الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النكاح
كتاب النكاح
هو عقدٌ موضوعٌ لملكِ المتعة: أي حِلُّ استمتاعِ الرَّجلِ
(1)
من المرأة
(2)
.
فالعقدُ: هو
(3)
ربطُ أجزاءِ التَّصَرُّف: أي الإيجابِ والقَبُول شرعاً، لكن هنا أُريدَ بالعقدِ الحاصلُ بالمصدر
(4)
، وهو الارتباط، لكنَّ النِّكاحَ هو الإيجابُ والقَبُولُ مع ذلك الإرتباط، وإنِّما قلنا هذا؛ لأنَّ الشَّرعَ يعتبرُ الإيجابَ والقَبُول؛ لأنهما
(5)
أركانُ عقدِ النِّكاح، لا أمورٌ خارجيةٌ كالشَّرائط ونحوها.
(1)
وجه ذكرِ الرجلِ إما لكونِه أشرفَ من المرأة، وإما لأنه صاحبُ الحقِّ دونها، وإن كان حِلُّ الاستمتاع من الطرفين، فإن له إجبارها على الوطئ إذا امتنعَتْ بلا مانع شرعيّ، وليس لها إجبارُه بعدما وطئها مرة، وان وجب عليه ذلك أحياناً ديانة. ينظر:«رد المحتار» (2: 259)، و «عمدة الرعاية» (2: 4).
(2)
يعتري النكاح الأحكام الخمسة:
الفرض: إذا لو لم يتَزوج لزنى.
الوجوب: عند شدة الاشتياق إلى التزوج بحيث يخاف الوقوع في الزنا.
السنية: حال الاعتدال.
الحرمة: إذا تيقَّن بعدم القيام بأمور الزوجية.
الكراهية: إذا خاف الجور. ينظر: «شرح الأحكام الشرعية» (1: 10).
(3)
ساقطة من ص و م.
(4)
المراد بالعقد الحاصل بالمصدر وهو ارتباط أجزاء التصرف الشرعي، بل الأجزاء المرتبطة نحو زوجت وتزوجت، وكذا بعت واشتريت، فإن الشارع قد جعل بعض المركبات الإخبارية إنشاء بحيث إذا وجد وجد معه معنى شرعيّ يترتبُ عليه حكم شرعيّ مثلاً، إذا قيل: زوَّجت وتزوَّجت وجد معنى شرعيّ هو النكاح يترتب عليه حكم شرعي هو ملك المتعة، وكذا إذا قيل بعت واشتريت وجد معنى شرعي هو البيع يترتب عليه حكم شرعي هو ملك اليمين، ولما كان بين اللفظ الإنشائي ومعناه من العلاقة القوية حيث لا يتخلف عنه المعنى؛ لأن الإنشاء إيجاد معنى بلفظ يقارنه في الوجود سميت الألفاظ الإنشائية بأسامي معانيها حيث ذكر البيع والنكاح، وأريد بهما الإيجاب والقبول؛ ولذا أُطلق النكاح هاهنا على العقد مع أن العقد موضوع للنكاح شرعاً. وتمامه في «درر الحكام» (1: 327).
(5)
زيادة من ف.
........................... ........................ .............................................
وقد ذكرتُ في «شرح التنقيح»
(1)
في (فصل النَّهي): كالبيع، فإنَّ الشَّرعَ يحكمُ بأنَّ الإيجابَ والقَبُول الموجودين حسَّاً يرتبطانِ ارتباطاً حُكْميَّاً، فيحصلُ معنىً شرعيٌّ يكونُ ملك المشتري أثراً له، فذلك المعنى هو البيع
(2)
.
فالمرادُ بذلك المعنى المجموعُ المركَّبُ من الإيجابِ والقَبُول مع ذلك الارتباطِ الشَّرعيّ؛ لا أنَّ البيعَ هو مجرَّدُ ذلك المعنى الشَّرعيّ، والإيجابُ والقَبُولُ آلةٌ له، كما تَوَّهَمَ البعض؛ لأنَّ كونَهما أركاناً يُنافي ذلك
(3)
.
فلا شكَّ أن له عللاً أربعاً:
فالعلَّةُ الفاعليَّةُ
(4)
: هو
(5)
المتعاقدان.
والمادِّيَّةُ
(6)
: الإيجابُ والقَبُول.
والصُّوريَّةُ: هو الارتباط المذكور
(7)
الذي يَعتبرُ الشَّرعُ وجودَه.
والغائيَّةُ
(8)
: المصالحُ المتعلِّقةُ بالنِّكاح.
وإنِّما قلنا: عقدٌ موضوع؛ لأنَّ البيعَ والهبةَ ونحوها يثبتُ به ملكُ المتعة، لكن غيرُ موضوعٍ له، فلهذا يصحُّ البيعُ ونحوه في محلٍّ لا يحلُّ الاستمتاعُ فيه
(9)
بخلاف النِّكاح.
(1)
اسمه «التوضيح في حل غوامض التنقيح» للشارح رحمه الله.
(2)
انتهى من «شرح التنقيح» (1: 415).
(3)
أي كونهما آلة. والحاصلُ أن النكاح والبيع ونحوهما، وإن كانت توجد حسّاً بالإيجاب والقبول، لكن وصفها بكونها عقوداً مخصوصة بأركان وشرائط يترتب عليها أحكام، تنتفي تلك العقود بانتفاء وجود شرعي زائد على الحسي، فليس العقد الشرعي مجرد الإيجاب والقبول ولا الارتباط وحده بل هو مجموع الثلاثة. ينظر:«رد المحتار» (3: 10).
(4)
أي التي يصدر عنها الفعل.
(5)
زيادة من أ و ب و س.
(6)
أي التي يتكوَّن ويتركب منها الشيء ويوجد بوجودها بالقوة، والتي تكون موجباً لوجوده بالفعل، فهي علَّةٌ صورية، وهي تقوم بالمادية فيتكون منها المركب. ينظر:«العمدة» (2: 5).
(7)
أي قبل أسطر.
(8)
أي التي تكون باعثاً للفاعل على فعله.
(9)
سقطت من ص و ف و م.
هو ينعقدُ بإيجابٍ وقَبُولٍ لفظُهما: ماض: كزوَّجت، وتزوَّجت، أو ماضٍ ومستقبل: كزوِّجني، فقال: زوَّجت، وإن لم يعلما معناهما
(هو ينعقدُ بإيجابٍ وقَبُولٍ لفظُهما
(1)
: ماض: كزوَّجت، وتزوَّجت، أو ماضٍ ومستقبل: كزوِّجني، فقال: زوَّجت، وإن لم يعلما معناهما
(2)
)، الإنعقادُ هو الارتباطُ الشَّرعيُّ المذكور، والمرادُ بالمستقبل: الأمر، وقوله: زوِّجني حُذِفَ مفعولُه نحو: زوِّجني بنتَك، أو نفسَك.
واعلم أن زوِّجني ليس في الحقيقةِ إيجاباً، بل هو توكيل
(3)
، ثُمَّ قولُهُ: زوَّجتُ إيجابٌ وقَبُول، فإنَّ الواحدَ يتولَّى طرفي النِّكاح، بخلافِ البيع، فإنَّه إذا قال: بعني هذا الشَّيء، فقال: بعتُ لا ينعقدُ البيعُ إلاَّ أن يقولَ الآخر
(4)
اشتريت، فإنَّ الواحدَ لا يتولَّى طرفي
(1)
فيه إشارة إلى انه لا ينعقد بالكتابة في الحاضر، فإنه لو كتب على شيء لامرأة زوِّجيني نفسك، فكتبت المرأة على ذلك الشيء عقيبه زوَّجت نفسي منك لا ينعقد النكاح. ينظر:«درر الحكام» (1: 327).
(2)
أي معنى لفظيهما سواءً كان عربياً أو عجمياً، وسواء علما أنه مما ينعقد به النكاح أو لا، وهذا قضاءً، وأما ديانة فيلزم العلم، وكل هذا إذا لم يكن أحد اللفظين مستقبلاً أو أمراً مراداً به الإيجاب إذ حينئذ لا بد من نية العقد، وذلك لا يكون بدون العلم وفي القضاء اختلف المشايخ على قولين:
الأول: ينعقد وإن لم يعلما معناهما؛ لأن النكاح لا يشترط فيه القصد، وهو اختيار المصنف، و «الملتقى» (ص 49)، و «درر الحكام» (1: 328)، و «الخانية» (1: 327)، وقال صاحب «الدر المختار» (3: 17): وبه يفتى، وبه صرح صاحب «البزازية» (4: 109)، وفي «البحر» (3: 95): إن ظاهر كلام التجنيس يفيد ترجيحه. وكذا مقتضى كلام «الفتح» (3: 198)، وفي «الإصلاح» (ق 42/أ): وعليه الفتوى.
الثاني: لا ينعقد، ويشترط علمهما، وإليه البهنسي، ينظر:«رد المحتار» (3: 17)، و «الدر المنتقى» (1: 218).
(3)
اختلفوا في لفظ: الأمر على قولين:
الأول: إنه توكيل، وهو اختيار الشارح، و «الهداية» (1: 189)، و «المجمع» و «الدر المختار» (3: 11).
والثاني: إنه إيجاب، وهو اختيار صاحب «الخانية» ، و «الخلاصة» ، وقال صاحب «الفتح» (3: 192): هذا أحسن؛ لأن الإيجاب ليس إلا اللفظ المفيد قصد تحقيق المعنى أولاً، وهو صادق على الأمر فليكن إيجاباً. ورجحه صاحب «الشرنبلالية» (1: 327)، و «البحر» (3: 89).
(4)
زيادة من أ و ب و س.
وقولُهما: داد ويذيرفت بلا ميم بعد دادي ويذير فتى كبيعٍ وشراء لا بقولِهما عند الشُّهودِ مازن وشوئيم. ويصحُّ بلفظِ: نكاح، وتزويج، وهبة، وتمليك، وصدقة، وبيع، وشراء، لا بلفظِ إجارة وإعارة ووصيَّة
البيع؛ وذلك لأنَّ حقوقَ العقدِ ترجعُ إلى العاقدِ في باب البيع، وأمَّا في النِّكاح فحقوقُهُ ترجع إلى الزَّوجِ والزَّوجة (لا إلى العاقد)
(1)
، فإنَّ العاقدَ إن كان غيرَهما، فهو سفيرٌ محض.
(وقولُهما: داد
(2)
ويذيرفت
(3)
بلا ميم
(4)
بعد دادي
(5)
ويذير فتى
(6)
): أي إذا قيل للمرأةِ: خويشتن رابزني بفلان دادي، فقالت: داد، ثم قيل للآخر يذيرفتى، فقال: يذيرفت بحذف الميم يصحُّ النِّكاح، (كبيعٍ وشراء): يعني إذا قيل للبائع: فروختي، فقال: فروخت، ثُمَّ قيل للمشتري: خريدي، فقال: خريد يصحُّ البيع، (لا بقولِهما عند الشُّهودِ مازن وشوئيم
(7)
.
ويصحُّ بلفظِ: نكاح، وتزويج، وهبة، وتمليك، وصدقة، وبيع، وشراء، لا بلفظِ إجارة وإعارة ووصيَّة).
لفظ «المختصر» هذا: ويصحُّ بلفظِ نكاحٍ وتزويج، وما وضعَ لتمليكِ العين حالاً
(8)
.
هذا هو الضَّابطُ
(9)
فلا يصحُّ بلفظِ: الإجارةِ والإعارة؛ لأنَّهما لم يوضعا لتمليكِ العين، ولا بلفظِ: الوصيَّة؛ لأنَّها وضعَتْ لتمليك العينِ لا في الحال.
فاللفظُ الذي وضعَ لتمليكِ العينِ إذا أطلقَ وتكونُ القرينةُ دالةً على أن الموضوعَ له غيرُ مرادٍ، بأن تكونَ الزَّوجةُ حُرَّةً، يثبتُ المعنى المجازي، وهو ملكُ المتعة، فإنَّ ملكَ العينِ سببٌ لملك المتعة، فيكونُ إطلاقُ لفظِ السَّبب على المسبب.
(1)
زيادة من أ و ب و س.
(2)
داد: أي زُوِّج. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 318).
(3)
يذيرفت: أي قَبِلَ بصيغة الغائب. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 318).
(4)
أي ليكون مسنداً إلى المتكلم. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 318).
(5)
دادي: زوَّجت. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 318).
(6)
يذيرفتى: أي قَبِلت. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 318).
(7)
أي زوجة وزوج. ينظر: هامش «فتح باب العناية» (2: 6).
(8)
انتهى من «النقاية» (ص 73).
(9)
أي الذي ذكره هو القاعدةُ في باب صحة النكاح، وكلُّ لفظٍ وضعَ لتمليك العين حالاً يصحُّ به النِّكاح، وما ليس كذلك لا يصحُّ به. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 8).
وشُرِطَ سماعُ كلِّ منهما لفظَ الآخر، وحضورُ حُرَّين، أو حُرٍّ وحُرّتين مُكلَّفينِ مسلمينِ سامعينِ معاً
وعند الشَّافِعِيِّ
(1)
لا ينعقدُ بهذه الألفاظ، وانعقادُهُ بلفظ: الهبة؛ مُخْتَصٌّ بالنَّبيِّ عليه الصلاة والسلام؛ لقولِهِ تعالى: {خَالِصَةً لَكَ}
(2)
.
(3)
ولنا: قوله تعالى: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيّ}
(4)
، الآية مجاز، والمجازُ لا يختصُ بحضرةِ الرِّسالة، وقولُهُ تعالى:{خَالِصَةً لَكَ} في عدمِ وجوبِ المهر
(5)
، أو أحللناهنَّ خالصة لك
(6)
: أي لا يحلُّ لأحدٍ نكاحُهنّ.
(وشُرِطَ
(7)
سماعُ كلِّ منهما لفظَ الآخر، وحضورُ حُرَّين، أو حُرٍّ وحُرّتين)، خلافاً للشَّافِعِيِّ
(8)
رضي الله عنه إذ عنده لا يصحُّ إلاَّ بشهادةِ الرِّجال، (مُكلَّفينِ مسلمينِ سامعينِ معاً
(1)
ينظر: «المنهاج» (2: 140)، و «أسنى المطالب» (3: 119)، و «حاشيتا قليوبي وعميرة» (3: 218)، وغيرها.
(2)
من سورة الأحزاب، الآية (50). وتمامها:{وَامْرَأةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ} .
(3)
ينظر: «تحفة المحتاج» (7: 222)، و «نهاية المحتاج» (6: 212)، و «مغني المحتاج» (2: 140)، وغيرها.
(4)
الأحزاب، (50).
(5)
فهي حلال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أراد أن ينكحها إذ وهبت نفسها له بغير مهر خالصة لك فلا يحل لأحد من أمتك أن يقرب امرأةً وهبَت نفسها له، وإنما ذلك لك يا محمَّد خالصةً أخلصت لك من دون سائر أمتك. ينظر:«تفسير الطبري» (22: 21)، و «تفسير الواحدي» (2: 870)، و «تفسير البغوي» (3: 536)، و «تفسير القرطبي» (4: 210)، و «روح المعاني» (22: 61).
(6)
حاصله أن الخلوص متعلِّق بمطلع الآية، وهو {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنِّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} ، فإنه لا يحل لأحد نكاحهن دون النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يحرم على أحد تزوج زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ لأنهنّ أمهات المؤمنين، قال تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم} [الأحزاب: 33].
(7)
شرائط النكاح خمسة:
حضور الشاهدين.
وجود الزوج.
وجود الزوجة.
وجود الولي إذا كان أحد الزوجين صغيراً أو مجنوناً أو رقيقاً.
الكفاءة بأن يكون الزوج كفؤاً للزوجة. ينظر: «نزهة الأرواح فيما يتعلق بالنكاح» (ص 6).
(8)
ينظر: «الأم» (5: 26)، و «المنهاج» (2: 144)، و «حاشية البيجرمي» (3: 389)، وغيرها.
لفظَهما، فلا يصحُّ إن سمعا متفرِّقين، وصحَّ عند فاسقين، أو محدودينِ في قَذَف، وعند أعميين، وابني الزَّوجين، وابني أحدِهما لا من الآخر، لكن لا يظهرُ بهما إن ادَّعى القريب، كما يصحُّ نكاحُ مسلمٍ ذميَّةً عند ذميين، ولم يظهرْ بهما إن جَحَد.
لفظَهما
(1)
، فلا يصحُّ إن سمعا متفرِّقين)، كما إذا نكحا بحضورِ واحد، ثُمَّ غابَ هو، وحضرَ آخر، فأعادا بحضورِه
(2)
.
(وصحَّ عند فاسقين، أو محدودينِ في قَذَف، وعند أعميين، وابني الزَّوجين
(3)
، وابني أحدِهما (لا من الآخر)
(4)
، لكن لا يظهرُ بهما إن ادَّعى القريب)
(5)
، أي إذا نكحا بحضورِ ابني الزَّوج، فإن ادَّعى هو لم تقبل شهادةُ ابنيه له، أمَّا إذا ادَّعت المرأةُ تقبلُ شهادتُهما لها، وإن نكحَها عند ابني الزَّوجة، فإن ادَّعت لا تقبلُ شهادتُهما لها، وإن ادَّعى الزَّوجُ تقبل له.
(كما يصحُّ نكاحُ مسلمٍ ذميَّةً عند ذميين، ولم يظهرْ بهما إن جَحَد): (أي المسلمُ)
(6)
، فإنَّ شهادةَ الكافرِ على المسلم لا تقبل، وإن ادَّعى المسلمُ تقبل له.
(1)
ذكر في ت و م بعد لفظهما: لا عدالتهما.
(2)
قال صاحب «الدر المختار» (3: 23): على الأصح، خلافاً لقول أبي يوسف وأبي سهل من أنه إذا اتحد المجلس جاز استحساناً، وإن أعيد في مجلس آخر لا ينعقد إجماعاً. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 94).
(3)
بأن وقعت الفرقة بين رجل وامرأة ثم تزوجا بحضور ابنيهما الشقيقين. ينظر: «فتح باب العناية» (2: 8).
(4)
زيادة من ت و ص و م.
(5)
أي لا يثبت عند الحاكم إلا بالعدول حتى لو تجاحدا وترافعا إلى الحاكم أو اختلفا في المهر، فإنه لا يقبل إلا العدول؛ ولأن النكاح له حكمان: حكم الانعقاد، وحكم الإظهار، فحكم الانعقاد أن كلَّ مَن ملك القبول لنفسه انعقد النكاح بحضوره، ومَن لا فلا، فعلى هذا ينعقد بشهادة الأعمى، والأخرس، والمحدود في القذف، وبشهادة ابنيه، أو ابنيها، ولا ينعقد بشهادة العبد
…
وأما حكم الإظهار: وهو عند التجاحد، فلا يقبل فيه إلا العدول كما في سائر الأحكام. ينظر:«الجوهرة» (2: 4)، و «كشف الالتباس عما أورده البخاري على بعض الناس» (ص 74).
(6)
زيادة من م.
أمرَ آخرَ أن يُنْكِحَ صغيرتَه، فنكحَ عند فردٍ إن حضرَ أبوها صحَّ وإلاَّ فلا، كأَبٍ يُنْكِحُ بالغتَهُ عندٍ فردٍ إن حضرَتْ صحَّ وإلاَّ فلا.
[باب المحرمات]
وحَرُمَ على المرء أصلُه، وفرعُه، وأختُه، وبنتُها، وبنتُ أخيه، وعمَّتُه، وخالتُه، وبنتُ زوجتِهِ إن وُطِئت، وأمُّ زوجتِه، وإن لم توطأ، وزوجةُ أصلِهِ وفرعِه
(أمرَ آخرَ أن يُنْكِحَ صغيرتَه
(2)
، فنكحَ
(3)
عند فردٍ إن حضرَ أبوها صحَّ وإلاَّ فلا)؛ فإنَّ الأبَ إذا كان حاضراً ينتقلُ عبارةُ الوكيلِ إلى الأب، فصارَ كأنَّ الأبَ عاقد، والوكيلَ مع ذلك الفردِ شاهدان، (كأَبٍ يُنْكِحُ بالغتَهُ
(4)
عندٍ فردٍ إن حضرَتْ صحَّ وإلاَّ فلا)، فصارَ كأنَّ البالغةَ عاقدةٌ، والأبُ وذلك الفردُ شاهدان، وعبارة «المختصر» هذا: والوكيلُ شاهد إن حضرَ موكِّلُهُ كالوليِّ إن حضرَتْ مُوليَّتُهُ بالغة
(5)
.
[باب المحرمات]
(وحَرُمَ على المرء أصلُه، وفرعُه، وأختُه، وبنتُها، وبنتُ أخيه، وعمَّتُه، وخالتُه، وبنتُ زوجتِهِ إن
(6)
وُطِئت، وأمُّ زوجتِه، وإن لم توطأ، وزوجةُ أصلِهِ وفرعِه). لفظ «المختصر»: وحَرُمَ أصلُه، وفرعُه، وفرعُ أصلِه القريب، وصُلْبِيَّةُ
(7)
أصلِهِ البعيد
(8)
.
فالأصلُ القريب: الأب، والأم، وفرعُهما: الإخوة، والأخوات، وبناتُ الإخوة، والأخوات، وإن سفلت، فيحرمُ جميعُ هؤلاء.
والأصلُ البعيد: الأجداد، والجَدَّات، فتحرمُ بناتُ هؤلاءِ الصُّلْبِيَّة: أي العمَّاتُ والخالاتُ لأبٍ وأمّ، أو لأب، أو لأمّ، وكذا عمَّاتُ الأبِ والأمّ، وعمَّاتُ الجدِّ والجدَّة،
(2)
أي غير بالغة، والضمير في صغيرته راجع إلى الآمر.
(3)
الأولَى أن يقول فأنكح لأن الناكحَ هو الزوجُ والمأمور هو المنكح. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 10).
(4)
أي ابنته البالغة.
(5)
انتهى من «النقاية» (ص 74).
(6)
زيادة من أ و ب و س.
(7)
صُلبيَّة الرجل: كل مَن كان من صُلبِ أبيه. ينظر: «المغرب» (ص 271).
(8)
انتهى من «النقاية» (ص 74)، وتمامه: وزوجته وبنتها موطؤة، وزوجة أصله وفرعه.
وكلُّ هذه رضاعاً، وفرعُ مزنيَّتِهِ وممسوستِهِ وماسَّتِهِ، ومنظورةٍ إلى فرجِها الدَّاخل بشهوة، وأصلِهنّ، وما دون تسعٍ سنينَ ليست بمشتهاة، وبه يُفْتى
لكن بناتُ هؤلاء إن لم تكن صُلْبِيّةً لا تحرم، كبنتِ العمّ، والعمَّة، وبنتِ الخال، والخالة.
(وكلُّ هذه رضاعاً)، هذا يشملُ عدَّة أقسام: كبنتِ الأختِ مثلاً، تشملُ البنتَ الرِّضاعيَّةَ للأُختِ النِّسبيَّة، والبنتَ النِّسبيَّةَ للأُختِ الرَّضاعيَّة، والبنتَ الرَّضاعيَّةَ للأُختِ الرَّضاعيَّة.
(وفرعُ مزنيَّتِهِ وممسوستِهِ وماسَّتِهِ، ومنظورةٍ إلى فرجِها الدَّاخل
(1)
بشهوة، وأصلِهنّ)، المسُّ بشهوةٍ عند البعضِ أن يشتهي بقلبِه، ويتلذَّذَ به، ففي النِّساءِ لا يكونُ إلاَّ هذا، وأمَّا في الرِّجال
(2)
فعند البعضِ أن ينتشرَ آلتُه، أو يزدادَ انتشاراً، هو الصَّحيح
(3)
(وما دون تسعٍ سنينَ ليست بمشتهاة، وبه يُفْتى)، اعلم أن بنتَ تسعِ سنينَ، أو أكثر، قد تكونُ مشتهاة، وقد لا تكون، وهذا يختلفُ بعظمِ الجثَّة، وصغرِها، أمَّا قبل أن
(1)
ولا يكون هذا إلا إذا كانت متكئة، لا واقفة أو جالسة غير مستندة، وقال أبو يوسف: النظر إلى منابت الشعر يكفي لثبوت حرمة المصاهرة، وقال محمد: لا تثبت الحرمة حتى ينظر إلى الشق، وصححه في «الخلاصة». ينظر:«التبيين» (1: 108)، و «رد المحتار» (2: 280).
(2)
هذا في الشاب، أما الشيخ الكبير والعنين، فيكفي تحرك قلبه أو زيادة تحركه إن كان متحركاً لا مجرد ميلان النفس، واختاره صاحب «الفتح» (3: 223)، و «الدر المختار» (2: 280)، و «التبيين» (2: 108)، وغيرها. لكن محمد بن مقاتل الرازي اختار تحرك آلتهما، وظاهر كلام «العناية» (3: 224) يدل على اختياره.
(3)
اختلفوا في حدِّ الشهوة على أقوال:
الأول: ما ذكره الشارح وصححه، ويكون هذا إذا لم ينْزل، فلو أنْزل مع مس أو نظر فلا حرمة. وكذا صححه صاحب «الهداية» (1: 193)، واختاره محمد بن مقاتل الرازي، والشيخ خواهر زاده، وشمس الأئمة السرخسي، و «التبيين» (2: 108)، وفي «الخلاصة»: وبه يفتى.
والثاني: أن يميل قلبه إليها ويشتهي جماعها، وهو قول كثير من المشايخ. ينظر:«المحيط» (ص 191 - 192)
والثالث: لا يشترط في النظر للفرج تحريك آلته، وبه يفتى. كذا في «الجواهر». كما في «الدر المختار» (2: 280).
والجمعُ بين الأُخْتينِ نكاحاً وعدَّةً ولو من بائن، ووطئاً بملكِ يمين، وبين امرأتينِ أيَّتُهما فُرِضَتْ ذَكَرَاً لم تحلُّ له الأخرى، فإن تزوَّجَ أختَ أمةٍ وَطِئها لا يطأُ
تبلغَ تسعَ سنين، فالفتوى على أنَّها ليست بمشتهاة
(1)
.
(والجمعُ بين الأُخْتينِ نكاحاً وعدَّةً ولو من بائن، ووطئاً بملكِ يمين، وبين امرأتينِ أيَّتُهما فُرِضَتْ ذَكَرَاً لم تحلُّ له الأخرى): عبارة «المختصر» هذا: ويُحَرِّمُ نكاحُ امرأةٍ وعدَّتُها نكاحَ امرأة، أيَّتُهُما فُرِضَتْ ذَكَرَاً لم تحلَّ له الأُخرى، ووَطْأَها مُلكاً، وكذا وَطْؤُها ملكاً وَطء الأُخرى نكاحاً وملكاً لا نكاحَها، فإن نكحَها لا يطأُ واحدةً حتَّى يُحَرِّمَ الأُخرى
(2)
.
أي كونُ المرأةِ في نكاحِ رجل، أو في عدَّتِه، ولو من طلاقٍ بائنٍ يُحَرِّمُ نكاحَ امرأةٍ أيُّتُهما فُرِضَت ذَكَرَاً، لم تحلَّ له الأُخرى.
وأيضاً يُحَرِّمُ وطءَ هذه المرأةِ بملكِ يمين، أمَّا وطءُ إحداهما بملكِ يمينٍ فيحرِّمُ وطءَ الأُخرى نكاحاً وملكَ يمين، لكن لا يُحَرِّمُ
(3)
نكاحَها حتَّى إذا نكحَها لا يطأُ واحدةً حتَّى يُحَرِّمَ الأخرى، وهذا معنى ما قال (المصنِّفُ رضي الله عنه)
(4)
: (فإن تزوَّجَ أختَ أمةٍ وَطِئها لا يطأُ
(1)
اختلفوا في حدّ المشتهاة على قولين:
الأول: إن ما دون تسع سنين ليست بمشتهاة، وبنت التسع قد تكون مشتهاة وقد تكون لا. وبه أفتى أبو الليث، وعليه يفتى كما ذكر المصنف والشارح، وصاحب «الملتقى» (ص 50)، و «الدر المختار» (2: 282)، و «فتح باب العناية» (2: 15)، وصححه صاحب «المعراج» .
والثاني: إن بنت خمس لا تكون مشتهاة اتفاقاً، وبنت تسع فصاعداً مشتهاة اتفاقاً، وبنت ثمان، أو سبع، أو ست إن كانت ضخمة مشتهاة وإلاَّ فلا. قاله أبو بكر محمد بن الفضل. قال الشمني: وعليه الفتوى. وينظر: «التبيين» (2: 108 - 109)، و «الفتح» (3: 223)، و «البحر» (3: 107)، و «مجمع الأنهر» (1: 328)، و «رد المحتار» (2: 283).
(2)
انتهى من «النقاية» (ص 74 - 75).
(3)
أي مجردُ وطء إحدى المرأتين المذكورتين لا يحرِّمُ نكاحَ الأخرى بل وطؤها، فلو نكحَ الأخرى بعدما وطء الأولى بملك يمين لا يحلُّ له وطءُ واحدةٍ منهما حتى يحرِّمَ على نفسِهِ أحدَهما. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 14).
(4)
زيادة من أ و ب و س.
واحدةً حتَّى يُحَرِّمَ أحداهما عليه، وإن تزوجَهما بعقدين، ونسي الأُولى، فُرَّقَ بينهما، ولهما نصفُ المهر، والجمعُ بين امرأتينِ أيُّتُهما فُرِضَتْ ذَكَرَاً لم تحلَّ له الأُخرى، لا بين امرأةٍ وبنتِ زوجِها لا منها، وصحَّ نكاحُ الكتابيَّة، والصَّابئة المؤمنةِ بنَبِيٍّ المُقِرَّةِ بكتاب، لا عبَّادةَ
واحدةً حتَّى يُحَرِّمَ أحداهما عليه): (فيطأُ الأُخرى)
(1)
إمِّا بإزالةِ الملكِ عن كلِّها، أو بعضِها، أو بالتَّزويج.
(وإن تزوجَهما بعقدين، ونسي الأُولى، فُرَّقَ بينهما
(2)
، ولهما نصفُ المهر)
(3)
؛ لأنَّ النِّكاحَ الأخيرَ باطلٌ غيرُ موجبٍ للمهر، والنَّكاحُ الأَوَّلُ صحيح، وقد فارقَ الأوّل قبل الوطء، فيجبُ نصفُ المهر، ولا يدري لمَن هو، فينصَّفُ المهرَ بينهما، وإنِّما قال: بعقدين حتَّى لو تزوَّجَهما بعقدٍ واحدٍ يبطلُ نكاحُها، فلا يجبُ شيءٌ من المهر.
«والجمعُ بين امرأتينِ أيُّتُهما فُرِضَتْ ذَكَرَاً لم تحلَّ له الأُخرى)
(4)
، لا بين امرأةٍ وبنتِ زوجِها لا منها)؛ لأنَّ بنتَ الزَّوج لو فرضَتْ ذَكَرَاً كان ابنُ الزَّوج، وهو حرام، أمَّا المرأةُ الأُخرى لو فُرِضَتْ ذَكَرَاً لا تحرمُ عليه تلك المرأة
(5)
.
(وصحَّ نكاحُ الكتابيَّة
(6)
، والصَّابئة
(7)
المؤمنةِ بنَبِيٍّ المُقِرَّةِ بكتاب، لا عبَّادةَ
(1)
زيادة من م.
(2)
زيادة من أ و ب و س و ت.
(3)
إن كان مهرهما متساويين، والمهر مسمى في العقد، وكانت الفرقة قبل الدخول، وكل منهما ادعت سبق نكاحها، إذ لو كانا مختلفين يقضى لكل واحدة منهما بربع مهرهما، وإن لم يكن مسمى فالواجب متعة لهما بدلاً عن نصف المهر. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 325).
(4)
زيادة من ت و م.
(5)
لأنها ابنة رجل أجنبي بالنسبة له فيحل لها الزواج منها، وكذا يجوز الجمع بين المرأة وأمرأة ابنها. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 326).
(6)
أحلَّت للمسلمين نساء أهل الكتاب من جهة أنهم كانوا يلتزمون في أمر المناكحات أحكاماً تشابه الأحكام المشروعة في الإسلام؛ ولذلك يجب لجواز هذا النكاح شرعاً أن يقع النكاح حسب الأحكام الشرعية في الإسلام. ينظر: «بحوث في قضايا فقهية معاصرة» (ص 442).
(7)
الصَّابئة: من صَبَأَ من دينٍ إلى دينٍ يَصْبَأُ: خَرَجَ فهو صَابِئٌ، ثم جُعِلَ هذا اللَّقَبُ عَلَماً على طائفةٍ من الكُفَّارِ يقالُ إنَّها تعبدُ الكواكِبَ في الباطنِ وتُنْسَبُ إلى النَّصْرَانِيَّةِ في الظَّاهِرِ، ويَدَّعُونَ أَنهم على دين صابئِ بن شِيثِ بن آدم، وقيل: إنهم عدلوا عن اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة، وقد ذكر فيهم ابن الجوزي سبعة أقوال. ينظر:«المصباح المنير» (ص 333 - 334)، و «التبيان في غريب القرآن» (1: 91)، و «تفسير النسفي» (1: 48)، و «زاد المسير» (1: 91 - 92).
كواكبَ لا كتابَ لها، ونكاحُ المُحْرِمِ والمُحْرِمَة، والأمةِ المسلمةِ والكتابيَّة، ولو مع طَوْلِ الحرَّة
كواكبَ لا كتابَ لها)، اعلم أنَّ نكاحَ الصَّابئةِ يحلُّ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، لا عندهما، فقيل: هذا الخلافُ بناءٌ على تفسيرِ الصَّابئيِّ، فأبو حنيفةَ رضي الله عنه زعمَ أنَّ الصَّابئيَّ من أهلِ الكتاب، فإن كان كذلك يجوزُ نكاحُ الصَّابئة، وهما زعما من عبدةِ الكواكب ولا كتابَ لهم، فلو كان كذلك لا يحلُّ نكاحُها
(1)
.
ثُمَّ عطفَ على نكاحِ الكتابيَّة قولَه: (ونكاحُ المُحْرِمِ والمُحْرِمَة، والأمةِ المسلمةِ والكتابيَّة)، وفيه خلافُ الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه بناءً على أن التَّخصيصَ بالوصفِ يوجبُ نفيَ الحكمَ عمَّا عداهُ عنده
(3)
، لا عندنا
(4)
، فقولُهُ تعالى:{مِنْ فَتَيَاتِكُمْ المُؤْمِنَات}
(5)
ينفي جوازَ نكاحِ الكتابيَّةِ عنده.
(ولو مع طَوْلِ الحرَّة)
(6)
، المرادُ بطَوْلِ الحرَّةِ القدرةُ على نكاحِها، بأن يكونَ له
(1)
قال صاحب «الدر المنتقى» (1: 328): ويصح نكاح الصابئة المؤمنة بنبِي المقرة بكتاب اتفاقاً، وما نقل من الخلاف مبني على أن الصابئة عند الإمام كتابية تعظِّم الكواكب كتعظيمنا القبلة، وعندهما تعبد الكواكب ولا كتاب لها، فالخلاف لفظي.
(2)
ينظر: في عدم جواز نكاح المحرم والمحرمة عند الشافعي رضي الله عنه: «الأم» (2: 131)، و «التنبيه» (ص 105)، و «نهاية المحتاج» (6: 242)، وغيرها.
وينظر: لعدم جواز نكاح الأمة الكتابية عند الشافعي رضي الله عنه: «شرح البهجة» (4: 143)، و «حاشيتا قليوبي وعميرة» (3: 251)، و «فتوحات الوهاب» (4: 192)، وغيرها.
(3)
أي عند الشافعي رضي الله عنه، قال في «الأم» (5: 8): قوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً} إلى قوله {من فتياتكم المؤمنات ذلك لمن خشي العنت منكم} ، وفي إباحة الله الإماء المؤمنات على ما شرط لمن لم يجد طولاً وخاف العنت دلالةٌ والله تعالى أعلم على تحريمِ نكاح إماء أهل الكتاب.
(4)
فعندنا التخصيصُ بالوصفِ لا يدلُّ على نفي الحكم عمَّا عداه، فقد يكون ذكر الوصف اتِّفاقياً جارياً على مجرى العادة، أو للاهتمام به لشرفه، أو لغير ذلك فتقييدهنَّ بالمؤمنات لا دلالةَ له على نفي جواز نكاح غير المؤمنة. ينظر:«التوضيح» (1: 287)، و «كشف الأسرار شرح البزدوي» (2: 274)، و «العمدة» (2: 15).
(5)
من سورة النساء، الآية (25).
(6)
يجوز للحرِّ إذا لم يكن تحته حرة، ولكنه قادر على طول الحرَّة عندنا له أن يتزوَّج الأمة، والأولى أن لا يفعله. ينظر:«المبسوط» (5: 109).
والحرَّةِ على الأمة، وأربعِ من حرائر وإماء فحسب، وللعبدِ نصفُها، وحُبْلَى من زِنا ولا توطأ حتَّى تضعَ حملَها، ومَوْطُؤةِ سيِّدِها، أو زان، ومَن ضُمَّتْ إلى مُحَرَّمة
مهرُ الحرَّة، ونفقتُها، وفيه خلافُ الشَّافِعِيِّ
(1)
بناءً على أن التَّعلِّيقَ بالشَّرطِ يوجبُ العدمَ عند عدمِ الشَّرط، فقولُهُ تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً}
(2)
الآية
(3)
، دلَّ على أنَّه لو كان له طَوْلُ الحرَّة لم يجزْ له
(4)
نكاحُ الأمة.
أمَّا عندنا فهو ساكتٌ عن هذا الحكم، فبقي الحكمُ على تقديرِ طول الحرَّةِ على الحلِّ الأَصليّ
(5)
، وكذا في الأَمةِ الكتابيَّة.
(والحرَّةِ على الأمة، وأربعِ من حرائر وإماء
(6)
فحسب، وللعبدِ نصفُها، وحُبْلَى من زِنا ولا توطأ حتَّى تضعَ حملَها
(7)
، ومَوْطُؤةِ سيِّدِها، أو زان)، أي يجوزُ نكاحِ أمةٍ وطئَها سيِّدُها، ولا يجبُ على الزَّوجِ الاستبراء
(8)
، وكذا نكاحُ مَن وَطِئَها رجلٌ بالزِّنا، ولا يجبُ على الزَّوجِ الاستبراء.
(ومَن ضُمَّتْ إلى مُحَرَّمة): أي إذا تزوَّجَ امرأتينِ بعقدٍ واحدٍ وإحداهما مُحرَّمةٌ عليه صحَّ نكاحُ الأُخرى.
(1)
ينظر: «الأم» (5: 169)، «شرح البهجة» (4: 142)، و «حاشية البيجيرمي» (3: 369)، وغيرها.
(2)
من سورة النساء، الآية (25).
(3)
زيادة من أ.
(4)
زيادة من أ و ب و س.
(5)
المستفاد من قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]، و {وَأُحِلَ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ} [النساء: 24].
(6)
أي جمعاً وتفريقاً، إلا أن في الجمع إنما يجوز إذا أخَّرَ الحرائر. ينظر:«فتح القدير» (3: 240).
(7)
أي من غيره عند الطرفين، وعليه الفتوى، ولا تستحق النفقة، وهذا إذا لم يكن الحمل ثابت النسب، وإلا فالنكاح باطل بالإجماع، أما إن كان الزنا منه فيجوز اتفاقاً، ويجوز له وطؤها. ينظر:«فتح القدير» (3: 243)، و «مجمع الأنهر» (1: 329)، و «رد المحتار» (2: 291).
(8)
لكن يستحب للمولى أن يستبرئها، وإذا جاز النكاح، فللزوج أن يطأها قبل أن يستبرئها عندهما، وقال محمد: لا أحب أن يطأها قبل أن يستبرئها. ينظر: «البناية» (4: 95 - 96)، و «شرح ملا مسكين» (1: 96).
لا نكاحَ أمتِه، وسيِّدَتِه، والمجوسيَّة، والوثنيَّة، وخامسةٍ في عدَّةِ رابعة، وأمةٍ على حرَّة، أو في عدَّتِها، وحاملٍ من سَبيّ، وحاملٍ ثَبَتَ نسبُ حملِها، ولو هي أمَّ ولدٍ حَمَلَت من سيِّدِها
(لا نكاحَ أمتِه، وسيِّدَتِه
(1)
، والمجوسيَّة
(2)
، والوثنيَّة
(3)
، وخامسةٍ في عدَّةِ رابعة
(4)
): هذا للحرّ، وأمَّا
(5)
للعبدِ فلا يجوزُ الثَّالثةُ في عدَّة الثَّانية، (وأمةٍ على حرَّة
(6)
، أو في عدَّتِها، وحاملٍ من سَبيّ
(7)
، وحاملٍ ثَبَتَ نسبُ حملِها، ولو هي أمَّ ولدٍ حَمَلَت من سيِّدِها): تزوَّجَ مُسْبِيَةً حاملاً لا يجوزُ النِّكاح؛ لأنَّ حملَها ثابتُ
النَّسب، وإنِّما أفردَها بالذِّكْر، وإن كانت داخلةً تحت قولِه: وحاملٍ ثَبَتَ نسبُ حملِها؛ لأنَّه قد يُشْتَبَهُ أنَّ ولدَها ثابتُ النَّسبِ أم لا، فلا يعلمُ حكمُ نكاحِها، فأفردَها بالذِّكْر.
وقولُهُ: ولو هي أمَّ ولد؛ وإنِّما قال كذلك ـ ومثل هذا الكلامِ يستعملُ في مقامٍ يحتاجُ إلى المبالغة ـ؛ لأنَّ الحاملَ التي ثبتَ نسبُ حملِها، إمَّا منكوحة، أو مستولدة.
والمنكوحة: هي الفراشُ القويّ، فلدفعِ توهُّمِ اختصاصُ هذا الحكمِ بالفراشِ القوي، قال: بطلَ نكاحُ حاملٍ ثبتَ نسبُ حملِها، وإن كان الفراشُ غيرَ قويّ.
(1)
أي حرم عليه نكاح أمته وحرم على العبد نكاح سيدته للإجماع على بطلانه؛ ولأن النكاح لم يشرع إلا مثمراً ثمرات مشتركة بين المتناكحين يوجب له عليها التمكين من نفسها وقرارها في بيته وخدمته داخل البيت ويوجب لها عليه المهر والنفقة والسكنى والكسوة والقسم، والمملوكية تنافي المالكية فيمتنع وقوع الثمرة على الشركة، فلا يشرع لما عرف أن كل تصرف لا يترتب عليه مقصوده لا يكون مشروعاً؛ ولأن المقصود من النكاح التواد والإحسان؛ ومقصود الرق الامتهان والقهر بسبب ما سبق منه من الكفر فلا يجتمعان للتضاد. ينظر:«تبيين الحقائق» (2: 109).
(2)
المجوسية: نسبة إلى المجوس، وهم عبدة النار. ينظر:«فتح القدير» (3: 231)، و «البحر» (3: 111).
(3)
الوثنية: وهي التي تعبد الوثن، وهو الصنم. ينظر:«التبيين» (2: 111).
(4)
في أ و ب: الرابعة، وفي ت: اربعة.
(5)
في ص و م: أما.
(6)
في م: الحرة.
(7)
سَّبى: أي أسر، سَبَيْتُ العَدُو: أسرتُه. فالغُلامُ سَبِيٌّ ومَسْبِيّ، والجاريةُ سَبِيَّةٌ ومَسْبِيَّة، وجمعُها سَبايا. ينظر:«المصباح المنير» (ص 266)، و «مختار الصحاح» (ص 285).
ونكاحُ المتعةِ والمؤقَّت.
باب الولي والكفؤ
نَفَذَ نكاحُ حرَّةٍ مكلَّفةٍ ولو من غيرِ كفؤٍ بلا وليّ، وله الاعتراضُ هنا، ورَوَى الحَسَنُ- رضي الله عنه عن أبي حنيفةَ رضي الله عنه عدمَ جوازِه، وعليه فتوى قاضي خان رضي الله عنه
وأيضاً قد ذَكَرَ
(1)
أن نكاحَ موطُؤةِ السَيِّدِ صحيحٌ، فهذا المعنى أوهمَ صحَّةَ نكاحِ الحاملِ من السَيَّد، فإنَّها موطؤةُ السَيِّد، فقال: بطلَ نكاحُ حاملٍ ثَبَتَ نسبُ حملِها، وإن كانت هذه الحاملُ موطؤةَ السَيِّد، فإنَّ هذا المعنى يوجبُ صحَّةَ النِّكاح، فمع ذلك بطلَ نكاحُها باعتبارِ ثبوتِ نسبِ حملِها.
(ونكاحُ المتعةِ والمؤقَّت): صورةُ المتعة: أن يقولَ أَتَمتَّعُ بكِ كذا مُدَّةً بكذا من المال، وصورةُ المؤقَّت: أن يقولَ تزوجتُكِ بكذا إلى شهرٍ، (أو عشرة أيَّام)
(2)
.
باب الولي والكفؤ
(نَفَذَ نكاحُ حرَّةٍ مكلَّفةٍ ولو من غيرِ كفؤٍ
(3)
بلا وليّ
(4)
، وله الاعتراضُ هنا): أي للوليِّ الاعتراضُ في غيرِ الكفؤ، (ورَوَى الحَسَنُ- رضي الله عنه عن أبي حنيفةَ رضي الله عنه عدمَ جوازِه): أي عدم جواز النِّكاح من غيرِ كفؤ، (وعليه فتوى قاضي خان رضي الله عنه)
(5)
.
(1)
أي المصنف رحمه الله سابقاً (ص 14).
(2)
والفرق بين المتعة والمؤقت:
الأول: إنه يذكر لفظ التزويج في المؤقت، وفي المتعة يذكر لفظ أتمتع أو أستمتع يعني ما اشتمل على مادة متعة.
والثاني: إنه يكون في نكاح المؤقت شاهدان دون المتعة. ينظر: «فتح القدير» (3: 247)، و «حاشية الشلبي» (2: 115).
(3)
الكُفُؤ: بتسكين الفاء، وضمها: النظير والمساوي. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 47).
(4)
وليّ: وهو من الولاية، وهي تنفيذ الحكم على الغير شاء أو أبى، والولي هو العصبة، ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 96)، و «رمز الحقائق» (1: 145).
(5)
واختار رواية الحسن التمرتاشي في «تنوير الأبصار» (2: 297): ويفتى بعدم جوازه أصلاً لفساد الزمان، وأيدَّه في «منح الغفار» (ق 308/ب)، وظاهر كلام الطحطاوي في «حاشيته على الدر المختار» (2: 27) يدل عل اختياره، وكذا اختارها صاحب «الفتح» (3: 157).
ولا يجبرُ وليٌّ بالغةً ولو بكراً، وَصَمْتُها وضِحْكُها وبكاؤُها بلا صوتٍ إذْنٌ ومعه رَدٌّ حينَ استئذانِه، أو بعد بلوغِ الخبرِ بشرطِ تسميةِ الزَّوج لا المهرَ فيهما، هو الصَّحيح
اعلم أنَّ الحرَّةَ العاقلةَ البالغةَ إذا زوَّجَتْ نفسَها، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم ينعقد، وفي روايةٍ عن أبي يوسف رضي الله عنه لا ينعقدُ إلاَّ بوليّ، وعند محمَّد رضي الله عنه ينعقدُ موقوفاً على إجازة الولي، وعند مالكٍ
(1)
والشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه لا ينعقدُ بعبارةِ النِّساء.
وأمَّا مسألةُ الكفؤ؛ ففي ظاهرِ الرِّوايةِ النِّكاحُ من غيرِ كفؤٍ ينعقدُ لكن للوليِّ الاعتراض إن شاءَ فَسَخَ، وإن شاءَ أجاز، وفي روايةِ الحَسَنِ رضي الله عنه عن أبي حنيفةَ لا ينعقد.
(ولا يجبرُ وليٌّ بالغةً ولو بكراً): اعلم أنَّ ولايةَ الإجبارِ ثابتةٌ على الصَّغيرةِ دون البالغة، وعند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه ثابتةٌ على البكرِ دون الثَّيب، فالبكرُ الصَّغيرةُ تجبرُ اتِّفاقاً لا الثَّيبُ البالغةُ اتِّفاقاً، والبكرُ البالغةُ لا تجبرُ عندنا، وتجبرُ عنده
(4)
، والثَّيبُ الصَّغيرةُ تجبرُ عندنا لا عنده
(5)
، ثُمَّ عندنا كلُّ وليٍّ فلَهُ ولايةُ الإجبار، وعند الشَّافِعِيِّ
(6)
رضي الله عنه الوليُّ المجبرُ ليس إلاَّ الأبَّ والجَدّ.
(وَصَمْتُها وضِحْكُها وبكاؤُها بلا صوتٍ
(7)
إذْنٌ ومعه
(8)
رَدٌّ حينَ استئذانِه
(9)
، أو بعد بلوغِ الخبرِ بشرطِ تسميةِ الزَّوج لا المهرَ فيهما
(10)
، هو الصَّحيح)
(11)
الضَّميرُ في
(1)
ينظر: «المدونة» (2: 117)، و «المنتقى شرح الموطأ» (3: 270)، و «التاج والأكليل» (5: 63 - 64).
(2)
ينظر: «الأم» (5: 14)، و «التنبيه» (ص 103)، و «تحفة المحتاج» (7: 238)، وغيرها.
(3)
ينظر: «الأم» (8: 628)، و «تحفة المحتاج» (7: 248)، و «فتوحات الوهاب» (4: 149)، وغيرها.
(4)
أي عند الشافعي رضي الله عنه.
(5)
أي عند الشافعي رضي الله عنه: ينظر: «أسنى المطالب» (3: 128)، و «تحفة المحتاج» (7: 268)، و «مغني المحتاج» (4: 168)، وغيرها.
(6)
ينظر: «التنبيه» (ص 103)، و «الغرر البهية» (4: 109)، و «تحفة الحبيب» (3: 413)، وغيرها.
(7)
وإنِّما اشترطَ في البكاءِ أن يكونَ بلا صوت؛ لأنه يدلُّ على أنه لحزنٍ على مفارقةِ أهلِها ينظر: «رد المحتار» (2: 299).
(8)
أي البكاء مع الصوت، والمعوَّل عليه اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضحك فإن تعارضت أو أشكل احتيط. وتفصيله في «الفتح» (3: 265).
(9)
أي حين استئذان الولي البالغة.
(10)
أي في الاستئذان ووصول الخبر؛ لأنه يشترط فيهما تسمية الزوج، ولا يشترط ذكر المهر.
(11)
احترازاً عمّا قيل من اشتراط تسمية المهر، وهو قول المتأخِّرين، وما صححه المصنف صححه صاحب «الهداية» (1: 197)، و «الملتقى» (ص 50).
ولو استأذنَها غيرُ وليٍّ أقربَ فَرِضَاها بالقولِ كالثَّيب، والزَّائلُ بكارتَها بوَثْبةٍ، أو حيضٍ، أو جِراحةٍ، أو تَعْنيسٍ، أو زِناً بكرٌ حكماً، وقولُها: رددَتُ أَوْلَى من قولِهِ: سكتِّ، وتُقْبَلُ بَيِّنتُهُ على سكوتِها، ولا تحلفُ هي إن لم يُقِم البيِّنة، وللوليِّ إنكاحُ الصَّغيرِ والصَّغيرةِ ولو ثيِّباً
صمتِها راجعٌ إلى البكرِ البالغة، فإذا استأذَنَها الوليُّ فسكتت أو ضَحِكَت كان رضاً، وإذا بَلَغَ إليها خبرُ نكاحِها فَسَكَتَتْ، فهو رضاء، لكن بشرطِ تسميةِ الزَّوج حتَّى لو لم يُذْكَرْ الزَّوجُ، فسكوتُها لا يكونُ رضاءً، ولا يشترطُ ذِكْرُ المهر.
(ولو استأذنَها غيرُ وليٍّ أقربَ فَرِضَاها بالقولِ كالثَّيب): أي لو استأذنَها الأجنبيُّ، أو وليٌّ بعيدٌ، فالرِّضاءُ لا يكونُ إلاَّ بالقولِ كما في الثَّيب.
(والزَّائلُ بكارتَها بوَثْبةٍ، أو حيضٍ، أو جِراحةٍ، أو تَعْنيسٍ
(1)
، أو زِناً بكرٌ حكماً): أي لها حكمُ البكر في أن سكوتَها رضا.
(وقولُها: رددَتُ أَوْلَى من قولِهِ: سكتِّ): أي إذا قال الزَّوجُ للبكرِ البالغةِ
(2)
: بلغكِ النِّكاحُ فسكتّ، وقالت: لا بل رددَتُ
(3)
، فالقولُ قولُها
(4)
.
(وتُقْبَلُ بَيِّنتُهُ على سكوتِها، ولا تحلفُ هي إن لم يُقِم البيِّنة
(5)
): وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه بناءً على أنه لا يحلفُ في النِّكاح
(6)
.
(وللوليِّ إنكاحُ الصَّغيرِ والصَّغيرةِ ولو ثيِّباً)، هذا احترازٌ عن قولِ
(1)
تعنيس: من عَنَسَتْ الْمَرْأَةُ تَعْنِسُ: إذَا طَالَ مُكْثُهَا في منْزلِ أهلِها بعد إدراكِها، ولم تتزوَّجْ حتَّى خرجَتْ من عِدادِ الأبكار، فإنْ تَزَوَّجَتْ مَرَّةً فلا يُقَالُ عَنَسَت. ينظر:«المصباح المنير» (ص 433).
(2)
قيدَّ بالبالغة؛ لأنها إذا كانت صغيرة وزوَّجها الوليّ ثم أدركت وادَّعت ردَّ النكاح حين بلغت وكذَّبَها الزوجُ كان القولُ قوله. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 335).
(3)
قبل أن يكون دخل بها طوعاً في الأصح. كما في «الدر المختار» وحاشيته لابن عابدين (2: 302).
(4)
عبارة: القول قولها؛ في مسائل الدعوى عندهم كناية عن كونها منكرةً، فكلُّ من قالوا: إن القولَ قولُهُ مرادُهم به أنه منكر، والآخر مدَّع، فيطالبُ المدَّعي بالشُّهود، فإن أتى بهم ثبتَ دعواه ولا يحلفُ المنكر، وليس المرادُ به قبول قولهِ من غيرِ حجَّة. وتمامه في «عمدة الرعاية» (2: 23).
