار عليه متحققًا- كتحقق وجوبه على غيره- فإنه لا يسقط عنه ذلك الواجب المتحقق الوجوب إلا برخصة متحققة، ولا رخصة هنا في ترك الجمار متحققة ولا مزعومة إلا عند هذا الرجل، وهذا الرجل لا يدري أي المشروعين آكد: المبيت بمنى لياليه؟! أم رمي الجمرات نهاره؟! فالمبيت بمنى إنما شرع بل وجب من أجل رمي الجمار.
وأذكر هاهنا بعض أدلة وجوب رمي الجمار: فمنها قوله عز وجل: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] فإن هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، ومنها فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله:«خذوا عني مناسككم» ومنها رخصة النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة في تأخير بعض الجمرات، فإن الرخصة لهم تفيد وجوب الرمي، ومنها رخصة النبي صلى الله عليه وسلم للعباس في ترك المبيت بمنى، فإنه من أدلة وجوب الرمي. كما سبق، فإن المبيت بمنى شرع من أجل رمي الجمار، ووجوب الوسيلة دليل على وجوب الغاية، وقياسه على المبيت باطل لعدم مساواة المبيت للرمي، فإن الرمي آكد من المبيت لكونه من الغايات، والمبيت من الوسائل، ولظهور أدلته، فإنه ثبت بالدليل القولي بالكتاب والسنة، وبفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رخص لرعاة الإبل في ترك البيتوتة بمنى لم يرخص لهم في ترك الرمي، فبطل الإلحاق.
وبفرض وجود الزحام الشديد المسبب للموت أو دونه من كسر أو مرض
فإنه لا يسقط الفرضية، غاية ما يسقط المباشرة، وحينئذ تجوز استنابة الخائف على نفسه غيره في رمي الجمرات كما يستنيب المريض والعاجز، وهذا هو المخرج الشرعي الذي تقدمت الإشارة إليه.
ولا يجوز أن يقال: العلة التي أسقطت وجوب مباشرة الرمي عن المنوب عنه هي بعينها موجودة في حق النائب، وذلك للتفاوت بالجلد والقوة. وإذا عذر الخائف على نفسه والضعيف والمرأة إما مطلقًا لأجل هذا الزحام المذكور أو لغيره من الأعذار لم يباشر الرمي إلا نصف الحجيج مثلًا أو أقل، كما أن مما يخرج من معرة الزحام توخي الزمن الذي لا يكون فيه ذلك الزحام المذكور، أو لا يوجد فيه الزحام أصلًا، وبهذا يعلم أن للحجاج من الضرر عدة مخارج.
ثم سأل هذا الرجل سؤالًا، ليبدي ما لديه حوله من مقال. فقال: وهل يجب عليه أن يستنيب؟ أم تسقط عنه سقوطًا مطلقًا؟ فعند الفقهاء من الحنابلة والشافعية وغيرهم أن يستنيب من يرمي عنه كالمعضوب وإن لم يفعل فعليه دم. لكن يرد عليه قاعدة من قواعد الشرع المشهورة وهي أنه لا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة، وأنما تُرك للعذر وعدم القدرة على الفعل هو بمنزلة الآتي به في عدم الإثم، لأن الله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وفي الحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»
(1)
فلم يناسب التضييق بذلك مع العذر، ولهذا تجب الصلاة بحسب الإمكان، وما عجز عنه من شروطها وواجباتها سقط عنه، على أن شروط الصلاة وواجباتها آكد
(1)
رواه مسلم.
من شروط الحج وواجباته، فإن واجبات الصلاة إذا ترك منها شيئًا عمدًا بطلت صلاته، وواجبات الحج إذا ترك منها شيئًا عمدًا لم يبطل حجه.
يقال: ذكر هذا الرجل جواز الاستنابة في الرمي بشرطه عن الحنابلة والشافعية وغيرهم من العلماء ولم يذكر لهم مخالفًا يبين عدم وقوفه على خلاف في ذلك، وإنما نصب نفسه مخالفًا للعلماء زاعمًا ورود قاعدة «لا واجب مع عجز» على ما ذكروه، وهي لا ترد عليهم بحال، فإنهم أسقطوا عنه واجب المباشرة تمشيًا مع هذه القاعدة الشرعية ولا يلزم من سقوط واجب المباشرة أن لا يجب شيء آخر، فإن من العبادات ما يسقط وجوبه للعجز عنه إلى بدل: كواجب القيام في الصلاة، وكواجب الغسل من الجنابة، وواجب الوضوء في الصلاة وغير ذلك.
