المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم حُمِدَ مَن جعلَ العلمَ أجلَّ المواهب الهنيَّة - شرح الوقاية - ت أبو الحاج - جـ ٢

[المحبوبي صدر الشريعة الأصغر]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

حُمِدَ مَن جعلَ العلمَ أجلَّ المواهب الهنيَّة وأسناها، وأعلى المراتب السَّنيَّة وأسماها، أحسنُ ما يفتتح به الكلام، وشكرَ من خصَّ علم الأحكام والشَّرائع، بأنَّه أقوى الوسائل إليه والذرائع، أيمنُ ما يُسْتَنْجَحُ به المرام، فنحمده حمداً لا انصرام لعدده، ولا انفصام لمدده على ما أنعم وأولى من نعمه الظاهرة والباطنة، وأكرم وأبلى من قسمة البادية والكامنة، وأبصرنا الصراط المستقيم، ومنهج الرشاد، ويسَّرنا الابتساء بكرام الأسلاف والأجداد في نشر الأحكام وتبليغ الشرائع، والله ولي الإرشاد ونصلِّي على رسوله محمد الهادي للخلق إلى سواء السبيل الموازي علماء أمته لأنبياء بني إسرائيل، على كرام صحابته المستظلين بظلال سحابته، صلاة تترادف أمدادها

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ على (خيرِ خلقِهِ)

(1)

محمَّدٍ وآلهِ أجمعين (الطَّيبين الطَّاهرين)

(2)

.

وبعد

(3)

:

فيقولُ

(4)

العبدُ المتوسِّلُ

(5)

إلى الله تعالى بأقوى الذَّريعةِ

(6)

عبيدُ اللهِ بنُ مسعودِ بنِ

(1)

في أ و ب و س: رسوله.

(2)

زيادة من أ و ب و س.

(3)

زيادة من أ و س.

(4)

في ص و ف و م: يقول.

(5)

المتوسِّل: أي المتقرِّب، وفيه امتثال لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]، ودلت الأحاديث على جواز التوسل بالأعمال الصالحة، والذوات الفاضلة. ينظر:«الصحاح في اللغة» (2: 689)، و «عمدة الرعاية» (1: 48).

(6)

أقوى الذريعة: أي الوسيلة، قال عبد الحليم اللكنوي: والمراد به: إما الرسول صلى الله عليه وسلم، وإما القرآن، وإما الصلاة، وإما الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وإما علم الشريعة والأحكام الشاملة للفقه والأصول والكلام، وإما علم الفقه، وهو الأولى، فإنه بصدد التأليف فيه، وأضاف ابنه عليها: أن يراد بها كل ما سبق من البسملة والحمدلة والصلاة، وأن يراد بها دين الإسلام، وأن يراد بها جده وأستاذه، وأن يراد بها المذهب الحنفي، وأن يراد بها الأئمة المجتهدون ولاسيما الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه. ينظر:«السعاية» (ص 6).

ص: 3

وتتضاعف أعدادها.

وبعد:

فإنَّ الولدَ الأعزَّ عبيدَ الله صرف الله أيامه بما يحبُّه ويرضاهُ لما فرغَ من حفظ الكتب الأدبيَّة، وتحقيق لطائف الفضل، ونكت العربية، أحببت أن يحفظ في علم الأحكام كتاباً رايعاً، ولعيون مسائل الفقه راعياً، مقبول الترتيب والنظام، مستحسناً عند الخواص والعوام، وما ألفيت في المختصرات ما هذا شأنه، فألفت في رواية كتاب «الهداية» ، وهو كتاب فاخر، وبحر مواج زاخر، كتاب جليل القدر عظيم الشأن، زاهر الخطر، باهر البرهان، قد تمَّت حسناته، وعمَّت بركاته، وبهرت آياته، مختصراً جامعاً لجميع مسائله، خالياً عن دلائله، حاوياً لما هو أصح الأقاويل والاختيارات، وزوائد

تاجِ الشَّريعة، سَعِدَ جدُّه

(1)

، وأنجح

(2)

جدُّه

(3)

: هذا حلُّ المواضعِ المغلقةِ من «وقايةِ الرِّوايةِ في مسائلِ الهداية» ، التي ألَّفها جَدِّي وأستاذي مولانا الأعظم، أستاذُ علماءِ العالَم، برهانُ الشَّريعةِ والحقِّ والدِّين، محمودُ بنُ صدرِ الشَّريعة، جزاهُ اللهُ عنِّي وعن جميعِ المسلمينَ خيرَ الجزاء؛ لأجلِ حفظي، والمولى المؤلِّفُ لمَّا ألَّفها سَبَقاً

(4)

سَبَقاً

(5)

، وكنتُ أجري في ميدانِ حفظِهِ طَلَقَاً

(6)

طَلَقَاً، حتى اتَّفقَ اتمامُ تأليفِهِ مع اتمامِ حفظي.

انتشرَ بعضُ النُّسخِ في الأطراف، ثمَّ بعد ذلك وقعَ فيها شيءٌ من التَّغييرات، ونُبَذٌ

(1)

الجَدّ: بفتح الجيم: أبو الأب أو أبو الأم، أو البَخْتُ والحِظْوة، أوالحظّ والرِّزق، أو العظمة. والجِدّ: بكسر الجيم: الاجتهاد في الأمر وضد الهزل. قال عبد الحليم اللكنوي: بكسر الجيم: أي قرن الله اجتهاده في تأليف هذا الشرح بالسعادة. وقال التفتازاني: وأما بفتح الجيم ففيه إيهام لأنه محتمل لما ذكر. ينظر: «لسان العرب» (1: 560 - 561). «القاموس» (1: 291). «عمدة الرعاية» (1: 49). «التلويح» (1: 4).

(2)

أنجح: بمعنى صار ذا نجح، وأنجح الحاجة قضاها. ينظر:«مختار الصحاح» (ص 646).

(3)

وهي محتمل كالأولى، والجملة كسابقتها دعائية، وللشارح ولوع بذكرها، فقد ذكرها في ديباجة «التوضيح» (1: 4)، وديباجة «النقاية» (ص 3).

(4)

السَّبَق: بفتحتين: ما يجعل من المال رهناً على المسابقة. ينظر: «اللسان» (2: 1929).

(5)

المراد منها هنا: مقدار ما يقرأ التلميذ على الأستاذ كل يوم، ونصبه على الحالية، أي حال كون المؤلَّف وهو الوقاية سَبَقاً سَبَقاً يعني أنه ألَّفه تدريجاً كل يوم بمقدار سَبَق. ينظر:«العمدة» (1: 50).

(6)

الطَّلَق: الشوط، يقال عدا الفرس طلقاً أي شوطاً. ينظر:«المعجم الوسيط» (ص 563).

ص: 4

فوائد الفتاوى والواقعات، وما يحتاج إليه من نظم الخلافيات، موجزاً ألفاظه نهاية الايجاز، ظاهراً في ضبط معانيه، مخايلُ السحر ودلائل الاعجاز، موسوماً بـ «وقاية الرواية بمسائل الهداية» ، والله المسؤول أن ينفع حافظيه والراغبين فيه عامةً، والولد الأعزَّ عبيد الله خاصة.

من المحوِ والإثبات، فكتبتُ في هذا الشَّرحِ العبارةَ التي تقرَّر عليها المتن؛ لتُغَيَّر النُّسخِ المكتوبةِ إلى هذا النَّمَط.

والعبدُ الضَّعيفُ لمَّا شاهدَ في أكثرِ النَّاسِ كسلاً عن حفظِ «الوقاية» ، أخذتُ عنها مختصراً

(1)

مشتملاً على ما لا بدَّ لطالبِ العلمِ منه، فافتحُ في هذا الشَّرحِ مغلقاتِه أيضاً

(2)

إن شاءَ اللهُ تعالى، وقد كان الولدُ الأعزُّ محمودٌ

(3)

ـ برَّد الله مضجعَهُ ـ بعد حفظَ «المختصرِ» مبالغاً

(4)

في تأليفِ «شرحِ الوقاية» ، بحيث ينحلُّ منه مغلقاتُ «المختصر» ، فشرعتُ في إسعافِ مرامِه، فتوفَّاهُ اللهُ قبلَ إتمامِه، فالمأمولُ من المستفيدينَ من هذا الكتاب، أن لا ينسُوُه من دعائِهم المستجاب، إنَّهُ الميسِّرُ للصَّواب، والفاتحُ لمغلقاتِ الأبواب.

* * *

(1)

وهو المسمَّى بـ «النقاية» ، قال في ديباجته (ص 3 - 4): لما وجدت قصور همم بعض المحصلِّين عن حفظه ـ أي «الوقاية» ـ فاتخذت منه هذا المختصر مشتملاً على ما لا بدَّ منه لطالب العلم عن حفظها، فكل من أحبَّ استحضار مسائل «الهداية» فعليه حفظ «الوقاية» ، ومن أعجله الوقت، فليصرف إلى حفظ هذا المختصر عنان العناية إنه وليُّ الهداية.

(2)

أي مغلقات «النقاية» ، فهذا الشرح شرحٌ «للنقاية» أيضاً من قبل مؤلِّفها. وعبارات الشارح هنا واضحة في أن الوقاية لجده وأن هذا شرح لها بخلاف ما ادعى ابن عابدين في «الدر المختار» (1: 121) من أن هذا شرح للنقاية لا للوقاية كما سبق في الدراسة.

(3)

قال عبد الحي اللكنوي في «السعاية» (ص 11): عندي وعند غيري محمود علم لابن الشارح.

(4)

مبالغاً: أي طالباً كمال الطلب وساعياً كمال السعي. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 51).

ص: 5

‌كتاب الطهارة

قال اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية

كتاب الطهارة

(1)

اكتفى بلفظِ الواحدِ مع كثرةِ الطَّهارات؛ لأنَّ الأصلَ أنَّ المصدرَ لا يُثنَّى ولا يُجْمَعُ؛ لكونِها

(2)

اسمُ جنسٍ

(3)

يشملُ جميعَ أنواعِها، وأفرادِها، فلا حاجةَ إلى لفظِ الجمع.

(قال اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية

(4)

) افتتحَ الكتابَ بهذه الآيةِ تيمُّناً؛ ولأنَّ الدَّليلَ أصل، والحكمُ فرعُه، والأصلُ مقدَّمٌ بالرُّتبةِ على الفرع. ثمَّ لمَّا كانت الآيةُ دالَّةً على فرائضِ

(5)

الوضوء

(6)

، أدخلَ فاءَ التَّعقيبِ في قوله:

(1)

وجَّه عبد الحي اللكنوي في «السعاية» (ص 24) اختيار صاحب «الهداية» : الطهارات، واختيار صاحب «الوقاية» ، فقال: مرجِّحُ أحد المسلكين هو التصور بوجه ما، فإن المصنف تصور الطهارة بأنها مصدر جنس، فمال قصده إلى إفراده، وصاحب «الهداية» تصور بأنه كثير الافراد، فمال قصده إلى جمعه، وهذا هو غرض الشارح من تبيان الأصل.

(2)

لا وجه لتأنيث الضمير في لكونها؛ لأنه لا يصلح رجوع الضمير إلى الطهارة، بل يجب أن يرجع إلى المصدر. ينظر:«حاشية عصام الدين على شرح الوقاية» (ق 3/أ).

(3)

اسم الجنس هو ما دلّ على الماهية المطلقة الصادقة على القليل والكثير، ويسمّى اسم جنس إفرادياً، وبهذا المعنى يطلق على المصادر كلّها وعلى مثل ماء وعسل ونحوهما؛ لذا قيل: إن المصادر لا تثنّى ولا تجمع ولا تؤنَّث، ومَن جمعَ أو ثنَّى لا بدّ أن يكون قد ارتكب تأويلاً، وقوله: لكونها؛ علةٌ لقوله: لأن الأصل أن المصدر. والله أعلم. أفاده الشيخ قاسم بن نعيم الحنفي.

(4)

المائدة، الآية (6)، وتتمتها: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ

}.

(5)

استعمل صاحب «التنوير» (1: 63)، وصاحب «المراقي» (ص 97)، وصاحب «الهداية» (ص 23) أركان بدل فرائض، وهو حسن في دلالة الركن على المراد.

(6)

قال السُّهَيلي: كانت فريضة الوضوء بمكة، ونزلت آيته بالمدينة، أخرج الطبراني في «المعجم الأوسط» (4: 174)، والبزار في «مسنده» (4: 167)، وغيرهم، عن أسامة بن زيد أنَّ أباه حدَّثه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم في أوَّل ما أوحي إليه أتاه جبرائيل فعلمه الوضوء

) وزعم ابنُ الجَهْم المالكي أنه كان مندوباً قبل الهجرة، وابنُ حزم أنه لم يشرع إلى في المدينة. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 41).

ص: 6

ففرضُ الوضوء: غسلُ الوجهِ من الشَّعر إلى الأذن وأسفلُ الذَّقن واليدين، والرِّجلين، مع المرفقين والكعبين

(ففرضُ الوضوء:

غسلُ الوجهِ من الشَّعر): أي من قصاصِ شعرِ الرَّأس، وهو منتهى منبت شعرِ الرَّأس (إلى الأذن) فيكون ما بين العِذارِ

(1)

والأُذُنِ داخلاً في الوجه، كما هو مذهبُ أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّدٍ رضي الله عنه فيفرضُ غسلُه، وعليه أكثرُ مشايخنا

(2)

رضي الله عنهم.

وذكرَ شمسُ الأئمَّة الحَلْوَانيُّ

(3)

رضي الله عنه: يكفيه أن يَبُلَّ ما بين العِذارِ والأُذُن، ولا يجب إسالةُ الماءِ عليه؛ بناءً على ما رُوي عن أبي يوسفَ رضي الله عنه: أنَّ المصلِّي إذا بَلَّ وجهَهُ وأعضاءَ وضوئِهِ بالماء، ولم يسلْ الماءُ عن العضو جاز، لكن قيلَ تأويلُهُ: أنّه سالَ من العضوِ قطرةٌ أو قطرتان

(4)

، ولم يتدارك.

(وأسفلُ الذَّقن) فتممَّ حدودَ الوجهِ من الأطرافِ الأربعة

(5)

.

ثمَّ عَطَفَ على الوجه قولَه: (واليدين، والرِّجلين مع المرفقين، والكعبين

(6)

)

(1)

العِذار: استواء شعر الغلام، يقال ما أحسن عِذاره، أي خطَّ لحيته. ينظر:«اللسان» (4: 2857).

(2)

قال الحصكفي في «الدر المختار» (1: 66): وبه يفتى. وقال ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 66): وهو ظاهر المذهب، وهو الصحيح، وعليه أكثر المشايخ. وفي «المراقي» (ص 98): وعن أبي يوسف سقوطه بنبات اللحية. وفي «الدر المنتقى» (1: 10): وإن كان امراةً أو أمرداً فغلسه واجب اتفاقاً.

(3)

وهو عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح الحَلْوَانِيّ، بفتح الحاء، وسكون اللام، بعدها واو، ثم ألف ساكنة في آخرها نون أو همزة، نسبة إلى عمل الحلوى، قال ابن ماكولا: إمام أهل الرأي في وقته ببخارا، من مؤلفاته:«المبسوط» ، و «النوادر» ، و «الفتاوي» . وقد اختلفوا في وفاته فأرَّخ القاري في «الأثمار الجنية» (ق 35/أ) وفاته سنة (448 هـ)، وهو ما أرَّخ به صاحب «الأعلام» (4: 136)، وفي «تاج التراجم» (ص 190): صحح الذهبي أنَّ وفاته سنة (456 هـ).

(4)

وفي الوضوء بالثلج يكفي قطرتان اتفاقاً. ينظر: «حاشية عصام الدين» (ق 6/أ).

(5)

وهي طولاً: من مبدأ سطح الجبهة إلى أسفل الذقن، وعرضاً: ما بين شحمتي الأذنين. ينظر: «المراقي» (ص 97 - 98). ولا يجب غسل باطن العينين والأنف، والفم، وأصول شعر الحاجبين، واللحية الكثة، والشارب، وونيم ذباب للحرج. ينظر:«الدر المختار» (1: 66).

(6)

يستحبُّ ابتداء الغسل من رؤوس الأصابع في اليدين والرجلين؛ لأنه سبحانه جعل المرافق والكعبين غاية الغسل، فينبغي أن تكون نهاية الفعل. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 21).

ص: 7

....................................................................................

خلافاً لزُفَرَ

(1)

رضي الله عنه، فإنَّ عنده لا يَدْخُلُ المرفقانِ والكعبانِ في الغَسل؛ لأنَّ الغايةَ لا تدخلُ تحتَ المغيَّا

(2)

.

ونحن نقول: إن كانت الغايةُ بحيثُ لو لم تدخلْ فيها كلمةُ: إلى، لم يتناولْها صدرُ الكلام، لم يدخلْ تحت المغيَّا، كاللَّيلِ في الصَّوم.

وإن كانت بحيثُ يتناولُها الصَّدرُ كالمتنازعِ فيه تدخلُ تحتَ المغيَّا

(3)

، بناءً على أنَّ للنَّحويِّين في: إلى؛ أربعةُ مذاهب:

الأوَّل: دخولُ ما بعدَها فيما قبلها إلا مجازاً.

والثَّاني: عدمُ الدُّخولِ إلا مجازاً

(4)

.

والثَّالث: الاشتراك

(5)

.

والرَّابع: الدُّخولُ إن كانَ ما بعدها من جنسِ ما قبلها، وعدمُهُ إن لم يكن

(6)

.

فهذا المذهبُ الرَّابعُ يوافقُ ما ذكرنا في اللَّيل

(7)

والمرافق

(8)

.

(1)

وهو زفر بن الهُذَيْل بن قيس العَنْبَرِيّ البصري صاحب أبي حنيفة، كان يفضِّلُه، ويقول: هو أقيس أصحابي، قال الذهبي: كان ثقة في الحديث، موصوفاً بالعبادة، ألف بيري زاده مصنفاً في المسائل المفتى بها على رأيه المذهب الحنفي، وهي سبع عشرة مسألة، له نسخة مخطوطة في دار صدام للمخطوطات، (110 - 158 هـ). ينظر:«وفيات الأعيان» (2: 317). «العبر» (1: 229)، «الفوائد» (ص 132). أفرده الكوثري بتأليف سمّاه «لمحات النظر في سيرة الإمام زفر» .

(2)

أي زفر يقول فيما ذهب إليه أن الغاية: أي الحدّ لا تدخل تحت المغيا: أي المحدود. ينظر: «البناية في شرح الهداية» (1: 107).

(3)

قال صدر الشريعة في «التوضيح» (1: 116): الغاية إن كانت غاية قبل تكلمه نحو أكلت السمكة إلى راسها لا تدخل تحت المغيا، وإن لم تكن غاية قبل تكلُّمه، فصدر الكلام إن لم يتناولها فهي لمد الحكم نحو:{أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل} [البقرة: 187]، فإن صدر الكلام لا يتناول الغاية، وهي الليل فتكون الآية حينئذ لمد الحكم إليها، وإن تناول صدر الكلام الغاية نحو اليد فإنها تتناول المرافق.

(4)

أي كالمرافق فدخولها تحت حكم المغيا يكون بطريق المجاز على المذهب. ينظر: «التوضيح» (1: 116). وهذا المذهب هو الذي صححه ابن هشام في «مغني اللبيب» (1: 74).

(5)

أي دخول الغاية تحت المغيا في: إلى، بطريق الحقيقة، وعدم الدخول أيضاً بطريق الحقيقة. ينظر:«التوضيح» (1: 116).

(6)

ذهب التفتازاني في «التلويح» (1: 166)، وابن الهمام في «التحرير» (ص 205 - 206)، والقاري في «فتح باب العناية» (1: 23): إلى أن المحقِّقين من النحاة قالوا: معنى: إلى؛ الغاية مطلقاً، وأما دخول ما بعدها في حكم ما قبلها أو خروجه عنه، فأمر يدور مع الدليل؛ لذلك قال القاري: أخذ زفر وداود فيهما بالمتيقَّن، فلم يدخلاها في الغسل، وأخذ الجمهور بالاحتياط وأدخلوها فيه؛ لكونه صلى الله عليه وسلم أدار الماء على مرافقه.

(7)

أي أن صدر الكلام لما لم يتناول الغاية لا تدخل تحت المغيا. ينظر: «التوضيح» (1: 116).

(8)

أي أن صدر الكلام لما تناول الغاية تدخل تحت حكم المغيا. ينظر: «التوضيح» (1: 116).

ص: 8

....................................................................................................................

وأمَّا الثَّلاثةُ الأُوَل: فالأوَّلُ يعارضُهُ الثَّاني، فتساويا، والثَّالثُ أوجبَ التَّساوي أيضاً، فوقعَ الشَّكُ في مواضعِ استعمالِ كلمة: إلى.

ففي مثل صورة: اللَّيل في الصَّوم، إنَّما وَقَعَ الشَّكُّ في التَّناولِ والدُّخول، فلا يثبتُ التَّناولُ بالشَّكّ.

وفي مثلِ صورة: النِّزاع، إنَّما وقعَ الشَّكُّ في الخروجِ بعدما ثبتَ تناولُ صدرِ الكلامِ والدُّخولُ فيه، فلا يخرجُ بالشَّكّ.

وما ذكرُوا

(1)

أنَّها غايةُ الإسقاط فمشهور في الكتب

(2)

، فلا نذكرُه. ثمَّ الكعبُ

(3)

في رواية هشام

(4)

رضي الله عنه عن محمَّد رضي الله عنه: هو المفصلُ الذي في وسطِ القدمِ عند معقدِ الشِّراك

(5)

،

لكنَّ الأصحَّ

(6)

أنَّها العظمُ النَّاتئُ الذي ينتهي إليه عظم السَّاق؛ وذلك لأنَّه تعالى اختار لفظَ الجمعِ في أعضاءِ الوضوء، فأريدَ بمقابلةِ الجمعِ بالجمع انقسامُ الآحادِ على الآحاد،

(1)

أي بعض المتأخرين من أصحابنا الذين شرحوا كلام علمائنا المتقدِّمين أن: إلى؛ للغاية، والغاية لا تدخل تحت المغيَّا مطلقاً، لكن الغاية هنا ليست الغَسل، بل للإسقاط، فلا تدخل تحت الإسقاط، فتدخل تحت الغَسل ضرورة؛ وذلك لأن اليد لما كانت اسماً للمجموع لا تكون الغاية غاية لغسل المجموع؛ لأن غسل المجموع إلى المرافق محال، فقوله:{إِلَى المَرَافِق} يفهم منه سقوط البعض، ومعلوم أن البعض الذي سقط غسله، هو البعض الذي يلي الإبط، فقوله:{إِلَى المَرَافِق} غاية لسقوط غسل ذلك البعض فلا يدخل تحت السقوط.

(2)

ينظر: «الهداية» (1: 12)، و «الاختيار» (1: 13)، و «رمز الحقائق» (1: 7)، وغيرها.

(3)

الكعب: هو العظم النَّاتئ، مأخوذ من الكاعب، وهي الجارية التي نتأ ثديُها، أي ارتفع. ينظر:«طلبة الطلبة» (ص 11).

(4)

وهو هشام بن عبيد الله الرَّازِيّ، مات محمد بن الحسن في منْزله بالرَّيِّ، ودفن في مقبرتهم، من مؤلفاته:«النوادر» ، و «صلاة الأثر» ، قال: لقيت ألفاً وسبعمئة شيخ، وأنفقت في العلم سبعمئة ألف درهم. ينظر:«الجواهر» (3: 569 - 570). «طبقات ابن الحنائي» (ص 28). «الفوائد» (ص 364).

(5)

قالوا: هو سهو من هشام؛ لأن محمداً إنما قال ذلك في المحرم إذا لم يجد النعلين حيث يقطع خفيه أسفل من الكعبين، وأشار محمد بيده إلى موضع القطع، فنقله هشام إلى الطهارة. ينظر:«البحر الرائق» (1: 14)، و «رد المحتار» (1: 67).

(6)

قوله الأصح ليس كما ينبغي؛ لأنه يوهم أنه يقابله صحيح، وليس كذلك، فمقابله خطأ، والواجب إطلاق الصحيح، إلا أن يقال قد يطلق الأصح ويريد الصحيح. ينظر:«حاشية عصام الدين» (ق 7/أ).

ص: 9

ومسحُ رُبْعِ الرَّأس واللِّحية

واختارَ في الكعبِ لفظَ المثنى فلم يمكنْ أن يُرادَ به انقسامُ الآحادِ على الآحاد، فتعيَّنَ أنَّ المثنَّى مقابلٌ لكلِّ واحدٍ من أفرادِ الجمع في كلِّ رِجْلِ كعبان، وهما العظمان النَّاتئان لا معقدُ الشِّراك

(1)

، فإنَّهُ واحدٌ في كلِّ رجل

(2)

.

(ومسحُ رُبْعِ الرَّأس واللِّحية) المسحُ

(3)

: إصابةُ اليدِ المبتلَّةِ العضو، إمَّا بَلَلاً يأخذُهُ من الإناء، أو بَلَلاً باقياً باليدِ بعد غَسلِ عضوٍ من المغسولات

(4)

. ولا يكفي البَلَلُ الباقي في يدِهِ بعد مسحِ عضوٍ من الممسوحات، ولا بَلَلٌ يأخذُهُ من بعضِ أعضائهِ سواءٌ كان ذلك العضوُ مغسولاً أو ممسوحاً، وكذا في مَسْحِ الخُفّ

(5)

.

(1)

الشِّراك: سَيْرُ النَّعْل، والجمع شُرُك، وأشرك النعل وشَرَّكها، جعل لها شراكاً. ينظر:«اللسان» (3: 2250).

(2)

حاصل الاستدلال الذي ذكره الشارح أنه تقرَّر في مقرِّه أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد كقولهم: ركبو دوابهم، بمعنى أن كل واحد منهم ركب دابته، ومقابلة الجمع بالمثنى لا تقتضي ذلك، كقولهم: لبسوا ثوبين، يعني أن كل واحد منهم لبس ثوبين ثوبين، إذا عرفت هذا فاعلم أن الله تعالى اختار الجمع في أعضاء الوضوء أي الوجوه والرؤوس والأيدي والمرافق، فأريد بمقتضى القاعدة مقابلة الواحد بالواحد، واختار في الكعب لفظ المثنى، فتكون مقابلة المثنى بكل فرد من أفراد الجمع، فدل ذلك على أن في كل رجل كعبين، والكعب بالمعنى الذي رواه هشام ليس إلا واحداً في كل رجل فوجب أن يكون المراد هو العظم الناتئ. ينظر:«السعاية» (ص 71).

(3)

مسح: الميم والسن والحاء أصل صحيح، وهو إمرار الشيء على الشيء بسطاً. ينظر:«معجم مقاييس اللغة» (5: 322). قال اللكنوي في «السعاية» (ص 74): وما ذكره الشارح لا يستقيم حداً على حسب اللغة، ولا على حسب الشرع إلا بتكلفات يستغنى عن ارتكابها، فالأولى أن يقال اللام في المسح للعهد، والغرض منه ليس تحديده، بل طريقة مسح الرأس على الوجه المسنون.

(4)

قال الحاكم الشهيد بالمنع، وخطَّأه عامة المشايخ لما ذكره محمد في مسح الخف أنه إذا توضأ، ثم مسح على الخفّ ببلة بقيت على كفّه بعد الغسل جاز، وانتصر له ابن الكمال، وقال في «إيضاح الاصلاح» (ق 2/ب): الصحيح ما قاله الحاكم فقد نص الكَرْخِيّ في «جامعه الكبير» على الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه إذا مسح رأسه بفضل غسل ذراعيه لم يجز إلا بماء جديد: لأنه قد تطهر به مرّة. وأقرَّه في النهر. وينظر: «رد المحتار» (1: 67).

(5)

وكذا في مسح الجبيرة. ينظر: «السعاية» (ص 76).

ص: 10

...................................................................................................................

واعلمْ

(1)

أنَّ المفروضَ

(2)

في مسحِ الرَّأسِ أدنى ما يطلقُ عليه اسمُ المسح، وهو شعرةٌ أو ثلاثُ شعراتٍ عند الشَّافعيِّ

(3)

(4)

رضي الله عنه، عملاً بإطلاقِ النَّصّ.

وعندَ مالكٍ

(5)

(6)

: الاستيعابُ فرضٌ كما في قولِهِ تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}

(7)

(1)

سيشرع في بيان اختلاف المذاهب في القدر المفروض في مسح الرأس، وإثبات مذهب الحنفية.

(2)

المفروض: المقدَّرُ من الفرض بمعنى التقدير، سواء كان بالدليل القطعي وهو الاعتقادي، أو الظني وهو العملي، والفرض الاعتقادي يكفر جاحده، والفرض العملي لا يكفر جاحده، فهو من جهة العمل فقط محكوم أنه فرض، لا من جهة الاعتقاد، فهو في قوة القطعي في العمل بحيث يفوت الجواز بفواته، والمجتهد قد يقوى عنده الدليل الظني حتى يصير قريباً عنده من القطعي، فما ثبت به يسميه فرضاً عملياً؛ لأنه يعامل معاملة الفرض في وجوب العمل، ويسمى واجباً نظراً إلى ظنية دليله، فهو أقوى نوعي الواجب، وأضعف نوعي الفرض، بل قد يصل خبر الواحد عنده إلى حدّ القطعي، ولذا قالوا: إنه إذا كان متلقى بالقبول جاز اثبات الركن به حتى ثبتت ركنية الوقوف بعرفات بقوله صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» . والمقدار في مسح الرأس من قبيل الفرض العملي، لأن خبر الواحد ظنّي في نفسه مع قطع النظر عن صحة دلالته. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 23 - 24)، و «كشف الستر عن فرضية الوتر» (ص 7)، و «رد المحتار» (1: 64).

(3)

وهو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب الشَّافِعِيّ القُرْشِيّ، أبو عبد الله، ينسب إليه المذهب الشافعي، وهو أحد مجددي المئة الثانية الهجرية، قال هلال بن العلاء: أصحاب الحديث عيال على الشافعي فتح لهم الأقفال. له: «الأم» ، و «الرسالة» ، (150 - 204 هـ). ينظر:«تهذيب الأسماء» (1: 44 - 67). «طبقات الأسنوي» (1: 18 - 20). «وفيات» (4: 163 - 169).

(4)

ينظر: «الدرر البهية» (ص 12). «المقدمة الحضرمية» (ص 6)، و «سفينة النجاة» وشرحه «كاشفة السجا» (ص 19)، و «الرياض البديعة» (ص 15).

(5)

وهو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأَصْبَحِيّ الحِمْيَريّ المَدَنِيّ، أبو عبد الله إمام دار الهجرة، ينسب إليه المذهب المالكي، له:«الموطأ» ، (93 - 179 هـ). ينظر:«وفيات» (4: 135 - 139). «العبر» (1: 272 - 273). «طبقات الشيرازي» (ص 53 - 54).

(6)

ينظر: «إرشاد السالك» (ص 6)، و «مصباح السالك» (ص 25)، و «مختصر الأخضري» وشرحه «هداية المتعبد» (ص 13)، و «المقدمة العزية» وشرحها «الجواهر المضية» (ص 15)، و «عمد البيان» (ص 27).

(7)

من سورة النساء، آية (43).

ص: 11

...................................................................................................................

وعندنا ربعُ الرَّأس

(1)

:

وقد ذكرُوا أنَّهُ إذا قيل: مسحتُ الحائط بيدي، يرادُ به

(2)

كلُّه، (لأنَّ الحائطَ اسمٌ للمجموع، وقد وقعَ مقصوداً؛ لأنَّهُ محلّ، و المحلُّ هو المقصودُ بالفعلِ المتعدي، فيرادُ بهِ كلُّه)

(3)

.

وإذا قيل: مسحت بالحائط، يرادُ به

(4)

بعضه؛ لأنَّ الأصلَ في الباءِ أن تدخلَ على الوسائل، وهي غيرُ مقصودةٍ، فلا يثبتُ استيعابها، بل يكفي منها ما يتوسَّلُ به إلى المقصود، فإذا دخلَت الباءُ في

(5)

المحلِّ شُبِّهَ المحلُّ بالوسائل، فلا يثبتُ استيعابُ المحلّ.

(1)

اعلم أن في مقدار مسح الرأس روايات:

الأولى: وهي أشهرها مسح ربع الرأس، وهي رواية الطحاوي والكرخي عن أبي حنيفة رضي الله عنهم. كما في «درر الحكام» (1: 10)، وفي «رد المحتار» (1: 67): الحاصل أن المعتمد رواية الربع وعليها مشى المتأخرون، كابن الهمام وابن أمير حاج، وصاحب «البحر» ، و «النهر» ، والمقدسي، والتمرتاشي، والشرنبلالي، وغيرهم.

والثانية: مقدار الناصية، واختارها القدوري، فقال في «مختصره» (ص 2): والمفروض في مسح الرأس، وهو الربع. ومثله في «الهداية» (1: 12)، قال ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 67): التحقيق أنها أقلّ منه.

والثالثة: مقدار ثلاثة أصابع، رواها هشام عن الإمام، قال ابن نجيم في «البحر» (1: 15): ذكر في «البدائع» أنها رواية الأصول، وفي «غاية البيان» أنها ظاهر الرواية، وفي «معراج الدراية» أنها ظاهر المذهب، واختيار عامة المحققين، وفي «الظهيرية»: وعليها الفتوى، ووجهوها: بأن الواجب الصاق اليد، والأصابع أصلها، والثلاث أكثرها، وللأكثر حكم الكلّ، ومع ذلك فهي غير المنصور. وفي «رد المحتار» (1: 67): لكن نسبها إلى محمد، فيحمل ما في «المعراج» من أنها ظاهر المذهب على أنها ظاهر الرواية عن محمد توفيقاً.

(2)

زيادة من س.

(3)

زيادة من س.

(4)

زيادة من س.

(5)

الأولى: على؛ لأن الدخول يتعدَّى بإلى، إلا أن الشارح كثيراً ما يتسامح في صلات الأفعال في هذا الكتاب وفي «التوضيح» ، إما مسامحة ميلاً منه إلى جانب المعنى، وإما اعتماداً على صنعة التضمين. ينظر:«السعاية» (ص 82).

ص: 12

..................................................................................................................

لكن يُشْكِل هذا بقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}

(1)

، ويمكنُ أن يجابَ عنه:

أ- بأنَّ الاستيعابَ في التَّيمُّمِ لم يثبتْ بالنَّص، بل بالأحاديثِ

(2)

المشهورةِ

(3)

بأنَّ مسحَ الوجهِ في التَّيمُّمِ قائمٌ مقامَ غسلِه.

ب- فحكمُ الخَلَفِ

(4)

في المقدارِ حكمُ الأصل

(5)

، كما في مسحِ اليدين، فلو كان النَّصُّ دالاً على الاستيعابِ لَلَزمَ مسحُ اليدينِ إلى الإبطينِ في التَّيمُّم؛ لأنَّ الغايةَ لم تذكرْ في التَّيمُّم.

(1)

من سورة النساء، آية (43).

(2)

هي الأحاديث الواردة في باب التيمم، وقد رواها جمع من الصحابة: كابن عمر، وجابر، وعائشة، وأبي هريرة، وعمار، وابن عباس رضي الله عنهم، كحديث عمار رضي الله عنه:«ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده الأرض فمسح وجهه وكفيه» ، رواه البخاري في «صحيحه» (1: 29)، وابن خزيمة في «صحيحه» (1: 135)، وابن حبان في «صحيحه» (4: 127)، وغيرهم. وللوقوف على أحاديث التيمم والكلام عليها ينظر:«نصب الراية» (1: 150 - 155).

(3)

الحديث المشهور عند الأصوليين: هو ما كان من الآحاد في عصر الصحابة رضي الله عنهم ثم انتشر حتى ينقله قوم لا يتوهم تواطؤهم على الكذب في عصر التابعين وتبع التابعين، ولا اعتبار للشهرة بعد ذلك. ويفيد علم الطمأنينة، لا علم اليقين، فيرجَّح جهة الصدق، ولا يكفر جاحده بل يضلل؛ للشبهة في اتصاله، وقال الجصاص وجماعة من أصحابنا: إنه يفيد علم اليقين حتى يكفر جاحده، والصحيح الأول. ينظر: و «كشف الأسرار شرح المنار» (2: 7)، و «شرح ابن ملك» (ص 207)، و «فصول البدائع» (2: 215)، و «شرح ابن العيني» (ص 207)، و «التبيين» (2: 352)، و «نور الأنوار» (2: 6 - 7)، و «فتح الغفار» (2: 76)، و «حاشية الرهاوي» (2: 615)، و «أحسن الحواشي» (ص 74)، و «حاشية عزمي زاده» (2: 615)، و «فصول الحواشي» (ص 275)، و «حاشية ابن الحلبي» (2: 615)، وغيرها.

أما عند المحدِّثين: هو ما تكون له طرق محصورة فوق اثنين، ولم يبلغ حد التواتر. فلا يكون في سنده أقل من ثلاثة في كل طبقة، ينظر:«قمر الأقمار» (2: 6)، و «ظفر الأماني» (ص 67 - 68)، و «قواعد في علوم الحديث» (ص 32).

ويطلق الحديث المشهور على ما اشتهر على الألسنة مطلقاً، وإن لم يكن له إسناد واحد سواء كان صحيحاً أم ضعيفاً أم غير ذلك.

(4)

وهو مسح الوجه بالتراب.

(5)

وهو غسل الوجه بالماء.

ص: 13

...................................................................................................................

وأيضاً الحديثُ المشهور، وهو حديثُ

(1)

المسحِ على النَّاصية

(2)

، دلَّ على أنَّ الاستيعابَ غيرُ مراد، فانتفى قولُ مالكٍ رضي الله عنه.

وأمَّا نفيُ مذهبِ الشَّافعيِّ

(3)

رضي الله عنه فمبنيٌّ على أنَّ الآيةَ مجملةٌ

(4)

في حقِّ المقدارِ لا مطلقةٌ

(5)

كما زعم؛ لأنَّ المسحَ في اللُّغة: إمرارُ اليدِ المبتلَّة

(6)

.

ولا شكَّ أنَّ مماسّةَ الأنملةِ

(7)

شعرةً أو ثلاثاً لا تُسَمَّى مسحَ الرَّأس، وإمرارُ اليدِ يكونُ له حدّ، وهو غيرُ معلوم، فيكونُ مجملاً؛ ولأنَّهُ إذا قيل: مسحتُ بالحائط، يرادُ به البعض، وفي قولِهِ تعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}

(8)

يرادُ

(9)

الكلّ، فتكونُ الآيةُ في المقدارِ مجملة، ففعلُهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ «مسحَ على ناصيتِه»

(10)

يكون بياناً.

(1)

وهو ما روي عن المغيرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: «توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين» في «صحيح مسلم» (1: 231)، و «المجتبى» (1: 76)، و «شرح معاني الآثار» (1: 31)، وغيرها. وعن أنس رضي الله عنه في «سنن أبي داود» (1: 36)، و «سنن ابن ماجه» (1: 187)، و «مسند أبي عوانة» (1: 218)، و «المستدرك» (1: 275)، وغيرها.

(2)

النّاصية: واحدة النَّواصي: وهي قصاص الشعر في مقدِّم الرأس، وهي لغة طيئيَّة. ينظر:«اللسان» (6: 4447).

(3)

ينظر: «مغني المحتاج شرح المنهاج» (1: 53).

(4)

المجمل: وهو ما ازدحمت فيه المعاني واشتبه المراد به اشتباهاً لا يدرك بنفس العبارة، بل بالرجوع إلى الاستفسار ثم الطلب ثم التأمل. ينظر:«المنار» (ص 7).

(5)

المطلق: هو الشائع في جنسه، بمعنى أنه حصة من الحقيقة محتملة الحصص كثيرةً من غير شمول، ولا تعيين. ينظر:«التلويح» (1: 63).

(6)

سقطت من ص و ف و م.

(7)

الأَنْمَلَة: من الأصابع العُقْدة، وبعضهم يقول الأنامل رؤوس الأصابع، عليه قول الأزهري، الأنملة: المفصل الذي فيه الظُّفْر، وهي بفتح الهمزة مع فتح الميم أكثر من ضمها، وبعض المتأخرين من النحاة حكى تثليث الهمزة مع تثليث الميم. ينظر:«المصباح المنير» (2: 968) للفيومي.

(8)

من سورة النساء، آية (43).

(9)

زيادة من م.

(10)

سبق تخريجه قبل أسطر.

ص: 14

...................................................................................................................

وأمَّا اللِّحيةُ: فعندَ أبي حنيفةَ رضي الله عنه: مسحُ ربعها فرض

(1)

؛ لأنَّهُ لمَّا سقطَ غسلُ ما تحتها من البشرةِ صارَ كالرَّأس.

وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه: مسحُ كلِّها فرض؛ لأنَّهُ لمَّا سقطَ غسلُ ما تحتها، أقيمَ مسحُها مقامَ غسلِ ما تحتَها، فيفرضُ مسحُ الكلِّ بخلافِ الرَّأس، فإنَّهُ إذا كان عارياً عن الشَّعرِ لا يجبُ غسلُ كلِّه، ولا مسحُ كلِّه.

وقد ذُكِرَ أنَّ المرادَ بالرُّبعِ ربعُ ما يُلاقي بشرةَ الوجهِ منها، إذ لا يجبُ إيصالُ

(1)

اعلم أن في اللحية الكثة تسعَ روايات:

الأولى: مسح الكل، وهي رواية بشر عن أبي يوسف رضي الله عنه، وروي أيضاً عن أبي حنيفة رضي الله عنه كذا في «تبيين الحقائق» (1: 3)، «رمز الحقائق» (1: 8).

والثانية: مسح الربع. وهي رواية عن أبي حنيفة وزفر، وهي اختيار صاحب «الوقاية» ، و «الكَنْز» (ص 3)، وصححها قاضي خان في «الفتاوى» (1: 34)،

والثالثة: مسح الثلث. ورواية مسح الثلث أو الربع رواها الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه. كذا في «البدائع» (1: 3).

والرابعة: مسح ما يلاقي البشرة. وهو الأصح المختار في «درر الحكام» (1: 8)، و «ملتقى الأبحر» (ص 3). و «شرح الكَنْز» (ص 4)، واختاره العيني في «رمز الحقائق» (1: 8).

والخامسة: غسل الربع. كذا في «رد المحتار» (1: 68).

والسادسة: غسل الثلث. كذا في «رد المحتار» (1: 68).

والسابعة: عدم الغسل والمسح. وهي رواية عن أبي يوسف. كذا في «البدائع» (1: 3 - 4). و «رمز الحقائق» (1: 8).

والثامنة: غسل الوجه. فعند أبي عبد الله الثلجي: لا يسقط نبات الشعر غسل الوجه. كذا في «البدائع» (1: 3).

والتاسعة: غسل الكل: أي غسل كل الشعر النابت على الخدين من عذار وعارض والذقن. وقد أشار إليها محمد إليها في «الأصل» ، وهذه الرواية هي المذهب الصحيح المرجوع إليه وما عداها مرجوع عنه. ينظر:«البدائع» (1: 3 - 4). و «فتح القدير» (1: 13)، و «إيضاح الإصلاح» (ق 2/أ)، و «البحر الرائق» 1: 16)، و «فتح باب العناية» (1: 26 - 27)، و «الدر المختار» (1: 68)، و «الدر المنتقى» (1: 11). و «نفع المفتي والسائل بجمع متفرقات المسائل» (ص 35).

وأما اللحية الخفيفة التي ترى بشرتها فيجب غسل ما تحتها. ينظر: «الدر المختار» (1: 69).

ص: 15

وسُنَّتُهُ: للمستيقظِ غسلُ يديِهِ إلى رُسْغيِهِ ثلاثاً قبل إدخالِهما الإناء

الماءِ إلى ما استرسلَ من الذَّقنِ خلافاً للشَّافعيِّ

(1)

رضي الله عنه، كذا ذكره

(2)

في «الايضاح»

(3)

.

وفي أشهرِ الرِّوايتَيْن عن أبي حنيفةَ رضي الله عنه: مسحُ ما يسترُ البشرةَ فرض، وهو الأصحُّ المختار، كذا في «شرحِ الجامعِ الصَّغير» لقاضي خان

(4)

.

وإذا مسحَ ثمَّ حلقَ الشَّعرَ لا تجبُ الإعادة، وكذا إذا توضَّأ، ثمَّ قصَّ الأَظْفار

(5)

.

(وسُنَّتُهُ

(6)

:

للمستيقظِ

(7)

غسلُ يديِهِ إلى رُسْغيِهِ

(8)

ثلاثاً قبل إدخالِهما الإناء

(9)

) هذا الغسل:

(1)

ينظر: «المنهاج» (1: 51)، وفيه: ويجب غسل عنقه شعراً وبشراً، واللِّحية إن خفَّت كهدب، وإلا فليغسل ظاهرها.

(2)

زيادة من م.

(3)

الايضاح شرح التجريد» كلاهما لعبد الرحمن بن محمد بن أميرويه بن محمد الكِرْمَانِيّ الحَنَفي، أبي الفضل، ركن الأئمة والإسلام، كان شيخاً كبيراً، فقيهاً جليلاً، صاحب القوة الكاملة والقدرة الشاملة في الفروع والأصول والحديث والتفسير والمعقول والمنقول، ذا الباع الطويل في الجدل والخصام والمناظرة والكلام، من مؤلفاته:«شرح الجامع الكبير» ، و «الإشارات» ، و «الفتاوى» ، (457 - 543 هـ). ينظر:«الكشف» (1: 211)، «دفع الغواية» (ص 20)، و «الفوائد» (ص 156 - 158).

(4)

وهو حسن بن منصور بن محمود بن عبد العزيز الأُوزْجَنْدِي الفَرْغَانِي، أبو القاسم، فخر الدين، المشهور بقاضي خان، قال الحصيري: هو القاضي الإمام، والأستاذ فخر الملَّة ركن الإسلام، بقيَّة السلف، مفتي الشرق، وقال ابن قُطْلُوبُغَا: ما يصحِّحه قاضي خان مُقدم على تصحيح غيره، لأنَّهُ فقيه النَّفس، له:«الفتاوى الخانية» ، و «شرح الجامع الصغير» ، و «شرح الجامع الكبير» ، و «شرح الزيادات» ، (ت 592 هـ). ينظر:«الجواهر» (2: 94). «تاج التراجم» (ص 151 - 152). «الفوائد» (ص 111).

(5)

وروى محمد في «الآثار» (1: 65): عن إبراهيم النخعي الإعادة فيمن يقص أظفاره أو يأخذ من شعره. وهو رأي مجاهد والحكم بن عيينة وحماد، وقال ابن المنذر أن الإجماع استقر على خلاف ذلك. ينظر:«السعاية» (ص 101).

(6)

والمراد بالسنة السنة المؤكدة، وهي التي حكمها أن يثاب فاعلها، ويلام تاركها، ويستحق إثماً إن اعتاد تركها. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 62).

(7)

التقييد بالمستيقظ اتفاقي، وإلا فالابتداء بغسل اليدين مطلقاً سنة. ينظر:«الدر المختار» (1: 75).

(8)

الرُّسْغ: بالضم وبضمتين: المفصل ما بين الساعد والكفّ. ينظر: «القاموس» (2: 109).

(9)

إن قيد الإناء بخصوصه وقع اتفاقاً، والغرض ادخال اليد في الماء. ينظر:«السعاية» (ص 105).

ص: 16

...................................................................................................................

عند بعضِ المشايخِ: سنَّة قبل الاستنجاء.

وعند البعض: بعدَه.

وعند البعض: قبلَهُ وبعدَهُ جميعاً

(1)

.

وكيفيةُ الغَسل: أنَّهُ إذا كان الإناءُ صغيراً بحيثُ يمكنُ رفعُهُ يرفعُهُ بشمالِه، ويصبُّهُ على كفِّهِ اليمنى، ويغسلُها ثلاثاً، ثمَّ يصبُّ بيمينِهِ على كفِّه اليسرى كما ذكرنا.

وإن كان كبيراً بحيث

(2)

لا يمكنُ رفعُه، فإن كان معه إناءٌ صغير، يرفعُ الماءَ ويغسلهُمَا ثلاثاً كما ذكرنا

(3)

.

وإن لم يكن، يُدْخِلُ أصابعَ يدِهِ اليسرى مضمومةً في الإناء، ولا يدخلُ الكفّ

(4)

، ويصبُّ الماءَ على يمينه، ويدلِّكُ الأصابعَ بعضَها ببعض يفعلُ هكذا ثلاثاً، ثمَّ يدخلُ يمناهُ في الإناءِ بالغاً ما بلغ.

والنَّهيُّ في قولِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَلا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي الإِنَاء»

(5)

، محمولٌ على ما إذا كان الإناءُ صغيراً أو كبيراً ومعهُ إناءٌ صغير.

أمَّا إذا كان الإناءُ كبيراً، وليس معه إناءٌ صغير، يحملُ على الإدخالِ بطريقِ المبالغة، وكلُّ ذلك إذا لم يعلمْ على يدِهِ نجاسة

(6)

، أمَّا إذا عَلِمَ فإزالةُ النَّجاسةِ على

(1)

وعليه الأكثر كما في «البحر» (1: 18)، وصححه قاضي خان في «فتاواه» (1: 32)، واختاره الحصكفي في «الدر المختار» (1: 75).

(2)

زيادة من أ.

(3)

أي بأن يرفعه بشماله فيغسل اليمين، ثم بيمينه فيغسل الشمال. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 62).

(4)

لأنه لو أدخل الكفّ صار الماء مستعملاً: أي صار الماء الملاقي للكف مستعملاً إذا انفصل لا جميع ماء الإناء. ينظر: «البحر» (1: 19).

(5)

الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسنَّ يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده) في «صحيح ابن خزيمة» (1: 74)، و «صحيح ابن حبان» (3: 345)، و «المعجم الأوسط» (1: 290)، و «مسند الحميدي» (2: 422)، و «مسند الطيالسي» (1: 317)، وغيرها، ورواية:«يغمس» بدون نون التوكيد في «صحيح مسلم» (1: 233).

(6)

قالوا: يكره إدخال اليد في الإناء قبل الغسل للحديث وهي كراهة تنْزيهية؛ لأن النهي مصروف عن التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإنه لا يدري أين باتت يده» . ينظر: «البحر» (1: 19).

ص: 17

وتسميةُ اللهِ تعالى ابتداءً، والسِّواك، والمضمضةُ بمياه، والاستنشاقُ بمياه

وجهٍ لا يفضي إلى تنجيسِ الإناء أو غيرِهِ فرضٌ.

(وتسميةُ اللهِ تعالى ابتداءً

(1)

، والسِّواك

(2)

، والمضمضةُ

(3)

بمياه، والاستنشاقُ

(4)

بمياه)، وإنَّما قال

(5)

: بمياه، ولم يقل: ثلاثاً ليدلَّ على أنَّ المسنونَ التَّثليثَ بمياهٍ جديدة،

(1)

اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:

الأول: أنها مستحبة. وصحَّحه صاحب «الهداية» (1: 12)، قال اللكنوي في «إحكام القنطرة في أحكام البسملة» (ص 79): وهو قول ضعيف.

والثاني: أنها واجبة، وصححه اللكنوي في «إحكام القنطرة» (ص 82)، وابن الهمام في «فتح القدير» (1: 22 - 23).

والثالث: أنها سنة، واختاره القدوري في «مختصره» (ص 2)، وصاحب «البناية» (1: 133)، و «الدر المختار» (1: 74). و «مراقي الفلاح» (ص 104)، و «درر الحكام» (1: 10). ومن أراد الوقوف على أدلة كل طرف، والأحكام المتعقلة بها، فلينظر:«إحكام القنطرة في أحكام البسملة» .

(2)

لقوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء» ، كما في «صحيح البخاري» (2: 682).

وحكمه: أنه سنة في المتون، كما في «رد المحتار» (1: 77)، وقال صاحب «الهداية» (1: 12): إنه مستحب، وصححه ابن الهمام في «فتح القدير» (1: 22)، والزيلعي في «تبيين الحقائق» (1: 4). وقال الميداني في «تحفة النساك في فضل السواك» (ص 47) في وقته: هو للوضوء، فإذا نسيه عند المضمضة أو قبلها على ما تقدَّم فعند القيام إلى الصلاة، حتى قال بعضهم: يستحبُّ في خمسة مواضع: عند اصفرار السن، وتغير رائحة الفم، وعند القيام من النوم، والقيام إلى الصلاة، وعند الوضوء.

ويجوز الاستياك بسواك غيره إن أذن له، ولا عبرة لِمَ اشتهر من الكراهة، ينظر:«إفادة الخير في الاستياك بسواك الغير» للكنوي.

(3)

وحدُّ المضمضة استيعاب جميع الفم، والمبالغة فيه أن يصل الماء إلى رأس الحلق. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 37).

(4)

وحدُّ الاستنشاق أن يصل الماء إلى المَارِن، والمبالغة فيه أن يجاوز المَارِن. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 37).

(5)

الغرض منه توجيه اختيار لفظ بمياه على لفظ ثلاثاً، بأن في اختيار المياه إشارة إلى أن التثليث بمياه جديدة بناءً على أن المياه جمع، وأقله ثلاثة، وأفراد الجمع تكون متغايرة، ولو قال ثلاثاً لم يفهم منه تجديد الماء. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 63).

ص: 18

وتخليلُ اللِّحية، والأصابع، وتثليثُ الغَسْل، ومسحُ كلِّ الرَّأسِ

وإنَّما كرَّرَ قولَهُ بمياهٍ ليدلّ على تجديدِ الماءِ لكلٍّ منهما

(1)

خلافاً للشَّافعي

(2)

رضي الله عنه، فإنَّ المسنونَ عندَهُ أن يمضمضَ ويستنشقَ بغرفة واحدة، ثمَّ هكذا ثمَّ هكذا.

(وتخليلُ اللِّحية

(3)

، والأصابع

(4)

، وتثليثُ الغَسْل

(5)

، ومسحُ كلِّ الرَّأسِ

(6)

(1)

ويؤيده حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فتمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً يأخذُ لكلِّ واحدةٍ ماءً جديداً» في «المعجم الكبير» (19: 180).

(2)

ينظر: «المنهاج» (1: 58)، وفيه: ثم الأصح يتمضمض بغرفة ثلاثاً، ثم يستنشق بأخرى ثلاثاً، ويبالغ فيهما غير الصائم، قلت: الأظهر تفضيل الجمع بثلاث غرف يتمضمض من كل ثم يستنشق، والله أعلم. انتهى. ومثله في «مواهب الصمد في حل ألفاظ الزبد» (ص 21 - 22).

(3)

وهو سنة عند أبي يوسف رضي الله عنه، وجائز عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهم، كما في «الهداية» (1: 13)، و «اللباب شرح الكتاب» (1: 10)، و «منح الغفار» (ق 7/ب)، وقال صاحب «الفتاوى السراجية» (1: 4): والمختار قول أبي يوسف رضي الله عنه. وقال صاحب «غنية المستملي شرح منية المصلي» (ص 23): والأدلة ترجِّحُ قول أبي يوسف، وقد رجَّحه في «المبسوط» ، وهو الصحيح.

فعن أنس رضي الله عنه: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلَّلَ به لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل» في «سنن أبي داود» (1: 36)، و «الجامع الصغير» (1: 112)) للسيوطي، و «المعجم الأوسط» (3: 221)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1: 235): رجاله وثقوا، قال ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 79): والمتبادر منه إدخال اليد من أسفل بحيث يكون كفّ اليد للداخل من جهة العنق، وظهرها إلى الخارج؛ ليمكن إدخال الماء المأخوذ في خلال الشعر، والتخليل يكون باليد اليمنى.

(4)

أي أصابع اليدين والرجلين، وكيفية تخليل أصابع اليد أن يشبِّك الأصابع، والرجل أن يخلل بخنصر يده اليسرى بادياً من خنصر رجله اليمنى خاتماً بخنصر رجله اليسرى. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 64). والأصل فيه حديث «أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع» في «صحيح ابن حبان» (3: 368)، و «المستدرك» (1: 248)، و «جامع الترمذي» (3: 155)، وغيرها.

(5)

وقيَّدَ بالغسل إذ لا يطلب تثليث المسح. كما في «رد المحتار» (1: 80). وقال صاحب «التاتارخانية» (ق 11/ب): إذا زاد عن الثلاث فهو بدعة.

(6)

ينظر: تفصيل اختلاف العلماء في اعتبار مسح كل الرأس سنة أو مستحب في «الإحكام» (ق 84/ب).

ص: 19

مرَّة والأُذُنَيْنِ بمائه، والنِيَّةُ، والتَّرتيب الذي نصَّ عليه

مرَّة

(1)

) خلافاً للشَّافعيّ رضي الله عنه، فإنَّ عنده تثليثُ المسحِ سُنَّة

(2)

، وقد أوردَ التِّرْمِذِيُّ

(3)

في «جامعه» : «أنَّ عليَّاً رضي الله عنه توضَّأ فغسلَ أعضاءه ثلاثاً، ومسحَ رأسَهُ مرّةً واحدةً

(4)

، وقال: هكذا وضوءُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم»

(5)

، (7 وفي «صحيحِ البُخاري

(6)

» مثلُ هذا

(7)

.

(والأُذُنَيْنِ بمائه

(8)

): أي بماءِ الرَّأسِ خلافاً له

(9)

، فإنَّ تجديدَ الماءِ لمسحِ الأُذُنَيْنِ سُنَّةٌ عنده.

(والنِيَّةُ، والتَّرتيب الذي نصَّ عليه): أي التَّرتيبُ المذكورُ في نصِّ القرآن، وكلاهما فرضان عنده

(10)

، أمَّا النِيَّةُ فلقولِهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات»

(11)

.

(1)

وكيفيته: أن يضع كفيه وأصابعه على مقدِّم رأسه ويمدّهما إلى القفا على وجه يستوعب جميع الرأس، ثم يمسح أذنيه باصبعه، ولا يكون الماء مستعملاً بهذا؛ لأن الاستيعاب بماء واحد لا يكون إلا بهذه الطريقة. ينظر:«تبيين الحقائق» (1: 5). و «رد المحتار» (1: 82).

(2)

لكن ظاهر عبارة «التنبيه» (ص 12)، و «المنهاج» وشرحه «مغني المحتاج» (1: 59) تدل على أن السنة عند الشافعي رحمه الله هي مسح الرأس مرة واحدة.

(3)

وهو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى التِّرمذيِّ الضَّرير، نسبةً إلى ترمذ، قال اللكنوي: كان أحد العلماء الحُفَّاظ الأعلام له تصانيفٌ كثيرةٌ، وكتابه «الجامع» أحسنُ كتبهِ وأكثرها فائدةً وأحسنها ترتيباً، من مؤلفاته:«الجامع» ، و «العلل الصغير» ، و «العلل الكبير» ، (209 - 279 هـ). ينظر:«تهذيب الكمال» (26: 250 - 252). «وفيات» (4: 278).

(4)

زيادة من ص و م.

(5)

في «صحيح البخاري» (1: 82)، و «جامع الترمذي» (1: 49)، و «السنن الكبرى للنسائي» (1: 102)، و «سنن أبي داود» (1: 49)، و «سنن ابن ماجه» (1: 150).

(6)

وهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَه الجُعْفِي البُخَارِيّ، أبو عبد الله، قال الذهبي: كان من أوعية العلم، يتوقَّدُ ذكاء، ولم يخلف بعده مثله، من مؤلفاته:«الأدب المفرد» ، و «التاريخ الكبير» ، و «الضعفاء» ، (194 - 256 هـ). ينظر:«تهذيب الأسماء» (1: 67)، «العبر» (2: 13).

(7)

زيادة من ب و س.

(8)

وكيفيته: أن يمسح داخلهما بالسبابتين، وظاهرهما بالإبهامين. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 64).

(9)

أي للشافعي رضي الله عنه، ينظر:«مغني المحتاج» (1: 60).

(10)

أي عند الشافعي رضي الله عنه، ينظر:«المنهاج» (1: 47، 54).

(11)

في «صحيح البخاري» (1: 3). و «صحيح مسلم» (3: 1515)، و «صحيح ابن حبان» (2: 223)، و «صحيح ابن خزيمة» (1: 73)، وغيرهم.

ص: 20

....................................................................................................................

وجوابُنا

(1)

: إنَّ الثَّوابَ منوطٌ

(2)

بالنِيَّة اتِّفاقاً، فلا بُدَّ أن يقدَّرَ الثَّواب، أو يقدَّرَ شيء يشملُ الثَّواب، نحو: حكمِ الأعمالِ بالنِيَّات، فإنَّ قُدِّرَ الثَّوابَ فظاهر، وإن قُدِّرَ الحكم، فهو نوعان: دنيويٌّ كالصِّحَّة، وأخرويُّ كالثَّواب، والآخرويٌّ مرادٌ بالإجماع.

فإن قيل: حكمُ الأعمال بالنِيَّات، ويرادُ بهِ الثَّواب، صُدِّقَ الكلام، فلا دلالةَ له على الصِّحَّة.

فإن قيل: مثلُ هذا الكلام يتأتَّى في جميعِ العبادات، فلا دلالةَ على اشتراطِ النِيَّةِ في العبادات، وذا باطل، فإنَّ المُتَمَسَّكَ في اشتراطِ النِيَّة في العبادات هذا الحديث.

قلنا: نقدَّرُ الثَّواب، لكنَّ المقصودَ في العباداتِ المحضةِ هو الثَّواب، فإذا خَلَتْ عن المقصودِ لا يكونُ لها صحَّة؛ لأنَّها لم تشرعْ إلا مع كونها عبادةٌ بخلافِ الوضوء، إذ ليسَ عبادة مقصودة، بل شُرِعَ شرطاً لجوازِ الصَّلاة، فإذا خلا (عن المقصود: أي)

(3)

عن الثَّوابِ انتفى كونُهُ عبادة، لكن لا يلزمُ من هذا انتفاءُ صحَّتِه؛ إذ لا يَصْدُقُ أنَّه

(1)

حاصل جوابه: أن حصول الثواب في العبادات موقوف على النية اتفاقاً حتى أن الأعمال إذا خلت عن قصد الطاعة وارادة التقرب إلى الله لا يحصل ثوابها سواء كان من قبيل الوسائل كالوضوء والتيمم أو العبادات المحضة، فلا بدَّ ان يحذف الثواب في هذا الحديث، ويقال معناه: ثواب الأعمال ليس إلا بالنية أو يحذف شيء يشمل الثواب وغيره كالحكم، فإنه يشمل: الثواب وهو الحكم الأخروي، والصحة وهو الحكم الدنيوي، ويقال معناه: إنما حكم الأعمال بالنيات، فإن قدر الثواب فظاهرٌ لا دلالة للحديث المذكور على اشتراط النية بصحة العبادات، بل إنما يدل على اشتراطها؛ لحصول الثواب، وهو خلاف ما أراده الشافعي، وعين ما أردناه، وإن قدر الحكم فهو وإن كان بظاهره يفيد توقف الصحة على النية إلا أنا نقول الحكم نوعان: دنيوي، وهو الصحة والفساد، وأخروي كالثواب والعقاب، والأخروي مراد في هذا الحديث بالاجماع، فإنهم أجمعوا على أنه لا ثواب إلا بالنية، فإذا قيل: حكم الأعمال بالنيات، وأريد به الثواب صح هذا الكلام من غير ضرورة إلى أن يحمل على العموم، ويجعل شاملاً للصحة فلا يحمل الحكم على المعنى الأعم لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة، والاحتياج إلى حذف الثواب أو ما يعمّه إنما وقع لعدم استقامة ظاهر الحديث المقتضي لنفي وجود الأعمال بدون النية، فلما اندفع ذلك بإرادة الثواب، فلا يراد غيره. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 65).

(2)

منوط: ناط الشئ: أي علَّقه. ينظر: «مختار» (ص 685).

(3)

زيادة من م.

ص: 21

...................................................................................................................

لم يشرعْ إلا عبادة، فبقي صحَّتُهُ بمعنى أنَّهُ مفتاحُ الصَّلاةِ

(1)

، كما في سائرِ الشُّرائط: كتطهيرِ الثَّوب، والمكان، وسترِ العورة، فإنَّهُ لا تشترطُ النِيَّةُ في شيءٍ منها.

وأمَّا التَّرتيبُ؛ فلقولِهِ تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}

(2)

، فيفرضُ تقديمُ غسلِ الوجه، فيفرضُ تقديم

(3)

الباقي مُرَتَّباً؛ لأنَّ تقديمَ غسلِ الوجهِ مع عدمِ التَّرتيبِ (في الباقي)

(4)

خلافُ الإجماع

(5)

.

(1)

وفيه إشارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:: «مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطَّهُور، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيِر، وَتَحْلِيلُها التَّسْلِيم» في «جامع الترمذي» (1: 9، 2: 3)، قال الترمذي: هذا حديث حسن. وفي «المستدرك» (1: 223)، و «مسند أبي حنيفة» (1: 130)، و «الآثار» (1: 1)، وغيرها.

(2)

من المائدة، الآية (6)، وتتمتها:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}

(3)

زيادة من ص و م.

(4)

ساقطة ص و م.

(5)

الاجماع هو اتفاق مجتهدي عصر واحد على حكم واحد، وهو على قسمين:

1 -

بسيط: وهو الاتفاق في الحكم مع الاتفاق في العلة، 2 - ومركب: وهو الاتفاق في الحكم مع الاختلاف في العلة، أو الاختلاف في الحكم والعلة جميعاً، لكنه يستلزم الاتفاق في حكم ثالث، وهذا يسمى بعدم القائل بالفصل، وإذا تمهد هذا، فالمراد من الاجماع القسم الأخير، فخلاصة استدلال الشافعية، أن تقديم غسل الوجه على بقيًّة الأعضاء ثابت بالآية، فلا يمكن الحنفية إنكاره، لأن في إنكاره ترك العمل بالفاء الداخلة على غسل الوجه، ثم القول بعدم الترتيب في البواقي خرق للإجماع، وإحداث القول بالفصل بين مذهبنا ومذهبكم، لإجماعنا وإياكم على وجوب المساوات بين غسل الوجه، وبين باقي أركان الوضوء، وعدم الفصل بينهما، فالفصل بينهما باطل بالاجماع، فحاصل استدلالهم مبني على مقدمتين: الأولى أن الآية تدل على تقديم غسل الوجه، والثانية لزوم خلاف الإجماع على تقدير تسليم هذا التقديم، والقول بعدم الترتيب في البواقي. وتمامه في «السعاية» (ص 145 - 155).

ص: 22

....................................................................................................................

قلنا

(1)

: المذكورُ

(2)

بعده حرفُ الواو، فاغسلوا هذا المجموع، فلا دلالةَ له على تقديمِ غسلِ الوجه.

وإن سُلِّمَ فمتى استدلَّ المجتهدُ بهذهِ الآية، لم يكنْ الإجماعُ مُنْعَقِداً

(3)

، فاستدلالُهُ بها على ترتيبِ الباقي استدلالٌ بلا دليل، وتمسُّكٌ بمجرَّدِ زعمِهِ لا بالإجماع.

وقد رأيتُ في كتبهم: الاستدلالُ بقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا وُضُوءٌ لا يَقْبَلُ اللهُ تَعَالَى الصَّلاةَ إِلاَّ بِهِ»

(4)

، وقد كان هذا الوضوءُ مُرَتَّباً، فيفرضُ التَّرتيب

(5)

.

(1)

أجاب في «التلويح» (1: 99 - 100) عن الاستدلال المذكور، فقال: منع دلالة الفاء الجزائية على لزوم تعقيب مضمون الجزء لمضمون الشرط من غير تراخ على وجوب تقديم ما بعدها على ما عطف عليه بالواو للقطع بأنه لا دلالة في قوله تعالى: {إذا نودي للصلاة

} على أنه يجب السعي عقيب النداء، بلا تراخ، وأنه لا يجوز تقديم ترك البيع على السعي.

(2)

حاصله: انا لا نسلم دلالة الآية على تقديم غسل الوجه حتى يتفرع عليه ثبوت الترتيب بين

البواقي؛ لعدم القائل بالفصل؛ لأن المذكور بعد {فاغسلوا وجوهكم} حرف الواو التي هي للجمع مطلقاً من غير دلالة على الترتيب، ولفظ أيديكم وأرجلكم معطوف على وجوهكم، فيكون داخلاً تحت اغسلوا، ويكون من باب عطف المفرد على المفرد، فالفاء إنما دخلت على غسل الجميع لا على غسل الوجه فقط، فلا تفيد الآية إلا تقديم غسل المجموع من غير دلالة على الترتيب. وتمامه في «العمدة» (1: 66).

(3)

لأن الإجماع المركب بيننا وبينه لم ينعقد كما سبق، مع قطع النظر عن هذا الاستدلال.

(4)

في «سنن الدراقطني» (1: 79)، ولفظه: عن ابن عمر رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرَّة مرة، ثم قال هذا وظيفة الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به، ثم دعا بماء فتوضَّأ مرَّتين مرَّتين، ثم سكت ساعة، ثم قال هذا وضوء من توضَّأ به كان له أجرُهُ مرَّتين، ثم دعا بماء فتوضَّأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي» ، قال الوادياشي في «تحفة المحتاج» (1: 189): فيه ضعفٌ وانقطاع، واستشهدَ به الحاكم. ا. هـ. وقال الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» (1: 57): صرح بضعف هذا الحديث ابن الجوزي والمنذري وابن الصلاح والنووي وغيرهم

(5)

ويرد على هذا الاستدلال: أن الحديث بجميع طرقه ضعيف لا يصلح للاحتجاج به على الافتراض. وأيضاً: أنه إذا سلمت صحته فإنه من أخبار الآحاد التي لا يثبت بها الافتراض، وأيضاً: أن دعوى أن ذلك الوضوء كان مرتباً دعوى من غير بينة، فإنه لم يرد في طريق من طرق الحديث المذكور ذلك، وليس في كتب الحديث ما نقلوه في كتبهم أنه توضأ مرتباً. ينظر:«السعاية» (1: 159 - 160).

ص: 23

والوِلاء. ومستحبُّهُ: التَّيامن

وقد سَنَحَ

(1)

لي جوابٌ حَسَن، وهو أنَّهُ توضَّأ مرَّةً مرَّة، وقال صلى الله عليه وسلم:«هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللهُ الصَّلاةَ إِلاَّ بِهِ» ، فهذا القولُ يرجعُ إلى المرَّةِ فحسب، لا إلى الأشياءِ الأُخر؛ لأنَّ هذا الوضوءَ لا يخلو:

إمَّا أن يكون ابتداؤهُ من اليمين، أو من

(2)

اليسار.

وأيضاً: إمَّا أن يكون على سبيلِ الموالات، أو عدمِها.

فقولِه صلى الله عليه وسلم: «هَذَا وُضُوءٌ

» إلى آخرِه، إن أريدَ به هذا الوضوء بجميعِ أوصافِهِ يلزمُ فرضيَّة الموالات، أو ضدّها، أو التَّيامن أو ضدّه، وإن لم يُرِدْ بجميعِ أوصافِهِ لا يدلُّ على فرضيَّةِ التَّرتيب.

(والوِلاء

(3)

): أي غسلُ الأعضاءِ المفروضات

(4)

على سبيلِ التَّعاقبِ بحيثُ لا يَجِفُّ العضوُ الأوَّل.

وعند مالكٍ

(5)

رضي الله عنه: هو فرض، والدَّليلُ على كونِ الأمورِ المذكورةُ سنَّةٌ مواظبةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من غيرِ دليلٍ على فرضيَّتِها

(6)

.

(ومستحبُّهُ:

التَّيامن): أي الابتداءُ باليمينِ في غسلِ الأعضاء، فإن قلت: لا شكَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم

(1)

سَنَحَ لي رأي: أي عَرَض. ينظر: «مختار» (ص 316).

(2)

زيادة من م.

(3)

الوِلاء بالكسرِ، لغةُ المتابعةِ، وشرعاً متابعةُ فعلٍ بفعلٍ بحيثُ لا يجفُّ العضو الأَوَّل عند اعتدالِ الهواء، فلو جفَّفَ الوجه، أَو اليد بالمِنديلِ قبل غَسْل الرّجلِ لم يتركْ الولاء، بخلاف ما في «التُّحفة» (1: 13)، و «الاختيار» (1: 15)، و «المصفى»: من أن لا يشتغلَ بين الأفعالِ بغيرها، فإنَّهُ على هذا الوجهِ لو جفَّفَ لتركَ؛ ولذا مَنَعَ عنه بعضُ المشايخ. كما في «جامع الرموز» (1: 19 - 20). وصحح اللكنوي في «الكلام الجليل فيما يتعلق بالمنديل» (ص 23): عدم تركه للولاء.

(4)

زيادة من م.

(5)

ينظر: «سبيل السعادة» 0 ص 12)، و «مرشد السالك» (ص 26)، و «نظم المرشد المعين» وشرحه «الحبل المتين» (ص 20)، و «نظم مقدمة ابن رشد» (ص 6)، و «منظومة القرطبي» (ص 6)، والفرض رواية عن مالك رضي الله عنه إذا كان متعمداً، وإذا نسي فلا إعادة عليه.

(6)

لأن الفرض ما كان فعله أولى من تركه مع منع الترك بدليل قطعي. ينظر: «التنقيح» (1: 123).

ص: 24

....................................................................................................................

واظبَ على التَّيامنِ في غسلِ الأعضاء

(1)

، ولم يروِ أحدٌ أنَّهُ بدأ بالشِّمال، فينبغي أن يكونَ سنَّة.

قلتُ: السُنَّةُ ما واظبَ عليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مع التَّركِ أحياناً، فإن كانت المواظبةُ المذكورةُ على سبيلِ العبادةِ فسننُ الهدى

(2)

، وإن كانت على سبيلِ العادةِ فسننُ الزَّوائد، كلبسِ الثَّياب، والأكل باليمين، وتقديمِ الرِّجلِ اليُمْنى في الدُّخول، ونحو ذلك.

وكلامُنا في الأَوَّل

(3)

، ومواظبةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على التَّيامنِ كانت من قبيلِ الثَّاني

(4)

، ويفهمُ هذا من تعليلِ صاحبِ «الهداية»

(5)

بقولِه: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيء، حَتَّى التَّنَعُلَّ والتَّرُجُّل»

(6)

.

(7)

(1)

وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا توضَّأتم فابدؤوا بميامنكم» ، كما في «صحيح ابن حبان» (3: 370)، و «سنن ابن ماجه» (1: 141)، و «المعجم الأوسط» (2: 21)، و «موارد الظمآن» (1: 350).

(2)

السنة نوعان: سنة الهدى وتركها يوجب إساءة وكراهية: كالجماعة والأذان، والإقامة ونحوها، وسنة الزوائد وتركها لا يوجب ذلك كسنن النبي صلى الله عليه وسلم في لباسه وقيامه وقعوده. ينظر:«التنقيح» (1: 124).

(3)

أي مقصودنا نفي المعنى الأول عن التيامن، وهو أنه من سنن الهدى.

(4)

أي أنه من سنن الزوائد.

(5)

وهو علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفَرْغَانِيّ المَرْغِينَانِيّ، أبو الحسن، برهان الدين، قال الكفوي: كان إماماً فقيهاً حافظاً مفسِّراَ جامعاً للعلوم ضابطاً للفنون، متقناً محقِّقاً نظاراً مدقِّقاً زاهداً ورعاً بارعاً فاضلاً ماهراً أصولياً أديباً شاعراً لم تر العيون مثله في العلم والأدب، وله اليد الباسطة في الخلاف والباع الممتد في المذهب، له:«مختارات النوازل» ، و «كفاية المنتهى» ، «مختار الفتاوى» ، (ت 593 هـ). ينظر:«الجواهر» (2: 627 - 629)، «تاج» (ص 206 - 207)، «مقدِّمة الهداية» (3: 2 - 4).

(6)

لم يرد هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الحديث كما صرَّح مخرِّجوا أحاديث «الهداية» ، كما في «نصب الراية» (1: 34)، و «الدراية» (1: 28)، و «البناية» (1: 187)، وإنِّما ورد عن عائشة رضي الله عنه قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحبُّ التيمن في طهوره إذا تطهر، وفي ترجله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل» في «صحيح البخاري» (1: 165)، و «صحيح مسلم» (1: 226)، واللفظ له، و «صحيح ابن خزيمة» (1: 91)، و «صحيح ابن حبان» (1: 271)، وغيرها، وتمام الكلام في معنى الحديث، وتنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في «غاية المقال فيما يتعلق بالنعال» للكنوي وحاشيتها «ظفر الأنفال على حواشي غاية المقال» له أيضاً.

(7)

انتهى من «الهداية» (1: 13).

ص: 25

ومسحُ الرَّقبة، وناقضُهُ: ما خرجَ من السَّبيلَيْن

(ومسحُ الرَّقبة

(1)

(لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مسح عليها)

(2)

(3)

.

(وناقضُهُ:

ما خرجَ من السَّبيلَيْن) سواءٌ كان معتاداً، أو غيرَ معتاد: كالدَّودة

(4)

، والرَّيحِ

(5)

(1)

جمهور الحنفية قالوا أنَّ مسح الرقبة مستحب، ينظر:«تحفة الطلبة» (36)، ومنهم من قال أنه: سنة، كالشرنبلالي في «المراقي» (ص 110)، و «الوشاح على نور الإيضاح» (ص 49)، وإليه يميل الكاشغري في «منية المصلي وغنية المبتدي» (ص 6 - 7).

(2)

وقد ورد في ذلك آثار يعضد بعضُها بعضاً تفيد استحباب مسح الرقبة:

منها: ما رواه طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القَذَال» ، وفي رواية:«أول القفا» في «مسند أحمد» (3: 481)، و «سنن أبي داود» (1: 32)، و «شرح معاني الآثار» (1: 30)، و «المعجم الكبير» (19: 18)، و «السنن الكبير للبيهقي» (1: 60)، و «تاريخ بغداد» (6: 169)، وقد أثبت المجد ابن تيمية بهذا الحديث مسح الرقبة. والقَذَال: هو جماع مؤخِّر الرأس. ينظر: «اللسان» (5: 3561).

ومنها: «مسح الرقبة أمان من الغُلّ يوم القيامة» قال العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (1: 159): سنده ضعيف.

وقال القاري في «الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة» (ص 434): سنده ضعيف، والضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، ولذا قال أئمتنا: أنه مستحب، أو سنة. وتمام الكلام على الأحاديث في مسح الرقبة في «تحفة الطلبة في تحقيق مسح الرقبة» للكنوي، وحاشيتها «تحفة الكملة على حواشي تحفة الطلبة» .

(3)

زيادة من أ و ب.

(4)

فإن خروجها غير معتاد، فإن خرجت من الدبر نقض الوضوء اتفاقاً، وإن كانت خارجة من قبل المرأة اختلفوا فيه، فالذين قالوا بنقض الريح الخارجة من القبل قالوا بنقضها أيضاً، ومن لم يقل به، لم يقل به، وإن خرجت من الذكر اختلفوا فيه أيضاً، فذكر الشارح فيما سيأتي، وابن عابدين في «رد المحتار» (1: 92)، وغيرهما: أنها غير ناقضة، وذكر في «الخلاصة» ، و «فتاوى قاضي خان» (1: 36)، وظهير الدين المرغيناني كما في «المحيط» (ص 105) أنها ناقضة. كذا في «عمدة الرعاية» (1: 69).

(5)

اتفقوا على نقض الريح الخارجة من الدبر، واختلفوا في الخارجة من القبل والذكر: فذكر صاحب «الهداية» (1: 15)، و «الكفاية» (1: 33)، و «التنوير» (1: 92)، وقاضي خان في «فتاواه» (1: 36): أنه لا ينقض، وصححه العيني في «البناية» (1: 194)، والطرابلسي في «المواهب» (ق 6/أ). وروي عن محمد أنه يوجب الوضوء، هكذا ذكره القدوري، وبه أخذ بعض المشايخ، وقال الكرخي: لا وضوء إلا أن تكون المرأة مفضاة، فيستحب الوضوء. ينظر:«المحيط» (ص 104).

ص: 26

أو من غيرِهِ إن كان نَجَساً سالَ إلى ما يطهر

الخارجةِ من القُبُلِ والذَّكر، وفيه اختلاف المشايخ.

(أو من غيرِهِ إن كان نَجَساً

(1)

سالَ إلى ما يطهر): أي إلى موضعٍ يجبُ تطهيرُهُ في الجملة، إمَّا في الوضوء، أو في الغُسْل

(2)

.

وعند الشَّافعيِّ

(3)

رضي الله عنه الخارجُ من غيرِ السَّبيلَيْن لا ينقضُ الوضوء.

وقولُه: إن كان نَجَساً، متعلِّقٌ بقولِه: أو من غيرِه، والرِّوايةُ النَّجَس، بفتحِ الجيم: وهو عينُ النَّجاسة، وأمَّا بكسرِ الجيم، فما لا يكونُ طاهراً، هذا في اصطلاحِ الفقهاء

(4)

.

وأمَّا في اللُّغةِ فيقال: نَجِسَ الشَّيءُ يَنْجُس، فهو نَجِسٌ ونَجَس

(5)

.

وإنَّما قال: سال؛ لأنَّهُ إذا لم يتجاوزِ المخرجَ لا ينقضُ الوضوءَ عندنا، وينقضُ عندَ زُفَر رضي الله عنه.

(1)

قوله نجساً احترازٌ عن اللعاب ونحوها فإنه لا ينقض بخروجها. ينظر: «حواشي ملتقطة على النقاية» (4).

(2)

وتفصيله أن الأعضاء على ثلاثة أقسام: قسم لا يجب تطهيره في الغسل والوضوء، وهي الأعضاء الباطنة من كل وجه كالقلب وتجاويف العروق ونحوها، وسيلان الدم ونحوه إليها لا ينقض الوضوء؛ فإن الدم يجري من موضع إلى موضع داخل البدن ولا يقدح ذلك في شيء، وقسم: يجب تطهيره في الوضوء والغسل كليهما كاليد والوجه، وهي الظاهرة من كل وجه، وقسم يجب تطهيره في الغسل لا في الوضوء كالفم والأنف، وهي الباطنة من وجه الظاهرة من وجه، وسيلان النجس إلى هذين القسمين ينقض الوضوء؛ ولذا قالوا: إن خرج الدم إلى قصبة الأنف انتقض الوضوء، وإن خرج البول أو الدم من موضع إلى قصبة الذكر لا ينقض الوضوء. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 70).

(3)

ينظر: «سلم المناجاة» وشرحه لمحمد نووي (ص 11)، و «عمدة السالك» (ص 5)، و «المنهاج القويم» (ص 16)، وغيرها.

(4)

قال ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 91) بعد نقل كلام صدر الشريعة: فهما لغة ما لا يكون طاهراً، أي سواءكان نجس العين أو عارض النجاسة: كالحصاة الخارجة من الدبر والناقض في الحقيقة النجاسة العارضة لها، فكان الفتح أولى من هذه الجهة أيضاً.

(5)

ينظر: «اللسان» (6: 4352): والنجس: القذر من الناس، ومن كل شيء.

ص: 27

....................................................................................................................

وكذا إذا عَصَرَ القُرْحةَ

(1)

فتجاوز، وكان بحالٍ لو لم يعصرْ لم يتجاوزْه

(2)

.

وكذا

(3)

إذا عَضَّ شيئاً، أو خلَّلَ أسنانَه، أو أدخلَ أُصْبَعَهُ في أنفِهِ فرأى أثرَ الدَّم، أو استنثرَ فخرجَ من أنفِهِ الدَّمُ عَلَقاً

(4)

عَلَقا مثل: العدس، لا ينقضُ الوضوء

(5)

عندنا، خلافاً لزُفَرَ رضي الله عنه، ووجهُه: أنَّ خروجَ النَّجاسةِ مؤثِّرٌ في زوالِ الطَّهارةِ كالسَّبيلَيْن.

ونحن نقول: نعم؛ لكنَّ القليلَ بادٍ لا خارج، والنَّجاسةُ المستقرِّةُ في موضعِهَا لا تنقض.

قلت: هذا الدَّليلُ غير تامّ؛ لأنَّهُ لا يشملُ ما إذا غُرِزَتْ إبرةٌ فارتقى الدَّمُ على رأسِ الجرحِ لكن لم يسلْ (عن رأسِ الجرح)

(6)

، فإنَّ الخروجَ هناكَ محسوسٌ، ومع ذلك لا ينقضُ عندنا

(7)

، وقد خطرَ ببالي وجهٌ حسن: وهو أنَّهُ لم يتحقَّقْ خروجُ النَّجاسة؛ لأنَّ هذا الدَّمَ غيرُ نجس، بل النَّجسُ هو الدَّمُ المسفوح، وهكذا في القيءِ القليل، وسيأتي في هذهِ الصَّفحة

(8)

.

وقولُه: إلى ما يطهر، احترازٌ عمَّا إذا قشرتْ نَفْطةٌ

(9)

في العين، فسالَ الصَّديدُ بحيث

(1)

القُرحة: بالضم والفتح لغتان: الجراح. ينظر: «اللسان» (5: 3571).

(2)

اتفقوا فيما إذا خرج من القرحة أنه ينقض، واختلفوا فيما إذا أخرج منها: فمنهم من ذهب إلى عدم النقض كصاحب «الهداية» (1: 15 - 16)، و «العناية» (1: 48)، ومنهم من ذهب إلى النقض كالسرخسي في «جامعه» ، وصاحب «الكافي» ، و «غاية البيان» ، و «النهاية» ، واختاره في «الفتاوى البزازية» (4: 12)، وصححه ابن الهمام واللكنوي ينظر:«فتح القدير» (1: 48)، و «عمدة الرعاية» (1: 70).

(3)

أي لا ينقض الوضوء بناء على اشتراط السيلان إذا عضَّ أي أخذ شيئاً بأسنانه، أو خلَّل: أي أدخل الخلال في أسنانه، فرأى أثر الدم في الخلال أو الشيء المعضوض. ينظر:«السعاية» (ص 211). و «نفع المفتي» (ص 53).

(4)

العَلَقُ: الدم الغليظ. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 450).

(5)

زيادة من ب و م.

(6)

زيادة من م.

(7)

ينظر: «المحيط» (ص 126 - 127)، و «البحر» (1: 35).

(8)

ص 31).

(9)

نَفْطَة: من نَفِطَ أي إذا صار بين الجلد واللحم ماء. ينظر: «المصباح» (2: 955).

ص: 28

والقيء دماً رقيقاً إن ساوى البُزاق أو مِرَّةً، أو طعاماً، أو ماءً، أو عَلَقاً إن

لم يخرجْ من العينِ لا ينقضُ الوضوء؛ لأنَّ داخلَ العينِ لا يجبُ تطهيرُهُ أصلاً لا في الوضوء، ولا في الغُسْل، إذ ليسَ له حكمُ ظاهرِ البدن، فالمعتبرُ الخروجُ إلى ما هو ظاهرُ البدنِ شرعاً.

واعلم أنَّ قولَهُ: إلى ما يطهر، يجبُ أن يكونَ متعلِّقاً بقولِه: ما خرج، لا بقولِه: سال، فإنَّهُ إذا فَصَد وخَرَجَ دمٌ كثيرٌ وسال بحيثُ لم يتلطَّخْ رأسُ الجرح، فإنَّهُ لا شكَّ في الانتقاضِ عندنا مع أنَّهُ لم يسلْ إلى موضعٍ يلحقُهُ حكمُ التَّطهير، بل خرجَ إلى موضعٍ يلحقُهُ حكمُ التَّطهير، ثمَّ سال، فالعبارةُ الحسنةُ

(1)

أن يقال: ما خرجَ من السَّبيلَيْن أو غيرِهِ إلى ما يطهرُ إن كان نجساً سال.

(والقيء) عطفٌ على قولِه: ما خرج، فأرادَ أن يفصِّلَ أنواعَهُ لأنَّ الحكمَ مُخْتَلِفٌ فيها، فقال:(دماً رقيقاً إن ساوى البُزاق) حتى إن كان البُزاقُ أكثرَ لا ينقض، ولمَّا ذكرَ حكمَ المساواة، عُلِمَ حكمُ الغلبةِ بالطَّريقِ الأَوْلى، إذا اصفرَّ البزاقُ من الدَّمِ فلا يجب الوضوء، وإن احمرَّ يجب.

ثمَّ عطفَ على قولِه: دَمَاً، قولُه: (أو مِرَّةً

(2)

، أو طعاماً، أو ماءً

(3)

، أو عَلَقاً

(4)

إن

(1)

لكن العبارة التي أثبتها في «النقاية» (ص 4) هي عبارة «الوقاية» .

(2)

مرَّة، أي صفراء، وهي: أحد الأخلاط الأربعة، وهي: الدم، والمرة السوداء، والمرة الصفراء، والبلغم. ينظر:«رد المحتار» (1: 93)، وفي «اللسان» (6: 4176): هي إحدى الطبائع الأربع، قال ابن سيده: المِرَّة مزاج من أمزجة البدن.

(3)

أي الطعام أو الماء إذا وصل إلى معدته ولم يستقر، وهو نجس مغلظ، ولو من صبيٍّ ساعة ارتضاعه، وهو الصحيح لمخالطته النجاسة، ولو هو في المريء فلا نقض اتفاقاً. كما في «الدر المختار» (1: 93). وفي «البحر» (1: 26): قال الحسن: إذا تناول طعاماً أو ماءً، ثم قاء من ساعته لا ينقض؛ لأنه طاهر حيث لم يستحل، وإنما اتصل به قليل القيء، فلا يكون حدثاً، فلا يكون نجساً، وكذا الصبي إذا ارتضع وقاء من ساعته، وصححه في «المعراج» ، وغيره، ومحل الاختلاف ما إذا وصل إلى معدته، ولم يستقرّ، أما لو قاء قبل الوصول إليها، وهو في المريء، فإنه لا ينقض اتفاقاً.

(4)

العَلَق: لغة دم منعقد، كما هو أحد معانيه، لكن المراد به هنا سوداء محترقة، وليس بدم حقيقة، ولهذا اعتبر فيه ملء القم، وإلا فخروج الدم ناقض بلا تفصيل بين قليله وكثيره على المختار. ينظر:«رد المحتار» (1: 93).

ص: 29

كان ملأَ الفم، لا بَلْغَماً أصلاً. وينقضُ صاعدُ ملأَ الفمِ عند أبي يوسف رضي الله عنه، وهو يعتبرُ الاتِّحادَ في المجلس، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه: في السَّببِ بجمعِ ما قاءَ قليلاً قليلاً

كان ملأَ الفم

(1)

، لا بَلْغَماً أصلاً) سواءٌ كان نازلاً من الرَّأس، أو صاعداً من الجوف، وسواءٌ كان قليلاً أو كثيراً؛ لأنَّهُ

(2)

للزوجتِهِ لا يتداخلُهُ النَّجاسة.

(وينقضُ صاعدُ

(3)

ملأَ الفمِ عند أبي يوسف رضي الله عنه) لكنَّ النَّازلَ من الرَّأسِ لا ينقضُ عنده أيضاً

(4)

.

(وهو يعتبرُ الاتِّحادَ في المجلس، وعند محمَّدٍ

(5)

رضي الله عنه: في السَّببِ بجمعِ ما قاءَ قليلاً قليلاً)، فقولُه: وهو يعتبرُ الضَّميرَ يرجعُ إلى أبي يوسفَ رضي الله عنه، وهذا ابتداءُ مسألةٍ صورتُها: إذا قاءَ قليلاً قليلاً بحيثُ لو جُمِعَ يبلغُ ملأَ الفم، فأبو يوسفَ رضي الله عنه يعتبرُ اتِّحادَ المجلس، أي إذا كان في مجلسٍ واحدٍ يُجْمَع، فيكونُ ناقضاً.

ومحمَّدٌ رضي الله عنه: يعتبرُ اتِّحادَ السَّببِ وهو الغَثَيان

(6)

، فإن كانَ بغثيانٍ واحدٍ يُجْمَعُ (فيكون ناقضاً)

(7)

، فحصلَ أربعُ صور:

اتِّحادُ المجلسِ والغثيان، فيجمعُ اتِّفاقاً.

واختلافُهما فلا يجمعُ اتِّفاقاً.

واتِّحادُ المجلسِ مع اختلافِ الغثيانِ فيجمع، عندَ أبي يوسفَ رضي الله عنه خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه.

(1)

ملأ الفم: ما لا يمكن معه التكلُّم، وقيل: أن لا يمكن إمساكه إلا بتكلُّف. ينظر: «غنية المستملي» (ص 129).

(2)

أي البلغم وذلك بسبب كونه لزجاً لا تختلط معه النجاسة، وهو في نفسه ليس نجساً، فلا ينتقض. ينظر:«السعاية» (ص 220).

(3)

أي من الجوف لأنه صار نجساً بمجاورة النجاسة. ينظر: «شرح الوقاية لابن ملك» (ق 7/أ).

(4)

أي عند أبي يوسف رضي الله عنه، كما عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهم، فهو اتفاقي. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 73).

(5)

وصحح النسفي في «الكافي» قول محمد لأن الأصح إضافة الأحكام إلى أسبابها. ينظر: «الدر المختار» (1: 95).

(6)

الغَثَيان: هو اضطراب نفسه حتى تكاد تتقيأ من خِلْط ينصب إلى فم المعدة. ينظر: «المصباح المنير» (2: 679).

(7)

زيادة من أ و ب و س.

ص: 30

وما ليسَ بحَدَثٍ ليس بنجِس

واختلافُ المجلسِ مع اتِّحادِ الغثيانِ فيجمعُ عندَ محمَّدٍ خلافاً لأبي يوسف رضي الله عنهم.

(وما ليسَ بحَدَثٍ ليس بنجِس

(1)

) أي بكسرِ الجيم

(2)

، فيلزمُ من انتفاءِ كونِهِ حَدَثاً انتفاءُ كونِهِ نَجِساً، فالدَّمُ إذا لم يسلْ عن رأسِ الجُرحِ طاهر، وكذا القيءُ القليل، وعن محمَّد رضي الله عنه في غيرِ روايةِ الأصول

(3)

: إنّه نجس؛ لأنه لا أثرَ للسَّيلانِ في النَّجاسة، فإذا كان السَّائل نجساً، فغيرُ السَّائلِ يكونُ كذلك.

ولنا: قولُهُ تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} ، إلى قولِه:{أَوْ دَمًا مَسْفُوحاً}

(4)

، فغيرُ المسفوحِ لا يكونُ محرَّماً، فلا يكون نجساً، والدَّمِ الذي لم يسلْ عن رأِس الجرحِ دمٌ غيرُ مسفوح، فلا يكونُ نجساً.

فإن قيل: هذا فيما يؤكلُ لحمُه، وأمَّا فيما لا يؤكلُ لحمُهُ كالآدميِّ فغيرُ المسفوحِ حرامٌ أيضاً، فلا يمكنُ الاستدلالُ بحلِّهِ على طهارتِه.

قلت: لمَّا حكمَ بحرمةِ المسفوحِ بقي غيرُ المسفوحِ على أصلِه، وهو الحلّ، ويلزمُ منه الطَّهارة، سواءٌ كان فيما يؤكلُ لحمُه، أو لا؛ لإطلاقِ النَّصّ.

ثمَّ حرمةُ غيرِ المسفوحِ في الآدميِّ بناءً على حرمةِ لحمِه، لا توجبُ نجاستَهُ إذ هذه الحرمة؛ للكرامةِ لا للنَّجاسة، فغيرُ المسفوحِ في الآدميِّ يكونُ على طهارتِهِ الأصليَّةِ مع كونِهِ محرَّماً.

(1)

قد جرت العادة بذكر هذه القاعدة في مبحث النواقض استطراداً بعد الكلام أن قليل الدم والقيء ونحوهما لا ينقض الوضوء، وأرادوا ذكر حكمه في النجاسة والطهارة، فمنهم من يذكرها بلفظ: كل، ومنهم من يصدرها بلفظ: ما، والمفاد واحد، فإن ما للعموم، وحاصله أن كل شيء ليس بحدث أي ناقض للوضوء ليس بنجس حتى لا يجب غسله، ولا يضر الصلاة معه. ينظر:«السعاية» (ص 221).

(2)

ويجوز بالفتح، وهو الأوفق بالمقام، كما نبه اللكنوي في «عمدة الرعاية» (1: 74

(3)

سبق أن بينا المراد برواية الأصول في الدراسة.

(4)

من سورة الأنعام، الآية (145)، وتمامها:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

ص: 31

ونومُ مضطجع، ومتكئ، ومستندٍ إلى ما لو أزيلَ لسقطَ لا غير

والفرقُ بين المسفوح، (وغيرِ المسفوحِ)

(1)

مبنيٌّ على حكمةٍ غامضة، وهي: أنَّ غيرَ المسفوحِ دمٌ انتقلَ عن العروق، وانفصلَ عن النَّجاسات، وحصلَ لهُ هضمٌ آخرَ في الأعضاء فصارَ مستعدِّاً لأن يصيرَ عضواً، فأخذَ طبيعةَ العضو، فأعطاهُ الشَّرعُ حكمَهُ بخلافِ دمِ العروق، فإذا سالَ عن رأسِ الجرحِ علمَ أنَّهُ دمٌ انتقلَ من العروقِ في هذهِ السَّاعة، وهو الدَّمُ النَّجس، أمَّا إذا لم يسلْ عُلِمَ أنَّهُ دمُ العضو، هذا في الدَّم.

أمَّا في القيء، فالقليلُ هو الماءِ الذي كان في أعلى المعدة، وهي ليستْ محلّ) النَّجاسة، فحكمُهُ حكمُ الرِّيق.

(ونومُ مضطجع

(2)

، ومتكئ، ومستندٍ إلى ما لو أزيلَ لسقطَ

(3)

لا غير): أي لا ينقضُ الوضوءَ نومٌ غيرِ ما ذكر، وهو النَّومُ قائماً، أو قاعداً، أو راكعاً، أو ساجداً في الصَّلاةِ وغيرها

(4)

(1)

في أ و ب و س و ص و ف: وغيره.

(2)

أي أن ينام واضعاً جنبيه على الأرض. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 76).

(3)

أي لو أزيل ذلك الشيء لسقط النائم، وقد اختلفوا فيها: فمنهم من ذهب إلى أنه لا ينقض كصاحب «الدر المختار» (1: 95)، وصححه صاحب «البدائع» (1: 31)، وقال: وبه أخذ عامة المشايخ، وصححه الزيلعي في «التبيين» (1: 10)، وقال: رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة رضي الله عنهم. ومنهم من اختار أنه ناقض كصاحب «الوقاية» ، وشارحها في «النقاية» (ص 5)، والحلبي في «ملتقى الأبحر» (ص 3)، والطحاوي في «مختصره» (ص 19)، والقدوري في «مختصره» (ص 2)، وصاحب «الهداية» (ص 15)، وصاحب «الاختيار» (ص 16 - 17)، وصاحب «المحيط» (ص 144). وهذا إذا لم تكن مقعدته زائلة عن الأرض، وإلا نقض اتفاقاً. ينظر:«رد المحتار» (1: 96).

(4)

اختلفوا في النوم ساجداً على أقوال:

الأول: أنه غير ناقض مطلقاً، وهو ظاهر المذهب على ما في «الخلاصة» ، وصححه صاحب «تحفة الفقهاء» (1: 22)، و «الهداية» (ص 15).

والثاني: أنه إن تعمد النوم في الصلاة، فهو حدث، وإلا فلا، وهو المروي عن أبي يوسف، ينظر:«فتح القدير» (ص 43).

والثالث: أنه حدث خارج الصلاة غير حدث فيها، وهو المروي عن شمس الأئمة الحلواني واختاره صاحب «المنية» (ص 44).

والرابع: أنه ليس بحدث إذا كان على الهيئة المسنونة في الصلاة كان فيها أو خارجها، واختاره صاحب «الفتح» (ص 43)، و «البدائع» (1: 31)، والحلبي في «شرح المنية الصغير» (ص 93).

والخامس: أنه ليس بحدث في الصلاة مطلقاً وخارج الصلاة إن كان على الهيئة المسنونة، وصححه الزيلعي في «التبيين» (1: 10).

ص: 32

والإغماء، والجنونُ، وقهقهةُ مصلٍّ بالغٍ يركعُ ويسجد

(والإغماء

(1)

، والجنونُ) على أيِّ هيئةٍ كانا، ويدخلُ في الإغماءِ السُّكر، وحدُّهُ هنا: أن يدخلَ في مشيتِهِ تحرُّكٌ هو الصَّحيح

(2)

، وكذا في اليمين، حتى لو حلفَ أنَّهُ سكران، يعتبرُ هذا الحدّ.

(وقهقهةُ مصلٍّ بالغٍ يركعُ ويسجد) حتى لا ينقضَ الوضوءَ قهقهةُ الصَّبيّ

(3)

.

وشرطُهُ: أن يكونَ في صلاةٍ ذات ركوعٍ وسجود، حتى لو قهقه في صلاةِ الجنازة، أو سجدةِ التَّلاوةِ لا تنقضُ الوضوء، بل يبطلُ ما قهقه فيه، وإنَّما شَرَطَ ما ذُكِر؛ لأنَّ انتقاضَ الوضوءِ بها ثبتَ بالحديثِ

(4)

على خلافِ القياس

(5)

، فيقتصرُ على موردِه.

ثمَّ القهقهة إنَّما تنقضُ الوضوء إذا كان يقظاناً حتى لو نامَ في الصَّلاةِ على أيِّ هيئةٍ فقهقَهَ لا ينقضُ الوضوء

(6)

.

وعند الشَّافعيّ

(7)

رضي الله عنه: لا ينقضُ الوضوءُ بالقهقهة.

(1)

الاغماء: ضَرْب من المرض يُضعِفُ القوى، ولا يزيل العقل، بل يستره بخلاف الجنون فإنه يزيله، وهو كالنوم في فوت الاختيار، وفوت استعمال القدرة حتى بطلت عباراته. ينظر:«البحر» (1: 41).

(2)

احتراز عمّا حدَّه قاضي خان في «فتاواه» (1: 42) وهو: أن لا يعرف الرجل من المرأة.

(3)

ينظر: «جامع أحكام الصغار» (1: 7 - 8).

(4)

وهو عن أبي العالية رحمه الله، وغيره:(إنَّ أعمى تردَّى في بئر، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بأصحابه، فضحك من كان يصلِّي معه، فأمر من كان ضحك منهم أن يعيد الوضوء والصَّلاة) في «سنن الدارقطني» (1: 167)، و «الكامل» (3: 167)، و «تاريخ جرجان» (1: 405)، و «سنن البيهقي الكبير» (2: 252)، و «مصنف عبد الرزاق» (2: 376)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (1: 341)، و «مراسيل أبي داود» (ص 75)، قال اللكنوي بعد أن أورد طرق الأحاديث الواردة في القهقة في «الهسهسة بنقض الوضوء بالقهقهة»: فهذه الأحاديثُ المسندة، والأخبارُ المرسلةُ دالةٌ صريحاً على انتقاضِ الوضوءِ بالقهقهة.

(5)

المراد بالقياس هنا القاعدة: وهي نقض الوضوء من الخارج النجس أو من الخارج من السبيلين.

(6)

ينظر: «منية المصلي» (ص 45)، وشرحها «الغنية» (ص 142 - 143).

(7)

ينظر: «حلية العلماء» (1: 154)، و «الوسيط» (1: 313)، و «حواشي الشرواني» (1: 140). ولا تنقض أيضاً عند مالك كما في «القوانين الفقهية» (1: 52)، و «الكافي» (1: 66). وأحمد كما في «المبدع» (1: 517).

ص: 33

والمباشرةُ الفاحشةُ إلا عندَ محمَّدٍ رضي الله عنه، ودودةٌ خرجتْ من دُبُرٍ لا التي خرجتْ من جُرح

وحدُّها: أن تكونَ مسموعةً لهُ ولجيرانِه

(1)

.

والضَّحك: أن يكونَ مسموعاً لهُ لا لجيرانِه، وهو يبطلُ الصَّلاةَ لا الوضوء

(2)

.

والتَّبسُّم: أن لا يكونَ مسموعاً أصلاً، وهو لا يبطلُ شيئاً

(3)

.

(والمباشرةُ

(4)

الفاحشةُ

(5)

إلا عندَ محمَّدٍ

(6)

رضي الله عنه): وهي أن يماسَّ بدنُهُ بدنَ المرأةِ مجرَّديْن، وانتشرَ آلتُه

(7)

، وتماسَّ الفرجان.

(ودودةٌ

(8)

خرجتْ من دُبُرٍ لا التي خرجتْ من جُرح)؛ لأنَّها طاهرة، وما عليها من النَّجاسةِ قليلة، وأمَّا الخارجةُ من الدُّبرِ فتنقض؛ لأنَّ خروجَ القليلِ منهُ ناقض، ومن الإحليلِ لا؛ لأنَّها خارجةٌ من جرح؛ (لأنَّ الإحليلَ ليسَ محلاً لدودة،

(1)

حكم القهقة في خارج الصلاة: أنه قبيح وعمل شنيع. ينظر: «الهسهسة» (ص 100).

(2)

حكم الضحك في غير الصلاة: أنه مباح من غير عجب، أو يكثر وقد ثبت ضحكه صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه في عدّة مواضع، كما في «صحيح البخاري» (5: 2389)، و «صحيح مسلم» (1: 173)، وغيرها. ينظر:«الهسهسة» (ص 95).

(3)

وحكم التبسم في غير الصلاة: أنه مباح؛ لما روي عن جابر بن سمرة: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضحك إلا تبسماً) في «سنن الترمذي» (5: 603)، وقال الترمذي: حسن غريب ومن هذا صحيح، وفي «المستدرك» (1: 662)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (6: 328). و «مسند أحمد» (5: 97). و «مسند أبي يعلى» (13: 553). و «المعجم الكبير» (2: 244). ينظر: «الهسهسة» (ص 95).

(4)

وهي من باشر الرجل امرأته إذا أفضى إليها. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 77).

(5)

المراد بالفحش: الظهور لا الذي نهى عنه الشارع لأنها تكون بين الرجل وامرأته، أو المعنى فاحشة باعتبار أغلب صورها؛ لأنها تكون بين المرأتين والرجلين والرجل والغلام، ثم هي من الناقض الحكمي. ينظر:«رد المحتار» (1: 99).

(6)

والقول في كونها ناقضة على قولهما أن مثل هذه سبب غالب لخروج المذي، فيقام السبب مقام المسبب، أما محمد رضي الله عنه فإنها ليست من النواقض عنده ما لم يخرج شيء من المذي ونحوه، وعامة الكتب على الأخذ بقولهما، وصحح القاري في «فتح باب العناية» (1: 78)، وأبو المكارم في «شرح النقاية» (ق 5/ب)، وغيرهما قوله.

(7)

هذا في حق نقض وضوئه لا وضوئها، فإنه لا يشترط في نقضه انتشار آلة الرجل. ينظر:«القنية» (ق 3/أ).

(8)

في أ و ب و س: لا دودة.

ص: 34

ولحمٌ سقطَ منه، ومسُّ المرأةِ والذَّكَرِ. وفرضُ الغُسْل: المَضْمَضَةُ والاسْتِنْشَاق

فإذا خرجتْ منهُ عُلِمَ أنَّ فيه جراحة، وخرجت منها)

(1)

، ومن قُبُلِ المرأةِ فيهِ اختلافُ المشايخ

(2)

.

(ولحمٌ

(3)

سقطَ منه

(4)

): أي من جرح.

(ومسُّ

(5)

المرأةِ

(6)

والذَّكَرِ)

(7)

خلافاً للشَّافِعِيِّ

(8)

رضي الله عنه.

(وفرضُ الغُسْل:

المَضْمَضَةُ والاسْتِنْشَاق)، وهما سنَّتانِ عند الشَّافعيِّ

(9)

رضي الله عنه.

ولنا: أنَّ الفمَ داخلٌ من وجه، خارجٌ

(10)

من وجهٍ حسَّاً عند انطباقِ الفمِ وانفتاحِه، وحكماً في ابتلاعِ الصَّائم الرِّيق

(11)

، ودخولِ شيءٍ في فمِه

(12)

، فجعلَ

(1)

زيادة من م.

(2)

سبق ذكر الاختلاف (1: 26).

(3)

في ف و م: ولا لحم.

(4)

يعني لو سقط من رأس الجرح لا ينقض؛ لأن الدودة واللحم طاهران، وما عليها من النجاسة قليل، وهو معفوّ؛ لكونها في غير السبيلين. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 8/أ).

(5)

في م: ولا مس.

(6)

ويؤيده ما روي عن عائشة رضي الله عنه قالت: «كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وإذا قام بسطتهما» في «صحيح البخاري» (1: 150)، و «صحيح مسلم» (1: 367)، واللفظ له.

(7)

ويؤيده ما روى قيس بن طلق، قال حدثني أبي، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحدنا يكون في الصلاة فيحتك فيصيب يده ذكره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وهل هو إلا بضعة منك أو مضغة منك» في «صحيح ابن حبان» (3: 403)، واللفظ له، و «المنتقى» (1: 18)، و «المجتبى» (1: 101)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (1: 152)، و «مصنف عبد الرزاق» (1: 118)، و «شرح معاني الآثار» (1: 118)، و «مجمع الزوائد» (1: 244)، وغيرها.

(8)

ينظر: «التنبيه» (ص 13).

(9)

ينظر: «المنهاج» وشرحه «مغني المحتاج» (ص 1: 73).

(10)

في أ: وخارج.

(11)

فحكمه حكم الداخل إذ لا يفطر به، وهذا آية كونه داخلاً.

(12)

فحكمه حكم الخارج إذ يفطر الصائم به، وهذا آية كونه خارجاً.

ص: 35

وغسلُ سائر البدن

داخلاً في الوضوءِ خارجاً في الغُسْل؛ لأنَّ الواردَ فيه صيغةُ المبالغة

(1)

، وهي (قوله تعالى)

(2)

: {فَاطَّهَّرُوا}

(3)

، وفي الوضوءِ غَسلُ الوجه، وكذلكَ الأنف

(4)

، وإذا تمضمضَ وقد بقيَ في أسنانِهِ طعامٌ فلا بأسَ به.

(وغسلُ سائر

(5)

البدن

(6)

): أي جميعُ ظاهرِ البدن، حتى لو بقيَ العجينُ في الظُّفرِ فاغتسلَ لا يجزئ، وفي الدَّرنِ

(7)

يجزئ؛ إذ هو متولِّدٌ من هنالك، وكذا الطِّين؛ لأنَّ الماءَ ينفذُ فيه، وكذا الصَّبغُ والحِنَّاء، فالحاصلُ أنَّ المعتبرَ في هذا الحَرَج

(8)

.

(1)

إذ بسبب ورود صيغة المبالغة في الغسل دون الوضوء يكون افتراض غسل ما كان داخلاً من وجه وخارجاً، وفي الوضوء ما كان خارجاً من كل وجه كظاهر الوجه.

(2)

زيادة من أ و ب و س.

(3)

من سورة المائدة، (6)، وتمامها:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} .

(4)

أي الأنف ينطبق عليه ما انطبق على الفم في حالة الصوم، فيأخذ حكمه في المبالغة في الغسل.

(5)

زيادة من أ.

(6)

لما روي عن رسول صلى الله عليه وسلم من الأحاديث، كحديث أبي هريرة، وابن عباس، وأبي أيوب الأنصاري، وعائشة، وغيرهم رضي الله عنهم بألفاظ متقاربة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر» في «جامع الترمذي» (1: 178)، واللفظ له، و «سنن أبي داود» (1: 65)، و «مجمع الزوائد» (1: 272)، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، و «مصباح الزجاجة» (1: 81)، و «مسند الربيع» (1: 16)، و «مسند ابن راهويه» (3: 964)، و «مسند الشاميين» (1: 416)، و «مسند ابن الجعد» (1: 35).

وحديث علي رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:(من ترك موضع شعرة من جسده من جنابة لم يصبها الماء فعل به كذا وكذا من النار) في «مسند أحمد» (1: 101)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (1: 96)، و «سنن البيهقي الكبير» (1: 227)، و «سنن ابن ماجه» (1: 196)، و «المعجم الصغير» (2: 179)، و «الأحاديث المختارة» (2: 74).

(7)

الدَّرَن: الوسخ. ينظر: «اللسان» (2: 1368).

(8)

قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى: وعلى هذا ما تبقى على أيدي عمال الدهان ونحوهم من آثار الدهان ونحوه، ولا يمكنهم حله بسهولة أو استمرار: لا يمنع طهارتهم للوضوء أو الغسل؛ لأنه لا يمكنهم الاحتراز عنه، مع التذكير لهم بالاحتراز منه ما أمكن. ينظر: هامش «فتح باب العناية» (1: 84).

ص: 36

.................................................................................................................

وإذا ادَّهنَ

(1)

فأمرَّ الماءَ عليه

(2)

فلم يصل

(3)

يجزئ.

وأمَّا ثُقْبُ القُرْط

(4)

: فإن كان القُرْطُ فيها، فإن غلبَ على ظنِّه أنَّ الماءَ لا يصلُ من غيرِ تحريك، فلا بدَّ منه. فإن لم يكنْ القُرْطُ فيها، فإن غلبَ على ظنِّهِ أنَّ الماءَ يصلُ من غيرِ تكلُّفٍ لا يتكلَّف، وإن غلبَ على ظنِّه أنَّهُ لا يصلُ إلا بتكلُّفٍ يتكلَّف. وإن انضمَّ الثُّقْبُ بعدَ نزعِه، وصارَ بحالٍ إن أمرَّ الماءَ عليها يدخلها، وإن غفلَ لا يدخلها أمرَّ الماء، ولا يتكلَّفُ في إدخالِ شيءٍ سوى الماءِ من خشبٍ أو نحوه

(5)

.

وإن كان في أُصْبَعِهِ خاتمٌ ضيقٌ يجبُ تحريكُه؛ ليصلَ الماءُ تحتَه.

ويجبُ على الأَقْلَفِ

(6)

إدخالُ الماءِ داخلَ القُلْفَة

(7)

، وإن نزلَ البولُ إليها، ولم يخرجْ عنها نقضَ الوضوء، هذا عند بعضِ المشايخ

(8)

رضي الله عنهم، فلها حكمُ الظَّاهرِ من كلِّ وجه.

(1)

ادَّهن أي استعمل الدهن كزيت وشيرج ونحوه بخلاف شحم وسمن جامد في عضو من أعضاءه، فإذا أسال الماء إليه لم يصل إلى العضو، فإنه يكفي دون ضرورة إزالة الدهن؛ لوجود غسل العضو، كذا في «رد المحتار» (1: 104)، و «عمدة الرعاية» (1: 78).

(2)

زيادة من ب و م.

(3)

في ب و س و ص: يقبل.

(4)

القُرْطُ: هو ما يعلق في شحمة الأذن. ينظر: «تاج العروس» (20: 11).

(5)

لأن المعتبر غلبة ظنه بوصول الماء. ينظر: «الدر المختار» (1: 104).

(6)

الأَقْلَفُ: من لم يُخْتَن. ينظر: «تاج العروس» (24: 282).

(7)

القُلْفَة: جلدة الذَّكَرِ التي أُلبستها الحشفة، وهي التي تقطع من ذكر الصبي. ينظر:«تاج العروس» (24: 282).

(8)

صحَّح الزيلعي في «التبيين» (1: 14)، وملا خسرو في «غرر الأحكام» (1: 17)، والعيني في «رمز الحقائق» (1: 10) وجوب إيصال الماء داخل القلفة. واختاره صاحب «مجمع الأنهر» (1: 21)، والكردري، وصاحب «الهداية» في «مختارات النوازل» .

وصحح الكمال في «فتح القدير» (1: 50) استحباب إدخال الماء داخل القلفة، وتبعه الحصكفي في «الدر المنتقى» (1: 21)، و «الدر المختار» (1: 103)، وابن نجيم في «البحر» (1: 51)، واختاره صاحب «الكنْز» (ص 3)، و «الملتقى» (ص 4).

وصحح الشرنبلالي في «الشرنبلالية» (1: 17)، و «المراقي» (ص 137) التفصيل، فإذا كان يمكن فسخ القلفة بلا مشقة لا يجزئه تركه، وإلا أجزأه. وتبعه اللكنوي في «عمدة الرعاية» (1: 79).

ص: 37

لا دلكُه. وسُنَّتُهُ: أن يغسلَ يديهِ إلى رسغيه، وفرجَه، ويزيلُ نجساً إن كان على بدنه، ثم يتوضأ إلاّ رجليه، ثُمَّ يفيضُ الماءَ على كلِّ بدنِهِ ثلاثاً، ثمَّ يغسلُ رجليهِ لا في مكانِه

وعند البعض: لا يجبُ إيصالُ الماءِ إليها في الغُسْل، مع أنَّهُ ينقضُ الوضوءَ إذا نزلَ البولُ إليها، فلها حكمُ الباطنِ في الغُسل، وحكمُ الظَّاهرِ في انتقاضِ الوضوء.

(لا دلكُه

(1)

.

وسُنَّتُهُ:

أن يغسلَ يديهِ (إلى رسغيه)

(2)

، وفرجَه، ويزيلُ نجساً إن كان): أي إن كانت النَّجاسة (على بدنِه

(3)

، ثمَّ يتوضَّأُ إلا رجليه)، استثناءٌ متَّصل، أي يغسلُ أعضاءَ الوضوء

(4)

إلا رجليه، (ثُمَّ يفيضُ

(5)

الماءَ على كلِّ بدنِهِ ثلاثاً، ثمَّ يغسلُ رجليهِ لا في مكانِه): أي إذا كان مكانُ الغُسْلِ مجتمع الماءِ المستعمل، حتى إذا اغتسلَ على

(1)

ولا يجب الدلك إلا في رواية عن أبي يوسف رضي الله عنه، وكأنّ وجهه خصوص صيغة {فاطَّهروا} ، فإن افتعّل للمبغالة، وهو أصله، وذلك الدلك. كما في «فتح القدير» (1: 50)، ولنا: الدلك يكون متمماً فيكون مستحباً. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 8/أ).

(2)

زيادة من أ و س.

(3)

وإزالة النجاسة سنة على حدة غير غسل الفرج، فإنه غير مختص بوجود النجاسة عليه، ينظر:«البحر» (1: 52)، و «الدر المختار» (1: 106).

(4)

والأولى أن يمسح رأسه في هذا الوضوء، وهو الصحيح. ينظر:«البحر» (1: 52).

(5)

اختلفوا في كيفية الإفاضة: فقيل: يبدأ برأسه، ثم منكبه الأيمن، ثم الأيسر، وهذا اختيار صاحب «المراقي» (ص 141)، و «فتح باب العناية» (1: 87)، و «تحفة الفقهاء» (1: 29)، و «البدائع» (1: 34)، و «الهداية» (1: 16)، و «فتح القدير» (1: 51)، والقدوري في «مختصره» (ص 3)، و «التبيين» (1: 14). و «البحر» (1: 52). وصححه الحصكفي في «الدر المختار» (1: 107)، وقال: هو ظاهر الرواية، ومن الأحاديث فيه حديث عائشة رضي الله عنه:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصبّ على رأسه ثلاث غرف بيده، ثم يفيض الماء على جلده كله» في «صحيح البخاري» (1: 99)، وغيره.

وقال الحلواني: يفيض الماء على منكبه الأيمن ثلاثاً ثم الأيسر ثلاثاً ثم على رأسه، وعلى سائر جسده ثلاثاً. واختاره صاحب «التنوير» (1: 107)، وصححه ملا خسرو في «الغرر» (1: 18)

وقيل: يبدأ بالأيمن ثلاثاً، ثم بالرأس، ثم بالأيسر. ينظر:«التاتارخانية» (ق 21/ب)، و «حاشية الشلبي على التبيين» (1: 14).

ص: 38

وليس على المرأةِ نقضُ ضفيرتِها، ولا بلُّها إذا ابتلَّ أصلُها

لوحٍ أو حجرٍ يغسلُ الرِّجلينِ هناك

(1)

.

(وليس على المرأةِ نقضُ ضفيرتِها

(2)

، ولا بلُّها إذا ابتلَّ أصلُها): خصَّ المرأةَ بالذِّكرِ

(3)

لقولِهِ صلى الله عليه وسلم لأمِّ سلمةَ رضي الله عنها: «يكفيكِ إذا بلغَ الماءُ أصولَ شعرِك»

(4)

.

ويجبُ على الرَّجلِ نقضُها

(5)

، وقيل: إذا كان الرَّجلُ مضفَّرَ الشَّعرِ كالعلويَّةِ

(6)

والأتراكِ لا يجب، والأحوطُ أن يجب.

(1)

اعلم أنهم اختلفوا في تأخير غسل الرجلين:

فمنهم من ذهب إلى التقديم مطلقاً كصاحب «الدر المختار» (1: 106)، وظاهر كلام النسفي في «الكنْز» (ص 4).

ومنهم من ذهب إلى التأخير مطلقاً وهو ظاهر كلام القدوري في «مختصره» (ص 3)، والحلبي في «الملتقى» (ص 4).

ومنهم من ذهب إلى التفصيل، كما قال الشارح، كصاحب «التبيين» (ص 14)، و «المراقي» (ص 141)، و «التحفة» (1: 29)، و «البحر» (ص 52)، و «تحفة الملوك» (ص 28)، و «البدائع» (ص 1: 34)، و «الهداية» (1: 16)، و «الاختيار» (1: 19)، ونبه ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 106) أن الاختلاف في الأولوية لا في الجواز.

(2)

الضَّفيرة: الذُّؤابة، وكل خصلة من خصل شعر المرأة تضفر ـ أي تجمع ـ، وجمعها ضفائر. ينظر:«اللسان» (4: 2594).

(3)

زيادة من م.

(4)

ورد في كتب الحديث بألفاظ أخرى، مثل: عن أم سلمة، قالت: قلت يا رسول الله إنِّي امرأة أشدّ ضفرَ رأسي أفأنقضه؛ لغسل الجنابة، قال:«لا إنما يكفيك أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات من ماء» في «صحيح مسلم» (1: 259)، واللفظ له، و «صحيح ابن خزيمة» (1: 122)، و «المنتقى» (1: 35)، و «جامع الترمذي» (1: 176)، وتمامه في «نصب الراية» (1: 80).

(5)

فيه عن أبي حنيفة رضي الله عنه روايتان نظراً إلى العادة، وإلى عدم الضرورة، وذكر الصدر الشهيد أن يجب إيصال الماء إلى أثناء الشعر في حقهم لعدم الضرورة، وللاحتياط، قال في «الخلاصة»: وفي شعر الرجل يفترض إيصال الماء إلى المسترسل، ولم يذكر غير ذلك، فكان هو الصحيح، عملاً بمقتضى المبالغة في الآية مع عدم الضرورة المخصصة في حقهم. ينظر:«غنية المستملي» (ص 48).

(6)

أي المنتسبون إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبعضهم يخصهم بمن كان من غير فاطمة رضي الله عنه. ينظر:«غنية المستملي» (1: 47).

ص: 39

موجِبُهُ: إنزالُ منيٍّ ذي دفقٍ وشهوةٍ عند الانفصال

وقولُه: ولا بلُّها، قال بعضُ مشايخنا رضي الله عنهم: تبلُّ ذوائبَها وتعصرُها

(1)

، لكنَّ الأصحَّ عدمُ وجوبِه، وهذا إذا كانت مفتولة، أمَّا إذا كانتْ منقوضةً يجبُ إيصال الماءِ إلى أثناءِ الشَّعرِ كما في اللِّحية؛ لعدمِ الحرج.

(وموجِبُهُ:

إنزالُ منيٍّ

(2)

ذي دفقٍ

(3)

وشهوةٍ

(4)

عند الانفصال

(5)

) حتى لو أنزلَ بلا شهوةٍ لا يجبُ الغسلُ عندنا، خلافاً للشَّافعيِّ رضي الله عنه

-

(6)

.