(5)
زيادة من أ و ب و ت و س.
(6)
وعندهما لا تحلف، واختار رأيهما صاحب «الملتقى» (ص 50)، ونصّ صاحب «مجمع الأنهر» (1: 335)، و «الشرنبلالية» (1: 336)، و «الدر المنتقى» (1: 335): على أنّ الفتوى على رأيهما.
ثُمَّ إنْ زوَّجَها الأبُ والجدُّ لَزِم، وفي غيرِهما فسخَ الصَّغيران حين بلغا، أو علما بالنِّكاحِ بعدَه، وسكوتُ بكر بلغت عالمةً بالنكاح رضاً به، ولا يمتدُّ خيارها إلى آخرِ المجلس، وإن جهلت به، بخلافِ المُعْتَقة جهلت بخيارها
الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه كما مرّ.
(ثُمَّ إنْ زوَّجَها الأبُ والجدُّ لَزِم
(2)
، وفي غيرِهما
(3)
فسخَ الصَّغيران حين بلغا، أو علما بالنِّكاحِ بعدَه): أي إن كانا عالمين بالنِّكاح، فلهما الفسخُ عند البُلُوغ، فإن لم يكونا عالمين، فلهما الفسخُ حين علما بعدَ البُلُوغ، وفيه خلافُ الشّافِعِيّ
(4)
رضي الله عنه فإن تزويجَ غيرِ الأبِ والجدِّ قبل البلوغ لا يصحُّ عنده لما ذَكَرْنا أن الوليَّ المجبرَ عنده ليس إلاَّ الأبَ والجدّ.
(وسكوتُ بكر بلغت عالمةً بالنكاح رضاً به): أي عند البُلُوغ، أو العلمِ بالنِّكاح بعد البلوغ، (ولا يمتدُّ خيارها إلى آخرِ المجلس
(5)
، وإن جهلت به): أي بالخيار، فإنّ البكرَ إذا سكتت بعد البلوغ أو العلمِ بناءً على أنها لم تعلم أنَّ لها الخيار يبطلُ خيارها، فإن سكوتَها رضا ولا تُعْذَرُ بالجهل، (والجهل ليس بعذر في حقِّها)
(6)
.
(بخلافِ المُعْتَقة (جهلت بخيارها)
(7)
): أي إذا أُعتقت الأمة، ولها زوجٌ يثبتُ لها الخيار، فإن لم تعلمْ أنّ لها الخيار، فجهلُها عذر؛ لأنَّها لا تتفرَّغُ للتَّعلم بخلافِ الحرائر، «فإن طلبَ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة»
(8)
، وبالتَّقصيرِ لا تعذر.
(1)
ينظر: «أسنى المطالب» (3: 128)، و «تحفة المحتاج» (7: 268)، و «مغني المحتاج» (4: 168).
(2)
أي الزواج سواء كان بغبن فاحش أو بغير كفؤ.
(3)
أي غير الأب والجد، ولو الأم أو القاضي أو وكيل الأب. ينظر:«الدر المختار» (2: 305).
(4)
ينظر: «الأم» (5: 21)، و «التنبيه» (ص 103)، و «الغرر البهية» (4: 109)، وغيرها.
(5)
أي مجلس البلوغ أو العلم، فاللام للعهد، فخيارها على الفور. وتمامه في «مجمع الأنهر» (1: 336).
(6)
زيادة أ و ب و س.
(7)
زيادة من ق.
(8)
هذا لفظ حديث مرفوع عن أنس وابن مسعود وابن عباس وأبي سعيد وابن عمر وعلي رضي الله عنهم في «سنن ابن ماجه» (1: 81)، و «المعجم الأوسط» (4: 245)، و «الصغير» (1: 36)، و «الكبير» (10: 195)، «معجم الإسماعيلي» (2: 652)، و «مسند أبي يعلى» (5: 223)، و «مسند الشهاب» (1: 136)، وغيرها. قال أحمد: لا يثبت عندنا في هذا الباب شيء، قال البزار: كل ما يروى فيها عن أنس غير صحيح، وقال البيهقي: متنه مشهور وإسناده ضعيف، وروي من أوجه كلها ضعيفة، قال العراقي: قد صحح بعض الأئمة بعض طرقه، وقال المِزي: إن طرقه تبلغ رتبة الحسن. قال السخاوي: وقد ألحق بعض المحققين: ومسلمة؛ وليس لها ذكر في شيء من طرقه وإن كانت صحيحة المعنى. والعلم المقصود في الحديث هو العلم الضروري أو العام الذي لا يسع البالغَ المكلفَ جهلُهُ أو علم ما يطرأ له خاصة. ينظر: «تخريج أحاديث الأحياء» (1: 55 - 57)، «كشف الخفاء» (2: 56 - 57).
وخيارُ الغُلامِ والثَّيبِ لا يبطلُ بلا رضاء صريح، أو دلالتِه، ولا بقيامِهما عن المجلس، وشُرِطَ القضاءُ لفسخِ مَن بَلَغَ لا مَن عتقت
فإن قيل: كلامُنا في البكرِ حالَ بلوغِها وهي قبلَ البلوغِ غيرُ مكلَّفة بالشَّرائع، قلنا: إذا راهق الصَّبيُّ والصَّبيَّة، فإمَّا أن يجبَ عليهما تعلمَ الإيمانَ وأحكامَه، أو يَجِبَ على وليهما التَّعليمُ، ولا ينبغي أن يُتْرَكا سُدَىً، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«مُرُوا صبيانكم بالصَّلاةِ إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم إذا بلغوا عشراً»
(1)
.
(وخيارُ الغُلامِ
(2)
والثَّيبِ
(3)
لا يبطلُ
(4)
بلا رضاء صريح، أو دلالتِه)، الصَّريحُ أن يقول: رضيت، والدَّلالةُ أن يفعلَ ما يدلُّ على الرِّضا، كالقبلة، واللَّمْس، واعطاءِ الغلام المهر، وقَبُول الثَّيب المهر.
(ولا بقيامِهما عن المجلس، (وشُرِطَ القضاءُ لفسخِ مَن بَلَغَ لا مَن عتقت)
(5)
)
(6)
فإن الأَوَّلَ إلزامُ الضَّررِ على الزَّوج بخلافِ فسخِ المُعْتَقة، فإنَّه منعُ زيادةِ الملكِ للزَّوجِ عليها، فإن اعتبارَ الطَّلاقِ عندنا بالنِّساء، فإذا أعتقت صارَ الملكُ عليها بثلاثِ تطليقاتٍ بعدما كان بتطليقتين، ويكون الفسخُ امتناعاً عن هذا، فلا يحتاجُ إلى قضاءِ القاضي.
(1)
في «المستدرك» (1: 38)، و «سنن أبي داود» (1: 230)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (1: 340)، و «مسند أحمد» (2: 180)، و «المعجم الأوسط» (4: 256)، و «سنن البيهقي الكبير» (1: 230)، و «مجمع الزوائد» (1: 294)، وغيرها، قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم والبيهقي: صحيح على شرط مسلم. ينظر: «خلاصة البدر المنير» (1: 92).
(2)
أي بلوغ الغلام الصغير. كما في «الدر المنتقى» (1: 336).
(3)
أي سواء كانت ثيباً في الأصل، أو كانت بكراً، ثم دخل بها ثم بلغت. ينظر:«رد المحتار» (2: 310).
(4)
أي الخيار بقبول النكاح، اعتباراً بحالة ابتداء النكاح لهما. ينظر:«البناية» (4: 141).
(5)
يعني إذا اختار الصغيرة أو الصغير الفرقة بعد البلوغ لا تثبت الفرقة ما لم يفسخ القاضي النكاح بينهما بخلاف خيار العتق حيث لا يحتاج فيه إلى القضاء. ينظر: «درر الحكام» (1: 337).
(6)
لأن الفسخ لدفع ضرر خفي، وهو تمكن الخلل بسبب قصور شفقة المُزوج، ولتمكن الخلل، يشمل الفسخ الذكر والأنثى؛ لأن قصور الشفقة كما هو في حق الجارية ممكن كذلك في حق الغلام، وإذا كان الضرر خفياً لا يطَّلع عليه؛ لأن فرض المسألة فيما إذا كان الزوج كفؤاً والمهر تاماً فربَّما ينكرُهُ الزَّوج، فيحتاج إلى القضاء للإلزام، وأما خيار العتق فلدفع ضرر جليٍّ وهو زيادة الملك عليها. ينظر:«الهداية» (1: 199)، و «العناية» (3: 179 - 180).
وإن ماتَ أحدُهما قبل التَّفريقِ بلغَ أو لا وَرِثَهُ الآخر، والوليُّ: العَصَبَة، على ترتيبِ الإرثِ والحَجْب، بشرطِ حريَّة، وتكليف، وإسلامٍ في ولدٍ مسلمٍ دون كافر، ثُمَّ الأمّ، ثُمَّ ذو الرَّحمِ الأقربِ فالأقرب، ثُمَّ مولي المُوالات
(وإن ماتَ أحدُهما قبل التَّفريقِ بلغَ أو لا وَرِثَهُ الآخر)؛ لصحَّةِ النِّكاح بينهما.
(والوليُّ: العَصَبَة): أي المرادُ العصبةُ بنفسِه: أيُّ ذَكَرٍ يتَّصلُ بلا توسُّطِ أُنثى، أمَّا العصبةُ بالغيرِ كالبنتِ إذا صارت عصبةً بالابن، فلا ولايةَ لها على أُمِّها المجنونة، وكذا العصبةُ مع الغيرِ كالأُختِ مع البنتِ لا ولايةَ لها على أختِها المجنونة.
(على ترتيبِ الإرثِ والحَجْب
(1)
): أي قُدِّمَ الجزءُ وإن سفل، ثُمَّ الأصلُ وإن علا، ثُمَّ جزءُ الأصلِ القريبِ كالأخ، ثُمَّ بنوه وإن سَفَلُوا، ثُمَّ جزءُ الأصلِ البعيدِ كالعمِّ، ثُمَّ بنوه وإن سفلوا، ثُمَّ عمُّ أبيه ثُمَّ بنوه، ثُمَّ عمُّ جدِّه، ثم بنوه الأقربُ فالأقرب، ثُمَّ التَّرجيح
(2)
بقوةِ القرابة: أي قُدِّمَ الأعياني
(3)
على العَلاَّتي
(4)
.
(بشرطِ حريَّة، وتكليف، وإسلامٍ في ولدٍ مسلمٍ دون كافر، ثُمَّ الأمّ، ثُمَّ ذو الرَّحمِ
(5)
الأقربِ فالأقرب
(6)
، ثُمَّ مولي المُوالات): أي مَن لا وارثَ له، ووالى غيرَهُ
(1)
فالأقرب يحجب الأبعد، فالحَجب: لغة: المنع، وفي الاصطلاح: منع شخص معيّن من ميراثه كله أو بعضه لوجود شخص آخر. وقيّد بالحجب مع ترتيب الإرث؛ لأنه بترتيب الأرث وحده لا يقدم الابن على الأب، بل يقدم بان يأخذ فرضه أولاً، ثم يأخذ الابن ما بقي منه، وأما مع ترتيب الحجب يقدم الابن على الأب؛ لأنه يحجبه حجب نقصان. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 337)، و «فتح باب العناية» (2: 39)، و «عمدة الرعاية» (2: 27).
(2)
أي عند تساوي الدرجات، فيكون ذا القرابتين أولى من ذي قرابة واحدة. ينظر:«العمدة» (2: 27).
(3)
الأعياني: أي بنو الأعيان وهم الأخوة لأب وأم. ينظر: «ذخيرة العقبى» (ص 185).
(4)
العلاتي: أي بنو العلات التي هي الأخوة لأب فقط من امرأةٍ أخرى، وهي العَلَّة: بمعنى الضرة. ينظر: «ذخيرة العقبى» (ص 185)، و «العمدة» (2: 27).
(5)
ذو الرحم: كل قريب ليس بعصبة. ينظر: «كمال الدراية» (ق 227).
(6)
فتقدم الأم لأب، ثم للبنت، ثم لبنت الابن، ثم لبنت البنت، ثم لبنت ابن الابن، ثم لبنت بنت البنت، وهكذا، ثم للجد الفاسد، ثم للأخت لأب وأم، ثم للأخت لأب، ثم لولد الأم الذكر والأنثى سواء، ثم لأولادهم، ثم لذوي الأرحام: العمات، ثم الأخوال، ثم الخالات، ثم بنات الأعمام، وبهذا الترتيب أولادهم. ينظر:«كمال الدراية» (ق 227)، «الدر المختار» (3: 79)،
ثُمَّ قاضٍ في منشورِهِ ذلك، والأبعد يزوِّجُ بغيبةِ الأقرب ما لم ينتظر الكفؤ الخاطبُ الخبرَ منه، وعليه الأكثر، ومدَّةُ السَّفر عند جمعٍ من المتأخِّرين، ووليُّ المجنونةِ ابنُها ولو مع أبيها، وتعتبرُ الكفاءةُ في النِّكاح، نسباً: فقريشٌ بعضُهم كفؤٌ لبعض، والعربُ بعضُهم كفؤ لبعض
على أنَّه إن جَنَى فإرْشُهُ عليه، وإن مات فميراثه له، (ثُمَّ قاضٍ في منشورِهِ
(1)
ذلك): أي كُتِبَ في منشورِهِ أنّ له ولايةَ التَّزويج.
(والأبعد يزوِّجُ بغيبةِ الأقرب
(2)
ما لم ينتظر الكفؤ الخاطبُ الخبرَ منه، وعليه الأكثر، ومدَّةُ السَّفر عند جمعٍ من المتأخِّرين)، اعلم أنّ للأبعدِ ولايةَ التَّزويج عند غيبةِ الأقربِ غيبةً منقطعة، وتفسيرها عند الأكثرِ ما ذُكِرَ، وهو قولُهُ: ما لم ينتظر، أي مدَّةً لم ينتظرْ الكفؤ الخاطب، ثُمَّ عطفَ على قولِهِ ما لم ينتظر قولَهُ: مدَّة عند جمعٍ من المتأخِّرين، (وعليه الفتوى)
(3)
(4)
.
(ووليُّ المجنونةِ ابنُها ولو مع أبيها): بناءً على ما ذُكِرَ أنَّ الابنَ مقدَّمٌ في العصوبةِ على الأب.
(وتعتبرُ الكفاءةُ في النِّكاح:
نسباً: فقريشٌ بعضُهم كفؤٌ لبعض، والعربُ بعضُهم كفؤ لبعض): أي العربُ الذين لم يكونوا من قريشٍ بعضُهم أكفاءٌ لبعض.
(1)
المنشور: ما كَتَبَ السلطانُ فيه إني جعلتُ فلاناً قاضياً لبلدةِ كذا، سمِّي به؛ لأن القاضي يَنْشُدُهُ وقتَ قراءتِهِ على الناس. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 27).
(2)
فلو زوج الأبعد حال قيام الأقرب توقف على إجازته. ينظر: «الدر المختار» (2: 315).
(3)
زيادة من أ و س.
(4)
وقد اختلفوا حد الغيبة المنقطعة:
الأول: ما لم ينتظر الكفؤ الخاطب، واختاره أكثر المشايخ وصاحب «المختار» (2: 130) «الملتقى» (ص 51)، وصححه شمس الأئمة السرخسي ومحمد بن الفضل، وفي «الهداية» (1: 200): إنه أقرب إلى الفقه. وفي «الفتح» (2: 185): إنه الأشبه بالفقه، وفي «الدر المنقى» (1: 339) عن «الحقائق» : إنه أصح الأقاويل، وفي «البحر» (3: 135): الأحسن الافتاء بما عليه أكثر المشايخ.
والثاني: مسافة القصر: وعليه أكثر المتأخرين، واختارها صاحب «الكنْز» (45)، و «التنوير» (2: 315)، وقال صاحب «الكافي» ، و «التبيين» (2: 127): وعليه الفتوى.
والثالث: أن يكون في بلدة لا تصل إليه القافلة في السنة إلا مرَّة واحدة، واختاره القدوري وابن سلمة. وذكر غير ذلك، ينظر:«التبيين» (2: 127).
وفي العجمِ إسلاماً، فذو أبوينِ في الإسلامِ كفؤٌ لذي آباءٍ فيه، ومسلمٌ بنفسِهِ غيرُ كفئٍ لذي أبٍ فيه، ولا ذو أبٍ فيه لذي أبوينِ فيه. وحريةً: فليس عبد، أو مُعتقٌ كفأً لحرَّةٍ أصليِّة، ولا معتقٌ أبوه كفؤاً لذات أبوين حرَّين. وديانةً، فليس فاسقٌ كفأً لبنتِ الرَّجلِ الصَّالحِ، وإن لم يُعْلِنْ في
اعلم أن كلَّ مَن هو من أولادِ نَضِرِ بنِ كِنانةِ
(1)
قريش، وأمَّا أولادُ مَن هو فوقَ النَّضر فلا، وإنِّما خُصَّ الكفاءَة في النَّسبِ بالعرب؛ لأنَّ العجمَ ضيَّعوا أنسابَهم.
(وفي العجمِ
(2)
إسلاماً، فذو أبوينِ
(3)
في الإسلامِ كفؤٌ لذي آباءٍ فيه، ومسلمٌ بنفسِهِ غيرُ كفؤٍ لذي أبٍ فيه، ولا ذو أبٍ فيه لذي أبوينِ فيه.
وحريةً
(4)
: فليس عبد، أو مُعتقٌ كفؤاً لحرَّةٍ أصليِّة، ولا معتقٌ أبوه كفؤاً لذات أبوين حرَّين.
وديانةً
(5)
، فليس فاسقٌ كفوأً لبنتِ الرَّجلِ الصَّالحِ
(6)
، وإن لم يُعْلِنْ في
(1)
وهو نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو يخلد، واسمه: قيس، وإنما قيل النضر لجماله، وهو الجدّ الثاني عشر للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو قريش على المذهب الراجح، وإنما قيل قريش لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إن النضر كان في سفينة فطلعت عليهم دابة من دواب البحر، يقال لها: قريش فخافها أهل السفينة فرماها بسهم فقتلها وقطع رأسها وحملها معه إلى مكة، وقيل: في تسميته بنوه قريش لذلك أو لغلبتهم وقهرهم سائر القبائل كما تقهر هذه الدابة سائر دواب البحر، وقيل غير ذلك. ينظر:«سبائك الذهب» (ص 62)، «الأعلام» (8: 358).
(2)
العجم: أي مَن لم ينتسب إلى إحدى قبائل العرب، وعامة أهل الأمصار والقرى في زماننا منهم سواء تكلَّموا بالعربية، أو غيرها إلاَّ مَن كان له منهم نسبٌ معروفٌ كالمنتسبين إلى أحد الخلفاء الأربعة، أو إلى الأنصار، ونحوهم. ينظر:«رد المحتار» (2: 319).
(3)
أي أب و جدّ؛ لأن التعريف لا يحصل إلا بذكر الجدّ. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 341).
(4)
الاسلام والحرية معتبران في العجم دون العرب؛ لأن العجم يفتخرون بها دون النسب، وهذا لأن الكفر عيب، وكذا الرّق؛ لأنه أثره، والعرب يتفاخرون بالنسب، والحرية لازمة لهم؛ لأنه لا يجوز استرقاقهم. ينظر:«التبيين» (2: 130).
(5)
الديانة: وهي التقوى والزهد والصلاح، وهي معتبرة في حق العرب والعجم، فلا يكون العربي الفاسق كفؤاً للصالحة عربية كانت أو عجمية. ينظر:«البحر» (3: 141 - 142).
(6)
المعتبرُ صلاحُ الكلِّ ومَن اقتصرَ على صلاحِها، أو صلاح أبيها نظرَ إلى الغالب من أن صلاحَ الوالدِ والولدِ متلازمان. وتمامه في «رد المحتار» (2: 321)، و «عمدة الرعاية» (2: 29).
اختيار الفَضْلي رضي الله عنه، ومالاً، فالعاجرُ عن المهرِ المُعَجَّل والنَّفقةِ ليس كفأً للفقيرة، والقادرُ عليهما كفؤٌ لذاتِ أموالٍ عظيمة، هو الصَّحيح، وحِرْفةً، فحائك، أو حجَّام، أو كنَّاس، أو دبَّاغ ليس بكفئٍ لعطَّار، أو بزَّاز، أو صرَّاف، وبه يفتى
اختيار الفَضْلي رضي الله عنه)
(1)
، وعند بعضِ المشايخِ الفاسقُ إذا لم يُعْلِنْ يكونُ كفؤاً لبنتِ الرَّجلِ الصَّالح.
(ومالاً، فالعاجرُ عن المهرِ المُعَجَّل والنَّفقةِ
(2)
ليس كفؤاً للفقيرة): وإنِّما قال: للفقيرة؛ لدفعِ توهُّمِ مَن توهَّمَ أن الفقيرَ يكونُ كفؤاً للفقيرة، وكذا الغنيَّة بالطَّريق الأَوْلى؛ لأنَّ العجزَ عن أداءِ المهرِ والنَّفقةِ الواجبينِ متحقِّقٌ فيه مع زيادةِ التَّعْيير. (والقادرُ عليهما كفؤٌ لذاتِ أموالٍ عظيمة، هو الصَّحيح
(3)
)؛ لأنَّ المالَ غادٍ ورائح، فلا يعتبرُ بعدمِهِ إلاَّ أن يكونَ بحيث لا يَقْدِرُ على أداءِ الواجب، وهو المهرُ والنَّفقة.
(وحِرْفةً، فحائك، أو حجَّام، أو كنَّاس، أو دبَّاغ ليس بكفؤٍ لعطَّار، أو بزَّاز
(4)
، أو صرَّاف
(5)
، وبه يفتى
(6)
.
(1)
قال صاحب «الدر المنتقى» (1: 341): وهو الصحيح؛ لأنها تعيَّر به.
(2)
المرادُ بالمهر المهر المعجل: وهو ما تعارفوا تعجيله، ولا يعتبر الباقي ولو كان حالاً، وبالنفقة أن يكتسب كل يوم قدر النفقة، وقدر ما يحتاج إليه من الكسوة، ولا يعتبر أن يكون مساوياً لها في الغنى، هو الصحيح. ينظر:«التبيين» (2: 130).
(3)
احترازٌ عمَّا روي عن أبي حنيفة ومحمد في غير رواية الأصول أن الكفاءةَ في اليسارِ معتبرة؛ لأن الناسَ يتفاخرون بقلَّة المالِ وكثرته. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 149).
(4)
البَزَّاز بائع الثياب، والبزُّ: الثياب أو متاع البيت من الثياب ونحوها. ينظر: «القاموس» (2: 172).
(5)
فيه إشارة إلى أن العرف جنسان ليس أحدهما كفؤاً للآخر لكن أفراد كل منهما كفؤ لجنسها. والمعتبر في هذا الباب العرف، فكلُّ عدَّه العرفُ دنيء فهو دنيء. ينظر:«جامع الرموز» (1: 284)، «عمدة الرعاية» (2: 30).
(6)
قد حقق في «غاية البيان» : إن اعتبار الكفاءة في الصنائع هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وصاحبيه؛ لأن الناس يتفاخرون بشرف الحرف ويتعيَّرون بدناءتها، وهي وإن أمكن تركها يبقى عارها. كما في «البحر» (3: 144)، وفي «الملتقى» (1: 50): وحرفة عندهما، وعن الإمام روايتان فحائك أو حجام أو كناس أو دباغ ليس كفؤاً لعطار أو بزاز أو صراف، وبه يفتى. وينظر:«اللباب» (3: 13).
وإن نكحَت بأقلَّ من مهرِها، فللوليِّ الاعتراضُ حتَّى يُتِمّ، أو يُفَرِّق. ووُقِفَ نكاحُ فُضُوليّ، أو فُضُوليين على الإجازة، ويتولَّى طرفيِّ النِّكاحِ واحدٌ ليس بفُضُوليٍّ من جانب
وإن
(1)
نكحَت بأقلَّ من مهرِها): أي من مهرِ مثلِها، (فللوليِّ
(2)
الاعتراضُ حتَّى يُتِمّ، أو يُفَرِّق
(3)
.
ووُقِفَ نكاحُ فُضُوليّ
(4)
، أو فُضُوليين على الإجازة): أي يجوزُ أن يكون من جانبِ الزَّوجِ فُضُولي، ومن جانبِ المرأةِ فُضُولي، فيتوقَّفُ على إجازتِهما.
(ويتولَّى طرفيِّ النِّكاحِ واحدٌ ليس بفُضُوليٍّ من جانب): أي يتولَّى واحدٌ الإيجابَ والقَبُول، ولا يشترطُ أن يتكلَّمَ بهما، فإنَّ الواحدَ إذا كان وكيلاً منهما، فقال: زوَّجتُها إيَّاهُ كان كافياً، وهو على أقسام:
إمِّا أن يكونَ أصيلاً وَوَلَّياً، كابن العمِّ يزوِّج بنتَ عمِّهِ الصَّغيرة.
أو أصيلاً ووكيلاً كما إذا وكَّلَت رجلاً بأن يزوِّجَها نفسَه، (فزوَّجَها من نفسِه)
(5)
.
أو ولِّياً من الجانبيين، (كالجدِّ يزوِّج لابنِ ابنِهِ بنتِ ابنِهِ الآخر، وليس لهما أبوان)
(6)
.
أو وكيلاً من الجانبيين
(7)
.
أو وليِّاً من جانبٍ ووكيلاً من جانب
(8)
.
ولا يجوزُ أن يكونَ الواحد فُضُولياً كما إذا كان:
أصيلاً وفضوليَّاً.
(1)
في ت و ج و ق و م: إن.
(2)
أي العصبة لا غير من الأقارب ولا القاضي لو كانت سفيهة. ينظر: «رد المحتار» (2: 324).
(3)
ولا تكون هذه الفرقة إلا عند القاضي وما لم يقض القاضي بالفرقة بينهما، فحكم الطلاق والظهار والإيلاء والميراث باق. ينظر:«الجوهرة» (2: 12)، «الفتاوى الهندية» (1: 295).
(4)
فُضُولِيٌّ: بالضم، وفتح الفاء فيه خطأ، وهو مَنْ يَشْتَغِلُ بما لا يَعْنِيه، وهو في اصطلاح الفقهاء: مَن ليس بوكيل. ينظر: «المصباح المنير» (476)، و «المعرب» (363).
(5)
زيادة من أ و ب و س.
(6)
زيادة من أ.
(7)
كما إذا وكَّله رجل أن يزوِّجه، ووكَّلته امرأة أن يزوِّجها. ينظر:«نظرية العقد» (ص 419).
(8)
كأن يوكله أحد بأن يزوجه بنته الصغيرة.
وصحَّ نكاحُ أمةٍ زوَّجها مَن أُمِرَ بنكاحِ امرأةٍ لآمره، وإنكاحُ الأبِ والجدِّ عند عدم الأب الصَّغيرَ والصَّغيرةَ بغبنٍ فاحش بالمهر، أو من غيرِ كفؤٍ لا لغيرِهما
أو ولِّياً من جانبٍ وفضوليَّاً من جانب.
أو وكيلاً من جانبٍ وفضوليَّاً من جانب.
أو فضوليَّاً من الجانبيين.
(وصحَّ نكاحُ أمةٍ زوَّجها مَن أُمِرَ بنكاحِ امرأةٍ لآمره): أي إن وُكِّلَ أن يزوِّجَهُ امرأةً فزوَّجَهُ أمةً صحَّ
(1)
(خلافاً لهما)
(2)
.
(وإنكاحُ الأبِ والجدِّ (عند عدم الأب)
(3)
الصَّغيرَ والصَّغيرةَ بغبنٍ فاحش
(4)
(بالمهر)
(5)
، أو من غيرِ كفؤٍ لا لغيرِهما):(أي لا يصحُّ لغيرِ الأبِ والجدِّ إنكاحُ الصَّغيرِ والصَّغيرةِ بغبنٍ فاحشٍ في المهر، أو من غيرِ كفؤٍ اتِّفاقاً، وجوازُ إنكاحِهما للأبِ والجدِّ بالغبنِ الفاحش، أو من غيرِ كفؤٍ مذهبِ أبي حنيفةَ رضي الله عنه خلافاً لهما)
(6)
: أي لو فعلَ الأبُ أو الجدُّ عند عدمِ الأبِ لا يكونُ للصَّغيرِ والصَّغيرةِ حقُّ الفسخِ بعد البلوغ، وإن فعلَ غيرُهُما، فلهما أن يفسخا بعد البلوغ
(7)
(1)
لأن هذا الكلام صدر مطلقاً فيجري على إطلاقه في غير موضع التهمة كما إذا زوجه أمته، ولم يكن مانع، كما إذا كانت تحته حرة. ينظر:«درر الحكام» (1: 340).
(2)
زيادة من م.
(3)
زيادة من أ و س.
(4)
غبن فاحش: إذا جاوزت الزيادة ما يُعتادُ مثله. ينظر: «المصباح» (ص 464).
(5)
زيادة من أ و ب و س.
(6)
زيادة من أ و ب و س.
(7)
وَهَّمَ التفتازانيُّ في «التلويح» (2: 368 - 369)، وابنُ كمال في «الاصلاح» (ق 44/ب)، والحصكفي في «الدر المختار» (2: 306) صدرَ الشريعة في قوله: فلهما أن يفسخا بعد البلوغ، بأنه إن كان المزوج غير الأب والجد لا يصح من غير كفؤ أو بغبن فاحش أصلاً.
وأجاب عن قولهم القهستاني في «جامع الرموز» (1: 279)، وشيخ زاده في «مجمع الأنهر» (1: 346): في «الجواهر» : ويصح تزويج غيرهما بغبن فاحش، كما قال بعضُهم. وفي «الجوامع»: وبغير كفء على ما قال بعضهم، والصحيح أنه لا يجوز. وهذا يدل على وجود الرِّواية لا على عدمها كما لا يخفى فلا وجه لردِّ صاحب «الإصلاح» ، و «التلويح» .
ورد قولهما ابن عابدين في «رد المحتار» (2: 306): وفيه نظر؛ فإنّ ما كان قولاً لبعض المشايخ لا يلزم أن يكون فيه رواية عن أئمة المذهب ولا سيما إذا كان قولاً ضعيفاً مخالفاً لما في مشاهير كتب المذهب المعتمدة.
ولا نكاحَ واحدةٍ من اثنين زوَّجَهُما المأمورُ بواحدةٍ للآمر.
باب المهر
أقلُّهُ عشرةُ دراهم، وتجبُ هي إن سمَّى دونَها، وإن سمَّى غيرَه، فالمسمَّى عند الوطء أو موتِ أحدِهما، ونصفُهُ بطلاقٍ قبل وطءٍ وخلوةٍ صحَّت
(ولا نكاحَ واحدةٍ من اثنين زوَّجَهُما المأمورُ بواحدةٍ للآمر): أي إن
(1)
أمر آخرَ أن يزوِّجَهُ امرأة، فزوَّجَه امرأتين بعقدٍ واحد، لا يصحُّ نكاحُ كلِّ واحدةٍ منهما، أمَّا إذا زوَّجَ بعقدينِ فالأوّلُ صحيحٌ دونَ الثَّاني.
باب المهر
(أقلُّهُ عشرةُ دراهم): هذا عندنا، وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه كلُّ ما يصلحُ ثمناً يصلحُ مهراً، سواءٌ كان عشرةَ دراهم
(3)
، أو أقلّ منها، (أو ما فوقها)
(4)
.
(وتجبُ هي إن سمَّى دونَها، وإن سمَّى غيرَه): أي غيرَ دون عشرةِ دراهم، وهو إمَّا العشرة، أو ما فوقَها، (فالمسمَّى عند الوطء أو موتِ
(5)
أحدِهما
(6)
، ونصفُهُ بطلاقٍ قبل وطءٍ وخلوةٍ صحَّت): أي الخلوة الصَّحيحة، وسيجيءُ تفسيرها
(7)
.
فإن قلت: لِمَ لم يَكْتَفِ بقولِهِ: قبل خلوةٍ صحَّت؛ فإنَّه إذا كان قبل الخلوةِ الصَّحيحة، كان قبل الوطء.
قلتُ: لا نُسَلِّم، فإنَّه يمكنُ أن يكونَ قبل الخلوةِ الصَّحيحة، ولا يكون قبل الوطء،
(1)
زيادة من ب و س و م.
(2)
ينظر: «التنبيه» (ص 107)، و «حاشية البجيرمي» (3: 445)، و «الغرر البهية» (4: 182)، وغيرها.
(3)
زيادة من أ و ب و س.
(4)
زيادة من أ و ب و س.
(5)
فإن الموت كالوطئ في حكم المهر والعدة لا غير. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 346).
(6)
المهر يجب بالعقد: إما بالتسمية إذا وجدت وإلا فبالحكم أعني مهر المثل بحكم الشرع، ثم يستقر المهر بأحد أشياء ثلاثة: إما بالدخول أو بموت أحد الزوجين، وإما بالخلوة الصحيحة. ينظر:«البناية» (4: 189).
(7)
ص 31).
وصحَّ النِّكاحُ بلا ذكرِ مهر، ومع نفيه، وبخمر، أو خِنْزير، وبهذا الدَّنّ من الخلّ، فإذا هو خمرٌ، وبهذا العبدِ فهو حرّ، وبثوبٍ وبدابةٍ لم يبيِّنْ جنسَهما، وبتعليمٍ القرآن، وبخدمة الزَّوج الحرِّ لها سَنة، وفي تزويجِ بنتِه أو أُخْتِه منه على تزويجِ بنتِه أو أُخته منه معاوضةً بالعقدين
بأن وَطِئَ بلا خلوةٍ صحيحة، نحو إن وَطِئَ مع وجودِ المانعِ الشَّرعي كصومِ رمضان، ونحوه.
(وصحَّ النِّكاحُ بلا ذكرِ مهر
(1)
، ومع نفيه، وبخمر، أو خِنْزير، وبهذا الدَّنّ
(2)
من الخلّ، (فإذا هو)
(3)
خمرٌ
(4)
، وبهذا العبدِ فهو حرّ، وبثوبٍ وبدابةٍ لم يبيِّنْ جنسَهما، وبتعليمٍ القرآن
(5)
، وبخدمة الزَّوج الحرِّ لها سَنة)
(6)
: وإنِّما قيَّدَ بالحرّ؛ لأنَّه لو كان عبداً تَجِبُ الخدمةُ وسيجيء
(7)
.
(وفي تزويجِ بنتِه أو أُخْتِه منه على تزويجِ بنتِه أو أُخته منه معاوضةً بالعقدين)
(8)
: أي صحَّ النِّكاح في صورةِ تزويجِ بنتِهِ منه.
(1)
لأن ذكرَ المهر ليس بشرطٍ في انعقاده يدل عليه قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُم إِنْ طَلَّقْتُم النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُوهنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهنَّ فَريضَةً} ، فإنه يدلّ على جواز الطلاق قبل فرض الفريضة: أي المهر، وهو لا يمكن بدون انعقاد النكاح فدلّ ذلك على جوازه بدون ذكره وتعيينه، أو نفيه، أو ما إذا كان مالاً غير متقوّم كالخمر، أو مجهول القيمة كمطلق الثواب، وغيرها.
(2)
الدَّنُّ: وهو الراقودُ العظيم، أو أطولُ من الحُبّ، أو أصغر، له عُسْعُس لا يقعد إلا أن يحفر له. ينظر:«القاموس» (4: 225).
(3)
في أ و ب و ت و ج و س و ص و ف و م: فهو.
(4)
لأن الإشارة أبلغ في التعريف من التسمية فصار كأنه تزوجها على الخمر خلافاً لهما، وكذا في العبد فإذا هو حر. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 247).
(5)
لأن المشروع هو الابتغاء بالمال المتقوَّم والتعليم ليس بمال فضلا عن التقوم. لكن لما جوَّز المتأخرون أخذ الأجرة على تعليم القرآن والفقه جاز أن يكون مهراً. ينظر: «درر الحكام» (1: 342)، «الدر المختار» (1: 334).
(6)
لأنه فيه قلب الموضوع، وذكر سنة لنفي توهم صحة العقد بتعيين المدة، فإذا لم يصح في المعين ففي المجهول أولى. ينظر:«حاشية الطحطاوي» (2: 50).
(7)
ص 30).
(8)
المراد العقد المعقود عليه، وهو البضع. وهذا النكاح يسمَّى شغاراً، وهو منهي عنه لخلوه عن المهر. ينظر:«رد المحتار» (2: 333).
ولَزِمَ مهرُ مثلِها في الجميعِ عند وطء، أو موت، ومتعةٌ لا تزيدُ على نصفِه ولا تنقصُ عن خمسة، وتعتبرُ بحالِهِ في الصَّحيح
وقولُهُ: معاوضةً؛ يمكنُ أن يكونَ تمييزاً، أو حالاً عن التَّزويج: أي حالَ كون التَّزويجِ تعويضاً لهذا العقدِ بذلك العقد، ولذلك العقد بهذا.
(ولَزِمَ مهرُ مثلِها في الجميعِ عند وطء، أو موت)، اكتفي بذكرِ الوطء، ولم يذكرْ الخلوة؛ لأنَّه أرادَ الوطءَ حقيقة، أو دلالة، ففي الخلوةِ دلالةَ الوطءِ إقامةٌ للدَّاعي مقامَ المدعو.
وقولُهُ: أو موت؛ أي موتُ الزَّوج، أو الزَّوجة.
وعبارة «المختصر» هذا: وصحَّ النِّكاحُ بلا ذكرِ مهر، ومع نفيهِ وبشيءٍ غيرِ مالٍ متقوَّم، وبمجهولٍ جنسُه، ويجبُ مهرُ المثل، كما مرّ
(1)
، أو صفته
(2)
، فالوسطُ أو قيمتُه
(3)
: أي صحَّ النِّكاحُ بمجهولٍ صفتُه، فيجبُ الوسط، أو قيمتُه.
(ومتعةٌ
(4)
لا تزيدُ على نصفِه ولا تنقصُ عن خمسة): أي لا تزيدُ على نصفِ مهر المثل، ولا تنقص عن خمسةِ دراهم
(5)
.
(وتعتبرُ بحالِهِ في الصَّحيح)
(6)
: لقولِهِ تعالى: {عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ، وَعَلَى المُقْتِرِ
(1)
أي في «النقاية» (ص 78)، في قوله: وإن لم يسمّ بعدها: أي الخلوة.
(2)
عطف على جنسه، أي بمجهول صفته دون جنسه. كأن تزوَّجها على عبد، أو فرس، أو ثوب هروي، أو مكيل أو موزون غير الدراهم والدنانير مما علم جنسه دون صفته. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 58).
(3)
انتهى من «النقاية» (ص 78 - 88).
(4)
متعة: وهي ما وصلت به المرأة بعد الطلاق. ينظر: «اللسان» (6: 4128).
(5)
الدرهم: 4.116 غم × 5 = 20.58 غم. ينظر: «المقادير الشرعية» (ص 78)، و «الفقه الإسلامي وأدلته» (1: 144)، و «معجم الفقهاء» (ص 404).
(6)
اختلفوا في اعتبارالمتعة على أقوال:
الأول: تعتبر بحال الزوج أي غناه وفقره. وهو ما صححه المصنف، وصاحب «الهداية» (1: 205)، وظاهر اختيار السرخسي في «المبسوط» (6: 64).
الثاني: تعتبر بحال الزوجة، واختاره الكرخيّ والقدوري.
الثالث: تعتبر بحالهما، فإن كانا غنيين فلها الأعلى من الثياب، أو فقيرين فالأدنى، أو مختلفين فالوسط، واختاره الخصاف، وصححه الولوالجي في «فتاواه» ، ورجَّحه صاحب «البحر» (3: 159)، وقال ابنُ الهُمام في «الفتح» (3: 328)، وملا خسرو في «الدرر» (1: 343): وهو الأشبه بالفقه. واختاره صاحب «التنوير» (1: 336)، وقال صاحب «الدر المختار» (2: 336): وبه يفتى.
وهي دِرع، وخِمار، ومِلْحَفة بطلاقٍ قبل الوطءِ والخلوة، وفي خدمة الزَّوجِ العبدِ لها هي، وللمفوِّضةِ بكسِرِ الواوِ ما فُرِضَ لها إن وُطِئت، أو مات عنها، والمتعةُ إن طُلِّقَتْ قبل الوطء، وما زيدَ على المهرِ يجب، ويسقطُ بالطَّلاقِ قبل الوطء، وصحَّ حطُّها عنه
قَدَرُه}
(1)
الآية، وعند الكَّرْخِيِّ رضي الله عنه تعتبرُ بحالها.
(وهي دِرع
(2)
، وخِمار
(3)
، ومِلْحَفة
(4)
بطلاقٍ قبل الوطءِ والخلوة): أي في الصُّور المذكورة، وهي قولُهُ بلا ذكرِ المهرِ إلى آخره.
(وفي خدمة الزَّوجِ العبدِ لها هي): أي تجب هي: يعني الخدمةُ في النِّكاحِ بخدمةِ الزَّوجِ العبدِ لها.
(وللمفوِّضةِ
(5)
بكسِرِ الواوِ ما فُرِضَ لها إن وُطِئت، أو مات عنها
(6)
، والمتعةُ إن طُلِّقَتْ قبل الوطء): المفوِّضةُ هي التي نكحَت بلا ذِكْرِ المهر، أو على أن لا مَهْرَ لها، ثُمَّ إن تراضيا على مقدار، فلها ذلك المفروض إن وَطِئَها، أو مات عنها، والمتعةُ إن طلَّقَها قبل الوطء، وعند أبي يوسف رضي الله عنه، وهو قولُ الشَّافِعِيِّ
(7)
رضي الله عنه لها نصفُ المفروض.
(وما زيدَ على المهرِ يجب، ويسقطُ بالطَّلاقِ قبل الوطء
(8)
، وصحَّ حطُّها عنه): أي حطَّ المرأةِ عن الزَّوج، ولم يذكرْ مفعولَ الحطِّ ليدلَّ على العموم، كما في قولِهِ: فلأنٌ يُعطي ويمنع، فيدلُّ على حطِّ كلِّ المهرِ وبعضِه، والزِّيادة في صورةٍ زادَ على المهرِ عنه
(9)
.
(1)
من سورة البقرة، الآية (36).
(2)
الدِّرع: وهو قميص النساء. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 16).
(3)
الخِمار: وهو ما تغطِّي به المرأة رأسها. ينظر: «المغرب» (ص 155).
(4)
والمِلحَفة: ما تلتحف به المرأة من قرنها الى قدمها وهذا أدنى المتعة. ينظر: «العمدة» (2: 36).
(5)
مفوِّضة: من التفويض: وهو التزويج بلا مهر وفوضت بضعها: أي أذنت لوليِّها في تزويجها بغير تسمية مهر، وأصله من الإطلاق، ومنه قوم فوضى: لا رئيس لهم. ينظر: «تصحيح التنبيه» (ص 108).
(6)
زيادة من أ و ب و س.
(7)
ينظر: «المنهاج» (3: 231)، و «فتوحات الوهاب» (4: 250)، و «التجريد لنفع العبيد» (3: 416)، وغيرها.
(8)
وإنما سقط الزائد لكون الطلاق قبل الدخول، فإن كلَّ ما لم يسمّ في العقد يبطله الطلاق قبل الدخول حتى لو كان بعده وجب الزيادة مع المسمّى. ينظر:«درر الحكام» (1: 343).
(9)
زيادة من ف و م.
وخلوةٌ بلا مانعٍ وطءٌ حساً، أو شرعاً، أو طبعاً: كمرضِ يمنعُ الوطء، (وصومِ رمضان، وإحرامٍ بفرض، أو نفل، وحيضٍ ونفاسٍ، تؤكِّدُه، كخلوةِ مَجْبُوب، أو عِنِّين، أو خَصِيّ، أو صائمٍ قضاءً في الأصحّ، ونذراً في رواية، ومع إحدى الخمسةِ المتقدِّمة لا، والصَّلاةُ كالصَّومِ فرضاً، أو نفلاً
(وخلوةٌ بلا مانعٍ وطءٌ حساً، أو شرعاً، أو طبعاً:
كمرضِ يمنعُ الوطء): هذا نظيرُ المانعِ الحسيّ.
(وصومِ رمضان، وإحرامٍ بفرض، أو نفل): هذا نظيرٌ المانعِ الشَّرعيّ.
(وحيضٍ ونفاسٍ): هذا نظيرُ المانعِ الطَّبعي، ولا يضرُّ أن يكون المانع الشَّرعيِّ موجوداً فيها.
(تؤكِّدُه): أي تؤكِّدُ المهر، فخلوةٌ: مبتدأ، وتؤكِّدُهُ: خبرُه.
واعلم أن المرادَ بالخلوةِ اجتماعُهما بحيث لا يكون معهما عاقلٌ في مكانٍ لا يطَّلعُ عليهما أحدٌ بغيرِ إذنِهما، أو لا يطَّلعُ عليهما أحدٌ للظُّلْمة، ويكونُ الزَّوجُ عالماً بأنَّها امرأتُه.
(كخلوةِ مَجْبُوب
(1)
، أو عِنِّين
(2)
، أو خَصِيّ
(3)
، أو صائمٍ قضاءً في الأصحّ
(4)
، ونذراً في رواية
(5)
، ومع إحدى الخمسةِ المتقدِّمة
(6)
لا، والصَّلاةُ كالصَّومِ فرضاً، أو نفلاً): أي لا تكون الخلوةُ صحيحةً مع الصَّلاةِ المفروضة، كما في الصَّومِ المفروض، وتكون صحيحةً مع صلاةٍ النَّفل، كما في صوم
(7)
النَّفل.
(1)
مَجْبُوب: أي مقطوع الذكر والخصيتين، وقيل: قطعهما ليس بشرط. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 253).
(2)
عِنِّينٌ: لا يقدر على إتيان النساء أو لا يشتهي النساء. ينظر: «المصباح المنير» (ص 434).
(3)
خَصِيّ: قعيل بمعنى مفعول: وهو مَن سلّت خصيتاه وبقي ذكره. ينظر: «المغرب» (ص 148).
(4)
لأنَّ فيه روايتان في أصح الروايتين تصح الخلوة؛ لأن الذي يجب بالفطر قضاء يوم وهو يسير، كما في صوم النفل. وفي الرواية الأخرى لا تصح الخلوة اعتباراً للقضاء بالأداء. ينظر:«المبسوط» (5: 150).
(5)
وهي الأصح؛ لعدم وجوب الكفارة. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 350).
(6)
وهي المرض المانع من الوطئ وصوم رمضان والاحرام والحيض والنفاس لا يؤكد المهر. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 85/أ).
(7)
في ص و م: الصوم.
وتجبُ العدِّةُ في الكلِّ احتياطاً، وتجبُ المتعةُ لمطلَّقةٍ لم توطأ، ولم يسمَّ لها مهر، وتستحبُّ لمِن سواها إلاَّ لمَن سُمِّي لها وطُلِّقَتْ قبل وطئ، وإن قبضَتْ ألفاً سُمِّي لها، ثمَّ وهبتُه له، وطُلِّقَتْ قبل وطءٍ رَجَعَ عليها بنصفِه
(وتجبُ العدِّةُ في الكلِّ احتياطاً): أي في جميعِ ما ذُكِر من أقسامِ الخلوة، سواءٌ وُجِدُ فيه المانعِ كالمرض، ونحوه، أو لم يوجد.
(وتجبُ المتعةُ لمطلَّقةٍ لم توطأ، ولم يسمَّ لها مهر، وتستحبُّ لمِن سواها إلاَّ لمَن سُمِّي لها وطُلِّقَتْ قبل وطئ).
المطلقاتُ أربعٌ:
مطلقةٌ لم توطأ، ولم يسمَّ لها مهر، فيجبُ لها المتعة.
ومطلَّقةٌ لم توطأ، وقد سمِّي لها مهر، فهي التي لم تستحبَّ لها المتعة.
ومطلقةٌ قد وُطِئَت، ولم يسمَّ لها مهر.
ومطلَّقةٌ قد وُطِئَت، وسُمِّي لها مهر، فهاتان تستحبُّ لهما المتعة.
فالحاصلُ: أنه إذا وَطِئَها تستحبُّ لها المتعة، سواءٌ سُمَّى لها مهرٌ أو لا؛ لأنه أوحشَها بالطَّلاقِ بعدما سلَّمت إليه المعقودَ عليه: وهو البِضْع، فيستحبُّ أن يعطيها شيئاً زائداً على الواجب: وهو المسمَّى في صورةِ التَّسمية، ومهرُ المثلِ في صورةِ عدمِ التَّسمية.
وإن لم يطأها:
ففي صورةِ التَّسميَّةِ تأخذُ نصفَ المسمَّى من غيرِ تسميةِ البِضْع، ولا يستحبُّ لها شيءٌ آخر.
وفي صورةِ عدمِ التَّسمية تجبُ المتعة؛ لأنَّها لم تأخذْ شيئاً، وابتغاءُ البِضْعِ لا ينفكُّ عن المال.
(وإن قبضَتْ ألفاً سُمِّي لها، ثمَّ وهبتُه له، وطُلِّقَتْ قبل وطءٍ رَجَعَ عليها بنصفِه)؛ لأنها قبضَت تمامَ المسمَّى ولم يجبْ إلاَّ النِّصف، فتردُّ النِّصف، والألفَ الذي وهبتُهُ له
(1)
لم يتعيَّنُ أنه ألفُ المهر؛ لأن الدَّراهمَ والدَّنانيرَ لا تتعيَّنُ في العقودِ والفسوح
(2)
.
(1)
زيادة من أ و ب و س.
(2)
أي المعاملات الشرعية: كالبيع والشراء، والفسوخ: أي فسخ المعاملات: كإقالة البيع ونحوه مثلا لو باع شيئاً بعشرة دراهم معينة لا يتعلّق العقد بعينها حتى لو أداه المشتري غيرها أجزأه، ولو فسخ البائع والمشتري البيع ورد المشتري المبيع على البائع لا يجب على البائع تلك الدراهم التي قبضها من المشتري بأعيانها، بل ردُّ ما يماثلها أيضاً كافٍ. وكذا الحكم في كل مكيل وموزون، وأما الاعيان غير هذه الاشياء فتتعين في العقود والفسوخ. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 40).
وإن لم تقبضْه، أو قبضَتْ نصفَه، ثُمَّ وهبت الكلّ، أو ما بقي، أو وَهَبَت عَرَضَ المهرِ قبل قبضِه، أو بعده لا، وإن نكحَها بألفٍ على أن لا يخرجَها، أو لا يتزوَّجَ عليها، أو بألفٍ إن أقامَ بها، وبألفينِ إن أخرجَها، فإن وَفَّى، وأقامَ، فلها الألف، وإلاَّ فمهرُ مثلِه
(وإن لم تقبضْه، أو قبضَتْ نصفَه
(1)
، ثُمَّ وهبت الكلّ، أو ما بقي، أو وَهَبَت عَرَضَ المهرِ قبل قبضِه، أو بعده لا): أي لا يرجعُ عليها بشيء.
وصورةُ المسائل: أنها إن لم تقبضْ شيئاً، ثُمَّ وَهَبَتْ الكُلّ: أي حطَّتْهُ عن ذمةِ الزَّوج، ثُمَّ طلَّقَها قبلَ الوطء، فلا شيءَ عليها،؛ لأن حكمَ الطَّلاقِ قبل الدُّخُول أن يُسَلَّم له نصفُ المهر، وقد حصل بل زيادة، والمرأةُ لم تأخذْ شيئاً؛ لتردَّهُ إليه، بخلاف المسألةِ الأُولَى، وهي التي قبضَتْ ألفاً سُمِّي، ثُمَّ وَهَبَتْ له، وطُلِّقت قبل وطء.
وإن قبضَتْ نصفَ المهر، ثُمَّ وَهَبَتْ الكلَّ له، أو وهَبَتْ الباقي، ثُمَّ طلَّقَها قبل الوطء، فإنه لا شيءَ عليها لما ذكرنا
(2)
.
ولو كان المهرُ عرضاً فقبضتْهُ، ثُمَّ وهبتْهُ له، أو لم تقبضْه فحطَّتُه عن ذمتِه، ثُمَّ طلَّقَها قبل الوطءِ فلا شيءَ عليها.
أمَّا في صورةِ عدمِ القبضِ فلما مرّ
(3)
.
وأمَّا في في صورةِ القبض فكذلك؛ لأنها وهبَتْ العرضَ له، فانتقضَ قبل المهر؛ لأن العروضَ متعيِّنةٌ بخلاف المسألة الأُولَى، فإنَّ الدَّراهم غيرَ متعيِّنة.
(وإن نكحَها بألفٍ على أن لا يخرجَها
(4)
، أو لا يتزوَّجَ عليها، أو بألفٍ إن أقامَ بها، وبألفينِ إن أخرجَها، فإن وَفَّى): أي فيما نكحَها على أن لا يخرجَها أو لا يتزوَّج عليها، (وأقامَ): أي فيما نكحَها بألفٍ إن أقامَ بها، وبألفينِ إن أخرج، (فلها الألف، وإلاَّ فمهرُ مثلِه): هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، فعنده الشَّرطُ الأوَّلُ صحيحٌ دون الثَّاني.
(1)
قيد بقبض النصف للاحتراز عمَّا إذا قبضت أكثر من النصف ووهبت الباقي، فإنها تَرُدُّ عليه ما زاد على النصف عنده كما لو قبضت ستمئة ووهبت أربعمئة، فإنه يرجعُ بمئة وعندهما يرجعُ بنصفِ المقبوض فتَرُدُّ ثلاثمئة. ينظر:«البحر الرائق» (3: 171).
(2)
أي في الصورة الأولى الواردة في الفقرة السابقة.
(3)
أي قبل أسطر: من حصول المقصود له وهو سلامة النصف مع زيادة ....
(4)
أي لا يسافر بها من تلك البلدة، أو يخرجها من مكان ما. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 352).
لكن في الثَّانيةِ لا يزادُ على ألفين، ولا ينقصُ عن ألف، وإن نَكَحَ بهذا، أو بهذا، فلها مهرُ المثلِ إن كان بينَهما، والأخسُّ لو دونه، والأعزُّ لو فوقَه، ولو طُلِّقت قبل وطءٍ فنصفُ الأخسِّ إجماعاً
وعندهما الشَّرطان صحيحان
(1)
.
وعند زُفر رضي الله عنه كلِّ منهما فاسد
(2)
.