ومنها ما يسقط إلى غير بدل كالطهارة في حق عادم الماء والتراب، وأمثلة ذلك معروفة، كما أن من العبادات ما تدخله النيابة، ومنها ما لا تدخله النيابة، ودخول النيابة في العبادة وعدمه هو على حسب خفة العبادة في نفسها وعدمها، فإن العبادات المالية والمركبة منها ومن البدنية يسوغ فيها من النيابة ما لا يسوغ في العبادات البدنية المحضة، فالصلاة لكونها عبادة بدنية محضة لا تدخلها النيابة بحال. أما الصيام فجوزها أحمد في صوم النذر خاصة لخفته لكونه لم يكن واجبًا في أصل الشرع، ومنعها فيما عداه.
وجوزه آخرون، وقول أحمد: أقعد. والزكاة تدخلها النيابة فيجوز لزيد أن يؤدي من ماله زكاة مال عمرو بإذنه، فيكون كالوكيل له، كما يجوز لزيد أن
يستنيب خالدًا في تفرقة زكاته، والحج عبادة مركبة من مال وبدن فتدخله النيابة في رمي الجمار، وليس ذلك من التضييق في شيء.
قوله: ورمي الجمار ليس من الشروط ولا من الأركان، وإنما غاية ما يقال فيه: إنه واجب من الواجبات يؤمر به مع القدرة وليس في تركه مع العجز دم، لأن الدم إنما يكون في ترك المأمور وفعل المحظور بالاختيار، وهذا لم يترك مأمورًا بالاختيار ولا فعل محظورًا، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر العباس أن يستنيب في الرمي، ولا أن يجبره بدم، على أن مبيته مستلزم لترك الرمي، إذ لم ينقل عنه أنه رجع إلى منى بالنهار لقصد رمي الجمار، ومثله رعاة الإبل، فإنه لم يأمرهم باستنابة من يبيت مكانهم لأنه ممكن.
يقال: قول هذا الرجل: غاية ما فيه. يعني الرمي. أنه واجب.
هذه شنشنة أعرفها من أخزم، وتقدم في كلامه ما يبدو منه عدم اعتقاده وجوب الرمي، وبينا هنالك بطلانه.
وما صرح به من أن تارك واجب الحج عجزًا لا دم عليه، معللًا بأن الدم إنما يكون في ترك المأمور وفعل المحظور بالاختيار. باطل، وجهل صرف، وذلك أن قاتل الصيد في الإحرام يجب عليه الجزاء قتله بالاختيار أو بغير الاختيار، وحالق الرأس تجب عليه الفدية إذا حلقه لعذر كما وقع لكعب بن عجرة، وفيه نزلت:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] والمحصر يجب عليه ما استيسر من الهدي وهو لم يترك الواجب اختيارًا.
وتقدم الجواب عن استدلاله على عدم وجوب الرمي على السقاة بقصة العباس، وأن قصته من أدلة وجوب الرمي. وعدم نقل رجوع العباس إلى منى بالنهار لرمي الجمار لا يدل على أنه لم يرجع للرمي، لأنه ليس مما تتوفر الهمم والدواعي إلى نقله، للاستغناء عنه بالعلم بأصل الوجوب الذي لا يسقط إلا بدليل صريح والمبيت بمكة لا يفوت الرمي، والمبيت بمنى يفوت على العباس سقايته، ومجرد رمي الجمار لا يفوت عليه سقايته، لطول زمن المبيت وقصر زمن الرمي، ولا مشقة على العباس في مجيئه في اليومين الأولين من أيام منى، فالجمع بين المبيت بمكة ورمي الجمار بمنى ممكن بدون مشقة.
ولا يوافق هذا الرجل على استنابة رعاة الإبل من يبيت عنهم ممكن، بل ذلك غير ممكن شرعًا، كما هو معلوم في موضعه.
قوله: وكما لا تجوز الاستنابة في الوقوف بعرفة، ولا مزدلفة، والحلق، ولا التقصير، ولا المبيت بمنى، فهذا منها.