(1)

قال بهذا الرأي الفقيه أحمد بن إبراهيم، وقال: فائدة اشتراط العصر أن يبلغ الماء شعب قرونها. ينظر: «المحيط» (ص 168).

(2)

المَنِيّ: وهو عام يشمل ماء الرجل والمرأة، وله خواص يعرف بها: أحدها: الخروج بشهوة مع الفتور عقبه، الثانية: الرائحة كرائحة الطلع رطباً، ورائحة البيض يابساً، الثالثة: الخروج بدفق ودفعات، والرابع: أنه أبيض خاثر ينكسر منه الذكر، هذا في مَنِيّ الرجل، وأما مني المرأة فهو أصفر رقيق. وأما المذي: وهو الماء الرقيق الذي يخرج عند الشهوة الضعيفة بالملاعبة ونحوها من غير دفق، والودي: وهو ماء أبيض كدر لا رائحة له يخرج بعد البول، وهما موجبان للوضوء لا للغسل. ينظر:«رد المحتار» (1: 107)، «عمدة الرعاية» (1: 81)، «اللباب» (1: 16).

(3)

الدفق: هو سرعة الصب من رأس الذكر لا من مقرِّه. ينظر: «رد المحتار» (1: 108).

(4)

صورة إنزال المني على دفق وشهوة عند الانقصال موجب للغسل عند الإمام وصاحبيه رضي الله عنهم، وشرط الدفق إنما هو عند أبي يوسف لا عندهما، فلم يشترطا إلا الانفصال عن شهوة؛ لذا لم يقيد الإنزال بالدفق الشرنبلالي في «المراقي» (ص 131)، وملا خسرو في «الغرر» (1: 19)، وصاحب «التنوير» (1: 109)، وتبعه صاحب «الدر المختار» (1: 109)، فقال الشرنبلالي: إذا انفصل عن مقرِّه بشهوة. وقد نبه على ذلك البابرتي في «العناية على الهداية» (1: 53)، وصاحب «مجمع الأنهر» (1: 23)، والحصكفي في «الدر المنتقى» (1: 23)، و «رد المحتار» (1: 109)، وغيرهم. وإن كان قيَّده بما قيد به الماتن صاحب «الهداية» (1: 17)، و «الاختيار» (1: 20)، و «الكنْز» (ص 4)، و «الملتقى» (ص 4)، والقدوري في «مختصره» (ص 3).

(5)

أي انفصاله عن موضعه ومستقره، وهو الصلب في الرجل، والترائب: أي عظام الصدر في المرأة، وهذا متعلق بقيد الشهوة لا بالدفق، فإنه لا يكون إلا عند الخروج. ينظر:«السعاية» (ص 310).

(6)

ينظر: «مغني المحتاج» (1: 70)، و «شرح الشهاب الرملي على الستين مسألة» مع «حاشيته» للدمياطي (ص 44). و «حاشية أحمد الميهي» (ص 24).

ص: 40

ولو في نوم، وغيبةُ حَشَفةٍ في قُبُلٍ أو دُبُرٍ على الفاعلِ والمفعولِ به، ورؤيةُ المستيقظِ المَنِيّ، أو المَذْي وإن لم يحتلم، وانقطاعُ الحيضِ والنِّفاس

ثمَّ الشَّهوةُ شرطٌ وقتَ الانفصالِ عند أبي حنيفةَ ومحمَّدٍ رضي الله عنهم، ووقت الخروجِ عند أبي يوسفَ رضي الله عنه حتى لو انفصلَ عن مكانِهِ بشهوة، وأخذَ رأسَ العضوِ حتى سكنتْ شهوتُهُ فخرجَ بلا شهوةٍ يجبُ الغسلُ عندهما لا عنده، وإن اغتسلَ قبلَ أن يبول، ثمَّ خرجَ منهُ

(1)

بقيَّةُ المنيِّ يجبُ غسلٌ ثانٍ عندهما، لا عنده.

(ولو في نوم)، ولا فرقَ في هذا بين الرَّجلِ والمرأة

(2)

، ورُوِي عن محمَّدٍ رضي الله عنه في غيرِ روايةِ الأصول: إذا تذكَّرتِ الاحتلامَ والإنزالَ والتَّلذُّذ، ولم ترَ بللاً كان عليها الغُسْل، قال شمسُ الأئمَّةِ الحَلْوانِيّ رضي الله عنه: لا يؤخذُ بهذهِ الرِّواية

(3)

.

(وغيبةُ حَشَفةٍ

(4)

في قُبُلٍ أو دُبُرٍ على الفاعلِ والمفعولِ به، ورؤيةُ المستيقظِ المَنِيّ، أو المَذْي

(5)

وإن لم يحتلم)، (أمَّا في المَنِيِّ فظاهر، و)

(6)

أمَّا في المَذْي؛ فلاحتمالِ كونِهِ مَنِيَّاً رَقَّ بحرارةِ البدن، وفيه خلافٌ لأبي يوسفَ

(7)

رضي الله عنه.

(وانقطاعُ الحيضِ والنِّفاس)؛ لقولِهِ تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطَّهرْنَ}

(8)

، على قراءةِ التَّشديد

(9)

، ولمَّا كان الانقطاعُ سبباً للغُسْل، فإذا انقطع، ثمَّ أسلمتْ لا يلزمُها

(1)

زيادة من م.

(2)

فإنها إذا رأت بللاً وجب عليها الغسل، تذكرت المنام أو لم تتذكر. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 81).

(3)

ينظر: «المحيط» (ص 180). وظاهر كلام صاحب «الفتاوى البزازية» (1: 11) يدل على الأخذ بها.

(4)

الحَشَفَة: ما فوق الختان، وهي رأس الذَّكَر. ينظر:«اللسان» (2: 887).

(5)

المذي: بتسكين الذال: ماء رقيق أبيض يخرج عند ملاعبة الأهل. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 18).

(6)

زيادة من ص و م.

(7)

قال أبو يوسف: لا يجب عليه حتى يتذكر الاحتلام؛ لأن الأصل براءة الذمة، فلا يجب إلا بيقين، وهو القياس، وهما أخذا بالاحتياط؛ لأن النائم غافل، والمني قد يرق بالهواء، فيصير مثل المذي، فيجب عليه احتياطاً. ينظر:«التبيين» (1: 16).

(8)

من سورة البقرة، الآية (222).

(9)

اختلفوا في تخفيف الطاء وضم الهاء وتشديد الطاء وفتح الهاء من قوله: {حتى يطهرن} :

فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر:{يَطْهُرْنَ} خفيفة.

وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، والمفضل وحمزة، والكسائي:{يَطَّهَرْنَ} مشددة.

وقرأ حفص عن عاصم: {يَطْهُرْنَ} خفيفة. ينظر: «السبعة في القراءات» (1: 182)، و «حجة القراءات» (1: 135).

ص: 41

لا وطئُ بهيمةٍ بلا إنزال. وسُنَّ للجمعةِ والعيدَيْن والإحرامِ وعرفة. ويجوزُ الوضوءُ: بماءِ السَّماءِ والأرض كالمطرِ والعين وإن تغيَّرَ بطولِ المُكْث، أو غُيِّرَ أحدُ أوصافِه

الاغتسال؛ إذ وقتُ الانقطاعِ كانت كافرة، وهي غيرُ مأمورةٍ بالشَّرائعِ عندنا، ومتى أسلمت لم يوجدْ السَّبب، وهو الانقطاع، بخلافِ ما إذا أجنبتْ الكافرة، ثُمَّ أسلمت، حيث يجبُ عليها غُسْلُ الجنابة؛ لأنَّ الجنابةَ أمرٌ مستمرّ، فتكون جُنُباً بعد الإسلام، والانقطاعُ غير مستمِّرٍ فافترقا.

«لا وطئُ بهيمةٍ بلا إنزال)

(1)

(2)

.

وسُنَّ للجمعةِ والعيدَيْن والإحرامِ وعرفة

(3)

)، فغُسْلُ الجُمُعةِ سُنَّ لصلاةِ الجُمُعة، وهو الصَّحيح

(4)

.

(ويجوزُ الوضوءُ:

بماءِ السَّماءِ والأرض كالمطرِ والعين)، وأمَّا ماءُ الثَّلجِ فإن كان ذائباً بحيثُ يتقاطرُ يجوز، وإلا فلا، (وإن تغيَّرَ بطولِ المُكْث، أو غُيِّرَ أحدُ

(5)

أوصافِه): أي الطَّعم، أو اللَّون

(1)

لأن موجب الغسل هو الانزال، والايلاجُ أقيم مقامه؛ لكونه سبباً له مفضياً إليه غالباً، وهذه السببية إنما تتحقق فيما يتكامل فيه الشهوة، وفرج البهائم ليس كذلك، لنقصان السببية في اقتضاء الشهوة، وكذا وطء ميتة وصغير لا تُشْتَهَى. ينظر:«فتح باب العناية» (ص 321)، «السعاية» (ص 321).

(2)

زيادة من ج.

(3)

صحح الحلبي في «غنية المستملي» (ص 54 - 55) أن هذه الأغسال الأربعة مستحبة، وليست سنة، ومال إليه ابن الهمام في «فتح القدير» (1: 57).

(4)

وهو قول أبي يوسف رضي الله عنه خلافاً للحسن بن زياد رضي الله عنه. ينظر: «ذخيرة العقبى على شرح الوقاية» (ص 12) ليوسف جلبي، و «السراجية» (1: 10). وثمرة الخلاف تظهر أن من لا تجب عليهم الجمعة كالنساء والصبيان لو اغتسل، وفيمن أحدث بعد الغسل وصلى بالوضوء نال الفضل عند الحسن لا عند أبي يوسف رضي الله عنهم.

لكن عبد الغني النابلسي في «نهاية العماد» (ص 188 - 189)، قال: إنهم صرَّحوا بأن هذه الأغسال الأربعة للنظافة لا للطهارة مع أنه لو تخلل الحدث تزداد النظافة بالوضوء ثانياً، ولئن كانت للطهارة أيضاً فهي حاصلة بالوضوء ثانياً مع بقاء النظافة، فالأولى عندي الإجزاء وإن تخلل الحدث؛ لأن مقتضى الأحاديث الواردة في ذلك طلب حصول النظافة فقط. ا. هـ. وأيده على كلامه ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 114).

(5)

هذا التقييد اتفاقي، فإنه لو غير وصفين لا يؤثر ما لم يسلب عنه اسم المائية. ينظر:«العمدة» (1: 83).

ص: 42

شيءٌ طاهرُ كالتُّراب، والأُشْنَان، والصَّابون، والزَّعْفَران، وبماءٍ جارٍ فيه نَجَسٌ لم يُرَ أثرُه: أي طعمُه، أو لونُه، أو ريحُه

أو الرِّيح، (شيءٌ طاهرُ كالتُّراب، والأُشْنَان

(1)

، والصَّابون، والزَّعْفَران

(2)

)، إنَّما عدَّ هذه الأشياءِ ليعلمَ أنَّ الحكمَ لا يختلفُ:

بأن كان المخلوطُ من جنسِ الأرضِ كالتُّراب.

أو شيئاً يقصدُ بخَلْطِهِ التَّطهير: كالأُشْنَان والصَّابون.

أو شيئاً آخرَ كالزَّعْفَران (عند أبي حنيفة رضي الله عنه)

(3)

.

وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه: إن كان المخلوطُ شيئاً يقصدُ بهِ التَّطهيرُ يجوزُ به

(4)

الوضوء، إلا أن يغلبَ على الماءِ حتى يزولَ طبعُه، وهو الرِّقَّةُ والسَّيلان

(5)

.

وإن كان شيئاً لا يقصدُ بهِ التَّطهيرُ:

ففي روايةٍ يشترطُ لعدمِ جوازِ التَّوضي بهِ غلبتُهُ على الماء.

وفي رواية: لا يشترط.

وما ليس من جنسِ الأرضِ فيه خلافُ الشَّافِعِيِّ

(6)

رضي الله عنه.

(وبماءٍ جارٍ فيه نَجَسٌ لم يُرَ أثرُه

(7)

: أي طعمُه، أو لونُه، أو ريحُه

(8)

).

اختلفوا في حدِّ الجاري

(9)

، فالحدُّ الذي ليس في دركِهِ حرجٌ ما يذهبُ بتبنةٍ أو

(1)

الأُشْنَان: بضم الهمزة وكسرها: نبات تغسل به الثياب والأيدي وبدن الإنسان، يعمل عمل الصابون أيضاً. ينظر: هامش «فتح باب العناية» (1: 89).

(2)

الزَّعْفَران: هذا الصِّبغ، أي معروف، وهو من الطِّيب. ينظر:«تاج العروس» (21: 428).

(3)

زيادة من ص و ف.

(4)

زيادة من أ و ب و س.

(5)

ساقطة من ص و م.

(6)

ينظر: «المنهاج» (1: 18).

(7)

أي لم ير أثره أي لم يعلم في ذلك الماء أثر ذلك النجاسة، فالمراد بالرؤية العلم. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 84).

(8)

في م زيادة: وبماءٍ في جانبِ غديرٍ لا يحرِّكُهُ بتحريكِ جانبِهِ الآخرَ الذي نجس ماؤُه.

(9)

فقيل: ما لا يتكرر استعماله، وقيل: إن وضع الإنسان يده في الماء عرضاً لا ينقطع، وعن أبي يوسف إذا كان لا ينحسر وجه الأرض بالاغتراف بكفيه، فهو جار، وقيل: ما يعدَّه الناس جارياً، وهو الأصح. ينظر:«التبيين» (1: 23)، «العناية» (1: 68).

ص: 43

....................................................................................................................

ورقٍ، فإذا سُدَّ النَّهر من فوق، وبقيَّةُ الماءِ تجري مع ضعفٍ يجوزُ بهِ الوضوء، إذ هو ماءٌ جارٍ، وكلُّ ماءٍ ضعيفِ الجريان إذ توضَّأَ بهِ يجبُ أن يجلسَ بحيثُ لا يستعملَ غُسالتَه، أو يمكثَ بين الغرفتَيْن مقدارَ ما يذهبُ غُسالتُه.

وإذا كان الحوضُ صغيراً يدخلُ فيه الماءُ من جانب، ويخرجُ من جانبٍ يجوزُ الوضوءُ في جميعِ جوانبِه، وعليهِ الفتوى، من غيرِ تفصيلٍ بين أن يكونَ أربعاً في أربعٍ أو أقلّ، فيجوز، أو أكثرُ فلا يجوز

(1)

واعلم

(2)

أنه إذا أنتنَ

(3)

الماءُ فإن علمَ

(4)

أن نتنَهُ للنَّجاسةِ لا يجوز، وإلاَّ يجوزُ حملاً على أنَّ نتنَهُ لطولُ المُكْث

(5)

.

وإذا سدَّ

(6)

كلبٌ عرضَ النَّهر

(7)

، ويجري الماءُ فوقَه، إن كان ما يلاقي الكلبَ أقلُّ

(1)

إلا في موضع دخوله وخروجه؛ لأن في الوجه الأول ما يقع منه من الماء المستعمل يخرج من ساعته، ولا يستقرّ فيه، ولا كذلك في الوجه الثاني. ينظر:«المحيط» (ص 207).

وقال قاضي خان في «فتاواه» (1: 4) بعد ذكر المسألة: والأصح أن التقدير غير لازم إنما الاعتماد على ما ذكرنا في المعنى، فينظر فيه إن كان ما وقع فيه من الماء المستعمل يخرج من ساعته ولا يستقرّ فيه يجوز التوضؤ وإلا فلا. انتهى. وقال ابن الهمام في «فتح القدير» (1: 69): واختار السغدي جوازه. انتهى.

(2)

هذه المسألة من فروع قاعدة ابقاء ما كان على ما كان، أوردها توضيحاً لقول المصنف لم ير أثره. ينظر:«السعاية» (ص 346).

(3)

إذا أنتن الماء سواء كان جارياً أو راكداً، وكذا إذا تغير طعمه أو لونه، فإنه إذا تغير الطعم أو اللون فإن علم أن تغيره للنجاسة لا يجوز الوضوء به، وإلا يجوز، فتخصيص النتن بالذكر على سبيل التمثيل. ينظر:«السعاية» (ص 347).

(4)

فإن علم بإخبار رجل مسلم عدل، أو بعلامات دالة عليه تورث اليقين أو الظن، فإنه في حكم اليقين بكونه نجاسة. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 84).

(5)

لأن الماء قد يتغير بطول الزمان، وقد يتغير بوقوع الأوراق فيه، فالتغير لا يدل على وقوع النجاسة فيه لا محالة فيجوز التوضؤ به. ينظر:«المحيط» (ص 210).

(6)

يشير إلى أن قوله لم ير أثره إنما هو في غير الجيفة ونحوها، وأما فيها فالمعتبر رؤية النجاسة. ينظر:«السعاية» (ص 348).

(7)

المسألة مذكورة في «فتاوى قاضي خان» (1: 4) بلفظ: ساقية صغيرة.

ص: 44

وبماءٍ ماتَ فيه حيوانٌ مائيُّ المولد؛ كالسَّمكِ والضِّفدِع، أو ما ليسَ له دمٌ سائلٌ كالبقِّ والذُّباب

ممَّا لا يلاقيهِ يجوزُ الوضوءُ في الأسفل، وإلا لا، قال الفقيهُ أبو جعفرٍ

(1)

رضي الله عنه: على هذا أدركتُ مشايخي رضي الله عنهم، وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه: لا بأسَ بالوضوءِ به

(2)

إذا لم يتغيَّرْ أحدُ أوصافِه

(3)

.

(وبماءٍ ماتَ فيه حيوانٌ مائيُّ المولد؛ كالسَّمكِ والضِّفدِع): بكسرِ الدَّال

(4)

، وإنَّما قال: مائيُّ المولد، حتى لو كان مولدُهُ في غيرِ الماء، وهو يعيشُ في الماء، يفسدُ الماءُ بموتِهِ فيه.

(أو ما ليسَ له دمٌ سائلٌ كالبقِّ والذُّباب): لأنَّ النَّجَسَ هو الدَّمُ المسفوحُ كما ذكرنا

(5)

، وبحديثِ وقوعِ الذُّبابِ في الطَّعام

(6)

، وفيهِ خلافُ الشَّافعيِّ رضي الله عنه

(7)

.

(1)

وهو محمَّدُ بنُ عبدِ الله بنِ محمَّدِ بن عمرَ البَلْخي الهِنْدُوَانيّ، أبو جعفر، نسبةً إلى هِنْدُوَان، محلةٌ ببلخ، قال الكفوي: شيخ كبير، وإمام جليل القدر، كان على جانب عظيم من الفقه والذكاء والزهد والورع، ويقال له: أبا حنيفة الصغير لفقهه، حدث ببلخ وأفتى بالمشكلات وأوضح المعضلات، (ت 362 هـ). ينظر:«العبر» (2: 328)، «الجواهر» (1: 192)، «الفوائد» (ص 295).

(2)

ساقطة من ص و ف و م.

(3)

وقد صحح قول أبي يوسف رضي الله عنه اللكنوي في «السعاية» (ص 348)، وابن الهمام في «فتح القدير» (1: 72)، واختاره تلميذه قاسم، وقوَّاه في «النهر» ، وأقرَّه صاحب «التنوير» (1: 106). وصحح الحلبي في «غنية المستملي» (1: 819) الأول، وهو ما اختاره صاحب «البدائع» (1: 71)، وأقرَّه قاضي خان في «فتاواه» (1: 4)، وقال ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 106): والحاصل أنهما قولان مصححان، وأولهما أحوط.

(4)

الضِّفْدِع: قال الدميري: ناس يقولون بفتح الدال، قال الخليل: ليس في الكلام فعلل إلا أربعة أحرف درهم، وهجرع، وهو الطويل، وهبلع، وهو الأكول، وبلعم، وهو اسم، وقال ابن الصلاح: الأشهر فيه من حيث اللغة كسر الدال، وفتح في ألسنة العامة، وأشباه العامة من الخاصة، وقد أنكره بعض أئمة اللغة. ينظر:«حياة الحيوان» (2: 84 - 85).

(5)

1: 31).

(6)

وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا وقع الذُّباب في شراب أحدكم فليغمسه، ثم لينْزعه، فإن في إحدى جناحيه داءً، والأخرى شفاءً» في «صحيح البخاري» (3: 1206)، واللفظ له، و «صحيح ابن خزيمة» (1: 56)، و «صحيح ابن حبان» (4: 53)، و «المنتقى» (1: 26)، وغيرها.

(7)

فيه قولان عند الشافعي رضي الله عنه، واختار الشيرازي في «التنبيه» (ص 11) عدم النجاسة، وقال: هو الأصلح للناس، وابن رسلان في «الزبد» (ص 13).

ص: 45

لا بما اعُتِصَر من شجرٍ أو ثمر، ولا بماءٍ زالَ طبعُهُ بغلبةِ غيرِهِ أجزاءً، أو بالطَّبخ، كالأشربةِ، والخلّ، وماءِ البَاقِلاَّء، والمرق، ولا بماءٍ راكدٍ وقعَ فيه نَجَسٌ إلاَّ إذا كان عشرة أذرعٍ في عشرةِ

(لا بما اعُتِصَر)، الرِّوايةُ بقصرِ ما، (من شجرٍ أو ثمر

(1)

)، أمَّا ما يقطرُ من الشَّجر، فيجوزُ الوضوءُ به

(2)

.

(ولا بماءٍ زالَ طبعُهُ بغلبةِ غيرِهِ أجزاءً) المرادُ به: أن يُخْرِجَهُ من طبعِ الماء، وهو الرِّقَّةُ والسَّيلان

(3)

.

(أو بالطَّبخ، كالأشربةِ والخلّ) نظيرُ ما اعتصرَ من الشَّجرِ والثَّمر، فشرابُ الرِّيباسِ معتصرٌ من الشَّجر، وشرابُ التُّفاحِ ونحوَهُ معتصرٌ من الثَّمر.

(وماءِ البَاقِلاَّء) نظيرُ ما غلبَ عليه غيرُهُ أجزاءً.

(والمرق) نظيرُ ما غلبَ عليه غيرُهُ بالطَّبخ

(4)

.

وأمَّا الماءُ الذي تغيَّرَ بكثرةِ الأوراقِ الواقعةِ فيهِ حتى إذا رُفِعَ في الكفِّ

(5)

يظهرُ فيه لونُ الأوراق، فلا يجوزُ به الوضوء

(6)

؛ لأنه كماءِ الباقلاَّء.

(ولا بماءٍ راكدٍ وقعَ فيه نَجَسٌ إلاَّ إذا كان عشرة أذرعٍ في عشرةِ

(1)

لأنه ليس بماءٍ مطلق. ينظر: «الهداية» (1: 17).

(2)

لأنه ماء يخرج من غير علاج. وهو اختيار صاحب «الهداية» (1: 18)، و «التنوير» (1: 121)، ورجّح صاحب «البحر» (1: 72)، والحصكفي في «الدر المختار» (1: 121)، والشرنبلالي في «المراقي» (ص 65)؛ عدم الجواز، لأنه ليس لخروجه بلا عصر تأثير في نفي القيد، وصحة نفي الاسم عنه.

(3)

هذا عند أبي يوسف رضي الله عنه وهو الصحيح، وعند محمد تعتبر الغلبة بحسب اللون. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 85).

(4)

الأولى أن يقال نظير ما زال طبع بالطبخ. ينظر: «السعاية» (ص 361).

(5)

التقييد بالكف إشارة إلى كثرة التغير؛ لأن الماء قد يرى في محله متغيِّراً لونه لكن لو رفع منه شخص في كفه لا يراه متغيراً. ينظر: «رد المحتار» (1: 125).

(6)

ولكن صحح التمرتاشي في «التنوير» (1: 125) جواز الوضوء به.

ص: 46

أذرع، ولا تنحسرُ الأرضُ بالغَرْف

أذرع

(1)

، ولا تنحسرُ الأرضُ بالغَرْف

(2)

)، فحكمُهُ حكمُ الماءِ الجاري:

فإن كانت النَّجاسةُ مرئيَّةً لا يُتَوَضَّأُ من موضعِ النَّجاسة، بل من الجانبِ الآخر.

(1)

اختلفوا في هذا الحدّ:

فمنهم: من حدَّه بالتكدر، أي إذا اغتسل فيه يتكدر الجانب الآخر، وهو قول محمد بن سلام

ومنهم: من حدّ الصبغ، أي إذا ألقي فيه زعفران أثر في الجانب الآخر، وهو قول أبي حفص الكبير.

ومنهم: من حدّه بالتحريك، وهو مذهب المتقدمين. كما في «العناية» (1: 70)، وفيها تفصيل في الاختلاف في التحريك، هل هو باليد، أو بالتوضؤ، أو بالاغتسال. وقال صاحب «التبيين» (1: 22): ظاهر المذهب التحريك. وقال صاحب «البدائع» (1: 72): اتفقت الروايات عن أصحابنا أنه يعتبر الخلوص بالتحريك.

ومنهم: من فوَّضه إلى رأي المبتلي، وهذا هو أصل المذهب، والمختار عند المتقدمين كالكرخي، وجمع من محققي المتأخرين. فقد صححه ابن الهمام في «فتح القدير» (1: 68 - 69)، وصاحب «البحر» (1: 78 - 80)، وتبعه صاحب «التنوير» (1: 128)، و «الدر المختار» (1: 128)، ووفق ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 128) بينه وبين رأي التحريك، فقال: المراد بغلبة الظن بأنه لو حرك لوصل إلى الجانب الآخر إذا لم يوجد التحريك بالفعل.

ومنهم: من حدّه بقدر ثمان في ثمان، وبه أخذ محمد بن سلمة.

ومنهم: من حدّه بخمسة عشر في خمسة عشر، وهو قول أبي مطيع البلخي.

ومنهم: من حدّه بعشر في عشر، وهو قول أبو سليمان الجوزجاني، وعليه عامّة المشايخ، واختاره قاضي خان في «فتاواه» (1: 5)، وصاحب «المراقي» (ص 69)، و «الملتقى» (ص 4)، و «الكنْز» (ص 4)، و «التبيين» (1: 21)، والقدوري في «مختصره» (ص 4). ينظر: تفصيل هذه المذاهب في «التعليق الممجد على موطأ محمد» (1: 269 - 270)، و «السعاية» (ص 370 - 385)، و «البدائع» (1: 72)، و «المبسوط» (1: 70 - 71).

(2)

اختلفوا في قدر عمقه:

فقال بعضهم: إن كان بحال لو رفع الماء بكفه لا ينحسر ما تحته من الأرض، فهو عميق، رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة رضي الله عنهم. وصححه في «الهداية» (1: 19). واختاره صاحب «الملتقى» (ص 4).

وقال بعضهم: إن كان بحال لو اغترف لا تصيب يده وجه الأرض، فهو عميق.

وقال بعضهم: قدر شبر.

وقال بعضهم: قدر ذراع. ينظر: «الخانية» (1: 5)، و «العناية» (1: 71)

ص: 47

ولا بماءٍ استعملَ لقربةٍ أو لرفعِ حدث

وإن كانت غير مرئيَّة يُتَوَضَّأُ من جميعِ الجوانب، وكذا من موضعِ غُسالتِه.

قال محيي السُنَّة

(1)

رضي الله عنه: التَّقدير بعشرٍ في عشرٍ لا يرجعُ إلى أصلٍ شرعيِّ يُعْتَمَدُ عليه.

أقول: أصلُ المسألةِ أنَّ الغديرَ العظيمَ الذي لا يتحرَّكُ أحدُ طرفيهِ بتحريكِ الطَّرفِ الآخرِ إذا وقعتْ النَّجاسةُ في أحدِ جوانبهِ جازَ الوضوءُ في الجانبِ الآخر، ثمَّ قُدِّرَ هذا بعشرٍ في عشر، وإنَّما قُدِّرَ بهِ بناءً على قولهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حَفَرَ بِئْرَاً فَلَهُ حَوْلُهَا أَرْبَعُون ذِرَاعاً»

(2)

، فيكونُ له حريمُها من كلِّ جانبٍ عشرة، ففهمَ من هذا أنَّهُ إذا أرادَ آخرٌ أن يحفرَ في حريمِها بئراً يُمْنَعُ منه؛ لأنَّهُ ينجذبُ الماءُ إليها، وينقصُ الماءُ في البئرِ الأُولَى، وإن أرادَ أن يحفرَ بئرَ بَالُوعةٍ

(3)

يُمْنَعُ أيضاً؛ لسرايةِ النَّجاسةِ إلى البئرِ الأُولَى، وتنجيس مائها، ولا يُمْنَعُ منها

(4)

فيما وراءَ الحريم، وهو عشرٌ في عشر، فعُلِمَ أنَّ الشَّرعَ اعتبرَ العشرةَ في العشرةِ في عدمِ سرايةِ النَّجاسة، حتى لو كانتْ النَّجاسةُ تسري، يحكمُ بالمنع، ثمَّ المتأخِّرونَ وسَّعُوا الأمرَ على النَّاس، وجوَّزوا الوضوءَ في جميعِ جوانبه.

(ولا بماءٍ استعملَ لقربةٍ أو لرفعِ حدث)، اعلمْ أنَّ في الماءِ المستعملِ اختلافات:

الأوَّل: في أنَّهُ بأيِّ شيءٍ يصيرُ مستعملاً، فعند أبي حنيفةَ وأبي يوسفَ رضي الله عنهم بإزالةِ الحدث

(5)

، وأيضاً بنيَّةِ القربة، فإذا توضَّأ المحدثُ وضوءً غيرَ منويٍّ يصيرُ مستعملاً،

(1)

وهو حسين بن مسعود الفرَّاء البَغَوِيّ الشَّافِعِيّ، أبو محمد، محيي السُّنَّة، قال الأسنوي: وكان ديناً ورعاً قانعاً باليسير، يأكل الخبز وحده، فَعُذِل في ذلك، وصار يأكله بالزيت، وكان لا يلقي درسه إلا على طهارة، من مؤلفاته:«معالم التنْزيل في علم التفسير» ، و «مشكاة المصابيح» ، و «شرح السنة» ، (ت 516 هـ). ينظر:«وفيات» (2: 136). «طبقات الأسنوي» (1: 101). «الكشف» (2: 1726).

(2)

من حديث أبي هريرة وعبد الله بن مغفل رضي الله عنهم في «سنن ابن ماجه» (2: 831)، و «مسند أحمد» (2: 494))، و «سنن الدارقطني» (4: 220)، و «التحقيق في أحاديث الخلاف» (2: 225)، وقد استوفى طرقه الزيلعي في «نصب الراية» (4: 291 - 292)، ورد كلام الدارقطني بأن الصحيح أنه مرسل.

(3)

البَالُوعة: بئر تحفر ويضيق رأسُها يجري فيها المطر، وهي لغة أهل البصرة. ينظر:«اللسان» (1: 345). قال اللكنوي في «عمدة الرعاية» (1: 88): يعني إذا أراد آخر أن يحفر حفرة لألقاء النجاسات ونحوها وسيلان الميزاب في حريم البئر الأولى لا يسعه ذلك.

(4)

زيادة من م.

(5)

أي النجاسة غير الحقيقية، وأما المستعمل لإزالة النجاسات الحقيقية كماء الاستنجاء وغسالة الثياب النجسة، فهو نجس اتفاقاً ما لم يعط للمغسول حكم الطهارة، وبعد ذلك هو طاهر وطهور اتفاقاً. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 88).

ص: 48

....................................................................................................................

ولو توضَّأ غيرُ المحدثِ وضوءً منويَّاً يصيرُ مستعملاً أيضاً.

وعند محمَّدٍ رضي الله عنه بالثَّاني فقط

(1)

.

وعند الشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه بإزالةِ الحدث لكن إزالة الحدث لا يتحقَّقُ إلا بنيَّةِ القربةِ عندهُ بناءً على اشتراطِ النِيَّةِ في الوضوء.

والاختلافُ الثَّاني: في أنَّهُ متى يصيرُ مستعملاً

(3)

، ففي «الهداية»: إنَّهُ كما زايلَ العضوَ صارَ مستعملاً

(4)

.

والاختلافُ الثَّالث: في حكمه:

فعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه: هو نجسٌ نجاسةً غليظة.

وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه: هو

(5)

نجسٌ نجاسةً خفيفة.

وعند محمَّدٍ رضي الله عنه: هو طاهرٌ غيرُ طهور

(6)

.

(1)

أي بنية القربة، واستدل أبو بكر الرازي لذلك بمسألة الجنب إذا انغمس في البئر لطلب الدلو، فقال محمد: الماء طاهر طهور؛ لعدم إقامة القربة، لكن قال السرخسي: تعليل محمد بعدم إقامة القربة ليس بقوي؛ لأنه غير مروي عنه، والصحيح عند أن إزالة الحدث بالماء مفسدة له إلا عند الضرورة. ينظر:«البحر» (1: 95 - 96).

(2)

ينظر: «مغني المحتاج» (1: 200).

(3)

اختلفوا في وقت كونه مستعملاً على قولين: أحدهما: أنه يصير مستعملاً إذا زايل البدن واستقرّ في موضع، وهو اختيار مشايخ بلخ والطحاوي، والظهير المرغيناني، والصدر الشهيد، وفخر الإسلام. والثاني: أنه يصير مستعملاً بمجرد زواله عن العضو في الوضوء وعن جميع البدن في الغسل، وهو الذي اختاره في «الهداية». ينظر:«السعاية» (ص 396 - 397)،

(4)

انتهى من «الهداية» (1: 20)، وقال: لأن سقوط حكم الاستعمال قبل الانفصال للضرورة ولا ضرورة بعده.

(5)

زيادة من أ.

(6)

قال القاري في «فتح باب العناية» (1: 120): لم يثبت مشايخ العراق خلافاً بين الأئمة الثلاثة في أن الماء المستعمل طاهر غير طهور، وأثبته مشايخ ما وراء النهر، واختلاف الرواية: فعن أبي حنيفة في رواية الحسن عنه، وهو قوله: أنه نجس نجاسة مغلَّظة، وعن أبي يوسف وهو رواية عن أبي حنيفة: أنه نجس نجاسة مخففة، وعن محمد وهو رواية عن أبي حنيفة وهو الأقيس: أنه طاهر غير طهور، واختار هذه الرواية المحقِّقون من مشايخ ما وراء النهر وغيرهم، وهو ظاهر الرواية، وعليها الفتوى.

ص: 49

وكلُّ إهابٍ دُبِغَ فقد طهُر إلاَّ جلدَ الخنْزيرِ والآدميّ

وعند مالكٌ

(1)

والشَّافِعِيُّ رضي الله عنهم في قولِهِ القديم

(2)

: هو طاهرٌ مطهِّر.

ونحن نقول: لو كان طاهراً لجازَ في السَّفرِ الوضوءُ به، ثمَّ الشُّربُ منه

(3)

: (أي لا يجوزُ الوضوءُ بالماءِ المستعمل، ولا الشُّرب)

(4)

، ولم يقلْ أحد بذلك.

(وكلُّ إهابٍ دُبِغَ فقد طهُر

(5)

إلاَّ جلدَ الخنْزيرِ والآدميّ).

اعلمْ أنَّ الدِّباغةَ هي إزالةُ رائحةِ النَّتنِ والرُّطوباتِ النَّجسةِ من الجلد، فإن كانت بالأدويةِ كالقَرظِ

(6)

ونحوِهِ يطهرُ الجلدُ ولا تعودُ نجاستُهُ أبداً، وإن كانت بالتُّرابِ أو بالشَّمسِ يطهرُ إذا يَبِس، ثمَّ إن أصابَهُ الماءُ هل يعودُ نجساً؟

فعن أبي حنيفةَ رضي الله عنه: روايتان

(7)

.

وعن أبي يوسفَ

(8)

رضي الله عنه: إن صارَ بالشَّمسِ بحيثُ لو تركَ لم يفسدْ كان دباغاً.

(1)

ينظر: «مرشد اقرب المسالك» (ص 3)، و «المرشد المعين» وشرحه «مختصر الدر الثمين المورد المعين» (ص 23)، «مختصر خليل» (ص 4)، و «حاشية الدسوقي» (1: 42)، و «التاج والإكليل» (1: 66)، و «الفواكه الدواني» (1: 125)، ولكنهم قالوا: كره ماء مستعمل في حدث.

(2)

قال الشربيني في «مغني المحتاج» (1: 20) أن مذهب الشافعي القديم هو أن الماء طهور.

(3)

زيادة من أ و ب و س.

(4)

زيادة من م.

(5)

لقوله صلى الله عليه وسلم: «أيما إهاب قد دبغ فقد طهر» في «صحيح مسلم» (1: 277)، و «سنن أبي داود» (4: 66) و «موطأ مالك» (2: 498)، و «سنن الدارمي» (2: 117)، وغيرها

(6)

القَرظ: ورق السَّلم يُدْبَغ به، وقيل: قِشْر البلوط. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 530).

(7)

وهما: الأولى: يعود نجساً؛ لعود الرطوبة، والثانية: لا يعود نجساً، وهو الأقيس؛ لأن هذه الرطوبة ليست تلك التي كانت بقية الفضلات النجسة؛ لأن تلك تلاشت وصارت هواء، وذهبت معه، بل رطوبة تجددت من ماء طاهر وسرت في أجزاءه حكم بطهارتها وملاقاة الطاهر الطاهر لا توجب تنجيسه، وهو المختار. ينظر:«غنية المستملي» (ص 156).

(8)

تأييداً لرواية عدم العود بأنه روي عن أبي يوسف رضي الله عنه: أن الجلد إذا شمّس وصار حيث لو ترك كان دباغاً، فيحكم بطهارته، ولم يفصل بين ما إذا أصابه الماء بعد وبين ما إذا لم يصبه. ينظر:«السعاية» (ص 412).

ص: 50

وما طَهُرَ جلدُهُ بالدَّبغِ طَهُرَ بالذَّكاة، وكذا لحمُه، وإن لم يؤكل، وما لا فلا، وشعرُ الميتةِ وعظمُها، وعَصَبُها، وحافرُها، وقرنُها، وشعرُ الإنسان، وعظمُهُ طاهر.

وعن محمَّدٍ

(1)

رضي الله عنه: جلدُ الميتةِ إذا يبسَ ووقعَ في الماءِ لا ينجسُ من غيرِ فصل.

والصَّحيحُ في نافجةِ المِسْك

(2)

جوازُ الصَّلاةِ معها من غير فصل

(3)

.

(وما طَهُرَ جلدُهُ بالدَّبغِ طَهُرَ بالذَّكاة

(4)

، وكذا لحمُه، وإن لم يؤكل

(5)

، وما لا فلا): أي ما لم يطهرْ جلدُهُ بالدِّباغ لا يطهرُ بالذَّكاة، والمرادُ بالذَّكاة أن يذبحَ المسلمُ أو الكتابيُّ من غيرِ أن يتركَ التَّسميةَ عامداً

(6)

.

(وشعرُ الميتةِ وعظمُها، وعَصَبُها

(7)

، وحافرُها، وقرنُها

(8)

، وشعرُ الإنسان

(9)

، وعظمُهُ طاهر.

(1)

تأييد ثان لرواية عدم العود بأنه روي عن محمد رضي الله عنه: أن جلد الميتة إذا يبس وأصابه الماء لم يتنجس، ولم يفصل بين ما إذا دبغ بالتتريب والتشميس، وبين ما إذا دبغ بالقرظ ونحوه. ينظر:«السعاية» (ص 412).

(2)

المِسْك من الطيب، فارسي معرب. كما في «اللسان» (6: 4203)، وحقيقته دم يجمع في سرة الظبي بإذن الله في وقت معلوم من السنة بمنْزلة المواد التي تنصب إلى الأعضاء، وهذه السرة جعلها الله معدناً للمسك، والنافجة معدنها ومأوها. ينظر:«العمدة» (1: 90).

(3)

أي من غير فرق بين أن يكون نافجة دابة ذكية، أو غير ذكية أصابها الماء أو لم يصب؛ لأن يبسها دباغها، ولا تعود نجاسته بعده، فهو طاهر يجوز الصلاة معه كل حال. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 90).

(4)

لأنها تعمل عمل الدباغ في إزالة الرطوبات النجسة. ينظر: «الهداية» (1: 21).

(5)

اختلفوا في طهارة غير مأكول اللحم بالذكاة: فصحح صاحب «التحفة» (1: 72)، و «الهداية» (1: 21) طهارته، واختاره في «البدائع» (1: 86). واختار صاحب «التنوير» (1: 127)، عدم طهارته، وقال صاحب «الدر المختار» (1: 127): هذا أصح ما يفتى به، وأقرَّه ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 127).

(6)

صحح الزاهدي في «القنية» (ق 11/أ) أيضاً: طهارة ذبيحة المجوسي. وأقره في «البحر» (1: 109).

(7)

العَصَب: عضو أبيض شبيه العظم، لين الانعطاف، صلب في الانفصال. ينظر:«السعاية» (ص 415).

(8)

قيدها جميعاً في «الدر المختار» (1: 138) بأن تكون خالية عن الدسومة

(9)

قيده في «الدر المختار» (1: 138) بغير المنتوف: أي رؤوسه التي فيها الدسومة.

ص: 51

وتجوزُ صلاةُ مَن أعادَ سنَّهُ إلى فمِهِ وإن جاوزَ قَدْرَ الدِّرهم.

‌فصل [في الآبار]

بئرٌ وقع فيها نجس، أو ماتَ فيها حيوان وانتفخَ أو تفسَّخ، أو ماتَ آدميّ، أو شاة، أو كلب، يُنْزَحُ كلُّ مائها إن أمكنَ وإلا قُدِّرَ ما فيها

وتجوزُ صلاةُ مَن أعادَ سنَّهُ

(1)

إلى فمِهِ وإن جاوزَ قَدْرَ الدِّرهم) أفردَ هذه المسألةَ بالذِّكرِ مع أنَّها فُهِمَتْ فيما مرَّ؛ لأنَّ السِّنَّ عظمٌ (أو عصب)

(2)

، وقد ذكرَ أنَّ العظمَ طاهر؛ لمكانِ الاختلافِ فيها، فإنَّه إذا كان أكثرَ من قَدْرِ الدِّرهمِ لا يجوز الصَّلاةُ به عند محمَّدٍ رضي الله عنه.

فصل [في الابار]

(بئرٌ وقع

(3)

فيها نجس، أو ماتَ

(4)

فيها

(5)

حيوان وانتفخَ

(6)

أو تفسَّخ، أو ماتَ آدميّ، أو شاة، أو كلب، يُنْزَحُ كلُّ مائها إن أمكنَ وإلا قُدِّرَ ما فيها)، الأصحّ أن يؤخذَ بقولِ رجلَيْن لهما بصارةٌ في الماء، ومحمَّد رضي الله عنه: قدَّرَ بمائتي دلوٍ الى ثلاثمائة

(7)

(1)

صحح في «البحر» (1: 113) طهارة سن الآدمي مطلقاً، وأقرَّه في «الدر المختار» (1: 138).

(2)

زيادة من ص و ف و م.

(3)

زيادة من ص و ف و م.

(4)

فإن أخرج منه الحيوان حياً، فإن كان على جسده نجس متيقن أو كان نجس العين وجب نَزح الكل، وإلا فلا. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 91).

(5)

قيد اتفاقي، فإن الحكم كذلك فيما إذا مات خارجها، أو وقع فيها. ينظر:«الدر المختار» (1: 141).

(6)

الحاصل أنه إذا مات آدمي أو ما يقاربه في الجثة كالشاة والكلب ونحوهما ينْزح الكل، وإن لم ينتفخ، وفي ما عداها إنما يجب نَزح الكل إذا انتفخ وإلا فله حدٌّ معين. ينظر:«السعاية» (ص 431).

(7)

اختلفوا في التصحيح فيهما:

فمنهم من ذهب إلى نَزح مئتي دلو إلى ثلاثمئة، كالشرنبلالي في «نور الإيضاح» (1: 80)، وصاحب «الكنْز» (ص 5)، و «الاختيار» (1:27). وفي «الملتقى» (ص 5): وبه يفتى.

ومنهم من ذهب إلى التفويض في نزح مقدار ما فيها إلى ذوي البصائر، وقد صححه صاحب «الدرر» (1: 25)، و «التبيين» (1: 30)، واختاره في «الهداية» (1: 22)، وأقرَّه صاحب «الكفاية» (1: 93)، واختاره صاحب «التنوير» (1: 143)، وفي «الدر المختار» (1: 143): وبه يفتى، وهو الأحوط، ورجَّحه ابن عابدين في «حاشيته» (1: 143).

ص: 52

وفي نحوِ حمامةٍ أو دجاجةٍ ماتت فيها أربعونَ إلى ستِّين. وفي نحوِ فأرةٍ أو عصفور عشرونَ إلى ثلاثين. والمعتبرُ الدَّلوُ الوسط، وما جاوزَهُ احتسبَ به. ويتنجَّسُ البئرُ من وقتِ الوقوعِ إن عُلِمَ ذلك، وإلا فمنذ يومٍ وليلةٍ إن لم ينتفخ، ومنذُ ثلاثةٍ أيامٍ ولياليها إن انتفخ، وقالا: مذ وجد. وسؤرُ الآدميِّ والفَرس، وكلُّ ما يأكلُ لحمُهُ طاهر، والكلبُ والخنْزيرُ وسباعُ

(وفي نحوِ حمامةٍ أو دجاجةٍ ماتت فيها أربعونَ إلى ستِّين

(1)

.

وفي نحوِ فأرةٍ أو عصفور عشرونَ إلى ثلاثين.

والمعتبرُ الدَّلوُ الوسط

(2)

، وما جاوزَهُ احتسبَ به

(3)

.

ويتنجَّسُ البئرُ من وقتِ الوقوعِ إن عُلِمَ ذلك، وإلا فمنذ يومٍ وليلةٍ إن لم ينتفخ، ومنذُ ثلاثةٍ أيامٍ ولياليها إن انتفخ، وقالا: مذ وجد

(4)

.

وسؤرُ

(5)

الآدميِّ والفَرس، وكلُّ ما يأكلُ لحمُهُ طاهر، والكلبُ والخنْزيرُ

(1)

فالأربعون للإيجاب، والستون للاستحباب. ينظر:«الاختيار» (1: 26).

(2)

اختلف في الدلو المعتبر:

فمنهم من اختار الدلو الوسط: كصاحب «الكنْز» (5)، و «الملتقى» (ص 5)، والقدوري في «مختصره» (ص 4)، و «التنوير» (1: 145).

ومنهم من اختار في كل بئر دلوها، كصاحب «البحر» (1: 124)، و «الهداية» (1: 22)، و «الاختيار» (1: 27).

ومنهم: من اختار في كل بئر دلوها، وإن لم يكن لها دلو ينْزح به، يعتبر الدلو الوسط، كصاحب «المضمرات» ، وتبعه اللكنوي في «عمدة الرعاية» (1: 92). واختار صاحب «الدر المختار» (1: 145) إن لم يكن لها دلو فما يسع صاعاً.

وقيل: ما يسع فيها صاعاً، وهو مروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه، وقيل: ما يسع ثمان أرطال، وقيل: عشرة أرطال، وقيل: غير ذلك. ينظر: «البحر» (1: 124)، و «البدائع» (1: 86).

(3)

أي لو نَزَح الواجب بدلو كبير كفى ذلك، وهو ظاهر المذهب؛ لحصول المقصود. ينظر:«العمدة» (1: 92).

(4)

وقولهما موافق للقياس، وقوله استحسان، وهو الأحوط في العبادات. ينظر:«رد المحتار» (1: 147).

(5)

السُّؤْرُ: بقية الشيء، وجمعه أسآر، فهو اسم للبقية بعد الشراب التي أبقاها الشارب. ينظر:«اللسان» (3: 92).

ص: 53

وسباعُ البهائمِ نجس، والهرَّةُ والدَّجاجةُ المخلاَّةُ وسباعُ الطَّيرِ وسواكنُ البيوتِ مكروه، والحمارُ والبغلُ مشكوكٌ يتوضَّأ به ويتيمَّم، والعَرَقُ معتبرٌ بالسُّؤْر

البهائمِ نجس، والهرَّةُ والدَّجاجةُ المخلاَّةُ

(1)

وسباعُ الطَّيرِ وسواكنُ البيوتِ مكروه

(2)

، والحمارُ

(3)

والبغلُ

(4)

مشكوكٌ يتوضَّأ به ويتيمَّم): أي يتوضَّأُ بالمشكوك، ثمَّ يتيمَّمُ إلا في المكروهِ يتوضَّأ بهِ فقط إن عدمَ غيرُه.

(والعَرَقُ معتبرٌ بالسُّؤْر

(5)

): لأنَّ السُّؤر مخلوطٌ باللُّعاب، وحكمُ اللُّعابِ والعَرَقِ واحد؛ لأنَّ كلاًّ منهما متولِّدانَ من اللَّحم.

فإن قيل: يجبُ أن لا يكونَ بين سُؤْرِ مأكولِ اللَّحم، وغيرِ مأكولِ اللَّحمِ فرق؛ لأنه إن اعتبرَ اللَّحم، فلحمُ كلُّ واحدٍ منهما طاهر، ألاَّ ترى أنَّ غيرَ مأكولَ اللَّحم إذا لم يكنْ نجسَ العينِ إذا ذُكِّيَ يكون لحمُهُ طاهراً، وإن اعتبرَ أنَّ لحمَهُ مخلوطٌ بالدَّمِ فمأكولُ اللَّحمِ وغيرُهُ في ذلكَ سواء.

قلنا: الحرمةُ إذا لم تكنْ للكرامة، فإنَّها آيةُ النَّجاسة، لكن فيه شبهةُ أنَّ النَّجاسة؛ لاختلاطِ الدَّمِ باللَّحم، إذ لولا ذلك بل يكونُ نجاستُهُ لذاتِه، لكانَ نجسَ العينِ وليس كذلك، فغيرُ مأكولِ اللَّحمِ إذا كانَ حيَّاً فلعابُهُ متولِّدٌ من اللَّحمِ الحرامِ المخلوطِ بالدَّمِ فيكونُ نجساً لاجتماعِ الأمرين، وهما الحرمة والاختلاط بالدم، أمَّا في مأكولِ اللَّحمِ فلم يوجدْ إلا أحدهما، وهو الاختلاطُ بالدَّمِ فلم يوجبْ نجاسةَ السُّؤْر؛ لأنَّ هذهِ العلَّةَ بانفرادِها ضعيفة، إذ الدَّمُ المستقرُّ في موضعِهِ لم يُعْطَ له حكمُ النَّجاسةِ

(1)

المخلاَّة: أي مرسلة تخالط النجاسات، ويصل منقارها إلى ما تحت قدميها، أما التي تحبس في بيت وتعلف فلا يكره سؤرها؛ لأنها لا تجد عذرات غيرها حتى تجول فيها، وهي في عذرات نفسها لا تجول، بل تلاحظ الحب بينه. ينظر:«رد المحتار» (1: 149).

(2)

أي تنْزيهاً فيجوز التوضؤ به واستعماله مع كراهته إن كان قادراً على غيره، وإن لم يكن قادراً على غيره فلا كراهة. ينظر:«السعاية» (465).

(3)

أي الأهلي بخلاف الوحشي لأنه مأكول اللحم فلا شك في سؤره ولا كراهة. ينظر: «رد المحتار» (1: 150).

(4)

أي البغل الذي أمه حمارة، أما البغل الذي أمه فرس فسؤره طاهر؛ لأن الأصل في الحيوان الإلحاق بالأم. ينظر:«الهدية العلائية» (ص 15 - 16).

(5)

أي مقيس بالسؤر فما كان سؤره طاهراً فعرقه طاهر كالآدمي والفرس. ينظر: «العمدة» (1: 93).

ص: 54

فإن عدمَ الماء إلا بنبيذِ التَّمر، قال أبو حنيفةَ رضي الله عنه: بالوضوءِ به فقط، وأبو يوسفَ رضي الله عنه: بالتَّيمُّمِ فحسب، ومحمَّدٌ رضي الله عنه بهما.

في الحيّ، وإذا لم يكن حيَّاً فإن لم يكنْ مذكَّى كان نجساً، سواءٌ كان مأكولَ اللَّحمِ أو غيره؛ لأنَّهُ صارَ بالموتِ حراماً، فالحرمةُ موجودةٌ مع اختلاطِ الدَّمِ فيكونُ نجساً، وإن كان مُذكَّى كان طاهراً، أمَّا في مأكولِ اللَّحمِ فلأنَّهُ لم توجدْ الحرمةُ ولا الاختلاطُ بالدَّم، وأمَّا في غيرِ مأكولِ اللَّحم؛ فلأنَّهُ لم يوجدْ الاختلاطُ بالدَّم

(1)

، والحرمةُ المجرَّدةُ غيرُ كافيةٍ في النَّجاسةِ على ما مرَّ أنَّها تثبتُ باجتماعِ الأمرين.

(فإن عدمَ الماء

(2)

إلا بنبيذِ

(3)

التَّمر، قال أبو حنيفةَ رضي الله عنه: بالوضوءِ به فقط، وأبو يوسفَ رضي الله عنه: بالتَّيمُّمِ فحسب

(4)

، ومحمَّدٌ رضي الله عنه بهما)، والخلافُ في نبيذِ تمر

(5)

هو حلوٌ رقيقٌ يسيلُ كالماء، أمَّا إذا اشتدَّ فصارَ مُسْكِراً لا يتوضَّأُ به إجماعاً.

* * *

(1)

زيادة من ب و س و م.

(2)

ساقطة من ج و ص و ف و م.

(3)

سائر الأنبذة إلا التمر لا يجوز الوضوء بها عند عامة العلماء، وهو الصحيح. ينظر:«البحر» (1: 144).

(4)

هذا هو المذهب المعتمد المصحح المختار؛ وأبو حنيفة قد رجع إليه. ينظر: «البحر» (1: 144)، واختاره صاحب «التنوير» (1: 152)، وصححه صاحب «الدر المختار» (1: 152). وفي «الملتقى» (ص 6) وبه يفتى. وفي «رمز الحقائق» (1: 16): والفتوى على رأي أبي يوسف رضي الله عنه. واختار النسفي في «الكنْز» (ص 5) قول أبي حنيفة.

(5)

زيادة من م.

ص: 55

‌باب التيمم

هو لمُحْدِث، وجُنُب، وحائض، ونفساءٍ لم يقدرُوا على الماء لبعدِهِ ميلاً

باب التيمم

(هو لمُحْدِث، وجُنُب، وحائض، ونفساءٍ لم يقدرُوا على الماء): أي على ماءٍ يكفي لطهارتِهِ حتى إذا كان للجُنُبِ ماءٌ يكفي للوضوءِ لا للغُسْلِ يتيمَّم، ولا يجبُ عليهِ التَّوضُّؤ عندنا، خلافاً للشَّافعيِّ

(1)

رضي الله عنه.

وأمَّا إذا كان مع الجنابةِ حدثٌ يوجبُ الوضوءَ يجبُ عليه الوضوء، فالتَّيمُّمُ للجنابةِ بالاتَّفاق

(2)

.

وأمَّا إذا كان للمُحْدثِ ماءٌ يكفي لغُسْلِ بعضِ أعضائِهِ فالخلافُ ثابتٌ أيضاً

(3)

.

(لبعدِهِ ميلاً

(4)

)، الميلُ

(5)

ثلثُ الفرسخ

(6)

، وقيل: ثلاثةُ آلافٍ ذراع وخمسمئةٍ إلى

(1)

ينظر: «مواهب الصمد» (ص 29).

(2)

عبارة الشارح هذه موهمة خلاف المقصود، والمقصود هو أنه إذا وجد ماءً كافياً للوضوء قبل التيمم لا يجب عليه الوضوء عندنا، وأما إذا تيمم للجنابة، ثم طرأ عليه ناقض الوضوء، ووجد ماءً كافياً له يجب عليه الوضوء عندنا أيضاً. فإن التيمم السابق للجنابة لا يرتفع به الحدث الطارئ بعده، فالفاء تعليلية أي لدفع ما يقال من أنه كيف يجب عليه الوضوء مع بقاء التيمم، فالتيمم السابق للجنابة لا للحدث الذي حدث بعده، وقوله: بالاتفاق، متعلق بوجوب الوضوء أو بكون التيمم للجنابة اتفاقاً، وإنما وجب الوضوء للحدث الطارئ. ينظر:«العمدة» (1: 95). «رد المحتار» (1: 155).

(3)

بيننا وبين الشافعي رضي الله عنه، ينظر:«المنهاج» وشرحه «مغني المحتاج» (1: 89).

(4)

ولو مقيماً في المصر؛ لأن الشرط هو العدم، فأينما تحقق جاز التيمم. ينظر:«رد المحتار» (1: 155).

(5)

اختلفوا في مقدار الميل:

فمنهم من ذهب إلى أنه ثلث الفرسخ، وهو أربع آلاف خطوة، وهي ذراع ونصف بذراع العامة، كصاحب «المراقي» (ص 151)، و «فتح باب العناية» (1: 164)، وابن ملك في «شرح الوقاية» (ق 12/ب). و «البحر» (1: 146)، و «العناية» (1: 108)، وهو اختيار الشارح.

ومنهم من ذهب إلى أربع آلاف ذراع كصاحب «التبيين» (1: 37)، و «البناية» (1: 482)، و «الهدية العلائية» (ص 34)، و «الدر المختار» (1: 155).

ومنهم من ذهب إلى أنه ثلاث آلاف ذراع وخمسمئة إلى أربعة آلاف، وهو ابن شجاع.

ومنهم من ضبط الميل بسير القدم نصف ساعة. ينظر: «حاشية الطحطاوي على المراقي» (ص 114).

(6)

الفَرْسَخ: السُّكون، والفَرْسخ المسافة المعلومة من الأرض مأخوذة منه، وسمي بذلك لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح من ذلك كأنه سكن. ينظر:«اللسان» (5: 3381).

ص: 56

أو لمرض، أو بَرْد، أو عدوٍ، أو عَطَش

أربعةٍ آلاف، وما ذُكِرَ ظاهرُ الرُّواية، وفي روايةِ الحَسَنِ

(1)

رضي الله عنه: الميلُ إنَّما يكونُ معتبراً إذا كان في طرفٍ غيرِ قُدَّامه

(2)

، حتى يصيرَ ميلَيْن ذهاباً ومجيئاً، وأمَّا إذا كان في قُدِّامِهِ فيعتبرُ أن يكونَ ميلَيْن.

(أو لمرض) لا يقدرُ معه على استعمالِ الماء، وإن استعملَ الماءَ اشتدَّ مرضُهُ حتى لا يشترطَ خوفُ التَّلفِ خلافاً للشَّافعيِّ

(3)

رضي الله عنه، إذ ضررُ اشتدادِ المرضِ فوقَ ضررِ زيادةِ الثَّمن، وهو يبيحُ التَّيمُّم.

(أو بَرْد) إن استعملَ الماء

(4)

يضرُّه.

(أو عدوٍ

(5)

أو عَطَش): أي إن استعملَ الماءَ خافَ العطش، أو أبيح الماءُ للشُّرب حتى إذا وجدَ المسافرُ ماءً في جُبٍّ

(6)

مُعَدٍّ للشُّربِ جازَ

(7)

له التَّيمُّم، إلاَّ إذا كان كثيراً

(1)

وهو الحسن بن زياد اللُّؤْلُؤي الكوفي، أبو عليّ، صاحب الإمام، قال الذهبي: قاضي الكوفة، وكان رأساً في الفقه، من مؤلَّفاته:«المقالات» ، و «الجرد» ، (ت 204 هـ). ينظر:«الجواهر» (2: 56 - 57)، «العبر» (1: 345)، «طبقات ابن الحنائي» (ص 18 - 19).

(2)

بأن يكون الماء من الخلف أو اليمين أو اليسار حتى لو ذهب إليه المتوضئ يصير ميلاً ذهاباً وميلاً إياباً. ينظر: «السعاية» (493). وفي «البدائع» (1: 46) قالها الحسن من تلقاء نفسه. وفيها: وبعضهم فصل بين المقيم والمسافر، فقالوا إن كان مقيماً يعتبر قدر ميل كيفما كان، وإن كان مسافراً والماء على يمينه أو يساره فكذلك، وإن كان أمامه يعتبر ميلين، وروي عن أبي يوسف رضي الله عنه أنه إن كان بحيث لو ذهب إليه لا تنقطع عنه جلبة العير ويحس أصواتهم أو أصوات الدواب، فهو قريب، وإن كان يغيب عنه ذلك، فهو بعيد، وقال بعضهم: إن كان بحيث يسمع أصوات أهل الماء، فهو قريب، وإن كان لا يسمع، فهو بعيد، وقال بعضهم قدر فرسخ، وقال بعضهم: مقدار ما لا يسمع الأذان، وقال بعضهم: إذا خرج من المصر مقدار ما لا يسمع أو نودي من أقصى المصر، فهو بعيد، وأقرب الأقاويل اعتبار الميل؛ لأن الجواز لدفع الحرج.

(3)

في «التنبيه» (1: 16): إن خاف من استعمال الماء التلف لمرض تيمم وصلى ولا إعادة عليه، وإن خاف الزيادة في المرض، ففيه قولان: أصحهما أنه يتيمم ولا إعادة عليه. انتهى.

(4)

زيادة من أ.

(5)

كحية أو نار على نفسه، ولو من فاسق أو حبس غريم ـ أي بان كان صاحب الدين عند الماء وخاف المديون من الحبس ـ أو ماله ولو أمانة. ينظر:«رد المحتار» (1: 156 - 157).

(6)

الجُبُّ: بالضم: البئر. ينظر: «تاج العروس» (2: 120).

(7)

الجواز هاهنا مستعمل فيما يعمّ الوجوب، فإن التيمم في مثل هذه الصورة واجب، والتقييد بالمسافر اتفاقي. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 96).

ص: 57

أو عدمِ آلة، أو خوفِ فوتِ صلاةِ العيدِ في الابتداء، وبعدَ الشُّروعِ متوضِّئاً والحدثِ للبناء أو صلاةِ الجنازةِ لغيرِ الوليّ، لا لفوتِ الجمعةِ والوقتيَّة

فيستدلُّ على أنه للشُّربِ والوضوء، فأمَّا الماءُ المعدُّ للوضوءِ فإنَّهُ يجوزُ أن يشربَ منه، وعند الإمامِ الفضليِّ

(1)

رضي الله عنه: عكسُ هذا

(2)

، فلا يجوزُ التَّيمُّم.

(أو عدمِ آلة): كالدَّلو، ونحوه.

(أو خوفِ فوتِ صلاةِ العيدِ في الابتداء): أي إذا خافَ فوتَ صلاةَ العيدِ جازَ له أن يتيمَّمَ ويشرعَ فيها، هذا بالاتِّفاق، (وبعدَ الشُّروعِ متوضِّئاً والحدثِ للبناء): أي إذا شرعَ في صلاةِ العيدِ مُتَوضِّئاً، ثمَّ سبقَهُ الحدث، ويخافُ أنه إن توضَّأَ تفوتُهُ الصَّلاةُ جازَ لهُ أن يتيمَّمَ للبناء، وهذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه خلافاً لهما

(3)

، وإن شرعَ بالتَّيمُّم، وسبقَهُ الحدثُ جازَ لهُ التَّيمُّم للبناءِ بالاتِّفاق.

فقوله: هو لمحدث: مبتدأ، ضربةٌ: خبرُه، ولم يقدِّروا: صفةً لمحدث، وما بعدَهُ كالجنبِ والحائضِ وغيرهما.

وقولُه: لبعده ميلاً

(4)

، مع المعطوفات متعلِّقٌ بقولِه: لم يقدِّروا.

وقوله

(5)

: في الابتداء، متعلِّقٌ بالمبتدأ، تقديرُهُ: التَّيمُّمُ لخوفِ فوتِ صلاةِ العيدِ في الابتداء، وبعدَ الشَّرعِ ضربة.

(أو صلاةِ الجنازةِ لغيرِ الوليّ

(6)

، لا لفوتِ الجمعةِ والوقتيَّة)؛ لأنَّ فوتهما إلى

(1)

وهو محمد بن الفضل الكَمَاريّ البُخَاريّ، أبو بكر الفَضْلِيّ، قال الكفوي: كان إماماً كبيراً وشيخاً جليلاً، معتمداً في الرواية، مقلداً في الدراية، رحل إليه أئمة البلاد، ومشاهير كتب الفتاوى مشحونة بفتاواه ورواياته، (ت 371 هـ). ينظر:«الجواهر المضية» (3: 300 - 302)، «طبقات ابن الحنائي» (ص 62)، و «الفوائد» (ص 303 - 304).

(2)

وهو أن الماء الموضوع للشرب يجوز منه التوضؤ، والموضوع للوضوء لا يباح منه الشرب. ينظر:«المحيط» (ص 317).

(3)

لعدم خوف الفوت إذ اللاحق يصلي بعد فراغ الإمام، ولأبي حنيفة أن خوف الفوت باقٍ؛ لأنه يوم زحمة فربما اعتراه ما أفسد صلاته، والأظهر قولهما. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 167)، وصحح قولَه الحصكفي في «الدر المختار» (1: 162).

(4)

زيادة من أ.

(5)

زيادة من ب و س و ف.

(6)

لأن الوليَّ ينتظر، ولو صلَّوا له حق الإعادة، ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 13/أ). وصححه صاحب «الهداية» (1: 27)، و «الخانية» (1: 63)، و «كافي» النسفي، وفي ظاهر الرواية يجوز للولي أيضاً؛ لأن الانتظار فيها مكروه، وصحَّحه شمس الأئمة الحلواني. ينظر:«رد المحتار» (1: 161).

ص: 58

ضربةٌ لمسحِ وجهِه، وضربةٌ ليديهِ مع مرفقيه على كلِّ طاهر من جنسِ الأرضِ كالتُّراب والرَّمل، والحَجَر

خَلَفٍ وهو الظَّهرُ والقضاء.

(ضربةٌ لمسحِ وجهِه، وضربةٌ ليديهِ مع مرفقيه)، ولا يشترطُ التَّرتيبُ عندنا، والفتوى على أنه يشترطُ الاستيعابُ حتى لو بقيَ شيءٌ قليلٌ لا يجزئه

(1)

.

والأحسنُ في مسحِ الذِّراعينَ أن يمسحَ ظاهرَ الذِّراعِ اليُمْنى بالوسطى والبِنْصَر والخِنْصَرِ مع شيءٍ من الكفِّ اليسرى، مبتدئاً من رؤوسِ الأصابع، ثمَّ باطنَها بالمسبِّحةِ والإبهامِ إلى رؤوسِ الأصابع، وهكذا يفعلُ بالذِّراعِ اليُسْرى.

ثمَّ إذا لم يُدْخِلِ الغبارَ بين أصابعِه، فعليه أن يخلِّلَ أصابعَه، فيحتاجُ إلى ضربةٍ ثالثةٍ لتخليلها

(2)

.

(على كلِّ طاهر) متعلِّقٌ بضربة، (من جنسِ الأرضِ

(3)

كالتُّراب، والرَّمل، والحَجَر)، وكذا الكحلُ والزِّرنيخ

(4)

.

وأمَّا الذَّهبُ والفضَّةُ فلا يجوزُ بهما، إذا كانا مسبوكَيْن، فإن كانا غيرَ مسبوكَيْن مختلطَيْن بالتُّرابِ يجوز بهما

(5)

.

(1)

حتى لو ترك شعرة، أو وترة منخر ـ أي حرف المنخر ـ لم يجز، وينْزع الخاتم والسوار، أو يحرك، وبه يفتى. ينظر:«الدر المختار» (1: 158).

(2)

هذه رواية عن محمد رضي الله عنه لأن عنده لا يجوز التيمم بلا غبار، فحيث لم يدخل بين الأصابع لا بدّ ضربة ثالثة، وعند غيره فلا يجب إيصال الغبار، بل يكفي المسح، فيجب عليه التخليل وإن لم يصل الغبار من غير احتياج إلى ضربة ثالثة. ينظر:«رد المحتار» (1: 159).

(3)

الحد الفاصل بين جنس الأرض وغيره أن كل ما يحترق بالنار فيصير رماداً: كالشجر، والحشيش، أو ينطبع ويلين: كالحديد، والصفر، والذهب، والزجاج، ونحوها، وكل ما تأكله الأرض ليس من جنسها كالحنطة والشعير وسائر الحبوب، فليس من جنس الأرض، فلا يجوز التيمم به بلا نقع ـ أي غبار ـ، وما كان من جنسها فيجوز بلا غبار. ينظر:«التبيين» (1: 39)، و «تحفة الفقهاء» (1: 41).

(4)

الزِّرنيخ: بالكسر: حجرٌ معروف، وله أنواع كثيرة، منه أبيض، ومنه أحمر، ومنه أصفر. ينظر:«تاج العروس» (7: 263).

(5)

ساقطة من ب و ف و م.

ص: 59

ولو بلا نقعٍ وعليه، مع قدرتِهِ على الصَّعيدِ بنيَّةِ أداءِ الصَّلاة

والحنطةُ والشَّعيرُ إن كان عليهما غبارٌ يجوز، (وإلا فلا)

(1)

.

ولا يجوزُ على مكانٍ كان فيه نجاسةٌ وقد زالَ أثرُها، مع أنه يجوزُ الصَّلاةُ فيه، ولا يجوزُ بالرَّمادِ هذا عند أبي حنيفةَ ومحمَّدٍ رضي الله عنهم.

وأمَّا عندَ أبي يوسفَ رضي الله عنه: فلا يجوزُ إلا بالتُّرابِ أو الرَّمل.

وعند الشَّافعي

(2)

رضي الله عنه: لا يجوزُ إلا بالتُّراب.

(ولو بلا نقعٍ

(3)

وعليه): أي على النَّقع

(4)

، فلو كنسَ داراً، أو هدمَ حائطاً، أو كالَ حنطةً، فأصابَ وجهَهُ وذراعيهِ غبارٌ لا يجزئه حتى يُمِرَّ يده عليه، (مع قدرتِهِ على الصَّعيدِ

(5)

بنيَّةِ أداءِ الصَّلاة)، فالنِّيَّةُ فرضٌ في التَّيمُّمِ خلافاً لزُفَرَ رضي الله عنه، حتى إذا كان بهِ حدثانِ (حدثٌ يوجبُ الغُسْلَ)

(6)

كالجَنَابة، وحدثٌ يوجبُ الوضوء، ينبغي أن ينويَ عنهما، فإن نَوَى عن أحدِهما لا يقعُ عن الآخر، لكن يكفي تيمُّمٌ واحدٌ عنهما

(7)

.

(1)

زيادة من ب و س.

(2)

في «المنهاج» (1: 96): يتيمم بكل تراب طاهر حتى ما يداوى به، وبرمل فيه غبار. انتهى.

(3)

ولو بلا نقع متعلق بالحجر أو بكل طاهر، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهم في رواية، وفي رواية أخرى عنه وهو قول أبي يوسف رضي الله عنه أنه لا يجوز بدون الغبار. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 98).

(4)

النَّقع: الغبار. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 676).

(5)

قال الصعيد لمخالفة أبي يوسف رضي الله عنه بذلك، إذ ليس الغبار من الصعيد عنده، والصحيح قول أبي حنيفة رضي الله عنه. كذا في «المحيط» (ص 269).

(6)

زيادة من أ و ب و س.

(7)

يعني لو تيمم الجنب عن الوضوء كفى وجازت صلاته، ولا يحتاج أن يتيمم للجنابة، وكذا عكسه، لكن لا يقع تيممه للوضوء عن الجنابة. كذا في «رد المحتار» (1: 165)، وينبغي حمل مطلع المسألة على هذا المعنى؛ لأنه يصح تيمم جنب بنية الوضوء، وبه يفتى، كذا في «الدر المختار» (1: 165)، وفي «الإيضاح» (ق 6/ب): ولا يشترط نية التيمم للحدث أو الجنابة، هو الصحيح من المذهب.

ص: 60

فلا يجوزُ تيمُّمُ كافرٍ لإسلامه، وجازَ وضؤه بلا نيَّة

(فلا يجوزُ تيمُّمُ كافرٍ

(1)

لإسلامه

(2)

): أي لا يجوزُ

(3)

الصَّلاةُ بهذا التَّيمُّمِ عندهما، خلافاً لأبي يوسفَ رضي الله عنه: فعنده يشترطُ لصحَّةِ التَّيمُّمِ في حقِّ جوازِ الصَّلاةِ أن ينويَ قربةً مقصودة

(4)

، سواءٌ كانت

(5)

لا تصحُّ

بدونِ الطَّهارةِ كالصَّلاة، أو تصحُّ كالإسلام.

وعندهما: قربةٌ مقصودةٌ لا تصحُّ إلا بالطَّهارة، فإن تيمَّمَ لصلاةِ الجنازة، أو لسجدةِ التَّلاوةِ يجوزُ بهذا التَّيمُّمِ أداءُ المكتوبات، وإن تيمَّمَ لمسِّ المصحفِ أو دخولِ المسجدِ لا تصحُّ به الصَّلاة؛ لأنَّهُ لم ينوِ به قربةً مقصودة، لكن يحلُّ لهُ مسُّ المصحف، ودخولُ المسجد.

(وجازَ وضؤه بلا نيَّة) حتى إن توضَّأَ بلا نيَّةٍ فأسلمَ جازَ صلاتُهُ بهذا الوضوء خلافاً للشَّافعيِّ رضي الله عنه، وهذا بناءً على مسألة النيَّةِ في الوضوء

(6)

، وإن توضَّأ بالنِيَّةِ

(1)

تفريع على اشتراط النية؛ لأنه من شرائط صحته الإسلام، فلا يجوز تيمم الكافر سواء نوى عبادة مقصودة لا تصح إلا بالطهارة أو لا. ينظر:«رد المحتار» (1: 165).

(2)

أي يريد به الإسلام، ثم أسلم، لم يكن متيمماً عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهم، وقال أبو يوسف رضي الله عنه: هو متيمم لأنه نوى قربة مقصودة، أما القربة؛ فلأن الإسلام أعظم القرب، وأما أنها مقصودة؛ فلأن المراد به هاهنا ما لا يكون في ضمن شيء آخر كالمشروط، وإذا كان كذلك صح تيممه كالمسلم تيمم للصلاة. ينظر:«العناية» (1: 115).

(3)

ظاهر عبارة المتن كعبارة «الهداية» (1: 26)، و «الجامع الصغير» (ص 76) في عدم صحة تيمم الكافر بقصد الإسلام مطلقاً حتى لا ينوب مقام الغسل الذي يؤمر به الكافر عند إسلامه، وليس كذلك، لذا أشار الشارح إلى دفعه بأن المراد أن تيمم الكافر لإسلامه غير معتبر في حقّ جواز الصلاة لا مطلقاً. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 99).

(4)

اعلم أن العبادات على نوعين مقصودة وغير مقصودة، والمراد بالمقصودة في هذا البحث هي أن تكون مشروعة ابتداءاً تقرباً إلى الله من غير أن يكون تبعاً لغيرها وبعبارة أخرى هي ما لا يجب في ضمن شيء آخر بالتبعية، وغير المقصودة بخلافه، فمن الأول الإسلام، وسجدة التلاوة، وسجدة الشكر، والصلوات الخمس، وصلاة الجنازة، وغيرها، ومن الثاني: دخول المسجد، ومس المصحف، ورد السلام، وقراءة الأذكار ونحوها، ثم المقصودة منها ما لا يصح أو يحلّ بدون الطهارة كالصلوات وسجدة التلاوة، ومنها ما يصح بدونها كالإسلام. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 99).

(5)

ساقطة من أ و س و ص وم، وفي ف: كان.

(6)

وهي أن الشافعي رضي الله عنه يشترط النية في الوضوء بخلافنا، ينظر:«المنهاج» (1: 47).

ص: 61

ويصحُّ في الوقت وقبلَه، وبعد طلبهِ من رفيقٍ له ماءٌ مَنَعَه، وقبل طلبهِ جازَ خلافاً لهما

فأسلم، فالخلافُ ثابتٌ أيضاً

(1)

؛ لأنَّ نيَّةَ الكافرِ لغو؛ لعدمِ الأهليَّة، وإنَّما قال: بلا نيَّة، مبالغةً فيصحُّ وضوءُ الكافرِ مع النِّيَّةِ بالطَّريقِ الأولى.

(ويصحُّ في الوقت) اتِّفاقاً، (وقبلَه) خلافاً للشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه، فلا يجوزُ به الصَّلاةِ في أوَّلِ

(3)

الوقتِ عنده، هذا بناءً على ما عُرِفَ في أصولِ الفقه

(4)

: أنَّ التُّرابَ خَلَفٌ ضروريٌّ للماءِ عنده

(5)

، وعندنا: خَلَفٌ مطلق

(6)

، ففي إنائيْن طاهرٍ ونجسٍ، يجوزُ التَّيمُّمُ عندنا خلافاً له، وقولُهُ صلى الله عليه وسلم:«التُّرَابُ طَهُورُ المُسْلِمِ وَلَوْ إِلَى عَشْرِ حِجَج»

(7)

يؤيِّدُ ما قلنا.

(وبعد طلبهِ من رفيقٍ له ماءٌ مَنَعَه) حتى إذا صلَّى بعد المنع، ثمَّ أعطاهُ ينتقضُ به

(8)

التَّيمُّمُ الآن، فلا يعيدُ ما قد صلَّى، (وقبل طلبهِ جازَ خلافاً لهما)، هكذا ذكرَ في «الهداية»

(9)

.

(1)

بيننا وبين الشافعي رضي الله عنه.

(2)

ينظر: «المنهاج» (1: 105).

(3)

زيادة من ف و م.

(4)

ينظر: «أصول السرخسي» (2: 297)، و «التوضيح» (1: 155)، و «التلويح» (1: 155)، «حاشية الطرطوسي» (ص 224).

(5)

ولهذا لم يعتبر التيمم قبل دخول الوقت في حق أداء الفريضة، ولم يجز أداء الفريضتين بتيمم واحد؛ لأنه خلف ضروري فيشترط فيه تحقق الضرورةِ بالحاجة إلى إسقاط الفرض عن ذمته، وباعتبار كل فريضة تتجدد ضرورة أخرى، ولم يجوز التيمم للمريض الذي لا يخاف الهلاك على نفسه؛ لأن تحقُّقَ الضرورة عند خوف الهلاك على نفسه. ينظر:«أصول السرخسي» (2: 297).

(6)

أي أنه يرتفع به الحدث إلى غاية وجود الماء، فهو طهور ورافع للحدث كأصله فلما كان الوضوء جائز قبل الوقت يكون التيمم أيضاً جائز قبل الوقت. كذا في «التلويح» (1: 155).

(7)

صححه ابن القطان، وهو من حديث أبي ذر «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو عشر حجج، فإذا وجد الماء فليمس بشرته الماء» في «صحيح ابن حبان» (4: 139)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (1: 144)، و «مسند أحمد» (5: 146)، و «سنن الدارقطني» (1: 187)، و «سنن البيهقي الكبرى» (1: 187)، وينظر:«نصب الراية» (1: 148)، و «الدراية» (1: 67)، و «خلاصة البدر» (1: 70).

(8)

زيادة من م.

(9)

الهداية» (1: 28).

ص: 62

....................................................................................................................

وذكرَ

(1)

في «المبسوط»

(2)

: أنه إذا لم يطلبْ منه وصلَّى لم يجز؛ لأنَّ الماءَ مبذولٌ عادةً

(3)

.

وفي موضعٍ آخرَ من «المبسوط» : إنَّه

(4)

إن كان مع رفيقِهِ ماءٌ فعليه أن يسألَهُ إلاَّ على قولِ حسنِ بن زياد رضي الله عنه: فإنَّهُ يقولُ السُّؤالُ ذلٌّ وفيه بعضُ الحرج، ولم يشرع التَّيمُّمُ إلاَّ لدفعِ الحرج.

ولكنَّا نقول: ماءَ الطَّهارةِ مبذولٌ عادة وليس في سؤالِ ما يُحتاجُ إليه مذلَّة، فقد

(1)

سيذكر الشارح نصوصاً من «المبسوط» ، و «الزيادات» تثبت أن مسألة الصلاة قبل طلب الماء لا تجوز اتفاقاً، وليس فيها خلاف بين الأئمة الثلاث، وإنما خالف فيها الحسن بن زياد رضي الله عنه. وهذا ما ذهب إليه صاحب «البحر» (1: 170)، وتبعه صاحب «التنوير» (1: 167)، و «الدر المختار» (1:167)، وقال: عليه الفتوى. ولكن الحلبي في «غنية المستملي» (ص 69) وفق بينهما، بأن الحسن رواه عن أبي حنيفة في غير ظاهر الرواية وأخذ هو به، فاعتمد في «المبسوط» ظاهر الرواية، واعتمد في «الهداية» رواية الحسن؛ لكونها أنسب بمذهب أبي حنيفة من عدم اعتبار القدرة بالغير، وفي اعتبار العجز للحال. انتهى. واختار الحلبي فيها: التفصيل تبعاً لأبي نصر الصفار والجصاص، وأيَّده في ذلك ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 167).

والتفصيل هو: أن قوله فيما إذا غلب على ظنِّه منعه إياه، وقولهما عند غلبة الظن بعدم المنع، أو كما قال الصفار: إنما يجب السؤال في غير موضع عزة الماء، فإنه حينئذٍ يتحقق ما قالاه من أنه مبذول عادة.

(2)

المبسوط» لمحمد بن أحمد بن أبي سهل السَّرَخْسِيّ، أبي بكر، شمس الأئمة، قال الكفوي: كان إماماً علامة حجَّة متكلماً مناظراً أصولياً مجتهداً، عدَّه ابن كمال باشا من المجتهدين في المسائل، وقد أملى «المبسوط» من غير مراجعة شيء من الكتب، وهو في الجبّ محبوس؛ بسبب كلمة نصح بها الأمراء، وكان تلامذته يجتمعون على أعلى الجبّ يكتبون، ومن مؤلَّفاته:«شرح السير الكبير» ، و «أصول السرخسي» ، و «شرح مختصر الطحاوي» ، (ت نحو 500 هـ). ينظر:«الجواهر المضية» (3: 78)، «الفوائد» (ص 261)، «الكشف» (1: 112).

(3)

انتهى من «المبسوط» (1: 108).

(4)

ساقطة من ج و ق و م.

ص: 63

....................................................................................................................

سألَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعضَ حوائجهِ

(1)

من غيرِه

(2)

.

(3)

وفي «الزِّيادات» : إن المتيمِّمَ المسافرَ إذا رأى مع رجلٍ ماءً كثيراً، وهو في الصَّلاةِ وغلبَ على ظنِّهِ أنهُ لا يعطيه، أو شكّ، مضى على صلاتِه؛ لأنه صحَّ شروعُهُ فلا يقطعُ بالشَّكِّ بخلافِ ما إذا كانَ خارج الصَّلاة، ولم يطلبْ منه، وتيمَّمَ حيثُ لا يحلُ لهُ الشُّروعُ بالشَّك، فإنَّ القدرةَ والعجزَ مشكوكٌ فيهما، وإن غَلَبَ على ظنِّهِ أنه يعطيه قطعَ الصَّلاةَ وطلبَ الماء

(4)

.

ثمَّ قال (5 في «الزيادات»

(5)

: فإذا فرغَ من صلاتِهِ فسأله فأعطاه، أو أعطى بثمنِ المثل، وهو قادرٌ عليه استأنفَ الصَّلاة، فإذا أبى تمَّتْ الصَّلاة، وكذا إذا أبى، ثمَّ أعطى، لكن ينتقضُ تيمُّمُه الآن

(6)

.

أقول: إن أردتَ أن تستوعبَ الأقسامَ كلَّها:

فاعلمْ أنه إذا رأى الماء

(7)

خارجَ الصَّلاةِ وصلَّى ولم يسألْ بعد الصَّلاة؛ ليَظْهَرَ العجزُ أو القدرة، فعلى ما ذكرَ في «المبسوط» (لم يجز)

(8)

سواءٌ غلبَ على ظنِّهِ الإعطاء، أو عدمُه، أو شكَّ فيهما، وهي مسألةُ المتن

(9)

.

وإذا رأى في الصَّلاةِ ولم يسألْ بعدها، فكذا.

(1)

كحديث ابن مسعود: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث، فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: هذا ركس» في «صحيح البخاري» (1: 70)، و «جامع الترمذي» (1: 25)، وغيرهما.

(2)

انتهى من «المبسوط» (1: 115).

(3)

رد الصفار على هذا التدليل، فقال: لأنه صلى الله عليه وسلم كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم فلا يقاس غيره عليه؛ لأنه إذا سأل افترض على المسؤول البذل ولا كذلك غيره. ينظر: «غنية المستملي» (ص 69).

(4)

انتهى من «شرح الزيادات» لقاضي خان (ق 3/أ)، بتصرف.

(5)

زيادة من أ و س.

(6)

انتهى من «شرح الزيادات» لقاضي خان (ق 3/أ)، بتصرف.

(7)

ساقطة من ص و ف و م.

(8)

زيادة من م.

(9)

أي مسألة «الوقاية» السابق ذكرها.

ص: 64

ويصلّي بهِ ما شاءَ من فرضٍ ونفل.

وينقضُهُ: ناقضُ الوضوء، وقدرتُهُ على ماءٍ كافٍ لطهرِه

وإن رأى خارجَ الصَّلاةِ ولم يسألْ وصلَّى، ثمَّ سألهُ فإن أُعطيَ بطلتْ صلاتُهُ وإن أبى تمَّتْ صلاتُهُ

(1)

سواءٌ ظنَّ الإعطاءَ أو المنع، أو شكَّ فيهما.

وإن رأى في الصَّلاةِ فكما ذكرَ في «الزِّيادات»

(2)

.

لكن يبقى صورتان:

أحدهما: أنه قطعَ الصَّلاةَ فيما إذا ظنَّ المنع، أو شكّ، فسأله فإن أعطيَ بطلَ تيمُّمُه، وإن أبى فهو باقٍ.

والأخرى: أنه أتمَّ الصَّلاةَ فيما إذا ظنَّ أنه يعطى، ثمَّ سألَهُ فإن أعطى بطلتْ صلاتُه، وإن أبى تمَّت؛ لأنه ظهرَ أنَّ ظنَّهُ كان خطأ بخلافِ مسألةِ التَّحري؛ لأن القبلةَ حينئذٍ في جهةِ التَّحري أصالة، وهاهنا الحكمُ دائرٌ على حقيقةِ القدرةِ والعجز، فأقيمَ غلبةُ الظَّنِ مقامَهُما تيسيراً، فإذا ظهرَ خلافُهُ لم يبقَ قائماً مقامَهُما

(3)

.

(ويصلّي بهِ ما شاءَ من فرضٍ ونفل)

(4)

خلافاً للشَّافعيِّ

(5)

رضي الله عنه.

(وينقضُهُ: ناقضُ الوضوء، وقدرتُهُ على ماءٍ كافٍ لطهرِه

(6)

) حتى إذا قدرَ على الماءَ ولم يتوضَّأ، ثمَّ عدمَ أعاد التَّيمُّم.

(1)

زيادة من م.

(2)

1: 64)، وهي: المتيمِّمَ المسافرَ إذا رأى مع رجلٍ ....

(3)

حاصل جوابه: أن القبلة في حق من اشتبهت عليه هي جهة التحري، فالواجب هناك حقيقة هو الاستقبال إلى جهة تحريه، وقد فعل، فلا يضر ظهور خطأ ظنِّه بعد الفراغ، وفيما نحن فيه الحكم دائر على حقيقة القدرة والعجز عن الماء وأقيمت غلبة الظن مقامهما للتيسير فإذا بان خلافه لم يبق غلبة الظن قائماً مقامهما فلذلك لم تعتبر إذا ظهر خلاف ظنِّه. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 103).

(4)

ينظر: «الحجة على أهل المدينة» (1: 48 - 49).

(5)

ينظر: «المنهاج» وشرحه «مغني المحتاج» (1: 98).

(6)

أي للوضوء لو محدثاً وللاغتسال لو جنباً، واحترز به عما إذا كان يكفي لبعض أعضائه، أو يكفي للوضوء، وهو جنب، فلا يلزمه استعماله عندنا ابتداءً، وأيضاً اعتبار الأدنى فلو وجد ماءً فغسل به كل عضو مرتين أو ثلاثاً فنقص عن إحدى رجليه مثلاً بطل تيممه على المختار؛ لأنه لو اقتصر على المرة الواحدة كفاه. ينظر:«البحر» (1: 160)، و «رد المحتار» (1: 170).

ص: 65

....................................................................................................................

وإنَّما قال: كافٍ لطهرِهِ، حتى إذا اغتسلَ الجُنُبُ ولم يصلِ الماءُ إلى

(1)

لُمْعَةٍ ظهرِه، وفنيَ الماءُ وأحدث حدثاً يوجبُ الوضوء، فتيمَّمَ لهما:

ثمَّ وجدَ من الماءِ ما يكفيهما، بطلَ تيمُّمُهُ في حقِّ كلِّ واحدٍ منهما.

وإن لم يكفِ لأحدهما بقيَ في حقِّهما.

وإن كفى لأحدهِما بعينِه غَسَلَه، ويبقى التَّيمُّمُ في حقِّ الآخر.

وإن كفى لكلٍّ منهما منفرداً غسلَ اللُّمْعَة؛ لأنَّ الجنابةَ أغلظ، فإذا غسلَ اللُّمْعَةَ هل يعيدُ التَّيمُّمُ للحدث؟ ففيه روايتان.

وإن تيمَّمَ أوَّلاً ثمَّ غسلَ اللُّمْعَة ففي إعادةِ التَّيمُّمِ روايتانِ أيضاً.

وإن صرفَ إلى الحدثِ انتقضَ تيمُّمُهُ في حقِّ اللُّمْعَةِ باتِّفاقِ الرِّوايتَيْن.

هذا إذا تيمَّمَ للحدثَيْن تيمُّمَاً واحداً، أمَّا إذا تيمَّمَ للجَنَابة، ثمَّ أحدثَ فتيمَّمَ للحدث، ثمَّ وجدَ الماء، فكذا في الوجوهِ المذكورة.

وإن تيمَّمَ للجنابةِ ثمَّ أحدث، ولم يتيمَّمْ للحدثِ فوجدَ الماء، فإن كفى اللُّمْعَةَ والوضوءَ فظاهر.

وإن لم يكفِ لأحدهما لا ينتقضُ تيمُّمُه، فيستعملُ الماءَ في اللُّمْعةِ تقليلاً للجنابة، ويتيمَّمُ للحدث.

وإن كفى اللُّمْعَةَ لا الوضوءَ انتقضَ تيمُّمُه، ويغسلُ اللُّمْعةَ ويتيمَّمُ للحدث.

وإن كفى للوضوءِ لا للُّمْعَةِ فتيمُّمُهُ باقٍ وعليه الوضوء.

وإن كفى لكلِّ واحدٍ منهما منفرداً يصرفُهُ إلى اللُّمْعَة، ويتمَّمُ للحدث، فإن توضَّأَ به جاز، ويعيدُ التَّيمُّمَ للجَنابة

(2)

، ولو لم يتوضَّأ به، ولكن بدأ بالتَّيمُّمِ للحدثِ ثمَّ صرفَهُ إلى اللُّمعة، هل يعيدُ التَّيمُّمَ أم لا؟

ففي روايةِ «الزِّيادات»

(3)

: يعيد.

وفي روايةِ «الأصل»

(4)

: لا.

(1)

زيادة من م.

(2)

زيادة من ب و س و م.

(3)

شرح الزيادات» (ق 3/أ).

(4)

الأصل» (1: 131)، وهو المسمَّى بـ «المبسوط» لمحمد بن الحسن الشيباني رضي الله عنه.

ص: 66

لا رِدَّتُه. وندبَ لراجيه أن يؤخِّر صلاتَهُ إلى آخرَ الوقت

ثمَّ إنَّما تثبتُ القدرةُ إذا لم يكنْ مصروفاً إلى جهةٍ أهم، حتى إذا كان على بدنِه أو ثوبِهِ نجاسةٌ يصرفُهُ إلى النَّجاسة، ثمَّ القدرةُ تثبتُ: بطريقِ الإباحة، وبطريقِ التَّمليك

(1)

.

فإن قال صاحبُ الماءِ لجماعةٍ من المتيمِّمين: ليتوضَّأ بهذا الماءِ أيُّكم شاء، والماءُ يكفي لكلِّ واحدٍ منفرداً، ينتقضُ تيمُّمُ كلُّ واحد، فإذا توضَّأ بهِ واحدٌ يعيدُ الباقونَ تيمُّمَهم؛ لثبوتِ القدرةِ لكلِّ واحدٍ على الانفراد.

وأمَّا إذا قال: هذا الماءُ لكم، وقبضوا، لا ينتقضُ تيمُّمُهم، أمَّا عندهما؛ فلأنَّ هبةَ المشاعِ يوجبُ الملكَ على سبيلِ الاشتراك، فيملكُ كلَّ واحدٍ مقداراً لا يكفيه، وأمَّا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ فالأصحُّ

(2)

أنَّهُ يبقى على ملكِ الواهب، ولم تثبتْ الإباحة؛ لأنه لمَّا بطلَ الهبةُ بطلَ ما في ضمنِه من الإباحة، ثمَّ إن أباحوا واحداً بعينِهِ ينتقضُ تيمُّمُهُ عندهما لا عنده؛ لأنَّهُ لمَّا لم يملكُوهُ لا يصحُّ إباحتهم.

(لا رِدَّتُه) حتى إذا تيمَّمَ المسلمُ ثم ارتدّ، نعوذُ باللهِ تعالى منه، ثمَّ أسلمَ تصحُّ صلاتُهُ بذلك التَّيمُّم

(3)

.

(وندبَ لراجيه): أي لراجي

(4)

الماء، (أن يؤخِّر صلاتَهُ إلى آخرَ الوقت)، فلو صلَّى بالتَّيمُّمِ في أوَّلِ الوقت، ثمَّ وجدَ الماءَ والوقتُ باقٍ لا يعيدُ الصَّلاة.

(1)

الفرق بينهما: أن المُمَلَّكَ له يدخل في ملكه ذلك الشيء، وتترتب عليه آثاره، فيقدر على بيعه، وهبته، وسائر الانتقالات، وغير ذلك مما يجوز للإنسان أن يفعله في ملكه، وأما المباح له فلا يملك إلا الانتفاع بذلك الشيء الذي أبيح له ولا يملك التصرف فيه كتصرف الرجل في ملكه. ينظر:«السعاية» (ص 551).

(2)

لأن فيها رواية عن عصام أنها تفيد الملك، وبه أخذ بعض المشايخ. قال خير الدين الرملي: ومع افادتها للملك عند هذا البعض أجمع الكل على أن للواهب استردادها من الموهوب له، ولو كان ذا رحم محرم من الواهب. كذا في «الفتاوى الخيرية لنفع البرية» (2: 112) لخير الدين الرملي.

(3)

لأن الحاصل بالتيمم صفة الطهارة والكفر لا ينافيها كالوضوء، والردة تبطل ثواب العمل لا زوال الحدث. ينظر:«رد المحتار» (1: 170).

(4)

المراد بالرجاء غلبة الظن، فإن كان لا يرجوه لا يؤخر الصلاة عن أول الوقت؛ لأن فائدة الانتظار احتمال وجدان الماء، فيؤديها بأكمل الطهارتين. ينظر:«البحر» (1: 163 - 164).

ص: 67

ويجبُ طلبُهُ قدرَ غَلْوة، لو ظنَّهُ قريباً وإلا فلا، ولو نسيَهُ مسافرٌ في رَحْله، وصلَّى متيمِّماً، ثم ذكرَهُ في الوقتِ لم يُعِدْ إلاَّ عند أبي يوسفَ رضي الله عنه

(ويجبُ طلبُهُ

(1)

قدرَ غَلْوة، لو ظنَّهُ قريباً وإلا فلا)، الغَلْوةُ

(2)

: مقدارُ ثلاثمئةِ ذراعٍ إلى أربعمئة

(3)

.

وعن أبي يوسف رضي الله عنه: أنه إذا كان الماءُ بحيثُ لو ذهبَ إليه وتوضَّأَ تذهبُ القافلةُ وتغيبُ عن بصرِه، وكان بعيداً جازَ له التَّيمُّم، قال صاحبُ «المحيط»

(4)

: هذا حسن جداً

(5)

.

(ولو نسيَهُ مسافرٌ في رَحْله، وصلَّى متيمِّماً، ثم ذكرَهُ في الوقتِ

(6)

لم يُعِدْ

(7)

إلاَّ عند أبي يوسفَ

(8)

رضي الله عنه)، (قيل: الخلافُ فيما إذا وضعَهُ بنفسه، أو وضعَهُ غيرُه)

(9)

(10)

،

(1)

أي على المسافر؛ لأن طلب الماء في العمرانات أو في قربها واجب مطلقاً. ينظر: «البحر» (1: 168).

(2)

الغَلْوة: الغاية، مقدار رمية. ينظر:«الصحاح» (2: 208).

(3)

وعلى اعتبار الغلوة، فالطلب أن ينظر يمينه وشماله وأمامه ووراءه غلوة، وظاهره أنه لا يلزمه المشي بل يكفيه النظر في هذه الجهات، وهو في مكانه هذا إذا كان حواليه لا يستتر عنه، فإن كان بقربه جبل صغير ونحوه صعده ونظر حواليه إن لم يخف ضرراً. ينظر:«البحر» (1: 169).

(4)

المحيط البرهاني» لمحمد بن أحمد بن عبد العزيز بن مازه البخاري، برهان الدين، قال الكفوي: كان إماماً فارساً في البحث عديم النظير، له مشاركة في العلوم وتعليق في الخلاف، من مؤلفاته:«ذخيرة الفتاوي» المشهورة بـ «الذخيرة البرهانية» ، قال الإمام اللكنوي عنها: وهي مجموع نفيس مُعتبرٌ، (ت 616 هـ). ينظر:«الجواهر» (3: 233 - 234). «الفوائد» (ص 291 - 292). «الكشف» (2: 1619).

(5)

المسألة مذكورة في «المحيط» (ص 281) لكن لم أقف على لفظ: هذا حسن جداً، بعدها.

(6)

الذكر في الوقت وبعده سواء. ينظر: «الهداية» (1: 27).

(7)

لأنه لا قدرة بدون العلم، وهو المراد بالوجود وماء الرحل معد للشرب لا للاستعمال. ينظر:«الهداية» (1: 27).

(8)

لأنه لما كان الماء في رحله صار قادراً على الماء واجداً له لكون رحله في يده، فلا يعتبر بنسيانه. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 107).

(9)

أي غيره بأمره. ينظر: «الهداية» (1: 27).

(10)

ساقطة من ص و ف و م.

ص: 68

‌باب المسح على الخفين

جازَ بالسُنَّة للمحدثِ دونَ مَن وَجَبَ عليه الغُسْل

أمَّا إذا وضعَهُ غيرُهُ وهو لا يعلم، فقد قيل: يجوزُ له التَّيمُّم اتِّفاقاً

(1)

، وقيل: الخلافُ في الوجهَيْن، كذا في «الهداية»

(2)

.

ويجبُ أن يُعلمَ

(3)

أنَّ المانعَ عن الوضوءِ إذا كان من جهةِ العبادِ كأسيرٍ يمنعُهُ الكفَّارُ عن الوضوءِ أو محبوسٍ في السِّجن، والذي قيل له: إن توضَّأتْ قتلتُكَ يجوزُ له التَّيمُّمُ لكن إذا زالَ المانع فينبغي أن يعيدَ الصَّلاة، كذا في «الذَّخيرة»

(4)

.

باب المسح على الخفين

(جازَ بالسُنَّة): أي بالسُنَّةِ المشهورةِ

(5)

فيجوزُ بها الزِّيادة على الكتاب، فإنَّ موجبَهُ غسلُ الرِّجلين. (للمحدثِ دونَ مَن وَجَبَ

(6)

عليه الغُسْل)، قيل: صورتُهُ جُنُبٌ تيمَّم، ثمَّ أحدث، ومعه من الماءِ ما يتوضَّأُ به، فتوضَّأ به ولَبِسَ خُفَّيْه، ثمَّ مرَّ على ماءٍ يكفي للاغتسال، ولم يغتسل، ثمَّ وجدَ من الماءِ ما يتوضَّأ به، فتيمَّمَ ثانياً

(1)

لأن المرء لا يخاطب بفعل غيره. ينظر: «العناية» (1: 124).

(2)

الهداية» (1: 27) والمذكور فيها من مطلع المسألة إلى: أو وضعه غيره.

(3)

اعلم أن العذر المبيح للتيمم قد يكون من جهة الله كالمرض والبرد وخوف العطش ونحوها، وحينئذٍ يجوز له التيمم ولا يجب الإعادة عند القدرة على الماء، وقد تكون من جهة العباد

ـ فحكمهم كما ذكر الشارح ـ. ينظر: «السعاية» (ص 556).

(4)

الذخيرة البرهانية» (ق 7/أ) لمحمد بن أحمد، برهان الدين، (ت 616 هـ)، وقد سبقت ترجمته، وهي مختصرة من «المحيط البرهاني» (ص 307).

(5)

بل بالسنة المتواترة كما قاله السيوطي في «تدريب الراوي» (2: 179)، و «الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة» فقد رواه سبعون صحابياً، وقد أخرج العيني في كتابه «البناية» (1: 554)، و «شرح شرح معاني الآثار» عن سبعة وستين صحابياً، قال القاري في «فتح باب العناية» (1: 183): روي عن أبي حنيفة أنه قال: ما قلت بالمسح على الخفين حتى وردت فيه آثار أضوأُ من الشمس، وعنه: أخاف الكفر على من لم يرَ المسح على الخفين؛ لأن الآثار التي جاءت فيه في حيِّز التواتر، أي المعنوي، وإن كانت من الآحاد اللفظي.

(6)

زيادة من م.

ص: 69

خطوطاً بأصابعَ مفرَّجة، يبدأُ من أصابعِ الرِّجلِ إلى السَّاق

للجَنَابة، فإن أحدثَ بعد ذلك توضَّأَ ونزعَ خفيَّه، (سلَ رجليه)

(1)

؛ لأنَّ الجَنَابة حلَّت الرِّجل بمرورِه على الماء

(2)

.

(خطوطاً بأصابعَ مفرَّجة، يبدأُ من أصابعِ الرِّجلِ إلى السَّاق)، هذا صفةُ المسحِ على الوجهِ المسنون، فلو لم يفرِّج الأصابعَ لكن مسحَ مقدارَ الواجبِ جاز، وإن مسحَ بأُصْبَعٍ واحدة، ثمَّ بلَّهَا ومسحَ ثانياً، ثمَّ هكذا جازَ أيضاً إن مسحَ كلَّ مرَّةٍ غيرَ ما مسحَ قبل ذلك، وإن مسحَ بالإبهامِ والمُسَبِّحةِ مُنْفَرِجَتَيْن، جازَ أيضاً؛ لأنَّ ما بينهما مقدارُ أُصْبَعٍ أُخرى

(3)

.

وسُئِلَ محمَّدٌ رضي الله عنه عن صفةِ المسح، قال: أن يضعَ أصابعَ يديهِ على مقدِّمِ خُفَّيْه، ويُجَافي كفَّيْه، ويمدَّهما إلى السَّاق، أو يضعَ كفَّيهِ مع الأصابعِ ويمدَّهما جملة

(4)

.

لكن إن مسحَ برؤوسِ الأصابع، وجافى أصولَ الأصابعِ والكفِّ لا يجوز

(5)

، إلاَّ أن يَبْتَلَّ من الخُفِّ عند الوضعِ مقدارُ الواجب، وهو مقدارُ ثلاثِ أصابع، هكذا ذكرَ في «المحيط»

(6)

.

وذكرَ في «الذَّخيرةِ» : أنَّ المسحَ برؤوسِ الأصابعِ يجوزُ إذا كان الماءُ متقاطراً، (فإنَّه إذا كان الماءُ متقاطراً، فالماءُ ينْزلُ من أصابعِهِ إلى رؤوسها، فإذا مدَّ كأنَّهُ أخذَ ماءً جديداً)

(7)

، ولو مسحَ بظهرِ الكفِّ جاز، لكنَّ السُنَّةَ بباطنها، وكذا إن ابتدأَ من

(1)

أطال الشارح في هذا التصوير، ويمكنه أن يكتفي بالقول: إذا لبس الخف على طهارة كاملة، ثم أجنب وتيمم للجنابة، ثم أحدث، فوجد ماءً يكفي للوضوء فعليه أن ينْزع الخفين، ويتوضأ، ولا يجوز له المسح؛ لأنه حين وجب عليه الغسل حل الحدث بالرجل، فلا بد من رفع ذلك بالغسل. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 108).

(2)

زيادة من ب و س.

(3)

فيكون المسح بهما كالمسح بثلاث أصابع.

(4)

انتهى كلام محمد رضي الله عنه ينظر: «المحيط» (ص 339)، ثم ذكر عن محمد قولَه بعد بيان الصفتين المذكورتين: كلاهما حسن.

(5)

لأن البلة تصير مستعملة بمجرد الإصابة، فإذا لم يكن متقاطراً صارت البلة المستعملة أولاً مستعملة ثانياً في الفرض بخلاف ما إذا كان متقاطراً، فإن البلة التي مسح ثانياً حينئذٍ غير التي استعملت أولاً. ينظر:«غنية المستملي» (ص 110).

(6)

المحيط» (ص 340).

(7)

ساقطة من ص و ف و م.

ص: 70

على ظاهرِ خفَّيه أو جُرْمُوقَيْه

طرفِ السَّاق، ولو نسيَ المسحَ وأصابَ المطرُ ظاهرَ خُفَّيهِ حصلَ المسح، وكذا مسحُ الرَّأس، وكذا لو مشى في الحشيشِ فابتلَّ ظاهرُ خفَّيهِ ولو بالطَّلِّ

(1)

هو الصَّحيح

(2)

.

(على ظاهرِ خفَّيه)، الخُفُّ: ما يسترُ الكَعْبَ كلَّه

(3)

، أو يكونُ الظَّاهرُ منهُ أقلَّ من ثلاثِ أصابعِ الرِّجل أصغرها، أمَّا لو ظهرَ قدرَ ثلاثِ أصابعِ الرِّجل

(4)

فلا يجوز؛ لأنَّ هذا بمنْزِلةِ الخرقِ الكبير

(5)

، ولا بأسَ بأن يكونَ واسعاً بحيثُ يُرى رجلُهُ من أعلى الخُفّ.

(أو جُرْمُوقَيْه

(6)

): أي على خُفَّيْنِ يُلْبَسَانِ فوقَ الخُفَّين؛ ليكونا وقايةً لهما من الوَحَلِ

(7)

والنَّجاسة.

فإن كان من أديمٍ

(8)

، أو نحوه، جازَ المسحُ عليهما، سواءٌ لَبِسَهُما منفردَيْن، أو فوقَ الخُفَّيْن.

وإن كان من كِرْباسٍ

(9)

، أو نحوه، فإن لَبِسَهُما منفردَيْن لا يجوز، وكذا إن لَبِسَهُما على الخُفَّيْن إلاَّ أن يكونا بحيث يصلُ بَلَلُ المسحِ إلى الخُفِّ الدَّاخل.

ثمَّ إذا كانا من نحوِ أديم، وقد لَبِسَهُما فوق الخُفَّيْن:

فإن لَبِسَهُما بعدما أحدث، ومسحَ على الخُفَّيْنِ لا يجوز المسحُ على الجُرْمُوقَيْن.

وإن لَبِسَهُما قبل الحدثِ ومسحَ عليهما، ثمَّ نَزَعَهما دونَ الخفَّينِ أعادَ المسحَ على

(1)

الطَّلّ: الندى. ينظر: «مختار» (ص 396).

(2)

ينظر: «المحيط» (ص 341).

(3)

زيادة من أ.

(4)

زيادة من أ و ب و س.

(5)

زيادة من ف و م.

(6)

الجُرْمُوق: خُفٌّ صغير يلبس فوق الخُفّ. ينظر: «اللسان» (1: 607)، والجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة من كلام العرب إلا أن يكون معرَّباً أو حكاية صوت. ينظر:«مختار الصحاح» (ص 106).

(7)

الوَحَل: بفتحتين: الطين الرقيق. ينظر: «مختار» (ص 712).

(8)

الأديم: الجِلدُ ما كان، وقيل: الأحمر، وقيل: هو المدبوغ. ينظر: «اللسان» (1: 45).

(9)

الكِرْباس: بالكسر: ثوب من القطن الأبيض معرَّبٌ. ينظر: «القاموس» (2: 254).

ص: 71

أو جَوْرَبَيْه الثَّخينين منعَّلَيْن، أو مُجَلَّدين ملبوسينِ على طُهْرٍ تامٍّ وقتَ الحدث

الخُفَّينِ الدَّاخلين، بخلافِ

(1)

ما إذا مسحَ على خُفٍّ ذي طاقيْن

(2)

فَنَزَعُ أحدَ الطَّاقيْن، لا يعيدُ المسحَ على الطَّاقِ الآخر.

وإن نَزَعَ أحدَ الجُرْمُوقَيْن، فعليه أن يعيدَ المسحَ على الجُرْمُوقِ الآخر، وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه: أنه يخلعُ الجُرْمُوقَ الآخر، ويمسحُ على الخُفَّيْن.

(أو جَوْرَبَيْه الثَّخينين

(3)

): أي بحيثُ يَسْتَمْسِكانِ على السَّاقِ بلا شدّ، (منعَّلَيْن

(4)

، أو مُجَلَّدين

(5)

) حتَّى إذا كانا ثخينين غير مُنعَّلين، أو مُجلَّدين لا يجوزُ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه خلافاً لهما، وعنه: أنه رجعَ إلى قولِهما

(6)

، وبه يُفْتَى، (ملبوسينِ على طُهْرٍ تامٍّ

(7)

وقتَ الحدث

(8)

)، فلو توضَّأ وضوءاً غيرَ مرتبٍ فغسلَ الرِّجلين، ثم

لَبِسَ الخُفَّيْن، ثُمَّ غسلَ باقي الأعضاء، ثمَّ أحدث. أو توضَّأ وضوءاً مُرتَّباً، فغسلَ رجلَهُ اليُمْنى وأدخلَها في الخُفّ، ثُمَّ غسلَ رجلَهُ اليُسْرى وأدخلَها في الخُفِّ ليس له

(1)

وجه الفرق أن الطاقين لاتصالهما في حكم شيء واحد، فالمسح على طاق كالمسح على كليهما، فنَزع أحدهما لا يضر في بقاء المسح، ولا كذلك الجرموق والخف، فإنهما شيئان متمايزان منفصلان لا يكون المسح على أحدهما مسحاً على الآخر، فإذا نَزعَ الجرموقين بقي الخفان بلا طهارة، فيجب أن لا يعيد المسح عليهما. ينظر:«العمدة» (1: 111).

(2)

خفّ ذي طاقين: الذي يوصل بين أدمين ويركب الخفّ منهما بحيث يكون أحدهما ظهارة والآخر بطانة. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 111).

(3)

الجورب الثخين الذي يجوز المسح عليه هو الذي يمشى به فرسخاً ويثبت على الساق بنفسه ـ أي من غير شد ـ ولا يرى ما تحته و لا يشفّ. ينظر: «الدر المختار» (1: 179).

(4)

المنعل: ما يكون هو الذي وضع الجلد على أسفله كالنعل للقدم في ظاهر الرواية، وفي رواية الحسن: يكون إلى الكعب. ينظر: «الإيضاح» (ق 7/ب).

(5)

المجلد: هو الذي وضع الجلد على أعلاه وأسفله. ينظر: «الإيضاح» (ق 7/ب).

(6)

لم يكن الرجوع نصاً منه، بل استلالاً مما حكي عنه رضي الله عنه أنه مسح على جوربيه في مرضه الذي مات فيه، وقال لعوَّاده: فعلت ما كنت أمنع الناس عنه، فاستدلوا به على رجوعه إلى قولهما، وكان الحلواني رضي الله عنه يقول: هذا كلام محتمل يحتمل أنه كان رجوعاً ويكون اعتذاراً لهم إنما أخذت بقول المخالف للضرورة ولا يثبت الرجوع بالشك. ينظر: «حاشية الشرنبلالي على الدرر» (1: 36).

(7)

احترز به عن الناقص حقيقة كلمعة، أو معنى كتيمم، وغيره. ينظر:«الدر المختار» (1: 180).

(8)

فيه إشارة إلى أن التمام وقت اللبس ليس بشرط. ينظر: «الإيضاح» (ق 8/أ).

ص: 72

لا على عِمَامة، وقَلَنْسُوة، وبُرْقُع، وقُفَّازَيْن

طهارةٌ تامةٌ في الصُّورة الأولى إذا لَبِسَ الخُفَّيْن، وفي الصُّورة الثَّانية إذا لَبِسَ اليُمْنى، لكنَّهما ملبوسان على طهارةٍ كاملةٍ وقت الحدث.

فَعُلِمَ أن قولَهُ: ملبوسين، أحسنُ من عبارتِهم، وهي: إذا لَبِسَهُما على طهارةٍ كاملة؛ لأنَّ المرادَ الطهارة الكاملة وقتَ الحدث، وهذا الوقتُ هو زمانُ بقاءِ اللُّبْس لا زمانُ حدوثه، فيصحُّ أن يقال: هما ملبوسان على طهارةٍ كاملة وقت الحدث، ولا يصحُّ أن يقال: لَبِسَهُما على طهارةٍ كاملةٍ وقتَ الحدث؛ لأنَّ الفعلَ دالٌّ على الحدوث، والاسمُ دالٌّ على الدَّوام والاستمرار

(1)

.

(لا على عِمَامة

(2)

، وقَلَنْسُوة

(3)

، وبُرْقُع

(4)

، وقُفَّازَيْن

(5)

)

(6)

: القُفَّاز: ما يُلْبَسُ على

(7)

الكَفّ؛ ليكُفَّ عنها مِخْلَبَ الصَّقر، ونحوه.

(1)

حاصل كلام الشارح: أن قولهم: إذا لبسهما على طهارة كاملة وقت الحدث يدل بظاهره على اشتراط الطهارة الكاملة عند ابتداء اللبس؛ لأن الفعل الماضي يدل على الحدوث مع أنه ليس كذلك عندنا، فإن المسح في الصورتين المذكورتين جائز مع عدم الطهارة الكاملة عند ابتداء اللبس، وإنما الشرط عندنا هو كمال الطهارة عند الحدث، وهو زمان بقاء اللِّبس لا وقت ابتدائه، فلذلك عدل المصنف عن تلك العبارة، واختار صيغة اسم المفعول الدالة على الثبات والدوام، فإنه يصدق في الصورتين المذكورتين مما ليس له كمال الطهارة عند الابتداء أنهما ملبوسان على الطهارة الكاملة وقت الحدث فيشملها كلامه. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 112).

(2)

العِمامة: ما يلفّ على الرأس. ينظر: «القاموس» (4: 156).

(3)

القَلَنْسُوةُ: جمعها: قلانِس، وهي من ملابس الرؤوس. ينظر:«اللسان» (5: 3720).

(4)

البُرْقُع: بفتح القاف وضمها، وجمعها: البَراقع: ما تلبسه نساء الأعراب، وفيه خرقان للعينان. ينظر:«اللسان» (1: 265).

(5)

القُفَاز: ما يعمل لليدين يحشى بقطن، ويكون له أزرار يُزرّ على الساعدين من البرد، تلبسه المرأة في يديها. ينظر:«مختار الصحاح» (ص 546).

(6)

وعلة ذلك عدم الحرج. ينظر: «الدر المختار» (1: 181).

(7)

زيادة من م.

ص: 73

وفرضُهُ قَدْرُ ثلاثِ أصابعِ اليد، ومدَّتُهُ للمقيمِ يومٌ وليلةٌ، وللمسافرِ ثلاثةُ أيام ولياليها من حين الحَدَث

(وفرضُهُ قَدْرُ ثلاثِ أصابعِ

(1)

اليد

(2)

)، فإنَّ مَسْحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كان خُطُوطاً

(3)

فَعُلِمَ أنَّها بالأصابعِ دون الكَفّ، وما زادَ على مقدارِ ثلاثِ أصابعِ اليدِ إنِّما هو بماءٍ مستعمل، فلا اعتبارَ له

(4)

، فبقي مقدارُ ثلاثِ أصابع،

ولا يفرضُ فيه شيءٌ آخر كالنِيَّة، وغيرِها.

(ومدَّتُهُ للمقيمِ يومٌ وليلةٌ، وللمسافرِ ثلاثةُ أيام ولياليها من حين الحَدَث)؛ لأنَّ قولَهُ صلى الله عليه وسلم: «يَمْسَحُ المُقِيمُ يَوْمَاً وَلَيْلَة، (والمُسَافِرُ ثَلاثَة أَيَّام)

(5)

»

(6)

الحديث، أفادَ جوازَ

(1)

أي فرضه قدر طول الثلاث أصابع وعرضها. ينظر: «رد المحتار» (1: 181).

(2)

لأنها آلة المسح والثلاث أكثرها، وبه وردت السنة، فإن ابتلّ قدرها ولو بخرقة أو صب جاز، ويكون على ظاهر مقدَّم كل رجل. ينظر:«المراقي» (ص 168).

(3)

روي من حديث المغيرة بن شعبة، وجابر، أما حديث المغيرة رضي الله عنه، فهو:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالَ، ثم جاء حتى توضأ ومسح على خفيه، ووضع يده اليمنى على خُفِّه الأيمن ويده اليسرى على خُفِّه الأيسر، ثم مسحَ أعلاهما مسحةً واحدة حتى كأني أنظر إلى أصابعه صلى الله عليه وسلم على الخُفَّين» في «مصنف ابن أبي شيبة» (1: 170)، و «سنن البيهقي الكبير» (1: 292). وأما حديث جابر، فهو:«مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يتوضأ فغسل خفيه فنخسه برجليه، وقال ليس هكذا السنة، أمرنا بالمسح هكذا، وأمر بيديه على خُفَّيه» ، «المعجم الأوسط» (2: 30 - 31)، قال الطبراني: لا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد، وفي رواية:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق وخطَّطَ بالأصابع» في «سنن ابن ماجه» (1: 183)، وينظر:«نصب الراية» (1: 180)، و «البناية» (1: 576)، و «تلخيص الحبير» (1: 160)، و «خلاصة البدر المنير» (1: 74).

(4)

اعترض ملا خسرو في «درر الحكام» (1: 36) على عبارة الشارح، فقال: لأن مد الأصابع إلى الساق إذا كان سنة لم يحصل إلا بالماء المطهر، وقد اتفقوا على أن الماء المستعمل غير مطهر، وأيضاً اتفقوا على أن الماء ما دام في العضو لم يكن مستعملاً فكيف يصح ما ذكر.

(5)

زيادة من أ.

(6)

من حديث علي رضي الله عنه: «جعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلةً للمقيم» في «صحيح مسلم» (1: 232)، واللفظ له، و «صحيح ابن خزيمة» (1: 97)، و «المسند المستخرج» (1: 330)، و «المجتبى» (1: 84)، وغيرهم، ومن حديث: صفوان بن غسان في «جامع الترمذي» (1: 159). ولينظر: «نصب الراية» (4: 174)، و «الدراية» (1: 77).

ص: 74

وينقضُهُ: ناقضُ الوضوء، ونزعُ الخُفّ، ومُضِيِّ المدَّة، وبعد أحد هذين على المتوضئ غَسْلُ رجليه فحسب، وخروجُ أكثرِ العَقِبِ إلى السَّاق نَزْع

المسحِ في المُدَّةِ المذكورة، وقبل الحَدَثِ لا احتياجَ إلى المَسْح، فالزَّمان الذي يُحتاجُ فيه إلى المسح، وهو من وقتِ الحدثِ مقدَّرٌ بالمقدارِ المذكور

(1)

.

(وينقضُهُ: ناقضُ الوضوء، ونزعُ الخُفّ

(2)

)، ذَكَرَ لفظَ الواحد، ولم يقلْ: نَزْعُ الخُفَّين؛ ليفيدَ أنَّ نزعَ أحدِهما ناقض، فإنَّه إذا نَزَعَ أحدَهما وجبَ غَسْلُ إحدى الرِّجلين، فوجبَ غَسْلُ الأُخرى، إذ لا جمعَ بين الغَسْلِ والمسح، وكذا إن دخلَ الماءُ أحدَ خُفَّيه حتَّى صارَ جميعُ الرِّجل مغسولاً، وإن أصابَ الماءُ أكثرَها، فكذا عند الفقيه أبي جعفر

(3)

.

(ومُضِيِّ المدَّة

(4)

، وبعد أحد هذين): أي نَزَعُ الخُفّ، ومُضِي المُدَّة، (على المتوضئ غَسْلُ رجليه فحسب): أي على الذي كان له وضوء لا يَجِبُ إلاَّ غَسْلُ رجليه، أي لا يَجِبُ غَسْلُ بقيةِ الأعضاء، وينبغي أن يكون فيه خلاف مالك

(5)

رضي الله عنه بناءً على فرضيةِ الولاء عنده.

(وخروجُ أكثرِ العَقِبِ

(6)

إلى السَّاق نَزْع)، ولفظُ القُدُورِيِّ

(7)

: أكثر القدم، وما

(1)

لكونه وقت وجود السبب، وأيضاً: هو وقت منع الخف سراية الحدث إلى القدم، وأيضاً: هو وقت وجود الرخصة، فكان أحق بالاعتبار من وقت اللبس ووقت الطهارة. ينظر:«العمدة» (1: 114).

(2)

أراد به ما يشمل الانتزاع، وإنما نقض لسراية الحدث إلى القدم عند زوال المانع. ينظر:«رد المحتار» (1: 183).

(3)

بناءً على أن للأكثر حكم الكل، فيجب عليه أن ينْزع الخف، ويغسل القدم. ينظر:«العمدة» (1: 114)

(4)

خروج القدم ومضي المدة ليس بناقض حقيقة، وإنما الناقض الحدث السابق، لكن لما ظهر أثره عندهما نُسِبَ النقضُ إليهما. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 198).

(5)

قال مالك رضي الله عنه في الذي ينْزع خُفَّيه وقد مسح عليهما: إنه يغسل رجليه مكانه ويجزئه، وإن أخَّرَ ذلك ابتداء الوضوء، فإن نزع خُفَّاً واحداً، فلينْزع الآخر، ويغسل رجليه مكانه ويجزئه، وإن أخر ذلك ساعةً أعاد الوضوء، وقال الأبهري: حدُّ ذلك مقدارُ ما يجفُّ فيه الوضوء. ينظر: «التاج والإكليل» (1: 323).

(6)

العقِب: مؤخِّر الرِّجل. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 444).

(7)

وهو أحمد بن محمد بن أحمد البَغْدَادِيّ القُدُورِيّ، أبو الحسين، قال السَّمْعَانيُّ: انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة بالعراق، وعزَّ عندهم قدره وارتفع جاهه، وكان حسن العبارة في النظر، مديماً لتلاوة القرآن. من مؤلفاته:«مختصر القُدُورِيّ» ، و «شرح مختصر الكَرْخي» ، و «التجريد» ، (362 - 428 هـ). ينظر:«النجوم الزاهرة» (5: 24)، «مرآة الجنان» (3: 47)، «الفوائد» (ص 57 - 58).

ص: 75

ويمنعُهُ خَرْقُ خُفٍّ يبدو منه قَدْر ثلاثِ أصابع الرِّجل أصغرُها لا ما دونَها، وَيَجْمعُ خروقَ خُفٍّ لا خُفَّين

اختارَه في المتن مَرْوِيٌّ عن أبي حنيفةَ

(1)

رضي الله عنه.

(ويمنعُهُ

(2)

خَرْقُ خُفٍّ

(3)

يبدو منه قَدْر ثلاثِ أصابع الرِّجل أصغرُها

(4)

لا ما دونَها)، فلو كان الخرقُ طويلاً يدخلُ فيه ثلاثُ أصابع الرِّجل

(5)

إن أُدْخِلَتْ لكن لا يبدو منه هذا المقدار جازَ المسح، ولو كان مضموماً لكن ينفتحُ إذا مَشَى ويظهرُ هذا المقدار لا يجوز.