(لكن في الثَّانيةِ لا يزادُ على ألفين، ولا ينقصُ عن ألف): المرادُ بالثَّانيةِ المسألةِ الثَّانية، وهو قولُه: أو بألْفٍ إن أقامَ بها وبألْفينِ إن أخرجَها؛ فإنه إن أخرجَها يجبُ مهرُ المثل، لكن إن كان مهرُ المثلِ أكثرَ من ألفينِ لا تَجِبُ الزِّيادة، وإن كان أقلَّ من ألفٍ يجبُ الألف، ولا ينقصُ منه شيء؛ لاتفاقِهما على أنَّ المهرَ لا يزيدُ على ألفين، ولا ينقصُ عن ألف.
(وإن نَكَحَ بهذا، أو بهذا، فلها مهرُ المثلِ إن كان بينَهما، والأخسُّ لو دونه، والأعزُّ لو فوقَه): أي إن نكحَ بهذا العبد، أو بذلك، وأحدُهما أكثرُ قيمةً من الآخر، يجبُ مهرُ المثلِ إن كان بين قيمتي العبدين، ويجبُ العبدُ الأقلُّ قيمةً إن كان مهرُ المثلِ دون قيمةِ هذا العبد، ويَجِبُ العبدُ الأكثرُ قيمةً إن كان مهرُ المثلِ فوقَ قيمتِه، فَعُلِمَ منه أنه إذا كان مهرُ المثلِ مساوياً لقيمةِ أحدِهما يجبُ هذا العبد، (وقالا: لها الأَدنى في ذلك كلِّه)
(3)
(4)
، (ولو طُلِّقت قبل وطءٍ فنصفُ الأخسِّ إجماعاً.
(1)
لأنهما عقدان ببدلين معلومين فوجب تصحيحهما على وجه التخيير، كما صحّ فيما إذا تزوَّجها على ألف إن كانت قبيحة وعلى ألفين إن كانت جميلة، وله: إن الشرط الأول صحيحٌ بالاتفاق فتعلَّقَ العقدُ به وصحَّتْ التسمية التي معه، والشرط الثاني غير صحيح؛ لأن الجهالة نشأت منه؛ ولأنه مناف لموجب ما صحّ وهو الشرط الأول؛ لأن موجبه مهر المثل عند عدم الإيفاء ومنافي موجب ما صح غير صحيح، والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة، ومهر المثل هو الأصل فوجب الرجوع إليه. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 353).
(2)
لأنه ذَكَرَ بمقابلةِ شيءٍ واحدٍ وهو البضع بدلين مختلفين على سبيل البدل، وهما الألف والألفان، فتفسد التسمية للجهالة ويجب مهر المثل. ينظر:«العناية» (3: 351 - 352).
(3)
لأن الأخس مسمَّى بيقين؛ لأنه أقل، ولا يصار إلى مهر المثل مع المسمّى، وله: إن الأصل: مهر المثل، وإنما يترك عند صحة المسمَّى، وهو مجهول لدخول كلمة: أو؛ فيكون فاسداً، وتمامه في «الاختيار» (1: 140).
(4)
زيادة من م.
وإن نكحَ بهذين العبدين، وأحدُهما حرّ، فلَها العبدُ فقط إن ساوى عشرة. وإن شَرَطَ البكارةَ ووجدَها ثيباً لَزِمَهُ الكلّ. وصحَّ إمهارُ فرس، وثوبٍ هروي بالغَ في وصفه أو لا، ومكيل وموزونٍ بيَّن جنسَه لا صفتَه، يجبُ الوسطُ أو قيمتُه، وإن بيَّنَ جنسَ المكيل، والموزون، ووصفَه فذاك، وإلاَّ فمهرُ المثل
وإن نكحَ بهذين العبدين، وأحدُهما حرّ، فلَها العبدُ فقط إن ساوى عشرة
(1)
.
وإن شَرَطَ البكارةَ ووجدَها ثيباً لَزِمَهُ الكلّ
(2)
.
وصحَّ إمهارُ فرس، وثوبٍ هروي
(3)
بالغَ في وصفه أو لا، ومكيل وموزونٍ بيَّن جنسَه لا صفتَه، يجبُ الوسطُ أو قيمتُه، وإن بيَّنَ جنسَ المكيل، والموزون، ووصفَه فذاك، وإلاَّ فمهرُ المثل
(4)
(1)
في م: عشرها. وورد في ق: وإلا فمهر كمثلها، وفي م: وإلا فمهر مثلها. وفي هذه الزيادة نظر؛ لأنه إذ لم يساوِ عشرة لها تمام العشرة؛ لأن الإشارة معتبرة عند الإمام، فكأنه قال: تزوجتك على هذا الحر وعلى هذا العبد، ولا يصار إلى مهر المثل؛ لأنه لا يجتمع مع المسمّى، وعند أبي يوسف العبد مع قيمة الحر لو كان عبداً، وعند محمد العبد وتمام مثل المهر إن هو أقلّ منه. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 86/أ)، و «الملتقى» (ص 53).
(2)
أي كل مهر المثل بلا تسمية، أو المسمى بلا نقصان ولا عبرة بالشرط؛ لأن المهر إنَّما شرعَ لمجرد الاستمتاع دون البكارة، وكذا إن شرط أنها شابة فوجدها عجوزاً. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 355)، و «رد المحتار» (3: 125).
(3)
ثوب هَرَويّ: بالتحريك، ومروي بالسكون، منسوبٌ إلى هَرَاة ومرو قريتان معروفتان بخُراسان، وعن خُواهَرْ زاده: هما على شط الفرات ولم نسمع ذلك لغيره وفي «الأشكال» : سوى هراة خراسان هراة أخرى بنواحي إصطخر من بلاد فارس. ينظر: «المغرب» (ص 503).
(4)
مبنى هذا المسائل على مقدار الجهالة، والجهالة أنواع:
الأول: جهالة النوع والوصف: كقوله: ثوب أو دابة أو دار، فلا تصحّ هذه التسميّة لتفاوتها تفاوتاً فاحشاً في الصور والمعاني فيجب مهر المثل، وكذا التسمية مع الخطر، كقوله على ما في بطن غنمه أو ما يحمله نخله هذه السنة.
الثانية: ما هو معلوم النوع مجهول الصفة: مثل قوله: عبد، أو فرس، أو بقرة، أو شاة، أو ثوب هروي، فإنه تصح التسمية، ويجب الوسط منه لأنه ذو حظ من الجيد والردئ، وتمامه في «الاختيار» (2: 141).
ولا يجبُ شيءٌ في عقدٍ فاسد، وإن خلا بها، فإن وَطِئ فمهرُ المثل، لا يزادُ على ما سمِّي، ويثبتُ النَّسب، ومدُّتُهُ من وقتِ دخولِهِ عند محمَّد رضي الله عنه، وبه يفتى، ومهرُ مثلِها مهرُ مثلِها من قومِ أبيها وقتَ العقد، سنِّاً، وجمالاً، ومالاً، وعقلاً، وديناً وبلداً وعصراً، وبكارةً، وثيابةً، فإن لم يوجد منهم فمَن الأجانب
ولا يجبُ شيءٌ في عقدٍ فاسد
(1)
، وإن خلا بها
(2)
، فإن وَطِئ فمهرُ المثل، لا يزادُ على ما سمِّي): أي إن كان مهرُ المثلِ مساوياً للمسمَّى، أو أقلّ، فمهرُ المثلِ واجب، وإن كان أكثرَ لا تجب الزِّيادة، (ويثبتُ النَّسب
(3)
، ومدُّتُهُ من وقتِ دخولِهِ عند محمَّد رضي الله عنه، وبه يفتى): أي إن كان من وقتِ الدُّخُولِ إلى وقتِ الوضعِ ستةُ أشهرٍ يثبتُ النَّسب، وإن كانَ أقلَّ لا، وعند أبي حنيفةَ وأبي يوسفَ رضي الله عنهم يعتبرُ من وقتِ النِّكاح، كما في النِّكاح الصَّحيح.
(ومهرُ مثلِها مهرُ مثلِها من قومِ أبيها وقتَ العقد): أي يثبتُ مهرُ مثلِها، ثُمَّ بيَّنَهُ بقولِه: مهرُ مثلِها، فيرادُ بالأَوَّلِ المعنى المصطلحُ شرعاً، وبالثَّاني المعنى اللَّغوي: أي مهرُ امرأةٍ مماثلةٍ لها، وهي من قومِ أبيها
(4)
، ثُمَّ بيَّنَ ما به المماثلة، بقولِه: (سنِّاً
(5)
، وجمالاً
(6)
، ومالاً، وعقلاً
(7)
، وديناً
(8)
وبلداً وعصراً، وبكارةً، وثيابةً، فإن لم يوجد منهم فمَن الأجانبِ
(9)
(1)
العقد الفاسد: هو الذي فقد شرطاً من شرائط الصحة كشهود، أو تزويج الأختين، أو المعتدة، أو الخامسة في عدة الرابعة، والأمة على الحرة. ينظر:«الدر المختار» (1: 350).
(2)
زيادة من س، وفي ب: لها.
(3)
لأن النسب يحتاط في إثباته إحياءً للولد، وكذا يثبت العدة تحرزاً عن اشبتاه النسب. ينظر:«كشف الحقائق» (1: 177).
(4)
لأن المرأة تنسب إلى قبيلة أبيها وتَشْرَفُ بهم، وسئل الصفار: عن امرأة زوَّجت نفسها بغير مهر، وليس لها مثال في قبيلة أبوها في المال والجمال، فقال: ينظر إلى قبيلة أخرى مثل قبيلة أبيها فيقضى لها بمثل مهر مثلها من نساء تلك القبيلة. ينظر: «الجوهرة النيرة» (2: 20).
(5)
المراد بالسن الصغر أو الكبر. ينظر: «البحر الرائق» (3: 185).
(6)
وقيل: لا يعتبر الجمال في بيت الحسب والشرف، وإنما يعتبر ذلك في أوساط الناس إذ الرغبة فيهنّ للجمال بخلاف بيت الشرف. ينظر:«تبيين الحقائق» (2: 184).
(7)
أي من حيث العقل فلا يعتبر بالمجنونة. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 157).
(8)
أي ديانةً وصلاحاً. ينظر: «جامع الرموز» (1: 289).
(9)
أي وإن لم يوجد من قبيلة أبيها من هي مثلها يعتبر مهر مثلها من الأجانب من قبيلة هي مثل قبيلة أبيها. ينظر: «درر الحكام» (1: 346).
لا مهرِ أُمِّها وخالِتها إلاَّ إذا كانتا من قومِ أبيها، وصحَّ ضمانُ ولِّيها مهرَها، ولو صغيرة، وتطالبُ أيَّاً شاءت، ولو أدَّى رجعَ على الزَّوج إن ضَمِنَ بأمرِه وإلاَّ فلا، ولها منعُهُ من الوطءِ والسَّفرِ بها، والنَّفقةُ لو مَنَعَت، ولو بعد وطء، أو خلوةٍ برضاها، قبل أخذِ ما بُيَّنَ تعجيلُهُ كلاً أو بعضاً، أو قَدْرَ ما يعجَّلُ لمثلِها من
لا مهرِ أُمِّها وخالِتها إلاَّ إذا كانتا من قومِ أبيها): أي إذا كانت أُمُّها بنتَ عمِّ أبيها.
(وصحَّ ضمانُ ولِّيها مهرَها
(1)
، ولو صغيرة، وتطالبُ أيَّاً شاءت
(2)
، ولو أدَّى رجعَ على الزَّوج إن ضَمِنَ بأمرِه وإلاَّ فلا): إنِّما قال: ولو صغيرة؛ لأنَّها إذا كانت صغيرة، فمطالبُ المهرِ ليس إلاَّ وليَّها، فيتوهَّمُ أنَّه لا يجوزُ الضَّمان؛ لأنه باعتبارِ الضَّمانِ يكونُ مطالباً، فيكون الشَّخصُ الواحدُ مطالِباً ومطالَباً، لكن لا اعتبار لهذا الوهم؛ لأنَّ حقوقَ العقدِ هنا راجعةٌ إلى الأصيل، فالوليُّ سفيرٌ ومعبِّرٌ بخلافِ البيع، فإنّه إذا باعَ الأبُ مالَ الصَّغير لا يجوزُ أن يضمنَ الثَّمن؛ لأنَّ الحقوقَ راجعةٌ إلى العاقد.
(ولها منعُهُ من الوطءِ والسَّفرِ بها، والنَّفقةُ لو مَنَعَت): أي لها النَّفقةُ على تقديرِ المنع
(3)
، (ولو بعد وطء، أو خلوةٍ برضاها): احترازٌ عن قولِهما: فإنَّه إذا وَطِئَها، أو خلا بها مرَّةً برضاها لا يبقى لها حقُّ المنع؛ لأنها سَلَّمَتْ إليه المعقودَ عليه، فلا يكونُ لها حقُّ الاسترداد، ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن كلَّ وطأةٍ معقودٌ عليها، فتسليمُ البعضِ لا يوجبُ تسليمَ الباقي.
(قبل أخذِ ما بُيَّنَ تعجيلُهُ كلاً أو بعضاً)
(4)
: الظَّرفُ وهو: قبل؛ متعلِّقٌ بقولِهِ: ولها منعُه، ثُمَّ عطفَ على قولِهِ: ما بُيَّنَ تعجيلُهُ؛ قولَه: (أو قَدْرَ ما يعجَّلُ لمثلِها من
(1)
هذا يتناول وليّ الصغير بأن يزوِّج ابنه الصغير امرأةً وضمن عنه مهرها صح ضمانه، ويتناول أيضاً: وليّ الصغيرة والكبيرة بأن يزوِّج ابنته الصغيرة أو الكبيرة وهي بكر أو مجنونة، ثم ضمن عن الزوج مهرها صحّ، وهذا في صحة الولي وأما في مرض الموت فلا؛ لأنه تبرُّع لوارثه في مرض الموت وإن لم يكن وارثاً له فالضمان في مرض الموت من الثلث. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 357).
(2)
من الوليّ الضامن أو زوجها البالغ ولها مطالبة أب الصغير ضمن أو لم يضمن. ينظر: «الشرنبلالية» (1: 246) ..
(3)
أي يجب على الزوج نفقتها عند الإمام ولو منعت نفسها عنه لأجل مهرها؛ لأنه منع لاستيفاء حقِّها. ينظر: «ذخيرة العقبى» (ص 190).
(4)
أي سواء كان المعجل كلّ المهر، أو بعضه.
مثل مهرها عرفاً غيرَ مقدَّرٍ بالرُّبع أو الخمسِ إن لم يبيِّن، والسَّفرُ والخروجُ للحاجة، وزيارةُ أهلِها بلا إذنِه قبل قبضِه، لا بعدَه، ولا لها المنع؛ لقبضِ الكلِّ في المختار
مثل مهرها عرفاً غيرَ مقدَّرٍ بالرُّبع أو الخمسِ إن لم يبيِّن)
(1)
: لفظ «المختصر» هذا: والمعجَّلُ والمؤَجَّلُ إن بُيِّنا فذاك
(2)
، وإلاَّ فالمتعارف
(3)
.
(والسَّفرُ والخروجُ للحاجة، وزيارةُ أهلِها بلا إذنِه قبل قبضِه): أي ولها السَّفرِ
…
إلى آخرِهِ قبل قبضِ المعجَّل، (لا بعدَه، ولا لها المنع؛ لقبضِ الكلِّ في المختار)
(4)
: أي إن لم يبيِّنْ المعجَّلَ والمؤجَّلَ لا يكون لها ولايةُ منعِ النَّفس؛ لأخذِ كلِّ المهر، فهذا الحكمُ قد فُهِمَ ممَّا تقدَّم، فإنَّه
…
قال: أو قَدْرَ ما يعجَّلُ
…
إلى قولِهِ: أن لم يُبَيِّن؛ فتقييدُ ولايةِ المنعِ بقدرِ المعجَّل يدلُّ بطريقِ المفهومِ على أَنْ ليس لها المنع؛ لقبضِ الزَّائدِ على هذا المعجَّل
(5)
، ولا خلافَ
(6)
في أنَّ التَّخصيصَ بالذِّكْرِ في الرِّواياتِ يدلُّ على نفي الحكمِ عمَّا عداه، لكن أرادَ التَّصريحَ بهذا؛ ليدلَّ على أنَّه مختلفٌ فيه، والمختارُ هذا، فإنَّ المتأخرينَ اختاروا هذا بناءً على المتعارف، وإن كان أصلُ المذهبِ أنَّ لها ولايةَ المنع؛ لأخذِ كلِّ المهرِ إذا لم يُبيِّنُ مقدارَ مهر
(7)
المعجَّل والمؤجَّل؛ لأنَّ المهرَ عوضُ البضع، فما لم تقبضْ كلَّ العوضِ لا يجبُ عليها تسليمُ البضع.
(1)
أي التعجيل كلا أو بعضاً وكذا تأجيل الكلّ فإنه لو اشترط تأجيل الكلّ أو تعجيلَ الكلّ أو تعجيل البعض وتأجيل البعض لا يعتبرُ العرف؛ لأن الصريح يفوقُ الدلالةَ، وإنما يضطر الى الدلالة عند انتفاء الصريح. ينظر:«عمدة الوقاية» (1: 46).
(2)
أي فما بيّناه هو المعجّل والمؤجّل سواء بينا تعجيل الجميع أو تأجيله، او تعجيل البعض، وإلا أي وإن لم يبينا المتعارف فإن كانا في موضع يعجّل فيه البعض ويؤجل الباقي إلى الطلاق أو الموت ينظر كم المعجل لمثل هذه المرأة من مثل هذا المهر في متعارف أولئك القوم. ينظر:«كمال الدراية» (ق 235).
(3)
انتهى من «النقاية» (ص 180).
(4)
وفي «الدر المختار» (2: 358): وبه يفتى. واختاره في «الملتقى» (ص 53)، و «غرر الأحكام» (1: 346)، وغيرها.
(5)
زيادة من أ و ب و س.
(6)
أي لا خلاف في اعتبار مفهوم المخالفة والشرط والصفة في العبارات والروايات الفقهيَّة، وإنما هو غير معتبر عند الأحناف في النصوص الشرعية خلافاً للشافعيّ.
(7)
زيادة من أ و ب و س.
ولا لو أُجِّلَ كلُّه، وله السَّفرُ بها بعد أدائِه في ظاهرِ الرِّواية، وقيل: لا، وبه أفتى الفقيهُ أبو اللَّيث، وله ذلك فيما دون مُدَّتِه، وإن اختلفا في المهر: ففي أصلِه: يجبُ مهرُ المثلِ إجماعاً
(ولا لو أُجِّلَ كلُّه): فإنَّهُ لو أُجِّل الكلُّ فقد، سقطَ (ولايةُ أخذِ)
(1)
حقِّها، فلا يكونُ لها منعُ النَّفسِ؛ لأخذه
(2)
.
(وله السَّفرُ بها بعد أدائِه في ظاهرِ الرِّواية): أي بعد
(3)
أداءِ ما بُيِّنَ تعجيلُه، أو قَدْرَ ما يُعَجَّلُ لمثلِها في ظاهرِ الرِّواية، (وقيل: لا، وبه أفتى الفقيهُ أبو اللَّيث
(4)
، وله ذلك فيما دون مُدَّتِه)
(5)
: أي له نقلُها فيما دون مدَّةِ السَّفر.
(وإن اختلفا في المهر:
ففي أصلِه: يجبُ مهرُ المثلِ إجماعاً): أي إن اختلفا (في المهر)
(6)
، فقال: أحدُهما لم
(1)
زيادة من م.
(2)
هذا قول أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي يوسف ليس له أن يدخل بها حتى يوفيها مهرها. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 103).
(3)
زيادة من أ.
(4)
وهو نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السَّمَرْقَنْدِيّ الحَنَفِي، أَبو اللَّيْث الفقيه، إمام الهدى، قال الداودي: هو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة، والتصانيف المشهورة. ومن مؤلفاته:«مختارات النوازل» ، و «خزانة الفقه» ، و «عيون المسائل» ، و «تفسير القرآن» ، و «بستان العارفين» ، و «تنبيه الغافلين» ، (ت 375 هـ). ينظر:«تاج التراجم» (ص 310)، «طبقات المفسرين» (2: 345)، «الفوائد» (ص 362).
(5)
اختلفوا في أنه هل له السفر بها بعد أداء مهرها على أقوال:
الأول: أنه له السفر بها، وهو ظاهر الرواية، واختاره ظهير الدين المرغيناني، وفي «التجنيس»: الفتوى عليه، وبه أفتى صاحب «ملتقى البحار» ، واختاره صاحب «التنوير» (2: 360) واشترطا أن يكون الزوج مأموناً.
الثاني: ليس له السفر بها مطلقاً دون رضاها؛ لأن الغريب يمتهن، وبه أفتى أبو الليث، ومحمد ابن سلمة، واختاره أبو القاسم الصفار، وفي «المختار» (1: 144)، و «الغرر» (1: 347)، و «الملتقى» (ص 54): عليه الفتوى.
الثالث: تفويض الأمر فيه إلى المفتي، واختاره صاحب «البزازية» ، وابن عابدين في «رد المحتار» (2: 360 - 361). ينظر: «المحيط» (ص 281)، و «البناية» (4: 256 - 257).
(6)
زيادة من ب.
وفي قدرِهِ حالَ قيامِ النِّكاحِ: القولُ لمَن شهدَ له مهرُ المثلِ مع يمينِه، وأيٌّ أقامَ بيِّنةً قُبِلَتْ شهدَ مهرُ المثلِ له أو لها، وإن أقاما فبيِّنتُها إن شهدَ له، وبيِّنتُهُ إن شهدَ لها، وإن كان بينَهما تحالفاً، وإن حلفا أو أقاما قُضي به
يسمِّ مهر، وقال الآخرُ: قد سُمِّي، فإن أقامَ البيِّنةَ فلا شكَّ في قبولِها، وإن لم يُقِم، فعندهما يحلِف، فإن نَكَلَ يثبتُ دعوى التَّسمية، وإن حلفَ يجبُ مهرُ المثل، وأمَّا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، ينبغي أن لا يُحَلَّف
(1)
؛ لأنَّه لا يُحَلَّفُ في النِّكاح، فيجبُ مهرُ المثل.
(وفي قدرِهِ حالَ قيامِ النِّكاحِ: القولُ لمَن شهدَ له مهرُ المثلِ مع يمينِه): أي إن كان مهرُ المثلِ مساوياً لِما يدَّعيه الزَّوج، أو أقلَّ منه، فالقولُ له مع اليمين، وإن كان مساوياً لِمَا تدَّعيه المرأة، أو أكثرَ منه، فالقولُ لها مع اليمين.
(وأيٌّ أقامَ بيِّنةً قُبِلَتْ شهدَ مهرُ المثلِ له أو لها): وذلك لأنَّ المرأةَ تدَّعي الزِّيادة، فإن أقامَت بيِّنة قُبِلَت، وإن أقامَ الزَّوجُ وحدَهُ تقبلُ أيضاً؛ لأن البيِّنةَ تقبل لدفعِ اليمين كما إذا أقامَ المودعُ بيِّنة على ردِّ الوديعةِ إلى المالكِ تقبل.
(وإن أقاما فبيِّنتُها إن شهدَ له، وبيِّنتُهُ إن شهدَ لها)؛ لأنَّ البيِّنات شُرِعَتْ لإثباتِ ما هو خلافُ الظَّاهر، واليمينُ شُرِعَتْ لابقاءِ الأصلِ على أصلِه، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«البيِّنةُ على المدَّعي واليمين على من أنكر»
(2)
، والأصلُ في النِّكاحِ أن يكونَ مهرُ المثل، فالذي يدَّعي خلافَ ذلك فبيِّنتُهُ أقوى.
(وإن كان بينَهما تحالفاً): أي إن كان مهرُ المثلِ بين ما يدَّعيه الزَّوجُ والمرأة، ولا بيِّنةَ لأحدهما تحالفا، (وإن حلفا
(3)
أو أقاما قُضي به): أي بمهرِ المثل، فإن حلفا قَضَى بمهرِ
(1)
هذه من مسامحات الشارح رحمه الله، وقد نبه عليه من جاء بعده كملا خسرو في «درر الحكام» (1: 347)، وابن كمال باشا في «الايضاح» (ق 48/أ)، وابن نجيم في «البحر» (3: 197)، وابن عابدين في «منحة الخالق» (3: 197)، وغيرهم؛ لأن التحليف هنا على المهر لا على أصل النكاح، وفيها الحلف بالاجماع.
(2)
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر
…
) في «سنن البيهقي الكبير» (1: 252)، قال النووي: حديث حسن. وفي «صحيح البخاري» (4: 1656)، و «صحيح مسلم» (3: 1336) بلفظ: (واليمين على المدعى عليه). وينظر: «تلخيص الحبير» (4: 208)، و «كشف الخفاء» (1: 342)، وغيرها.
(3)
ويجب أن يقرع في البداءة بالتحليف لعدم الرجحان لأحدهما وقال القدوري: يبتدئ بيمين الزوج وليهما نكل يلزم ما قال الآخر. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 360).
وفي الطَّلاقِ قبل الوطءِ حُكم متعةِ المثل، وإن كانت بينُهما تحالفا، وموت أحدِهما كحياتِهما في الحكم. وبعد موتِهما: ففي القدرِ القولُ لورثتِه، وفي أصلِه لم يقضَ للمنكر بشيء، وقالا: قَضَى بمهرِ المثل، وبه يُفْتى
المثل، وكذا إن أقامَ كلٌّ منهما البيِّنة، وإن أقامَ أحدُهما فقط تقبلُ بيِّنتُه، ولم يذكرْ هذا القسمَ لظهورِه، وهذا الذي ذَكَرَنا هو في حالِ قيامِ النِّكاح، فأرادَ أن يبيِّنَ الاختلاف بعد وقوعِ الطَّلاق، فقال:
(وفي الطَّلاقِ قبل الوطءِ حُكم متعةِ المثل)
(1)
: أي إن كان متعةُ المثلِ مساويةً لنصفِ ما يدَّعيه الزَّوج، أو أقلَّ منه، فالقولُ له، وإن كانت مساويةً لنصفِ ما تدَّعيه المرأة، أو أكثر منه، فالقولُ لها، وأيٌّ أقامَ بيِّنةً قُبِلَت، وإن أقاما فبيِّنتُها أولى
(2)
إن شهدَت له، وبيِّنتُه إن شهدت لها
(3)
. (وإن كانت بينُهما تحالفا)، فإن حلفَ تجب متعةُ المثل.
(وموت أحدِهما كحياتِهما في الحكم
(4)
.
وبعد موتِهما: ففي القدرِ القولُ لورثتِه
(5)
، وفي أصلِه لم يقضَ للمنكر
(6)
بشيء
(7)
، وقالا: قَضَى بمهرِ المثل، وبه يُفْتى
(8)
.
(1)
متعة المثل: وهي ما تمتع به مثل تلك المرأة في الأوصاف السابق ذكرها. ينظر: «العمدة» (2: 50).
(2)
زيادة من أ و ب.
(3)
أي إن أقاما البينة فبينتها مقدّمةٌ إن شهد له المتعة، وبينته مقدّمةٌ إن شهد لها المتعة؛ لأن البينات لإثبات خلاف الظاهر. ينظر:«الدر المختار» (2: 362).
(4)
أي الجواب فيه كالجواب في حال حياتهما حال قيام النكاح في الأصل والقدر؛ لأن مهر المثل لا يسقط اعتباره بموت أحدهما ألا يرى أن للمفوَّضة مهر المثل إذا مات أحدُهما. ينظر: «درر الحكام» (1: 348).
(5)
يعني إن ماتا فاختلف ورثتهما في مقدار المسمّى فالقول لورثة الزوج، ولا يحكم مهر المثل عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وتمامه في «شرح ابن ملك» (ق 88/أ).
(6)
زيادة من ف و م.
(7)
أي القول لمنكر التسمية ولم يقض بشيء ما لم يبرهن على التسمية، لأن موتهما يدل على انقراض أقرانهما فلا يمكن للقاضي أن يقدّر مهر المثل. ينظر:«الهداية» (1: 213).
(8)
صرح بأن الفتوى عليه صاحب (الغرر)) (1: 348)، و «الإيضاح» (ق 48/أ)، و «الملتقى» (ص 54)، و «التنوير» (2: 362)، وغيرها.
وإن بعثَ إليها شيئاً، فقالت: هو هدية، وقال مهر، فالقول له إلاَّ فيما هُيّءَ للأكل، فإن نكحَ ذميٌّ ذميَّةً، أو حربيٌّ حربيةً ثَمَّة بميِّتة، أو بلا مهر، وذا جائزٌ عندهم، فوطئت، أو طُلِّقَتْ قبلَهُ، أو مات أحدُهما، فلا مهرَ لها. وإن نكحَها بخمر، أو خِنْزيرٍ عُيِّن، ثُمَّ أسلما، أو أسلمَ أحدُهما، فلها ذلك، وفي غيرِ عَيْنٍ فقيمة الخمر فيها، ومهرُ المثل في الخِنْزير
وإن بعثَ إليها شيئاً، فقالت: هو هدية، وقال مهر، فالقول له
(1)
إلاَّ فيما هُيّءَ للأكل): كالخبزِ بخلافِ الحنطة.
(فإن نكحَ ذميٌّ ذميَّةً، أو حربيٌّ حربيةً ثَمَّة): أي في دارِ الحرب، (بميِّتة، أو بلا مهر، وذا جائزٌ عندهم): أي والحالُ أنّ النِّكاح بلا مهرٍ يجوزُ عندهم، ولا يجبُ شيء؛ وإنِّما قال هذا لأنه إن لم يجزْ هذا في دينِهم، أو يجبُ المهرُ عندهم لا يكونُ حكمُ المسألةِ عدمِ وجوبِ المهر، (فوطئت، أو طُلِّقَتْ قبلَهُ، أو مات أحدُهما، فلا مهرَ لها.
وإن نكحَها بخمر، أو خِنْزيرٍ عُيِّن، ثُمَّ أسلما، أو أسلمَ أحدُهما، فلها ذلك
(2)
، وفي غيرِ عَيْنٍ فقيمة الخمر فيها، ومهرُ المثل في الخِنْزير)؛ لأنَّ الخمرَ عندهم مثليٌّ كالخلِّ عندنا، ولا يحلُّ أخذُها، فإيجابُ القيمةِ يكون إعراضاً عن الخمر، وأمَّا الخِنْزيرُ فمن ذواتِ القيمِ عندهم كالشَّاة عندنا، فإيجابُ القيمةِ لا يكونُ إعراضاً عنه، فيجبُ مهر المثل اعراضاً عن الخِنْزير. (والله أعلم)
(3)
.
(1)
أي مع اليمين فإن حلف والمبعوث قائم فلها أن تردها وترجع بما بقي من المهر. ينظر: «الإيضاح» (ق 48/أ).
(2)
أي المعين من الخمر أو الخنْزير عند الإمام؛ لأنها ملكته بالعقد والإسلام لا يمنع قبضه، فتخلل الخمر، وتسيب الخِنْزير، والأولى أن تقتله. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 363)، و «الدر المختار» وحاشيته «رد المحتار» (2: 368).
(3)
زيادة من ق.
باب نكاح الرقيق والكافر
نكاحُ القِنّ، والمكاتَب، والمُدَبَّر، والأمة، وأمِّ الولدِ بلا إذنِ السَّيِّدِ موقوفٌ إن أجازَ له نفذ، وإن رَدَّ بطلَ، فإن نكحوا بالإذن، فالمهرُ عليهم، وبيعُ القِنِّ فيه لا الآخران، بل يسعيان، وقولُهُ: طلقها رجعيةٌ فهو إجازة؛ لا طلَّقَها، أو فارقَها، وإذنُهُ لعبدِه بالنِّكاح يعمُّ جائزَهُ وفاسدَه، فيباعُ العبدُ لمهرِ مَن نكحَها فاسداً بعد إذنِهِ فوطِئها، ولو نكحَها ثانياً، أو أُخرى بعدها صحيحاً وُقِفَ على الإجازة
باب نكاح الرقيق والكافر
(نكاحُ القِنّ، والمكاتَب، والمُدَبَّر، والأمة، وأمِّ الولدِ بلا إذنِ السَّيِّدِ موقوفٌ إن أجازَ له
(1)
نفذ، وإن رَدَّ بطلَ، فإن نكحوا بالإذن، فالمهرُ عليهم، وبيعُ القِنِّ فيه
(2)
لا الآخران): أي المكاتَب، والمُدَبَّر، (بل يسعيان
(3)
، وقولُهُ: طلقها رجعيةٌ فهو
(4)
إجازة؛ لا طلَّقَها، أو فارقَها): أي إذا تزوَّجَ عبدٌ بغيرِ إذنِ مولاه، فقال المولى: طلقْها رجعية، فهو إجازة؛ لأنَّ الطَّلاقَ الرَّجْعِيّ يقتضي سبقَ النِّكاح بخلاف طلقْها، إذ يمكنُ أن يكون المرادُ اتركْها، وهذا المعنى أليقُ بالعبدِ المتمرِّد، وأمَّا فارقها فهو أظهرُ في هذا المعنى.
(وإذنُهُ لعبدِه بالنِّكاح يعمُّ جائزَهُ وفاسدَه، فيباعُ العبدُ لمهرِ مَن نكحَها فاسداً بعد إذنِهِ فوطِئها)، (وإن لم يطأ العبد في النكاح الفاسد لا يجب المهر)
(5)
.
(ولو نكحَها ثانياً
(6)
أو أُخرى بعدها صحيحاً وُقِفَ على الإجازة): أي لو
(1)
زيادة من أ و ب و س.
(2)
أي المهر على القن وغيره، وهو دين في رقبة القن فقط يباع فيه؛ لأنه دينٌ وجب في رقبته بفعله، وقد ظهر في حق المولى حيث وقع بإذنه، فيتعلق برقبته دفعاً للضرر عن المرأة، كما في ديون المأذون للتجارة. ينظر:«الاختيار» (2: 144)، وغيره.
(3)
أي يسعيان في المهر والنفقة؛ لأنهما لا يحتملان النقل من ملك إلى ملك مع بقاء الكتابة والتدبير. ينظر: «درر الحكام» (1: 349).
(4)
زيادة من ص.
(5)
زيادة من أ و ب و س و ص.
(6)
أي بعد الفاسد، وهو من ثمرة الخلاف لأنه إذا انتظم الفاسد عنده ينتهي به الإذن وإذا لم ينتظمه لا ينتهي به عندهما، فله أن يتزوج صحيحاً بعد بها أو بغيرها. ينظر:«رد المحتار» (2: 374).
ولو زوَّجَ عبداً مديوناً مأذوناً له صحّ، وساوت غرماءَه في مهرِ مثلِها، ومَن زوَّجَ أمةً تخدمُه، ويطؤها الزَّوجُ إن ظفرَ بها، ولا تجبُ التَّبوئة: وهي أن يُخلَّى بينَها وبينَه في منْزلِه، ولا يستخدُمها، لكن لا نفقةَ ولا سُكْنى إلا بها، فإن بوأها ثُمَّ رجعَ صحّ وسقطَت
نكحَها نكاحاً ثانياً صحيحاً، أو نكحَ امرأةً أُخرى بعد تلك المرأةِ نكاحاً صحيحاً، توقَّفَ على الإجازة؛ لأنَّ الإجازةَ قد انتهت بذلك النِّكاح في الفاسد.
(ولو زوَّجَ عبداً مديوناً مأذوناً
(1)
له صحّ، وساوت غرماءَه
(2)
في مهرِ مثلِها): أي ساوت المرأةُ غرماءَه في مقدارِ مهرِ المثل: أي إن بيعَ العبدُ يقسَّمُ ثمنُهُ بين المرأةِ والغرماءِ بالحصَّة، فتأخذُ بحصَّةِ مهرِها إن كان المهرُ أقلَّ من مهرِ المثل، أو مساوياً، أمَّا إذا كان زائداً فلا تأخذُ بحصَّةِ ما زاد، (بل يؤخَّرُ إلى استيفاء الغرماءِ ديونَهم)
(3)
.
(ومَن زوَّجَ أمةً تخدمُه، ويطؤها الزَّوجُ إن ظفرَ بها، ولا تجبُ التَّبوئة: وهي أن يُخلَّى بينَها وبينَه): أي بينَ لأمة والزَّوج، (في منْزلِه
(4)
، ولا يستخدُمها): أي المولى، (لكن لا نفقةَ
(5)
ولا سُكْنى إلا بها): أي لا يجبُ على الزَّوجِ نفقتُها أو سكناها إلاَّ بالتبوئة، (فإن بوأها ثُمَّ رجعَ صحّ): أي الرُّجوع، (وسقطَت): أي النَّفقةُ عن الزَّوجِ برجوعِ المولى عن التَّبوئة.
(ولو خدمَتْهُ بلا استخدامِه لا)
(6)
: أي إن خدمَتْ المولى بلا استخدامِهِ مع وجودِ التبوئة لا تسقطُ النَّفقةُ عن الزَّوج، والتَّبوئةُ مصدرُ بوأتُهُ مَنْزلاً، وبوأتُ له إذا هيَّأتُ له مَنْزلاً، والمولى وإن لم يُهَيء المِنْزل، فالتبوئةُ تسندُ إليه باعتبارِ أنَّه يمكِّنُ الزَّوجَ من ذلك.
(1)
زيادة من أ.
(2)
أي أصحاب الديون، وفيه تصريح بأن المهر كسائر الديون، فلو مات العبد وكان له كسب يوفَّى منه. ينظر:«رد المحتار» (2: 375).
(3)
زيادة من أ و ب و س.
(4)
التقييد بمَنْزله اتفاقي؛ لأن الحكم يكون في أي مَنْزل.
(5)
لأن النفقة جزاء احتباسها، فلا يوجد احتباسها إلا بتبؤتها. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 365).
(6)
أي إذا بوّأها المولى فكانت تخدمه أحياناً من غير أن يستخدمها لم تسقط نفقتها عن الزوج، وكذا المدبرة وأم الولد، وأما المكاتبة إذا تزوجها بإذن المولى فلها النفقة سواء بوّأها المولى معه أو لا؛ لأنها في يد نفسها لا حقّ للمولى في استخدامها. ينظر:«الجوهرة النيرة» (2: 84 - 85).
وله إنكاحُ عبدِه وأمتِه مكرهاً، ولحرَّةٍ قتلَتْ نفسَها قبل الوطءِ المهرُ كلُّه، لا لمولى أمةٍ قتلَها قبلَه، وزوجُ الأمةِ يعزلُ بإذنِ سيِّدِها، وخُيِّرَت أمةٌ ومكاتبةٌ عتقتْ تحت حرّ أو عبد، أمةٌ نُكِحَتْ بلا إذنٍ فعتُقِتْ نفذ، ولم تخيِّر، وما سمِّي للسَّيد وإن زادَ على مهرِ مثلِها لو وطِئت فعتِقَتْ، وإن عُتِقَتْ أوَّلاً فلها.
(وله إنكاحُ عبدِه وأمتِه مكرهاً): أي يزوِّجُ كلَّ واحدٍ بلا رضاه.
(ولحرَّةٍ قتلَتْ نفسَها قبل الوطءِ المهرُ كلُّه
(1)
، لا لمولى أمةٍ قتلَها قبلَه): أي قبلَ الوطء؛ لأنه
(2)
عَجَّلَ بالقتل، أخذَ المهر، فجوزي بالحرمان، أمَّا في الصُّورة الأُوْلَى: فالقاتلةُ لا تأخذُ شيئاً، فكملُ المهرُ بالموت، وإنِّما قال قبلَ الوطء؛ لأنَّ بعد الوطءِ المهرُ واجبٌ في الصُّورتين.
(وزوجُ الأمةِ
(3)
يعزلُ
(4)
بإذنِ سيِّدِها)، فإنَّ العزلَ مانعٌ عن حدوثِ الولد، وهو ملكٌ مولاها.
(وخُيِّرَت أمةٌ ومكاتبةٌ عتقتْ تحت حرّ أو عبد)؛ فإن كانت تحت العبد، فلها الخيارُ اتِّفاقاً دفعاً للعار، وهو أن تكون الحرَّة فراشاً للعبد، وإن كانت تحتَ الحرِّ ففيه خلافُ الشَّافِعِيِّ
(5)
رضي الله عنه، وهذا بناءً على مسألةِ اعتبارِ الطَّلاق، فإنَّه عندنا بالنِّساء، فلها الخيارُ منعاً؛ لزيادةِ الملكِ عليها، وعنده بالرِّجال فلم توجد علَّة الفسخ، وهو العار، أو زيادةُ الملك.
(أمةٌ نُكِحَتْ بلا إذنٍ فعتُقِتْ نفذ، ولم تخيِّر)؛ لأنها قد رضيت، (وما سمِّي
(6)
للسَّيد وإن زادَ على مهرِ مثلِها لو وطِئت فعتِقَتْ، وإن عُتِقَتْ أوَّلاً فلها.
(1)
زيادة أ و ب و س و ص.
(2)
أي لأنه قصد بالقتل أخذ المهر كله قبل أوانه فجوزي بالحرمان، أو لأنه منع المبدل قبل التسليم فيجازى بمنع البدل. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 191).
(3)
قيد بالأمة أي أمة الغير؛ لأن العزل جائز عن أمة نفسه بغير إذنها، والإذن في العزل عن الحرّة لها ولا يباح بغيره لأنه حقها. ينظر:«البحر» (3: 214).
(4)
عزل عن المرأة: هو صرف مائه عنها في الوطء مخافة الولد، بأن ينْزع ويمنى خارج الفرج. «طلبة الطلبة» (ص 47)، و «المصباح» (ص 408).
(5)
ينظر: «أسنى المطالب» (3: 181)، و «حاشيتا قليوبي وعميرة» (3: 269)، و «مغني المحتاج» (4: 351)، وغيرها.
(6)
أي ما سمي في العقد حين لتزوج الأمة بغير إذن المولى. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 91/أ).
ومَن وَطِئَ أمةَ ابنِهِ أو بنتِه فولدَت، فادَّعاه ثَبَتَ نسبُه، وهي أمُّ ولدِه، ووَجَبَ على الأب قيمتُها، لا مهرُها، ولا قيمةَ ولدِها، وإن نكحَها صحّ، ولم تصرْ أمَّ ولدِه، ويجبُ مهرُها لا قيمتُها، وولدُها حرٌّ بقرابتِه
ومَن وَطِئَ أمةَ ابنِهِ (أو بنتِه)
(1)
فولدَت، فادَّعاه ثَبَتَ نسبُه، وهي أمُّ ولدِه، ووَجَبَ (على الأب)
(2)
قيمتُها)؛ فإن قولَهُ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ»
(3)
أوجبَ ولايةَ تملُّكِ الأبِ مالَ الابن عند الحاجة
(4)
، فقبل الوطءِ تصيرُ ملكاً له؛ لئلا يكونَ الوطءُ حراماً، فيجبُ قيمتُها على الأب، (لا مهرُها)؛ لأنه وَطِئ مملوكته، (ولا قيمةَ ولدِها)؛ لأنَّه وُلِدَ في ملكِ الأب.
(والجدُّ كالأبِ بعد موتِه فيه): أي بعد موتِ الأبِ في الحكمِ المذكور، (لا قبلَه): أي لا قبل موت الأب.
(وإن نكحَها صحّ): أي إن نكحَ الأبُ أمةَ الابن، (ولم تصرْ أمَّ ولدِه، ويجبُ مهرُها لا قيمتُها، وولدُها حرٌّ بقرابتِه): أي بقرابةِ الابن، فإن الأمةَ ملكُ الابن، فيتبِعُها الولد، فيعتقُ على أخيه، (6 لقوله صلى الله عليه وسلم:«من ملك ذا رحم محرمٍ منه عتق عليه»
(5)
(6)
.
(1)
زيادة من أ.
(2)
زيادة من أ و ب و س.
(3)
من حديث جابر، وعائشة، وسمرة بن جندب، وعمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهم في «صحيح ابن حبان» (2: 142)، و «المنتقى» (1: 249)، و «سنن أبي داود» (3: 289)، و «سنن ابن ماجه» (2: 769)، قال ابن القطان عن حديث ابن ماجه: إسناده صحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات. وفي «سنن البيهقي الكبير» (7: 480)، و «مسند الشافعي» (1: 202)، و «الأحاديث المختارة» (8: 79)، وغيرها. وينظر:«نصب الراية» (3: 337 - 339)، و «خلاصة البدر المنير» (2: 203)، و «تلخيص الحبير» (3: 189).
(4)
فإنه إذا كان للأب أن يأخذ من مال ابنه نفقته بلا رضاه لصيانة نفسه، كان له أن ينقل ملك جارية ابنه إلى ملك نفسه لصيانة نسله. ينظر:«فتح باب العناية» (1: 71).
(5)
ورد بهذا اللفظ في «سنن النسائي الكبرى» (3: 173)، و «المنتقى» (1: 244)، وورد بلفظ:(من ملك ذا محرم فهو حر) من حديث سمرة بن جندب، وابن عمر، وعمر، وغيرهم رضي الله عنهم في «جامع الترمذي» (3: 646)، و «المستدرك» (2: 233)، و «سنن البيهقي الكبير» (10: 289)، وصححه الحكم وابن حزم وعبد الحق وابن القطان. ينظر:«الدراية» (2: 85)، و «تلخيص الحبير» (4: 212)، و «خلاصة البدر المنير» (2: 455)، وغيرها.
(6)
زيادة من أ و ب و س.
وفسدَ نكاحُ حرَّة، قالت لسيِّدِ زوجِها: أعتقُهُ عنَّي بألفٍ ففعل
(وفسدَ نكاحُ حرَّة، قالت لسيِّدِ زوجِها: أعتقُهُ عنَّي بألفٍ ففعل): أي حُرَّةٍ تحت عبدٍ قالت لسيِّدِ زوجِها أعتقُهُ بألف، ففعلَ صحَّ الأمر، ويعتقُ الزَّوجُ على امرأتِه، ويفسدُ النِّكاحُ خلافاً لزفر رضي الله عنه، فإنَّه لا يعتقُ على المرأةِ عنده؛ لعدمِ الملك.
ونحنُ نقولُ: بالاقتضاءِ
(1)
يثبتُ الملك، فصارَ كما لو قالت: بعْهُ منِّى بكذا، ثُمَّ أعتقْهُ عنِّي، وقولِ المولى: أعتقت. صارَ كما لو قال بعتُه منك، ثُمَّ أعتقُهُ عنك، فلمَّا ثبتَ الملكُ اقتضاءً، فسدَ النكاح.
ويَرِدُ عليه أن غايةَ ما في البابِ أنه صارَ كقولِه: بعْ عبدَكَ منِّى بألف، فقال الآخر: بعْت. لا ينعقدُ البيع؛ لأنَّ الواحدَ لا يتولَّى طرفي البيعِ بخلافِ النِّكاح.
وأيضاً الملكُ الذي يثبتُ بطريقِ الاقتضاءِ ملكٌ ضروريّ، فيثبتُ بقدرِ الضَّرورة، ولا ضرورةَ في ثبوتِهِ في حقِّ النِّكاح حتَّى يفسدَ النِّكاح.
والجوابُ عن الأَوَّلِ: إن البيعَ الثَّابت بالاقتضاءِ مستغنٍ عن القَبُول، فإنَّه قد عُرِفَ في أصولِ الفقهِ
(2)
أن المقتضى ليس كالملفوظ
(3)
، بل هو أمرٌ ضروريٌّ فيسقطُ من الأركانِ والشُّروط ممَّا يحتمل السُّقوط.
وعن الثَّاني: إن الثَّابتَ بالاقتضاء، وإن كان ضرورياً يثبتُ به لوازمُهُ التي لا يحتملُ السُّقوط، كما سيأتي في مسألة الهبة: إن الهبةَ الاقتضائيَّةَ لا بُدَّ لها من القبض، فبطلانُ ملكِ النِّكاحِ من لوازمِ ثبوتِ ملكِ اليمينِ بحيث لا ينفكُّ عنه.
(1)
اقتضاء: هو دلالة اللفظ على مسكوت يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته، فالأول: كحديث: (رفع الخطأ والنسيان)، أي رفع حكمهما وهو الإثم وإلا فهما واقعان في الخارج، والثاني كمسألتنا فإنه لا يمكن تصحيحه إلا بتقديم الملك، إذ الملك شرط لصحة العتق عنه فتقدّم الملك بالبيع مقتضَى، والإعتاق عن الآمر مقتضٍ بالكسر، فإذا ثبت الملك للآمر فسد النكاح للتنافي بين الأمرين، ثم الملك فيه شرط والشروط أتباع فلذا ثبت البيع المقتضَى بشروط المقتضِي وهو العتق لا بشروط نفسه إظهاراً للتبعية، وتمامه في «البحر» (3: 221)، و «رد المحتار» (2: 385).
(2)
ينظر: «التوضيح» (1: 262)، و «كشف الأسرار شرح أصول البزدوي» (2: 236)، و «التقرير والتحبير» (1: 57)، وغيرها.
(3)
في م: كملفوظ.
والولاءُ لها، ويقعُ عن كفارتِها لو نوت به، وإن قالت ذلك بلا بدلٍ لم يفسد، والولاءُ له، فإن أسلمَ المتزوِّجان بلا شهود، أو في عدَّةِ كافرٍ معتقدينِ ذلك، أقرَّا عليه. وإن أسلَمَ الزَّوجان المُحرَّمانِ فُرِّقَ بينهما. والطفلُ مسلمٌ إن كان أحدُ أبويه مسلماً، أو أسلمَ أحدُهما، وكتابيٌّ إن كان بين مجوسيٍّ وكتابيّ، وفي إسلامِ زوجِ المجوسيَّة، أو امرأةِ الكافر يعرضُ الإسلامُ على الآخر، فإن أسلمَ فهي له، وإلاَّ فُرِّقَ، وهو طلاقٌ بائن لو أبى، لا لو أبت، ولا مهرَ هنا إلاَّ للموطوءة
(والولاءُ لها)؛ لأنَّه عتقٌ عليها، (ويقعُ عن كفارتِها لو نوت به): أي نوت بهذا الإعتاقِ الاعتاقَ عن الكفارةِ يقعُ عن الكفارة، (وإن قالت
(1)
ذلك بلا بدلٍ لم يفسد، والولاءُ له): أي للسَّيِّد، وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وكذا عند محمِّد رضي الله عنه.
وأمَّا عند أبي يوسف رضي الله عنه فهذا والأَوَّلُ سواء، فيثبتُ الملكُ هنا بطريقِ الهبة، وتستغني الهبةُ عن القبض، وهو شرطٌ كما يستغنى البيعُ عن القَبُول، وهو ركن.
فنقول: القَبُول ركنٌ يحتملُ السُّقوط كما في التَّعاطي، أمَّا القبضُ فلا يحتملُ السُّقوطَ في الهبةِ بحال.
(فإن أسلمَ المتزوِّجان بلا شهود، أو في عدَّةِ كافرٍ معتقدينِ ذلك، أقرَّا عليه.
وإن أسلَمَ الزَّوجان المُحرَّمانِ فُرِّقَ بينهما.
والطفلُ مسلمٌ إن كان أحدُ أبويه مسلماً، أو أسلمَ أحدُهما، وكتابيٌّ إن كان بين مجوسيٍّ وكتابيّ)؛ لأنَّ الطفلَ يتبعُ خيرَ الأبوين ديناً.
(وفي إسلامِ زوجِ المجوسيَّة، أو امرأةِ الكافر): أي سواءٌ كان كتابياً، أو مجوسياً، (يعرضُ الإسلامُ على الآخر، فإن أسلمَ فهي له، وإلاَّ فُرِّقَ، وهو): أي التَّفريقُ، (طلاقٌ بائن
(2)
لو أبى، لا لو أبت)؛ لأنَّ الطَّلاقَ لا يكونُ من النِّساء، (ولا مهرَ هنا): أي في إبائها، (إلاَّ للموطوءة): أمَّا في صورةِ إباءِ الزَّوج، فإن كانت موطوءةً فكلُّ المهر، وإن لم تكن، فنصفُه؛ لأنَّ التَّفريقَ هنا طلاقٌ قبل الدُّخول.
(1)
يعني إن قالت زوجةُ العبدِ الحرةِ لسيد زوجها: أعتقه عنِّي ولم تذكر عوضاً الألف أو غيره، وفعل ذلك مولاه لا يقعُ العتق عنها بل عنه، فيكون الولاء له، ولا يفسد نكاحها لعدم وجود ما ينافي ملك النكاح، وهو ملك اليمين. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 59).
(2)
زيادة من أ و ب و س.
ولو كان ذلك في دارهم لم تَبِنْ حتى تحيض ثلاثاً قبل إسلام الآخر. ولو أسلمَ زوجُ الكتابية، فهي له، وتبينُ بتباينُ الدَّارين، لا بالسَّبي، فلو خرجَ أحدُهما إلينا مسلماً، أو أُخْرِجَ مسبياً بانت، وإن سبيا معاً لا. ومَن هاجرت إلينا بانت بلا عدَّة إلاَّ الحامل. وارتدادُ كلٍّ منهما فسخٌ عاجل، ثُمَّ للموطوءةِ كلُّ مهرِها، ولغيرِها نصفُه لو ارتدّ، ولا شيءَ لو ارتدَّت، وبقي النِّكاحُ إن ارتَّدا معاً، ثُمَّ أسلما، وفسدَ إن أسلم أحدُهما قبل الآخر
(ولو كان ذلك في دارهم): أي إسلامُ زوجِ المجوسيَّة، أو امرأةِ الكافر (لم تَبِنْ حتى تحيض ثلاثاً قبل إسلام الآخر.
ولو أسلمَ زوجُ الكتابية، فهي له، وتبينُ بتباينُ الدَّارين
(1)
، لا بالسَّبي
(2)
، فلو خرجَ أحدُهما إلينا مسلماً، أو أُخْرِجَ مسبياً بانت، وإن سبيا معاً لا.
ومَن هاجرت إلينا بانت بلا عدَّة إلاَّ الحامل.
وارتدادُ كلٍّ منهما فسخٌ عاجل
(3)
، ثُمَّ للموطوءةِ كلُّ مهرِها، ولغيرِها نصفُه لو ارتدّ، ولا شيءَ لو ارتدَّت، وبقي النِّكاحُ إن ارتَّدا معاً، ثُمَّ أسلما، وفسدَ إن أسلم أحدُهما قبل الآخر).