يقال: ليس في جواز الاستنابة في هذه المذكورات وعدمها ما يدل على المنع من الاستنابة في رمي الجمرات، فإنه مستفاد من دليل مستقل، معضود بالأدلة الدالة على جواز الاستنابة في أصل الحج، فإن بين واجب رمي الجمرات وغيرها من واجبات الحج فروقًا شرعًا معروفة، فلا يلزم من منع الاستنابة في بقية واجبات الحج منعها في رمي الجمرات. وبطريق الأولى الأركان، فإنه لا يلزم من منع الاستنابة فيها منع الاستنابة في الواجبات، فقياس الواجب على الركن باطل، إذ من المعلوم الفرق شرعًا بين العاجز عن الركن
والعاجز عن الواجب، كما علم الفرق شرعًا بين تارك ركن الحج عمدًا وتارك واجبه، وقياس واجبات الحج على واجبات الصلاة غلط ظاهر، لما بينهما من الفرق.
قوله: ومن التناقض العجيب قولهم: إن العذر في المبيت يسقط الدم والإثم، والعذر في الرمي يسقط الإثم دون الدم. فإن هذا تفريق بين متماثلين لا يقتضيه النص ولا القياس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن صفية:«أحابستنا هي؟ قالوا: نعم. قال: وهل أفاضت قالوا: نعم. قال: فلتنفر إذًا»
(1)
والوداع معدود من الواجبات، ولم يوجب في تركه للعذر دمًا.
يقال: لا تناقض بحمد الله، بل هو جار على أصول الشريعة المحمدية البعيدة كل البعد عن التناقض، والنبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما فرخص للرعاة في ترك المبيت ولم يرخص لهم في ترك الرمي، فثبت الفرق بين المبيت والرمي برخصة النبي صلى الله عليه وسلم للسقاة والرعاة في ترك المبيت وعدم رخصته لهم في ترك رمي الجمرات، وعلم من ذلك أن تفريق العلماء بينهما تفريق في محله.
وأيضًا من المعلوم أن شرعية المبيت ووجوبه من باب الوسائل، وشرعية رمي الجمار ووجوبه من باب الغايات، ويدخل في الوسائل من الرخصة للحاجة ما لا يدخل في الغايات، ولا يسوى بين الوسائل والغايات إلا من هو أجهل الناس.
(1)
أخرجه الستة.
وأيضًا ورد من الأدلة الشرعية على شرعية الرمي ووجوبه ما لم يرد مثله من المبيت، وقد تقدم ذلك.
وسقوط الوداع عن الحائض إلى غير بدل لا حجة فيه على سقوط كل واجب بالعذر إلى غير بدل، فإن الحيض في الحقيقة يمنع فعل تلك العبادة ووجوبها كما يمنع فعل الصلاة ووجوبها، بخلاف مسألتنا. مع أن الوداع مختلف فيه، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه سنة، وأوجبه آخرون واختلفوا في حق من هو. فقيل: في حق الحاج فقط. وقيل: في الخارج من مكة مطلقًا.
قوله: إذا ثبت هذا، فإن الصحيح الذي ندين به وندعو الناس إليه: هو أن المعذور بمرض أو ضعف حال أو من يخاف على نفسه حطمة الرجال فإنه يسقط عنه الرمي سقوطًا مطلقًا بلا بدل، كما سقط المبيت عن الرعاة والسقاة، وكما سقط طواف الوداع عن الحائض وهو معدود من الواجبات. ولا نقول بوجوب الاستنابة في هذه الحالة، لعدم ما يدل عليها، ولأن الله سبحانه {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].