فَعُلِمَ منه أن ما يُصْنَعُ من الغزلِ ونحوه مشقوق أسفل الكعب، إن كان يسترُ الكعبَ بخيط أو نحوِه يشدُّ بعد اللُّبْسِ بحيث لا يَبْدُ منه شيء، فهو كغيرِ المشقوق، وإن بَدَا كان كالخرق فيعتبرُ المقدارُ المذكور.

(وَيَجْمعُ خروقَ

(6)

خُفٍّ لا خُفَّين): أي إذا كان على خُفٍّ واحدٍ خروقٌ كثيرةٌ

(1)

فعنده بقاء المسح لبقاء محل الغسل في الخف، وبخروج أكثر العقب إلى الساق الذي هو في حكم الظاهر لا يبقى محل الغسل فيه، وأيضاً: لا يمكن معه متابعة المشي المعتاد، قال القاري في «فتح باب العناية» (1: 197): وهو الأحوط. واختاره الشارح بقول أبي حنيفة رضي الله عنه في «النقاية» (ص 9)، وصاحب «الفتح» (1: 136)، و «البدائع» (1: 13).

وصحح صاحب «الهداية» (1: 29)، و «الدر المختار» (1: 184) خروج أكثر القدم، وهو المروي عن أبي يوسف رضي الله عنه، وبه جزم في «الكنْز» (ص 6)، و «الملتقى» (ص 7)، وهو لأن فيه الاحتراز من خروج أقل القدم حرجاً ينظر: الخف الواسع، ولا حرج لأكثر، وتَنْزيلاً للأكثر منْزلة الكل.

وعند محمد إن بقي في محل المسح مقدار ما يجوز المسح عليه ـ يعني ثلاث أصابع ـ لا ينتقض المسح وإلا انتقض؛ لأن خروج ما سوى قدر المسح كلا خروج، وعليه أكثر المشايخ. ينظر:«رد المحتار» (1: 184).

(2)

إلا أن يكون فوقه خف آخر أو جرموق فيمسح عليه. ينظر: «الدر المختار» (1: 182).

(3)

زيادة من أ و ب و س.

(4)

روى الحسن عن أبي حنيفة أن المعتبر كونها من اليد، وقال محمد في «الزيادات» من أصابع الرجل أصغرها، وصححه صاحب «الهداية» (1: 29) كغيره من الأئمة، واعتبر الأصغر للاحتياط. ينظر:«البحر» (1: 184).

(5)

زيادة من ف و م.

(6)

اختاره صاحب «الفتح» (1: 134) وقوَّاه تلميذه ابن أمير الحاج بموافقته لما روي عن أبي يوسف من عدم الجمع مطلقاً، واستظهره في «البحر» (1: 185)، لكن ذكره قبله أن الجمع هو المشهور في المذهب وقال صاحب «النهر»: إطباق عامة المتون والشروح عليه مؤذن بترجيحه. ينظر: «رد المحتار» (1: 182).

ص: 76

ويُتِمُّ مُدَّةَ السَّفرِ ماسحٌ سافرَ قبل تمامِ يومٍ وليلة، ويُتمُّهُما إن أقامَ قبلَهما، ويَنْزَعُ إن أقامَ بعدَهما، ويجوزُ على جبيرةٍ مُحْدِث، ولا يبطلُهُ السُّقوطُ إلاَّ عن بُرْء

تحت السَّاق، ويبدو من كلِّ واحدٍ شيءٌ قليل، بحيث لو جُمِعَ البادي يكونُ مقدارَ ثلاثِ أصابعَ يمنعُ المسح، ولو كان هذا المقدارُ في الخُفَّين جازَ المسح.

(ويُتِمُّ مُدَّةَ السَّفرِ ماسحٌ سافرَ قبل تمامِ يومٍ وليلة، ويُتمُّهُما إن أقامَ قبلَهما، ويَنْزَعُ إن أقامَ بعدَهما)، فهنا أربعُ مسائل؛ لأنَّه إمَّا أن يسافرَ المقيم، أو يقيمَ المسافر، وكلٌّ منهما

(1)

إمَّا قبل تمامِ يومٍ وليلة، أو بعدَهما، وقد ذَكَرَ في المتن ثلاثاً منها

(2)

، ولم يذكرْ ما إذا سافرَ المقيمُ بعد تمامِ يومٍ وليلة، وحكمُهُ ظاهر، وهو وجوبُ النَّزع.

(ويجوزُ على جبيرةٍ

(3)

مُحْدِث

(4)

، ولا يبطلُهُ السُّقوطُ إلاَّ عن بُرْء)، المسحُ على الجبيرةِ إن أضرَّ

(5)

جازَ تركُه، وإن لم يضرَّ فقد اختلفتِ الرِّواياتُ عن أبي حنيفةَ رضي الله عنه في جوازِ تركِه، والمأخوذُ أنَّه لا يجوزُ تركُه

(6)

.

ثُمَّ لا يُشترطُ كون الجبيرةِ مشدودةً على طهارة، وإنِّما يجوزُ المسحُ على الجبيرة إذا

(1)

زيادة من ب و ف و م.

(2)

وهي: الأولى: أن يسافر المقيم قبل تمام يوم وليلة، ذكره بقوله: ويتم مدة السفر ماسح سافر قبل تمام يوم وليلة، والثانية: أن يقيم المسافر قبل تمام يوم وليلة ذكره بقوله: ويتمها إن أقام قبلها، والثالثة: أن يقيم المسافر بعد تمام يوم وليلة ذكره بقوله: وينْزع إن أقام بعدها. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 116).

(3)

الجَبِيرة: جمعها الجبائر: وهي العيدان التي تشدها على العظم لتجبيره بها على استواء. ينظر: «اللسان» (1: 536).

(4)

المراد أعمّ ممن به حدث أصغر، وممن به حدث أكبر. ينظر:«العمدة» (1: 117).

(5)

المراد الضرر المعتبر لا مطلقه؛ لأن العمل لا يخلو عن أدنى ضرر، وذلك لا يبيح الترك. ينظر:«الدر المختار» (1: 186).

(6)

وعليه الفتوى. ينظر: «الدر المختار» (1: 186)، والصحيح من مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنه ليس بفرض عنده. ينظر:«غنية المستملي» (1: 117)، قال ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 186): إنه فرض عملي عندهما، واجب عنده، فقد اتفق الإمام وصاحباه على الوجوب بمعنى عدم جواز الترك، لكن عندهما يفوت الجواز بفوته فلا تصح الصلاة بدونه أيضاً وعنده يأثم بتركه فقط مع صحة الصلاة بدونه ووجوب إعادتها.

ص: 77

....................................................................................................................

لم يقدرْ على مسحِ ذلك (1 (الموضع من)

(1)

العضو

(2)

، كما لا يقدرُ على غَسْلِه بأن كان الماءُ يضرُّه، أو كانت الجبيرةٌ مشدودةً يضرُّ حلُّها، أمَّا إذا كان قادراً على مسحِه، فلا يجوزُ مسحُ الجبيرة.

وإذا كان في أعضائِه شقاق، فإن عَجِزَ عن غَسْلِه، يلزم إمرارُ الماءِ عليه، فإن عَجِزَ عنه يلزمُه المسح، ثُمَّ إن عَجِزَ عنه يغسلُ ما حولَه ويتركه، وإن كان الشِّقاق في يدِه، ويعجزُ عن الوضوءِ استعانَ بالغيرِ ليوضِّئه، فإن لم يستعنْ وتيمَّمَ جازَ

(3)

خلافاً لهما.

وإذا وَضَعَ الدَّواءَ على شقاقِ الرِّجلِ أَمَرَّ الماءَ فوقَ الدَّواء، فإذا أَمَرَّ الماءَ فوقَ الدَّواء، ثُمَّ سَقطَ الدَّواء إن كان السُّقوطَ عن بُرْء، غَسَلَ الموضعَ وإلاَّ فلا.

وإذا فَصَد

(4)

، ووضَعَ خرقة، وشَدَّ العصابة:

فعند بعضِ المشايخ

(5)

: لا يجوزُ المسحُ عليها، بل على الخرقة.

وعند البعض

(6)

: إن أمكنَه شَدُّ العصابة بلا إعانةِ أحدٍ لا يجوزُ عليها المسح، وإن لم يُمْكِنْهُ ذلك يجوز.

وقال بعضُهم

(7)

: إن كان حلُّ العصابة وغَسْلُ ما تحتها يضرُّ الجراحة، جازَ المسحُ عليها، وإلاَّ فلا، وكذا الحكمُ في كلِّ خرقةٍ جاوزت موضعَ القُرْحة.

وإن كان حلُّ العصابة لا يَضُرُّه، لكنَّ نَزْعَها عن موضعِ الجراحةِ يضرُّه يحلُّها، ويغسلُ ما تحتها إلاَّ موضعَ الجراحة، ثُمَّ يشدُّها، ويمسحُ موضع الجراحة.

وعامة المشايخ على جوازِ مسحِ عصابة المفتصد، وأمَّا الموضعُ الظَّاهر من اليدِ ما بين

(1)

ساقطة من أ و س.

(2)

ساقطة من ب و ص و ف.

(3)

لأن المكلف لا يعتبر قادراً بقدرة غيره عنده، فالإنسان يعد قادراً إذا اختص بإحالة يتهيأ له الفعل متى أراد، وهذا لا يتحقق بقدرة غيره، وعندهما تثبت القدرة بآلة الغير؛ لأن آلته صارت كآلته بالاعانة. ينظر:«غنية المستملي» (1: 119 - 120).

(4)

في م: افتصد. والفَصْدُ: قطع العرق. ينظر: «اللسان» (5: 3420).

(5)

وهو قول الإمام أبي علي النسفي. ينظر: «المحيط» (ص 373).

(6)

وهو قول الإمام علاء الدين محمود الشعبيّ. ينظر: «المحيط» (ص 373).

(7)

وهو قول شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده. ينظر: «المحيط» (ص 373).

ص: 78

.............................................................................................................

العقدتين

(1)

من العصابة، فالأصحُّ

(2)

أنَّه يكفيه المسح، إذ لو غَسَلَ تبتلُّ العصابة، فربَّما تنفذُ البلَّةُ إلى موضعِ الفَصْد.

ويشترطُ الاستيعابُ في مسحِ الجبيرة والعصابةِ في روايةِ الحَسَن عن أبي حنيفة رضي الله عنه، وهو المذكور في «الأسرار»

(3)

.

وعند البعض: يكفي الأكثر

(4)

.

واذا مسح، ثُمَّ نزعَها، ثُمَّ أعادَها، فعليه أن يعيدَ المسح، وإن لم يعدْ أجزأه.

وإذا سقطَتْ عنها فبدَّلَها بأخرى، فالأَحسنُ إعادة المسح، وإن لم يعدْ أجزأه.

ولا يشترطُ تثليثُ مسحِ الجبائر، بل يكفيه مرَّة واحدة، وهو الأصحّ

(5)

.

ويجبُ أن يعلمَ أن مسحَ الجبيرةِ يُخالِفُ مسحَ الخُفِّ في:

أنَّه يجوزُ على حدث.

ولا يُقَدَّرُ له مُدَّةٌ.

وإذا سقطَتْ لا عن بُرْءٍ لا يبطل.

وإن سقطت عن بُرْءٍ يجبُ غَسْلُ ذلك الموضعِ خاصة بخلافِ ما إذا خَلَعَ أحدَ

(1)

وهو الموضع الذي لم تستره العصابة بين العصابة، فلا يجب غسله بل يكفيه المسح. ينظر:«رد المحتار» (1: 187).

(2)

وصححه صاحب «الدر المختار» (1: 187)، واختاره صاحب «الملتقى» (ص 7).

(3)

الأسرار في الأصول والفروع» لعبيد الله بن عمر بن عيسى الدَّبوسِيّ الحَنَفيّ، أبو زيد، قال الذهبي: كان أحد من يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، وهو أول من أبرز علم الخلاف إلى الوجود، وكان شيخ تلك الديار، ومن مؤلفاته:«تقويم الأدلة» ، و «النظم في الفتاوى» ، و «شرح الجامع الكبير» ، و «تأسيس النظر في اختلاف الأئمة» «ت 430 هـ). ينظر:«وفيات» (3: 48)، «العبر» (3: 171)، «هدية العارفين» (5: 648).

(4)

الفتاوى البزازية» (1: 15): الفتوى إن مسح أكثر الجبيرة عند من فرضه يكفي. ومشى عليه صاحب «البدائع» (1: 14)، و «البحر» (1: 198)، و «الملتقى» (ص 7)، و «الدر المختار» (1: 187)، وهو قول خواهر زاده: إذ لا يشترط الاستيعاب، وإن مسح على الأكثر جاز، وإن مسح على النصف وما دونه لا يجوز. ينظر:«الخانية» (1: 50).

(5)

وصححه صاحب «المحيط» (ص 374)، و «الدر المختار» (1: 187)، ومنهم من شرط المسح ثلاثاً إلا أن تكون الجراحة في الرأس فلا يلزمه تكرار المسح. ينظر:«البحر» (1: 198).

ص: 79

‌باب الحيض والنفاس

هو دمٌ ينفُضُهُ رَحْمُ امرأةٍ بالغةٍ لا داءَ بها، ولم تبلغ الإياس

الخُفَّين، حيث يلزمُهُ غَسْلُ الرِّجلين

(1)

.

باب الحيض والنفاس

(2)

الدِّماء المختصة بالنِّساء

(3)

ثلاثة: حيض

(4)

، واستحاضة

(5)

، ونُفاس

(6)

.

فالحيض: (هو دمٌ ينفُضُهُ رَحْمُ امرأةٍ بالغةٍ): أي بنتِ تسعِ سنين، (لا داءَ بها، ولم تبلغ الإياس)، فالذي لا يكونُ من الرَّحم ليس بحيض، وكذا الذي قبل سنِّ البلوغ، أي تسع سنين، وكذا ما يَنْفِضُهُ الرَّحم لمرض، وإذا استمرَّ

(7)

الدَّمُ كان سيلان البعضِ طبيعياً، فكان حيضاً، وسيلانُ البعضِ بسببِ المرض، فلا يكونُ حيضاً.

وكما قيَّدَهُ بعدمِ الدَّاء، يَجِبُ أن يقيِّدَه بعدم الولادة أيضاً احترازاً عن النُّفاس، ثُمَّ

(1)

ويزاد على هذه الفروق: الخامس: أنها تجوز للمحدث والجنب كليهما بخلاف مسح الخف فلا يجوز إلا للمحدث. والسادس: أنه تجوز الصلاة بدون مسح الجبيرة على رواية ولا كذلك مسح الخف. والسابع: أنه يشترط فيه الاستيعاب في رواية بخلاف مسح الخف، والثامن: أنه تشترط فيه النية اتفاقاً بخلاف مسح الخف، فإنه يشترط له النية على رواية. والتاسع: أنه يجوز الجمع بين مسح جبيرة رجل وغسل الرجل الأخرى ولا كذلك مسح الخف، والعاشر: أنه يجوز المسح على الجبيرة وإن كانت على غير الرجلين بخلاف مسح الخف، وغيرها. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 119).

(2)

زيادة من س.

(3)

احترز بهذا القيد عن دم الرعاف والفصد ونحو ذلك مما يعم الرجل والمرأة. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 120).

(4)

الحيض: في اللغة السيلان. ينظر: «الكليات» (ص 399) للكفوي.

(5)

استحاضة: أن يستمر بالمرأة خروج الدم بعد أيام حيضها المعتاد، فهي مستحاضة، والمستحاضة التي يرقأ دم حيضها ولا يسيل من المحيض ولكنه يسيل من عرق يقال له: العاذل. ينظر: «اللسان» (2: 1071).

(6)

النُّفاس: ولادة المرأة إذا وضعت. ينظر: «القاموس» (2: 265).

(7)

الغرض منه بيان انه قد يجتمع الحيض والاستحاضة في دم واحد باختلاف الأزمان. ينظر: «العمدة» (1: 120).

ص: 80

....................................................................................................................

الأصحُّ

(1)

أن الحيضَ مؤقَّتٌ إلى سنِّ الإياس

(2)

، وأكثرُ المشايخ قدَّروه بستِّين سنة، ومشايخُ بُخارا

(3)

وخَوَارَزْم

(4)

بخمسٍ وخمسين سنة

(5)

، فما رأتْ بعدها لا يكونُ حيضاً في ظاهرِ المذهب، والمختارُ أنَّها إن رأت دماً قويَّاً كالأسودِ والأحمرِ القاني كان حيضاً، ويبطلُ الاعتدادُ بالأشهرِ قبل التَّمام، وبعدَه لا

(6)

وإن رأت صُفْرَة، أو خُضْرة، أو تُرْبِية، فهي استحاضة

(7)

.

(1)

وصححه في «البحر» (1: 201).

(2)

اختلفوا في تقدير سن الإياس: فمنهم من قدره بستين سنة، ومنهم من قدره خمس وخمسين سنة، وهو المختار ينظر:«الظهيرية» ، و «العناية» (1: 145)، و «الهدية العلائية» (ص 43)، وقال صاحب «المراقي» (ص 175): وهو المفتى به، ومنهم من قدره بخمسين سنة، قال صاحب «الكفاية» (1: 142): وعليه الفتوى في زماننا، ومنهم من قدره خمس وأربعين.

(3)

بُخارا: بالضَّم من أعظم مدن ما وراء النهر وأجلُّها، وبينها وبين جيحون يومان من هذا الوجه، وكانت قاعدة ملك السَّامانيَّة. ينظر:«معجم البلدان» (1: 353).

(4)

خَوَارَزْم: بلدة كبيرة سميت به؛ لأنَّ الجماعةَ التي بنوها أَوَّل الأمرِ كان مأكلهم لحم الصيد، وكان فيها حطب كثير، وبلغة أهل خوارزم: خوار: اللحم، ورزم: الحطب. وقيل: خوار بالفارسية: السهلة، ورزم: الحرب، وكان الحرب يسهل على سكانها، وقيل: لما أقام بها هرمز بن أنوشيروان رأى أرضاً سهلة، فقال: خوارزمين. ينظر: «الفوائد» (ص 35).

(5)

زيادة من أ و ف.

(6)

أي لا يبطل الاعتداد وصورتها: أنه لو طلقت الآيسة فاعتدت بالأشهر بناء على أن عدة الآيسة ثلاثة شهور، ثم عاد دمها قوياً، فإن كان ذلك في أثناء تلك الأشهر يحكم ببطلان تلك العدة، ويجب عليها استئناف العدة بثلاثة حيض، لتبيِّنَ كونها ذات حيض، وإن كان ذلك بعد تمام الأشهر الثلاثة لا يحكم ببطلانها، حتى لو نكحت زوجاً آخر بعد ثلاثة أشهر لا يفسدُ ذلك النكاح، نعم يجب عليها العدَّةُ في المستقبل بالحيض، واختاره هذا التفصيل صاحب «الدر المختار» (1: 202)، وقال صاحب «النهر»: أعدل الروايات، وفي «المجتبى» أنَّه الصَّحيح المختار، وفي «تصحيح القدوري»: وهذا التصحيح أولى من تصحيح «الهداية» وهو بطلان العدَّة بالأشهر بعود الدم مطلقاً، ينظر:«رد المحتار» (1: 202)، و «العمدة» (1: 121).

(7)

الاستحاضة: دم نقص عن ثلاثة أيام، أو زاد على عشرة في الحيض، وعلى أربعين في النفاس، أو زاد على عادتها. ينظر:«المراقي» (ص 177)، وحكمه: كحكم رعاف دائم، لا يمنع صوماً ولا صلاةً، ولا نفلاً ولا جماعاً، ولا قراءة، ولا مس مصحف، ودخول مسحد، وكذا لا يمنع عن الطواف إن أمنت اللوث. ينظر:«الهدية العلائية» (ص 45).

ص: 81

وأقلُّه ثلاثةُ أيَّام ولياليها، وأكثرُه عشرة

(وأقلُّه ثلاثةُ أيَّام ولياليها، وأكثرُه عشرة)، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه أقلُّه يومان، وأكثرُ (من اليوم)

(1)

الثَّالث، وعند الشَّافِعِيِّ

(2)

رضي الله عنه أقلُّهُ يومٌ وليلة، وأكثرُه خمسةَ عشر، ونحن نتمسَّكُ بقولِه صلى الله عليه وسلم:«أَقَلُّ الحَيْضِ لِلجَارِيَةِ البِكْرِ وَالثَّيْبِ ثَلاثَةُ أيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَأَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّام»

(3)

.

ثُمَّ اعلم أنَّ مبدأَ الحيضِ من وقتِ خروجِ الدَّمِ إلى الفرجِ الخارج

(4)

.

(ووصول الدَّم إلى الفرج الداخل)

(5)

، (فإذا لم يصل إلى الفرج الخارج)

(6)

، بحيلولة الكُرْسُف

(7)

لا تقطع الصَّلاة، فعند وَضْعِ الكُرْسُفِ إنِّما يتحقَّقُ الخروجُ إذا وصلَ الدَّمُ إلى ما يحاذي الفرج الخارج من الكُرْسُف، فإذا احمرَّ من الكُرْسُفِ ما يحاذي الفرج الدَّاخل لا يتحقَّق الخروج إلاَّ إذا رفعَتْ الكُرْسف، فيتحقَّقُ الخروجُ من وقتِ الرَّفع، وكذا في الاستحاضة، والنِّفاس، والبول، ووضعُ الرَّجلِ القُطْنةَ في الإحليل، والقُلْفة كالخارج

(8)

.

(1)

زيادة أ و ب و س.

(2)

ينظر: «المنهاج» (1: 109).

(3)

من حديث أبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأنس وعائشة رضي الله عنهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقلُّ الحيض ثلاث وأكثره عشرة» في «المعجم الكبير» (8: 126)، واللفظ له، و «المعجم الأوسط» (1: 190)، و «سنن الدارقطني» (1: 218)، و «العلل المتناهية» (1: 383)، و «الكامل» (2: 373)، و «التحقيق» (1: 260)، وطرقه يعضد بعضها بعضاً، وقد روي فتاوى عن كثير من الصحابة توافقه. ينظر:«نصب الراية» (1: 191)، و «الدراية» (1: 84).

(4)

للمرأة فرجان فرج ظاهر، وفرج باطن علىصورة الفم، وللفم شفتان وأسنان وجوف. فالفرج الظاهر: بمنْزلة الشفتين والأسنان، وموضع البكارة بمنْزلة الأسنان، والركنان بمنْزلة الشفتين، والفرج الباطن بمنْزلة المأكل ما بين الأسنان وجوف الفم، وحكم الفرج الباطن حكم قصبة الذكر لا يعطى للخارج إليه حكم الخروج، والفرج الظاهرة بمنْزلة القُلْفَة يعطى للخارج إليه حكم الخروج. ينظر:«المحيط» (ص 433 - 434).

(5)

زيادة من أ.

(6)

زيادة من أ ب و س.

(7)

الكُرْسُف: القطن، وقد يطلق على صاحبة الكرسف التي تستعمله في زمن المحيض. ينظر:«التعاريف الفقهية» (ص 442).

(8)

أي إذا خرج بول من لم يختن من المثانة ووصل إلى القلفة، ولم يظهر خارجاً منها يحكم بانتقاض الوضوء؛ لأن حكم القلفة حكم الخارج من كل وجه في انتقاض الوضوء. ينظر:«العمدة» (1: 122).

ص: 82

والطُّهْرُ المُتَخَلِّل في مُدَّتِه وما رأت من لون فيها سوى البياضِ الخالصِ حيضٌ

ثُمَّ وَضْعُ الكُرْسُفِ مُسْتَحَبُّ للبكرِ في الحيض، وللثَّيب في كلِّ حال، وموضعُهُ موضعُ البكارة، ويُكْرَهُ في الفرج الدَّاخل، فالطَّاهرةُ إذا وَضَعَت أوَّل اللَّيل، فحين أصبحَتْ رأت عليه أثرَ الدَّم، فالآن يَثْبُتُ حُكْمُ الحيض، والحائضُ إذا وَضَعَتْ (أول الليل)

(1)

ورأت عليه البياضَ حين أصبحت حُكِمَ بطهارتِها من حين وَضَعَتْ.

(والطُّهْرُ المُتَخَلِّل

(2)

): أي بين الدَّمين، (في مُدَّتِه): أي مُدَّة الحيض، (وما رأت من لون فيها): أي في المُدَّة، (سوى البياضِ (الخالصِ)

(3)

حيضٌ).

فقولُهُ: والطَّهْرُ إذا تخلَّلَ بين الدَّمين: مبتدأ، وما رأت: عطفٌ عليه، وحيضٌ: خَبَرُه.

واعلم أنَّ الطُّهْرَ الذي يكون أقلَّ من خمسةَ عشرَ

(4)

إذا تخلَّلَ بين الدَّمين:

فإن كان أقلّ من ثلاثةِ أيام لا يفصلُ بينهما، بل هو كالدَّم المتوالي إجماعاً.

وإن كان ثلاثةَ أيام أو أكثر، فعند

(5)

أبي يوسفَ رضي الله عنه، وهو قولُ أبي حنيفةَ رضي الله عنه آخراً

(6)

لا يفصل، وإن كان أكثر من عشرةِ أيام

(7)

، فيجوزُ بدايةُ الحيض وختمُهُ بالطُّهْرِ على هذا القول فقط

(8)

، وقد ذُكِرَ أنّ الفتوى على هذا تيسيراً على المُفْتِي والمستفتي

(9)

.

(1)

زيادة من أ.

(2)

أي الزمان الفاصل بين الدمين.

(3)

زيادة من م.

(4)

لأن أقل مدة بين الحيضتين خمسة عشر يوماً ولياليها بالاتفاق. ينظر: «الدر المختار» (1: 190).

(5)

في ص و ف و م: فعن.

(6)

زيادة من أ و ب و س و ص و ف.

(7)

على هذا القول إن كان الطهر كلُّه لا يزيد على العشرة فالكل حيض، ما رأت فيه الدم وما لم تر، سواء كانت مبتدأة أو صاحبة عادة، وإن زاد على العشرة: إن كانت لها عادة ردَّت إليها، ويكون الزائد استحاضة، وإن كانت مبتدأة، فالعشرة حيض ما رأت فيه الدم وما لم تر، وما زاد استحاضة. كذا في «فتح باب العناية» (1: 209).

(8)

لكن يشترط إحاطة الدم من الجانبين، كما إذا رأت قبل عادتها يوماً دماً وعشرةً طهراً ويوماً دماً، فالعشرة حيض. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 209).

(9)

وقيل: هو آخر أقوال أبي حنيفة رضي الله عنه، قال صاحب «الهداية» (1: 32)، والأخذ بهذا القول أيسر، وقال صاحب «الفتح» (1: 153): وعليه الفتوى، وقال صاحب «العناية» (1: 153): والأخذ به أيسر، لأن في قول محمد تفاصيل يشق ضبطها، وكذا صاحب «البحر» (1: 216)،

ص: 83

....................................................................................................................

وفي روايةِ محمَّدٍ رضي الله عنه عنه: إنَّه لا يفصلُ إن أحاطَ الدَّمُ بطرفيه في عشرة، أو أقلّ

(1)

.

وفي رواية ابنُ المُبارك

(2)

رضي الله عنه عنه: إنه يشترطُ مع ذلك

(3)

كون الدَّمين نصاباً

(4)

.

وعند محمَّدٍ رضي الله عنه يُشْتَرطُ مع هذا

(5)

كون الطُّهْرِ مساوياً للدَّمين، أو أقلّ، ثُمَّ إذا صارَ دماً عنده

(6)

، فإن وُجِدَ في عشرة هو فيها طُهْرٌ آخر يغلبُ الدَّمينِ المحيطين به، لكن يصيرُ مغلوباً إن عُدَّ ذلك الدَّمُ الحكميُّ دَمَاً، فإنَّه يُعَدُّ دَمَاً حتَّى يُجْعَلَ الطُّهْرُ الآخرُ حيضاً أيضاً

(7)

، إلاَّ في قول

(8)

أبي سَهل

(9)

رضي الله عنه، ولا فرقَ بين أن يكونَ

(1)

أي أن المعتبر أن يكون في أولها وآخرها دم كالنصاب في باب الزكاة.

(2)

وهو عبد الله بن المبارك بن واضح الحَنْظَلي بالولاء التَّميمي المَرْوَزِيّ، أبو عبد الرحمن، كان يأخذ برأي أبي حنيفة، وقال الذهبي: كان رأساً في الذكاء، رأساً في الشجاعة والجهاد، رأساً في الكرم، وقال الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين، من مصنَّفاته:«الجهاد» ، و «الرَّقائق» ، (118 - 181 هـ). ينظر:«وفيات» (3: 3234)، «طبقات الشيرازي» (ص 107 - 108)، «المستطرفة» (37).

(3)

أي مع ما سبق من الكلام في رواية محمد رضي الله عنه من أنه يكون أولها وآخرها دم.

(4)

أي ثلاثة أيام ولياليها.

(5)

هذا رواية أخرى عند محمد رضي الله عنه يشترط فيها زيادة على ما سبق من أن يكون أولها وآخرها دم على ما سيذكره.

(6)

أي إن صار الطهر المساوي للدمين أو الأقل منهما دماً حكمياً عند محمد رضي الله عنه، وصورة الدم الحكمي مثلاً أن ترى امرأة مبتدأة يوماً دماً، وثلاثة أيام طهراً، ويومين دماً، فيكون ما رأت دماً حكمياً في ستة أيام.

(7)

أي إن وجد طهرٌ آخر مع الدم الحكمي في عشرة أيام ـ وهي أقصى مدة في الحيض ـ تفوق أيامه أيام الدم المحيط به إذا لم يعتبر الدم الحكمي، بل عدّ أيام الدم الحقيقي فحسب، ولكن يعدُّ الدم الحكمي مع الدم الحقيقي فتكون جميعاً حيضاً لزيادتها عليه، وصورته: أن ترى امرأة متبدأة يومين دماً، وثلاثة طهراً، ويوماً دماً، وثلاثة طهراً، ويوماً دماً، ففي هذه الصورة قد أحاط الدم بالطرفين، فلم يعد الدم الحكمي مع الدم الحقيقي فإن عدد أيام الطهر، وهي ستة أيام تفوق أيام الدم، ولكن مع عدّ الدم الحكمي مع الحقيقي يكون أيام الدم سبعة أيام وهي تفوق أيام الطهر.

(8)

هو لم يعد أيام الدم الحكمي مع الدم الحقيقي، بل عدّ أيام الدم الحقيقي، فتكون حائضاً في الأيام الست الأولى في الصورة التي ذكرناها سابقاً.

(9)

في النسخ: «سهيل» ، وهو أبو سهل الزُّجاجي الغَزَالي الفَرَضي، درس على الكرخي، وأبي سعيد البردعي، قال الصاحب بن عباد: كان أبو سهل إذا دخل مجالس النظر تتغير وجوه المخالفين لقوة نفسه وحسن جدله، من مؤلفاته: كتاب «الرياض» ، ينظر:«الجواهر» (4: 51 - 52)، «تاج» (ص 335 - 336)، «الفوائد» (1: 140).

ص: 84

....................................................................................................................

الطُّهْرُ الآخرُ مُقَدَّماً على ذلك الطُّهْر، أو مؤخَّراً

(1)

.

وعند الحَسَن بن زياد رضي الله عنه: الطُّهْرُ الذي يكون ثلاثةَ أيام أو أكثر يفصلُ مطلقاً

(2)

.

فهذه سِتَّةُ أقوال، وقد ذُكِرَ أنَّ كثيراً من المُتقدِّمين والمتأخرين أفتوا بقولِ محمَّدٍ رضي الله عنه، ونضعُ مثالاً يجمعُ هذه الأقوال: مبتدأةٌ

(3)

رأتْ يوماً دَمَاً، وأربعةَ عَشْرَ طُهراً، ثُمَّ يوماً دَمَاً، وثمانيةً طهراً

(4)

، ثُمَّ يوماً دَمَاً، وسبعة طهراً

(5)

، ثُمَّ يومينِ دَمَاً

(6)

، وثلاثة طهراً

(7)

، ثُمَّ يوماً دماً

(8)

، وثلاثة طهراً

(9)

، ثُمَّ يوماً دماً

(10)

، ويومين طهراً

(11)

، ثم يوماً دماً، فهذه خمسةٌ وأربعون يوماً.

ففي روايةِ أبي يوسف رضي الله عنه: العشرةُ الأولى، والعشرةُ الرَّابعةُ حيض.

وفي روايةِ محمَّد رضي الله عنه: العشرةُ بعد طُهْرٍ هو أربعةَ عشر.

وفي روايةِ ابن المُبارك رضي الله عنه: العشرةُ بعد طُهْرٍ هو ثمانية.

وعند محمَّد رضي الله عنه: العشرةُ بعد طُهْرٍ هو سبعة.

(1)

أي لا فرق في قول محمد رضي الله عنه أن الطهر الآخر في خلال عشرة في بدايتها أو نهايتها، وقد كان في الصورة التي ذكرناها في نهايتها، وصورة أن يكون في بدايتها: أن ترى مبتدأة يوماً دماً، وثلاثة أيام طهراً، ويوماً دماً، وثلاثة أيام طهراً، ويومين دماً.

(2)

وهذا القول على عكس قول أبي يوسف رضي الله عنه من أن الطهر إذا كان ثلاثة أيام أو أكثر غير فاصل مطلقاً، وحاصل هذا القول أنه فاصل مطلقاً من غير اشتراط وتفصيل، وهذا أضعف الأقوال، ولقد أحسن الشارح البارع في ترتيب الأقوال على الأقوى. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 1: 124).

(3)

المبتدأة: هي التي ابتدأ بلوغها بالحيض ولم تستقر عادتها. ينظر: «العمدة» (1: 132).

(4)

زيادة من أ و ب و س.

(5)

زيادةمن أ و ب و س.

(6)

زيادة من أ و ب و س.

(7)

زيادة من أ و ب.

(8)

زيادة من أ و ب و س.

(9)

زيادة من أ و ب و س.

(10)

زيادة من أ و ب و س.

(11)

زيادة من أ و ب و س.

ص: 85

يمنعُ الصَّلاة، والصَّوم، ويُقْضَى هو، لا هي

وعند أبي سهل

(1)

رضي الله عنه: السِتَّةُ الأولى منها

(2)

.

وعند الحَسَن رضي الله عنه: الأربعةُ الأخيرة (من خمسة وأربعين)

(3)

، وما سوى ذلك استحاضة.

ففي كلِّ صورةٍ يكونُ الطُّهْرُ النَّاقصُ فاصلاً في هذه الأقوال سوى قولِ أبي يوسف رضي الله عنه، فإن كان أحدُ الدَّمين نصاباً، كان حيضاً، وإن كان كلٌّ منهما نصاباً، فالأُوَّلُ حيض، وإن لم يكن شئٌ منهما نصاباً، فالكلُّ استحاضة، وإنِّما استثني قولُ أبي يوسف رضي الله عنه؛ لأنَّ هذا لا يتأتى على قولِه.

واعلم أنَّ ألوان الحيضِ هي الحمرةُ والسَّواد فهما حيضٌ إجماعاً، وكذا الصُّفْرَةُ المُشْبَعَةُ في الأصحّ، والخُضْرَةُ والصُّفْرةُ الضَّعيفة، والكُدْرة والتُّرْبيَّة عندنا، وفُرِّقَ ما بينهما أنَّ الكُدْرةَ ما تضربُ إلى البياضِ والتُّرْبيَّةَ إلى السَّواد، وإنِّما قَدَّمَ مسألةَ الطُّهْرِ المُتَخَلِّلِ على ألوان الحيض؛ لأنَّها متعلِّقةٌ بمدَّةِ الحيض، فألحقَها بها ثُمَّ ذكر الألوان، ثُمَّ بعد ذلك شَرَعَ في أحكام الحيض، فقال:

(يمنعُ الصَّلاة، والصَّوم، ويُقْضَى هو، لا هي

(4)

): أي يُقْضى الصَّومُ لا الصَّلاةُ بناءً على أنَّ الحيضَ يمنعُ وجوبَ الصَّلاة، وصحَّةُ أدائِها، لكن لا يمنعُ وجوبَ الصَّوم، فنفسُ وجوبِه ثابتة، بل يمنعُ صحَّةَ أدائِه، فيجبُ القضاءُ إذا طَهُرَت.

ثُمَّ المعتبرُ عندنا آخرُ الوقت، فإذا حاضتْ في آخرِ الوقتِ سقطَت، وإن طَهُرَتْ في آخر الوقتِ وجبت، فإذا كانت طهارتُها لعشرة وجبتِ الصَّلاة، وإن كان الباقي من الوقتِ لمحة

(5)

، فإن كانت لأقلَّ منها، فإن كان الباقي من الوقت مقدارُ ما يَسَعُ الغُسْلَ والتَّحريمةَ وَجَبَت، وإلاَّ فلا، فوقتُ الغُسْلِ يُحْتَسَبُ هاهنا من مدَّةِ الحيض.

(1)

في النسخ: سهيل.

(2)

أي من العشرة بعد طهر هو سبعة.

(3)

زيادة من م.

(4)

لما روت عائشة رضي الله عنه: «كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاءِ الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة» في «صحيح مسلم» (1: 265)، و «جامع الترمذي» (1: 270)، و «مسند أبي عوانة» (1: 383).

(5)

لأن انقطاع الدم لعشرة طهارة متيقنة؛ لعدم زيادة الحيض على هذه المدة، فإن ما زاد عليها استحاضة بخلاف الانقطاع لأقل منها، فإنه يحتمل فيه عود الحيض لبقاء المدة، فاعتبر فيه ما يسع الغسل من الحيض وابتداء تحريمة الصلاة. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 128).

ص: 86

ودخولُ المسجد، والطَّواف

والصَّائمةُ إذا حاضَتْ في النَّهار، فإن كان في آخرِه بطلَ صومُها، فيجبُ قضاؤُه إن كان صوماً واجباً، وإن كان نفلاً لا

(1)

، بخلافِ صلاةِ النَّفل إذا حاضت في خلالِها، (فإنِّها تبطلُ ويجبُ قضاؤها)

(2)

.

وإن طَهُرَتْ في النَّهار، ولم تأكل شيئاً لا يجزئ صومُ هذا اليوم، لكن يَجِبُ عليها الإمساك

(3)

.

وإن طَهُرَتْ في اللَّيل لعشرةِ أيام يصحُّ صومُ هذا اليوم

(4)

، وإن كان الباقي من اللَّيلِ لمحة.

وإن طَهُرَتْ لأقلَّ من عشرةٍ يصحُّ الصَّومُ إن كان) الباقي من اللَّيل مقدارُ ما يسعُ الغُسْلَ والتَّحريمة

(5)

، وإن لم تغتسلْ في اللَّيل لا يبطل صومُها

(6)

.

(ودخولُ المسجد

(7)

، والطَّواف)؛ (لكونِه يُفْعَلُ في المسجد، فإن طافَتْ مع هذا تحلَّلت)

(8)

(9)

.

(1)

ذكر ابن نجيم في «البحر» (1: 216) أنه لا فرق بين قضاء نفل الصلاة والصوم، وأنه ما ذهب إليه صدر الشريعة من الفرق غير صحيح، وأيَّده الحصكفي في «الدر المختار» (1: 194)، واللكنوي في «العمدة» (1: 129).

(2)

زيادة من أ و ب و س.

(3)

وذلك لحرمة رمضان كما يجب على مسافر أقام بعد نصف النهار، ومجنون أفاق، ومريض صح، وصبي بلغ، وكافر أسلم. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 129).

(4)

أي اليوم الحادي عشر؛ لأنها قد أتمت مدّة حيضها بيقين، وإن لم يبق وقتاً من الليل يكفي للغسل والتحريمة.

(5)

صحح صاحب «الدر المختار» (1: 197) أنه لا تعتبر التحريمة في الصوم.

(6)

لوجود وقت يمكنها فيه الاغتسال، فحالها كحال الجنب.

(7)

لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» في «صحيح ابن خزيمة» (2: 284)، و «سنن أبي داود» (1: 60)، و «مسند إسحاق بن راهويه» (3: 1032)، و «سنن البيهقي الكبير» (2: 442).

(8)

أي خرجت من إحرامها بطواف الزيارة؛ لكن يجب عليها ذبح بدنة كفارة له. ينظر: «العمدة» (1: 130).

(9)

زيادة من أ و س.

ص: 87

واستمتاعُ ما تحت الإزار، ولا تقرأُ هي للقرآن كجُنُبٍ ونفساء

(واستمتاعُ ما تحت

(1)

الإزار

(2)

)

(3)

كالمباشرة، والتَّفخيذ. وتحلُّ القبلة، وملامسةُ ما فوقَ الإزار، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه: يتَّقي شعار الدَّم، أي موضع الفرج فقط.

(ولا تقرأُ هي

(4)

للقرآن

(5)

كجُنُبٍ ونفساء)

(6)

سواءٌ كان آيةً، أو ما دونَها عند الكَرْخِيّ

(7)

، وهو المُخْتَار

(8)

، وعند الطَّحَاوِيّ

(9)

(10)

: يحل ما دون الآية

(11)

، هذا إذا

(1)

أي ما بين السرة والركبة. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 213).

(2)

الإزار: المِلْحَفة، وفسَّره بعض أهل الغريب بما يستر أسفل البدن، والرداء: ما يستر أعلاه، وكلاهما غير مخيط، وقيل الإزار: ما تحت العاتق في وَسَطه الأسفل، والرداء: ما على العاتق والظهر، وقيل: الإزار ما يستر أسفل البدن ولا يكون مخيطاً، والكل صحيح. ينظر:«تاج العروس» (10: 43).

(3)

لما روي أنه سئل صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض، قال:«لك ما فوق الإزار» في «سنن أبي داود» (1: 55)، و «السنن الصغرى» (1: 123)، و «سنن الدارمي» (1: 259)، وغيرها، قال القاري في «فتح باب العناية» (1: 214): حسنه البعض، وقال العراقي: ينبغي أن يكون صحيحاً.

(4)

زيادة من ج و ف.

(5)

زيادة من م.

(6)

لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن» في «سنن الترمذي» (1: 236)، و «سنن البيهقي الكبير» (1: 309)، وقال: ليس هذا بالقوي.

(7)

وهو عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دَلَهْم، أبو الحسن الكَرْخِي، نسبة إلى كَرْخ قرية بنواحي العراق، قال الكفوي: انتهت إليه رئاسة الحنفية. وعدَّه الإمام اللكنوي من أصحاب الوجوه في حين عدَّه ابن كمال باشا من المجتهدين في المسائل، من مؤلفاته:«المختصر» و «شرح الجامع الكبير» و «شرح الجامع الصغير» ، (260 - 340 هـ). ينظر:«تاج التراجم» (ص 200)، «الفوائد» (ص 183).

(8)

واختاره صاحب «الدر المختار» (1: 116)، و «الملتقى» (ص 4)، و «المراقي» (ص 178)، و «الاختيار» (1: 21)، و «الكنْز» (ص 7)، وغيرها.

(9)

وهو أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك الأَزْدِي الحَجْريّ الطَّحَاوِيّ المِصْريّ، أبو جعفر، نسبةً إلى طَحَا بمصر، قال أبو إسحاق: انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، وقال: ابن يونس: كان ثقة ثبتاً لم يخلف مثله، من مؤلَّفاته:«شرح معاني الآثار» ، و «مختصر الطحاوي» ، «مشكل الآثار» ، (229 - 321 هـ). ينظر:«وفيات» (1: 71 - 72). «العبر» (2: 186). «روض المناظر» (ص 171).

(10)

قال الطحاوي في «مختصره» (ص 18)، و «شرح معاني الآثار» (1: 90): ولا يقرأ الجنب ولا الحائض الآية التامة.

(11)

وهو رواية ابن سماعة عن أبي حنيفة رضي الله عنه، ووجهه: أنه قرأ ما دون الآية لا يعد بها قارئاً. ورجحه صاحب «الفتح» (1: 148).

ص: 88

بخلافِ المحدث ولا يمسُّ هؤلاء مصحفاً إلا بغلاف متجاف وكُرِهَ اللَّمْسُ بالكُمّ، ولا درهماً فيه سورةٌ إلا بصرة

قصدت القراءة، فإن لم تقصدْها نحو أن تقول شكراً للنَّعمة: الحمدُ لله ربِّ العالمين، فلا بأس به.

ويجوزُ لها التَّهجِّي بالقرآن، (والتَّعليم)

(1)

، والمعلمةُ إذا حاضتْ فعند الكَرْخِيِّ تعلِّمُ كلمةً كلمة، وتقطعُ بين الكلمتين

(2)

، وعند الطَّحَاوِيّ رضي الله عنه: نصف آيةٍ وتقطع، ثم تُعَلِّمُ النِّصفَ الآخر.

وأمَّا دعاءُ القنوت

(3)

، فيكرَهُ عند بعضِ المشايخ، وفي «المحيط»: لا يُكْرَهُ

(4)

.

وسائرُ الأدعية (المأثورة)

(5)

، والأذكار، لا بأس بها، ويكرَهُ قراءة التَّوراة، والإنجيل، (والزَّبور)

(6)

، (بخلافِ المحدث)

(7)

مُتَعَلِّقٌ بقولِه: ولا تقرأ.

(ولا يمسُّ هؤلاء): أي الحائض، والجُنُب، والنُّفساء، والمحدث (مصحفاً إلا بغلاف متجاف): أي منفصلٍ عنه.

وأمَّا كتابةُ المصحفِ إذا كان موضوعاً على لوحٍ بحيث لا يمسُّ مكتوبَه، فعند أبي يوسفَ رضي الله عنه يجوز

(8)

، وعند محمّد رضي الله عنه لا يجوز.

(وكُرِهَ اللَّمْسُ بالكُمّ

(9)

، ولا درهماً فيه سورةٌ إلا بصرة

(10)

)، أرادَ درهماً عليه آيةٌ من القرآن، وإنِّما قال: سورة، لأنَّ العادةَ كتابةُ سورةُ الإخلاصِ ونحوِها على الدَّراهم.

(1)

زيادة من م.

(2)

صححه صاحب «الدر المختار» (1: 116).

(3)

قال صاحب «الفتح» (1: 149): ظاهر المذهب أنه لا يكره، وعليه الفتوى.

(4)

انتهى من «المحيط» (ص 438).

(5)

زيادة من ب و س.

(6)

زيادة من م.

(7)

فإنه يجوز له أن يقرأ القرآن عن ظهر أو عن مصحف إذا قلب أوراقه بقلم أو غيره. ينظر: «العمدة» (1: 131).

(8)

لأنه ليس بحامل، والكتابة وجدت حرفاً حرفاً، وإنه ليس بقرآن، وقال محمد: أحب أن لا يكتب؛ لأن الكتابة تجري مجرى الحروف. ينظر: «درر الحكام» (1: 20).

(9)

لأنه تابع للماس، فالمس به المس بيده، والمراد بقوله يكره مسه بالكم كراهة تحريم. ينظر:«فتح القدير» (1: 149).

(10)

أي ما يجعل فيها الدراهم، وتكون من غير ثيابه التابعة له. كذا في «رد المحتار» (1: 117).

ص: 89

وحلَّ وَطْءُ مَن انقطعَ دَمُها لأكثرِ الحيض، أو النِّفاس قبل الغُسْلِ دون وَطْءِ مَن قُطِعَ لأقلَّ منه إلاَّ إذا مضى عليها وقتٌ يسعُ الغُسْلَ والتَّحريمة

(وحلَّ وَطْءُ مَن انقطعَ دَمُها لأكثرِ الحيض، أو النِّفاس قبل الغُسْلِ دون وَطْءِ مَن قُطِعَ لأقلَّ منه): أي لأقلَّ من الأكثر، وهو أن ينقطعَ الحيضُ لأقلَّ من عشرة، والنِّفاس لأقلَّ من أربعين، (إلاَّ إذا مضى (عليها)

(1)

وقتٌ يسعُ الغُسْلَ والتَّحريمة)، فحينئذٍ يحلُّ وَطْؤها، وإن لم تغتسلْ إقامةً للوقت الذي يُتَمَكَّنُ فيه من الاغتسالِ مقامَ حقيقةِ الاغتسالِ في حقِّ حِلِّ الوطء

(2)

.

واعلم أنه إذا انقطع الدَّمُ لأقلَّ من عشرةِ أيامٍّ بعد ما مَضَى ثلاثةُ أيام أو أكثر:

فإن كان الانقطاعُ فيما دون العادةِ يجبُ

(3)

أن تؤخِّرَ الغُسْلَ إلى آخر وقت الصَّلاة، فإذا خافَتْ فوت الصَّلاة اغتسلتْ وصلَّت، والمرادُ آخر الوقتِ المستحبِّ دون وقتِ الكراهة

(4)

.

(1)

زيادة من ب و س.

(2)

توضيح هذه المسألة أنه إذا انقطع دم الحائض لأقل من عشرة وكان لتمام عادتها، فإنه لا يحل وطؤها إلا بعد الاغتسال أو التيمم بشرطه؛ لأنه صارت طاهرة حقيقة أو بعد أن تصير الصلاة ديناً في ذمتها؛ وذلك بأن ينقطع ويمضي عليها أدنى وقت صلاة من آخره، وهو قدر ما يسع الغسل واللبس والتحريمة سواء كان الانقطاع قبل الوقت أو في أوله أو قبيل آخره، فإذا انقطع قبل الظهر مثلاً أو في أول وقته لا يحل وطؤها حتى يدخل وقت العصر؛ لأنها لما مضى عليها من آخر الوقت ذلك القدر صارت الصلاة ديناً في ذمتها؛ لأن المعتبر في الوجوب آخر الوقت، وإذا صارت الصلاة ديناً في ذمتها صارت طاهرة حكماً؛ لأنها لا تجب في الذمة إلا بعد الحكم عليها بالطهارة، وإنما حل وطؤها بعد الحكم عليها بالطهارة بصيرورة الصلاة ديناً في ذمتها؛ لأنها صارت كالجنب وخرجت من الحيض حكماً، وبه يعلم أنه لا يجوز لها قراءة القرآن. ينظر:«رد المحتار» (1: 196).

(3)

يعني لا تبادر إلى الغسل وأداء الصلاة ونحوها، بل تنتظر إلى آخر وقت الصلاة؛ لأن عود الدم مطنون؛ لبقاء زمان العادة والخلف عن العادة أمر نادر، فإن عاد دمها فهي حائضة كما كانت، وما تخلل من الطهر غير فاصل، وإن لم يعد وخافت فوت الصلاة ونقصانها بذهاب الوقت اغتسلت وأدت الصلاة احتياطاً؛ لكن لا يحل الوطء في هذه الصورة أي ما انقطع الدم لدون عادتها وإن اغتسلت إلا بعد مضي أيام العادة؛ لأن العود في العادة غالب فكان الاحتياط في الاجتناب. ينظر:«العمدة» (1: 132)، و «الهداية» (1: 32).

(4)

قال محمد في «الأصل» (1: 462): إذا انقطع في وقت العشاء تؤخر إلى وقت يمكنها أن تغتسل فيه وتصلي قبل انتصاف الليل وما بعد نصف الليل مكروه. ينظر: «رد المحتار» (: 196).

ص: 90

وأقلَّ الطُّهْرِ خمسةَ عشرةَ يوماً ولا حدَّ لأكثره

وإن كان الانقطاعُ على رأس عادتِها، أو أكثر، أو كانت مبتدأةً، فتأخيرُ

(1)

الاغتسال بطريقِ الاستحباب.

وإن انقطعَ لأقلَّ من ثلاثةِ أيام أخَّرت الصَّلاة إلى آخر الوقت، فإذا خافت (فوت الصلاة)

(2)

توضَّأت وصلَّت، ثُمَّ في الصُّور المذكورة إذا عادَ الدَّمُ في العشرة بطلَ الحُكْمُ بطهارتِها مبتدأةً كانت أو معتادة.

فإذا انقطع الدَّمُ

(3)

لعشرة أو أكثر، فبمضي العشرةِ يُحْكَمُ بطهارتِها، ويجبُ عليها الاغتسال، وقد ذُكِرَ أن المعتادةَ التي عادتُها أن ترى يوماً دَمَاً ويوماً طُهْراً هكذا إلى عشرة أيام، فإذا رأت الدَّمَ تتركُ الصَّلاةَ والصَّوم، فإذا طَهُرَتْ في الثَّاني توضَّأت

(4)

وصلَّت، ثُمَّ في اليوم الثَّالث تترك الصَّلاة والصَّوم، ثُمَّ في اليوم الرَّابع اغتسلتْ

(5)

وصلَّت هكذا إلى العشرة

(6)

.

(وأقلَّ الطُّهْرِ خمسةَ عشرةَ يوماً ولا حدَّ لأكثره)؛ إلاَّ لنصبِ العادة

(7)

، فإنَّ أكثرَ الطُّهْرِ مقدَّرٌ في حقِّه، ثُمَّ اختلفوا في تقديرِ مدَّتِه، والأصحُّ أنَّهُ مقدَّرٌ بستّة أشهر

(1)

في ص و س و ف و م: فتؤخر.

(2)

في أ و ب و ص و س و ف: الفوت.

(3)

زيادة من ب و س و م.

(4)

لأن الدم السابق بسبب كونه أقلّ من ثلاث أيام استحاضة فلا يجب الغسل بل الوضوء فقط. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 133).

(5)

وذلك لمضي أقل مدة الحيض.

(6)

ينظر: «المحيط» (ص 440). قال اللكنوي في «العمدة» (1: 133): اعترض هاهنا بأن هذا مخالف لما مر بحثه فإنه يعلم أن الكل حيض في مثل هذ الصورة؛ لعدم كون الطهر الفاصل خمسة عشر يوماً، وأجيب عنه بأن البحث السابق في المبتدأة وهذه في المعتادة، وبأن الأول هو ما اختاره الجمهور، وهذه رواية عن البعض.

(7)

حقق هذه المسالة البركوي، وتبعه ابن عابدين: بأن المبتدأة إذا استمر دمها، فحيضها في كل شهر عشرة وطهرها عشرون ينظر: عامة الكتب، بل نقل نوح أفندي الاتفاق عليه خلافاً لما في «الامداد» من أن طهرها خمسة عشر، والمعتادة تردّ إلى عادتها في الطهر ما لم يكن ستة أشهر فإنها تردّ إلى ستة أشهر غير ساعة، كالمتحيرة ـ وتسمى الضالة وهي من نسيت عادتها، ولا يقدر طهرها وحيضها إلا في حق العدة في الطلاق ـ، وهذا على قول الميداني الذي عليه الأكثر، أما على قول الحاكم الشهيد فتردّ إلى شهرين. وتمامه في «رد المحتار» (1: 190)، وينظر:«فتح باب العناية» (1: 205 - 207)

ص: 91

وما نقصَ عن أقلِّ الحيض، أو زادَ على أكثرِه، أو أكثر النُّفاس، أو على عادةٍ عُرِفَتْ لحيض، وجاوزَ العشرة، أو نفاسٍ وجاوزَ الأربعين، أو على عشرةٍ حيضٌ مَن بلَغَتْ مستحاضة، أو على أربعين نفاسها، أو ما رأت حاملٌ فهو استحاضة

إلا ساعة؛ لأنَّ العادةَ نقصانُ طُهْرِ غير الحامل عن طُهْرِ الحامل، وأقلُّ مدَّة الحملِ ستة أشهر، فانتقص عن هذا بشيء، وهو السَّاعة، صورتُه: مبتدأةٌ رأت عشرةَ أيامٍ دَمَاً، وستَّة أشهرٍ طُهْراً، ثُمَّ استمرَ الدَّمُ تنقضي عدَّتُها بتسعةَ عشرَ شهراً إلاَّ ثلاثَ ساعات؛ لأنَّا نحتاجُ إلى ثلاثِ حيض، كُلُّ حيضٍ عشرة أيام، وإلى ثلاثةِ أطهار، كلُّ طُهْرٍ ستَّة أشهرٍ إلا ساعة.

(وما نقصَ عن أقلِّ الحيض): أي الدَّمُ النَّاقصُ عن الثَّلاثة، (أو زادَ على أكثرِه): أي على العشرة، (أو أكثر النُّفاس)، وهو أربعونَ يوماً، (أو على عادةٍ عُرِفَتْ لحيض، وجاوزَ العشرة، أو نفاسٍ وجاوزَ الأربعين): أي إذا كانت لها عادةٌ معروفة

(1)

في الحيض، وفرضناها سبعةً مثلاً

(2)

، فرأت الدَّم اثني عشر يوماً

(3)

، فخمسةُ أيامٍ بعد السَّبْعة استحاضة، وإذا كانت لها عادةٌ في النِّفاس، وهي ثلاثونَ يوماً مثلاً، فرأت الدَّم خمسينَ يوماً، فالعشرونَ التي بعد الثَّلاثين استحاضة، هذا حُكْمُ المعتادة.

ثُمَّ أرادَ أن يُبَيِّنَ حُكْمَ المُبْتدأة، فقال:(أو على عشرةٍ حيضٌ مَن بلَغَتْ مستحاضة، أو على أربعين نفاسها)، المُبْتدأةُ التي بَلَغَتْ مستحاضةٌ حيضُها من كلِّ شهرٍ عشرةُ أيام، وما زادَ عليها استحاضة، فيكون طُهْرُها عشرين يوماً، وأمَّا النُّفاس فإذا لم يكن للمرأة فيه عادةٌ معروفة

(4)

، فنفاسُها أربعون يوماً، وما زاد عليها استحاضةٌ.

فقوله: حيضِ مَن بلغت بالجرِ عطفُ بيانٍ لعشرة، وقولُهُ: نفاسِها بالجرِّ عطفُ بيانٍ لأربعين.

(أو ما رأت حاملٌ فهو استحاضة): أي الدِّمُ الذي تراهُ المرأةُ الحاملُ ليس بحيض، بل هو استحاضة.

فقولُهُ: وما نقص: مبتدأٌ، وقولُهُ: فهو استحاضةٌ: خبرُه.

(1)

زيادة من م.

(2)

زيادة من م.

(3)

أما لو رأت الدم عشرة أيام يكون كله حيضاً لبقاء مدة الحيض، واحتمال تبدل العادة. ينظر:«العمدة» (1: 134).

(4)

زيادة من ب و س.

ص: 92

لا تمنعُ صلاةً، وصوماً، ووَطاً، ومَن لم يمضِ عليه وقتُ فرضٍ إلاَّ وبه حدثٌ من استحاضةٍ، أو رُعافٍ، أو نحوِهما، يَتَوضَّأُ لوقتِ كُلِّ فرضٍ، ويُصَلِّي به فيه ما شاء من فرض ونفل، وينقضُهُ خروجُ الوقت لا دخولُه، فيصلِّي به مَن توضَّأ قبل الزَّوال إلى آخرِ وقتِ الظُّهْر، لا بعد طلوعِ الشَّمس مَن توضَّأ قبله

ثُمَّ بيَّنَ حُكْمَ الاستحاضة، فقال: (لا تمنعُ صلاةً

(1)

، وصوماً، ووَطاً، ومَن لم يمضِ عليه وقتُ فرضٍ إلاَّ وبه حدثٌ): أي الحدثِ الذي ابتلي به، (من استحاضةٍ، أو رُعافٍ، أو نحوِهما، يَتَوضَّأُ لوقتِ كُلِّ فرضٍ) احترازٌ عن قولِ الشَّافِعِيِّ

(2)

رضي الله عنه فإنَّ عنده يَتَوضَّأُ لكلِّ فرض، ويُصلِّي النَّوافلَ بتبعيَّةِ الفرض.

(ويُصَلِّي به فيه ما شاء من فرض ونفل، وينقضُهُ خروجُ الوقت لا دخولُه)

(3)

احترازٌ عن قولِ زُفَرَ رضي الله عنه، فإنَّ النَّاقضَ عنده دخولُ الوقت

(4)

، وعن قولِ أبي يوسفَ رضي الله عنه، فإنَّ النَّاقضَ عنده كلاهما

(5)

، (فيصلِّي به

(6)

مَن توضَّأ قبل الزَّوال إلى آخرِ وقتِ الظُّهْر) خلافاً لأبي يوسفَ وزُفَر رضي الله عنهم، فإنَّه حصلَ دخولُ الوقتِ لا الخروج.

(لا بعد طلوعِ الشَّمس مَن توضَّأ قبله): أي مَن توضَّأ قبل طلوعِ الشَّمس، لكن بعد طلوعِ الفجرِ خلافاً لزُفَرَ رضي الله عنه، فإنَّه وجدَ النَّاقض عندنا، وعند أبي يوسف رضي الله عنه، وهو الخروج، لا عند زُفَرَ فإنَّ النَّاقضَ عنده الدُّخول، ولم يحصل.

(1)

لما روت عائشة رضي الله عنه: أنه أتت فاطمة بنت أبي حبيش النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني استحضت، فقال:«دعي الصلاة أيام حيضك، ثم اغتسلي وتؤضئي عند كل صلاة وإن قطر على الحصير» في «مسند أحمد» (6: 42)، و «سنن ابن ماجه» (1: 204)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (1: 118)، و «سنن الدارقطني» (1: 213). وينظر: «نصب الراية» (1: 200).

(2)

ينظر: «المنهاج» (1: 112).

(3)

إسناد الننقض إلى الخروج والدخول مجاز، فإن الناقض في هذه الصور هو الحدث السابق، وإنما أثره في هذا الوقت. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 135)، و «الفتح» (1: 161).

(4)

لأن اعتبار الطهارة منع المنافي للحاجة إلى الأداء، ولا حاجة قبل الوقت فلا تعتبر. ينظر:«الهداية» (1: 33).

(5)

لأن الحاجة مقصورة على الوقت فلا تعتبر قبله ولا بعده لقيامه مقام الأداء. ينظر: «العناية» (1: 162).

(6)

زيادة من أ و ب و س.

ص: 93

والنِّفاسُ هو دمٌّ يَعْقِبُ الولد، ولا حَدَّ لأقلِّه، وأكثرُه أربعون يوماً، وهو لأمِّ التَّوأمينِ من الأَوَّلِ خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه، وانقضاءُ العدَّةِ من الأخيرِ إجماعاً، وسِقطٌ يُرَى بعضُ خَلْقِهِ وَلَد، وتَنْقَضي العدَّةُ به

(والنِّفاسُ

(1)

هو

(2)

دمٌّ يَعْقِبُ الولد

(3)

، ولا حَدَّ لأقلِّه، وأكثرُه أربعون يوماً) خلافاً للشَّافِعِيِّ

(4)

رضي الله عنه إذ أكثرُهُ ستونَ يوماً عنده.

(وهو لأمِّ التَّوأمينِ من الأَوَّلِ خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه)، التَّوأمان: ولدان

(5)

من بطنٍ واحدٍ لا يكونُ بين ولادتِهما أقلّ مُدَّةِ الحمل، وهو ستة أشهر، (وانقضاءُ العدَّةِ من الأخيرِ إجماعاً، وسِقطٌ

(6)

يُرَى بعضُ خَلْقِهِ

(7)

وَلَد): أي سِقط: مبتدأ، يُرَى: صفته، وَلَد: خبرُه، (فتصيرُ هي به نفساء، والأمةُ أمَّ الولد، ويقعُ المعلَّقُ بالولد): أي إذا قال: إذا وَلَدْتِ فأنت طالقٌ، تُطَلَّقُ بخروجِ سِقطٍ ظهرَ بعضُ خلقِه، (وتَنْقَضي العدَّةُ به): أي اذا طَلَّقَها زوجُها تَنْقَضي عدَّتُها بخروجِ هذا السِّقْطِ.

(1)

وهو عبارة عن دم خارج من الرحم من القبل عقب خروج ولد أو أكثره، فلو ولدته من السرة، فإن سال الدم من الرحم من القبل تكون نفساء، وإلا فذات جرح. كذا في «البحر» (1: 229).

(2)

زيادة من ب و س.

(3)

أو أكثره، ولو متقطعاً عضواً عضواً لا أقلِّه، فإن خرج أقلّ الولد وخافت فوت الصلاة تتوضأ إن قدرت أو تتيمم، وتومئ بالصلاة إن لم تقدر على الركوع والسجود، فإن لم تصل تكون عاصية لربها، ثم كيف تصلي قالوا: يؤتى بقدر فيجعل القدر تحتها أو يحفر لها وتجلس هناك كي لا تؤذي ولدها، ولا تؤخر الصلاة، فانظر وتأمل هذه المسألة هل تجد عذراً لتأخير الصلاة، ووايلاه لتاركها. كذا في «رد المحتار» (1: 199).

(4)

ينظر: «المنهاج» مع شرحه «مغني المحتاج» (1: 119).

(5)

وكذا الحكم لو ولدت ثلاثة بين الأول والثاني أقل من ستة أشهر، وكذا بين الثاني والثالث، ولكن بين الأول والثالث أكثر من ستة أشهر فيجعل حملاً واحداً على الصحيح. ينظر:«حاشية الشرنيلالي على الدرر» (1: 43).

(6)

سِقط: الكسر فيه أكثر: الولد يسقط من بطن أمه لغير تمام. ينظر: «تاج العروس» (19: 356).

(7)

أي كيد أو رجل أو أصبع أو ظفر أو شعر. ينظر: «درر الحكام» (1: 43).

ص: 94

‌باب الأنجاس

يَطْهُرُ بدنُ المصلِّي وثوبُهُ ومكانُهُ عن نَجَسٍ مَرْئيٍّ بزوالِ عينِه، وإن بقيَ أثرٌ يَشُقُّ زوالُهُ بالماء، وبكلٍّ مائعٍ طاهرٍ مزيلٍ كخلٍّ ونحوِه، وعمَّا لم يُرَ أثره بغسلِه ثلاثاً، وعصرِهِ في كُلِّ مرَّةٍ إن أمكن وإلاَّ يغسلُ ويتركُ إلى عدمِ القَطَران، ثُمَّ وثُمَّ هكذا. وخُفُّهُ عن ذي جِرْمٍ جَفَّ بالدَّلك بالأرضِ وجوَّزَهُ أبو يوسف رضي الله عنه في رطبةٍ

باب الأنجاس

(يَطْهُرُ بدنُ المصلِّي وثوبُهُ ومكانُهُ عن نَجَسٍ مَرْئيٍّ بزوالِ عينِه، وإن بقيَ أثرٌ يَشُقُّ زوالُهُ بالماء

(1)

)، (قولُهُ: بالماء)

(2)

: متعلِّقٌ بقولِهِ: بزوالِ عينِه، (وبكلٍّ مائعٍ طاهرٍ مزيلٍ كخلٍّ ونحوِه، وعمَّا

(3)

لم يُرَ أثره)، عطفٌ على قوله: عن نَجَسٍ مَرْئيّ، (بغسلِه ثلاثاً، وعصرِهِ في كُلِّ مرَّةٍ إن أمكن) بشرطِ أن يُبالِغَ في العصرِ في المرَّة الثَّالثةِ

(4)

بقدر قوّتِه، (وإلاَّ

(5)

يغسلُ ويتركُ إلى عدمِ القَطَران، ثُمَّ وثُمَّ هكذا.

وخُفُّهُ عن ذي جِرْمٍ جَفَّ بالدَّلك بالأرضِ وجوَّزَهُ أبو يوسف رضي الله عنه في رطبةٍ):

(1)

ولو مستعملاً، به يفتى خلافاً لمحمد رضي الله عنه. ينظر:«الدر المختار» (1: 205).

(2)

زيادة من م. وفي ص زيادة: بالماء.

(3)

أي يطهر البدن والثوب والمكان عن نجاسة غير مرئية، وهي التي لا جرم لها ولا تحس بعد الجفاف سواء كان له لون أم لا. ينظر:«العمدة» (1: 137).

(4)

وهو قيد لهما، وعن محمد أن العصر في المرَّة الثالثة كاف، وهو أرفق، والأول ظاهر الرواية، وقيل عن أبي يوسف ومحمد أيضاً: إنه يطهر إن ظُنَّ طهارته بالغسلات بلا عصر، والمدار على غلبة الظن؛ لأنه دليل شرعي، وإنما قدرت غلبة الظن بالثلاث؛ لأنها تحصل عند هذا العدد غالباً، وقيل عنده: بالسبع دفعاً للوسوسة ينظر: الاستنجاء. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 238).

(5)

أي وإن لم يمكن عصره بأن يكون النجس شيئاً صلباً كالجلد والحصير ونحوها، يغسله ويتركه إلى أن ينتهي إلى عدم التقاطر، ثم يغسل ويترك هكذا، فإن المقصود من العصر هو استخراج النجاسة بالتقاطر، فحيث لم يكن العصر اعتبر نفس التقاطر. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 138)، وهذا عند أبي يوسف، وقال محمد: ما لم يمكن عصره لا يطهر. ويطهر عند أبي يوسف ما لا ينعصر إذا تنجس بغسله وتجفيفه ثلاثاً كالحنطة المتنجسة والخزف والخشب الجديدين والحصير والسكين المموَّه بالماء النجس واللحم المُغْلى به. ينظر: «فتح باب العناية» (2: 239).

ص: 95

إذا بالَغ، وبه يُفْتَى، وعمَّا لا جِرْمَ له بالغَسْلِ فقط، وعن المنِيِّ بغَسْله، أو فركِ يابسِه، والسَّيْفُ ونحوه بالمَسْح، والبساطُ يجري الماءُ عليه ليلة، والأرضُ والآجُرُّ المفروشُ باليُبْس، وذهابُ الأثرِ للصَّلاة لا للتَّيمُّم، وكذا الخُصُّ

أي في رطب ذي جُرْم، (إذا بالَغ، وبه يُفْتَى

(1)

، وعمَّا لا جِرْمَ له بالغَسْلِ فقط): أي يَطْهُرُ الخُفَّ عمَّا لا جِرْمَ له كالبولِ بالغَسْل فقط.

(وعن المنِيِّ بغَسْله) سواءٌ كان رطباً أو يابساً، (أو فركِ يابسِه) هذا إذا كان رأسُ الذَّكَرِ طاهراً بأن بالَ ولم يتجاوزِ البولُ عن رأسِ مخرجِه، أو تجاوزَ واستنجى

(2)

، ولا فَرْقَ بين الثَّوبِ والبدنِ في ظاهرِ الرِّواية، وفي روايةِ الحَسَن عن أبي حنيفةَ رضي الله عنه، لا يَطْهُرُ البدنُ بالفرك.

(والسَّيْفُ ونحوه بالمَسْح

(3)

، والبساطُ يجري الماءُ عليه ليلة

(4)

، والأرضُ والآجُرُّ

(5)

المفروشُ باليُبْس، وذهابُ الأثرِ للصَّلاة لا للتَّيمُّم): أي يجوزُ الصَّلاة عليهما، ولا يجوزُ التَّيمُّم بهما، (وكذا الخُصُّ) في «المغرب»

(6)

: هو بيتٌ من قَصَب

(7)

،

(1)

وعليه الأكثر، وفي «النهاية»: وعليه الفتوى. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 244).

(2)

فإن لم يكن رأس الذكر طاهراً فمنيه لا يطهر بالفرك؛ لاختلاطه بنجس غيره، وطهارة المني بالفرك إنما تثبت بالآثارعلى خلاف القياس، فلا يتعدى إلى غيره، أما عن إمكان اختلاطه بالمذي، وأن المذي لا يطهر بالفرك، فإن الشارع لما حكم بطهارة محل المني بالفرك علم أنه عفي عما يختلط به من المذي للضرورة، ولا كذلك غيره من النجاسات. كذا في «عمدة الرعاية» (1: 138).

(3)

أي يطهر السيف الصقيل ونحوه في الصقالة وعدم المسام، سواء كان النجس رطباً أو يابساً بالمسح؛ لأن الغسل يفسده، وفيه خلاف محمد. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 245).

(4)

أي يطهر البساط الكبير الذي لا يمكن عصره بجري الماء عليه قدر ليلة أو يوم؛ لأنَّ يُظَنّ زوال النجاسة منه، والتقدير بالليلة لقطع الوسوسة. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 245).

(5)

الآجُرّ: وهو طبيخ الطين، وهو الذين يبنى به، فارسي معرب. ينظر:«تاج العروس» (10: 29).

(6)

المغرب» لناصر بن أبي المكارم عبد السيد بن علي المُطَرِّزيّ الخَوارَزْمِيّ الحَنَفي، أبو الفتح، من مؤلفاته:«شرح المقامات للحريري» ، و «مختصر إصلاح المنطق» ، (538 - 610 هـ). ينظر:«وفيات» (5: 369 - 371). «مرآة الجنان» (4: 20 - 21). «معجم الأدباء» (19: 212 - 213). «أبجد العلوم» (3: 11).

(7)

انتهى من «المغرب» (ص 146).

ص: 96

وشجرٌ وكلأٌ قائمٌ في الأرض لو تَنَجَس، ثُمَّ جَفَّ طَهُرَ، هو المختار، وما قُطِعَ منهما يغسلُهُ لا غير، وقَدْرُ الدِّرهمِ من نَجَسٍ غليظٍ كبول، ودم وخمر، وخرءِ

والمرادُ هنا السُّترةُ التي تكونُ على السُّطوح من القَصَب، (وشجرٌ وكلأٌ قائمٌ في الأرض لو تَنَجَس، ثُمَّ جَفَّ طَهُرَ

(1)

، هو المختار، وما قُطِعَ منهما يغسلُهُ لا غير

(2)

).

لَمَّا ذَكَرَ تطهيرَ النَّجاسات

(3)

شَرَعَ في تقسيمِها على الغليظةِ والخفيفةِ

(4)

وبيانِ ما هو عفو منهما، فقال: (وقَدْرُ الدِّرهمِ من نَجَسٍ غليظٍ كبول

(5)

، ودم وخمر

(6)

، وخرءِ

(1)

أي يطهر بالجفاف وذهاب الأثر؛ لأنه متصل بالأرض، فأخذ حكمها. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 19/ب).

(2)

وهذا لأن طهارة الأرض باليبس ثبتت على خلاف قياس فلا تتعدى إلى غيره وغير ما هو متصل بها. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 139).

(3)

وقد استوفَّى الكلام في المطهرات عبد الغني النابلسي في «نهاية المراد» (ص 331 - 343)، واللكنوي في «نفع المفتي» (ص 134 - 164)، وغيرهما.

(4)

اعلم أن النجاسة المغلظة عند أبي حنيفة ما ورد فيه نص حاكم بنجاسة، ولم يعارضه نص آخر سواء اختلف العلماء فيه أو اتفقوا عليه، فإن وجد فيه نص معارض، فهو مخفف كبول ما يؤكل لحمه، وعندهما ما اختلف العلماء في نجاسته فهو مخفف وما لم يكن كذلك، فهو مغلظ، فالروث مغلظ عنده؛ لأنه ورد نص رِكساً: أي نجس، ولم يعارضه نص آخر، وعندهما مخفف؛ لوقوع الاختلاف فيه لقول مالك رضي الله عنه بطهارته لعموم البلوى. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 139)، «فتح باب العناية» (1: 250).

(5)

الظاهر أن المراد به بول الآدمي وإن كان صبياً رضيعاً، فإن بولَه نجس أيضاً، وكذا كل ما خرج من الآدمي موجب لوضوء أو غسل، ويحتمل أن يراد بول كل ما يؤكل لحمه، ويستثنى منه بول الخفاش، فإنه طاهر، وكذا خرؤه. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 139)، و «الدر المختار» (1: 212).

(6)

أما حكم باقي المسكرات غير الخمر، فقد قال صاحب «الدر المختار» (1: 213): وفي باقي الأشربة المسكرة غير الخمر ثلاث روايات: التغليظ، والتخفيف، والطهارة، ورجح في «البحر» التغليظ، ورجح في «النهر» التخفيف. وأفاد الأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: أنه على رواية التخفيف يعفى عما دون ربع الثوب المصاب، أو البدن. وكان العلامة أحمد الزرقا شيخ شيوخنا في حلب يعتمد رواية الطهارة ويفتي بها، وكان شيخنا العلامة المحقق الكوثري يقول: المسكر غير الخمر كالاسبرتو يجوز استعماله، ويحرم شربه، ويذكر أن هذا مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه. ولا يخفى أن فتوى هذين الشيخين الجليلين فيها يسر وسماحة للناس؛ لشيوع استعمال هذه المادة الهامة ـ الاسبرتو ـ في كثير من مرافق الحياة اليوم، ولا ريب أن التنْزه عن استعمالها لمن استطاعه أولى لما فيها من اختلاف العلماء في طهارتها، والله أعلم. ينظر: هامش «فتح باب العناية» (1: 258). وعلق الشيخ قاسم بن نعيم على قول الأستاذ الشيخ عبد الفتاح رحمه الله: ولا ريب أن التنَزه عن استعمالها أولى

: هذا التعبر من الشيخ ليس ملائماً لقواعدنا؛ لأن الفتوى في العبادات إذا بالاحتياط إذا دارت بين الطهارة والنجاسة وكانت الروايتان مصححتين كان للمستفتي الخيار، والاحتياط عند أئمتنا واجب، وعند غيرهم أولى على اختلاف بينهم كما يعلم ذلك من كتب طبقاتهم ومصطلحاتهم الفقهية.

ص: 97

دجاج، وبولِ حمار، وهِرَّة، وفأرة، وروث، وخِثى، وما دون ربع الثَّوب ممَّا خَفَّ كبول فرس و ما أكل لحمه وخرء طير لا يؤكل عفوٌ وإن زاد لا، ويعتبرُ وزنُ الدِّرْهَم بقدرِ مثقالٍ في الكثيف، ومساحتُه بقدر عرضِ الكَفِّ في الرَّقيق

دجاج، وبولِ حمار، وهِرَّة، وفأرة، وروث، وخِثى

(1)

، وما دون ربع الثَّوب ممَّا خَفَّ كبول فرس و ما أكل لحمه وخرء طير لا يؤكل عفوٌ

(2)

وإن زاد لا) قيل: المرادُ بربعِ الثَّوب

(3)

ربعُ أدنى ثوب يجوزُ به الصَّلاة، وقيل: ربعُ الموضعِ الذي أصابتُهُ النَّجاسة، كالذَّيل، والكُمّ، والدِّخريص

(4)

، وقدَّرَهُ أبو يوسفَ رضي الله عنه بشبرٍ في شبر.

(ويعتبرُ وزنُ الدِّرْهَم بقدرِ مثقالٍ في الكثيف، ومساحتُه بقدر عرضِ الكَفِّ في الرَّقيق)، المرادُ بعرضِ الكَفّ: عرضُ مقعرِ الكَفّ، وهو داخلُ مفاصلِ الأصابع.

(1)

الروث: للفرس والبغل والحمار، والخثى بكسر فسكون: للبقر والفيل، والبعر: للإبل والغنم، والخرء: للطيور، والنجو: للكلب، والعذرة: للإنسان. ينظر: «رد المحتار» (1: 213).

(2)

أي بالنسبة إلى صحة الصلاة به لا بالنسبة إلى الإثم، فإن ابقاء القدر المعفو عنه وأداء الصلاة به مكروه تنْزيهاً، فيسن غسله. ينظر:«العمدة» (1: 139).

(3)

اعلم أنهم اختلفوا في كيفية اعتبار الربع على ثلاثة أقوال: فقيل: ربع طرف أصابته النجاسة كالذيل والكمّ والدخريص إن كان المصاب ثوباً وربع العضو المصاب كاليد والرجل إن كان بدناً، وصححه في «التحفة» (1: 65)، و «المحيط» (ص 391)، و «مجمع الأنهر» (1: 63)، ورجَّحه صاحب «الدر المختار» (1: 214). وقيل: ربع جميع الثوب والبدن، وصححه في «المبسوط» (1: 55)، واختاره صاحب «الدر المختار» (1: 213)، وقيل: ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كالمئزر، قال الأقطع: وهذا أصح ما روي فيه.

(4)

الدِّخريص: من القميص، وهو ما يوصل به البَدَنُ ليُوَسِّعَه، وهو معرّب، وهو عند العرب البنيقة. ينظر:«تاج العروس» (17: 577).

ص: 98

ودمُ السَّمكِ ليس بنجس، ولعابُ البغل، والحمارِ لا ينجسُ طاهراً، وبولٌ انتضحَ مثلَ رؤوسُ الإبرِ ليس بشيء، وماءٌ وَرَدَ على نَجَس، نَجِسٌ كعكسِه، لا رمادُ قَذَر، وملحٌ كان حماراً، ويُصَلِّي على ثَوْبٍ بِطانتُهُ نجس، وعلى طرفِ بساطٍ طرفٌ آخرُ منه نجسٌ يتحرَّكُ أحدُهما بتحريكِ الآخر أو لا، وفي ثوبٍ ظَهَرَ فيه ندوةُ ثوبٍ رطبٍ نجسٍ لُفَّ فيه، لا كما يقطرُ شيءٌ لو

(ودمُ السَّمكِ ليس بنجس، ولعابُ البغل، والحمارِ لا ينجسُ طاهراً)؛ لأنَّه مشكوك، فالطَّاهرُ لا تزولُ طهارتُه بالشَّكّ.

(وبولٌ انتضحَ مثلَ رؤوسُ الإبرِ ليس بشيء، وماءٌ وَرَدَ على نَجَس، نَجِسٌ كعكسِه): أي كما أنَّ الماءَ نَجَسٌ في عكسِه، وهو ورودُ النَّجاسةِ على الماء.

(لا رمادُ قَذَر

(1)

، وملحٌ كان حماراً): أي لا يكونُ شيءٌ منهما نَجَساً، وفي رمادِ القَذْر خلافُ الشَّافِعِيِّ

(2)

رضي الله عنه.

(ويُصَلِّي على ثَوْبٍ بِطانتُهُ

(3)

نجس): أي إذا لم يكنْ الثَّوبُ مُضَرَّباً

(4)

.

(وعلى طرفِ بساطٍ طرفٌ آخرُ منه نجسٌ

(5)

يتحرَّكُ أحدُهما بتحريكِ الآخر أو لا)، وإنِّما قال هذا احترازاً عن قول مَن قال: إنِّما يجوزُ الصَّلاة على الطَّرفِ الآخر إذا لم يتحركْ أحدُ الطَّرفين بتحريكِ الآخر.

(وفي ثوبٍ ظَهَرَ فيه ندوةُ

(6)

ثوبٍ رطبٍ نجسٍ لُفَّ فيه، لا كما يقطرُ شيءٌ لو

(1)

المراد به العذرة والروث. ينظر: «رد المحتار» (1: 217).

(2)

ينظر: «التنبيه» (1: 17)، و «المنهاج» وشرحه «مغني المحتاج» (1: 81)، فإن عبارتها تدل على خلاف الشافعي في مسألة رماد القذر، ومسألة ملح كان حماراً؛ لأنه لا يطهر نجس العين عندهم إلا خمر تخللت خمراً وجلداً نَجُسَ بالموت فيطهرُ بدبغه.

(3)

وهو الطرف الداخل من الثوب، يعني إذا كان ذا وجهين أحدهما نجس ففرشه على الأرض وصلى على الطاهر جاز؛ لأنه بالانفصال صار في حكم الآخر بخلاف ما إذا كان أحدهما مخيطاً بالآخر، فإنهما في حكم شيء واحد. ينظر:«العمدة» (1: 140).

(4)

الثوب مُضَرَّباً: أي مخطياً. ينظر: «اللسان» (4: 2570).

(5)

سواء كان كبيراً أو صغيراً؛ لأنه بمنْزلة الأرض، فيشترط فيه طهارة موضع الصلاة، فقيد الطرف اتفاقي. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 262).

(6)

ندوة: بلَّة. ينظر: «مختار» (ص 653).

ص: 99

عصر، أو وضعَ رطباً على ما طُيِّنَ بطينٍ فيه سرقين، ويَبِس، أو تَنَجَّس طرفٌ منه، فَنَسِيه وغَسلَ طرفاً آخر بلا تحرّ: كحنطةٍ بالَ عليها حمرٌ تدوسها فقُسِم، أو وُهِبَ بعضُها، فيطهرُ ما بقي.

‌فصل [في الاستنجاء]

و الاستنجاءُ من كلِّ حدث غيرُ النَّوم، والرِّيح

عصر): أي ظَهَرَ فيه النَّدوة بحيث لا يقطرُ الماءُ لو عصر، (أو وضعَ رطباً على ما طُيِّنَ بطينٍ فيه سرقين

(1)

، ويَبِس، أو تَنَجَّس طرفٌ منه، فَنَسِيه وغَسلَ طرفاً آخر بلا تحرّ): أي لا يشترطُ التَّحرِّي في غسلِ طرفٍ من الثَّوب.

(كحنطةٍ بالَ عليها حمرٌ تدوسها فقُسِم

(2)

، أو وُهِبَ بعضُها، فيطهرُ ما بقي)، اعلمْ أنَّه إذا وُهِب بعضُها، أو قُسِمَتْ الحنطةُ يكون كلُّ واحدٍ من القسمين طاهرا، إذ يحتملُ كلُّ واحدٍ من القسمين أن يكونَ النَّجاسةُ في الآخر، فاعتبرَ هذا الاحتمالُ في الطَّهارة؛ لمكان الضرورة.

فصل

(3)

[في الاستنجاء]

(و الاستنجاءُ

(4)

من كلِّ حدث): أي خارج من أحد السَّبيلين، (غيرُ النَّوم، والرِّيح)

(5)

، فإن قلتَ: إنْ قيَّدَ الحدثَ بالخارج من أحد السَّبيلين، فاستثناءُ النَّوم

(1)

السِّرقين: ما تدمل به الأرض، وقد سَرْقَنَها، وهو معرب، ويقال: السرجين. ينظر: «اللسان» (3: 1999).

(2)

قال ابن نجيم في «الأشباه والنظائر» (ص 193): وذكر بعضهم أن قسمة المثلى من المطهرات، فلو تنجس بُرّ فقسم طهر، وفي التحقيق لا يطهر وإنما جاز لكل الانتفاع بالشك فيها حتى لو جمع عادت. وينظر:«نهاية المراد» (ص 343).

(3)

زيادة من أ.

(4)

الاستنجاء: طلب طهارة القبل والدبر مما يخرج من البطن بالتراب أو الماء، وهو من النجو، والنجوة: الارتفاع من الأرض. كذا في «طلبة الطلبة» (ص 10).

(5)

أي ونحوها من الفصد والإغماء والجنون والسكر مما ليس له جرم خارج من أحدهما كالريح، أو ليس مما خرج من أحد السبيلين كالباقي، فإن الاستنجاء منها بدعة. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 266).

ص: 100

بنحو حجرٍ يمسَحُهُ حتَّى يُنَقِّيَهُ بلا عددٍ سُنَّة يُدْبِرُ بالحَجَرِ الأَوَّل، ويُقْبِلُ بالثَّاني، ويُدْبِرُ بالثَّالِثِ صيفاً، ويُقْبِلُ الرَّجلَ بالأَوَّل، ويُدْبِرَ بالثَّاني وبالثَّالث شتاءً، وغسلُهُ بعد الحجرِ أدب، فيغسلُ يديه، ثُمَّ يُرْخي المخرجَ بمبالغةٍ ويغسلُه

مستدرك، وإن لم يقيِّدْ به، ففي كلِّ حدثٍ غيرِ النَّوم والرِّيح يكونُ الاستنجاءُ سُنَّة، فيُسَّنُ في الفصدِ ونحوِه، وليس كذلك.

قلت

(1)

: قيَّدُ الحدثِ بالخارجِ من أحد السَّبيلين، واستثناءُ النَّوم غيرُ مستدركٍ؛ لأنَّه من هذا القبيل؛ لأنَّ النَّوم إنِّما ينقض؛ لأنَّ فيه مَظنَّةَ الخروجِ من السِّبيلين.

(بنحو حجرٍ يمسَحُهُ حتَّى يُنَقِّيَهُ بلا عددٍ سُنَّة

(2)

): أي ليس فيه عددٌ مسنونٌ عندنا، خلافاً للشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه، (يُدْبِرُ بالحَجَرِ الأَوَّل، ويُقْبِلُ بالثَّاني، ويُدْبِرُ بالثَّالِثِ صيفاً، ويُقْبِلُ الرَّجلَ بالأَوَّل، ويُدْبِرَ بالثَّاني وبالثَّالث شتاءً)، الإدبار: الذَّهاب إلى جانبِ الدُّبر، والإقبال: ضدُّه، ثُمَّ إنْ

(4)

في المسحِ إقبالاً وإدباراً مبالغة في التَّنْقية، وفي الصَّيف يُدْبِرُ بالحَجَر الأَوَّل، (ويُقْبِلُ بالثَّاني)

(5)

؛ لأنَّ الخصيةَ في الصَّيف مُدْلاةٌ، فلا يُقْبِلُ احترازاً عن تلويثِها، ثُمَّ يُقْبِل، ثُمَّ يُدْبِرُ مبالغةً في التَّنظيف، وفي الشِّتاءِ غيرُ مُدْلاة فيقبلُ بالأَوَّل؛ لأنَّ الأقبالَ أبلغُ في التَّنقية، ثُمَّ يُدْبِر، ثُمَّ يُقْبِلُ للمبالغة، وإنِّما قَيَّدَ بالرَّجل؛ لأنَّ المرأة تُدْبِرُ بالأَوَّل أبداً؛ لئلا يتلوَّثَ فرجُها، والصَّيفُ والشِّتاء في ذلك سواء.

(وغسلُهُ

(6)

بعد الحجرِ أدب، فيغسلُ يديه، ثُمَّ يُرْخي المخرجَ بمبالغةٍ ويغسلُه

(1)

حاصله إنا نختار الشق الأول وندفع استثناء النوم بأن المراد بالحدث أعم من الحقيقي والتقديري والنوم وإن لم يكن حدثاً حقيقة لكنه حدث تقديراً، فيدخل النوم في الحدث، ويصح استثناؤه. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 142).

(2)

بل مستحب؛ جمعاً بين الأدلة، ينظر:«الدر المختار» (1: 225).

(3)

ينظر: «الزبد» وشرحها «مواهب الصمد» (ص 24).

(4)

زيادة من أ و ب و م.

(5)

زيادة من م.

(6)

أي يغسل بالماء إلى أن يقع في قلبه أنه طهر ما لم يكن موسوساً فيقدر بثلاث، هذا هو الصحيح، وقيل: يشترط الصب ثلاثاً، وقيل: سبعاً، وقيل: عشراً، وقيل: في الإحليل ثلاثاً وفي المِقْعدة خمساً. ينظر: «رد المحتار» (1: 225).

ص: 101

ببطنِ أُصْبَع، أو أُصْبَعين، أو ثلاثٍ لا برؤسِها، ثُمَّ يَغْسِلُ يديه ثانياً، ويَجِبُ الغَسْلُ في نَجَسٍ جاوزَ المخرجَ أكثرَ من درهم، ولا يستنجي بعظم، وروث، وطعام، ويمين. وكُرِهَ استقبالُ القبلةِ واستدبارُها في الخلاء.

ببطنِ أُصْبَع، أو أُصْبَعين، أو ثلاثٍ لا برؤسِها، ثُمَّ يَغْسِلُ يديه ثانياً، ويَجِبُ الغَسْلُ

(1)

في نَجَسٍ جاوزَ المخرجَ

(2)

أكثرَ من درهم)، هذا مذهبُ أبي حنيفة، وأبي يوسفَ رضي الله عنه، وهو أن يكونَ ما تجاوزَ أكثر من قدر

(3)

درهم

(4)

، وعند محمَّد رضي الله عنه يُعْتَبَرُ ما تجاوز

(5)

المخرج

(6)

مع موضعِ الاستنجاء

(7)

.

(ولا يستنجي بعظم، وروث

(8)

، وطعام

(9)

، ويمين.

وكُرِهَ

(10)

استقبالُ القبلةِ واستدبارُها في الخلاء) ولا يختلفُ هذا عندنا في البنيان، والصحراء. (والله أعلم)

(11)

.

(1)

زيادة من م.

(2)

لأن ما على المخرج ساقط شرعاً، وإن كثير، ولهذا لا تكره الصلاة معه. ينظر:«الدر المختار» (1: 226).

(3)

زيادة من أ و ب.

(4)

لأن ما على المخرج إنما اكتفي منه بغير الغسل للضرورة، ولا ضرورة في المجاوزة. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 273)، وقولهما هو الصحيح، ينظر:«رد المحتار» (1: 226).

(5)

في م: يتجاوز.

(6)

زيادة من أ.

(7)

بناءً على أن ما على المخرج في حكم الظاهر عنده، فلا يسقط اعتباره ويضم؛ لأن العفو عنه لا يستلزم كونه في حكم الباطن. ينظر:«رد المحتار» (1: 226).

(8)

لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها، فقال: «من هذا، فقال: أنا أبو هريرة، فقال: ابغني أحجاراً أستنفض بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة، فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت حتى إذا فرغ مشيت، فقلت: ما بال العظم والروثة، قال: هما من طعام الجنِّ

» في «صحيح البخاري» (3: 1401).

(9)

زيادة من ب و س و م. والعبارة في م: وطعام وروث.

(10)

أي تحريماً. ينظر: «الدر المختار» (1: 228).

(11)

زيادة من ج و ف.

ص: 102

‌كتاب الصلاة

[فصل في أوقات الصلاة]

الوقتُ للفجرِ من الصُّبْح المُعْتَرضِ إلى طُلُوعِ ذُكاء، وللظُّهْرِ من زوالِها إلى بلوغِ ظلِّ كُلِّ شيءٍ مِثْلَيْه سوى فَيءِ الزَّوال

كتاب الصلاة

[فصل في أوقات الصلاة]

(الوقتُ للفجرِ من الصُّبْح المُعْتَرضِ

(1)

إلى طُلُوعِ ذُكاء)

(2)

، احترزَ بالمعترضِ عن المستطيل، وهو الصُّبْحُ الكاذب

(3)

.

(وللظُّهْرِ من زوالِها إلى بلوغِ ظلِّ كُلِّ شيءٍ مِثْلَيْه سوى فَيءِ الزَّوال

(4)

) لا بُدَّ ها هنا من معرفةِ وقتِ الزَّوال، وفيء الزَّوال، وطريقُهُ أن تسوي الأرضَ بحيث لا يكون بعضُ جوانبِها مُرْتفِعاً وبعضُها منخفضاً: إمِّا بصبِّ الماء، أو بنصبِ موازينِ المقنّنين

(5)

،

(1)

أي المنتشر في الأفق يمنة ويسرى، وهو الصبح الثاني، ويسمَّى بالصبح الصادق؛ لأنه أصدق ظهوراً من المستطيل، ويسمى الصبح الأول؛ لأنه أول نور يظهر كذَنَب السِرْحان؛ لدقته واستطالته، ولأن الضوء في أعلاه دون أسفله، وبالصبح الكاذب؛ لأنه يعقبه ظلمة. ينظر:«حاشية الطحطاوي على الدر المختار» (1: 173).

(2)

ذُكاء: بالضم غير مصروف، اسم للشمس غير معرفة لا تدخلها الألف واللام، تقول: هذه ذكاء طالعة. ينظر: «الصحاح» (1: 442).

(3)

لحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغرنَّكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير ـ أي ينتشر وينبسط ـ هكذا» ، وحكاه حماد: بيديه، قال: يعني معترضا. في «صحيح مسلم» (2: 770) واللفظ له، و «صحيح ابن خزيمة» (3: 210)، و «جامع الترمذي» (3: 86).

(4)

فيء الزوال هو الظلّ الذي يكون للأشياء وقت زوال الشمس. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 177).

(5)

وهم الذين يحفرون القناة، وموازينهم آلاتهم يعرفون بها تسوية الأرض وعدمها، فمنها الشاقول. ينظر:«ذخيرة العقبى» (1: 144).

ص: 103

....................................................................

وترسمُ عليها دائرة، وتسمَّى بالدَّائرةِ الهنديَّة

(1)

، ويُنْصَبُ في مركزِها مِقياسٌ قائمٌ بأن يكون بُعْدُ رأسِهِ عن ثلاثِ نُقَطِ من محيطِ الدَّائرةِ متساوياً

(2)

، ولتكن قامتُهُ بمقدارِ رُبْعِ قطر الدَّائرة

(3)

.

فرأسُ ظلِّه في أوائلِ النَّهار خارجٌ عن الدَّائرة، لكنَّ الظِّلَّ ينقصُ إلى أن يدخلَ في الدَّائرة، فتضعَ علامةً على مدخلِ الظِّلِ من محيطِ الدَّائرة، ولا شَكَّ أن الظِّلَّ ينقصُ إلى حدٍّ ما، ثُمَّ يزيدُ إلى أن ينتهي إلى محيطِ الدَّائرة، ثُمَّ يخرجُ منها، وذلك بعد نصفِ النَّهار، فتضعُ علامةً على مخرجِ الظِّلّ، فَتُنَصِّفُ القوسَ التي ما بين مدخلِ الظِّلِّ ومخرجِه، وترسمُ خطاً مستقيماً من منتصفِ القوسِ إلى مركزِ الدَّائرة، مُخْرَجاً إلى الطَّرف الآخرِ من المحيط، فهذا الخط، هو خطُّ نصفِ النَّهار، فإذا كان ظلُّ المقياسِ على هذا الخطّ، فهو نِصْفُ النَّهار، والظِّلُّ الذي في هذا الوقت هو فَيءُ الزَّوال، فإذا زالَ الظِّلُّ من هذا الخطّ، فهو وقتُ الزَّوال، وذلك أوَّل وقتِ الظُّهر.

وآخرُهُ إذا صارَ ظِلُّ المِقياس مثليّ المِقياس سوى فَيءِ الزَّوال مثلاً، إذا كان فَيءُ الزَّوال مقدارُ ربعِ المقياس، فآخرُ وقتِ الظُّهر أن يصيرَ ظلُّه مثليّ المِقياس وربعَه

(4)

، هذا في

(1)

لأن أول مَن استخرج هذه الدائرة وبنى الأحكام عليها حكماء الهند؛ لذا سميت بالدائرة الهندية. ينظر: «العمدة» (1: 145).

(2)

وذلك لتأكد من أن المقياس قائمٌ، فإنه إذا كان بعده عن ثلاث نقط من نقط المحيط التي في ثلاث جوانب الدائرة متساوياً، كان البعد متساوياً من جميع الجهات، فيعلم انه قائم على الاستقامة دون ميلان. كذا في «ذخيرة العقبى» (ص 71).

(3)

إنما اشترط هذا مع أن الواجب أن يكون بمقدار يكون ظله أقصر من نصف قطر الدائرة لتمييز دخوله وخروجه؛ لأن وجود الفيء في أكثر الأقاليم لا يتصور إلا فيه. ينظر: «العمدة» (1: 145).

(4)

وهناك طرق أخرى يمكن بها معرفة ذلك، ففي «المحيط البرهاني» (ص 65 - 66) عن أبي حنيفة رضي الله عنه: أنه ينظر إلى القرص، فما دام في كبد السماء، فإنها لم تزل، فإذا انحطت يسيراً فقد زالت. وعن محمد رضي الله عنه: أن يقوم الرجل مستقبل القبلة، فإذا مالت الشمس عن يساره، فهو الزوال. وقيل: أن يغرز خشبة مستوية في أرض مستوية قبل زوال الشمس، ويخط في مبلغ ظلها علامة، فإن كان الظل يقصر عن العلامة، فاعلم أن الشمس لم تزل؛ لأن ظل الأشياء يقصر إلى زوال الشمس، وإن كان الظل يطول وتجاوز الخط فاعلم بأن الشمس قد زالت، وإن امتنع الظل عن القصر ولم يأخذ في الطول، فهذا هو وقت الزوال، وهو الظل الأصلي. انتهى. قال الشيخ وهبي سليمان غاوجي في «التعليق الميسر على ملتقى الأبحر» (1: 55): قول محمد رضي الله عنه يصح إذا كانت القبلة إلى جهة الجنوب ينظر: المدينة المنورة وبلاد الشام، والله أعلم.

ص: 104

وللعصر منه إلى غيبتِها، وللمغربِ منه إلى مغيبِ الشَّفَق، وهو الحمرةُ عندهما، وبه يُفْتَى

رواية عن أبي حنيفة

(1)

رضي الله عنه.

وفي روايةٍ أخرى عنه

(2)

، وهو قولُ أبي يوسف ومحمَّد والشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنهم: إذا صارَ ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَه سوى فَيءِ الزَّوال.

(وللعصر منه إلى غيبتِها) فوقتُ العصرِ من آخر وقتِ الظُّهرِ على القولينِ إلى أن تغيبَ الشَّمس

(4)

.

(وللمغربِ منه

(5)

إلى مغيبِ الشَّفَق، وهو الحمرةُ عندهما، وبه يُفْتَى)

(6)

، وعند

(1)

واختار هذه الرواية أصحاب المتون كالنسفي في «الكَنْز» (ص 8)، و «المختار» (1: 52)، و «غرر الأحكام» (1: 51)، وصححه صاحب «المراقي» (ص 202)، و «البحر» (1: 257 - 258)، وفيه: قال في «البدائع» : أنها المذكورة في الأصل، وهو الصحيح، وفي «النهاية»: إنها ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، وفي «غاية البيان»: وبها أخذ أبو حنيفة وهو المشهور عنه، وفي «الينابيع»: وهو الصحيح، وفي «تصحيح قاسم»: إن برهان الشريعة المحبوبي اختاره وعوَّل عليه النسفي، ووافقه صدر الشريعة، ورجح دليله، وفي «الغياثية»: وهو المختار، وصححها الكرخي ينظر:«المحيط» (ص 67).

(2)

اختارها الطحاوي في «مختصره» (ص 23)، واستظهره الشرنبلالي في «حاشيته على الدرر» (1: 51)، واختاره صاحب «الدر المختار» (ص 240)، وقال: وفي «غرر الأذكار» وهو المأخوذ به، وفي «البرهان»: وهو الأظهر لبيان جبريل، وهو نص في الباب، وفي «الفيض»: وعليه عمل الناس اليوم وبه يفتى.

واستحسن صاحب «رد المحتار» (1: 240) أن الاحتياط أن لا يؤخر الظهر إلى المثل، وأن لا يصلي العصر حتى يبلغ المثلين؛ ليكون مؤدياً للصلاتين في وقتهما بالاجماع. وينظر:«فتح القدير» (1: 193)

(3)

ينظر: «المنهاج» (1: 121).

(4)

قال شيخ الإسلام التفتازاني: المعتبر في غروب الشمس سقوط قرص الشمس، وهذا ظاهر في الصحراء، وأما في البنيان وقلل الجبال ـ أي أعلاها ـ فبأن لا يرى شيء من شعاعها على أطراف البنيان وقلل الجبال، وأن يقبل الظلام من المشرق. ينظر:«العمدة» (1: 147).

(5)

أي من الغروب.

(6)

وقال الحصكفي في «الدر المنتقى» (1: 70)، و «الدر المختار» (1: 241): هو المذهب، وقال صاحب «رمز الحقائق» (1: 29)، و «المراقي» (ص 204)، و «المواهب» (ق 19/أ): وعليه الفتوى، وقال صاحب «الجوهرة النيرة» (1: 41): قولهما أوسع للناس وقوله أحوط. واختاره صاحب «الهدية العلائية» (ص 54).

ص: 105

وللعشاءِ منه، وللوترِ ممَّا بعد العشاءِ إلى الفجرِ لهما. يستحبُّ للفجرِ البدايةُ مسفراً بحيث يمكنُهُ ترتيلُ أربعين آية، أو أكثر، ثُمَّ إعادتُهُ إن ظَهَرَ فسادُ وضوئِه، والتَّأخيرُ لظهرِ الصَّيف، وللعصرِ ما لم تتغيَّرِ الشَّمس، وللعشاءِ إلى ثُلُثِ اللَّيل، وللوترِ إلى

أبي حنيفةَ الشَّفَقُ هو البياض

(1)

.

(وللعشاءِ منه، وللوترِ ممَّا بعد العشاءِ

(2)

إلى الفجرِ لهما): أي للعشاء، والوتر.

(يستحبُّ للفجرِ البدايةُ مسفراً

(3)

بحيث يمكنُهُ ترتيلُ أربعين آية، أو أكثر، ثُمَّ إعادتُهُ إن ظَهَرَ فسادُ وضوئِه)، قال صلى الله عليه وسلم:«أَسْفِرُوا بِالفَجْرِ، فَإنَّهُ أَعْظَمُ للأَجْرِ»

(4)

.

(والتَّأخيرُ لظهرِ الصَّيف)، في «صحيح البُخَارِيّ»:«أَبْرِدُوا بِالصَّلاة، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّم»

(5)

، (وللعصرِ ما لم تتغيَّرِ الشَّمس

(6)

، وللعشاءِ إلى ثُلُثِ اللَّيل، وللوترِ إلى

(1)

اختاره صاحب «الكنْز» (ص 9)، و «الملتقى» (ص 10)، و «الغرر» (1: 51)، و «الفتح» (1: 196)، و «البحر» (1: 258 - 259)، والطحاوي في «مختصره» (ص 23).

ومن المشايخ من قال: ينبغي أن يؤخذ بقولهما في الصيف وبقوله في الشتاء، ينظر:«الدر المنتقى» (1: 71). قال صاحب «التعليقات المرضية على الهدية العلائية» (ص 54): بين الحمرة والبياض ينظر: الفجر الصادق والكاذب قدر ثلاث درجات أي 12 دقيقة.

(2)

هذا عندهما؛ لأن الوتر عندهما سنة فهو من توابع العشاء، وأما عنده فالوتر فرض عملي، فوقت الوتر والعشاء واحد؛ لأن الوقت إذا جمع فرضين كان لهما كقضاء وأداء، وإنما امتنع تقديم الوتر على العشاء عند التذكر لوجوب الترتيب، وثمرة الخلاف تظهرُ فيمن صلَّى الوتر قبل العشاء ناسياً، أو صلاهما مُرتبتين، ثم ظهر فساد العشاء دون الوتر، فعند أبي حنيفة رضي الله عنه تعاد العشاء وحدها؛ لأن الترتيب يسقط بمثل هذا العذر، وعندهما يعاد الوتر أيضاً؛ لأنه تبعٌ للعشاء، فلا يصح قبلها. كذا في «فتح باب العناية» (1: 182)، و «عمدة الرعاية» (1: 148).

(3)

مسفراً: من أسفر الصبح إذا انكشف وأضاء إضاءةً لا يشك فيه. ينظر: «اللسان» (3: 2026).

(4)

من حديث رافع بن خديج وأبي هريرة وبلال وأنس وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم في «صحيح ابن حبان» (4: 357)، و «جامع الترمذي» (1: 289)، وقال: حسن صحيح، و «سنن النسائي» (1: 478)، و «مجمع الزوائد» (1: 315)، و «الآحاد والمثاني» (1: 178)، و «المعجم الكبير» (4: 289)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (1: 284)، و «شرح معاني الآثار» (1: 178)، وغيرها، وينظر:«الدراية» (1: 103 - 104).

(5)

في «صحيح البخاري» (3: 1189)، و «صحيح مسلم» (1: 430)، و «صحيح ابن خزيمة» (1: 170).

(6)

سقطت من س و ص.

ص: 106

آخرِ وقتِهِ لِمَنْ وَثِقَ بالانتباه فحسب، والتَّعجيلُ لظهرِ الشِّتاء، والمغرب، ويومُ غَيْم يعجِّلُ العصرَ والعشاء، ويؤَخِّرُ غيرَهما.

[فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة]

ولا يجوزُ صلاة، وسجدةُ تلاوة، وصلاةُ جنازة عند طلوعِها، وقيامِها، وغروبِها إلاَّ عصرَ يومِه

(آخرِ وقتِهِ)

(1)

لِمَنْ وَثِقَ بالانتباه فحسب، والتَّعجيلُ لظهرِ الشِّتاء، والمغرب، ويومُ غَيْم يعجِّلُ العصرَ والعشاء، ويؤَخِّرُ غيرَهما

(2)

.

[فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة]

ولا يجوزُ صلاة، وسجدةُ تلاوة، وصلاةُ جنازة عند طلوعِها، وقيامِها، وغروبِها إلاَّ عصرَ يومِه)، فقد ذُكِرَ في كتبِ أصول الفقه

(3)

أنَّ الجزءَ المُقارنَ للأداءِ سببٌ لوجوبِ الصَّلاة، وآخرُ وقتِ العصر، وقتٌ ناقص، إذ هو وقتُ عبادةِ الشَّمْس، فوجبَ ناقصاً، فإذا أدَّاه أدَّاه كما وجب، فإذا اعترضَ الفسادُ بالغروبِ لا تفسد، وفي الفجرِ كلُّ وقتِه وقتٌ كامل؛ لأنَّ الشَّمسَ لا تعبدُ قبلَ الطُّلوع، فوجبَ كاملاً، فإذا اعترضَ الفسادُ بالطَّلوع تفسد؛ لأنَّه لم يؤدِّها كما وَجَب

(4)

.

فإن قيل: هذا تعليلٌ في معرضِ النَّص، وهو قولُه صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الفَجْرِ

(1)

في أ و ب و ج و س و ص و ف: آخره.

(2)

لأن في تأخير العشاء تقليل الجماعة على اعتبار المطر، وفي تأخير العصر توهم وقوعه في الوقت المكروه، فلذلك يستحب تعجيلهما، ولا كذلك في باقي الصلوات، فيؤخِّر حذاراً عن وقوعه قبل الوقت. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 149). و «رد المحتار» (1: 247).

(3)

ينظر: «التوضيح» (1: 206)، و «تغيير التنقيح» لابن كمال باشا (1: 128)، و «مرآة الأصول» (1: 134 - 135)، و «شرح المنار» لابن ملك (ص 59 - 60)، و «شرح المنار» لابن العيني (ص 60).

(4)

ويمكن أيضاً أن يجاب عن إشكال الفجر بأن العصر يخرج إلى ما هو وقت الصلاة في الجملة بخلاف الفجر أو بأن في الطلوع دخولاً في الكراهة، وفي الغروب خروجاً عنها. ينظر:«التلويح» (1: 207).

ص: 107

وكُرِهَ النَّفلُ إذا خرجَ الإمامُ لخطبِة الجُمُعة، وبعد الصُّبْح إلاَّ

قَبْلَ الطُّلُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ الفَجْر، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوبِ فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْر»

(1)

.

قلنا: لَمَّا وقعَ التَّعارض بين هذا الحديث، وبين النَّهى الواردِ

(2)

عن الصَّلاة في الأوقات الثَّلاثة رجعنا إلى القياسِ كما هو حُكْمُ التَّعارض

(3)

، إذِ القياسُ يُرَجِّحُ هذا الحديثَ في صلاةِ العصر، وحديثُ النَّهي في صلاة الفجر، وأمَّا سائر الصَّلوات فلا تجوز في الأوقاتِ الثَّلاثة لحديثِ النَّهي إذ لا معارضَ لحديث النَّهي فيها.

(وكُرِهَ النَّفلُ

(4)

إذا خرجَ الإمامُ لخطبِة الجُمُعة، وبعد الصُّبْح إلاَّ

(1)

في «صحيح البخاري» (1: 204)، و «صحيح مسلم» (1: 424)، ولفظه عند مسلم: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«مَن أدركَ ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغربَ الشمسُ فقد أدرك العصر» .

(2)

لما روى عقبة بن عامر الجهني قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهنّ، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» في «صحيح مسلم» (1: 568)، و «صحيح ابن حبان» (3: 348)، و «سنن الترمذي» (3: 348)، و «سنن أبي داود» (3: 208)، وغيرهم.

ولما روى أبو سعيد الخدري، يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس» في «صحيح البخاري» (1: 213)، و «صحيح مسلم» (1: 567)، واللفظ له، و «صحيح ابن خزيمة» (3: 45)، و «صحيح ابن حبان» (4: 348)، غيرهم، وللوقوف على باقي الأحاديث الواردة في النهي. ينظر:«إعلاء السنن» (2: 51 - 67)

(3)

إذا أنهما تساقطا فيصار إلى ما بعدهما من الحجة، ينظر:«المنار» (ص 18)، و «التوضيح» (2: 104)، و «شرح المنار» لابن ملك (ص 227)، و «شرح المنار» لابن العيني (ص 227)، و «إفاضة الأنوار على أصول المنار» (ص 192)، و «نسمات الأسحار على إفاضة الأنوار» (ص 192 - 193).

(4)

أي تحية المسجد وسنة الجمعة، وذلك هو المروي عن علي، وابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن المسيب رضي الله عنهم أنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1: 448، 458)، وأخرج محمد في «الموطأ» (1: 603) عن الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك: أنهم كانوا زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر

. وهذه الكراهة من حين خروج الإمام: أي من بيته المتصل بالمسجد، أو من بيت أعد له في المسجد على حدة، أو صعوده على المنبر للخطبة إلى تمام صلاته. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 150).

ص: 108

سنَّتَه، وبعد أداءِ العصرِ إلى أداءِ المغرب، وصحَّ الفوائت، وصلاةُ الجنازة، وسجدةُ التَّلاوة في هذين الوقتين، ولا يُجمعُ فرضان في وقتٍ بلا حجّ، ومن طَهُرَتْ في وقتِ عصر، أو عشاء صلَّتْهما فقط، ومَن هو أهل فرضٍ في آخرِ وقتِهِ يقضيه لا مَن حاضَتْ فيه

سنَّتَه

(1)

، وبعد أداءِ العصرِ إلى أداءِ المغرب، وصحَّ الفوائت، وصلاةُ الجنازة، وسجدةُ التَّلاوة في هذين الوقتين)، أي بعد الصُّبْحِ وبعد أداء العصرِ إلى أداء المغرب، لكنَّها تُكْرَهُ في الأوَّل، وهو ما إذا خرجَ الإمامُ للخطبة

(2)

.

(ولا يُجمعُ فرضان في وقتٍ بلا حجّ)، وفيه خلاف الشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه. (ومن طَهُرَتْ في وقتِ عصر، أو عشاء صلَّتْهما فقط) خلافاً للشَّافِعِيّ

(4)

رضي الله عنه، فإن عنده مَن طَهُرَتْ في وقتِ العصرِ صلَّتْ الظُّهْرَ أيضاً، ومَن طَهُرَتْ في وقتِ العشاءِ صلَّت المغربَ أيضاً، فإن وقتَ الظُّهْرِ والعصرِ عنده كوقتٍ واحد، وكذا وقتُ المغربِ والعشاء، ولهذا يجوزُ الجمعُ عندَهُ في السَّفَر.

(ومَن هو أهل فرضٍ في آخرِ وقتِهِ يقضيه لا مَن حاضَتْ فيه) يعني إذا بلغَ الصَّبيّ، أو أسلمَ الكافرُ في آخر الوقت، ولم يبقَ من الوقتِ إلاَّ قدرُ التَّحريمةِ يجبُ عليه قضاءُ صلاةِ ذلك الوقت

(5)

خلافاً لزُفَرَ رضي الله عنه، ومَن حاضَتْ في آخر الوقت لا يجبُ عليها قضاءُ صلاةِ ذلك الوقتِ خلافاً للشَّافِعِيّ

(6)

رضي الله عنه.

(1)

لشغل الوقت به تقديراً حتى لو نوى تطوعاً كان سنة الفجر بلا تعيين؛ لأن الصحيح المعتمد عدم اشتراط التعيين في السنن الرواتب، بل تصح بنية النفل ومطلق النية. ينظر:«الدر المختار» وحاشيته «رد المحتار» (1: 251).

(2)

إلا إذا كانت الفائتة واجبة الترتيب فلا تكره. ينظر: «الدر المختار» (1: 252).

(3)

ينظر: «التنبيه» (ص 30).

(4)

ينظر: «المنهاج» (1: 132).

(5)

لأن آخر الوقت هو المعتبر في السببية عند عدم الأداء في أول الوقت، فمن كان أهلاً فيه وجب عليه فرض ذلك الوقت، ومن لم يكن أهلاً فيه سقط عنه. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 196).

(6)

ينظر: «المنهاج» وشرحه «مغني المحتاج» (1: 132).

ص: 109

‌باب الأذان

هو سُنَّةٌ للفرائضِ فَحَسْبُ في وقتِها، فيعادُ لو أذَّنَ قبلَه، ويؤذِّنُ عالماً بالأوقات لينالَ الثَّواب

باب الأذان

(هو سُنَّةٌ للفرائضِ فَحَسْبُ

(1)

في وقتِها): أي هو سُنَّةٌ للفرائض الخمس والجُمُعة، وليس بسُنَّةٍ في النَّوافل، وقولُهُ: في وقتِها، احترازٌ عن الأذانِ قبلِ الوقت، وعن الأذان بعد الوقت؛ لأجل الأداء، فأمَّا الأذانُ بعد الوقتِ للقضاء، فهو مسنونٌ أيضاً، ولا

(2)

يَرِدُ إشكالٌ

(3)

؛ لأنَّه في وقتِ القضاء، ولا يضرُّ كونُهُ بعد وقتِ الأداء؛ لأنَّه ليس للأداء، بل للقضاءِ في وقتِه، قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا»

(4)

، وعند

(5)

أبي يوسف والشَّافِعيِّ

(6)

رضي الله عنهم يجوزُ للفجرِ في النِّصفِ الأخيرِ

من اللَّيل.

(فيعادُ لو أذَّنَ قبلَه

(7)

، ويؤذِّنُ عالماً بالأوقات لينالَ الثَّواب): أي الثَّواب الذي

(1)

احترز عن الوتر وصلاة العيدين والكسوف والخسوف والتراويح والسنن والرواتب وغيرها. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 32).

(2)

في م: فلا.

(3)

لأن مراده ليس وقت الأداء فحسب، بل وقت ذلك الفرض الذي يؤديه أداء كان أو قضاء، والوقت الذي يقضى فيه الصلاة وإن لم يكن وقتاً لأدائها، لكنها وقت للقضاء البتة، فصدق أن الأذان في وقت الفرض المؤدى؛ لأنه ليس إلا للقضاء لا للأداء، فهو في وقته. ينظر:«السعاية» (2: 10).

(4)

روي الحديث بألفاظ مختلفة في «صحيح البخاري» (1: 215)، و «صحيح مسلم» (1: 471)، و «سنن الدارمي» (1: 305)، و «مسند أبي عوانة» (1: 70)، و «المنتقى» (1: 70)، بدون زيادة «فإن ذلك وقتها» ، ورواها الدارقطني في «سننه» (1: 423)، والبيهقي في «سننه الكبير» (2: 219) عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «فوقتها إذا ذكرها» ، قال ابن حجر في «تلخيص الحبير» (1: 155) عن هذه الزيادة: ضعيفة جداً، وقال ابن الملقن «خلاصة البدر المنير» (1: 70) عنها: ضعيفة.

(5)

في ص و ف و م: وعن.

(6)

ينظر: «التنبيه» (ص 20).

(7)

أي قبل وقت الأداء؛ لعدم الاعتداد بما قبله. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 200).

ص: 110

مستقبل القبلة، وأُصْبَعاهُ في أُذُنَيه، و يَتَرَسَّلُ فيه، بلا لَحْنٍ وترجيع، ويُحَوِّلُ وجهَهُ في الحَيْعلتيْن يَمْنةً ويَسْرة، ويَسْتَدْيرُ في صومعتِهِ إن لم يمكنْ التَّحويل مع الثَّبات في مكانِه ويقولُ: بعد فلاحِ الفجرِ الصَّلاة خيرٌ من النَّوم مرَّتين، والإقامةُ مثلُه

وُعِدَ للمؤذِّنين، (مستقبل القبلة

(1)

، وأُصْبَعاهُ في أُذُنَيه

(2)

، و يَتَرَسَّلُ فيه): أي يتمهَّل

(3)

، (بلا لَحْنٍ وترجيع): لَحَّنَ في القراءة: طربَ وتَرَنَّمَ، مأخوذٌ من ألحان الأغاني

(4)

، فلا يُنْقِصُ شيئاً من حروفِه، ولا يزيد في أثنائِه حرفاً، وكذا لا يُنْقِص، ولا يزيدُ من كيفياتِ الحروف، كالحركاتِ والسَّكنات، والمدَّات، وغيرِ ذلك؛ لتحسين الصَّوت، فأمَّا مجرَّدُ تحسينِ الصَّوتِ بلا تغييرِ لفظٍ فإنَّه حَسَن، والتَّرجيعُ في الشَّهادتين أن يخفضَ بهما، ثُمَّ يرفعُ الصَّوت بهما.

(ويُحَوِّلُ وجهَهُ في الحَيْعلتيْن يَمْنةً ويَسْرة

(5)

، ويَسْتَدْيرُ في صومعتِهِ

(6)

إن لم يمكنْ التَّحويل مع الثَّبات في مكانِه): المرادُ أنَّه إذا كان المئذنة

(7)

بحيث لو حوَّلَ وجهَهُ مع ثباتِ قدميه لا يحصلُ الإعلام، فحينئذٍ يستديرُ فيها، فيخرجُ رأسَهُ من الكَوَّة

(8)

اليُمْنى، ويقول: حيِّ على الصَّلاة ثُمَّ يذهبُ إلى الكَوَّة اليُسرى، ويُخْرِجُ رأسَه، ويقول: حيَّ على الفلاح.

(ويقولُ: بعد فلاحِ الفجرِ الصَّلاة خيرٌ من النَّوم مرَّتين، والإقامةُ مثلُه) خلافاً

(1)

ويكره تركه تنْزيهاً، ولو قدَّم في الأذان والإقامة مؤخراً أعاد ما قدَّم فقط، كما لو قد الفلاح على الصلاة يفيده فقط ولا يستأنف الأذان من أوله. ينظر:«رد المحتار» (1: 260).

(2)

أي يجعل أصبعيه في صماخ أذنيه، فأذانه بدونه حسن، وبه أحسن. ينظر:«الدر المختار» (1: 260).

(3)

بأن يفصل بين كل جملتين منه بسكتة يسع فيه الإجابة. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 202).

(4)

ينظر: «اللسان» (6: 4013).

(5)

ولو وحده أو لمولود؛ لأنه سنة الأذان مطلقاً. ينظر: «الدر المختار» (1: 259).

(6)

أي المنارة، وفي الأصل هي منارة الرَّاهب التي يتعبد بها فيها. كذا في «رمز الحقائق» (1: 32).

(7)

في «الطبقات الكبرى» لابن سعد (8: 419): عن أم زيد بن ثابت: كان بيتي أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده، فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد وقد رفع له شيء فوق ظهره. قال السيوطي في «الوسائل إلى معرفة الأوائل» (ص 27): أول من رقى منارة بمصر للأذان شرحبيل بن عامر المرادي، وبنى مسلمة المنائر للأذان بأمر معاوية، ولم تكن قبل ذلك.

(8)

الكَوَّة: الخرق في الحائط. ينظر: «اللسان» (6: 3964).

ص: 111

لكن يَحْدِرُ فيها، ويقولُ بعد فلاحِها: قد قامت الصَّلاةُ مرَّتين، ولا يتكلَّمُ فيهما، واستحسنَ المتأخِّرونَ تثويبَ الصَّلاةِ كلِّها، ويجلسُ بينَهما إلاَّ في المغرب، ويؤذِّنُ للفائتة، ويقيم

للشَّافِعِيِّ

(1)

رضي الله عنه فإن عنده الإقامةُ فُرادَى إلاَّ قد قامَت الصَّلاة. (لكن يَحْدِرُ

(2)

فيها، ويقولُ بعد فلاحِها: قد قامت الصَّلاةُ مرَّتين، ولا يتكلَّمُ فيهما): أي لا يتكلَّمُ في أثناءِ الأذان، ولا في أثناءِ الاقامة.

(واستحسنَ المتأخِّرونَ تثويبَ الصَّلاةِ كلِّها)

(3)

، التَّثويبُ

(4)

هو الإعلامُ بعد الإعلام

(5)

.

(ويجلسُ بينَهما

(6)

إلاَّ في المغرب، ويؤذِّنُ للفائتة، ويقيم): أي إذا صلَّى فائتة

(1)

ينظر: «المنهاج» (1: 136).