(1)
أي تقع الفرقة بينهما باختلاف الدارين حقيقة أو حكماً؛ لأن به لا تنتظم المصالح حتى لو نكح مسلم حربية كتابية ثمة، ثم خرج عنها بانت عندنا، ولو خرجت قبل الزوج لم تبن؛ وذلك لأن التباين وإن وجد حقيقة لم يوجد حكماً؛ لأنها صارت من أهل دار الإسلام والزوج من أهلها حكماً. ينظر:«المبسوط» (5: 50)، و «الشرنبلالية» (1: 354).
(2)
تفريع لقوله: وتباين الدارين.
(3)
أي رفع لعقد النكاح في الحال بدون القضاء حتى لا ينتقص به عدد الطلاق سواء كانت موطوءة أو غيرها. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 372).
باب القسم
يجبُ العدلُ فيه، والبكر، والثَّيب، والجديدة، والعتيقة، والمسلمة، والكتابيَّة سواء، وللأمة، والمكاتبة، وأمِّ الولد، والمدبَّرة نصفُ الحرَّة، ولا قسمَ في السَّفر، بل يسافرُ بمن شاء، والقرعةُ أَوْلَى، وإن تركَت قسمها لضرَّتِها صحَّ وإن رَجَعَتْ جاز
باب القسم
(يجبُ العدلُ فيه
(1)
، والبكر، والثَّيب، والجديدة، والعتيقة، والمسلمة، والكتابيَّة سواء، وللأمة، والمكاتبة، وأمِّ الولد، والمدبَّرة نصفُ الحرَّة، ولا قسمَ في السَّفر، بل
(2)
يسافرُ بمن شاء، والقرعةُ أَوْلَى، وإن تركَت قسمها لضرَّتِها صحَّ وإن رَجَعَتْ جاز).
* * *
(1)
أي مأكلاً ومشرباً وملبساً وبيتوتة، لا وطئاً ومحبةً؛ لابتنائه على النشاط، فلا فرق بين فحل وخصي وعنين ومجبوب ومريض، وصبي دخل بامرأته وحائض وذات نفاس، ومجنونة لا يخاف منها، ورتقا وقرنا. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 373).
(2)
زيادة من م.
كتاب الرضاع
يثبتُ بمصَّةٍ في حولينِ ونصفٍ لا بعده أمومةُ المُرْضعةِ للرَّضيع، وأُبّوةُ زَوجِ مرضعةٍ لبنُها منه له، فيحرمُ منه ما يحرمُ من النَّسب إلاَّ أمَّ أُخْتِهِ وأخيه
كتاب الرضاع
(يثبتُ بمصَّةٍ في حولينِ ونصفٍ لا بعده أمومةُ المُرْضعةِ للرَّضيع، وأُبّوةُ زَوجِ مرضعةٍ لبنُها
(1)
منه له): أي للرَّضيع، فالحولان ونصف قولُ أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا عند غيرِهِ فمدَّتُه حولان
(2)
، (وعند الشافعي رضي الله عنه يثبتُ بخمس مصَّات)
(3)
(4)
.
(فيحرمُ منه ما يحرمُ من النَّسب إلاَّ أمَّ أُخْتِهِ وأخيه)؛ فإن أمَّ الأُخْتِ والأخِ من النَّسب، هي الأمّ، أو موطوءة الأب، وكلٌّ منهما حرام، ولا كذلك من الرِّضاع، وهي شاملةٌ لثلاثِ صور:
الأمُّ رضاعاً للأخت، أو الأخ نسباً
(5)
.
(1)
أما إذا جبن اللبن أو جعل مخيضاً أو رائباً أو غيرها وأطعمه الصغير لا يحرم. ينظر: «عدة أرباب الفتاوى» (ص 21).
(2)
اختلف الفقهاء في مدّة الرضاع:
فقال زفر: ما دام يجتزئ باللبن ولم يفطم فهو رضاع، وإن أتى عليه ثلاث سنين.
وقال أبو يوسف ومحمد والثوري والحسن بن صالح والشافعي رضي الله عنهم: يحرم في الحولين ولا يحرم بعدهما، ولا يعتبر الفطام وإنما يعتبر الوقت.
وقال ابن وهب عن مالك: قليل الرضاع وكثيره محرم في الحولين، وما كان بعد الحولين فإنه لا يحرم قليله ولا كثيره. وقال ابن القاسم عن مالك: الرضاع حولان وشهر أو شهران بعد ذلك، ولا ينظر إلى إرضاع أمه إياه إنما ينظر إلى الحولين وشهر أو شهرين.
وقال الأوزاعي: إذا فطم لسنة واستمر فطامه فليس بعده رضاع، ولو أرضع ثلاث سنين لم يفطم لم يكن رضاعاً بعد الحولين. ينظر:«الأم» (5: 29)، و «المدونة» (2: 298)، و «أحكام القرآن» للجصاص (1: 561)، و «طرح التثريب» (7: 138)، و «حاشية العدوي» (2: 128)، و «منح العلي» (2: 88)، و «حاشية البيجرمي» (4: 73)، و «الموسوعة الفقهية الكويتية» (22: 247).
(3)
ينظر: «الأم» (7: 237)، و «التنبيه» (ص 128)، و «أسنى المطالب» (3: 418)، وغيرها.
(4)
زيادة من أ و ب و س و ف.
(5)
كأن يكون لرجل أخت من النسب، ولها أمّ من الرضاع حيث يجوز له أن يتزوج أم أخته من الرضاع. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 376).
وأختَ ابنِه، وجدَّةَ ابنِه، وأُمَّ عمِّه، وعمَّتِه، وخالِه، وخالتِه للرَّجل، وأخا ابن المرأةِ لها رضاعاً
والأمُّ نسباً للأخت، أو الأخِ رضاعاً
(1)
.
والأمُّ رضاعاً للأخت، أو الأخِ رضاعاً
(2)
.
فإن قيل: قولُهُ: إلاَّ أمَّ أختِهِ؛ إن أريدَ بالأمِّ الأمُّ رضاعاً، وبالأختِ الأختُ رضاعاً لا يشملُ ما إذا كانت أحدُهما فقط بطريقِ الرِّضاع، وإن أريدَ بالأمَّ الأمُّ نسباً، وبالأختِ الأختُ رضاعاً، أو بالعكس، لا يشملُ الصُّورتين الأُخريين.
قلنا: المرادُ ما إذا كانت إحداهما فقط
(3)
بطريقِ الرِّضاعِ أعمَّ من أن يكونَ إحداهما فقط، أو كلٌّ منهما.
(وأختَ ابنِه)؛ لأنّ
(4)
أختَ الابن من النَّسب، إمِّا البنت، وإمَّا الرَّبيبة
(5)
، و (أيَّتهما كانت)
(6)
قد وطئت أُمُّها، ولا كذلك من الرِّضاع.
(وجدَّةَ ابنِه): جدَّةُ الابن نسباً (إمِّا أُمُّهُ أو)
(7)
أمُّ موطوءته، ولا كذلك من الرِّضاع.
(وأُمَّ عمِّه، وعمَّتِه، وخالِه، وخالتِه)، اعلم أنَّ أمَّ هؤلاءِ (نسباً إمَّا)
(8)
موطوءةُ الجدِّ الصَّحيح، أو الجدِّ الفاسد، ولا كذلك من الرِّضاع، ولا تنسَ الصَّورَ الثَّلاث في جميعِ ما ذكرنا.
(للرَّجل): أي هذه النِّساءُ المذكورة لا تحرم للرَّجل إذا كانت من الرِّضاع.
(وأخا ابن المرأةِ لها رضاعاً): أي لا يحرمُ أخو ابن المرأةِ لها إن كان من الرِّضاع،
(1)
كأن يكون له أخت من الرضاع، ولها أم من النسب حيث يجوز له أن يتزوج أمّ إخته من النسب. «درر الحكام» (1: 356).
(2)
كأن يجتمع الصبي والصبية الأجنبيان على ثدي امرأة أجنبية والصبية أم أخرى من الرضاعة، فإنه يجوز لذلك أن يتزوج أم أخته من الرضاع. ينظر:«درر الحكام» (1: 356)، «مجمع الأنهر» (1: 376).
(3)
زيادة من س و ص و م.
(4)
زيادة أ و ب و س.
(5)
الرَّبيبة: واحدة الرَّبائب، وهي بنت امرأة الرجل؛ لأنه يربِّيها في الغالب. ينظر:«المغرب» (ص 181).
(6)
زيادة من أ و م.
(7)
زيادة من أ و ب و س.
(8)
زيادة من أ و ب و س.
وَتَحِلُّ أختُ أخيه رضاعاً، كما تحلُّ نسباً: كأخٍ من الأبِ له أختٌ من أُمِّهِ تحلُّ لأخيهِ من أبيه. ورضيعا ثدي كأخٍ وأختٍ لا شاربا لبنِ شاة، وحُكْمُ خلطِ لبنِها بماء، أو دواء
واعلم أنَّ هذا مكرَّر؛ لأنَّه ذَكَرَ أمَّ الأخ، ولمَّا كانت المرأةُ أمَّ أخِ الرَّجل، كان الرَّجلُ أخا ابن تلك المرأة.
وعبارةُ «المختصر» كانت كذلك: فيحرمُ منه ما يحرمُ من النَّسب إلاَّ أمَّ أولادِ أصولِه، وأختَ ابنِه، وجدَّتَه.
فأولادِ الأصولِ: الأخ، والأخت، والعمّ، والعمَّة، والخال، والخالة، فأمُّ هؤلاء تحرم من النَّسبِ لا من الرِّضاع.
ثُمَّ غَيَّرْتُ العبارة إلى هذا: فيحرمانِ مع قومِهما عليه كالنَّسب، وفروعِه، والزَّوجان عليهما
(1)
: أي تحرمُ المرضعةُ وزوجُها على الرَّضيع، ويحرمُ قومُهما
(2)
على الرَّضيع كما في النَّسب، وتحرم فروعُ الرَّضيعِ على المرضعةِ وزوجِها، ويحرمُ زوجُ الرَّضيع على المرضعةِ وزوجِها: أي الرَّضيعُ إن كان ذكراً تحرمُ زوجتُهُ على زوجِ مرضعتِه، وإن كان الرَّضيعُ أُنثى يحرمُ زوجُها على مرضعتِها، وضابطهُ ما في هذا البيت الفارسي:
از جانب شيردِهْ هَمَه خويش شوند وز جانب شيرخواره زوجان وفروع
(3)
(وَتَحِلُّ أختُ أخيه رضاعاً، كما تحلُّ نسباً: كأخٍ من الأبِ له أختٌ من أُمِّهِ تحلُّ لأخيهِ من أبيه.
ورضيعا ثدي كأخٍ وأختٍ لا شاربا لبنِ شاة، وحُكْمُ خلطِ لبنِها بماء، أو دواء،
(1)
انتهى من «النقاية» (ص 83).
(2)
وهم أصول المرأة التي أرضعت، وفروعها من ذلك الزوج أو غيره، وإخوتها، وأخواتها، وإخوة أصولها وأخواتهم، وأصول الزوج، وفروعه من تلك المرأة أو غيرها، وإخوته، وأخواته، وإخوة أصوله وأخواتهم. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 85).
(3)
مفاد الشطر الأول: إن من جانب المرضعة، وكذا زوجها يكون الكلّ ذا قرابة من الرضيع: أي الذين لهم قرابة محرمة من النسب فيدخل فيه المرضعة وزوجها واقرباؤهما، ومفاد الشطر الثاني: إن من جانب الرضيع إنِّما يثبت القرابة للمرضعة وزوجها من فروعه وأحد زوجيه. ينظر: «العمدة» (1: 67).
أو لبنِ امرأةٍ أُخْرى، أو شاةٍ بالغلبة، وبطعامٍ الحلُّ كما في لبنِ رجل واحتقانُ صبيٍّ بلبنِها. وحرمُ بلبنِ البكر، والميتة. وإن رضعَّتْ ضرَّتَها حَرُمَتا، ولا مهرَ للكبيرةِ إن لم توطأ، وللرَّضيعةِ نصفُه، ورجعَ به على المرضعة إن قصدَتْ الفساد، وإلاَّ فلا، وحجَّتُه رجلان، أو رجلٌ وامرأتان
أو لبنِ امرأةٍ
(1)
أُخْرى
(2)
، أو شاةٍ بالغلبة، وبطعامٍ الحلُّ)
(3)
: أي حكمُ خلطِ لبنِها بطعامٍ الحِلُّ، (كما في لبنِ رجل): أي إذا نَزَلَ للرَّجلِ لبنٌ فشربَهُ صبيٌّ لا يتعلَّق به حرمةُ الرِّضاع، (واحتقانُ
(4)
صبيٍّ بلبنِها.
وحرمُ بلبنِ البكر
(5)
، والميتة.
وإن رضعَّتْ ضرَّتَها حَرُمَتا): أي إذا أرضعَتْ امرأةٌ ضرَّتَها حالَ كونِ الضُّرَّةِ رضيعةٍ حرمتا على الزَّوج، (ولا مهرَ للكبيرةِ إن لم توطأ، وللرَّضيعةِ نصفُه، ورجعَ به على المرضعة إن قصدَتْ الفساد، وإلاَّ فلا، وحجَّتُه رجلان، أو رجلٌ وامرأتان)
(6)
.
* * *
(1)
زيادة من م.
(2)
هذا على قول أبي يوسف رضي الله عنه، وهو اختيار المتون مثل:«الكنْز» (50)، و «الملتقى» (ص 57)، و «النقاية» (ص 83)، وغيرها، وعند محمد رضي الله عنه تتعلق الحرمة بهما، وعن الإمام روايتان، ورجح بعض المشايخ قول محمد، وفي «الغاية» هو أظهر، وأحوط، وقيل: إنه أصح، وهو اختيار صاحب «الهداية» (1: 225)؛ لتأخّر دليل محمد رضي الله عنه. ينظر: «الشرنبلالية» (1: 357).
(3)
أي إن اختلط بلبنها الطعام لم يتعلق به التحريم وإن كان اللبن غالباً عند الإمام، وعندهما: إذا كان اللبن غالباً يتعلق به التحريم. ينظر: «الهداية» (1: 224).
(4)
احتقان: من حَقَنْتُ المريضَ: إذا أَوصلتُ الدَّواءَ إلى باطنِهِ من مَخْرَجِهِ بالمِحْقَنَة، وَاحْتَقَنَ هو، والاسمُ الحُقْنَةُ، ثمَّ أطلقتْ على ما يُتَدَاوَى به والجَمْعُ حُقَنٌ. ينظر:«المصباح» (ص 144 - 145).
(5)
أي بنت تسع سنين فأكثر، والمراد التي لم تجامع قط بنكاح أو سفاح، وإن كانت العذرة غير باقية كأن زالت بنحو وثبة. ينظر:«رد المحتار» (2: 408).
(6)
أي الشهادة على الإرضاع لا تقبل إلا بما يثبت به الشهادة على المال، وهو رجلان أو رجل وامرتان. ينظر:«الإفصاح عن شهادة المرأة في الإرضاع» (ص 10).
كتاب الطلاق
أحسنُهُ طلقةٌ فقط في طُهْرٍ لا وطءَ فيه. وحَسَنُهُ وهو السُّنِّيُّ: طلقةٌ لغيرِ الموطوءة ولو في حيض، وللموطوءةِ تفريقُ الثَّلاثِ في أطهارٍ لا وطءَ فيها فيمن تحيض، وأشهرٍ في الآيسة والصَّغيرة والحامل، للسُّنَة ثلاثاً في ثلاثة أشهر وحلَّ طلاقُهنَّ عقيبَ الوطء.
كتاب الطلاق
(1)
(أحسنُهُ طلقةٌ فقط في طُهْرٍ لا وطءَ فيه
(2)
.
وحَسَنُهُ وهو السُّنِّيُّ
(3)
: طلقةٌ لغيرِ الموطوءة ولو في حيض، وللموطوءةِ تفريقُ الثَّلاثِ في أطهارٍ لا وطءَ فيها فيمن تحيض، وأشهرٍ في الآيسة والصَّغيرة والحامل، (للسُّنَة ثلاثاً في ثلاثة أشهر)
(4)
): فقولُهُ: وأشهرٍ عطفٌ على أطهار، (وحلَّ
(5)
طلاقُهنَّ عقيبَ الوطء.
(1)
الطلاق: وهو رفع قيد ثابت بالنكاح إلى ثلاث. كما في «غرر الأحكام» (ص 1: 259). وهو على خمسة أوجه:
مباح: نظراً إلى الحاجة، والحاجة إلى الخلاص تكون عند تباين الاخلاق وعرض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى.
مستحب: لو كانت المرأة مؤذية له أو لغيره بقولها أو بفعلها أو تاركة فرضاً من فرائض الله تعالى فلا إثم عليه بمعاشرة المرأة التي لا تصلي وإن كانت مكروهة تَنْزيهاً.
مكروه: وهو الطلاق البائن في ظاهر الرواية.
واجب: لو فات الإمساك بالمعروف كما لو كان الزوج خصياً أو مجبوباً أو عنيناً.
حرام: وهو الطرق في الحيض أو في الطهر الذي جامعها أو طلقها فيه، والطلاق ثلاثاً بكلمة واحدة. ينظر:«بهجة المشتاق لأحكام الطلاق» (ص 2).
(2)
يعني أن أحسن الطرق تطليقها طلقة واحدة في طهر لا وطء فيه وتركها حتى تنقضي عدتها. ينظر: «درر الحكام» (1: 259).
(3)
وكذا الأحسن فإنه سني لكن لما كان من المعلوم أن الحسن سني بالإجماع لم يحتج إلى التصريح بكونه سنياً. ينظر: «الشرنبلالية» (1: 259).
(4)
زيادة من أ و ت و س و ق.
(5)
أي حل طلاق الآيسة والصغيرة والحامل بلا كراهة عقيب الوطء؛ لأنه لا حيض لهنّ بخلاف من تحيض.
وبدعيُّه ثلاثٌ أو اثنتان بمرَّة، أو مرَّتين في طهرٍ لا رجعةَ فيه، أو واحدةٌ في طهرٍ لا وُطِئت فيه، أو حيضِ موطوءة وتجبُ رجعتُها في الأصحّ، فإذا طَهُرَتْ طلَّقَها إن شاء، وإن قال لموطوءتِه: أنتِ طالقٌ ثلاثاً للسُنَّةِ بلا نيَّةٍ يقعُ عند كلِّ طهرٍ طلقةٌ، وإن نوى الكلَّ السَّاعة صحَّت
وبدعيُّه
(6)
ثلاثٌ أو اثنتان بمرَّة، أو مرَّتين في طهرٍ لا رجعةَ فيه، أو واحدةٌ في طهرٍ لا وُطِئت فيه، أو حيضِ موطوءة وتجبُ رجعتُها في الأصحّ)
(7)
، وعند بعض مشايخنا
(8)
رضي الله عنهم تستحبّ.
واعلم أن الطَّلاقَ أبغضُ المباحاتِ فلا بُدَّ أن يكونَ بقدرِ الضَّرورة، فأحسنُهُ الطلاق الواحد في طهرٍ لا وطءَ فيه.
أمَّا الواحدةُ فلأنّها أقلّ.
وأمَّا في الطُّهر؛ فلأنه إن كان في حالِ
(9)
الحيضِ يمكنُ أن يكون لنفرة الطَّبعِ لا لأجلِ المصلحة.
وأمَّا عدمُ الوطء؛ لئلا يكونَ شبهةُ العلوق.
(فإذا طَهُرَتْ طلَّقَها إن شاء، وإن قال لموطوءتِه: أنتِ طالقٌ ثلاثاً للسُنَّةِ بلا نيَّةٍ يقعُ عند كلِّ طهرٍ طلقةٌ)؛ لأنَّ الطلاقَ السُنِّي هذا، (وإن نوى الكلَّ السَّاعة صحَّت): أي النِيَّةُ حتى يقعَ الثَّلاث في الحال خلافاً لزُفر
(10)
رضي الله عنه؛ لأنه بدعيّ، وهو ضدُّ السُنِّيّ، وعندنا الثَّلاثُ دفعةً سُنِّيُّ الوقوع: أي وقوعُها مذهبُ أهلِ السُنَّة
(11)
.
(6)
بدعيّ: وليس المقصود منه المعنى المشهور، بل هو مقابل السني: وهو ما يستوجب بإيقاعه عتاباً شرعياً. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 69).
(7)
في الحيض رفعاً للمعصية بطلاقه لها في الحيض. ينظر: «الدر المختار» (2: 420).
(8)
ومن المشايخ الذين اختاروا الاستحباب القدوري. ينظر: «متن القدوري» (ص 73).
(9)
زيادة من م.
(10)
قال محمد وزفر رضي الله عنهم: لا يطلقها للسنة إلا واحدة. ينظر: «الهداية» (1: 228).
(11)
وللعلماء كتب كثيرة ألِّفت في الرد على من ادّعى أن الطلاق بلفظ الثلاث لا يقع مرّة واحدةً، منها:«شفاء العليل في الرد على من أنكر وقع الطلقات الثلاث بمرة أو بمرات بدون رجعة بينها» ، «لزوم الطلاق الثلاث دفعة بما لا يستطيع للعالم دفعه» للشنقيطي، و «الإشفاق في أحكام الطلاق» للكوثري، وغيرها.
ويقعُ طلاقُ كلِّ زوجٍ عاقلٍ بالغٍ حرّ، أو عبد، ولو سكران طائع أو مكرهٍ، أو أخرسَ بإشارتِه المعهودة، لا طلاقَ صبيّ، ومجنون، ونائم، وسيِّدٍ على زوجةِ عبدِه. وطلاقُ الحرَّة، والأمة ثلاثةٌ واثنان ولو زوَّجَهما خلافَهما.
باب إيقاع الطلاق
صريحُهُ: ما استعملَ فيه دون غيرِه، مثل: أنت طالق، ومطلَّقة، وطلَّقتُك
وعند الرَّوافض
(1)
لم يقعْ؛ تمسُّكاً بقولِهِ تعالى: {الْطَّلَاقُ مَرَّتَان}
(2)
الآية، فالثلاثُ لا يقعُ إلاَّ بثلاثِ مرَّات.
(ويقعُ طلاقُ كلِّ زوجٍ عاقلٍ بالغٍ حرّ، أو عبد، ولو سكران): أي وإن كان الزَّوجُ سكران خلافاً للشَّافِعِيّ
(3)
، «طائعٍ أو مكرهٍ)
(4)
، أو أخرسَ بإشارتِه المعهودة
(5)
، لا طلاقَ صبيّ، ومجنون، ونائم، وسيِّدٍ على زوجةِ عبدِه.
وطلاقُ الحرَّة، والأمة ثلاثةٌ واثنان): أي طلاقُ الحرَّة ثلاثة، وطلاقُ الأمةِ اثنان، (ولو زوَّجَهما خلافَهما): فإن اعتبار الطَّلاقِ عندنا بالنِّساء، وعند الشَّافِعِيِّ
(6)
رضي الله عنه بالرِّجال، فإذا كان زوجُ الأمةِ حرَّاً، فالطَّلاقُ عندنا اثنان، وعنده ثلاثة، وإن كان زوجُ الحرَّةِ عبداً، فالطَّلاقُ عندنا ثلاثة، وعنده اثنان.
باب إيقاع الطلاق
(صريحُهُ: ما استعملَ فيه دون غيرِه، مثل: أنت طالق، ومطلَّقة، وطلَّقتُك،
(1)
قال الحليّ الشيعي في «شرائع الإسلام» (3: 13): طلاق الثلاث من غير رجعة بينها باطل عندنا لا يقع معه طلاق.
(2)
من سورة البقرة، الآية (229).
(3)
لكن في كتب الشافعي وأصحابه: يقع طلاق السكران. ينظر: «الأم» (5: 270)، و «المنهاج» (3: 279)، و «مواهب الصمد» (ص 122).
(4)
زيادة من ت و ف و ق و م.
(5)
فإنه إذا كانت له إشارة تعرف في نكاحه وغيره من التصرفات فهي كالعبارة من الناطق استحساناً، هذا إذا ولد أخرس، أو طرأ عليه ودام، وإن لم يدم لا يقع. ينظر:«التبيين» (2: 196).
(6)
ينظر: «متن الزبد» (ص 122)، و «حاشيتا قليوبي وعميره» (3: 337)، و «تحفة المحتاج» (8: 46)، و «مغني المحتاج» (3: 294)، وغيرها.
ويقعُ بها واحدة رجعيَّة، وإن نوى ضدَّه، أو لم ينوِ شيئاً. وفي أنت الطَّلاقُ، أو أنت طالقٌ الطَّلاقُ، أو أنت طالقٌ طلاقاً يقعُ واحدة رجعية إن لم ينوِ شيئاً، أو نوى واحدة، أو اثنتين، وإن نوى ثلاثاً فثلاث، وبإضافةِ الطَّلاقِ إلى كلِّها، أو إلى ما يعبَّرُ به عن الكلّ؛ كأنت طالق، أو رأسك، أو رقبتك، أو عنقُك، أو روحُك، أو بدنُك، أو جسدُك، أو وجهُك، أو فرجُك، أو إلى جزءٍ شائعٍ كنصفِك، أو ثُلُثِك يقعُ، وإلى يدِها، أو رجلِها لا، وكذا الظَّهْر، والبطن، وهو الأظهر
ويقعُ بها واحدة رجعيَّة، وإن نوى ضدَّه): أي ضدَّ الواحدةِ الرَّجعيَّة، وهو الواحدةُ البائنة، أو أكثرُ من الواحدة، ولفظ «المختصر»: ويقعُ بها رجعيَّة أبداً
(1)
: أي سواءٌ لم ينو، أو نوى واحدةً رجعية، أو بائنة، أو أكثرَ من الواحدة، (أو لم ينوِ شيئاً.
وفي أنت الطَّلاقُ، أو أنت طالقٌ الطَّلاقُ، أو أنت طالقٌ طلاقاً يقعُ واحدة رجعية إن لم ينوِ شيئاً، أو نوى واحدة، أو اثنتين، وإن نوى ثلاثاً فثلاث)، هذا في الحرَّة، أمَّا في الأمةِ فثنتان بمَنْزلةِ الثَّلاث في الحرَّة، وقد ذُكِرَ في أصولِ الفقه
(2)
: إن لفظَ المصدرِ واحدٌ لا يدلُّ على العدد، فالثَّلاثُ واحدٌ اعتباريٌّ من حيث أنَّه مجموع، فتصحُّ نيَّتُه، وإن لم ينوِ يقعُ الواحدُ الحقيقيّ، أمَّا الاثنانِ في الحرَّة، فعدَدٌ محضٌ لا دلالةَ للفظِ المفردِ عليه.
(وبإضافةِ الطَّلاقِ إلى كلِّها، أو إلى ما يعبَّرُ به عن الكلّ؛ كأنت طالق، أو رأسك، أو رقبتك، أو عنقُك، أو روحُك، أو بدنُك، أو جسدُك، أو وجهُك، أو فرجُك، أو إلى جزءٍ شائعٍ كنصفِك، أو ثُلُثِك يقعُ، وإلى يدِها، أو رجلِها لا، وكذا الظَّهْر، والبطن، وهو الأظهر)
(3)
، لأنَّه لا يعبِّرُ بهما عن الكلّ، وعند البعض: يقع
(4)
.
(1)
انتهى من «النقاية» (ص 84).
(2)
قال الشارح في «التوضيح» (1: 306): لفظ المصدر فرد إنما يقع على الواحد الحقيقي، وهو متيقن أو مجموع الأفراد؛ لأنه واحد من حيث المجموع، وذا محتمل لا يثبت إلا بالنية على العدد المحض، ويصح نيّة الثلاث لا الاثنين؛ لأن الثلاث مجموع أفراد الطلاق فيكون واحدا اعتبارياً، ولا يصح نية الاثنين؛ لأن الاثنين عدد محض، ولا دلالةَ لاسم الفرد على العدد. ا. هـ.
(3)
وهو الأصح في «التبيين» (2: 200).
(4)
والمعتبر في هذا الباب هو تعارف التعبير به عن الكل. هذا إذا لم ينو به الذات مجازاً، وإن نوى وقع بخلاف ما اشتهر استعماله في الكل، فإنه لا يحتاج إلى نيّةِ الكل. ينظر:«فتح القدير» (4: 15)، و «عمدة الرعاية» (2: 74).
وبنصفِ طلقة أو ثلثِها، أو من واحدةٍ إلى اثنين، أو ما بين واحدةٍ إلى اثنينِ واحدةٌ، وفي: من واحدةٍ إلى ثلاث أو ما بينَ واحدةٍ إلى ثلاثٍ اثنتان، وبثلاثةِ أنصافٍ طلقتين ثلاثٌ، وبثلاثةِ أنصافِ طلقةٍ طلقتان، وقيل: ثلاث. وفي: أنتِ طالقٌ واحدةً في ثنتين واحدة، نوى الضَّرب أو لا، وإن نَوَى واحدةً وثنتين فثلاثٌ في الموطوءة، وفي غيرِ الموطوءة واحدة، مثل: واحدةً وثنتين
(وبنصفِ طلقة أو ثلثِها، أو من واحدةٍ إلى اثنين، أو ما بين واحدةٍ إلى اثنينِ واحدةٌ)، فقولُهُ: واحدةٌ: مبتدأ، وخبرُه: بنصفِ طلقة.
(وفي: من واحدةٍ إلى ثلاث أو ما بينَ واحدةٍ إلى ثلاثٍ اثنتان، وبثلاثةِ أنصافٍ طلقتين ثلاثٌ
(1)
، وبثلاثةِ أنصافِ طلقةٍ طلقتان
(2)
، وقيل: ثلاث).
وجهُ الأَوَّل: أنَّ ثلاثَ أنصافِ طلقةٍ يكونُ طلقةً ونصفاً، فيتكاملُ النِّصف، فحصلَ طلقتان.
وجهُ الثَّاني: أنَّ كلَّ نصفٍ يتكاملُ فحصلَ ثلاث.
(وفي: أنتِ طالقٌ واحدةً في ثنتين واحدة، نوى الضَّرب أو لا)، قالوا: لأنَّ عملَ الضَّربِ في تكثيرِ الأجزاء، لا في زيادةِ المضروب
(3)
، (وإن نَوَى واحدةً وثنتين فثلاثٌ (في الموطوءة)
(4)
، وفي غيرِ الموطوءة واحدة، مثل: واحدةً وثنتين)
(5)
: أي إذا
(1)
ينظر: «الجامع الصغير» (ص 195)، و «بدائع الصنائع» (3: 99).
(2)
وهو المنقول عن محمد في «الجامع الصغير» وإليه ذهب الناطفي في «الأجناس» ، والعتابي في «شرح الجامع الصغير». وقال العتابي: هو الصحيح؛ لأن ثلاثة أنصاف تطليقة تكون تطليقة ونصف تطليقة، فصار كقوله أنت طالق واحدة ونصف تطليقة. وقال بعض المشايخ: يقع ثلاثة؛ لأن كل نصف يكون طلقة واحدة؛ لأن الطلاق لا يقبل التجزئة فيصير ثلاثةَ أنصاف تطليقة ثلاث طلقات لا محالة. ينظر: «العناية» (4: 17 - 18).
(3)
لأن الغرض منه إزالة كسرٍ يقع عند القسمة فمعنى واحدة في ثنتين واحدة ذات جزئين، وتكثير أجزاء الطلقة لا يوجب تعددها. وقال زفر والحسن والأئمة الثلاثة: يقع، ورجَّحه صاحب «الفتح» (4: 23)، وصاحب «عمدة الرعاية» (2: 75)، وإليه يميل كلام ابن عابدين في «رد المحتار» (2: 439).
(4)
زيادة من أ و ب و س.
(5)
لأن حرفَ في قد يكون بمعنى الواو؛ لأن حروف الصِّلات يقوم بعضها مقام بعض. ينظر: «المبسوط» (6: 137).
وإن نوى مع ثنتين فثلاث، وفي ثنتينٍ في ثنتين، ونوى الضَّربَ ثنتان. وفي من هنا إلى الشَّام واحدةٌ رجعيَّة، ونُجِزَ الطَّلاق في بمكَّة، أو في مكَّة، أو في الدَّار، وعُلِّقَ في: إذا دخلتِ مكَّة، أو في دخولِكِ الدَّار.
[فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان]
ويقعُ عند الفجرِ في أنتِ طالقٌ غداً، أو في غد، وتصحُّ نيَّةُ العصرِ في الثَّاني فقط
قال لغيرِ الموطوءة: أنت طالقٌ واحدةً في ثنتين، ونوى واحدةً وثنتين، يقع واحدة، كما إذا قال لغيرِ الموطوءة: أنتِ طالقٌ واحدةً وثنتين، يقع واحدة، (وإن نوى مع ثنتين فثلاث
(1)
، وفي ثنتينٍ في ثنتين، ونوى الضَّربَ ثنتان.
وفي من هنا إلى الشَّام واحدةٌ رجعيَّة
(2)
، ونُجِزَ الطَّلاق في بمكَّة، أو في مكَّة، أو في الدَّار): أي إذا قال: أنتِ طالقٌ بمكَّة، أو في مكَّة، فهو تنجيز
(3)
.
(وعُلِّقَ في: إذا دخلتِ مكَّة، أو في دخولِكِ الدَّار.
[فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان]
ويقعُ عند الفجرِ في أنتِ طالقٌ غداً، أو في غد، وتصحُّ نيَّةُ العصرِ
(4)
في الثَّاني فقط)
(5)
، فإنَّه إذا قال: أنتِ طالقٌ غداً، يقتضي أن تكون موصوفةً بالطَّلاق في كلِّ الغد
(1)
لأن كلمة: في؛ تأتي بمعنى: مع؛ قال الله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنْتِي} . ينظر: «التبيين» (2: 203).
(2)
لأنه وصفه بالقصر؛ لأنه متى وقع في مكان وقع في كل الأماكن؛ فتخصيصه بالشام تقصير بالنسبة إلى ما وراءه، ثم لا يحتمل القصر حقيقة، فكان قصرُ حكمِه، وهو بالرجعي، وطوله بالبائن؛ ولأنه لم يصفها بعظم ولا كبر بل مدَّها إلى مكان، وهو لا يحتمله، فلم يثبت به زيادة شدة. ينظر:«رد المحتار» (3: 261 - 262).
(3)
أي تطلق للحال حيث كانت المرأة؛ لأن الطلاق لا اختصاص له بمكان، أو ظرف دون آخر، ولو قال أردت في دخولك مكة صدق ديانةً لا قضاءً؛ لأنه خلاف الظاهر بخلاف الإضافة إلى الزمان المستقبل حيث لا تقع في الحال؛ لأنه كالتعليق كما إذا قال: الشتاء، أو إلى رأس الشهر ونحوه. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 390).
(4)
ذكره اتِّفاقي، والمراد أنه لو نوى وقوعَه في جزءٍ خاصٍ من أجزاء الغد غير الجزء الأول صحّ ذلك فيما إذا قال في غدٍ ولا يصح ذلك فيما إذا قال غداً. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 75).
(5)
أي في الغد.
وعند أَوَّلِهما في اليومِ غداً، أو غداً اليوم، ولغا أنتِ طالقٌ قبل أن أتزوّجك، وأنتِ طالقٌ أمسِ لمن نكحَها اليوم، ويقعُ الآن فيمن نَكَحَ قبل أمس، وفي أنتِ كذا ما لم أطلِّقْك، أو متى لم أُطَلِّقْك، أو متى ما لم أُطَلِّقْك، وسكتَ يقعُ حالاً. وفي إن لم أُطَلِّقْك يقع آخرَ عمرِه. وإذا وإذاما بلا نيِّة مثلُ: إن؛ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما كمتى، ومع نيِّةِ
فيقعُ عند الفجر، ولا تصحُّ نيَّةُ العصرِ كما إذا قال: صمتُ السَّنةَ يدلُّ على أنه صامَ كلَّها بخلافِ صمتُ في السَّنة.
وفي قولِهِ: أنتِ طالقٌ في غدٍ يقتصي وقوعَ الطَّلاقِ في جزءٍ من الغد، وليس جزءٌ منه أَوْلَى من الجزءِ الآخر، فيقعُ عند الفجر؛ لئلا يلزمَ التَّرجيحُ من غيرِ مرجِّح، أمَّا إذا نَوَى جزءاً معيَّناً تصحُّ نيَّتُه.
(وعند أَوَّلِهما في اليومِ غداً، أو غداً اليوم): أي إن قال: أنت طالقٌ اليومَ غداً، يقعُ في اليوم، وإن قال: أنتِ طالقٌ غداً اليوم، يقعُ في الغد.
(ولغا أنتِ طالقٌ قبل أن أتزوّجك، وأنتِ طالقٌ أمسِ لمن نكحَها اليوم، ويقعُ الآن فيمن نَكَحَ قبل أمس): أي إن قال: أنتِ طالقٌ أمسِ لامرأة نكحَها قبل أمس، يقعُ في الحالِ إذ لا قدرةَ له على الايقاع في الزَّمانِ الماضي.
(وفي أنتِ كذا ما لم أطلِّقْك، أو متى لم أُطَلِّقْك، أو متى ما لم أُطَلِّقْك، وسكتَ يقعُ حالاً
(1)
.
وفي إن لم أُطَلِّقْك يقع
(2)
آخرَ عمرِه
(3)
.
وإذا وإذاما بلا نيِّة مثلُ: إن؛ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما كمتى، ومع نيِّةِ
(1)
لأنه أضاف الطلاق إلى زمان خال عن التطليق، وقد وجد حيث سكت، وهذا لأن كلمة متى ومتى ما صريحٌ في الوقت؛ لأنهما من ظروف الزمان، وكذا كلمة ما للوقت، قال الله تعالى:{مَا دُمْتُ حَيَّاً} أي وقت حياتي. ينظر: «الهداية» (1: 235).
(2)
زيادة من أ و ب و س و ف.
(3)
هذا باتفاق الفقهاء؛ لأن الشرط أن لا يطلقها وذلك لا يتحقق إلا باليأس عن الحياة؛ لأنه متى طلقها في عمره لم يصدق أنه لم يطلقها بل صدق نقيضه، وهو أنه طلقها؛ واليأس يكون في آخر جزء من أجزاء حياته ولم يقدره المتقدمون بل قالوا: تطلق قبيل موته، فإن كانت مدخولاً بها وورثته بحكم الفرار وإلاَّ لا ترثه. ينظر:«فتح القدير» (4: 31).
الوقت، أو الشَّرط فكنيَّتِه، وفي أنت طالق ما لم أُطلقك، أنت طالق، تَطْلُقُ بالأخيرة، واليومُ للنَّهار مع فعلِ ممتدّ، وللوقتِ المطلقِ مع فعلٍ لا يمتدّ، فعند وجود الشَّرط ليلاً لا تتخيَّر في: أمرك بيدِك، يوم يقدمُ زيد، وتطلُقُ في: يوم
الوقت، أو الشَّرط فكنيَّتِه): فهذا بناءً على أنّ: إذا؛ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه مشتركٌ بين الشَّرط والظَّرف.
وعندهما حقيقةٌ في الظَّرف، وقد تجيءُ للشَّرط بطريقِ المجاز. فقولُهُ: إذا لم أُطَلِّقْك؛ يكونُ بمعنى: متى لم أُطَلِّقْك، كما إذا قال: طلِّقي نفسَك إذا شئت، فإنَّه بمعنى متى شئت.
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لما كانت مشتركة بين المعنيين، ففي قولِه: إذا لم أُطَلِّقْك؛ إن كان بمعنى: متى؛ يقعُ في الحال، وإن كان بمعنى: إن؛ يقعُ في آخرِ العمر، فوقعَ الشَّكُّ في وقوعِهِ في الحال، فلا يقعُ في الشَّكّ
(1)
.
وأمَّا مسألةُ المشيئة، فإنَّ الطَّلاقَ تعلَّقَ بمشيئتِها، فإن كان: إذا؛ بمعنى: إن؛ انقطعَ تعلُّقُهُ بمشيئتِها بانقضاءِ المجلس، وإن كان بمعنى: متى؛ لم ينقطع، فلا ينقطع بالشَّكّ.
(وفي أنت طالق ما لم أُطلقك، أنت طالق، تَطْلُقُ بالأخيرة): أي إن قال: أنتِ طالقٌ ما لم أُطَلِّقْك، أنت طالق، تطلُقُ بالأخيرة، وهي قولُهُ: أنتِ طالقٌ؛ حتَّى لو قال: أنتِ طالقٌ ثلاثاً ما لم أُطلِّقْك، أنت طالق، تقع واحدة.
(واليومُ للنَّهار مع فعلِ ممتدّ
(2)
، وللوقتِ المطلقِ مع فعلٍ لا يمتدّ، فعند وجود
(3)
الشَّرط ليلاً لا تتخيَّر في: أمرك بيدِك، يوم يقدمُ زيد
(4)
، وتطلُقُ في: يوم
(1)
حاصله: إن الإمام بنى مذهبه على أن إذا تخرج عن الظرفية وتكون لمحض الشرط وهو قول بعض النحاة كما ذكره في «مغني اللبيب» (1: 94)، لكن ذكر أن الجمهور على أنها للظرفية متضمنة معنى الشرطية، وأنها لا تخرج عن الظرفية وهو مرجِّح لقولهما هنا، وقد رجَّحه في «فتح القدير» (4: 33)، و «البحر» (3: 295).
(2)
نعني بالممتدّ: ما يقبل التأقيت: كالأمر باليد والصوم، وبما لا يمتدّ: ما لا يقبل التأقيت كالطلاق والتزوج؛ لأنه لا يقال طلقت شهراً، ويرادُ الإيقاع في جميعه، أو الامتداد إليه، ولا تزوجت يوما بهذا المعنى. ثم اختلفت عبارتهم في ماذا يعتبر الامتداد وعدمه: فمنهم: مَن يعتبره في المضاف إليه اليوم، ومنهم: من يعتبره في الجواب؛ لأنه هو العامل فيه فكان بحسبه والأوجه أن يعتبر الممتدُّ منهما وعليه مسائلهم ينظر: «التبيين» (2: 207).
(3)
زيادة أ و ب و س.
(4)
أي لو قال لها: أمرك بيدك يوم يقدم زيد، فقدم نهاراً، ولم تعلم بالقدوم حتى الليل بطلَ خيارُها لانصرافه إلى النهار، ومضيه؛ لأنه فعل ممتد.
أتزوجك فأنتِ طالق
أتزوجك فأنتِ طالق)، اعلم أن اليومَ إذا قُرِنَ بفعلٍ ممتدٍّ يرادُ به النَّهار، وإذا قُرِنَ بفعلٍ غيرَ ممتدٍّ يرادُ به الوقت؛ وذلك لأنّ ظرف الزمان إذا تعلَّقَ بالفعلِ بلا لفظِ: في، يكون معياراً له
(1)
، كقولِنا: صمْتُ السَّنة، بخلافِ قولِنا: صمْتُ في السَّنة.
فإذا كان الفعلُ ممتداً، كالأمرِ باليدِ كان المعيارُ ممتداً، فيرادُ باليومِ: النَّهار هاهنا.
وإن كان الفعلُ غيرَ ممتدٍ كوقوعِ الطَّلاقِ كان المعيارُ غيرَ ممتدٍّ، فيرادُ باليوم: الوقت.
واعلم أنه قد وقعَ خبطٌ واضطرابٌ في أن المعتبرَ في الإمتداد، وعدمِه: الفعلُ الذي تعلَّقَ به اليوم
(2)
، أو الفعلُ الذي أُضيفَ إليه اليوم
(3)
.
فالمذكورُ في «الهداية» في هذا الفصل: إن اليومَ يحملُ على الوقتِ إذا قُرِنَ بفعلٍ لا يمتدّ، والطَّلاقُ من هذا القبيل، فينتظمُ اللَّيلُ والنَّهار
(4)
.
فهذا دليلٌ على أن المعتبرَ الفعلُ الذي تعلَّقَ به اليوم، وهو الطَّلاقُ في قولِه: يوم أتزوَّجُك فأنتِ طالق.
والمذكور في (أيمان)«الهداية» أنَّه إذا قال: يوم أُكَلِّمُ فلاناً، فأنتِ طالق، يتناولُ اللَّيل والنَّهار؛ لأن اليومَ إذا قُرِنَ بفعلٍ لا يمتدُّ يرادُ به مطلقٌ الوقت، والكلامُ لا يمتدّ
(5)
.
فهذا يدلُّ على أن المعتبرَ الفعلُ الذي أُضيفَ إليه اليوم.
إذا عرفتَ هذا، فإن كان كلُّ واحدٍ منهما غيرَ ممتد، كقولِه: أنتِ طالقٌ يوم يقدمُ زيد، يرادُ باليوم: مطلقُ الوقت.
وإن كان كلُّ واحدٍ منهما ممتدَّاً، نحو: أمرُك بيدِك يومَ أَسكنُ هذه الدَّار، يرادُ باليوم: النَّهار.
وإن كان الفعلُ الذي تعلَّقَ به اليوم غيرُ ممتدّ، والفعلُ الذي أُضيفَ إليه اليومُ ممتدَّاً،
(1)
معياراً له: أي للفعل والمراد بالمعيار ظرف لا يَفْضُلُ عن المظروف: كاليوم للصوم. ينظر: «التوضيح» (1: 171).
(2)
المرادُ به الفعلُ الذي كان اليوم ظرفاً لوقوعه سواء كان مقدماً عليه ذكراً أو مؤخراً. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 79).
(3)
أي الفعل المضاف اليه لليوم: كالقدوم في قوله: يوم يقدمُ فلان. ينظر: «العمدة» (2: 79).
(4)
انتهى من «الهداية» (1: 236). باختصار.
(5)
انتهى من «الهداية» (2: 84). باختصار.
وراجعَ في أنت طالقٌ ثنتين مع عتقِ سيِّدِك لك لو أعتق، وعند مجيءِ غدٍ، بعد تعليقِ عتقِها وتطليقها بمجيئه لا، خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه
نحو: أنت طالقٌ يوم أسكنُ هذه الدَّار، أو بالعكس
(1)
، نحو: أمرُك بيدِك يومَ يقدُمُ زيد، ينبغي أن يرادَ باليومِ النَّهار ترجيحاً لجانب الحقيقة.
وإنِّما قلنا: إن الطَّلاقَ غيرُ ممتدّ؛ لأن المرادَ إيقاعُ الطَّلاق، فلا يقالُ: إنَّ كونَ المرأةِ طالقاً ممتدّ؛ لأنَّ الطَّلاقَ إذا وقع، فكونُ المرأةِ طالقاً أمرٌ مستمرّ، فلا فائدةَ في تعلُّق اليومِ به، فيكونُ اليومُ متعلِّقاً بإيقاعِ الطَّلاق لا بكونِ المرأةِ طالقاً.
واعلم أن المرادَ بالامتداد: إمتدادٌ يمكن أن يستوعبَ النَّهار، لا مطلقَ الإمتداد؛ لأنهم جعلوا التَّكلُّم من قبيلِ غيرِ الممتدّ، ولا شكَّ أنَّ التَّكلُّمَ ممتدٌّ زماناً طويلاً، لكن لا يمتدٌّ بحيث يستوعبُ النَّهار عادةً
(2)
.
(وراجعَ في أنت طالقٌ ثنتين مع عتقِ سيِّدِك لك لو أعتق): رجلٌ تزوجَ أمةَ غيرِه، فقال لها: أنتِ طالقٌ ثنتين مع إعتاق مولاكِ إيَّاك، فأعتقَها المولى، فطلقَتْ ثنتين، فالزَّوجُ يملكُ الرَّجعة؛ لأنَّ إعتاقَ المولى جُعِلَ شرطَاً للتَّطليق، فيكونُ مُقدَّماً عليه، فالعتقُ يكون مقدَّماً على وقوعِ الطَّلاق، فيقعُ الطَّلاق، وهي حرَّة، فيصيرُ طلاقُها ثلاثاً، فيملك الزَّوج الرَّجعة.
فإن قيل: كلمةُ: مع؛ للقِران.
قلنا: جاءت للتَّأخير، نحو:(قولِهِ تعالى)
(3)
: {إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرَاً}
(4)
.
(وعند مجيءِ غدٍ، بعد تعليقِ عتقِها وتطليقها بمجيئه لا، خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه): يعني لو قال المولى: إذا جاءَ الغدُ فأنتِ حرَّة، وقال الزَّوج: إذا جاءَ الغدُ فأنتِ طالقٌ ثنتين، فجاءَ الغد، وقع العتقَ والطَّلاق، ولا يملكُ الزَّوجُ الرَّجعة؛ لأن وقوعَ العتقِ مقارنٌ لوقوعِ الطَّلاق، فيقعُ الطَّلاق، وهي أمةٌ بخلافِ المسألةِ الأولى، فإنّ وقوعَ الطَّلاقِ متوقِّفٌ على وقوعِ العتق، فاعتبر التَّقدُّمُ والتَّأخُّرُ بالرُّتبة
(5)
.
(1)
أي بكون الفعلِ الذي تعلَّق به الظرف ممتداً، والمضاف إليه غير ممتدّ.
(2)
زيادة أ و ب و س.
(3)
زيادة من أ.
(4)
من سورة الشرح، الآية (6).
(5)
لأن العتق شرطٌ، والشرطُ مقدَّمٌ على المشروطِ رتبة، وهذا التقدُّمُ والتأخُّرُ الرُّتبي أوجب التقدُّمَ والتأخُّرَ الزماني. ينظر:«العمدة» (2: 82).
وتعتدُّ كالحرَّة، ويقعُ بأنا منك بائن، أو عليك حرام إن نَوَى، لا بأنا منك طالقٌ وإن نوى، وأنتِ طالقٌ واحدة أو لا، أو مع موتي، أو مع موتِك. ولا طلاقَ بعدما ملكَ أحدُهما صاحبَه، أو شقصه.
[فصل في تشبيه الطلاق ووصفه]
وبانت طالقٌ هكذا، يشيرُ بالأصبع، يقعُ بعدده
وعند محمَّد رضي الله عنه يملكُ الرَّجعة؛ لأن العتقَ أسرعُ وقوعاً؛ لأنه رجوعٌ إلى الحالةِ الأصليَّة، وهي أمرٌ مستحسنٌ بخلافِ الطَّلاق، فإنه أبغضُ المباحات، فيكونُ في وقوعِهِ بُطْءٌ وتأخُّرٌ.
(وتعتدُّ كالحرَّة) بالاتِّفاق أخذاً بالاحتياط.
(ويقعُ بأنا منك بائن، أو عليك حرام إن نَوَى
(1)
، لا بأنا منك طالقٌ وإن نوى
(2)
، وأنتِ طالقٌ واحدة أو لا
(3)
، أو مع موتي، أو مع موتِك
(4)
.
ولا طلاقَ بعدما ملكَ أحدُهما صاحبَه، أو شقصه
(5)
)؛ لأنه وقعَ الفرقةُ بينهما بملكِ الرَّقبة، والطَّلاقُ يستدعي قيامَ النِّكاح.
[فصل في تشبيه الطلاق ووصفه]
(وبانت طالقٌ هكذا، يشيرُ بالأصبع، يقعُ بعدده): أي بعددِ الأُصْبع، والأُصْبع
(1)
أي يقع بائناً؛ لأن الإبانة إزالة وصلة النكاح، والحرام إزالة الحل وهما مشتركان فيهما، ولو لم يقل منك أو عليك لم تطلق. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 16/ب).
(2)
أي فهو لغوٌ لا يعبأ به؛ لأن الطلاق شرع مضافاً إلى المرأة، فإذا طلق الزوج نفسه فقد غير المشروع. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 396).
(3)
لأن الوصف متى قرن بذكر العدد كان الوقوع بالعدد، وقد دخل عليه حرف الشك، فصار الطلاق لغواً. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 396).
(4)
بسبب إضافته إلى حالة منافية للإيقاع أو الوقوع. ينظر: «الدر المختار» (2: 442).
(5)
شِقص: بكسر الشين، جمعه الأشقاص: وهو الطائفة من الشيء: أي البعض. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 26).
ويعتبر المنشورةُ لو أشارَ ببطونِها، ولو أشار بظهورِها، فالمضمومة، وبانت طالقٌ بائن، أو أنتِ طالقٌ أشدَّ الطَّلاق، أو أفحشه، أو أخبثه، أو طلاقَ الشَّيطان، أو البدعة، أو كالجبل، أو كألف، أو ملء البيت، أو تطليقةً شديدة، أو طويلة، أو عريضة بلا نيِّةِ ثلاثٍ واحدةٌ بائنةٌ، ومعها ثلاث. ومَن طلقَها ثلاثاً قبل الوطء وَقَعْنَ، فإن فرَّقَ بانَتْ بالأُولَى ولم تقع الثَّانية، ففي: أنتِ طالقٌ واحدةً وواحدة، تقع واحدة.
يذكَّرُ ويؤنَّث
(1)
، (ويعتبر المنشورةُ لو أشارَ ببطونِها، ولو أشار بظهورِها، فالمضمومة)
(2)
؛ لأنه إذا أُشيرَ بالأصابع المنشورة، فالعادةُ أن يكون بطنُ الكفِّ في جانبِ المخاطب، وإذا عقدَ بالأصابعِ يكون بطنُ الكفِّ في جانبِ العاقد.
(وبانت طالقٌ بائن، أو أنتِ طالقٌ أشدَّ الطَّلاق، أو أفحشه، أو أخبثه، أو طلاقَ الشَّيطان، أو البدعة، أو كالجبل، أو كألف، أو ملء البيت، أو تطليقةً شديدة، أو طويلة، أو عريضة بلا نيِّةِ ثلاثٍ واحدةٌ بائنةٌ
(3)
، ومعها ثلاث
(4)
) قولُهُ: بلا نيَّةِ ثلاث، يشملُ ما إذا لم ينوِ عدداً، أو نوى واحدة، أو ثنتين، وهذا في الحرَّة، وأمَّا في الأمةِ فثنتانِ بمَنْزلةِ الثَّلاث في الحرَّة.
(ومَن طلقَها ثلاثاً قبل الوطء وَقَعْنَ، فإن فرَّقَ بانَتْ بالأُولَى ولم تقع الثَّانية، ففي: أنتِ طالقٌ واحدةً وواحدة، تقع واحدة.
(1)
ذكره الشارح دفعاً لما يقال: إن الأصبع من الألفاظ المؤنثة السماعية، فكيف ذكَّر المصنِّف الضمير الرَّاجع اليها. ينظر:«عمدة الوقاية» (2: 83).