يقال: يتبين مما قدمناه بطلان ما قرره هذا الرجل، وأنه من الثبوت بمكان بعيد، ودللنا على بطلانه بما ليس عليه من مزيد، ومن سوء نظره لم يقتصر على نفسه في عجره وبجره، بل دعا إلى ذلك بما ألف وجمع، ونشر وطبع، ولكن يأبى الله ورسوله والمؤمنون، فلا يسقط رمي الجمار عن المعذور، وإنما يسقط عنه المباشرة فقط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقط عن الرعاة، ولأن الأصل هو الوجوب، فلا يسقط إلا بدليل شرعي، ولا دليل، بل الأمر كما عرفت في رعاة الإبل. وقياسه على المبيت فاسد، لوجود الفارق كما تقدم. وهذا الرجل يهذي
ولا يدري، بل يجب على المعذور أن يستنيب، لدليلين شرعيين (أحدهما) ما ثبت من السنة في جواز النيابة في جميع الحج، فكما تدخله النيابة في جميعه تدخل في بعضه بشروطه المبينة في كلام أهل العلم (الثاني) ما ورد من النيابة عن الصبيان فيما يعجزون عنه من الرمي والتلبية، وقد ترجم على ذلك ابن ماجه في سننه فقال (باب الرمي عن الصبيان):
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الله بن نمير، عن أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر، قال:«حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم»
(1)
وقد مر بك قريبًا الجواب عما استدل به من سقوط طواف الوداع عن الحائض من غير بدل، واكتفيت بذلك عن إعادته هاهنا بما يكفي.
قوله: والأمر الثاني أنه يجوز رمي الجمار في أية ساعة شاء من ليل أو نهار، وكلام الأئمة في تحديد وقته بما بين الزوال إلى الغروب إنما يحسن الإفتاء به والعمل بموجبه في حالة القدرة والسعة، لا في حال الضيق والمشقة، فلا يفتي بالإلزام به في مثل هذا الزمان إلا من يحاول حطمة الناس وعدم رحمتهم. والفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان، فلو كان التقدير بهذا الزمن القصير شرطًا لسقط للعجز عن أدائه، أو لجاز تقديمه محافظة على فعله، لأن الجزم بلزومه مستلزم للحكم بسقوطه، حيث إنه صار في حق أكثر الناس من تكليف ما لا يستطاع.
إذا شئت أن تعصى وإن كنت قادرًا
…
فمر الذي لا يستطاع من الأمر
(1)
رواه مسلم.
يقال: لا ريب أن هذا شرع دين لم يأذن به الله، والعلماء به وأهل خشيته لا يجرؤون هذه الجراءة العظيمة، فينطقون بهذه الجملة الشاملة العميمة، إنما النطق بمثلها يكون ممن إليه التشريع صلى الله عليه وسلم كما قال صلى الله عليه وسلم:«يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار» .
لقد جهل هذا الرجل نفسه. وتحت هذه الجملة من الجهل والقول على الله ورسوله ما لا يعلمه إلا الله ثم العلماء بشرعه ودينه.
وقضية هذا العموم أن من رمى أية ساعة من ليلة النحر أو غيرها من الليالي أو أية ساعة من يوم عرفة أو ما قبلها أو ما بعدها من يوم النحر وأيام التشريق أو ما بعد أيام التشريق أجزأه، كالعموم الذي تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم في الطواف بالبيت والصلاة عنده:«أية ساعة شاء من ليل أو نهار»
(1)
.
فإن قيل: لا يلزم من إطلاقه هذا العموم والشمول.
قيل: بلى؛ لأن المقام مقام توقيت وعدمه فيكون إطلاقه نافيًا للتوقيت مطلقًا.
إذا علم هذا فإن رمي الجمرات أيام التشريق الثلاثة لا يصح قبل الزوال: بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب، فقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. وأما السنة فرميه صلى الله عليه وسلم بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير المفيد
(1)
أخرجه الخمسة.
للوجوب، كما في حديث جابر، وحديث ابن عمر وحديث ابن عباس وحديث عائشة، وقوله صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم» وقد تقدمت.
وأما الإجماع فأمر معلوم، وقد نص عليه في بعض كتب الخلاف والإجماع. ولا يرد عليه ما ذكره هذا الرجل عن طاووس وعطاء وغيرهما فإن هذا لا يعد خلافًا أبدًا، ولا يعتبر خلافًا عند العلماء، لأنه لا حظ له من النظر بتاتًا، بل هو مصادم للنصوص.
وأيضًا كلامه هذا مناقض لما قدمه من نهي النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب أن يرموا قبل طلوع الشمس مما يدل على أن الرمي موقت محدد.
وزعمه أنه لا يحسن الإفتاء بتحديد وقت رمي الجمار أيام التشريق بما بين زوال الشمس وغروبها في مثل هذا الزمان. إلى آخره.