(2)

حدر في قراءته وفي أذانه: أسرع. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 126).

(3)

قال التُّمُرْتَاشِيُّ في «منح الغفار في شرح تنوير الأبصار» (ق 1: 50/أ): أفادَ صاحبُ «الوقايةِ» بمفهومِهِ أنه ليسَ بمستحسنٍ عندَ المتقدِّمين، وهو كذلك. فقد صرَّح في «البحرِ» ، وغيرِه: أنه مكروهٌ عندهم في غيرِ الفجر، وهو قولُ الجمهور، كما حكاهُ النَّوَوِيُّ في «المجموع شرح المهذب» (3: 106). وأفادَ بإطلاقِهِ أنَّهُ لا يخصُّ شخصاً دون شخص، فالأميرُ وغيرُهُ سواء، وهو قولُ محمَّد.

(4)

اختلف الفقهاء في التثويب على ثلاثة أقوال:

الأول: أنه يكره في جميع الصلوات إلا الفجر؛ لكونه وقت نوم وغفلة.

الثاني: أنه يجوز للأمراء ولكل من كان مشغولاً بمصالح المسلمين كالقاضي والمفتي، وهو ما قاله أبو يوسف واختاره قاضي خان.

والثالث: ما اختاره المتأخرون أن التثويب مستحسن في جميع الصلوات لجميع الناس؛ لظهور التكاسل في أمور الدين ولا سيما في الصلاة. وتفصيل الأقوال وأدلتها في «التحقيق العجيب في التثويب» .

(5)

ويكون التثويب بما تعورف كتنحنح، أو قامت قامت، أو الصلاة الصلاة، ولو أحدثوا إعلاماً مخالفاً لذلك جاز. ينظر:«رد المحتار» (1: 261).

(6)

ليس المراد به خصوص الجلوس، بل الفصل بين الأذان والإقامة مقدار ما يحضر القوم ويصلون السنن مع مراعاة الوقت المستحب، أما في المغرب فقال أبو حنيفة: الأفضل أن لا يجلس فيه، بل يكتفي فيه بالسكوت بمقدار ثلاث آيات قصار أو ثلاث خطوات؛ لئلا يلزم تأخير المغرب المنهي عنه، وقالا: يجلس بينهما جلسة خفيفة كجلسة الخطيب. ينظر: «السعاية» (2: 28).

ص: 112

وكذا لأولى الفوائت، ولكلِّ من البواقي يأتي بهما، أو بها. وجازَ أذانُ المحدث، وكُرِه إقامتُه، ولم تعاد، وكُرِه أذانُ الجُنُبِ وإقامتِه، ولا تعادُ هي، بل هو، كأذان المرأة، والمجنون، والسَّكران، ويأتي بهما المسافر، والمصلِّي في المسجدِ جماعة، أو في بيتِه في مصر، وكُرِه تَرْكُهما للأولين لا للثَّالِث

واحدة، (وكذا لأولى الفوائت): أي إذا صلَّى فوائتَ كثيرة، (ولكلِّ من البواقي يأتي بهما، أو بها

(1)

.

وجازَ أذانُ المحدث، وكُرِه إقامتُه

(2)

، ولم تعاد، وكُرِه أذانُ الجُنُبِ وإقامتِه، ولا تعادُ هي، بل هو)؛ لأنه لم يُشْرَعْ تكرارُ الإقامة؛ لأنَّها لإعلام الحاضرين، فتكفي الواحدة، والأذانُ لإعلامِ الغائبين، فيحتملُ سماعُ البعضِ دون البعض، فتكرارُه مفيد. (كأذان المرأة

(3)

، والمجنون، والسَّكران)

(4)

: أي يُكْرَه، ويستحبُّ إعادتُه.

(ويأتي بهما المسافر، والمصلِّي في المسجدِ جماعة، أو في بيتِه في مصر، وكُرِه تَرْكُهما للأولين لا للثَّالِث): أي كُرِهَ (تركُهما: أي)

(5)

تركُ كلِّ واحدٍ منهما للمسافر، والمصلِّي في المسجدِ جماعة، أمَّا تركُ واحدٍ منهما، فلم يذكره، فنقول: أمَّا المصلِّي في المسجدِ جماعة، فيكرَهُ له تركُ واحدٍ منهما، وأمَّا المسافر فيجوزُ له الاكتفاءُ بالإقامة.

و (أمَّا)

(6)

المصلِّي في بيتِهِ في مصرٍ إن تَرَكَ كلاً منهما فيجوز

(7)

؛ لقولِ ابن مسعود رضي الله عنه:

(1)

في «الدر المختار» (1: 262): يخير في الأذان للباقي لو في مجلس، وفعله أولى، ويقيم للكل، وفي «نور الإيضاح» (1: 223): وكره ترك الإقامة دون الأذان في البواقي إن اتحدّ المجلس.

(2)

أي المحدث؛ لأن الإقامة لم تشرع إلا متصلة بصلاة المقيم، ولم يكره أذانه؛ لأنه ذكر يستحب فيه الطهارة، فلا يكره بدونها كقراءة القرآن، وقيل: يكره. ينظر: «فتح باب العناية» (ص 1: 208).

(3)

لأنه لم ينقل عن السلف حين كانت الجماعة مشروعة في حقهن، فيكون من المحدثات ولاسيما بعد انتساخ جماعتهن، ولأنها منهية عن رفع صوتها؛ لأنه يؤدي إلى الفتنة، وينبغي أن تكون الخنثى كالمرأة. ينظر:«التبيين» (1: 94)، و «البحر» (1: 277).

(4)

لعدم الوثوق بقولهما ولفقد تميزهما، فيتعين إعادة أذانهما وإقامتهما، وكذا يعاد أذان الصبي الذي لا يعقل. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 209).

(5)

زيادة من ص و ف و م.

(6)

زيادة من م.

(7)

ينظر: «درر الحكام» (1: 56 - 57).

ص: 113

ويقومُ الإمامُ والقومُ عند حيِّ على الصَّلاة، ويَشْرَعُ عند قد قامت الصَّلاة. والله أعلم.

‌باب شروط الصلاة

هي طهرُ بدنِ المصلِّي من حدثٍ وخبث، وثوبِه، ومكانِه، وسترُ عورتِه، واستقبالُ القبلة، والنِيَّة.

«أذان الحيِّ يكفينا»

(1)

، وهذا إذا أُذِّنَ وأقيمَ في مسجدِ حيِّه. وأمَّا في القرى: فإن كان فيها مسجدٌ فيه أذانٌ وإقامة، فَحُكْمُ المصلِّي فيها كما مرّ، والمصلِّي في بيتِهِ يكفيه أذان المسجد، وإقامتُه، وإن لم يَكُنْ فيها مسجد كذا، فمَن يُصلِّي في بيتِه حُكْمُه حُكْمُ المُسافر.

(ويقومُ الإمامُ والقومُ عند حيِّ على الصَّلاة، ويَشْرَعُ عند قد قامت الصَّلاة

(2)

. والله أعلم).

باب شروط الصلاة

(هي طهرُ بدنِ المصلِّي من حدثٍ وخبث)، الحدثُ: النَّجاسةُ الحكميَّة

(3)

، والخبثُ: النَّجاسة الحقيقية. (وثوبِه، ومكانِه، وسترُ عورتِه، واستقبالُ القبلة، والنِيَّة.

(1)

روي في «مصنف عبد الرزاق» (1: 512)، و «المعجم الكبير» (9: 257)، و «مجمع الزوائد» (2: 3) عن إبراهيم النخعي أن ابن مسعود: صلَّى بأصحابه في داره بغير إقامة، وقال: إقامة المصر تكفي وروى: أن ابن مسعود وعثمان والأسود صلَّوا بغير أذان ولا إقامة قال سفيان: كفتهم إقامة المصر. وينظر لمعرفة مزيد من الآثار في ذلك «مصنف ابن أبي شيبة» (1: 512)، و «نصب الراية» (1: 291)، و «الدراية» (1: 121).

(2)

هذا قول أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهم، واختاره صاحب «الملتقى» (ص 11)، قال الحلواني: هو الصحيح، وأما على قول أبي يوسف رضي الله عنه فيشرع بعد الفراغ من الصلاة، وفي «الخلاصة»: هو الأصح، واختاره ابن ملك في «شرح الوقاية» (ق 27/أ)، وابن كمال باشا في «الإيضاح» (ق 13/ب)، وقال الحصكفي في «الدر المنتقى» (1: 78): وهو أعدل المذاهب قاله ابن الساعاتي، وقال القاري في «فتح باب العناية» (1: 211): الجمهور على قول أبي يوسف ليدرك المؤذن أول صلاة الإمام، وعليه عمل أهل الحرمين. وذكر في «الخزانة»: أنه لو لم يشرع حتى فرغ من الإقامة فلا بأس به، والكلام في الاستحباب لا في الجواز. وينظر:«جامع الرموز» (1: 79).

(3)

النجاسة الحكمية: أي التي حكم الشارع بها، وثبت ذلك بجعلها كنجاسة الجنب والمحدث، والحقيقية: هي مصداق النجاسة حقيقة من غير احتياج إلى جعل الشارع كالغائط والبول ونحو ذلك. ينظر: «العمدة» (1: 156).

ص: 114

والعورةُ للرَّجل من تحتِ سرَّتِهِ إلى تحتِ ركبتِه، وللأمةِ مثلُهُ مع ظهرِها وبطنِها، وللحرَّةِ كلُّ بدنِها إلاَّ الوجهَ والكفَّ والقدم، وكشفُ ربعِ ساقِها وبطنِها، وفخذِها، ودُبُرِها، وشعرٍ نَزلَ من رأسِها، وربعِ ذَكَرِهِ منفرداً، و الأُنْثَيين يمنع، وعَادِمُ مُزيلِ النَّجسِ صلَّى معه، ولم يعد، فإن صلَّى عارياً وربعُ ثوبِهِ طاهرٌ لم يجز، وفي أقلَّ من ربعٍ الأفضلُ صلاتُهُ فيه، ومَن عَدِمَ ثوباً فصلَّى قائماً جاز، وقاعداً مومئاً نُدِب.

والعورةُ للرَّجل من تحتِ سرَّتِهِ

(1)

إلى تحتِ ركبتِه، وللأمةِ مثلُهُ مع ظهرِها وبطنِها، وللحرَّةِ كلُّ

(2)

بدنِها إلاَّ الوجهَ والكفَّ والقدم

(3)

، وكشفُ ربعِ ساقِها وبطنِها، وفخذِها، ودُبُرِها، وشعرٍ نَزلَ من رأسِها، وربعِ ذَكَرِهِ منفرداً، و الأُنْثَيين

(4)

يمنع)، فالحاصلُ أنَّ كشفَ ربعِ العضو الذي هو عورةٌ يمنعُ جوازَ الصَّلاة، فالرَّأسُ عضو، والشَّعرُ النَّازِلُ عضوٌ آخر، والذَّكرُ عضو، والأنثيان آخر

(5)

.

(وعَادِمُ مُزيلِ

(6)

النَّجسِ صلَّى معه، ولم يعد، فإن صلَّى عارياً وربعُ ثوبِهِ طاهرٌ لم يجز، وفي أقلَّ من ربعٍ الأفضلُ صلاتُهُ فيه، ومَن عَدِمَ ثوباً فصلَّى قائماً جاز، وقاعداً مومئاً نُدِب.

(1)

أي: ما تحت الخط الذي يمر بالسرّة ويدور على محيط بدنه بحيث يكون بعده عن موقعه في جميع جوانبه على السواء. ينظر: «رد المحتار» (1: 271).

(2)

ساقطة من ت و ج و ص و ف. وفي م: كلها.

(3)

اختلفوا في القدم على ثلاثة أقوال:

الأول: أنه ليس بعورة، للابتلاء بإبدائهما خصوصاً للفقيرات، اختاره المصنف، وصححه صاحب «الهداية» (1: 43)، و «المحيط» (ص 84)، و «التبيين» (1: 96)، وقال صاحب «مجمع الأنهر» (1: 81): وهو الأصح، وقال الحصكفي في «الدر المنتقى» (1: 81): وهو المعتمد من المذهب.

والثاني: أنه عورة، صححه قاضي خان في «فتاواه» (1: 134)، والأقطع، واختاره الاسبيجابي. كذا في «البناية» (2: 63)

والثالث: أنه ليس بعورة في الصلاة، وعورة خارجها، وصححه صاحب «الاختيار» (1: 63)، و «السراجية» (1: 47).

(4)

الأُنْثَيان: الخُصْيتان. ينظر: «الصحاح» (1: 51).

(5)

وتفصيل الكلام في عورة الرجل والأمة والحرة ينظر: «رد المحتار» (1: 274).

(6)

أي الخبث عدماً حقيقياً أو حكمياً، كما إذا كان معه ماء، لكن يخاف العطش، فإن صلى مع النجس للضرورة لم يعد، وإن كان الوقت باقياً؛ لأنه فعل ما في وسعه. كذا في «فتح باب العناية» (1: 220).

ص: 115

وقِبلةُ خائفِ الاستقبالِ جهةُ قدرتِه، فإن جهلَها وعُدِمَ مَن يسألُه تحرَّى، ولم يعد إن أخطأ، وإن عَلِمَ به مصلِّياً، أو تحوَّل رأيه إلى جهة أخرى استدار، وإن شرعَ بلا تحرٍّ لم يجز، وإن أصاب، فإن تحرَّوا كلَّ جهةٍ بلا علمِ حالِ إمامِهم، وهم خلفَه جازَ، لا لمن عَلِمَ حالَه، أو تقدَّمَه، ويَصِلُ قصدُ قلبِه صلاتَه بتحريمتِها، والقصدُ مع لفظِه، أفضل، ويكفي للنَّفل، والتَّراويح، وسائرِ السُّنن نيَّة مطلقِ الصَّلاة، وللفرض شُرِطَ

وقِبلةُ خائفِ الاستقبالِ جهةُ قدرتِه، فإن جهلَها وعُدِمَ مَن يسألُه تحرَّى، ولم يعد إن أخطأ، وإن عَلِمَ به مصلِّياً، أو تحوَّل رأيه إلى جهة أخرى استدار): أي إن عَلِمَ بالخطأ في الصَّلاة، أو تحوَّل غلبةُ ظنِّهِ إلى جهةِ أُخرى، وهو في الصَّلاة استدار.

(وإن شرعَ بلا تحرٍّ لم يجز، وإن أصاب)؛ لأن قبلتَهُ جهةُ تحرِّيه، ولم يوجد، (فإن تحرَّوا كلَّ جهةٍ بلا علمِ حالِ إمامِهم، وهم خلفَه جازَ، لا لمن عَلِمَ حالَه، أو تقدَّمَه): أي صلَّى قومٌ في ليلةٍ مظلمةٍ بالجماعة، وتحرَّوا القبلة، وتوجَّه كلُّ واحدٍ إلى جهةِ تحرِّيه، ولم يعلم أحدٌ أن الإمامَ إلى أي جهةٍ توجَّه، لكن يعلمُ كلُّ واحدٍ أنَّ الإمامَ ليس خلفَهُ جازت صلاتُهم.

أمَّا إن عَلِمَ أحدُهم في الصَّلاة جهةَ توجِّه الإمام، ومع ذلك خالفَه لا تجوزُ صلاتُه، وكذا إذا علم أنَّ الإمامَ خلفَه.

فقوله: وهم خَلْفَهُ، فيه تساهلٌ؛ لأنَّ كلامَنا فيما إذا لم يَعْلَمْ أحدٌ أنَّ الإمامَ إلى أيِّ جهةٍ توجَّه، فكيف يعلمُ أنه خلفَ الإمام، فالمرادُ أنه يعلمُ أن الإمامَ أمامَه، وهذا أعمُّ من أن يكونَ هو خلفَ الإمام، أو لا، لأنه إذا كان الإمامُ قُدَّامَه يحتملُ أن يكونَ وجهُهُ إلى وجهِ الإمام، أو إلى جنبِه، أو إلى ظهرِه، وإنِّما يكون هو خَلْفَ الإمامِ إذا كان وجهُه إلى ظهرِ الإمام، وحينئذٍ يكون جهةُ توجُّهِ الإمامِ معلومة، وكلامُنا ليس في هذا.

وعبارةُ «المختصر» : ولا يضرُّ جهلُهُ جهةَ إمامِه إذا عَلِمَ أنَّه ليس خَلْفَه، بل تقدَّمَه، أو عَلِمَ مخالفتَه

(1)

: أي إذا عَلِمَ أنَّ الإمامَ ليس خلفَه.

(ويَصِلُ قصدُ قلبِه صلاتَه بتحريمتِها)

(2)

، هذا تفسيرُ النِيَّة، (والقصدُ مع لفظِه أفضل، ويكفي للنَّفل، والتَّراويح، وسائرِ السُّنن نيَّة مطلقِ الصَّلاة، وللفرض شُرِطَ

(1)

انتهت عبارة «مختصر الوقاية» المسمَّى بـ «النقاية» لصدر الشريعة (ص 18).

(2)

هذا بيان الوقت المستحب في النية، ويجوز تقديمها بشرط أن لا يشتغل بينهما بما ليس من جنس الصلاة. ينظر:«العمدة» (1: 159).

ص: 116

تعيينُهُ لا نِيَّةُ عددِ ركعاتِه، وللمقتدي نيَّة صَلاته، واقتدائِه.

‌باب صفة الصلاة

فرضُها: التَّحريمة، والقيام، والقرءاة، والرُّكوع، والسُّجُودُ بالجبهةِ والأنف، وبه أخذ، والقعدةُ الأخيرةُ قدرَ التَّشهُّد، والخروجُ بصنعِه

تعيينُهُ لا نِيَّةُ عددِ ركعاتِه، وللمقتدي نيَّة صَلاته، واقتدائِه)

(1)

.

باب صفة الصلاة

(فرضُها: التَّحريمة): وهي قولُهُ: اللهُ أكبر، وما يقومُ مقامَه، وهو شرطٌ عندنا؛ لقوله تعالى:{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}

(2)

، وعند الشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه ركن، فأمَّا رَفْعُ اليدين فسُنَّة.

(والقيام

(4)

، والقرءاة، والرُّكوع، والسُّجُودُ بالجبهةِ والأنف

(5)

، وبه أخذ)

(6)

يجوزُ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه الاكتفاءُ بالأنفِ عند عدمِ العُذْرِ خلافاً لهما، والفتوى على قولِهما، (والقعدةُ الأخيرةُ قدرَ التَّشهُّد، والخروجُ بصنعِه

(7)

.

(1)

لأنه يلزم الفساد من جهته، فلا بد من التزامه في نيته، ولا تشترط نية تعيين الإمام، ولو نوى الاقتداء بزيد فإذا عمرو لا يجوز؛ لأنه اقتدى بغائب، ولو نوى الاقتداء ظاناً أنه زيد، فإذا هو عمرو، يجوز. كذا في «البحر» (1: 292).

(2)

من سورة الأعلى، الآية (15).

(3)

ينظر: «المنهاج» (1: 150).

(4)

بحيث لو مدّ يديه لا ينال ركبتيه. ينظر: «الدر المختار» (1: 298).

(5)

ظاهر عبارة المصنف موهمة إلى أن فرض السجود يكون بالجبهة والأنف، ولكن المصرَّح به أن السجود على الجبهة يكفي اتفاقاً، وإنما اختلف الإمام مع صاحبيه بالاكتفاء بالأنف عند عدم العذر فرواية أسد عنه تفيد الجواز وعندهما لا يكفي. ينظر:«كمال الدراية شرح النقاية» (ق 40/ب)، و «الإيضاح» (ق 14/ب)، و «العمدة» (1: 160).

(6)

أي المتأخرون وأفتوا به ولم يجيزوا الاقتصار على الأنف من غير عذر. كذا في «شرح الوقاية» (ق 26/ب).

(7)

أي الخروج من الصلاة قصداً من المصلي بقول أو عمل ينافي الصلاة بعد تمامها فرض سواء كان ذلك قوله: السلام عليكم، أو أكل، أو شرب، أو مشى، وإنما كان مكروهاً كراهة تحريم؛ لكونه مفوتاً للواجب وهو السلام. ينظر:«البحر» (1: 311).

ص: 117

وواجبُها: قرءاةُ الفاتحة، وضمُّ سورةٍ معها، ورعايةُ التَّرتيب فيما تكرر

وواجبُها: قرءاةُ الفاتحة، وضمُّ سورةٍ معها

(1)

، ورعايةُ التَّرتيب فيما تكرر).

في «الهداية» : ومراعاةُ التَّرتيبِ فيما شُرِعَ مكرراً من الأفعال

(2)

.

وذُكِرَ في حواشي «الهداية» نقلاً عن «المبسوط»

(3)

: كالسَّجدة الثَّانية

(4)

، فإنَّه لو قامَ إلى الثَّانية بعدما سجدَ سجدةً واحدة، قبل أن يسجدَ الأخرى يقضيها، ويكون القيامُ معتبراً؛ لأنَّه لم يتركْ إلا الواجب.

أقول: قولُهُ: فيما تكرَّر ليس قيداً يُوجِبَ نفي الحُكْمِ عمَّا عداه

(5)

، فإنَّه مراعاة التَّرتيبِ في الأركانِ التَّي لا تتكرَّر في ركعةٍ واحدة كالرُّكوع ونحوِه واجبٌ أيضاً على ما يأتي في بابِ سجودِ السَّهو

(6)

: أنَّ سجودَ السَّهْو يَجِبُ بتقديمِ ركنٍ

إلى آخره، وأوردوا

(1)

زيادة من م.

(2)

انتهى من «الهداية» (1: 46).

(3)

عبارة «المبسوط» (1: 80) في كتاب السجدات: إن الترتيب في أفعال صلاة واحدة فيما شرع متكرراً لا يكون ركناً، وتركها لا يفسد الصلاة عمداً كان أو سهواً. اهـ.

(4)

زيادة من ف و م.

(5)

بل هو قيد وليس كما ظن الشارح رضي الله عنه، وقد تبعه على كلامه هذا القاري في «فتح باب العناية» (2: 232)، فقال: إن مراعاة الترتيب بين القيام والقراءة والركوع والسجود واجبٌ، وليس كذلك، بل هي فرض بدليل أنه لو ركع بعد سجود لا يكون معتّداً به بالاجماع كما صرَّح به في «النهاية» ، وإنما يكون الترتيب واجباً بعد إعادة ركن الركوع ثم السجود بعده مثلاً، لا بتأخير الركوع إلى آخر الصلاة على اعتبار أن الترتيب واجب، فالترتيب هنا فرض باعتبار فساد الركن الذي هو فيه قبل الإعادة، والله أعلم، ولم يوافق الشارح إلى ما ذهب إليه محققو المذهب كابن الهمام في «فتح القدير» (1: 241)، وابن نجيم في «البحر» (1: 315)، وابن كمال باشا في «الإيضاح» (ق 14/ب)، والحصكفي في «الدر المختار» (1: 309 - 310)، وابن عابدين في «منحة الخالق» (1: 314 - 315)، و «رد المحتار» (1: 310)، وغيرهم، وفي المسألة تفصيل يحسن الرجوع إليه لفهمها وهو مذكور في الكتب السابق ذكرها.

(6)

1: 163).

ص: 118

والقعدةُ الأولى، والتَّشهُّدان

نَّظير تقديم الرُّكنِ الرُّكوعَ قبل القرءاة

(1)

، وسجدةُ السَّهو لا تجبُ إلاَّ بتركِ الواجب، فَعُلِمَ أنَّ التَّرتيب بين الرُّكوعِ والقرءاةِ واجب، مع أنَّهما غيرُ مكرَّرين

(2)

في ركعةٍ واحدة.

وقد قال في «الذَّخيرة» : أمَّا تقديمُ الرُّكنِ نحو أن يركعَ قبل أن يقرأ؛ فلأن مراعاةَ التَّرتيبِ واجبةٌ عند أصحابِنا الثَّلاثة خلافاً لزُفَر رضي الله عنه، فإنَّها فرضٌ عنده.

فَعُلِمَ أنَّ مراعاةَ التَّرتيب واجبةٌ مطلقاً، فلا حاجةَ إلى قوله فيما تكرَّر؛ ولهذا لم أذكرْهُ في «المختصر»

(3)

، ويخطرُ ببالي أن المرادَ بما تكرَّر فيما يتكرَّرُ في الصَّلاة احترازاً عمَّا لا يتكرَّرُ في الصَّلاة على سبيلِ الفرضيَّة، وهو تكبيرةُ الافتتاح، والقعدةُ الأخيرة، فإن مراعاةَ التَّرتيبِ في ذلك فرض.

(والقعدةُ الأولى، والتَّشهُّدان)، ذَكَرَ في «الذَّخيرة»: أنَّ القعدةَ الأولى سنَّة، والثَّانية واجبة، وفي «الهداية»: إنَّ قرءاةَ التَّشهُّدِ في القعدةِ الأولى سُنَّة، وفي الثَّانية واجبة

(4)

، لكنَّ المصنِّف رضي الله عنه لم يأخذْ بهذا؛ لأن قولَه صلى الله عليه وسلم لابن مسعود رضي الله عنه:«قُل: التِّحِيَّاتُ لله»

(5)

، لا يوجبُ الفرقَ في قراءة التَّشهدِ في الأولى والثَّانية، بل يوجبُ الوجوبَ في كليهما، ولمَّا

(1)

أي الركوع بدون قراءة، ولم يعد للقراءة ولا الركوع، وإنما يكون فيه سجدة السهو؛ لأن ركن القراءة غير متعيِّن، فكما يكون في الأوليين، يكون في الأخريين بخلاف الركوع والقيام فإنه متعيِّنٌ في كل ركعة. ينظر المصادر السابقة.

(2)

في النسخ مكرر، والمثبت من م.

(3)

أي «مختصر الوقاية» (ص 19)، فاكتفى بقوله: ورعاية الترتيب.

(4)

ما نسبه الشارح رضي الله عنه إلى «الهداية» من القول بسنية التشهد في القعدة الأولى هو ما يفهم من كلام صاحب «الهداية» (1: 46) عند ذكر واجبات الصلاة، إذ لم يذكر التشهد الأول من بينها، ولكن هذا الفهم يخالف نصَّ صاحب «الهداية» (1: 74) في باب سجود السهو إذ ذكره من الواجبات، وقال: هو الصحيح.

(5)

الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نقول في الصَّلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام على الله، السلام على فلان، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: «إن الله هو السلام، فإذا قعد أحدكم في الصلاة، فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين

» في «صحيح البخاري» (1: 403)، و «صحيح مسلم» (1: 301)، واللفظ له، و «صحيح ابن خزيمة» (1: 356)، و «صحيح ابن حبان» (5: 275).

ص: 119

ولفظُ السَّلام، وقنوتُ الوتر، وتكبيرات العيدين، وتعيين الأُوليين للقراءة، وتعديلُ الأركان، والجهرُ والإخفاءُ فيما يجهرُ ويُخْفَى. وسنَّ غيرهما، أو ندب

كانت ـ أي القرءاةُ ـ في القعدةُ الأولى واجبة، كانت القعدةُ الأولى واجبةً أيضاً لا سُنَّة

(1)

.

(ولفظُ السَّلام) خلافاً للشافعي

(2)

رضي الله عنه فإنَّه فرضٌ عنده.

(وقنوتُ الوتر، وتكبيرات العيدين، وتعيين الأُوليين للقراءة، وتعديلُ الأركان

(3)

) خلافاً لأبي يوسف

(4)

، والشَّافِعِيِّ

(5)

رضي الله عنهم، فإنَّه فرضٌ عندهما، وهو الاطمئنان في الرُّكوع، وكذا في السُّجُود، وقُدِّرَ بمقدارِ تسبيحة، وكذا الاطمئنان بين الرُّكوع والسُّجود، وبين السَّجدتين.

(والجهرُ والإخفاءُ فيما يجهرُ ويُخْفَى.

وسنَّ غيرهما، أو ندب): أي ما عدا الفرائضُ والواجبات

(6)

، إمَّا سُنَّة، أو مندوب، وعند الشَّافِعِيِّ لا فرقَ بين الفرضِ والواجبِ على ما عُرِفَ في أصولِ الفقه

(7)

، فعنده

(8)

أفعالُ الصَّلاة إما فرائضٌ وإما سُنن، أو مستحبَّات.

(1)

قال التمرتاشي في «منح الغفار شرح تنوير الأبصار» (ق 60/ب): اختار جماعة سنية التشهد في القعدة الأولى، لكن الوجوب فيها هو ظاهر الرواية، وهو الأصح. انتهى.

(2)

ينظر: «التنبيه» (ص 25).

(3)

أي تسوية الجوارح في الركوع والسجود حتى تطمئن. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 234).

(4)

حقق صاحب «الفتح» (1: 262)، و «البحر» (1: 317) أن الفرضية عند أبي يوسف رضي الله عنه تحمل على الفرض العملي، وهو الواجب، فيرتفع الخلاف.

(5)

ينظر: «التنبيه» (ص 25).

(6)

أي السابق ذكرها.

(7)

وهو أن ما ثبت لزومه بدليل قطعي فهو فرض، وما ثبت بدليل ظني فهو واجب، وقد ذكر الشارح في «التوضيح» (2: 124) كما ذكر هنا أن الشافعي لم يفرق بين الفرض والواجب، لكن بعض المحققين كالتفتازاني في «التلويح» (1: 124)، وابن الهمام في «التحرير» (ص 259)، وابن كمال باشا في «التنقيح» (ص 231) قالوا: أن هذا اختلاف اصطلاحي؛ لأن الشافعي يفرق بين الفرض الذي يثبت بدليل قطعي وبين ما يثبت بدليل ظني فهما ليسا سواسية عنده، لكن إفراد كل قسم باسم أنفع عند الوضع للحكم.

(8)

أي عند الشافعي رضي الله عنه، ينظر:«التنبيه» (ص 25).

ص: 120

فإذا أرادَ الشُّروع كَبَّرَ حاذفاً بعد رَفْعِ يديه غير مفرجٍ أصابِعَه ولا ضامّ ماساً بإبهاميهِ شَحْمَتي أذنيه، والمرأةُ ترفعُ حذاءَ منكبيها، فإن بدَّلَ التَّكبيرَ بالله أجل، أو أعظم، أو الرَّحمن أكبر، أو لا إله إلاَّ الله، أو بالفارسية، أو قرأ بعذر عاجزاً بها، أو ذَبَح وسمَّى بها جاز، وباللَّهم اغفر لي لا

(فإذا أرادَ الشُّروع كَبَّرَ حاذفاً بعد رَفْعِ يديه

(1)

) المرادُ بالحذف: أن لا يأتي بالمدِّ في همزةِ الله، ولا في باءِ أكبر، (غير مفرجٍ أصابِعَه ولا ضامّ) بل يتركُها على حالِها، (ماساً بإبهاميهِ شَحْمَتي أذنيه، والمرأةُ ترفعُ حذاءَ منكبيها، فإن بدَّلَ التَّكبيرَ بالله أجل، أو أعظم، أو الرَّحمن أكبر، أو لا إله إلاَّ الله، أو بالفارسية

(2)

، أو قرأ بعذر عاجزاً

(3)

بها، أو ذَبَح وسمَّى بها جاز، وباللَّهم اغفر لي لا)، فالحاصلُ أنَّه يجوزُ أن يُبَدِّلَ (اللهُ أكبر)

(4)

بذكرِ

(1)

اختلفوا فيه على أقوال:

الأول: أنه يرفع يديه أوَّلاً ثم يكبر، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهم، وعليه عامة المشايخ، وهو اختيار المصنف، وصححه في «الهداية» (1: 46)، و «الغرر» (1: 65)، واختاره اللكنوي في «العمدة» (1: 14).

والثاني: أنه يقارن بين يديه بين التكبيرة والرفع، وهو المروي عن أبي يوسف رضي الله عنه، وهو ظاهر عبارة «مختصر القدوري» (ص 9)، واختاره قاضي خان في «فتاواه» (1: 85)، وصاحب «المنية» (ص 86)، والغزنوي في «مقدمته» (ق 45/ب).

والثالث: أنه يكبر أولاً ثم يرفع يديه. ينظر: «حاشية الشرنبلالي على الدرر» (1: 65).

(2)

أمَّا الشُّروعُ بالفارسيَّةِ فهو جائزٌ عند أبي حنيفةَ مطلقاً، وقالا: لا يجوزُ إلا عند العجز، وصحح العيني رجوعه إلى قولهما في «رمز الحقائق» (1: 39)، وصاحب «المواهب» (ق 24/ب)، و «مجمع الأنهر» (1: 92 - 93)، والشرنبلالي في «المراقي» (ص 235) وفي «النفحة القدسية في أحكام قراءة القرآن وكتابته بالفارسيية» (ص 13)، لكن نبَّه الحصكفي في «الدر المختار» (1: 325)، و «الدر المنتقى» (1: 93) على أنه لم يصح رجوعه إلى قولهما، وإنما غلط العيني في ذلك ومن تبعه، وأيَّده في ذلك ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 325 - 236)، واللكنوي في «آكام النفائس في أداء الأذكار بلسان الفارس» (ص 51 - 52)، ويدل على ذلك ظاهر عبارة المتون و «الهداية» (ص 47)، و «البناية» (2: 124 - 125)، و «العناية» (1: 247)، و «المحيط» (ص 119)، وغيرها فإنها اكتفت بذكر الخلاف في المسألة دون الرجوع، والله أعلم.

(3)

زيادة من ج و ف و م.

(4)

زيادة من ف و م.

ص: 121

ويضعُ يمينَهُ على شمالِه تحت سرَّته: كالقنوتِ وصلاةِ الجنازة، ويرسلُ في قومِةِ الرُّكوعِ وبين تكبيراتِ العيدين، ثُمَّ يثني، ولا يوجَّه، ويتعوَّذُ للقراءة، لا للثِّناء، فيقولُهُ المسبوقُ لا المؤتمّ، ويؤخِّرُ عن تكبيراتِ العيدين، ويسمِّي لا بينَ الفاتحة والسُّورة، ويسرَّهنّ

ما يدلُّ على مجرَّدِ التَّعظيم، ولا يشوب بالدُّعاء

(1)

.

(ويضعُ يمينَهُ على شمالِه تحت سرَّته: كالقنوتِ وصلاةِ الجنازة، ويرسلُ في قومِةِ الرُّكوعِ وبين تكبيراتِ العيدين)، فالحاصلُ أنَّ كلَّ قيامٍ فيه ذِكْرٌ مسنونٌ ففيه الوضع، وكُلُّ قيامٍ ليس كذا ففيه الإرسال.

(ثُمَّ يثني، ولا يوجَّه) أرادَ بالثِّنَاء سبحانَك اللَّهمَّ

إلى آخره، والتَّوجيه قراءة:«إِنِّي وَجْهَتُ وَجْهِيَ للَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفَاً، وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِين»

(2)

بعد التَّحريمة، (ويتعوَّذُ للقراءة، لا للثِّناء) المختارُ

(3)

أن التَّعوُّذَ تبعٌ للقراءة لا تَبَعٌ للثَّناء

(4)

، (فيقولُهُ المسبوقُ

(5)

لا المؤتمّ) بناءً على أنَّ المسبوقَ يقرأُ ولا يثني فيتعوَّذ، والمؤتمُّ يثني ولا يقرأ، فلا يتعوَّذ، وأمَّا مَن جعلَه تبعاً للثَّناء، فالحُكْمُ عنده على عكسِ ما ذَكَرَه

(6)

. (ويؤخِّرُ عن تكبيراتِ العيدين)؛ لأن التَّكبيرات بعد الثَّناء، فينبغي أن يكون التَّعوُّذُ متصلاً بالقراءة لا بالثَّناء.

(ويسمِّي لا بينَ الفاتحة والسُّورة، ويسرَّهنّ): أي الثَّناء، والتَّعوُّذ، والتَّسمية خلافاً للشَّافِعِيِّ

(7)

رضي الله عنه في التَّسمية بناءً على أنه آيةٌ من الفاتحةِ عنده لا عندنا، وكثيرٌ من

(1)

أي لا يخلط بالدعاء؛ لأن المأمور به هو نفس التكبير والتعظيم. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 165).

(2)

في «صحيح مسلم» (1: 534)، و «صحيح ابن خزيمة» (1: 235)، و «المنتقى» (1: 54).

(3)

وهو قول أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهم. ينظر: «كمال الدراية» (ق 43/ب).

(4)

كما هو عند أبي يوسف رضي الله عنه، وقال في «الخلاصة»: هو الأصح، ورد عليه القاري في «فتح باب العناية» (1: 246): أنه مخالف لظاهر القرآن فلا ينبغي أن يكون صحيحاً، فكيف بالأصح.

(5)

أي عندهما إذا قام إلى قضاء ما فاته؛ لأنه يقرأ حينئذٍ، وعند أبي يوسف رضي الله عنه لا يقوله؛ لأنه لا يأتي بالثناء حينئذٍ. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 246).

(6)

أي المصنف رضي الله عنه.

(7)

ينظر: «المنهاج» (1: 157).

ص: 122

ثُمَّ يقرأ، ويؤمِّنُ بعد ولا الضَّالين سِرَّاً، كالمأموم، ثُمَّ يُكبِّرُ للرُّكوع خافضاً، ويعتمدُ بيديه على ركبتيَّه مُفرِّجاً أصابعَه باسطاً ظهرَه، غيرَ رافعٍ ولا مُنَكِسٍ رأسَه، ويُسَبِّحُ ثلاثاً، وهو أدناه، ثُمَّ يُسَمِّع رافعاً رأسَه، ويكتفي به الإمام، وبالتَّحميدِ المؤتمّ، والمنفردُ يجمعُ بينهما، ويقومُ مستوياً. ثُمَّ يُكَبِّرُ ويسجد، فيضعُ ركبتيه أوَّلاً، ثُمَّ يديه، ثُمَّ وجهَهُ بين كفيهِ، ويديه

الأحاديث الصِّحاح واردٌ في أنَّه صلى الله عليه وسلم والخلفاءَ الرَّاشدين يفتتحون: بـ {لحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين}

(1)

.

(ثُمَّ يقرأ، ويؤمِّنُ بعد ولا الضَّالين سِرَّاً، كالمأموم، ثُمَّ يُكبِّرُ للرُّكوع خافضاً، ويعتمدُ بيديه على ركبتيَّه مُفرِّجاً أصابعَه باسطاً ظهرَه، غيرَ رافعٍ ولا مُنَكِسٍ رأسَه، ويُسَبِّحُ ثلاثاً، وهو أدناه، ثُمَّ يُسَمِّع): أي يقول: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، (رافعاً رأسَه، ويكتفي به الإمام، وبالتَّحميدِ المؤتمّ، والمنفردُ يجمعُ بينهما

(2)

، ويقومُ مستوياً.

ثُمَّ يُكَبِّرُ

(3)

ويسجد، فيضعُ ركبتيه أوَّلاً، ثُمَّ يديه، ثُمَّ وجهَهُ بين كفيهِ، ويديه

(1)

من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:«صلَّيتُ خلفُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ {الحمد لله رب العالمين}، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أَوَّل قراءة ولا في آخرها» في «صحيح مسلم» (1: 299)، و «صحيح ابن خزيمة» (1: 248)، و «المجتبى» (2: 133)، و «المسند المستخرج» (2: 23)، و «مسند أبي عوانة» (1: 488)، وغيرها، وينظر:«إحكام القنطرة في أحكام البسملة» للكنوي، فإنه ذكر الاختلاف فيها مع بيان أدلة كل فريق وما لها وما عليها.

(2)

اختلفوا في المنفرد:

الأول: أنه يجمع بينهما، وهو رواية الحسن، وصححه صاحب «الهداية» (1: 49)، و «الملتقى» (ص 14)، واختاره المصنف، وصاحب «تحفة الملوك» (ص 73)، و «التنوير» (1: 334)، وقال صاحب «الدر المختار» (1: 334): على المعتمد.

والثاني: أنه يأتي بالتحميد لا غير، وهو رواية أبي يوسف رضي الله عنه، وصححه في «المبسوط» (1: 21)، واختاره صاحب «الكنْز» (ص 12)، وقال صاحب «المختار» (ص 70): وعليه أكثر المشايخ.

والثالث: أنه يأتي بالتسميع لا غير، وصححه في «السراج» معزياً إلى شيخ الإسلام. ينظر:«درر الحكام» (1: 71)، و «رد المحتار» (1: 334).

(3)

بلا رفع لليدين خلافاً للشافعية ينظر: «المنهاج» (1: 164)، وللإمام محمد أنور شاه الكشميري الحنفي رسالة اسمها «نيل الفرقدين في رفع اليدين» بسط فيها أدلة كل فريق، وبيَّن أن كلاً منهم عنده من الأدلة تؤيِّد ما ذهب إليه.

ص: 123

حذاءَ أذنيه ضاماً أصابَعَه، مُبْدياً ضَبْعَيْه، مُجافياً بطنَهُ عن فخذيه، موجِّهاً أصابعَ رجليه نحو القبلة، ويسبِّحُ فيه ثلاثاً. فإن سَجَدَ على كَورِ عِمامتِه، أو على فاضلِ ثوبِه، أو شيءٍ يجدُ حجمَه، ويستقرُّ جبهتُهُ جاز، وإن لم يستقرَّ لا، وكذا لو سجدَ للزِّحامِ على ظَهْرِ مَن يصلِّي صلاتَه، لا مَن لا يصلِّيها، والمرأةُ تنخفض، وتُلْزِقُ بطنَها بفخذيها. ويرفعُ رأسَه مُكَبِّراً، ويجلسُ مطمئناً، ويكبِّرُ ويسجدُ مطمئناً، ويكبِّرُ ويرفعُ رأسَه أوَّلاً، ثُمَّ يديه، ثُمَّ ركبتيه، ويقومُ مستوياً بلا اعتماد على الأرض، ولا قعود، والرُّكعةُ الثَّانيةُ كالأُولى لكن لا ثناء، ولا تعوُّذ، ولا رفعَ يديه فيها، وإذا أتَمَّها افترشَ رجلَه اليُسرى، وجَلَس عليها ناصباً يُمناهُ موجِّهاً أصابَعه نحو القبلة، واضعاً يديه

حذاءَ أذنيه ضاماً أصابَعَه، مُبْدياً ضَبْعَيْه، مُجافياً بطنَهُ عن فخذيه، موجِّهاً أصابعَ رجليه نحو القبلة، ويسبِّحُ فيه ثلاثاً.

فإن سَجَدَ على كَورِ

(1)

عِمامتِه

(2)

، أو على فاضلِ ثوبِه، أو شيءٍ يجدُ حجمَه، ويستقرُّ جبهتُهُ جاز، وإن لم يستقرَّ لا، وكذا لو سجدَ للزِّحامِ على ظَهْرِ مَن يصلِّي صلاتَه، لا مَن لا يصلِّيها): أي لا على ظهرِ مَن لا يصلِّي صلاتَه، وهو إمَّا أن لا يصلِّي أصلاً، أو يصلِّي ولكن لا يصلِّي صلاتَه.

(والمرأةُ تنخفض، وتُلْزِقُ بطنَها بفخذيها.

ويرفعُ رأسَه مُكَبِّراً، ويجلسُ مطمئناً، ويكبِّرُ ويسجدُ مطمئناً، ويكبِّرُ ويرفعُ رأسَه أوَّلاً، ثُمَّ يديه، ثُمَّ ركبتيه، ويقومُ مستوياً بلا اعتماد على الأرض، ولا قعود)، وفيه خلافُ الشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه، ويسمَّى جلسة الاستراحة.

(والرُّكعةُ الثَّانيةُ كالأُولى لكن لا ثناء، ولا تعوُّذ، ولا رفعَ يديه فيها، وإذا أتَمَّها افترشَ رجلَه اليُسرى، وجَلَس عليها ناصباً يُمناهُ موجِّهاً أصابَعه نحو القبلة، واضعاً يديه

(1)

الكَوْر: لوث العِمامة، يعني إدارتها على الرأس، قال النضر: كل دارة من العمامة كور، وكل دور كور. ينظر:«اللسان» (6: 3953).

(2)

في «الدر المختار» (1: 336 - 337): يكره تنْزيهاً بكور عمامته إلا لعذر وإن صح عندنا بشرط كونه على جبهته كلها، أو بعضها، أما إذا كان الكور على رأسه فقط وسجد عليه مقتصراً أي ولم تصب الأرض جبهته ولا أنفه على القول به لا يصح لعدم السجود على محله.

(3)

ينظر: «المنهاج» وشرحه «مغني المحتاج» (1: 171 - 172).

ص: 124

على فخذيه موجِّهاً أصابعه نحو القبلة مبسوطةً، ويتشهَّدُ كابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، ولا يزيدُ عليه في القعدةِ الأولى، ويقرأُ فيما بعد الأوليين الفاتحةَ فقط، وهي أفضل، وإن سبَّح، أو سكت جاز، ويقعدُ كالأُولى

على فخذيه موجِّهاً أصابعه نحو القبلة مبسوطةً

(1)

)، وفيه خلافُ الشَّافِعِيِّ

(2)

رضي الله عنه، فإنَّ عنده يعقدُ الخِنْصَر، والبِنْصَر، ويُحَلِّقُ الوسطى والإبهام، ويشيرُ بالسَّبابة عند التَّلفُّظِ بالشَّهادتين، ومثل هذا جاءَ عن علمائنا أيضاً رضي الله عنهم.

(ويتشهَّدُ

(3)

كابنِ مسعودٍ

(4)

رضي الله عنه، ولا يزيدُ عليه في القعدةِ الأولى، ويقرأُ فيما بعد الأوليين الفاتحةَ فقط، وهي أفضل، وإن سبَّح، أو سكت جاز، ويقعدُ كالأُولى

(5)

(1)

اختلفوا فيها على أقوال:

الأول: بسط الأصابع إلى حين الشهادة فيعقد عندها ويرفع السبابة عند النفي ويضعها عند الإثبات، وهذا ما اعتمده المتأخرون، كصاحب «الفتح» (1: 272)، والقاري في «فتح باب العناية» (1: 264)، وله رسالتان فيهما، وهما «تزيين العبارة بتحسين الإشارة» ، و «التدهين للتزيين على وجه التبيين» ، وبحر العلوم في «رسائل الأركان» (ص 81 - 82)، وابن عابدين في «رد المحتار» (1: 342)، وله رسالة فيها اسمها «رفع التردد في عقد الأصابع عند التشهد» (120 - 130)، وذيلٌ على هذه الرسالة (ص 130 - 135)، وهما مطبوعتان ضمن «رسائله» ، واللكنوي في «نفع المفتي» (ص 256 - 263).

الثاني: بسط الأصابع بدون إشارة، وهو اختيار المصنف، والطحاوي في «مختصره» (ص 27)، والقدوري في «مختصره» (ص 10)، وصاحب «الهداية» (ص 51)، و «الكنْز» (ص 11 - 12)، و «الملتقى» (ص 14)، و «المختار» (1: 70)، و «الفتاوى البزازية» (1: 26)، و «غرر الأحكام» (1: 74)، و «خلاصة الكيداني» (ق 2/ب)، وشرحه للريحاني (ص 31)، وفي «التنوير» (1: 341): وعليه الفتوى.

الثالث: الإشارة مع البسط بدون العقد، صححه صاحب «المواهب» (ق 26/أ)، و «المراقي» (ص 270 - 271)، و «تحفة الملوك» (ص 75)، و «الدر المختار» (1: 341 - 342)، و «الدر المنتقى» (1: 100).

(2)

ينظر: «المنهاج» (1: 173)، قال النووي في كيفيته: ويقبض من يمناه الخنصر والبنصر، وكذا الوسطى في الأظهر، ويرسل المسبحة ويرفعها عند قوله: إلا الله، ولا يحركها، والأظهر ضمّ الإبهام إليها كعاقدٍ ثلاثة وخمسين.

(3)

في ف و م: تشهد.

(4)

مر سابقاً ذكره (1: 119).

(5)

أي كالقعدة الأولى من الافتراش والنصب. ينظر: «العمدة» (1: 170).

ص: 125

والمرأةُ تجلسُ على إليتِها اليُسْرى مُخْرجةً رجليها من الجانبِ الأيمن فيهما، ويتشهَّدُ ويصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويدعو بما يُشْبِهُ القرآن، والمأثورَ من الدُّعاء لا كلامَ النَّاس، ثُمَّ يسلِّمُ عن يمينِه بنيَّةٍ مَن ثَمَّة من الملكِ والبشر، ثُمَّ عن يسارِه كذلك، والمؤتمُّ ينوي إمامَه في جانبِه، وفيهما إن حاذاه، والإمامُ بهما، والمنفردُ المَلَكَ فقط.

خلافاً للشَّافِعِيِّ

(1)

رضي الله عنه، فإنَّ السُّنَّةَ عنده في التَّشهُّد الثَّاني التَّورك، وهو هيئةُ جلوسِ المرأة في الصَّلاة، وهي هذه:(والمرأةُ تجلسُ على إليتِها اليُسْرى مُخْرجةً رجليها من الجانبِ الأيمن فيهما): أي في التَّشهُّدين.

(ويتشهَّدُ ويصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويدعو بما يُشْبِهُ القرآن، والمأثورَ من الدُّعاء لا كلامَ النَّاس)، فلا يسألُ شيئاً ممِّا يسألُ من النَّاس.

(ثُمَّ يسلِّمُ عن يمينِه بنيَّةٍ مَن ثَمَّة من الملكِ والبشر، ثُمَّ عن يسارِه كذلك، والمؤتمُّ ينوي إمامَه في جانبِه

(2)

، وفيهما إن حاذاه

(3)

، والإمامُ بهما): أي ينوي الإمامُ بالتَّسليمتين

(4)

.

وعند البعضِ الإمامُ لا ينوي؛ لأنَّه يشيرُ إلى القوم، والإشارةُ فوقَ النِيَّة

(5)

.

وعند البعضِ الإمامُ ينوي بالتسليمةِ الأُولى.

(والمنفردُ المَلَكَ فقط

(6)

).

(1)

ينظر: «المنهاج» (1: 172).

(2)

يعني إذا كان الإمام في الجانب الأيمن ينويه، وكذا إن كان في يساره. ينظر:«شرح الوقاية» لابن ملك (ق 19/ب).

(3)

لأن المحاذي ذو حظٍّ من الجانبين، وهو قول محمد ورواية عن أبي حنيفة رضي الله عنهم، واقتصر أبو يوسف على نيته في التسليمة الأولى فقط. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 270).

(4)

صححه صاحب «الهداية» (1: 53)، وصححه الصدر الشهيد في «الجامع الصغير» ينظر:«البناية» (2: 258).

(5)

وهو قول أبي اليسر ينظر: «البناية» (2: 259).

(6)

يعني ينوي بسلامه الحفظة فقط؛ لأنه ليس معه أحد من البشر سواهم. ينظر: «الهداية» (1: 53).

ص: 126

‌فصل في القراءة

يجهرُ الإمامُ في الجُمُعةِ والعيدينِ والفجر، وأُولَى العشائين أداءً وقضاءً لا غَيْرُ، والمنفردُ خُيِّرَ إن أدَّى، وخافت حتماً إن قَضَى، وأَدْنَى الجَهْرِ إسماعُ غيرِه، وأَدْنَى المخافتةِ إسماعُ نفسِه، هو الصَّحيح، وكذا في كلِّ ما يتعلَّقُ بالنُّطق: كالطَّلاق، والعتاق، والاستثناء، وغيرِها، فإن تركَ سورةَ أُولَى العشاء، قرأها بعد فاتحةِ أُخرييه، وجَهَرَ بهما إن أمّ، ولو تَرَكَ فاتحتَهما لم يعد

فصلٌ [في القراءة]

(1)

(يجهرُ الإمامُ في الجُمُعةِ والعيدينِ والفجر، وأُولَى العشائين أداءً وقضاءً لا غَيْرُ، والمنفردُ خُيِّرَ إن أدَّى، وخافت حتماً إن قَضَى

(2)

، وأَدْنَى الجَهْرِ إسماعُ غيرِه، وأَدْنَى المخافتةِ إسماعُ نفسِه، هو الصَّحيح)، احترازٌ عمّا قيل

(3)

: أن أدنى الجهرِ إسماعُ نفسِه، وأدنى المخافتةُ تصحيحُ الحروف، (وكذا في كلِّ ما يتعلَّقُ بالنُّطق: كالطَّلاق، والعتاق، والاستثناء، وغيرِها): أي أدنى المخافتةِ في هذه الأشياء إسماعُ نفسِهِ حتَّى لو طلَّق، أو أعتقَ بحيث صحَّحَ الحروف، لكن لم يُسْمِعْ نفسَهُ لا يقع، ولو طلقَ جهراً ووصلَ به إن شاء اللهُ بحيث لم يسمعْ نفسَهُ يقعُ الطَّلاق والعتاق، ولم يصحُّ الاستثناء.

(فإن تركَ سورةَ أُولَى العشاء، قرأها بعد فاتحةِ أُخرييه، وجَهَرَ بهما إن أمّ، ولو تَرَكَ فاتحتَهما لم يعد)؛ لأنَّه يقرأُ الفاتحةَ في الأُخريين، فلو قضى فيهما فاتحةَ الأُوليَين يلزمُ

(1)

زيادة من أ و ب و س.

(2)

أي أسر وجوباً في القضاء هذا في قضاء السرية ظاهر عند من أوجب السر في أدائها، ويخير على ظاهر الرواية، وأما في قضاء الجهرية، فإن كان في وقت الجهرية فهو مخير، وإن كان في وقت المخافتة فصحح في «الهداية» (1: 53) وجوب السر فيه، ورده عليه شراحه كصاحب «النهاية» ، و «فتح القدير» (1: 285)، و «غاية البيان» ، وغيرهم، وحققوا أنه مخيرٌ. ينظر:«السعاية» (1: 269).

(3)

وهو قول الكرخي وأبي بكر الأعمش البلخي وغيرهما؛ وصححه صاحب «البدائع» ؛ لأنه القراءة فعل اللسان دون الصماخ، وما صححه المصنف هو قول أبي جعفر الهِنْدُوانيّ وهو مجرد حركة اللسان لا تسمى قراءة بدون صوت عنده، وقد صححه صاحب «الملتقى» (ص 15)، واختاره شرَّاح «الوقاية» ، و «النقاية» ، و «الملتقى» ، و «الهداية» ، وعامة أصحاب الفتاوى. ينظر:«سباحة الفكر بالجهر بالذكر» (ص 16 - 21).

ص: 127

وفرضُ القراءة: آية، والمُكْتَفي بها مُسِيءٌ، وسُنَّتُها: في السَّفرِ عَجَلة الفاتحة، وأيُّ سورةٍ شاء، وأَمَنة نحو البروج، و {اِنْشَقَّتْ} ، وفي الحضرِ استحسنوا طوالَ المفصلِ في الفجر، والظُّهر، وأوساطه في العصر، والعشاء، وقصارُهُ في المغرب، ومن الحُجُرات طوال المفصَّل إلى البروج، ومنها أوساطه إلى {لَمْ يَكُنْ} ، ومنها قصاره إلى الآخر، وفي الضَّرورةِ بقدرِ الحال، وكُرِهَ توقيتُ سورةٍ للصَّلاة، ولا يقرأُ المؤتمُّ بل يستمعُ ويُنْصِتْ

تكرارُ الفاتحة في ركعةٍ واحدة، وذا غيرُ مشروع.

(وفرضُ القراءة: آية، والمُكْتَفي بها مُسِيءٌ)؛ لتركِ الواجب.

(وسُنَّتُها: في السَّفرِ عَجَلة الفاتحة، وأيُّ سورةٍ شاء، وأَمَنة نحو البروج، و {اِنْشَقَّتْ}

(1)

، وفي الحضرِ استحسنوا طوالَ المفصلِ

(2)

في الفجر، والظُّهر، وأوساطه في العصر، والعشاء، وقصارُهُ في المغرب، ومن الحُجُرات طوال المفصَّل

(3)

إلى البروج، ومنها أوساطه إلى {لَمْ يَكُنْ}

(4)

، ومنها قصاره إلى الآخر، وفي الضَّرورةِ بقدرِ الحال، وكُرِهَ توقيتُ سورةٍ للصَّلاة): أي تعيينُ سورةٍ للصَّلاة بحيث لا يقرأُ فيها إلاَّ تلك السُّورة.

(ولا يقرأُ المؤتمُّ بل يستمعُ ويُنْصِتْ) قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}

(5)

، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا كَبَّرَ الإِمَامُ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا»

(6)

، وقال النِّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الإِمَامِ لَهُ

(1)

من سورة الإنشقاق، الآية (1).

(2)

المفصَّلُ سمِّي بذلك لكثرة الفصول التي بين السور بالبسملة. وتمامه في «الاتقان في علوم القرآن» للسيوطي (1: 174). و «البرهان في علوم القرآن» للزركشي (1: 254).

(3)

زيادة من ب و ت و س.

(4)

من سورة البيِّنة، الآية (1).

(5)

من سورة الأعراف، الآية (204).

(6)

عن أبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهم، في «سنن أبي داود» (1: 165)، و «سنن النسائي الكبرى» (1: 327)، و «المجتبى» (2: 141)، و «سنن ابن ماجه» (1: 276)، وزيادة:«وإذا قرأ فأنصتوا» قال مسلم في «صحيحه» (1: 304): هي عندي صحيحة، وصحح الحديث أحمد والنسائي وابن حزم والتهانوي ينظر:«إعلاء السنن» (4: 62)، وينظر:«علل الجارودي» (2: 5)، و «علل ابن أبي حاتم» (1: 164)، و «نصب الراية» (2: 5)، و «الغرة المنيفة» للغزنوي (ص 34 - 35).

ص: 128

وإن قرأ إمامُهُ آيةَ ترغيب، أو ترهيب، أو خَطَب، أو صلَّى على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

قِرَاءَةٌ»

(1)

، وقال صلى الله عليه وسلم:«مَالِي أُنَازَعُ فِي الْقُرْآن»

(2)

، وسكوتُ الإمامُ ليقرأ المؤتمُّ قَلْبُ الموضوع.

(وإن قرأ إمامُهُ آيةَ ترغيب، أو ترهيب

(3)

، أو خَطَب، أو صلَّى على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم)، إلاَّ إذا قرأَ قولَهُ تعالى:{صَلَّوا عَلَيْهِ}

(4)

فيصلِّي سرَّاً.

(1)

عن أنس وابن عباس وأبي هريرة وجابر، وابن عمر رضي الله عنهم في «سنن ابن ماجه» (1: 277)، و «سنن الدارقطني» (1: 353)، و «شرح معاني الآثار» (1: 217)، و «مسند أبي حنيفة» (1: 82)، و «موطأ محمد» (1: 146 - 419)، صححه العيني وابن الهمام واللكنوي والتهانوي وغيرهم، ينظر:«التعليق الممجد على موطأ محمد» (1: 146 - 419)، و «إعلاء السنن» (4: 68 - 69).

(2)

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال:«هل قرأ معي أحدٌ منكم أنفاً فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: إني أقول مالي أنازع القرآن قال فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم» في «جامع الترمذي» (9: 118 - 119) واللفظ له، قال الترمذي: هذا حديث حسن، وفي «السنن الكبرى» (1: 319)، و «سنن ابن ماجه» (1: 276)، و «مسند أحمد» (2: 284)، و «المعجم الصغير» (1: 384)، و «شرح معاني الآثار» (1: 217)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (1: 330)، و «معتصر المختصر» (1: 367)، وغيرهم. وقد أفرد اللكنوي مسألة القراءة خلف الإمام بتأليف سماه «إمام الكلام في القراءة خلف الإمام» ذكر فيه أدلة كل فريق وما لها وما عليها.

(3)

يعني لا يسأل الجنة عند آية الترغيب، ولا يتعوذ من النار عند آية الترهيب. ينظر:«شرح الوقاية» لابن ملك (ق 30/ب).

(4)

من سورة الأحزاب، الآية (56)، وتمامها:{إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} .

ص: 129

‌فصل في الجماعة

الجماعةُ سنةٌ مؤكدةُ، والأَوْلَى بالإمامةِ الأعلمُ بالسُنَّة، ثُمَّ الأقرأ، ثُمَّ الأورع، ثُمَّ الأسنّ، فإن أمَّ عبد، أو أعرابيّ، أو فاسق، أو أعمى، أو مبتدع، أو وَلَدُ الزِّنا كُرِهَ كجماعةِ النِّساء وحدَهُنّ، وتقفُ الإمامُ في وَسْطِهِنَّ لو فَعَلْن، وكحضورِ الشَّابَّةِ كُلَّ جماعة، والعجوزِ الظُّهْرَ والعصر

[فصل في الجماعة]

(1)

(الجماعةُ سنةٌ مؤكدةُ

(2)

)، وهي قريبٌ من الواجب

(3)

.

(والأَوْلَى بالإمامةِ الأعلمُ بالسُنَّة

(4)

، ثُمَّ الأقرأ، ثُمَّ الأورع، ثُمَّ الأسنّ، فإن أمَّ عبد، أو أعرابيّ، أو فاسق، أو أعمى، أو مبتدع، أو وَلَدُ الزِّنا كُرِهَ كجماعةِ النِّساء وحدَهُنّ

(5)

، وتقفُ الإمامُ في وَسْطِهِنَّ لو فَعَلْن)، لفظُ الإمامُ يستوي فيه المذكرُ والمؤنث، فلهذا لم يَدْخُلْ تاءُ التَّأنيث فيه، (وكحضورِ الشَّابَّةِ كُلَّ جماعة، والعجوزِ الظُّهْرَ والعصرَ

(1)

زيادة من أ و س و م.

(2)

في حكم صلاة الجماعة قولان:

الأول: أنها سنة مؤكدة، وهو ما ذهب إليه المصنف، واختاره القدوري في «مختصره» (ص 10)، وصاحب «الهداية» (1: 55)، و «الإيضاح» (ق 16/ب)، و «المختار» (1: 78)، و «الكنْز» (ص 13)، و «الملتقى» (1: 15)، و «الدرر» (1: 84)، و «التنوير» (1: 371)، وصححه الشرنبلالي في «حاشيته على الدرر» (1: 84)

والثاني: أنها واجبة، ورجَّحه صاحب «البحر» (1: 365)، واختاره صاحب «التحفة» (1: 227) وقال: وقد سماها بعض أصحابنا سنة مؤكدة وكلاهما واحدة.

(3)

ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 107)، «الجوهرة النيرة» (1: 59).

(4)

أي الأعلم بالأحكام الشرعية المتعلقة بالصلاة، وإن لم يكن له علم بغيرها. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 175).

(5)

حقَّق اللكنوي في رسالته «تحفة النبلاء في جماعة النساء» أن جماعة النساء وحدهن لا تكره، وفي «تدوير الفلك في حصول الجماعة بالجن والملك» وقوع الجماعة بهما، وينظر:«آكام المرجان في أحكام الجان» (ص 64 - 65).

ص: 130

لا الباقية، ويقتدي: المتوضئُ بالمُتيمِّم، والغاسلُ بالماسح، والقائمُ بالقاعد، والمومئُ بالمومئ، والمتنفِّلُ بالمفترض، لا رجلٌ بامرأة، أو صبيّ، أو خُنْثَى، وطاهرٌ بمعذور، وقارئٌ بأُمِّيّ، ولابسٌ بعار، وغيرُ مومِئٍ بمومئ، ومفترضٌ بمتنفِّل، ومفترضٍ فرضاً آخر

لا الباقية)

(1)

: (أي لا بأسَ للعجوزاتِ بالخروجِ في المغرب، والعشاء، والفجر)

(2)

.

(ويقتدي: المتوضئُ بالمُتيمِّم)؛ لأنَّ التَّيمُّمَ طهارةٌ مطلقةٌ عند عدمِ الماء، والخلفيةُ في التُّراب عندنا، (والغاسلُ بالماسح)؛ لأنَّ الخُفَّ مانعٌ من سرايةِ الحدثِ إلى الرِّجل، وما على الخُفِّ طَهُرَ بالمسح، (والقائمُ بالقاعد) بناءً على فعلِ رُّسول الله

(3)

صلى الله عليه وسلم، (والمومئُ بالمومئ، والمتنفِّلُ بالمفترض، لا رجلٌ بامرأة، أو صبيّ، أو خُنْثَى)؛ لأنَّ الواجبَ تأخيرهنَّ بالنَّص

(4)

، (وطاهرٌ بمعذور، وقارئٌ بأُمِّيّ، ولابسٌ بعار، وغيرُ مومِئٍ بمومئ، ومفترضٌ بمتنفِّل)؛ لأنَّ بناءَ القوي على الضَّعيف لا يجوز، (ومفترضٍ فرضاً آخر)؛ لأنَّ الاقتداءَ شركةٌ فيجبُ الاتِّحاد.

(1)

هذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه، وقال أبو يوسف ومحمد رضي الله عنهم: تمنع الشابة من حضور الجماعة مطلقاً، وللعجوز حضور الصلاة كلها، ولكن المتأخرين منعوا حضور الشابات والعجائز في الصلاة مطلقاً، وعليه مشى صاحب «الكنْز» (ص 14)، وقال في «الكافي»: والفتوى اليوم على الكراهة في الصلاة مطلقاً كلها؛ لظهور الفساد، ومتى كره حضور المسجد للصلاة فلأن يكره حضور مجالس الوعظ خصوصاً عند هؤلاء الجهال الذي تحلو بحلية العلماء أولى ذكره فخر الإسلام، وقال صاحب «الفتح» (1: 317): المعتمد منع الكل في الكل إلا العجائز المتفانية فيما يظهر لي دون العجائز المتبرجات وذوات الرمق، وقال صاحب «التبيين» (1: 140): والمختار المنع في الجميع لتغير الزمان، وقال صاحب «التنوير» (1: 380): ويكره حضورهن الجماعة مطلقاً على المذهب، وقال الشرنبلالي في «حاشيته على الدرر» (1: 86): وهو الأولى، وتمامه في «البحر» (1: 380)، و «رد المحتار» (1: 380).

(2)

سقطت من ص و ف و م.

(3)

عن عائشة رضي الله عنه في حديث طويل، منه قالت:«كان أبو بكر يصلِّي، وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد» في «صحيح البخاري» (1: 243)، و «صحيح مسلم» (1: 301)، و «صحيح ابن خزيمة» (1: 126)، وغيرهم.

(4)

فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه كان إذا رأى النساء قال: أخروهنَّ حيث أخَّرهنَّ الله، وقال: إنهن مع بني إسرائيل يصففن مع الرجال، كانت المرأة تلبس القالب فتطال لخليلها، فسلطت عليهن الحيضة، وحرمت عليهن المساجد. في «صحيح ابن خزيمة» (3: 99)، و «مصنف عبد الرزاق» (3: 143)، و «المعجم الكبير» ، وينظر:«نصب الراية» (2: 36)، و «تغليق التعليق» (2: 168).

ص: 131

والإمامُ لا يطيلُها، ولا قراءةُ الأُوْلَى إلاَّ في الفجر، ويقيمُ مؤتَمَّاً توحَّدَ عن يمينِه، ويتقدُّم إن زاد، وإن ظَهَرَ حدثُهُ يعيدُ المؤتَمّ، ويَصُفُّ الرِّجال، ثُمَّ الصِّبيان، ثُمَّ الخَناثا، ثُمَّ النِّساء، فإن حاذتُه في صلاةٍ مشتركةٍ تحريمةً وأداءً، فَسَدَتْ صلاتُه إن نَوَى إمامتَها وإلاَّ صلاتُها

(والإمامُ لا يطيلُها، ولا قراءةُ الأُوْلَى إلاَّ في الفجر

(1)

، ويقيمُ مؤتَمَّاً توحَّدَ عن يمينِه، ويتقدُّم إن زاد): أي إذا كان المؤتمُّ واحداً يأمرُهُ الإمامُ بأن يقومَ عن يمينِه، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الإمامَ آمرٌ، والمأمومُ مأمور

(2)

يَجِبُ أن يكونَ منقاداً له.

ويتقدَّمُ إن زادَ، فيه إشارةٌ إلى أن القومَ إذا كانوا كثيراً، فالأَوْلَى أن يتقدَّم الإمامُ لا أن يأمرَهم الإمامُ بالتَّأخيرِ عنه، فإن ذلك أيسرُ من هذا.

(وإن ظَهَرَ حدثُهُ يعيدُ المؤتَمّ)؛ لأنَّ صلاةَ الإمامِ متضمِّنٌ صلاة المقتدي، ففسادُهُ يُوجِبُ فسادَه.

(ويَصُفُّ الرِّجال، ثُمَّ الصِّبيان، ثُمَّ الخَناثا

(3)

، ثُمَّ النِّساء): الخَناثا بالفتحِ: جَمْعُ الخُنْثَى كالحَبالَى جمع الحُبلى. (فإن حاذتُه في صلاةٍ مشتركةٍ تحريمةً وأداءً، فَسَدَتْ صلاتُه إن نَوَى إمامتَها، وإلاَّ صلاتُها): أي إن صلَّت على جنبِ رجلٍ امرأةٌ مشتهاةٌ بحيث لا حائل بينُهما، والصَّلاةُ مشتركةٌ تحريمةً وأداءً فسدت صلاةُ الرَّجل إن نَوَى الإمامُ إمامةَ المرأة، وإن لم ينوِ تفسدُ صلاةُ المرأة

(4)

(1)

لأنه وقت نوم وغفلة، فيطوِّل الأولى؛ لكي يدرك الناس الركعة الأولى ولا كذلك في سائر الصلوات، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهم. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 177).

(2)

زيادة من أ و ب و م.

(3)

الخَناثا جمع الخُنثى: والمراد بها من له آلة الرجال وآلة النساء معاً، أو ليس له شيء منهما أصلاً. ينظر:«اللسان» (2: 1272). «شرح السراجية» (ص 70).

(4)

ذكر للفساد بالمحاذاة شروطاً، وقد أشار المصنف والشارح إلى أكثرها، وهي:

الأول: كون المرأة بالغة، أو صبية مشتهاة.

الثاني: كونها تعقل الصلاة.

الثالث: أن تكون المحاذاة قدر ركن عند محمد رضي الله عنه، وأداء الركن معها عند أبي يوسف رضي الله عنه.

الرابع: أن تكون الصلاة مطلقة ذات ركوع وسجود.

الخامس: كون الصلاة مشتركة من حيث التحريمة والأداء.

السادس: كون الصلاة مشتركة من حيث الأداء.

السابع: اتحاد المكان، حتى لو كان أحدهما على دكان علو قامة والآخر على الأرض لا تفسد.

الثامن: اتحاد الجهة، فلو كانا يصليان في جوف الكعبة كل منهما إلى جهة غير جهة الآخر لا تفسد.

التاسع: عدم الحائل بينهما حتى لو كان بينهما اسطوانة ونحوها لا تفسد، والفرجة التي تسع إنساناً كالحائل.

والعاشر: أن ينوي الإمام إمامة النساء هكذا. وتمامه في «غنية المستملي» (ص 521 - 522).

ص: 132

................................................................................

وفسَّروا الاشتراكَ في التَّحريمة: بأن يكونا بانيين تحريمتَهما على تحريمةِ الإمام.

والشَّركةُ في الأداء: بأن يكونَ لهما إمامٌ فيما يؤدِّيانِه، إمِّا حقيقةً كالمقتديين، وإمَّا حُكْماً كاللاحقين يعني رجلٌ وامرأة اقتديا برجلٍ فسبقَهما حدثٌ فتوضَّئا وبنيا، وقد فَرَغَ الإمام، فحاذت المرأةُ الرَّجلَ فسدت صلاةُ الرَّجل.

فاللاحق وإن لم يكن له إمام حقيقة، فله إمامٌ حكماً، فإنَّه التزمَ أن يؤدِّيَ جميعَ صلاتِه خَلْفَ الإمام، فإذا سبقَهُ الحدثُ فتوضَّأ وبنا، يُجْعَلُ كأنَّه خَلْفَ الإمام حتَّى يثبتُ له أحكامُ المُقْتديين كحرمةِ القراءة، ونحوِها بخلافِ المسبوق: وهو الذي أدرك آخرَ صلاةِ الإمام، فلم يلتزم أداءَ الكُلِّ خَلْفَ الإمام، فهو في أداءِ ما لم يُدْرِكْهُ مع الإمام منفردٌ حتَّى تَجِبَ عليه القراءة، فالمسبوقانَ وإن كانا مشتركين في التَّحريمةِ إذ بنيا تحريمتَهما على تحريمةِ الإمام، فليسا مشتركين في الأداء، فإن حاذت المرأةُ رجلاً في أداءِ ما سبق، لم تفسدْ صلاةُ الرَّجل؛ لعدمِ الشَّركة في الأداء.

أقولُ: في تفسيرِ الشَّركةِ في التَّحريمةِ والأداءِ تساهل، وينبغي أن يقالَ الشَّركةُ في التَّحريمة: أن يَبْنِيَ أحدُهما تحريمتَهُ على تحريمةِ الآخر، أو بنيا تحريمتَهما على تحريمةِ ثالث، والشَّركةُ في الأداء: بأن يكون أحدُهما إماماً للآخر فيما يؤدِّيه، أو أن يكونَ لهما إمامٌ فيما يؤدِّيانِه حتَّى يشمل الشَّركة بين الإمامِ والمأموم؛ فإن محاذاةَ المرأةِ الإمامَ مفسدةٌ صلاةَ الإمام مع أنَّه لا اشتراك بينَهما تحريمةً وأداءً بالتَّفسير الذي ذكروا.

وأيضاً لا أجدُ فائدةً في ذِكْرِ الشَّركةِ في التَّحريمة، بل يكفي ذِكْرُ الشَّركة في الأداء، فإنَّ الإمامَ إذا سبقَهُ الحدثُ فاستخلفَ آخر، فاقتدى أحد بالخليفة، فالشَّركةُ في الأداءِ ثابتةٌ (في الأداء)

(1)

بين الذي اقتدى بالخليفة وبين الإمام الأوَّل، وكلُّ مَن اقتدي به باعتبارِ أنَّ لهم إماماً فيما يؤدُّونَه، وهو الخليفة، ولا شركة بينهم في التَّحريمة؛ لأنَّ المقتدي بالخليفةِ بَنَى تحريمتَهُ على تحريمةِ الخليفة، والإمامُ الأَوَّل ومَن اقتدى به لم يَبْنُوا تحريمتَهم على تحريمةِ الخليفة، فلم تُوجِدْ بينَهم الشَّركةُ في

(2)

تحريمة، ومع ذلك لو كانت المرأةُ من إحدى الطَّائفتين، إمَّا من المقتدين بالإمامِ الأَوَّل، أو من المقتدين بالخليفة، فحاذت الطَّائفة

(1)

زيادة من ص و ف و م.

(2)

زيادة من أ و ب.

ص: 133

صلَّى أُمِّيٌّ بقارئ وأُمِّيّ، أو استخلفَ في الأُخريين أمِّيَاً فسدت صلاةُ الكلّ

الأُخرى تفسدُ الصَّلاة باعتبارِ الشَّركة في الأداءِ لا التَّحريمة

(1)

.

ولو قيل: الشَّركةُ في التَّحريمةِ ثابتةٌ تقديراً.

فأقول: فالشَّركةَ في الأداءِ لا توجدُ بدون الشَّركةِ في التَّحريمة، والشَّركةُ في التَّحريمة قد توجدُ بدون الشَّركة في الأداء، كما في المسبوق، فلا حاجةَ إلى ذِكْرِ الشَّركةِ في التَّحريمة، هذا إذا نَوَى الإمامُ إمامةَ المرأة، أمَّا إذا لم ينوِ لم يصحَّ اقتداءُ المرأة، فتفسد صلاتُها؛ لأنَّها لم تقرأ بناءً على أنَّ قراءةَ الإمام قراءة لها، ولم يكن كذلك، فبقيت بلا قراءة، وعُلِمَ من هذه المسألةِ أنَّ المرأةَ إذا اقتدت بالإمام محاذيةً لرجلٍ لا يصحُّ اقتداؤُها إلاَّ أن يَنْوِيَ الإمامُ إمامتَها، أمَّا إذا لم تقتدِ محاذيةً لرجل، هل يشترطُ نيَّةُ الإمام، ففيه روايتان

(2)

.

(صلَّى أُمِّيٌّ بقارئ وأُمِّيّ، أو استخلفَ في الأُخريين أمِّيَاً فسدت صلاةُ الكلّ): أي إن أمَّ أُمِّيٌّ قارئاً وأمِّيَاً فسدت صلاةُ الكلّ، أمَّا صلاةُ القارئ؛ فلأنَّه تركَ القراءةَ مع القدرةِ عليها، وأمَّا صلاةُ الأمِّيَيْن؛ فلأنَّهما لَمَّا رغبا في الجماعةِ وَجَبَ أن يقتديا بالقارئ؛ ليكون قراءتُهُ قراءةً لهما، فتركا القراءةَ التَّقديريَّة مع القدرةِ عليها، ولو استخلفَ القارئُ في الأُخريين أُمِّيَاً فسدت صلاةُ الكلِّ خلافاً لزُفَر رضي الله عنه، فإنَّ فرضَ القراءة قد أُدِّي في الأُولَيَيْن، قلنا: يجبُ القراءةُ في جميعِ الصَّلاة تحقيقاً، أو تقديراً

(3)

، ولم توجد.

(1)

أجيب عن هذين الاعتراضين للشارح: أما الأول فإنهم ذكروا الشركة في التحريمة؛ لأن الشركة في الأداء تتوقف عليها، وفرق بين التنصيص على الشيء وبين كونه لازماً لشيء. وأما الثاني: فإن الشركة ثابتة بين الإمام والمأموم تقديراً بناءً على أن تحريمة الخليفة مبنية على تحريمة الإمام الأول فتحصل المشاركة بينهما تحريمة. ينظر: «رد المحتار» (1: 386).

(2)

قيل: يشترط، وقيل: لا، كجنازة وكجمعة وعيد على الأصح، ينظر:«الخلاصة» ، و «الأشباه» ، وإن لم تحاذ أحداً تمت صلاتها، وإلا لا. ينظر:«الدر المختار» (1: 285). وفي «رد المحتار» (1: 387): جعل الزيلعي الأكثر على الاشتراط وأجمعوا على عدمه في الجنازة. وقال صاحب «المختار» (1: 81): ولا تدخل المرأة في صلاة الرجل إلا أن ينويها الإمام.

(3)

ففي صورة استخلاف الأمي لم توجد القراءة فيهما لا تحقيقاً، وهو ظاهر، ولا تقديراً إذ لا تقدير في حق الأمي لانعدام الأهلية، فتفسد صلاته، وبفسادها تفسد صلاة المتقدمين، فإن صلاتهم مبنية على صلاة الإمام صحة وفساداً. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 183).

ص: 134

[باب الحدث في الصلاة]

مصلٍّ سبقَهُ الحدثُ توضَّأَ وأتمَّ ولو بعد التَّشهُّد والاستئنافُ أفضل، والإمامُ يجرُّ آخرَ إلى مكانِه، ثُمَّ

[باب الحدث في الصلاة]

(مصلٍّ سبقَهُ الحدثُ توضَّأَ وأتمَّ)

(1)

خلافاً للشَّافِعِيِّ

(2)

رضي الله عنه، (ولو بعد التَّشهُّد) خلافاً لهما؛ فإنَّه إذا قعدَ قَدْرَ التَّشهُّد تمَّت صلاتُه، وعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه لم يَتِمّ؛ لأنَّ الخروجَ بصنعِهِ فرضٌ عنده، (والاستئنافُ

(3)

أفضل)

(4)

.

لَمَّا ذَكَرَ حُكْماً إجمالياً شاملاً لجميعِ المصلين، فصَّلَ حكمَ كلّ واحدٍ من الإمام، والمنفرد، والمقتدي، فقال:(والإمامُ يجرُّ آخرَ إلى مكانِه): هذا تفسيرُ الاستخلاف، (ثُمَّ

(1)

للبناء شروط، وهي:

الأول: كون الحدث سماوياً، وهو ما لا اختيار للعبد فيه، ولا في سببه.

والثاني: غير موجب لغسل.

والثالث: غير نادر الوجود، نحو القهقهة والإغماء.

والرابع: عدم تأدية ركن مع الحدث، أو مشي.

والخامس: عدم فعل منافٍ، أو فعل له منه بد.

والسادس: عدم التراخي بلا عذر كزحمة.

والسابع: عدم ظهور حدثه السابق كمضي مدة مسحه.

والثامن: عدم تذكر فائتة وهو ذو ترتيب.

والتاسع: عدم إتمام المؤتم في غير مكانه.

والعاشر: عدم استخلاف إمام غير صالح للصلاة. ينظر: «الدر المختار» وحاشيته «رد المحتار» (1: 403).

(2)

ينظر: «حاشيتا قليوبي وعميرة» (1: 204)، و «نهاية المحتاج شرح المنهاج» (2: 13)، و «حاشية الجمل» (1: 413).

(3)

معنى الاستئناف: أي يعمل عملاً يقطع الصلاة، ثم يشرع بعد الوضوء. ينظر:«حاشية الشلبي على التبيين» (1: 145).

(4)

تحرزاً عن شبهة الخلاف، وقيل: إن المنفرد يستقبل، والإمام والمقتدي يبني؛ صيانة لفضيلة الجماعة. ينظر:«الهداية» (1: 331).

ص: 135

يتوضَّأ ويتمُّ ثَمَّة، أو يعود، وكذا المنفرد إن فرغَ إمامُه، وإلاّ عاد، وكذا المُقْتدي، ولو جُنّ، أو أُغْميَ عليه، أو احْتَلَم، أو قهقَه، أو أحدثَ عمداً، أو أصابه بولٌ كثير، أو شُجَّ فسال، أو ظنَّ أنه أحدث فخرج من المسجد، أو جاوزَ الصُّفوفَ خارجه، ثُمَّ ظهرَ طهرُهُ بَطَلَتْ، ولو لم يخرج، أو لم يتجاوز بَنَى

يتوضَّأ ويتمُّ ثَمَّة، أو يعود): أي إن شاءَ يُتِمُّ حيث توضَّأ، وإن شاءَ توضَّأ، وعاد إلى المكان الأَوَّل، وإنِّما خُيِّر

(1)

؛ لأنَّ في الأَوَّلِ قلَّةَ المَشْي، وفي الثَّاني أداءَ الصَّلاة في مكانٍ واحد

(2)

، فيميلُ إلى أيِّهما شاء.

«وكذا المنفرد)

(3)

): أي إن شاءَ يتمُّ حيث توضَّأ، وإن شاءَ عاد.

(إن فرغَ إمامُه): متصلٌ بقولهِ: ويتمُّ ثَمَّة أو يعود، والضَّميرُ في إمامِهِ يرجع إلى الإمام الأَوَّل

(4)

، وإمامُهُ هو الذي استخلفَه، فإنَّ الخليفةَ إمامٌ للإمامِ الأَوَّلِ وللقوم، (وإلاّ عاد)

(5)

: أي وإن لم يفرغْ إمامُه، وهو الخليفة، يعودُ الإمام ويُتِمُّ خلفَ خليفته.

(وكذا المُقْتدي): أي إن فرغَ إمامُه يُتِمُّ ثَمَّه، أو يعود، وإن لم يَفْرُغْ يعود.

(ولو جُنّ، أو أُغْميَ عليه، أو احْتَلَم): أي نامَ في صلاتِه نوماً لا ينقضُ وضوؤه به

(6)

فاحتلم، (أو قهقَه، أو أحدثَ عمداً، أو أصابه بولٌ كثير، أو شُجَّ

(7)

فسال، أو ظنَّ أنه أحدث فخرج من المسجد، أو جاوزَ الصُّفوفَ خارجه، ثُمَّ ظهرَ طهرُهُ بَطَلَتْ، ولو لم يخرج، أو لم يتجاوز بَنَى): اعلم أن هذه الحوادثَ حوادثُ

(8)

نادرة، فلم تكنْ في معنى ما وَرَدَ به النَّصّ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاءَ، أَوْ رَعَفَ فِي صَلاتِه، فَلْيَنْصَرِفْ، وَلِيَتَوَضَّأ،

(1)

وهو اختيار شيخ الإسلام والإمام السرخسيّ، وهو أفضل. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 114).

(2)

في الثاني قلة المشي وهو اختيار البعض. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 114).

(3)

في ب و ج و ص: كالمنفرد.

(4)

زيادة من أ.

(5)

وجوباً إذا لم يكن بين موضع الصلاة وبين موضع وضوئه ما يمنع صحة الاقتداء كالطريق والنهر ونحوهما، فإن كان خيِّر بين أن يعود وبين أن يتم فبذلك الموضع. ينظر:«العمدة» (1: 184).

(6)

زيادة من أ.

(7)

أي أصابه حجر فشج رأسه. ينظر: «شرح الوقاية» لابن ملك (ق 33/أ)، وينظر:«اللسان» (3: 2197).

(8)

زيادة من ص و م.

ص: 136

ولو أحدثَ عمداً بعد التَّشهُّد، أو عَمِلَ عَمَلاً ما يُنافيها تمَّتْ، ويبطلُها بعده: رؤيةُ المتيمِّمِ الماء، ونَزعُ الماسحِ خفَّهُ بعملٍ يسير، ومضي مدَّةِ مسحِه، وتعلُّمُ الأميِّ سورة، ونيلُ العاري ثوباً، وقدرةُ المومئ على الأركان، وتذكُّر فائتة، وتقديمُ القارئ أُمِّياً، وطلوعُ ذُكاء في الفجر، ودخولُ وقتِ العصرِ في الجُمُعة، وزوالُ عُذْرِ المعذور، وسقوطُ الجبيرةِ عن بُرْء، وكذا قهقهةُ الإمام، وحدثُه عمداً يفسدُ صلاةَ المسبوق

وَلِيَبْنِ عَلَى صَلاتِه مَا لَمْ يَتَكَلَّم»

(1)

.

(ولو أحدثَ عمداً بعد التَّشهُّد، أو عَمِلَ عَمَلاً

(2)

ما يُنافيها تمَّتْ)؛ لوجودِ الخروجِ بصنعِه، (ويبطلُها بعده): أي بعد التَّشهُّد عند أبي حنيفة رضي الله عنه: (رؤيةُ المتيمِّمِ الماء، ونَزعُ الماسحِ خفَّهُ بعملٍ يسير) إنِّما قال بعمل يسير؛ لأنَّه لو عَمِلَ هناك عملاً كثيراً يُتِمُّ صلاتَه، (ومضي مدَّةِ مسحِه، وتعلُّمُ الأميِّ سورة

(3)

، ونيلُ العاري ثوباً، وقدرةُ المومئ على الأركان، وتذكُّرِ فائتة): أي لصاحب التَّرتيب، (وتقديمُ القارئ أُمِّياً، وطلوعُ ذُكاء في الفجر، ودخولُ وقتِ العصرِ في الجُمُعة، وزوالُ عُذْرِ المعذور، وسقوطُ الجبيرةِ عن بُرْء) الخلافُ في هذه المسائل الاثني عشرَ بين أبي حنيفة وصاحبيه مَبْنِيٌّ على أنَّ الخروجَ بصنعِهِ فرضٌ عنده لا عندهما

(4)

.

(وكذا قهقهةُ الإمام، وحدثُه عمداً يفسدُ

(5)

صلاةَ المسبوق): أي تبطلُ بعد

(1)

عن عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصابه قيء، أو رعاف، أو قلس، أو مذي، فلينصرف فليتوضَّأ، ثُمَّ ليبن على صلاته، وهو في ذلك لا يتكلَّم» في «سنن ابن ماجه» (1: 385)، واللفظ له، و «سنن الدارقطني» (1: 155)، قال الزيلعي في «نصب الراية» (1: 38): حديث عائشة رضي الله عنه صحيح.

(2)

زيادة من ب و ف.

(3)

يعني صلى بلا قراءة فبعدما قعد قدر التشهد تعلم ما يجوز به الصلاة آية، أو ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة، فذكر السورة اتفاقي، وذلك بأن سمع من قارئ سورة الإخلاص مثلاً فقدر على قراءتها وحفظها، فحينئذٍ تبطل صلاته؛ لرفع العجز ووجود القدرة على القراءة. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 186).

(4)

هذا على تخريج أبي سعيد البردعي رضي الله عنه، وخرَّجها الكرخي على أصل آخر: وهو أن عند أبي حنيفة رضي الله عنه ما غيَّر الفرض في أوله غيره في آخره، مثل نية الإقامة للمسافر واقتداء المسافر بالمقيم. وتمامه في «تأسيس النظر» (ص 3).

(5)

زيادة من م.

ص: 137

لا كلامُهُ وخروجُهُ من المسجد، إمامٌ حَصِرَ عن القراءة فاستخلفَ صحَّ كتقديمه مسبوقاً، فيتمُّ صلاةَ الإمامِ أَوَّلاً، ويُقَدِّمُ مُدْرِكاً؛ ليسلِّمَ بهم، وحين أتمَّها يضرُّه المنافي، والأوَّلُ إلاَّ عند فراغِه لا القوم، مَن رَكَع أو سجدَ فأحدث أو ذَكَرَ سَجْدةً فسَجَدَها يعيدُ ما أحدثَ فيه إن بَنَى حتماً، وما ذَكَرَها فيه ندباً

التَّشهُّد صلاةُ المسبوق؛ لوقوعِه في خلالِ صلاتِه

(1)

، (لا كلامُهُ وخروجُهُ من المسجد): أي إن تكلَّمَ الإمامُ بعد التَّشهُّدِ لا يُبْطِلُ صلاةَ المسبوق؛ لأنَّ الكلامَ كالسَّلام منه للصَّلاة.

(إمامٌ حَصِرَ

(2)

عن القراءة فاستخلفَ صحَّ) عند أبي حنيفة رضي الله عنه خلافاً لهما

(3)

، وهذا إذا لم يقرأ مقدارَ

(4)

ما يجوزُ به الصَّلاةُ، أمَّا إذا قرأ تفسدُ صلاتُه؛ لأنَّ الاستخلافَ عملٌ كثير، فيجوز حالةَ الضَّرورة، (كتقديمه مسبوقاً): أي كتقديمِ الإمامِ مسبوقاً سواءٌ أحدثَ الإمام، أو حَصِر، فإنَّه ينبغي أن يقدِّمَ مُدْرِكاً لا مسبوقاً، ومع ذلك إن قَدَّم مسبوقاً يصحّ.

(فيتمُّ صلاةَ الإمامِ أَوَّلاً، ويُقَدِّمُ مُدْرِكاً؛ ليسلِّمَ بهم، وحين أتمَّها يضرُّه المنافي، والأوَّلُ إلاَّ عند فراغِه لا القوم): أي حين أتمَّ المسبوقُ صلاةَ الإمام لو وُجِدَ منه منافي الصَّلاة كالقَهْقَهة، والكلام، والخروجِ من المسجدِ تَفْسُدُ صلاتُه، وصلاةُ الإمام الأَوَّل؛ لأنَّه وجدَ في خلالِ صلاتِهما إلاَّ عند فراغِ الإمامِ الأَوَّل بأن توضَّأ وأدركَ خليفتَه بحيث لم يفتْهُ شيء، وأتمَّ صلاتَهُ خَلْفَ خليفتِه، ولا تفسدُ صلاةُ القوم؛ لأنَّه قد تَمَّتْ صلاتُهم.

(مَن رَكَع، أو سجدَ فأحدث، أو ذَكَرَ سَجْدةً فسَجَدَها يعيدُ ما أحدثَ فيه إن بَنَى حتماً، وما ذَكَرَها فيه ندباً): أي مَن أحدثَ في ركوعِه، أو سجودِه وتوضَّأ، وبَنَى

(1)

هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وله أن القهقهة مفسدة للجزء الذي لاقته من صلاة الإمام، فتفسد مثله من صلاة المأموم، إلا ان الإمام لا يحتاج إلى البناء، والمسبوق يحتاج إليه؛ لبقاء الفرائض، وفساد ذلك الجزء يمنعه من بناء ما بقي عليه؛ لأن المبني على الفاسد فاسد، فيلزمه الاستئناف، بخلاف السلام؛ لأنه محلِّل لا مفسد؛ ولهذا لا يفوت به شرط الصلاة، وهو الطهارة، فإذا صادف جزءاً لم يفسده، فلم يؤثر ذلك في حكم المسبوق، ولكنه يقطعه في أوانه. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 298).

(2)

حَصِرَ: كل ما امتنع من شيء فلم يقدر عليه فقد حصر عنه، ولهذا قيل حَصِر في القراءة. ينظر:«مختار» (ص 140).

(3)

لأن الحصر نادر فلا يلحق بما ورد به النص، وله أن جواز الاستخلاف لعلة العجز، وهو في صورة الحصر ألزم، والعجز عن القراءة غير نادر. ينظر:«العمدة» (1: 187).

(4)

سقطت من ف و م، وفي أ: قدر، وفي ص: بقدر.

ص: 138

إن أمَّ واحداً فأحدث، فالرُّجلُ إمامٌ بلا نيَّة إن كان وإلاَّ قيل: تفسدُ صلاتُه.

‌باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها

يفسدُها الكلامُ ولو سهواً، أو في نوم، والسَّلامُ عمداً

فلا بُدَّ له

(1)

أن يعيدَ الرُّكوعَ والسُّجودَ الذي أحدث فيه. وإن تذكَّرَ في ركوعِه أو سجودِه أنَّه تركَ سجدةً في الرَّكعةِ الأولى فقضاها، لا يَجِبُ عليه إعادة الرُّكوع أو السُّجود الذي تذكَّرَ فيه، لكن إن أعاد يكونُ مندوباً

(2)

.

(إن أمَّ واحداً فأحدث، فالرُّجلُ إمامٌ بلا نيَّة إن كان وإلاَّ قيل: تفسدُ

(3)

صلاتُه): أي إن أمَّ واحداً فأحدثَ الإمام، فإن كان المؤتمُّ رجلاً يصيرُ إماماً من غيرِ أن ينوي الإمامُ إمامتَه؛ لأنَّ النِيَّةَ للتَّعيين، وهنا هو متعيِّن

(4)

، وإن كان امرأةً، أو صبياً، قيل: تفسُدُ صلاةُ الإمام؛ لأنَّ المرأةَ أو الصَّبيَّ صارَ إماماً له لتعيُّنِه، وقيل: لا تفسُدُ

(5)

؛ لأنَّه لم يوجدْ منه الاستخلاف، وفي صورة الرَّجل إنِّما يصيرُ إماماً؛ لتعيُّنِه وصلاحيَّتِه، وهاهنا لم يَصْلُحْ، فلم يصرْ إماماً، والإمامُ إمامٌ كما كان، لكن المقتدي بقي بلا إمامٍ فتفسدُ صلاتُه

(6)

.

باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها

(يفسدُها الكلامُ ولو سهواً، أو في نوم، والسَّلامُ عمداً

(7)

)، قيَّدَ بالعمد؛ لأنَّ السَّلامَ سهواً غيرُ مفسد؛ لأنَّه من الأذكار، ففي غير العمدِ يُجْعَلُ ذِكْراً، وفي العمدِ يُجْعَلُ

(1)

زيادة من أ.

(2)

لتقع الأفعال مرتبة بالقدر الممكن، ولا تجب عليه إعادتهما خلافاً لأبي يوسف رضي الله عنه؛ لأن القومة التي بين الركوع والسجود عنده فرض. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 117).

(3)

في أ و ص و ف: تبطل.

(4)

أي للاستخلاف بلا مزاحم؛ فلا حاجة إلى الاستخلاف. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 116).

(5)

صححه صاحب «الملتقى» (ص 17)، و «التنوير» (1: 412).

(6)

اتفاقاً في الصورتين، هذا إذا لم يستخلفه، أما إن استخلفه فصلاة الإمام والمستخلف كليهما باطلةٌ اتفاقاً. ينظر:«الدر المختار» (1: 412).

(7)

المراد به السلام من الصلاة للتحليل، لا السلام على إنسان، إذ السلام على إنسان مفسدٌ عمداً كان أو سهواً. وتمامه في «حاشية الشرنبلالي على الدرر» (1: 100 - 101). وينظر: «البحر» (2: 8 - 9)، و «فتح باب العناية» (1: 301)، و «رد المحتار» (1: 414).

ص: 139

وردُّه والأنين، والتَّأوَّه، والتَّأفيف، وبكاءٌ بصوتٍ من وجعٍ أو مُصِيبة، وتنحنحٌ بلا عُذْر، وتَشْميتُ عاطس، وجوابُ خبرِ سوءٍ بالاسترجاع، وسارٍ بالحمدلة، وعجبٍ بالسَّبحلة والهيللة، وفتحُهُ على غيرِ إمامِه، وقراءتُهُ من مصحف، وسجودُهُ على نجس، والدُّعاءُ بما يسألُ من

كلاماً، (وردُّه)، لم يقيِّدِ الرَّدَّ بالعمد، ويخطر ببالي أنَّه إنِّما أطلق؛ لأنه مفسدٌ عمداً كان، أو سهواً؛ لأن ردَّ السَّلامِ ليس من الأذكار، بل هو كلام، وتخاطُبٌ، والكلامُ مُفْسدٌ عَمَداً كان

(1)

أو سَهْواً.

(والأنين، والتَّأوَّه، والتَّأفيف

(2)

، وبكاءٌ

(3)

بصوتٍ من وجعٍ أو مُصِيبة، وتنحنحٌ بلا عُذْر، وتَشْميتُ عاطس، وجوابُ

(4)

خبرِ سوءٍ بالاسترجاع

(5)

، وسارٍ بالحمدلة، وعجبٍ بالسَّبحلة والهيللة

(6)

، وفتحُهُ على غيرِ إمامِه)، وإنِّما قال: على غيرِ إمامِه؛ لأنَّ فتحَهُ على إمامِه لا يفسد.

قال بعضُ المشايخ: إذا قرأَ إمامُهُ مقدارَ ما يجوزُ به الصَّلاة، أو انتقلَ إلى آيةٍ أُخْرى ففتحَ تفسدُ صلاةُ الفاتح، وإن أخذَ الإمامُ منه تفسدُ صلاةُ الإمامِ أيضاً.

وبعضُهم قالوا: لا تفسدُ في شيء من ذلك، وسمعتُ أن الفتوى على ذلك

(7)

.

(وقراءتُهُ من مصحف

(8)

، وسجودُهُ على نجس، والدُّعاءُ بما يسألُ من

(1)

سقطت من م.

(2)

إلا إذا كان مريضاً لا يملك نفسه عن الأنين والتأوه؛ لأن أنينه حينئذٍ كالعطاس إذا حصل بهما حروف. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 302).

(3)

إلا لأمر الآخرة. ينظر: «النقاية» (ص 25).

(4)

أما إذا لم يرد جوابه، وأراد به إعلامه أنه في الصلاة فلا تفسد بالإجماع. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 303).

(5)

بأن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. ينظر: «درر الحكام» (1: 102).

(6)

الهيللة: أن يقول لا إله إلا الله.

(7)

وصححه الشرنبلالي في «حاشيته على الدرر» (1: 103)، واللكنوي في «العمدة» (1: 191)، وفي «قوت المغتذين بفتح المقتدين» (ص 21 - 22). وهو الأصح ينظر:«رد المحتار» (1: 418)، وفي «مجمع الأنهر» (1: 119). وتمام مسائل الفتح على الإمام في «قوت المغتذين» .

(8)

لأن الأخذ من المصحف تلقَّن من الخارج فتفسد به الصلاة سواء كان المصحف محمولاً أو موضوعاً وسواء قلب المصلي أوراقه أو قلبها غيره، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأما عند أبي يوسف ومحمد فلا تفسد، بل تكره، وعند الشافعي لا يكره، ينظر:«الوسيط» (2: 184)، «حلية العلماء» (2: 89). وتمام مسائل الأخذ من المصحف في «القول الأشرف في الفتح عن المصحف» (ص 55).

ص: 140

النَّاس، وأكلُه، وشربُه، وكلُّ عملٍ كثير، مَن صلَّى ركعةً ثُمَّ شرع، صلَّى كَمُلاً إن شرع في أُخرى وإلاَّ أتمَّ الأولى

النَّاس)

(1)

، نحو: اللَّهُمَّ زوِّجني فلانة، أو أعطني ألفَ دينار، ونحو ذلك، (وأكلُه، وشربُه، وكلُّ عملٍ كثير)، اختلفَ مشايخنا في تفسيرِ العملِ الكثير:

فقيل: هو ما يحتاجُ فيه إلى تحريكِ اليدين.

وقيل: ما يعلَمُ ناظرُهُ أنَّ عاملَهُ غيرُ مصلّ، وعامةُ المشايخِ على هذا

(2)

.

وقيل

(3)

: ما يستكثره المصلِّي، قال الإمامُ السَّرَخْسِيُّ: هذا أقربُ إلى مذهبِ أبي حنيفة رضي الله عنه، فإنَّ دأبَه التَّفويض إلى رأي المبتلى به.

(مَن صلَّى ركعةً ثُمَّ شرع، صلَّى كَمُلاً إن شرع في أُخرى وإلاَّ أتمَّ الأولى): أي إن صلَّى ركعةً من صلاة، ثُمَّ شَرَع: أي نَوَى وجدَّد التَّحريمةَ من غيرِ رفعِ اليدين

(4)

، فإن شرعَ في صلاةٍ أُخرى يُتِمُّ هذه الأُخرى، ولا يحتسبُ منها الرَّكعة التي صلاَّها، وإن شرعَ في الصَّلاة الأولى، فالرَّكعةُ التي صلاَّها محسوبة، فيتمُّ الأولى.

(1)

أي قبل التشهد؛ لأن حقيقة كلام الناس بعد التشهد لا يفسد الصلاة فكيف ما يشبهه، وهذا عندهما ظاهر، وكذا عند أبي حنيفة؛ لأن كلام الناس صنع من المصلي فتتم به صلاته فكان بالدعاء الذي يشبه كلام الناس بعد التشهد خارجاً عن الصلاة لا مفسداً لها. ينظر:«العناية» (1: 277).

(2)

اختاره الحصكفي في «الدر المنتقى» (1: 120)، وصححه السرخسي في «المبسوط» (1: 191)، والكاساني في «البدائع» (1: 241)، وتابعه صاحب «التبيين» ، وقال في «المحيط»: إنه الأحسن، وقال الصدر الشهيد: إنه الصواب. ينظر: «حاشية الشرنبلالي على الدرر» (1: 104).

(3)

وقيل: ما يكون ثلاثاً متواليات حتى لو روح على نفسه بمروحة ثلاثاً أو حك موضعاً من جسده ثلاثاً تفسد على الولاء.

وقيل: ما يكون مقصوداً للفاعل بأن يفرد له مجلس على حدة كما إذا مس زوجته بشهوة فإنه مفسد. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 120).

(4)

هذا قيدٌ اتّفاقيّ، ذكره لتكون المسألة اتفاقيّة، فإنّ منهم مَن صرَّح بأنّ رفعَ اليدين في أثناءِ الصلاةِ مفسد، وهو قول شاذّ مردود، فلو جدّد التحريمة مع رفعِ اليدين أيضاً، فالحكمُ هو ما ذكره، فإنّ رفعَ اليدين غير مفسد على القولِ الصحيح الذي ليس ما سواء إلا غلطاً. ينظر:«العمدة» (1: 193).

ص: 141

ولا يفسدُها بكاؤه من ذكرِ الجنَّة، أو النَّار، والتَّنحنحُ بعذر، والدُّعاء بما لا يسأل من النَّاس، والعملُ القليلُ، ومرورُ أحد، ويأثمُ إن مرَّ في مَسْجَدِهِ على الأرضِ بلا حائل

(ولا يفسدُها بكاؤه من ذكرِ الجنَّة، أو النَّار، والتَّنحنحُ بعذر، (والدُّعاء بما لا يسأل من النَّاس)

(1)

، والعملُ القليل)، وهو ضدُّ الكثير على اختلاف الأقوال، (ومرورُ أحد، ويأثمُ إن مرَّ في مَسْجَدِهِ على الأرضِ بلا حائل)، المَسْجِدُ من الألفاظِ التي جاءت على المَفْعِلِ بالكسر، ويجوزُ فيها الفتحُ على القياس

(2)

، والفقهاءُ إذا قالوا: بالفتح أرادوا موضع السُّجود، وإن قالوا بالكسرِ أرادوا: المعنى المشهور، فإنَّهم لم يجدوا الكسر، وهو خلافُ القياس إلاَّ في المعنى المشهور، ففي المعنى الأوَّلُ استمرُّوا على القياس، والمرادُ من المَسْجَدِ هاهنا موضعُ السُّجود، فإن المرورَ في موضعِ السُّجُود يوجبُ الإثم.

وفي تفسيرِ موضعِ السُّجُود تفصيل، فاعلم أنَّ الصَّلاةَ إن كانت في المسجدِ الصَّغير، فالمرورُ أمامَ المصلِّي حيث كان يوجبُ الإثم؛ لأنَّ المسجدَ الصَّغيرَ

(3)

مكانٌ واحد، فأَمَامَ المصلِّي حيث كان في حكمِ موضعِ السُّجُود، وإن كانت في المسجدِ الكبير، أو في الصَّحراء:

فعند بعضِ المشايخ: إن مرَّ في موضعِ السُّجُود يأثم، وإلاَّ فلا

(4)

.

وعند البعض

(5)

: الموضعُ الذي يقعُ عليه النَّظر إذا كان المصلِّي ناظراً في موضع سجودِهِ له حكمُ موضعِ السُّجُود، فيأثمُ بالمرورِ في ذلك الموضع

(6)

.

(1)

زيادة من ف و م.

(2)

قال الفراء: كل ما كان على فَعَلَ يَفْعُلُ، مثل: دَخَلَ يَدْخُلُ، فالمَفْعَلُ منه بالفتح اسماً كان أو مصدراً، ولا يقع فيه الفرق مثل دَخَلَ مَدْخَلاً، وهذا مَدْخَلُهُ إلا أحرفاً من الأسماء ألزموها كسر العين، من ذلك المسجِد والمطلِع والمغرِب

وربما فتح العرب في الاسم، فسمع المسجِد والمسجَد،

وقال: والفتح في كلِّه جائز وإن لم نسمعه. ينظر: «اللسان» (3: 1941).

(3)

قدروا المسجد الصغير أقل من ستين ذراعاً، وقيل: أربعين. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 121).

(4)

اختاره صاحب «الكَنْز» (ص 15)، و «الملتقى» (ص 17)، وشمس الأئمة، وقاضي خان، وصاحب «الهداية» (1: 63)، واستحسنه في «المحيط» ، وصححه صاحب «التبيين» (1: 160)، والحصكفي في «الدر المنتقى» (1: 121)، و «الدر المختار» (1: 426). وصاحب «البحر» (2: 17).

(5)

ذكر الشارح أبرز وأشهر رأيين، وقيل غيرها: فقيل: في الصحراء يأثم في مقدار صفين، أو ثلاثة. وقيل: ثلاثة أذرع. وقيل: خمسة. وقيل: أربعين. وقيل: خمسين. كذا في «مجمع الأنهر» (1: 112).

(6)

صححه التمرتاشي، وصاحب «البدائع» ، واختاره فخر الإسلام، ورجحه في «النهاية» ، و «الفتح» (1: 354)، وهذا الرأي مطرد في جميع الصور ولا يحتاج إلى تفصيل ينظر: الرأي السابق. كذا في «العناية» (1: 353).

ص: 142

وحاذى الأعضاءُ الأعضاءَ لو كان على دُكان، ويَغْرِزُ أمامَهُ في الصَّحراء سترةً بقدرِ ذراع، وغِلَظِ أُصْبعٍ على أحدِ حاجبيه، ولا توضع، ولا يُخَطّ، ويدرأُه بالتَّسبيح أو الإشارة لا بهما إن عدمَ سترة، أو مرَّ بينَهُ وبينَهما، وكفى سترةُ الإمام، وجازَ تركُها عند عدمِ المرورِ والطَّريق. وكُرِهَ: سَدْلُ الثَّوب

إذا عرفت هذا، فإن كان المصلِّي على دُكان، ويمرُّ الآخرُ أمامَهُ تحت الدُّكَّان

(1)

فلا شكَّ أنَّه لم يمرَّ في موضعِ سجودِه حقيقة فلا يأثمُ على الرِّواية الأولى، وأمَّا على الثَّانية فالمارُ تحت الدُّكان إن مرَّ في موضعِ النَّظرِ إذا نظرَ في موضعِ السُّجود، فحينئذٍ إن حاذى بعضُ أعضاء المارِّ بعضُ أعضاءِ المصلِّي يأثم وإلاَّ فلا، ولهذا قال:(وحاذى الأعضاءُ الأعضاءَ لو كان على دُكان)، أخذاً بالرِّوايةِ الثَّانية

(2)

.

(ويَغْرِزُ أمامَهُ في الصَّحراء سترةً بقدرِ ذراع، وغِلَظِ أُصْبعٍ على أحدِ حاجبيه، ولا توضع، ولا يُخَطّ، ويدرأُه بالتَّسبيح أو الإشارة لا بهما

(3)

إن عدمَ سترة، أو مرَّ بينَهُ وبينَهما، وكفى سترةُ الإمام، وجازَ

(4)

تركُها عند عدمِ المرورِ والطَّريق.

وكُرِهَ: سَدْلُ الثَّوب)، في «المُغْرِب»: هو أن يُرْسلَهُ من غيرِ أن يضمَّ جانبيه، وقيل: هو أن يلقيه على رأسِهِ ويرخيهِ على منكبيه، أقولُ: هذا في الطَّيْلَسَان

(5)

، أمَّا في القَبَاء

(6)

(1)

الدُّكَّان: الدَّكَّة المبنية للجلوس عليها. ينظر: «اللسان» (2: 1406)، والمقصود منها كل مرتفع.

(2)

وفق صاحب «العناية» (1: 353) الجمع بين الروايتن، وأن المراد واحد، فقال: بين قيد عدم الحائل وقيد المحاذاة وبين قوله: إذا مر في موضع سجوده منافاة؛ لأن الجدار أو الاسطوانة لا يتصور أن يكون بينه وبين موضع سجوده، وكذلك إذا صلى على الدكان لا يتصور المرور في موضع سجوده؛ ولعلَّ معنى قوله في موضع سجوده في موضع قريب من موضع سجوده، فيؤل إلى ما اختاره فخر الإسلام أنه إذا صلى رامياً ببصره إلى موضع سجوده، فلم يقع بصره عليه لا يكره، وهذا لا منافاة فيه، فلهذا قال فخر الإسلام أنه حسن؛ لكونه مطرداً. وأيَّدَه ابنُ عابدين في «منحة الخالق» (2: 16) صاحبَ «العناية» في هذا راداً على صاحب «البحر» (2: 16) في عدم قبوله.

(3)

أي لا يجمع بين التسبيح والإشارة؛ لأن بأحدهما كفاية فيكره. ينظر: «رد المحتار» (1: 429).

(4)

أي لو صلى في مكان لا يمر فيه أحد، ولم يواجه الطريق لا يكره تركه؛ لعدم الاحتياج إليها ومع ذلك الأولى اتخاذها. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 195).

(5)

الطَّيلَسان: فارسي معرب، وهو ضرب من الأكسية. ينظر:«تاج العروس» (16: 204).

(6)

القَبَاء: الذي يلبس من الثياب، والثوب جعل منه قباءً وتقباهُ لَبِسَه. ينظر:«مختار» (ص 520)، و «القاموس» (4: 378).

ص: 143

وكَفُّهُ، وعبثُهُ به وبجسدِه، وعقصُ شعرِه، وفرقعةُ أصابعِه، والتفاتُه، وقلبُ الحصى ليسجدَ إلاَّ مرَّة، وتخصُّرُه، وتَمَطِّيه، وإقعاؤُه، وافتراشُ ذراعيْه، وتربُّعُهُ بلا عذر، وقيامُ الإمام في طاقِ المسجد، أو على دُكَّان أو على الأرضِ وحدَه، والقيامُ خَلْفَ صفٍ وَجَدَ فيه فرجةً وصورة أمامَه، أو بحذائِه أو في السَّقْف، أو معلَّقة وصلاتُهُ حاسراً رأسَه للتَّكاسل، أو للتَّهاون بها

ونحوه فهو أن يُلقيَهُ على كَتِفَيْهِ من غيرِ أن يُدْخِلَ يديهِ في كُمَّيْهِ، ويضمَّ طرفيه، (وكَفُّهُ)، وهو أن يَضُمَّ أطرافَهُ اتِّقاءَ التُّراب، ونحوه.

(وعبثُهُ به وبجسدِه، وعقصُ شعرِه): في «المُغْرِب» : هو جمعُ الشَّعْرِ على الرَّأس، وقيل: ليُّهُ وإدخال أطرافِهِ في أصولِه، (وفرقعةُ أصابعِه)، وهو أن يغمزَها ويمدَّها حتَّى تُصَوِّت، (والتفاتُه)، وهو أن ينظرَ يَمْنَةً ويَسْرَةً مع ليِّ عنقِه، وأمَّا النَّظرُ بمُؤخِّرِ عينيهِ بلا ليِّ العُنُقِ فلا يُكْرَهُ.

(وقلبُ الحصى ليسجدَ إلاَّ مرَّة، وتخصُّرُه): أي وضعُ اليد على الخاصرة، (وتَمَطِّيه): أي تمدُّدُه، (وإقعاؤُه)، وهو القعودُعلى إليتيْهِ ناصباً ركبتيه، (وافتراشُ ذراعيْه

(1)

، وتربُّعُهُ بلا عذر

(2)

، وقيامُ الإمام في طاقِ المسجد): أي في المحراب، بأن يكونَ المحرابُ كبيراً، فيقومَ فيه وحدَه، (أو على دُكَّان أو على الأرضِ وحدَه): أي يقومُ الإمامُ على الأرض والقومُ على الدُّكَّان.

(والقيامُ خَلْفَ صفٍ وَجَدَ فيه فرجةً وصورة): أي صورةُ حيوان، (أمامَه، أو بحذائِه): أي على أحد جَنْبَيه، (أو في السَّقْف، أو معلَّقة)، فإن كانت خلفَه، أو تحت قدميْهِ لا يُكْرَه

(3)

.

(وصلاتُهُ حاسراً

(4)

رأسَه للتَّكاسل، أو للتَّهاون بها): أي ليس المرادُ بالتَّهاون

(1)

أي بأن يبسط ذراعيه في حالة السجود ولا يجافيها عن الأرض، قال صاحب «البحر» (2: 25): إنها تحريمية.

(2)

وهو مكروه تنْزيهاً؛ لترك الجلسة المسنونة. ينظر: «الدر المختار» (1: 433).

(3)

لعدم التعظيم. وتمامه في «رد المحتار» (1: 435 - 437).

(4)

قال عبد الحليم اللكنوي: تكره الصَّلاة بدونِها في البلادِ التي عادة سكانِها أنهم لا يَذْهَبُونَ إلى الكبراءِ بدون العِمَامة، بل ولا يَخْرُجونَ من بيوتِهم إلا مُتَعَمِّمين. وأمَّا في البلادِ التَّي لا يعتادونَ فيها ذلك، فلا. وقد اشتهرَ بين العوامِّ أنَّ الإمامَ إن كان غيرَ مُتَّعمِّمٍ والمقتدونَ مُتَعَمِّمينَ فَصلاتُهُم مكروهة، وهذا أيضاً زُخْرُفٌ من القولِ لا دليلَ عليه، ينظر:«نفع المفتي» (37 - 38). وفي «رفع الاشتباه عن مسألتي كشف الرووس ولبس النعال في الصلاة» للكوثري (ص 5 - 9) خلاف ذلك.

ص: 144

لا للتَّذلُّل، وفي ثيابِ البِذْلة، ومسحُ جبهتِه من التُّراب فيها، والنَّظرُ إلى السَّماء، والسُّجُودُ على كَوْرِ عِمامتِه، وعدُّ الآي والتَّسبيح فيها، ولُبْسُ ثَوْبٍ ذي صور، والوطء والبول والتَّخلي فوقَ مسجد، وغلقُ بابِه. لا نقشُهُ بالجَصِّ والسَّاجِ وماءِ الذَّهب، وقيامُه فيه ساجداً في طاقه، وصلاتُه إلى ظهرِ قاعدٍ يتحدَّث

الإهانة، فإنَّها كفر، بل المرادُ قلَّةُ رعايتِها، ومحافظةِ حُدُودِها، (لا للتَّذلُّل، وفي ثيابِ البِذْلة

(1)

)، وهو ما يُلْبَسُ في البيت، ولا يُذْهَبُ بها إلى الكُبَراء، (ومسحُ جبهتِه من التُّراب فيها، والنَّظرُ إلى السَّماء، والسُّجُودُ على كَوْرِ عِمامتِه

(2)

، وعدُّ الآي والتَّسبيح

(3)

فيها، ولُبْسُ ثَوْبٍ ذي صور

(4)

، والوطء

(5)

والبول والتَّخلي فوقَ مسجد، وغلقُ بابِه

(6)

.

لا نقشُهُ بالجَصِّ

(7)

والسَّاجِ

(8)

وماءِ الذَّهب، وقيامُه فيه

(9)

ساجداً في طاقه، وصلاتُه إلى ظهرِ قاعدٍ يتحدَّث)؛ (لأنَّه إذا رفع صوتَه بالحديثِ ربِّما يصير ذلك سبباً

(1)

البِذْلة: بكسر أولها: ما يُمْتَهنُ من الثياب. ينظر: «مختار» (ص 45).

(2)

أي من غير ضرورة حرٍّ وبردٍ، أو خشونة أرض، أما إذا كان على الرأس وسجد عليه ولم تصب جبهته الأرض لا تصح صلاته، وكثير من العوام يفعله. ينظر:«مراقي الفلاح» (ص 337).

(3)

وقع الخلاف في العدّ باليد سواء كان بأصبعه أو بخيط يمسكه، أما الغمز برؤوس الأصابع والحفظ بالقلب فلا يكره اتفاقاً، والعدُّ باللسان مفسد اتفاقاً، وقيد بالآي والتسبيح؛ لأن عدَّ غيرهما مكروه اتفاقاً، والكراهة هاهنا تنْزيهية؛ لكونه ليس من أعمال الصلاة ومنافياً للخشوع، وتمامه في «نزهة الفكر في سبحة الذكر» (ص 65 - 75).

(4)

أي تصاوير ذي روح؛ لأنه يشبه حامل الصنم. ينظر: «المراقي» (ص 341).

(5)

هذه المسألة وإن لم يكن فيها كراهة الصلاة لكن لما كانت متعلقة بالمسجد، وهو موضع الصلاة ذكرها هاهنا، فيكره مجامعة النساء، والبول، والتخلي: أي التغوط على سطح المسجد؛ لأنه في حكم المسجد. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 198).

(6)

إلا للخوف على متاعه، به يفتى. ينظر:«الدرالمختار» (1: 441).

(7)

الجَصّ: بفتح الجيم وكسرها: ما يبنى به وهو معرب. ينظر: «مختار» (ص 104).

(8)

السَّاج: خشب يجلب من الهند، والسَّاج شجر يعظم جداً، ويذهب طولاً وعرضاً، وله ورق يتغطَّى الرجل بشجرة منه، وله رائحة طيبة تشابه ورق الجوز مع رقة ونعمة. ينظر:«اللسان» (3: 2141).

(9)

أي لا يكره قيام الإمام في المسجد ساجداً في طاقه حال كون سجوده في محراب المسجد. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 37/أ).

ص: 145

وعلى بساط ذي صور لا يسجدُ عليها، وصورةٌ صغيرةٌ لا تبدو للنَّاظر، وتمثالُ غيرِ حيوان، أو حيوان مُحِيَ رأسُه، وقتلُ حيَّة، أو عقربٍ فيها، والبولُ فوق بيتٍ فيه مسجد.

‌باب صلاة الوتر والنوافل

الوترُ ثلاثَ ركعات وجب

لقطعِ الصلاة)

(1)

. (وعلى بساط ذي صور لا يسجدُ عليها، وصورةٌ صغيرةٌ

(2)

لا تبدو للنَّاظر، وتمثالُ غيرِ حيوان، (أو حيوان)

(3)

مُحِيَ رأسُه، وقتلُ حيَّة، أو عقربٍ فيها، والبولُ فوق

(4)

بيتٍ فيه مسجد): أي مكانٌ أعدَّ للصَّلاة، وجُعِلَ له محراب، وإنِّما قلنا هذالأنَّه لم يُعْطَ له حُكْمُ المسجد. (والله أعلم)

(5)

.

باب صلاة

(6)

الوتر والنوافل

(الوترُ ثلاثَ ركعات وجب)، هذا عند أبي حنيفة

(7)

رضي الله عنه، وأمَّا عندهما وعند

(1)

زيادة من أ.

(2)

أي بحيث لا تتبين تفاصيل أعضائها للناظر قائماً، وهي على الأرض. ينظر:«غنية المستملي» (ص 359).

(3)

سقطت من م.

(4)

التقييد بالفوق للمشاكلة، وإلا فلا يكره في البيت الذي فيه مسجد، فكيف فوقه، بل الظاهر عدم الكراهة في مسجد البيت أيضاً؛ فإنه ليس بمسجد حتى جاز بيعه، فلم يكن له حرمة المسجد. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 313).

(5)

زيادة من ج.

(6)

زيادة من ب و ف.

(7)

قال عبد الغني النابلسي في «كشف الستر عن فرضية الوتر» (ص 17): والحاصل أن صلاة الوتر عند أبي حنيفة رضي الله عنه فيها ثلاث روايات: في رواية: فرض عملي، وفي رواية: واجب، وفي رواية: سنة، والتوفيق بين هذه الروايات الثلاث أنه فرض عملي من جهة العمل فلا فرق من الجهة بينه وبين الفروض الاعتقادية الخمسة من جهة ترتيبه وقضائهن وواجب من جهة الاعتقاد فلا فرق بينه وبين الواجبات الظنية من هذه الجهة حتى لا يكفر جاحده، كما لا يكفر جاحد الواجبات الظنية كصلاة العيد وركعتي الطواف، وسنة من جهة الثبوت فلا فرق بينه وبين السنن من هذه الجهة؛ لثبوته بحديث الآحاد كسائر السنن.

ص: 146

بسلام ويقنتُ قبل ركوعِ الثَّالثة يكبِّرُ رافعاً يديه، ثُمَّ يقنتُ فيه أبداً دون غيرِه، ويقرأُ في كُلِّ ركعةٍ منه الفاتحة، وسورة ويتبعُ القانتَ بعد ركوعِ الوترِ لا القانتَ في الفجر، بل يسكت، وسُنَّ قبل الفجر، وبعد الظُّهر، والمغرب، والعشاء ركعتان، وقبل الظُّهْر، والجُمُعة وبعدَها أربعٌ بتسليمة واحدة، وحُبِّبَ الأَربعُ قبل العصرِ والعشاءِ وبعده.

الشَّافِعِيِّ

(1)

رضي الله عنه فهو سُنَّة، (بسلام): أي بسلامٍ واحدٍ خلافاً للشَّافِعِيّ

(2)

رضي الله عنه، (ويقنتُ قبل ركوعِ الثَّالثة)، خلافاً للشَّافِعِيّ

(3)

رضي الله عنه فإنَّ القُنُوتَ عنده بعد الرُّكوع، (يكبِّرُ رافعاً يديه، ثُمَّ يقنتُ فيه أبداً) خلافاً للشَّافِعِيِّ

(4)

رضي الله عنه فإنَّ قُنُوتَ الوترِ عنده في النِّصف الأخيرِ من رمضان فقط، (دون غيرِه)، خِلافاً للشَّافِعِيِّ

(5)

رضي الله عنه في الفجر.

(ويقرأُ في كُلِّ ركعةٍ منه الفاتحة، وسورة ويتبعُ القانتَ بعد ركوعِ الوترِ

(6)

لا القانتَ في الفجر

(7)

، بل يسكت): أي إن قرأَ الإمامُ قنوتَ الوترِ بعد الرُّكُوع يتبعُهُ المقتدي، وإن قَنَتَ الإمامُ في الفجرِ لا يتبعُهُ المقتدي، بل يسكت، والأصحُّ

(8)

أنه يسكتُ قائماً.