(2)
عبَّرَ صاحب «الهداية» (1: 228) و «التبيين» (2: 211)، عن هذا التفصيل بقيل، ومشى عليه المصنف والشارح، وصاحب «الغرر» (1: 366)، و «الملتقى» (ص 59)، و «التنوير» (2: 447 - 118)، وقال صاحب «الشرنبلالية» (1: 366): ضعيف، والمعتبر المنشور مطلقاً وعليه المعول، فلا تعتبر المضمومة مطلقاً قضاء للعرف والسنة، وتعتبر ديانة. ووافقه ابن عابدين في «رد المحتار» (2: 449)، واللكنوي في «عمدة الرعاية» (2: 83)، وعوَّل عليه صاحب «فتح القدير» (4: 48).
(3)
أي تقع واحدةً بائنةً بكلّ واحدة من هذه الألفاظ بلا نية الثلاث؛ لأن وصفه بما يحتمله لفظه، ألا ترى أن البينونة قبل الدخول بها وبعد العدة تحصل به، فيكون هذا الوصف لتعيين أحد المحتملين. ينظر:«الهداية» (1: 238).
(4)
أي تقع مع كل واحدة من الألفاظ السابقة مع نية الثلاث ثلاث، وذلك لتنوع البينونة إلى خفيفة وغليظة. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 299).
ويقعُ بعددٍ قُرِنَ بالطَّلاق، لا به، فيلغو أنتِ طالقٌ لو ماتت قبل ذِكْرِ العدد، وبانت طالقٌ واحدةً قبل واحدة، أو بعدها واحدةً واحدة، وبانت طالقٌ واحدةً قبلها واحدة، أو بعد واحدة، أو مع واحدة، أو معها واحدةٌ ثنتان، وفي الموطوءة ثنتان في كلِّها. وبأنت طالقٌ واحدةً وواحدةً إن دخلَت الدَّار ثنتان لو دخلَت، وواحدةٌ إن قُدِّمَ شرطه
ويقعُ بعددٍ قُرِنَ بالطَّلاق، لا به
(1)
، فيلغو أنتِ طالقٌ لو ماتت قبل ذِكْرِ العدد، وبانت طالقٌ واحدةً قبل واحدة، أو بعدها واحدةً واحدة): لأن الواحدةَ الأُولى وصفت بالقبلية
(2)
، فلمَّا وقعت لم يبقَ للثَّانية محلّ.
(وبانت طالقٌ واحدةً قبلها واحدة، أو بعد واحدة، أو مع واحدة، أو معها واحدةٌ ثنتان)
(3)
: أمَّا في قبلِها وبعد واحدة؛ فلأن الواحدةَ الأُولَى، وهي التي يوقعُها في الحال، وصفت بالبعديَّة، فاقتضت وقوعَ واحدةٍ متقدِّمةٍ عليها، لكن لا قدرةَ له على الإيقاعِ في الزَّمان الماضي، فيقعُ في الحال، فتكون الواحدةُ الأُولَى والثَّانية متقارنتين، (أي في الوجودِ وكلُّه لقيام المحليَّة بعد وقوعِ الأَوَّل)
(4)
، وأمَّا في مع ومعها فظاهر.
(وفي الموطوءة ثنتان في كلِّها
(5)
.
وبأنت طالقٌ واحدةً وواحدةً إن دخلَت الدَّار ثنتان لو دخلَت، وواحدةٌ إن قُدِّمَ شرطه): أي قال: إن دخلتِ الدَّار فأنتِ طالقٌ واحدةً وواحدة، فعند تقدُّم الشَّرط تقعُ واحدة، وهذا في غيرِ الموطوءة؛ فإنّ الواحدة الثَّانية تعلَّقت بالشَّرطِ بواسطةِ الأُولى، فإذا وُجِدَ الشَّرطُ يقعُ بهذا التَّرتيب، وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا عندهما
(1)
أي لا بالطلاق؛ لأن صدر الكلام موقوف على ذكر العدد فلا يفيد الحكم قبله. ينظر: «درر الحكام» (1: 366).
(2)
يعني بالصراحة؛ لأن البعدية في قوله: بعدها واحدة صفة الأخيرة فوقع الأولى قبلها ضرورة. ينظر: «الشرنبلالية» (1: 367).
(3)
أي في تلك الصور الأربعه؛ لأنه إنشاء طلاق سبق عليه طلاق آخر، فكأنه أنشأ طلقتين بعبارة واحدة فيقع اثنان ولو غير موطوءة. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 400).
(4)
زيادة من م.
(5)
لقيام المحلية بعد وقوع الأولى. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 400).
[فصل في كنايات الطلاق]
وكنايتُهُ ما لم يوضعْ له واحتملَه وغيرَه، فلا تطلَّقُ إلا بنيِّة، أو دلالةِ الحال. ومنها: اعتدِّي، واستبرئي رَحِمَك، وأنت واحدة، وبها تقعُ واحدةٌ رجعية. وبباقيها: كانت بائنٌ، بتَّةً، بَتْلَة، حرام، خليَّة، بريَّة، حبلُك على
يقعُ ثنتان، وتحقيقُهُ في أصولِ الفقهِ في حروف معاني
(1)
.
[فصل في كنايات الطلاق]
(وكنايتُهُ ما لم يوضعْ له واحتملَه وغيرَه، فلا تطلَّقُ إلا بنيِّة، أو دلالةِ الحال
(2)
.
ومنها: اعتدِّي، واستبرئي رَحِمَك، وأنت واحدة، وبها تقعُ واحدةٌ رجعية.
وبباقيها: كانت بائنٌ، بتَّةً
(3)
، بَتْلَة
(4)
، حرام، (خليَّة)
(5)
، بريَّة
(6)
(7)
، حبلُك على
(1)
قال التفتازاني في «التلويح» (1: 190): مبني الخلاف على أن تعليق الأجزية بالشرط عنده على سبيل التعاقب؛ لأن قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق جملة كاملة مستغنية عمَّا بعدها فيحصل بها التعليق بالشرط، وقوله: وطالق جملة ناقصة مفتقرة في الإفادة إلى الأولى فيكون تعليق الثانية بعد تعليق الأولى وإذا كان تعليق الأجزية بالشرط على سبيل التعاقب دون الاجتماع كان وقوعها أيضا كذلك؛ لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجود الشرط، وفي المنجز تبين بالأولى فلا تصادف الثانية، وهذا بمنْزلة الجواهر المنظومة تَنْزل عند الانحلال على الترتيب الذي نظمت به، بخلاف ما إذا قدَّم الأجزية فإن الكل يتعلق بالشرط دفعة؛ لأنه إذا كان في آخر الكلام ما يغير أوله يتوقف الأول على الآخر، فلا يكون فيه تعاقب في التعليق حتى يلزم التعاقب في الوقوع، وعندهما يقع الكل دفعة؛ لأن زمان الوقوع هو زمان وجود الشرط؛ والتفريق إنما هو في أزمنة التعليق لا في أزمنة التطليق لأن الترتيب إنما هو في التكلم لا في صيرورة اللفظ تطليقاً، وتمامه في «التلويح» .
(2)
لأنها لما لم توضع له واحتملته وغيره وجب التعيين بالنية أو دلالة التعيين كحال مذاكرة الطلاق وحال الغضب. ينظر: «درر الحكام» (1: 368).
(3)
بتَّة: من البت بمعنى القطع إما عن قيد النكاح أو حسن الخلق. ينظر: «حاشية الشلبي» (2: 217).
(4)
بتلة: من البتل، وهو الانقطاع، وبه سميت مريم؛ لانقطاعها عن الرجال، وفاطمة الزهراء؛ لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً. ينظر:«رد المحتار» (2: 465).
(5)
خلية: أي خالية إما عن النكاح أو عن الخير. ينظر: «البحر» (2: 324).
(6)
برية: أي منفصلة إما عن قيد النكاح أو حسن الخلق. ينظر: «رد المحتار» (2: 464).
(7)
زيادة من أ و ب.
غاربِك، إلحقي بأهلِك، وهبتُك لأهلِك، سرحتُك، فارقتُك، أمرُك بيدك، أنت حرَّة، تقنَّعي، تخمَّري، استتري، أُغربي، أُخرجي، إذهبي، قومي، ابتغي الأزواج يقعُ واحدةً بائنةً إن نواها أو ثنتين، وثلاثٌ إن نواه. وفي: اعتدي ثلاثَ مرَّاتٍ لو نَوَى بالأَوَّلِ طلاقاً، وبغيرِه حيضاً صُدِّق، وإن لم ينوِ بغيرِه شيئاً فثلاث
غاربِك، إلحقي بأهلِك، وهبتُك لأهلِك، سرحتُك، فارقتُك، أمرُك بيدك، أنت حرَّة، تقنَّعي، تخمَّري، استتري، أُغربي، أُخرجي، إذهبي، قومي، ابتغي الأزواج يقعُ واحدةً بائنةً إن نواها أو ثنتين، وثلاثٌ إن نواه.
وفي: اعتدي ثلاثَ مرَّاتٍ لو نَوَى بالأَوَّلِ طلاقاً، وبغيرِه حيضاً صُدِّق، وإن لم ينوِ بغيرِه شيئاً فثلاث).
وعبارة
(1)
«المختصر» هكذا: (وكنايته: ما يحتملُه وغيرَه)
(2)
، فنحو: أُخرجي، واذهبي، وقومي، يحتملُ ردَّاً
(3)
.
ونحو: خليَّة، بريَّة، بتَّة، حرام، بائن، يصلح سبَّاً
(4)
.
ونحو: اعتدي، واستبرئي رَحِمَك، أنت واحدة، أنت حرَّة، اختاري، أمرُك بيدك، سرحتُك، فارقتُك، لا يحتملُ الرَّدَّ والسَّبّ
(5)
.
ففي حالةِ
(6)
الرِّضا يتوقَّفُ الكلُّ على النِّيَّة، وفي الغضبِ الأولان، وفي مذاكرةِ الطَّلاق الأَوَّلُ فقط
(7)
.
والمرادُ بحالة الرِّضا: أن لا يكونَ حالة
(8)
غضب، ولا مذاكرةِ الطَّلاق، فحينئذٍ يتوقف الأقسامُ الثَّلاثة على النِيَّة.
(1)
أورد عبارة مختصره لكونها مع اختصارها مفيدة لتفصيلٍ لم يذكره المصنف.
(2)
زيادة من ب.
(3)
أي لسؤال المرأة الطلاق بأن يريد تبعيدها عن نفسه، وجواباً لسؤالها الطلاق بأن يريد اخرجي لأني طلّقتك، وكذا البواقي. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 108).
(4)
أي للمرأة، وجواباً لسؤالها الطلاق.
(5)
للمرأة، وإنما يصلح جواباً لسؤالها ومعاني أخر.
(6)
زيادة من ف و م.
(7)
انتهى من «النقاية» (ص 87).
(8)
زيادة من أ و ب.
باب التفويض
[فصل في الاختيار]
ولِمَن قيل لها: طلِّقي نفسَك، أو أمرُك بيدك، أو اختاري، بنيَّةِ الطَّلاقِ تطليقُها في مجلسٍ علمَت به وإن طال ما لم تَقُم، أو لم تعملْ ما يقطعُهُ لا بعده
وفي حال الغضبِ يتوقَّفُ الأولان: أي ما يصلحُ ردَّاً وما يصلحُ سبَّاً على النِيَّة، إن نوى الطَّلاقَ يقعُ به الطَّلاق، وإن لم ينوِ لا يقع، وأمَّا القسمُ الأخير: وهو ما لا يصلحُ ردَّاً ولا سبَّاً يقعُ به الطَّلاق، وإن لم ينو.
وفي حالِ مذاكرةِ الطَّلاق يتوقَّفُ الأَوَّل: أي ما يصلحُ ردَّاً على النِيَّة، أمَّا الآخران، وهما ما يصلحُ سبَّاً وما لا يحتملُ الرَّدَّ والسَّبّ، فيقعُ بهما الطَّلاق وإن لم ينو
(1)
باب التفويض
[فصل في الاختيار]
(ولِمَن قيل لها: طلِّقي نفسَك، أو أمرُك بيدك، أو اختاري، بنيَّةِ الطَّلاقِ تطليقُها في مجلسٍ علمَت به وإن طال)، قولُه: تطليقُها: مبتدأٌ، ولمَن قيل: خبرُه، ثُمَّ فسَّرَ المجلسَ، بقولِهِ: (ما لم تَقُم، أو لم
(2)
تعملْ ما يقطعُهُ لا بعده): أي لا يكون لها الاختيارُ بعد قيامِها عن المجلس، ولا بعد عملٍ يقطعه، فإنّ المجلسَ، يتبدَّلُ بأحدِ الأمرين، إمَّا بالقيام، أو بعد عملٍ لا يكون بجنسِ ما مضى.
(1)
جدول توضيحي للمسألة:
جواب فقط
سبّ وجواب
ردّ وجواب
اعتدي، استبرئي
خليّة، بريّة
اخرجي، اذهبي
تلزم النية
تلزم النية
تلزم النية
رضا
يقع بلا نية
تلزم النية
تلزم النية
غضب
يقع بلا نية
يقع بلا نية
تلزم النية
مذاكرة
(2)
زيادة من ت و ج و ف و م.
وجلوسُ القائمة، واتكاءُ القاعدة، وقعودُ المتكئة، ودعاءُ الأبِ للشُّورى، وشهود تشهدُهم، ووقفُ دابةٍ هي راكبتُها لا يقطع، وفلكُها كبيتِها، وسيرُ دابتِها كسيرِها، وفي: اختاري لا تصحُّ نيِّةُ الثَّلاث، بل تبينُ إن قالت: اخترتُ نفسي، أو أَخْتارُ نفسي، وشُرِطَ ذِكْرُ النَّفسِ من أحدِهما. وفي: اختاري اختيارة، لو قالت: اخترتُ تبين ولو كرَّرَ اختاري ثلاثاً، فقالت: إخترتُ اختيارة، أو اخترتُ الأُولَى، أو الوسطى، أو الأخيرة يقعُ ثلاثٌ بلا نيِّة
(وجلوسُ القائمة، واتكاءُ القاعدة، وقعودُ المتكئة، ودعاءُ الأبِ للشُّورى، وشهود تشهدُهم، ووقفُ دابةٍ هي راكبتُها لا يقطع، وفلكُها كبيتِها
(1)
، وسيرُ دابتِها كسيرِها)، حتى
(2)
لا يتبدَّلُ المجلسُ بجري الفُلك، ويتبدَّلُ بسيرِ الدَّابة.
(وفي: اختاري لا تصحُّ نيِّةُ الثَّلاث
(3)
، بل تبينُ إن قالت: اخترتُ نفسي، أو أَخْتارُ نفسي، وشُرِطَ ذِكْرُ النَّفسِ من أحدِهما
(4)
.
وفي: اختاري اختيارة، لو قالت: اخترتُ تبين): أيّ إن لم يذكرْ أحدُهما النَّفس، بل قال الزَّوج: اختاري اختيارة، تقعُ إن قالت: اخترت.
(ولو كرَّرَ اختاري ثلاثاً، فقالت: إخترتُ اختيارة، أو اخترتُ الأُولَى، أو الوسطى، أو الأخيرة يقعُ ثلاثٌ بلا نيِّة)، وهذا عند أبي حنيفة
(5)
رضي الله عنه؛ لأنه اجتمعَ في ملكِها الطَّلقاتُ الثَّلاثُ بلا ترتيب، كالمجتمعِ في المكان
(6)
، فإذا بطلَ الأوَّليَّة، والأوسطيَّة، والأخيريَّة، بقي مطلقُ الاختيار، فصارَ كما لو قالت: اخترت.
(1)
أي السفينة التي هي راكبتها بمنْزلة بيتها لأن جريان السفينة لا يضاف إلى راكبها، ولهذا لا يقدر على إيقافها متى شاء. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 98/ب).
(2)
ساقطة من م.
(3)
لأن الاختيار لا يتنوع بخلاف الإبانة؛ لأن الإبانة قد تتنوع. ينظر: «الهداية» (1: 243).
(4)
متصلاً أو منفصلاً في المجلس. ينظر: «فتح باب العناية» (2: 114).
(5)
وعندهما تقع واحدة. ينظر: «الملتقى» (ص 61).
(6)
أي إن القوم إذا اجتمعوا في مكان لا يقال هذا أول وهذا آخر، وإنما الترتيب في فعل الأعيان، يقال: هذا جاء أولاً، وهذا جاء آخراً، وكل ما لا ترتيب فيه يلغو فيه الكلام الذي هو للترتيب. ينظر:«العناية» (4: 84).
ولو قالت: طلَّقْتُ نفسي، أو اخترتُ نفسي بتطليقةٍ بانت بواحدةٍ في الأصحّ.
[فصل في الأمر باليد]
ولو قال: أمرُك بيدِك في تطليقة، أو اختاري بتطليقة، فاختارت نفسَها يقعُ واحدة رجعيَّة. ولو قال: أمرُك بيدك، ونوى الثَّلاث، فقالت: اخترتُ نفسي بواحدة، أو بمرَّةٍ
واحدة يقعن، وإن قالت: طلَّقتُ نفسي واحدة، أو اخترتُ نفسي بتطليقة، فواحدةٌ بائنة
(ولو قالت: طلَّقْتُ نفسي، أو اخترتُ نفسي بتطليقةٍ بانت بواحدةٍ (في الأصحّ)
(1)
)، وذكر في «الهداية»: إنَّه يقعُ واحدة، ويملكُ الرَّجعة
(2)
.
وقيل: هذا غلطٌ وقعَ من الكاتب، والصَّوابُ أنَّه لا يملكُ الرَّجعة.
وقيل: فيه روايتان:
أحداهما: أنّه يقعُ واحدة رجعيَّة؛ لأنّ لفظَهما صريح.
والأُخرى: أنّها بائنة، وهذا أصحّ.
[فصل في الأمر باليد]
(ولو قال: أمرُك بيدِك في تطليقة، أو اختاري بتطليقة، فاختارت نفسَها يقعُ واحدة
(3)
رجعيَّة
(4)
.
ولو قال: أمرُك بيدك، ونوى الثَّلاث، فقالت: اخترتُ نفسي بواحدة، أو بمرَّةٍ واحدة يقعن
(5)
، وإن قالت: طلَّقتُ نفسي واحدة، أو اخترتُ نفسي بتطليقة، فواحدةٌ بائنة
(6)
.
(1)
والأنسب إبداله بقوله: هو الصواب؛ لأن ما في «الهداية» وبعض نسخ «الجامع الصغير» من أنه يملك الرجعة جزم الشارحون بأنه غلط، وما في «البحر» من انه رواية ردّه في «النهر». ينظر:«رد المحتار» (2: 480).
(2)
انتهى من «الهداية» (1: 244)، بتصرف.
(3)
زيادة من أ و ب.
(4)
لأنها تتصرف بجعل الزوج، وهو إنما جعل لها تطليقة صريحة، والصريح يعقب الرجعة. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 115).
(5)
أي ثلاثُ تطليقات؛ لأن الاختيارَ يصلحُ جواباً للامر باليد؛ لكونه تمليكاً كالتخيير، والواحدةُ صفةُ للاختيار فصارَ كأنها قالت: اخترت نفسي بمرّة واحدة، وبذلك تقع الثلاث. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 91).
(6)
لأنه لما نوى ثلاثاً فقد فوَّض إليها الثلاث، وهي أتت بالواحدة فيقعُ واحدةً كما لو قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً، فطلقت نفسها واحدةً، فتكون بائنةً؛ لأنه ملكها نفسها، ولا تملك نفسها إلا بالبائن. وتمامه في «البدائع» (3: 117).
ولو قال: أمرُكِ بيدكِ اليومَ وبعد غد، لا يدخلُ اللَّيلُ فيه، وبطلَ أمرُ اليوم إن ردَّتُه، وبقي الأمرُ بعد غد، وفي أمرِك بيدكِ اليوم وغداً دخلَ اللَّيل، ولا يبقى الأمرُ في غدٍ إن ردَّتْهُ في يومِها.
[فصل في المشيئة]
ولو قال: طلِّقي نفسَك، ولم ينو، أو نوى واحدة، فطلَّقت نفسَها يقع رجعيَّة، وإن طَلَّقَت ثلاثاً ونواهُ صحّ، ونيِّةُ الثَّنتين لا، إلاَّ إذا كانت المنكوحةُ أمة
ولو قال: أمرُكِ بيدكِ اليومَ وبعد غد، لا يدخلُ اللَّيلُ فيه، وبطلَ أمرُ اليوم إن ردَّتُه، وبقي الأمرُ بعد غد، وفي أمرِك بيدكِ اليوم وغداً دخلَ اللَّيل، ولا يبقى الأمرُ في غدٍ إن ردَّتْهُ في يومِها)
(1)
؛ لأنَّ اللَّيلَ يصيرُ تابعاً هنا، يصيرُ المجموعُ تفويضاً واحداً، فإذا ردَّتْهُ في البعضِ بطلَ المجموعُ بخلافِ الفصلِ الأَوَّل؛ لأنه يصيرُ تفويضَيْن، فإذا ردَّت أحدَهما بقي الآخر.
[فصل في المشيئة]
(ولو قال: طلِّقي نفسَك، ولم ينو، أو نوى واحدة، فطلَّقت نفسَها يقع رجعيَّة، وإن طَلَّقَت ثلاثاً ونواهُ
(2)
صحّ، ونيِّةُ الثَّنتين لا، (إلاَّ إذا كانت المنكوحةُ أمة)
(3)
)؛ لأنَّه واحدُ اعتباري في حقِّها، لأن قولَهُ طلِّقي معناه: افعلي فعلَ الطَّلاق، فالطَّلاقُ مصدر، وهو لفظُ فردٍ يحتملُ الواحدَ الاعتباري، وهو الثَّلاث، فلا يدلّ على العدد.
(1)
لأن الطلاق لا يحتمل التأقيت، أما الأمر باليد فيحتمله فيصح ضربُ المدّة له غير أن عطف زمن على زمن مماثل مفصول بينهما بزمن مماثل لهما ظاهر في قصد تقييد الأمر المذكور بالأول، وتقييد أمر آخر بالثاني، فصار عطف جملة: أي أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك بعد غد. ولو قال: أمرك بيدك اليوم لا يدخل الليل، بخلاف اليوم وغداً، فإنه لم يفصل بينهما بيوم آخر لتقوم الدلالة على القصد المذكور فكان جمعاً بحرف الجمع في التمليك الواحد. ينظر:«فتح القدير» (4: 90 - 91).
(2)
أي نوى الزوج الثلاث يقعن عليها؛ لأن قوله طلقي معناه افعلي فعل الطلاق، وهو جنس فرد يحتمل الفرد حقيقة، وهو الواحد عند عدم النية والفرد اعتبارياً وهو الثلاث، ويحمل عليه عند النية. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 99/أ).
(3)
زيادة من أ و ب و ج و ص. وذكرت في بعد: فلا يدل على العدد.
ويقعُ بأَبَنْتُ نفسي رجعيَّة، وباخترتُ نفسي لا يقع، ولا يصحُّ الرُّجوع عن طلِّقي نفسَك، ويتقيَّدُ بالمجلس، وفي: طلِّقِي ضرَّتك، وطلِّقِ امرأتي خلافهما، وفي: طلِّقي نفسَك متى شئت لا يتقيَّد، وفي: طلِّقْها إن شئت يتقيَّدُ ولا يرجع، ولو قال لها: طلِّقي نفسَك ثلاثاً، فطلَّقَتْ واحدةً فواحدة، ولا يقعُ شيءٌ في عكسِه
(ويقعُ بأَبَنْتُ نفسي رجعيَّة)؛ لأنها قالت في جوابِ طلِّقي نفسَك، فليس لها إيقاعُ البائن، بل مطلقُ الطَّلاق، ففي قولِها: أَبَنْتُ نفسي؛ بَطَلَت صفةُ الإبانة، وبقي مطلقُ الطَّلاق، وهو رجعي، (وباخترتُ نفسي لا يقع)؛ لأنه ليس من ألفاظِ الطَّلاق.
(ولا يصحُّ الرُّجوع عن طلِّقي نفسَك، ويتقيَّدُ بالمجلس، وفي: طلِّقِي ضرَّتك، وطلِّقِ امرأتي خلافهما): أي يصحُّ عنه الرُّجوع، ولا يتقيَّدُ بالمجلس؛ لأنَّ طلِّقي نفسَك ليس بتوكيل، بل هو يمين، لأنه تعليقُ الطَّلاقِ بتطليقها، واليمينُ تصرَّفٌ لازم، فلا يقبلُ الرُّجوع، ثُمَّ هو تمليك؛ لأنها تعملُ لنفسِها، فيتقيَّدُ بالمجلس، وأمَّا طلِّقي ضرَّتك، وطلَّقِ امرأتي، فتوكيل، فيقبلُ الرُّجوع، ولا يتقيَّدُ بالمجلس.
(وفي: طلِّقي نفسَك متى شئت لا يتقيَّد): أي بالمجلس، (وفي: طلِّقْها إن شئت يتقيَّدُ ولا يرجع): أي لو
(1)
قال لأحد: طلَّقْ امرأتي إن شئت يتقيَّدُ بالمجلس؛ لأنه علَّقَهُ بمشيئتِه، فصارَ تمليكاً لا توكيلاً، فيتقيَّدُ بالمجلس، ولا يرجعُ عنه كما في طلِّقي نفسَك.
(ولو قال لها
(2)
: طلِّقي نفسَك ثلاثاً، فطلَّقَتْ واحدةً فواحدة
(3)
، ولا يقعُ شيءٌ في عكسِه): أي لو
(4)
قال لها: طلِّقي نفسَك واحدة، فطلَّقَتْ ثلاثاً، لا يقعُ شيءٌ
(5)
عند أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأنَّه فوَّضَ إليها إيقاعَ الواحدة قصداً، لا في ضمنِ الثَّلاث، وعندهما تقعُ واحدة.
(1)
زيادة من أ و ب.
(2)
زيادة من أ و ب.
(3)
لأنها ملكت ايقاع الثلاث فتملك إيقاع الواحدة ضرورة؛ لأن من ملك شيئاً ملك كل جزء من أجزائه. ينظر: «التبيين» (2: 277).
(4)
زيادة من أ و ب و ف.
(5)
هذا إذا طلقت ثلاثاً دفعة، أما لو فرقت الثلاث، فإنه يقع بالأولى اتفاقاً، ثم لا يقع شيء. ينظر:«الشرنبلالية» (1: 375).
ولو أمرت بالبائن، أو الرَّجعي فعكست، يقع ما أَمر به. ولا يقع في: طلِّقي نفسَك ثلاثاً إن شئت لو طلَّقَتْ واحدة، وعكسه، ولا في: أنتِ طالقٌ إن شِئْتَ، فقالت: شِئْتُ إن شئتَ، فقال: شئتُ، وإن نوى الطَّلاق
(ولو أمرت بالبائن
(1)
، أو الرَّجعي
(2)
فعكست
(3)
، يقع ما أَمر به
(4)
.
ولا يقع في: طلِّقي نفسَك ثلاثاً إن شئت لو طلَّقَتْ واحدة، وعكسه): أي لو
(5)
قال لها: طلِّقي نفسَك واحدة إن شئت فطلَّقت ثلاثاً، لا يقع، ففي الأَوَّل لا يقع شيء؛ لأنَّ المرادَ إن شئت الثَّلاث، ولم توجدْ مشيئةُ الثَّلاث، وفي الثَّانية لا يقعُ شيءٌ عند أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأنَّ المرادَ طلِّقي نفسَك واحدةً قصديَّةً إن شئت، ولم توجدْ مشيئةُ الواحدةِ قصداً، وعندهما تقعُ واحدة.
(ولا في: أنتِ طالقٌ إن شِئْتَ، فقالت: شِئْتُ إن شئتَ، فقال: شئتُ)؛ لأنه علَّقَ الطَّلاقُ بمشيئتِها الموجودةِ في الحال، ولم يوجدْ ذلك؛ لأنها علَّقَت وجودَ مشيئتِها بوجودِ مشيئته، ولا علمَ لها بوجودِ مشيئته؛ وذلك لأنَّ قولَهُ أنتِ طالقٌ إنشاءٌ، فهو إيقاعٌ في الحال، لكن بشرطِ مشيئتِها، فمشيئتُها لا بُدَّ من وجودِها في الحال، ولم يوجدْ ذلك، (وإن نوى الطَّلاق): أي إن نوى الطَّلاقَ بقولِه: شئتُ.
قال في «الهداية» : لأنَّه ليس في كلامِ المرأةِ ذِكْرُ الطَّلاق؛ ليصيرَ الزَّوج شائياً طلاقَها، والنِّيَّةُ لا تعملُ في غيرِ المذكور حتَّى لو قال: شئتُ طلاقَك، يقع إذا نوى، لأنَّه إيقاعٌ مبتدأٌ؛ لأنَّ المشيئةَ تُنْبِئُ عن الوجود
(6)
(7)
.
(1)
أي بأن قال: طلقي نفسك بائنة واحدة.
(2)
أي بأن قال: طلقي نفسك واحدة رجعية.
(3)
أي بأن قالت طلقت نفسي واحدة رجعية في الأولى أو بائنة في الثانية.
(4)
أي الزوج، فيقع في الأولى البائن، وفي الثانية الرجعي؛ لأنها أتت بالأصل وزيادة وصف فيلغو الوصف ويبقى الأصل. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 414).
(5)
زيادة من أ و ب.
(6)
لأنها من الشيء وهو الوجود بخلاف ما لو قال: أردت طلاقك؛ لأنه لا ينبئ عن الوجود، بل هي طلب نفس الوجود عن ميل. وفيه بحث طويل في «عمدة الرعاية» (2: 96).
(7)
انتهى من «الهداية» (1: 249).
وكذا كلُّ تعليقٍ بمعدوم. ويقعُ لو عُلِّقت بموجود، وفي: أنتِ طالقٌ إذا شئت، أو إذا ما شئت، أو متى شئت، أو متى ما شئت لا يرتدُّ الأمرُ بردِّها، وتطلقُ متى شاءت واحدةً لا غير. وفي: كُلَّما شئت لها إيقاع واحدة، ثُمَّ وثُمّ لا الثَّلاث جميعاً، ولا التَّطليقُ بعد زوجٍ آخر
أقول: إذا قال الزَّوج: أنتِ طالقٌ إن شئت، فمعناه إن شئتِ طلاقك، فقالت: شِئتُ إن شئتَ: أي شئتُ طلاقي إن شِئْتَ طلاقي، فقال الزَّوج: شئتُ: أي شئتُ طلاقَك، فلمَّا كان الطَّلاقُ مقدَّراً تعملُ النِيَّةُ فيه، فيمكنُ أن يجابَ عنه، بأن المقدَّرَ الطَّلاقُ الذي هو مفعولُ المشيئة، وإذا قال الزَّوج: شئتُ قُدِّرَ له مفعول، وهو الطَّلاق، فهذا هو الطَّلاقُ الذي جُعِلَ مفعولاً للمشيئة، لا الطَّلاقُ الذي جُعِلَ جزاءً للمشيئة، وتقديرُ ذلك الطَّلاقُ لا يوجبُ الوقوع؛ لأنَّهُ عُلِّقَ الطَّلاقُ بمشيئتِها، الطَّلاقَ مشيئةً موجودة، ولم توجدْ تلك المشيئة، بل علَّقَتْ المرأةُ وجودَها بوجودِ مشيئتِه، وهو غيرُ معلومٍ لها، أمَّا إذا قال: شئتُ الطَّلاق، ونُوي يقع؛ لأنَّ هذا إنشاءُ مبتدأ، وإنِّما احتاجَ إلى النِيَّة؛ لأنَّه يمكنُ أن يرادَ بالطَّلاق ما هو مفعولُ المشيئة، فإن نوى هذا لا يقع، وإن نوى طلاقاً ابتدائياً يقع، فلا بُدَّ من النِيَّة.
(وكذا كلُّ تعليقٍ بمعدوم
(1)
.
ويقعُ لو عُلِّقت بموجود)، كما لو قالت: شئتُ إن كانت السَّماء فوقَ الأرض.
(وفي: أنتِ طالقٌ إذا شئت، أو إذا ما شئت، أو متى شئت، أو متى ما شئت لا يرتدُّ الأمرُ بردِّها)؛ لأنَّه ملَّكَها الطَّلاقَ في الوقتِ الذي شاءَت، فلم يكن تمليكاً قبل المشيئةِ حتَّى يرتدَّ بالرَّدّ
(2)
، (وتطلقُ متى شاءت واحدةً لا غير
(3)
.
وفي: كُلَّما شئت لها إيقاع واحدة، ثُمَّ وثُمّ)
(4)
؛ لأنَّ كلمة: كلَّما؛ تعمُّ الأفعالَ كما تَعُمُّ الأزمان، (لا الثَّلاث جميعاً، ولا التَّطليقُ بعد زوجٍ آخر)؛ فقولُهُ: ولا
(1)
أي لم يوجد بعد: كإن شاء أبي، أو إن جاء الليل، وهي في النهار. ينظر:«الدر المختار» (2: 489).
(2)
أي فإنه لما لم يملكها في الحال شيئاً بل أضافه إلى وقت مشئتها فلا يكون تمليكاً قبله فلا يرتد بالرد.
(3)
لأنها تعمّ الأزمان دون الأفعال فتملك التطليق في كل زمان، ولا تملك تطليقاً بعد تطليق. ينظر:«الهداية» (1: 249).
(4)
أي فلها أن تطلق نفسها واحدة بعد واحدة حتى تطلق نفسها ثلاثاً.
وفي: حيث شِئْت، وأين شِئْت، يَتقيَّدُ بالمجلس. وفي: كيف شِئْت تقعُ رجعيَّة، وإن لم تشأ، فإن شاءَتْ كالزَّوج بائنة، أو ثلاثاً وقع، وإن نَوَت ثلاثاً، والزَّوجُ واحدةً بائنة، أو بالقلبِ فرجعيَّة، وإن لم ينوِ شيئاً فما شاءت. وفي: كم شِئْت، أو ما شِئْت، طَلَقَتْ ما شاءت في مجلِسِها لا بعده، وإن رَدَّتْ ارتدّ. وفي: طلِّقي نفسَك من ثلاث ما شئت، لها أن تطلِّقَ ما دونها لا ثلاثاً
التَّطليقُ بالرَّفع عطفٌ على الايقاعِ المضافِ إلى الثَّلاث، تقديرُه: ليس لها ايقاعُ الثَّلاث جميعاً، ولا التَّطليق.
(وفي: حيث شِئْت، وأين شِئْت، يَتقيَّدُ بالمجلس
(1)
.
وفي: كيف شِئْت تقعُ رجعيَّة، وإن لم تشأ، فإن شاءَتْ كالزَّوج بائنة، أو ثلاثاً وقع، وإن نَوَت ثلاثاً، والزَّوجُ واحدةً بائنة، أو بالقلبِ فرجعيَّة، وإن لم ينوِ شيئاً فما شاءت)، هذا قولُ أبي حنيفة رضي الله عنه، وحاصلُهُ أن الكيفيةَ مفوَّضةٌ إليها، لا أصلَ الطَّلاق، فتقعُ رجعيَّةً إن لم تشأ المرأة، أمَّا إن شاءت، فإن وافقَ مشيئتُهُ مشيئتَها في البائن، أو الثَّلاث وقعَ ما اتَّفقا عليه، وإن خالفها تقعُ رجعيَّة؛ لأنَّه لا بُدَّ من اعتبار مشيئتِها؛ لأنَّ الزَّوجَ فوَّضَ إليها، ولا بُدَّ أيضاً من اعتبارِ مشيئتِه؛ لأنَّ مشيئتَها مستفادةٌ من الزَّوج؛ فإذا تعارضا تساقطا، فبقي الأصل، أي الواحدةُ الرَّجعيَّة، وإن لم توجدْ مشيئةُ الزَّوجِ تعتبرُ مشيئةُ المرأةِ في الكيفيَّة، وأمَّا عندهما فكما أن الكيفيةَ مفوَّضةٌ إليها، فأصلُ الطَّلاقِ مفوَّضٌ إليها أيضاً.
(وفي: كم شِئْت، أو ما شِئْت، طَلَقَتْ ما شاءت
(2)
في مجلِسِها لا بعده، وإن رَدَّتْ ارتدّ.
وفي: طلِّقي نفسَك من ثلاث ما شئت، لها أن تطلِّقَ ما دونها لا ثلاثاً)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ لأنَّ من للتَّبعيض، وعندهما: لها أن تطلِّقَ نفسَها ثلاثاً، فتكون من للبيان.
قلنا: الكلُّ محتمل، والبعضُ متيقِّن، فيحملُ عليه.
(1)
حتى لو قامت من مجلسها فلا مشيئة لها؛ لأنهما اسمان للمكان والطلاق لا تعلق له بالمكان فيلغو، ويجعل مجازاً عن إن الشرطية بخلاف متى وإذا. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 415).
(2)
أي واحدة وأكثر؛ لأن كم اسم العدد وما عام فتناول الكل. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 416).
باب الحلف بالطلاق
شرطُ صحَّتِه الملك، أو الإضافة إليه، فلا تطلقُ أجنبيةٌ قال لها: إن كلمتُكِ فأنت كذا، فنكحَها فكلَّمَها. وتطلقُ بعد الشَّرط إن قال لزوجتِه فكلَّمها، أو قال لأجنبية: إن نكحتُك فأنت كذا فنكحَها، وألفاظُ الشَّرط: إن، وإذا، واذاما، وكلّ، وكلَّما، ومتى، ومتى ما، ففيها تنحلُّ اليمينُ إذا وجدَ الشَّرطُ مرَّةً إلاَّ في: كلَّما؛ فإنَّها تنحلُّ بعد الثَّلاث، فلا
باب الحلف بالطلاق
(شرطُ صحَّتِه الملك، أو الإضافة إليه
(1)
، فلا تطلقُ أجنبيةٌ قال لها: إن كلمتُكِ فأنت كذا، فنكحَها فكلَّمَها.
وتطلقُ بعد الشَّرط
(2)
إن قال لزوجتِه فكلَّمها)؛ لوجودِ الملكِ وقت التَّعليق، (أو قال لأجنبية: إن نكحتُك فأنت كذا فنكحَها)؛ لوجودِ الإضافةِ إلى الملك، وعند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه لا يقع. والمرادُ بالإضافةِ إلى الملك: تعليقُ الطَّلاق بالملك.
(وألفاظُ الشَّرط: إن، وإذا، واذاما، وكلّ)
(4)
، نحو: كلُّ امرأةٍ لي تدخلُ الدَّارَ فهي طالق، (وكلَّما، ومتى، ومتى ما، ففيها تنحلُّ اليمينُ إذا وجدَ الشَّرطُ مرَّةً إلاَّ في: كلَّما؛ فإنَّها تنحلُّ بعد الثَّلاث)، المرادُ بانحلالِ اليمينِ: بطلانُ اليمينِ ببطلانِ التَّعليق، (فلا
(1)
أي مضافاً إلى الملك بأن يعلق على نفس الملك نحو: إن ملكت طلاقك فأنت طالق أو على مسببه. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 417).
(2)
أي ينفذ الطلاق إن كان شرط الحلف متحقِّقاً بأن كانت زوجته فكلَّمها كما مثَّل، أو أضافه إلى الملك بأن قال لأجنبية: إن نكحتك فأنت طالق فنكحها. ينظر: «درر الحكام» (1: 277).
(3)
ينظر: «أسنى المطالب» (3: 285)، و «حاشيتا قليوبي وعميرة» (3: 336)، و «نهاية المحتاج» (6: 451)، وغيرها.
(4)
كلمة كل ليست بشرط؛ لأنها يليها الاسم، والشرط ما يليه الفعل؛ لأنه يتعلق به الجزاء، وهو فعل، إلا أنه لتعلق الفعل بالاسم الذي يليها ألحق بالشرط مثل قوله: كل عبد اشتريته فهو حرّ. ينظر: «الاختيار» (3: 181).
يقعُ إن نكحَها بعد زوجٍ آخر، إلاَّ إذا أُدْخِلَتْ على التَّزوج، نحو: كلَّما تزوجتُك فأنت كذا، يحنث بكلِّ مرَّةٍ ولو بعد زوجٍ آخر، وزوالُ الملكِ لا يُبطلُ اليمين، وتنحلُّ بعد الشَّرطِ مطلقاً، وشُرِطَ للطّلاق الملكُ، وإن اختلفا في وجودِ الشَّرط فالقولُ له إلاَّ مع حجَّتِها، وفي شرطً لا يعلمُ إلاَّ منها صُدِّقَت في حقِّها خاصّة، ففي: إن حِضْتِ فأنت طالق، وفلانة، وإن كنت تحبينَ عذابَ الله، فأنت كذا، وعبدُهُ حرّ، لو قالت: حضت وأحبُّه طُلِّقَتْ هي فقط
يقعُ إن نكحَها بعد زوجٍ آخر
(1)
، إلاَّ إذا أُدْخِلَتْ على التَّزوج، نحو: كلَّما تزوجتُك فأنت كذا، (يحنث بكلِّ مرَّةٍ ولو بعد زوجٍ آخر)
(2)
)، فإنَّه كلَّما تزوَّجها، تطلق، وإن كانت بعد زوجٍ آخر.
(وزوالُ الملكِ لا يُبطلُ اليمين، وتنحلُّ بعد الشَّرطِ مطلقاً، وشُرِطَ للطّلاق الملكُ)
(3)
، فقولُهُ: مطلقاً: أي سواءٌ وُجِدَ الشَّرطُ في الملك، أو غيرِ الملك، فإن وجدَ في الملك، تنحلُّ إلى جزاء: أي يبطلُ اليمينُ ويترتّبُ عليه الجزاء، وإن وجدَ لا في الملك، تنحلُّ لا إلى جزاء: أي يبطلُ اليمين، ولا يترتّبُ عليه الجزاء؛ لإنعدامِ المحليَّة، فإن قال: إن دخلْتِ الدَّارَ فأنتِ طالقٌ ثلاثاً، فأرادَ أن تدخلَ الدَّار من غير أن يقعَ الثَّلاث، فحيلَتُهُ أن يطلِّقَها واحدة، وتنقضى العدَّة، فتدخلُ الدَّارَ حتَّى يبطلَ اليمين، ولا يقعُ الثَّلاث، ثُمَّ يتزوَّجُها، فإن دخلَتِ الدَّار لا يقعُ شيءٌ لبطلانِ اليمين.
(وإن اختلفا في وجودِ الشَّرط فالقولُ له إلاَّ مع حجَّتِها
(4)
، وفي شرطً لا يعلمُ إلاَّ منها صُدِّقَت في حقِّها خاصّة، ففي: إن حِضْتِ فأنت طالق، وفلانة، وإن كنت تحبينَ عذابَ الله، فأنت كذا، وعبدُهُ حرّ، لو قالت: حضت وأحبُّه طُلِّقَتْ هي فقط،
(1)
لأن باستيفاء الطلقات الثلاث المملوكات في هذا النكاح لم يبق الجزاء وبقاء اليمين به وبالشرط. ينظر: «الهداية» (1: 251).
(2)
زيادة من ت و ج و ق و ف.
(3)
أي فإن زال الملك ولم يقع الشرط لا يبطل اليمين، وبطلان اليمين يكون بوقوع الشرط سواء بوجود الملك أو زواله، ولكن يشترط لوقوع الطلاق اليمين.
(4)
أي إن اختلف الزوجان في وجود الشرط بأن قال الزوج: ما دخلت الدار، وقالت المرأة: بل دخلتها، فالقول للزوج؛ لأنه متمسك بالأصل فكان الظاهر شاهد له، ولأنه ينكر وقوع الطلاق وهي تدعيه، إلا إذا أقامت البينة على دعواها. ينظر:«رمز الحقائق» (1: 189).
وفي: إن حضت يُحكمُ بالجزاءِ بعد رؤية الدَّم ثلاثةَ أيَّام من أوَّلِه. وفي: إن حضتِ حيضةً، لا يقعُ حتَّى تطهر. وفي: إن صُمْتِ يوماً فأنت طالقٌ، تطلقُ حين غربَت من يومِ صامَت، بخلاف: إن صُمْت، فإنَّه يقعُ على صومِ ساعة. ولو عَلَّقَ طلقة بولادةِ ذكر وطلقتين بأُنْثى فولدَتْهُما، ولم يُدْرَ الأوَّلُ طُلِّقَتْ واحدةً قضاءً وثنتينِ تَنَزُّهاً، وانقضَت العدَّةُ بوضعِ الحمل، ولو علَّقَ الطَّلاقَ بشيئينِ يقعُ إن وجدَ الثَّاني في الملك، وإلاَّ فلا
وفي: إن حضت يُحكمُ بالجزاءِ بعد رؤية
(1)
الدَّم ثلاثةَ أيَّام من أوَّلِه): أي إن قال: إن حضت فأنت كذا، فبعدما رأتِ الدَّمَ ثلاثةَ أيَّام يُحكمُ بالجزاءِ من أوَّلِ الدَّم؛ لأنه تَبَيَّنَ برؤيةِ الدَّم ثلاثةَ أيَّام أنَّه حيض، فيُحكمُ بعد الثَّلاثةِ بوقوعِ الجزاءِ في أوَّلِها.
(وفي: إن حضتِ حيضةً، لا يقعُ حتَّى تطهر)؛ فإنَّ الحيضةَ هي الكاملة.
(وفي: إن صُمْتِ يوماً فأنت طالقٌ، تطلقُ حين غربَت من يومِ صامَت، بخلاف: إن صُمْت، فإنَّه يقعُ على صومِ ساعة.
ولو عَلَّقَ طلقة بولادةِ ذكر وطلقتين بأُنْثى فولدَتْهُما، ولم يُدْرَ الأوَّلُ طُلِّقَتْ واحدةً قضاءً وثنتينِ تَنَزُّهاً): أي ديانة: يعني فيما بينَهُ وبينَ الله تعالى، (وانقضَت العدَّةُ بوضعِ الحمل): أي بالوضعِ الثَّاني، وإنِّما لا يقعُ به
(2)
طلاقٌ آخر؛ لأن العدَّةَ تنقضي بالوضع، قال الله تعالى:{وَأُوْلَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(3)
، ثُمَّ الوضعُ شرطٌ لوقوعِ الطَّلاق، فهو مؤخَّرٌ عن الوضع، فتنقضي العدِّةُ بالوضع، فلا يقعُ بعده طلاق.
(ولو علَّقَ الطَّلاقَ بشيئينِ يقعُ إن وجدَ الثَّاني في الملك، وإلاَّ فلا) فقولُهُ: إن وجدَ الثَّاني في الملك: يشملُ ما إذا وجدا في الملك، أو وجد الثَّاني فقط في الملك، وقولُهُ: وإلاَّ فلا: يشملُ ما إذا لم يوجدْ شيءٌ منهما في الملك، أو وُجِدَ الأوَّلُ في الملكِ دون الثَّاني
(4)
.
(1)
زيادة أ و ب و س و ف و م.
(2)
أي بعد الوضع الثاني سواء كان ذكراً، أو أنثى.
(3)
من سورة الطلاق، الآية (4).
(4)
مثال هذه المسألة: إن قال لها زوجها: إن دخلت بيت أبي محمد وبيت أبي يوسف فأنت طالق ثلاثاً، ثم طلقها واحدة فبانت، وانقضت عدتها، فدخلت بيت أبي محمد ثم تزوجها، فدخلت بيت أبي يوسف فهي طالق ثلاثاً مع الواحدة الأولى.
والتَّنجيزُ يُبْطلُ التَّعليق، فلو علَّقَ الثَّلاثَ بشرط، ثُمَّ نَجَّزَ الثَّلاث، ثُمَّ عادَت إليه بعد التَّحليل، ثُمَّ وُجِدَ الشَّرطُ لا يقعُ شيء. ومَن عَلَّق الثَّلاثَ بوطءِ زوجتِهِ فأولج، ولبثَ فلا عُقرَ عليه، وكذا لو علَّقَ عتقَ أمتِهِ بوطئِها، ولم يصرْ مراجعاً به في الرَّجعي، فلو نَزَع، ثُمَّ أولجَ يجبُ العُقر، وكان رجعة.
[فصل في الاستثناء]
ولو قال: أنتِ طالقٌ إن شاءَ اللهُ تعالى متصلاً، أو ماتت قبل قولِهِ: إن شاء الله
(والتَّنجيزُ
(1)
يُبْطلُ التَّعليق، فلو علَّقَ الثَّلاثَ بشرط، ثُمَّ نَجَّزَ الثَّلاث، ثُمَّ عادَت إليه بعد التَّحليل
(2)
، ثُمَّ وُجِدَ الشَّرطُ لا يقعُ شيء.
ومَن عَلَّق الثَّلاثَ بوطءِ زوجتِهِ فأولج): أي أدخلَ حشفتَهُ حتى التقى الختانان، (ولبثَ فلا عُقرَ
(3)
عليه)
(4)
: العُقرُ: مهرٌ المثل، وقيل: هو مقدارُ أجرةُ الوطء لو كان الزِّنا حلالاً، (وكذا لو علَّقَ عتقَ أمتِهِ بوطئِها، ولم يصرْ مراجعاً به في الرَّجعي
(5)
، فلو نَزَع، ثُمَّ أولجَ يجبُ العُقر، وكان رجعة.
[فصل في الاستثناء]
ولو قال: أنتِ طالقٌ إن شاءَ اللهُ تعالى متصلاً
(6)
، أو ماتت قبل قولِهِ: إن شاء الله
(1)
التنجيز: هو مقابل التعليق بمعنى إيقاع الطلاق حالاً، وتفصيله: إن تنجيز الثلاث للحرة والثنتين في الأمة يبطل تعليقه بالثلاث فما دونها، وبالجملة التعليق يبطل بزوال الحل بوقوع الثلاث لحدوث ملك جديد بعده، فلا يقع فيه المعلق وتنجيز ما دون الثلاث لا يبطل تعليقه. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 103).
(2)
أي عادت إلى الزوج الأول بعد أن نكحها زوج آخر وانقضت عدتها منه.
(3)
عُقر: صداق المرأة إذا وطئت بشبهة. ينظر: «المغرب» (ص 323).
(4)
أي بعد الإيلاج ولم يخرجه بعد وقوع الطلقات الثلاث لا عقر عليه في ظاهر الرواية. ينظر: «مواهب الرحمن» (ق 143/ب).
(5)
أي ولم يصر باللبث مراجعاً في الطلاق الرجعي؛ لأن الجماعَ إدخال الفرج في الفرج ولم يوجد ذلك بعد الطلاق والعتق؛ لأن الإدخال لا دوام له حتى يكون لدوامه حكم الابتداء؛ ولهذا لو حلف لا يُدْخِلُ دابته الإصطبل، وهي فيه لا يحنث بإمساكها فيه. ينظر:«الغرر» مع «الدرر» (1: 379).
(6)
قيد بمتصلٍ؛ لأنه لو سكت ثبت حكم الصدر ولا يبطل بإن شاء الله، وهذا إذا سكت من غير ضرورة، أما إذا سكت للتنفس أو العطاس أو نحوهما فهو لا يمنع الاتصال. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 117).
تعالى لم يقع، ولو مات هو يقع، وفي أنتِ طالقٌ ثلاثاً إلاَّ ثنتين يقعُ واحدة، وفي إلاَّ واحدةً ثنتان.
باب طلاق المريض
المريضُ الذي يصيرُ فاراً بالطَّلاق، ولا يصحُّ تبرُّعُه إلاَّ من الثُّلُث: مَن كان غالبُ حالهِ الهلاكَ بمرضٍ، أو غيرِه، فمَن أضناهُ مرض، وعَجَزَ عن إقامةِ مصالحِهِ خارجَ البيت، وقَدَرَ فيه، ومن بارزَ رجلاً، أو قُدِّمَ ليُقْتَلَ في قصاص، أو رجمٍ مريضٌ، فلو أبانَ زوجتَه، وهو كذلك، وماتَ بذلك السَّبب أو بغيرِه ترث
تعالى لم يقع، ولو مات هو يقع): أي لو قال: أنتِ طالق، فأخذَ في التَّكلُّم بإن شاءَ الله تعالى، فمات قبل تمامِه.
(وفي أنتِ طالقٌ ثلاثاً إلاَّ ثنتين يقعُ واحدة، وفي إلاَّ واحدةً ثنتان)
(1)
.
باب طلاق المريض
(المريضُ الذي يصيرُ فاراً بالطَّلاق، ولا يصحُّ تبرُّعُه إلاَّ من الثُّلُث: مَن كان
(2)
غالبُ حالهِ الهلاكَ بمرضٍ، أو غيرِه، فمَن أضناهُ مرض، وعَجَزَ عن إقامةِ مصالحِهِ خارجَ البيت، وقَدَرَ فيه): أي إقامةِ مصالحِهِ في البيت
(3)
، (ومن بارزَ رجلاً، أو قُدِّمَ ليُقْتَلَ في قصاص، أو رجمٍ مريضٌ): أي على النَّحو الذي مرّ
(4)
.
(فلو أبانَ زوجتَه، وهو كذلك، وماتَ بذلك السَّبب أو بغيرِه
(5)
ترث)، خلافاً
(1)
وفي قوله: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً يقع الثلاث؛ لأن الاستثناء المستغرق باطل؛ لأنه إنكار بعد الإقرار، بخلاف استثناء البعض من الجملة، استثنى الأقل أو الأكثر. وتمامه في «رمز الحقائق» (1: 192).
(2)
زيادة من ب و س.
(3)
وقيَّده في «الهداية» (2: 4): بأن يكون صاحب فراش، وهو أن يكون بحال لا يقوم بحوائجه كما يعتاده الأصحاء، وصححه في «فتح القدير» (ص 152)، ووفَّق بين كلام صاحب «الهداية» والمصنف ابنُ عابدين في «رد المحتار» (2: 520) بقوله: وقد يوفق بين القولين بأنه إن علم أن به مرضاً مهلكاً غالباً وهو يزداد إلى الموت فهو المعتبر، وإن لم يعلم أنه مهلك يعتبر العجز عن الخروج للمصالح هذا ما ظهر لي. انتهى.
(4)
وهو أن الغالب على حاله الهلاك.
(5)
كأن يقتل المريض، أو يموت بجهة أخرى في العدة للمدخولة. ينظر:«الدر المختار» (ص 522).