يقال: التوقيتات الشرعية للعبادات لا تتغير الفتوى فيها أبدًا وقائل ذلك يلزمه في هذه المقالة ما لو طرد لأتى بالأبطال على أكثر العبادات الشرعية المؤقتة بالأوقات بإخراجها عن وقتها بتقديمها عليه المفوت شرط صحتها وغير ذلك، وتوقيت الرمي زمن النبي صلى الله عليه وسلم هو وقته اليوم ووقته إلى يوم القيامة. والمريض الشديد المرض وغيره من أرباب الأعذار لا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بدون نية الجمع بشرطه، كما لا يجوز له إجماعًا تقديمها أو بعضها على وقتها. فما بين زوال الشمس وغروبها هو وقت الرمي مطلقًا، لما تقدم. فإذا تحقق العذر في ترك مباشرة الرمي انتقل إلى البدل المدلول على صحته
بالسنة كما تقدم، ودل على وجوبه قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] فإن تقوى الله سبحانه ليست مختصة بالمباشرة. كما فهمه هذا الرجل مما يقتضي أن الإنسان إذا عذر في ترك المباشرة يبقى غير مأمور بتقوى الله. بل هو وإن عذر في المباشرة يبقى عليه من تقوى الله أشياء أخر، وذلك بأن يصير إلى البدل فيما له بدل، وبأن يستنيب فيما تدخله النيابة وأن يفدي فيما تجب فيه الفدية. وحينئذ يعرف أنه لا ملازمة بين الرخصة في عدم المباشرة للواجب وبين أن يبقى الإنسان غير مأمور بالتقوى فتقوى الإنسان الصحيح أو المريض القادر على القيام ربه هي أن يصلي الفرض قائمًا. وتقوى من لا يقدر على القيام ربه أن يصلي جالسًا. وتقوى العاجز عن الصلاة جالسًا ربه أن يصلي مضطجعًا.
قوله: والعاقل إذا رأى ما يفعله الناس عندها يعلم على سبيل اليقين أن فعلهم بعيد عن مقاصد الدين، لأن الله سبحانه وتعالى لم يتعبد عباده بالهلكة وأنه لا بد أن يوجد في الشريعة السمحة ما يخرج الناس عن هذه المآزق الخطرة إلى الرحب والسعة، لأن من قواعد الشرع أنه إذا ضاق الأمر اتسع، والمشقة تجلب التيسير وأنه يجوز ارتكاب أدنى الضررين لدفع أعلاهما.
يقال: لا يسلم لهذا الرجل ما زعمه من بعد الزحام عن مقاصد الدين، بل البعيد عن مقاصد الدين هو ما كان من ذلك مقصودًا بذاته لمن يرمون الجمار، وما كان زائدًا عن الزحام من ضرب أو دفع ونحو ذلك. أما ما هو من الزحام من لوازم وضروريات الاجتماع على هذه العبادة والحرص على أدائها ليخرج من العهدة بيقين مما لا يؤذي به أحدًا فإن ذلك ينسب إلى الدين، ولا حرج ولا عار
على من زاحم على واجب العبادة، وفي الزحام على مندوباتها كتقبيل الحجر الأسود ونحوه الخلاف. وبكل حال ففي الشريعة السمحة مما يتخلص به من الزحام الشديد بترك مباشرة الرمي للعذر الشرعي بالعدول إلى الاستنابة الشرعية، وهذا من الرحب والسعة التي اشتملت عليها الشرعية.
ولكن هذا الرجل يأبى قبول سعة الشرعية التي هي سعتها على الحقيقة مما لا يكون ناقضًا لأصل العبادة، ويدعو إلى سعة مزعومة مفتراة مزيفة فيها من تفويت شرط صحة العبادة ما يعرفه أهل العلم بدليل الكتاب والسنة والإجماع، فلو لم يكن على الرخصة الشرعية في جواز الاستنابة في الرمي دليل شرعي معين لكانت أولى بالأخذ بها وسلوك سبيلها في التسهيل ودفع المشقة من رخصة قد استوت مع هذه الرخصة في عدم الدليل مثلًا، إذ رخصته بالتجويز قبل الوقت مع فقدها الدليل مصادمة للدليل، ورخصة المسلمين بجواز الاستنابة في الرمي مع استنادها إلى الدليل لم تصادم الدليل. فأين هذه من هذه لو كان هذا الرجل يدر السبيل، ويعول على الدليل، ويجانب الفلسفة والتخييل.