(وسُنَّ قبل الفجر، وبعد الظُّهر، والمغرب، والعشاء ركعتان، وقبل الظُّهْر، والجُمُعة وبعدَها أربعٌ بتسليمة واحدة

(9)

، وحُبِّبَ الأَربعُ قبل العصرِ والعشاءِ وبعده.

(1)

ينظر: «المنهاج» وشرحه «مغني المحتاج» (1: 221).

(2)

فإن الوتر عند الشافعي رضي الله عنه أقله ركعة وأكثره إحدى عشرة، والوصل بتشهد أو تشهدين. ينظر:«المنهاج» (1: 221).

(3)

ينظر: «مغني المحتاج» (1: 222).

(4)

ينظر: «التنبيه» (ص 26).

(5)

ينظر: «المنهاج» (1: 166).

(6)

لأنه مجتهد فيه. ينظر: «الدر المختار» (1: 449).

(7)

لأن قنوت الفجر منسوخ عند عدم النوازل. ينظر: «فتح باب العناية» (1:325).

(8)

واستظهره صاحب «الملتقى» «ص 18)، و «التنوير» (1: 449)، ليتابع الإمام فيما يجب متابعته فيه، وقيل: يطيل الركوع إلى أن يفرغ الإمام من القنوت، وقيل: يقعد، وقيل: يسجد إلى أن يدركه فيه تحقيقاً لمخالفته، وقال أبو يوسف رضي الله عنه: يقنت المؤتم في الفجر تبعاً لإمامه لالتزامه متابعته بالاقتداء به. وتمامه في «فتح باب العناية» (1: 325).

(9)

زيادة من ج.

ص: 147

وكُرِهَ مزيدُ النَّفلِ على أربعٍ بتسليمةٍ نهاراً، وعلى ثمانٍ ليلاً، والأربعُ أفضلُ في المَلَوَين. وفَرْضُ القراءةِ في ركعتي الفرض، وكلِّ الوتر والنَّفل، ولَزِمَ إتمامُ نفلٍ شرعَ فيه قصداً، ولو عند الطُّلُوعِ والغروب. وقضى ركعتين لو نقضَ في الشَّفْعِ الأَوَّلِ أو الثَّاني، كما لو تركَ قراءةَ شفعيْه، أو الأَوَّل، أو الثَّاني، أو إحدى الثَّاني، أو إحدى الأَوَّل، أو الأَوَّلِ وإحدى الثَّاني لا غير، وأربعٌ لو تركَ في إحدى كلِّ شفع، أو في الثَّاني وإحدى الأَوَّل

وكُرِهَ مزيدُ النَّفلِ على أربعٍ بتسليمةٍ نهاراً، وعلى ثمانٍ ليلاً، والأربعُ

(1)

أفضلُ في المَلَوَين

(2)

.

وفَرْضُ القراءةِ في ركعتي الفرض، وكلِّ الوتر والنَّفل، ولَزِمَ إتمامُ نفلٍ شرعَ فيه قصداً)، احترازٌ عن الشُّروعِ ظنَّاً كما إذا ظنَّ أنَّه لم يصلِّ فرضَ الظُّهر، فشرعَ فيه فتذكَّرَ أنَّه قد صلاَّه صارَ ما شرعَ فيه نفلاً لا يجبُ إتمامُه حتَّى لو نقضَهُ لا يجبُ القضاء، (ولو عند الطُّلُوعِ والغروب

(3)

.

وقضى ركعتين لو نقضَ في الشَّفْعِ الأَوَّلِ أو الثَّاني)، يعني لو شَرَعَ في أربعِ ركعاتٍ من النَّفل، وأفسدَها في الشَّفْعِ الأَوَّلِ يقضي الشَّفْعَ الأَوَّلَ لا الثَّاني خلافاً لأبي يوسف رضي الله عنه؛ لأنَّه لم يشرعْ في الشَّفْعِ الثَّاني، وإن على الرَّكعتين وقامَ إلى الثَّالثة وأفسدَها يقضي الشَّفْعَ الأخير فقط؛ لأنَّ الأَوَّل قد تَمّ، وهذا بناءً على أنَّ كلَّ شَفْعٍ من النَّفلِ صلاةٌ على حدة، (كما لو تركَ قراءةَ شفعيْه، أو الأَوَّل، أو الثَّاني، أو إحدى الثَّاني، أو إحدى الأَوَّل، أو الأَوَّلِ وإحدى الثَّاني لا غير): أي قضاءُ الرَّكعتيْن ليس في غيرِ هذا الصُّور، (وأربعٌ لو تركَ في إحدى كلِّ شفع، أو في الثَّاني وإحدى الأَوَّل)

(4)

.

فاعلم أنَّ الأصلَ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه أن تركَ القراءةِ في ركعتي الشَّفْعِ الأَوَّل يُبْطِلُ التَّحريمةَ حتَّى لا يصحَّ بناءُ الشَّفْعِ الثَّاني على الشَّفْعِ الأَوَّل، وفي ركعةٍ واحدةٍ لا، بل يفسدُ الأداء، فيصحُّ بناءُ الشَّفعِ الثَّاني على الشَّفْعِ الأَوَّل.

(1)

وقالا: في الليل المثنى أفضل. وطول القيام افضل من كثرة الركعات. ينظر: «الملتقى» (ص 18).

(2)

المَلَوَان: الليل والنهار، والواحد مَلا مقصور. ينظر:«الصحاح» (2: 514).

(3)

أي ولو كان الشروع في النفل في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها؛ لأنه صار لازماً بالتزامه، وإن لزمه عليها الإثم لمخالفة النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 201).

(4)

ينظر تفصيل المسألة أيضاً في «العناية» (1: 396 - 399)، و «جامع الرموز» (1: 130)، «درر الحكام» (1: 117).

ص: 148

.........................................................................

وعند محمَّدٍ رضي الله عنه التَّركُ في ركعةٍ واحدة يُبْطِلُ التَّحريمةَ أيضاً حتَّى لا يصحَّ بناءُ الثَّاني.

وعند أبي يوسف رضي الله عنه لا يُبْطِلُ التَّحريمةَ أصلاً، بل يوجبُ فسادَ الأداءِ فقط، فيصحُّ بناءُ الشَّفْع الثَّاني سواءٌ تركَ القراءةَ في ركعةٍ من الشَّفْعِ الأَوَّل، أو في ركعتيْه.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنَّ المسائلَ ثمانية؛ لأنَّ تركَ القراءة:

إمَّا مُقتصرٌ على شفعٍ واحد، وهذا في أربعِ صور، وهي ما قال في «المتن»: أو الأَوَّل، أو الثَّاني، أو إحدى الثَّاني، أو إحدى الأَوَّل، وفي هذه الأربع قضاءُ الرَّكعتينِ بالإجماع.

وإمِّا غيرُ مقتصر، بل موجودٌ في الشَّفعيْن، وهذه أيضاً في أربع مسائل؛ لأنَّه:

إمَّا أن يكونَ التَّركُ في كلِّ الأَوَّلِ مع كلِّ الثَّاني، وهو ما قال في «المتن»: كما لو تركَ قراءةَ شفعيْه.

أو مع بعضِ الثَّاني، وهو ما قال في «المتن»: أو الأَوَّلُ مع إحدى الثَّاني.

وفي هاتين المسألتين قضاءُ الرَّكعتين عند أبي حنيفةَ ومحمَّد رضي الله عنهم؛ لبطلانِ التَّحريمة عندهما، فلا يصحُّ الشُّروعُ في الشَّفْعِ الثَّاني، فعليه قضاءُ الشَّفع الأَوَّل فقط.

وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه قضاءُ الأربع؛ لأنَّه (لمَّا لم تبطلِ التَّحريمةُ)

(1)

صحَّ الشُّروعُ في الشَّفعِ الثَّاني، وقد أفسدَ الشَّفعيْن بتركِ القراءة، فيقضي أربعاً.

وإمِّا أن يكونَ التَّركُ في ركعةٍ من الشَّفع الأَوَّلِ مع كلِّ الثَّاني، أو مع ركعةٍ منه، وهما ما قال في «المتن»: وأربعٌ لو تركَ في إحدى كلِّ شفع، أو في الثَّاني وإحدى الأَوَّل، وإنِّما يقضي الأربعِ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسف- رضي الله عنه؛ لبقاءِ التَّحريمة عندهما.

أمَّا عند أبي حنيفة رضي الله عنه؛ فلأنَّه تركَ القراءةَ في ركعةٍ من الشَّفعِ الأَوَّل، والتَّحريمةُ لا تبطلُ به.

وأمَّا عند أبي يوسف رضي الله عنه؛ فلأنَّ التَّحريمةَ لا تبطلُ بالتَّرك أصلاً، وقد أفسدَ الشَّفعيْن بتركِ القراءة فيقضي أربعاً.

وعند محمَّدٍ رضي الله عنه في جميعِ الصُّور ليس إلا قضاءُ الرَّكعتين.

(2)

(1)

سقطت من أ و ص و م.

(2)

جدول توضيحي يبين الاختلاف في المسألة:

يقضي الأخريين بالاتفاق

يقضي فيها الأوليين بالاتفاق

يقضي فيها ركعتين عند أبي حنيفة ومحمد وأربعاً عند أبي يوسف

يقضي فيها أربعاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف وركعتين عند محمد

ق

ق

ق

ق

ك

ك

ك

ك

ك

ك

ك

ق

ق

ك

ق

1

ق

ق

ق

ك

ق

ك

ك

ك

ك

ق

ق

ك

ك

ق

ك

2

ك

ق

ك

ق

ق

ق

ك

ق

ك

ق

ك

ك

ق

ك

ك

3

ق

ك

ك

ق

ق

ق

ك

ك

ق

ك

ق

ق

ك

ك

ك

4

ق: إشارة إلى القراءة.

ك: إشارة إلى تركها.

ص: 149

ولا قضاءَ لو تشهَّدَ أوَّلاً ثُمَّ نقض، أو شرعَ ظاناً أنَّه عليه، أو لم يقعدْ في وسطِه

فظهرَ ما قال

(1)

في «المختصر» : فيقضي أربعاً عند أبي حنيفة رضي الله عنه فيما تركِ في إحدى الأَوَّل مع الثَّاني، أو بعضِه: أي ركعةٍ من الشَّفع الأَوَّل مع كلِّ الشَّفعِ الثَّاني، أو في

(2)

ركعةٍ منه، وعند أبي يوسف رضي الله عنه في أربعِ مسائلَ

(3)

يوجدُ التَّرك في الشَّفعيْن، وفي الباقي ركعتين، وهو ستَّةُ مسائلَ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأربع عند أبي يوسف رضي الله عنه، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه ركعتين في الكلّ

(4)

.

(ولا قضاءَ لو تشهَّدَ أوَّلاً ثُمَّ نقض): أي إن نَوَى أربع ركعاتٍ من النَّفل، وقعدَ على الرَّكعتيْن بقدرِ التَّشهُّد، ثُمَّ نَقَضَ لا قضاءَ عليه؛ لأنَّه لم يشرعْ في الشَّفع الثَّاني، فلم يَجِبْ عليه، (أو شرعَ ظاناً أنَّه عليه

(5)

)، هذه المسألةُ وإن فهمت ممَّا سبق

(6)

، وهو قولُهُ: ولَزِمَ إتمامُ نفلٍ شرعَ فيه قصداً، فهاهنا صرَّح بها، (أو لم يقعدْ في وسطِه): أي إذا صلَّى

(1)

أي الشارح رضي الله عنه في «النقاية» (ص 28 - 29).

(2)

زيادة من م.

(3)

وهي: ترك القراءة في جميع الشفعين، وفي بعض الأول وبعض الثاني، وفي جميع الأول وبعض الثاني، وفي بعض الأول وجميع الثاني. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 337).

(4)

أي كل المسائل كما هو موضح في الجدول.

(5)

أي لا يجب القضاء فيما إذا شرع في صلاة على ظن أنها عليه كصلاة الظهر، ثم تبين أنه كان قد أداها فانقلب هذا نفلاً، فإن أفسده لا يجب قضاؤه؛ لأنه كان شرع فيه لإسقاط ما في ذمته لا لإلزام نفسه بصلاة أخرى، وتمامه في «عمدة الرعاية» (1: 205).

(6)

ص 148).

ص: 150

ويتنفَّلُ قاعداً مع قدرةِ قيامِه ابتداءً، وكُرِهَ بقاءً إلاَّ بعذر، وراكباً مومِئاً خارج المصرِ إلى غيرِ القبلة، فلو افتتحَهُ راكباً، ثُمَّ نَزَلَ بنى

أربعَ ركعاتٍ من النَّفل، ولم يقعدْ في وسطِه، وكان ينبغي أن يفسدَ الشَّفعُ الأوَّل، ويجبُ قضاؤه؛ لأنَّ كلَّ شفعٍ من النَّفل صلاةٌ (على حدة)

(1)

، ومع ذلك لا يفسدُ الشَّفعُ الأَوَّل قياساً على الفرض.

(ويتنفَّلُ قاعداً مع قدرةِ قيامِه ابتداءً، وكُرِهَ

(2)

بقاءً إلاَّ بعذر): أي إن قَدِرَ على القيام يجوزُ أن يشرعَ في النَّفل قاعداً، وإن شَرَعَ في النَّفلِ قائماً كُرِهَ أن يقعدَ فيه مع القدرةِ على القيام (إلاَّ بعذر)

(3)

، فأرادَ بحالِ الابتداءِ حالَ الشُّروع، وبحالِ البقاءِ حالَ وجودِهِ الذي بعد الشُّروع.

(وراكباً مومِئاً خارج المصرِ إلى غيرِ القبلة)، إنِّما قال: خارجَ المصر بقولِ ابنِ عمرَ- رضي الله عنهم: «رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي على حمار، وهو متوجِّهٌ إلى خيبرَ يومئُ إيماءً»

(4)

، ولَمَّا كان هذا الفعلُ مخالفاً للقياسِ اقتصرَ على موردِه

(5)

، (فلو افتتحَهُ راكباً، ثُمَّ نَزَلَ بنى،

(1)

زيادة من أ و ب و س.

(2)

جزم المصنف رضي الله عنه بكراهة النفل قاعداً إذا شرع فيه قائماً مع قدرته على القيام إلا بعذر، وتابعه الشارح في «شرحه» عليه، وفي «النقاية» (ص 29)، وصاحب «المختار» (1: 91)، و «الملتقى» (ص 19) و «درر الحكام» (1: 118)، ولكن صاحب قال «الدر المختار» (1: 418): الأصح لا كراهة فيه، تبعاً لصاحب «البحر» (1: 68)، وهو اختيار صاحب «بداية المبتدي» (ص 18)، و «الكنْز» (ص 17)، «المنية» (ص 97). هذا عند الإمام، وأما عند الصاحبين فلا يجوز إلا بعذر. ينظر:«مختصر القدوري» (ص 12).

(3)

زيادة من أ و ص.

(4)

عن ابن عمر، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار، وهو متوجِّه إلى خيبر، في «صحيح مسلم» (1: 488)، واللفظ له، و «صحيح ابن حبان» (6: 261 - 262)، و «سنن أبي داود» (2: 9)، وغيرها، ولم يذكر فيها يومئ إيماءً، وفي «صحيح البخاري» (1: 339) وغيره: عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض ويوتر على راحلته. ا. هـ. وقال يحيى بن سعيد: رأيت أنس بن مالك في السفر، وهو يصلي على حمار وهو متوجه إلى غيرِ القبلةِ يركعُ ويسجدُ إيماء من غير أن يضعَ وجهه على شيء في «موطأ مالك» (1: 151)، و «مصنف عبد الرزاق» (2: 576)، وذكر صاحب «نصب الراية» (2: 151)، و «الدراية» (1: 203) طرقاً للحديث موافقة للفظ الشارح.

(5)

أي لما ثبت أداء النفل إلى غير القبلة من الشارع وهو خلاف الأصول؛ لكونه مخالفاً لنصوص افتراض استقبال القبلة اقتصر ذلك على الموضع الذي ورد فيه، وهو أداء النفل خارج المصر، ولم يتعدّ هذا الحكم إلى أداء النفل في المصر، وكذا إلى الفرائض. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 207).

ص: 151

وبعكسِهِ فَسَد. سُنّ التَّراويح عشرون ركعةً بعد العشاءِ قبل الوتر وبعده خمسُ ترويحات، لكلِّ ترويحةٍ تسليمتان وجلسةٍ بعدهما قَدْرَ ترويحة، والسُنَّةُ فيها الختمُ مرَّةً واحدةً، ولا يتركُ لكسلِ القوم، ولا يوترُ بجماعةٍ خارجَ رمضان

وبعكسِهِ فَسَد)؛ لأنَّ في الأَوَّلِ يؤدِّيه أكملَ ممِّا وجبَ عليه، وفي الثَّاني انعقدتْ التَّحريمةُ موجبةً للرُّكوعِ والسجود، ولا يجوزُ أداؤُه بالإيماء.

(سُنّ التَّراويح

(1)

عشرون ركعةً بعد العشاءِ قبل الوتر وبعده

(2)

خمسُ ترويحات، لكلِّ ترويحةٍ تسليمتان وجلسةٍ بعدهما قَدْرَ ترويحة، والسُنَّةُ فيها الختمُ مرَّةً واحدةً

(3)

، ولا يتركُ لكسلِ القوم

(4)

، ولا يوترُ بجماعةٍ خارجَ رمضان)، وإنِّما كانت التَّراويح سنَّة؛ لأنه واظبَ عليها الخلفاءُ الرَّاشدون

(5)

، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بيَّنَ العذرَ في تركِ المواظبة، وهو مخافة أن تكتب علينا

(6)

.

(1)

التراويح عشرون ركعة سنة مؤكّدة كما حققه اللكنوي في «تحفة الأخيار» (ص 124 - 134)، وينظر:«منحة السلوك» (1: 202).

(2)

اختلفوا في وقتها:

الأول: بعد العشاء قبل الوتر وبعده، وهو اختيار المصنف، وصاحب «الكنْز» (ص 17)، و «الملتقى» (ص 19)، و «المراقي» (ص 405)، وظاهر اختيار ملا مسكين في «شرح الكنْز» (ص 40)، وصححه صاحب «الاختيار» (1: 93)، وقال صاحب «الدر المختار» (1: 473): هو الأصح، فلو فاته بعضها، وقام الإمام إلى الوتر اوتر معه، ثم صلى ما فاته.

الثاني: ما بين العشاء والوتر، وصححه في «الخلاصة» ، ورجحه في «غاية البيان» بأنه المأثور المتوارث. ينظر:«رد المحتار» (1: 473).

الثالث: أن وقتها الليل كله قبل العشاء وبعده، وقبل الوتر وبعده؛ لأنها قيام الليل، قال صاحب «البحر» 2: 73): لم أر من صححه.

(3)

زيادة من ق.

(4)

لكن الاختيار الأفضل في زماننا قدر ما لا يثقل على الناس، وقد أفتى أبو الفضل الكرماني والوبري أنه إذا قرأ في التراويح الفاتحة وآية أو آيتين لا يكره، ومن لم يكن عالماً بأهل زمانه، فهو جاهل. ينظر:«الدر المختار» (1: 475)، وتمامه في «رد المحتار» .

(5)

في «صحيح البخاري» (2: 707)، و «موطأ مالك» (1: 113 - 114)، و «صحيح ابن خزيمة» (2: 155)، و «شعب الإيمان» (3: 176 - 177)، وغيرها.

(6)

عن عائشة رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتُم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلاَّ أني خشيتُ أن تفرض عليكم»، في «صحيح البخاري» (1: 313)، و «صحيح مسلم» (1: 524)، واللفظ له. وتمام الأدلة على أن التراويح عشرون ركعة في «تحفة الأخيار بإحياء سنة سيد الأبرار» (ص 93 - 137)، وحاشيتها «نخبة الأنظار على تحفة الأخيار» للكنوي، وينظر أيضاً:«التوضيح في صلاتي التروايح والتسابيح» للدكتور فضل حسن عباس.

ص: 152

‌فصل

عند الكسوفِ يصلِّي إمامُ الجُمُعة بالنَّاس ركعتينِ كالنَّفل مُخْفياً مطوِّلاً قراءتَهُ فيهما وبعدَهُما يدعو حتَّى تَنْجلي الشَّمس، ولا يَخْطُبُ، وإن لم يحضر صلَّوا فرادى كالخسوف، ولا جماعةً في الاستسقاء، ولا خُطبةً، وإن صلَّوا وحداناً جاز، وهو دعاءٌ واستغفار، ويستقبلُ بهما القبلةَ بلا قلبِ رداءٍ وحضورِ ذميّ

فصل

(عند

(1)

الكسوفِ

(2)

يصلِّي إمامُ الجُمُعة بالنَّاس ركعتينِ كالنَّفل): أي على هيئةِ النَّافلة بلا أذان وإقامة، وعندنا في كلِّ ركعةٍ ركوعٌ واحد، وعندَ الشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه ركوعان، (مُخْفياً مطوِّلاً قراءتَهُ فيهما وبعدَهُما يدعو حتَّى تَنْجلي الشَّمس، ولا يَخْطُبُ، وإن لم يحضر): أي إمامُ الجُمُعة، (صلَّوا فرادى

(4)

كالخسوف

(5)

، ولا جماعةَ في الاستسقاء

(6)

، ولا خُطبةً، وإن صلَّوا وحداناً جاز، وهو دعاءٌ واستغفار، ويستقبلُ بهما القبلةَ بلا قلبِ رداءٍ وحضورِ ذميّ

(7)

).

(1)

صلاة الكسوف سنة. ينظر: «المراقي» (1: 514).

(2)

الكسوف: هو احتجاب الشمس أو جزء منها عند توسط القمر بينها وبين الأرض. ينظر: «الصحاح» (2: 394).

(3)

ينظر: «المنهاج» (1: 316).

(4)

أي منفردين ركعتين أو أربعاً تفادياً عن الفتنة. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 75).

(5)

الخسوف: هو احتجاب سطح القمر أو جزء منه عندما تكون الأرض بينه وبين الشمس. ينظر: «الصحاح» (1: 345).

(6)

الاستسقاء: طلب السقيا، أي إنْزال الغيث على البلاد والعباد. ينظر:«اللسان» (3: 2044).

(7)

لأن الاستسقاء لاستنْزال الرحمة، وإنما ينْزل عليهم العذاب واللعنة. ينظر:«درر الحكام» (1: 148).

ص: 153

‌باب إدراك الفريضة

مَن شَرَعَ في فرضِ فأقيمت له إنْ لم يسجدْ للرَّكعةِ الأُولى، أو سَجَد وهو في غيرِ رباعيّ، أو فيه وضمَّ إليها أُخرى قَطَعَ واقْتَدَى

باب إدراك الفريضة

(مَن شَرَعَ في فرضِ

(1)

فأقيمت

(2)

له

(3)

إنْ لم يسجدْ للرَّكعةِ الأُولى، أو سَجَد وهو في غيرِ رباعيّ، أو فيه وضمَّ إليها أُخرى قَطَعَ واقْتَدَى): أي مَن شَرَعَ في فرضٍ مُنفرداً، فأقيمت لهذا الفرض، والضُّميرُ في أقيمت يرجعُ إلى الإقامة، كما يقال: ضُرِبَ ضَرْبٌ، فإن لم يسجدْ للرَّكعة الأُولَى قطعَ واقتدى.

وإن سَجَد: فإن كان في غيرِ الرُّباعي فكذا؛ لأنَّه إن لم يقطعْ، وصلَّى ركعةً أُخرى، يتمُّ صلاتُه في الثُّنَائي، ويوجدُ الأكثرُ في الثَّلاثي، وللأكثرِ حُكْمُ الكلّ، فتفوتُهُ الجماعة، أو لأنَّه يصيرُ متنفِّلاً بركعتين بعد الغروبِ في المغرب.

والقطعُ

(4)

وإن كان إبطالاً للعمل، وهو منهيّ؛ لقولِهِ تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم}

(5)

فالإبطالُ بقصدِ الإكمالِ لا يكونُ إبطالاً

(6)

.

وإن كان في الرُّباعيِّ يَضُمُّ ركعةً أُخرى حتَّى يصيرَ ركعتينِ نافلة، ثُمَّ يقطعُ ويقتدي.

(1)

احترز فيه عن السنة أو النفل، فإنه لا يقطع؛ لأن قطعه ليس لاكمال ما قطعه، ولو كان في سنة الظهر والجمعة، فأقيمت أو خطب الإمام يقطع على رأس الركعتين. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 352).

(2)

أي شرع في الفريضة في مصلاه، لا إقامة المؤذن، ولا الشروع في مكان، وهو في غيره. ينظر:«الدر المختار» (1: 477).

(3)

ساقطة من ت و ج و ص و ف و ق.

(4)

قاله دفعاً لما يقال إن القطع ابطال لعمله، وقد نهى عنه. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 209).

(5)

من سورة محمد، الآية (33)، وتمامها:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} .

(6)

أي لا يعد إبطالاً منهياً عنه. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 209)

ص: 154

وإن صلَّى ثلاثاً منه يُتِمُّهُ ثُمَّ يقتدي مُتنفلاً إلاَّ في العصر، وكُرِه خروجُ مَن لم يُصَلِّ من مسجدٍ أُذّنَ فيه لا لمقيمِ جماعةٍ أُخرى، ولِمَن صلَّى الظُّهر، أو العشاءَ مرَّة إلاَّ عند الإقامة

فقولُهُ: وَضَمَّ إليها، حالٌ من قولِه: أو فيه، تقديرُه: أو سَجَدَ للرَّكعةِ الأُولى، وهو حاصلٌ في الرُّباعيّ، وقد ضَمَّ إلى الرَّكعة الأُولى ركعةً أُخرى، فقطع واقتدى، حتَّى لو لم تُضَمَّ إليها أُخرى لا يقطع، بل يَضُمّ، فإذا ضَمَّ قَطَعَ واقتدى.

(وإن صلَّى ثلاثاً منه): أي من الرُّباعيّ، (يُتِمُّهُ ثُمَّ يقتدي مُتنفلاً)؛ لأنَّه قد أدَّى الأكثر، وللأكثرِ حُكْمُ الكلّ، (إلاَّ في العصر): أي لا يقتدي في العصر، فإنَّ النَّافلةَ بعد أداء العصرِ مكروه

(1)

.

(وكُرِه

(2)

خروجُ مَن لم يُصَلِّ من مسجدٍ أُذّنَ فيه لا لمقيمِ جماعةٍ أُخرى): أي لِمَن يَنْتظمُ به أمرُ جماعةٍ أُخرى بأن يكون مؤذنَ مسجد، أو إمامَه، أو مَن يقومُ بأمرِ جماعة يتفرَّقون، أو يَقِلُّون بغيبتِه.

ثُمَّ عَطَفَ على قولِهِ: لا لمقيمِ جماعةٍ أُخرى

(3)

قولُه: (ولِمَن صلَّى الظُّهر، أو العشاءَ مرَّة إلاَّ عند الإقامة): أي لا يُكْرَهُ له الخروجُ إلاَّ عند الإقامة، فالاستثناءُ متعلِّقٌ بقولِهِ: ولِمَن صلَّى الظُّهر أو العشاء، ولا تعلُّقَ له بقولِهِ: لا لمقيمِ جماعةٍ أُخرى، فإن مقيمَ الجماعةِ الأُخرى لا يُكْرَهُ له الخروج، وإن أُقيمت، والفرقُ بين مقيمِ جماعة، وبين مَن صلَّى الظُّهر، أو العشاءَ مرَّة:

أنَّ هذا إنِّما يُكْرَهُ له الخروج؛ لأنَّه إن خرجَ بعد الإقامة يُتَّهَمُ بمخالفةِ الجماعة، ولو لم يخرجْ ويصلِّي يَحُوزُ فضيلةَ الموافقة، وثوابَ النَّافلة، فإيثارُ التُّهمةِ والإعراضُ عن الفضيلة والثَّواب قبيحٌ جداً.

(1)

حاصل المسألة: أنه شرع في فرض فأقيم قبل أن يسجد للاولى قطع واقتدى، فإن سجد لها، فإن كان في رباعي أتم شفعاً واقتدى ما لم يسجد للثالثة، فإن سجد أتمّ واقتدى متنفلاً إلا في العصر، وإن في غير رباعي قطع واقتدى ما لم يسجد للثانية، فإن سجد لها أتم ولم يقتد. ينظر:«رد المحتار» (1: 478).

(2)

الكراهة هنا تحريمية. ينظر: «الدر المختار» (1: 479).

(3)

زيادة من ص و ف و م.

ص: 155

ومَن صلَّى الفجر، أو العصر، أو المغرب يخرج وإن أقيمت، ويتركُ سُنَّةَ الفجر ويقتدي مَن لم يدركه بجمعٍ إن أدَّاها، ومَن أدرك ركعةً منه صلاَّها، ولا يقضيها إلاَّ تبعاً لفرضِه

وأمَّا مقيمُ الجماعةِ الأُخرى، فإنَّه إن خَرَجَ عند الإقامةِ لا يُتَّهمُ

(1)

؛ لأنَّه يقصدُ الإكمال، وهو الجماعةُ التَّي تتفرَّق بغيبتِه، وإن لم يخرجْ لا يحوزُ

(2)

ما ذكرنا

(3)

، بل يَخْتَلُّ أمرُ الجماعةِ الأُخرى.

(ومَن صلَّى الفجر، أو العصر، أو المغرب يخرج وإن أقيمت)؛ لأنَّه إن صلَّى يكون نافلة، والنَّافلة

(4)

بعد الفجر والعصر مكروه، وأمَّا في المغربِ فإنَّ النَّافلةَ لا تشرعُ ثلاثَ ركعات

(5)

.

(ويتركُ سُنَّةَ الفجر ويقتدي مَن لم يدركه): أي الفجر، والمرادُ فرضُه، (بجمعٍ إن أدَّاها

(6)

، ومَن أدرك ركعةً منه صلاَّها

(7)

، ولا يقضيها إلاَّ تبعاً لفرضِه): أي إن فاتت

(1)

هذا إذا كان يعرف أنه مقيم جماعة أخرى، وإلا فالوجه ان يقال أنه آثر التهمة؛ لإحراز فضيلة لا مع الاعراض عن الفضيلة. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 211).

(2)

ظاهره مختل، فإن إحراز الفضيلة وكثرة الثواب موجود في شركته أيضاً، غاية الأمر أنه تلزم مفسدة أخرى، ولعله إنما نفى الإحراز؛ لأن الإحراز مع المفسدة التي أقوى كلا إحراز. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 211).

(3)

أي من فضيلة الموافقة، وثواب النافلة.

(4)

في م: فالنافلة.

(5)

أما إذا اقتدى في المغرب بعد أن صلاها منفرداً فالأحوط إن يتمَّها أربعاً، وإن كان فيه مخالفة الإمام؛ لكراهة التنفل بالثلاث تحريماً، ومخالفة الإمام مشروعة في الجملة كالمسبوق فيما يقضي والمقتدي بمسافر. ينظر:«رد المحتار» (1: 480).

(6)

أي سنة الفجر.

(7)

أي من رجا إدراك ركعة من صلاة الفجر صلى سنته لإحراز فضيلة السنة وفضيلة الجماعة، هذا ظاهر عبارة «الملتقى» (1: 20)، و «درر الحكام» 1: 122)، و «فتح باب العناية» (1: 354)، و «مجمع الأنهر» (1: 142)، و «التبيين» (1: 182)، وقال الحصكفي في «الدر المختار» (1: 481)، و «الدر المنتقى» (1: 142): إنه ظاهر المذهب. لكن ظاهر عبارة «الكنْز» (ص 17)، و «التنوير» (1: 481): أنه إذ رجا إدراك التشهد يصلي السنة، وقوَّاه ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 481) بأن المدار هنا على إدراك فضل الجماعة، وقد اتفقوا على إدراكه بإدراك التشهد. وينظر:«شرح ابن ملك» (ق 39/ب).

ص: 156

.........................................................................

سُنَّةُ الفجر، فإن فاتت بدونِ الفرضِ لا يقضي قبل طلوعِ الشَّمس، وكذا بعد الطُّلوع عند أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم، وأمَّا عند محمَّد رضي الله عنه يقضيها إلى الزَّوال لا بعده.

وإن فاتت مع الفرض، فإن قَضَى قبل الزَّوالِ يقضيهما جميعاً، وكذا بعد الزَّوالِ عند بعضِ المشايخ.

وعند البعض: لا؛ بل يقضي الفرضَ وحدَه، «ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا فاتَه الفجرُ ليلةَ التَّعريس

(1)

قضاهُ مع السُنَّة قبلَ الزَّوال بالأذانِ والإقامة جماعة، وجهرَ بالقراءة»

(2)

، فَعُلِمَ من فعلِهِ صلى الله عليه وسلم: شرعيَّةُ القضاءِ بالجماعة، والجهرُ فيه، والأَذان، والإقامة للقضاء، وأنَّ السُنَّةَ تقضى مع الفريضة. فمن هذه الأحكام عُلِمَ عدم اختصاصِهِ بموردِ النَّصِّ فَعُدِّي عنه إلى غيرِهِ من الصَّلوات، وهي ما عدا قضاءَ السُنَّة، فعدِّي عن موردِ النَّصّ، وهو قضاءُ الفجرِ إلى قضاءِ سائرِ الصَّلوات

(3)

وأمَّا قضاءُ السُنَّة، فقد عُلِمَ أنَّ سُنَّةَ الفجرِ آكدُ من سائر السُّنن، فلا يلزمُ من شرعيةِ قضائِها شرعيَّةُ قضاءِ السُّنن، ولا من قضائِها بتبعيَّةِ الفرض، قضاؤُها بدونِ الفرض، لكن

(1)

التَّعريس: نزول القوم في السفر من آخر الليل يقعون فيه وقعة للاستراحة ثم يرتحلون. ينظر: «مختار» (ص 423).

(2)

عن أبي هريرة، وعمران بن حصين، وذي مخبر، وعمرو بن أمية، وعبد الله بن مسعود، وبلال، بألفاظ متقاربة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له فناموا عن صلاة الفجر فاستيقظوا بحر الشمس، فارتفعوا قليلاً حتى استعلت، ثم أمر المؤذن فأذن ثم صلَّى الركعتين قبل الفجر، ثم أقام المؤذن فصلى الفجر وجهر بالقراءة، في «صحيح مسلم» (1: 473)، و «صحيح ابن خزيمة» (2: 99)، و «صحيح ابن حبان» (6: 375)، و «سنن الدارقطني» (1: 381)، و «المستدرك» (1: 408)، و «سنن أبي داود» (1: 121)، و «سنن النسائي» (5: 268)، و «شرح معاني الآثار» (1: 400)، و «معتصر المختصر» (1: 70)، و «مسند الطيالسي» (1: 115)، و «مسند الشاشي» (1: 323)، وغيرها، وتمام الكلام عن طرقه في «نصب الراية» (2: 151، 2: 3).

(3)

أي لما علم عدم اختصاص شرعية القضاء، أو كل حكم من الأحكام المذكورة بمورد النص، وهو صلاة الفجر، يعني لما قضى الفجر بهذه الطريقة ـ ومن المعلوم أن هذه الأحكام ليست مختصة بصلاة دون صلاة، ولا وجه لاختصاصها ببعضها ـ علم أن هذه الأحكام تشمل الفروض كلها، فعدي من صلاة الفجر إلى باقي الفروض. كذا في «العمدة» (1: 213).

ص: 157

ويترك سُنَّةَ الظُّهْرِ في الحالين وائتمَّ، ثُمَّ قضاها قبل شفعِه وغيرهُما لا يقضي أصلاً. ومدركُ ركعةٍ من ظُهْرٍ غيرُ مصلٍّ جماعة، بل هو مدركٌ فضلَها. وآتي مسجدٍ صُلِّي فيه، يتطوَّعُ قبل الفرضِ إلاَّ عند ضيق الوقت

يلزمُ من شرعيَّةِ

(1)

قضائِها بتبعيَّة الفرضِ قبل الزَّوال قضاؤُها بتبعيَّة الفرضِ بعد الزَّوال كما هو مذهبُ بعضِ المشايخ؛ لأنَّ اختصاصَه بتبعيَّة الفرضِ بكونِهِ قبلِ الزَّوال لا معنى له.

(ويترك سُنَّةَ الظُّهْرِ في الحالين

(2)

): أي سواءٌ يدركُ الفرضَ إن أدَّاها أو لا، (وائتمَّ، ثُمَّ قضاها قبل شفعِه

(3)

): أي قبل الرَّكعتين اللَّتينِ بعد الفرض، (وغيرهُما

(4)

لا يقضي أصلاً.

ومدركُ ركعةٍ من ظُهْرٍ

(5)

غيرُ مصلٍّ جماعة، بل هو مدركٌ فضلَها): أي إن حلفَ لَيُصَلِيَنَّ الظُّهْرَ جماعة، فأدرك ركعةً يحنث

(6)

؛ لأنَّه لم يصلِّ جماعة، لكن أدرك فضيلةَ الجماعة.

(وآتي مسجدٍ صُلِّي فيه، يتطوَّعُ قبل الفرضِ إلاَّ عند ضيق الوقت): أي مَن أتى مسجداً صُلِّي فيه، فأرادَ أن يُصلِّي فرضَه منفرداً، فهل يأتي بالسُّنن؟

قال بعضُ مشايخنا، ومنهم الكَرْخيُّ رضي الله عنه: لا؛ فإنَّ السُنَّةَ إنِّما سُنَّت إذا أدَّى الفرضَ بالجماعة، أمَّا بدونِهِ فلا.

(1)

زيادة من م.

(2)

أي حال إدراك ركعة من الظهر وحال عدم إدراكها. ينظر: «كمال الدراية» (ق 109).

(3)

وهو قول محمد، وبه يفتى ينظر:«الدر المختار» (1: 483)، قال ابن عابدين في «حاشيته» (1: 483): وعليه المتون، ورجح في «الفتح» (1: 415) تقديم الركعتين، قال في «الإمداد»: وفي «فتاوى العتابي» : أنه المختار، وفي «مبسوط شيخ الإسلام»: أنه الأصح

وهو قول أبي يوسف وأبي حنيفة رضي الله عنه وكذا في «جامع قاضي خان» .

(4)

أي غير سنة الفجر والأربع قبل الظهر.

(5)

التقييد بالظهر اتفاقي، فإن الحكم في العصر والعشاء أيضاً كذلك. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 214).

(6)

لأن للأكثر حكم الكل، وهو يصلي ثلاث ركعات منفرداً؛ لأنه مسبوق، والمسبوق منفرد فيما يقضيه، فتأخذ حكم الكل، وإن أدرك فضيلة الجماعة. كذا في «الفتح» (1: 418).

ص: 158

مَن اقتدى بإمامٍ راكعٍ فَوَقَفَ حتَّى رَفَعَ رأسَه لم يدركْ ركعتَه. من رَكَعَ فلحقَهُ إمامُهُ فيه صحَّ.

وقال الحَسَن بنُ زياد رضي الله عنه: مَن فاتتُهُ الجماعةُ (فأراد أن)

(1)

يصلِّي في مسجدِ بيتِه يبدأُ بالمكتوبة، لكنَّ الأصحَّ

(2)

أن يأتي بالسُّنن، فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم واظبَ عليها

(3)

، فإن فاتته الجماعةُ لكن إذا ضاقَ الوقتُ يتركُ السُنَّةَ ويؤدِّي الفرضَ حذراً عن التَّفويت.

(مَن

(4)

اقتدى بإمامٍ راكعٍ فَوَقَفَ حتَّى رَفَعَ رأسَه لم يدركْ ركعتَه)، خلافاً لزُفَر رضي الله عنه.

(من

(5)

رَكَعَ فلحقَهُ إمامُهُ فيه صحَّ

(6)

)، خلافاً لزُفَرَ رضي الله عنه فإن ما أَتَى به قَبْلَ الإمامِ غيرُ معتدٍّ به، فكذا ما بَنَى عليه، قلنا: وُجِدَتْ المشاركةُ في جزءٍ واحد.

(1)

سقطت من ف و م.

(2)

وصححه صاحب «التنوير» (1: 483)، وأقره ابن عابدين في حاشيته على «الدر المختار» (1: 484)، وقال الزيلعي في «التبيين» (1: 184): وهو الأحوط؛ لأنها شرعت قبل الفرض لقطع طمع الشيطان عن المصلي وبعده؛ لجبر نقصان يمكن في الفرض، والمنفرد أحوج إلى ذلك، والنص الوراد فيها لم يفرق فيجري على إطلاقه إلا إذا خاف الفوت؛ لأن أداء الفرض في وقته واجب.

(3)

قال ابن حجر في «الدراية» (1: 205): إن مواظبته صلى الله عليه وسلم على الرواتب عند أداء المكتوبات بالجماعة مستقرى من الأحاديث وليس هو على هذه الصورة من قول صحابي. ومثله قال الزيلعي في «نصب الراية» (2: 162).

(4)

زيادة من أ و ب و س.

(5)

زيادة من أ و س.

(6)

أي يصح إدراكه لتلك الركعة وإن كان مكروهاً تحريماً. كذا في «حاشية الشرنبلالي على الدرر» (1: 124).

ص: 159

‌باب قضاء الفوائت

فُرِضَ التَّرتيبُ بين الفروضِ الخمسةِ والوترِ فائتاً كلُّها، أو بعضُها فلم يجزْ فجرُ مَن ذَكَرَ أنَّه لم يوترْ، ويُعيدُ العشاء والسُنَّةَ لا الوترَ مَن عَلِمَ أنَّه صلَّى العشاء بلا وضوء والأخريينِ به إلاَّ إذا ضاقَ الوقت

باب قضاء الفوائت

(فُرِضَ التَّرتيبُ بين الفروضِ الخمسةِ والوترِ فائتاً كلُّها، أو بعضُها): أي إن كان الكلُّ فائتاً لا بدَّ من رعايةِ التَّرتيبِ بين الفروضِ الخمسة، وكذا بينَها وبين الوتر، وكذا إن كان البعضُ فائتاً، والبعضُ وقتيَّاً لا بُدَّ من رعايةِ التَّرتيب، فيَقْضي الفائتةَ قبل أداءِ الوقتيَّة، (فلم يجزْ

(1)

فجرُ مَن ذَكَرَ أنَّه لم يوترْ)، هذا تفريعٌ لقوله: والوتر، وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه خلافاً لهما بناءً على وجوبِ الوترِ عنده.

(ويُعيدُ العشاء والسُنَّةَ لا الوترَ مَن عَلِمَ أنَّه صلَّى العشاء بلا وضوء والأخريينِ به)، يعني تذكَّرَ أنَّه صلَّى العشاءَ بلا وضوء، والسُنَّةُ والوترُ بوضوء، يعيدُ العشاءَ والسُنَّة؛ لأنَّه لم يصحَّ أداءُ السُنَّةِ مع أنَّها أُدِّيت بالوضوء؛ لأنَّها تبعٌ للفرض، أمَّا الوترُ فصلاةٌ مستقلَّةٌ عنده، فصحَّ أداؤُه؛ لأنَّ التَّرتيبَ وإن كان فرضاً بينَه وبين العشاء، لكنَّه أدَّى الوترَ بزعمِ أنَّه صلَّى العشاء بالوضوء، فكان ناسياً أن العشاءَ كان في ذمَّتِه، فسقطَ التَّرتيب، وعندهما يقضي الوترَ أيضاً؛ لأنَّه سُنَّةٌ عندهما.

(إلاَّ إذا ضاقَ الوقت)، الاستثناءُ

(2)

متصلٌ بقولهِ: فرضُ التَّرتيب، والمعنى أنَّه ضاقَ الوقتُ عن القضاءِ والأداء، وإن كان الباقي من الوقتِ بحيث يسعُ فيه بعضِ الفوائتِ مع الوقتيَّة، فإنَّه يقضى ما يسعُهُ الوقتُ مع الوقتيَّة، كما إذا فاتَ العشاءُ والوتر، ولم يبقَ من

(1)

هذا تفريع على كون الترتيب فرضاً بحيث يفوت الجواز بفوته، أي صلى صلاة الفجر ذاكراً أنه لم يؤد الوتر لم يجز فجره، فيقضي الوتر أولاً، ثم يصلي الفجر عند أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأن الوتر عنده واجب، وهو في حكم الفرض عملاً، فيكون الترتيب بينه وبين غيره من الفرائض فرضاً كالترتيب بين الفرائض الخمس. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 216).

(2)

وهو استثناء من لزوم الترتيب، فلا يلزم الترتيب إذا ضاق الوقت. كذا في «الدر المختار» (1: 488).

ص: 160

أو نُسِيت، أو فاتت ستَّةٌ حديثةً كانت أو قديمةً قلَّتْ بعد الكثرة أو لا، فيصحُّ وقتيُّ مَن تركَ صلاةَ شهرٍ فَنَدِم، وأخذَ يؤدِّي الوقتيَّات، ثُمَّ تركَ

وقتِ الفجر إلاَّ أن يسعَ خمسَ ركعات يقضي الوتر، ويؤدِّي الفجر

(1)

عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وإن فات الظُّهرُ والعصر، ولم يبقَ من وقتِ المغربِ إلاَّ ما يسع سبعَ ركعاتٍ يُصَلِّي الظُّهرَ والمغرب.

(أو نُسِيت، أو فاتت ستَّةٌ حديثةً كانت أو قديمةً

(2)

)، قيل: السِتَّةُ وما دونَها حديثة، وما فوقَها كثيرةٌ

(3)

كذا في (فوائد)«الجامع الصَّغير الحُسَاميّ»

(4)

، (قلَّتْ

(5)

بعد الكثرة أو لا، فيصحُّ وقتيُّ مَن تركَ صلاةَ شهرٍ فَنَدِم، وأخذَ يؤدِّي الوقتيَّات، ثُمَّ تركَ

(1)

ظاهر الكلام أنه لا تجوز صلاة الفجر ما لم يصل الوتر، وصرح في المجتبى بان الأصح جواز الوقتية. ينظر:«رد المحتار» (1: 448).

(2)

أي سواء كانت الفوائت في الزمان القريب المتصل بأداء الوقتية، أو في الزمان البعيد، فحاصل كلام المصنف أن الفوائت إذا صارت ستاً سقط الترتيب مطلقاً سواء كانت كلها قديمة، أو كلها حديثة، أو بعضها قديمة، وبعضها حديثة. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 218).

(3)

أي تكون قديمة، وكلام الشارح محتمل لترجيح ما ذهب إليه المصنف، أو ترجيح هذه الرواية، وفي «النقاية» (ص 31) قال: ستاً. ولم يزد عليها.

(4)

أي «شرح الجامع الصغير» (ق 43) لحسام الدين، وهو عمر بن عبد العزيز بن مازه المعروف بالصدر الشهيد أبي محمد، برهان الأئمة، حسام الدين، ومن مؤلفاته:«الفتاوى الصُّغرى» ، و «الفتاوى الكبرى» ، و «شرح أدب الخَصَّاف» ، و «الواقعات» ، و «المنتقى» ، و «عمدة المفتي والمستفتي» ، قال الإمام اللكنوي: قد طالعت «شرحه للجامع الصغير» ، وهو شرح مختصر مفيد، (483 - 536 هـ). ينظر:«الجواهر» (2: 649 - 650)، «الفوائد» (ص 242)، «النجوم الزاهرة» (5: 268 - 269)، «إيضاح المكنون» (4: 124)، «الأعلام» (5: 210).

وأما قول الشارح «الجامع الصغير الحسامي» فهو على سبيل الاختصار، إذا «الجامع الصغير» لمحمد بن الحسن الشيباني (ت 189 هـ)، وقد شرحه كبار علماء الحنفية، فصار معلوماً عند إطلاق مصنفي الفقه الحنفي «الجامع الصغير» لقاضي خان مثلاً، أن المقصود هو شرحه.

(5)

أي كثرة الفوائت تسقط الترتيب مطلقاً سواء صارت قليلة بعد الكثرة أو لم تكن كذلك. ينظر: «العمدة» (1: 218).

ص: 161

فرضاً، أو قضى صلاةَ الشَّهْرِ إلاَّ فرضاً أو فرضيْن، صلَّى خمساً ذاكراً فائتةً فسدَ الخمسُ موقوفاً إن أدَّى سادساً صحَّ الكُلّ، وإن قضى الفائتةَ بطلَ فرضيةُ الخمسِ لا أصلُها

فرضاً)، هذا تفريعُ قولِه: قديمة كانت أو حديثة، فإنَّه إذا أخذَ يؤدِّي الوقتيَّات صارت فوائتُ الشَّهرِ قديمة، وهي مسقطةٌ للتَّرتيب، فإذا تركَ فرضاً يجوزُ مع ذِكْرِهِ أداء وقتيٍّ بعده.

(أو قضى صلاةَ الشَّهْرِ إلاَّ فرضاً أو فرضيْن)، هذا تفريعُ قولِه: قلَّتْ بعد الكثرة أو لا، فإنَّه لمَّا قضى صلاةَ الشَّهرِ إلاَّ فرضاً أو فرضَيْن قَلَّت الفَوائتُ بعد الكثرة، فلا يعودُ التَّرتيبُ الأَوَّل إلاَّ أن يقضيَ الكُلّ، وعند بعضِ المشايخ إن قلَّتْ بعد الكثرةِ يعودُ التَّرتيب

(1)

، واختارَ الإمامُ السَّرَخْسِيّ الأَوَّل، قال صاحبُ «المحيط»

(2)

: وعليه الفتوى

(3)

.

(صلَّى خمساً ذاكراً فائتةً فسدَ الخمسُ موقوفاً إن أدَّى سادساً صحَّ الكُلّ، وإن قضى الفائتةَ بطلَ فرضيةُ الخمسِ لا أصلُها)، رجلٌ فاتَتْهُ صلاةٌ فأدَّى مع ذكرِها خمساً بعدَها، فسدَتْ هذه الخمسُ لوجوبِ التَّرتيب، لكنَّ عند أبي يوسف ومحمِّدٍ رضي الله عنهم فساداً غيرَ موقوف، وهو القياس

(4)

، وعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه فساداً موقوفاً إن أدَّى سادساً صحَّ الكلّ، وإن قضى الفائتة فالخمسُ التي أدَّاها بطلُ وصفُ فرضيّتِها، فإنَّه لا يلزمُ من بطلانِ الفرضيةِ بطلانُ الصَّلاةِ عند أبي حنيفة وأبي يوسفَ رضي الله عنهم خلافاً لمحمَّد

(5)

رضي الله عنه.

(1)

وهو قول أبي جعفر الهندواني، واستظهر هذا القول صاحب «الهداية» (1: 73). ينظر: «الكفاية» (1: 430).

(2)

المحيط البرهاني» (ص 277).

(3)

واختاره صاحب «الكنْز» (ص 18)، و «التنوير» (1: 490)، و «الملتقى» (ص 21)، و «المراقي» (ص 438)، و «المختار» (1: 87)، قال صاحب «الدر المختار» (1: 490): هو المعتمد، وقال ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 490): هو أصح الروايتين.

(4)

لأن مسقط الترتيب إنما هو الكثرة قبل أداء صلاة لا الكثرة الحاصلة بعدها، فإذا صلى صلاة مع تذكر فائتة فسدت في الحال فساداً باتاً؛ لعدم تحقق كثرة الفوائت المسقطة للترتيب من دون أن تحدث الكثرة بعدها أم لا. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 219).

(5)

لأن التحريمة عقدت للفرض، فإذا بطلت الفرضية بطلت التحريمة أصلاً، ولهما: أنها عقدت لأصل الصلاة بوصف الفرضية، فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل. ينظر:«الهداية» (1: 73).

ص: 162

‌باب سجود السهو

يجبُ له بعد سلامٍ واحدٍ سجدتانِ وتشهُّدٍ وسلام إذا قدَّمَ رُكناً، أو أخَّرَه، أو كرَّرَه، أو غيَّرَ واجباً، أو تركَهُ ساهياً: كركوعٍ قبل القراءة، وتأخيرِ القيامِ إلى الثَّالثةِ بزيادةِ على التَّشهُّد

وإنِّما قال أبو حنيفة رضي الله عنه بالفسادِ الموقوف؛ لأنَّه إن فسدَ كلُّ واحدٍ منها لوجوبِ رعايةِ التَّرتيب فساداً غيرَ موقوفٍ فحين أدَّى السَّادسَ تبيَّنَ أن رعايةَ التَّرتيبِ كانت في الكثير، وهذا باطلٌ فقلنا: بالتَّوقُّف حتَّى يظهرَ أن رعايةَ التَّرتيب إن كانت في الكثيرِ فلا تجوز، أو في القليل فتجوز.

باب سجود

(1)

السهو

(يجبُ له بعد سلامٍ واحدٍ

(2)

سجدتانِ وتشهُّدٍ وسلام إذا قدَّمَ رُكناً، أو أخَّرَه، أو كرَّرَه، أو غيَّرَ واجباً، أو تركَهُ ساهياً

(3)

: كركوعٍ قبل القراءة، وتأخيرِ القيامِ إلى الثَّالثةِ بزيادةِ على التَّشهُّد

(4)

)، رُوِي عن أبي حنيفةَ رضي الله عنه أنَّ مَن زادَ على التَّشهُّد الأَوَّل

(1)

زيادة من أ و ت و ج و س و م.

(2)

قد اختلفوا فيه:

الأول: بعد سلام عن يمينه وهو اختيار شيخ الإسلام وفخر الإسلام، وقال في «الكافي» أنه الصواب، وعليه الجمهور، واختاره المصنف، وصاحب «التنوير» (1: 495)، وصححه صاحب «الدر المختار» (1: 496).

الثاني: بعد تسليمتين، وهو اختيار شمس الأئمة وصدر الإسلام أخي فخر الإسلام وصححه في «الهداية» (1: 74)، واختاره صاحب «الملتقى» (1: 21).

الثالث: بعد سلام تلقاء وجهه من غير انحراف، وهو مختار فخر الإسلام. كذا في «رد المحتار» (1: 495).

(3)

هذا القيد راجع إلى كل واحد مما تقدَّم. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 365).

(4)

اختلفوا فيما يجب على أقوال:

الأول: يجب بمطلق الزيادة ولو بحرف، وهو مروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه.

الثاني: يجب بمقدار اللهم صل على محمد، وصححه صاحب «التبيين» (1: 193)، و «فتح باب العناية» (1: 365).

الثالث: يجب بالتأخير بمقدار ركن، واختاره صاحب «التنوير» (1: 498)، و «الدر المنتقى» (1: 148)، وصححه صاحب «درر الحكام» (1: 151)، و «مجمع الأنهر» (1: 149)، قال ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 498): الظاهر أنه لا تنافي بين هذا القول والقول الثاني.

والرابع: لا يجب ما لم يقل وعلى آل محمد، قال الحلبي في «شرح المنية الصغير» (ص 271): هو الأصح، وهو قول الأكثر.

الخامس: لا يجب ما لم يبلغ إلى قوله: حميد مجيد. ينظر: «التاتارخانية» عن «الحاوي» . كذا في «رد المحتار» (1: 498).

والسادس: لا سهو عندهما عليه أصلاً، ففي «الزاهدي»: وبه أفتى بعض أهل زماننا، وفي «المحيط»: واستقبح محمد السهو لأجل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 149).

ص: 163

وركوعيْن، والجهرُ فيما يخافت وعكسه، وتركُ القعودِ الأوَّل، وقيل: كلُّ هذه يؤولُ إلى تركِ الواجب. ولا يجبُ بسهوِ المؤتمّ، بل يجب بسهوِ إمامِه إن سجد، والمسبوقُ يسجدُ مع إمامِه، ثُمَّ يقضي ما فات عنه. ومَن سَها عن القعدةِ الأولى، وهو إليها أقربُ عادَ ولا سَهْو، وإلاَّ قام

حرفاً يجبُ عليه سجودُ السَّهو، وقيل: لا يجبُ سجودُ السَّهو بقولِه: اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّد، ونحوه، وإنِّما المعتبرُ مقدارُ ما يؤدِّي فيه رُكْناً، (وركوعيْن، والجهرُ فيما يخافت وعكسه

(1)

، وتركُ القعودِ الأوَّل، وقيل

(2)

: كلُّ هذه يؤولُ إلى تركِ الواجب.

ولا يجبُ بسهوِ المؤتمّ، بل يجب

(3)

بسهوِ إمامِه إن سجد

(4)

، والمسبوقُ يسجدُ مع إمامِه، ثُمَّ يقضي (ما فات عنه.

ومَن)

(5)

سَها عن القعدةِ الأولى، وهو إليها أقربُ عادَ ولا سَهْو

(6)

، وإلاَّ قام

(1)

زيادة من أ و ب و س.

(2)

وهو اختيار صاحب «الكنْز» (ص 18)، وصححه صاحب «التبيين» (1: 193)، فقال: والصحيح أنه يجب بترك واجب لا غير، وهذا لأن في التقديم والتأخير والتغيير ترك الواجب؛ لأن الواجب عليه أن لا يفعل كذلك، فإذا فعل فقد ترك الواجب فصار ترك الواجب شاملاً للكل.

(3)

زيادة من ق.

(4)

أما لو سقط عن الإمام بسبب من الأسباب بأن تكلم أو أحدث متعمداً أو خرج من المسجد، فإنه يسقط عن المقتدي، ينظر:«البحر» (1: 107)، قال ابنُ عابدين في «رد المحتار» (1: 498): والظاهر أن المقتدي تجب عليه الإعادة كالإمام إن كان السقوط بفعله العمد؛ لتقرر النقصان بلا جابر من غير عذر.

(5)

زيادة من أ و ب، وفي س: ومن.

(6)

أما إذا عاد وهو إلى القيام أقرب سجد للسهو. ينظر: «نور الإيضاح» (ص 225)،

ص: 164

وسجدَ للسَّهْو، وإن سَها عن الأخيرة عادَ ما لم يقيِّد بالسَّجدة، وسجدَ للسَّهو، وإن قيَّدَ تحوَّلَ فرضُه نفلاً، وضمَّ سادسةً إن شاء، وإن قعدَ الأخيرة، ثُمَّ قامَ سهواً عادَ ما لم يسجد للخامسة وسَلَّم، وإن سجدَ لها تمَّ فرضُه وضمَّ سادسة، وسجدَ للسَّهو، والرَّكعتانِ نفل، ولا قضاءَ لو قَطَع، ولا تنوبان عن سُنَّةِ الظُّهر

وسجدَ للسَّهْو، وإن سَها عن الأخيرة عادَ ما لم يقيِّد بالسَّجدة، وسجدَ للسَّهو، وإن قيَّدَ تحوَّلَ فرضُه نفلاً، وضمَّ سادسةً إن شاء)، إنِّما قال إن شاء؛ لأنَّه نفلٌ لم يشرعْ فيه قصداً، فلم يجب عليه إتمامه.

(وإن قعدَ الأخيرة، ثُمَّ قامَ سهواً عادَ ما لم يسجدْ للخامسة وسَلَّم، وإن سجدَ لها تمَّ فرضُه وضمَّ سادسة، وسجدَ للسَّهو، والرَّكعتانِ نفل، ولا قضاءَ لو قَطَع، ولا تنوبان عن سُنَّةِ الظُّهر).

فإن قلت لم قال قبل هذه المسألة: وضمَّ سادسةً إن شاء، وقال في هذه المسألة: وضَمَّ سادسة، ولم يقلْ: إن شاء مع أن الرَّكعتيْن نفلٌ في الصُّورتَيْن

(1)

بحيث لو قطعَ لا قضاء، فيكونُ في هذه المسألةِ ضمُّ السَّادسةِ مقيَّداً بمشيئتِه.

قلت: ضمُّ السَّادسة في هذه المسألةِ آكدُ من ضمِّ السَّادسةِ في تلك المسألةِ مع أنَّه لو قطعَ لا قضاءَ في المسألتَيْن؛ وذلك لأنَّ فرضَه قد تَمَّ في هذه المسألة، لكن بتأخيرِ السَّلام يجبُ سجودُ السَّهْو في هاتَيْن الرَّكعتين، فسجودُ السَّهْو لتدارك نقصانِ الفرضِ واجبٌ في هاتَيْنِ الرَّكعتَيْن، فلو قطعَ هاتَيْن الرَّكعتَيْن بأن لا يسجدَ للسَّهو يلزمُ تركُ الواجب، ولو جلسَ من القيامِ وسجدَ للسَّهو لم يؤدِّ سجودَ السَّهو على الوجهِ المسنون

(2)

، فلا بُدَّ أن يضمَّ سادسة، وجلسَ على الرَّكعتْيَن، وسجدَ للسَّهو بخلافِ تلك المسألة، فإنَّ الفرضيَّةَ قد بطلت، فما ذكرنا من تداركِ نقصانِ الفرضِ غيرُ موجودٍ هاهنا، على

(3)

أنَّ أصلَّ الصَّلاةِ

(1)

حاصله أن الصورتين وإن توافقتا في كون الركعتيْن الزائدتيْن نفلاً وفي عدم وجوب قضائهما إن نقضهما، لكن بينهما فرق من حيث إن ضم الركعة السادسة في الصورة الثانية آكد من ضمها في الأولى؛ فلهذا لم يذكر المشيئة هاهنا وذكرها في الأولى. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 222).

(2)

وهو كون سجدتي السهو في آخر الصلاة بعد تمام التشهد، فلذا تأكد هاهنا أن يضم ركعة أخرى؛ ليقع سجود السهو في آخر الصلاة، ويتدارك نقصان الفرض. ينظر:«العمدة» (1: 223).

(3)

أي علاوة على ما قررنا سابقاً.

ص: 165

ومَن اقتدى به فيهما صلاَّها، ولو أفسدَ قضاهما، وعند محمَّد رضي الله عنه يُصلِّي ستَّاً، ولو أفسدَ لا يقضى. مَن تنفَّلَ ركعتَيْنِ وسها فسجدَ لا يبني عليها، فإن بنى صحَّ. سلامُ مَن عليه السَّهو يخرجُهُ عنها موقوفاً حتَّى يصحّ الاقتداءُ به، ويبطلُ وضوؤهُ بالقهقهة، ويصيرُ فرضُه أربعاً بنيِّةِ الإقامةِ إن سجدَ بعده

باطلةٌ عند محمَّد

(1)

رضي الله عنه، فَعُلِمَ أن ضمَّ السَّادسةِ صيانةً عن البطلانِ آكدُ في هذه المسألة، فلهذا لم يقلْ إن شاء، وإنِّما قال: لا تنوبان عن سُنَّةِ الظُّهر؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم واظبَ عليها بتحريمةٍ مبتدأة.

(ومَن اقتدى به فيهما صلاَّها، ولو أفسدَ قضاهما)؛ لأنَّه شرعَ قصداً، (وعند محمَّد رضي الله عنه يُصلِّي ستَّاً، ولو أفسدَ لا يقضى)، كما أنَّ الإمامَ لا يقضي

(2)

.

(مَن

(3)

تنفَّلَ

(4)

ركعتَيْنِ وسها فسجدَ لا يبني عليها)؛ لأنَّ سجودَ السَّهو يقعُ في خلالِ الصَّلاة، (فإن بنى صحَّ): أي إن صلَّى بهذه التَّحريمةِ نافلةً من غيرِ أن يجدد التَّحريمةَ يجوز.

(سلامُ مَن عليه السَّهو يخرجُهُ عنها موقوفاً حتَّى يصحّ الاقتداءُ به،

ويبطلُ وضوؤهُ بالقهقهة، ويصيرُ فرضُه أربعاً بنيِّةِ الإقامةِ إن سجدَ بعده

(1)

بناءً على أن صفة الفرضية إذا بطلت تبطل التحريمة عند محمد رضي الله عنه، ولا تبطل عندهما، وعلى أن القعود على رأس الركعتين يبطل التحريمة عند محمد رضي الله عنه، ولا يبطل عندهما. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 368).

(2)

صورة المسألة: أنّ من اقتدى بمن قام من القعدة الثانية إلى الخامسة صلاهما؛ لأنه اقتدى به في النفل بعد خروجه عن الفرض فلا يلزمه غير هذا الشفع، ولو أفسد المقتدي ما شرع فيه قضاهما، وعند محمد يصلي ستاً؛ لأنه لما شرع في تحريمة الإمام يلزمه ما أدى الإمام بهذه التحريمة، وقد أدى الإمام ستّ ركعات فيلزمه ذلك، ولو أفسد المقتدي لا يقضي عند محمد؛ لأن تلك الصلاة لم تكن مضمونة على الإمام؛ إذ التبع لا يخالف الأصل. كذا في «شرح ابن ملك» (ق 42/أ).

(3)

زيادة من أ.

(4)

ذكر التنفل اتفاقي، فإن الحكم في الفرض كذلك، وحاصل المسالة أنه إذا صلى ركعتيْن فرضاً كان أو نفلاً وسها فيهما، فسجد للسهو بعد السلام أو قبله آخر صلاته، ثم أراد بناء شفع عليه من غير تجديد التحريمة لم يكن له ذلك؛ لاستلزامه وقوع سجود السهو في أثناء الصلاة مع أن موضعه في آخرها لا وسطها، ولكنه إن اختار البناء صحت صلاته لبقاء التحريمة، ويعيد سجود السهو في آخر صلاته لبطلان السابق بوقوعه في وسط الصلاة. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 224).

ص: 166

وإلاَّ فلا. سَهَا وسلَّم بنيَّةِ القطعِ بطلَ نيَّتُهُ، شكَّ أوَّلَ مرَّةٍ أنَّه كم صلَّى استأنف، وإن كَثُرَ أَخَذَ ما غَلَبَ على ظنِّه، وإن لم يغلبْ أخذ الأقلّ، وقعدَ في كلِّ موضعٍ ظنَّه

وإلاَّ فلا)

(1)

: أي المصلِّي الذي عليه سجدةُ السَّهو إن سَلَّمَ في آخرِ صلاتِه قبل أن يسجدَ للسَّهو يخرجُهُ عن الصَّلاةِ خروجاً موقوفاً، فينظرُ أنَّه إن سجدَ للسَّهو بعد ذلك السَّلام يُحْكَمُ بأنَّه لم يخرجْ عن الصَّلاة، وإن لم يَسْجُد، بل رَفَضَ الصَّلاة يحكم بأنَّه قد كان خرجَ عنها حتَّى إن سلَّم، ثُمَّ اقتدى به إنسان، ثُمَّ سجدَ للسَّهو يكونُ الاقتداءُ صحيحاً، ولو لم يسجد، بل رَفَضَ الصَّلاةَ لم يصحّ الاقتداء.

وإذا سَلَّم، ثُمَّ قهقهه، ثُمَّ سَجَدَ يُحْكَمُ ببطلانِ وضوئه، إذ القهقهةُ وجدت في خلالِ الصَّلاة، ولو لم يسجدْ، بل رفضَ لم يبطلْ وضوؤه.

ولو سَلَّم، ثُمَّ نوى الإقامة، ثُمَّ سَجَدَ للسَّهْو صارَ هذا الفرضُ أربعاً؛ لأنَّ نيَّةَ الإقامةِ وُجِدَت بعد الصَّلاة.

(سَهَا وسلَّم بنيَّةِ القطعِ بطلَ نيَّتُهُ) حتَّى يكون تحريمتُهُ باقيةً

(2)

كما مَرّ.

(شكَّ أوَّلَ مرَّةٍ أنَّه كم صلَّى استأنف، وإن كَثُرَ

(3)

أَخَذَ ما غَلَبَ على ظنِّه)؛ لأنَّه إذا كَثُرَ كان في الاستئنافِ حرج، (وإن لم يغلبْ أخذ الأقلّ، وقعدَ في كلِّ موضعٍ ظنَّه

(1)

الظاهر أن التقييد بإلا فلا راجع إلى الصور الثلاث، وتبعه الشارح في ذلك، وقيد بهذا أيضاً صاحب «الدرر» (1: 154)، و «الملتقى» (21 - 22)، و «التنوير» (503)، فغلطهم الشارحون بأنه قيد في الاقتداء فحسب، وذلك لأن المسافر لو نوى الإقامة بعد السلام لا يسجد للسهو؛ لأن السجدة للسهو في خلال الصلاة لم تشرع، فلا يتغير فرضه أربعاً بنية الإقامة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم، وكذا لا يبطل وضوؤه بقهقهة عندهما؛ لأنها لم تصادف حرمة الصلاة إذ القهقهة قاطعة للتحريمة؛ لأنها كلام فيتحقق خروجه عن الصلاة، فكيف يسجد للسهو، وتمامه في «حاشية الشرنبلالي على الدرر» (1: 154)، و «الدر المختار» (1: 504)، و «مجمع الأنهر» (1: 152)، و «رد المحتار» (1: 504).

(2)

لأن هذا السلام غير قاطع ونيته تغيّر المشروع فلغت، وهذا لأنه غير محلل عند محمد رضي الله عنه فمتى قصد تحليله فقد قصد تغيير المشروع، وعندهما هو محلل على سبيل التوقف فمتى قصد أن يجعله محللاً على الثبات فقد قصد تغيير المشروع فلغت، وإذا بطلت نيته بقي مجرد السلام، فيسجد للسهو. ينظر:«الكفاية» (1: 450).

(3)

بأن عرض له مرتين في عمره على ما عليه أكثرهم، أو في صلاته على ما اختاره فخر الإسلام، وفي «المجتبى»: وقيل: مرتين في سنة، ولعله على قول السرخسي. ينظر:«رد المحتار» (1: 506).

ص: 167

آخرَ صلاتِه

آخرَ صلاتِه)

(1)

: يعني إن شكَّ أنَّه صلَّى ثلاثَ ركعات، أو أربع ركعات، ولم يغلبْ على ظنِّه أحدُهما أخذَ بالأقلّ، وهو الثَّلاثُ لكن يقعدُ ثَمَّة

(2)

، ثُمَّ يصلِّي ركعةً أُخرى، وإنِّما يقعد؛ لأنَّه يمكنُ أن يكونَ آخرَ صلاتِه، والقعدةُ الأخيرةُ فرض

(3)

.

وقولُهُ: ظنَّه آخرَ صلاتِه ليس المرادُ بالظَّنِّ رجحانُ أحدُ الطَّرفين، (بل المرادُ الوهم)

(4)

؛ لأنَّ المفروضَ أنَّه لم يغلبْ أحدُ الطَّرفين على الآخر. (والله أعلم)

(5)

.

* * *

(1)

أما إذا شك بعد السلام فلا تأثير له، وكذا بعد الفراغ من التشهد؛ حمل على أنه أتمّ الصلاة حملاً لأمره على الصلاح، وهو الخروج منها على وجه التمام. ينظر:«مستزاد الحقير» (ص 67).

(2)

زيادة من م.

(3)

مثاله: شك في الظهر وهو قائم أنها الأولى يتمّ الركعة ويقعد ثم يأتي بأخرى ويقعد ثم يأتي بأخرى ويقعد، ثم يأتي بأخرى ويقعد. ينظر:«إعانة الحقير» (ص 67).

(4)

زيادة من أ و ب و س.

(5)

زيادة من ف.

ص: 168

‌باب صلاة المريض

إن تعذَّرَ القيامُ لمرضٍ حَدَثَ قبل الصَّلاة أو فيها صلَّى قاعداً يركعُ ويسجد. وإن تعذَّرا أومأ برأسِهِ قاعداً، وجعلَ سجودَه أخفضَ من ركوعِه، ولا يَرْفَعُ إليه شيئاً للسُّجود. وإن تعذَّرَ القعودُ أومأ مُسْتلقياً ورجلاهُ إلى القبلة، أو مُضْطَجِعاً ووجهُهُ إليها، والأَوَّلُ أولى. وإن تعذَّرَ الإيماءُ أُخِّرَت، ولا يُؤمِئُ بعينيهِ، خلافاً لزُفَر رضي الله عنه، وحاجبيه، وقلبِه. وإن تعذَّرَ الرُّكوعُ والسُّجُودُ لا القيام قَعَد وأومأ، وهو أفضلُ من الإيماءِ قائماً، ومُومِئٌ صحَّ في الصَّلاةِ استأنفَ

باب صلاة المريض

(إن تعذَّرَ القيامُ لمرضٍ حَدَثَ قبل الصَّلاة أو فيها صلَّى قاعداً يركعُ ويسجد.

وإن تعذَّرا): أي الرُّكوع والسُّجود، (أومأ برأسِهِ قاعداً، وجعلَ سجودَه أخفضَ من ركوعِه، ولا يَرْفَعُ إليه شيئاً للسُّجود.

وإن تعذَّرَ القعودُ أومأ مُسْتلقياً

(1)

ورجلاهُ إلى القبلة، أو مُضْطَجِعاً

(2)

ووجهُهُ إليها، والأَوَّلُ أولى

(3)

.

وإن تعذَّرَ الإيماءُ أُخِّرَت، ولا يُؤمِئُ بعينيهِ

(4)

، (خلافاً لزُفَر رضي الله عنه)

(5)

، وحاجبيه، وقلبِه.

وإن تعذَّرَ الرُّكوعُ والسُّجُودُ لا القيام قَعَد وأومأ، وهو أفضلُ من الإيماءِ قائماً)؛ لأنَّ القعودَ أقربُ من السُّجُود، وهو المقصود؛ لأنه غايةُ التَّعظيم.

(ومُومِئٌ صحَّ في الصَّلاةِ استأنفَ): أي ابتدأ

(6)

.

(1)

مستلقياً: أي على ظهره جاعلاً وسادةً تحت كتفيْهِ مادَّاً رجليْه؛ ليتمكَّنَ من الإيماء، وإلاَّ فحقيقةُ الاستلقاءِ تمنعُ الصَّحيحَ من الإيماء، فكيف المريض. كذا في «الغنية» (ص 262)

(2)

مضطجعاً: أي على جنبه، والأيمن أفضل من الأيسر، وورد به الأثر. ينظر:«المراقي» (1: 426).

(3)

لأن المستلقي يكون توجُّهُهُ إلى القبلةِ أكثر، والمضطجعُ يكون منحرفاً عنها.

(4)

في ت و ج و ص و ق و ف و م: بعينه.

(5)

زيادة من ف.

(6)

بإعادة ما صلَّى؛ لأن القوي لا يبنى على الضعيف.

ص: 169

وقاعدٌ يركعُ ويسجد فصحَّ فيها بَنَى قائماً. صلَّى قاعداً في فُلْكٍ جارٍ بلا عذر صحّ، وفي المربوطِ لا، إلاَّ بعذر. جُنَّ، أو أُغْمِيَ عليه يوماً وليلةً قضى ما فات، وإن زادَ ساعةً لا

(وقاعدٌ يركعُ ويسجد فصحَّ فيها بَنَى قائماً.

صلَّى قاعداً في فُلْكٍ

(1)

جارٍ بلا عذر صحّ، وفي المربوطِ

(2)

لا، إلاَّ بعذر.

جُنَّ، أو أُغْمِيَ عليه يوماً وليلةً قضى ما فات، وإن زادَ ساعةً لا)، هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسفَ رضي الله عنهم، وأمَّا عند محمَّد- رضي الله عنه فالمعتبرُ الأوقات، أي إن استوعبَ وقتٌ ستَّ صلواتٍ تسقط. وقولُهُ: وإن زادَ ساعة؛ أي زماناً، لا ما تعارفَهُ المنجِّمون

(3)

.

وعبارةُ «المختصر» هكذا: وإن تعذَّرَا مع القيامِ أومأ برأسِهِ قاعداً إن قدر، ولا معه، فهو أحبّ، وجعلَ سجودَه أخفضَ من ركوعِه، ولا يُرْفَعُ إليه

(4)

شيءٌ ليسجدَ، وإلاَّ فعلى جنبِه متوجِّهاً إلى القبلة، أو ظهرِه كذا، وذا أَوْلى، والإيماءُ بالرَّأس، فإن تعذَّرَ أُخِّرَت، ومومئٌ صحَّ

إلى آخرِه

(5)

، أي إن تعذَّرَ الرُّكوعُ والسُّجُودُ مع القيام، أومأَ قاعداً إن قَدِرَ على القعود، ولا معه: أي لا مع القيام، أي تعذَّرَ الرُّكوعُ والسُّجودُ لا القيام، فالإيماءُ قاعداً أحبّ.

وقولُهُ: وإلاَّ فعلَى جنبِه: أي إن لم يقدِرْ على القعودِ أومأَ على جنبِهِ متوجِّهاً إلى القبلة، أو ظهرِه متوجِّهاً بأن يكون رجلاهُ إلى القبلة.

وقولُهُ: والإيماءُ؛ مبتدأ، وبالرأسِ خبرُه.

(1)

الفُلْك: السفينة، واحد وجمع يذكر ويؤنث. ينظر:«مختار الصحاح» (ص 511).

(2)

أي في السفينة المربوطة، فلا تصح الصلاة فرضاً كانت أو نفلاً في السفينة المربوطة بالشط غير المستقرة على الأرض مع إمكان الخروج منها، وأداء الصلاة خارجها. كما حققه الحموي في «الدرة السمينة في حكم الصلاة في السفينة» (ق 39/ب).

(3)

المُنَجِّمون: جمع منجم: وهو الذي ينظر في النجوم يحسب مواقيتها وسيرها. ينظر: «اللسان» (6: 4358).

(4)

زيادة من أ و ب و س و ف.

(5)

انتهى من «النقاية» (ص 34 - 35).

ص: 170

‌باب سجود التلاوة

هو سجدةٌ بين تكبيرتينِ بشروطِ الصَّلاةِ بلا رفعِ يدٍ وتشهدٍ وسلام، وفيها سُبْحَةُ السُّجود، وتَجِبُ على مَن تلا آيةً من أربعَ عشرةَ: التَّي في آخر الأعراف، والرَّعد، والنَّحل، وبني إسرائيل، ومريم، وأُولى الحجّ

باب سجود التلاوة

هو سجدةٌ بين تكبيرتينِ

(1)

بشروطِ الصَّلاةِ بلا رفعِ يدٍ وتشهدٍ وسلام، وفيها سُبْحَةُ السُّجود، وتَجِبُ على مَن تلا آيةً من أربعَ عشرةَ: التَّي في آخر الأعراف

(2)

، والرَّعد

(3)

، والنَّحل

(4)

، وبني إسرائيل

(5)

، ومريم

(6)

، وأُولى الحجّ

(7)

): احترازٌ عن الثَّانية، وهو قولُهُ تعالى: {ارْكَعُوا

(8)

وَاسْجُدُوا}

(9)

، فإنَّه لا سجدةَ عندنا خلافاً للشَّافِعِيِّ

(10)

رضي الله عنه، ففي كلِّ موضعٍ في القرآن، قَرَنَ الرُّكوعَ بالسُّجُودِ يرادُ به السَّجدَةُ الصَّلاتيَّة ......................................................................

(1)

أي بين تكبيرةٍ للوضع، وتكبيرةٍ للرَّفع، وهما مسنونتان. كذا في «الدر المختار» (1: 515).

(2)

وهي: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206].

(3)

وهي: {وَللهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد: 15].

(4)

وهي: {وَللهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 49،50].

(5)

وهي: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109].

(6)

وهي: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم: 58].

(7)

وهي: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18].

(8)

وقع في النسخ: واركعوا، والمثبت من القرآن الكريم.

(9)

الحج (77)، وتمامها:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

(10)

ينظر: «المنهاج» (1: 3214

ص: 171

والفرقان، والنَّمل، وألم السَّجدة، وص، وحم السَّجدة، والنَّجم، وانشقت، واقرأ

(والفرقان

(1)

، والنَّمل

(2)

، وألم السَّجدة

(3)

، وص

(4)

، وحم السَّجدة

(5)

، والنَّجم

(6)

، وانشقت

(7)

، واقرأ

(8)

)، وعند الشَّافِعِيِّ

(9)

رضي الله عنه في أربعَ عشرةَ أيضاً، ففي ص عنده ليس سجدة، وفي الحجِّ عنده سجدتان.

واخْتُلِفَ في موضعِ السَّجدةِ في حم السَّجدة، فعند عليِّ

(10)

رضي الله عنه، هو قولُهُ:{إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}

(11)

، وبه أخذَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، وعند ابن مسعودٍ رضي الله عنه، هو قوله:{وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}

(12)

، فأخذنا بهذا احتياطاً، فإنَّ تأخيرَ السَّجدة جائزٌ لا تقديمه.

(1)

وهي: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} [الفرقان: 60].

(2)

وهي: {أَلاَّ يَسْجُدُوا للهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ. اللهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 25 - 26].

(3)

وهي: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15].

(4)

وهي: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24].

(5)

وهي: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38].

(6)

وهي: {فَاسْجُدُوا للهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62].

(7)

وهي: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤمِنُون. وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 20 - 21].

(8)

وهي: {كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].

(9)

ينظر: «المنهاج» (1: 215 - 216)، وفيه: لا ص، بل هي سجدة شكر تستحب في غير الصلاة، وتحرم فيها على الأصح، وتسن للقارئ والمستمع، وتتأكد له بسجود القارئ، قلت: وتسن للسامع.

(10)

وهو عليّ بن أبي طالب، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين، وكان رضي الله عنه من أعلم الصحابة، وهو أول من أسلم من الصبيان، وتزوج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وثب عليه ابن ملجم الخارجي فضربه في يافوخه بخنجرٍ، فبقي يوماً، وتوفِّي ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان سنة (40 هـ). ينظر:«تهذيب الكمال» (20: 472 - 489). «العبر» (1: 46). و «مرآة الجنان» (1: 108 - 109).

(11)

من سوة فصلت، الآية (37)، وتمامها:{وَمِنْ ءَايَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} .

(12)

من سورة فصلت، الآية (38).

ص: 172

أو سمعَها وإن لم يقصده، تلا الإمامُ سجدَ المؤتمُّ معه، وإن لم يسمع، وإن تلا المؤتمُّ لم يسجدْ أصلاً وسجدَ السَّامعُ الخارجي. سَمِعَ المصلِّي ممَّن ليس معه، سجدَ بعدها، ولو سجدَ فيها أعادَها لا الصَّلاة. سمعَها من إمام، ولم يدخلْ معه، أو دخلَ في ركعةٍ أُخرى سَجَدَ لا فيها، وإن دَخَلَ في تلك الرَّكعة إن كان قبل سجودِ إمامِهِ سَجَدَ معه، والاَّ لا يسجدُ. والسَّجدةُ الصَّلاتيَّةُ لا تُقْضَى خارجَها، تلاها ثُمَّ شرعَ في الصَّلاة، وأعادَ، كفتْهُ سجدة، وإن تلاها وسجد، ثُمَّ شرعَ فيها وأعادَ سَجَدَ أُخرى

(أو سمعَها وإن لم يقصده): أي السَّماع.

(تلا الإمامُ سجدَ المؤتمُّ معه، وإن لم يسمع، وإن تلا المؤتمُّ

(1)

لم يسجدْ أصلاً): أي لا في الصَّلاة ولا بعدَها

(2)

، (وسجدَ السَّامعُ الخارجي.

سَمِعَ المصلِّي ممَّن ليس معه، سجدَ بعدها، ولو سجدَ فيها أعادَها لا الصَّلاة.

سمعَها من إمام، ولم يدخلْ معه، أو دخلَ في ركعةٍ أُخرى

(3)

سَجَدَ لا فيها

(4)

، وإن دَخَلَ في تلك الرَّكعة إن كان): أي الدُّخول (قبل سجودِ إمامِهِ سَجَدَ معه، والاَّ لا يسجدُ

(5)

.

والسَّجدةُ الصَّلاتيَّةُ لا تُقْضَى خارجَها): أي سجدةُ التِّلاوةُ التَّي محلُّها الصَّلاة لا تُقْضَى خارجَ الصَّلاة، وإنِّما قلتُ محلُّها الصَّلاة، ولم أقلّ التَّي وجبت في الصَّلاة احترازاً عمَّا وَجَبَتْ في الصَّلاة ومحلُّ أدائها خارجَ الصَّلاة، كما إذا سمعَ المصلِّي ممِّن ليس معه، أو سمعَ من إمامٍ واقتدى به في ركعةٍ أُخْرى

(6)

.

(تلاها ثُمَّ شرعَ في الصَّلاة، وأعادَ، كفتْهُ سجدة، وإن تلاها وسجد، ثُمَّ شرعَ فيها وأعادَ سَجَدَ أُخرى

(7)

)؛ لأنَّ في الصُّورة الأُوْلى غيرَ الصَّلاتيَّة صارت تَبَعاً للصَّلاتيَّة

(1)

لأنَّ المأمومَ محجورٌ عن القراءة، فقراءتُه كلا قراءة. ينظر:«العمدة» (1: 230).

(2)

العبارة في أ: ولا في بعدها.

(3)

أي بعد الركعة التي سمعها فيها.

(4)

أي لا في الصلاة، وإنما بعد الفراغ منها.

(5)

أي لا يسجد للتلاوة إذا اقتدى بالإمام في الركعة التي سجد فيها بعد سجوده؛ لأنه بإدراكه تلك الركعة صار مؤدياً للسجدة. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 389).

(6)

في هذا نظر: لأنها وجبت على المقتدي خارج الصلاة قبل الاقتداء، فلم يكن محلها الصلاة، ويجب عليه أداؤها بعدها.

(7)

ولو لم يسجد في الصلاة سقطتا في الأصح. ينظر: «الدر المختار» (1: 520).

ص: 173

كرَّرَها في مجلسٍ كفته سجدة وإن بدَّلَها أو المجلسَ لا، وإسداء الثَّوب، والانتقالُ من غُصنٍ إلى غُصنٍ آخر تبديل، وتجب أُخرى لو تبدَّلَ مجلسُ السَّامعِ دون التَّالي لا في عكسِه

وإن لم يتَّحدِ المجلس، وفي الصُّورة الثَّانية لمَّا سجدَ قبل الصَّلاةِ لا يقعُ عمَّا وجبتْ في الصَّلاة قطّ.

ولفظ: «المختصر»

(1)

: وإن أعادَ في مجلس، أو في صلاةٍ كفى سجدة: أي قرأ في غيرِ الصَّلاة ثُمَّ أعادَها في الصَّلاة، وفُهِمَ من تخصيصِ المُعاد بكونِهِ في الصَّلاة أنَّ الأُولى في غيرِ الصَّلاة.

(كرَّرَها في مجلسٍ كفته سجدة)، ولا فرقَ بين ما قرأَ مرَّتيْن، ثُمَّ سجد، أو قرأ وسجد، ثُمَّ قرأها في ذلك المجلس، فعلى هذا إن كرَّرَها في ركعةٍ واحدةٍ تكفي سجدةٌ واحدة، سواءٌ سجدَ ثُمَّ أعاد، أو أعادَ ثُمَّ سجد، وإن كرَّرَ في ركعةٍ أُخرى (يكفيه سجدةٌ واحدة)

(2)

، هذا عند أبي يوسف

(3)

رضي الله عنه خِلافاً لمحمَّد رضي الله عنه.

(وإن بدَّلَها): أي آيةَ السَّجدة، (أو المجلسَ لا): أي قرأ آيتين في مجلسٍ واحد، أو آيةً واحدةً في مجلسين لا تكفي سجدةٌ واحدة.

(وإسداء الثَّوب، والانتقالُ من غُصنٍ إلى غُصنٍ آخر تبديل)، اسداء الثَّوب

(4)

أن يغرزَ الحائكُ في الأرضِ خشباتٍ يسوِّي فيها سدى الثَّوبِ في ذهابِهِ ومجيئِه، فإنَّ مجلسَه يتبدَّلُ بالانتقالِ من مكانٍ إلى مكان.

(وتجب أُخرى): أي على السَّامع، (لو تبدَّلَ مجلسُ السَّامعِ دون التَّالي لا في عكسِه): أي لا يجبُ سجدةٌ أخرى على السَّامع إن تبدَّل مجلسُ التَّالي دون السَّامع.

واعلمْ أنَّ المجلسَ هنا يتبدَّلُ بالشُّروع في أمرٍ آخر، وبالانتقالِ من مكانٍ إلى مكانٍ لا يتحدان حُكماً، أمَّا زوايا البيتُ والمسجد، ففي حكمِ مكانِ واحد بدلالةِ صحَّة الاقتداء، وأغصانُ الشَّجرةِ الواحدةِ أمكنةٌ مختلفةٌ في ظاهرِ الرِّواية

(5)

.

وفي «النَّوادر»

(6)

: مكانٌ واحد.

(1)

العبارة في «النقاية» (ص 34): وإن كرر في مجلس واحد، أو صلاة، يكفي سجدة.

(2)

زيادة من ف و م.

(3)

في ف عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وفي م: عند أبي حنيفة.

(4)

أسدى الثوب: مدَّه. ينظر: «القاموس» (4: 343)، «اللسان» (3: 1978).

(5)

وهو الأصح ينظر: «الهداية» (1: 80)، و «فتح القدير» (1: 476).

(6)

الكلام في بيان المراد منها في الدراسة.

ص: 174

وكُرِهَ تركُ سجدة وقراءةُ باقي السُّورة لا عكسُه ونُدِبَ ضَمُّ آية، أو آيتين قبلَها إليها واسْتُحْسِنَ اخفاؤُها عن السَّامع

‌باب صلاة المسافر

هو مَن قصدَ سيراً وَسَطاً ثلاثةَ أيَّام ولياليها، وفارقَ بيوتَ بلدِه، واعتبرَ في

وبالقيام هاهنا لا يتبدل المجلسُ بخلافِ المخيَّرة

(1)

، فإنَّ القيامَ ثَمَّة دليلُ الإعراض.

(وكُرِهَ

(2)

تركُ سجدة): أي تركُ آيةِ السَّجدة، (وقراءةُ باقي السُّورة)؛ لأنَّهُ يشبهُ الاستنكاف

(3)

. (لا عكسُه): أي لا يُكْرَهُ قراءةُ آيةِ السَّجدة، وتركُ باقي السُّورة، (ونُدِبَ ضَمُّ آية، أو آيتين قبلَها إليها)؛ دفعاً لتوهُّمِ التَّفضيل.

(واسْتُحْسِنَ اخفاؤُها عن السَّامع)؛ لئلا تَجِبُ على السَّامع، (فإنَّه ربَّما يكون السَّامع غير متوضئ)

(4)

.

باب صلاة

(5)

المسافر

(هو مَن قصدَ سيراً وَسَطاً

(6)

ثلاثةَ أيَّام ولياليها

(7)

، وفارقَ بيوتَ بلدِه، واعتبرَ في

(1)

المخيَّرة؛ اسمُ مفعولٍ من التَّخيير؛ وهي المرأةُ التي خيَّرها زوجُها لأن تطلقَ نفسها، وقال لها: اختاري نفسك أو نحو ذلك، وحكمُها أنَّها على تخييرها ما لم يتبدَّل المجلس، ولم يوجد ما يدلُّ على إعراضها، فلو خيَّرها زوجُها وهي قاعدةٌ فقامت يبطلُ خيارها؛ لأن القيامَ دليلُ الإعراض. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 233).

(2)

مفاده أن الكراهة تحريمية. ينظر: «الدر المختار» (1: 523).

(3)

الاستنكاف: الاستكبار. ينظر: «القاموس» (3: 209)، و «اللسان» (6: 4543).

(4)

زيادة من أ و س.

(5)

زيادة من أ و ب و س.

(6)

وَسَطاً: بفتحتين أو يسكن الحرف الوسط: أي متوسِّطاً لا بطيئاً ولا سريعاً، فلو قطعَ مدَّةَ السَّفرِ المعتاد في أقلَّ من ثلاثةِ أيامٍ بالمشي السَّريع، والمركبِ السَّريعِ يجبُ عليه القصر. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 234).

(7)

ولا اعتبار للفراسخ على المذهب، ووجهه أن الفراسخ تختلف باختلاف الطريق في السهل والجبل والبر والبحر بخلاف المراحل، واختار أكثر المشايخ تقدير أقل مدة السفر بالفراسخ، والفرسخ يساوي ثلاثة أميال، والميل يساوي (1848 م)، فقيل: أحد وعشرون فرسخاً أي (116.424 كم)، وقيل: ثمانية عشر فرسخاً أي (99.792 كم)، وقيل: خمسة عشر فرسخاً أي (83.16 كم)، والفتوى على الثاني؛ لأنه الوسط، وفي «المجتبى»: فتوى أئمة خوارزم على الثالث. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 390)، و «رد المحتار» (1: 527).

ص: 175

الوسطِ للبَرِّ سيرُ الإبل والرَّاجل، وللبحرِ اعتدالُ الرِّيح، وللجبلِ ما يليقُ به.?وله رُخْصٌ تدوم،?وإن كان عاصياً في سفرِهِ حتَّى يدخلَ بلده، أو ينوي إقامةَ نصفَ شهرٍ ببلدة، أو قريةٍ، منها، (قصرُ فرضِهِ الرُّباعي، فيقصرُ إن نَوَى أقلَّ من نصفِ شهرٍ، أو نوى مدَّتها بموضعين، أو دخلَ بلداً عازماً خروجَه غداً، أو بعد غدٍ وطالَ مكثُه، وكذا عسكرٌ دَخَلَ أرضَ حرب، أو حاصرَ حِصناً فيها، أو أهلَ البَغْي في دارِنا في غيرِ مصر، وإن نووا إقامة مُدَّتِها، لا أهل أخْبِيَةٍ نووها في الأصحّ

الوسطِ للبَرِّ سيرُ الإبل والرَّاجل، وللبحرِ اعتدالُ الرِّيح، وللجبلِ ما يليقُ به.

وله رُخْصٌ تدوم): كالقصرِ في الصَّلاة والإفطار في الصَّوم، (وإن كان عاصياً في سفرِهِ حتَّى يدخلَ بلده)، حتى يدخلَ متعلِّق بقولِهِ تدوم، (أو ينوي إقامةَ نصفَ شهرٍ ببلدة، أو قريةٍ، منها): أي من الرُّخص:

(قصرُ فرضِهِ الرُّباعي، فيقصرُ إن نَوَى أقلَّ من نصفِ شهرٍ، أو نوى مدَّتها): أي مدَّةُ الإقامة، وهي نصفِ شهر، (بموضعين، أو دخلَ بلداً عازماً خروجَه غداً، أو بعد غدٍ وطالَ مكثُه، وكذا عسكرٌ دَخَلَ أرضَ حرب، أو حاصرَ حِصناً فيها، أو أهلَ البَغْي

(1)

في دارِنا في غيرِ مصر

(2)

، و (إن)

(3)

نووا إقامة مُدَّتِها): أي يقصرُ الجماعةُ المذكورون وإن نووا إقامةَ نصفِ شهر؛ لأنَّهم لم يصيروا مقيمينَ بنيَّةِ الإقامة.

(لا أهل أخْبِيَةٍ

(4)

نووها في الأصحّ): أي لا يقصرُ أهل أَخْبِيَةٍ نووا إقامةَ نصفَ شهرٍ في أَخْبِيَتِهم؛ لأنَّ نيَّةَ الإقامة تصحُّ منهم في الصَّحراء؛ لأنَّ الإقامةَ أصلٌ لا تبطلُ بانتقالِهم من مَرْعَىً إلى مَرْعَىً، هذا هو الصَّحيح.

وقيل

(5)

: لا تصحُّ

(6)

نيَّةُ إقامتِهم، فإنَّ الإقامةَ لا تصحُّ إلاَّ في الأمصار، أو القرى.

(1)

أهل البَغْي: وهو المسلمون الذين خرجوا على الإمام؛ لأن العسكر في دار الحرب ودار البغاة متردد بين الفرار والقرار. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 394).

(2)

التقييد بغير مصر اتفاقي، فإن حكم مَن يحاصرُ في المصر كذلك. ينظر:«رد المحتار» (1: 529).

(3)

زيادة من أ و ب و س.

(4)

أَخْبِيَة: واحدها خِباء من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاث، وما فوق ذلك فهو بيت. ينظر:«مختار الصحاح» (ص 169).

(5)

وهو قول بعض المشايخ. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 45/ب).

(6)

في ص و ف و م: يصح.

ص: 176

فلو أتمَّ مسافر، وقعدَ في الأُولى، تمَّ فرضُه وأساء، وما زادَ نفل، وإن لم يقعدْ بطلَ فرضُه، مسافرٌ أمَّهُ مقيمٌ يُتِمُّ في الوقتِ وبعدَهُ لا يؤمُه

ولفظُ «المختصر» : و

(1)

بصحراء دارنا، وهو خِبائيّ، لا بدارِ الحرب، أو البَغي مُحاصِراً كمَن طالَ مُكثُه بلا نيِّة

(2)

: أي يقصرُ الرُّباعي إلى أن ينوي الإقامةَ بصحراءِ دارِنا، والحالُ أنَّه خِبائيّ: أي من أهل الخِباء، وهو الخَيْمة، فإنَّه لا يقصر، فإنَّ نيَّةَ الإقامة في صحراءِ دارِنا صحيحة، أمَّا غيرُ أهلِ الخِباءِ لو نَوَى الإقامة في صحراءِ دارنا لا يصحّ، فَعُلِمَ منه

(3)

أنَّ مَن حاصرَ أهل البَغْي في دارِنا لا يصحُّ منه نيَّة الإقامة إذا كان في الصَّحراء.

وقولُهُ: لا بدارِ الحرب؛ عطفٌ على قولِهِ بصحراءِ دارِنا فإنَّه جعلَ نيَّةَ الإقامةِ في صحراءِ دارِنا غايةً للقصر، وحكمُ الغايةِ مخالفٌ لحكمِ المُغَيَّا، فيكون حكمُهُ عدمَ القصر.

ثُمَّ قولُهُ: لا بدارِ الحربِ (أو البَغي)

(4)

مُحاصِراً، نفيٌ لذلك النفي

(5)

، فيكون حكمُهُ القصرَ: أي يقصرُ إن نَوَى إقامةَ نِصْفِ شَهْرٍ بدارِ الحربِ مُحاصِراً لذلك.

وقولُهُ: كمَن طالَ مكثُهُ بلا نيَّة؛ لما فُهِمَ من قولِه: لا بدارِ الحرب؛ حُكْمُ القصر قال: كمَن طالَ مكثه، أي يقصرُ مَن طالَ مُكْثُهُ في بلدة، أو قريةٍ بلا نيَّةِ المُكْث.

(فلو أتمَّ مسافر، وقعدَ في الأُولى، تمَّ فرضُه وأساء)؛ لتأخيرِ السَّلام، وشبهة عدم قَبُول صدقةِ الله تعالى

(6)

، (وما زادَ نفل، وإن لم يقعدْ بطلَ فرضُه)؛ لتركِ القعدة، وهي فرضٌ عليه.

(مسافرٌ أمَّهُ مقيمٌ يُتِمُّ في الوقتِ وبعدَهُ لا يؤمُه): إذ في الوقتِ يصيرُ فرضُهُ أربعاً

(1)

في م: أو.

(2)

انتهى من «النقاية» (ص 36).

(3)

زيادة من أ.

(4)

زيادة من ص و ف.

(5)

زيادة من صو ف.

(6)

وهي: ما روى يعلي بن أمية، قال: قلت: لعمر بن الخطاب رضي الله عنه {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101]، فقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «صدقةٌ تصدقَ اللهُ بها عليكم، فاقبلوا صدقتَهُ» في «صحيح مسلم» (1: 478)، و «صحيح ابن حبان» (6: 450).

ص: 177

وفي عكسِه قصرَ المسافرُ، وأتمَّ المقيم، ويقول ندباً: أتمُّوا صلاتَكم، فإنِّي مسافر. ويُبطِلُ الوطنَ الأصليَّ مثلُهُ لا السَّفر، ووطنَ الإقامةِ مثلُه، والسَّفرُ والأصلي، والسَّفرُ وضدِّهُ لا يغيران الفائتة

بالتَّبعيَّة، وبعد الوقتِ لا يتغيَّرُ فرضُه أصلاً، (وفي عكسِه): أي إمامةُ المسافرِ المقيم، (قصرَ المسافرُ، وأتمَّ المقيم، ويقول ندباً: أتمُّوا صلاتَكم، فإنِّي مسافر.

ويُبطِلُ الوطنَ الأصليَّ

(1)

مثلُهُ لا السَّفر، ووطنَ الإقامةِ مثلُه، والسَّفرُ والأصلي): الوطنُ الأصلي: هو المسكن. ووطنُ الإقامة: موضعٌ نوى أن يستقرَّ فيه خمسةَ عشرَ يوماً، أو أكثر من غيرِ أن يتخذَهُ مسكناً.

فإن كان للإنسانٍ وطنٌ أصلىّ، ثُمَّ اتخذَ موضعاً آخر وطناً أصليِّاً سواءٌ كان بينهما مدَّةُ السَّفر، أو لم يكن، يُبْطِلُ الوطنُ الأصلي الأَوَّل، حتَّى لو دَخَلَهُ لا يصيرُ مقيماً إلاَّ بنيَّةِ الإقامة، لكن لا يَبْطُلُ الأصليُّ بالسَّفر، حتَّى لو قَدِمَ المسافرُ الوطنَ الأصليَّ يصيرُ مقيماً بمجرَّدِ الدُّخول.

وأمَّا وطنُ الإقامة، فإنَّه يَبْطُلُ بوطنِ الإقامة، فإنَّه إذا كان له وطنُ إقامةٍ، ثُمَّ اتخذَ موضعاً آخر وطنَ إقامتِه، وليس بينهما مدَّةُ سفر

(2)

، لم يبقَ الموضعُ الأَوَّلُ وطنَ الإقامة حتَّى لو دخلَه لا يصيرُ مقيماً إلاَّ بالنِّيَّة، وكذا

(3)

إن سافرَ عنه، وكذا

(4)

إن انتقلَ إلى وطنِهِ الأصلي.

(والسَّفرُ وضدِّهُ لا يغيران الفائتة): أي إذا قضى فائتةَ السَّفرِ في الحضرِ يَقْصُرُ، وإن قضى فائتةَ الحضرِ في السَّفرِ يُتِمُّ. (والله أعلم)

(5)

.

(1)

الوطن الأصلي: هو موطن ولادته أو أهله أو توطنه. ينظر: «الدر المختار» (ص 1: 5432).

(2)

وليس بينهما مدة السفر: هذا قيد اتفاقي؛ لأن وطنَ الإقامةِ يبطلُ بمثلِهِ سواءٌ كان بينهما مقدار السفر أو لا.

(3)

أي يبطل وطن الإقامة إذا سافر منه؛ لأنه إنما صار وطنا بإقامته والسفر ضده فيبطل بوروده. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 238).

(4)

أي يبطل وطن الإقامة بانتقاله إلى وطنه الأصلي حتى لو دخل فيه ثانياً يقصرُ ما لم ينو الإقامة ثانياً. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 238).

(5)

زيادة من ف.

ص: 178

‌باب صلاة الجمعة

شُرِطَ لوجوبِها لا لأدائِها: الإقامةُ بمصر، والصِّحَّة، والحُريَّة، والذُّكورة، والعقلُ والبلوغ، وسلامةُ العين، والرِّجل. فتقعُ فرضاً إن صلاَّها فاقدُها وإن لم تجبْ عليه. وشُرِطَ لأدائِها: المصرُ، أو فِناؤُه

باب صلاة

(1)

الجمعة

(شُرِطَ لوجوبِها لا لأدائِها: الإقامةُ

(2)

بمصر، والصِّحَّة، والحُريَّة، والذُّكورة، والعقلُ والبلوغ، وسلامةُ العين، والرِّجل. فتقعُ

(3)

فرضاً إن صلاَّها فاقدُها

(4)

وإن لم تجبْ عليه)، قولُه: فتقع؛ تفريعٌ لقولِهِ: لا لأدائِها.

(وشُرِطَ لأدائِها: المصرُ، أو فِناؤُه

(5)

): اختلفوا في تفسيرِ المصر:

فعند البعض

(6)

: هو موضعٌ له أمير وقاضٍ ينفِّذُ الأحكام، ويقيمُ الحدود.

(1)

زيادة من ب و س.

(2)

اختلفوا في المنفصل عن المصر على أقوال:

الأول: إن كان يسمعُ النِّداءَ تجبُ عليه الجمعةُ عند محمَّدٍ رضي الله عنه، في «الملتقى» (ص 24): وبه يفتى.

الثاني: إن مَن كان بينه وبين المصرِ فرسخٌ تجبُ عليه الجمعة، وفي «الذَّخيرة» و «التَّاتارخانيَّة»: وهو المختارُ وعليه الفتوى.

الثالث: إن كان داخلَ حدِّ الإقامة تجب عليه الجمعة، أي الذي مَن فارقه يصيرُ مسافراً، وإذا وصل إليه يصيرُ مقيماً، وهو قول أبي يوسفَ رضي الله عنه، وقال في «معراجِ الدِّراية»: إنَّه أصحّ ما قيلَ فيه، وصحَّحه صاحب «مواهبِ الرَّحمن» (ق 41/أ)، واختاره ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 547)، وقال: هو ظاهر المتون.

الرابع: إن كان عوده إلى بيته بلا كلفة تجب عليه، استحسنه صاحب «البدائع» (1: 260)، ورجحه صاحب «البحر» (2: 152).

(3)

في ت و م: يقع.

(4)

أي فاقد الشروط المذكورة آنفاً.

(5)

فِناؤه: أي ما امتدّ من جوانبه. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 513)، و «اللسان» (5: 3577).

(6)

منه: الكَرْخِيّ، وهو ظاهرُ المذهب، واختاره صاحب «الهداية» (1: 82)، و «الملتقى» (ص 24)، و «الكنْز» (ص 21)، وصحَّحَهُ شارحُ «المنية» (ص 550)، وغيره.

ص: 179

وما لا يسعُ أكبرُ مساجدِهِ أهلَهُ مصر، وجازت بمِنَىً في الموسمِ للخليفة، أو لأمير الحِجاز، لا لأميرِ الموسم، ولا بعرفاتٍ. والسُّلطانُ، أو نائبُهُ، ووقتُ الظُّهر، والخُطبةُ نحو تسبيحةٍ قبلَها في وقتِها

وعند البعض

(1)

: هو موضعٌ إذا اجتمعَ أهلُهُ في أكبرِ مساجدِه لم يسعهم، فاختارَ المصنِّفُ هذا القول، فقال:(وما لا يسعُ أكبرُ مساجدِهِ أهلَهُ مصر).

وإنِّما اختارَ هذا دون التَّفسيرِ الأَوَّل؛ لظهورِ التَّواني في أحكامِ الشَّرع لاسيما إقامةُ الحدودِ في الأمصار.

(وما اتَّصلَ به مُعدَّاً لمصالحِهِ فناؤُه)، مصالحُ المصر: كركضِ الخيل، وجمعِ العساكر، والخروجِ للرَّمي، ودفنِ الموتى، وصلاةِ الجنازة، ونحو ذلك.

(وجازت بمِنَىً

(2)

في الموسمِ

(3)

للخليفة، أو لأمير الحِجاز، لا لأميرِ الموسم

(4)

، ولا بعرفاتٍ

(5)

.

والسُّلطانُ، أو نائبُهُ، ووقتُ الظُّهر، والخُطبةُ نحو تسبيحةٍ قبلَها في وقتِها

(6)

)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه.

وأمَّا عندهما: فلا بُدَّ من ذِكْرٍ طويلٍ يُسمَّى خُطبة.

(1)

منهم: الثَّلجيّ، وعليه فتوى أكثرُ الفقهاء، ينظر:«المجتبى» وفي «الولوالجية» : هو الصحيح. ينظر: «الدر المختار» (1: 537). «الفتاوى المهدية» (1: 6).

(2)

مِنَى: هو موضع معروف قرب مكة المشرفة يقيم فيه الحجاج يوم التروية

، وسمِّيَ مِنَى لما يمنى به من الدماء أي يراق. ينظر:«المصباح المنير» (2: 899).

(3)

أي موسم الحج: وسمِّيَ موسِم الحجّ موسماً؛ لأنه مَعْلمٌ يجتمع إليه الناس. ينظر: في «معجم مقاييس اللغة» (6: 110)، و «القاموس» (4: 188).

(4)

أمير الموسم: المسمَّى بأمير الحج وإن كان مقيماً؛ لأنه غير مأمور بإقامة الجمعة إلا إذا كان مأذوناً من جهة من له الأذن، وقيل: إن كان مقيماً تجوز، وإن كان مسافراً لا تجوز، والأول هو الصحيح. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 168).

(5)

عرفات: اسم موضع يقع فى اثني عشر ميلاً من مكة يقف فيه الحجاج يوم التاسع من ذي الحجة، سمي بذلك لتعرف العباد إلى الله تعالى بالعبادات والأدعية، وقيل: لوقوع المعرفة فيها بين آدم وحواء. ينظر: «معجم مفردات القرآن» للراغب الأصفهاني (ص 343).

(6)

أي قبل صلاة الجمعة في وقت الظهر. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 46/ب).

ص: 180

والجماعةُ، وهم ثلاثةُ رجالٍ سوى الإمام، فإنّ نفروا قبل سجودِه بدأَ بالظُّهر، وإن بقي ثلاثةُ رجال، أو نفروا بعد سجودِهِ أتمَّها، والإذنُ العام. ومَن صَلَحَ إماماً في غيرِها صَلَحَ فيها، وكُرِه ظُهْرُ معذور أو مسجونٍ بجماعةٍ في مصرٍ يَوْمَها

وعند الشَّافِعِيّ

(1)

رضي الله عنه: لا بُدَّ من خُطبتينِ يشتملُ كلُّ واحد

(2)

منهما على الصَّلاة، والتَّحميد، والوصيةِ بالتَّقوى، والأولى على القراءة، والثَّانية على الدُّعاءِ للمؤمنين.

(والجماعةُ، وهم ثلاثةُ رجالٍ سوى الإمام): (عندهما، وعند أبي يوسف رضي الله عنه اثنان سوى الإمام)

(3)

، (فإنّ نفروا

(4)

قبل سجودِه بدأَ بالظُّهر، وإن بقي ثلاثةُ رجال

(5)

، أو نفروا بعد سجودِهِ أتمَّها، والإذنُ العام

(6)

.

ومَن صَلَحَ إماماً في غيرِها صَلَحَ فيها): أي إنَّ أمَّ المسافر، أو المريض، أو العبدُ في الجُمعة صحَّت خلافاً لزُفَر رضي الله عنه، (له: أنَّها)

(7)

ليست بواجبةٍ عليهم، قلنا: إذا حضروا وأَدَّوْا صلاةَ الجُمعة صارت فرضاً عليهم.

(وكُرِه ظُهْرُ معذور أو مسجونٍ بجماعةٍ في مصرٍ يَوْمَها)؛ لأنَّ الجُمعةَ جامعةٌ للجماعات، فلا يجوزُ إلاَّ جماعةٌ واحدة؛ ولهذا لا تجوزُ الجُمعة عند أبي يوسفَ رضي الله عنه بموضعين إلاَّ إذا كان مصرٌ له جانبان، فيصيرُ في حُكْمِ مصرين كبغداد، فيجوزُ حينئذٍ في

(1)

في «المنهاج» (1: 285 - 286): خطبتان قبل الصلاة، وأركانها: خمسة: حمد الله تعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفظهما متعين، والوصية بالتقوى، ولا يتعين لفظها على الصحيح، وهذه الثلاثة أركان في الخطبتين، والرابع: قراءة آية في إحداهما، وقيل: في الأولى، وقيل: فيهما، وقيل: لا تجب، والخامس: ما يقع عليه اسم دعاء للمؤمنين في الثانية، وقيل: لا يجب، ويشترط كونها عربية مرتبة الأركان الثلاثة الأولى. وينظر:«المنهج القويم» (1: 374)، و «المهذب» (1: 111)، و «المقدمة الحضرمية» (1: 104)، و «منهج الطلاب» (1: 19)، وغيره.

(2)

زيادة من أ و ب و س.

(3)

زيادة من أ.

(4)

نفروا: أي تفرقوا وتركوا الاشتراك في الصلاة. ينظر: «اللسان» (6: 4497).

(5)

زيادة من أ و ت.

(6)

أي أن يأذن للناس إذناً عاماً بأن لا يمنع أحداً ممن تصح منه الجمعة عن دخول الموضع الذي تصلى فيه، وهذا الشرط لم يذكر في ظاهر الرواية، ولذا لم يذكره في «الهداية» ، ولكنه ذكر في «الكنْز» (ص 21)، و «الملتقى» (ص 24)، وغيرها. ينظر:«رد المحتار» (1: 546).

(7)

في أ و ب و س: لانها.

ص: 181

وظُهْرُ مَن لا عُذْرَ له فيه قبلها، ثُمَّ سعيه إليها، والإمامُ فيها يبطلُهُ أدركَها أو لا، ومدركُها في التَّشهُّد، أو في سجودِ السَّهو يتمُّها. وإذا أُذِّنَ الأَوَّلُ تركوا البيع، وَسَعَوْا. وإذا خرجَ الإمام حَرُمَ الصَّلاةُ والكلامُ حتَّى يتمَّ خُطبتَه. وإذا جَلَسَ على المنبرِ أُذِّنَ ثانياً بين يديه واستقبلوهُ مستمعين، ويخطبُ خُطبتَيْنِ بينهما قعدةٌ قائماً طاهراً، وإذا تمَّت الخُطبة أُقيم وصلَّى الإمامُ بالنَّاس ركعتين

موضعين دون الثَّلاثة.

وعند محمَّد رضي الله عنه: لا بأس بأن يصلِّي في موضعين، أو ثلاثة سواءٌ كان للمصرِ جانبان، أو لم يكن، (وبه يفتى)

(1)

.

ولمَّا ذَكَرَ حُكْمَ المعذور، عُلِمَ منه كراهةَ ظُهْرِ غيرِ المعذورِ

(2)

بالطَّريق الأولى.

(وظُهْرُ مَن لا عُذْرَ له فيه قبلها)، قولُهُ: فيه، أي في المصر، (ثُمَّ سعيه إليها، والإمامُ فيها يبطلُهُ أدركَها أو لا)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا عندهما فلا يبطلُ ظهرُهُ إلاَّ أن يقتدي.

(ومدركُها في التَّشهُّد، أو في سجودِ السَّهو يتمُّها

(3)

.

وإذا أُذِّنَ الأَوَّلُ تركوا البيع، وَسَعَوْا.

وإذا خرجَ

(4)

الإمام حَرُمَ الصَّلاةُ والكلامُ حتَّى يتمَّ خُطبتَه.

وإذا جَلَسَ على المنبرِ أُذِّنَ ثانياً بين يديه واستقبلوهُ مستمعين، ويخطبُ خُطبتَيْنِ بينهما قعدةٌ قائماً طاهراً، وإذا تمَّت الخُطبة

(5)

أُقيم وصلَّى الإمامُ بالنَّاس ركعتين).

(1)

زيادة من أ و ب و س.

(2)

أي في غير الجماعة. فصلاته وإن صحت، إلا أنه ارتكب محرماً بترك الفرض القطعي. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 170)، و «فتح باب العناية» (1: 409).

(3)

أي من أدرك صلاة الجمعة في التشهد أو سجود السهو يتمها جمعة لا ظهراً خلافاً لمحمد. ينظر: «الدر المختار» (1: 550).

(4)

أي صعد على المنبر. ينظر: «التبيين» (1: 223)، و «رمز الحقائق» (1: 72).

(5)

زيادة من ق.

ص: 182

‌باب العيدين

حُبِّبَ يومُ الفطرِ أن يأكلَ قبل صلاتِه، ويَستاك، ويَغتسل، ويَتطيَّبَ، ويَلبسَ أحسنَ ثيابِه، ويُؤدِّي فطرتَه، ويَخرجَ إلى المصلَّى غيرَ مُكَبِّرٍ جهراً في طريقِه، ولا يَتنفَّلُ قبل صلاةِ العيد، وشُرِطَ لها شروطُ الجُمعةِ وجوباً، وأداءً، إلاَّ الخُطبةَ

باب العيدين

(حُبِّبَ

(1)

يومُ الفطرِ أن يأكلَ قبل صلاتِه، ويَستاك، ويَغتسل، ويَتطيَّبَ، ويَلبسَ أحسنَ ثيابِه، ويُؤدِّي فطرتَه، ويَخرجَ إلى المصلَّى غيرَ مُكَبِّرٍ جهراً في طريقِه)، نفى التَّكبير بالجهرِ حتَّى لو كبَّرَ من غيرِ جهرٍ كان حسناً.

(ولا يَتنفَّلُ قبل صلاةِ العيد، وشُرِطَ لها شروطُ الجُمعةِ وجوباً

(2)

، وأداءً، إلاَّ الخُطبةَ)

(3)

، أفادَ

(4)

في

(5)

هذه العبارةِ أنَّ صلاةَ العيدِ واجبة، وهو روايةٌ عن أبي حنيفة رضي الله عنه، وهو الأصحّ، وقد قيل

(6)

: إنِّها سُنَّة عند علمائِنا، فإن محمَّداً، قال

(7)

: عيدان اجتمعا في يومِ واحد، فالأَوَّلُ سُنَّة، والثَّاني فريضة، فأجيبَ بأن محمَّداً إنِّما سمَّاها سُنَّة؛ لأنَّ وجوبَها ثَبَتَ بالسُنَّة

(8)

.

(1)

حُبِّبَ: من التحبيب، والمراد به أعمُّ من السنة المؤكدة والمستحب، فإن بعضَ الأمور المذكورة عدَّت من السنن المؤكدة كالغسل وغيره. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 245).

(2)

أما مسألة اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد فحقَّق الكوثري عدم سقوط صلاة الجمعة بصلاة العيد إلا في قول شاذ لأحمد. ينظر: «مقالات الكوثري» (ص 249 - 257)، و «تذكرة العلماء في عدم سقوط صلاة الجمعة بصلاة العيد» .

(3)

فالخطبة ليست بشرط لصحة صلاة العيد، فإن لم يخطب أثم ولا تبطلُ صلاة العيد، بخلاف صلاة الجمعة. ينظر:«حاشية اللكنوي على الجامع الصغير» (1: 114).

(4)

سقطت من م.

(5)

زيادة من م.

(6)

من القائلين النسفي، وقد صححه في «المنافع» ، وصحح القول بالوجوب صاحب «الهداية» (1: 85)، و «المختار» (1: 112)، و «الدر المختار» (1: 555)، واختاره صاحب «الملتقى» (25)، و «الكنْز» (1: 21)، و «التنوير» (1: 55)، وغيرهم

(7)

في «الجامع الصغير» (1: 113).

(8)

ينظر: «الهداية» (1: 85)،

ص: 183

ووقتُها من ارتفاعِ ذُكاءٍ إلى زوالِها. ويُصلِّي بهم الإمامُ ركعتَيْن، يُكَبِّرُ للإحرام، ويُثْنِي، ثُمَّ يكبر ثلاثاً، ويقرأُ الفاتحةَ وسورةً، ثُمَّ يركعُ مُكَبِّراً، وفي الثَّانية: يبدأُ بالقراءة، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثلاثاً، وأُخرى للرُّكوع، ويرفعُ يديه في الزَّوائد. ويخطبُ بعدها خُطبتينِ يُعَلِّمُ فيها أحكام الفطرة. ومَن فاتته مع الإمامِ لم يقض، ويصلِّي غداً بعذر، لا بعده. والأضحى كالفطر أحكاماً، لكن هاهنا نُدِبَ الإمساكُ إلى أن يصلِّي، ولا يُكْرَهُ الأكلُ قبلَها، وهو المختار، ويكبِّرُ جهراً في الطَّريق، ويُعَلِّمُ في الخُطبة تكبيرَ التَّشريق، والأضحية. ويصلِّي بعذر أو بغيره أيَّامها لا بعدَها، والاجتماعُ يومَ عرفةٍ تشبُّها بالواقفينِ ليس بشيء

(ووقتُها من ارتفاعِ ذُكاءٍ

(1)

إلى زوالِها.

ويُصلِّي بهم الإمامُ ركعتَيْن، يُكَبِّرُ للإحرام، ويُثْنِي

(2)

، ثُمَّ يكبر ثلاثاً، ويقرأُ الفاتحةَ وسورةً، ثُمَّ يركعُ مُكَبِّراً، وفي الثَّانية: يبدأُ بالقراءة، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثلاثاً، وأُخرى للرُّكوع، ويرفعُ يديه في الزَّوائد.

ويخطبُ بعدها خُطبتينِ يُعَلِّمُ فيها أحكام الفطرة.

ومَن فاتته مع الإمامِ لم يقض): أي إن صلَّى الإمامُ ولم يصلِّ رجلٌ معه لا يقضى، (ويصلِّي

(3)

غداً بعذر، لا بعده.

والأضحى كالفطر أحكاماً، لكن هاهنا

(4)

نُدِبَ الإمساكُ إلى أن يصلِّي، ولا يُكْرَهُ الأكلُ قبلَها، وهو المختار، ويكبِّرُ جهراً في الطَّريق، ويُعَلِّمُ في الخُطبة تكبيرَ

(5)

التَّشريق، والأضحية.

ويصلِّي بعذر أو بغيره أيَّامها لا بعدَها، والاجتماعُ يومَ عرفةٍ تشبُّها بالواقفينِ ليس بشيء): أي ليس بشيءٍ معتبرٍ يتعلَّق به الثَّواب، فإنَّ الوقوفَ في مكانٍ مخصوص، وهو عرفات قد عُرِفَ قُرْبة، وأمَّا في غيرها فلا.

(1)

أي قدر رمح، والرمح: اثنا عشر شبراً. ينظر: «الملتقى» (ص 25)، و «رد المحتار» (1: 558).

(2)

أي يقول الثناء المأثور: وهو سبحانك اللهم وبحمدك

(3)

أي الإمام والقوم في اليوم الثاني لا الثالث إذا منعهم عن الصلاة عذر كمطرٍ مانع عن الخروج، وعدم خروج الإمام، ووصول خبر رؤية الهلال فيه بعد الزوال، أو قبله بحيث لا يمكن جمع الناس عند ذلك.

(4)

في ت و ج و ص و ق و ف و م: هنا.

(5)

في أ و ب و س و ص: تكبيرات.

ص: 184

ويجبُ تكبيرُ التَّشريق، وهو قولُهُ: اللهُ أكبر الله اكبر، لا إله إلاَّ الله، واللهُ أكبر الله أكبر، ولله الحمد، من فجرِ عرفة عُقَيْبَ كلِّ فرضٍ أُدِّي بجماعةٍ مستحبَّة على المقيمِ بالمصر، ومقتديةٍ برَجُل، ومسافرٍ مقتدٍ بمقيم إلى عصرِ العيد، وقالا: إلى عصرِ آخر أيَّام التَّشريق، وبه يعمل، ولا يدعُهُ المؤتم

‌باب صلاة الخوف

إذا اشتدَّ خوفُ عدوٍّ جعلَ الإمامُ النَّاسَ أُمَّةً نحو العدوّ، وصلَّى بأُخرى ركعةً إن كان مسافراً، وركعتَيْن إن كان مقيماً، ومَضَت هذه إليه وجاءت تلك، وصلَّى بهم ما بقيَ وسلَّمَ وحدَه، وذهبَتْ إليه، وجاءت الأُولى، وأتمَّت بلا قراءة، ثُمَّ الأُخرى

(ويجبُ تكبيرُ التَّشريق، وهو قولُهُ: اللهُ أكبر الله اكبر، لا إله إلاَّ الله، واللهُ أكبر الله أكبر، ولله الحمد، من فجرِ عرفة عُقَيْبَ كلِّ فرضٍ أُدِّي بجماعةٍ مستحبَّة) احترازٌ عن جماعةٍ النِّساء وحدهنّ، (على المقيمِ بالمصر، ومقتديةٍ برَجُل، ومسافرٍ مقتدٍ بمقيم إلى عصرِ العيد، وقالا: إلى عصرِ آخر أيَّام التَّشريق، وبه يعمل

(1)

، ولا يدعُهُ المؤتمّ

(2)

)، ولو تركَ إمامه. (والله أعلم)

(3)

.