وكذا طالبةُ رجعيَّةٍ طُلِّقَت ثلاثاً، ومبائنةٌ قبَّلَت ابنَ زوجِها، وهي في العدَّة، ومَن لاعنَها في مرضِه، أو آلى منها مريضاً كذلك، ومَن قامَ بها خارجَ البيتِ مشتكياً، أو حُمّ، ومَن هو محصور، أو في صفِ القتال، أو حَبْسٍ بقصاص، أو رجمٍ صحيح إن طُلِّقَت، وهو كذلك لا ترث.
للشَّافِعِيّ
(1)
رضي الله عنه، واعلم أن الخلافَ فيما إذا طلَّقها ثلاثاً؛ لأنَّه إن طلَّقَها صريحاً
(2)
ترثُ اتِّفاقاً، وكذا إن طلَّقَها بالكنايات، أمَّا عندنا فلأنَّ امرأةَ الفار ترث، وأمَّا عنده
(3)
فلأن الكنايات رواجع، وإن خالعَها لا ترثُ اتِّفاقاً؛ لأنَّها رضيتْ بالفرقة، فبقي الثَّلاث، فهو محلُّ النِّزاع.
(وكذا طالبةُ رجعيَّةٍ طُلِّقَت ثلاثاً): أي طلبَت من المريضِ رجعيَّةً فطلَّقَها ثلاثاً ترثُ عندنا، (ومبائنةٌ قبَّلَت ابنَ زوجِها، وهي في العدَّة)؛ لأنَّه وقعَتِ البينونةُ بإبانتِه لا بتقبيلِها ابنَ الزَّوج، (ومَن لاعنَها في مرضِه): أي قذفَها في مرضِه فتلاعنا، فوقعَتِ الفرقةُ باللِّعان ترث، فإن هذا ملحقٌ بتعليقِ الطَّلاقِ بفعلِ لا بُدَّ للمرأةِ منه إذ لا بُدَّ لها من الخصومة؛ لدفع العارِ عن نفسِها، (أو آلى
(4)
منها مريضاً كذلك): أي حلفَ في مرضِ موتِه أن لا يقربها أربعةَ أشهر، فلم يقربْها حتَّى مضَت المدَّة، ووقعَتِ البينونة، ثُمَّ مات ترث.
(ومَن قامَ بها
(5)
خارجَ البيتِ مشتكياً، أو حُمّ، ومَن هو محصور
(6)
، أو في صفِ القتال، أو حَبْسٍ بقصاص، أو رجمٍ صحيح إن طُلِّقَت): أي طلاقاً بائناً، (وهو كذلك لا ترث.
(1)
ينظر: «الأم» (5: 273)، «التنبيه» (ص 116)، وغيرهما.
(2)
أي واحدة أو اثنتين.
(3)
أي عند الشافعي رضي الله عنه، ورأيت في كتب الشافعية أنه لم يفرِّقوا بين الطلاق الصريح والكناية إلا في حاجة الكناية إلى النية والله أعلم. ينظر:«نهاية المحتاج» (6: 426)، و «مغني المحتاج» (3: 284)، و «حاشيتا قليوبي وعميرة» (3: 325)، وغيرها.
(4)
آلى: أي إذا قال: والله لا أقربك، أو لا أقربك أربعة أشهر فهو مولٍ، فإن قربها في الأربعة حنث وعليه الكفارة، وبطل الإيلاء، وإن لم يقربها ومضت الأربعة، بانت بتطليقة. ينظر:«المختار» (3: 195 - 197).
(5)
أي من كان يقدر على القيام بمصالحه خارج البيت لكنه مشتك من ألم. ينظر: «الملتقى» (ص 63).
(6)
أي مسجون في حصن. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 429).
وكذا المختلعة، ومخيّرةٌ اختارَت نفسَها، ومَن طُلِّقَت ثلاثاً بأمرها، أو لا بأمرها، ثُمَّ صحّ، ولو تصادقَ الزَّوجان على ثلاثٍ في حال الصِّحَّة، ومُضِيِّ العدَّةِ، ثُمَّ أقرَّ لها بدين، أو أوصى بشيء، فلها الأقلُّ منه، ومن الإرث
وكذا المختلعة، ومخيّرةٌ اختارَت نفسَها
(3)
، ومَن طُلِّقَت ثلاثاً بأمرها، أو لا بأمرها
(4)
، ثُمَّ صحّ): أي صحَّ من مرضِه، ثُمَّ مات لا ترث.
(ولو تصادقَ
(5)
الزَّوجان على ثلاثٍ في حال الصِّحَّة، ومُضِيِّ العدَّةِ
(6)
): أي تصادقا في مرضِه على وقوعِ الطَّلاق
(7)
الثَّلاث في حال الصِحَّة، ومضى العدَّة، (ثُمَّ أقرَّ لها بدين، أو أوصى بشيء، فلها الأقلُّ منه، ومن الإرث): أي إن كان المقرُّ به، أو الموصى به، أقلُّ من الإرث، فلها ذلك، وإن كان الإرثُ أقلّ، فلها الإرث
(8)
.
واعلم أن حرفَ: من؛ في قوله: فلها الأقلُّ منه ومن الإرث؛ ليست صلةً لأفعلَ التَّفضيل إذ لو كان، يجبُ أن يكونَ الواجبُ أقلَّ من كلِّ واحدٍ منهما، وليس كذلك، بل حرفُ من للبيان، وأفعل التفضيل استعملَ باللام، فيجبُ أن يقال: أو من الإرث؛ لأنه لمَّا قال: الأقلُّ؛ بَيَّنَ الأقلَّ بأحدِهما، وصلةُ الأقلِّ محذوف، وهو من الآخر: أي فلها
(9)
أحدُهما الذي هو أقلُّ من الآخر، فيكون
(10)
الواو بمعنى: أو، أو يكون الواو
(3)
وهي التي قال لها زوجها: اختاري، فاختارت نفسها.
(4)
يعني لو طلقها ثلاثاً بغير أمرها وهو مريض. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 100/ب).
(5)
أي لو قال الزوج لها في مرض موته: كنت طلقتك وأنا صحيح فانقضت عدتك فصدقته.
(6)
قيد بـ: ومضى العدَّة؛ ليظهر خلاف الصاحبين حيث قالا بجواز إقراره ووصيته؛ لانتفاء التهمة بانتفاء العدة. ينظر: «التبيين» (2: 248).
(7)
زيادة من ب و س.
(8)
وذلك للتهمة في مواضعة الزوجين على الإقرار بالفرقة وانقضاء العدة؛ ليعطيها الزوج زيادة على ميراثها، فبهذه التهمة رددناها. ينظر:«رد المحتار» (2: 526).
(9)
في م: فله.
(10)
تفريع على ما فهم سابقاً أنه كان على المصنف أن يأتي بأو، فإن المقام مقتض له لا للواو، والغرض منه إصلاح كلامه على طبق مرامه بطريقين أحدهما: أن تكون الواو في قوله: ومن الإرث بمعنى أو، فكثيراً ما تجيء الواو بمعنى أو، وحينئذٍ يتضح المقصود ولا يخل فيه إيراد الواو، وثانيهما: أن تكون الواو للجمع لكن باختلاف الزمان حتى لا يلزم كون كل واحد أقل من الآخر في زمان واحد لاستحالته، فإن أقليَّة أحدهما مستلزمة لاكثرية الآخر بل يكون المقصود كون الإرث اقل من المقر به أو الموصى به تارّة، وكون أحدهما أقل من الإرث تارة. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 108).
كمَنطُلِّقَتْ ثلاثاً بأمرِها في مرضِه، ثُمَّ أقرَّ أو أوصى، ولو علَّقَ الثَّلاثَ بشرط، ووجدَ في مرضِهِ: إن علَّقَه بمجيءِ وقتٍ كرجب، أو فعلِ أجنبيّ ترثُ، إلاَّ إذا كان عَلَّقَ في صحَّتِه. وإن علَّقَ بفعلِ نفسِهِ ترث، سواءٌ كان التَّعليق في مرضِهِ أو لا، والفعلُ ممَّا
(1)
له منه بدٌّ كالكلامِ مع الأجنبيّ، أو لا بدَّ له منه، كأكلِ الطَّعام، وصلاةِ الظُّهر، وكلامِ الأبوين. وإن علَّقَ بفعلِها: فإن كانا في مرضِه، والفعلُ لها منه بدٌّ لا ترث، وإن لم يكنْ لها منه بدٌّ ترثُ. وإن كان في صحَّتِه لا ترثُ إلاَّ فيما لا بُدَّ لها منه عند أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم، خلافاً لمحمَّد وزُفَر رضي الله عنهم
على معناها، لكن لا يرادُ بها المجموع، بل يرادُ الأقلُّ الذي هو الإرثُ تارّة، والموصى به أُخْرى، فيكون الواوُ للجمع، وهو أنّ الأقليَّةَ ثابتة، لكن بحسب زمانين.
(كمَنطُلِّقَتْ ثلاثاً بأمرِها في مرضِه، ثُمَّ أقرَّ أو أوصى)؛ فإنَّ لها الأقلَّ من ذلك، ومن الإرث في قولِهم جميعاً.
(ولو علَّقَ الثَّلاثَ بشرط، ووجدَ في مرضِهِ:
إن علَّقَه بمجيءِ وقتٍ كرجب، أو فعلِ أجنبيّ ترثُ، إلاَّ إذا كان عَلَّقَ في صحَّتِه.
وإن علَّقَ بفعلِ نفسِهِ ترث، سواءٌ كان التَّعليق في مرضِهِ أو لا، والفعلُ ممَّا
(2)
له منه بدٌّ كالكلامِ مع الأجنبيّ، أو لا بدَّ له منه، كأكلِ الطَّعام، وصلاةِ الظُّهر، وكلامِ الأبوين.
وإن علَّقَ بفعلِها:
فإن كانا): أي التَّعليقُ والشَّرط (في مرضِه، والفعلُ لها منه بدٌّ لا ترث، وإن لم يكنْ لها منه بدٌّ ترثُ.
ب. وإن كان): أي التَّعليق (في صحَّتِه
(3)
لا ترثُ إلاَّ فيما لا بُدَّ لها منه عند أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم، خلافاً لمحمَّد وزُفَر رضي الله عنهم): فإنَّها لا ترثُ عندهما؛ لأنَّه لم يوجدْ من الزَّوجِ صنعٌ بعدما تعلَّقَ حقُّها بمالِه، هذا عبارةُ «الهداية»
(4)
، ومعناها: إنَّ
(1)
زيادة من ب.
(2)
زيادة من ب.
(3)
أي ووقوع الشرط في مرضه.
(4)
الهداية» (2: 5).
وفي الرَّجعيِّ ترثُ في الأحوال أجمع. وخُصَّ إرثُها بموتِه في عدَّتِها.
باب الرجعة
هي في العدَّةِ لا بعدها لمَن طُلِّقَتْ دون ثلاثٍ، وإن أَبَتْ بنحو: راجعتُك، وبوطئِها، ومسِّها بشهوة ونظره
امرأةَ الفارِّ إنِّما ترثُ إن وُجِدَ من الزَّوج في مرضِ موتِهِ صنعٌ في إبطالِ حقِّها بعدما تعلَّق حقُّها بمالِه بسببِ المرض، ولم يوجدْ ذلك الصُّنع؛ لأنَّ التَّعليقَ كان في صحَّتِه، بل المرأةُ أبطلت حقَّها بإتيانِها بذلك الفعل.
فجوابُها
(1)
: أنّ الفعلَ لا بُدَّ لها منه، فهي مضطَّرةٌ إلى الإتيانِ به، فصار فعلُها مضافاً إلى الزَّوج كما في الإكراه.
(وفي الرَّجعيِّ ترثُ في الأحوال أجمع
(2)
.
وخُصَّ إرثُها بموتِه في عدَّتِها): أمَّا إذا انقضَتْ عدَّتُها، ثُمَّ مات لا ترثُ إجماعاً.
وعبارة «المختصر» هكذا: وإن علَّقَ بينونتَها بشرط، ووجدَ في مرضِه ترثُ إن علَّقَ بفعلِه أو بفعلِها ولا بُدَّ لها منه، أو بغيرِهما
(3)
وقد علَّقَ في المرض
(4)
.
فالحاصلُ أن التَّعليقَ إن كان بفعلِه ترثُ مطلقاً، وإن كان بفعلِها ولا بُدَّ لها منه فكذلك، إلاَّ أنَّه إن كان التَّعليقُ في الصِّحَّة ففيه خلافُ محمَّدٍ وزُفَر رضي الله عنهم، وإن كان لها منه بُدٌّ لا ترث، وإن علَّقَ بغيرِ فعلِهما، فإن كان التَّعليقُ في المرضِ ترثُ وإلاَّ فلا.
باب الرجعة
(هي في العدَّةِ لا بعدها لمَن طُلِّقَتْ دون ثلاثٍ): أي في الحرَّة، أمَّا في الأمةِ فلا رجعةَ إلاَّ في الواحدة، (وإن أَبَتْ بنحو: راجعتُك، وبوطئِها، ومسِّها بشهوة، ونظرِه
(5)
(1)
أي جواب أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم.
(2)
أي سواء كان في المرض، أو في الصحة، أو أحدهما في الصحة والآخر في المرض بفعلها أو بفعله أو بفعل أجنبي، وسواء كان الفعل ممَّا له منه بد أو لم يكن. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 104/ب).
(3)
أي إذا علق بينونتها بغير فعل الزوج والزوجة بل بفعل أجنبي أو بمجيء الوقت وقد وقع التعليق والشرط كلاهما في المرض ترث. ينظر: «حواشي النقاية» (ص 92).
(4)
انتهى من «النقاية» (ص 92).
(5)
في ب و ج و م: وبنظره.
إلى فرجِها بشهوة، ونُدِبَ إشهادُهُ على الرَّجعة وإعلامُها بها، وأن لا يدخلَ عليها حتَّى يستأذنَها إن لم يقصدْ رجعتَها. ولو ادَّعى بعد العدَّة الرَّجعة فيها وصدّقَتْه، فهو رجعة، وإن كذّبَتْهُ فلا، ولا يمينَ عليها عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وإن قال: راجعتُك، فقالت: مضَتْ عدَّتي فلا رجعة، وإن قال: راجعتُك، فقالت: مضَتْ عدَّتي فلا رجعة، كما في زوجِ أمةٍ أَخْبَرَ بعد العدَّة بالرَّجعة فيها لسيِّدِها فصدَّقَه وكذّبَتْه، أو قال: راجعتُك، فقالت: مضَتْ عدَّتي وأنكرا، وإن انقطعَ دمُ آخرِ العدَّةِ لعشرة أيَّام تمَّت ولأقلَّ منها لا، حتى تغتسل، أو
إلى فرجِها بشهوة): هذا عندنا، وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه فلا تصحُّ إلاَّ بالقول.
(ونُدِبَ إشهادُهُ على الرَّجعة وإعلامُها بها): أي إعلامُ الزَّوجِ إيَّاها بالرَّجعة، (وأن لا يدخلَ عليها حتَّى يستأذنَها إن لم يقصدْ رجعتَها.
ولو ادَّعى بعد العدَّة الرَّجعة فيها وصدّقَتْه، فهو رجعة، وإن كذّبَتْهُ فلا
(2)
، ولا يمينَ عليها عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه)؛ فإن الرَّجعةَ من الأشياءِ التي لا يمين فيها عند أبي حنيفة رضي الله عنه.
(وإن قال: راجعتُك، فقالت: مضَتْ عدَّتي فلا رجعة): أي إن كانت المدُّة مدَّةً تحتملُ انقضاءَ العدَّة، فالمرأةُ تصدَّقُ في إخبارِها بانقضاءِ العدَّة، وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا عندهما فتصحُّ الرَّجعة؛ لأنَّها لم تخبر قبل الرَّجعة بانقضاءِ العدَّة، فالظَّاهرُ بقاؤها.
(كما في زوجِ أمةٍ أَخْبَرَ بعد العدَّة بالرَّجعة فيها لسيِّدِها فصدَّقَه وكذّبَتْه)؛ فإنَّ القولَ قولُها عند أبي حنيفة، وأمَّا عندهما فالقولُ قولُ المولى
(3)
، (أو قال: راجعتُك، فقالت: مضَتْ عدَّتي وأنكرا): أي الزَّوجُ والسيِّدُ بمضي العدِّة.
(وإن انقطعَ دمُ آخرِ العدَّةِ لعشرة أيَّام تمَّت ولأقلَّ منها لا، حتى تغتسل، أو
(1)
ينظر: «المنهاج» (3: 337)، و «حاشيتا قليوبي وعميرة» (4: 4)، و «تحفة المحتاج» (8: 149)، وغيرها.
(2)
أي فلا رجعة؛ لأنه متهم في ذلك وقد كذبته فلا يثبت إلا ببينة، فإذا صدقته ارتفعت التهمة. ينظر:«الاختيار» (3: 191).
(3)
لأنه أقرّ بما هو خالص حقّه فيقبل، كما لو أقرّ عليها بالنكاح. وللإمام أن حكمَ الرجعة من الصحة وعدمها مبنيٌّ على العدّة من قيامها وانقضائها، وهي أمينة فيها مصدّقة بالإخبار بالانقضاء والبقاء، لا قول للمولى فيها أصلاً، وإنما قبل قوله: في النكاح لانفراده به بخلاف الرجعة. ينظر: «رد المحتار» (2: 532).
يمضي عليها وقتُ فرض، أو تيمُّمٍ فتصلِّي، ولو نسيت غسلَ عضوٍ راجع، وفيما دونَه لا، ولو طلّقَ حاملاً، أو مَن ولدَتْ مُنْكِراً وطأها، فله الرَّجعة
يمضي عليها وقتُ فرض
(1)
، أو تيمُّمٍ فتصلِّي، ولو نسيت غسلَ عضوٍ راجع، وفيما دونَه لا): أي نسيت غسلَ ما دون العضو، فحينئذٍ لا تصحُّ الرَّجعة؛ لأنَّه لا اعتبارَ لما دون العضو، فكأنَّها اغتسلتْ ومضَتْ عدَّتُها.
(ولو طلّقَ حاملاً، أو مَن ولدَتْ مُنْكِراً وطأها، فله الرَّجعة): أي طلّقَ امرأتَه، وهي حاملٌ فأنكرَ وطأها، فله الرَّجعة
(2)
.
أقولُ: في قولهِ: فلُهُ الرَّجعة؛ تساهل؛ لأنَّ وجودَ الحملِ وقتَ الطَّلاق إنِّما يعرفُ إذا وَلَدَت لأقلَّ من ستّةِ أشهرٍ من وقتِ الطَّلاق، فإذا وَلَدَتْ انقضَتِ العدِّة، فلا يملكُ الرَّجعة، فيكون المرادُ بالرَّجعةِ الرَّجعةُ قبل وضعِ الحمل، فيكون المرادُ أنَّه إن راجعَ قبل وضعِ الحمل، فولَدَتْ لأقلَّ من سِتَّةِ أشهرٍ يُحْكَمُ بصحَّةِ الرَّجعة السابقة، ولا يرادُ أنَّه يحلُّ له الرَّجعةُ قبل وضعِ الحمل؛ لأنَّه لمَّا أنكرَ الوطء، والشَّرعُ لا يحكمُ بوجودِ الحملِ وقت الطَّلاق، بل إنِّما يحكمُ إذا وَلَدَتْ لأقلَّ من ستَّةِ أشهرٍ من وقتِ الطَّلاق، فلم يوجدْ تكذيبُ الشَّرع قبل وضعِ الحمل، فالصَّوابُ
(3)
أن يقال: ومَن طلّقَ حاملاً مُنْكِراً وطأها، فراجعَها فجاءَت بولدٍ لأقلَّ من ستةِ أشهرٍ صحَّتْ الرَّجعة.
وأمَّا مسألةُ الولادةِ فصورتُها: أنَّه طلَّقَ امرأتَهُ التي وَلَدَتْ
(4)
قبل الطَّلاق مُنْكِراً وطأها، فله الرَّجعة، وإنِّما تصحُّ الرَّجعةُ في مسألتي الحملِ والولادةِ مع إنكارِه الوطء؛ لأنَّ الشَّرعَ كذَّبه في إنكارِهِ الوطء؛ لأنَّ الولدَ للفراش
(5)
.
(1)
إذ بمضي وقته صارت الصلاة ديناً في ذمتها، وهو قدر ما يقدر على الاغتسال والتحريمة وما دون ذلك ملحق بمدّة الحيض. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 435).
(2)
أي له امرأة حامل طلقها وأنكر وطأها ثم راجعها ثم ولدت لأقلّ مدّة الحمل من وقت النكاح صحت رجعته ولا عبرة بإنكاره للوطء؛ لأن الشرع كذبه بجعل الولد للفراش. ينظر: «درر الحكام» (1: 385).
(3)
أي العبارة الأفضل من عبارة المصنف وصاحب «الكنْز» (ص 57) لما تحتويه فيهما من الإيهام.
(4)
أي لست أشهر أو صاعداً من العقد.
(5)
وقد أيَّد ابن عابدين هذا التفصيل للشارح، ينظر:«رد المحتار» (2: 535).
وان خلا بها وأنكرَ فلا، فإن طلَّقَها فراجعَها، فجاءَتْ بولدٍ لأقلَّ من سنتينِ صحَّت، ولو قال: إذا وَلَدْتِ فأنت طالق، فولدَت، ثُمَّ آخر ببطنين، فهو رجعة، وفي كلَّما وَلَدَت فولدَت ثلاثةَ بطونٍ يقعُ الثَّلاث، والولدُ الثَّاني رجعة كالثَّالث، وعليها العدَّةُ بالحيض
(وان خلا بها وأنكرَ فلا): أي لا تصحّ رجعَتُها؛ لأنَّه أنكرَ الوطء، ولم يوجدْ تكذيبُ الشَّرع إنكارَه، فيكونُ إنكارُه حجَّةً عليه، وإنِّما يتأكَّدُ المهرُ بالخلوة؛ لأنَّها سلَّمَت إليه المعقودَ عليه؛ لا لأنَّه قبضَ المعقودَ عليه بأن وَطِئها.
(فإن طلَّقَها فراجعَها، فجاءَتْ بولدٍ لأقلَّ من سنتينِ صحَّت)، هذه المسألة متعلِّقةٌ بمسألةِ الخلوة، صورتُها: أنّه خلا بامرأتِه، وأنكرَ وَطْأَها، ثُمَّ طلَّقَها فراجعَها
…
إلى آخره، فإنَّها إذا وَلَدَت لأقلَّ من سنتينِ من وقتِ الطَّلاقِ يثبتُ نسبُ هذا الولدِ منه، إذ هي لم تَقُرَّ بانقضاء العدَّة، والولدُ يبقى في البطنِ في هذه المدَّة، فلا بُدَّ من أن يجعلَ الزَّوجُ واطِئاً قبل الطَّلاقِ لا بعدَه
(1)
؛ لأنَّه لو لم يَطَأ قبل الطَّلاق يزولُ الملكُ بنفسِ الطَّلاق، فيكون الوطءُ بعد الطَّلاقِ حراماً، فيجبُ صيانةُ فعلِ المسلمِ عنه، فإذا جُعِلَ واطِئاً قبل الطَّلاقِ تصحُّ الرَّجعة.
(ولو قال: إذا وَلَدْتِ فأنت طالق، فولدَت، ثُمَّ آخر ببطنين، فهو رجعة): المرادُ ببطنينِ أن يكونَ بين الولادةِ الأُولَى، والثَّانية ستَّةُ أشهر أو أكثر
(2)
، أمَّا إذا كان أقلَّ يكون ببطنٍ واحد، وإنِّما تثبتُ الرَّجعة؛ لأنَّها طُلِّقَتْ بالولادةِ الأُولَى، ثُمَّ الولادةُ الثَّانية دلَّتْ على أنه راجعَها بعد الولادةِ الأُولَى؛ ليكون الوطءُ حلالاً، أمَّا إذا كانت الولادتان ببطنٍ واحدٍ لا تثبتُ الرَّجعة؛ لأنَّ علوقَ الولدِ الثَّاني كان قبل الولادةِ الأُولَى.
(وفي كلَّما وَلَدَت فولدَت ثلاثةَ بطونٍ يقعُ الثَّلاث، والولدُ الثَّاني رجعة كالثَّالث، وعليها العدَّةُ بالحيض)
(3)
: أي عدَّةُ الطَّلاقُ الثَّالثِ الذي وقعَ بالولادةِ الثَّالثة.
(1)
ويجعلُ إنكارُه الوطءَ كذباً لأن تكذيبَه أهونُ من حملِهِ على الزنا، نعم لو كانت أقرَّت بانقضاء العدَّة وولدت بعده لأقلّ من سنتين من وقت الطلاق لا يثبتُ نسب ذلك الولد منه. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 114).
(2)
ولو لأكثر من عشر سنين ما لم تقرّ بانقضاء العدّة؛ لأن امتداد الطهر لا غاية له إلا اليأس. ينظر: «الدر المختار» (2: 535).
(3)
صورة المسألة: إذا قال لامرأته: كلما ولدت فأنت طالق، فإنها تطلق رجعيّة بالولادة، فإذا ولدت الثاني علم أنه قد راجعها فتطلق رجعية أيضاً، فإذا ولدت الثالث فكذلك إلا أنه يكون قد وقع عليها ثلاث طلقات فتحسب عدتها بالحيض.
ومطلَّقةُ الرَّجعيِّ تتزيَّن، ولا يسافرُ بها حتَّى يُشْهِدَ على رجعتِها. وله وطؤها.
[فصل فيما تحل به المطلقة]
ونكاحُ مبائنةٍ بلا ثلاثٍ في عدَّتها وبعدَها، ولا تحلُّ حرَّةٌ بعد ثلاث، ولا أمةٌ بعد ثنتين حتَّى يطأها غيرُهُ بنكاحٍ صحيح، وتمضي عدَّةُ طلاقِه، أو موتِه
(ومطلَّقةُ الرَّجعيِّ تتزيَّن)؛ ليرغبَ الزَّوجُ في رجعتِها.
(ولا يسافرُ بها حتَّى يُشْهِدَ على رجعتِها
(1)
.
وله وطؤها): هذا عندنا، وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه لا يحلُّ وطءُ مطلَّقةِ الرَّجعيِّ حتَّى يراجعَ بالقول، وعندنا الوطءُ يصيرُ رجعة.
[فصل فيما تحل به المطلقة]
(ونكاحُ مبائنةٍ بلا ثلاثٍ في عدَّتها وبعدَها، ولا تحلُّ حرَّةٌ بعد ثلاث، ولا أمةٌ بعد ثنتين حتَّى يطأها غيرُهُ بنكاحٍ صحيح، وتمضي عدَّةُ طلاقِه، أو موتِه): هذا عند الجمهور، وعند سعيد بن المسيِّب
(3)
رضي الله عنه لا يشترطُ وطءُ الزَّوجِ الثَّاني، بل يكفي مجرَّدُ النِّكاح
(4)
استدلالاً بقولهِ تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجَاً غَيْرَهُ}
(5)
.
(1)
أي يحرم عليه السفر بها لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ} فلكونه حراماً لم يكن رجعة؛ لأن الرجعة مندوب، والمسافرة بها حرام هذا إذا صرح بأن لا يراجعها في السفر، وأما إذا سكت كانت رجعة دلالة. ينظر:«كشف رموز غرر الأحكام» (1: 271).
(2)
ينظر: «المنهاج» (3: 337)، و «حاشيتا قليوبي وعميرة» (4: 4)، و «تحفة المحتاج» (8: 149)، وغيرها.
(3)
وهو سعيد بن المُسَيَّب بن حَزْن بن أبي وَهْب المَخْزُومِيّ القُرَشِيّ، أبو محمد، سيد التابعين، أحد الفقهاء السبعة، وكان من أحفظ الناس لأحكام عمر بن الخطاب وأقضيته حتى سمي راوية عمر، (13 - 94 هـ). ينظر:«وفيات» (2: 378). «طبقات الشيرازي» (ص 39). «الأعلام» (3: 155). وللوقوف على حياته وفقهه ينظر «فقه سعيد بن المسيب» للدكتور هاشم جميل، مطبوع في أربع مجلدات.
(4)
هذا الرأي الذي درج الفقهاء على نسبته لابن المسيب، هو منسوب إلى سعيد بن جبير وداود الظاهري وبشر المريسي أيضاً، لكن ابن كثير في «تفسيره» (1: 278) شكك في روايته عن ابن المسيب؛ لأنه راوٍ لحديث العسيلة، ونقل صاحب «القنية» أنه رجع عن هذا القول، وهو ما أيده الدكتور هاشم جميل في كتابه «فقه سعيد بن المسيب» (3: 353).
(5)
من سورة البقرة، الآية (32).
والمراهقُ يحلِّلُ لا سيِّدَها، وكُرِهَ النِّكاحُ بشرطِ التَّحليل، وتحلُّ للأوَّل، والزَّوجُ الثَّاني يهدمُ ما دون الثَّلاث، فمَن طُلِّقَتْ دونَها، وعادَتْ إليه بعد آخر عادَتْ إليه بثلاثٍ خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه. والمبائنةُ بثلاثٍ لو قالَت: حلِّلتُ في مدَّةُ تحتملُه، وغلَبَ على ظنِّه صدقُها حلَّت للأوَّل
ولنا: حديثُ العسيلة
(1)
، وهو حديثٌ مشهور، تجوزُ الزِّيادة به على الكتاب، فيكون التَّحليلُ بدونِ الوطءِ مخالفاً للحديثِ المشهور، حتَّى لو قضى القاضي به لا ينفذ.
(والمراهقُ يحلِّلُ لا سيِّدَها
(2)
): المراهقُ هو صبيٌّ قاربَ البلوغ، ويجامعُ مثلُه، ولا بُدَّ من أن يتحرَّك آلتُه، ويشتهي.
(وكُرِهَ النِّكاحُ بشرطِ التَّحليل
(3)
، وتحلُّ للأوَّل، والزَّوجُ الثَّاني يهدمُ ما دون الثَّلاث، فمَن طُلِّقَتْ دونَها، وعادَتْ إليه بعد آخر عادَتْ إليه بثلاثٍ
(4)
خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه.
والمبائنةُ بثلاثٍ لو قالَت: حلِّلتُ في مدَّةُ تحتملُه، وغلَبَ على ظنِّه
(5)
صدقُها حلَّت للأوَّل): قيل: أقلَّ تلك المدَّةِ تسعةٌ وثلاثون يوماً لا بدَّ من ثلاثِ حيضٍ وطهرين، فأقلُّ مدَّة الحيض ثلاثة أيَّام، وأقلُّ الطُّهْرِ خمسةَ عشرَ يوماً.
(1)
وهو من حديث عائشة رضي الله عنه، قال:(جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني فأبت طلاقي، فتزوَّجتُ عبد الرحمن بن الزبير إنما معه مثل هدبة الثوب، فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) في «صحيح البخاري» 2: 933)، واللفظ له، و «صحيح مسلم» (2: 1056)، وغيرهما.
(2)
أي لا يكفي وطئ السيد للتحليل، فلو طلَّقَ زوجَ الأمة زوجتَه فوطئها سيِّدُها بحكم ملك اليمين لا تحلّ للزوج الاول؛ لأن الشرط في التحليل أن تنكح زوجاً غيرَه لا أن تطأ رجلاً غيرَه. ينظر:«عمدة الرعاية» (1: 117).
(3)
أي كره تحريماً بأن يقول: تزوجتك على أن أحللك، أو قالت المرأة ذلك أو وكيليها، أما لو أضمرا ذلك في قلبهما فلا يكره عند عامة العلماء. ينظر:«درر الحكام» (1: 387)، و «الدر المنتقى» (1: 439).
(4)
أي إن طلقت الحرّة طلقة أو طلقت وانتهت عدتها وتزوجت زوجاً آخر ثم عادت إلى الزوج الأول، فإنها تعود إليه بثلاث تطليقات؛ لأن الزوج الثاني هدم ما دون الثلاث خلافاً لمحمد وزفر، ورجَّح صاحب «الفتح» (4: 37) رأي محمَّد.
(5)
أي على ظنّ الزوج الأول.
باب الإيلاء
وهو حِلْفٌ يمنعُ وطءَ الزوجةِ مدَّتَه، فلا إيلاء لو حلفَ على أقلَّ منها، وهي للحرَّةِ أربعةُ أشهر، وللأمةِ شهران. وحكمُهُ: طلقةٌ بائنةٌ إن برّ، والكفارةُ والجزاءُ إن حَنِث. فلو قال: واللهُ لا أقربُك، أو لا أقربُك أربعةَ أشهر، أو إن قربتُك فعليَّ حجّ، أو صوم، أو صدقة، أو فأنتِ طالق، أو عبدي حرّ، فقد آلى إن قربَها في المدَّة حَنِثَ، وتجب الكفارةُ في الحلفِ باللهِ تعالى، وفي غيرِهِ الجزاء، وسقطَ الإيلاء. وإلاَّ بانت بواحدة، وسقطَ الحلفُ المؤقّتُ لا المؤبَّد
باب الإيلاء
(وهو حِلْفٌ يمنعُ وطءَ الزوجةِ
(1)
مدَّتَه): أي مدَّةُ الإيلاء (فلا إيلاء لو حلفَ على أقلَّ منها، وهي للحرَّةِ أربعةُ أشهر، وللأمةِ شهران.
وحكمُهُ: طلقةٌ بائنةٌ إن برّ، والكفارةُ والجزاءُ إن حَنِث.
فلو قال: واللهُ لا أقربُك، أو لا أقربُك أربعةَ أشهر): الأوَّلُ مؤبَّد، والثَّاني مؤقتٌ بأربعةِ أشهر، (أو إن قربتُك فعليَّ حجّ، أو صوم، أو صدقة
(2)
، أو فأنتِ طالق، أو عبدي حرّ، فقد آلى إن قربَها في المدَّة حَنِثَ، وتجب الكفارةُ في الحلفِ باللهِ تعالى، وفي غيرِهِ الجزاء، وسقطَ الإيلاء.
وإلاَّ بانت بواحدة): أي إن لم يقرَبْها بانت بطلقةٍ واحدة، (وسقطَ الحلفُ المؤقّتُ لا المؤبَّد): حتَّى لو كان الحلفُ مؤقّتاً بأربعةِ أشهر، ولم يقرَبْها بانت بواحدة، وسقطَ الحلفُ حتَّى لو نكحَها فلم يقرَبْها بعد ذلك لا تبين، أمَّا في الحلفِ المؤبَّدِ إن نكحَها ولم يقرَبْها أربعةَ أشهرٍ تبين
(1)
ولو مآلاً كقوله لأجنبية: إن تزوجتك فوالله لا أقربك؛ لأن المعتبر وقت تنجيز الإيلاء. ينظر: «رد المحتار» (2: 545).
(2)
أو نحوه مما يشق، بخلاف فعليّ صلاة ركعتين، فليس بمول لعدم مشقتهما، بخلاف فعليّ مئة ركعة، وقياسه أن يكون مولياً بمئة ختمة أو اتباع مئة جنازة ولم أره. ينظر:«الدر المختار» (2: 548).
ثانياً، ثُمَّ إن نكحَها، ولم يقربْها أربعةَ أشهرٍ تبينُ
فتبينُ بأُخرى إن مضت مدَّةٌ أُخْرَى بعد نكاحٍ ثانٍ بلا فيء، ثُمَّ أُخرى كذلك بعد ثالث، وبقي الحلفُ بعد ثالث، لا الإيلاء، فلو قربَها كفَّر، ولا تبينُ بالإيلاء، وقولُهُ: واللهِ لا أقربُك شهرين، وشهرينِ بعد هذينِ الشَّهرين إيلاء، بخلافِ بعد يوم، والله لا أقربُك شهرينٍ بعد الشَّهرين الأولين، واللهِ لا أقربُك سنةً إلاَّ يوماً، وقولُهُ بالبصرة: واللهِ لا أدخلُ الكوفة، وامرأتُه بها
ثالثاً، وهذا معنى قولُهُ:(فتبينُ بأُخرى إن مضت مدَّةٌ أُخْرَى بعد نكاحٍ ثانٍ بلا فيء، ثُمَّ أُخرى كذلك بعد ثالث): فقولُهُ بلا فيءٍ أي بلا قُرْبان.
(وبقي الحلفُ بعد ثالث، لا الإيلاء، فلو قربَها كفَّر، ولا تبينُ بالإيلاء): أي الحلفِ المؤبَّد إذا وقعَ ثلاثُ تطليقاتٍ من غيرٍ قربانٍ بقي الحِلْف؛ لأنَّه لم يقرَبْها، فلم ينحلَّ اليمينُ، لكن لم يبقَ الإيلاء، فلو نكحَها بعد الزَّوجِ الثَّاني، وقَرَبَها تجبُ الكفّارة؛ لبقاءِ اليمين، ولو لم يقرَبْها لا تبينُ بالإيلاء؛ لأنه لم يبقَ الإيلاء.
وقولُهُ: وبقي الحلفُ بعد ثلاث؛ فيه تفصيل، إن كان الحلفُ باللهِ تعالى يبقى الحلفُ حتَّى تجبَ الكفّارة، وإن كان الحلفُ بغيرِ طلاقِها بقي الحلفُ أيضاً، وإن كان بطلاقِها لا يبقى؛ لأن التَّنجيزَ يُبْطِلُ التَّعليق.
(وقولُهُ: واللهِ لا أقربُك شهرين، وشهرينِ بعد هذينِ الشَّهرين إيلاء، بخلافِ بعد يوم، والله لا أقربُك شهرينٍ بعد الشَّهرين الأولين): أي لو قال: واللهُ لا أقربُك شهرين، ومكثَ يوماً، ثُمَّ قال: واللهُ لا أقربُك الشَّهرين بعد الشَّهرينِ الأوَّلين، لم يكن مولياً؛ لأنَّ في اليومِ الأوَّلِ كان حلفُهُ على شهرين، وفي اليومِ الثَّاني كان
(1)
حلفُهُ على أربعةِ أشهرٍ إلاَّ يوماً واحداً.
وقولُهُ: (واللهِ لا أقربُك سنةً إلاَّ يوماً
(2)
، وقولُهُ بالبصرة: واللهِ لا أدخلُ الكوفة، وامرأتُه بها
(3)
.
(1)
زيادة من ب و س و م.
(2)
وجه أن لا يكون مولياً أنه يمكن له قربانها في أي يوم من أيام السنة؛ لأنه استثنى يوم منكر. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 202).
(3)
وجه أن لا يكون مولياً أنه يمكن أن تخرج له زوجته من الكوفة فيقربها. ينظر: المصدر السابق
ولا إيلاء من مبائنةٍ وأجنبيةٍ نكحَها بعد ذلك، فأمَّا مطلقةُ الرَّجعي فكالزَّوجة. ولو عَجِزَ عن الفيء بالوطءِ لمرضٍ بأحدِهما، أو صغرِهما، أو رتقِها، أو لمسيرةِ أربعةِ أشهرٍ بينهما، ففيؤُهُ قولُهُ: فِئْتُ إليها، فلا تطلقُ بعده لو مضَتْ مُدَّتُهُ وهو عاجز، فإن صحَّ قبل مدَّتِه ففيؤُهُ بوطئه. وأنتِ عليَّ حرامٌ: إن نَوَى به الطَّلاق، فبائنة، وإن نوى به الظِّهار، أو الثَّلاث، أو الكذب، فما نوى، وإن نوى التَّحريم ولم ينوِ شيئاً فإيلاء.
ولا إيلاء من مبائنةٍ وأجنبيةٍ نكحَها بعد ذلك، فأمَّا مطلقةُ الرَّجعي فكالزَّوجة
(1)
.
ولو عَجِزَ عن الفيء بالوطءِ لمرضٍ بأحدِهما، أو صغرِهما، أو رتقِها، أو لمسيرةِ أربعةِ أشهرٍ بينهما، ففيؤُهُ قولُهُ: فِئْتُ إليها، فلا تطلقُ بعده لو مضَتْ مُدَّتُهُ وهو عاجز، فإن صحَّ قبل مدَّتِه ففيؤُهُ بوطئه.
وأنتِ عليَّ حرامٌ: إن نَوَى به الطَّلاق، فبائنة، وإن نوى به الظِّهار، أو الثَّلاث، أو الكذب، فما نوى، وإن نوى التَّحريم ولم ينوِ شيئاً فإيلاء): وقيل: هو وكلُّ حلٍّ عليَّ حرام، وهرجه
(2)
بدست
(3)
راست
(4)
كيرم
(5)
بروى
(6)
حرام
(7)
، طلاقٌ بلا نيِّةٍ للعرف، وبه يفتي
(8)
.
(1)
أي إن آلَ من المطلقة البائنة لم يكن مولياً لعدم بقاء الزوجية؛ إذ لا حقَّ لها في الوطء، فلم يكن مانعاً حقها؛ بخلاف الرجعية، وإن آلَ من المطلقة الرجعية كان مولياً؛ لبقاء الزوجية، فإن انقضت عدتها قبل انقضاء مدة الإيلاء يسقط الإيلاء؛ لفوات المحليَّة. ينظر:«اللباب» (3: 61).
(2)
هرجه: بمعنى كل شيء. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 446).
(3)
بدست: بمعنى بيدي. ينظر: المصدر السابق.
(4)
راست: بمعنى صحيح. ينظر: المصدر السابق.
(5)
كيرم: بمعنى أمسكه. ينظر: المصدر السابق.
(6)
بروى: بمعنى عليّ. ينظر: المصدر السابق.
(7)
أي كل شيء أمسكه بيدي أو أحبسه بيدي علي حرام. ينظر: المصدر السابق.
(8)
أي يفتى بوقوع الطلاق بلا نيَّة بقوله: أنت عليّ حرام، وما بعدها، وهو قول المتأخرين لغلبة الاستعمال بالعرف، وعليه الفتوى كما في أكثر المعتبرات؛ ولهذا لا يحلف به الرجال ولو نوى غيره لا يصدق قضاءً. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 445 - 446)، وفي المسألة تفصيل مبسوط في «رد المحتار» (2: 554).
باب الخلع
لا بأسَ به عند الحاجةِ بما يصلحُ مهراً، وهو طلاقٌ بائن، ويلزمُ بدلُه، وكُرِه أخذُهُ إن نَشَز، وأخذُ الفضلِ إن نَشَزت، ولو طلَّقَها بمال، أو على مالٍ وَقَعَ بائناً إن قَبِلَت، ولزمِها المال. ولو خَلَع أو طلَّقَ: بخمر أو خِنْزيرٍ لم يجبْ شيء، ووقعَ بائنٌ في الخَلْع، ورجعيٌّ في الطَّلاق. وإن قالت: خالعني على ما في يدي، أو على ما في يدي من مال، أو من دراهم، ففعلَ ولا شيءَ في يدِها، لم يجبْ شيءٌ في الأُولَى
(1)
، وتردُّ ما قبضَتْ في الثَّانية، وثلاثةُ دراهمَ في الثَّالثة.
باب الخلع
(لا بأسَ به عند الحاجةِ بما يصلحُ مهراً، وهو طلاقٌ بائن، ويلزمُ بدلُه، وكُرِه أخذُهُ إن نَشَز
(2)
، وأخذُ الفضلِ إن نَشَزت
(3)
)
(4)
: أي أخذُ الفضلِ على ما دَفَعَ إليها من المهر.
(ولو طلَّقَها بمال، أو على مالٍ
(5)
وَقَعَ بائناً إن قَبِلَت، ولزمِها المال
(6)
.
ولو خَلَع أو طلَّقَ: بخمر أو خِنْزيرٍ لم يجبْ شيء
(7)
، ووقعَ بائنٌ في الخَلْع، ورجعيٌّ في الطَّلاق.
وإن قالت: خالعني على ما في يدي، أو على ما في يدي من مال، أو من دراهم، ففعلَ ولا شيءَ في يدِها، لم يجبْ شيءٌ في الأُولَى
(8)
، وتردُّ ما قبضَتْ في الثَّانية، وثلاثةُ دراهمَ في الثَّالثة.
(1)
أي لعدم وجود التسمية ويقع الطلاق مجاناً لقبوله ورضاه. ينظر: «الدر المختار» (2: 561).
(2)
نشز: أي إن تركها الرجل وجفاها. ينظر: «المصباح» (ص 606).
(3)
نشزت: أي استعصت المرأة على زوجها وأبغضته. ينظر: «المغرب» (ص 464).
(4)
أي يلزم على المرأة بدل للخلع، ولكن يكره للرجل أخذه إن كان سبب الخلع منه، أو أخذه زيادة على مهرها.
(5)
أي بأن قال: أنت طالق بألف درهم، أو على ألف درهم. ينظر:«العمدة» (2: 123).
(6)
لأنه ما رضي بالطلاق إلا ليسلم له المال المسمّى، وقد ورد الشرع به فيلزمها. ينظر:«الاختيار» (3: 202).
(7)
لأنها ما سمت مالاً متقوَّماً. ينظر: «الهداية» (2: 14).
(8)
أي لعدم وجود التسمية ويقع الطلاق مجاناً لقبوله ورضاه. ينظر: «الدر المختار» (2: 561).
وإن اختلعَتْ على عبدٍ لها آبق على براءتِها من ضمانِه، تُسلِّمُهُ إن قَدَرَت، وقيمتُه إن عجزت. وإن طَلَبَت ثلاثاً بألف، أو على ألفِ درهم، فطلَّقَها واحدةً تقعُ في الأُولَى بائنةً بثُلُثِ الألف، وفي الثَّانيةِ رجعيَّةً بلا شيءٍ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وإن قال: طلِّقي نفسَك ثلاثاً بألف، أو على ألفٍ فطلَّقت واحدةً لم يقعْ شيء، ولو قال: أنت طالق، وعليك ألف، أو أنتِ حرَّةٌ وعليك ألف، فقبلتا أو لا، طلقَتْ وعتقت بلا شيء
وإن اختلعَتْ على عبدٍ لها آبق على براءتِها من ضمانِه، تُسلِّمُهُ
(1)
إن قَدَرَت، وقيمتُه إن عجزت.
وإن طَلَبَت ثلاثاً بألف، أو على ألفِ درهم، فطلَّقَها واحدةً تقعُ في الأُولَى
(2)
بائنةً بثُلُثِ الألف، وفي الثَّانيةِ
(3)
رجعيَّةً بلا شيءٍ عند أبي حنيفة رضي الله عنه): أمَّا عندهما فيقعُ بائنٌ بثُلُثِ الألف.
فإنِّها إذا قالت: طلِّقني ثلاثاً بألف، جعلَتِ الألف عوضاً للثَّلاث، فإذا طلَّقَها واحدةً يجبُ ثُلُث الألف؛ لأنَّ أجزاءَ العوضِ منقسمةٌ على أجزاءِ المعوَّض.
أمَّا إذا قالت: طلِّقني ثلاثاً على ألف، فكلمةُ: على؛ للشَّرط، والطَّلاقُ يصحُّ تعليقُهُ بالشَّرط، فأبو حنيفة رضي الله عنه يحملُها عليه، وأجزاءُ الشَّرط لا تنقسمُ على أجزاءِ المشروط، وأبو يوسف ومحمَّد رضي الله عنهم حمل على العوض، بمعنى الباء، كما في بعتُ عبداً بألف، أو على ألف.
فالجوابُ: أن البيعَ لا يصحُّ تعليقُهُ بالشَّرط، فيحملُ على العوضِ ضرورة، ولا ضرورةَ في الطَّلاق لصحَّةِ تعليقِهِ بالشَّرط.
(وإن قال: طلِّقي نفسَك ثلاثاً بألف، أو على ألفٍ فطلَّقت واحدةً لم يقعْ شيء)؛ لأن الزَّوجَ لم يرضَ بالبينونةِ إلاَّ أن تسلِّمَ له الألف كلَّها، ولم تسلِّم بخلافِ قولِها طلِّقني ثلاثاً بألف؛ لأنَّها لمَّا رضيت بالبينونةِ بألف، فهي أرضى بالبينونة ببعضها.
(ولو قال: أنت طالق، وعليك ألف، أو أنتِ حرَّةٌ وعليك ألف، فقبلتا أو لا، طلقَتْ وعتقت بلا شيء): هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا عندهما إن قبِلَتِ المرأةُ طلقَتِ بألف، وإن قَبِلَتِ الأمةُ عُتِقَتْ بألف، وإن لم يقبلا لا يقعُ شيء، فإنِّهما جعلا الواوَ في قولِه: وعليك: للحال، والحالُ بمَنْزلةِ الشَّرط
(4)
، وأبو حنيفةَ رضي الله عنه جعلَ الواوَ للعطف، وتناسبُ الجملتينِ في كونِهما اسميتين يدلُّ على العطف، فيكونُ إخباراً بأن عليهما الألفَ، فيقعُ بلا شيء.
(1)
أي وجبَ عليها أن تسلِّمَ العبدَ إلى الزوجِ إن قدرت عليه، وإن عجزت وجبت عليها أداء قيمته، ولا يعتبرُ بشرطهما الفاسد، فإن شَرْطَ البراء في المعاوضات فاسد، وإنما يصحّ الخلعُ؛ لأنه ممَّا لا يبطلُ بالشروط الفاسدة. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 124).
(2)
أي في الصورة الأولى: وهي ثلاثاً بألف.
(3)
أي في الصورة الثانية: وهي على ألف.
(4)
وفي «الدر المختار» (2: 563): في «الحاوي» : وبقولهما يفتى.
والخلعُ: معارضةٌ في حقِّها حتى يصحَّ رجوعُها، ويقتصرُ على المجلس، ويمينٌ في حقِّهِ حتى انعكس الأحكام، وطرفُ العبدِ في العتاقِ كطرفِها في الطَّلاق، ولو قال: طلقتُكِ أمسِ على ألفٍ فلم تقبلي، وقالت: قبلت، فالقولُ له، ولو قال البائعُ كذلك فالقولُ للمشتري
(والخلعُ: معارضةٌ في حقِّها حتى
(1)
يصحَّ رجوعُها): أي إذا كان الإيجاب منها، فَقَبْلَ قَبول الزَّوج يصحُّ رجوعُها، (وشَرْطُ الخيارِ لها)
(2)
: هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، أمَّا عندهما فلا يصحُّ شرطُ الخيار لأحد، فالطَّلاقُ واقع، والبدلُ واجب، (ويقتصرُ على المجلس): أي إذا كان الإيجاب من قبلِها لا بُدَّ من قَبُول الزَّوجِ في المجلس.
(ويمينٌ
(3)
في حقِّهِ حتى انعكس الأحكام): أي إذا كان الإيجاب من جهتِهِ لا يصحُّ رجوعُهُ قبل قَبولِ المرأة، ولا يصحُّ شرطُ الخيارِ له، ولا يقتصرُ على المجلس، أي يصحُّ إن قبلَتِ المرأةُ بعد المجلس، وإنِّما كان الخلعُ كذلك
(4)
؛ لأنَّ فيه معنى المعاوضة، فإنَّ المرأةَ تبذلُ مالاً لِتَسْلَمَ لها نفسُها، وفيه معنى اليمين، فإنَّ اليمينَ بغيرِ الله ذكرُ الشَّرطِ والجزاء، فالخلعُ تعليقُ الطَّلاق بقَبُول المرأة، وهذا من طرفِ الزَّوج، فجعلَ من جانبِه يميناً، ومن جانبِ المرأةِ معاوضة.
(وطرفُ العبدِ في العتاقِ كطرفِها في الطَّلاق): فيكون من طرفِ العبدِ معارضة، ومن جانبِ المولى يميناً، وهي تعليقُ العتقِ بشرطِ قَبُول العبد، فيترتَّبُ أحكامُ المعارضةِ في جانبِ العبد، لا في جانبِ المولى.
(ولو قال: طلقتُكِ أمسِ على ألفٍ فلم تقبلي، وقالت: قبلت، فالقولُ له، ولو قال البائعُ كذلك فالقولُ للمشتري): أي إذا قال البائع: بعتُ هذا العبدَ منك بألفِ (درهمٍ أمس)
(5)
، فلم تقبل، وقال المشتري: قبلت، فالقولُ للمشتري.
(1)
زيادة من أ و ب و س و م.
(2)
صورة المسألة: لو قال: أنت طالق على ألف على أني بالخيار أو على أنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت، فالخيار باطل إذا كان للزوج، وهو جائز إذا كان للمرأة. ينظر:«الهداية» (2: 16).
(3)
عطف على قوله: معاوضة، فالخلع من جانب الرجل يكون يميناً لما سيذكره الشارح.
(4)
أي معاوضة من جانبها، ويميناً من جانبه.
(5)
زيادة م: ب و س و م.
ويسقطُ الخلعُ والمبارأةُ كلَّ حقٍّ لكلِّ واحدٍ منهما على الآخرِ ممِّا يتعلَّق بالنِّكاح، وإن خَلَعَ الأبُ صبيَّتَهُ بمالها لم يجب عليها شيء، وبقي مهرُها، وتطلقُ في الأصحّ. فإن خلعَها على أنه ضامنٌ صحّ، وعليه المال، وإن شُرِطَ المالُ عليها تطلقُ بلا شيءٍ إن قبلت
ووجهُ الفرق: أنّ قولَ البائع: بعتُ؛ إقرارٌ بقَبول المشتري؛ لأن البيعَ لا يصحُّ إلاَّ بالإيجاب والقَبول، فقولُهُ: فلم تقبل يكونُ رجوعاً عن إقرارِهِ بخلاف الخلع
(1)
، فإنَّه يمينٌ في حقِّه، فيمكنُ إنفكاكُهُ عن البدل، فلا يكونُ إقراراً بقَبُول المرأة، فيكون القولُ قولُه؛ لأنَّه منكرٌ للخلع، والمرأةُ تدَّعيه.
(ويسقطُ الخلعُ والمبارأةُ
(2)
كلَّ حقٍّ لكلِّ واحدٍ منهما على الآخرِ ممِّا يتعلَّق بالنِّكاح)
(3)
: فلا يسقطُ ما لا يتعلَّقُ بالنِّكاح كثمنِ ما اشترت من الزَّوج، ويسقطُ ما لا يتعلَّقُ بالنِّكاحِ كالمهر، والنَّفقة الماضية، أمَّا نفقةُ العدَّة، فلا تسقطُ إلاَّ بالذِّكر، كذا في «الذَّخيرة»
(4)
، والمهرُ يسقطُ من غيرِ ذكرِه.