ويخشى على هذا الرجل أن تتناوله هذه الآية الكريمة: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115] فيحرم الرجوع والمتاب، ويصمم على ما أملاه عليه فكره في ذلك الكتاب، بل يخشى عليه أعظم من ذلك وهو ضلال الجهال في تلك المسائل التي أساء فيها المقال، كما يخشى عليه ما هو أعظم من ذلك وأطم من فتح باب إلغاء النصوص، ومساعدة شطار اللصوص، المعدين
لنقض أحكام الشريعة بالخصوص.
وما ذكره: من أن الأمر إذا ضاق اتسع. هو حق، ولكنه به ما انتفع، لحصر سعته بما صور وابتدع، وألغى رخص من تقيد بالرخص الشرعية واتبع.
قوله: يبقى أن يقال: إن الناس لا يزالون يحجون على الدوام وفيهم العلماء الأعلام، وجهابذة الإسلام، ولم يعهد عن أحد منهم أنه جوز الرمي قبل الزوال ولا فعله بنفسه. وأجاب عن هذا السؤال الذي أورده قائلًا: إن هذه المقالة شنشنة أهل الجمود المتعصبين على مذهب الآباء والجدود، فهم دائمًا يدفعون الدليل بمثل هذا التعليل، وقالوا:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} [الزخرف: 23].
يقال: من عناية الله تبارك وتعالى لدينه وشرعه أن يجري على لسان من خالف الحق ما هو من أقوى الحجج عليه، فهذا الرجل اعترف ها هنا بأن العلماء الأعلام وجهابذة الإسلام على الدوام يحجون ولم يعهد عن أحد منهم أنه جوز الرمي قبل الزوال، ولا فعله بنفسه، فلقد صدق، وبالحق ها هنا نطق. وهذا مما يأتي على جميع ما مر من مفترياته بالهد والنقض، وإمامهم في عدم تجويز الرمي قبل الزوال هو سيد الأنام، صلى الله عليه وسلم، فلعمري ما فعله ولا جوزه، وهم كذلك ما فعلوه ولا جوزوا، فليقم هذا الرجل البرهان على التجويز، وليرم هؤلاء الأئمة الأعلام بما لديه من السهام، وإذا فعل حصل الوئام، وانتفى عنه الملام، ولكن كلا وهيهات أن تشتمل كنانته من السهام، ما يصلح لهد حصن الأئمة الأعلام، وجهابذة الإسلام، الذين يحجون على الدوام، ولم يجوزوا
لأحد حج معهم من الأنام، أن يرمي قبل الزوال، ولم يخالفوا شرع إمام كل إمام، فضلًا عن أن تصلح لأن يقذف بها هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته الثابتة من فعله التشريعي الخارج مخرج الامتثال والتفسير المقتضي للوجوب، ومن قوله صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم» .
وقد تصور هذا الرجل أن طاووسًا وعطاءً والرافعي والأسنوي يصلون أن يتعارض أقوالهم نصوص الكتاب والسنة والإجماع وغيرهم.
بقي لدى هذا الرجل سهم واحد رمى به أئمة الإسلام والعلماء الأعلام الذين يحجون على الدوام، ولم يقدموا الرمي قبل الزوال ولم يجيء عنهم تجويزه بحال، وظن أنه لا يبقى لهم باقية، وأن رميته إياهم به تكون هي القاضية، وبعد أن وسمهم بالجمود والتعصب على مذهب الآباء والجدود، وذلك السهم هو قوله تعالى:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} [الزخرف: 23] ولعمري لئن كانوا هكذا، وإمامهم في مسلكهم ذلك خير الورى، فعلى الدنيا العفى، لانتشار الجهل والجفى وإقفار أرضها من القول بالحق والوفى.
وقد أحس هذا الرجل ها هنا بأنه وقع في أسوأ ورطة فقال: وبالتأمل لما قلناه يعلم أن كلًّا منا ليس بأول مطر صاب أرض الفلاة، ولا هو بأول أذان أُقيمت له الصلاة.