باب صلاة الخوف

(إذا اشتدَّ خوفُ عدوٍّ جعلَ الإمامُ النَّاسَ

(4)

أُمَّةً نحو العدوّ، وصلَّى بأُخرى ركعةً إن كان مسافراً، وركعتَيْن إن كان مقيماً، ومَضَت هذه إليه): أي ذهبت (هذه الطَّائفة)

(5)

إلى العدوّ، (وجاءت تلك، وصلَّى بهم ما بقيَ وسلَّمَ وحدَه، وذهبَتْ إليه): أي ذهبت هذه الطَّائفةُ إلى العدوّ، (وجاءت الأُولى، وأتمَّت بلا قراءة

(6)

، ثُمَّ الأُخرى

(1)

وفي «الملتقى» (ص 25): وعليه العمل، وفي «الدر المختار» (1: 564): وعليه الاعتماد والعمل والفتوى في عامة الأمصار وكافة الأعصار، ولكن رجَّح صاحب «الفتح» (2: 49) قوله.

(2)

ينظر: «الجامع الصغير» (1: 115)، و «الجامع الكبير» (1: 13)، و «الأصل» (1: 349).

(3)

زيادة من ق.

(4)

زيادة من م.

(5)

زيادة من ب و ف و م.

(6)

لأنها تأخذ حكم اللاحق، وهو محجور عن القراءة.

ص: 185

بقراءة، وفي المغربِ يصلِّي بالأُولى ركعتين، وبالأُخرى ركعة. وإن زادَ الخوفُ صَلَّوا رُكباناً فُرَادى بإيماءٍ إلى ما شاؤوا إن عَجَزوا عن التَّوجُّه، ويُفْسِدُها القتال، والمشي، والرُّكوب

‌باب الجنائز

سُنَّ للمُحْتَضرِ أن يُوجَّه إلى القبلةِ على يمينِه، واخْتِيرَ الاستلقاء، ويُلَقَّنُ الشَّهادة.

بقراءة

(1)

، وفي المغربِ يصلِّي بالأُولى ركعتين، وبالأُخرى ركعة)

(2)

.

اعلم أنَّه لم يذكرْ الفجرَ لكنَّه يفهمُ حكمُهُ من حكمِ المسافر، فالعبارةُ الحسنةُ ما حُرِّرَت في «المختصر» ، وهو قولُهُ: صلَّى بأُخرى ركعةً في الثُّنائي، وركعتَيْن في غيرِه

(3)

.

فالثُّنائي يتناولُ الفجر، وظُهْرَ المسافر، وعَصْرَهُ وعشاءَه، وفي

(4)

غيرِ الثُّنائي يتناولُ الثَّلاثي: أي المغرب، وظهرَ المقيم، وعصرَه، وعشاءَه.

(وإن زادَ الخوفُ صَلَّوا رُكباناً فُرَادى بإيماءٍ إلى ما شاؤوا إن عَجَزوا عن التَّوجُّه

(5)

، ويُفْسِدُها القتال، والمشي، والرُّكوب

(6)

. (والله أعلم)

(7)

.

باب الجنائز

(سُنَّ للمُحْتَضرِ أن يُوجَّه إلى القبلةِ على يمينِه، واخْتِيرَ

(8)

الاستلقاء، ويُلَقَّنُ الشَّهادة.

(1)

لأنها تأخذ حكم المسبوق، وعليه القراءة.

(2)

هذا إذا تنازعوا في الصلاة خلف إمام واحد، وإلا فالأفضل أن يصلي بكل طائفة إمام. ينظر:«الدر المختار» (1: 569).

(3)

انتهى من «(النقاية» (1: 43).

(4)

في: زيادة من م.

(5)

لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} ، [البقرة: 239].

(6)

لأنه عمل كثير، ولا يحتاج إليه. ينظر:«رد المحتار» (1: 569).

(7)

زيادة من ج.

(8)

واختير: يعني اختار المتأخِّرون أن يستلقيَ المحتضرُ على قفاه، فيكون وجهه إلى السماء وقدماه إلى القبلة؛ لأنه أيسر لخروج الروح، وأسهل لتغميض العين، وشدّ لحييه بعد الموت، ويرفع رأسه قليلاً؛ ليصير وجهه إلى القبلة، هذا كله إذا لم يشق عليه وإلاَّ يترك. كذا في «البناية» (2: 944).

ص: 186

فإن ماتَ يُشَدُّ لحياه، ويُغْمَضُ عينَاه، ويُجَمَّرُ تختُه وكفنُه وتراً، ويُوضعُ على التَّخت، ويُجَرَّد ويُسْترُ عورتُه، ويُوضَّأُ بلا مضمضةٍ واستنشاق، ويُفاضُ عليه ماءٌ مغليٌّ بسِدر، أو حُرْضٍ وإلاَّ فالقَراح، ويُغْسَلُ رأسُهُ ولحيتُه بالخِطْمِّي، ثُمَّ يضجعُ على يساره، ويُغْسَلُ حتَّى يصلَ الماءُ إلى التَّخت، ثُمَّ على يمينِه كذلك. ثُمَّ يُجْلَسُ مستنداً، ويمسحُ بطنُهُ برفق، وما خَرَجَ يَغْسِّل، ولم يُعَدْ غُسْلُه، ثُمَّ يُنَشَّفُ بثوب، ولا يُقَصُّ ظفرُه، ولا يُسَرَّحُ شعرُهُ ويجعلُ

فإن ماتَ يُشَدُّ لحياه، ويُغْمَضُ عينَاه، ويُجَمَّرُ

(1)

تختُه

(2)

وكفنُه وتراً، ويُوضعُ على التَّخت، ويُجَرَّد ويُسْترُ عورتُه، ويُوضَّأُ بلا مضمضةٍ واستنشاق

(3)

)، خلافاً للشَّافِعِيّ

(4)

، (ويُفاضُ عليه ماءٌ مغليٌّ بسِدر

(5)

، أو حُرْضٍ

(6)

وإلاَّ فالقَراح

(7)

): أي وإن لم يكن، فالماءُ القَراح، (ويُغْسَلُ رأسُهُ ولحيتُه بالخِطْمِّي

(8)

، ثُمَّ يضجعُ على يساره، ويُغْسَلُ حتَّى يصلَ الماءُ إلى التَّخت، ثُمَّ على يمينِه كذلك)، وإنِّما قُدِمَ الاضجاعُ على اليسار؛ ليكون البدايةُ في الغُسْلِ بجانبِ يمينه.

(ثُمَّ يُجْلَسُ مستنداً، ويمسحُ بطنُهُ برفق، وما خَرَجَ يَغْسِّل، ولم يُعَدْ غُسْلُه، ثُمَّ يُنَشَّفُ بثوب، ولا يُقَصُّ ظفرُه، ولا يُسَرَّحُ شعرُهُ)، خلافاً للشَّافِعِيّ

(9)

، (ويجعلُ

(1)

يجمر: يبخر. يقال: جمر ثوبه بخَّرَه. ينظر: «القاموس» (1: 408).

(2)

التَّخْتُ: السرير. ينظر: «حاشية عبد الحليم على الدرر» (1: 107).

(3)

للحرج؛ وقيل: يفعلان بخرقة وعليه العمل اليوم. ينظر: «الدر المختار» (1: 574).

(4)

ينظر: «مغني المحتاج شرح المنهاج» (1: 333).

(5)

السِّدر: وهو ورق شجر النَّبق، وهو غسول. ينظر:«طلبة الطلبة» (ص 31).

(6)

الحُرضُ: بضمة وبضمتين: الأشنان، تغسل به الأيدي على إثر الطعام، قال الأزهري: شجر الأشنان يقال له الحرض، وهو من النجيل. ينظر:«تاج العروس» (18: 287).

(7)

القَراح: الماء الذي لا يخالطه ثفل من سويقٍ ولا غيره، وهو الماء الذي يشرب إثر الطعام. ينظر:«اللسان» (5: 3574).

(8)

الخِطْمِّي: هو ما يغسل به الرأس، وهو نبتٌ مشهور له نور أحمر، وقد يكون أبيض. ينظر:«مختار الصحاح» (ص 181)، و «عجائب المخلوقات» للقزويني (2: 61).

(9)

ينظر: «فتح الوهاب» (1: 159)، و «حاشية البيجرمي» (1: 455)، و «حاشية الشرواني» (3: 103).

ص: 187

الحنوطُ على رأسِه، ولحيتِه، والكافورُ على مساجدِه. وسُنَّةُ الكَفَنِ له: إزار، وقميص، ولِفافة، واستحسنَ المُتَأخِّرون العِمامة ولها: دِرْع، وإزار، وخِمار، ولِفافة، وخرقةٌ تربطُ بها ثدياها، وكفايتُه له: إزار، ولِفافة، ولها: ثوبان، وخمار

الحنوطُ

(1)

على رأسِه، ولحيتِه، والكافورُ

(2)

على مساجدِه

(3)

.

وسُنَّةُ الكَفَنِ له: إزار

(4)

، وقميص

(5)

، ولِفافة

(6)

، واستحسنَ المُتَأخِّرون العِمامة

(7)

ولها: دِرْع

(8)

، وإزار، وخِمار

(9)

، ولِفافة، وخرقةٌ تربطُ بها ثدياها، وكفايتُه له: إزار، ولِفافة، ولها: ثوبان، وخمار): الثَّوبان الإزار، واللِّفافة.

(1)

الحَنُوط: كل طيب يخلط للمِيْت. ينظر: «القاموس» (2: 368).

(2)

الكافور: هو أخلاطٌ تجمع من الطيب، تركب من كافور الطلع، قال ابن سيده: الكافور: نبت طيِّب الريح. ينظر: «اللسان» (5: 3901).

(3)

مساجد: جمع مسجَد بفتح الجيم، وهي الجبهة، والأنف، واليدان، والركبتان، والقدمان، وإنما خُصَّت بين الأعضاء كرامةً لها أو صيانةً لها عن سرعة الفساد. كذا في «الدرر» (1: 161).

(4)

الإزار: الملحفة، وهو الرداء من الرأس إلى القدم. ينظر:«الكليات» (ص 81)، و «العمدة» (1: 252).

(5)

القَميص: ثوب مخيط بكمين غير مفرَّج، يلبس تحت الثياب، ولا يكون إلا من قطن أو كتان. ينظر:«تاج العروس» (18: 128).

(6)

اللِّفافة: بالكسر: ما يلفُّ بها على الرجل وغيرها. وهي من الرأس إلى القدم إلا أن اللفافة تزيد على الإزار قدراً يلفُّ إلى القدمين بلا كمين، وتربط من الأعلى والأسفل، ينظر:«الصحاح» (2: 449)، و «العمدة» (1: 252).

(7)

اختلفوا في العِمامة:

الأول: استحسان العمامة للميت، وقال به المتأخرون، قال القهستاني في «جامع الرموز» (1: 183) هو الصحيح، وقيل إذا كان من الأشراف، وقيل إذا لم يكن في الورثة صغار. وينظر:«حاشية الشرنبلالي على الدرر» (1: 162).

الثاني: كراهية العمامة للميت، وفي «التنوير» (1: 578) هوالأصح، تبعاً لصاحب «المجتبى» ، وفي «الفتاوى الهندية» (1: 160): وليس في الكفن عمامة في ظاهر الرواية، وفي الفتاوى استحسنها المتأخرون، لمن كان عالماً. وينظر:«البدائع» (1: 306)، و «الخانية» (1: 189)، و «منح الغفار» (ق 140/ب).

(8)

الدِّرْع: قميص النساء، وهو من أكفان المرأة. ينظر:«طلبة الطلبة» (ص 32،93).

(9)

الخِمارُ: صار في التعارف اسماً لما تُغَطِّي به المرأة رأسها، وجمعه خُمُرٌ، وأصل الخمر ستر الشيء، ويقال لما يُستَرُ به خِمار. ينظر:«معجم المفردات» (ص 160).

ص: 188

وتُبْسَطُ اللِّفافة، ثُمَّ الإزار عليها، ثُمَّ يُقَمَّصُ الميْت، ويوضعُ على الإزار، ثمَّ يُلَفُّ يسارُ إزارِه، ثُمَّ يمينُه، ثُمَّ اللِّفافةُ كذلك، وهي تَلْبَسُ الدِّرع، ويُجْعلُ شعرُها ضفيرتين على صدرِها، ثُمَّ الخِمارُ فوقَه تحت اللِّفافة، ويُعْقَدُ الكفنُ إن خيفَ انتشارُهُ. وصلاتُهُ فرضُ كفاية، وهي: أن يكبِّرَ رافعاً يديه، ثُمَّ لا رَفْعَ بعدَها، ويثني، ثُمَّ يكبِّر، ويُصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يُكَبِّرُ ويدعو، ثُمَّ يكبِّرُ ويُسلِّم، ولا قراءةَ فيها، ولا تَشهُّد، ويقول في الصَّبيِّ بعد الثَّالثة: اللَّهُمَّ اجعلْهُ لنا فَرَطاً، اللَّهُمَّ اجعلْهُ لنا ذُخْراً، اللَّهُمَّ اجعلْهُ لنا شافعاً مشفَّعاً

(وتُبْسَطُ اللِّفافة، ثُمَّ الإزار عليها، ثُمَّ يُقَمَّصُ الميْت

(1)

، ويوضعُ على الإزار، ثمَّ يُلَفُّ يسارُ إزارِه، ثُمَّ يمينُه، ثُمَّ اللِّفافةُ كذلك، وهي تَلْبَسُ الدِّرع، ويُجْعلُ شعرُها ضفيرتين على صدرِها، ثُمَّ الخِمارُ فوقَه تحت اللِّفافة، ويُعْقَدُ الكفنُ إن خيفَ انتشارُهُ

(2)

.

وصلاتُهُ فرضُ كفاية

(3)

): أي إن أدَّى البعضُ سقطَ عن الباقين، وإن لم يؤدِّ أحدٌ يأثم الجميع، (وهي: أن يكبِّرَ رافعاً يديه، ثُمَّ لا رَفْعَ بعدَها)، خلافاً للشَّافِعِيّ

(4)

، (ويثني، ثُمَّ يكبِّر، ويُصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يُكَبِّرُ ويدعو، ثُمَّ يكبِّرُ ويُسلِّم، ولا قراءةَ فيها)، خلافاً للشَّافِعِيّ

(5)

، (ولا تَشهُّد، ويقول في الصَّبيِّ بعد الثَّالثة: اللَّهُمَّ اجعلْهُ لنا فَرَطاً

(6)

، اللَّهُمَّ اجعلْهُ لنا ذُخْراً، اللَّهُمَّ اجعلْهُ لنا شافعاً مشفَّعاً): أي أجراً يتقدَّمنا، وأصلُ الفارطِ والفرط فيمن يتقدَّمُ الواردة. كذا في «المغرب»

(7)

، والمُشَفَّعُ الذي يُعطى له

(8)

الشَّفاعة.

(1)

زيادة من ت و ج و ف و ق و م.

(2)

ينظر: «الأصل» (1: 373 - 376، 389)، وفيه بيان لكيفية الغسل مع إلباسه الكفن.

(3)

فرض الكفاية: وهو ما يحصل المقصود من شرعيته بمجرد حصوله، وحكمه السقوط بفعل البعض؛ لأن الجمع إذا تركوا أثموا بالترك. ينظر:«مرآة الأصول» (2: 173)، و «حاشية حامد أفندي» (2: 483)

(4)

ينظر: «مغني المحتاج» (3: 342)، و «الإقناع» (1: 205).

(5)

ينظر: «منهج الطلاب» (1: 10)، و «فتح الوهاب» (1: 166).

(6)

في س: قرطاً. والفَرَط: بفتحتين الذي يتقدَّم الإنسان من ولده أي أجراً متقدماً. ينظر: «المراقي» (ص 484).

(7)

المعرب» (ص 358).

(8)

زيادة من أ و س.

ص: 189

ويقومُ المصلِّي بحذاءِ صَدْرِ الميْت، والأحقُّ بالإمامةِ السُّلطان، ثُمَّ القاضي، ثُمَّ إمامُ الحيّ، ثُمَّ الوليُّ على ترتيبِ العصبات، ولا بأس بإذنِهِ في الإمامة، فإن صلَّى غيرُهم يعيدُ الوليُّ إن شاء، ولا يصلِّي غيرُه بعده، ومَن لم يصلِّ عليه، فَدُفِنَ صُلِّي على قبرِه ما لم يظنَّ أنَّه تفسخ، ولم يجزْ راكباً استحساناً. وكُرِهَتْ في مسجدِ جماعةٍ إن كان الميْت فيه، وإن كان خارجَه اختلف المشايخ

والدُّعاء للبالغين هذا: اللَّهُمَّ اغفر لحيِّنا، وميِّتنا، وشاهدِنا، وغائبِنا وصغيرِنا، وكبيرِنا، وذَكَرِنا، وأُنثانا، اللَّهُمَّ مَن احييتَهُ منِّا فأحيِّه على الإسلام، ومَن توفَّيتَهُ منَّا فتوفَّهُ على الإيمان، وإنِّما قال في الأَوَّل الإسلام، وفي الثَّاني الإيمان؛ لأنَّ الإسلامَ والإيمانَ وإن كانا متحدين، فالإسلامُ يُنبئُ عن الانقياد، فكأنَّه دعاءٌ في حالِ الحياة بالإيمانِ والإنقياد، وأمَّا عند الوفاة فقد دَعا بالتَّوفِّي على الإيمان، وهو التَّصديق، والإقرار، وأمَّا الإنقيادُ وهو العملُ فغيرُ موجودٍ في حالِ الوفاة وبعده.

(ويقومُ المصلِّي بحذاءِ صَدْرِ الميْت، والأحقُّ بالإمامةِ السُّلطان، ثُمَّ القاضي، ثُمَّ إمامُ الحيّ، ثُمَّ الوليُّ على ترتيبِ العصبات، ولا بأس بإذنِهِ في الإمامة، فإن صلَّى غيرُهم يعيدُ الوليُّ إن شاء، ولا يصلِّي غيرُه بعده، ومَن لم يصلِّ عليه، فَدُفِنَ صُلِّي على قبرِه ما لم يظنَّ أنَّه تفسخ)، وقد

(1)

قُدِّرَ بثلاثةِ أيَّام، (ولم يجزْ راكباً استحساناً)، الاستحسانُ: هو الدَّليلُ

(2)

الذي يكونُ في مقابلةِ القياسِ الذي يسبقُ إليه الأفهام

(3)

، فالقياس هاهنا أن يجوزَ راكباً؛ لأنه ليس بصلاة؛ لعدمِ الأركان، بل هو دعاء، والاستحسانُ أنَّها هي

(4)

صلاةٌ من وجه؛ لوجودِ التَّحريمة، فلا يتركُ القيامَ من غيرِ عذرٍ احتياطاً.

(وكُرِهَتْ في مسجدِ جماعةٍ إن كان الميْت فيه، وإن كان خارجَه اختلف المشايخ) اختلف المشايخُ بناءً على أنَّ علَّةَ الكراهةِ عند البعضِ

(5)

توهمُ تلويثِ المسجد،

(1)

زيادة من أ و س و ف و ص.

(2)

الدليل قد يكون نصاً أو إجماعاً أو قياساً. ينظر: «التلويح» (2: 82)، و «حاشية الفنري» (3: 2 - 5).

(3)

وهو ما يسمَّى القياس الجلي. ينظر: «التوضيح» (2: 81)، و «حزامة الحواشي لإزاحة الغواشي» (3: 2).

(4)

زيادة من ص و ف و م.

(5)

وهو رواية النوادر عن أبي يوسف رضي الله عنه، وإليه مال في «المبسوط» ، و «المحيط» ، وعليه العمل، وهو المختار. ينظر:«رد المحتار» (1: 593

ص: 190

ومَن وُلِدَ فماتَ سمِّي وغُسِّل، وصُلِّي عليه إن استهلَّ، وإلاَّ أُدْرِجَ في خِرفة، ولم يصلَّ عليه وغُسِّل، وهو المختار. صبيٌّ سُبِي فمات، إن سُبِي بلا أحدِ أبويه، أو مع أحدِهما فأسلمَ عاقلاً، أو أحدَهما صُلِّي عليه، وإلاَّ فلا. كافرٌ ماتَ يغسلُه وليُّهُ المسلم غَسْل النَّجس، ويلفُّهُ في خرقة، ويحفرُ حفرةً، ويُلقيه فيها

فإن كان الميْت خارجَه لا تكره عندهم، وعند البعضِ

(1)

أن المسجدَ لم يبنَ إلاَّ للصَّلوات الخمس، فالميتُ وإن كان خارجاً يكره عندهم أيضاً.

(ومَن وُلِدَ فماتَ سمِّي وغُسِّل، وصُلِّي عليه إن استهلَّ

(2)

، وإلاَّ أُدْرِجَ في خِرفة، ولم يصلَّ عليه وغُسِّل، وهو المختار): وفي ظاهرِ الرِّواية

(3)

: أنَّه لا يُغْسَلُ لكن المختارَ هو الأَوَّل

(4)

.

(صبيٌّ سُبِي فمات، إن سُبِي بلا أحدِ أبويه، أو مع أحدِهما فأسلمَ عاقلاً، أو أحدَهما صُلِّي عليه

(5)

، وإلاَّ فلا)، فإنَّه إذا سُبِي بلا أحدِ أبويه يكونُ مسلماً تَبَعاً للدَّار، فيصلَّى عليه، وإن سُبِي مع أحدِ أبويه فحينئذٍ لا يكون تَبَعاً للدار، فإن أسلمَ هو، والحالُ أنَّه عاقلٌ فإسلامُه صحيح، فيصلَّي عليه، وإن أسلمَ أحدُهما يكون مسلماً تبعاً لأحدهما، فيصلَّى عليه. وإلاَّ فلا، أي إن سُبِي مع أحدِ أبويه، ولم يُسْلِمْ أحدٌ من أبويه، ولا هو عاقلٌ لا يصلَّى عليه، فهذا يشملُ ما إذا لم يُسْلِمْ أصلاً، أو أسلم، وهو غيرُ عاقل.

(كافرٌ ماتَ يغسلُه وليُّهُ المسلم غَسْل النَّجس): أي يصبُّ عليه الماءُ على الوجِهِ الذي يَغْسِلُ النَّجاسات، لا كما يَغْسِلُ المسلمُ بالبداية، بالوضوء، وبالميامن، (ويلفُّهُ في خرقة، ويحفرُ حفرةً، ويُلقيه فيها.

(1)

اختار الكراهة مطلقاً صاحب «التنوير» (1: 593)، والحصكفي في «الدر المنتقى» (1: 185)، و «الدر المختار» (1: 593)

(2)

استهلَّ الصبيُّ: رفع صوته وصاح عند الولادة. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 32). وفي «الدر المختار» (1: 594): استهل بالبناء للفاعل: أي وجد منه ما يدل على حياته بعد خروجه.

(3)

ينظر: «الأصل» (1: 372).

(4)

ومثله في «الخانية» (1: 186)، و «البزازية» (4: 78)، و «الفتح» (1: 93)، و «رد المحتار» (1: 595).

(5)

ينظر: «الجامع الصغير» (ص 116).

ص: 191

وسنَّ في حَمْلِ الجنازةِ أربعةٌ، وأن تَضَعَ مُقدَّمَها، ثُمَّ مؤخِّرَها على يمينك، ثُمَّ مُقدَّمها، ثُمَّ مؤخَّرها على يسارك، ويسرعونُ بها لا خَبَبَاً، وكُرِهَ الجلوسُ قبلَ وضعِها، والمشي خلفَها أحبّ. ويحفرُ القبرُ ويُلَحَد، ويُدْخَلُ فيه ممَّا يلي القبلة، ويقولُ واضعُهُ: بسمِ اللهِ وعلى ملِّة رسولِ الله، ويوجِّهُ إلى القبلة، ويحلُّ العقدة، ويُسَوَّى اللَّبِن، والقَصَب، ويُسجَّى قبرُها بثوبٍ لا قبرُه، ويُكْرَهُ الآجر، والخشب، ويهالُ التُّراب، ويُسَنَّمُ القبرُ ولا يُسَطَّح

وسنَّ في حَمْلِ الجنازةِ أربعةٌ، وأن تَضَعَ مُقدَّمَها، ثُمَّ مؤخِّرَها على يمينك، ثُمَّ مُقدَّمها، ثُمَّ مؤخَّرها على يسارك

(1)

، ويسرعونُ بها لا خَبَبَاً

(2)

، وكُرِهَ الجلوسُ قبلَ وضعِها، والمشي خلفَها أحبّ.

ويحفرُ القبرُ ويُلَحَد، ويُدْخَلُ فيه ممَّا يلي القبلة

(3)

، ويقولُ واضعُهُ: بسمِ اللهِ وعلى ملِّة رسولِ الله، ويوجِّهُ إلى القبلة، ويحلُّ العقدة): أي العقدةُ التَّي على الكفنِ خيفة الانتشار.

(ويُسَوَّى اللَّبِن، والقَصَب، ويُسجَّى قبرُها بثوبٍ لا قبرُه): أي يغطي قبرُها بثوبٍ عند دفنِها، (ويُكْرَهُ الآجر

(4)

، والخشب، ويهالُ التُّراب، ويُسَنَّمُ

(5)

القبرُ ولا يُسَطَّح. (والله أعلم بالصواب)

(6)

).

(1)

ينظر: «الجامع الصغير» (ص 117 - 118).

(2)

الخَبَبُ: ضرب من العَدْو. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 167).

(3)

أي يؤخذ الميت في القبر من جهة القبلة. وتفصيله في «رفع الستر عن كيفية إدخال الميت وتوجيهه إلى القبلة في القبر» للكنوي. وينظر: «الأصل» (1: 37).

(4)

الآجرُّ: بمد الهمزة وضم الجيم وتشديد الراء المهملة هو اللَّبِنُ المطبوخ، وعللت كراهة الآجرِّ والخشب بأنهما لإحكام البناء وبالآجر أثر النار فيترك تفاؤلاً. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 257).

(5)

في أ: يسلم. ويُسَنَّمُ: يرفع، فسنَّم الشيء: رفعه. ينظر: «اللسان» (3: 2120).

(6)

زيادة من ت و ج.

ص: 192

‌باب الشهيد

هو كلُّ طاهرٍ بالغٍ قُتِلَ بحديدةٍ ظُلْماً، ولم يجبْ به مال، أو وُجِدَ ميْتاً جريحاً في المعركة

باب الشهيد

(هو كلُّ طاهرٍ بالغٍ قُتِلَ بحديدةٍ ظُلْماً، ولم يجبْ به مال، أو وُجِدَ ميْتاً جريحاً في المعركة)، فالطَّاهرٌ احترازٌ عمَّن وجبَ عليه الغُسل كالجُنب، والحائض، والنُّفَساء.

والبالغ: احترازٌ عن الصَّبيّ.

وبالحديدة: احترازٌ عن القتلِ بالمثقل.

وظلماً: احترازٌ عن القتلِ حداً، أو قصاصاً.

ولم يجبْ به مالٌ: احترازٌ عن قتلِ وجبَ به مال

(1)

، والمرادُ أنَّ المالَ يجبُ بنفسِ القتل، فإنَّ الأبَ إذا قَتَلَ ابنَهُ بحديدةٍ ظلماً يكونُ الابنُ شهيداً؛ لأنَّ المالَ وإن وَجَب، فإنَّه لم يَجِبْ بنفسِ هذا القتل

(2)

.

وقولُهُ: أو وُجِدَ ميِّتاً: فإنَّ مَن وُجِدَ ميِّتاً جريحاً في المعركة، فهو شهيد؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّ أهلَ الحرب قتلوه، ومقتولُهم شهيدٌ بأيِّ شيءٍ قتلوه، وإنِّما شُرِطَ الجراحةَ فيمن وُجِدَ في المعركة؛ ليدلَّ على أنَّه قتيلٌ لا ميْتٌ حَتْفَ أنفِه

(3)

.

فالحاصلُ أن الشَّهيدَ مَن قتلَ بحديدةٍ ظلماً، ولم يجب به مال، (ولم يرتثَّ)

(4)

(5)

، أو

(1)

أي كالقتل بالحجرِ ونحوهِ ممَّا لا يقتل به غالباً، وكالقتل الخطأ كان رمى الصيد فأصاب إنساناً وقتلَه، فإن الواجبَ في هذه الصُّور الدِّية لا القصاص، وتفصيله في «الفرائض السراجية» (ص 6)، وشرحها «الشريفي» (ص 6 - 7).

(2)

لأن القتلَ بالحديدة عمداً ظلماً موجبه القصاص في الأصل، وإنما سقط بورود نصّ دالّ على أن الوالدَ لا يقتل بولده تكريماً له، فيجب المال حذراً عن بطلان دم المقتول بالكلية. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 258).

(3)

حَتفَ أنفه: أي بلا ضرب ولا قتل، وسبب ذلك أنهم كان يتخيَّلون أن روح المريض تخرجُ من أنفه؛ فإن جرح خرجت من جراحته. ينظر:«اللسان» (1: 770).

(4)

يرتث: من ارتثاث الجريح: أي حملُهُ من المعركة وبه رَمقٌ: أي بقية روح، مأخوذ من الثَّوب الرَّثّ: أي الخَلِق، يعني لم يمت حين جُرِحَ بل صارَ خلِقاً. ينظر:«طلبة الطلبة» (ص 32)، و «القاموس» (1: 173).

(5)

زيادة من م.

ص: 193

فَيُنْزَعُ عنه غيرُ ثوبِه، ويُزادُ ويُنَقَصُ لِيَتَمَّ كفنُه، ولا يُغْسَل ويُصَلَّى عليه، ويُدْفَن بدمِه

مَن وُجِدَ ميْتاً جريحاً في المعركةِ سواءٌ قُتِلَ بحديدةٍ أم لا.

لكن في هذا التَّعريف نظر، وهو أنَّه لا يشملُ ما إذا قتلَهُ المشركون، أو أهل البَغْي، أو قُطاعُ الطَّريق بغير الحديدة، فإنَّ قتيلَهم شهيد، بأيِّ آلةٍ قتلوه.

فالتَّعريفُ الحَسَنُ الموجزُ ما قُلْتُ في «المختصر» : وهو مسلمٌ طاهرٌ بالغٌ قتلَ ظلماً، ولم يَجِبْ به مال، ولم يَرْتَث

(1)

.

من غيرِ ذكرِ الحديدةِ والوجدانِ في المعركة، فيشملُ قتيلَ المشركين، وأهلَ البَغْي، وقطاع الطَّريق، بأيِّ آلةٍ قتلوه، ويشملُ الميِّتَ الجريحَ في المعركة؛ لأنَّه مسلمٌ مقتولٌ ظُلماً، ولم يجبْ بقتلِهِ مال.

وأمَّا مقتولُ غيرِ هؤلاء، وهو مسلمٌ قتلَهُ مسلمٌ غيرُ باغٍ، وغيرُ قاطع الطَّريق، ومسلمٌ قتلَهُ ذميّ، فإنَّه إنِّما يكونُ شهيداً عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه إذا قُتِلَ بحديدةٍ ظلماً، فلمَّا قال: ولم يَجِبْ به مال، عُلِمَ أنَّه مقتولٌ بحديدة؛ لأنه لو قتلَ بغيرِ حديدة، لوجبَ المالُ عنده؛ لأنَّ الدِّيةَ واجبةٌ عنده في القتلِ بالمثقل، وأمَّا عندهما فلا احتياج إلى ذكرِ الحديدة؛ لأنَّ المقتولَ بالمثقلِ شهيدٌ عندهما، ولم يَجِبْ بقتلِهِ مال، بل الواجبُ قصاصٌ عندهما.

وأمَّا قولُهُ: ولم يرتث، فسيجيءُ فائدته.

(فَيُنْزَعُ عنه غيرُ ثوبِه): أي غيرُ ثوبِ يختصُ بالميْت كالفروِ والحشو، والقَلَنْسُوة

(2)

، والسِّلاح، والخُفّ، (ويُزادُ ويُنَقَصُ لِيَتَمَّ كفنُه)

(3)

: أي لو لم يكنْ معه ما يكونُ من جنسِ الكَفَن: كالإزار ونحوه يُزاد، ولو كان ما ليس من جنسِهِ ينقص، (ولا يُغْسَل ويُصَلَّى عليه، ويُدْفَن بدمِه

(4)

.

(1)

انتهى من «النقاية» (ص 42).

(2)

القَلَنْسُوة: من ملابس الرؤوس معروف. ينظر: «تهذيب الأسماء واللغات» (2: 101)، و «اللسان» (5: 3720).

(3)

أي يزاد إن نقص ما عليه عن كفن السنة، وينقص إن زاد إلى أن يتم كفنه المسنون. ينظر:«الدر المختار» (1: 610).

(4)

ينظر: «الجامع الصغير» (ص 118 - 119)، و «الأصل» (1: 362 - 363، 368).

ص: 194

وغُسِّلَ صبيّ، وحائض، ونفساء، وجُنُب، ومَن وُجِدَ قتيلاً في مصر لا يعلمُ قاتلُه

وغُسِّلَ صبيّ، وحائض، ونفساء، وجُنُب، ومَن وُجِدَ قتيلاً في مصر

(1)

لا يعلمُ قاتلُه

(2)

)، فإنَّهُ إذا لم يعلمْ قاتلُه غُسِلَ سواءٌ عُلِمَ أن قَتْلَهُ وقعَ بالحديدة، أو بالعصا الكبير، أو الصَّغير؛ لأنَّ الواجبَ به الدِّية والقَسامة

(3)

، هكذا ذَكَرَ في «الذَّخيرة»

(4)

، ولم يذكرْ أنَّه وُجِدَ في موضعٍ تَجِبُ القَسامةُ أو لا.

أقولُ: المرادُ أنه وُجِدَ في موضعٍ تَجِبُ القَسامة.

أمَّا إذا وُجِدَ في موضعٍ لا تجب القَسامةُ كالشَّارع، والجامع:

فإن عُلِمَ أنَّ القتلَ بالحديدةِ لا يُغْسَل؛ لأنه شهيد.

وإن عُلِمَ أنه قُتِلَ بالعصا الكبير، ينبغي أن يُغْسَلَ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، إذ ليس شهيداً عنده، خلافاً لهما.

وإن عُلِمَ أنه قُتِلَ بالعصا الصَّغير ينبغي أن يُغْسَلَ اتِّفاقاً؛ لأنَّ نفسَ القتلِ أوجبَ الدِّية، فعدمُ وجوبِها بعارضِ جَهْلِ القاتلِ لا يَجعلُهُ شهيداً.

أمَّا إذا عُلِمَ القاتل

(5)

:

فإن عُلِمَ أنَّ القتلَ بالحديدةِ لم يُغْسَلْ؛ لأنَّه شهيد.

وإن عُلِمَ أنه قُتِلَ بالعصا الكبير ينبغي أن يُغْسَلَ عند أبي حنيفة رضي الله عنه خلافاً لهما.

وإن عُلِمَ أنه قُتِلَ بالعصا الصَّغير يُغْسَلُ اتِّفاقاً.

(1)

المصر: المراد به العمران وما يقربه مصراً كان أو قرية، وقيد بالمصر؛ لأنه لو وجد في مفازة ليس بقربها عمران لا تجب فيه قسامة ولا دية فلا يغسل لو وجد به أثر القتل. ينظر:«حاشية الشرنبلالي على الدرر» (1: 169).

(2)

أما إذا علم القاتل، فإن علم أن القتل بالحديدة لا يغسل؛ لأنه شهيد، وإن علم أنه بالعصا الكبيرة يغسل عند أبي حنيفة رضي الله عنه خلافاً لهما، وإن علم أنه بالعصا الصغيرة يغسل اتفاقاً. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 463).

(3)

القَسامة: هي أيمان تقسم على أهل المحلة الذين وجد القتيل فيهم ميت به جرح أو أثر ضرب أو خنق أو خروج دم من أذنه أو عينيه وجد في محلة، أو أكثره، أو وجد نصفه مع رأسه لا يعلم قاتله، وادعى وليُّه القتل على أهلها أو بعضهم حلف خمسون رجلاً منهم يختارهم الولي، قائلاً: بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلاً، ثم يقضى على أهلها بالدية. ينظر:«غرر الأحكام» (2: 120 - 121).

(4)

الذخيرة البرهانية» (ق 49/أ).

(5)

أي في صورة وجدان المقتول في موضعٍ لا تجب فيه القسامة.

ص: 195

..................................................................... ........................

وقد قال في «الهداية» : مَن وُجِدَ قتيلاً في المصرِ غُسِّل؛ لأنَّ الواجبَ فيه الدِّيةُ والقَسامة، فخَفَّ أثرُ الظُّلم إلاَّ إذا عُلِمَ أنَّه قُتِلَ بحديدةٍ ظلماً

(1)

.

(2)

أقولُ: هذه الرِّوايةُ مخالفةٌ لما ذُكِرَ في «الذَّخيرة» ؛ لأنَّ روايةَ «الهداية» فيما إذا لم يُعْلَمْ قاتلُه؛ لأنَّه علَّلَ بوجوبِ القَسامة، ولا قَسامة إلاَّ إذا لم يعلم القاتل، ففي صورةِ عدمِ العلمِ بالقاتل إذا عُلِمَ أن القتلَ بالحديدة، ففي رواية «الهداية» لا يُغْسَل

(3)

؛ لأنَّ نفسَ هذا القتلِ أوجبَ القصاص. وأمَّا وجوبُ الدِّيةِ والقَسامة؛ فلعارضِ العجزِ عن إقامةِ القصاص، فلا يخرجُهُ هذا العارضُ عن أن يكونَ شهيداً.

وأمَّا على روايةِ «الذَّخيرة» فيُغْسَل، وعبارةُ «الذَّخيرة»

(4)

هذه: وإن حصلَ القتلُ بحديدة، فإن لم يعلمْ قاتلُهُ تجب الدِّيةُ والقسامةُ على أهلِ المحلَّة فيُغْسَل، وإن عُلِمَ القاتلُ لم يُغْسَلْ عندنا.

ففي «الذَّخيرة» لم يُعْتَبَرْ نفسُ القتل، فوجوب الدِّية وإن كان بالعارض

(5)

أخرجَهُ عن الشَّهادة. وفي «المتن» أخذَ بهذه الرِّواية

(6)

، هذا إذا عُلِمَ أنه بأيِّ آلةٍ قُتِل، وأمَّا إذا لم يُعْلَم، فأقول: يَجِبُ أن يُغْسَل؛ لأنَّه لم يُعْلَمْ أنَّ موجبَ نفسِ هذا القتلِ ما هو، فلم يُمْكِنْ اعتبارُه، فلا بُدَّ أن يُعْتَبَرَ ما هو الواجبُ في مثل هذا القتلِ سواءٌ كان أصلياً، أو عارضياً،

(1)

انتهى من «الهداية» (1: 95)، وتمام كلامه: لأن الواجب فيه القصاص

(2)

قال صاحب «الفتح» (1: 109): أي ويعلم قاتله عيناً، أما مجرد وجدانه مذبوحاً لا يمنع غسله، وقد يستفاد هذا من قوله؛ لأن الواجب فيه القصاص؛ لأن وجوبه إنما يتحقق على القاتل المعين

ومثله في «العناية» (1: 109)، و «الكفاية» (1: 109)، وغيرها.

(3)

هذا ما يدل عليه ظاهر عبارة «الهداية» ، وهو ما ذهب إليه صدر الشريعة، لكن شراح «الهداية» كما بينا قالوا: لا يغسل إذا كان القاتل معيَّناً، ووجهوا كلام صاحب «الهداية» بناءً على ذلك كما سبق ذكره.

(4)

الذخيرة البرهانية» (ق 49/ب).

(5)

العارض: هو عدم العلم بالقاتل عيناً. ينظر: «العمدة» (1: 264).

(6)

أي رواية «الذخيرة» ، ومما سبق أنه ذكره عن شراح «الهداية» يفهم أن مقصود صاحب «الهداية» نفس مقصود صاحب «الذخيرة» ، فتكون في المسألة رواية واحدة فقط، وهذا ما نبَّه عليه من جاء بعد صدر الشريعة مثل ابن كمال باشا في «الايضاح» (ق 26/أ)، وملا خسرو في «درر الحكام» (1: 170)، والشرنبلالي في «حاشيته على الدرر» (1: 170)، وغيرهم.

ص: 196

أو قُتِلَ بحدٍّ أو قصاص، أو جُرِحَ وارتثَّ بأن نام، أو أكل، أو شَرِب، أو عُولِج، أو آواه خيمة، أو نُقِلَ من المعركةِ حيَّاً، أو بقيَ عاقلاً وقتَ صلاة، أو أوصى بشيء، وصلِّي عليهم

فالواجبُ الدِّية، فلا يكون شهيداً

(1)

.

(أو قُتِلَ بحدٍّ

(2)

أو قصاص)؛ لأنَّ هذا القتلَ ليس بظلم، (أو جُرِحَ وارتثَّ بأن نام، أو أكل، أو شَرِب، أو عُولِج، أو آواه خيمة، أو نُقِلَ من المعركةِ حيَّاً، أو بقيَ عاقلاً وقتَ صلاة، أو أوصى بشيء

(3)

، (وصلِّي عليهم)

(4)

(5)

)

(6)

، ارتثَّ الجريح: أي حُمِلَ من المعركة وبه رَمَق، والارتثاث في الشَّرع: أن يَرْتَفِقَ بشيءٍ من مرافقَ الحياة، أو يَثْبُتَ له حُكْمٌ من أحكامِ الأحياء، فإن بقيَ عاقلاً وقتَ صلاةٍ وَجَبَ عليه صلاة، وهذا من أحكامِ الأحياء، والإيصاءُ ارتثاثٌ عند (أبي حنيفة و)

(7)

أبي يوسفَ رضي الله عنهم خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه

(8)

.

(1)

حاصله أنه ينبغي أن يعتبر ما يكون واجباً في مثل هذا القتل سواء كان واجبا أصليا، أو غير أصلي، وهو الدية فإنها في بعض الصور وجوبها أصلي، وفي بعضها عارضي بعارض عدم العلم بآلة القتل، وإذا ثبت وجوب الدية ارتفعت أحكام الشهادة. ينظر:«عمدة الرعاية» (1:264).

(2)

أي يغسل من قتل بحدّ.

(3)

وهذا كله إذا وجد بعد انقضاء الحرب، وأماقبل انقضائها فلا يكون مرتثاً بشيء مما ذكر. ينظر:«التبيين» (1: 249).

(4)

أي صلي على المذكورين من الصبي والجنب والقتيل الذي وجبت فيه القَسامة، والمرتثّ، والمقتول بحد وقصاص.

(5)

ذكرت في ص و م في بداية المتن اللاحق.

(6)

ينظر: «الجامع الصغير» (ص 119).

(7)

سقطت من س و ف و م.

(8)

اختلفوا في قول أبي يوسف ومحمد في اعتبار الايصاء: فقال صاحب «البحر» (1: 214): الأظهر أنه لا خلاف، فجواب أبي يوسف بأن يكون مرتثاً فيما إذا كان بأمور الدنيا، وجواب محمد بعدمه فيما إذا كان بأمور الآخرة، وقال صاحب «الدر المختار» (1: 610): إن أوصى بأمور الآخرة لا يصير مرتثاً عند محمد وهو الأصح. ونقل في «البرهان» عن كل من أبي يوسف ومحمد قولين، فقال: ويطرد أبو يوسف الارتثاث في الوصية بأمور الدنيا فقط، أو مطلقاً، وخالفه محمد في وصية الآخرة، فلم يجعله مرتثاً، أو مطلقاً. كذا في «غنية ذوي الأحكام» (1: 170). وينظر: «التبيين» (1: 249).

ص: 197

وإن قتلَ لبَغي، أو قطعِ طريقٍ غُسِلَ ولا يُصلَّى عليه.

‌باب الصلاة في الكعبة

صحَّ فيها الفرضُ والنَّفل

(وإن قتلَ لبَغي، أو قطعِ طريقٍ غُسِلَ ولا يُصلَّى عليه

(1)

). (والله أعلم)

(2)

.

باب الصلاة في الكعبة

(صحَّ فيها الفرضُ والنَّفل)، المذكورُ في «الهداية»: خلاف الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فيهما

(3)

.

والمذكورُ في كتبِ الشَّافِعِيِّ الجوازُ إذا توجَّه إلى جدارِ الكعبة، حتَّى إذا توجَّه إلى الباب، وهو مفتوح، ولا يكونُ ارتفاعُ العتبةِ بقدرِ مؤخِّرة الرَّحل

(4)

لا يجوز

(5)

.

وفي كتبِهِ أيضاً

(6)

: إنَّهُ إن انهدمَتْ الكعبة ـ والعياذُ باللهِ ـ يجوزُ الصَّلاةُ خارجَها متوجِّهاً إليها، ولا يجوزُ فيها إلاَّ إذا كان بين يديه سترة شجر

(7)

، أو بقيِّةُ جدار

(8)

، وهذا حكمُ عجيب؛ لأنَّ جوازَ الصَّلاة خارجَها على تقديرِ الانهدام يدلُّ على أن القبلة إمَّا أرضُ

(1)

فإنه يغسل؛ لأنه ليس بشهيد ولا يصلى عليه زجراً وسياسة وعبرة. وقيل: لا يغسلان ولا يصلى عليهما إهانة لهما. وتمامه في «التبيين» (1: 249 - 250)، و «الملتقى» (ص 28)، و «العمدة» (1: 265).

(2)

زيادة من ص.

(3)

انتهى من «الهداية» (1: 95).

(4)

مؤخِرة الرَّحل: وهي التي يستند إليها الراكب. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 9).

(5)

في «منهاج الطالبين» (1: 10): ومن صلى في الكعبة واستقبل جدارها، أو بابها مردوداً، أو مفتوحاً مع ارتفاع عتبته ثلثي ذراع، أو على سطحها مستقبلاً من بنائها ما سبق جاز. وينظر:«الأم» (1: 28، 7: 203)، و «المجموع» (3: 193)، و «منهج الطلاب» (1: 9)، و «المنهج القويم» (1: 239)، وغيرها.

(6)

أي في كتب الشافعية.

(7)

زيادة من ف.

(8)

في «الوسيط» (2: 71): ولو استقبل الباب وهو مردود صح؛ لأنه من أجزاءِ البيت، وإن كان مفتوحاً والعتبة مرتفعة قدر مؤخرة الرحل جاز، وإن كانت أقل فلا، ولو انهدمت الكعبة، والعياذ بالله فوقف في وسط العرصة لم تصح صلاته إلا أن يكون بين يديه شجرة، أو بقية من حيطان البيت. وينظر:«فتح الوهاب» (1: 66 - 67).

ص: 198

ولو ظهرُهُ إلى ظهرِ إمامِه، لا لِمَن ظَهْرُهُ إلى وجهِه، وكُرِه فوقَها، اقتدوا متحلِّقين حولَها، وبعضُهم أقربُ من إمامِه إليها جازَ لِمَن ليس في جانبِه

الكعبة، أو هواؤُها، فيجب أن يجوزُ فيها من غير اشتراطِ أن يكون بين يديه شيءٌ مرتفعٌ مثل مؤخِّرة الرَّحل.

(ولو ظهرُهُ إلى ظهرِ إمامِه، لا لِمَن ظَهْرُهُ إلى وجهِه)؛ لأنَّ هذا تَقَدُّم.

(وكُرِه فوقَها)؛ تعظيماً للكعبة، وفي «الهداية»: إنَّه لا يجوزُ عند الشَّافِعِيّ رضي الله عنه

(1)

.

وفي كتبه: أنَّه لا يجوز إلاَّ أن يكونَ بين يديه شيءٌ مرتفع

(2)

.

(اقتدوا متحلِّقين حولَها، وبعضُهم أقربُ من إمامِه إليها جازَ لِمَن ليس في جانبِه)، اعلم أن للكعبةَ أربعةَ جوانبَ بحسبِ جدرانها الأربعة، فالواقفُ في الجانبِ الذي يكونُ الإمامُ فيه، إذا كان أقربَ إليها من الإمامِ يكون متقدِّماً على الإمامِ بخلاف الواقف في الجوانب الثَّلاثةِ الأُخر، فإن مَن هو أقربُ إلى الكعبة لا يكون متقدِّماً على الإمام. (والله أعلم بالصَّواب)

(3)

.

* * *

(1)

انتهى من «الهداية» (1: 95).

(2)

تراجع المسألة السابقة، وينظر:«الأم» (1: 28)، و «الإقناع» (1: 126)، و «فتح الوهاب» (1: 66).

(3)

زيادة من ت.

ص: 199

‌كتاب الزكاة

هي لا تَجِبُ إلاَّ في نصابٍ حولِيٍّ فاضلاً عن حاجتِهِ الأصليَّة

كتاب الزكاة

(هي لا تَجِبُ إلاَّ في نصابٍ حولِيٍّ فاضلاً عن حاجتِهِ الأصليَّة)

(1)

.

اعلم أنَّ الزَّكاةَ لا تَجِبُ إلاَّ في نصابٍ نام، والحولُ هو الممكِّنُ من الاستنماء؛ لاشتمالِهِ على الفصولِ الأربعة، والغالبُ فيها تفاوتُ الأسعار، فاقيمَ مُقامَ النَّماء، فأديرَ الحكمُ عليه، هذا هو المذكورُ في «الهداية»

(2)

.

وفيه نظر؛ لأنَّ هذا يقتضي أنَّه إذا حالَ الحولُ على النِّصابِ تَجِبُ الزَّكاة سواءٌ وُجِدَ النَّماء، أو لم يوجد، كما في السَّفر، فإنَّه أقيمَ مقامَ المشقَّة، فيدارُ الرُّخصةُ عليه سواءٌ وَجَدَ المشقَّةَ أم لا، لكن ليس كذلك

(3)

، بل لا بُدَّ مع الحولِ من شيءٍ آخر، وهو الثَّمنيَّةُ كما في الثَّمنين: أي الذَّهب والفضَّة، أو السَّوم

(4)

كما في الأنعام، أو نيَّةِ التِّجارة في غير ما ذَكَرْنا، حتَّى لو كان له عبدٌ لا للخدمة، أو دارٌ لا للسُّكْنَى، ولم ينوِ التِّجارةَ لا تجبُ فيهما الزَّكاة، وإن حالَ عليهما الحول

(5)

.

(1)

قال الخصاف: كره بعض أصحابنا الحيلة على إسقاط الزكاة، ورخص فيها بعضهم، قال السرخسي: ذكر الخصاف الحيلة في إسقاط الزكاة وأراد به المنع عن الوجوب لا الإسقاط بعد الوجوب، ومشايخنا أخذوا بقول بالكراهية دفعاً للضرر عن الفقراء. ينظر:«المحيط» (حيل)(ص 83 - 84).

(2)

الهداية» (1: 96).

(3)

أي ليس مجرَّدُ حولانِ الحولِ كافياً لوجوبِ الزَّكاة.

(4)

السَّوم: من سامت تسوم سوماً: أي رعت. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 34). وفي «الخانية» (1: 245): السائمة: هي الراعية التي تكتفي بالرعي، فإذا علفت فهي علوفة، والعبرة في ذلك لأكثر السنة.

(5)

ما أورد الشارح على صاحب «الهداية» ردَّه اللكنوي في «عمدة الرعاية» (1: 267): بإنَّ غرضَ صاحبِ «الهداية» من العبارةِ المذكورةِ ليس إلاَّ ذكر أنَّ الحولَ قائمٌ مقامَ النَّماء، والنَّماءُ الحقيقيُّ غيرُ معتبر، وإنَّ الحكمَ دائرٌ على الحولِ لا على النَّماء، وهو حاصلٌ منه، وأمَّا كونُهُ مشروطاً بأمرٍ آخرَ أو غيرَ مشروطٍ فهو بمعزلٍ عنه، وقد دلّ كلامُ «الهداية» قبل هذه العبارةِ وبعدها على اشتراطِ الشُّروطِ الأخرى التي ذكرَها الشَّارح كما لا يخفى على مَن طالعها.

ص: 200

مملوكٌ مُلكاً تاماً على حرٍّ مكلَّف مسلم، فلا تجبُ على مكاتب ومديونٍ مطالبٍ من جهةِ عبدٍ بقدرِ دينِه، ولا في مالٍ مفقود، وساقطٍ في بحر، ومغصوبٍ لا بيِّنةَ عليه، ومدفونٍ في بَرْيَّةٍ

ولا بُدَّ أن يكونَ فاضلاً عن حاجتِهِ الأصليَّةِ كالأطعمة، والثِّياب، وأثاثِ المَنْزل، ودوابِّ الرُّكوب، وعبيدِ الخدمة، ودورِ السُّكْنَى، وسلاحٍ يستعملها، وآلاتِ المحترفة، والكتبِ لأهلها

(1)

.

(مملوكٌ مُلكاً تاماً): أي رقبةً، ويداً

(2)

، (على حرٍّ مكلَّف): أي عاقل، بالغ، (مسلم، فلا تجبُ على مكاتب

(3)

)؛ لعدمِ الملكِ التَّام، فإن له ملكَ اليدِ لا ملكِ الرَّقبة، (ومديونٍ مطالبٍ من جهةِ

(4)

عبدٍ بقدرِ دينِه)؛ لأنَّ ملكَهُ غيرُ فاضلٍ عن الحاجةِ الأصليَّة، وهي قضاءُ الدَّين، وإنِّما قيَّدَ بكونِه مطالباً من عبد حتَّى لو كان مطالباً من اللهِ لا يمنعُ وجوبَ الزَّكاة، كمنَ ملكَ نصاباً بعضُهُ مشغولٌ بدينِ الله كالنَّذر، أو الكفارة، أو الزَّكاة

(5)

تجب فيه الزَّكاة، ولا يشترطُ لوجوبِ الزَّكاة فراغُهُ عن هذا الدَّين.

وقولُهُ: بقدرِ دينِهِ، متعلِّقٌ بقولِهِ: فلا تَجِب: أي لا تَجِبُ على المديونِ بقدر ما يكونُ مالُهُ مشغولاً بالدَّين.

(ولا في مالٍ مفقود، وساقطٍ في بحر، ومغصوبٍ لا بيِّنةَ عليه، ومدفونٍ في بَرْيَّةٍ

(6)

(1)

التقييد بأهلها غير معتبر المفهوم إلا أنه يراد به إخراجها عن حاجته الأصلية، فالكتب لا زكاة فيها على الأهل وغيرهم من أي علم كانت لكونها غير نامية، وإنما الفرق بين الأهل وغيرهم في جواز أخذ الزكاة والمنع عنه فمن كان من أهلها إذا كان محتاجاً إليها للتدريس والحفظ والتصحيح، فإنه لا يخرج بها عن الفقر، فله أخذ الزكاة، وتمامه في «رد المحتار» (2: 8)، وينظر:«البحر» (2: 222).

(2)

يعني يكون مملوكاً له ذاتاً وتصرُّفاً بحيث يقدرُ على التَّصرُّفِ فيه، وعلى الانتقالاتِ الملكيّةِ فيه. ينظر:«رد المحتار» (2: 4 - 5)، و «العمدة» (1: 269).

(3)

مكاتب: أي العبد الذي كاتبه سيده على مال مقابل أن يعتقه. ينظر: «الاختيار» (4: 272).

(4)

زيادة من ب و ج و س.

(5)

التمثيل بالزكاة هنا إنما يكون على رأي زفر رضي الله عنه وعلى رواية غير معتبرة عن أبي يوسف رضي الله عنه، والمعتبر عن الأئمة الثلاث أن دين الزكاة يمنع حال بقاء النصاب وكذا بعد الاستهلاك؛ لأن الإمام ونوابه يطالبونه في الأموال الظاهرة والباطنة. ينظر:«الإيضاح» (ق 26/ب)، و «الدرر» (1: 172)، و «رد المحتار» (2: 5)، و «العمدة» (1: 269).

(6)

البَريَّة: أي المفازة، وقيد بها؛ لأن المدفون في الدار والبستان نصاب؛ لأنه يمكن حفر جميع الدار والبستان والوصول إليه. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 56/ب).

ص: 201

نُسِي مكانُه، ودين جحدَهُ المديونُ سنين ثُمَّ أقرَّ بعدَها عند قوم، وما أُخِذَ مصادرةً ووصلَ إليه بعد سنين، بخلافِ دينٍ على مُقرٍّ مليء، أو معسر، أو مُفْلِس، أو جاحد عليه ببيِّنة، أو عَلِمَ به قاض، ولا يبقى للتِّجارة ما اشتراهُ لها فَنَوَى خدمتَه، ثُمَّ لا يصيرُ للتِّجارة وإن نواهُ لها ما لم يَبِعْه، وما اشترى للتِّجارة كان لها، لا ما وَرِثَه ونوى لها، وما ملكه بهبة، أو وصيَّة، أو نكاح، أو خُلع، أو صُلْح عن قَوَد ونواهُ لها كان لها عند أبي يوسف رضي الله عنه، لا عند محمَّد رضي الله عنه، وقيل: الخلافُ على عَكسِه

نُسِي مكانُه، ودين جحدَهُ المديونُ سنين ثُمَّ أقرَّ بعدَها عند قوم، وما أُخِذَ مصادرةً

(1)

ووصلَ إليه بعد سنين)، هذه الأمثلةُ أمثلة المال الضِّمار

(2)

، وعندنا لا تجب الزَّكاةُ في المالِ الضِّمار، خلافاً للشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه؛ بناءً على اشتراطِ الملكِ التَّام، فهو مملوكٌ رقبةً لا يداً، والخلافُ فيما إذا وَصَلَ المالُ الضِّمار إلى مالكِهِ، هل تجبُ عليه زكاةُ السِّنين التي كان المالُ فيها ضماراً أم لا؟

(بخلافِ دينٍ على مُقرٍّ مليء، أو معسر، أو مُفْلِس، أو جاحد عليه ببيِّنة، أو عَلِمَ به قاض)، فإنَّه إذا وَصَلَت هذه الأموالُ إلى مالكِها تجبُ زكاةُ الأيَّامِ الماضيَّة.

(ولا يبقى للتِّجارة ما اشتراهُ لها فَنَوَى خدمتَه، ثُمَّ لا يصيرُ للتِّجارة وإن نواهُ لها ما لم يَبِعْه

(4)

، وما اشترى للتِّجارة كان لها، لا ما وَرِثَه ونوى لها، وما ملكه بهبة، أو وصيَّة، أو نكاح، أو خُلع، أو صُلْح عن قَوَد

(5)

ونواهُ لها كان لها عند أبي يوسف رضي الله عنه، لا عند محمَّد

(6)

رضي الله عنه، وقيل: الخلافُ على عَكسِه)، فالحاصلُ أن ما عدا الحجرينِ والسَّوائم إنِّما تَجِبُ فيها الزَّكاةُ بنيَّةِ التِّجارة.

(1)

مصادرة: وهو ما يأخذُهُ السُّلطانُ من رعيته من غيرِ حقّ، والفرقُ بينَهُ وبينَ الغصبِ أنَّ الغصبَ أخذُ المالِ مباشرةً قهراً، والمصادرةُ أن يأمرَهُ بأن يأتيَ به. ينظر:«العمدة» (1: 270).

(2)

الضمار من المال: ما لا يرجى رجوعه. ينظر: «اللسان» (4: 2607).

(3)

ينظر: «التنبيه» (ص 37)، و «المهذب» (1: 142)، و «حلية العلماء» (3: 13)، وغيرها.

(4)

أي إذا أخرجَ عبداً وغيره عن التِّجارةِ ونوى خدمتَهُ لا يكون أبداً للتِّجارة، وإن نواهُ لها، إلا أن يبيعَهُ أو يؤجِّرَه. ينظر:«الدر المختار» (2: 10).

(5)

القَوَد: القِصاص. ينظر: «القاموس» (1: 343).

(6)

قال الحصكفي عن قول محمد رضي الله عنه في «الدر المختار» (2: 14)، «الدر المنتقى» (1: 196): هو الأصح.

ص: 202

ولا أداءَ إلاَّ بنيَّةٍ قُرِنَتْ به، أو بعزل قَدْرِ ما وَجَب، وتصدُّقُهُ بكلِّ مالِه بلا نيَّةٍ مُسْقِطٌ، وببعضِهِ لا عند أبي يوسف رضي الله عنه، وعند محمد رضي الله عنه سقط زكاة المؤدَّى.

ثُمَّ هذه النِّيَّةُ إنِّما تعتبرُ إذا وُجِدَتْ زمانَ حدوثِ سببِ الملك، حتَّى لو نَوَى التِّجارة بعد حدوثِ سببِ الملك لا تَجِبُ فيه الزَّكاةُ (بنية التِّجارة)

(1)

، وهذا معنى قولِهِ: ثُمَّ لا يصيرُ للتِّجارة، وإن نواهُ لها.

ثُمَّ لا بُدَّ أن يكونَ سببُ الملكِ سبباً اختيارياً، حتَّى لو نوى التِّجارةَ زمانَ تملُّكِهِ بالإرث لا تجب فيه الزَّكاة، ثُمَّ ذلك السَّبب الاختياري، هل يجبُ أن يكونَ شراءً أم لا؟ فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم لا

(2)

، وعند محمَّد رضي الله عنه تجب، وقيل: الخلافُ على العكس، فعند أبي يوسف رضي الله عنه لا بُدَّ أن يكونَ شراء، وعند محمَّد لا.

(ولا أداءَ إلاَّ بنيَّةٍ قُرِنَتْ به، أو بعزل قَدْرِ ما وَجَب، وتصدُّقُهُ بكلِّ مالِه بلا نيَّةٍ مُسْقِطٌ، وببعضِهِ لا عند أبي يوسف

(3)

رضي الله عنه، (وعند محمد رضي الله عنه سقط زكاة المؤدَّى)

(4)

): أي إذا تصدَّقَ بجميعِ مالِهِ بلا نيِّةِ الزَّكاة

(5)

تسقط الزَّكاة، وإن تصدَّقَ ببعضِ مالِهِ تسقطُ زكاةُ المؤدَّى عند محمَّد رضي الله عنه خلافاً لأبي يوسف- رضي الله عنه، حتَّى لو كان له مئتا درهم، فتصدَّقَ بمئة درهم، تسقط عند محمَّد رضي الله عنه زكاةُ المئةِ المؤدَّاة، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه لا تسقط عنه زكاةُ شيءٍ أصلاً.

(1)

ساقطة من ص و م، وفي أ و ب و س: بنيته.

(2)

أي لا يجبُ أن يكونَ شراء، بل كلُّ عملٍ موجبٍ للملك إذا اقترنت به نيَّةُ التِّجارةِ يكفي.

(3)

وقول أبي يوسف هو المختار ينظر: «الهداية» (1: 98)، و «الملتقى» (ص 29)، و «الدر المختار» (2: 12).

(4)

زيادة من ق.

(5)

في هذا القيدِ مسامحة، فإنّه لو نوى بتصدُّقِ جميعِ المالِ النَّذرِ أو الكفَّارة أو غيرهما يقعُ عمَّا نوى ويضمنُ الزَّكاةَ مع أنه يصدقُ عليه أنه تصدَّق بلا نيَّةِ الزَّكاة، ولقد أحسنَ المصنِّفُ حيث قال: بلا نيَّة، على سبيلِ الإطلاق، ولم يتنبَّه الشَّارحُ على دقيقةِ اطلاقه. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 272).

ص: 203

‌باب زكاة الأموال

نصابُ الإبلِ خمس، والبقرُ ثلاثون، والغنمُ أربعونَ سائمة. وفي كلِّ خمسٍ من الإبل بُخت أو عِراب: شاة. ثمَّ في كلِّ خمسٍ وعشرينَ بنتُ مخاض. ثمَّ في ستٍّ وثلاثينَ بنتُ لَبُون. ثمَّ في ستٍّ وأربعينَ حِقَّه. ثمَّ في إحدى وستِّينَ جَذَعة. ثمَّ في ستٍّ وسبعينَ بنتا لَبُون. ثمَّ في إحدى وتسعين حِقَّتان إلى مئةْ وعشرين.

باب زكاة الأموال

(نصابُ الإبلِ خمس، والبقرُ ثلاثون، والغنمُ أربعونَ سائمة.

وفي كلِّ خمسٍ من الإبل بُخت

(1)

أو عِراب:

(2)

شاة.

ثمَّ في كلِّ خمسٍ وعشرينَ بنتُ مخاض

(3)

.

ثمَّ في ستٍّ وثلاثينَ بنتُ لَبُون

(4)

.

ثمَّ في ستٍّ وأربعينَ حِقَّه

(5)

.

ثمَّ في إحدى وستِّينَ جَذَعة

(6)

.

ثمَّ في ستٍّ وسبعينَ بنتا لَبُون.

ثمَّ في إحدى وتسعين حِقَّتان إلى مئةْ وعشرين.

(1)

بُخْتُ: دخيل في العربية، أعجمي معرَّب، وهي الإبل الخُراسانية، تنتج من عربية وفالج. وهو ذو السنامين منسوب إلى بخت نصر. ينظر:«اللسان» (1: 219)، و «درر الحكام» (1: 176)، و «تاج العروس» (4: 437).

(2)

عِراب: جمع عربي، وهذا في البهائم، وللأناسي عرب، ففرقوا بينها في الجمع. ينظر:«غنية ذوي الأحكام» (1: 176).

(3)

بنت مَخَاض: هي التي استكملت سنة ودخلت في الثانية، سُمِّيت بها لأن أمَّها صارت حاملاً بولد آخر، والمَخَاض وجع الولادة. ينظر:«طلبة الطلبة» (ص 35).

(4)

بنت لَبُون: هي التي طعنت في الثالثة، وسمِّيت بذلك لأن أُمَّها في الغالب تكون ذات لبن من أخرى. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 482).

(5)

حِقَّة: وهي التي طعنت في الرابعة، سمِّيت بذلك لأنها استحقت الحمل والركوب. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 198).

(6)

جَذَعة: وهي التي طعنت في الخامسة؛ لأنها تجذع أسنان اللَّبَن: أي تقطعها. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 198).

ص: 204

ثمَّ في كلِّ خمسٍ شاة. ثمَّ في مئةٍ وخمسٍ وأربعينَ بنتُ مخاضٍ وحِقَّتان. ثمَّ مئةٍ وخمسينَ ثلاثُ حِقاق، ثمَّ تستأنف ففي كلِّ خمسٍ شاة. ثمَّ في كلِّ خمسٍ وعشرينَ بنتُ مخاض. ثمَّ في ستٍّ وثلاثينَ بنتُ لَبُون. ثمَّ في مئةٍ وستٍّ وتسعينَ أربع حِقاقٍ إلى مئتين. ثمَّ تستأنفُ أبداً كما في الخمسين التي بعد المئة والخمسين. وفي ثلاثين بقراً أو جاموساً تبيعٌ أو تبيعَة. ثُمَّ في كلِّ أربعين مُسِنّ، أو مُسِنَّة، وفيما زادَ يحسبُ إلى ستين، وفيها ضِعْفُ ما في ثلاثين.

ثمَّ في كلِّ خمسٍ شاة): (مع الحِقَّتَيْن)

(1)

.

(ثمَّ في مئةٍ وخمسٍ وأربعينَ بنتُ مخاضٍ وحِقَّتان.

ثمَّ مئةٍ وخمسينَ ثلاثُ حِقاق، ثمَّ تستأنف ففي كلِّ خمسٍ شاة.

ثمَّ في كلِّ خمسٍ وعشرينَ بنتُ مخاض.

ثمَّ في ستٍّ وثلاثينَ بنتُ لَبُون.

ثمَّ في مئةٍ وستٍّ وتسعينَ أربع حِقاقٍ إلى مئتين.

ثمَّ تستأنفُ أبداً كما في الخمسين التي بعد المئة والخمسين).

اعلم أنَّهُ قد ذَكَرَ استئنافين:

أحدهما: بعد المئة والعشرين.

والآخر: بعد المئة والخمسين.

فبعد المئتين يستأنف استئنافاً مثل ما ذُكِرَ بعد المئةِ والخمسين، حتَّى تجب في كلِّ خمسينَ حِقَّه.

(وفي ثلاثين بقراً أو جاموساً تبيعٌ أو تبيعَة.

ثُمَّ في كلِّ أربعين مُسِنّ، أو مُسِنَّة).

التَّبيعُ: الذي تَمَّ عليه الحولُ والتَّبيعةُ أُنثاه.

والمُسِنُّ: الذي تَمَّ عليه الحولان، والمُسنَّةُ أُنثاه.

(وفيما زادَ

(2)

يحسبُ إلى ستين، وفيها ضِعْفُ ما في ثلاثين.

(1)

زيادة من ف و م.

(2)

اختلفوا فيما بين الأربعين إلى الستين على ثلاثة أقوال:

الأول: ما زاد على الأربعين تجب فيه الزكاة بقدر ذلك إلى ستين عند أبي حنيفة ففي الواحدة ربع عشر مسنة، وفي الاثنين نصف عشر مسنة، وفي الثلاثة ثلاثة أرباع عشر مسنة، وفي الأربعة عشر مسنة وهكذا. هذا في رواية «الأصل» (2: 55 - 56): عن أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأن العفو ثبت نصاً بخلاف القياس ولا نص هنا، وهو اختيار المصنف، وصاحب «المختار» (1: 139)، و «الكنْز» (ص 27)، و «المواهب» (ق 50/أ)، وغيرها.

والثاني: أنه لا يجب في الزيادة شيء حتى تبلغ خمسين، ثم فيها مسنة وربع مسنة، أو ثلث تبيع؛ وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأن مبنى هذا النصاب على أن يكون بين كل عقدين وقص، وفي كل عقد واجب.

والثالث: لا شيء في الزيادة حتى تبلغ ستين، وهو رواية أسد بن عمرو عن أبي حنيفة رضي الله عنه، وهو قولهما. وهو اختيار صاحب «الملتقى» (ص 30)، و «جوامع الفقه» ، وفي «المحيط»: وهو أعدل الأقوال، وفي «الينابيع» ، و «الاسبيجابي»: وعليه الفتوى. ينظر: «رد المحتار» (2: 18).

ص: 205

ثُمَّ في كلِّ ثلاثين تبيع، وفي كلِّ أربعينَ مُسِنَّة. وفي أربعينَ ضأنا أو معزاً شاةٌ. ثُمَّ في مئةٍ وإحدى وعشرين شاتان. ثُمَّ في مئتينِ وواحدةٍ ثلاثُ شياه. ثُمَّ في أربعمئة أربع شياه. ثُمَّ في كلِّ مئةٍ شاة. ولا شيءَ في بغل وحمار ليسا للتِّجارة، ولا في عوامل، وحوامل، وعلوفة

ثُمَّ في كلِّ ثلاثين تبيع، وفي كلِّ أربعينَ مُسِنَّة): أي في ستينَ تبيعان (إلى تسعةٍ وستين)

(1)

.

ثُمَّ في سبعينَ تبيعٌ ومُسِنَّة.

ثُمَّ في ثمانينَ مُسِنَّتان.

ثُمَّ في تسعينَ ثلاثُ أَتْبِعة.

ثُمَّ في مئةٍ تبيعانِ ومُسِنَّة.

ثُمَّ في مئةٍ وعشرةٍ تبيعٌ ومُسِنَّتان.

ثُمَّ في مئةٍ وعشرينَ أربعةُ أتبعة، أو ثلاثُ مُسِنَّات، وهكذا إلى غير النِّهاية.

(وفي أربعينَ ضأنا أو معزاً شاةٌ.

ثُمَّ في مئةٍ وإحدى وعشرين شاتان.

ثُمَّ في مئتينِ وواحدةٍ ثلاثُ شياه.

ثُمَّ في أربعمئة أربع شياه.

ثُمَّ في كلِّ مئةٍ شاة.

ولا شيءَ في بغل وحمار ليسا للتِّجارة، ولا في عوامل، وحوامل، وعلوفة).

(1)

زيادة من أ و ب و س.

ص: 206

ولا في حَمَل، وفصيل، وعجل إلاَّ تَبَعاً للكبير. ولا في ذكورِ الخيلِ منفردة، وكذا في إناثِها في رواية، وفي كلِّ فرسٍ من المختلطِ به الذُّكور والإناث سائمةٍ دينارٌ، أو ربعُ عشرِ قيمتِهِ نصاباً. وجازَ دفعُ القِيَمِ في الزَّكاة، والكفارة، والعشر، والنَّذْر.

العواملُ: التَّي أُعِدَتْ للعمل، كإثارةِ الأرض.

والحواملُ: التَّي أُعِدَتْ لحملِ الأثقال.

والعلوفةُ: التَّي تُعْطَى العلف

(1)

، وهي ضدُّ السَّائمة.

(ولا في حَمَل

(2)

، وفصيل

(3)

، وعجل

(4)

إلاَّ تَبَعاً للكبير.

ولا في ذكورِ الخيلِ منفردة

(5)

، وكذا في إناثِها في رواية

(6)

، وفي كلِّ فرسٍ من المختلطِ به الذُّكور والإناث سائمةٍ دينارٌ، أو ربعُ عشرِ قيمتِهِ نصاباً

(7)

.

(8)

وجازَ دفعُ القِيَمِ

(9)

(10)

في الزَّكاة، والكفارة، والعشر، والنَّذْر.

(1)

هذا إذا لم تكن للتجارة وإن نواها؛ لأنَّها مشغولةً بالحاجةِ الأصليَّة. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 275).

(2)

حَمَل: وهو ولد الضأن في السنة الأولى. ينظر: «كنْز البيان» (ص 25).

(3)

فصيل: هو ولد الناقة إذا فصل من أمِّه ولم يبلغ الحول. ينظر: «اللباب» (1: 144).

(4)

في أ و ب و ت و ج و س: عجيل. والعجل: وهو ولد البقر. ينظر: «الجوهرة النيرة» (1: 119).

(5)

أي إذا لم يكن معها إنثى لا يجب فيها الزكاة؛ لأنها لا تتناسل، وفي الذكور روايتان، قال صاحب «الاختيار» (1: 141): الأصح عدم الوجوب، وهو ما رجحه صاحب «الفتح» (2: 139)، ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 201).

(6)

والرواية الثانية هي وجوب الزكاة فيها؛ لأنها تتناسل بالفحل المستعار، وقد صححها صاحب «الاختيار» (1: 141)، و «الدر المنتقى» (1: 201)، وهو ما رجح صاحب «الفتح» (2: 139).

(7)

نصاباً حال من القيمة: أي حال كونها بالغاً مبلغ النِّصاب. ينظر: «العمدة» (1: 276).

(8)

هذا على رأي الإمام، وهو اختيار أصحاب المتون، وأما على رأي الصاحبين فلا زكاة في الخيل مطلقاً، وفي «الخانية» (1: 249)، و «البزازية» (4: 83): والفتوى على قولهما. وفي «المواهب» (ق 50/ب): وهو أصح ما يفتى به.

(9)

لأن الأمرَ بأداء الزَّكاةِ إلى الفقير؛ لأجل إيصال الرِّزقِ إلى الفقراء، ويستوي فيه العين وقيمته، ولم يوجد دليلٌ يمنعُ أداء القيمة. ينظر:«العمدة» (1: 276).

(10)

في ج و ق و ف: القمية.

ص: 207

ولا يأخذُ المُصْدِّقُ إلاَّ الوَسَط، وإن لم يجدْ السِّنَّ الواجبَ يأخذُ الأَدْنَى مع الفضلِ أو الأعلَى، ويَرُدُّ الفضل، ويُضُمُّ المُسْتَفادُ وَسَطَ الحولِ في حكمِهِ إلى نصابٍ من جنسِه، والزَّكاةُ في النِّصابِ لا العَفْو، وهلاكُ النِّصابِ بعد الحولِ يُسْقِطُ الواجب، وهلاكُ البعضِ حِصَّتَه، ويُصْرَفُ الهلاكُ إلى العَفْو أوَّلاً، ثُمَّ إلى نصابٍ يليه، ثُمَّ وثُمَّ إلى أن ينتهي، فبقي شاة لو هَلَكَ بعد الحولِ عشرونَ من ستينَ شاةً، أو واحدٌ من ستٍّ من الإبل، وتجبُ بنتُ مَخَاضٍ لو

ولا يأخذُ المُصْدِّقُ

(1)

إلاَّ الوَسَط

(2)

، وإن لم يجدْ السِّنَّ الواجبَ يأخذُ الأَدْنَى مع الفضلِ أو الأعلَى، ويَرُدُّ الفضل، ويُضُمُّ المُسْتَفادُ وَسَطَ الحولِ في حكمِهِ إلى نصابٍ من جنسِه): أي إذا كان له مئتا درهمٍ وحالَ عليها، وقد حصلَ له في وسطِ الحولِ مئةُ درهمٍ يَضُمُّ المئةُ إلى المئتين.

وقولُهُ: في حكمِه؛ أي في حُكْمِ المُسْتَفاد، وهو وجوبُ الزَّكاة، يعني يُعْتَبَرُ في المستفادِ الحولُ الذي مرَّ على الأصل، ويمكنُ أن يَرْجِعَ ضميرُ حُكْمِهِ إلى الحول.

(والزَّكاةُ في النِّصابِ لا العَفْو

(3)

)، فإنَّه إذا ملكَ خمساً وثلاثينَ من الإبل، فالواجب وهو بنتُ مَخَاض إنِّما هو في خمسٍ وعشرينَ لا في المجموع، حتَّى لو هَلَكَ عشرةٌ بعد الحولِ كان الواجبُ على حالِه.

(وهلاكُ

(4)

النِّصابِ بعد الحولِ يُسْقِطُ الواجب، وهلاكُ البعضِ حِصَّتَه، ويُصْرَفُ الهلاكُ إلى العَفْو أوَّلاً، ثُمَّ إلى نصابٍ يليه، ثُمَّ وثُمَّ إلى أن ينتهي، فبقي شاة لو هَلَكَ بعد الحولِ عشرونَ من ستينَ شاةً، أو واحدٌ من ستٍّ من الإبل، وتجبُ بنتُ مَخَاضٍ لو

(1)

المُصْدِّقُ: وهو آخذ الصدقة من قبل الإمام، فيأخذ الحقوق من الإبل والغنم. ينظر:«اللسان» (3: 2419).

(2)

الوَسَطُ: وهو أعلى الأدنى، وأدنى الأعلى، وقيل: إذا كانوا عشرين من الضأن وعشرين من المعز يأخذ الوسط، معرفته أن يقوم الوسط من المعزّ والضأن فتؤخذ شاة تساوي نصف القيمة عن كل واحد منهما. ينظر:«غنية ذوي الأحكام» (1: 178)، و «الدر المختار» (2: 22).

(3)

العَفْو: وهو ما بين النصابين، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم، وقال محمد وزفر رضي الله عنهم: في مجموع النصاب والعفو. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 505).

(4)

قيد بالهلاك؛ لأن واجب الزكاة لا يسقط باستهلاك النصاب بفعل رب المال، أما لو استهلكه قبل تمام الحول فلا زكاة عليه؛ لعدم الشرط. ينظر:«شرح الوقاية» لابن ملك (ق 54/أ-ب)، و «رد المحتار» (2: 21).

ص: 208

هَلَكَ خمسةَ عشرَ من أربعين بعيراً

هَلَكَ خمسةَ عشرَ من أربعين بعيراً): أي يُصْرَفُ الهلاكُ إلى العَفْو أَوَّلاً، وإن لم يتجاوزْ الهلاكُ العَفْو، فالواجبُ على حاله، كالمثالينِ الأَوَّلَين، وهما هلاكُ عشرين من ستّين شاة، أو واحدٍ

(1)

من ستٍّ من الإبل.

وإن جاوزَ الهلاكُ العَفْو، (يُصْرَفُ الهلاكُ إلى النَّصابِ الذي يلي العَفْو)

(2)

، كما إذا هَلَكَ خمسةَ عشرَ من أربعين بعيراً، فالأربعةُ تُصْرَفُ إلى العَفْو، ثُمَّ أحدَ عشرَ يُصرفُ إلى النِّصاب الذي يلي العَفْو، وهي ما بين

(3)

خمسٍ وعشرينَ إلى ستٍّ وثلاثين، حتَّى تَجِبَ بنتُ مَخَاض.

ولا نقول

(4)

: الهلاكُ يُصرَفُ الى النِّصابِ والعَفْو، حتَّى نقولَ: الواجبُ في أربعينَ بنتُ لَبُون، وقد هَلَكَ خمسةَ عشرَ من أربعين، وبقي خمسةٌ وعشرون، فيجبُ نصفٌ وثمنٌ من بنتِ لَبُون

(5)

.

ولا نقول

(6)

أيضاً: إنَّ الهلاكَ الذي جاوزَ العَفْوَ يُصْرَفَ إلى مجموعِ النُّصُبِ، حتَّى نقول: تُصرَفُ أربعةٌ إلى العفو، ثُمَّ يصرفُ أحدَ عشرَ إلى مجموعِ ستَّةٍ وثلاثين: أي كان الواجبُ في ستَّةٍ وثلاثينَ بنتُ لَبُون، وقد هَلَكَ أحدَ عشر، وبقي خمسةٌ وعشرون، فالواجبُ ثُلُثا بنتِ لَبُون، وربعُ تسعِ بنتِ لَبُون

(7)

.

وأمَّا قولُهُ: ثُمَّ، وثُمَّ إلى أن ينتهي، فلم يَذْكُرْ له في «المتن» مثالاً، فنقول: لو هَلَكَ من أربعينَ بعيراً عشرون، فأربعة تُصرفُ إلى العَفْو، وأحدَ عشرَ إلى نصابٍ يلي العَفْو،

(1)

في س و م: واحدة، وفي ص: وواحد.

(2)

ساقطة من ص و ف و م.

(3)

فيه مسامحةٌ والأَولى أن يقولَ هو ستٍّ وثلاثون؛ لأنه النِّصابُ الواجبةُ فيه بنتُ لَبُون، وليست بواجبةٍ فيما بين خمسٍ وعشرينَ وستٍّ وثلاثين. ينظر:«العمدة» (1: 278)

(4)

أي كما قال محمَّد رضي الله عنه. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 506).

(5)

فإنَّ الباقي وهو خمسةٌ وعشرونَ نصفٌ وثمنٌ لأربعين، إذ نصفُهُ عشرونَ وثمنُهُ خمسةٌ ومجموعُهما خمسةٌ وعشرون. وبطريقة حسابية أخرى: 40 - 1،25 - س ? 25/ 40? 5/ 8 ? 4/ 8 +1/ 8 وهو = 1/ 2+1/ 8.

(6)

أي كما قال أبي يوسف رضي الله عنه. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 506).

(7)

وتبسيط المسألة بأرقام حسابياً: 36 - 1، 25 - س ? 25/ 36 ? 24/ 36+1/ 36 ? 2/ 3+1/ 36 (وهي ربع تسع).

ص: 209

والسَّائمةُ: هي المكتفيةُ بالرِّعْي في أكثر الحول. أَخَذَ البُغاةُ زكاةَ السَّوائم، والعشر، والخراج، يُفتى أن يعيدوا خُفْيةً إن لم تُصْرَفْ في حَقَّهِ لا الخراج

وخمسةٌ الى نصابٍ يلي هذا النِّصاب حتَّى يبقى أربع شياه، وَقِس على هذا إذا هَلَكَ خمسةٌ وعشرون، أو ثلاثون، أو خمسةٌ وثلاثون.

(والسَّائمةُ: هي المكتفيةُ بالرِّعْي في أكثر الحول) الرِّعي بالكسر

(1)

الكَلأ

(2)

.

(أَخَذَ البُغاةُ

(3)

زكاةَ السَّوائم، والعشر، والخراج، يُفتى أن يعيدوا خُفْيةً إن لم تُصْرَفْ

(4)

في حَقَّهِ لا الخراج)

(5)

.

اعلم أن ولايةَ أخذِ الخراجِ للإمام، وكذا أخذُ الزَّكاة في الأموالِ الظَّاهرة، وهي: عشرُ الخارج، وزكاةُ السَّوائم، وزكاةُ أموال التِّجارة ما دامت تحت حمايةِ العاشر

(6)

، فإن أخذَ البُغاة، أو سلاطينُ زماننا الخراج، فلا إعادة على المُلاك

(7)

؛ لأنَّ مصرفَ الخراجِ المُقاتِلة، وهم من المُقاتِلة؛ لأنَّهم يُحاربونَ الكفار.

وإن أخذوا الزَّكاةَ المذكورةَ

(8)

المقدرةَ

(9)

:

فإن صرفُوا إلى مصارفِها، وهي: مصارفُ الزَّكاة، فلا إعادة على المُلاك.

(1)

واختار صاحب «البحر» (1: 229): بالفتح؛ لأن الرِّعي بالكسر نفس الكلأ. والمناسب الفتح؛ لأن السائمة في الفقه هي التي ترعى ولا تعلف في الأهل، فلو حمل إليها في البيت لا تكون سائمة، فلو ضبط الرعي في كلامهم هنا بالكسر لكانت سائمة.

(2)

الكَلأُ: العُشْبُ رطبه ويابسه، وهو اسم للنوع ولا واحد له. ينظر:«تاج العروس» (1: 404).

(3)

البُغاة: قوم من المسلمين خرجوا عن طاعة الإمام العدل بحيث يستحلون قتل العادل وماله بتأويل القرآن

ينظر: «حاشية الشلبي على التبيين» (1: 273).

(4)

في ج و ص و ق و م: يصرف.

(5)

ما ذكر المصنف ونصره الشارح فيه، هو اختيار أبي بكر الأعمش وعليه مشت عامة الكتب كـ «الهداية» (1: 103)، و «الملتقى» (ص 30)، و «التنوير» (2: 24)، و «الغرر» (1: 180)، وغيرها.

(6)

العاشر: هو من نصبه الإمام على الطريق؛ لأخذ صدقة التجار؛ ليأمنوا من اللصوص، ويشترط أن يكون حراً مسلماً غير هاشمي. ينظر:«درر الحكام» (1: 182) مع حاشية الشرنبلالي عليه.

(7)

في النسخ: المالك، والمثبت من أ.

(8)

أي زكاةُ السَّوائم، والعشر، وزكاةُ أموال التجارة.

(9)

زيادة من م.

ص: 210

...............................................................................................................

وإن لم يصرفوا الى مصارفِها، فعليهم

(1)

الإعادة خُفْيةً: أي يؤدُّونَها إلى مستحِقِّيها فيما بينَهم وبين الله.

وإنِّما قال: يُفْتَى أن يعيدوا خُفْيةً؛ احترازاً عن قولِ بعضِ المشايخ: إنَّه لا إعادةَ عليهم؛ لأنَّهم لما تسلَّطوا على المسلمين، فحكمُهم حكمُ الإمامِ ضرورةً؛ ولهذا يصحُّ منهم تفويضُ القضاء، وإقامةُ الجُمعِ والأعياد، ونحو ذلك.

والجواب عن هذا: أن ما ثَبَتَ بالضَّرورة يتقدَّرُ بقدرِها، يعني نصبَ القُضاة، وإقامةَ ما هو من شعائرِ الإسلام ضرورة، بخلاف الزِّكاة، فإنَّ الأصلَ فيها الأداءُ خُفْية، قال الله تعالى:{وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}

(2)

.

وعن قولِ بعضِ المشايخ

(3)

: إنَّه إذا نوى بالدَّفعِ إليهم التَّصدُّقَ عليهم سَقَطَ عنه؛ لأنَّهم بما عليهم من التَّبعات فقراء.

والشَّيخُ الإمامُ أبو منصورٍ المَاتُرِيدِيُّ

(4)

زَيَّفَ هذا، فإنَّه قال: لا بُدَّ من إعلام المتصدَّقِ عليه.

وأيضاً: لا خفاءَ في أن الزَّكاةَ عبادةٌ محضةٌ كالصَّلاة، فلا يتأدَّى إلاَّ بالنِّيَّةِ الخالصةِ لله تعالى ولم توجد.

ثُمَّ اعلم أن العبارةَ المذكورةَ في «الهداية» هذه: والزَّكاةُ مَصْرِفُها الفقراء، ولا

(1)

أي على الملاك أن يؤدُّوها ثانيةً.

(2)

البقرة، (271)، وتمامها:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} .

(3)

حُكِيَ هذا القول عن أبي جعفر الهنداوني، ينظر:«العناية» (2: 150)، وقال السرخسي في «المبسوط» (2: 290)، هو الأصح.

(4)

وهو محمد بن محمد بن محمود الماتُرِيديّ، أبو منصور، إمام الهدى، نسبته إلى مَاتُريد محلة بسَمَرْقَنْد، قال ابن الوفاء: كان من كبار العلماء. وقال الكفوي: إمام المتكلِّمين، ومصحِّحُ عقائد المسلمين. من مؤلفاته:«التوحيد» ، و «المقالات» ، و «ردّ أوائل الأدلة» ، و «ردّ الأصول الخمسة» للباهلي، و «ردّ الإمامة» لبعض الروافض، و «مآخذ الشرائع» في الفقه، و «الجدل» في أصول الفقه، و «بيان وهم المعتزلة» ، و «تأويلات القرآن» ، (ت 333 هـ). ينظر:«الجواهر» (3: 360 - 361)، «الفوائد» (ص 320).

ص: 211

....................................................................................................................

يصرفونَها إليهم، وقيل: إذا نوى بالدَّفع التَّصدُّقَ عليهم سقطَ عنه، وكذا الدَّفعُ إلى كلِّ سلطانٍ جائر؛ لأنَّه بما عليهم من التَّبعات فقراء، والأوَّلُ أحوط

(1)

.

فعليك أن تتأمَّلَ

(2)

في هذه الرِّوايةِ أنَّه هل يفهمُ منها إلاًّ سقوطُ الزَّكاةِ عن المظلومِ نظراً له ودفعاً للحرجِ عنه؟

وهل لهذه الرِّوايةِ دلالةٌ على أنَّه يجوزُ للخوارجِ

(3)

وأهل الجور أن يأخذوا الزَّكاة ويصرفونَها إلى حوائجِهم، ولا يصرفونَها الى الفقراءِ بتأويل أنَّهم فقراء؟

فانظر إلى هذا

(4)

الذي أدرجَ في الإيمانِ ركناً آخر، أنَّه

(5)

كيف يتمسَّكُ بهذه الرِّواية، فسوَّغَ لوُلاة هَراة

(6)

أخذَ العشورِ والزَّكاةِ بالصِّفة المعلومة، بل فرضَ عليهم ذلك، وحَكَمَ بكفرِ مَن أنكره.

(1)

انتهى من «الهداية» (1: 103).

(2)

في هذين التساؤلين من الشارح ردٌّ على ما أفتى به عصريَّه من أخذ العشور والزكاة من الملاك على ما سيأتي.

(3)

الخوارج: اسم لإحدى الفرق الإسلامية، وسبب تسميتها، قيل: لأنها خرجت عن الناس، أو عن الحق، أو عن طاعة سيدنا علي رضي الله عنه، وهم يدَّعون أن سبب التسمية بذلك مأخوذ من الخروج في سبيل الله. ولهم أسماء أخرى، وهي: الحرورية نسبةً إلى حروراء قرية بظاهر الكوفة اجتمعوا فيها بعد خروجهم من جيش علي رضي الله عنه في معركة صفين. وأيضاً: المحكّمة؛ لأنهم لم يرتضوا بالتحكيم، وقالوا: لا حكم إلا لله، وأيضاً: بالشراة: جمع شار؛ لأنهم يقولون: شرينا أنفسنا لدين الله، وأيضاً المارقة؛ لأنهم مرقوا عن جماعة المسلمين. ينظر:«التعاريف» (1: 277)، و «الملل والنحل» (1: 114)، و «الفصل» (4: 188).

(4)

هو عصريُّه الشيخ نظام الدين عبد الرحيم الخوافي، الشهير بشيخ التسليم، وكان مُقيماً بهراة مشغولاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم، وكان السلطان حسين يعظّمه ويبجِّلُه، بل يعدُّ أمره وفتواه نصَّاً قاطعاً، وكان الشيخ يسمّي الإيمان الذي فسره العلماء بالتصديق والتسليم، وذكر فصيح الدين الهروي في «شرح الوقاية» أنه جده من قبل الأم؛ وقد رد على إيرادات صدر الشريعة عليه ونصر جدَّه. (ت 7/ 738 هـ). ينظر:«مقدمة عمدة الرعاية» (1: 47)، و «دفع الغواية» (1: 7).

(5)

سقطت من م.

(6)

هَراة: بالفتح؛ مدينةٌ عظيمةٌ مشهورةٌ من أمهاتِ مدنِ خُراسان، قال الحموي: لم أر بخُراسان مدينة أجلَّ ولا أعظمَ ولا أفخمَ ولا أحسنَ، ولا أكثرَ أهلاً، محشّوةً بالعلماء، ومملوةً بأهل الفضل والثراء، وقد خرَّبها التترُ سنة (681 هـ). ينظر:«معجم البلدان» (5: 396).

ص: 212

ولا شيءَ في مال الصَّبيِّ التَّغْلَبِيّ، وعلى المرأةِ ما على الرَّجل منهم

والصِّفةُ المعلومةُ أن يحرِّضَ الأعونةَ في أخذ الخارجِ عن الأرضِ أضعافاً مضاعفة، فيضعِّفوا

(1)

على الملاكِ القِيَم، ويأخذونُها جَبراً وقَهْراً، ويصرفونَها كما هو عادةُ أهلِ الإسراف والإتراف:(أي التَّنعم)

(2)

.

(ولا شيءَ في مال الصَّبيِّ التَّغْلَبِيّ، وعلى المرأةِ ما على الرَّجل منهم): تَغْلِبُ: بكسرِ اللام، أبو قبيلة، والنِّسبةُ إليها تَغْلَبيَّةٌ بفتحِ اللام استيحاشاً لتوالي الكسرتين، وربَّما قالوا: بالكسر

(3)

، هكذا في «الصِّحاح»

(4)

.

وبنوا تَغْلِبٍ قومٌ من مشركي العربِ

(5)

طالبَهم عمرُ رضي الله عنه الجِزية، فأبوا، وقالوا: نُعطي الصدقةَ مُضاعفةً فصولِحوا على ذلك، فقال عمرُ رضي الله عنه: هذا جِزَيْتُكُم فسمُّوها ما شئتم

(6)

، فلمَّا جَرَى الصُّلْحُ على ضعفِ زكاةِ المسلمين، لا تؤخذُ من صبيانِهم، ولكن

(7)

تؤخذُ من نسائِهم كالمسلمينِ مع أن الجزيةَ لا توضعُ على النِّساء.

(1)

في م: فيضعفوا.

(2)

زيادة من م.

(3)

ينظر: «مختار الصحاح» (ص 477).

(4)

الصحاح في اللغة» (2: 204) لإسماعيل بن حماد الجَوْهَرِيّ الفَارَابي، أبي نصر، من فاراب من بلاد الترك، كان من أعاجيب الزمان ذكاءً وفطنةً، إماماً في الأدب واللغة، قال السُّيُوطِيُّ: في «مزهر اللغة» : أول من التزم الصحيح مقتصراً عليه الجوهري، ولهذا سمى كتابه «الصِّحاح». ومن مؤلفاته:«العروض» ، و «مقدمة في النحو» ، (ت 393 هـ). ينظر:«النجوم الزاهرة» (4: 207 - 208)، «الكشف» (2: 1072)، «دفع الغواية» (1: 23)، «الأعلام» (309 - 310)، «معجم المؤلفين» (6: 151 - 165).

(5)

في قول الشارح: مشركي العرب مسامحةٌ فهم من نصارى العرب كما سيأتي في الروايات.

(6)

ورد بألفاظ مختلفة، منها عن عبادة بن النعمان التغلبي أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إن بني تغلب من قد علمت شوكتهم، وإنهم بإزاء العدو، فإن ظاهروا عليك العدو اشتدت مؤنتهم، فإن رأيت أن تعطيهم شيئاً، قال فافعل، قال: فصالحهم على أن لا يغمسوا أحدا من أولادهم في النصرانية وتضاعف عليهم الصدقة، كما في «مصنف ابن أبي شيبة» (2: 416)، و «مصنف عبد الرزاق» ، و (10: 367)، و «معتصر المختصر» (2: 371)، و «سنن البيهقي الكبير» (9: 216)، واللفظ له. وينظر:«نصب الراية» (2: 362) وغيرها.

(7)

لكن: زيادة من أ.

ص: 213

وجازَ تقديمها لحول، ولأكثرَ منه، ولِنُصُبٍ لذي نصاب

‌باب زكاة المال

وهو للذَّهبِ عشرونَ مثقالاً وللفضَّةِ مئتا درهمٍ كلُّ عشرةٍ منها سبعةُ مثاقيل

(وجازَ تقديمها لحول، ولأكثرَ منه، ولِنُصُبٍ لذي نصاب) والأصل في هذا أنَّ المال النَّامي سبب؛ لوجوبِ الزَّكاة، والحلولُ شرطٌ لوجوب الأداء، فإذا وُجِدَ السَّبب يصحُّ الأداء مع أنَّه لم يجب، فإذا وجدَ النِّصاب يصحُّ الأداءُ قبل الحول، وكذا إذا كان له نصابٌ واحدٌ كمئتي درهمٍ مثلاً، فيؤدِّي لأكثر من نصابِ واحد

(1)

، حتَّى إذا مَلَكَ الأكثرَ بعد الأداء أجزأهُ ما أدَّى من قبل، أمَّا إذا لم يملكْ نصاباً أصلاً لم يصحَّ الأداء.

[باب زكاة المال]

(2)

(وهو للذَّهبِ عشرونَ مثقالاً وللفضَّةِ مئتا درهمٍ كلُّ عشرةٍ منها سبعةُ مثاقيل).

اعلم أن هذا الوزنَ يسمَّى وزنَ سبعة، وهو أن يكونَ الدِّرهمُ سبعةَ أجزاءٍ من الأجزاءِ التَّي يكونُ المثقالُ عشرةٌ منها: أي يكونُ الدِّرهم

(3)

نصفُ مثقال وخُمْسُ مثقال، فيكون عشرةُ دراهمٍ بوزن سبعةِ مثاقيل

(4)

، والمثقالُ عشرون قيراطاً، والدِّرهمُ أربعةَ عشرَ قيراطاً

(5)

، والقيراطُ خمسُ شعيرات

(6)

.

(1)

لأنَّ النِّصابَ الأوَّلَ أصلٌ في السَّببيَّةِ وما زادَ عليه تبع له. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 284).

(2)

زيادة من م.

(3)

سقطت من ف و م.

(4)

صورته الحسابية: 1 - 7،1 - 10 ? 7/ 10 ? 5/ 10+2/ 10 ? 1/ 2+1/ 5 ? 1 درهم = 0.7 مثقال ? 10 دراهم = 7 مثاقيل.

(5)

صورته الحسابية: 10 دراهم = 7 مثاقيل ? 10 دراهم = 7 دراهم × 20 قيراط ? 140/ 10 ? 14 قيراط = 1 درهم.

(6)

تحويله إلى غرامات.

شعيرة = 0.0588 غم. ينظر: «المقادير الشرعية» (ص 78)، و «الفقه الإسلامي وأدلته» (1: 144)، و «معجم الفقهاء» (ص 404)، و «الإيضاح والبيان» (ص 224).

القيراط = 5×0.0588=0.294 غم.

الدرهم: 0.294×14=4.116 غم.

المثقال: 0.294×20=5.88 غم.

فنصاب الذهب يساوي: 5.88×20=117.6 غرام ذهب.

ونصاب الفضة يساوي:4.116×200=823.2 غرام فضة.

ص: 214

وفي مَعْمولِه، وتِبْرِهِ، وعرضِ تجارة قيمتُهُ نصابٌ من أحدهما مقوَّماً بالأنفعِ للفقير ربعُ عشر، ثُمَّ في كلِّ خُمْسٍ زادَ على النِّصابِ بحسابِه، ووَرِقٌ غَلَبَ فضّتُهُ فضة، وما غَلَبَ غَشُّهُ يُقوَّم، ونقصان النِّصاب في الحولِ هَدْر، ويُضَمُّ الذَّهبُ إلى الفضَّةِ، والعروضُ إليهما بالقيمة

(وفي مَعْمولِه

(1)

، وتِبْرِهِ

(2)

، وعرضِ تجارة

(3)

قيمتُهُ نصابٌ من أحدهما مقوَّماً بالأنفعِ للفقير ربعُ عشر): أي إن كان التَّقويم بالدَّراهم أنفع للفقير قوَّمَ عروضَ التِّجارة بالدِّراهم، وإن كان بالدَّنانير أنفع قوِّمت بها.

(ثُمَّ في كلِّ خُمْسٍ زادَ على النِّصابِ بحسابِه). اعلم أن الزَّكاةَ لا تجبُ في الكسورِ عندنا إلاَّ إذا بلغَ خُمْسَ النِّصاب، فإذا زادَ على مئتي درهم أربعونَ درهماً، زادَ في الزَّكاة درهم، وإن زادَ ثمانونَ درهماً زادَ درهمان، ولا شيءَ في الأقلّ.

(ووَرِقٌ

(4)

غَلَبَ فضّتُهُ فضة، وما غَلَبَ غَشُّهُ يُقوَّم

(5)

.

ونقصان النِّصاب في الحولِ هَدْر

(6)

): أي لو كان في أوَّل الحولِ عشرونَ ديناراً، ثُمَّ نقصَ في أثناءِ الحول، ثُمَّ تَمَّ في آخر الحولِ تجب الزَّكاة.

(ويُضَمُّ الذَّهبُ إلى الفضَّةِ، والعروضُ إليهما بالقيمة)

(7)

: هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا عندهما فيضمُّ الذَّهب إلى الفضَّةِ بالأجزاء حتَّى إذا كان له عشرةُ دنانير وتسعونُ درهماً قيمتُها عشرةُ دنانير تجبُ عنده لا عندهما.

(1)

معموله: أي ما عملَ الذَّهبُ والفضَّةُ من الدَّراهمِ والدَّنانيرِ التي يتعاملُ بها النَّاس، وبالجملةِ كلُّ ما يعملُ منهما تجبُ فيهِ الزَّكاةُ إذا بلغتْ نصاباً. ينظر:«العمدة» (1: 286).

(2)

تِبْرُه: أي الذهب والفضة قبل أن يصاغ ويستعمل، وتمامه في «اللسان» (1: 416)، و «مختار الصحاح» (ص 74).

(3)

عَرْض التِّجارة؛ العَرْض: المتاعُ، وكلُّ شيء فهو عَرْضٌ سوى الدراهم والدنانير فإنهما عين، قال أبو عبيدة: العُروض: متاعٌ لا يدخلُهُ كيلٌ ولا وزن، ولا يكون حيواناً ولا عقاراً. ينظر:«الصِّحاح» (2: 98).

(4)

وَرِقُ: بِكَسْرِ الرَّاء، المَضْرُوبُ مِنْ الْفِضَّةِ. ينظر:«المغرب» (ص 483).

(5)

واختلف في الغشّ المساوي والمختار لزومها احتياطاً. ينظر: «التنوير» (2: 32).

(6)

هَدْر: باطل ولغو. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 265)، و «مختار الصحاح» (ص 692).

(7)

ولا تجب الزكاة عندنا في نصاب مشترك من سائمة ومال تجارة، وإن صحت الخلطة. ينظر:«الدر المختار» (ص 34).

ص: 215

‌باب العاشر

هو مَن نَصبَهُ الإمامُ على الطَّريق لأخذِ صدقةِ التُّجَّار. وصُدِّقَ مع اليمين مَن أنكرَ منهم تمامَ الحول، أو الفراغ عن الدَّين، أو ادَّعى أداءه الى فقيرٍ في مصرٍ في غيرِ السَّوائم، أو عاشرٍ آخر إن وُجِدَ في السَّنة، بلا إخراج البراءة

أمَّا إذا كان له عشرةُ دنانيرٍ ومئة درهم يجوزُ باتفاقِهم، أمَّا عندهما فللضمِّ بالأجزاء، وأمَّا عند أبي حنيفة رضي الله عنه فمئةُ درهمٍ إن كان قيمتُهُ عشرةِ دنانيرٍ فظاهرٌ، وإن كانت أكثر فكذلك؛ لوجود نصابِ الذَّهب من حيث القيمة فتجبُ الزَّكاة، وإن كانت أقلَّ فيكون قيمةُ عشرةِ دنانير أكثرَ من قيمةِ مئة درهم ضرورة، فتجبُ باعتبارِ وجودِ نصابِ الفضَّة من حيث القيمة.

باب العاشر

(1)

(هو مَن (نَصبَهُ الإمامُ)

(2)

على الطَّريق لأخذِ صدقةِ التُّجَّار

(3)

.

وصُدِّقَ مع اليمين مَن أنكرَ منهم

(4)

تمامَ الحول، أو الفراغ عن الدَّين

(5)

، أو ادَّعى أداءه الى فقيرٍ في مصرٍ

(6)

في غيرِ السَّوائم) حتَّى إذا ادَّعى الأداءَ إلى فقيرٍ في مصرٍ في السَّوائم لا يُصَدَّقُ إذ ليس له في السَّوائمِ الأداءُ إلى الفقير، بل يأخذُ منه السُّلطان، ويصرفُهُ إلى مصرفِه، (أو عاشرٍ آخر إن وُجِدَ في السَّنة): أي إذا ادَّعى أداءَه إلى عاشرٍ آخر، والحال أن عاشراً آخرَ موجودٌ في هذه السَّنة، (بلا إخراج البراءة

(7)

): أي لا

(1)

العاشر: هو اسمٌ لِمَن يأخذُ العشرَ ونصفَهُ وربعَه، سُمِّيَ به مع أنه لا يأخذ العشرَ لدورانِ العشرِ في متعلِّقٌ أخذه. ينظر:«فتح القدير» (2: 171)، و «رد المحتار» (2: 38).

(2)

أ و ب و ت وج و س و ص و ق و ف: نصب.

(3)

بسبب حمايته إياهم من اللصوص. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 57/أ).

(4)

أي من التجار.

(5)

أي بأن يقول: عليّ دين مطالب من جهة العباد. ينظر: «شرح النقاية» لأبي المكارم (ق 63/ب).

(6)

قيد بالمصر: لأنه لوادَّعى الدفع إليهم بعد الخروج من المصر لا يقبل. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 210).

(7)

البراءة: أي العلامة بالدفع لعاشر آخر في الأصح؛ لأنه قد يُصنع، إذ الخطُ يشبه الخط، فلو جاء بالبراءة بلا حلف لم يصدق عند الإمام، ويصدق عندهما على قياس الشهادة بالخط. ينظر:«المبسوط» (2: 187)، و «البدائع» (2: 37)، و «مجمع الأنهر» (1: 210)، و «الدر المنتقى» (1: 210).

ص: 216

لا إن ادَّعى أداءهُ في السَّوائم، وما صُدِّقَ فيه المسلم، صُدِّقَ فيه الذِّميُّ لا الحَرْبي إلاَّ في قولِهِ لأمتِهِ: هي أمُّ ولدي. وأُخِذَ من المسلمِ ربعُ عشر، ومن الذِّميِّ ضعفُه، ومن الحربيِّ العشرَ إن بَلَغَ مالُهُ نصاباً، ولم يُعلَمْ قدرُ ما أُخِذَ مِنَّا، وإن عَلِمَ أَخَذَ مثلَهُ إن كان بعضاً لا كلاً إن أخذوه منِّا، ولا من قليلِهِ، وإن أقرَّ بباقي النِّصابِ في بيتِه ولا يأخذ شيئًا منه، وإن لم يأخذوا شيئًا مِنَّا

يشترطُ

(1)

أن يخرج البراءة من الآخر، بل يُصَدَّقُ مع اليمين، «لا إن ادَّعى أداءهُ في السَّوائم)

(2)

، وما صُدِّقَ فيه المسلم، صُدِّقَ فيه الذِّميُّ لا الحَرْبي إلاَّ في قولِهِ لأمتِهِ: هي أمُّ ولدي

(3)

): أي إن ادَّعى الحربيُّ أنَّ هذه الأمةَ أمُّ ولدِي

(4)

يُصَدَّقُ ولا يأخذُ منه شيئاً.

(وأُخِذَ من المسلمِ ربعُ عشر، ومن الذِّميِّ ضعفُه، ومن الحربيِّ العشرَ إن بَلَغَ مالُهُ نصاباً

(5)

، ولم يُعلَمْ قدرُ ما أُخِذَ مِنَّا): أي لم يعلمْ قدرَ ما أَخَذَ مِنَّا أهلُ الحرب إذا مرَّ تاجرُنا عليهم.

(وإن عَلِمَ أَخَذَ مثلَهُ إن كان بعضاً لا كلاً (إن أخذوه منِّا)

(6)

): أي إن علمَ قدرَ ما أَخَذَ مِنَّا أهلُ الحرب، فعاشِرُنا يأخذُ من الحربيِّ مثلَ ذلك إن كان بعضاً، حتَّى أنَّهم لو أخذوا كلَّ أموالِنا، فعاشِرُنا لا يأخذُ كلَّ أموالِ الحربيِّ المارّ، (ولا من قليلِهِ، وإن أقرَّ بباقي النِّصابِ في بيتِه): القليلُ ما لا يبلغُ النِّصاب.

(ولا يأخذُ شيئاً منه، إن لم يأخذوا شيئاً مِنَّا): الضِّميرُ في لم يأخذوا راجعٌ إلى أهلِ الحرب، وإن لم يذكرْ هذا اللَّفظ.

(1)

العبارة في م: بلا شرط.

(2)

زيادة من ت و ق و م.

(3)

لأنَّ كونه حربياً لا ينافي الاستيلاد وإقراره بنسب من في يده صحيحٌ إذا كان يولد مثله لمثله، وأمومية الولد تبع للنسب ولو كان لا يولد مثله لمثله فإنه يعتق عليه عند الإمام رضي الله عنه ويعشر؛ لأنه إقرار بالعتق فلا يصدق في حق غيره. ينظر:«درر الحكام» (1: 184 - 185)، و «البحر» (2: 250)، و «مجمع الأنهر» (1: 210).

(4)

في م: ولده.

(5)

نصاباً؛ فإنه من الذمي ظاهر؛ لأن ما يؤخذ منه ضعف الزكاة، فصارَ شرطه شرط الزكاة، وأما في حق الحربي؛ فلأن القليل عفوٌ لحاجته إلى ما يوصله إلى مأمنه وما دون النصاب قليل، فالأخذ من مثله يكون غدراً؛ ولأنَّ القليلَ لا يحتاجُ إلى الحمايةِ لقلِّةِ الرَّغبات فيه، والجباية بالحماية. ينظر:«التبيين» (1: 288)، و «البحر» (2: 251).

(6)

زيادة من ف و م.

ص: 217

ولو عُشِّرَ ثُمَّ مرَّ قبل الحولِ، إن جاءَ من دارِه ومرَّ عُشِّرَ ثانياً، وإلاَّ فلا، وعُشِّرَ خَمْرُ ذميِّ لا خِنْزيرُهُ مرَّ بهما، أو بأحدِهما، ولا بضاعةٌ، ومضاربةٌ، وكسبُ مأذونٍ إلاَّ غيرَ مديونٍ معه مولاه

(ولو عُشِّرَ

(1)

ثُمَّ مرَّ قبل الحولِ، إن جاءَ من دارِه ومرَّ

(2)

عُشِّرَ ثانياً، وإلاَّ فلا): أي إن أُخِذَ من الحربيِّ العشر، ثُمَّ مرَّ قبل الحول إن كان في المرَّةِ الثَّانيةِ جاءَ من دارِهِ عُشِّرَ ثانياً، وإن كان راجعاً من دارِنا إلى دارِهِ لا يؤخذُ منه شيء.

(وعُشِّرَ خَمْرُ ذميِّ لا خنْزيرُهُ مرَّ بهما، أو بأحدِهما)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه.

وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه لا يعشِّرُها.

وعند زُفَرَ رضي الله عنه يعشِّرُ كل واحد.

وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه إن مرَّ بهما يعشِّرُهما، فجعلَ الخِنْزيرُ تبعاً للخمر، وإنَّ مرَّ بالخمرِ منفرداً يعشِّرُها، وإن مرَّ بالخِنْزيرِ منفرداً لا.

والفرقُ عندنا

(4)

: أنَّ الخِنْزيرَ من ذواتِ القِيم، فأخذُ قيمتِهِ كأخذِه، والخمرُ من ذواتِ الأمثال، فأخذُ القيمةِ لا يكونُ كأخذ العين.

(ولا بضاعةٌ

(5)

، ومضاربةٌ): أي إن مرَّ المضاربُ بمالِ المضاربةِ لا يؤخذُ منه شيء

(6)

، (وكسبُ مأذونٍ

(7)

إلاَّ غيرَ مديونٍ معه مولاه): أي إن مرَّ عبدٌ مأذونٌ فإن كان مديوناً لا يؤخذُ منه شيء، وإن لم يكنْ مديوناً فكسبُهُ ملكٌ لمولاه، فإن كان المولى معه تؤخذُ منه الزكاة، وإن لم يكنْ المولى معه لا تُؤخَذ.

(1)

أي التاجر الحربيّ.

(2)

زيادة من ت و ق و م.

(3)

ينظر: «أسنى المطالب» (4: 211).

(4)

أي في أنه يعشر الخمر مطلقاً، ولا يعشر الخِنْزير مطلقاً.

(5)

بضاعة: وهي مالٌ مع تاجرٍ يكون ربحُهُ لغيره، وإنما لم يعشر؛ لأنَّه ليس بمالك ولا نائب عن المالك في أداء الزكاة. إلا إذا كانت البضاعة لحربي فإنها تعشر. ينظر:«درر الحكام» (1: 185)، و «الدر المختار» (2: 43).

(6)

إلا أن يربح المضارب فيعشر نصيبه إن بلغ نصاباً. ينظر: «الدر المختار» (2: 43).

(7)

مأذون: أي العبد الذي أذن له مولاه في التجارة. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 291).

ص: 218

‌باب الركاز

هو مَعْدِنُ ذهبٍ ونحوِهِ وُجِدَ في أرضِ خَراجٍ أو عُشْرٍ خُمِّس، وباقيه للواجد إن لم تملَّك أرضُهُ، وإلاَّ فلمالِكها. ولا شيءَ فيه إن وجده في دارِه.

باب الركاز

الرِّكازُ: هو المالُ المركوزُ في الأرضِ مَخلوقاً

(1)

كان أو موضوعاً.

والمَعْدِنُ

(2)

: ما كان مخلوقاً.

والكَنْزُ: ما كان موضوعاً.

(هو مَعْدِنُ ذهبٍ ونحوِهِ وُجِدَ في أرضِ خَراجٍ

(3)

أو عُشْرٍ

(4)

(5)

خُمِّس

(6)

، وباقيه للواجد

(7)

إن لم تملَّك أرضُهُ، وإلاَّ فلمالِكها.

ولا شيءَ فيه إن وجده في دارِه.

(1)

أي خلقه الله تعالى في الأرض.

(2)

المعدن على ثلاثةِ أقسام:

الأول: منطبعٌ: كالذهب، والفضة، والرَّصاص، والحديد.

الثاني: مائعٌ: كالماء، والملح، والنفط، والقير.

الثالث: وما ليس منهما: كاللؤلؤ، والفيروزج، والزاج، والكحل، وغير ذلك، والذي يُخَمَّسُ إنِّما هو ما كان جامداً منطبعٌ بالنار لا غيره. ينظر:«جامع الرموز» (1: 197)، و «رد المحتار» (2: 44).

(3)

أرض الخراج: وهي كل ما فتح عنوة، وأقرَّ أهلُهُ عليه، أو صالح الإمام مع أهلها أن يقرَّهم عليها ولم ينقلهم إلى موضع آخر؛ لأن اللائق بالكفار ابتداء الخراج، سوى مكة. وسيأتي تفصيله. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 663).

(4)

أرض العشر: هي أرض العرب، وما أسلم أهلُه، أو فتح عنوة وقسم بين الغانمين. وسيأتي تفصيله. وتمامها في «البحر» 5: 114).

(5)

وكذا إذا وجد في الصحراء التي ليست بعشرية ولا خراجية واشتراطهما ليعلمَ أن هذا الحقَ ليس له تعلق بالأرض، أو احترازاً عن داره على ما يجيء من قريب. ينظر:«تبيين الحقائق» (1: 289).

(6)

خُمِّس: من خمس القوم: أي أخذ خمس أموالهم. ينظر: «المغرب» (ص 149).

(7)

لأنه مباح أثبت اليد عليه كالصيد. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 57/أ).

ص: 219

وفي أرضِه روايتان. ولا في لؤلؤ، وعنبر، وفَيْرُوزَجَ وُجِدَ في جبل. وكَنْزٌ فيه سِمَةُ الإسلام كاللُّقطة، وما فيه سِمةُ الكفرِ خُمِّس، وباقيه للواجد إن لم تُمْلَكْ أرضُهُ، وإلاَّ فللمختطِّ له. وركازُ صحراءِ دارِ الحربِ كلُّهُ لمستأمنٍ وَجَدَه، وإن وجدَه في دارٍ منها رُدَّ إلى مالكِها. وإن وُجِدَ ركازُ متاعِهم في أرض منها لم تُمْلَّكْ خُمِّسَ وباقيه له

وفي أرضِه روايتان

(1)

.

ولا في لؤلؤ

(2)

، وعنبر

(3)

، وفَيْرُوزَجَ

(4)

وُجِدَ في جبل.

وكَنْزٌ فيه سِمَةُ الإسلام كاللُّقطة

(5)

، وما فيه سِمةُ الكفرِ خُمِّس، وباقيه للواجد إن لم تُمْلَكْ أرضُهُ، وإلاَّ فللمختطِّ

(6)

له): أي المالك أوَّلَ الفتح.

(وركازُ صحراءِ دارِ الحربِ كلُّهُ لمستأمنٍ

(7)

وَجَدَه): أي إذا دخلَ تاجرنا دارَ الحربِ بأمان، فوجدَ في صحرائِها ركازاً، فكلُّه له

(8)

، (وإن وجدَه في دارٍ منها رُدَّ إلى مالكِها

(9)

.

وإن وُجِدَ

(10)

ركازُ متاعِهم في أرض منها لم تُمْلَّكْ خُمِّسَ وباقيه له).

(1)

أي عن أبي حنيفة رضي الله عنه في رواية «الأصل» (2: 116): لا يجب، وفي رواية «الجامع الصغير» (ص 134): يجب، وهو ما قاله الصاحبان. واختار رواية «الجامع» صاحب «الكنْز» (ص 29)، و «التنوير» (2: 46).

(2)

اللؤلؤ: هو يخلقُ من مطرِ الرَّبيع إذا وقعَ في الصدف، وقيل: إن الصدفَ حيوانٌ يخلقُ فيه اللؤلؤ. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 292).

(3)

عنبر: هو حشيش يطلع في البحر، أو خثى دابة. ينظر:«الدر المختار» (2: 46).

(4)

فَيْرُوزَجُ: معرَّب من فَيْرُوزه، وهو حَجَرٌ مُضِيءٌ يُوجَدُ فِي الجِبَالِ. ينظر:«التبيين» (1: 291).

(5)

اللُّقطة: ما يلتقطُ ويوجدُ من موضعٍ لا يعرفُ مالكُه، حكمُهُ أن ينادي بها في أبوابِ المساجدِ والاسواقِ إلى أن يظنَّ عدم الطلب، ثُم يصرفَها إلى نفسِهِ إن كان فقيراً وإلا فإلى فقيرٍ. ينظر:«العمدة» (1: 292).

(6)

المختط: من خصه الإمام بتمليك هذه البقعة منه، فإن لم يعرف المختط له يصرف إلى أقصى مالك له في الإسلام. ينظر:«حاشية اللكنوي على الجامع الصغير» (ص 135).

(7)

المستأمن: هو من دخل دار الحرب بأمان. ينظر: «الهداية» (1: 109).

(8)

وكذا إن لم يدخلها بأمان، وإنما كان له لسبق يده على مال مباح، ولم يجب الخمس؛ لأنه أخذه متلصصاً غير مجاهر. ينظر:«درر الحكام» (1: 185).

(9)

حذراً عن الغدر والخيانة، ولم يرده وأخرجه إلى دارنا ملكه ملكاً خبيثاً. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 214).

(10)

مبني للمفعول ولا يرجع ضميره للمستأمن من المذكور. أي لو دخل رجل ذو منعة دار الحرب ووجد ركاز متاعهم: أي ما يتمتع وينتفع به. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 214).

ص: 220

‌باب زكاة الخارج

في عَسَلِ أرضٍ عشريَّة أو جبل، وثمرِه، وما خَرَجَ من الأرض، وإن لم يبلغْ خمسةَ أوسق، ولم يبقَ سنةً، وسقاه سَيْح، أو مطرٌ عُشْرٌ

باب زكاة الخارج

(في عَسَلِ أرضٍ عشريَّة

(1)

أو جبل، وثمرِه

(2)

، وما خَرَجَ من الأرض، وإن لم يبلغْ خمسةَ أوسق، ولم يبقَ سنةً

(3)

، وسقاه سَيْح

(4)

، أو مطرٌ عُشْرٌ): عُشْرٌ: مبتدأ، وقولُهُ: في عسلِ أرضٍ: خبرُه، وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا عندهما وعند الشَّافِعِيِّ

(5)

ليس فيما دون خمسةِ أوسقٍ صدقة.

والوَسَقُ ستّونَ صاعاً

(6)

، والصَّاعُ ثمانيةُ أرطال

(7)

.

وأيضاً ليس عندهم

(8)

في الخَضْراوات

(9)

صدقة، ولا فيما لم يبقَ سَنةٌ صدقة.

واعلم أنَّ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه يجبُ في الخضراوات صدقةٌ يؤدِّيها المالكُ إلى الفقراء، لا أنَّه يأخذُها السُّلطان، هكذا في «الأسرار» للقاضي الإمام أبي زيد الدَّبُوسِيّ.

(1)

قيد بأرض العشر؛ لأنه إذا أخذ من أرض الخراج، فلا شيء فيه لا عشر ولا خراج، ولئلا يجتمع العشر والخراج ينظر:«غنية ذوي الأحكام» (1: 186)، و «الدر المختار» (2: 49).

(2)

أي ثمر الجبال. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 57/ب).

(3)

أي في الأشياء التي لا تبقى الى سنة، بل تخربُ وتفسد.

(4)

سيح: ساح الماء يَسيحُ سيحاً وسَيَحاناً: جرى على وجه الأرض، والسيح الماء الجاري الظاهر. ينظر:«القاموس» (1: 238)، و «مختار الصحاح» (ص 324).

(5)

ينظر: «الأم» (2: 38)، و «الغرر البهية» (2: 149)، و «نهاية المحتاج» (3: 74)، وغيرها.

(6)

الصاع: وهو ما يساوي 32.615 كيلو غرام. ينظر: «معجم الفقهاء» (ص 270).

(7)

الرطل: معيار يوزن به، وهو بالبغدادي اثنتا عشرة أوقية، فيساوي مثقالاً. قال الرافعي: قال الفقهاء: وإذا أطلق الرطل في الفروع، فالمراد به رطل بغدادي، والرطل مكيال أيضا. ينظر:«الموسوعة الفقهية الكويتية» (26: 306).

(8)

ينظر: «المنهاج» (1: 381)، و «أسنى المطالب» (4: 262)، و «حاشيتا قليوبي وعميره» (2: 23)، وغيرها.

(9)

الخضراوات: هي الفواكه كالتفاح والكمثرى والبقول والكراث والباذنجان والبطيح والقثاء. ينظر: «حاشية الخادمي على الدرر» (ص 113).

ص: 221

إلاَّ في نحوِ حطب وفيما سُقِيَ بغَرْب أو داليةٍ نصفُ عُشْرٍ بلا رفعِ مُؤَنِ الزَّرع، وخُمِّسَ تَغْلَبِيٌّ له أرضٌ عشريةٌ رَجلُه، وطفلُه، وأُنثاهُ سواء، وإن أسلم، أو شراها مسلمٌ أو ذميّ، وأُخِذَ الخَراجُ من ذميٍّ اشترى عشريَّةَ مسلم، وعُشِّرَ مسلمٌ أخذَها منه بشُفعة، أو رُدَّت عليه لفسادِ البيع

(إلاَّ في نحوِ حطب): كالقصب، والحشيش.