(وإن خَلَعَ الأبُ صبيَّتَهُ بمالها لم يجب عليها شيء
(5)
، وبقي مهرُها، وتطلقُ في الأصحّ
(6)
.
فإن خلعَها على أنه ضامنٌ
(7)
صحّ، وعليه المال، وإن شُرِطَ المالُ عليها تطلقُ بلا شيءٍ إن قبلت
(8)
. (والله أعلم)
(9)
).
(1)
أي الخلع يمين في جانبه وهو عقد تام لا يتوقف على قبول المرأة فلا يكون قوله: طلقتك أمس على ألف إقراراً لقبولها فلا يكون قوله: فلم تقبلي رجوعاً عنه حتى لا يسمع. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 127).
(2)
المبارأة: بفتح الهمزة جعلُ كلّ منهما بريئاً للآخر من الدعوى، وترك الهمزة خطأ. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 764).
(3)
صورة المبارأة: أن تقول له: بارئني، فيقول لها: بارأتك أو يقول لها ذلك، وتقول هي قبلت. وفي المسألة تفصيل كما في «رد المحتار» (2: 565).
(4)
الذخيرة البرهانية» (ق 109/ب).
(5)
لأن بدل الخلع تبرع، ومال الصبي لا يقبل التبرع. ينظر:«درر الحكام» (1: 392).
(6)
مقابلة: لما قيل: لا تطلق؛ لأنه معلق بلزوم المال وقد عدم، ووجه الأصح أنه معلق بقبول الأب وقد وجد. ينظر:«رد المحتار» (2: 568).
(7)
أي ملتزماً لا كفيلاً لعدم وجوب المال عليها. ينظر: «الدر المختار» (2: 569).
(8)
وهي من أهل القبول بأن تعقل أن النكاح جالب والخلع سالب، ولا يجب المال عليها؛ لأنها ليست من أهل الغرامة، ولا يسقط مهرها؛ لأنه لم يدخل تحت ولاية الأب، بل يبقى الكل دخل بها، والنصف لم يدخل بها. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 1110/أ).
(9)
زيادة من ص.
باب الظهار
هو تشبيهُ زوجتِه، أو ما عبِّرَ به عنها، أو جزءٍ شائعٍ منها بعضو يحرمُ نظرُه إليه من أعضاء محارمِه نسباً، أو رضاعاً: كأَنْتِ عليَّ كظهرِ أُمي، أو رأسُك، ونحوه، أو نصفُك كظهرِ أمِّي، أو كبطنِها، أو كفخذِها، أو كفرجِها، أو كظهرِ أختي، أو عمَّتي نسباً أو رضاعاً، ويصيرُ به مظاهراً، ويحرمُ وطؤها، ودواعيه حتَّى يُكفِّرَ، فإن وَطِئ قبلَه استغفر، وكفَّرَ للظِّهار فقط، ولا يعودُ حتَّى يُكفِّر، والعودُ الموجبُ للكفّارة: هو عزمُهُ على وطئها، وليس هذا إلاَّ ظهاراً. وفي: أنتِ عليَّ مثل أمِّي، أو كأمِّي إن نوى الكرامة، أو الظِّهار صحَّت
باب الظهار
(هو تشبيهُ زوجتِه، أو ما عبِّرَ به عنها، أو جزءٍ شائعٍ منها بعضو يحرمُ نظرُه إليه من أعضاء محارمِه نسباً، أو رضاعاً: كأَنْتِ عليَّ كظهرِ أُمي، أو رأسُك، ونحوه، أو نصفُك كظهرِ أمِّي، أو كبطنِها، أو كفخذِها، أو كفرجِها، أو كظهرِ أختي، أو عمَّتي (نسباً أو رضاعاً)
(1)
، ويصيرُ به مظاهراً، ويحرمُ وطؤها، ودواعيه حتَّى يُكفِّرَ، فإن وَطِئ قبلَه): أي قبل التَّكفير، (استغفر، وكفَّرَ للظِّهار فقط): أي تجبُ كفارةُ الظِّهار، ولا يجبُ شيءٌ آخرُ للوطءِ الحرام.
(ولا يعودُ حتَّى يُكفِّر): أي لا يطأها ثانيةً حتَّى يُكفِّر.
(والعودُ
(2)
الموجبُ للكفّارة: هو عزمُهُ على وطئها، وليس هذا
(3)
إلاَّ ظهاراً): أي ما ذُكِرَ ليس إلاَّ ظهاراً سواءٌ نوى، أو لم ينوِ شيئاً، ولا يكون طلاقاً، أو إيلاء.
(وفي: أنتِ عليَّ مثل أمِّي، أو كأمِّي إن نوى الكرامة، أو الظِّهار صحَّت): ي نيَّتُه
(1)
زيادة من ف و ق.
(2)
أي معنى العود الذي تجب في الكفارة كما في قوله تعالى: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لَمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} .
(3)
أي هذه الصور التي فيها تشبيه زوجته بعضو من أعضاء محارمِه ليست إلا ظهاراً ولا تحتملُ غيرَه. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 131).
وإن نَوَى الطَّلاقَ بانَت، وإن لم ينوِ شيئاً لَغَا. وبأنتِ عليَّ حرامٌ كأمِّي صحَّ ما نوى من طلاق، أو ظهار. وأنتِ عليَّ حرامٌ كظهرِ أمِّي ظهارٌ لا غير، وإن نوى طلاقاً أو إيلاء. وخصَّ الظِّهارَ بزوجتِه، فلم يصحَّ من أمتِه، ولا ممَّن نكحَها بلا أمرِها، ثُمَّ ظاهرَ منها، ثُمَّ أجازَت. وبأنتُنَّ عليَّ كظهرِ أمِّي لنسائِهِ تجبُ لكلٍّ كفارةٌ على حدة.
[فصل في الكفارة]
وهي: عتقُ رقبة، وجازَ فيها المسلمُ والكافر
(وإن نَوَى الطَّلاقَ بانَت، وإن لم ينوِ شيئاً لَغَا
(1)
.
وبأنتِ عليَّ حرامٌ كأمِّي صحَّ ما نوى من طلاق، أو ظهار
(2)
.
وأنتِ عليَّ حرامٌ كظهرِ أمِّي ظهارٌ لا غير، وإن نوى طلاقاً أو إيلاء
(3)
.
وخصَّ الظِّهارَ بزوجتِه، فلم يصحَّ من أمتِه، ولا ممَّن نكحَها بلا أمرِها، ثُمَّ ظاهرَ منها، ثُمَّ أجازَت
(4)
.
وبأنتُنَّ عليَّ كظهرِ أمِّي لنسائِهِ تجبُ لكلٍّ كفارةٌ (على حدة)
(5)
.
[فصل في الكفارة]
وهي: عتقُ رقبة، وجازَ فيها المسلمُ والكافر)، وفيه خلافُ
(1)
لأنه كلام يحتمل وجوهاً: لأن مثل للتشبيه، وتشبيه الشيء بالشيء قد يكون من وجه وقد يكون من وجوه، فإذا نوى به البرّ والكرامة لم يكن مظاهراً؛ لأن ما نواه محتمل، ومعناه أنت عندي في استحقاق البرّ والكرامة كأمي، وإن نوى الظهار فظهار؛ لأنه شبهها بجميع الأم، ولو شبهها بظهر الأم كان ظهاراً، فإذا شبهها بجميع الأم كان أولى، وإن لم يكن له نية فليس ذلك بشيء. ينظر:«المبسوط» (6: 228).
(2)
لأنه إذا ذكر مع التشبيه التحريم لم يحتمل معنى الكرامة، فتعين التحريم، وهو يحتمل تحريم الظهار ويحتمل تحريم الطلاق، فيرجع إلى نيته فإن لم يكن له نية يكون ظهاراً؛ لأن حرف التشبيه يختص بالظهار فمطلق التحريم يحمل عليه. ينظر:«البدائع» (3: 232).
(3)
أي فهذا اللفظ لا يثبت به إلا الظهار، فلو نوى الطلاق أو الإيلاء، أو قال: لم أنو به شيئاً، يكون ظهاراً. ينظر:«العناية» (4: 249).
(4)
هذه المسألة تفريع على ما قبلها: ومعناها: أي لو ظاهر من امرأة نكاحها موقوف لا يصح ظهاره؛ لأنها حين ظاهر منها الرجل لم تكن زوجته فلم يصح ظهارها. وتمامه في «البناية» (4: 699).
(5)
زيادة من م.
والذَّكر، والأُنثى، والصَّغير، والكبير، والأصمّ، والأعورُ ومقطوعُ إحدى يديه، وإحدى رجليه من خلاف، ومكاتَبٌ لم يؤدِّ شيئاً، وشراءُ قريبِهِ بنيَّةِ كفارتِه، وإعتاقُ نصفِ عبدِه، ثُمَّ باقيه. لا فائتَ جنسِ المنفعة: كالأعمى، ومجنونٍ لا يعقل، والمقطوعُ يداه، أو إبهاماه، أو رجلاه، أو يدٌ ورجلٌ من جانب، ولا مدبَّر، ولا مكاتَبٌ أدَّى بعضَ بدلِه، وإعتاقُ نصفِ عبدٍ مشترك، ثُمَّ باقيه بعد ضمانِه
الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه، وتحقيقُهُ في أصول الفقه في حملِ المطلقِ على المقيَّد
(2)
، (والذَّكر، والأُنثى، والصَّغير، والكبير، والأصمّ): أي مَن يكون في أذنيه وَقْر
(3)
، أمَّا مَن لا يسمعَ أصلاً ينبغي أن لا يجوز؛ لأنه فائتٌ جنسَ المنفعة، (والأعورُ ومقطوعُ إحدى يديه، وإحدى رجليه من خلاف، ومكاتَبٌ لم يؤدِّ شيئاً، وشراءُ قريبِهِ بنيَّةِ كفارتِه، وإعتاقُ نصفِ عبدِه، ثُمَّ باقيه
(4)
.
لا فائتَ جنسِ المنفعة: كالأعمى، ومجنونٍ لا يعقل)، احتزازٌ عمَّن يجنُّ ويفيق، (والمقطوعُ يداه، أو إبهاماه
(5)
، أو رجلاه، أو يدٌ ورجلٌ من جانب، ولا مدبَّر، ولا مكاتَبٌ أدَّى بعضَ بدلِه، وإعتاقُ نصفِ عبدٍ مشترك، ثُمَّ باقيه بعد ضمانِه)؛ لأنَّه انتقصَ نصيبُ صاحبه في ملكِه
(6)
، ثُمَّ يتحوَّل إلى ملكِ المعتِقِ بالضَّمان، وعندهما يجوزُ
(7)
إذا كان المعتِقُ موسراً؛ لأنَّه يملكُ نصيبَ صاحبِهِ بالضَّمان، فكأنَّه أعتقَ كلَّه عن الكفّارة بخلاف ما إذا كان معسراً، فإنَّ عندهما الواجبُ السِّعاية في نصيبِ الشَّريك، فيكونُ إعتاقاً بعوض.
(1)
ينظر: «المنهاج» (3: 360)، و «المحلي على المنهاج» (4: 22)، و «نهاية المحتاج» (7: 92)، وغيرها.
(2)
لا يحمل المقيد في كفارة القتل على المطلق في كفارة الظهار عند الأحناف، وهو من نوع ما اتحدّ فيه الحكم واختلفت فيه الحادثة. ينظر:«تجريد التجريد» (ص 28)، و «الفصول في الأصول» (1: 310)، و «البحر المحيط» (5: 30)، و «شرح الكوكب المنير» (ص 421)، و «حاشية العطار» (2: 81).
(3)
الوَقْر: الثقل في الأذن. ينظر: «مختار» (ص 732).
(4)
أي قبل وطء من ظاهر منها؛ لأنه اعتقه بكلامين، والنقصان متمكن على ملكه بسبب عتاق بجهة الكفارة؛ وذلك لا يمنع الجواز. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 451).
(5)
لأن قوة البطش بهما فبفواتهما يفوت جنس المنفعة. ينظر: «الهداية» (2: 20).
(6)
لتعذُّر استدامة الملك فيه، ثم يتحوَّل إليه بالضمان ما بقي منه، فكان في المعنى إعتاق عبد إلاَّ شيئاً، ومثله يمنعُ الكفارة. ينظر:«العناية» (4: 264).
(7)
لأن الإعتاق لا يتجزأ عندهما. ينظر: «التبيين» (3: 9).
ونصفُ عبدِهِ عن تكفيرِه، ثُمَّ باقيه بعد وطءِ مَن ظاهرَ منها، وإن عجزَ عن العتقِ صامَ شهرينِ ولاءً ليس فيهما شهرُ رمضان، ولا خمسةٌ نُهِي صومُها، وإن أفطرَ بعذر، أو بغيرِه، أو وطِئها في الشَّهرين ليلاً عمداً، أو يوماً سهواً، استأنفَ الصَّوم لا الإطعام إن وطِئها في خلاله، وإن عجزَ عن الصَّومِ أطعم هو أو نائبه ستِّين مسكيناً كلاً قدرَ الفِطْرَة، أو قيمتَه، وإن غدَّاهم وعشَّاهم، وأشبعَهم فيهما وإن قلَّ ما أكلوا، أو أعطى
(ونصفُ عبدِهِ عن تكفيرِه، ثُمَّ باقيه بعد وطءِ مَن ظاهرَ منها)؛ لأن الإعتاقَ يجبُ أن يكونَ قبل المسيس، وعندهما يجوز؛ لأنَّ إعتاقَ البعضِ إعتاقُ الكلِّ عندهما.
(وإن عجزَ عن العتقِ صامَ شهرينِ ولاءً ليس فيهما شهرُ رمضان، ولا خمسةٌ نُهِي صومُها
(1)
، وإن أفطرَ بعذر، أو بغيرِه، أو وطِئها في الشَّهرين ليلاً عمداً، أو يوماً سهواً
(2)
، استأنفَ الصَّوم لا الإطعام إن وطِئها في خلاله)، (هذا عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهم)
(3)
، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه لا يستأنِفُ الصَّوم؛ لأنَّه يجبُ أن يكونَ متتابعاً مُقدَّماً على المسيس، فالتَّتابع حاصل، بقي أن التَّقدُّمَ على المسيسِ غيرُ حاصل، لكنَّه إن استأنفَ يكونُ الكلُّ مؤخَّراً عن المسيس، ولو لم يستأنفْ فبعضُهُ مقدَّمٌ على المسيس، فهذا أَوْلَى، ولأبي حنيفةَ ومحمَّدٍ رضي الله عنهم أنَّه يجبُ أن يكونَ مقدَّماً على المسيسِ خالياً عنه، فالتَّقدُّمُ على المسيس قد فات، لكنَّ خُلُوَّهُ عن المسيسِ ممكن، فتجبُ رعايته.
(وإن عجزَ عن الصَّومِ أطعم هو أو نائبه ستِّين مسكيناً كلاً قدرَ الفِطْرَة، أو قيمتَه)، هذا عندنا، وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(4)
رضي الله عنه لا يجوزُ دفعُ القيمة، «وإن غدَّاهم وعشَّاهم وأشبعَهم فيهما)
(5)
): أي في الغداءِ والعشاء
(6)
، (وإن قلَّ ما أكلوا، أو أعطى
(1)
وهي: يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق.
(2)
لفوات التتابع، وهو قادر على التتابع عادة بخلاف المرأة إذا أفطرت في كفارة الظهار والقتل بعذر الحيض فإنها لا تستأنف لأنها معذورة عادة لا تجد شهرين متتابعين لا تحيض فيهما. ينظر:«البناية» (4: 715).
(3)
زيادة من أ و ف.
(4)
ينظر: «التنبيه» (ص 120)، و «المنهاج» وشرحه «المحتاج» (3: 362)، وغيرها.
(5)
زيادة من ب و م.
(6)
لأن المعتبر دفع حاجة اليوم، والعادة حدوث الحاجة في كل يوم مرتين. ينظر:«كشف الحقائق» (1: 221).
مَنَّ بُرّ، ومنوي تمر، أو شعير، أو واحداً شهرين جاز، وفي يومٍ واحدٍ قدرَ الشَّهرينِ لا يجوزُ إلاَّ عن يومِه، وإن أطعمَ ستّينَ مسكيناً كلاً صاعاً من بُرٍّ عن ظهارين لم يصحَّ إلاَّ عن ظهارٍ واحد، وعن إفطارٍ وظهارٍ صحّ، كصومِ أربعةِ أشهر، أو إطعامِ مئةٍ وعشرينَ مسكيناً، أو إعتاقِ عبدينِ عن
مَنَّ
(1)
بُرّ، ومنوي تمر، أو شعير، أو واحداً شهرين جاز، وفي يومٍ واحدٍ قدرَ الشَّهرينِ لا يجوزُ
(2)
إلاَّ عن يومِه): أي أعطى شخصاً واحداً في يومٍ واحدٍ قدرَ الشهرينِ لا يجوز إلاَّ عن هذا اليوم، هذا مذهبُنا، وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه فلا بُدَّ من التَّمليك، كما في الكسوة، ووجهُ قولنا: ما ذُكِرَ في أصولِ الفقهِ في دلالةِ
(4)
النَّص: إنّ الإطعامَ جعلُ الغيرِ طاعماً، وهو بالإباحة
…
إلى آخرِه.
(وإن أطعمَ ستّينَ مسكيناً كلاً صاعاً
(5)
(من بُرٍّ)
(6)
عن ظهارين
(7)
لم يصحَّ إلاَّ عن ظهارٍ واحد، وعن إفطارٍ
(8)
وظهارٍ صحّ)، هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسفَ رضي الله عنهم، وأمَّا عند محمَّد رضي الله عنه يجوزُ عن الظِّهارين، هما يقولان النِيَّةُ تعملُ عند اختلافِ الجنسينِ كالإفطار والظِّهار، لا عند اتِّحادِهما، فإذا لَغَت النِيَّة والصَّاعُ يصلحُ كفارةً واحدة؛ لأنَّ نصفَ الصَّاعِ من أدنى المقادير، فالمؤدَّى وهو الصَّاعُ يصلحُ كفارةً واحدةً جَعَلَها للظَّهارين فلا يصحّ
(9)
.
(كصومِ أربعةِ أشهر، أو إطعامِ مئةٍ وعشرينَ مسكيناً، أو إعتاقِ عبدينِ عن
(1)
المَنّ: 1058.4 غرام. ينظر: «الفقه الإسلامي وأدلته» (1: 144)، و «معجم الفقهاء» (ص 404)، «المقادير الشرعية» (ص 78).
(2)
زيادة م: م.
(3)
ينظر: «الغرر البهية» (4: 321)، و «مغني المحتاج» (3: 366)، و «تحفة الحبيب» (4: 25)، وغيرهم.
(4)
ينظر: «كشف الأسرار شرح أصول البزدوي» (2: 216)، و «التوضيح» (1: 254)، و «التقرير والتحبير» (3: 137)، وغيرها.
(5)
الصاع: 4233.6 غرام. ينظر: «معجم الفقهاء» (ص 404)، «المقادير الشرعية» (ص 78).
(6)
زيادة أ و ب و س و م.
(7)
أي ظهارين من امرأة، أو امرأتين دفعة واحدة، أما لو كان بدفعات جاز اتفاقاً؛ لأن المرة الثانية كمسكين آخر. ينظر:«رد المحتار» (2: 584).
(8)
أي إفطار في رمضان عامداً.
(9)
أي فلا يصح جعلها للظهارين بل لظهار واحد.
ظهارين، وإن لم يعيِّنْ واحداً لواحد، وفي إعتاقِ عبدٍ عنهما، أو صومِ شهرين، له أن يعيِّن لأيٍّ شاء. وإن أعتقَ عن قتلٍ وظهارٍ لم يجزْ عن واحد، وكفَّرَ عبدٌ ظاهرَ بالصَّومِ فقط لا سيِّدُه بالمالِ عنه.
باب اللعان
مَن قذفَ بالزِّنا زوجتَه العفيفة، وكلٌّ صَلَحَ شاهداً، أو نفى ولدَها وطالبَتْ به لَاعَن، فإن أبى
ظهارين، وإن لم يعيِّنْ واحداً لواحد)؛ لأنَّ الجنسَ في الظِّهارينِ متحدٌ فلا يجبُ التَّعيُّن.
(وفي إعتاقِ عبدٍ عنهما، أو صومِ شهرين، له أن يعيِّن لأيٍّ شاء
(1)
.
وإن أعتقَ عن قتلٍ وظهارٍ لم يجزْ عن واحد)، وعند زُفَر رضي الله عنه لا يجزئُهُ عن أحدهما في الفصلين
(2)
، وعند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه يُجْعَلُ عن أحدهما في الفصلين
(4)
.
(وكفَّرَ عبدٌ ظاهرَ بالصَّومِ فقط لا سيِّدُه بالمالِ عنه)؛ لأنَّ الكفارةَ عبادة، ففعلُ الآخرِ لا يكون فعله.
باب اللعان
(مَن قذفَ بالزِّنا زوجتَه العفيفة): أي عن فعلِ الزِّنا غيرَ متَّهمةٍ به كمَن يكون معها ولد، ولا يكون له أبٌ معروف، وإنِّما اقتصرَ على كونِ الزَّوجةِ عفيفة، ولم يقل: والمرأة ممَّن يحدُّ قاذفُها، كما قال في «الهداية»
(5)
، ولا شكَّ أن العِفَّةَ أعمُّ من كونِها ممَّن يحدُّ قاذفُها؛ لأنَّ اشتراطَ كونِهما من أهل الشَّهادة، يدلُّ على الحريَّة، والتكليف، والإسلام، فلا حاجةَ إلى قولِه: وهي ممَّن يحدُّ قاذفُها، بل يكفي ذِكْرُ العِفَّة، (وكلٌّ صَلَحَ شاهداً، أو نفى ولدَها وطالبَتْ به): أي بموجبٍ القذف، (لَاعَن، فإن أبى):
(1)
أي صح تعيينه عن أي الظهارين شاء.
(2)
أي في اتحاد الجنس واختلافه. ينظر: «حاشية كشف الحقائق» (1: 223).
(3)
ينظر: «تحفة المحتاج» (8: 190)، و «نهاية المحتاج» (7: 91)، و «فتوحات الوهاب» (4: 414)، وغيرها.
(4)
لأن الكفارات كلها باعتبار اتحاد المقصود جنس واحد، فالنية في الجنس الواحد لا تفيد، ويبقى نية أصل الكفارة، وذلك يكفي، فله أن يجعل بعد ذلك عن أيهما. ينظر:«البناية» (4: 726).
(5)
الهداية» (2: 23).
حُبِسَ حتَّى يُلاعن، أو يُكَذِّبَ نفسَه فيحدّ، فإن لَاعنَ لَاعَنَت، وإلاَّ حُبِسَت حتَّى تلاعنَ أو تُصَدِّقَه، فإن كان هو عبداً، أو كافراً، أو محدوداً في قذفٍ حدّ، وإن صَلَحَ هو شاهداً، وهي أمةٌ، أو كافرةٌ، أو محدودةٌ في قذف، أو صبيَّةٌ، أو مجنونةٌ، أو زانيَّةٌ فلا حدَّ عليه، ولا لعان، وصورتُهُ: أن يقولَ هو أوَّلاً أربعَ مرَّات: أشهدُ باللهِ أنّي صادقٌ فيما رميتُها به من الزِّنا، وفي الخامسة: لعنةُ اللهِ عليه إن كان كاذباً فيما رماها به من الزِّنا؛ مشيراً إليها
أي امتنعَ عن اللِّعان، (حُبِسَ حتَّى يُلاعن، أو يُكَذِّبَ نفسَه فيحدّ): (أي بعد التَّكذيب)
(1)
، (فإن لَاعنَ لَاعَنَت، وإلاَّ حُبِسَت حتَّى تلاعنَ أو تُصَدِّقَه): فينفي نسبَ ولدِها عنه، لكن لا يجبُ عليها الحدُّ بهذا التَّصديق.
(فإن كان هو عبداً، أو كافراً، أو محدوداً في قذفٍ حدّ)
(2)
؛ لأنَّه ليس من أهل اللِّعان؛ لعدم أهليَّة الشَّهادة.
(وإن صَلَحَ هو شاهداً، وهي أمةٌ، أو كافرةٌ، أو محدودةٌ في قذف، أو صبيَّةٌ، أو مجنونةٌ، أو زانيَّةٌ
(3)
فلا حدَّ عليه، ولا لعان)
(4)
؛ لأنها إن اتَّصفَتْ بالزِّنا لا تكون عفيفة، وإن اتِّصفَتْ بغيرِه ممَّا ذُكِرَ لا تكون أهلاً للشَّهادة، فلا حدَّ على الزَّوج؛ لعدم إحصانِها، ولا لعان؛ لعدم عفَّتِها، وأهليتِها للشَّهادة.
(وصورتُهُ: أن يقولَ هو أوَّلاً أربعَ مرَّات: أشهدُ باللهِ أنّي صادقٌ فيما رميتُها به من الزِّنا، وفي الخامسة: لعنةُ اللهِ عليه إن كان كاذباً فيما رماها به من الزِّنا؛ مشيراً إليها
(1)
زيادة من م.
(2)
يعني إذا كانت هي من أهل اللعان بأن كانت صالحة للشهادة عليه؛ لأن اللعان تعذر لمعنى من جهته فيصار إلى الموجب الأصلي، وهو الثابت بقوله تعالى:{وَالَّذينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَات} الآية، ولا يتصوَّر أن يكون الزَّوج كافراً، وهي مسلمةً إلا إذا كانا كافرين فأسلمت، ثم قذفها قبل عرض الإسلام عليه. ينظر:«التبيين» (3: 17 - 18).
(3)
أي كان ظهور زناها بين الناس كذلك، أو تزوجها بنكاح فاسد، أو لدها من غير أب معروف. ينظر:«البناية» (4: 735).
(4)
وهذا بناءً على أن الركن في باب اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان من الجانبين مزكاة باللعن والغضب قائمة مقام حد القذف من وجه في جانب الزوج، ومن وجه في جانب المرأة قائم مقام حد الزنا من وجه، فيشترط أهلية الشهادة من الجانبين واحصان المرأة لوجوبها؛ لأن قذف غير المحصنة لا يوجب الحد على القاذف. ينظر:«المحيط» (ص 278).
في جميعه، ثُمَّ تقولُ هي أربعَ مرَّات: أشهدُ باللهِ إنَّه كاذبٌ فيما رماني به من الزِّنا، وفي الخامسة: غضبُ اللهِ عليها، إن كان صادقاً فيما رماني به من الزِّنا، ثُمَّ يُفَرِّقُ القاضي بينهما، وإن قَذَفَ بنفي الولد، أو به، وبالزِّنا، ذكرا فيه ما قذف به، ثُمَّ يفرِّقُ القاضي، وينفي نسبَه، ويُلْحقُهُ بأمِّه، وتبينُ بطلقةٍ، فإن أكذبَ نفسَهُ حُدّ، وحلَّ له نكاحُها، وكذا إن قذفَ غيرَها فَحُدَّ به، أو زنت فَحُدَّت
في جميعه، ثُمَّ تقولُ هي أربعَ مرَّات: أشهدُ باللهِ إنَّه كاذبٌ فيما رماني به من الزِّنا، وفي الخامسة: غضبُ اللهِ عليها
(1)
، إن كان صادقاً فيما رماني به من الزِّنا، ثُمَّ يُفَرِّقُ القاضي بينهما، وإن قَذَفَ بنفي الولد، أو به، وبالزِّنا، ذكرا فيه): أي في اللِّعان، (ما قذف به):(أي من الزِّنا، ونفي الولد)
(2)
.
(ثُمَّ يفرِّقُ القاضي، وينفي نسبَه، ويُلْحقُهُ بأمِّه، وتبينُ بطلقةٍ، فإن أكذبَ نفسَهُ حُدّ، وحلَّ له نكاحُها)؛ لأنَّه لم يبقَ اللِّعانُ بينهما، وقولُهُ صلى الله عليه وسلم:«المُتَلاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدَاً»
(3)
: أي ما داما متلاعنين؛ لأنَّه علَّة عدم اجتماعِهما اللِّعان، فلمَّا بطلَ اللِّعانُ لم يبقَ حكمُه، وهو عدمُ الاجتماع.
(وكذا إن قذفَ غيرَها فَحُدَّ به، أو زنت فَحُدَّت)
(4)
: أي حلَّ له نكاحُها إن قذفَ غيرَها بعد التَّلاعن فحدّ، أو زنت بعد التَّلاعن فحدَّت، فإنّ بقاءَ أهليةِ اللِّعان شرط؛ لبقاءِ حكمِه.
(1)
وإنما خصّ الغضبَ في جانبها؛ لأنها تتجاسر باللعن على نفسها كاذبة؛ لأن النساء تستعملن اللَّعن كثيراً كما في الحديث، فاختير الغضب لتتقي ولا تقدم عليه. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 458).
(2)
زيادة من م.
(3)
من حديث ابن عمر في «سنن البيهقي الكبير» (7: 409)، و «سنن الدارقطني» (3: 276)، و «مسند أبي حنيفة» (1: 155)، قال صاحب «التنقيح»: إسناده جيد. وفي «سنن الدارقطني» (3: 276) عن علي وعبد الله: (مضت السنة أن المتلاعنين لا يجتمعان أبداً). ووري موقوفاً عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن شهاب في «سنن أبي داود» (2: 273)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (4: 19)، و «مصنف عبد الرزاق» (7: 112)، و «المعجم الكبير» (9: 334)، وينظر:«نصب الراية» (3: 250) و «تلخيص الحبير» (3: 227)، و «خلاصة البدر» (2: 232)، وغيرها.
(4)
لم يقيِّد في «الغرر» (1: 398) بالحدّ في زناها، وعلل ذلك في «درر الحكام» (1: 398)؛ وذلك لأن مجردّ زناها يسقط إحصانها فلا حاجة إلى ذكر الحد، بخلاف القذف إذ لا يسقط به الإحصان. وأيَّده في ذلك عبد الحليم في «حاشيته» 1: 286) عليه، وصاحب «رد المحتار» (2: 590) وذكر وجوهاً لدفع الإشكال عن عبارة صاحب «الهداية» في التقييد بالحد، منها: أن يكون القيد اتفاقياً.
ولا لعانَ بقذفِ الأخرس، ونفي الحملِ عنه وإن وَلَدَت لأقلَّ من ستَّةِ أشهر، وبزنيت وهذا الحملُ منه تلاعنا، ولا ينفي القاضي الحمل، ومَن نفى الولد زمان التَّهنئة، أو شراءِ آلة الولادة صحّ، وبعده لا، ولاعن في حالتيه، وإن نفى أَوَّلَ توأمين، وأقرَّ بالآخرِ حدّ، وفي عكسِهِ لاعن، وصحَّ نَسَبُهُما منه في الوجهين
(ولا لعانَ بقذفِ الأخرس
(1)
، ونفي الحملِ عنه
(2)
وإن وَلَدَت لأقلَّ من ستَّةِ أشهر)، هذا عند أبي حنيفةَ وزفرَ رضي الله عنهم، وعند أبي يوسفَ ومحمَّدٍ رضي الله عنهم يجبُ اللِّعانُ إذا وَلَدَتْ لأقلَّ من ستَّةِ أشهر؛ لأنَّه حينئذٍ تبيَّنَ أنَّه كان موجوداً وقتَ النَّفي، ولأبي حنيفةَ وزُفر
(3)
رضي الله عنهم أنَّه لا يتيقَّنُ بوجودِ الحمل، وفيما إذا وَلَدَتْ لأقلَّ من ستةِ أشهر، فيصيرُ كأنَّهُ قال: إن كنتِ حاملاً، فحملُكِ ليس منِّي، ثُمَّ تبيَّنَ أنَّها كانت حاملاً، والقذفُ لا يصحُّ تعليقُه.
(وبزنيت وهذا الحملُ منه تلاعنا، ولا ينفي القاضي الحمل)؛ لأنَّ تلاعُنَهما كان بسببِ قولِهِ: زنيت، لا بنفي الحمل.
(ومَن نفى الولد زمان التَّهنئة
(4)
، أو شراءِ آلة الولادة
(5)
صحّ، وبعده لا، ولاعن في حالتيه): أي في حالةِ النَّفي زمانَ التَّهنئة، وحال النَّفي بعد زمانِ التَّهنئة.
(وإن نفى أَوَّلَ توأمين
(6)
، وأقرَّ بالآخرِ حدّ)؛ لأنَّه أكذبَ نفسَهُ بدعوى الثَّاني؛ لأنَّهما خلقا من ماءٍ واحد، (وفي عكسِهِ لاعن): أي إن أقرَّ بالأوَّل، ونفى الثَّاني لاعن؛ لأنَّه قذفَ بنفي الثَّاني، ولم يرجعْ عنه، (وصحَّ نَسَبُهُما منه
(7)
في الوجهين)؛ لاعترافِهِ بأحدِهما، وهما خُلِقا من ماءٍ واحد.
(1)
لأنه فقد الركن وهو لفظ: أشهد، ولذا لا تلاعن بالكتابة. ينظر: «الدر المختار) (2: 590).
(2)
أي قبل وضعه بأن قال لامرأته ليس حملك مني. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 460).
(3)
زيادة من أ.
(4)
ولم يعيِّن لها مقداراً في ظاهر الرواية، وذكر أبو الليث عن أبي حنيفة رضي الله عنه تقديرها بثلاثة أيام، وروى الحسن عنه: سبعة؛ لأنها أيام التهنئة. وضعَّفه السرخسي بأن نصبَ المقادير بالرأي متعذِّر. وعندهما: هي مقدرة بمدة النفاس؛ لأنها أثر الولادة. ينظر: «فتح القدير» (4: 295).
(5)
أي كالمهد ونحوه. ينظر: «رد المحتار» (2: 591).
(6)
أي ولدين من بطن واحد بين ولادتهما أقلّ من ستة أشهر. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 460).
(7)
زيادة من أ و ب و س و م.
باب العنين
إن أقرَّ أنه لم يصلْ إليها أجَّلَه الحاكمُ سنةً قمريَّةً في الصَّحيح، ورمضانُ وأيَّام حيضِها منها، لا مدَّةَ مرضِهِ ومرضِها، فإن لم يصلْ فيها فرَّقَ القاضي بينهما إن طلبَتُه، وتبينُ بطلقة، ولها كلُّ المهرِ إن خلا بها، وتجبُ العدَّة. وإن اختلفا، وكانت ثيّباً، أو بكراً فنظرَتْ النِّساءُ فقُلْنَ: ثيّب، حُلِّف، فإن حَلَفَ بطل حقُّها، وإن نكل، أو قُلْنَ: بكر، أُجِّل. ولو أُجِّل، ثُمَّ اختلفا، فالتقسيمُ هنا كما مرّ، وبطلَ حقُّها بحلفِه حيث بطلَ ثَمَّة، كما لو اختارَتْه، وخُيِّرَتْ هنا حيث أُجِّلَ ثمَّة
باب العنين
(1)
(إن أقرَّ أنه لم يصلْ إليها أجَّلَه الحاكمُ سنةً قمريَّةً في الصَّحيح): روايةُ الحَسَن عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنَّه يؤجَّلُ سنةً شمسيَّة، وفي ظاهرِ الرِّواية: سنةً قمريَّة، فالسَّنةُ الشَّمسيَّة مُدَّةُ وصولِ الشَّمس إلى النُّقطةِ التي فارقَتها من فلكِ البروج، وذلك في ثلاثمئةٍ وخمسةٍ وستينَ يوماً وربعِ يوم، والسَّنةُ القمريةِ اثنا عشرَ شهراً قمريَّاً، ومدَّتُها ثلاثُمئةٍ وأربعةٌ وخمسونَ يوماً، وثُلُثُ يوم، وثُلُثُ عشرِ يوم.
(ورمضانُ وأيَّام حيضِها منها، لا مدَّةَ مرضِهِ ومرضِها
(2)
، فإن لم يصلْ فيها فرَّقَ القاضي بينهما إن طلبَتُه): أي إن طلبَتِ المرأةُ التَّفريق، (وتبينُ بطلقة، ولها كلُّ المهرِ إن خلا بها، وتجبُ العدَّة.
وإن اختلفا): عطفٌ على قولِهِ: إن أقرّ، فالمرادُ الاختلافُ ابتداءً لا بعد التَّأجيل، (وكانت ثيّباً، أو بكراً فنظرَتْ النِّساءُ فقُلْنَ: ثيّب، حُلِّف، فإن حَلَفَ بطل حقُّها، وإن نكل، أو قُلْنَ: بكر، أُجِّل.
ولو أُجِّل، ثُمَّ اختلفا، فالتقسيمُ هنا كما مرّ، وبطلَ حقُّها بحلفِه حيث بطلَ ثَمَّة، كما لو اختارَتْه
(3)
، وخُيِّرَتْ هنا حيث أُجِّلَ ثمَّة): أي لا يخلو: إمِّا إن كانت
(1)
العنين: وهو ما لا يصل إلى النساء، أو يصل إلى الثيب دون الأبكار. ينظر:«الكنْز» (ص 62).
(2)
أي أمر لا يستطيع معه الوطء. وبه يفتى. ينظر: «الدر المختار» وحاشيته «رد المحتار» (2: 595).
(3)
أي يبطل حقها بحلفه وكانت ثيباً، وكذلك لو اختارته؛ لأنها رضيت به، والاختيار شامل لأن يكون حقيقة أو حكماً، كما لو قامت من مجلسها أو أقامها أعوان القاضي أو أقام القاضي قبل أن تختار شيئاً وعليه الفتوى. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 463).
والخصيُّ كالعنين فيه. وفي المجبوبِ فُرِّقَ حالاً بطلبِها ولا يتخيَّرُ أحدُهما بعيبِ الآخر.
ثيباً، أو كانت بكراً، فنظرَتِ النِّساء فقلنَ: ثيب، حُلِّف، فإن حَلَفَ بطلَ حقُّها، كما في الاختلافِ قبل التَّأجيل، وإن نكلَ خُيِّرَتْ المرأة، وإن قُلْن: هي بكرٌ خُيِّرَتْ أيضاً، وقولُهُ: كما لو اختارَتْه، فإنَّ المرأةَ إن اختارَتْ زوجَها بطلَ حقُّها في طلبِ التَّفريق.
(والخصيُّ كالعنين فيه): أي في التَّأجيل، (وفي المجبوبِ فُرِّقَ حالاً): أي في الحال، (بطلبِها): إذ لا فائدةَ في تأجيلِه بخلافِ الخصيّ، فإنَّ الوطئَ منه متوقَّع.
(ولا يتخيَّرُ أحدُهما بعيبِ الآخر)، خلافاً للشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه في العيوبِ الخمسة، وهي: الجنون، والجُذام
(2)
، والبرص، والقَرْن
(3)
، والرِّتق، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه إن كان بالزَّوج جنون، أو جُذام، أو برص، فالمرأةُ بالخيار، وإن كان بالمرأةِ لا؛ لأنَّه يمكنُ للزَّوجِ دفعُ الضَّرر عن نفسِهِ بالطَّلاق. (والله أعلم)
(4)
.
* * *
(1)
ينظر: «الأم» (8: 277)، و «الغرر البهية» (4: 161)، و «المحلي على المنهاج» (3: 262)، وغيرها.
(2)
الجُذام: داء يتشقق به الجلد وينتن ويقطع اللحم. ينظر: «جامع الرموز» (1: 337)، «اللسان» (1: 578).
(3)
القَرْن: أي في الفرج: مانعٌ يمنعُ من سلوك الذكر فيه إما غدة غليظة أو لحمة مرتتقة أو عظم. ينظر: «المغرب» (ص 381).
(4)
زيادة من ق.
باب العدة
هي لحرَّةٍ تحيضُ للطَّلاقِ والفَسْخِ ثلاثُ حِيَضٍ كواملَ: كأمِّ ولدٍ ماتَ مولاها، أو أعتقَها، وموطوءةٍ بشبهة أو نكاحٍ فاسد في الموتِ والفرقة ولمَن لم تَحِضْ؛ لصِغَرٍ، أو كِبَر، أو بَلَغَتْ بالسِّنّ، ولم تَحِضْ ثلاثةَ أَشْهُرٍ، وللموت أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ، ولأمةٍ تحيضُ حيضتان، ولمَن لم تحض، أو مات عنها زوجُها نصفَ ما للحرَّة، وللحاملِ الحرَّة أو الأمة
باب العدة
(هي لحرَّةٍ تحيضُ للطَّلاقِ والفَسْخِ): كالفسخ: بخيارِ البلوغ، وملكِ أحدِ الزَّوجينِ الآخر
(1)
، وتقبيلِها ابنَ الزَّوجِ بشهوة، وارتدادِ أحدِهما، وعدمِ الكفاءة، (ثلاثُ حِيَضٍ كواملَ)، أفادَ بقولِهِ: كوامل؛ أنَّه إذا طلَّقَها في الحيضِ لا يحتسبُ هذا الحيضُ من العدَّة.
(كأمِّ ولدٍ ماتَ مولاها، أو أعتقَها، وموطوءةٍ بشبهة)، كما إذا زُفَّت إليه غيرُ امرأتِه، وهو لا يعرفُها فوطِئَها، (أو نكاحٍ فاسد)، كالنِّكاح المؤقَّت، (في الموتِ والفرقة)، يتعلَّقُ بالوطءِ بالشُّبهةِ والنِّكاح الفاسد، فالعدَّةُ فيها ثلاثُ حِيَضٍ سواءٌ ماتَ الزَّوج، أو وَقَعَ بينَهما فُرْقةٌ.
(ولمَن لم تَحِضْ) عطفٌ على قولِهِ لحرَّة تحيض، (لصِغَرٍ، أو كِبَر، أو بَلَغَتْ بالسِّنّ، ولم تَحِضْ ثلاثةَ أَشْهُرٍ): أي العدَّة لحرَّةٍ لا تحيضُ لصغرِ ونحوهِ للطَّلاق والفسخِ ثلاثةُ أشهر.
(وللموت أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ): قولُهُ: وللموتِ عطفٌ على قولِهِ: للطَّلاق، والفسخُ معناهُ العدَّةُ للحرَّة للموتِ أربعةَ أشهرٍ وعشر.
(ولأمةٍ تحيضُ حيضتان، ولمَن لم تحض، أو مات عنها زوجُها نصفَ ما للحرَّة): أي العدَّةُ لأمةٍ تحيضُ للطَّلاقِ والفسخِ حيضتان، ولأمةٍ لم تحضْ للطَّلاق والفسخِ نصفُ ما للحرَّة، أي شهرٌ ونصفُ شهر، وأمَّا للموتِ فنصفُ ما للحرَّةِ أيضاً، وهو شهرانِ وخمسةُ أيَّام.
(وللحاملِ الحرَّة أو الأمة)، فإنَّه لا فرقَ في الحاملِ بين أن تكونَ حرَّة، أو أمة،
(1)
هذا ليس على إطلاقه بل هو فيما إذا ملكته لا فيما إذا ملكها. ينظر: «الشرنبلالية» (1: 401).
وإن ماتَ عنها صبيٌّ وَضْعُ حَمْلِها، ولمِنَ حَبَلَتْ بعد موتِ الصَّبيِّ عدَّةُ الموت، ولا نسبَ في وجهيه
(وإن ماتَ عنها صبيٌّ
(1)
وَضْعُ حَمْلِها): أي وإن كان زوجُها الميِّتِ صبيِّاً فعدَّتُها بوضعِ الحمل
(2)
.
وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه والشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه عدَّتُها عدَّةُ الوفاة؛ لأنَّ العدَّةَ بوضعِ الحملِ إنِّما تجبُ لصيانةِ الماء، وذلك في ثابتٍ النَّسب، وهنا لا يثبتُ النَّسبُ عن الصَّبيّ.
ولأبي حنيفة رضي الله عنه ومحمَّد رضي الله عنه أنَّ قولَهُ تعالى: {وَأُوْلَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلَهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(4)
نَزَلَ بعد قولِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفُّونَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجَاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَاً}
(5)
فيكونُ ناسخاً له في مقدارِ ما يتناولُهُ الآيتان، وهو حاملٌ توفِّي عنها زوجُها.
فإن قيل: المرادُ أولاتُ الأحمالِ اللآتي ثَبَتَ نسبُ حملِهنّ.
قلنا: لا نسلِّم، بل أولاتُ الأحمالِ اللآتي وجبَتْ عليهنَّ العدَّة، فعدَّتُهنَّ أن يضعنَ حملهنّ.
(ولمِنَ حَبَلَتْ بعد موتِ الصَّبيِّ
(6)
عدَّةُ الموت)؛ لأنَّها لم تكنْ حاملاً وقتَ موتِ الصَّبيِّ تُعيَّنَ عدَّةُ الموت، (ولا نسبَ في وجهيه): أي فيما حبلَتْ قبلَ موتِ الصَّبيّ، أو بعده.
(1)
المراد بالصبي غير المراهق؛ لأنه لو كان مراهقاً وجب أن يثبت النسب منه. ينظر: «الشرنبلالية» (1: 402).
(2)
إن ولدت لأقل من ستة أشهر عند الطرفين، ويجوز لها ان تتزوج قبل أن تطهر من نفاسها إلا أنه لا يقربها قبله كما في الحيض. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 446).
(3)
ينظر: «مغني المحتاج» (3: 338)، «المحلي على المنهاج» (4: 45)، و «تحفة الحبيب» (4: 46)، و «الأنوار القدسية في الأحوال الشخصية» (ص 128 - 129)، وغيرها.
(4)
من سورة الطلاق، الآية (4).
(5)
من سورة البقرة، الآية (234).
(6)
بأن ولدت بعد موته بستة أشهر، فعدتها بالأشهر إجماعاً؛ لعدم تحقق وجود الحمل حين الموت، فلم تكن من أولات الأحمال. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 446).
ولامرأةِ الفارِّ: للبائنِ أبعدُ الأجلين، وللرَّجعيِّ ما للموت. ولمَن أُعتِقَتْ في عدَّةِ رجعيٍّ كعدَّةِ حرَّة، وفي عدَّةِ بائن، أو موتٍ كأمة وآيسةٌ رأتِ الدَّمَ بعد عدَّةِ الأشهرِ تستأنفُ بالحيض
(ولامرأةِ الفارِّ: للبائنِ أبعدُ الأجلين): أي إن انقضَتْ عدَّةُ الطَّلاق، وهي ثلاثُ حيضٍ مثلاً، ولم تنقضِ عدَّةُ الموت، فلا بُدَّ أن تتربَّصَ انقضاءَ عدَّةِ الموت، ولو انقضَتْ عدَّةُ الموت، ولم تنقضِ عدَّةُ الطَّلاقِ، (فلا بُدَّ أن)
(1)
تتربَّصُ عدَّةُ الطَّلاق، (وللرَّجعيِّ ما للموت
(2)
.
ولمَن أُعتِقَتْ في عدَّةِ رجعيٍّ
(3)
كعدَّةِ حرَّة): أي عدَّتُها كعدَّة حرَّة، (وفي عدَّةِ بائن، أو موتٍ كأمة): أي عدَّتُها كعدَّةِ أمة.
(وآيسةٌ رأتِ الدَّمَ بعد عدَّةِ الأشهرِ تستأنفُ بالحيض)
(4)
: أي إذا كانت الزَّوجةُ
(1)
زيادة من ص.
(2)
أي إن الزوج إذا طلَّق زوجتَه طلاقاً رجعياً في صحَّته، أو مرضه ودخلَتْ في عدّة الطلاق، ثم مات والعدة باقية تنتقلُ عدّتها إلى عدّة الموت إجماعا؛ لأنها حينئذ زوجته وترث منه. أما إذا كانت منقضية لم تكن زوجته، فلا يجب عليها بموته شيء ولا ترثه. ينظر:«رد المحتار» (1: 605).
(3)
أي طلاق رجعيّ؛ لأن النكاح يبقى في الرجعي، فصارت حرّة حال قيام النكاح. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 148).
(4)
في المسألة ستّة أقوال مصحَّحة:
أحدها: ينتقضُ مطلقاً، وهو ظاهر كلام صاحب «الهداية» (2: 29)، والمصنف على خلاف ما حملها الشارح، واختاره صاحب «الاختيار» (3: 221)، و «درر الحكام» (1: 402)، وصرّح الأقطع وصاحب «غاية البيان»: أنه ظاهر الرواية، وصححه في «الملتقى» (ص 70).
الثاني: لا ينتقض مطلقاً، واختاره أبو علي الدقاق والإسبيجابي.
الثالث: ينتقض إن رأته قبل تمام الأشهر لا بعدها. وهو اختيار الشارح، وأفتى به الصدر الشهيد، وفي «المجتبى»: وهو الصحيح المختار للفتوى.
الرابع: ينتقض على رواية عدم التقدير للإياس التي هي ظاهر الرواية، فإنما ثبت الأمر على ظنّها فلما حاضت تبيَّن خطؤها، ولا ينتقض على رواية التقدير له، واختاره في «الإيضاح» (ق 61/أ)، واقتصر عليه في «الخانية» (1: 551)، وجزم به القُدُوريّ والجَصَاص، ونصره في «البدائع» (3: 200).
الخامس: ينتقض إن لم يكن حكم بإياسها، وإن حكم به فلا كأن يدعي أحدهما فساد النكاح فيقضى بصحته، وهو قول محمد بن مقاتل.
السادس: ينتقض في المستقبل فلا تعتدّ إلا بالحيض للطلاق بعده لا الماضي فلا تفسد الأنكحة المباشرة بعد الاعتداد بالأشهر، وصححه في «النوازل». ينظر:«حاشية عبد الحليم» (1: 289)، و «رد المحتار» (2: 606).
كما تستأنفُ بالشُّهورِ من حاضَتْ حيضةً ثُمَّ أيست،
في سنِّ الإياس: أي خمسةٍ وخمسينَ سنةً فصاعداً، وقد انقطعَ دمها، فطلَّقها الزَّوجُ تعتدُّ بثلاثةِ أشهر، فقبلَ انقضائِها رأت الدَّم، فعُلِمَ أنَّها لم تكن آيسةً فتستأنفُ بالحيض.
قال في «الهداية» : هو الصَّحيح
(1)
.
وفي روايةِ أبي علىّ الدَّقَّاق
(2)
: إنَّها متي رأت الدَّم بعدما حُكِمَ بإياستها أنَّه لا يكون حيضاً، ولا يبطلُ الإياس، ولا يظهرُ ذلك في فسادِ الأنكحة؛ لأنَّه دمٌ خرجَ
(3)
في غيرِ أوانِه.
(كما تستأنفُ بالشُّهورِ من حاضَتْ حيضةً ثُمَّ أيست): أي انقطعَ دمُها، وهي في سنِّ الإياس تستأنفُ بالشُّهُور
(4)
.
أقول: الاستئنافُ مشكل؛ لأنَّه لو ظهرَ أن عدَّتَها بالأشهرِ من وقتِ الطَّلاق، فالحيضُ التي رأت قبل الإياس مشتملةٌ على الوقت، فيجبُ أن يكون محسوباً من العدَّةِ من حيث أنَّه وقت
(5)
.
(1)
انتهى من «الهداية» (2: 29).
(2)
وهو أبو علي الدَّقَّاق الرَّازيّ، الدَّقَّاق بفتح الدال المهملة، وتشديد القاف الأولى، يقال لمن يبيع الدقيق ويعمله. تفقه على موسى بن نصر الرازي، وتفقَّه عليه أبو عيسى البردعي (ت 317 هـ)، من مؤلفاته:«كتاب الحيض» . ينظر: «أخبار أبي حنيفة وأصحابه» (ص 159)، و «الجواهر المضية» (4: 69)، «تاج التراجم» (ص 337)، «الفوائد» (237).
(3)
زيادة من ف.
(4)
تحرزاً عن الجمع بين البدل والمبدل منه. ينظر: «الهداية» (2: 29).
(5)
لم يسلِّم المحقِّقون للشارح مثل هذا البحث كملا خسرو في «درر الحكام» (1؛: 401)، وابن كمال باشا في «الإيضاح» (ق 61/ب)، وأفادوا أنه ثبت في هذا المقام نقلاً عن نص صاحب «المبسوط»: أنه لو حاضت حيضة ثم آيست اعتدت بالشهور ثلاثة أشهر بعد الحيضة: لأن إكمال الأصل بالبدل غير ممكن فلا بد من الاستئناف. انتهى. لكن ذكر العلامة أبو سعيد الخادمي في «حاشيته على الدرر» (ص 217): أنه ليس مراد صدر الشريعة اثبات مذهب بل إيراد اشكال على تعليلهم، فالوظيفة في الجواب هو حل شبهته لا بيان مخالفته للـ «هداية» ، ونحوه.
وعلى معتدَّةٍ وطئَتْ بشبهةٍ عدَّةٍ أُخرى، وتداخلتا، وحيضٌ تراهُ منهما، فإذا تمَّتِ الأُولَى دون الثَّانية يجبُ إتمامُها، وتنقضي عدَّةُ الطَّلاقِ والموتِ وإن جهلَتْ بهما، ومبدؤها عقيبهما، وفي نكاحٍ فاسد عقيب تفريقِه، أو عزمِه تركَ الوطء. ولو قالت: انقضَتْ عدَّتي حُلِّفَت
(وعلى معتدَّةٍ وطئَتْ بشبهةٍ عدَّةٍ أُخرى، وتداخلتا
(1)
، وحيضٌ تراهُ منهما): حيضٌ: مبتدأٌ، وتراهُ: صفتُهُ، ومنهما: خبرُه، أي حيضٌ تراهُ بعد الوطئِ بالشُّبهة، وقد فُهِمَ هذا من أن وطئت: فعلٌ ماض، وتراهُ: فعلٌ مستقبل، ومنهما: أي من العدَّتين.
واعلم أنَّ هذا مذهبُنا، أمَّا عند الشَّافِعِيّ
(2)
رضي الله عنه فيتداخلان إن كان الوطءُ بالشُّبهةِ من الزَّوج، وهي في عدَّته، أمَّا إن كان من آخَرَ فلا.
(فإذا تمَّتِ الأُولَى دون الثَّانية يجبُ إتمامُها): صورته: طلَّقَها الزَّوجُ بائناً، أو ثلاثاً فحاضَتْ حيضة، فوطِئَها غيرُ الزَّوج بشبهة، فعليها عدَّتان، فالحيضةُ الأُولَى من العدَّة الأُولَى، وحيضتانِ بعدها تكونانِ من العدَّتيْن، فتمَّتْ العدِّةُ الأُولَى، فتجبُ حيضةٌ رابعةٌ ليتمِّمَ العدَّةَ الثَّانية.