فوجد وحشة الوحدة، وظلمة فقد الحجة، فسلى نفسه بذكر من تصور أن قولهم بمثل مقاله ينفي الوحدة. ولعمري ما له في هذا الطريق من رفيق. وهؤلاء
الذين اعتمدهم في مسلكه، لم يشاركوه في سوء صنيعه ومهلكه، فهم إن صح النقل عنهم إنما هو القول بالجواز، لا الرد على العلماء، ولا السعي في أن يجمعوا على خلاف السنة، والخروج عن طريق أهل الجنة جميع الورى، ولم يرموا واحدًا من الأمة بالجمود، والتقيد بدين الأباء والجدود، فضلًا أن يرموا بذلك كافة العلماء. وحينئذ تكون مقالته أول مطر سوء أصاب أرض الفلاة، وأول بوق آذنٍ برفض السنة أصغى إليه الجفاة، فوالله ما دعا قبله إلى هذه المقالة من إنسان، ولا جلب بخيله ورجله في زلزلة مناسك الحج ذو إيمان.
قوله: وقد سبق تسمية من قال بجوازه مطلقًا، وأنه مذهب لطاووس وعطاء، وجزم به الرافعي، وحققه الأسنوي، وهو مذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد في المتعجل.
يقال: إن أراد أن هؤلاء تصلح أقوالهم لمصادمة السنة كفانا مؤونة الرد عليه. وإن أراد المسألة خلافية فالذي عليه أهل العلم قاطبة أن مثل هذا الخلاف لا يعد خلافًا، ومستندهم من الأصول الشرعية في ذلك مقرر في كتب الأصول وغيرها.
قوله: فقول هؤلاء العلماء في توسعة وقته هو ما تقتضيه الضرورة وتوجبه المصلحة في مثل هذه الأزمنة، على أنه لا يصادم نص الشارع بل يوافقه، ولو لم يرد أنه رمى يوم العيد قبل الزوال، ولا قال لمن سأله عن التقديم والتأخير:«افعل ولا حرج» لكان سكوته عن بيانه هو من العفو الدال على جواز فعله، فإن الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من
الله عفوه، واحمدوه على عافيته {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
يقال: (أولًا) الأوقات التي وقتها الله ورسوله للعبادات ليس لأحد من العلماء تغييرها بتقديم أو تأخير أو زيادة أو نقصان، فإن التوقيت من الدين، ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله.
(ثانيًا) لا تسلّم الضرورة التي زعمها هذا الرجل، وقد قدمنا في ذلك ما يكفي.
(ثالثًا) إن سلم وجود الضرورة فالمخرج منها بالرخصة الشرعية وهي الاستنابة، وقد قدمنا دليل جوازها، وأنها هي الحقيقة بأن تسمى رخصة، وأن ما رآه هذا الرجل هو من شرع دين لم يأذن به الله.
(رابعًا) أن القول بجواز تقديم رمي أيام التشريق على وقته مصادم للنص، والنص هو كما تقدم رمي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزوال في ثلاثة الأيام جميعها تشريعًا منه للأمة: من حيث المكان، ومن حيث العدد، ومن حيث الزمان. ففعله ذلك صلى الله عليه وسلم على وجه الامتثال والتفسير يكون للوجوب من حيث المكان والزمان والعدد لا فرق بينهن في ذلك.
(خامسًا) يقال: لو أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى في يوم من أيام التشريق الثلاثة قبل الزوال ورمى في اليومين الآخرين بعد الزوال لساغ الاستدلال به على جوازه في اليومين الآخرين، ولا أظن أحدًا من الأمة سبقه إلى هذا الاستدلال، فهو استدلال ساقط، ولا نكون ممتثلين لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم» إلا
بأن نغاير بين يوم النحر وأيام التشريق في وقت الرمي وهذه العبادة- أعني رمي جمرة العقبة يوم النحر- وإن كانت بصورتها مثل رمي أيام التشريق فقد فارقت غيرها في عدة أحكام:
منها أنها إذا فعلت مع التقصير أو فعلت مع طواف الإفاضة حصل التحلل الأول، وإذا فعلت مع الاثنين الآخرين حصل الحل كله، ولم يثبت شيء من ذلك للجمرات أيام التشريق، فامتنع قياس رمي أيام التشريق عليها.
هذا لو لم يخصصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الوقت، فكيف وقد خصصها به.
فعسى هذا الرجل أن ينتبه من غفلته، ويستيقظ من رقدته، ويتوب إلى الله من التهجم على أحكام شرعه ودينه بما ليس من العلم في شيء. والحمد لله على وضوح النهار وجلاء الغبار.