(وفيما سُقِيَ بغَرْب

(1)

أو داليةٍ

(2)

نصفُ عُشْرٍ بلا رفعِ مُؤَنِ

(3)

الزَّرع): أي تجب الوظيفة: وهي عُشْرُ الكلِّ أو نصفُه، لا أنَّه يرفعُ مُؤَنَ الزَّرع ـ كأجر الحَصَّاد، ونحوه ـ ثُمَّ يُعْطي وظيفته ـ وهي عشرُ الباقي أو نصفُه ـ.

(وخُمِّسَ تَغْلَبِيٌّ له أرضٌ عشريةٌ

(4)

رَجلُه، وطفلُه، وأُنثاهُ سواء، وإن أسلم، أو شراها مسلمٌ أو ذميّ

(5)

)، اعلم أنَّ العُشْرَ يؤخذُ من أراضي أطفالِنا، فيؤْخذُ ضعفُ ذلك من أراضي أطفالِهم، ولا يسقطُ عنهم العشرُ المضاعفُ بالإسلامِ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، (وكذا عند محمَّد رضي الله عنه)

(6)

، وأمَّا عند أبي يوسف رضي الله عنه فيؤخذُ عشرٌ واحد.

(وأُخِذَ الخَراجُ

(7)

من ذميٍّ اشترى عشريَّةَ مسلم، وعُشِّرَ مسلمٌ أخذَها منه بشُفعة

(8)

، أو رُدَّت عليه لفسادِ البيع): أي إن

(9)

أخذَها من ذميٍّ شُفعة، أو اشترى

(1)

الغَرْبُ: مثلُ فَلْسِ: الدَّلْوُ العَظيمةُ يُسْتَقَى بها على السَّانية ـ أي الناقة التي يستقى عليها ـ. ينظر: «المصاح المنير» (ص 445)، و «طلبة الطلبة» (ص 20 - 21).

(2)

داليةٌ: دُولابٌ تُدِيرُهُ البقر. ينظر: «غنية ذوي الأحكام» (1: 187)، وفي «المغرب» (ص 168): والدَّالِيَةُ: جِذْعٌ طويلٌ يُرَكَّبُ تركيبَ مَدَاقِّ الأُرْزِ وفي رأْسه مِغْرفةٌ كبيرةٌ يُسْتَقَى بها.

(3)

المُؤَن: جمع المؤنة: وهي الثقل، والمعنى بلا إخراج ما صرف له من نفقة العمال والبقر وكرى الأنهار وغيرها مما يحتاج إليه في الزرع. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 216).

(4)

في أ و ت و ج و ق: عشر.

(5)

العبارة في ت و ج و ص و ف و ق و م: ذمي أو مسلم.

(6)

زيادة من أ و ب و س.

(7)

الخراج: وهو ما يأخذ السلطان من الأرض خراجاً مقاسمةً، أو وظيفة. ينظر:«كشف رموز غرر الأحكام وتنوير درر الحكام» (1: 123).

(8)

شُفعة: مأخوذ من الشفع: بمعنى الضم: وهو عبارةٌ شرعاً عن تملُّكِ الأرضِ بما قامَ على المشتري بالشَّركةِ او الجوار. ينظر: «المغرب» (ص 254)، و «العمدة» (1: 295).

(9)

ساقطة من س و ف و م.

ص: 222

وفي دارٍ جُعِلَتْ بُستاناً خَراجٌ إن كانت لذميّ، أو لمسلمٍ سقاها بمائه، وإن سقاها بماءِ العَشْرِ عُشِّر. وماءُ السَّماء، والبئر، والعين عَشْريّ، وماءُ أنهارٍ حفرَها الأعاجمُ خراجيٌّ وكذا سَيْحُون، وجَيْحُون، ودِجلة، والفُرات عند أبي يوسف- رضي الله عنه، وعشريٌّ عند محمَّد رضي الله عنه. ولا شيءَ في عينِ قِير ونِفطٍ في أرضِ عشر، وفي أرضِ خَراج في حريمِها

الذِّميُّ من المسلم العشريَّة، ثُمَّ رُدَّت على المسلم؛ لفسادِ البيع، عادَتْ عشريَّة كما كانت.

(وفي دارٍ جُعِلَتْ بُستاناً

(1)

خَراجٌ إن كانت لذميّ، أو لمسلمٍ سقاها بمائه): أي بماء الخراج، (وإن سقاها بماءِ العَشْرِ عُشِّر.

وماءُ السَّماء، والبئر، والعين عَشْريّ، وماءُ أنهارٍ حفرَها الأعاجمُ

(2)

(3)

خراجيٌّ)

(4)

: كنهر يَزْدَجِرد

(5)

ونحوه، (وكذا سَيْحُون

(6)

، وجَيْحُون

(7)

، ودِجلة، والفُرات عند أبي يوسف

(8)

رضي الله عنه، وعشريٌّ عند محمَّد رضي الله عنه.

ولا شيءَ في عينِ قِير

(9)

ونِفطٍ

(10)

في أرضِ عشر، وفي أرضِ خَراج في حريمِها

(1)

البستان: كل أرض تحوط عليها حائط وفيها أشجار متفرقة. ينظر: «حاشية الشلبي» (1: 295).

(2)

الأعاجم: قيد اتفاقي، ولامه للعهد: أي بعض ملوكهم كشداد وساسان وآخرهم يزدجرد المقتول في خلافة عثمان رضي الله عنه. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 218).

(3)

في ت و ج و ق: عجم.

(4)

والحاصل أن ماء الخراج ما كان للكفرة يدٌ عليه ثم حويناه قهراً، وما سواه عشريّ؛ لعدم ثبوت اليد عليه، فلم يكن غنيمة. وتمامه في «رد المحتار» (2: 52).

(5)

نسبةً إلى يَزْدَجِرد بن كسرى من ملوك فارس، وهو آخر ملوكهم، فرَّ من بين يدي ابن عامر عندما افتتح فارس، وقد قتله أهل مرو سنة (31 هـ). ينظر:«معجم البلدان» (2: 352)، «العبر» (1: 30، 32)، «الجوهر النيرة» (2: 273)، (الفتح)) (5: 35).

(6)

سَيْحون: بفتح أوله وسكون ثانيه وحاء مهملة وآخره نون، نهرٌ مشهورٌ كبيرٌ بما وراءِ النَّهر، قرب خجندة بعد سمرقند يجمدُ في الشتاء حتى تجوز على جمده القوافل، وهو في حدود بلاد الترك. ينظر:«معجم البلدان» (3: 294)، و «الدر المنتقى» (1: 218).

(7)

جيحون: نهر بلخ أو ترمذ. ينظر: «معجم البلدان» (2: 196 - 197)، و «مجمع الأنهر» (1: 218).

(8)

في «الدر المنتقى» (1: 218) صرح أن أبا حنيفة مع أبي يوسف رضي الله عنهم، ولهما أنها تتخذ عليها القناطر من السفن، وهو يدل عليها خلافاً لمحمد فإنه عشريها؛ لأنه لا يحميها أحد

(9)

القير والقار: بالكسر: الزفت. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 219).

(10)

النِّفط: بالفتح والكسر، وهو أفصح: دهن يعلو الماء. ينظر: «غنية ذوي الأحكام» (1: 189).

ص: 223

الصَّالح للزِّراعة خَراجٌ لا فيها.

‌باب المصارف

منهم: الفقيرُ: وهو مَن له أدنى شيء. والمسكينُ: مَن لا شيء له. وعاملُ الصَّدقة، فيعطى بقدر عملِه. والمكاتبُ فيعانُ في فكِّ رقبتِه. ومديونٌ لا يملكُ نصاباً فاضلاً عن دينِه.

الصَّالح للزِّراعة خَراجٌ لا فيها): أي إن كان حريمُ العينِ صالحاً للزِّراعة يجبُ فيها الخَراجُ لا في العين

(1)

.

باب المصارف

(منهم: الفقيرُ: وهو مَن له أدنى شيء

(2)

.

والمسكينُ: مَن لا شيء له

(3)

.

وعاملُ الصَّدقة، فيعطى بقدر عملِه.

والمكاتبُ فيعانُ في فكِّ رقبتِه.

ومديونٌ

(4)

لا يملكُ نصاباً فاضلاً عن دينِه.

(1)

وذلك لتعلق الخراج بالتمكن من الزراعة، وأما العشر فيجب في حريمها العشري إن زرعه وإلا لا لتعلقه بالخارج. ينظر:«الدر المختار» (2: 53).

(2)

أي شيء قليل وهو دون النصاب أو قدر نصابٍ غير نام مستغرق في الحاجة: كدار السكنى، وعبيد الخدمة، وثياب البذلة، وآلات الحرفة، وكتب العلم لمن يحتاج اليها. ينظر:«رد المحتار» (2: 59).

(3)

أي يحتاج الى المسألة لقوتِه وما يواري بدنَه، ويحلُّ له ذلك بخلاف الأوَّل. ينظر:«الفتح» (2: 202).

(4)

مديون: هو الذي لزمه الدين، فهو محل الصدقة وإن كان في يديه مال لا يزيد على الدين قدر مئتي درهم فصاعداً؛ لأن مقدار الدين من ماله مستحق بحاجته الأصلية، فجعل كالمعدوم. ينظر:«المحيط البرهاني» (ص 129).

ص: 224

وفي سبيلِ الله: وهو منقطعُ الغُزاة عند أبي يوسف رضي الله عنه، ومنقطعُ الحاجِّ عند محمَّد رضي الله عنه.، وابنُ السَّبيل: وهو مَن له مالٌ لا معه. وللمزكِّي صرفُها إلى كلِّهم أو إلى بعضِهم

وفي سبيلِ الله: وهو منقطعُ الغُزاة

(1)

عند أبي يوسف

(2)

رضي الله عنه، ومنقطعُ الحاجِّ عند محمَّد رضي الله عنه.

(3)

وابنُ السَّبيل: وهو مَن له مالٌ لا معه.

وللمزكِّي صرفُها إلى كلِّهم أو إلى بعضِهم): احترازٌ عن قولِ الشَّافِعِيِّ

(4)

رضي الله عنه، إذ عنده لا بُدَّ أن يصرفَ إلى جميعِ الأصناف، فيُعطي من كلِّ صنفٍ ثلاثة؛ لأنَّ أقلَّ الجمعِ ثلاثة.

ونحنُ نقولُ: إذا دخلَ اللامُ على الجمع، ولا يمكنُ حملُها على المعهود، ولا على الاستغراق، يرادُ بها الجنس، وتبطلُ الجمعيَّة

(5)

، كما في قوله تعالى:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}

(6)

.

فهاهنا لا يُرادُ العهد، ولا الاستغراق؛ لأنه إن أريدَ هذا

(7)

فلا بُدَّ أن يرادَ أنَّ جميعَ الصَّدقاتِ التَّي في الدُّنيا لجميعِ الفقراء

إلى آخره، فلا يجوزُ أن يُحْرَمَ واحد، وليس هذا في وسعِ أحد، على أنه إن أريدَ جميعُ الصَّدقات لجميعِ هؤلاء، لا يجبُ أن يُعطى كلُّ

(1)

منقطع الغزاة: أي الذي عَجِزَ عن اللحوق بجيشِ الإسلام لفقره بهلاكِ النَّفقة والدابة ونحوها، وان كان في بيتِهِ مالٌ وافرٌ. ينظر:«العمدة» (1: 296).

(2)

واختار قول أبي يوسف صاحب «الكنْز» (ص 30)، و «التنوير» (2: 61)، وفي «غاية البيان»: هو الأظهر، وصححه الاسبيجابي، وصاحب «مجمع الأنهر» (1: 221)،

(3)

ولا يشكل أن الخلاف فيه لا يوجب خلافاً في الحكم للاتفاق على أنه يعطى الأصناف كلهم سوى العامل بشرط الفقر، فمنقطع يعطى له اتفاقاً، وثمرة الخلاف في نحو الوصية والوقف. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 221)، و «رد المحتار» (2: 61).

(4)

ينظر: «التنبيه» (ص 45)، و «أسنى المطالب» (1: 403)، «تحفة الحبيب» (2: 366)، وغيرها.

(5)

ينظر تمام تحقيق هذا المبحث في كتب الأصول، مثل:«كشف الأسرار شرح أصول البزدوي» (2: 14 - 15)، و «التوضيح» (1: 52 - 53)، و «التلويح» (1: 53)، و «حاشية ملا خسرو على التلويح» (1: 238 - 239)، و «حزامة الحواشي لإزاحة الغواشي» (1: 238 - 239)، وغيرها.

(6)

الأحزاب، الآية (52).

(7)

أي الاستغراق، وهو شروع في ذكر دليل عدمِ إرادة الاستغراق، وأما عدم إرادة العهدِ فظاهرٌ.

ص: 225

لا إلى بناءِ مسجد، وكفنِ ميِّت، وقضاءِ دينِه، وثمنِ ما يُعْتَقُ، ولا إلى مَن بينَهما ولادٌ، أو زوجيَّةٌ، ومملوكِه، وعبدٍ أُعْتِقَ بعضُه، وغَنِيّ، ومملوكِه، وطفلِه، وبني هاشم، وهم آلِ

صدقةٍ جميعَ الأصناف، ولا أن يُعطى ثلاثةٌ من كلِّ صنف، فصارَ كقولِهِ: الصَّدقةُ للفقيرِ والمسكينِ

إلى آخره.

ولا يرادُ أنَّ الصَّدقةَ مقسومةٌ على هؤلاء؛ لأنَّها إن قُسِمَتْ على الأصناف، فما أصابَ الفقيرُ لا شكَّ أنه يُطلقُ عليه اسمُ الصَّدقة فيجبُ أن يكون مقسوماً أيضاً، (فيلزم التَّسلسلُ)

(1)

بخلاف

(2)

ما إذا قال: ثُلْثُ مالي للفقراء والمساكين، فعُلِمَ أن المرادَ بيانُ المصارفَ لا القسمة.

(لا

(3)

إلى بناءِ مسجد، وكفنِ ميِّت، وقضاءِ دينِه، وثمنِ ما يُعْتَقُ

(4)

)؛ لأنَّه لا بُدَّ أن يملُكَ أحدُ المستحقِّين، فلهذا قال في «المختصر»: فيصرفُ إلى الكلّ أو البعضِ تمليكاً

(5)

.

(ولا إلى مَن بينَهما ولادٌ، أو زوجيَّةٌ): أي لا يُعطي أصلَه وإن عَلا، وفَرْعَه وإن سفل، ولا يُعطي الزَّوجُ زوجتَه، ولا الزَّوجةُ لزوجِها

(6)

، (ومملوكِه): أي مملوكُ المزكِّي، (وعبدٍ أُعْتِقَ بعضُه، وغَنِيّ

(7)

، ومملوكِه): أي مملوكُ الغنيّ، والمرادُ غيرُ المكاتبِ إذ يجوزُ أن يؤدِّي إلى مكاتبِ الغَنِيّ، (وطفلِه): أي طفلُ الرَّجُلِ الغَنِيّ، (وبني هاشم، وهم: آلِ

(1)

زيادة من س.

(2)

حاصله أن قولَ القائل: ثلثُ مالي للفقراءِ والمساكين ليست اللام فيه لبيانِ المصرف، بل لبيان القسمة، فلا يصحُّ أن يعطي صنفاً واحداً؛ لكونه مخالفاً لما قصدَهُ الواقفُ أو الموصي بخلافِ آية المصارفِ فان اللام فيها لا يمكن أن تكون للقسمة. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 298).

(3)

أي لا يجوز صرف الزكاة إلى

(4)

أي لا يشتري بها رقبة تعتق؛ لانعدام التمليك فيها. ينظر: «درر الحكام» (1: 189).

(5)

انتهى من «النقاية» (ص 52).

(6)

لأن المنافع متصلة بينهما.

(7)

الغَنِيّ هو ضدّ الفقير: وهو ما كان يملك نصاباً من أي مال كان سواء كان من النقود أو السوائم أو العروض، وهو فاضل عن حوائجه الأصلية. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 223).

ص: 226

عليّ، وآلِ عبَّاس، وجعفر، وعَقيل، والحارث بن عبد المطلب- رضي الله عنهم، ومواليهم، دَفَعَ إلى مَن ظنَّ أنَّه مصرف، فَبَانَ أنَّه عبدُه، أو مكاتبُهُ يعيدُها، وإن بَانَ غناُه، أو كفرُه، أو أنَّه أبوه، أو ابنُه، أو هاشميُّ لم يعدْ خلافاً لأبي يوسف- رضي الله عنه

عليّ، وآلِ عبَّاس

(1)

، وجعفر

(2)

، وعَقيل

(3)

، والحارث

(4)

بن عبد المطلب

(5)

رضي الله عنهم، ومواليهم): أي مُعْتَقِي هؤلاء، (ولا إلى ذميّ، وجازَ غيرُها إليه): أي جازَ أن يصرفَ إلى الذِّميِّ صدقة غيرِ الزَّكاة.

(دَفَعَ إلى مَن (ظنَّ أنَّه)

(6)

مصرف، فَبَانَ أنَّه عبدُه، أو مكاتبُهُ يعيدُها

(7)

، وإن بَانَ غناُه، أو كفرُه، أو أنَّه أبوه، أو ابنُه، أو هاشميُّ لم يعدْ خلافاً لأبي يوسف- رضي الله عنه

(8)

.

(1)

وهو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو الفضل، عمُّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه، وأقام بمكة يكتب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أخبار المشركين، وكان مَن هناك من المؤمنين يَتَقَوَّوْنَ به، (51 ق. هـ - 32 هـ). ينظر:«الكنى والأسماء» (1: 623)، «تهذيب الكمال» (14: 225 - 230)، «التقريب» (ص 236)، «الأعلام» (4: 35).

(2)

وهو جعفر بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله، ابن عمِّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، هاجر إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة فقتل يوم مؤتة (ت 8 هـ). ينظر:«التاريخ الكبير» (2: 185)، و «التاريخ الصغير» (1: 22)، و «الكنى والأسماء» (1: 465)، و «مولد العلماء ووفياتهم» (1: 81).

(3)

وهو عَقيل بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب الهاشمي، أخو عليّ وجعفر وكان أسنّ منهما، أبو يزيد، شهدَ بدراً مع المشركين مُكْرهاً، وأُسر يومئذ، ثم أسلم قبل الحديبية، وشهد غزوة مؤته، وكان من أنسب قريش وأعلمهم بأيامها، (ت 60 هـ). ينظر:«المقتنى في سرد الكنى» (2: 152)، و «الكاشف» (2: 31) و «معجم الصحابة» (2: 290)، «تهذيب الكمال» (20: 235 - 236).

(4)

وهو الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي، عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك الإسلام وأولاده هم: أبو سفيان ونوفل وربيعة والمغيرة وعبد الله كلهم صحابة. ينظر: «مقدمة عمدة الرعاية» (1: 40).

(5)

وفائدة التخصيص بهؤلاء أنه يجوز الدفع إلى من عداهم من بني هاشم كذرية أبي لهب؛ لأنهم لم يناصروا النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: «الجوهرة النيرة» (1: 132).

(6)

في ج و ف و ق: ظنه. وفي م: ظنه أنه.

(7)

أي تجب إعادة الزكاة؛ لأنه لم يخرج عن ملكه خروجاً صحيحاً، وهذا بالإجماع. ينظر:«الاختيار» (1: 158).

(8)

ولو لم يتحرّ أو شك أو تحرى فظنَّ أنه ليس بمصرف لم يجزه اتفاقاً. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 225).

ص: 227

وحُبِّبَ دفعُ ما يُغنيه عن السُّؤال ليوم، وكُرِه دَفْعُ مئتي درهمٍ إلى فقيرٍ غيرِ مديون، ونقلُها إلى بلدٍ آخرَ إلاَّ إلى قريبِه، أو إلى أحوجَ مَن أهلِ بلدِه.

‌باب صدقة الفطر

وهي من بُرّ، أو دقيقه، أو سويقه، أو زبيبٍ نصفُ صاع، ومن تمرٍ أو شعيرٍ صاعٍ ممَّا يسعُ فيه ثمانيةُ أرطال من مَجّ أو عدس

وحُبِّبَ دفعُ ما يُغنيه عن السُّؤال ليوم، وكُرِه دَفْعُ مئتي درهمٍ إلى فقيرٍ غيرِ مديون، ونقلُها إلى بلدٍ آخرَ إلاَّ إلى قريبِه، أو إلى أحوجَ

(1)

مَن أهلِ بلدِه).

باب صدقة الفطر

(وهي

(2)

من بُرّ، أو دقيقه

(3)

، أو سويقه

(4)

، أو زبيبٍ

(5)

نصفُ صاع، ومن تمرٍ أو شعيرٍ صاعٍ ممَّا يسعُ فيه ثمانيةُ أرطال من مَجّ

(6)

أو عدس).

الصَّاعُ: كيلُ يسعُ فيه ثمانيةُ أرطال، (فقدِّر بثمانية أرطال)

(7)

من المَجّ: وهو الماش، أو من العدس. وإنِّما قُدِّرَ بهما لقلَّة التَّفاوت بين حباتِهما عظماً وصغراً، وتخلخلاً واكتنازاً

(8)

، بخلاف غيرِهما من الحبوب، فإنَّ التَّفاوتَ فيها كثيرُ غايةَ الكثرة.

(1)

أو أصلح، أو أروع، أو أنفع للمسلمين. ينظر:«الدر المختار» (2: 68).

(2)

ساقطة من ص و ق، وفي ت و ج و ف و م: هي.

(3)

دقيقه: أي طحينه. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 208).

(4)

سويقه: أي ما يتّخذ من البُرّ، وهو الناعم من الدقيق. ينظر:«تاج العروس» (25: 480)، و «التعليقات المرضية» (ص 213).

(5)

وجعلا الزبيب كالتمر في وجوب صاع منه، وهي رواية الحسن عن الإمام، وصحّحها البهنسي، وغيره، وفي «الحقائق» ، و «الشرنبلالية» عن «البرهان»: وبه يفتى. ينظر: «الدر المختار» (2: 76)، و «الدر المنتقى» (1: 229). وفي «مجمع الأنهر» (1: 229): الأولى أن يراعى فيه القدر والقيمة.

(6)

المَجُّ: حبٌّ كالعدس إلا أنه أشد استدارة منه، ويقال لها: الماش. ينظر: «اللسان» (6: 4137).

(7)

ساقطة من ص و ف.

(8)

اكتنازاً: من اكتنَزَ الشيء: اجتمع وامتلأ، يقال: كنَزتُ البُرَّ في الجراب فاكتنَزَ. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 580)، و «تاج العروس» (15: 304).

ص: 228

...................................................................................................................

وإنِّي قد وزنتُ الماش، والحنطةَ الجيدةَ المكتنَزة، والشَّعير

(1)

، وجعلتُها في المكيال، فالماشُ أثقلُ من الحنطة، والحنطةُ الجيدةُ

(2)

من الشَّعير، فالمكيالُ الذي يُمْلأُ بثمانيةِ أرطالٍ من المَجِّ يُملأُ بأقلَّ من ثمانيةِ أرطالٍ من الحنطةِ الجيدةِ المكتنَزة، فالأحوطُ فيه

(3)

أن يقدَّرَ الصَّاعُ بثمانيةِ أرطالٍ من الحنطة الجيدة

(4)

؛ لأنَّه إن قُدِّرَ بالحنطة الجيدة

(5)

المكتنِزة، فكلُّما يُجْعلُ فيه ثمانيةُ أرطالٍ من مثلِ تلك الحنطة يُملأ بها، وإن كان يُملأُ بأقلَّ من تلك إذا كان الحنطةُ متخلخلة لكن إن قُدِّرَ بالمَجِّ يكونُ أصغرَ من الأَوَّل، ولا يسعُ فيه ثمانيةُ أرطالٍ من أنواعِ الحنطة، فيكون الأَوَّلُ أحوط

(6)

.

ثُمَّ اعلم أنَّ هذا الصَّاع

(7)

، هو الصَّاع العِرَاقِيّ، وأمَّا الحِجازيّ، فهو خمسةُ أرطالٍ وثُلُثُ رطل، فالواجبُ عند الشَّافِعِيِّ

(8)

رضي الله عنه من الحنطةِ نصف

(9)

صاع من الحِجَازيّ،

(1)

في أ: والعشير.

(2)

زيادة من ب و س و ص.

(3)

زيادة أ و ب و س.

(4)

زيادة أ و ب و س.

(5)

زيادة من أ و ص.

(6)

إنما قدروا بالمج والعدس؛ لاستوائهما كيلاً ووزناً حتى لو وزن من ذلك ثمانية أرطال، ووضع في صاعٍ لا يزيدُ ولا ينقص، وما سوى ذلك تارةً يكون وزنه أكثر من الكيلِ: كالشعير، وتارةً بالعكسِ: كالملح، فإذا كان مكيالٌ يسعُ ثمانيةَ أرطالٍ من الملحِ والعدس، فهو الصَّاعُ الذي يكالُ به الشَّعيرُ والتَّمرُ وغيرها، والشارح رجَّحَ تقديرَهُ بالحنطةِ بناءً على أنَّه وَزَنَ الاماش والحنطة والشعير وجعلَها في المكيال، فوجد الماشَ أثقلَ من الحنطة، والحنطة أثقل من الشعير، فالمكيالُ الذي يُملأ بثمانية أرطال من الماش يُملأ بأقلَّ من ثمانيةِ أرطالٍ من الحنطةِ فلو قُدِرَ بالماشِ يكون أصغر. ولا يخفى أن التقدير بالشعير أحوط؛ لذلك نقل عن مشايخنا بالحرمين أنهم كانوا يفتون تقديره بثمانية أرطال من الشعير. ينظر:«رد المحتار» (2: 77)، و «عمدة الرعاية» (1: 30).

(7)

وهو ما يسع ألفاً وأربعين درهماً. ينظر: «الغرر» (1: 195)، و «التنوير) (1: 77).

(8)

ينظر: «تحفة المنهاج» (3: 321)، و «تحفة الحبيب» (2: 357)، و «التجريد لنفع العبيد» (2: 50)، وغيرها.

(9)

ساقطة من ص و ف و م.

ص: 229

ومَنَوَان بُرَّاً جازَ خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه، وأداءُ البُرِّ في موضعٍ يشترى به الأشياءَ أحبّ، وعند أبي يوسف رضي الله عنه أداءُ الدَّراهم أحبّ. وتجبُ على حرٍّ مسلمٍ له نصابُ الزَّكاة وإن لم يَنْمُ

وعندنا نصفُ صاعٍ من العِرَاقِيّ

(1)

، وهو مَنَوَان

(2)

، على أنَّ المَنَّ أربعونَ إستاراً، والإستارُ أربعةُ مثاقيل، ونصفُ مثقال، فالمَنُّ مئةٌ وثمانون مثقالاً

(3)

.

(ومَنَوَان بُرَّاً جازَ خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه)، فإنَّ عنده لا بُدَّ أن يُقَدَّرَ بالكيل

(4)

.

(وأداءُ البُرِّ في موضعٍ يشترى به

(5)

الأشياءَ أحبّ، وعند أبي يوسف رضي الله عنه أداءُ الدَّراهم أحبّ

(6)

.

وتجبُ على حرٍّ مسلمٍ له نصابُ الزَّكاة وإن لم يَنْمُ) قد ذَكَرْنا

(7)

في أوَّل كتاب الزَّكاة أنَّ النَّماء بالحولِ مع الثَّمنية، أو السَّوم، أو نيِّةِ التِّجارة.

فمَن كان له نصابُ الزَّكاة: أي نصابٌ فاضلٌ من حاجتِهِ الأصليِّة، فإن كان من أحدِ الثَّمنين، أو السَّوائم، أو مالِ التِّجارة تجبُ عليه الصَّدقة، وإن لم يَحُلْ عليه الحول، وإن كان من غيرِ هذه الأموال، كدارٍ لا يكونُ للسُّكنى ولا للتَّجارة، وقيمتُها تبلغ

(1)

الخلاف لفظيٌّ إذ أن الرطل الحجازي ثلاثون إستاراً، والبغدادي عشرون إستاراً، فالصاع البغدادي ثمانية أرطال يعدل خمسة أرطال وثلثاً بالمدني. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 549)، و «غنية ذوي الأحكام» (1: 195).

(2)

المَنّ: بالفتح والتشديد معيار: كان يكال به أو يوزن، وقدره إذ ذاك رطلان بغداديان، وهو ما يساوي:8.1539 كيلو غرام. ينظر: «الموسوعة الفقهية الكويتية» (26: 306)، و «معجم لغة الفقهاء» (ص 460).

(3)

وبعملية حسابية: 40 إستار وهي ما تساوي مَنّ واحد×4.5 مثقال وهو ما يساوي إستار = 180 مثقال وهو تساوي مَنَّاً واحداً.

(4)

أي يجوز إعطاء نصف صاع وزناً؛ لأن الصاع مقدر بالوزن، وهذه رواية أبي يوسف عن الإمام، روى ابن رستم عن محمد أنه يعتبر بالكيل؛ لأن الآثار جاءت بالصاع، وهو اسم للكيل والدراهم أولى من الدقيق. ينظر:«تبيين الحقائق» (1: 310)، و «مجمع الأنهر» (1: 289).

(5)

أي البُرُّ.

(6)

قال الحصكفي في «الدر المنتقى» (1: 229): وعليه الفتوى حالة السعة، أما في الشدة فدفع العين أفضل فلا خلاف حينئذ في الحقيقة.

(7)

ص 200).

ص: 230

وبه تحرمُ الصَّدقة لنفسِهِ وطفلِه فقيراً، وخادمِه ملكاً، ولو مُدَبَّراً، أو أمَّ ولد، أو كافراً، لا لزوجتِه وولدِه الكبير، وطفلِه الغنيّ، بل من مالِه، ومكاتبِه، وعبدِه للتِّجارة، وعبدٍ له آبق إلاَّ بعد عودِه، ولا لعبد أو عبيدٍ بين اثنينِ على أحدِهما، ولو بيعَ بخيارِ أحدِهما فعلى مَن يصيرُ له بطلوعِ فجرِ الفطر. فتجب لمَن أسلم، أو وُلِدَ قبلَه

النِّصاب تجبُ بها صدقةُ الفطرِ مع أنه لا تجبُ بها الزَّكاة، (وبه تحرمُ الصَّدقة): فهذا النِّصابُ نصابُ حرمانِ الزَّكاة، ولا يشترطُ فيه النَّماء بخلافِ نصابِ وجوبِ الزَّكاة.

(لنفسِهِ

(1)

وطفلِه فقيراً، وخادمِه ملكاً، ولو مُدَبَّراً

(2)

، أو أمَّ ولد

(3)

، أو كافراً، لا لزوجتِه

(4)

وولدِه الكبير، وطفلِه الغنيّ، بل من مالِه، ومكاتبِه، وعبدِه للتِّجارة، وعبدٍ له آبق

(5)

إلاَّ بعد عودِه، ولا لعبد أو عبيدٍ بين اثنينِ على أحدِهما) هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، أمَّا عندهما فتجب عليهما.

(ولو بيعَ

(6)

بخيارِ أحدِهما فعلى مَن يصيرُ له بطلوعِ فجرِ الفطر.

فتجب لمَن أسلم، أو وُلِدَ قبلَه): أي قبلَ الطُّلوع، وهذا عندنا، وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ

(7)

رضي الله عنه فتجب بغروبِ الشَّمس، فمَن أسلم في اللَّيلة، أو وُلِدَ فيها لا تجب عليه عنده.

(1)

أي تجب صدقة الفطر لنفسه وطفله

(2)

مُدَبَّراً: وهو العبد الذي أُعتِقَ عن دُبُر، أي بعد الموت، بأن قال له مولاه: إن مت فأنت حر، ودُبُرُ الشيءِ مؤخَّره. ينظر:«طلبة الطلبة» (ص 53، 115).

(3)

أمّ ولد: هي الأمة التي وطئها سيدها، فولدت له ولداً وادَّعى نسبه، فلا يجوز بيعها، وتكون حرَّة بعد وفاته. ينظر:«شرح حدود ابن عرفة» (ص 528 - 529).

(4)

أي لا تجب عليه صدقة فطر زوجته؛ لقصور المؤونة والولاية إذ لا يلي عليها في غير حقوق الزوجية، ولا يجب عليه أن يمونها في غير الرواتب كالمداواة. ينظر:«رد المحتار» (2: 75).

(5)

أَبَقَ العبدُ: إذا هربَ من سيِّدِهِ من غيرِ خوفٍ ولا كَدِّ عَمَلٍ هكذا قَيَّدَهُ فِي «الْعَيْن» ، وقال الأَزْهَرِيُّ: الأَبْقُ هُرُوبُ العبدِ من سَيِّدِهِ والإباقُ بالكسرِ اسمٌ منه، فهو آبِقٌ والجمعُ أُبَّاقٌ. ينظر:«المصباح المنير» (ص 7)، «المغرب» (ص 18).

(6)

أي لو بيع عبد بشرط الخيار للبائع أو المشتري، فإن جاء الفطر والخيار باق توقف الوجوب؛ لأن الملك موقوف، ثم تجب على مَن يستقر له ملكه. ينظر:«درر الحكام» (1: 194).

(7)

ينظر: «نهاية المحتاج» (3: 112)، و «مغني المحتاج» (1: 402)، و «حاشيتا قليوبي وعميره» (2: 42)، وغيرها.

ص: 231

لا لمَن مات في ليلتِه، أو أسلم، أو وُلِدَ بعدَه، ولو قُدِّمَت جازَ بلا فَصْلٍ بين مدَّةٍ ومدَّة، ونُدِبَ تعجيلُها، ولو أُخِّرَت لا تسقط.

(لا

(1)

لمَن مات في ليلتِه)، خلافاً للشَّافِعِيِّ

(2)

فإنَّه تَجِبُ عليه لأنَّه أدراك وقتِ الغروب، (أو أسلم، أو وُلِدَ بعدَه): أي بعد طلوعِ الفجر، فإنَّه لا تَجِبُ عليهما إجماعاً، أمَّا عندنا؛ فلأنَّه لم يُدْرِك وقتَ الطُّلوع، وأمَّا عنده؛ فلأنَّه لم يدركْ وقتَ الغروب.

(ولو قُدِّمَت جازَ بلا فَصْلٍ بين مدَّةٍ ومدَّة

(3)

، ونُدِبَ تعجيلُها، ولو أُخِّرَت

(4)

لا تسقط. (والله أعلم)

(5)

).

* * *

(1)

أي لا تجب صدقة الفطر لمن مات

(2)

ينظر: «المنهاج» (1: 402)، و «فتوحات الوهاب» (2: 274)، وغيرهما.

(3)

في «التبيين» (1: 311): ولا تفصيل فيه بين مدة ومدة في الصحيح، وفي «الدر المختار» (1: 78): وعامة المتون والشروح على صحة التقديم مطلقاً، وهو المذهب. لكن صحح صاحب «التنوير» (1: 78) التقديم بشرط دخول رمضان، وفي «الجوهر النيرة» (1: 135): هو الصحيح، وعليه الفتوى.

(4)

أي أخرت عن يومه لا تسقط وإن طالت المدّة. ينظر: «شرح ملا مسكين» (ص 67).

(5)

زيادة من ج.

ص: 232

‌كتاب الصوم

الصَّومُ: هو تركُ الأكلِ والشُّربِ والوطءِ من الصُّبحِ إلى المغربِ مع النِيَّة. وصومُ رمضانَ فرضُ على كلِّ مسلمٍ مكلَّفٍ أداءً وقضاءً، وصومُ النَّذر والكفارةِ واجب، وغيرُهما نفل

كتاب الصوم

(الصَّومُ

(1)

(2)

: هو تركُ الأكلِ والشُّربِ والوطءِ من الصُّبحِ إلى المغربِ مع النِيَّة. وصومُ رمضانَ فرضُ على كلِّ مسلمٍ مكلَّفٍ أداءً وقضاءً، وصومُ النَّذر

(3)

والكفارةِ

(4)

واجب، وغيرُهما نفل).

ذَكَرَ في «الهداية» أنَّ صومَ رمضانَ فريضة؛ لقولِهِ جل جلاله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}

(5)

(1)

زيادة من م.

(2)

هذا تعريف الصوم شرعاً أما لغة: فهو الإمساك مطلقاً: أي سواء أكان ما تمسك عنه كلاماً أم فعلاً، وسواء أكان الفعل أكلاً أم شرباً أم غيرهما. ينظر:«سبيل الفلاح» (ص 189).

(3)

اختلف في صوم النذر على قولين:

الأول: واجب، وهو ما اختاره المصنف، وصاحب «الهداية» (1: 118)، و «الكنْز» (ص 31)، و «المختار» (1: 161)، و «الفتح» (2: 235)، و «الايضاح» (ق 30/ب)، و «الملتقى» (ص 35)، و «التنوير» (2: 82)، غيرهم.

والثاني: فرض، وهو ما رجَّحه الشارح، و «المواهب» (ق 56/أ)، والشرنبلالي في «غنية ذوي الأحكام» (1: 197)، وغيرهم.

(4)

اختلف في صوم الكفارات على قولين:

الأول: واجب، وهو اختيار المصنف، وصاحب «الهداية» (1: 118)، و «المختار» (1: 161)، و «الايضاح» (ق 30/ب)، و «الملتقى» (ص 35)، و «رد المحتار» (2: 82)، وغيرهم.

والثاني: فرض، وهو اختيار الشارح، وصاحب «الفتح» (2: 235)، و «الغرر» (1: 197)، و «المواهب» (ق 56/أ)، و «التنوير» (2: 82)، و «الدر المختار» (2: 82)، وغيرهم. وأدلة كل طرفٍ مبسوطة في الكتب، وسيأتي من صدر الشريعة ذكر دليل فرضية ذلك، ويوجد غيره من الأدلة ليس المقام مقام بسطها.

(5)

من سورة البقرة، الآية (183)، وتمامها:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

ص: 233

ويصحُّ صومُ رمضان، والنَّذرُ المعيَّنُ بنيَّةٍ من اللَّيل إلى الضَّحوة الكبرى، لا عندها في الأصحّ

وعلى فريضتِهِ انعقدَ الإجماع؛ ولهذا يُكَفَّرُ جاحدُه، والمنذورُ واجب؛ لقولِهِ تعالى:{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}

(1)

.

(2)

وقد

(3)

قيل في «الحواشي»

(4)

: إنَّ قولَهُ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} عامٌ خُصَّ منه البعض، وهو النَّذرُ بالمعصيَّة، والطَّهارة، وعيادةُ المريض، وصلاةُ الجنازة، فلا يكونُ قطعيَّاً، فيكونُ واجباً.

أقولُ: المنذورُ إذا كان من العباداتِ المقصودةِ كالصَّلاة، والصَّوم، والحجّ، ونحو ذلك، فلزومُهُ ثابتٌ بالإجماعِ فيكونُ قطعيَّ الثُّبوت، وإن كان سندُ الإجماع ظنِّيَّاً، وهو العامُ المخصوصُ البعض

(5)

، فينبغي أن يكونَ فرضاً، وكذا صومُ الكفارات؛ لأنَّ ثبوتَه بنصٍّ قطعيٍّ مؤيَّدٍ بالإجماع.

فقولُ صاحبِ «الهداية» : إنَّ المنذورَ واجبٌ يمكنُ أنه أرادَ بالواجبِ الفرضَ، كما قال في افتتاح (كتاب الصوم): الصومُ ضربان: واجب، ونفل

(6)

.

(ويمكن أن يقالَ إن الصَّومَ المنذورَ والكفّارة، وإن كان فرضاً بسببِ الإجماع، إنِّما أطلقَ عليه لفظَ الواجب؛ لأنَّ سندَ الإجماعِ ظنِّيٌّ من المصنِّف)

(7)

.

(ويصحُّ صومُ رمضان، والنَّذرُ المعيَّنُ

(8)

بنيَّةٍ من اللَّيل إلى الضَّحوة الكبرى

(9)

، لا عندها في الأصحّ)، اعلم أنَّ النَّهار الشَّرعيَّ من الصُّبحِ إلى الغروب، فالمرادُ بالضَّحوةِ

(1)

من سورة الحج، الآية (29)، وتمامها: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ

}.

(2)

انتهى من «الهداية» (1: 118).

(3)

قد: زيادة من أ.

(4)

ينظر: «الكفاية على الهداية» (2: 234).

(5)

زيادة من أ و س.

(6)

انتهى من «الهداية» (1: 118).

(7)

زيادة من م.

(8)

النذر المعين: أي بوقت معين خاص كنذر صوم يوم الخميس مثلاً، وغير المعين: كنذر صوم يوم مثلاً، والنذر المعين في حكم رمضان لتعين الوقت فيهما. ينظر:«رد المحتار» (2: 82،85).

(9)

الضحوة الكبرى: وهي منتصف النهار الشرعي، والنهار الشرعي من استطارة الضوء في أفق المشرق إلى غروب الشمس. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 61/أ)، و «رد المحتار» (2: 85).

ص: 234

وبنيَّةٍ مطلقة، أو بنيَّة نفل. وأداءُ رمضانَ بنيَّةِ واجبٍ آخر إلاَّ في مرض، أو سفر، بل عمَّا نوى، والنَّذرُ المعيَّنُ عن واجبٍ آخر نواه

الكبْرَى مُنْتَصَفُه، ثُمَّ لا بدَّ أن تكون النِيَّةُ موجودةً في أكثرِ النَّهار، ويشترطُ أن تكونَ قبلَ الضَّحوةِ الكبرى.

وفي «الجامع الصغير» : بنيَّةٍ قبلَ نصفِ النَّهار

(1)

: أي قبلَ نصفِ النَّهار الشَّرعيّ.

وفي «مختصر القُدُورِيّ» : إلى الزَّوال

(2)

. والأَوَّلُ أصحّ.

(وبنيَّةٍ مطلقة

(3)

، أو بنيَّة نفل.

وأداءُ رمضانَ بنيَّةِ واجبٍ آخر إلاَّ في مرض، أو سفر، بل عمَّا نوى

(4)

، والنَّذرُ المعيَّنُ عن واجبٍ آخر نواه

(5)

). أي أداء رمضانَ يصحُّ بنيَّةٍ عن واجبٍ آخر إلاَّ في المرض أو السفر، فإنَّه يقعُ عن ذلك الواجب، وإذا نذرَ صومَ يومٍ معيَّنٍ فنَوى في ذلك اليومِ واجباً آخر، يقعُ عن ذلك الواجب، سواءٌ كان مسافراً أو مقيماً، صحيحاً أو مريضاً.

وعبارةُ «المختصر» هذا: ويصحُّ أداءُ رمضانَ بنيَّةٍ قبلَ نصفِ النَّهارِ الشَّرعيّ، وبنيَّةِ نفلٍ وبنيِّةِ مطلقة، وبنيِّةِ واجبٍ آخر، إلاَّ في سفر، أو مرض، وكذا النَّفلُ والنَّذْرُ المعيَّن إلاَّ في الأخير

(6)

: أي حُكْمُ النَّفْلِ والنَّذْرِ المعيَّن حكمُ أداءِ رمضان إلاَّ في الأخير، وهو الواجبُ الآخر.

(والنَّفلُ بنيَّتِه، وبنيِّةٍ مطلقةٍ قبل الزَّوال لا بعده.

(1)

انتهى من «الجامع الصغير» (ص 137)، بتصرف.

(2)

عبارة «مختصر القدوري» (ص 24): فإن لم ينو حتى اصبح أجزأته النية ما بينه وبين الزوال. ا. هـ. وصدر الشريعة بقوله: إلى الزوال، عبَّر عنها بالمعنى المفهوم منها، وذلك ما فهمه صاحب «الهداية» (1: 118)، و «اللباب» (1: 163)، فقالوا مثل ما قال صدر الشريعة من أنّ النية قبل نصف النهار أصح.

(3)

أي يصح صوم رمضان بنية مطلقة من غير قيدٍ كقوله: نويت الصوم

(4)

أي بل يقع الصوم عن الواجب الآخر الذي نواه؛ لأن رمضان في حقه كشعبان.

(5)

أي يقع الصيام عن الواجب الآخر الذي نوى تعينه لا عن النذر المعين.

(6)

انتهى من «النقاية» (ص 54).

ص: 235

وشُرِطُ للقضاء، والكفارة، والنَّذرِ المطلقِ التَّبييتُ والتَّعيين، وإن غُمَّ ليلةَ الشَّكِّ، لا يُصامُ إلاَّ نفلاً، ولو صامَه لواجبٍ آخر كُرِه، ويقعُ عنه في الأصحّ إن لم يظهرْ رمضانيَّتُه، وإلاَّ فعنه، والتَّنَفُّلُ فيه أحبُّ إجماعاً إن وافقَ صوماً يعتادُه وإلاَّ يصومُ الخواصُّ، ويَفْطُرُ غيرُهم بعد الزَّوال

وشُرِطُ للقضاء، والكفارة، والنَّذرِ المطلقِ التَّبييتُ والتَّعيين

(1)

)، المرادُ بالتَّبييت: أن ينوي من اللَّيل.

(وإن غُمَّ

(2)

ليلةَ الشَّكِّ): أي ليلةَ الثَّلاثين من شعبان، (لا يُصامُ إلاَّ نفلاً، ولو صامَه لواجبٍ آخر كُرِه

(3)

، ويقعُ عنه في الأصحّ): أي يقعُ عن الواجبِ الآخرِ في الأصحّ

(4)

، وقيل: يقعُ تطوعاً؛ لأنَّ غيرَه منهيٌّ عنه، فلا يتأدَّى به الواجب كاملاً

(5)

، (إن لم يظهرْ رمضانيَّتُه، وإلاَّ فعنه): أي عن رمضان، فإنَّ صومَ رمضان يتأدَّى بنيَّةِ واجبٍ آخر.

(والتَّنَفُّلُ فيه): (أي في يومِ الشَّك)

(6)

، (أحبُّ إجماعاً إن وافقَ صوماً يعتادُه، وإلاَّ يصومُ الخواصُّ

(7)

) كالمُفْتِي، والقاضي، (ويَفْطُرُ غيرُهم

(8)

بعد الزَّوال.

(1)

لأن الصوم فيها ليس بمتعين لها لا من جانب الله ولا من جانب العبد فلا بد من تعينه لوجود المزاحم، وكون ذلك اليوم قابلاً لكل صومٍ بخلاف صومِ رمضانَ والنذرِ المعيَّن؛ لوجود التعيِّن فيه من جانبه، أو من ربه، فيكفي فيه مطلق النية، بل تلغو نيَّة التنفل أيضاً، وأما اشتراط التبييت فلعدم تعينه أيضاً. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 307).

(2)

غُمَّ: أي غُمَّ الهلال على الناس إذا ستره عنهم غَيْمٌ أو غيره فلم يُرَ. ينظر: «مختار» (ص 482).

(3)

الكراهة كراهة تنْزيهية التي مرجعها خلاف الأولى؛ لأن النهي عن التقدم خاص بصوم رمضان، لكن كره لصورة النهي المحمول على رمضان. ينظر:«البحر» (2: 285).

(4)

لأن المنهي هو التقدُّم بصوم رمضان. كما في «التبيين» (1: 317).

(5)

زيادة من م.

(6)

زيادة من أ و ب و س.

(7)

الخواص ليست مقصورة على المفتي والقاضي بل على كل من علم كيفية صوم الشك فهو من الخواص، وإلا فمن العوام، وكيفية النية المعتبرة هنا: أن ينوي التطوّع على سبيل الجزم من لا يعتاد صوم ذلك اليوم. ينظر: «التنوير» (2: 89).

(8)

يعني يأمر المفتي بالتلوُّم ثم بالافطار إذا ذهب وقت النيِّة نفياً لتهمة ارتكاب النهي، وإنما فُرِقَ بين العام والخاص؛ لأن العام يفرّق بين نيَّة الجزم ونية التردد. ينظر:«غنية ذوي الأحكام» (1: 199)، و «الفلك الدوار في رؤية الهلال بالنهار» (ص 3).

ص: 236

ولا صومَ لو نَوَى: إن كان الغدُ من رمضان فأنا صائمٌ عنه، وإلاَّ فلا. وكُرِهَ لو نَوْى إن كان الغدُ من رمضان، فأنا صائمٌ عنه وإلاَّ فعن واجبٍ آخر، وإلاَّ فعن نفل، فإن ظَهَرَ رمضانيَّتُهُ كان عنه، وإلاَّ فنفلٌ فيهما، ومَن رأى هلالَ صومٍ أو فطرٍ وحدَهُ يصوم، وإن رُدَّ قولُه، وإن أفطرَ قضى، وقُبِلَ بلا دَعْوَى ولفظِ أشهدُ للصَّوم مع غيمٍ خبرُ فَرْدٍ بشرطِ أنَّه عدلٌ ولو قِنَّاً، أو امرأة، أو محدوداً في قذف تائباً

ولا صومَ لو نَوَى: إن كان الغدُ من رمضان فأنا صائمٌ عنه، وإلاَّ فلا

(1)

.

وكُرِهَ

(2)

لو نَوْى إن كان الغدُ من رمضان، فأنا صائمٌ عنه وإلاَّ فعن واجبٍ آخر، وإلاَّ فعن نفل): أيلو نوى إن كان الغدُ من رمضان، فأنا صائمٌ عنه، وإلاَّ فعن نفل، (فإن ظَهَرَ رمضانيَّتُهُ كان عنه)؛ لوجودِ مطلقِ النِيَّة، (وإلاَّ فنفلٌ فيهما): أي فيما قال: وإلاَّ فعن واجبٍ آخر، وفيما قال، وإلاَّ فعن نفل.

أمَّا في الصُّورة الأُوْلَى؛ فلأنَّه متردِّدٌ في الواجبِ الآخر، فلا يقعُ عنه فبقي مطلقُ النِّيَّة، فيقعُ عن النَّفل.

وفي الثَّانيةِ؛ لوجودِ مطلقِ النِّيَّة أيضاً.

ومَن رأى هلالَ صومٍ أو فطرٍ وحدَهُ يصوم، وإن رُدَّ قولُه، وإن أفطرَ قضى)، ذِكْرُ القضاءِ فقط؛ لبيان أنَّه لا كفارةَ عليه خلافاً للشَّافِعِيّ

(3)

.

(وقُبِلَ بلا دَعْوَى ولفظِ أشهدُ

(4)

للصَّوم مع غيمٍ خبرُ فَرْدٍ بشرطِ أنَّه عدلٌ

(5)

ولو قِنَّاً

(6)

، أو امرأة، أو محدوداً في قذف تائباً.

(1)

لعدم الجزم في العزم، فلم توجد النية. ينظر:«درر الحكام» (1: 199).

(2)

لتردده بين أمرين مكروهين: نية الفرض، ونية واجب. ينظر:«الدرر» (1: 199).

(3)

ينظر: «تحفة المحتاج» (3: 451)، و «فتوحات الوهاب» (2: 344)، و «حاشيتا قليوبي وعميره» (2: 92)، وغيرها.

(4)

أي لا يشترطُ فيه أن يدَّعيه أحدٌ أو يقول الرَّائي: أشهد برؤيتي؛ لأنه أمر ديني فأشبه روايةَ الأحاديث، وليس من حقوقِ العبادِ التي لا بدَّ فيها من الدعوى والشهادة. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 309).

(5)

العدل: من ليس بفاسق بيِّنٍ فسقُه، فإن كان مستور الحال قُبِلَ قولُهُ. ينظر:«الهداية» (1: 121)، و «تنبيه الغافل والوسنان على أحكام هلال رمضان» (ص 216).

(6)

القِنُّ: مِنْ العَبِيدِ الَّذِي مُلِكَ هو وأَبَوَاهُ وكذلك الاثْنَانِ والجمعُ والمُؤَنَّثُ وقد جاءَ قَنَانٌ أَقْنَانُ أَقِنَّةٌ، وأَمَّا أمةٌ قِنَّةٌ فلمْ نَسْمَعْه، وعن ابنِ الأَعْرَابِيِّ عبدٌ قِنٌّ: أَي خالصُ العُبُودَةِ وعلى هذا صحَّ قولُ الفقهاءِ لأَنهم يعنونَ به خلافَ المُدَبَّرِ والمُكاتَبُ. ينظر: «المغرب» (ص 398).

ص: 237

وشرطُ للفطرِ رجلان، أو رجلٌ وامرأتان، ولفظُ أشهد لا الدَّعوى. وبلا غيم شُرِطَ جَمْعٌ عظيم فيهما، وبعد صومِ ثلاثينَ بقولِ عدلين حلَّ الفطر، وبقولِ عدلٍ لا، والأضحى كالفطر

وشرطُ للفطرِ رجلان، أو رجلٌ وامرأتان، ولفظُ أشهد

(1)

لا الدَّعوى.

وبلا غيم شُرِطَ جَمْعٌ عظيم فيهما)

(2)

: أي الجمعُ العظيمُ جمعٌ يقعُ العلمُ بخبرِهم، ويحكمُ العقلُ بعدمِ تواطُئِهم على الكذب.

(وبعد صومِ ثلاثينَ بقولِ عدلين حلَّ الفطر، وبقولِ عدلٍ لا)

(3)

: أي إذا شهدَ واحدٌ عدلٌ بهلالِ رمضان، وفي السَّماء علَّة، فصاموا ثلاثين لا يحلُّ الفطر؛ لأنَّ الفطرَ لا يثبتُ بقولِ واحدٍ خلافاً لمحمَّد- رضي الله عنه، فإنَّ الفطرَ يثبتُ عنده بتبعيَّةِ الصَّوم، وكم من شيءٍ يثبتُ ضمناً، ولا يثبتُ قصداً.

(والأضحى كالفطر): أي في الأحكامِ المذكورة.

(1)

لتعلق حق العباد به، بخلاف رمضان؛ لأنه حقّ الشرع. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 236).

(2)

اختلف في عدد الشهود إن لم يكن في السماء علَّة على أقوال:

الأول: جمع يحكم العقل بعدم تواطئهم على الكذب، وهو مروي عن أبي يوسف ومحمَّد رضي الله عنهم وأن يكونوا من كل جانب. وإليه يشير كلام الشارح، واختاره صاحب «الفتح» (2: 252)، و «درر الحكام» (1: 200).

والثاني: جمع يحصل بهم غلبة الظن. وهو اختيار صاحب «الايضاح» (ق 31/أ).

والثالث: يكفي اثنان، وهي رواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لتكاسل الناس، وهو اختيار صاحب «البحر» (ص 289)، و «رد المحتار» (2: 93).

والرابع: خمسون رجلاً كالقسامة، وهو مروي عن أبي يوسف رضي الله عنه.

والخامس: أهل مَحَلة.

والسادس: غير مقدَّر بعدد، وهو مفوَّض إلى رأي الإمام؛ لتفاوت الناس صدقاً، وهو مروي عن محمد رضي الله عنه، وصححه صاحب «الاختيار» (1: 167). وفي «المواهب» (ق 56/ب)، و «الدر المنتقى» (1: 236): هو الأصح، واختاره صاحب «التنوير» (2: 92).

والسابع: خمسمئة ببلخ قليل. وهو مروي عن خلف بن أيوب.

والثامن: ألف، وهو مروي عن أبي حفص الكبير. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 69).

(3)

ولا عبرة بحساب المنجمين والحاسبين في الهلال، ولا عبرة باختلاف المطالع في الأقطار. ينظر:«تنبيه الغافل والوسنان» (ص 225، 231)، و «القول المنشور في هلال خير الشهور» للكنوي (ص 11).

ص: 238

‌باب موجب الإفساد

مَن جامع، أو جومِعَ في أحدِ السَّبيلين، أو أكل، أو شربَ غذاءً، أو دواءً عمداً، أو احتجمَ فظَنَّ أنَّه فَطَّرَه فأكل عمداً، قضى وكفَّرَ كالمظاهر، وهو بإفسادِ صومِ رمضانَ لا غير، وإن أفطرَ خطأ، أو مُكرهاً، أو اِحْتَقَنَ، أو اِسْتَعْطَ، أو أقطرَ في أُذُنِه، أو داوى جائفة، أو آمَّة، فوصلَ إلى جوفِه، أو دماغِه

باب موجب الإفساد

بفتحِ الجيم

(1)

: أي ما يوجبُهُ الإفساد كالقضاءِ والكفارة.

(مَن جامع، أو جومِعَ في أحدِ السَّبيلين، أو أكل، أو شربَ غذاءً، أو دواءً عمداً، أو احتجمَ فظَنَّ أنَّه فَطَّرَه فأكل عمداً، قضى وكفَّرَ

(2)

كالمظاهر

(3)

): أي كفارتُه مثلُ كفارةِ الظِّهار

(4)

، (وهو): أي التَّكفير، (بإفسادِ صومِ رمضانَ لا غير): أي بإفساد أداءَ رمضان عمداً.

(وإن أفطرَ خطأ)، وهو أن يكونَ ذاكراً للصَّوم، فأفطرَ من غيرِ عذر

(5)

قُصِد

(6)

، كما إذا تمضمض، فدخلَ الماءُ في حلقِه، (أو مُكرهاً، أو اِحْتَقَنَ

(7)

، أو اِسْتَعْطَ): أي صبَّ الدواءَ في الأنف، فوصلَ إلى قصبةِ الأنف.

(1)

ويجوز كسرالجيم بمعنى الأسباب لفطر، وفتحها بمعنى الحكم المترتب على الإفساد. ينظر:«غنية ذوي الأحكام» (1: 201).

(2)

كفَّرَ: من الكفرُ، وهو في الأصلِ السَّتْرُ يُقَالُ كفرَهُ وكَفَّرَهُ إذا سَتَرَهُ، والْكَفَّارةِ منه لأنَّها تُكَفِّرُ الذَّنْبَ، ومنها: كَفَّرَ عن يَمِينِهِ. ينظر: «المغرب» (ص 412).

(3)

المظاهر: وهو من يشبِّه ما يضاف إلى الطلاق من المنكوحة بما يحرم النظر غليه من عضو محرمه نسباً أو رضاعاً. ينظر: «الغرر» (1: 393).

(4)

وهي كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 3 - 4].

(5)

زيادة من م.

(6)

أي قصد منه الإفطار.

(7)

احْتَقَنَ: أي أَوصَلَ الدَّوَاءَ إلَى باطنِهِ من مخرَجِهِ بالمِحْقَنَةِ. ينظر: «المصباح المنير» (ص 145 - 146).

ص: 239

أو أقطرَ في أُذُنِه، أو داوى جائفة، أو آمَّة، فوصلَ إلى جوفِه، أو دماغِه. أو ابتلعَ حصاة، أو حديداً، أو استقاءَ ملءَ فيه، أو تسحَّر، أو أفطرَ بظنِّه ليلاً، وهو يوم، أو أكلَ ناسياً وظنَّ أنَّه فَطَّرَه فأكل عمداً، أو جُومِعَتْ نائمة، أو لم ينو في رمضان كلِّه صوماً ولا فطراً، أو أصبحَ غير ناوٍ للصَّوم فأكلَ، قضى فقط. ولو أكل أو شَرِبَ أو جامعَ ناسياً، أو نامَ فاحتلم، أو نظرَ إلى امرأتِه فأَنْزل، أو ادَّهن، أو اكتحل، أو قَبَّل، أو اغتاب، أو غلبة

(أو أقطرَ في أُذُنِه

(1)

، أو داوى جائفة، أو آمَّة، فوصلَ إلى جوفِه، أو دماغِه).

الجائفةُ: الجراحةُ التي بلغت الجوف.

والآمَّةُ: الشَّجّة التَّي بلغت أمَّ الدِّماغ

(2)

.

(أو ابتلعَ حصاة، (أو حديداً)

(3)

، أو استقاءَ ملءَ فيه، أو تسحَّر

(4)

، أو أفطرَ بظنِّه ليلاً، وهو يوم، أو أكلَ ناسياً وظنَّ أنَّه فَطَّرَه فأكل عمداً، أو جُومِعَتْ نائمة، أو لم ينو في رمضان كلِّه صوماً ولا فطراً

(5)

، أو أصبحَ غير ناوٍ للصَّوم فأكلَ

(6)

، قضى فقط.

ولو أكل أو شَرِبَ أو جامعَ ناسياً): أي غيرَ ذاكرٍ للصَّوم، (أو نامَ فاحتلم، أو نظرَ (إلى امرأتِه)

(7)

فأَنْزل، أو ادَّهن

(8)

، أو اكتحل، (أو قَبَّل)

(9)

، أو اغتاب

(10)

، أو غلبَه

(1)

أي صبَّ في إذنِهِ دهناً ونحوَه ممَّا فيه صلاحُ البدن، ولو أقطرَ الماءَ أو أدخلَهُ في نفسه لا يفسدُ الصَّوم. ينظر:«الهداية» (1: 125).

(2)

أي الجلدة التي تجمع الدماغ. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 25).

(3)

زيادة من ت و ف و م.

(4)

أي أكل السحور على ظنِّ أنَّ الليل باقٍ، فاطلع، فعلم أن الصبح طلع.

(5)

مع الإمساك، فيجب القضاء لعدم العبادة بفقد النيَّة. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 244).

(6)

فيجب القضاء عليه ولا كفارة سواء كان قبل الزوال أو بعده؛ لما حصل من الشبهة، وعندهما تجب الكفارة. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 244).

(7)

زيادة من م.

(8)

ادَّهَن: أي دَهَنَ رَأْسَهُ أو شَارِبَهُ إذا طَلاهُ بِالدُّهْن، وادَّهَنَ على افْتَعَلَ إذا تَوَلَّى ذلك من نفسِهِ من غير ذكر المفعولِ، فقوله ادَّهَنَ شَارِبَهُ خَطَأٌ. ينظر:«المغرب» (ص 68).

(9)

زيادة من ت و ق وم.

(10)

اغتاب: أي ذكر أخاه بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكره بنقص في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله

ينظر: «إحياء علوم الدين» (3: 152).

ص: 240

القيء، أو تقيَّأَ قليلاً، أو أصبحَ جنباً، أو صُبَّ في إحليله دُهْن، أو في أُذُنِه ماءٌ، أو دخلَ غُبار، أو دُخانٌ، أو ذبابٌ في حَلْقِه لم يُفْطِر. والمطرُ والثَّلجُ يفسدُ في الأصحّ. ولو وطِئ ميْتةً، أو بهيمةً، أو غيرَ فرج، أو قَبَّل، أو لَمِس، إن أنزلَ قضى، وإلاَّ فلا. وإن أكلَ لحماً بين أسنانِه مثلَ حِمَّصةٍ قضى فقط، وفي أقلَّ منها لا إلاَّ إذا أخرجَه وأخذَهُ بيدِه، ثُمَّ أكل

القيء، أو تقيَّأَ قليلاً، أو أصبحَ جنباً، أو صُبَّ في إحليله دُهْن، أو في أُذُنِه ماءٌ، أو دخلَ غُبار، أو دُخانٌ، أو ذبابٌ في

(1)

حَلْقِه لم يُفْطِر

(2)

.

والمطرُ والثَّلجُ يفسدُ في الأصحّ

(3)

.

ولو وطِئ ميْتةً، أو بهيمةً، أو غيرَ فرج): وهو التَّفخيذ، (أو قَبَّل، أو لَمِس، إن أنزلَ قضى، وإلاَّ فلا.

وإن

(4)

أكلَ لحماً بين أسنانِه مثلَ حِمَّصةٍ قضى فقط، وفي أقلَّ منها لا إلاَّ إذا أخرجَه وأخذَهُ بيدِه، ثُمَّ أكل)، التقييدُ بالأخذِ باليدِ وقعَ اتِّفاقاً

(5)

.

(1)

زيادة من أ و س.

(2)

أما حكم الاحتقان في العضدين أو غيره، فقد أفتى محمد بخيث: أن شرط المفطر أن يصل إلى الجوف وان يستقر فيه، والمراد بذلك أن يدخل إلى الجوف ولا يكون طرفه خارج الجوف ولا متصلاً بشيء خارج عن الجوف وأنيكون الوصول إلى الجوف من المنافذ المعتادة؛ لأن المسام ونحوها من المنافذ التي لم تجر العادة بأن يصل منها شيء إلى الجوف، ومن ذلك يعلم أن الاحتقان بالحقن المعروف الآن عملها تحت الجلد سواء كان ذلك في العضدين أو الفخذين أو رأس الإليتين أو في أي موضع من ظاهر البدن غير مفسد للصوم؛ لأن مثل هذه الحقنة لا يصل منها شيء إلى الجوف من المنافذ المعتادة أصلاً وعلى فرض الوصول، فغنما تصل من المسام فقط وما تصل إليه ليس جوفاً ولا في حكم الجوف. والله أعلم. ينظر:«الفتاوى الإسلامية» (1: 90). «منحة السلوك» (2: 175).

(3)

اختلفوا في المطر والثلج لو دخلا في الحلق:

فقال بعضهم: لا يفسد.

وقال عامتهم بإفسادهما؛ لإمكان التحرز عنهما بضم الفم، وهو الأصح. كما في «الملتقى» وشرحه «مجمع الأنهر» (1: 245)، و «غنية ذوي الأحكام» (1: 204)، وغيرها.

(4)

زيادة من ب، وفي أ: ولو.

(5)

اتِّفاقاً؛ أي ليس باحترازيّ، فإن المقصودَ وإن أكلَه بعدَ إخراجِهِ فإنه مفسدٌ أخذَهُ باليد، أو بالعود أو بغير ذلك. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 312).

ص: 241

ولو بدأ بأكلِ سمسمةٍ فَسَدَ إلاَّ إذا مضغ، وقَيْءٌ كثيرٌ عاد، أو أُعِيدَ يُفْسِدُ، لا القليل في الحالين، وعند محمَّد رضي الله عنه يفسدُ بإعادة القليلِ لا عودِ الكثير، وكُرِهَ له: الذَّوق، ومضغُ شيءٍ إلاَّ طعامَ صبيٍّ ضرورةً، والقُبلةُ إن لم يأمنْ، لا لمن أَمِن، لا الكحل، ودَهْن الشَّارب، والسِّواك ولو عَشِيَّاً

(ولو بدأ بأكلِ سمسمةٍ فَسَدَ إلاَّ إذا مضغ)، فإنَّه يتلاشى في فمِه بالمضغ

(1)

.

(وقَيْءٌ كثيرٌ عاد، أو أُعِيدَ يُفْسِدُ، لا القليل في الحالين، وعند

(2)

محمَّد رضي الله عنه يفسدُ بإعادة القليلِ لا عودِ الكثير): أي إذا عادَ القيء، فالمعتبرُ عند أبي يوسف رضي الله عنه الكثرة: أي ملءُ الفم، وعند محمَّد رضي الله عنه يعتبرُ الصُّنْع: أي الإعادة.

ففي إعادةِ الكثيرِ يفسدُ اتفاقاً

(3)

.

وفي عودِ القليلِ لا يفسدُ اتِّفاقاً.

وفي إعادةِ القليلِ لا يفسدُ عند أبي يوسف

(4)

رضي الله عنه خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه.

وفي عودِ الكثيرِ يفسدُ عند أبي يوسف رضي الله عنه لا عند محمد

(5)

رضي الله عنه.

(وكُرِهَ له: الذَّوق، ومضغُ شيءٍ إلاَّ طعامَ صبيٍّ ضرورةً، والقُبلةُ إن لم يأمنْ، (لا لمن أَمِن)

(6)

، لا الكحل، ودَهْن الشَّارب، والسِّواك ولو عَشِيَّاً)، احترازاً عن قول الشَّافِعِيِّ

(7)

إذ عنده يكرَهُ عَشِيَّاً

(8)

؛ لأنَّه يزيلُ الخُلوف

(9)

.

(1)

وفيه إشارة إلى أنه لم يجد لها طعماً في حلقه. ينظر: «غنية ذوي الأحكام» (1: 207).

(2)

عند: زيادة من أ و ب و س و ف.

(3)

ولا فطر في الكل على الأصح إلا في الإعادة والاستقاء بشرط الملء مع التذكر. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 247)، و «رد المحتار» (2: 110).

(4)

قول أبي يوسف هو الصحيح في هذه المسألة كما في «الخلاصة» ، و «الخانية» (1: 211). وينظر: «مجمع الأنهر» (1: 247).

(5)

في هذه قول محمد رضي الله عنه هو الصحيح كما في «فتاوى قاضي خان» (1: 211).

(6)

زيادة من ق.

(7)

ينظر: «التنبيه» (ص 46)، و «تحفة المحتاج» (3: 435)، و «أسنى المطالب» (1: 423)، وغيرهما.

(8)

العَشِيُّ: ما بينَ الزَّوَالِ إلى الغرُوبِ ومنهُ يُقَالُ للظُّهْرِ والعصرِ صلاتا العَشِيّ. ينظر: «المصباح المنير» (ص 413).

(9)

الخُلوف: تغير رائحة فم الصائم. ينظر: «الصحاح» (1: 365).

ص: 242

وشيخٌ فَانٍ عَجِزَ عن الصَّومِ يُفطرُ ويُطعمُ لكلِّ يومٍ مسكيناً كالفِطرة، ويقضي إن قَدَر. وحامل، أو مرضع إن خافتا على أنفسِهما أو ولدِهما، أو مريضٌ خافَ زيادةَ مرضِه، والمسافرُ، أفطروا وقضوا بلا فديةٍ عليهم

(وشيخٌ فَانٍ

(1)

عَجِزَ عن الصَّومِ يُفطرُ ويُطعمُ لكلِّ يومٍ مسكيناً كالفِطرة

(2)

، ويقضي

(3)

إن قَدَر.

وحامل، أو مرضع

(4)

إن

(5)

خافتا على أنفسِهما أو ولدِهما، أو مريضٌ خافَ زيادةَ مرضِه، والمسافرُ، أفطروا وقضوا بلا فديةٍ عليهم).

وقيل

(6)

: حلُّ الإفطارِ مختصٌ بمرضعةٍ أَجَّرَت نفسَها للإرضاع، ولا يحلُّ للوالدة إذ لا يجبُ عليها الإرضاع.

أقول: لو كان حلُّ الإفطارِ بناءً على وجوبِ الإرضاع، فعقدُ الإجارةِ لو كان قبلَ رمضان يحلُّ لها

(7)

الإفطار، لكن لو لم يكن قبل رمضان، بل تُؤجِّرُ نفسَها في رمضان ينبغي أن لا يحلَّ لها الإفطار إذ لا يجبُ عليها الإجارة إلاَّ إذا دعت الضَّرورةُ إليها

(8)

.

(1)

فانٍ: أي الهرم، المشرف على الموت. ينظر:«اللسان» (5: 3477).

(2)

أي كصدقة الفطر في المقدار، وقد مرَّت سابقاً.

(3)

أي الصوم؛ لبطلان حكم الفداء؛ لأن شرط الخلفية استمرار العجز. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 63/أ).

(4)

مرضع: هي التي من شأنها الارضاع وإن لم تباشره، والمرضعة: هي التي في حال الارضاع ملقمة ثديها الصبي. ينظر: «رد المحتار» (2: 116).

(5)

زيادة من ق.

(6)

ما ذكره الشارح بصيغة التمريض، وهو منقول عن «الذخيرة» ، ردَّه محققو المذهب، وأشار الشارح إلى ذلك في نهاية المسألة؛ لأن الإرضاع واجب على الأم ديانةً، ولا سيما إذا كان الزوج غير قادر على استئجار ظئر. ينظر:«فتح القدير» (2: 276)، و «الإيضاح» (ق 32/أ)، و «غنية ذوي الأحكام» (1: 208)، وغيرها.

(7)

زيادة من أ و ب و س.

(8)

ما بناه الشارح على مسألة «الذخيرة» ، قال اللكنوي عنه في «عمدة الوقاية» (1: 313): قد ردَّهُ كلُّ مَن نظرَ في كلامِهِ بأنَّ عقدَ الإجارةِ مباحٌ في كلِّ زمان، فإذا عقدتْ في رمضانَ بناءً على إباحتِها وجبَ عليها الإرضاعُ بناءً عليها، فيحلُّ لها الإفطار. ا. هـ.

ص: 243

وصومُ مسافرٍ لا يضرُّهُ أحبّ، ولا قضاءَ إن ماتَ في سفرِه، أو مرضِه، وإن صحّ، أو أقام، ثُمَّ مات، فَدَى عنه وليُّه بقدرِ ما فات عنه إن عاشَ بعد بقدرِه، وإلاَّ فبقدرِهما، وشُرِطَ لها الإيصاء، ويصحُّ من الثُّلُث. وفديةُ كلِّ صلاةٍ كصومِ يومٍ هو الصَّحيح، ويقضي رمضانَ وصلاً وفصلاً، فإن جاءَ رمضانٌ آخرُ صامَه، ثُمَّ قضى الأَوَّل بلا فدية، ولا يصومُ ولا يُصلِّي عنه وَلِيُّه. ويلزمُ صومُ نفلٍ شرعَ فيه أداءً، وقضاءً

أمَّا الوالدة، فلا يحلُّ لها الإفطار إلاَّ إذا تعيَّنت

(1)

، فحينئذٍ يجبُ عليها الإرضاع، فيحلُّ لها

(2)

الإفطار.

(وصومُ مسافرٍ لا يضرُّهُ أحبّ، ولا قضاءَ

(3)

إن ماتَ في سفرِه، أو مرضِه): أي لا تجبُ الفدية، (وإن صحّ، أو أقام، ثُمَّ مات، فَدَى عنه وليُّه بقدرِ ما فات عنه إن عاشَ بعد بقدرِه، وإلاَّ فبقدرِهما): أي بقدرِ الصِّحَّة والإقامة، فإنَّه إذا فاتت عشرةُ أيَّام، فأقامَ بعد رمضانَ خمسةَ أيَّام، ثُمَّ مات، أو صَحَّ بعد رمضان، خمسةَ أيَّام ثُمَّ ماتَ فعليه فديةُ خمسةِ أيَّام، (وشُرِطَ

(4)

لها الإيصاء، ويصحُّ من الثُّلُث

(5)

.

وفديةُ كلِّ صلاةٍ كصومِ يومٍ هو الصَّحيح)، وعند البعض

(6)

فديةُ صلاة يومٍ واحدٍ كفديةِ صومِ يوم.

(ويقضي رمضانَ وصلاً وفصلاً، فإن جاءَ رمضانٌ آخرُ صامَه، ثُمَّ قضى الأَوَّل بلا فدية)، وعند الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه تجبُ الفدية

(7)

، (ولا يصومُ ولا يُصلِّي عنه وَلِيُّه.

ويلزمُ صومُ نفلٍ شرعَ فيه أداءً، وقضاءً): أي يجبُ عليه إتمامُه، فإن أفسدَ فعليه

(1)

أي تعينت للإرضاع؛ لفقد الظئر، أو لعدم قدرة الزوج على استئجارها، أو لعدم أخذ الولد ثدي غيرها. ينظر:«الإيضاح» (ق 36/أ).

(2)

زيادة من أ و ب و س.

(3)

أي على صاحب العذر المبيح للإفطار إن مات في مرضه؛ لأنه لم يدرك عدة من أيام أخر. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 249).

(4)

أي شرط للفدية الإيصاء؛ لتجب على الوليِّ، وإلا تكون تبرعاً منه. ينظر:«العمدة» (1: 315).

(5)

أي من ثلث مال الموصي، حتى إذا زادت على الثلث لا تنفذ إلا بإجازة الورثة. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 63/أ).

(6)

وهو قول محمد بن مقاتل أولاً ثم رجع عنه. ينظر: «الجوهرة النيرة» (1: 144).

(7)

ينظر: «المنهاج» (1: 441)، و «أسنى المطالب» (1: 430)، «نهاية المحتاج» (3: 196)، وغيرها.

ص: 244

إلاَّ في الأيَّام المنهيَّة، ولا يفطرُ بلا عذرٍ في رواية، ويباحُ بعذرِ ضيافةٍ، ويمسكُ بقيَّةَ يومِه صبيٌّ بَلَغ، وكافرٌ أسلم، وحائضٌ طَهُرَت، ومسافرٌ قَدِم، ولا يقضي الأَوَّلان يومَهما، وإن أكلا فيه بعد النِيَّة، ولا ما مضى، نوى المسافرُ الفطر، ثُمَّ قَدِم، فنوى الصَّوم في وقتِها صحّ، وفي رمضان يجبُ عليه، كما يَجِبُ الإتمامُ على مقيمٍ سافرَ في يومٍ منه، لكن لو أفطرَ لا كفارةَ فيهما

القضاء، (إلاَّ في الأيَّام المنهيَّة)، وهي خمسةُ أيَّام: عيدُ الفطر، وعيدُ الأَضحى مع ثلاثةِ أيَّام بعده.

(ولا يفطرُ بلا عذرٍ في رواية)

(1)

: أي إذا شرعَ في صومِ التَّطوعِ لا يجوزُ له الإفطارُ بلا عذر؛ لأنَّه إبطالُ العمل، وفي روايةٍ أخرى

(2)

: يجوز؛ لأنَّ القضاءَ خَلَفُه، (ويباحُ بعذرِ ضيافةٍ): هذا الحكمُ يشملُ المُضيفَ والضَّيف.

(ويمسكُ

(3)

بقيَّةَ يومِه صبيٌّ بَلَغ، وكافرٌ أسلم، وحائضٌ طَهُرَت، ومسافرٌ قَدِم، ولا يقضي الأَوَّلان يومَهما، وإن أكلا فيه بعد النِيَّة، (ولا ما مضى)

(4)

): أي إذا حدث هذه الأمورُ في نهارِ رمضان يجبُ الإمساكُ بقيَّةَ اليوم؛ لحرمة رمضان، لكن لا قضاءَ على الصَّبيِّ الذي بَلَغ، والكافرِ الذي أسلم؛ لعدمِ الأهليةِ في أوَّلِ اليوم، فلم يجبُ الأداء، فلا يجبُ القضاء، وإن كان البلوغُ والإسلامُ قبل نصفِ النَّهار، فنويا الصَّوم ثُمَّ أكلا.

(نوى المسافرُ الفطر، ثُمَّ قَدِم، فنوى الصَّوم في وقتِها

(5)

صحّ، وفي رمضان يجبُ عليه)، الضَّميرُ في: وقتِها؛ يرجعُ إلى النِيَّة، وفي: صحَّ؛ يرجعُ إلى الصَّوم، (كما يَجِبُ الإتمامُ على مقيمٍ سافرَ في يومٍ منه

(6)

، لكن لو أفطرَ لا كفارةَ فيهما): أي في قدومِ المسافر، وسفرِ المقيم.

(1)

وهي ظاهر الرواية كما في «منح الغفار» (ق 166/أ)، وصححها الحصكفي في «الدر المنتقى» (1: 252) و «الدر المختار» (1: 121).

(2)

وهو رواية «المنتقى» ، واختارها صاحب «الفتح» (2: 280)، وقال: هي الأوجه. ونسب صاحب «الدر المختار» (1: 121) إلى تاج الشريعة وصدر الشريعة اختيار هذه الرواية، ويرده ظاهر الكلام.

(3)

أي وجوباً وهو الصحيح كما في «مجمع الأنهر» (1: 253).

(4)

ساقطة من أ و ب و س و ف.

(5)

أي في وقت النية، وهي ما قبل الزوال.

(6)

أي من رمضان؛ لأنَّ السَّفرَ لا يبيحُ الفطرَ، وإنِّما يبيحُ عدمَ الشُّروع، فإذا شَرَعَ فيه حالَ الإقامة، ثمَّ سافرَ لَزِمَ عليه إتمامُه. ينظر:«العمدة» (1: 317).

ص: 245

وقضى أيَّاماً أُغِميَ عليه فيها إلاَّ يوماً حَدَثَ فيه، أو فى ليلتِه، ولو جُنَّ كلَّه لم يقض، وإن أفاقَ بعضَه قَضَى ما مَضَى سواءٌ بلغَ مجنوناً، أو عاقلاً، ثُمَّ جُنَّ في ظاهرِ الرِّواية، نذرَ بصومِ يوميِّ العيد، وأيَّامِ التَّشريق، أو بصومِ السَّنةِ صحّ، وأفطرَ هذه

(وقضى أيَّاماً أُغِميَ عليه فيها إلاَّ يوماً حَدَثَ فيه

(1)

، أو فى ليلتِه)؛ لأنَّه إذا أُغِمي عليه

(2)

أيَّاماً لم توجدْ منه النِيَّةُ فيما عدا اليومَ الأَوَّل، أمَّا اليوم الأوَّلُ فالظَّاهرُ أنَّه قد نوى الصَّوم فيه، أقول: هذا

(3)

إذا لم يذكر أنَّه نوى، أم لا، أمَّا إذا عَلِمَ أنّه نوى فلا شكَّ في الصِّحَّة، وإن عَلِمَ أنَّه لم ينوِ فلا شكَّ في عدمِ الصِّحَّة.

(ولو جُنَّ كلَّه لم يقض، وإن أفاقَ بعضَه قَضَى ما مَضَى سواءٌ بلغَ مجنوناً، أو عاقلاً، ثُمَّ جُنَّ في ظاهرِ الرِّواية)

(4)

: الجنونُ إذا استغرقَ شهرَ رمضان، سقطَ الصَّوم، وإن لم يستغرقْ لا، بل يجبُ القضاء، ولا فرقَ في هذا بين ما إذا بلغَ مجنوناً أو بلغَ عاقلاً، ثُمَّ جنّ.

وعند محمَّدٍ رضي الله عنه: إذا بلغَ

(5)

لا يجبُ عليه الصَّوم مع أنَّه لا يكونُ مستغرِقاً

(6)

، فإنَّ الجنون إذا اتّصلَ بالصَّبيِّ لم يجبْ الصَّوم، فهذا الجنونُ يكونُ مانعاً، فيكفي للمنعِ الجنونُ الضَّعيف، وهو غيرُ المستغرق، أمَّا إذا جُنَّ البالغ، فإنَّهُ رافعٌ للصَّوم الواجب، فلا بُدَّ أن يكونَ جنوناً قويَّاً، وهو المستغرق

(7)

.

(نذرَ بصومِ يوميِّ العيد، وأيَّامِ التَّشريق، أو بصومِ السَّنةِ صحّ، وأفطرَ هذه

(1)

أي الإغماء.

(2)

زيادة من ب و س و م.

(3)

هذا؛ يشير فيها إلى: فالظاهر أنه قد نوى

(4)

وفي رواية أخرى أنه لو أفاق في ليلٍ أو نهارٍ بعد فوات وقت النية لا يلزمه القضاء، قال ابن عابدين في «رد المحتار» (2: 82) بعد ذكر من صحح كل رواية منهما: والحاصل أنها قولان مصححان، وأن المعتمد وجوب القضاء؛ لكونه ظاهر الرواية وعليه المتون.

(5)

أي بلغ الصبي وهو مجنون

(6)

أي لكل شهر رمضان.

(7)

فمحمّد رضي الله عنه فرق بين الجنون الأصلي وهو ما إذا بلغ وهو مجنون، والعارضي وهو ما إذا بلغ مفيقاً ثم جُنَّ، فألحق الأصلي بالصبي، وخصّ القضاء بالعارضي، واختاره بعض المتأخرين. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 253)، و «فتح باب العناية» (1: 591).

ص: 246

الأيَّام، وقضاها، ولا عُهدةَ إن صامَها، ثُمَّ إن لم ينوِ شيئاً، أو نوى النَّذر لا غير، أو نوى النَّذر ونوى أن لا يكون يميناً، كان نذراً فقط. وإن نوى اليمين ونوى أن لا يكون نذراً كان يميناً، وعليه كفارةُ يمين إن أفطر. وإن نواهما أو نوى اليمين، كان نذراً و يميناً، وعند أبي يوسف رضي الله عنه نذرٌ في الأَوَّل، ويمينٌ في الثَّاني

الأيَّام، وقضاها، ولا عُهدةَ

(1)

إن صامَها): فرَّقوا

(2)

بين النذر والشُّروع في هذه الأيَّام، فلا يلزمُ بالشُّروع؛ لأنَّه معصية، ويلزمُ بالنَّذرِ إذ لا معصيةَ في النَّذر.

(ثُمَّ

(3)

إن لم ينوِ شيئاً، أو نوى النَّذر لا غير، أو نوى النَّذر ونوى أن لا يكون يميناً، كان نذراً فقط.

وإن

(4)

نوى اليمين ونوى أن لا يكون نذراً كان يميناً، وعليه كفارةُ يمين

(5)

إن أفطر.

وإن نواهما أو نوى اليمين): أي من غيرِ أن ينفي النَّذر، (كان نذراً و

(6)

يميناً)، حتَّى لو أفطرَ يجبُ عليه القضاءُ للنَّذر، والكفارةُ لليمين، (وعند أبي يوسف رضي الله عنه نذرٌ في الأَوَّل، ويمينٌ في الثَّاني)، المرادُ بالأَوَّلِ ما إذا نواهما، وبالثَّاني ما إذا نَوَى اليمين.

واعلم أنّ الأقسامَ ستّة:

ما إذا لم ينوِ شيئاً.

أو نوى كليهما.

أو نوى النَّذْرَ بلا نفي اليمين.

(1)

أي لا قضاء عليه؛ لأن أدّاه كما التزمه، فإن ما وجب ناقصاً يجوز أن يتأدى ناقصا. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 254).

(2)

وجه الفرق أن المنهي عنه هو الصومُ في تلك الأيام، فإذا شرعَ فيها متطوعاً صارَ مرتكباً للمنهي عنه بمجردِ الشُّروع، فلا يجبُ اتمامُه، بل إبطاله والنذرُ ليس بمعصيةٍ في نفسه، إنِّما المعصيةُ في الصَّوم، فيلزمُ النَّذر ويجبُ الفطرُ فيها، ويلزمُ القضاءُ بناءً على صحَّة النذر. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 318).

(3)

أي إذا نذر ولم ينو شيئاً

(4)

أي إن نذر ونوى اليمين

(5)

كفارة اليمين: وهي تحريرُ رقبة، أو كسوة عشرةِ مساكين، أو إطعامهم. ينظر:«مختصر القدوري» (ص 101).

(6)

في أ و ب و ج و س و ق: أو.

ص: 247

....................................................................................................................

أو مع نفيه.

أو نوى اليمينَ بلا نفي النذر.

أو مع نفيه.

ففي «الهداية»

(1)

جعلَ اليمينَ معنى مجازياً، والعلاقةُ بين النَّذرِ واليمين: أنَّ النَّذر إيجابُ المباح، فيدلُّ على تحريمِ ضدِّه

(2)

، وتحريمَ الحلالِ يمين؛ لقوله تعالى

(3)

: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}

(4)

.

فإذا كان اليمينُ

(5)

معنى مجازياً يَرِدُ عليه أنَّه يلزمُ الجمع بين الحقيقةِ والمجاز، فلدفعِ هذا قيل في كتب أصولنا

(6)

: ليس اليمينُ معنى مجازياً، بل هذا الكلامُ نذرٌ بصيغتهِ يمين عُيِّن

(7)

بموجِبِه، والمرادُ بالموجِب: اللازم، كما أنَّ شراء القريب

(8)

شراء

(9)

بصيغته، إعتاقٌ بموجبِه.

(1)

الهداية» (1: 131).

(2)

أي تحريم الحلال.

(3)

ففي الآية استدلال على أن معنى اليمين هو تحريم الحلال لِمَا روي عن عائشة: (أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يمكثُ عند زينب بنت جحش فيشربُ عندها عسلاً، قالت: فتواصيتُ أنا وحفصة أن أَيَّتُنَا ما دخلَ عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إنِّي أجدُ منك ريح مغافير، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما، فقالت ذلك له، فقال: بل شربتُ عسلاً عند زينب بنت جحش، ولن أعودَ له فنَزل {لِمَ تُحَرِمْ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} إلى قوله:{إِنْ تَتوبَا} لعائشة وحفصة

) في «صحيح البخاري» (4: 1865)، و «صحيح مسلم» (2: 1100).

(4)

التحريم، (1،2)، وتمامها:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْس} .

(5)

أي في إطلاق صيغة النذر معنى مجازياً

(6)

وتفصيل هذا البحث في «كشف الأسرار» (2: 59)، و «التوضيح» (1: 91 - 92)، و «التلويح» (1: 92)، و «حاشية الفنري» (1: 334)، و «حاشية ملا خسرو» (1: 334)، وغيرها.

(7)

زيادة من م.

(8)

القريب المقصود هو الأصل وإن علا والفرع وإن سفل، فإن شرى من هؤلاء بأن كان عبداً فإنه يعتق عليه

(9)

ساقطة من س، وفي ص و م: شرى.

ص: 248

وتفريقُ صومِ السِتَّةِ في شوالٍ أبعدُ عن الكراهة، والتَّشبُّهِ بالنَّصارى.

‌باب الاعتكاف

الاعتكافُ سنّةٌ مؤكَّدة: وهو لَبْثُ صائِمٍ في مسجدِ جماعة بنيَّتِه. وأقلُّهُ يومٌ، فيقضى مَن قطعَه فيه بعد الشُّروع فيه يوماً

فيخطرُ ببالي أن اليمينَ لو كانت موجبةً لثبتَ بلا نيَّة، كشراء القريب، بل هي معنى مجازي.

فالجوابُ عن الجمعِ بين الحقيقةِ والمجاز: إن الجمعَ بينهما في الإرادة لا يجوز، وهاهنا ليس كذلك، فإنَّ النَّذرَ لا يثبتُ بإرادتِه بل بصيغتِه، فإنَّ صيغتَه إنشاءٌ للنَّذر، فيثبتُ سواءٌ أرادَ أو لم يُرِدْ ما لم ينوِ أنَّه ليس بنذر، أمَّا إذا نوى أنَّه ليس بنذرٍ يُصَدَّقُ فيما بينَه وبين اللهِ تعالى، فإن هذا أمرٌ لا مدخلَ فيه لقضاءِ القاضي، والمعنى المجازي يثبتُ بإرادتِه، فلا جمعَ بينهما في الإرادة.

(وتفريقُ

(1)

صومِ السِتَّةِ في شوالٍ أبعدُ عن الكراهة، والتَّشبُّهِ بالنَّصارى).

باب الاعتكاف

(الاعتكافُ سنّةٌ مؤكَّدة

(2)

: وهو لَبْثُ

(3)

صائِمٍ في مسجدِ جماعة بنيَّتِه. وأقلُّهُ يومٌ، فيقضى مَن قطعَه فيه (بعد الشُّروع فيه)

(4)

يوماً

(5)

): أي إذا شرعَ في الاعتكافِ فقطعَه قبل تمامِ يومٍ وليلة، فعليه القضاءُ خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه، فإنَّ أقلَّهُ ساعةٌ

(6)

عنده

(7)

، وقد حصلت.

(1)

في «الغرر» (1: 212)، و «التنوير» (2: 151): ندب تفريق صوم الستة في شوال

(2)

حقَّق اللكنوي في «الانصاف في حكم الاعتكاف» (ص 41 - 42): إن الاعتكاف في نفسه مستحب، ويجب بالنذر وغيره، وهو سنة مؤكدةٌ كفاية في العشر الأواخر من رمضان على سبيل الاستيعاب.

(3)

لبث: بفتح اللام وتضم: أي المكث. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 589).

(4)

زيادة من ت.

(5)

زيادة من ت و م.

(6)

الساعة في عرف الفقهاء وهي جزء من الزمان، وليس لها حد معين، حتى لو دخل المسجد ونوى الاعتكاف إلى أن يخرج منه صح. ينظر:«درر الحكام» (1: 213).

(7)

وهو ظاهر الرواية عن الإمام؛ لبناء النفل على المسامحة، وبه يفتى. ينظر:«درر الحكام» (1: 213). «الدر المختار» (1: 131)، و «الدر المنتقى» (1: 256)، و «حاشية الطحطاوي» (1: 474).

ص: 249

ولا يخرجُ منه إلاَّ لحاجةِ الإنسان، أو لجمعةٍ وقتَ الزَّوال، ومَن بَعُدَ مَنْزِلُهُ عنه فوقتاً يدركُها، ويصلِّي السُّننَّ على الخلاف، ولا يفسدُ بمكثِهِ أكثرَ منه. فلو خرجَ منه ساعةً بلا عذرٍ فسد، ويأكلُ ويشربُ وينامُ ويبيعُ ويشتري فيه بلا إحضارِ مبيعٍ لا غيره، ولا يصمُت، ولا يتكلَّم إلاَّ بخير. ويبطلُهُ الوطء ولو ليلاً، أو ناسياً، ووطؤه في غيرِ فرج، أو قُبْلةٌ، أو لمسٌ إن أَنْزَلَ وإلاَّ فلا، وإن حَرُم. والمرأةُ تعتكفُ في بيتِها. نذرَ اعتكافَ أيَّامٍ لزمَهُ بلياليها ولاءً بلا شرطِه، وفي يومين بليلتِهما، وصحَّ نيَّةُ النَّهار خاصة

(ولا يخرجُ منه إلاَّ لحاجةِ الإنسان

(1)

، أو لجمعةٍ وقتَ الزَّوال، ومَن بَعُدَ مَنْزِلُهُ عنه فوقتاً يدركُها

(2)

، ويصلِّي السُّننَّ على الخلاف)، وهو أن يصلِّي قبلَها أربعاً، وفي روايةٍ

(3)

: ستِّاً: ركعتينِ تحيَّةَ مسجد

(4)

، وأربعاً سنةً، وبعدَها أربعاً عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وستِّاً عندهما، (ولا يفسدُ بمكثِهِ أكثرَ منه

(5)

.

فلو خرجَ منه ساعةً بلا عذرٍ فسد، ويأكلُ ويشربُ وينامُ ويبيعُ ويشتري فيه بلا إحضارِ مبيعٍ لا غيره): أي لا يفعلُ غيرُ المعتكفِ هذه الأفعالِ في المسجد، (ولا يصمُت

(6)

، ولا يتكلَّم إلاَّ بخير.

ويبطلُهُ الوطء ولو ليلاً، أو ناسياً، ووطؤه في غيرِ فرج، أو قُبْلةٌ، أو لمسٌ إن أَنْزَلَ وإلاَّ فلا، وإن حَرُم.

والمرأةُ تعتكفُ في بيتِها.

نذرَ اعتكافَ أيَّامٍ لزمَهُ بلياليها ولاءً بلا شرطِه، وفي يومين بليلتِهما، وصحَّ نيَّةُ النَّهار خاصة).

* * *

(1)

أي كالطهارة ومقدِّماتها. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 256).

(2)

أي من بعد منْزله عن الجامع يخرج في وقت يمكن إدراكها. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 64/ب).

(3)

وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 256).

(4)

زيادة من ف و م.

(5)

أي في المسجد الجامع بعد الجمعة والسنن

(6)

المراد به صمت يعتقده عبادة، وأما الصمت للاستراحة فغير مكروه. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 65/أ)، و «شرح ملا مسكين» (ص 73).

ص: 250

‌كتاب الحجّ

يَجِبُ على كلِّ حُرٍّ مسلمٍ مكلَّف صحيحٍ بصيرٍ، له زادٌ وراحلة، فضلاً عمَّا لا بُدَّ منه، وعن نفقةِ عيالِهِ إلى حين عودِه، مع أَمنِ الطَّريقِ، والزَّوج، أو

كتاب الحج

اعلم أنَّ الحجَّ

(1)

فريضةٌ يَكْفُرُ جاحدُهُ لكن أَطْلَقَ عليه لفظَ الوجوب، وأرادَ الفريضةَ حيث، قال:

(يَجِبُ على كلِّ حُرٍّ مسلمٍ مكلَّف صحيحٍ

(2)

بصيرٍ، له زادٌ

(3)

وراحلة

(4)

، فضلاً عمَّا لا بُدَّ منه

(5)

، وعن نفقةِ عيالِهِ إلى حين عودِه، مع أَمنِ الطَّريقِ، والزَّوج، أو

(1)

الحجُّ: في اللغة:: القصد على لسان الأكثر، وقيل: هو القصد إلى المعظم في النظر. ويطلق شرعاً على: زيارة مكان مخصوص لأداء أعمال مخصوصة في زمن مخصوص. ولكن الباعث على الحج الشوق الخالص إلى ثواب الله تعالى ومرضاته على قدر الفهم والتحقيق بمشاهدة آياته وبيناته حيث جعله الله تعالى سبحانه مثابة للعالمين وملجاً للخائفين ومنجاة للآئذين. فالحج يُكَفِّرُ الصغائر والكبائر ما لم تكن من حقوق الله التي يمكن قضاؤها كترك الصلاة والصوم، وحقوق العباد العباد كقتل النفس وأخذ مال الناس ظلماً. ينظر:«الحج الأوفر في الحج الأكبر» (ص 3) للقاري، و «تحقيق الخلاف في أن الحج هل يكفر الكبائر أم لا» ، و «أنوار الحجج في اسرار الحج» (ص 102 - 103)، و «هبة الفتاح» (ص 231).

(2)

المراد من الصحة سلامةُ البدن عن الآفات المانعة عن القيام بما لا بدَّ منه في سفر الحجّ، فلا يفرضُ على مقعدٍ، وزَمِن، ومفلوج، ومقطوع الرجلين، ولا على المريض، والشيخ الفاني الذي لا يثبت نفسه على الراحلة عند الإمام، فهو شرط وجوب عنده، وعندهما شرط أداء. وقوله هو الأصح ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 260 - 261)، واختار ابن الهمام في «فتح القدير» (2: 327) قولهما.

(3)

زاد: وهو طعام يتخذ لأجل السفر. ينظر: «رشحات الأقلام شرح كفاية الغلام» (ص 87).

(4)

راحلة: المركب من الإبل، والمراد بها المركب مطلقاً، ولو بالكراء على حسب ما يليق به. ينظر:«رشحات الأقلام» (ص 87).

(5)

أي من مسكنه وخادمه وفرسه وسلاحه وثيابه وأثاثه وآلات حِرفته، وقضاء دينه

ينظر: «فتح باب العناية» (1: 603).

ص: 251

المحرمِ للمرأةِ إن كان بينَها وبين مكَّة مسيرةُ سفرٍ في العمرِ مرَّةً على الفور

المحرمِ

(1)

للمرأةِ إن كان بينَها وبين مكَّة مسيرةُ سفرٍ

(2)

في العمرِ مرَّةً على الفور

(3)

)، هذا عند أبي يوسف رضي الله عنه.

وأما عند محمَّد رضي الله عنه فعلى التَّراخي.

فزعمَ بعضُ المُتأخِّرين أن هذا الخلافَ بينَهما مبنيٌّ على أنَّ الأمرَ المطلقَ عند أبي يوسف رضي الله عنه للفور، وعند محمَّدٍ لا، وهذا غيرُ صحيح؛ لأنَّ الأمرَ المطلق

(4)

لا يوجبُ الفورَ باتِّفاقٍ بينهما

(5)

، فمسألةُ الحجِّ مسألةٌ مبتدأة

(6)

:

فقال أبو يوسف رضي الله عنه: وجوبُهُ

(7)

بالفورِ احترازٌ عن الفوت، حتَّى إذا أتى به بعد العامِ الأَوَّل كان أداءً عنده.

وعند محمَّد رضي الله عنه وجوبُهُ على التَّراخي بشرطِ أن لا يفوتَ حتَّى لو لم يؤدِّ في العامِ الأَوَّل، (وأدَّى في الثَّاني والثَّالث يكون آداءً إتِّفاقاً، ولو لم يؤدِّ)

(8)

، ومات يكون آثماً اتِّفاقاً.

أمَّا عند أبي يوسف رضي الله عنه فظاهر.

وأمَّا عند محمَّد رضي الله عنه؛ فلأنَّه فاتَ عن العامِ الأَوَّل، وعدمُ فوتِهِ في العمرِ مشكوك، فيكون آثماً إثماً موقوفاً، فإن أدَّى بعد ذلك يرتفعُ الإِثْمُ عنده، وعند أبي يوسف لا يرتفعُ الإثمُ للتَّأخير.

(1)

المحرم: من لا يحل له نكاحها على التأبيد بقرابة، أو رضاع، أو مصاهرة، سواء كان مسلماً أو كافراً إلا أن يكون مجوسياً أو فاسقاً لا يؤمن من الفتنة أو صبياً، أو مجنوناً. ينظر:«المحيط» (ص 32)، و «التبيين» (2: 6)، و «لباب المناسك وعباب السالك» (ص 3)، و «تقريرات الرافعي» (ص 157).

(2)

وهو ثلاثة أيام ولياليها، ولا اعتبار للفراسخ على المذهب وإنما الاعتبار للمراحل. وقد فصلت ذلك في صلاة المسافر.

(3)

أي هو الاتيان به في أول أوقات الإمكان، وأما التراخي فليس معناه تعين التأخير، بل بمعنى عدم لزوم الفور. والفور هو أصح الروايتين عند الإمام. ينظر:«رد المحتار» (2: 140).

(4)

زيادة من أ و ب و س.

(5)

قال الشارح في «التنقيح» (1: 389 - 390): أما المطلق فعلى التراخي؛ لأن الأمر جاء للفور، وجاء للتراخي، فلا يثبت الفور إلا بالقرينة، وحيث عدمت يثبت التراخي لا أن الأمر يدل عليه

(6)

أي ليست مبنيَّةً على الخلافِ في الأمرِ المطلق. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 323).

(7)

زيادة من أ و ب و س.

(8)

ساقطة من ص و ف و م.

ص: 252

فلو أحرمَ صبيٌّ فبلغ، أو عبدٌ فعتق، فمضى لم يؤدِّ فرضَه، فلو جدَّد الصَّبيُّ إحرامَهُ للفرضِ ثُمَّ وقفَ جازَ عنه بخلاف العبد، وفرضُهُ: الإحرام، والوقوفُ بعرفة، وطوافُ الزِّيارة. وواجبُهُ: وقوفُ جَمْع، والسَّعيُ بين الصَّفا والمَرْوَة، ورميُ الجِمَار، وطوافُ الصَّدَر للآفاقي، والحَلْق.

فثمرةُ الخلاف أنَّه إن أدَّى بعد تمام

(1)

العامِ الأَوَّلِ يأثمُ بالتأخير عند أبي يوسف رضي الله عنه خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه.

(فلو أحرمَ صبيٌّ فبلغ، أو عبدٌ فعتق، فمضى لم يؤدِّ فرضَه، فلو جدَّد الصَّبيُّ إحرامَهُ للفرضِ ثُمَّ وقفَ جازَ عنه بخلاف العبد)؛ لأنَّ إحرامَ الصَّبيِّ لم يكن لازماً؛ لعدم الأهليَّة

(2)

، واحرامَ العبدِ لازم، فلا يمكِنُهُ الخروجُ عنه بالشُّروعِ في غيرِه.

(وفرضُهُ:

الإحرام

(3)

، والوقوفُ بعرفة

(4)

، وطوافُ الزِّيارة

(5)

.

وواجبُهُ:

وقوفُ جَمْع)، وهو المُزْدَلِفَة

(6)

، (والسَّعيُ بين الصَّفا والمَرْوَة، ورميُ الجِمَار

(7)

، وطوافُ الصَّدَر

(8)

للآفاقي

(9)

، والحَلْق.

(1)

زيادة من ف.

(2)

أي لعدم أهلية اللزوم عليه؛ ولذا لو أحصر الصبي وتحلل لا دم عليه ولا قضاء ولا جزاء عليه لارتكاب المحظورات. ينظر: «فتح القدير» (2: 332 - 333).

(3)

وهو النية والتلبية وما يقوم مقامهما، وهو شرط ابتداءً، وله حكم الركن انتهاءً حتى لم يجز لفائت الحج استدامته؛ ليقضي به من قابل. ينظر:«لباب المناسك» (ص 4)، و «الدر المختار» (2: 147).

(4)

أي الحضور ولو ساعة منذ زوال يوم عرفة إلى طلوع فجر النحر ركنٌ. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 263).

(5)

ويسمَّى طواف الركن، أو طواف الحج، أو طواف الإفاضة، ويتأدى ركنه بأربعة أشواط. ينظر:«الدرر الحسان في أحكام الحج والعمرة» (ص 22 - 23).

(6)

المُزْدَلِفة: وهي عَلَمٌ على البُقعَةِ لا يَدْخُلُهَا أَلِفٌ وَلامٌ إلاَّ لَمْحًا للصِّفَةِ في الأَصْلِ كَدُخُولِهَا فِي الحَسَنِ والعَبَّاس، وازْدَلَفَ السَّهْمُ إلى كذا اقْتَرَب، فلاقْتِرَابِهَا إلَى عَرَفَاتٍ وَأَزْلَفْتُ الشَّيْءَ جَمَعْته، وقيل: سُمِّيَتْ مُزْدَلِفَةُ من هذا لاجْتماعِ النَّاسِ بها. ينظر: «المصباح المنير» (ص 255).

(7)

الجِمار: جَمْعُ جَمْرَةٍ، وهي الحِجَارَةُ مثلُ الحَصَى. ينظر:«طلبة الطلبة» (ص 33).

(8)

ويسمَّى طواف الوداع، وهو طواف البيت عند الرجوع إلى مكانه. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 264).

(9)

للآفاقي: من آفاق السماء والأرض، واحده أُفِقٌ: وهي نَوَاحِيهَا، وَقَوْلُهُمْ وَرَدَ آفَاقِيَّ مَكَّةَ يَعْنُونَ به مَن هو خَارِجَ المَوَاقِيت، وَالصَّوَابُ أُفُقِيٌّ. ينظر:«المغرب» (ص 27).

ص: 253

وغيرُها سننٌ وآداب. وأشهرُهُ: شوال، وذو القعدة، وعشرُ ذي الحِجَّة، وكُرِه إحرامُهُ له قبلَها. والعمرةُ سُنَّةٌ: وهي طواف، وسعيّ، ولا وقوفَ لها، وجازَت في كلِّ السَّنَة، وكُرِهَتْ في يومِ عرفة وأربعةٍ بعده. وميقاتُ المُدنيِّ: ذو الحُلَيفة، والعراقيِّ ذاتُ عِرق، والشَّامِي جُحفة، والنَّجديُّ قَرْن، واليَمَنيُّ يَلَمْلَم. وحَرُمَ تأخيرُ الإحرامِ عنها لِمَن قصدَ دخولَ مكَّة لا التَّقديم. وحلَّ لأهلِ داخلِها دخولُ مكَّةَ غيرَ مُحْرِم، فميقاتُهُ الحلّ

وغيرُها سننٌ وآداب.

وأشهرُهُ: شوال، وذو القعدة، وعشرُ ذي الحِجَّة، وكُرِه إحرامُهُ له قبلَها.

والعمرةُ سُنَّةٌ: وهي طواف، وسعيّ، ولا وقوفَ لها

(1)

، وجازَت في كلِّ السَّنَة، وكُرِهَتْ في يومِ عرفة وأربعةٍ بعده.

وميقاتُ المُدنيِّ: ذو الحُلَيفة

(2)

، والعراقيِّ ذاتُ عِرق، والشَّامِي جُحفة

(3)

، والنَّجديُّ قَرْن

(4)

، واليَمَنيُّ يَلَمْلَم

(5)

.

وحَرُمَ تأخيرُ الإحرامِ عنها

(6)

لِمَن قصدَ دخولَ مكَّة لا التَّقديم.

وحلَّ لأهلِ داخلِها

(7)

دخولُ مكَّةَ غيرَ مُحْرِم

(8)

، فميقاتُهُ الحلّ): أي مَن هو داخلٌ المواقيت

(9)

، لكنَّه خارجَ مكَّة، فميقاتُهُ الحلّ، أي خارجَ الحرم.

(1)

أي ليس فيها وقوف بعرفةٍ، ولا مزدلفة، ولا رواح الى منى. كما في «العمدة» (1: 325).

(2)

ذو الحُلَيفَة: وتسمى الآن: آبار علي: فيما اشتهر لدى العامة، وهي قرية قرب المدينة المنورة على بعد (7 كم) من مكة المكرمة. ينظر:«الدرر الحسان» (ص 20)، و «الموسوعة الكويتية» (2: 146).

(3)

جُحفة: وهي قرية على بعد (220 كم) من مكَّة المكرمة. ويحرمُ الحجاج من رابِغ، وتقع قبل الجُحْفة إلى جهة البحر، فالمحرم من رابغ محرمٌ قبل الميقات. وقد قيل: إن الإحرام منها أحوطُ؛ لعدم التَّيقنِ بمكانِ الجُحفة. ينظر: «الدرر الحسان» (ص 20)، و «الموسوعة الكويتية» (2: 146).

(4)

قَرْن: قَرْن المنازل: وهو اسم جبل يطل على عرفات، وتسمَّى اليوم السَّيل: وهو على بعد (94 كم) من مكَّة المكرمة. ينظر: «الدرر الحسان» (ص 20)، و «الموسوعة الكويتية» (2: 146).

(5)

يَلَمْلَم: اسم جبل على بعد (94 كم) من مكة المكرمة. ينظر: «الدرر الحسان» (ص 21).

(6)

أي عن مواقيت الإحرام.

(7)

أي داخل الميقات وخارج مكة المكرمة.

(8)

لأنه يكثر دخوله فيها للحاجة، وفي إيجاب الإحرام كلّ مرّة حرج. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 66/أ).

(9)

في م: الميقات.

ص: 254

ولِمَن سكن بمكَّة للحجِّ الحرم، وللعمرةِ الحلّ.

‌باب الإحرام

ومَن شاءَ إحرامَهُ توضَّأ، وغسلُهُ أحبّ، ولَبِسَ إزاراً ورداءً طاهرين، وتطيَّبَ وصلَّى شفعاً. وقال المفردُ بالحجّ: اللَّهُمَّ إنِّي أريدُ الحجَّ فيسرْهُ لي، وتقبلْهُ منِّي، ثُمَّ لَبَّى ينوي به الحجّ، وهي: لبيكَ اللَّهُمَّ لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لك والملك، لا شريكَ لك، ولا يُنْقِصُ منها، وإن زادَ جاز. وإذا لَبَّى ناوياً فقد أحرم، فيتَّقي الرَّفثَ، والفسوقَ، والجدالَ

(ولِمَن سكن

(1)

بمكَّة للحجِّ الحرم، وللعمرةِ الحلّ)؛ لأنَّ الحجَّ في عرفات، وهي في الحلّ، فإحرامُهُ من الحرم، والعمرةُ في الحرم، فإحرامُهُ من الحلّ؛ ليتحقَّقَ نوعُ سفر.

[بابُ الإحرام]

(2)

(ومَن شاءَ إحرامَهُ توضَّأ، وغسلُهُ أحبّ، ولَبِسَ إزاراً ورداءً

(3)

طاهرين، وتطيَّبَ وصلَّى شفعاً

(4)

.

وقال المفردُ بالحجّ: اللَّهُمَّ إنِّي أريدُ الحجَّ فيسرْهُ لي، وتقبلْهُ منِّي، ثُمَّ لَبَّى ينوي به الحجّ، وهي: لبيكَ اللَّهُمَّ لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لك والملك، لا شريكَ لك، ولا يُنْقِصُ منها، وإن زادَ جاز.

وإذا لَبَّى ناوياً فقد أحرم، فيتَّقي الرَّفثَ، والفسوقَ، والجدالَ).

الرَّفث: الجماع، أو الكلامُ الفاحش، أو ذِكْرُ الجماعِ بحضرةِ النِّساء، فقد رُوِيَ أنّ ابنَ عبَّاس لِمَّا أنشدَ قولَه:

وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيْسَاً

إِنْ يَصْدُق الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيْسَا

(1)

زيادة من أ و ب و س.

(2)

زيادة من م.

(3)

هذا بيانُ الأقلِّ الأفضل، وإلاَّ فلو اكتفى على واحد، أو لَبِس أكثر جاز، والشرطُ هو الاجتنابُ عن المخيط. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 326).

(4)

شفعاً: أي ركعتين عند إحرامه. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 626).

ص: 255

وقتلَ صيدِ البَرِّ لا البحر، والإشارةَ إليه، والدَّلالةَ عليه، والتَّطيب، وقَلْمَ الإظفار، وسترَ الوجهِ والرَّأس، وغسلَ رأسِهِ ولحيتِه بالخِطْمِي، وقَصَّها، وحلقَ رأسِه وشعرِ بدنِه، ولُبْسَ قميصٍ وسراويل، وقباءٍ وعِمامة، وقَلَنْسُوة، وخُفَّين، وثوباً صُبِغ بما له طِيِبٌ إلاَّ بعد زوالِ طيبه، لا الاستحمام، والاستضلالَ ببيتٍ ومَحمِل، وشدَّ

قيل له: أترفُثُ وأنت محرم، فقال (ابن عبَّاس)

(1)

: إنِّما الرَّفثُ ما خُوطِبَ به النِّساء

(2)

.

والضِّميرُ في هُنَّ يرجعُ إلى الإبل، والهَمِيس: صوتُ نَعْلِ أخفافِها، واللَمِيسُ اسمُ جارية، والمعنى نفعلُ بها ما نريدُ إن يَصْدُقَ الفَأْل

(3)

.

والفسوقُ: هي المعاصي.

والجِدالُ: أن يجادلَ رفيقَه، وقيل: مجادلةُ المشركين في تقديم وقتِ الحجِّ وتأخيره.

(وقتلَ صيدِ البَرِّ لا البحر، والإشارةَ إليه، والدَّلالةَ عليه، والتَّطيب، وقَلْمَ الإظفار وسترَ الوجهِ والرَّأس، وغسلَ رأسِهِ ولحيتِه بالخِطْمِي، وقَصَّها، وحلقَ رأسِه وشعرِ بدنِه، ولُبْسَ قميصٍ وسراويل، وقباءٍ وعِمامة، وقَلَنْسُوة

(4)

، وخُفَّين

(5)

، وثوباً صُبِغ بما له طِيِبٌ إلاَّ بعد زوالِ طيبه، لا

(6)

الاستحمام، والاستضلالَ ببيتٍ ومَحمِل): المَحمِل بفتح الميم الأولى

(7)

، وكسر الثَّانية

(8)

، وعلى العكس

(9)

: الهَوْدَجُ الكبير

(10)

، (وشدَّ

(1)

زيادة من م.

(2)

ورد هذا الأثر في «مصنف ابن أبي شيبة» (3: 310)، واللفظ له، و «سنن البيهقي الكبرى» (5: 67): عن أبي العالية عن ابنِ عبَّاس رضي الله عنه، قال تمثَّل هذا البيت: وهو محرم، قال:

إِنْ يَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيْسَا

وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيْسَاً

قال: فقيل له: تقول هذا وأنت محرم، فقال: إنِّما الفجشُ ما روجعَ به النِّساء وهم محرومون. اهـ.

(3)

الفأْل: بسُكُونِ الهمزة ويجوزُ التَّخْفِيفُ: هُوَ أَنْ تَسْمَعَ كلاماً حَسَنًا فَتَتَيَمَّنَ به، وإنْ كَانَ قَبِيحًا فَهُوَ الطِّيَرَةُ، وَجَعَلَ أَبُو زَيْدٍ الفأْلَ فِي سَمَاعِ الكلاميْنِ، وَتَفَاءَلَ بِكَذَا تَفَاؤُلاً. ينظر:«المصباح» (ص 485).

(4)

زيادة من أ و ب س.

(5)

إلا أن لا يجد نعلين، فيقطع أسفل من الكعبين. ينظر:«درر الحكام» (1: 223).

(6)

أي لا يتَّقي.

(7)

في أ و ب و س و ص و ف: الأول.

(8)

في أ و ب و س و ص و ف: الثاني.

(9)

أي بكسر الميم الأولى وفتح الميم الثانية.

(10)

ينظر: «المغرب» (ص 130).

ص: 256

هِمْيان في وسطِه، وأكثرَ التَّلْبيةَ متى صلَّى، أو علا شرفاً، أو هَبَطَ وادياً، أو لَقِيَ رُكْباناً، أو أسحر. وإذا دَخَلَ مكَّةَ بدأ بالمسجد، وحين رأى البيتَ كَبَّرَ وهلَّل، ثُمَّ استقبلَ الحَجَرَ الأسودَ، وكبَّرَ وهَلَّل، يرفعُ يديه كالصَّلاة واستلمَه، إن قَدِرَ غير مؤْذ وإلاَّ يُمِسُّ شيئاً في يدِه، ثُمَّ قبَّلَه، وإن عَجَزَ عنهما استقبلَه، وكبَّرَ وهلَّل، وحَمِدَ الله تعالى، وصلَّى عليه وسلم، وطافَ طوافَ

هِمْيان

(1)

في وسطِه): يعني الهِمْيان مع أنه مَخِيطٌ لا بأسَ بشدِّه على حِقْوِه

(2)

.

(وأكثرَ التَّلْبيةَ

(3)

متى صلَّى، أو علا شرفاً، أو هَبَطَ وادياً، أو لَقِيَ رُكْباناً، أو أسحر

(4)

.

وإذا دَخَلَ مكَّةَ بدأ بالمسجد

(5)

، وحين رأى البيتَ كَبَّرَ وهلَّل، ثُمَّ استقبلَ الحَجَرَ الأسودَ

(6)

، وكبَّرَ وهَلَّل، يرفعُ يديه كالصَّلاة واستلمَه): أي تناولَهُ باليد، أو بالقبلة، أو مسحَهُ بالكفّ، من السَّلِمة بفتحِ السِّين وكسرِ اللام وهي الحَجَر

(7)

، (إن قَدِرَ غير مؤْذ): أي من غيرِ أن يؤَذي مُسْلِماً ويزاحِمَه، (وإلاَّ يُمِسُّ شيئاً في يدِه، ثُمَّ قبَّلَه

(8)

، وإن عَجَزَ عنهما

(9)

استقبلَه، وكبَّرَ وهلَّل، وحَمِدَ الله تعالى، وصلَّى عليه وسلم، وطافَ طوافَ

(1)

هِمْيان: كيسٌ يجعلُ فيه النفقةُ ويشدُّ على الوسطِ، وجمعُهُ هَمَايين قال الأزهريّ: وهو معربٌ دخيلٌ في كلامهم. ينظر: «المصباح المنير» (ص 642).

(2)

حِقْوه: الخصر، ومشد الإزار من الجنب. ينظر:«اللسان» (2: 948).

(3)

أي ندباً. كما في «الدر المختار» (2: 164).

(4)

أي دخل في وقت السحر.

(5)

أي بأن لا ينْزل منْزلاً، ولا يزور أحداً، بل يقصد المسجد الحرام، ويكون بعد أن يأمن على أمتعته. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 76)، و «فتح الله المعين» (1: 474).

(6)

زيادة من س.

(7)

استلام الحجر الأسود لمسه بفمٍ أو يد، وقيل: هو استعمالٌ مأخوذٌ من السَّلِمة بكسر اللام بعد فتح السين، وهي الحجر، وجمعه السلام بكسر السين، كما يقال اكتحل: أي استعمل الكحل، فكذلك استلم: أي استعمل السَّلِمة. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 30)، و «العناية» (2: 450)، و «البحر» (2: 356).

(8)

أي يقبل الشيء. ينظر: «الدر المختار» (2: 166).

(9)

أي الاستلام والامساس. ينظر: «درر الحكام» (1: 222).

ص: 257

القدوم، وسُنَّ للآفاقيّ، وأخذَ عن يمينِه، فيبتدئُ ممِّا يلي الباب، جاعلاً رداءَه تحت إبطه اليمين مُلقياً طرفَه على كتفِهِ اليُسْرى، ووراءَ الحطيمِ سبعةُ أشواط

القدوم، وسُنَّ للآفاقيّ، وأخذَ عن يمينِه

(1)

، فيبتدئُ

(2)

ممِّا يلي الباب)، الضِّميرُ في يمينِهِ يرجعُ إلى الطَّائف، فالطَّائفُ المستقبلُ للحجر يكونُ يمينُه إلى جانبِ الباب، فيبتدئُ من الحجرِ ذاهباً إلى هذا الجانب، وهو المُلْتَزَمُ

(3)

أي ما بين الحجرِ إلى الباب، (جاعلاً رداءَه تحت إبطه اليمين مُلقياً طرفَه على كتفِهِ اليُسْرى).

وفي «المختصر»

(4)

: قلت: مضطبعاً، ومعنى الاضطباعِ هذا.

(ووراءَ الحطيمِ سبعةُ أشواط): الحَطِيمُ مشتقٌّ من الحَطْم، وهو الكسر، وهو موضعٌ فيه المِيزَاب

(5)

، سمِّيَّ بهذا؛ لأنَّه حُطِمَ من البيت: أي كُسِر، رُوِي عن عائشةَ رضي الله عنه أنَّها نَذَرت إن فَتَحَ اللهُ تعالى مكَّةَ على رسولِه صلى الله عليه وسلم أن تصلِّيَ في البيتِ ركعتين، فلمَّا فتحتْ مكَّةُ أَخَذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدِها وأدخلَها الحَطيم

(6)

، وقال: «صَلِّي هَاهُنَا فَإِنَّ الحَطِيمَ مِنَ البَيْتِ إِلاَّ أَنَّ قَوْمَكَ قَصُرَتْ بِهْم النَّفَقَةُ، فَأَخْرَجُوهُ مِنَ البَيْتِ، وَلَوْلَا حَدَثَانُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالجَاهِليَّةِ؛ لَنَقَضْتُ بِنَاءَ الكَعْبَةِ، وَأَظْهَرْتُ قَوَاعَدَ الخَلِيِلِ صلى الله عليه وسلم، وَأَدْخَلْتُ الحَطِيمَ فِي البَيْت

(1)

أي يجعل الكعبة عن يساره، وفي هذا نكت كثيرة: منها: كون القلب محله يسار الطائف فاستحبَّ أن يجعل ذلك إلى الكعبة. ينظر: «ظفر الأنفال بحواشي غاية المقال» للكنوي (ص 131).

(2)

زيادة من أ.

(3)

المُلْتَزَم: وهو ما بين باب الكعبة والحجرِ الأَسودِ؛ لأَنَّ النَّاس يَعْتَنِقُونَهُ: أَي يَضُمُّونَهُ إلى صُدُورِهِمْ. ينظر: «المصباح المنير» (ص 544).

(4)

أي «النقاية» (ص 62).

(5)

الْمِيزَابُ: المِثْقَبُ وجَمْعُهُ مآزِيبُ، وعن ابنِ السِّكِّيتِ قال الأَزْهَرِيُّ: ولا يقالُ الْمِزَابُ، ومَن تَرَكَ الْهَمْزَ قال في الْجَمْع: ميازيبُ وَمَوَازِيبُ: مِنْ وَزَبَ المَاءُ إذا سالَ. ينظر: «المعرب» (ص 25).

(6)

عن عائشة رضي الله عنه قالت: (كنت أحب أن أدخلَ البيتَ فأصلِّي فيه فأخذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني في الحجر، فقال: صلِّي في الحجر إذا أردت دخولَ البيتِ فإنما هو قطعة من البيت، فإن قومَك اقتصروا حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت) في «سنن أبي داود» (3: 225)، واللفظ له، و «سنن الترمذي» (2: 214)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 258

.....................................................................

وَأَلْصَقْتُ

(1)

العَتَبَةَ عَلَى الأَرْض، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْن، بَابَاً شَرْقِيَّاً، وَبَابَاً غَرْبِيَّاً، وَلِئنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لأَفْعَلَنَّ ذَلِكَ»

(2)

فلم يعشْ، ولم يتفرَّغْ لذلك الخلفاءُ الرَّاشدون حتَّى كان زمنُ عبدِ الله بن الزُّبَير

(3)

، وكان سَمِعَ الحديثَ منها، ففعلَ ذلك، وأظهرَ قواعدَ الخليل صلى الله عليه وسلم، وبنى البيتَ على قواعدِ الخليل صلى الله عليه وسلم بمحضرٍ من النَّاس، وأدخلَ الحَطيمَ في البيت.

فلمَّا قُتِلَ كَرِهَ الحجَّاجُ

(4)

أن يكونَ بناءُ البيتِ على ما فعلَهُ ابنُ الزُّبَير، فنقضَ بناءَ الكعبة، وأعادَهُ على ما كان في الجاهلية، فلمَّا كان الحطيمُ من البيتِ يطافُ وراءَ الحَطيم، حتَّى لو دَخَلَ الفرجةَ لا يجوز، لكن إن استقبلَ المصلِّي الحطيم وحدَه لا يجوز؛ لأنَّ فرضيَّةَ التَّوجُّه ثَبَتَ بنصِّ الكتاب، فلا يتأدَّى بما ثَبَت بخبرِ الواحدِ احتياطاً

(5)

، والاحتياطُ في الطَّواف أن يكونَ وراءَ الحَطيم.

(1)

في م: وألصقت.

(2)

عن عائشة رضي الله عنه قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيتَ، ثم لبنيتُهُ على أساس إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فإن قريشاً استقصرت بناءه وجعلت له خلفاً) أي: بابا، في «صحيح البخاري» (1: 59)، واللفظ له، و «صحيح مسلم» (2: 968)، و «صحيح ابن خزيمة» (4: 224)، و «سنن الدارمي» (2: 76)، و «المجتبى» (5: 215)، وغيرها.

(3)

وهو عبد الله بن الزُّبير بن العوام الأسَديّ، وأمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه، وهو أول مولود ولد للمهاجرين إلى المدينة بعد الهجرة، قال: الذهبي: أمير المؤمنين، وابن حواري الرسول صلى الله عليه وسلم، كان صواماً قواماً بطلاً شجاعاً فصيحاً مفوّهاً، (1 - 73 هـ). ينظر:«البداية والنهاية» (8: 332)، «تاريخ الخلفاء» (ص 211)، «مشاهير علماء الأمصار» (1: 30)، «مولد العلماء ووفياتهم» (1: 69)، «تاريخ اليعقوبي» (2: 255)، «روض المناظر» (ص 125).

(4)

وهو الحجاج بن يوسف بن الحكم الثَّقَفِيّ الطائفيّ، عامل عبد الملك بن مروان على العراق وخراسان، ثم الوليد، قال الذهبي: كان شجاعاً مقداماً مهيباً داهيةً فصيحاً مفوّهاً بلغياً سَفَّاكاً للدماء، (40 - 95 هـ). ينظر:«شذات الذهب» (1: 106)، «الفائق» (3: 110)، «البدء والتاريخ» (6: 28)، «التدوين في أخبار قزوين» (1: 123).

(5)

يشيرُ إلى أنَّ حكمَ عدم إجزاء التَّوجُّه إلى الحطيم وحدَه احتياطاً لا بمعنى أنه لا يتوجَّه إليه احتياطاً، فإن توجَّه جازَ، بل بمعنى أن عدمَ الجوازِ بُنِيَ على الاحتياط، فالاحتياطُ هو مبنى حكمُ عدمِ التأدي. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 331).

ص: 259

ورَمَلَ في الثَّلاثةِ الأُوَلِ فقط من الحجرِ إلى الحجر، وكُلَّمَا مرَّ بالحجرِ فعلَ ما ذُكِر، ويستلمُ الرُّكنَ اليَماني، وهو حسن، وخَتَمَ الطَّوافَ باستلامِ الحجر، ثُمَّ صلَّى شفعاً يَجِبُ بعد كلِّ أُسبوعٍ عند المقام أو غيرِهِ من المسجد، ثُمَّ عادَ واستلمَ الحجر، وخرجَ فصَعدَ الصَّفا، واستقبلَ البيت، وكبَّرَ وهلَّل، وصلَّى على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ورفعَ يديه ودعا بما شاء، ثُمَّ مشى نحو المروةِ ساعياً بين الميلينِ الأخضرين، وصَعَدَ عليها، وفعلَ ما فعلَهُ على الصَّفا، يفعلُ هكذا سَبْعاً، يبدأُ بالصَّفا، ويختمُ بالمروة

(ورَمَلَ في الثَّلاثةِ الأُوَلِ فقط من الحجرِ إلى الحجر): وهو أن يمشي سريعاً، ويهزَّ في مشيتِه الكتفينِ كالمُبارزِ بين الصَّفين، وذلك مع الاضطباع، وكان سببُهُ إظهارَ الجلادةَ للمشركين، حيث قالوا: أضناهم حمَّى يَثْرِب

(1)

، ثُمَّ بقي الحكمُ بعد زوالِ السَّبب في زمنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وبعدَه.

(وكُلَّمَا مرَّ بالحجرِ فعلَ ما ذُكِر

(2)

، ويستلمُ الرُّكنَ اليَماني

(3)

، وهو حسن، وخَتَمَ الطَّوافَ باستلامِ الحجر، ثُمَّ صلَّى شفعاً يَجِبُ بعد كلِّ أُسبوعٍ

(4)

عند المقام أو غيرِهِ من المسجد، ثُمَّ عادَ واستلمَ الحجر.

وخرجَ فصَعدَ الصَّفا، واستقبلَ البيت، وكبَّرَ وهلَّل، وصلَّى على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ورفعَ يديه ودعا بما شاء، ثُمَّ مشى نحو المروةِ ساعياً بين الميلينِ الأخضرين، وصَعَدَ عليها، وفعلَ ما فعلَهُ على الصَّفا، يفعلُ هكذا سَبْعاً، يبدأُ بالصَّفا، ويختمُ بالمروة): أي السَّعيُّ من الصَّفا إلى المروةِ شوط، ثُمَّ من المروةِ إلى الصَّفا شوطٌ آخر، فيكونُ بدايةُ السَّعي من الصَّفا، وختمُه، وهو السَّابعُ على المروة.

(1)

عن ابن عباس رضي الله عنهم، قال:(قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقد وهنهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الرُّكنين ولم يمنعه أن يأمرَهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم) في «صحيح البخاري» (4: 1553)، واللفظ له، و «صحيح مسلم» (2: 923)، و «صحيح ابن خزيمة» (4: 215)، و «سنن أبي داود» (2: 178)، و «مسند أحمد» (1: 294)، و «شعب الإيمان» (3: 457).

(2)

أي من الاستلام، أو المس بشيء وتقبيله، والتكبير، والتهليل

(3)

الركن اليماني: طرفُ الكعبةِ الذي يلي الحجرَ الأسود من جانبِ يسارِ الطَّائف إذا قام مستقبل الحجر، نسبة إلى اليمن، وهو بتخفيف الياء على الصحيح، لإبدال إحدى يائي النسبة ألفاً، واستلامه لمسه بيده بكفيه أو بيمينه لا تقبيله وعن محمد يستحب تقبيله. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 646).

(4)

أي بعد سبع أشواط، وهي الطواف الواحد.

ص: 260

ثُمَّ يَسْكُنُ بمكَّةَ مُحرماً، وطافَ بالبيتِ نفلاً ما شاء. وخطبَ الإمامُ سابعَ ذي الحجَّة، وعَلَّمَ فيها المناسك، ثُمَّ التَّاسعُ بعرفات، ثُمَّ الحادي عشرَ بمِنى، يَفْصِلُ بين كلِّ خطبتينِ بيوم. ثُمَّ خرجَ غداةَ يوم التَّروية، إلى مِنى، ومكثَ فيها إلى فجرِ يومِ عرفة

وفي روايةِ الطَّحَاوِيِّ

(1)

السَّعيُّ من الصَّفا إلى المروة، ثُمَّ منها إلى الصَّفا شوطٌ واحد، فيكونُ أربعةَ عشرَ شوطاً على الرِّواية الثَّانية، ويقعُ الختمُ على الصَّفا، والصَّحيحُ هو الأَوَّل

(2)

.

(ثُمَّ يَسْكُنُ بمكَّةَ مُحرماً، وطافَ بالبيتِ نفلاً ما شاء

(3)

.

وخطبَ الإمامُ سابعَ ذي الحجَّة

(4)

، وعَلَّمَ فيها المناسك)، وهي الخروجُ إلى مِنىً، والصَّلاةُ بعرفات، والإفاضة، (ثُمَّ التَّاسعُ بعرفات

(5)

، ثُمَّ الحادي عشرَ بمِنى

(6)

، يَفْصِلُ بين كلِّ خطبتينِ بيوم.

ثُمَّ خرجَ غداةَ يوم

(7)

التَّروية)، وهو اليومُ الثَّامن من ذي الحجَّة سُمِّي بذلك؛ لأنَّهم يروون الأبلَ في هذا اليوم، (إلى مِنى

(8)

، ومكثَ فيها إلى فجرِ يومِ عرفة.

(1)

لكن اختار الطحاوي في «مختصره» (ص 63) رواية أن من الصفا إلى المروة شوط، فقال: فيفعل عليها ـ أي المروة ـ كما يفعل على الصفا حتى يفعل ذلك سبع مرات يبتدئ في كل مرة منها بالصفا ويختم بالمروة.

(2)

وصححه الكاساني في «البدائع» (2: 135)، وغيره.

(3)

بلا رمل و لاسعي، ولأنها عبادة، وهي أفضل من الصلاة للغرباء، ويُصلِّي بعد كل أسبوع. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 274).

(4)

بعد الزوال وبعد صلاة الظهر، وكره قبله. ينظر:«الدر المختار» (2: 172).

(5)

أي يخطب الإمام خطبتين بينهما جلسة كالجمعة بعد الزوال قبل صلاة الظهر، يعلم فيهما الوقوف بعرفات والمزدلفة ورمي الجمار والنحر والحلق وطواف الزيارة. ينظر:«غرر الأحكام» (1: 225).

(6)

خطبةً واحدةً بعد صلاة الظهر لا يجلس فيها، يعلمهم الأحكام. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 652).

(7)

زيادة من ج و م.

(8)

مِنى: قرية يذبحُ بها الهدايا والضحايا، سمي ذلك الموضع مِنى لوقوعِ الأقدار فيه على الهدايا والضحايا بالمنايا، وقد مَنَى يَمْني منياً، أي قدرَ، والمنيةُ: الموت. وهي تبعد عن الحرم قدر فرسخ، والفرسخ:(5.040 كم). ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 31)، و «الدر المختار» (2: 172)، و «المقادير الشرعية» (208).

ص: 261

ثُمَّ منها إلى عرفات، وكلُّها موقفٌ إلاَّ بطنَ عُرَنة، وإذا زالَتْ الشَّمسُ منه خَطَبَ الإمامُ خُطبتين كالجُمُعة، وعَلَّمَ فيها المناسك، وصلَّى بهم الظُّهْرَ والعصر بأذانٍ وإقامتين، وشُرِطَ الإمامُ والإحرامُ فيهما، فلا يجوزُ العصرُ للمنفرد في أحدِهما، ولا لِمَن صلَّى الظُّهرَ بجماعة ثُمَّ أحرمَ إلاَّ في وقتِه، ثُمَّ ذَهَبَ إلى الموقفِ بغُسْلٍ سُنّ، ووقفَ الإمامُ على ناقتِه بقربِ جبلِ الرَّحمةِ مستقبلاً، ودَعَا بجهد، وعَلَّمَ المناسك، ووقفَ النَّاس خلفَهُ بقربِه مستقبلينَ سامعينَ مَقُولَه.

ثُمَّ منها إلى عرفات

(9)

، وكلُّها موقفٌ إلاَّ بطنَ عُرَنة

(10)

، وإذا زالَتْ الشَّمسُ منه خَطَبَ الإمامُ خُطبتين كالجُمُعة، وعَلَّمَ فيها المناسك): وهي الوقوفُ بعرفة، والمزدلفة، ورميُ الجِمار، والنَّحر، والحلق، وطواف الزِّيارة، (وصلَّى بهم الظُّهْرَ والعصر): أي في وقتِ الظُّهْر، (بأذانٍ وإقامتين، وشُرِطَ الإمامُ والإحرامُ فيهما، فلا يجوزُ العصرُ للمنفرد في أحدِهما

(11)

، ولا لِمَن صلَّى الظُّهرَ بجماعة ثُمَّ أحرمَ إلاَّ في وقتِه

(12)

): هذا استثناءٌ من قولِهِ: فلا يجوزُ العصر، وإنِّما خَصَّ العصرَ بهذا الحُكْم؛ لأنَّ الظُّهْرَ جائزٌ لوقوعه في وقتِه، أمَّا العصرُ فلا يجوزُ قبل الوقتِ إلاَّ بشرطِ الجماعةِ في صلاةِ الظُّهرِ والعصر، وكونِهِ مُحْرِماً في كلِّ واحدٍ من الصَّلاتين.

(ثُمَّ ذَهَبَ إلى الموقفِ بغُسْلٍ سُنّ، ووقفَ الإمامُ على ناقتِه بقربِ جبلِ الرَّحمةِ مستقبلاً، ودَعَا بجهد، وعَلَّمَ المناسك، ووقفَ النَّاس خلفَهُ بقربِه مستقبلينَ سامعينَ مَقُولَه.

(9)

عرفات: وهو الجبل المعروف بمكة، فمن كان فيه ساعة من زوال الشمس يوم عرفة إلى صبح يوم النحر، أو اجتاز، وهو نائم أو مغمى عليه، أو مجنون، أوسكران، أو هائم، أو هارب، أو طالب غريم، أو حائض، أو جنب، أوجاهل أنها عرفات صح وقوفه، وكلها موقف إلا بطن عرنة. ينظر:«رشحات الأقلام» (ص 89).

(10)

عُرَنة: وادي بحذاء عرفات. ينظر: «المغرب» (ص 314).

(11)

في م: احداهما. أي الظهر والعصر فمَن صلَّى أحدهما منفرداً من غيرِ جماعةٍ لا يجمع، بل يُصلِّي كلٍّ منهما في وقته. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 334).

(12)

أي فلا يجوز العصر في هاتين الحالتين إلا في وقت العصر.

ص: 262

وإذا غَرَبَتْ أتى مُزْدَلِفَةً وكلُّها موقف إلاَّ وادي مُحَسِّر، ونزلَ عند جبلِ قُزَح، وصلَّى العشائين بأذانٍ وإقامة، وأعادَ مغرباً إن أدَّاه في الطَّريق، أو بعرفات ما لم يطلعْ الفجرَ لا بعدَه، وصلَّى الفجرَ بغَلَس، ثُمَّ وقفَ ودعا، وهو واجبٌ لا ركن. وإذا أسفرَ أتى مِنى، ورَمَى جَمْرةَ العَقَبةِ من بطنِ الوادي سَبْعاً خَذْفاً، وكبَّرَ

وإذا غَرَبَتْ أتى مُزْدَلِفَةً وكلُّها موقف

(1)

إلاَّ وادي مُحَسِّر

(2)

، ونزلَ عند جبلِ قُزَح

(3)

، وصلَّى العشائين بأذانٍ وإقامة) هاهنا جمعَ المغربَ والعشاءَ في وقتِ العشاء، (وأعادَ مغرباً إن أدَّاه في الطَّريق، أو بعرفات ما لم يطلعْ الفجرَ لا بعدَه)، فإنَّه إن صلَّى المغربَ قبلَ وقتِ العشاءِ لا يجوزُ عند أبي حنيفة ومحمَّد

(4)

رضي الله عنهم، فيجبُ الإعادةُ ما لم يطلع الفجر، فإنَّ الحكمَ بعدمِ الجواز؛ لإدراكِ فضيلةِ الجمع، وذا إلى طلوعِ الفجر، فإذا فاتَ إمكانُ الجمعِ سقطَ القضاء؛ لأنَّه إن وجبَ القضاء: فأمَّا إن وجبَ قضاءُ فضيلةِ الجمع، وذا لا يمكن، إذ لا مثل له، وأمِّا

(5)

إن وجبَ قضاءُ نفسِ الصَّلاة فقد أدَّاها في الوقت، فكيف يجبُ قضاؤُها.

(وصلَّى الفجرَ بغَلَس، ثُمَّ وقفَ

(6)

ودعا، وهو واجبٌ لا ركن.

وإذا أسفرَ أتى مِنى، ورَمَى جَمْرةَ

(7)

العَقَبةِ من بطنِ الوادي سَبْعاً خَذْفاً

(8)

، وكبَّرَ

(1)

أي مبيت؛ لأن التبييت بمزدلفة ليلة النحر سنة. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 656).

(2)

العبارة في م: محسر تحته. وادي مُحَسِّرٍ: وهو بين مِنى ومُزْدَلِفَةَ، سُمِّيَ بذلك لأَنَّ فيلَ أَبْرَهَةَ كَلَّ فيه وَأَعْيَا فَحَسَّرَ أَصْحَابَهُ بِفِعْلِه، وَأَوْقَعَهُمْ في الحَسَرَاتِ. ينظر:«المصباح المنير» (ص 136).

(3)

لأنه هو الموقف، فينْزل عنده، ولا ينْزل على الطريق؛ كيلا يضيق على المارة، ولا ينفرد في النْزول. ينظر:«التبيين» (2: 27).

(4)

وقال أبو يوسف: يجزئه المغرب مع الإساءة؛ لأنه أدَّاها في وقتها المعهود. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 658).

(5)

أما: زيادة من ب و س.

(6)

أي بالمزدلفة، ووقته من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ولو ماراً كما في عرفة، لكن لو تركه بعذر كزحمة لا شيء عليه. ينظر:«الدر المختار» (2: 178).

(7)

جَمْرَة: وجمعُها الجِمَار: وهي الحِجَارةُ مثلُ الْحَصَى. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 33).

(8)

خَذْف: رَمَيْتُهَا بطرفيْ الإِبْهَامِ والسَّبَّابَة، قال ابن الهمام: وهو الأصح؛ لأنه الأيسر، أو أن يضع الحصيات على ظفرِ إبْهامه اليمنى ويستعين بالمسبحة، وقولُهُم يَأْخُذُ حَصَى الخَذْفِ مَعْنَاه: حَصَى الرَّمْيِ والمراد الحَصَى الصِّغَارُ لَكِنَّهُ أُطْلِقَ مَجَازًا. ينظر: «المصباح المنير» (ص 166)، و «مختار الصحاح» (ص 171)، و «فتح باب العناية» (1: 660).

ص: 263

لكلٍّ منها، وقطعَ تلبيتَهُ بأوّلِها، ثُمَّ ذَبَحَ إن شاء، ثُمَّ قَصَّرَ، وحلقُهُ أفضل، وحلَّ له كلُّ شيء إلاَّ النِّساء. ثُمَّ طافَ للزِّيارة يوماً من أيامِ النَّحرِ سبعةً بلا رَمْلٍ وسعيٍ إن كان سعى قبل، وإلاَّ فمعَها، وأَوَّلُ وقتِهِ بعد طلوعِ فجرِ يومِ النَّحر، وهو فيه أفضل، وحلَّ له النِّساء، وإن آخرَه عنها كُرِه، ووجبَ دم. ثُمَّ أتى مِنى، وبعد زوالِ ثاني يوم النَّحر رمى الجمارِ الثَّلاث، يبدأُ بما يلي المسجد، ثُمَّ بما يليه، ثُمَّ بالعَقَبةِ سبعاً سبعاً، وكبَّرَ لكلّ، ووقفَ بعد رَمي بعدَهُ رَمَى فقط، ودعا

لكلٍّ منها، وقطعَ تلبيتَهُ بأوّلِها، ثُمَّ ذَبَحَ إن شاء، ثُمَّ قَصَّرَ، وحلقُهُ أفضل

(1)

، وحلَّ له كلُّ شيء إلاَّ النِّساء.

ثُمَّ طافَ للزِّيارة يوماً من أيامِ النَّحرِ سبعةً بلا رَمْلٍ وسعيٍ إن كان سعى قبل

(2)

، وإلاَّ فمعَها

(3)

، وأَوَّلُ وقتِهِ بعد طلوعِ فجرِ يومِ النَّحر، وهو فيه أفضل): أي في يومِ النَّحر، (وحلَّ له النِّساء، وإن آخرَه عنها كُرِه): أي عن أيَّام النَّحر. (ووجبَ دم

(4)

.

ثُمَّ أتى مِنى، وبعد زوالِ ثاني يوم

(5)

النَّحر رمى الجمارِ الثَّلاث، يبدأُ بما يلي المسجد): أي مسجدَ الخَيْف

(6)

، (ثُمَّ بما يليه، ثُمَّ بالعَقَبةِ سبعاً سبعاً، وكبَّرَ لكلّ، ووقفَ بعد رَمي بعدَهُ رَمَى فقط): أي يقفُ بعد الرَّميِ الأَوَّل، وبعد الثَّاني لا بعد الثَّالث، ولا بعدَ رميِّ يومِ النَّحر، (ودعا

(7)

.

(1)

لتقديمه في الآية: {مُحَلِّقِين رُؤوسَكُم ومُقَصِّرين} [الفتح: 27].

(2)

لأنهما لم يشرعا في الحج إلا مرة واحدة. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 281).

(3)

أي إن لم يكن رمل في طواف القدوم ولا سعى بعده، يرمل في طواف الزيارة، ويسعى. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 98/ب). وفي «البحر» (2: 373): الفضل تأخير السعي إلى ما بعد طواف الزيارة، وكذا الرمل ليصيرا تبعاً للفرض دون السنة. اهـ.

(4)

لترك الواجب، وهذا عند الامكان، فلو طهرت الحائض ولو قدر أربعة أشواط ولم تفعل لزم دم وإلا فلا. ينظر:«الدر المختار» (1: 184).

(5)

زيادة من م.

(6)

الخَيْف: ما ارْتَفَعَ من الوادِي قليلاً عن مَسِيلِ الماءِ، ومنه: مسجدُ الخَيْفِ بِمِنىً؛ لأَنه بُنِيَ في خَيْفِ الجبل، والأَصلُ مَسْجِدُ خَيْفِ مِنىً، فَخُفِّفَ بِالْحَذْفِ ولا يَكُون خَيْفٌ إلاَّ بين جَبَلَيْنِ. ينظر:«طلبة الطلبة» (ص 187).

(7)

أي لحاجته، ويستحب الاستغفار لنفسه ولأبويه ولإخوانه وأقاربه وللمؤمنين والمؤمنات. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 281).

ص: 264

ثُمَّ غداً كذلك، ثُمَّ بعده كذلك إن مكث، وهو أحبّ، وإن قَدَّمَ الرَّميَ فيه على الزَّوال جاز، وله النَّفْر قبلَ طلوعِ فجرِ اليومِ الرَّابع لا بعدَه، وجازَ الرَّميُ راكباً، وفي الأولين ماشياً أحبُّ لا العَقَبة، ولو قَدَّمَ ثَقَلَهُ إلى مكَّة، وأقامَ بمِنى للرَّميِّ كُرِه. وإذا نَفَرَ إلى مكَّة، نَزَلَ بالمُحَصَّب، ثُمَّ طافَ للصَّدَرِ سبعةَ أشواطٍ بلا رَمْل وسعي، وهو واجبٌ إلاَّ على أهلِّ مكَّة، ثُمَّ شرِبَ من زمزم، وقَبَّلَ العَتَبَة، ووضعَ صَدْرَهَ ووجهَهُ على المُلْتَزَم: وهو ما بين الحَجَرِ الأسودِ والباب، وتَشَبَّثَ بالأستارِ ساعة، ودَعَا مجتهداً، ويَبْكي، ويرجعُ قَهْقَرى حتَّى يخرجَ من المسجد.

ثُمَّ غداً كذلك، ثُمَّ بعده كذلك إن مكث، وهو أحبّ، وإن قَدَّمَ الرَّميَ فيه): أي في اليومِ الرَّابع، (على الزَّوال جاز، وله النَّفْر قبلَ طلوعِ فجرِ اليومِ الرَّابع): النَّفرُ خروجُ الحاجِّ من مِنى، (لا بعدَه): فإنَّهُ إن توقَّفَ حتَّى طلعَ الفجرُ وَجَبَ عليه رميُ الجِمَار.

(وجازَ الرَّميُ راكباً، وفي الأولين ماشياً

(1)

أحبُّ لا العَقَبة): الأُولَيَان ممَّا يلي مسجدَ الخَيْف، ثُمَّ ما يليه.

(ولو قَدَّمَ ثَقَلَهُ

(2)

إلى مكَّة، وأقامَ بمِنى للرَّميِّ كُرِه

(3)

.

وإذا نَفَرَ إلى مكَّة، نَزَلَ بالمُحَصَّب

(4)

، ثُمَّ طافَ للصَّدَرِ

(5)

سبعةَ أشواطٍ بلا رَمْل وسعي، وهو واجبٌ إلاَّ على أهلِّ مكَّة، ثُمَّ شرِبَ من زمزم، وقَبَّلَ العَتَبَة

(6)

، ووضعَ صَدْرَهَ ووجهَهُ على المُلْتَزَم: وهو ما بين الحَجَرِ الأسودِ والباب، وتَشَبَّثَ

(7)

بالأستارِ ساعة

(8)

، ودَعَا مجتهداً، ويَبْكي، ويرجعُ قَهْقَرى

(9)

حتَّى يخرجَ من المسجد.

(1)

في ت و ج و ص و ف و م: مشيا.

(2)

ثقله: أي حوائجه ومتاعه وخدمه. ينظر: «درر الحكام» (1: 231).

(3)

الظاهر أن الكراهة تنْزيهية، أي إن لم يأمن لا إن أمن، وكذا يكره للمصلي جعل نحو نعله خلفه؛ لشغل قلبه. ينظر:«رد المحتار» (1: 186).

(4)

المُحَصَّبُ: مَوْضِعٌ بِمَكَّةَ على طَرِيقِ مِنىً، ويُسَمَّى البَطْحَاء. ينظر:«المصباح المنير» (ص 139).

(5)

ويسمَّى طواف الوداع، وطواف آخر العهد، والصَدَر: رجوع المسافر من مقصده، والشارب من مورده. ينظر:«رد المحتار» (1: 186).

(6)

العَتَبَةُ: أي عَتَبة الكعبة، والعَتَبة: الدرجة: ينظر: «المصباح المنير» (ص 392)، و «درر الحكام» (1: 232).

(7)

تَشَبَّثَ: أي تعلَّق. ينظر: «القاموس» (1: 174).

(8)

أي كالمتعلق بطرف ثوب لمولى جليلٍ للاستعانة في أمر ليس له فيه سبيل. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 284)

(9)

قَهْقَرى: الرجوع إلى الخلف. ينظر: «اللسان» (5: 3765).

ص: 265

ويسقطُ طوافُ القدومِ عمَّن وقفَ بعرفةَ قبلَ دخولِ مكَّة، ولا شيءَ عليه بتركِه، ومَن وَقَفَ بعرفةَ ساعةً من زوالِ يومِها إلى طلوعِ فجرِ يومِ النَّحر، أو اجتازَ نائماً، أو مغمىً عليه، أو أَهلَّ عنه رفيقُهُ به، أو جَهِلَ أنَّها عرفةَ صحّ، ومَن لم يقفْ فيها فاتَ حجُّه، فطافَ وسعى، وتحلَّلَ وقضى من قابل، والمرأةُ كالرَّجلِ لكنَّها لا تكشفُ رأسَها، بل تكشفُ وجهَها، ولو سَدلت شيئاً عليه، وجافته عنه صحّ، ولا تُلِبِّي المرأةُ جهراً، ولا تسعى بين الميلين

ويسقطُ طوافُ القدومِ عمَّن وقفَ بعرفةَ قبلَ دخولِ مكَّة، ولا شيءَ عليه بتركِه)، إذ لا يجبُ عليه شيءٌ بتركِ السُنَّة.

(ومَن وَقَفَ بعرفةَ ساعةً من زوالِ يومِها إلى طلوعِ فجرِ يومِ النَّحر، أو اجتازَ نائماً، أو مغمىً عليه، أو أَهلَّ عنه رفيقُهُ به

(1)

، أو جَهِلَ أنَّها عرفةَ صحّ، ومَن لم يقفْ فيها فاتَ حجُّه، فطافَ وسعى، وتحلَّلَ

(2)

وقضى من قابل)، هذا لِمَن أحرم، ولم يدركْ الحجّ.

(والمرأةُ كالرَّجلِ لكنَّها لا تكشفُ رأسَها، بل تكشفُ

(3)

وجهَها، ولو سَدلت شيئاً عليه، وجافته عنه صحّ

(4)

، ولا تُلِبِّي المرأةُ

(5)

جهراً، ولا تسعى بين الميلين

(1)

أي بالحج؛ لأنه لما عاقدهم عقد الرفقة فقد استعان بكلّ منهم فيما يعجز عن مباشرته بنفسه، والإحرام مقصود بهذا السفر، فكان الإذن به ثابتا دلالةً، فإنه إذا أذن إنساناً بأن يحرم عنه إذا أغمي عليه أو نام، فأحرم عنه صحّ بالوفاق، فكذا هذا حتى إذا أفاق أو استيقظ وأتى بأفعال الحج جاز، فيصير الرفيق محرماً عن نفسه بالأصالة، وعن غيره بالنيابة. ينظر:«درر الحكام» (1: 233).

(2)

أي يأتي بأفعال العمرة.

(3)

زيادة من م.

(4)

اختلفوا في حكم تغطية وجه المرأة في الحج ومجافاته على أربعة أقوال:

الأول: جواز ذلك، وهو ظاهر كلام المصنف، و «البدائع» (2: 187)، و «الهداية» (1: 152)، و «التبيين» (2: 39)، وغيرهم.

الثاني: استحباب وندب ذلك، وهو اختيار صاحب «الفتح» (2: 405)، و «الدر المختار» (2: 189)، وغيرهم.

الثالث: وجوب ذلك، وهواختيار صاحب «النهاية» .

الرابع: التفصيل: وهو أن محمل الاستحباب عند عدم الأجانب، وأما عند وجودهم فالارخاء واجب عليها عند الامكان، وعند عدمه يجب على الأجانب غض البصر. وهو اختيار صاحب «البحر» (2: 381)، ومال إليه ابن عابدين في «رد المحتار» (1: 189 - 190).

قال صاحب «الخانية» (1: 286)، و «المحيط البرهاني» (ص 280)، و «الفتح» (1: 405): دلت المسألة على أن المرأة منهية عن اظهار وجهها للاجانب بلا ضرورة؛ لأنها منهية عن تغطيته لحق النسك لولا ذلك وإلا لم يكن لهذا فائدة.

(5)

زيادة من م.

ص: 266

الأخضرين، ولا تحلقُ بل تُقَصِّر، وتلبسُ المخيط، ولا تقربُ الحجرَ في الزِّحام، وحيضُها لا يمنعُ نُسُكاً إلاَّ الطَّواف، وهو بعد ركنيهِ يسقطُ طوافِ الصَّدَر، مَن قَلَّدَ بَدَنةَ نفلٍ، أو نذرٍ، أو جزاءِ صيد، أو نحوِه يريدُ الحجّ، أو بعثَ بها لمُتعة وتوجَّه بنيَّةِ الإحرام، فقد أحرم، ولو أشعرَها أو جَلَّلَها أو قَلَّدَ شاةً لا، وكذا لو بعثَ بدنة، وتوجَّه حتَّى يُلحقَها، والبُدُنُ من الإبلِ والبقر

الأخضرين

(1)

، ولا تحلقُ بل تُقَصِّر، وتلبسُ المخيط، ولا تقربُ الحجرَ في الزِّحام، وحيضُها لا يمنعُ نُسُكاً

(2)

إلاَّ الطَّواف)، فإنَّه في المسجد، ولا يجوزُ للحائضِ دخولُه، (وهو بعد ركنيهِ

(3)

يسقطُ طوافِ الصَّدَر): أي الحيضُ بعد الوقوفِ بعرفة، وطوافِ الزِّيارة يسقطُ الوداع.

واعلم أنَّ الإحرامَ قد يكون بسوقِ الهَدْي

(4)

، فأراد أن يُبَيِّنَه، فقال: (مَن

(5)

قَلَّدَ بَدَنةَ نفلٍ، أو نذرٍ، أو جزاءِ صيد، أو نحوِه): كالدّماءِ الواجبةِ بسببِ الجنايةِ في السَّنَةِ الماضية، (يريدُ الحجّ، أو بعثَ بها لمُتعة): أي بعثَ بالبدنةِ للتَّمتع، (وتوجَّه بنيَّةِ الإحرام، فقد أحرم): المرادُ بالتَّلقيد: أن يربِطَ قلادةً على عُنُقِ البَدَنة، فيصيرُ به مُحْرِماً كما بالتَّلبية.

(ولو أشعرَها): أي شقَّ سنامَها؛ ليعلمَ أنَّها هَدي، (أو جَلَّلَها): أي ألقى الجُلَّ على ظهرِها، (أو قَلَّدَ شاةً لا

(6)

، وكذا لو بعثَ بدنة، وتوجَّه حتَّى يُلحقَها): أي إن لم يتوجَّه مع البدنة، ولم يسقْها، بل بعثَها لا يصيرُ محرماً حتَّى يلحقَها، فإذا لحقَها يصيرُ محرماً.

(والبُدُنُ من الإبلِ والبقر): هذا عندنا، وأمَّا عند الشَّافِعِيّ رضي الله عنه

(7)

فالبدنةُ من الإبل فقط.

(1)

زيادة ت و م.

(2)

نُسُك:: من نَسَكَ للهِ تعالى نَسْكًا ومَنْسَكاً: إذا ذَبَحَ لِوَجْهِه، والنَّسِيكَةُ: الذَّبِيحَة، والمَنْسِكُ: بِالكسرِ الموضِعُ الذي يُذْبَحُ فيه، وقد تُسَمَّى الذَّبِيحَةُ نُسُكًا، ثُمَّ قالوا لكلِّ عبادةٍ نُسُك، ومناسِكُ: الحَجِّ عباداتُه، وهذا من الخاصِّ الذي صارَ عامّاً. ينظر:«المغرب» (ص 464)، و «مختار الصحاح» (657).

(3)

ولو طافت يوم النحر قبل الطواف لم تنفر حتى تطهر وتطوف. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 286).

(4)

الهَدْي: ما يُهْدَى إلى الحَرَمِ من شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ بَعِير، الوَاحِدَةُ هَدْيَة. ينظر:«المغرب» (ص 503).

(5)

زيادة من أ و ب و س.

(6)

أي لا يكون محرماً حتى يُلبي مع النية

(7)

ينظر: «أسنى المطالب» (1: 553)، و «نهاية المحتاج» (3: 342)، وغيرها.

ص: 267

‌باب القران والتمتع

القِرانُ أفضلُ مطلقاً، وهو أن يُهِلَّ بحجٍّ وعمرةٍ من الميقات معاً، ويقولُ بعد الصَّلاة: اللَّهُمَّ إنِّي أريدُ الحجَّ والعمرةَ فيَسِّرْهُما لي، وتقبلْهُما منِّي. وطافَ للعمرةِ سبعةً يرْمُلُ للثَّلاثة الأُول، ويسعى بلا حَلْق، ثُمَّ يحجُّ كما مَرَّ، فإن أتى بطوافينِ وسعيينِ لهما كُرِه، وذَبَحَ للقِران بعد رمي يومِ النَّحر، وإن عَجَزَ صامَ ثلاثةَ أيام آخرُها عرفة، وسبعةٌ بعد حجَّهِ أين شاء، فإن فاتت الثَّلاثة تعيَّن الدَّم. فإن وقفَ قبلَ العمرةِ بطلت، وقضِيَت، ووجبَ دمُ الرَّفض، وسقطَ دمُ القران

باب القران والتمتع

(القِرانُ أفضلُ مطلقاً): أي أفضلُ من التَّمتعِ والإفراد، (وهو أن يُهِلَّ بحجٍّ وعمرةٍ من الميقات معاً): الإهلالُ رفعُ الصَّوتِ بالتَّلبية، (ويقولُ بعد الصَّلاة): أي بعد الشَّفعِ الذي يصلِّي مريداً للإحرام: (اللَّهُمَّ إنِّي أريدُ الحجَّ والعمرةَ فيَسِّرْهُما لي، وتقبلْهُما منِّي.

وطافَ للعمرةِ سبعةً يرْمُلُ للثَّلاثة الأُول، ويسعى بلا حَلْق، ثُمَّ يحجُّ كما مَرَّ، فإن أتى بطوافينِ وسعيينِ لهما كُرِه)

(1)

: أي يطوفُ أربعةَ عشرَ شوطاً، سبعةً للعمرة، وسبعةً لطوافِ القدوم للحجّ، ثُمَّ يسعى لهما، وإنِّما كُرِه؛ لأنَّه أخَّرَ سعي العمرة، وقَدَّمَ طوافَ القدوم.

(وذَبَحَ للقِران بعد رمي يومِ النَّحر، وإن عَجَزَ صامَ ثلاثةَ أيام آخرُها عرفة

(2)

، وسبعةٌ بعد حجَّهِ أين شاء): أي بعد أيَّامِ التَّشريق

(3)

، (فإن فاتت الثَّلاثة تعيَّن الدَّم.

فإن وقفَ قبلَ العمرةِ بطلت): أي العمرة، (وقضِيَت، ووجبَ دمُ الرَّفض

(4)

، وسقطَ دمُ القران.

(1)

أي لو طاف طوافين وسعى سعيين، ولم ينو الأوَّل للعمرة، والثاني: للحجّ، أو نوى على العكس، أو نوى مطلقَ الطواف فيهما، ولم يُعيِّن، أونوى طوافاً آخر تطوعاً، أو غيره يكون الأول للعمرة والثاني للقدوم وكره له ذلك. ينظر:«لباب المناسك» (ص 28).

(2)

أي اليوم السابع والثامن والتاسع على الأفضل؛ لأن الصوم بدل الهدي، فيستحب تأخيره إلى وقته رجاء أن يقدر على الأصل، ويجوز قبلها مجتمعة أو متفرِّقة. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 288).

(3)

والأفضل أن يصومها بعد الرجوع إلى أهله. ينظر: «لباب المناسك» (ص 29).

(4)

أي وجبَ عليه ذبحٌ لترك العمرة، وسقطَ عنه دمُ القِران؛ لأنه لم يتيسر له الجمع بين النسكين فلم يصر قارناً. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 340).

ص: 268

والتَّمتعُ أفضلُ من الإفراد: وهو أن يُحْرِمَ بعمرةٍ من الميقات في أشهرِ الحجّ، ويطوف ويسعى، ويحلقُ أو يُقَصِّر، ويقطعُ التَّلبيةَ في أَوَّلِ طوافِه، ثُمَّ أحرمَ بالحجِّ يوم التَّروية، وقبلَهُ أفضل، وحجَّ كالمفرد. وذبحَ ولم تَنُبْ الأضحيةُ عنه، وإن عَجَزَ صامَ كالقِران، وجازَ صومُ الثَّلاثةِ بعد إحرامِها لا قبلَه، وتأخيرُه أحبّ، وإن شاءَ السَّوق وهو أفضل: أحرمَ وساقَ هديه، وهو أَوْلى من قودِه، وقلَّدَ البَدنة، وهو أَوْلَى من التَّجليل

والتَّمتعُ أفضلُ من الإفراد: وهو أن يُحْرِمَ بعمرةٍ من الميقات في أشهرِ الحجّ، ويطوف ويسعى، ويحلقُ أو يُقَصِّر، ويقطعُ التَّلبيةَ في أَوَّلِ طوافِه): أي في أَوَّل طوافِهِ للعمرة، (ثُمَّ أحرمَ بالحجِّ يوم التَّروية، وقبلَهُ أفضل، وحجَّ كالمفرد)، إلاَّ أنَّه يَرْمُلُ في طوافِ الزِّيارة، ويسعى بعدَه؛ لأنَّه أَوَّلُ طوافِ الحجّ، بخلافِ المفرد؛ لأنَّه قد سعى مرَّة، ولو كان هذا المتمتعُ بعدما أحرم للحجِّ طافَ وسعى قبل أن يَرُوحَ إلى مِنى لم يَرْمُلْ في طوافِ الزِّيارة، ولا يسعى بعدَه؛ لأنَّهُ قد أتى بذلك مرَّة.

(وذبحَ ولم تَنُبْ الأضحيةُ عنه

(1)

، وإن عَجَزَ صامَ كالقِران، وجازَ صومُ الثَّلاثةِ بعد إحرامِها

(2)

لا قبلَه، وتأخيرُه

(3)

أحبّ)، اعلم أنَّ أشهرَ الحجِّ وقتٌ لصومِ الثَّلاثة، لكن بعد تحقيقِ السَّبب، وهو الإحرام، وكذا في القِران، لكنَّ التَّأخير أفضل، وهو أن يصومَ ثلاثةً متتابعةً آخرها عرفة.

(وإن شاءَ

(4)

السَّوق

(5)

وهو أفضل

(6)

: أحرمَ وساقَ هديه، وهو أَوْلى من قودِه

(7)

، وقلَّدَ البَدنة، وهو أَوْلَى من التَّجليل)

(8)

: أي التَّجليل جائز، لكنَّ التَّقليدَ أَوْلَى

(1)

أي لم يجزِ ذبح الأضحية عن دم المتعة؛ لأنه أتى بغير ما عليه، فلا أضحية على المسافر؛ ولأن دم التمتع غير دم الأضحية، فلا ينوب أحدهما عن الآخر، ولو تحلل يجب عليه دمان: دم المتعة ودم التحلل قبل الذبح. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 122)، و «رد المحتار» (2: 196).

(2)

أي العمرة، ولو في شوال قبل طوافها. ينظر:«الملتقى» (ص 43).

(3)

أي صيام ثلاثة أيام.

(4)

شروعٌ في القسمِ الثاني من التمتع، فإنه على نحوين: أحدُهما: أن يكون بلا هدي، وثانيهما أن يكون مع هدى. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 340).

(5)

السَّوْقُ: الحَثُّ على السَّيْرِ يقالُ سَاقَ النَّعَمَ يَسُوقُهَا. ينظر: «المغرب» (ص 240).

(6)

اي إن شاء المتمتع سوق الهدي فهو أفضل من الإرسال قبله. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 289).

(7)

في م: فوته. القَوْدُ: أَنْ يكونَ الرَّجُلُ أَمامَ الدَّابَّةِ آخِذاً بقيادِهَا، وَالسَّوْقُ: أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا. ينظر: «المصباح المنير» (ص 519).

(8)

لأن التقليد يراد به التقرب، والتجليل قد يكون لغيره كالزينة. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 71/أ).

ص: 269

وكُرِه الإشعار: وهو شَقُّ سنامِها من الأيسر، وهو الأشبه

منه، ولا يدلُّ هذا على أنَّه يصيرُ بالتَّجليل محرماً، فإنَّه قد مرَّ قبيلَ هذا الباب

(1)

أنَّه لا يصيرُ بالتَّجليلِ محرماً، بل لا بُدَّ من التَّلبية

(2)

، أو فعلٍ يقومُ مقامَها، وهو التَّقليد.

(وكُرِه الإشعار

(3)

: وهو شَقُّ سنامِها من الأيسر، وهو الأشبه): أي الأشبه بالصَّواب، فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد طعنَ في جانبِ اليسارِ قصداً، وفي جانبِ الأيمنِ

(4)

اتِّفاقاً

(5)

.

وأبو حنيفة رضي الله عنه إنِّما كَرِه هذا الصُّنع؛ لأنه مُثْلَة

(6)

، وإنِّما فعلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ المشركينَ كانوا لا يمتنعونَ عن تعرضِهِ

(7)

إلا بهذا.

(1)

ص 267).

(2)

أي مع النية.

(3)

أي عند الإمام كراهة تحريمية، أما عندهما فجائز. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 290).

(4)

الطعن في الجانب الأيمن مروي عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:(صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم وقلدها نعلين، ثم ركبَ راحلتَه، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج) في «صحيح مسلم» (2: 912)، و «صحيح ابن حبان» (9: 314)، و «سنن أبي داود» (2: 146)، و «سنن الدارمي» (2: 91).

ولكن روى البُخَاريّ في «صحيحه» (2: 608): الإشعار مطلقاً دون تحديد بجانب فعن المسور بن مخرمة ومروان، قالا:(خرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم من المدينة في بضع عشرة مئة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلَّدَ النبي صلى الله عليه وسلم الهَدْي وأشعر وأحرم بالعمرة).

وروى الإشعار من الجانب الأيسر أبو يعلى في «مسنده» : عن ابن عباس: (أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لما أتى ذا الحليفة أشعر بدنته في شقها الأيسر، ثم سلت الدم بإصبعه فلما علت به راحلته البيداء لبَّى)، وهو ما روي في «الموطأ» (1: 379): عن ابن عمر: (أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة قلَّده وأشعرَه بذي الحليفة، يقلِّده قبل أن يشعرَه، وذلك في مكان واحد، وهو موجه للقبلة يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر، ثم يساق معه

). وينظر: «نصب الراية» (3: 117)، و «الدراية» (2: 36).

(5)

أي وقع من حيث الاتفاق لا من حيث القصد، وصورته أن الهدايا كانت مقبلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدخل من بعير من قبل الرأس، وكان الرمح بيمينه لا محالة، فكان طعنه يقع عادة أولاً على يسار البعير، ثم كان يطعن عن يمينه ويشعر الآخر من قبل يمين البعير اتفاقاً للأول لا قصداً إليه، فصار الأمر الأصلي أحق بالاعتبار. ينظر:«البناية» (2: 640).

(6)

مُثْلَة: هو ما يكون تشويهاً كقطع الأنف والأذنين وسمل العيون. ينظر: «المغرب» (ص 436)، و «الفتح» (2: 426).

(7)

أي الهدي إلا بهذا الإشعار.

ص: 270

واعتمر، ولا يتحلَّل منها، ثُمَّ أحرمَ للحجِّ كما مرّ، وحَلَقَ يومَ النَّحر، وحَلَّ من إحراميه. والمَكِّيُّ يفردُ فقط ومَن اعتمرَ بلا سوق، ثُمَّ عادَ إلى بلدِه، فقد ألمّ، ومع سوقٍ تمتع

وقيل

(1)

(2)

: إنِّما كُرِهَ إشعارَ أهل زمانِه؛ لمبالغتِهم فيه حتى يخافَ منه السِّراية

(3)

.

وقيل: إنِّما كُرِهَ إيثارُهُ على التَّقليد

(4)

.

(واعتمر، ولا يتحلَّل منها): أي من العمرة، وهذا عند سوق الهدي، أمَّا إذا لم يَسُق الهَدْي يتحلَّلُ من إحرامِ العمرةِ كما مَرّ

(5)

.

(ثُمَّ أحرمَ للحجِّ كما مرّ)

(6)

: أي يومُ التَّروية، وقبلَهُ أفضل، (وحَلَقَ يومَ النَّحر، وحَلَّ من إحراميه.

والمَكِّيُّ يفردُ فقط)

(7)

: أي لا قران له، ولا تمتع

(8)

.

(ومَن اعتمرَ بلا سوق، ثُمَّ عادَ إلى بلدِه، فقد ألمّ، ومع سوقٍ تمتع): اعلم أن

(1)

وهو قول الطحاوي وأبي منصور الماتريدي، إذ قالا: ما كره أبو حنيفة أصل الإشعار، وكيف يكره ذلك مع ما اشتهر فيه من الأخبار، وإنما كره إشعار أهل زمانه؛ لأنه رآهم يبالغون فيه على وجه يخاف منه الهلاك، فرأى سد هذا الباب. ينظر:«رمز الحقائق» (1: 121)، و «رد المحتار» (2: 197).

(2)

أي عند الإمام، وهو جائز عندهما، وكراهته تحريمية عنده؛ لأن كل أحد لا يحسنه فأما من أحسنه فإن قطع الجلد فلا بأس به، قال الكمال، وبه يستغنى عن كون العمل على قولهما. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 290).

(3)

أي من الإشعار، والمراد إلى هلاك الهَدْي؛ لأن كل أحد لا يحسنه فأما من أحسنه فإن قطع الجلد فلا بأس به، وبه يستغنى عن كون العمل على قولهما. واختار هذا القول ابن الهمام في «الفتح» (2: 426)، والحصكفي في «الدر المختار» (1: 197)، و «الدر المنتقى» (1: 290).

(4)

أي اختياره وتخصيصه على التقليد؛ لأنه يحصل من التقليد ما هو الغرض من الإشعار. ينظر: «البناية» (1: 644).

(5)

ص 269).

(6)

ص 269).

(7)

لأن شرعيتهما للترفُّه بإسقاط إحدى السفرتين، وهذا في حق الآفاقي. ينظر:«درر الحكام» (1: 237 - 238).

(8)

لكن إن أتى بالقران أو التمتع فهو صحيح ولكنه ناقص وعليه دم جبران. ينظر: «جلاء الأذهان في تحقيق مسألة وليس لمي تمتع و لا قران» (ق 15/أ) وما بعدها

ص: 271

فإن طافَ لها أقلَّ من أربعةٍ قبل أشهرِ الحجّ، وأتمَّها فيها وحجّ، فقد تمتع، ولو طافَ أربعة هنا لا. كوفيٌّ حلَّ من عمرته فيها، وسكنَ بمكَّة، أو بصرة، وحجَّ فهو متمتع، ولو أفسدَها، ورجعَ من البصرة، وقضاها وحجَّ لا

التَّمتعَ: هو التَّرفقُ بأداءِ النُّسكين الصَّحيحينِ في سفرٍ واحدٍ من غيرِ أن يُلِمَّ بأهلِهِ إلماماً صحيحاً

(1)

بينهما

(2)

.

فالذي اعتمر بلا سوقِ الهَدْي لَمَّا عادَ إلى بلدِهِ صحَّ إلمامُه، فبطلَ تمتعُه، فقولُهُ: فقد ألمَّ؛ ذَكَرَ الملزوم، وقصدَ اللازم، وهو بطلانُ التَّمتع.

أمَّا إذا ساقَ الهَدْي لا يكون إلمامُهُ صحيحاً؛ لأنَّهُ لا يجوزُ له التَّحلُّل، فيكونُ عودُه واجباً، فلا يكونُ إلمامُه صحيحاً، فإذا عادَ وأحرم بالحجِّ كان متمتعاً.

(فإن طافَ لها أقلَّ من أربعةٍ قبل أشهرِ الحجّ، وأتمَّها فيها وحجّ، فقد تمتع، ولو طافَ أربعة هنا لا): أي لو طاف أربعةً قبل أشهرِ الحجِّ لا يكون متمتعاً.

(كوفيٌّ

(3)

حلَّ من عمرته فيها): أي في أشهرِ الحجّ، (وسكنَ بمكَّة، أو بصرة، وحجَّ فهو متمتع)؛ لأنَّ السَّفرَ الأَوَّلَ لم ينتِه برجوعِه إلى البصرة، فصارَ كأنَّه لم يخرجْ من الميقات.

(ولو أفسدَها، ورجعَ من البصرة، وقضاها وحجَّ لا)؛ لأنَّ حكمَ السَّفرِ الأَوَّلِ لَمَّا بقي بالرُّجوعِ إلى البصرة، فصارَ كأنَّه لم يخرجْ من مكَّة، ولا تمتعَ للسَّاكن بمكَّة.

(1)

الإلمام الصحيح: هوالنْزول بوطنه من غير بقاء صفة الإحرام، وهذا إنما يكون في المتمتع الذي لم يسق الهدي، والإلمام الفاسد ما يكون على خلاف الصحيح، وهو إنما يكون فيمن ساق الهدي، وكذلك لو لم يسق الهدي، ولكنه رجع قبل تحلله لا يكون إلمامه صحيحاً. ينظر:«غنية ذوي الأحكام» (1: 236).

(2)

تبع الشارح صاحب «الهداية» (1: 156) في تفسير التمتع، وقال ملا خسرو تبعاً لصاحب «غاية البيان» وأيده ابن عابدين في «رد المحتار» (2: 196): إن هذا التعريف غير جامع ومانع للتمتع، وتعريفه، هو: الجمع بين الحج والعمرة في أشهره في سنة واحدة بلا إلمام بأهله إلماماً صحيحاً. ينظر: «غرر الأحكام» (1: 235 - 236).

(3)

كوفيّ: المراد به الآفاقي الذي شرع له التمتع والقران، وكما أن البصرة مكان لأهل التمتع والقران سواء كان مكانه البصرة أو غيرها. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 291).

ص: 272

إلاَّ إذا ألمَّ بأهلِه، ثُمَّ أتى بهما، وأيٌّ أفسدَ أتمَّه بلا دم.

‌باب الجنايات

إن طَيَّبَ محرمٌ عضواً، أو خَضَبَ رأسَه بحِنّاء، أو ادَّهَنَ بزيت

(إلاَّ إذا ألمَّ بأهلِه

(1)

، ثُمَّ أتى بهما)؛ لأنَّه لَمَّا ألمَّ بأهلِه، ثُمَّ رجعَ وأتى بالعمرةِ والحجِّ كان هذا إنشاءَ سفر؛ لإنتفاءِ السَّفرِ الأَوَّلِ بالإلمام، فاجتمعَ نسكانِ في سفرٍ واحدٍ فيكون متمتعاً.

(وأيٌّ أفسدَ أتمَّه بلا دم): أي مَن اعتمرَ في أشهرِ الحجّ، وحجَّ من عامِه، فأيَّهما أفسدَ مضى فيه؛ لأنَّه لا يمكنُهُ الخروجُ من عهدةِ الإحرامِ إلاَّ بالأفعال، وسقطَ دمُ التَّمتع؛ لأنَّه لم يترفَّق باداءِ النُّسكين الصَّحيحين في سفرٍ واحد.

باب الجنايات

(إن طَيَّبَ محرمٌ عضواً، أو خَضَبَ

(2)

رأسَه بحِنّاء، أو ادَّهَنَ بزيت): أي استعملَ الدُّهن في عضو.

ثُمَّ الادِّهانُ إن كان بزيتٍ خالص، أو بحلٍّ

(3)

خالصٍ يجبُ الدَّمُ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما يجبُ صدقة، وعند الشَّافِعِيِّ

(4)

إن استعملَهُ في الشَّعر يَجِبُ الدَّم، وإن استعملَهُ في غيرِه، فلا شيءَ عليه، أمَّا الدّهنُ المُطَيِّب: كدهنِ البَنَفْسَج

(5)

، ونحوِه، فيجبُ الدَّمُ اتِّفاقاً للتَّطيُّب.

(1)

ويكون ذلك برجوعه إلى الكوفة.

(2)

خَضَبَ: أي لوَّنه أو غيَّرَ لوْنَه بحُمْرةٍ أو صفرة، أو غيرها، وخضب الرجل شَيْبَه بالحنَّاء يخضِبُه، وإذا كان بغير الحنِّاء قيل: صبغَ شعره. ينظر: «تاج العروس» (2: 336).

(3)

الحَلّ: الشيرج، معرَّبٌ من شيره، وهو دهن السمسم. ينظر:«المصباح المنير» (ص 309)، و «غنية ذوي الأحكام» (1: 240).

(4)

ينظر: «المجموع» (7: 296)، و «الروضة البهية» (2: 362)، وغيرهما.

(5)

البَنَفْسَج: حسنة زهره، ينبت في مواضع ظليلة. ينظر:«تاج العروس» (5: 430)، و «عجائب المخلوقات» (2: 51).

ص: 273

أو لَبِسَ مخيطاً، أو سترَ رأسَه يوماً كاملاً، أو حلقَ ربعَ رأسِه، أو محاجمِه، أو إحدى إبطيه، أو عانتِه، أو رقبتِه، أو قصِّ أظفارَ يديه، ورجليه في مجلسٍ واحد، أو يد، أو رِجْل، أو طافَ للقدوم، أو للصَّدرِ جُنُباً، أو للفرضِ محدثاً. أو أفاضَ من عرفة قبل الإمام، أو تركَ أقلَّ سَبْعِ الفرض، وبتركِ أكثرِهِ بقي محرماً حتَّى يطوفه، أو طوافِ الصَّدر، أو أربعةٍ منه، أو السَّعي، أو الوقوفِ بجَمْع، أو الرَّميُ كلِّه، أو في يومٍ واحد، أو الرَّميِ الأَوَّل، أو أكثرِه

(أو لَبِسَ مخيطاً، أو سترَ رأسَه يوماً كاملاً، أو حلقَ ربعَ رأسِه، أو محاجمِه

(1)

، أو إحدى إبطيه، أو عانتِه، أو رقبتِه، أو قصِّ أظفارَ يديه، ورجليه في مجلسٍ واحد

(2)

، أو يد، أو رِجْل، أو طافَ للقدوم، أو للصَّدرِ جُنُباً، أو للفرضِ محدثاً.

أو أفاضَ من عرفة قبل الإمام

(3)

، أو تركَ أقلَّ سَبْعِ الفرض): أي تركَ ثلاثةَ أشواط، أو أقلَّ من طوافِ الزِّيارة، (وبتركِ أكثرِهِ بقي محرماً حتَّى يطوفه): أي لو تركَ أربعةَ أشواط وأكثر بقي محرماً حتَّى يطوف، (أو طوافِ الصَّدر، أو أربعةٍ منه، أو السَّعي

(4)

، أو الوقوفِ بجَمْع، أو الرَّميُ كلِّه

(5)

، أو في يومٍ واحد، أو الرَّميِ الأَوَّل

(6)

، أو أكثرِه): وهو رميُّ جمرةِ العقبةِ يومَ النَّحر.

(1)

محاجمه: أي مواضع الحجامة. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 9).

(2)

عبارة الشارح في «النقاية» : أو قص أظفار يدٍ أو رجل أو الكلّ في مجلس. ا. هـ. وقيد بمجلس واحد؛ لأنه لو قصَّ أظفار كل يد في مجلس وجب لكل يدٍّ دم عند أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم، وللجميع دمٌ عند محمد رضي الله عنه. وتمامه في «فتح باب العناية» (1: 693).

(3)

المراد بالإمام الغروب، لأنه لما كان الواجب على الإمام النفر بعد الغروب كان النفر معه نفراً بعد الغروب، وإلا فلو غربت فنفروا ولم ينفر الإمام لا شيء عليهم، ولو نفر الإمام قبل الغروب فتابعوه كان عليه وعليهم الدم؛ وذلك لأن الوقوف في جزء من الليل واجب فبتركه يلزم الدم. كما في «رد المحتار» (2: 206)، وينظر:«الاختيار» (1: 209).

(4)

أي كله أو أكثره، وأما تركه أقله فإنه يوجب لكل شوط نصف صاع إلا أن يبلغ دماً فينقص منه ما شاء. ينظر:«غنية ذوي الحكام» (1: 234).

(5)

أي ترك رمي الجمار في الأيام الأربعة كلها فعليه دم؛ لأنه ترك الواجب المتحد الجنس فاكتفي بدم واحد. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 72/أ).

(6)

الرمي الأول نصَّ عليه وإن كان داخلاً في: أو في يوم واحدٍ؛ تبعاً لصاحب «الهداية» (1: 167 - 168) اهتماماً بشأنِه، فإنه لو تركَ رميَ جمرةِ العقبةِ في بقيَّةِ الأيامِ تلزمُهُ صدقةٌ لا دم؛ لأنه أقلُّ الرّمي فيها بخلاف يوم النحر فإنها كلُّ الرمي. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 346).

ص: 274

أو حَلْقٍ في حلٍّ لحجّ، أو عمرة، لا في معتمرٍ رَجَعَ من حلّ، ثُمَّ قَصَّرَ، أو قَبَّلَ، أو لَمِس بشهوةٍ أَنْزلَ أو لا، أو أخَّرَ الحلق، أو طوافَ الفرضِ عن أيَّام النَّحر، أو قَدَّمَ نُسُكاً على آخر، فعليه دَم، فيجبُ دمانِ على قارنٍ إن حلقَ قبل ذبحه

(أو حَلْقٍ في حلٍّ لحجّ، أو عمرة)، فإنَّ الحلقَ اختصَّ بمِنىً

(1)

، وهو من الحرم، (لا في معتمرٍ رَجَعَ من حلّ، ثُمَّ قَصَّرَ): أي إن خرجَ المعتمرُ من الحرم (قبل التَّحلل)

(2)

، ثُمَّ عادَ إليه، وقَصَّرَ لا شيءَ عليه، وإنِّما خُصَّ

(3)

بالمعتمر؛ لأنَّ الحاجَّ إن خرجَ من الحرمِ قبل التَّحليل، ثُمَّ عادَ إلى الحرم يَجِبُ عليه الدَّم

(4)

.

(أو قَبَّلَ، أو لَمِس بشهوةٍ أَنْزلَ أو لا)، اعلم أنَّ قولَهُ: أو قَبَّلَ؛ ليس معطوفاً على قولِه: قَصَّر؛ بل هو معطوفٌ على قولِه: أو حَلَقَ في حِلّ.

(أو أخَّرَ الحلق، أو طوافَ الفرضِ عن أيَّام النَّحر

(5)

، أو قَدَّمَ نُسُكاً على آخر)، كالحلقِ قبل الرَّمي، ونحرِ القارنِ قبل الرَّمي، أو الحلقِ قبل الذَّبح، (فعليه دَم): هذا جوابُ الشَّرط، وهو قولُهُ: إن طيَّبَ محرمٌ عضواً.

(فيجبُ دمانِ على قارنٍ إن حلقَ قبل ذبحه): دمٌ للحلقِ قبل أوانِه، ودمٌ لتأخيرِ الذَّبحِ عن الحلق، وعندهما دم واحد، وهو الأَوَّلُ فقط

(6)

.

(1)

ما تفيده عبارات أئمتنا أن جميع الحرم محل للحلق، ولا يختص وجوب الحلق بمكان منه، فما وقع في الشارح وتبعه به ابن كمال باشا في «الاصلاح» (ق 39/أ) ليس المراد اختصاصُه بمِنىً على سبيل الوجوب، إنما على سبيل السنة؛ لما قال في «الهداية» (1: 168): السُنَّة جرت بالحلق بمنىً، وهو من الحرم. ينظر:«غنية ذوي الأحكام» (1: 243).

(2)

زيادة من أ و ب و س.

(3)

أي هذا الحكم.

(4)

أي يجب على الحاج الحلق في الحرم في أيام النحر، وأما المعتمر فلا يجب عليه الحلق إلا في الحرم ولا يختص حلقه بزمان بالاجماع. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 297).

(5)

فإذا خرجت أيام النحر وحلق في غير الحرم فعليه دمان عند أبي حنيفة رضي الله عنه. ينظر: «التبيين» (2: 63).

(6)

ما ذكره الشارح هنا تبع فيه صاحب «الهداية» (1: 169)، وقد خطّأه شراحها كصاحب «الفتح» (2: 472)، و «الكفاية» (1: 472)، و «العناية» (1: 472)، وغيرهم: بأن أحد الدمين وجب لمجموع التقيديم والتأخير، والآخر دم القران، والدم الذي يجب عندهما دم القران ليس غير لا الحلق قبل أوانه. ينظر:«الدر المختار» وحاشيته «رد المحتار» (2: 209).

ص: 275

وإن طيَّبَ أقلَّ من عضو، أو سترَ رأسَه، أو لَبِسَ مخيطاً أقلَّ من يوم، أو حلقَ أقلَّ من رُبْعِ رأسِه، أو قصَّ أقلَّ من خمسةِ أظفار، أو خمسةً متفرِّقة، أو طافَ للقدوم، أو للصَّدرِ مُحدثاً، أو تركَ ثلاثةً من سَبْعِ الصَّدر، أو إحدى جمارٍ ثلاث، أو حلقَ رأسَ غيرِه تصدَّقَ بنصفِ صاع من بُرّ. وإن طيَّب، أو حلقَ بعذر ذبح، أو تصدَّقَ بثلاثةِ أصوعِ طعامٍ على ستَّةِ مساكين، أو صامَ ثلاثةَ أيام. ووطؤه ولو ناسياً قبل وقوفِ فرض يُفْسِدُ حجَّه، ويمضي ويذبح، ويقضي من قابل ولم يفترقا، وبعد وقوفِهِ لم يفسد، ويجبُ بدنة، وبعد الحلقِ شاة. وفي عمرتِه قبل طوافِه أربعةُ أشواط مفسدٌ لها، فمضى وذَبَحَ وقضى، وبعد

(وإن طيَّبَ أقلَّ من عضو، أو سترَ رأسَه، أو لَبِسَ مخيطاً

(1)

أقلَّ من يوم، أو حلقَ أقلَّ من رُبْعِ رأسِه، أو قصَّ أقلَّ من خمسةِ أظفار، أو خمسةً متفرِّقة، أو طافَ للقدوم، أو للصَّدرِ مُحدثاً، أو تركَ ثلاثةً من سَبْعِ الصَّدر، أو إحدى جمارٍ ثلاث): وهي ما يلي مسجد الخِيف، أو ما يليه، أو العقبة في يومٍ بعد يوم النَّحر، (أو حلقَ رأسَ غيرِه تصدَّقَ بنصفِ صاع

(2)

من بُرّ.

وإن طيَّب، أو حلقَ بعذر

(3)

): أي طيَّبَ عضواً، أو حلقَ رُبْعَ رأسِه، (ذبح، أو تصدَّقَ بثلاثةِ أصوعِ

(4)

طعامٍ على ستَّةِ مساكين، أو صامَ ثلاثةَ أيام.

ووطؤه ولو ناسياً قبل وقوفِ فرض يُفْسِدُ حجَّه، ويمضي ويذبح، ويقضي (من قابل)

(5)

ولم يفترقا): أي ليس عليه أن يفارقَها في قضاءِ ما أفسداه، وعند مالك

(6)

رضي الله عنه يفارقِها إذا خرجا من بيتِهما، وعند زُفَرَ رضي الله عنه إذا أحرما، وعند الشَّافِعِيِّ

(7)

رضي الله عنه إذا بلغا المكانَ الذي واقعَها فيه. (وبعد وقوفِهِ لم يفسد، ويجبُ بدنة، وبعد الحلقِ شاة.

وفي عمرتِه قبل طوافِه أربعةُ أشواط

(8)

مفسدٌ لها، فمضى وذَبَحَ وقضى، وبعد

(1)

زيادة من أ و ب و س.

(2)

وهو ما يساوي (1.016) كغم. ينظر: «المقادير الشرعية» (ص 207).

(3)

كعلةٍ وقمل ومنه الجهل أو النسيان. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 293).

(4)

وهي تساوي (9.108) كغم. ينظر: «المقادير الشرعية» (ص 207).

(5)

زيادة من م.

(6)

ينظر: «المدونة» (1: 459)، و «المنتقى شرح الموطأ» (3: 4)، وغيرهما.

(7)

ينظر: «المجموع» (7: 396)، و «أسنى المطالب» (1: 513)، و «تحفة المحتاج» (1: 178)، وغيرها.

(8)

زيادة من أ و ب و س.

ص: 276

أربعةٍ ذبحَ ولم تفسد، فإن قتلَ محرمٌ صيداً، أو دلَّ عليه قاتلَهُ بدءاً، أو عوداً سهواً، أو عمداً، فعليه جزاؤُه، ولو سَبُعاً أو مُستأنساً، أو حماماً مسرولاً، وهو مضطرٌ إلى أكلِه، وجزاؤُه ما قوَّمه عدلان في مقتلِه، أو أقربَ مكانٍ منه، لكن في السَّبُعِ لا يزيدُ على شاة، ثُمَّ له أن يشتري به هدياً، ويذبحَهُ بمكَّة، أو طعاماً ويتصدَّقَ بمكَّة على كلِّ مسكينٍ نصفَ صاعٍ من بُرّ، أو صاعٍ من تمر، أو شعيرٍ لا أقلَّ منه، أو صامَ عن كلِّ مسكينٍ يوماً، وإن فَضُلَ أقلُّ من طعام مسكين تصدَّقَ به أو صام يوماً

أربعةٍ ذبحَ ولم تفسد): أي وطئُهُ في عمرتِهِ قبل أن يطوفَ أربعةَ أشواطٍ مفسدٌ للعمرة، فيجبُ المضي فيها، والذَّبح، والقضاء، وبعد أربعةِ أشواطٍ يجبُ به الذَّبحُ ولا تفسدُ به العمرة.

(فإن قتلَ محرمٌ صيداً، أو دلَّ عليه قاتلَهُ بدءاً، أو عوداً): أي سواءٌ كان أَوَّلَ مرَّة أو لا، (سهواً، أو عمداً، فعليه جزاؤُه، ولو سَبُعاً): أي لو كان الصَّيد سَبُعاً، (أو مُستأنساً

(1)

، أو حماماً مسرولاً

(2)

، وهو مضطرٌ إلى أكلِه، وجزاؤُه ما قوَّمه عدلان في مقتلِه، أو أقربَ مكانٍ منه): أي إن لم يكن له قيمةٌ في مقتلِهِ يقوَّمُ في أقربِ مكانٍ من مقتلِه، يكون له فيه قيمة.

(لكن في السَّبُعِ لا يزيدُ على شاة، ثُمَّ له أن يشتري به هدياً، ويذبحَهُ بمكَّة، أو طعاماً ويتصدَّقَ بمكَّة

(3)

على كلِّ مسكينٍ نصفَ صاعٍ من بُرّ، أو صاعٍ من تمر، أو شعيرٍ لا أقلَّ منه، أو صامَ عن كلِّ مسكينٍ يوماً، وإن فَضُلَ أقلُّ

(4)

من طعام مسكين تصدَّقَ به أو صام يوماً) هذا عند أبي حنيفةَ وأبي يوسفَ رضي الله عنهم.

وأما عند محمَّدٍ رضي الله عنه والشَّافِعِيِّ

(5)

رضي الله عنه

فإن كان للصَّيد مِثْلٌ صورةً يجبُ ذلك، ففي

(1)

لأنه صيدٌ في الأصل، فلا يبطلُهُ الاستئناس كالبعير إذا ندَّ لا يأخذُ حكمَ الصيدِ في الحرمةِ على المحرم. ينظر:«فتح القدير» (3: 90).

(2)

الحمام المسرول: هو الذي يكون في رجله ريشٌ، كأنه سراويل. ينظر:«الجوهرة النيرة» (1: 177).

(3)

زيادة من ق.

(4)

زيادة من ت و ق و ف و م.

(5)

ينظر: «الأم» (7: 257)، و «التنبيه» (ص 52)، و «الغرر البهية» (2: 360).

ص: 277

ويجبُ بجرحِهِ ونتفِ شعرِه، وقطعِ عضوه ضمانُ ما نقصَ

الظَّبيِّ

(1)

والضَّبعِ

(2)

شاة، وفي الأرنب عَنَاق

(3)

، وفي اليَرَبوعِ

(4)

جفرة

(5)

، وفي النَّعامة بدنة، وفي حمارِ الوحشِ بقرة، وفي الحمامِ شاة، والمُتَمَسَّكُ في هذا الباب قولُهُ تعالى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}

(6)

، فمحمَّدٌ والشَّافِعِيُّ رضي الله عنهم يحملانِ المِثْلِ على المِثْلِ صورةً بدليلِ تفسيرِ المِثْلِ بالنَّعَم.

ونحنُ نقولُ: المِثْلُ في الضَّماناتِ لم يعهد في الشَّرع، إلاَّ وأن يرادَ به المثلُ صورةً ومعنىً في المثليات، أو معنىً: وهو القيمةُ في غيرِ المثليات.

أمَّا البقرةُ فلم تعهدُ مِثْلَ حمارِ الوحشي، وكذا البَدَنةُ للنَّعامة، وكذا البَواقي.

فقولُهُ: {مِنَ النَّعَمِ} : أي كائنٌ من النَّعم، فالمعنى أن الواجبَ جزاءٌ مماثلٌ لما قتلَه، وهو القيمةُ كائنٌ من النِّعَم، بأن يشتري بتلك القيمةِ بعضَ النَّعَم.

ثُمَّ قولُهُ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} يؤيّدُ هذا المعنى، فإنَّ التَّقويمَ يحتاجُ إلى رأي العدول، ولولا التَّقويمُ أوَّلاً كيف يثبتُ الاختيارُ بين النَّعَمِ والكفارةِ والصِّيام؟

وأيضاً: لو لم يكنْ له نظيرٌ من النَّعَم، فعند محمَّدٍ والشَّافِعِيِّ

(7)

رضي الله عنه يجبُ ما يجبُ عند أبي حنيفةَ أوَّلاً، فيحملُ المِثْلُ على القيمةِ ولا دلالةَ للآيةِ على هذا المعنى.

(ويجبُ بجرحِهِ ونتفِ شعرِه، وقطعِ عضوه ضمانُ

(8)

ما نقصَ

(9)

.

(1)

الظَّبيّ: الغزال. ينظر: «حياة الحيوان» (2: 102)، و «المصباح المنير» (ص 385).

(2)

الضبع: حيوان قليل العدو، قبيح المنظر ينهش القبور ويخرج الجيف، العرب تزعم أنها لا تأكل إلا لحوم الشجعان. ينظر:«عجائب المخلوقات» (2: 234).

(3)

عَنَاق: هي الأنثى من أولاد المعز. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 35).

(4)

اليَرَبوع: وهو حيوان طويل الرجلين، قصير اليدين جداً، وله ذنب كذنب الجرذ، لا يرفعه صعداً، في طرفه شبه النوارة، لونه كلون الغزال. ينظر:«حيواة الحيوان» (2: 408).

(5)

جَفْرَة: الأنثى من أولاد المعز إذا بلغت أربعة أشهر. ينظر: «المغرب» (86).

(6)

من سورة المائدة، الآية (95).

(7)

ينظر: «الأم» (2: 210)، و «حاشيتا قليوبي وعميره» (2: 178)، و «فتوحات الوهاب» (2: 530)، وغيرها.

(8)

زيادة من م.

(9)

أي من قيمته، ويكون بتقويمه صحيحاً ثم ناقصاً ويحسب الفرق بينهما. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 351).

ص: 278

وبنتفِ ريشِه، وقطعِ قوائمِه، وكسرِ بيضِه، وكسره وخروجِ فَرخٍ ميِّت. وذبحِ الحلالِ صيدَ الحرم، وحلبِه، وقطعِ حشيشِهِ وشجرِه غيرِ مملوك، ولا مُنْبَتٍ قيمتُهُ إلاَّ ما جَفّ

و

(1)

بنتفِ ريشِه، وقطعِ قوائمِه، وكسرِ بيضِه

(2)

، وكسره

(3)

وخروجِ فَرخٍ

(4)

ميِّت.

وذبحِ الحلالِ

(5)

صيدَ الحرم، وحلبِه، وقطعِ

(6)

حشيشِهِ وشجرِه غيرِ مملوك

(7)

، ولا مُنْبَتٍ قيمتُهُ إلاَّ ما جَفّ): أي يجبُ بنتفِ ريشِهِ إلى آخرِه قيمتُه، ففي نتفِ الرِّيش، وقطعِ القوائم يجبُ قيمةُ الصَّيد؛ لإخراجِهِ عن حيزِ الامتناع

(8)

، وفي كسرِ البيضِ تجب قيمةُ البيضِ، وفي كسرِهِ مع خروجِ فرخٍ ميِّتٍ تجب قيمةُ الفرخِ حيَّاً، وفي الحلبِ قيمةُ اللَّبَن.

قولُهُ: ولا مُنْبَت: أي ليس ممَّا يُنْبِتُهُ النَّاس، ولم يُنْبِتْهُ أحدٌ بل نَبَتَ بنفسِه، فحينئذٍ إن لم يكن مملوكاً فعليه قيمتُه إلاَّ ما جَفّ، وإن كان مملوكاً، وقد قطعَهُ غيرُ المالك، فعليه مع وجوبِ تلك القيمةِ قيمةٌ أُخْرَى للمالك، سواءٌ جَفَّ أو لا.

وإنِّما قلنا: إنَّه ليس ممَّا يُنْبِتُهُ النَّاس، ولم يُنْبِتْهُ أحدٌ حتَّى لو كان ممَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عادة، فلا شيءَ فيه سواءٌ أنبتَهُ إنسانٌ أو لا؛ لأن كونَهُ ممَّا يُنْبِتُهُ النَّاس أقيمَ مقامَ الإنباتِ تيسيراً؛ لأنَّ مراعاتَهُ في كلِّ شجرةٍ متعذِّرة، فإذا أقيمَ مُقَامَ الإنبات، والإنباتُ سببُ للملك، فلم يتعلَّقْ به حرمةُ الحرم.

(1)

أي وتجب القيمة كاملةً

.

(2)

إلا أن يكون فاسداً فلا شيء عليه؛ لأن ضمانها ليس لذاتها بل لعرضية أن تصير صيداً وهو مفقود في الفاسدة. ينظر: «رد المحتار» (2: 216).

(3)

سقطت من ت و ج و م.

(4)

الفَرْخُ: من كُلِّ بائِضٍ كالولدِ مِنْ الإِنسَانِ. ينظر: «المصباح المنير» (ص 467).

(5)

قيدَ به لأن المحرمَ ممنوعٌ مطلقاً من ذبحِ الصيدِ صيد حرم كان أو صيد حلّ، وعليه كفارتُهُ بخلافِ الحلال، فإنه يحلُّ له صيدُ الحلّ لا الحرم. ينظر:«العمدة» (1: 351).

(6)

القاطع أعمّ من أن يكون محرماً أو غيره.

(7)

أي للقاطع؛ وقيد به لأنه لو قطعه غير مالكه لزمه قيمتان، قيمة لحق الشارع، وقيمة لحق المالك. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 711).

(8)

لأنه فوت عليه الأمن بتفويت آلة الامتناع فيضمن جزاءه. ينظر: «درر الحكام» (1: 248).

ص: 279

ولا صومَ في الأربعة، ولا يُرعى الحشيش، ولا يُقطع إلاَّ الإذْخَر. وبقتلِ قملة، أو جرادةٍ صدقة، وإن قلَّت.

وإن كان ممَّا لا يُنْبِتُهُ النَّاس عادة، فإن أنبتَهُ إنسانٌ فلا شيءَ فيه لما ذَكَرْنا، وإن لم يُنْبِتْهُ إنسانٌ ففيه القيمة.

فَعُلِمَ من هذا أن الأقسامَ أربعة

(1)

، ولا قيمةَ إلاَّ في قسمٍ واحد

(2)

.

وعُلِمَ أيضاً: أنَّ التَّقييدَ بعدم الإنباتِ ذُكِرَ؛ لإفادةِ نفي الحكمِ عمَّا عداه، كما ذَكَرْنا، لكنَّ التَّقييدِ بعدمِ المملوكية لم يذكر؛ لإفادةِ هذا المعنى؛ إذ في صورةِ وجوبِ القيمةِ لو كان مملوكاً، فتلك القيمةُ واجبةٌ مع أنَّه تجب قيمةٌ أُخرى؛ بل ليفيدَ أنَّ هذا الضَّمان واجبٌ لا غير؛ بسبب تعلُّقِ حرمةِ الحرم.

(ولا صومَ في الأربعة

(3)

): أي لا صومَ في ذبحِ صيدِ الحرمِ وحلبِه، وقطعِ حشيشِهِ وشجرِه.

(ولا يُرعى الحشيش، ولا يُقطع إلاَّ الإذْخَر

(4)

.

وبقتلِ قملة

(5)

، أو جرادةٍ صدقة، وإن قلَّت

(6)

.

(1)

وهي:

الأول: مما ينبته الناس عادة، وأنبته إنسان.

والثاني مما ينبته الناس، ولم ينبته إنسان.

والثالث: مما ينبته الناس، وأنبته إنسان.

والرابع: وهو ليس مما ينبته الناس، ونبت بنفسه.

(2)

وهو ما لا ينبته الناس، ونبت بنفسه.

(3)

لكن يجوز الطعام والهدي. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 302).

(4)

الإذخر: بالكسر: نبات طيب الرائحة، واستثني لكثرة استعماله في بيوت أهل مكة وقبورهم. ينظر:«عجائب المخلوقات» (2: 44)، و «ذخيرة العقبى» (ص 166).

(5)

قَمْلة: وهي تتولد من العرق والوسخ في بدن الإنسان إذا علاه ثوب او شعر؛ لأن العرق يتعفن من دفاء الثوب أو الشعر، فيتولد منه القمل، وتمامه في «عجائب المخلوقات» (2: 356). وينظر: «المصباح» (ص 517).

(6)

أي ككف من الطعام وكسرة من خبز. كما في «فتح باب العناية» (1: 714). وفي «البحر» (3: 39): ففي الثلاث من القمل والجراد وما دونها يتصدق بما يشاء، وفي الأربع فأكثر يتصدق بنصف صاع.

ص: 280

ولا شيءَ بقتلِ غراب، وحِدأة، وعَقْرَب، وحيَّة، وفأرة، وكلبٍ عَقور، وبعوض، وبُرْغوث، وقُراد، وسُلحفات، وسَبُعٍ صائل. له ذبحُ الشَّاة، والبقر، والبعير، والدَّجاج، والبَطِّ الأهلي، وأكلُ ما صادَهُ حلالٌ وذبحَهُ بلا دلالةِ محرم، وأمرِهِ به.

ولا شيءَ بقتلِ غراب

(1)

، وحِدأة

(2)

، وعَقْرَب، وحيَّة، وفأرة، وكلبٍ عَقور

(3)

، وبعوض

(4)

، وبُرْغوث

(5)

، وقُراد

(6)

، وسُلحفات، وسَبُعٍ صائل

(7)

.

وله ذبحُ الشَّاة، والبقر، والبعير، والدَّجاج، والبَطِّ الأهلي

(8)

، وأكلُ ما صادَهُ حلالٌ وذبحَهُ

(9)

بلا دلالةِ محرم، وأمرِهِ به.

(1)

غراب: أي الغراب الأبقع الذي يأكل الجيف دون ما يأكل الزرع، والأبقع: ما خالط بياضه لون آخر. ينظر: «فتح باب العناية» (1: 715).

(2)

حِدأة: بالكسر: وهي طائر من الجوارح، وهو أخس الطير، يغلبه أكثر الطيور، وينقض على الجُرْذان والدواجن، والغراب يسرق بيض الحدأة ويترك مكانه بيضه فالحدأة تحضنها فإذا فرخت فالحدأة الذكر تعجب من ذلك ولا يزال يزعق ويضرب الأنثى حتى يقتلها، وكنيته أبو الخطاف وأبو الصلت، ينظر:«حياة الحيوان» (1: 229)، و «عجائب المخلوقات» (2: 259)، و «المعجم الوسيط» (ص 159).

(3)

كلبٌ عَقُورٌ: هو كُلّ سَبُعٍ يَعْقِرُ من الأَسَدِ والْفَهْدِ والنَّمِرِ والذِّئْب، وعقر: أي جرح. ينظر: «الصحاح» (2: 137)، و «المصباح» (422)، و «التبيين» (2: 67).

(4)

بعوض: وهو حيوان في غاية الصغر على صورة الفيل وكل عضو خلق للفيل فللبعوض مثله مع زيادة جناحين، واشتقاقه من البعض؛ لأنها كبعض البقة. ينظر:«عجائب المخلوقات» (2: 303)، «غنية ذوي الأحكام» (1: 251).

(5)

بُرْغوث: وهو أسود أحدب ضامر، إذا وقع نظر الإنسان عليه أو أحس به فيثب تارة إلى اليمين وتارة إلى الشمال حتى يغيب عن نظر الإنسان. ينظر:«مختار الصحاح» (ص 49)، و «عجائب المخلوقات» (2: 302).

(6)

قُرَاد: وهو من أنواع الحَلَمة الثلاثة، وهي: قُراد وحَنَّانة وحَلَم، فالقُراد أصغر، والحَنَّانة أوسطها، والحَلَمة أكبرُها، ولها دم سائل. ولا شيء فيه؛ لأنه ليست بصيد ولا متولدة من البدن، ينظر:«فتح باب العناية» (1: 716)، «رد المحتار» (1: 185).

(7)

سَبُع صائل: أي قاهر حامل على المحرم من الصولة، أو الصالة بالهمز، فهو حيوان لا يمكن دفعه إلا بالقتل، فلو أمكن بغيره فقتله لزمَهُ الجزاء كما تلزمُهُ قيمته لو مملوكاً. ينظر:«الدر المختار» وحاشيته لابن عابدين (2: 571).

(8)

لأنها ليست بصيود، وقيد البط بالأهلي؛ لأن البط الذي يطير صَيْدٌ يجب الجزاء بقتله. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 74/أ).

(9)

أي الحلال، وهي معطوفة على صاده.

ص: 281

ومَن دخلَ الحرمَ بصيدٍ أرسلَه، ورَدَّ بيعَهُ إن بقيَ، وإلا جزى كبيعِ المحرمِ صيدَه، لا صيداً في بيتِه، أو في قفصٍ معه إن أحرم، ومَن أرسلَ صيداً في يدِ محرمٍ إن أخذَهُ حلالاً ضَمِن، وإلاَّ فلا. فإن قتلَ محرمٌ صيدَ مثلِه، فكلٌّ يجزئ جزاءً كاملاً، ورَجَعَ آخِذُهُ على قاتلِه. وما به دمٌ على المفردِ فعلى القارنِ دمان إلاَّ

ومَن دخلَ الحرمَ

(1)

بصيدٍ أرسلَه، ورَدَّ بيعَهُ إن بقيَ): أي ردَّ البيعَ الذي أتى به في إحرامه بعد دخولِهِ في الحرمِ إن بقيَ الصَّيدُ في يدِ المشتري، (وإلا جزى

(2)

كبيعِ المحرمِ صيدَه): أي ردَّ بيعَهُ إن بقي، وإلاَّ جزى سواءٌ باعَهُ من محرمٍ أو حلال.

(لا صيداً في بيتِه، أو في قفصٍ معه إن أحرم): أي إن أحرمَ وفي بيتِه، أو قفصِهِ صيدٌ ليس عليه أن يرسلَه، لأن الإحرامَ لا يُنافي مالكيّةَ الصَّيدِ ومحافظتِه، بخلاف مَن دَخَلَ الحرمَ بصيد، فإنَّ الصَّيدَ صارَ صيدَ الحرم، فيجبُ تركُ التَّعرضِ له.

(ومَن أرسلَ صيداً في يدِ محرمٍ إن أخذَهُ

(3)

حلالاً ضَمِن، وإلاَّ فلا

(4)

.

فإن قتلَ محرمٌ

(5)

صيدَ مثلِه، فكلٌّ يجزئ (جزاءً كاملاً)

(6)

، ورَجَعَ آخِذُهُ على قاتلِه.

وما به دمٌ على المفردِ فعلى القارنِ دمان)

(7)

: دمٌ لحجَّته، ودمٌ لعمرته

(8)

، (إلاَّ

(1)

سواء كان حلالاً أو محرماً ويكون الصيد في يده الجارحة حقيقة، فإن عليه إرساله على وجهٍ غير مضيّعٍ له كأنه يودعه أو يرسله في قفص، وليس المراد من إرساله تسييبه؛ لان تسييب الدابة حرام ولا يخرج عن ملكه بهذا الإرسال، فله إمساكه في الحل وأخذه ممن أخذه. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 300).

(2)

أي يلزمه الجزاء بالماء بتفويت الأمن الذي استحقه الصيد. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 301).

(3)

أي أخذ المحرم الصيد وهو حلال.

(4)

أي إن أخذه المحرم الصيد وهو محرم فلا يضمن المرسل.

(5)

أي إن أخذ محرم صيداً فقتله محرم آخر ضمن كل واحد منهما جزاءً تاماً، ثم يرجع الآخذ بما ضمن من الجزاء على القاتل. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 88).

(6)

زيادة من ص.

(7)

وكذا الصدقة تتعددُ على القارن والمتمتع وهذا التعدد يكون في الجنايات التي لا اختصاص لها بأحد النسكين كلبس المخيط والتطيب والحلق والتعرض للصيد، أما ما يختص بأحدهما فلا كترك الرمي وطواف الصدر والوقوف بالمزدلفة وإمداد الوقوف بعرفة إلى الغروب. ينظر:«الجوهرة النيرة» (1: 178)، و «غنية ذوي الأحكام» (1: 253).

(8)

في م: لعمرة.

ص: 282

بجوازِ الوقتِ غيرُ محرم، ويُثَنَى جزاءُ صيدٍ قتلَهُ محرمان، واتَّحدَ لو قتلَ صيدُ الحرمِ حلالان، باعَ المحرمُ صيداً، أو شراهُ بطل، ولو ذبحَهُ حَرُم، ولو أكلَ منه غَرِمَ قيمةَ ما أكل، لا محرمٌ لم يذبحْه، ولدت ظبيةٌ أخرجتْ من الحرم، وماتا غرمَهما، وإن أدَّى جزاءَها، ثُمَّ وَلَدَت، لم يُجْزِه.

بجوازِ الوقتِ غيرُ محرم): والمرادُ بالوقتِ الميقات؛ لأنَّ الواجبَ عليه عند الميقاتِ إحرامٌ واحد.

(ويُثَنَى جزاءُ صيدٍ قتلَهُ محرمان، واتَّحدَ لو قتلَ صيدُ الحرمِ حلالان): فإنَّ ذلك

(1)

جزاءُ الفعل، والفعلُ متعدد، وجزاءُ صيدِ الحرمِ جزاءُ المحل، والمحلُ واحد

(2)

.

(باعَ المحرمُ صيداً، أو شراهُ بطل

(3)

، ولو ذبحَهُ حَرُم، ولو أكلَ منه غَرِمَ قيمةَ ما أكل، لا محرمٌ لم يذبحْه): أي لو أكلَ محرمٌ آخرَ لم يَغْرَمْ.

(ولدت ظبيةٌ أخرجتْ من الحرم، وماتا غرمَهما): أي جزاءُ الظَّبيةِ والولد

(4)

، (وإن أدَّى جزاءَها، ثُمَّ وَلَدَت، لم يُجْزِه)

(5)

.

(1)

راجع على محرمين.

(2)

اي فيما كان الصيد من حلالين.

(3)

أي الشراء، وعلى البائع والمشتري جزاؤه إذا كانا محرمين، وهذا إذا اصطاده، وهو محرم وباعه، وهو محرم أما إذا اصطاده وهو حلال وباعه وهو محرم فالبيع فاسد، ولو اصطاده وهو محرم وباعه وهو حلال جاز البيع، ولو اشترى حلالٌ من حلال صيدا فلم يقبضه حتى أحرم أحدهما بطل البيع. ينظر:«الجوهرة النيرة» (1: 178).

(4)

لأن الصيد بعد الاخراج من الحرم بقي مستحق الأمن شرعاً؛ ولهذا وجب رده إلى مأمنه، وهذه صفة شرعية تسري إلى الأولاد. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 302).

(5)

أي ليس عليه جزاء الولد إذ بعد أداء جزاء الأم لم تبق آمنة؛ ولعدم سراية الأمن للولد حينئذ. ينظر: «درر الحكام» (1: 254)، و «الدر المنتقى» (1: 302).

ص: 283

‌باب مجاوزة الوقت بغير إحرام

آفاقيٌّ يريدُ الحجَّ أو العمرةَ جاوزَ وقتَه، ثُمَّ أحرمَ لَزِمَه دمٌ، فإن عادَ فأحرم

[باب مجاوزة الوقت بغير إحرام]

(1)

(آفاقيٌّ يريدُ الحجَّ أو العمرةَ

(2)

جاوزَ وقتَه): أي ميقاتَه، (ثُمَّ أحرمَ لَزِمَه دمٌ، فإن عادَ فأحرم): أي إنِّما قال

(3)

: يريدُ الحجّ أو العمرة؛ حتَّى إنَّه لو لم يُرِدْ شيئاً منهما لا يجبُ عليه شيء؛ لمجاوزة الميقات

(4)

.

وقولُهُ: ثُمَّ أحرمَ؛ لا احتياجَ إلى هذا القيد، فإنَّه لو لم يُحْرِمْ يَجِبُ عليه الدَّم أيضاً، فحقُّ الكلامِ أن يقولَ جاوزَ وقتَهُ لَزِمَهُ دَم، ويمكنُ أن يجابَ عنه

(5)

: بأنَّه إنِّما ذكرَ قولَهُ: ثُمَّ أحرمَ؛ لِيُعْلَمَ أنَّ الدَّمَ لا يسقطُ بهذا الإحرامِ بخلافِ ما إذا عادَ إلى الميقات، فأحرم، فإنَّه يَسقُطُ الدَّمُ حينئذٍ؛ لأنَّهُ تداركَ حقَّ الميقات.

ثُمَّ قولُهُ: فإن عادَ فأحرمَ؛ معناهُ: أنَّه لو لم يحرمْ من الميقات، فعادَ إلى الميقاتِ فأحرم، فإنَّه يسقطُ الدَّمُ اتِّفاقاً.

(أو محرماً

(6)

لم يشرعْ في نُسُك ولَبَّى سقطَ دَمُه، وإلاَّ فلا

(7)

): أي إن أحرمَ بعد

(1)

زيادة من ف.

(2)

التقييد بالحج أو العمرة اتفاقي، وهو كناية عن إرادة دخول مكة؛ لأن من دخل مكة للسياحة والتجارة وجاوز الميقات دون إحرام يلزمه دم، ينظر:«التعليق الممجد» (2: 350 - 351).

(3)

سقطت من م.

(4)

ما صدر عن الشارح وتبعه فيه ابن كمال باشا في «الاصلاح» (ق 40/ب)، وملا خسرو في «درر الحكام» (1: 254)، والحصكفي في «الدر المختار» (2: 580) من اعتبار قيد: يريد الحج أو العمرة؛ قد أخذه المصنف من «الهداية» (1: 177)، لكن شرّاح الهداية كابن الهُمام في «فتح القدير» (3: 11) نبَّهوا على أن ظاهر العبارة موهم، ويفهم منها كما فهم صدر الشريعة؛ وكافة الكتب ناطقة بأنَّ من جاوز الميقات يريد مكَّة فعليه الإحرام، وهو ما صرح به صاحب «الهداية» (1: 136) في المواقيت. وينظر: «غنية ذوي الحكام» (1: 254)، و «رد المحتار» (2: 580).

(5)

أي عن هذا الإيراد الوارد بذكر قيد: ثم أحرم.

(6)

أي عاد إلى الميقات حال كونه محرماً في الطريق. ينظر: «درر الحكام» (1: 254).

(7)

أي فإن عادَ إلى الميقات بعد الشروعِ في النُّسُك، أو لم يُلَبّ فيه لم يسقط.

ص: 284

كمكِّيٍّ يريدُ الحجّ، ومتمتعٌ فرغَ من عمرتِه، وخرجا من الحرمِ وأحراما، فإن دَخَلَ كوفيٌّ البُستان؛ لحاجةٍ فله دخولُ مكَّةَ غيرَ محرم، ووقتُهُ البُستانَ كالبُستاني، ولا شيءَ عليهما، إن أحراما من الحلِّ ووقفا بعرفة، ومَن دخلَ مكَّةَ بلا إحرامٍ لزمَهُ حجّ أو عمرة، وصحَّ منه لو حجَّ عمَّا عليه

المجاوزة، ثُمَّ عادَ إلى الميقاتِ قبل أن يشرعَ في نُسُك مُلَبيَّاً، سقط الدَّمُ عندنا، خلافاً لزُفر رضي الله عنه، فإنَّه لا يسقطُ الدَّمُ عنده.

وإنِّما قال: لم يشرعْ في نُسُكٍ؛ حتَّى لو أحرمَ وشرعَ في نُسُك، ثُمَّ عادَ إلى الميقاتِ مُلَبِّياً لا يسقطُ الدَّمُ إجماعاً.

وإنِّما قال: وَلَبَّى؛ احترازاً عن قولِهما: فإن العودَ إلى الميقاتِ محرماً كافٍ؛ لسقوطِ الدَّمِ عندهما، وأمَّا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه فلا بُدَّ أن يعودَ محرماً مُلَبِّياً.

(كمكِّيٍّ يريدُ الحجّ، ومتمتعٌ فرغَ من عمرتِه، وخرجا من الحرمِ وأحراما): تشبيه بالمسألة المتقدِّمةِ في لزومِ الدَّم، فإنَّ إحرامَ المكِّيِّ من الحَرم، والمتمتعُ بالعمرة لَمَّا دخلَ مكَّة، وأتى بالعمرة صارَ مكِّيَّاً، وإحرامُهُ من الحرم، فيجبُ عليهما دمٌ لمجاوزةِ الميقات، بلا إحرام.

(فإن دَخَلَ كوفيٌّ

(1)

البُستان؛ لحاجةٍ فله دخولُ مكَّةَ غيرَ محرم، ووقتُهُ البُستانَ كالبُستاني): بُستان بني عامرٍ موضعٌ داخلَ الميقات، خارج الحرم، فإذا دخلَهُ لحاجةٍ لا يجبُ عليه الإحرام؛ لكونِهِ غيرُ واجبِ التَّعظيم، فإذا دخلَهُ إلتحقَ بأهلِه، ويجوزُ لأهلِهِ دخولُ مكَّةَ غيرَ محرم؛ لكنَّ إن أرادَ

(2)

الحجّ، فوقتُهُ البُستان: أي جميعُ الحلّ الذي بين البُستانِ والحرمِ كالبُستاني. (ولا شيءَ عليهما): أي لا شيءَ على البُستاني، وعلى مَن دَخَلَه، (إن أحراما من الحلِّ ووقفا بعرفة)؛ لأنَّهما أحرما من ميقاتِهما.

(ومَن دخلَ مكَّةَ بلا إحرامٍ لزمَهُ حجّ أو عمرة، وصحَّ منه

(3)

لو حجَّ عمَّا عليه

(1)

وهذا بطريق التمثيل، وكذا ذكرُ بستانِ بني عامر، فإن الحكمَ في كلِّ آفاقي لا يريدُ دخولَ مكَّة، بل مكاناً من الحلّ ما بين الميقات وبين مكة. ينظر:«العمدة» (1: 358).

(2)

أي الكوفي الذي دخل البستان لحاجة الحج

(3)

أي أجزأه عما لزمه بالدخول، لو أحرم عما عليه من حجة الإسلام أو نذر، أوعمرة منذورة، لكن في عامه ذلك لتدارك المتروك في وقته لا بعده؛ لصيرورته ديناً بتحويل السنة. ينظر:«الدر المختار» (2: 228).

ص: 285

في عامه ذلك، لا بعده. جاوزَ وقتَهُ فأحرم بعمرة وأفسدَها، مضى وقضى، ولا دَمَ عليه؛ لترك الوقت.

‌باب إضافة الإحرام إلى الإحرام

مكِّيٌّ طافَ لعمرتِهِ شوطاً، فأحرمَ بالحجِّ رفضَهُ وعليه دَم، وحجّ، وعمرة، فلو أتمَّهما صحَّ وذبح

في عامه ذلك، لا بعده.

جاوزَ وقتَهُ

(1)

فأحرم بعمرة وأفسدَها، مضى وقضى، ولا دَمَ عليه؛ لترك الوقت)، فإنَّهُ يصيرُ قاضياً حقَّ الميقاتِ بالإحرام منه في القضاء.

[باب إضافة الإحرام إلى الإحرام]

(2)

(مكِّيٌّ

(3)

طافَ لعمرتِهِ شوطاً، فأحرمَ بالحجِّ رفضَهُ وعليه دَم، وحجّ، وعمرة).

الدَّمُ؛ لأجل الرَّفض

(4)

.

والحجُّ والعمرة؛ لأنَّه فائتُ الحجّ

(5)

، وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا عندهما: يرفضُ العمرة.

وإنِّما قال: طافَ شوطاً؛ لأنَّه لو طافَ أربعةَ أشواطٍ يرفضُ إحرام الحجِّ اتِّفاقاً.

(فلو أتمَّهما صحَّ وذبح)؛ لأنَّه أتى بأفعالِهما، لكنَّه منهيٌّ عنه، والنَّهي عن الأفعالِ الشَّرعيَّةِ يحقِّقُ المشروعيَّة؛ لكن يجبُ دمٌ للنُّقصان

(6)

.

(1)

أي الميقات بلا إحرام.

(2)

زيادة من ف.

(3)

قيَّدَهُ به؛ لأن الآفاقي إن أحرمَ بعمرةٍ فطافَ لها شوطاً، ثم أحرمَ بحجَّة يمضي في الحجّ؛ لأنَّ بناءَ أفعالِ الحجّ على أفعالِ العمرةِ في حقِّه صحيح. ينظر:«البناية» (3: 796).

(4)

الرفض: التركُ، وينبغي أن يكون الرفضُ بالفعل بأن يحلقَ مثلاً بعد الفراغِ من أفعالِ العمرة؛ لقصد ترك الحج، وإن حصلَ به التحلل من العمرة؛ ولا يكتفى بالقول والنية؛ لأنه جعله في «الهداية» تحللاً، ولا يكون إلا بفعل شيء من محظورات الإحرام. ينظر:«البحر» (3: 55).

(5)

إذ أنه عجز عن المضي في الحج بعد شروعه وعلى فائته حج وعمرة. ينظر: «درر الحكام» (1: 256).

(6)

أي في أداء النُّسُك؛ لكون المكِّيّ ممنوعاً عن القران. ينظر: «العمدة» (1: 359).

ص: 286

ومَن أحرمَ بالحجّ، وحجّ، ثُمَّ يومَ النَّحر بآخر، فإن حلَقَ للأَوَّلِ لَزِمَهُ الآخر، بلا دَم، وإلاَّ فمع دمٍ قَصَّرَ أو لا، ومَن أتى بعمرةٍ إلاَّ الحلق، فأحرمَ بأُخْرَى ذبح. آفاقيٌّ أحرمَ به، ثُمَّ بها لَزِماه، وتبطل هي بالوقوفِ قبل أفعالِها لا بالتَّوجُّه، فإنْ طافَ له، ثُمَّ أحرمَ بها فمضى عليهما ذَبَح، ونُدِبَ رفضُها، فإن رفضَ قضى وأراق. وإن حجَّ فأهلَّ بعمرةٍ يومَ النَّحر، أو في ثلاثةٍ تليه لزمَتْه، ورُفِضَت وقُضِيت مع دم، وإن مضى عليهما صحّ

(ومَن أحرمَ بالحجّ، وحجّ

(1)

، ثُمَّ يومَ النَّحر بآخر، فإن حلَقَ للأَوَّلِ لَزِمَهُ الآخر، بلا دَم، وإلاَّ فمع دمٍ قَصَّرَ أو لا)

(2)

: أي إن أحرمَ بالحجَّ وحجّ، ثُمَّ أحرمَ يومَ النَّحر بحجَّةٍ أُخرى في العامِ القابل، فإن حَلَقَ للأَوَّلِ قبل هذا الإحرام، لَزِمَهُ الآخرُ بلا دَم، وإن لم يَحْلِقْ لَزِمَهُ الآخرُ مع دم.

(ومَن أتى بعمرةٍ إلاَّ الحلق، فأحرمَ بأُخْرَى ذبح)؛ لأنَّه جمعَ بين إحراميِّ العمرة، وهو مكروهٌ فلَزِمَه الدَّم.

(آفاقيٌّ أحرمَ به

(3)

، ثُمَّ بها لَزِماه)؛ لأنَّ الجمعَ بينهما مشروعٌ في الآفاقيِّ كالقرآن.

(وتبطل هي بالوقوفِ قبل أفعالِها لا بالتَّوجُّه): إي بالَّتوجه إلى عرفات، (فإنْ طافَ له، ثُمَّ أحرمَ بها فمضى عليهما ذَبَح)؛ لأنَّه أتى بأفعالِ العمرةِ على أفعالِ الحجّ، (ونُدِبَ رفضُها، فإن رفضَ قضى وأراق.

وإن

(4)

حجَّ فأهلَّ بعمرةٍ يومَ النَّحر، أو في ثلاثةٍ تليه لزمَتْه، ورُفِضَت وقُضِيت مع دم): أي

(5)

إنِّما لزمَتْه؛ لأنَّ الجمعَ بين إحراميِّ الحجِّ والعمرةِ صحيح، (وإن مضى عليهما

(6)

صحّ.

(1)

زيادة من أ و ب و س.

(2)

أي سواء قصر بعد إحرام الثاني أو لم يقصر؛ وهذا عند الإمام؛ لأنه إن قصر فقد جنى على إحرام الثاني، وإن كان نسكاً في إحرام الأول إن لم يقصر فقد أخر النسك عن وقته. والمراد بالتقصير الحلقُ، وإنما اختاره اتباعاً للـ «جامع الصغير» ، أو ليصير الحكم جاريا في المرأة؛ لأن التقصير عام في الرجل والمرأة، وعندهما إن لم يقصر فلا دم عليه. ينظر:«الملتقى» وشرحه «المجمع» (1: 304).

(3)

أي بالحج ثم بالعمرة

(4)

زيادة من أ و ب و س.

(5)

زيادة من م. وفي أ: و.

(6)

زيادة من أ و ب و س.

ص: 287

ويجبُ دمٌ فائت الحجِّ أهلَ به أو بها، رفض، وقضى، وذبح.

‌باب الإحصار

إن أُحْصِرَ المحرمُ بعدوٍّ أو مرضٍ بعثَ المفردُ دماً، والقارنُ دمَيْن، وعيَّنَ يوماً يذبحُ فيه، ولو قبلَ يومِ النَّحر، وفي حلٍّ لا، وبذبحه يحل قبل حلقٍ وتقصير. وعليه إن حلَّ من حجٍّ حجٌ وعمرة، ومن عمرةٍ عمرة، ومن قِرانٍ حجٌّ وعمرتان.

ويجبُ دمٌ فائت الحجِّ أهلَ به أو بها، رفض

(1)

، وقضى، وذبح): أي فائتُ الحجِّ إذا أحرم بحجّ أو عمرة، يجبُ أن يرفضَ الإحرام، ويتحلَّلَ بأفعالِ العمرة؛ لأنَّ فائت الحجِّ يجبُ عليه هذا، ثُمَّ يقضي ما أحرمَ به لصحَّةِ الشُّروع، ويذبح.

وإنِّما يَرْفَضُ إحرامَ الحجّ؛ لأنَّه يصيرُ جامعاً بين إحراميِّ الحجّ، فيرفضُ الثَّاني.

وإنِّما يرفضُ إحرامَ العمرة؛ لأنَّه تجبُ عليه عمرةٌ؛ لفواتِ الحجّ، فيصيرُ بالإحرامِ جامعاً بين العمرتين، فيرفضُ الثَّانية.

وإنِّما يجبُ عليه دم؛ للتَّحلل قبل أوانه بالرَّفض.

باب الإحصار

(2)

(إن أُحْصِرَ المحرمُ بعدوٍّ أو مرضٍ بعثَ المفردُ دماً، والقارنُ دمَيْن، وعيَّنَ يوماً يذبحُ فيه، ولو قبلَ يومِ النَّحر): هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا عندهما، فإن كان محصراً بالعمرة فكذا، وإن كان محصراً بالحجِّ لا يجوزُ الذَّبح إلاَّ في يومِ النَّحر، (وفي حلٍّ لا

(3)

، وبذبحه يحل قبل حلقٍ وتقصير.

وعليه إن حلَّ من حجٍّ حجٌ وعمرة، ومن عمرةٍ عمرة، ومن قِرانٍ

(4)

حجٌّ وعمرتان.

(1)

أي يجب أن يرفض ما أحرم به. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 305).

(2)

الإحصار: من أُحْصِرَ الحَاجُّ: إذا مَنَعَهُ خَوْفٌ أو مَرَضٌ من الْوُصُولِ لإِتْمَامِ حَجِّهِ أَو عُمْرَتِه. ينظر: «المغرب» (ص 199).

(3)

أي ولو ذُبح دمُ الإحصار في أرض الحل لا يجزئ؛ لقوله تعالى: {ولا تَحلقوا رؤوسَكُم حتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه} والمراد به الحرم لقوله تعالى: {ثم مَحِلُّها إلى البيت العتيق} [الحج: 33].

(4)

في م:: قارن.

ص: 288

وإذا زالَ إحصارُه، وأمكنَهُ إدراكُ الهَدْي والحجّ توجَّهُ، ومع أحدِهما فقط له أن يحلّ، ومنعُهُ عن ركنيِّ الحجِّ بمكَّة إحصار، وعن أحدِهما لا.

‌باب الحج عن الغير

ومَن عَجَزَ فأَحَجَّ صحّ، ويقعُ عنه إن دامَ عجزُهُ إلى موتِه، ونَوَى الحجَّ عنه، ومَن حجَّ عن آمريه وَقَعَ عنه، وضَمِنَ مالَهما، ولا يجعلُهُ عن أحدِهما، وله ذلك إن حجَّ عن أبويه

وإذا زالَ إحصارُه، وأمكنَهُ إدراكُ الهَدْي والحجّ توجَّهُ، ومع أحدِهما

(1)

فقط له أن يحلّ): هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه فإنَّه يمكنُ إدراكُ الحجِّ بدون إدراكِ الهَدْي، إذ عنده يجوزُ الذَّبحُ قبلَ يوم النَّحر، وأمَّا عندهما: فيعتبرُ إدراكُ الهَدْي والحجَّ؛ لأنَّ الذَّبحَ لا يجوزُ إلاَّ في يومِ النَّحر، فكلُّ مَن أدركَ الحجَّ أدرك الهَدْي.

(ومنعُهُ عن ركنيِّ الحجِّ بمكَّة إحصار، وعن أحدِهما لا)

(2)

.

[باب الحج عن الغير]

(3)

(ومَن عَجَزَ فأَحَجَّ صحّ، ويقعُ عنه إن دامَ عجزُهُ إلى موتِه، ونَوَى الحجَّ عنه، ومَن حجَّ عن آمريه وَقَعَ عنه، وضَمِنَ مالَهما، ولا يجعلُهُ عن أحدِهما

(4)

، وله ذلك

(5)

إن حجَّ عن أبويه): أي متبرع بجعلِ ثوابِهِ عنهما.

(1)

أي مع إدراك الحج فقط يتحلل؛ لعجزه عن الأصل، وإن أمكن إدراك الحج فقط ببقاء زمن الوقوف جاء التحلل استحساناً؛ لأن تلف المال كتلف النفس، والتوجه أفضل. ينظر:«الملتقى» مع شرحه «الدر المنتقى» (1: 306).

(2)

لأنه إن قدر على الوقوف يتم حجه به فلا يثبت الاحصار، وإن قدر على الطواف له أن يتحلل به فلا حاجة إلى التحلل بالهدي كفائت الحج. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 307).

(3)

زيادة من ف.

(4)

ويشترط لمن حج عن الغير أن يحرم عنه من الميقات، فلو تجاوز المأمور الميقات بلا إحرام يجب عليه أن يعود إلى الميقات فيحرم منه، فإن لم يعد بل أحرم من داخل الميقات أو من مكة فقد فسد حج المأمور؛ لأن المأمور به حجته ميقاتية، وهو قد أتى بحجة مكية، فهو مخالف ضامن للنفقة. ينظر:«بيان فعل الخير» (ص 34).

(5)

أي إن حجّ عنهما جاز له أن يجعله عن أيهما شاء؛ لأنه متبرع؛ يجعل ثواب عمله لأحدهما أو لهما، وفي الأول يفعل بحكم الآمر وقد خالفه، فيقع عنه. ينظر:«درر الحكام» (1: 260).

ص: 289

ودمُ الإحصارِ على الآمر، وفي مالهِ إن كان مَيْتاً، ودمُ القِران والجنايةِ على الحاجّ، وضَمِنَ النَّفقةَ إن جامعَ قبل وقوفِه لا بعده. وإن ماتَ في الطَّريق يحجُّ من مَنْزلِ آمرِهِ بثُلُثِ ما بقيَ لا من حيث مات.

(ودمُ الإحصارِ على الآمر، وفي مالهِ إن كان مَيْتاً، ودمُ القِران والجنايةِ على الحاجّ): أي إن أمرَ غيرَهُ أن يقرنَ عنه فدمُ القِران على المأمور.

(وضَمِنَ النَّفقةَ إن جامعَ قبل وقوفِه لا بعده

(1)

.

وإن ماتَ

(2)

في الطَّريق يحجُّ من مَنْزلِ آمرِهِ بثُلُثِ ما بقيَ

(3)

لا من حيث مات): أي إذا أوصى أن يحجَّ عنه، فأحجوا عنه، فمات في الطَّريق، فعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه يُحَجُّ عنه بثُلُثِ ما بقي

(4)

، فإن قسمةَ الوصيِّ وعزلَهُ المالَ لا يصحُّ إلاَّ بالتَّسليمِ إلى الوجهِ الذي عيَّنَهُ الموصي، ولم يسلِّمْ إلى ذلك الوجه؛ لأنَّ ذلك المالَ قد ضاع، فينفذُ وصيتَهُ من ثُلُثِ ما بقي.

وعند أبي يوسف رضي الله عنه ينفذُ من ثُلُثِ الكُلّ.

وعند محمَّد رضي الله عنه إن بقى شيءٌ ممَّا دَفَعَ إلى الأَوَّل يحجُّ به، وإن لم يبقَ بطلَتْ الوصية.

(1)

لأن الحج يفسد بالجماع قبل الوقوف، أما لو جامع بعد الوقوف فلا يفسد حجّه ولا يضمن النفقة، ولزمه دمُ جناية، ودم الجناية على المأمور بالحج. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 735).

(2)

أي المأمور بالحج عن الميت.

(3)

من مال الميت على تقدير أن يكون الحج عنه بوصية منه.

(4)

أي ثلث الباقي بعد هلاكها وهو المراد بقولهم: بثلث ما بقي من المال عند الإمام، وعند أبي يوسف بالباقي من الثلث، وعند محمد بما بقي مع المأمور. مثاله: أوصى بأن يحجَّ عنه ومات عن أربعة آلاف فدفع الوصي للمأمور ألفا فسرقت، فعند الإمام يؤخذ ما يكفي من ثلث ما بقي من التركة وهو ألف، فإن سرقت يؤخذ من ثلث الألفين الباقيين، وهكذا إلى أن لا يبقى ما ثلثه يكفي الحج. وعند أبي يوسف إذا سرق الألف الأول لم يبقَ من ثلثِ التركة إلا ثلاثمئة وثلاثة وثلاثون وثلث فتدفع له إن كفت، ولا تؤخذ مرة أخرى. وعند محمد إن فضل من الألف الأولى ما يبلغ الحجّ حجَ به وإلا فلا. ينظر:«رد المحتار» (2: 247).

ص: 290

‌باب الهدي

الهَدْيُّ من إبلٍ وغنمٍ وبقرٍ ولا يجبُ تعريفُه، ولم يجزْ فيه إلاَّ جائزُ التَّضحية. وجازَ الغنمُ في كلّ شيء إلاَّ في طواف فرض جُنُباً، ووطؤُهُ بعد الوقوف. وأكلَ من هَدْي: تطوعٍ، ومتعة، وقِران فحسب. وتعيَّنَ يوم النَّحرِ لذبحِ الأخيرين، وغيرُهما متى شاء، كما تعيَّنَ الحرمُ للكُلّ، لا فقيرُهُ لصدقتِه، وتُصدِّقَ بجلِّهِ وخطامِه، ولم يعطِ أجرةَ الجَزَّار منه، ولا يَرْكَبُ إلاَّ ضرورة، ولا يَحْلِبُ لَبَنُهُ، ويقطعُهُ بنضحِ ضرعِهِ بماءٍ بارد، وما عَطِب، أو تعيَّبَ

[باب الهدي]

(1)

(الهَدْيُّ من إبلٍ وغنمٍ وبقرٍ ولا يجبُ تعريفُه)

(2)

: أي الذَّهابُ إلى عرفات، وقيل: المرادُ الإعلام كالتَّقليد. (ولم يجزْ فيه إلاَّ جائزُ التَّضحية

(3)

.

وجازَ الغنمُ في كلّ شيء إلاَّ في طواف فرض جُنُباً، ووطؤُهُ بعد الوقوف.

وأكلَ

(4)

من هَدْي: تطوعٍ، ومتعة، وقِران فحسب. وتعيَّنَ يوم النَّحرِ لذبحِ الأخيرين، وغيرُهما متى شاء، كما تعيَّنَ الحرمُ للكُلّ، لا فقيرُهُ لصدقتِه): أي لا يتعيَّنُ فقيرُ الحرمِ لصدقتِه.

(وتُصدِّقَ بجلِّهِ وخطامِه، ولم يعطِ أجرةَ الجَزَّار

(5)

منه

(6)

، ولا يَرْكَبُ إلاَّ ضرورة

(7)

ولا يَحْلِبُ لَبَنُهُ، ويقطعُهُ بنضحِ ضرعِهِ

(8)

بماءٍ بارد، وما عَطِب

(9)

، أو تعيَّبَ

(1)

زيادة من أ و ف و م.

(2)

بل يندب في دم الشكر. ينظر: «الدر المختار» (1: 249).

(3)

أي ما يجوزُ في أضحيةِ يومِ النَّحر.

(4)

أي يأكل ندباً. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 310).

(5)

الجَزَّار: فاعل الجَزْرُ: وهو الْقَطْعُ، ومنه: جَزَرَ الجَزُورَ نَحَرَهَا. ينظر: «المغرب» (ص 82).

(6)

أي من الهدي.

(7)

كأن لا يقدر على المشي. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 311).

(8)

نضح ضرعه: أي رشُّ وبلُّ ثديه حتى يتقلص ويَنْزوي. ينظر: «المغرب» (ص 467)، و «طلبة الطلبة» (ص 38).

(9)

عَطِبَ: أي هَلَكَ. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 35).

ص: 291

بفاحش، ففي واجبِه أبدلَه، والمعيبُ له، وفي نفلِه لا شيءَ عليه، ونَحَرَ بدنةَ النَّفل إِن عَطِبَتْ في الطَّريق، وصبغَ نَعْلَها بدمِها، وضَرَبَ به صفحةَ سنامِها ليأكلَ منه الفقيرُ لا الغنيّ

[مسائل منثورة]

وإن شَهِدُوْا بوقوفِهم بعد وقتِهِ لا تقبل، وقبل وقتِهِ قُبِلَت

بفاحش): أي ذهبَ أَكثرُ من ثُلُثِ ذَنَبِه، أو أذنِه، أو عينِه، (ففي واجبِه أبدلَه، والمعيبُ له

(1)

، وفي نفلِه لا شيءَ عليه، ونَحَرَ بدنةَ النَّفل إِن عَطِبَتْ في الطَّريق، وصبغَ نَعْلَها

(2)

بدمِها، وضَرَبَ به صفحةَ سنامِها ليأكلَ منه الفقيرُ لا الغنيّ

(3)

.

[مسائل منثورة]

وإن شَهِدُوْا بوقوفِهم بعد وقتِهِ لا تقبل): أي إذا وقفَ النَّاس، وشهدَ قومٌ أنَّهم وقفوا بعد فجر

(4)

يوم عرفةَ لا تقبلُ شهادتُهم؛ لأنَّ التَّداركَ غيرُ ممكن، فيقعُ بين النَّاس فتنة، كما إذا شهدوا عشيَّةً يومَ يعتقدُ النَّاسُ أنَّه يومُ التَّرويةِ

برؤيةِ الهلالِ في ليلة يصيرُ هذا اليومُ باعتبارها يوم عرفة، فإنَّه لا تقبلُ الشَّهادة؛ لأنَّ اجتماعَ النَّاسِ في هذه اللَّيلةِ متعذِّر، ففي قَبُول الشَّهادةِ وقوعُ الفتنة.

(وقبل وقتِهِ قُبِلَت): لفظُ «الهداية» : اعتباراً بما إذا وقفوا يومَ التَّروية

(5)

.

(1)

أي صنع بالهدي الذي تعيب ما شاء؛ لأنه التحق بملكه. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 311).

(2)

المراد قلادتُها، فإنَّها في الغالبِ قطعةٌ نعلٍ. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 365).

(3)

وفائدة ذلك أن يعلم الناس أنه هدي فيأكل منه الفقراء دون الأغنياء، وتمامه في «الهداية» (1: 187).

(4)

زيادة من ص و م.

(5)

انتهى من «الهداية» (1: 188)، وتمام عبارتها لتفهم: أهل عرفة إذا وقفوا في يوم وشهد قوم أنهم وقفوا يوم النحر أجزأهم، والقياس أن لا يجزيهم اعتبارا بما إذا وقفوا يوم التروية، وهذا لأنه عبادة تختص بزمان ومكان فلا يقع عبادة دونهما. وجه الاستحسان: أن هذه شهادة قامت على النفي وعلى أمر لا يدخل تحت الحكم لأن المقصود منها نفي حجهم، والحج لا يدخل تحت الحكم فلا تقبل؛ ولأن فيه بلوى عامة لتعذر الاحتراز عنه والتدارك غير ممكن، وفي الأمر بالإعادة حرج بيّن فوجب أن يكتفي به عند الاشتباه، بخلاف ما إذا وقفوا يوم التروية لأن التدارك ممكن في الجملة بأن يزول الاشتباه يوم عرفة، ولأن جواز المؤخر له نظير ولا كذلك جواز المقدم.

ص: 292

رَمَى في اليومِ الثَّاني إلاَّ الأُولَى، فإن رمى الكلَّ حَسُنَ وجازَ الأُولَى وحدَها، نَذَرَ حجَّاً مشياً مشى حتَّى يطوفَ الفرض

وقد كُتِبَ في «الحواشي» : شَهِدَ قومٌ أنَّ النَّاسَ وقفوا يوم التَّروية.

(1)

أقول: صورةُ هذه المسألةِ مُشْكلة؛ لأنَّ هذه الشَّهادةَ لا تكونُ إلاَّ بأن الهلالَ لم يُرَ ليلةَ كذا، وهو ليلةُ يومِ الثَّلاثين، بل رؤي ليلةً بعده، وكان شهرُ ذي القعدةِ تامَّاً، ومثلُ هذه الشَّهادةِ لا تقبلُ لاحتمالِ كونِ ذي القعدةِ تسعةً وعشرين.

وصورة المسألةَ: أنَّ النَّاسَ وقفوا، ثُمَّ علموا بعد الوقوف أنَّهم غلطوا في الحساب، وكان الوقوفُ يومَ التَّروية، فإن عُلِمَ هذا المعنى قبل الوقت بحيث يمكنُ التَّدارك، فالإمامُ يأمرُ النَّاس بالوقوف، وإن عُلِمَ ذلك في وقتٍ لا يمكنُ تداركُه، فبناءً على الدَّليلِ الأَوَّل

(2)

، وهو تعذُّر

(3)

إمكانِ التَّدارك، ينبغي أن لا يعتبرُ هذا المعنى، ويقال: قد تَمَّ حجُّ النَّاس، وأمَّا بناءً على الدَّليلِ الثَّاني، وهو أنَّ جوازَ المقدَّمِ لا نظيرَ له لا يصحُّ الحجّ.

(رَمَى في اليومِ الثَّاني إلاَّ الأُولَى، فإن رمى الكلَّ حَسُنَ وجازَ الأُولَى وحدَها): أي إن

(4)

رَمَى في اليومِ الثَّاني الجمرة الوسطى، والثَّالثة، ولم يرمِ الأُولَى، فعند القضاءِ إن رَمَى الكُلَّ حَسَن، وإن قَضَى الأولى وحدَها جازَ

(5)

.

(نَذَرَ حجَّاً مشياً مشى حتَّى يطوفَ الفرض): أي بعد طوافِ الزِّيارةِ جازَ له أن يركب.

(1)

أورد الشارح عبارة «الهداية» والحواشي؛ ليبيِّنَ مأخذ المصنف في إطلاق حكم قبول الشهادة يوم التروية، وسيبيِّن رحمه الله أنها ليست على إطلاقها. وقد وافقه على التقييد صاحب «الدر المنتقى» (1: 311)، و «درر الحكام» (1: 264).

(2)

هذان الدليلان وردا في عبارة «الهداية» (1: 188) وإن لم يذكرهما الشارح، وقد سبق أن ذكرناهما.

(3)

ساقطة من ص و ف و م.

(4)

ساقطة من ف و م.

(5)

لأن الترتيب في الجمار الثلاثة ليس بشرط ولا واجب وعندهما هو سنة. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 312)

ص: 293

اشترى جاريةً محرمةً بالإذن، له أن يحلِّلَها بقصِ شعر، أو بقلمِ ظفر، ثُمَّ يجامع وهو أَوْلَى من أن يحلِّلَ بجماع

(اشترى جاريةً محرمةً بالإذن، له

(1)

أن يحلِّلَها بقصِ شعر، أو بقلمِ ظفر، ثُمَّ يجامع وهو أَوْلَى من أن يحلِّلَ بجماع)

(2)

: قولُهُ: بالإذن متعلِّقٌ بقولهِ: محرمة؛ أي أحرمَت بإذن المالك حتَّى لو أحرمت بلا إذنٍ لا اعتبارَ له، (والله أعلم بالصَّواب)

(3)

.

* * *

(1)

أي للمشتري.

(2)

تعظيماً لأمر الحج. ينظر: «درر الحكام» (1: 265).

(3)

زيادة من ق و م.

ص: 294