(سادسًا) لا دليل في قوله صلى الله عليه وسلم يوم النحر لمن سأله عن تقديم الحلق على الرمي ونحو ذلك بقوله: «افعل ولا حرج» على جواز رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال أصلًا وذلك أن التقديم والتأخير الذي نفى النبي صلى الله عليه وسلم الحرج عن فاعله مختص بأعمال يوم النحر التي هي: الرمي والنحر، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، كما هو معلوم لكل أحد يفهم عن الله ورسوله من قوله في الحديث «يومئذٍ» ولو لم ترد هذه الكلمة لما كان في قول النبي صلى الله عليه وسلم:«افعل ولا حرج» دليل على أن جنس التقديم والتأخير في أيام منى وغيرها بالنسبة إلى الحج غير جائز، بل يكون ذلك مختصًّا بتلك المسألة التي سئل عنها، وذلك أن كلمة:«افعل ولا حرج» لا عموم فيها والعموم إنما هو في قول
الراوي: «فما سئل يومئذٍ عن شيء قدم أو أخر إلا قال افعل ولا حرج» ولهذا احتاج إلى التقييد المفيد اختصاصه بأعمال ذلك اليوم بقوله: «يومئذ» التي منعت أن يلحق بهذا اليوم سواه. فتبين ها هنا بطلان قياسه على رمي جمرة العقبة يوم النحر وإفلاسه من دلالة حديث «فما سئل يومئذ عن شيء» إلى آخره على مراده، فبقى صفر اليدين من المستند، ورجع بخفي حنين فيما قصد.
وكان من أدلة هذا الرجل على جواز رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال عدم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، كما يفهمه قوله ها هنا: فما سكت عنه فهو عفو. بل صرح به فيما سلف من رسالته.
فيقال: إن صح لك هذا صح لك أن تجوز الرمي بأكثر من سبع حصيات لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك.
فإن قلت: لا أفعل، لاقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على سبع مع قوله:«خذوا عني مناسككم» قيل لك: لم لا تقتصر على الوقت الذي رمى فيه محتجًّا بقوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» فإننا لا نكون آخذين عنه مناسكنا حقًّا إلا إذا رمينا بسبع حصات كما رمى، ورمينا المكان الذي رمى، وصدر منا ذلك في الزمان الذي رمى فيه، فإن اعتبار الزمان للعبادة هو أحد التوقيتين، فإن لهذه العبادة توقيتين: مكاني، وزماني. وهما أخوان، فمن فرق بينهما فقد فرق بين ما جمع الله.
وأيضًا لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن رمي غير الجمرات الثلاث. أفيسوغ لنا أن نستدل بعدم النهي على أن نرمي موضعًا رابعًا. سبحانك هذا بهتان عظيم. وقد قدمت أن الرخص الشرعية لون، وتقديم العبادات على وقتها لون آخر.
وسيجد قارئ هذا الجواب تكرارًا في مواضع حدانا عليه تكرار هذا الرجل فكررنا كما كرر، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تم بفضل الله الكريم ما أردته من جمع اختيارات الإمام العلامة سماحة الشيخ/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المفتي الأعظم في زمانه للديار السعودية - حرسها الله وعمرها بالإسلام والسنة - وفي الحقيقة إني بدأت جمعها وكتابتها وأنا على علم بأن الشيخ رحمه الله من أوسع العلماء المعاصرين علمًا ودراية ولكن كلما تقدمت في أبواب الفقه ظهر لي ما يبهر مطالعه من سعة علم هذا العالم وشموليته في جميع أبواب العلم وفنونه فلله دره من عالم محقق بصير. ورحمه الله رحمة واسعة وأخلف على أمة الإسلام من أمثاله إنه جواد كريم.
والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا على نعمه التي لا تعد ولا تحصى والحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا على ما يسر وأنعم من جمع هذا الكتاب.
وأسأله وهو خير من سئل أن يجعل العمل له خالصًا ولعباده نافعًا، وأن ينفع به الشيخ/ محمد وأن يجعله له من العلم الذي ينتفع به ويجري ثوابه على صاحبه بعد موته، وأن يشركنا معه في الأجر، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
ووقع الفراغ من تبييضه ليلة السبت 28 من شهر شوال لعام 1438 هـ.
خالد بن سعود بن عامر العجمي