(وتنقضي عدَّةُ الطَّلاقِ والموتِ وإن جهلَتْ بهما): أي بتطليقِ الزَّوجِ وموتِه، (ومبدؤها عقيبهما): أي عقيبَ الطَّلاقِ والموت.
(وفي نكاحٍ فاسد عقيب تفريقِه
(3)
، أو عزمِه تركَ الوطء
(4)
.
ولو قالت: انقضَتْ عدَّتي حُلِّفَت): أي إن قالت: انقضَتْ عدَّتي وكذَّبها الزَّوج، فالقولُ قولُها مع اليمين.
(1)
أي العدتان، فما تراه المرأة من الحيض يكون محسوباً منهما حتى لو كان الوطء بشبهة بعد حيضة يجب عليها بعدها ثلاث حيض للوطء الثاني، فبعد حيضتين منه تنتهي عدّة الوطء الأول، وتبقى حيضة للوطء الثاني. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 115/أ).
(2)
ينظر: «المنهاج» (3: 392)، و «أسنى المطالب» (3: 396)، و «التجريد لنفع العبيد» (4: 83)، وغيرها.
(3)
أي تفريق القاضي. ينظر: «درر الحكام» (1: 403).
(4)
بأن يقول: تركتك، أو خلِّيت سبيلك، أو ما يقوم مقام ذلك، لا بمجرد العزم أو بعدم المجيء إليها. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 175).
ولو نكحَ معتدَّتَهُ من بائنٍ وطلَّقَها قبل الوطء فعليه مهرٌ تام، وعدَّةٌ مستقلّة، ولا عدَّةَ على ذميَّةٍ طلَّقَها ذميّ، ولا حربيَّةٍ خرجَتْ إلينا مسلمة.
[فصل في الحداد]
وتحدُّ معتدَّةُ البائن، والموت، كبيرةً مسلمةً حرَّةً أو لا
(ولو نكحَ معتدَّتَهُ من بائنٍ وطلَّقَها قبل الوطء فعليه مهرٌ تام، وعدَّةٌ مستقلّة)
(1)
: هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم، فإن أثرَ الوطء في النِّكاحِ الأَوَّلِ باق، وهو العدَّة، فصارَ كأنَّ الوطءَ حاصلٌ في هذا النِّكاح.
وعند محمَّد رضي الله عنه يجبُ عليه نصفُ المهر، وإتمامُ العدَّةِ الأُولَى فقط، ولا عدَّةَ للطَّلاق الثَّاني؛ لأنَّ الزَّوجَ طلَّقَها قبل الوطءِ فيه.
وعند زُفَر رضي الله عنه لا عدَّةَ عليها أصلاً؛ لأنَّ العدَّةَ الأُولَى سقطت بالتَّزوُّج، ولم يجب بالنِّكاح الثَّاني لدليلِ محمَّد رضي الله عنه.
(ولا عدَّةَ على ذميَّةٍ طلَّقَها ذميّ)
(2)
: هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه إذا لم يكن معتقدُ أهلِ الذَّمة ذلك، وإن كان معتقدُهم ذلك تجبُ عنده، وعندهما تجبُ مطلقاً، (ولا حربيَّةٍ خرجَتْ إلينا مسلمة
(3)
.
[فصل في الحداد]
وتحدُّ معتدَّةُ البائن، والموت
(4)
، كبيرةً
(5)
مسلمةً حرَّةً أو لا): فقولُهُ: أو لا: عطفٌ
(1)
لأنها مقبوضة في يده بالوطء الأول لبقاء أثره، وهو العدّة وهذه إحدى المسائل العشر المبنية على أن الدخول في النكاح الأول دخول في الثاني. ينظر:«الدر المختار» (2: 613).
(2)
ولو تزوّجها مسلم أو ذميّ في فور طلاقها جاز، وهذا إذا كانت لا تجب في معتقدهم بخلاف ما إذا طلقها المسلم أو مات عنها، فإن عليها العدّة بالإتفاق؛ لأنها حقّه معتقده. ينظر:«فتح القدير» (4: 158).
(3)
أو ذميّة أو مستأمنة طلّقها أو مات عنها؛ لأن العدة لفراش الزوج المحترم ولا احترام له؛ ولذا كان محلاً للتمليك، وتمامه في «الدر المنتقى» (1: 470).
(4)
إظهاراً للتأسف على فوت نعمة النكاح الذي هو سبب لصونها وكفاية مؤنتها؛ ولهذا لا تحدُّ المطلّقة الرّجعية؛ لأن نعمة النكاح لم تفتها لبقاء النكاح؛ ولهذا يحلّ وطؤها وتجري عليها أحكام الزّوجات. ينظر: «المبسوط» (6: 58 - 59).
(5)
لو قال مكلفة لكان أخصر وأشمل، حيث تخرج المجنونة إذ هي مثل الصغيرة والكافرة في عدم التكليف. ينظر:«كشف الرموز» (1: 291).
بتركِ الزَّينة، ولُبْسِ المزعفر، والمعصفر، والحناء، والطِّيب، والدُّهن، والكحل، إلاَّ بعذر، لا معتدَّة العتق، ونكاحٍ فاسد، ولا تُخْطَبُ معتدَّةٌ إلا تعريضاً، ولا تُخْرَجُ مُعتدَّةُ الرَّجعيّ والبائن من بيتِها أصلاً، وتَخْرُجُ معتدَّةُ الموتِ في الملوين، وتبيتُ في منْزلِها، وتعتدُّ في مِنْزلِها وقتَ الفرقة، والموت، والطَّلاق إلاَّ أن تُخْرَجَ، أو خافَتْ
على قولِهِ: حرَّة، وعند الشَّافِعِيّ
(1)
رضي الله عنه: لا حدادَ على معتدَّةِ البائن، (بتركِ الزَّينة، ولُبْسِ المزعفر، والمعصفر
(2)
، والحناء، والطِّيب، والدُّهن
(3)
، والكحل، إلاَّ بعذر
(4)
، لا معتدَّة العتق): أي إذا أعتقَ المولى أمَّ ولدِه، (ونكاحٍ فاسد)؛ لأنَّهُ واجبٌ الرَّفعِ فلا تأسفُ على فوتِه.
(ولا تُخْطَبُ معتدَّةٌ إلا تعريضاً
(5)
، ولا تُخْرَجُ مُعتدَّةُ الرَّجعيّ والبائن من بيتِها أصلاً)؛ لقولِهِ تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنِّ وَلَا يَخْرُجْنَ}
(6)
الآية.
(وتَخْرُجُ معتدَّةُ الموتِ في الملوين
(7)
، وتبيتُ في منْزلِها) إذ لا نفقةَ لها، فتحتاجُ إلى الخروج بخلافِ المطلَّقة؛ لأنَّ النَّفقةَ دائرةٌ عليها.
(وتعتدُّ في مِنْزلِها وقتَ الفرقة، والموت، والطَّلاق إلاَّ أن تُخْرَجَ
(8)
، أو خافَتْ
(1)
في «المنهاج» (3: 398): ويستحبُّ الإحداد لبائن، وفي قول: يجب. و «المحلي على المنهاج» (4: 53)، و «تحفة المحتاج» (8: 255)، وغيرها.
(2)
أي الثوب المصبوغ بالزعفران، أو العصفر؛ لأنه تفوح منه رائحة الطيب. ينظر:«فتح القدير» (4: 340).
(3)
ولو بلا طيب كزيت خالص، ومنعه على وجهٍ يكون فيه زينة. ينظر:«الدرالمختار» (2: 617).
(4)
راجع إلى الجميع؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات.
(5)
التعريض: أن يذكر شيئاً يدلُّ على شيء لم يذكره، وهو هنا أن يقول لها: إنك لجميلة، وإنك لصالحة، ومن غرضي أن أتزوج، ونحو ذلك من الكلام الدال على إرادة التزوج بها نحو قوله: إني فيك لراغب، وإني أريد أن نجتمع، وهو القول المعروف، ولا يصرح بالنكاح، ولا يقول إني أريد أن أنكحك. ينظر:«التبيين» (2: 36).
(6)
من سورة الطلاق، الآية (1).
(7)
الملوان: الليل والنهار. ينظر: «اللسان» (6: 4273).
(8)
أي يُخرجها الزوجُ أو ورثتُه من بيتِها، وإن كان ذلك حراماً عليهم. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 153).
تلَفَ مالها أو الانهدام، أو لم تَجِدْ كراءَ البيت، ولا بُدَّ من سترة بينَهما في البائن، وإن ضاقَ المَنْزِلُ عليهما، فالأَولَى خروجُه، وكذا مع فسقِه، وحَسُن أن تجعلَ بينهما قادرةٌ على الحيلولة، ولو أبانَها، أو مات عنها في سفر، وليس بينَها وبين مصرِها مسيرةَ سفرٍ رَجَعَتْ، وإن كانت تلك من كلِّ جانبٍ خُيِّرَت معها وليٌّ أو لا، والعودُ أحمد، وإن كانت في مصرٍ تعتدُّ ثمَّة، ثُمَّ تخرجُ بمحرم
تلَفَ مالها أو الانهدام، أو لم تَجِدْ كراءَ البيت
(1)
، ولا بُدَّ من سترة بينَهما في البائن
(2)
، وإن ضاقَ المَنْزِلُ عليهما، فالأَولَى خروجُه، وكذا مع فسقِه، وحَسُن أن تجعلَ بينهما قادرةٌ على الحيلولة): أي أن
(3)
تكون بينهما امرأةٌ ثقةٌ تحول بينهما.
(ولو أبانَها، أو مات عنها في سفر، وليس بينَها وبين مصرِها مسيرةَ سفرٍ رَجَعَتْ، وإن كانت تلك من كلِّ جانبٍ خُيِّرَت معها وليٌّ أو لا، والعودُ أحمد، وإن كانت في مصرٍ تعتدُّ ثمَّة، ثُمَّ تخرجُ بمحرم).
اعلم أن الإبانة، أو الموتِ في السَّفر:
إمَّا في غيرِ موضعِ الإقامة، فإن لم تكنْ بينَها وبين مصرِها الذي خرجَتْ منه مسيرةَ سفرٍ رجعَت، وإن كانت تلك من كلِّ جانبٍ خُيِّرَتْ بين الرُّجُوع والتَّوجُّه إلى المقصدِ سواءٌ كان معها وليٌّ أو لا، لكنَّ الرُّجُوع أولَى؛ ليكون الاعتدادُ في مَنْزلِ الزَّوج.
وذَكَرَ الإمامُ السَّرَخْسِيُّ
(4)
رضي الله عنه: تختارُ أقربَهما.
بقي هنا قسمان:
أحدُهما: ما إذا كان من كلِّ جانبٍ أقلّ من مسيرةِ سفرٍ ينبغي أن تَخيَّر، وعلى قياسِ قولِ السَّرَخْسِيِّ رضي الله عنه تختارُ أقربَهما
(5)
.
والثَّاني: ما إذا كان بينَهما وبين مصرِها مسيرةَ سفر، وبينَها وبين المقصدِ أقلّ تتوجَّهُ إلى المقصد.
(1)
أي إن خافت أن ينهدم البيت الذي تسكنه، أو لم تجد أجرة لهذا البيت.
(2)
لئلا يختلى بالأجنبية، ومفاده أن الحائل يمنع الخلوة المحرمة. ينظر:«الدر المختار» (2: 321).
(3)
زيادة من ب و س و م.
(4)
في «المبسوط» (6: 35).
(5)
لكن السرخسيَّ في «المبسوط» (6: 35)، قال: فإن كان بينها وبين مقصدها دون مسيرة سفر، وبينها وبين مَنْزلها كذلك، فعليها أن ترجع إلى مَنْزلِها؛ لأنها كما رجعت تصير مقيمة، وإذا مضت تكون مسافرة ما لم تصل إلى المقصد. اهـ.
باب ثبوت النسب والحضانة
[فصل في ثبوت النسب]
مَن قال: إن نكحتها فهي طالق، فنكحَها، فولدَت لنصفِ سنةٍ منذ نكحَها، لزمَهُ نسبُهُ ومهرُها
وأمَّا في موضعِ الإقامة، وهو ما قال: وإن كانت في مصر؛ أي وإن كانت في مصرٍ حين أبانَها، أو ماتَ عنها، فإن لم يكنْ معها وليٌّ تعتدُّ ثمَّةً ولا تخرجُ منه بدون الوليّ، وإن كان معها وليّ، فكذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ لأنَّ خروجَ المعتدَّةِ حرام، وإن كانت المسافةُ أقلُّ من مدَّةِ السَّفر.
وعندهما يحلُّ الخروج؛ لأنَّ نفسَ الخروجِ مباحٌ دفعاً لوحشةِ الفرقة، وإنِّما الحرمةُ للسَّفر، وقد ارتفعَت؛ لوجودِ الوليّ، ثُمَّ لمَّا جازَ الخروجُ عندهما، فإلى أيِّ الجانبينِ تتوجَّه، فينبغي أن يكونَ الحكمُ على التَّفصيل الذي مرّ، (والله أعلم بالصواب)
(1)
.
باب ثبوت
(2)
النسب والحضانة
[فصل في ثبوت النسب]
(مَن قال
(3)
: إن نكحتها فهي طالق، فنكحَها، فولدَت لنصفِ سنةٍ منذ نكحَها، لزمَهُ نسبُهُ ومهرُها)
(4)
؛ لأنه لا يبعدُ أنَّ الزَّوجَ والزَّوجةَ وَكَّلا بالنِّكاح، فالوكيلان نكَّحَها في ليلةٍ معيَّنة، والزَّوجُ وطئها في تلكِ اللَّيلة، ووجدَ العلوق،
(1)
زيادة من ب و س و ف و م.
(2)
زيادة من ق.
(3)
هذه المسألة وجميع مسائل النسب مبنيةٌ على أصلين مؤسسين بالكتاب والسنة:
أحدَهما: إن النسب مما يحتاطُ في إثباته فيحتالُ له ولو بتأويل واستخراج صورة نادرة.
وثانيهما: إن الولد للفراش وللعاهر الحجر. ينظر: «عمدة الرعاية» (1: 155).
(4)
ويشترط أن تلدَ لستة أشهر من وقت التزوج من غير نقصان ولا زيادة؛ لأنها إذا جاءت به لأقلّ منه تبيَّن أن العلوقَ كان سابقاً على النكاح، وإن جاءت به لأكثر منه تبيَّن أنها علقت بعدَه؛ لأنا حكمنا حين وقوع الطلاق بعدم وجوب العدّة؛ لكونه قبل الدخول والخلوة، ولم يتبيَّن بطلان هذا الحكم. ينظر:«التبيين» (3: 39).
ويثبتُ نسبُ ولدِ معتدَّةِ الرَّجعيّ، وإن جاءَت به لأكثرَ من سنتين ما لم تقرُّ بانقضاءِ العدَّة، وبانت في الأقلّ، وراجعَ في الأكثر، ومبتوتةٍ ولدَتْ لأقلَّ منهما، وإن وَلَدَت لتمامهما لا إلا بدعوة، ويحملُ على وطئِها بشبهةٍ في العدَّة
ولا يعلمُ أنَّ النِّكاحُ مقدَّمٌ على العلوق أو مؤخَّر، فلا بُدَّ من الحملِ على المقارنة، على أنَّ الزَّوج إن عَلِمَ أنَّه لم تكنْ على هذه الصِّفة، وإن لم يطأها في تلك اللَّيلة، فهو قادرٌ على اللِّعان، فلمَّا لم ينفِ الولدِ باللِّعان، فليس علينا نفيه عن الفراشِ مع تحقَّقِ الإمكان، فثبَتَ نسبُهُ منه، ولزمَهُ المهر.
(ويثبتُ نسبُ ولدِ معتدَّةِ الرَّجعيّ، وإن جاءَت به لأكثرَ من سنتين ما لم تقرُّ بانقضاءِ العدَّة)؛ لاحتمالِ العلوقِ في العدَّة، وجوازُ كونِ المرأةِ ممتدَّةَ الطّهر، أمَّا لو أقرَّت بانقضاءِ العدَّة، ثُمَّ ولدَت، وبين الطَّلاقِ والولادةِ أكثرُ من سنتينِ لا يثبتُ النَّسبُ على ما يأتي من أنَّه إنَّما يثبتُ إذا كان بين المدَّتين أقلُّ من نصفِ سنة.
(وبانت في الأقلّ، وراجعَ في الأكثر): أي إذا كان بين الطَّلاقِ والولادةِ أقلُّ من سنتينِ بانت؛ لأنَّ الحملَ على أن الوطءَ المعلَّق كان في النِّكاحِ أَوْلَى من الحمل على كونِهِ في العدَّة، على أنَّ الرَّجعةَ أمرٌ حادثٌ فلا يثبتُ بالشَّكّ، أمَّا إذا كان بين الطَّلاقِ والولادةِ أكثرُ من سنتين، فلا بُدَّ من أن يحملَ على أن الوطءَ في العدَّة، فتثبت الرَّجعة.
(ومبتوتةٍ
(1)
ولدَتْ لأقلَّ منهما): ومبتوتة: بالجرِّ عطفٌ على معتدَّة الرَّجعيِّ: أي يثبتُ نسبُ ولدِ المطلَّقةِ طلاقاً بائناً لأقلَّ من سنتينِ من وقتِ البينونةِ إلى وقت الولادة؛ لإمكان العلوق في زمانِ النِّكاح.
(وإن وَلَدَت لتمامهما لا
(2)
إلا بدعوة، ويحملُ على وطئِها بشبهةٍ في العدَّة): أي إن جاءَت لتمامِ سنتينِ من وقتِ الفرقةِ لم يثبت؛ لأنَّ الحملَ حادثٌ بعد الطَّلاق، فلا يكونُ منه؛ لأنَّ وطأها حرام، وقولُهُ: إلاَّ بدعوة؛ لأنَّه التزمَه، وله وجه بأن وطئها بشبهةٍ في العدَّة.
(1)
المبتوتة: هي المرأة التي طلقها زوجها طلقة بائنة، أو اثنتين بائنتين، أو ثلاثاً، أو خالعها.
(2)
وقيل: يثبت النسب إذا أتت به لتمام سنتين، كما قرره قاضي خان في «الفتاوى» (1: 558): من أنه يجعل العلوق في حال الطلاق؛ لأنه حينئذٍ قبل زوال الفراش. ينظر: «فتح القدير» (4: 352).
ومراهقةٍ أتت به لأقلَّ من تسعةِ أشهرٍ ولتسعةٍ لا
(ومراهقةٍ أتت به لأقلَّ من تسعةِ أشهرٍ ولتسعةٍ لا)
(1)
: ومراهقةٍ: بالجرِّ عطفٌ على مبتوتة: أي يثبتُ نسبُ ولدُ مطلَّقةٍ مراهقةٍ أتت بولدٍ لأقلَّ من تسعةِ أشهرٍ من وقتِ الطَّلاق.
والمرادُ بالمراهقة: صبيّةٌ يجامعُ مثلُها، وهي في سنٍّ يمكنُ أن تكون بالغة: أي تسعَ سنينَ فصاعداً، ولم يظهرْ فيها علاماتُ البلوغ؛ لأنَّ ثلاثةَ أشهرٍ مدَّةُ عدَّتِها، وستَّةَ أشهرٍ أقلُّ مدَّةِ الحمل، وإنِّما اعتبرَ أقلَّ مدَّةِ الحملِ هاهنا، وأكثرُ مدَّةِ الحملِ في البالغة؛ لأنَّ النَّسبَ يثبتُ بالشُّبهةِ لا بشبهةِ الشُّبهة.
ففي البالغةِ شبهةُ الوطء زمانُ النِّكاح أو العدَّةِ ثابتة
(2)
، وحقيقةُ الوطء في أحدِ هذين الزَّمانين توجبُ ثبوتَ النَّسب، فكذا شبهته.
وأمَّا في المراهقةِ فشبهةُ الوطء في النِّكاح، أو في العدَّة: وهي ثلاثةُ أشهرٍ ثابتة، ثُمَّ حقيقةُ الوطءِ في أحدِ هذين الزَّمانين لا يوجبُ ثبوتَ النَّسب؛ لعدمِ تحقُّقِ البلوغ، فالبلوغ وهو أمرٌ حادثٌ يضافُ إلى أقربِ الأوقات، وهو ستةُ أشهرٍ إلى وقتِ الولادة، فهذا مذهبُ أبي حنيفةَ ومحمَّد رضي الله عنهم.
وأمَّا عند أبي يوسف رضي الله عنه فإن كان الطَّلاق رجعيّاً، فإلى سبعةٍ وعشرينَ شهراً؛ لأنَّ ثلاثةَ أشهرٍ مدَّةُ عدَّتِها وسنتان أكثرُ مدَّة الحمل، وإن كان الطَّلاق بائناً، فإلى سنتين؛ لأنَّها معتدَّةٌ يحتملُ أن تكونَ حاملاً، ولم تقرَّ بانقضاءِ العدَّة فصارَتْ كالكبيرة.
(1)
حاصل المسألة: أن المراهقة إذا طلّقت: فإمَّا قبل الدخول أو بعده، فإن كان قبله فجاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر ثبت نسبُهُ للتيقِّن بقيامه قبل الطلاق به، وإن جاءت به لأكثر منها لا يثبت؛ لأن الفرض أن لا عدة عليها، وإن طلّقها بعد الدخول، فإن أقرّت بانقضاء العدة بعد ثلاثة أشهر، ثُمّ ولدت لأقلّ بستة أشهر من وقت الإقرار ثبت، وإن لستّة أشهر أو أكثر لا يثبت لانقضاء العدة بإقرارها، وإن لم تقر بانقضائها ولم تدع حبلاً؛ فعندهما إن جاءت به لأقل من تسعة أشهر من وقت الطلاق ثبت وإلاّ فلا. وعند أبي يوسف رضي الله عنه يثبت إلى سنتين في البائن وإلى سبعةٍ وعشرين شهراً في الرجعيّ؛ لاحتمال وطئها في آخر عدتها الثلاثة الأشهر، وإن ادَّعت حبلاً فكالكبيرة في أنه لا يقتصر انقضاء عدتها على أقلّ من تسعة أشهر لا مطلقاً. ينظر:«الفتح» (4: 353)، و «رد المحتار» (2: 624).
(2)
في صورة وضعها حملها لأقل من سنتين، بل لأكثر منهما أيضاً في الطلاق الرجعي. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 159).
ومعتدَّةٍ أقرَّت بمضيِّ العدَّة، وولدَتْ لأقلَّ من نصفِ سنة، ولنصفِها لا، ومعتدَّةٍ ظهرَ حبلُها، أو أقرَّ الزَّوج به، أو ثبتَ ولادتُها بحجَّةٍ تامَّة، أو ولدَتْ لأَقلَّ من سنتين، وأقرَّ الورثةُ بها
(ومعتدَّةٍ أقرَّت بمضيِّ العدَّة، وولدَتْ لأقلَّ من نصفِ سنة، ولنصفِها لا)؛ لأنَّها لمَّا ولدَتْ لأقلِّ من نصفِ سنةٍ من وقتِ الإقرارِ ظهرَ كذبُها بيقين، فبطلَ إقرارُها، أمَّا إن ولدَتْ لنصف سنة، أو أكثر من وقت الطَّلاق
(1)
لا يثبتُ النَّسب؛ لأنَّا لا نعلمُ بطلانَ الإقرار، ثُمَّ لفظَ المعتدَّة يشملُ كلَّ معتدَّة.
(ومعتدَّةٍ ظهرَ حبلُها، أو أقرَّ الزَّوج به، أو ثبتَ ولادتُها بحجَّةٍ تامَّة): أي يثبتُ نسبُ ولدِ معتدَّةٍ ادَّعت ولادتَه، وأنكرَها الزَّوج، وقد كان قبل الولادةِ حبلٌ ظاهر، أو أقرَّ الزَّوجُ بالحبل، أو شَهِدَ على الولادةِ رجلان، أو رجلٌ وامرأتان بأن دخلَت المرأة بيتاً، ولم يكن معها أحد، ولا في البيتِ شيء، والرَّجلانُ على البابِ حتى ولدَتْ فعلما الولادةَ برؤية الولد، أو سماعِ صوتِه، وإنِّما قيَّدَ الحجَّةَ بالتَّامة حتَّى لا يثبتَ بشهادةِ امرأةٍ واحدةٍ على الولادة خلافاً لهما.
فالحاصلُ أنَّ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه إن كان للمعتدَّةِ حبلٌ ظاهر، أو أقرَّ الزَّوج به تثبتُ الولادةُ بشهادةِ امرأةٍ واحدة
(2)
، وإن لم يوجدْ الحبلُ الظَّاهر، أو إقرارُ الزَّوج به لا بُدَّ من الحجَّةِ التَّامة، وعندهما يثبتُ بشهادةِ امرأةٍ واحدة.
(أو ولدَتْ لأَقلَّ من سنتين، وأقرَّ الورثةُ بها)
(3)
: أي إن كانت العدَّةُ عدَّة وفاة، والمدَّةُ بين الموتِ والولادةِ أقلَّ من سنتين.
(1)
والصواب من وقت الإقرار، وهو ما ورد في بعض النسخ كما قال الإمام اللكنوي في «عمدة الرعاية» (2: 160)، ويؤيد ذلك عبارة «التنوير» (2: 625)، و «الكنْز» (ص 64)، وغيرهما، ونسبه ملا خسرو في «درر الحكام» (1: 407) ما وقع في «شرح الوقاية» إلى سهو من الناسخ.
(2)
في العبارة مسامحة ظاهرة نبَّه عليها اللكنوي في «عمدة الرعاية» (2: 161) وتؤيِّده عبارة «درر البحار» (1: 407 - 408)، و «الإيضاح» (ق 62/أ)، و «مجمع الأنهر» (1: 477)، وغيرها، وذلك لأن هاتين الصورتين يثبت نسب الولد عند الإمام بمجرد الحبل الظاهر، أو إقرار الزوج به بلا شهادة، بخلافهما إذ لا بدّ من شهادة القابلة، وإنما يحتاج لشهادة القابلة بالإجماع لتعيين الولد لاحتمال أن يكون الولد غير هذا المعين.
(3)
أي أن المتوفى عنها زوجها يثبت نسب ولدها إذا ولدته لأقل من سنتين من الموت بشرط ظهور حبلها أو اعتراف الزوج أو تصديق الورثة، أو حجة تامة. ينظر «الشرنبلالية» (1: 408).
....................................................................................................................
اعلم أنّ لفظَ «الوقاية» : وقعَ بالواوِ في قولِهِ: وأقرَّ الورثةُ بها؛ والمذكورُ في «الهداية» يقتضي كلمة: أو، لأنَّ عبارة «الهداية» هكذا: ويثبتُ نسبُ ولدِ المتوفَّى عنها زوجها ما بينَ الوفاة وبين سنتين
(1)
.
فقولُه: ما بين الوفاة؛ ظرفٌ للولد، فالولدُ بمعنى المولود: أي يثبتُ النَّسبِ من ولدٍ في وقتٍ بين الوفاةِ وبين سنتين، ثُمَّ أوردَ هذه المسألة: فإن كانت معتدَّةً عن وفاةٍ فصدَّقَها الورثةُ بولادتِها، ولم يشهدْ على الولادةِ أحد، فهو ابنُه
(2)
.
فَعُلِمَ من هاتين المسألتين أن أحدَهما كافٍ، وهو كونُ المدَّةِ أقلَّ من سنتين، أو إقرارُ الورثة.
فإن قيل: إن أقرَّ الورثة، والمدَّةُ بين الوفاةِ والولادةِ سنتان، أو أكثرَ لا اعتبارَ لإقرارِهم، وإنِّما يعتبرُ إقرارُهم إذا كانت المدَّةُ أقلَّ من سنتين، فالواجبُ كلمةُ الواو.
قلنا: أحدُهما كافٍ: أي المدَّة أو الإقرار: أي إن كانت المدَّةُ أقلَّ من سنتين يثبتُ النَّسبُ وإن لم يعلم المدَّةُ بين الوفاةِ والولادة، فحينئذٍ إن أقرَّ الورثةُ يعتبر، فيجبُ أن تغيَّرَ عبارة «الوقاية» إلى هذا النَّمط: أو تثبت ولادتُها بحجَّةٍ تامَّة، أو عُلِمَ أنَّها وَلَدَتْ بعد وفاتِه لأقلَّ من سنتين، أو لم يُعْلَم وأقرَّ الورثةُ به
(3)
.
فقولُهُ: أو لم يعلم
…
إلى آخره، يشملُ ما إذا لم يُعْلَمْ أنَّه وُلِدَ قبلِ الموت، أو بعده وعلى تقديرِ العلمِ بأنَّ ولادتَهُ بعد موتِ الزَّوج لا يعلمُ أنَّه وُلِدَ لأقلَّ من سنتين، أو
(1)
انتهى من «الهداية» (2: 34).
(2)
انتهى من «الهداية» (2: 35).
(3)
العلماء المحقِّقون الذين تتبعوا «الوقاية» وشرحها، مثل:«الدرر» (1: 408)، و «الإيضاح» (ق 92/أ)، و «مجمع الأنهر» (1: 477) لم يوافقوا الشارح فيما ذهب إليه، بل مشوا على عبارة «الوقاية» ، وقد قصَّل هذا المقام خير تفصل اللكنوي في «عمدة الرعاية» (1: 163) وردّ على الشارح، وخلص إلى القول: وبالجملة لا بدّ في ثبوت نسب ولد المعتدات من كون الولادة في المدة المقرّة لكلّ منها مع ثبوت الولادة بإحدى الطرق المذكورة، والحاصل أن اقرار الورثة إنما قام مقام الشهادة في إثبات نفس الولادة لا في ثبوت النَّسب مطلقاً، فكما أن الشهادة على نفس الولادة لا تفيد إذا كانت خارج المدة كذلك إقرار الورثة لا يعتبر إلا إذا كانت المدّة قابلةً لثبوت النسب، وأن المرادَ بإقرار الورثة إقرارهم بنفس ولادتها مع قطع النظر عن الإقرار بثبوتِ نسب الولد مع الزوج إذا عرفت هذا كله فاعرف أن الصواب هو إيراد كلمة الواو في قوله: وأقر الورثة بها. اهـ.
ومنكوحةٍ أتت به لستّةِ أشهر أقرَّ به الزَّوج، أو سكت، فإن جحدَ ولادتَها يثبتُ بشهادةِ امرأة، فيلاعن إن نفاه، ولأقلَّ منها لا يثبت، فإن وَلَدَتْ وادَّعت نكاحَها منذ ستّةِ أشهر، والزَّوجُ لأقلَّ صدِّقَتْ بلا يمين عند أبي حنيفة رضي الله عنه، ولو علَّقَ طلاقَها بولادتِها فشهدَتْ امرأةٌ بها لم يقع، وإن أقرَّ بالحبل، ثُمَّ علَّق يقعُ بلا شهادة
لسنتين، أو أكثر، لكن أقرَّ الورثةُ أنّ هذا الولدَ ولدُ مورِّثِهم، فإذا أقرَّوا بذلك، فالذي أقرَّ إن لم يكن ممَّن تصحُّ شهادتُه؛ لعدمِ نصابِ الشَّهادة، أو عدمِ العدالة، يعتبرُ إقرارُهُ في الإرثِ في حقِّه فقط، وإن صحَّ شهادتُهُ يثبتُ نسبُهُ مطلقاً: أي في حقِّ المقرّ، وفي حقِّ غيرِه.
(ومنكوحةٍ أتت به لستّةِ أشهر): أي من وقتِ النِّكاح، (أقرَّ به الزَّوج، أو سكت)؛ فإن ثبوتَ نسبِ وَلَدِ المنكوحةِ لا يحتاجُ الى الإقرار
(1)
.
(فإن جحدَ ولادتَها يثبتُ بشهادةِ امرأة، فيلاعن إن نفاه): أي بعدما ثبت ولادتُها بشهادةِ امرأة نفى الولدَ: أي قال: ليس منِّي.
(ولأقلَّ منها لا يثبت)، عطفٌ على قولِهِ: لستّةٍ أشهر، فإنَّه إذا كان بين النِّكاح والولادةِ أقلُّ من ستةِ أشهرٍ لا يكون منه.
(فإن وَلَدَتْ وادَّعت نكاحَها منذ ستّةِ أشهر، والزَّوجُ لأقلَّ صدِّقَتْ بلا يمين عند أبي حنيفة رضي الله عنه)؛ لأنَّ الظَّاهرَ شاهدٌ لها بأن الولدَ من النِّكاح لا من السِّفاح.
(ولو علَّقَ طلاقَها بولادتِها فشهدَتْ امرأةٌ بها لم يقع)
(2)
، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما يقع؛ لأنَّ الولادةَ تثبتُ بشهادةِ امرأة، ثُمَّ يثبتُ الطَّلاقُ بالتَّبعيَّة.
وله: إنَّ الولادةَ تثبتُ (بشهادة امرأة)
(3)
ضرورة، فيقدَّرُ بقدرِها، فلا يتعدَّى إلى الطَّلاق، وهو ليس تبعاً لها؛ لأنَّ كلاً منهما يوجدُ بدونِ الآخر.
(وإن أقرَّ بالحبل، ثُمَّ علَّق): أي علَّق طلاقَها بولادتِها، فقالت: قد ولدت، وكذَّبها الزَّوج، (يقعُ بلا شهادة): هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما تشترطُ شهادةُ القابلة؛ لأنَّها تدَّعي حنثَه
(4)
، فلا بُدَّ من الحجَّة.
(1)
لأن الفراش قائم، والمدّة تامة. ينظر:«درر الحكام» (1: 408).
(2)
بشرط عدم إقرار الزوج بالحمل، وعدم كون الحبل ظاهراً. ينظر:«البناية» (4: 829).
(3)
زيادة من أ و س و ص و ف.
(4)
وهو وقوع الطلاق، والزوج ينكر ذلك، وحنث في يمينه إذا لم يف به. ينظر:«المصباح» (ص 153).
وأكثرُ مدَّةِ الحملِ سنتان، وأقلُّها ستّةُ أشهر. ومَن نكحَ أمةً فطلَّقَها فشراها، فإن ولدَتْ لأقلَّ من ستّةٍ أشهرٍ منذُ شراها لزمَهُ وإلاَّ فلا، ومَن قال: لأمتِه إن كان في بطنِك ولد، فهو منِّي، فشهدَتْ على الولادةِ امرأةٌ فهي أمُّ ولدِه، أو لطَّفل، هو ابني ومات، فقالت أمُّ الطِّفل: هو ابنُهُ وأنا زوجتُهُ يرثانه
وله: أن إقرارَهُ بالحبلِ إقرارٌ بما يفضي إليه، وهو الولادة.
(وأكثرُ مدَّةِ الحملِ سنتان، وأقلُّها ستّةُ أشهر.
ومَن نكحَ أمةً فطلَّقَها
(1)
فشراها، فإن ولدَتْ لأقلَّ من ستّةٍ أشهرٍ منذُ شراها لزمَهُ وإلاَّ فلا)؛ لأنَّه إذا كان بين الشِّراءِ والولادةِ أقلُّ من ستّةِ أشهرٍ كان العلوقُ سابقاً على الشِّراء، فهو وَلَدُ منكوحتِه، فيلزمُ بلا دعوى.
أمَّا إذا كانت المدَّةُ ستّة أشهر أو أكثر، فالولدُ ولدُ مملوكتِه؛ لأنَّ العلوقَ أمرٌ حادث، فيضافُ إلى أقربُ الأوقات، فلا يلزمُ بلا دعوة
(2)
.
(ومَن قال: لأمتِه إن كان في بطنِك ولد، فهو منِّي، فشهدَتْ على الولادةِ امرأةٌ فهي أمُّ ولدِه
(3)
، أو لطَّفل): عطفٌ على قولِه لأمتِه: (هو ابني ومات، فقالت أمُّ الطِّفل: هو ابنُهُ وأنا زوجتُهُ يرثانه): أي يرثُ الطِّفلُ وأمُّه من المُقِرِّ؛ لأنَّ المسألةَ فيما
(1)
أي بعد الدخول طلقة؛ لأنه لو كان قبل الدخول فإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الطلاق لا يلزمه، وإن كان لأقل منه لزمه إذا ولدته لتمام ستة أشهر أو أكثر من وقت العقد، وإن كان لأقل لا يلزمه. وأيضاً تكون واحدة بائنة أو رجعية؛ لأنه إذا كان ثنتين يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق للحرمة الغليظة فلا يضاف العلوق إلا إلى ما قبله؛ لأنها لا تحل بالشراء. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 478 - 479).
(2)
هذا بناءً على أنّ الفراش أربعة: أقوى، قوي، ووسط، وضعيف، فالأقوى: كفراش معتدة البائن، فإن الولد لا ينتفي فيه أصلاً، لأن نفيه متوقف على اللعان وشرط اللعان الزوجية، والقوي: فراش المنكوحة حتى يثبت النسب من غير دعوة ولا ينتفي إلا باللعان، والوسط: فراش أم الولد حتى يثبت النسب من غير دعوة وينتفي بمجرد النفي من غير لعان، والضعيف: فراش الأمة حتى لا يثبت النسب فيه إلا بالدعوة. ينظر: «البدائع» (6: 243)، و «رد المحتار» (3: 549).
(3)
لأن النسب يثبت بالدعوة والولادة تثبت بشهادة القابلة، هذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار لتيقننا بوجوده في ذلك الوقت، فإن ولدت لأكثر منه لا يلزمه لاحتمال العلوق بعده. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 118/أ).
وإن قال وارثُهُ: أنتِ أُمّ ولدِهِ وجهلَتْ حريتَها لا تَرِث.
[فصل في الحضانة]
والحضانةُ للأمِّ بلا جبرِها طُلِّقَت أو لا، ثُمَّ أمِّها وإن عَلَت، ثُمَّ أُمِّ أبيه، ثُمَّ أُختِه لأب وأمّ، ثُمَّ لأمّ، ثم لأب، ثُمَّ خالتِه كذلك، ثُمَّ عمَّتُه كذلك، بشرطِ حريتهنّ، فلا حَقَّ لأَمةٍ، وأُمَّ ولدٍ فيه، والذِّميَّةُ كالمسلمةِ حتَّى يعقلَ ديناً
إذا كانت المرأةُ معروفةً بالحريَّة، وبكونِها أمّ الطِّفل، فلا سبيلَ عليه إلى بنوةِ الطِّفل له إلاَّ بنكاحِ أُمِّه نكاحاً صحيحاً؛ لأنَّه هو الموضوعُ للحلّ
(1)
.
(وإن قال وارثُهُ: أنتِ أُمّ ولدِهِ وجهلَتْ حريتَها لا تَرِث): أي أمُّ الطِّفل، ويرثُ الطِّفل
(2)
.
[فصل في الحضانة]
(والحضانةُ للأمِّ
(3)
بلا جبرِها طُلِّقَت أو لا، ثُمَّ أمِّها وإن عَلَت، ثُمَّ أُمِّ أبيه، ثُمَّ أُختِه لأب وأمّ، ثُمَّ لأمّ، ثم لأب، ثُمَّ خالتِه كذلك): أي لأب وأمّ، ثُمَّ لأمّ، ثُمَّ لأب، فإن الخالةَ أختُ الأمّ، فأختُها لأبٍ وأمّ أَوْلَى، ثُمَّ أُختُها لأمِّ، ثُمَّ لأب، وذلك لأنَّ الأصلَ في هذا البابِ الأمّ، فالقرابةُ من جهتِها قدِّمَت على القرابة من طرفِ الأب، (ثُمَّ عمَّتُه كذلك): أي لأبٍ وأمّ، ثُمَّ لأمّ، ثُمَّ لأب، فإنَّ العمَّةَ أختُ الأب، فتقدَّمُ أختُهُ لأبٍ وأمّ، ثُمَّ لأمّ، ثُمَّ لأب.
(بشرطِ حريتهنّ، فلا حَقَّ لأَمةٍ، وأُمَّ ولدٍ فيه): أي في الولد.
(والذِّميَّةُ كالمسلمةِ حتَّى يعقلَ ديناً): أي في ولدِ المسلم، وفي «الهداية»: ما لم
(1)
أي النكاح الصحيح، وهو المعتبر الموضوع للنسب فعند إقراره بالبنوة يحمل عليه ما لم يظهر خلاف ذلك، كما يحمل عليه عند نفيه عن ابنه المعروف حتى وجب على النافي الحد واللعان، ولم يعتبر احتمال إلحاقه بغيره بالنكاح الفاسد أو الوطء بالشبهة. وتمامه في «التبيين» (3: 47).
(2)
لأن ظهور الحرية باعتبار الدار حجة في رفع الرق لا في استحقاق الإرث. ينظر: «درر الحكام» (1: 410).
(3)
تثبت الحضانة للأم النسبية ولو كتابية أو مجوسية أو بعد الفرقة إلا أن تكون مرتدة حتى تسلم؛ لأنها تحبس أو فاجرة فجوراً يضيع الولد به كزنا وغناء وسرقة، أو غير مأمونة بأن تخرج كل وقت وتترك الولد ضائعاً، وتمامه في «الإبانة عن أخذ الأجرة على الحضانة» لابن عابدين (1: 242).
وبنكاحِ غيرِ مَحْرَمٍ منه يسقطُ حقُّها، وبمَحْرَمٍ لا كأمٍّ نكحَت عمَّه، وجدَّةٍ جدَّه، (ويعودُ الحقُّ بزوالِ نكاحٍ سقطَ به. ثُمَّ العصباتُ على ترتيبِهم، لكن لا تدفعُ صبيَّةٌ إلى عصبةٍ غيرِ مَحْرَمٍ كمولى
يعقلْ ديناً، أو يُخافُ أن يألفَ الكفر
(1)
.
وقولُهُ: أو يُخافُ يجبُ (أن يكون)
(2)
بالجزم، وهو يخف؛ لأنَّهُ عطفٌ على المجزومِ بلم؛ لأنَّ المعنى ما لم يخف
(3)
، وهذا القيدُ لم يذكرْ في «الوقاية» ، ويجبُ رعايتُه
(4)
؛ لأنَّ تألُّفَ الكفر قد يكونُ قبل تَعَقُّلِ الدين، فإذا خيفَ أنَّه تألَّفَ الكفرَ يُنْزعُ عنها.
(وبنكاحِ غيرِ مَحْرَمٍ منه يسقطُ حقُّها): أي في الحضانة
(5)
.
(وبمَحْرَمٍ لا كأمٍّ نكحَت عمَّه، وجدَّةٍ جدَّه): أي جدَّةٍ نكحت جدَّه، فهذا
(6)
من بابِ العطفِ على معمولي
(7)
عاملين مختلفين
(8)
، والمجرورُ مقدَّم.
(ويعودُ الحقُّ بزوالِ نكاحٍ سقطَ به.
ثُمَّ العصباتُ على ترتيبِهم
(9)
لكن لا تدفعُ صبيَّةٌ إلى عصبةٍ غيرِ مَحْرَمٍ كمولى
(1)
انتهى من «الهداية» (2: 38).
(2)
زيادة من ب و س و م.
(3)
يجوز في قوله: أن يخاف؛ ثلاثة أوجه:
الأول: النصب على تقدير: إلى أن يخاف، كما في قوله: لألزمنك أو تعطيني حقّي: أي إلى أن تعطيني.
الثانية: الرفع على أنه استئناف: أي هو يخاف.
الثالثة: الجزم عطفاً على قوله: ما لم يعقل، فيقرأ أو يخف. ينظر:«البناية» (4: 846).
(4)
وقد راعى هذا القيد صاحب «غرر الأحكام» (1: 411)، و «الإيضاح» (ق 63/ب)، و «الملتقى» (ص 73)، وغيرها.
(5)
لحصول الضرر للصغير، فإن زوج الأم ينظر إليه شَزْراً، وينفق عليه نَزْراً، ويتبَرَّم بمكانه ضرراً، فلا نظر في الدفع إليها خطراً. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 184).
(6)
أي إن المصنِّف عطف قوله: جدّة؛ على قوله: أمّ؛ وقولُهُ: جدّه؛ على قوله: عمّه، فعطف الكلمتين على معمولي عاملين مختلفين أحدهما الجار، وثانيهما: الناصب، وهو جائز عند النحاة إذا كان المجرور مقدماً. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 168).
(7)
زيادة من أ و ب و س.
(8)
زيادة من ف.
(9)
أي إن لم توجد امرأة مستحقة للحضانة فالحق للعصبات على ترتيبهم في الأرث فيقدم الأب ثم الجد ثم الأخ لأب وأم ثم لأب ثم بنوه كذلك ثم العمّ ثم بنوه. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 482).
العتاقة، وابنِ العمّ، ولا فاسقٍ ماجن، ولا يُخَيَّرُ طفل، والأمُّ والجدَّةُ أحقُّ بالابن حتَّى يأكل، ويشرب، ويلبس، ويستنجي وحدَه، وبالبنتِ حتَّى تحيض، وعن محمَّد رضي الله عنه حتَّى تُشْتَهى، وهو المعتمدُ لفسادِ
العتاقة، وابنِ العمّ، ولا فاسقٍ ماجن)
(1)
: أي الذي يُعَلِّمُ النَّاس الحيل.
(ولا يُخَيَّرُ طفل)
(2)
: خلافاً للشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه.
(والأمُّ والجدَّةُ أحقُّ بالابن حتَّى يأكل، ويشرب، ويلبس، ويستنجي وحدَه): قَدَّره
(4)
الخَصَّافُ
(5)
رضي الله عنه بسبعِ سنين، (وعليه الفتوى)
(6)
(7)
.
(وبالبنتِ حتَّى تحيض، وعن محمَّد رضي الله عنه حتَّى تُشْتَهى
(8)
، وهو المعتمدُ
(9)
لفسادِ
(1)
وفي تقييده عدم الدفع إلى أحدهما بوجود محرم من ذوي الأرحام إشارة إلى أنه يدفع إلى أحدهما إن لم يوجد محرم منهم إذ لا اعتبار لمجرد احتمال الفساد حينئذ، والظاهر من التعليل أن محل عدم الدفع من كانت مشتهاة، وأما لو كانت غير مشتهاة كبنت سنة مثلاً فلا منع مطلقاً؛ لأنه لا فتنة. ينظر:«كشف الرموز» (1: 297).
(2)
أي بعد انتهاء الحد في الحضانة. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 229).
(3)
التخيير يكون للمميّز عند الشافعي رضي الله عنه. ينظر: «المنهاج» (3: 456)، و «أسنى المطالب» (3: 450)، و «الغرر البهية» (4: 406)، وغيرها.
(4)
في م: قدر.
(5)
وهو أحمد بن عمرو وقيل: عمر بن مُهَير الشَّيْبَانيّ الخَصَّاف، أبو بكر، والخَصَّاف بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الصاد المهملة آخره فاء، يقال لمن يخصف النعل، وإنما اشتهر بالخَصَّاف لأنه كان يأكل من صنعته. قال الحلواني: الخصَّاف رجل كبيرٌ في العلم، وهو ممَّن يصحُّ الاقتداء به، من مؤلفاته:«الرضاع» ، و «أدب القاضي» ، و «النَّفقات» ، و «القصر وأحكامه» ، (ت 261 هـ)، وقد قارب الثمانين. ينظر:«الجواهر» (1: 230 - 232). «طبقات ابن الحنائي» (ص 44 - 45). «الفوائد» (ص 56).
(6)
وقدره أبو بكر الرازي بتسع سنين، والفتوى على قول الخصاف كما في «غرر الأحكام» (1: 411)، و «شرح ملا مسكين» (131)، و «الدر المنتقى» (1: 482)، وغيرها.
(7)
زيادة من م.
(8)
لانها بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء من الخبز الطبخ والغزل وغسل الثياب، والمرأة على ذلك أقدر، وبعدها تحتاج إلى التحصين والحفظ والأب فيه أقدر. ينظر:«درر الحكام» (1: 412).
(9)
قال الطرابلسي في «المواهب» (ق 156/أ): وقال محمد: حتى تشهتى كغيرهما، وبه يفتى. اهـ.
الزَّمان، وغيرهما حتى تشتهى، ولا تسافرُ مطلَّقةٌ بولدِها إلاَّ إلى وطنِها الذي نكحَها فيه، وهذا للأم فقط.
باب النفقة
وتجبُ هي والكسوةُ والسُّكنى على الزَّوج، ولو لا يقدرُ على الوطء للعرس، مسلمةً كانت أو كافرة، كبيرةً أو صغيرةً توطأ بقدرِ حالِهما، ففي الموسرينِ نفقةُ اليسار، وفي المعسرينِ نفقةُ العسار، وفي الموسرِ والمعسرة وعكسه بين الحالين
الزَّمان، وغيرهما حتى تشتهى): أي غيرُ الأمِّ والجدَّة أحقُّ بالبنتِ حتَّى تشتهى.
(ولا تسافرُ مطلَّقةٌ بولدِها إلاَّ إلى وطنِها الذي نكحَها فيه
(1)
، وهذا للأم فقط): أي السَّفرُ المذكور.
باب النفقة
(وتجبُ هي والكسوةُ والسُّكنى على الزَّوج، ولو لا يقدرُ على الوطء للعرس، مسلمةً كانت أو كافرة، كبيرةً أو صغيرةً توطأ
(2)
)، حتَّى لو لم توطأ كان المانُعُ من جهتِها، فلم يوجدْ تسليمُ البضع، فلا تجبُ عليه النَّفقة، بخلاف ما إذا كان الزَّوج صغيراً لا يقدرُ على الوطء، فإن المانعَ من جهتِه.
(بقدرِ حالِهما، ففي الموسرينِ نفقةُ اليسار، وفي المعسرينِ نفقةُ العسار، وفي الموسرِ والمعسرة وعكسه بين الحالين
(3)
).
(1)
لما فيه من الإضرار بالأب؛ لعجزه عن مطالعة ولده، ويشترط فيما تسافر إليه أن يكون وطنها وأنه يكون تزوجها فيه، وهذا كله إذا كان بين المصرين تفاوت، أما إذا تقاربا بحيث يمكن للوالد أن يطالع ولده ويبيت في بيته فلا بأس. وتمامه في «اللباب» (3: 104).
(2)
الظاهر أن من كانت بحيث تشتهى للجماع فيما دون الفرج فهي مطيقة للجماع في الجملة، وإن لم تطقه من خصوص زوج مثلاً فتجب لها النفقة، ومن لا فلا تجب لها نفقة. وتمامه في «الفتح» (4: 385)، و «خزانة الفقه» (ص 160).
(3)
ويخاطب بقدر وسعه، والباقي دين إلى الميسرة، ولو موسراً وهي فقيرة لا يلزمه أن يطعمها مما يأكل بل يندب. ينظر:«الدر المختار» (2: 646).
ولو هي في بيتِ أبيها، أو مرضَت في بيتِ الزَّوج. لا لناشزة خرجَت من بيتِهِ بغيرِ حقّ، ومحبوسةٍ بدين، ومريضةٍ لم تُزَفّ، ومغصوبةٍ كُرْهاً، وحاجَّةٍ لا معه، ولو كانت معه فلها نفقةُ الحضرِ لا السَّفر، ولا الكراء. وعليه موسراً نفقةُ خادمٍ واحدٍ لها فقط
هذا عندنا
(1)
، وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه فالمعتبرُ حال الزَّوج.
(ولو هي في بيتِ أبيها
(3)
، أو مرضَت في بيتِ الزَّوج
(4)
.
لا لناشزة
(5)
خرجَت من بيتِهِ بغيرِ حقّ) احترازٌ عن خروجِها بحقٍّ كما لو لم يعطِها المهرَ المعجَّلَ فخرجَتْ عن بيتِه، (ومحبوسةٍ بدين، ومريضةٍ لم تُزَفّ، ومغصوبةٍ كُرْهاً
(6)
، وحاجَّةٍ لا معه
(7)
، ولو كانت معه فلها نفقةُ الحضرِ لا السَّفر، ولا الكراء
(8)
.
وعليه موسراً نفقةُ خادمٍ واحدٍ لها فقط)
(9)
، هذا عند أبي حنيفة، ومحمَّدٍ رضي الله عنهم، وأمَّا
(1)
اتفقوا على وجوب نفقة الموسرين إذا كانا موسرين، وعلى نفقة المعسرين إذا كانا معسرين، واختلفوا إذا كان أحدهما معسراً والآخر موسراً على قولين:
الأول: بقدر حالهما: وهو قول الخصاف رضي الله عنه، وبه يفتى كما في «الهداية» (2: 39)، و «درر الحكام» (1: 413)، و «شرح ملا مسكين» (ص 132)، و «فتح باب العناية» (2: 192)، و «الدر المختار» (1: 645)، واختاره المصنف والشارح وصاحب «الكتاب» (ص 82)، و «الكنْز» (ص 65)، و «الملتقى» (ص 73)، وغيرهم.
والثاني: يعتبر حاله: وهو قول الكرخي رضي الله عنه، وظاهر الرواية، وفي «التحفة» (2: 160)، و «البدائع» (4: 24): وهو الصحيح.
(2)
ينظر: «التنبيه» (ص 129)، و «المنهاج» وشرحه «مغني المحتاج» (3: 426)، وغيرها.
(3)
أي لم يطلب الزوج انتقالها إلى مَنْزله؛ لإطلاق النصوص. ينظر: «فتح باب العناية» (2: 193).
(4)
أي بعد أن زُفَّت إليه صحيحة فمرضت في بيته.
(5)
ب و س و م: للناشزة. والعبارة في ق: لا لصغيرة لا توطأ وناشزة.
(6)
أي الأخذ والإخراج من عند الزوج بغير حق فيعمّ الحكمَ الحرّة والأمة أيضاً، وإنما لا تجب نفقتُها لعدم وجود الاحتباس، وقيَّدَ بكرهاً؛ لأنها إن كانت راضية بالغصب لم تستحق النفقة أيضاً بالطريق الأولى. ينظر:«كشف الرموز» (1: 299)
(7)
أي بلا زوج ولو مع محرم؛ لأنه فوات الاحتباس.
(8)
أي النفقةُ التي كانت تكفيه في الحضر لا الزيادة التي سيحتاج إليها في السفر ككراء الدواب والمنازل، وكذا لو خرجت معه لعمرة، أو تجارة، أو نحو ذلك، وهذا كلُّه إذا خرجَ معها لأجلِها، أما لو أخرجَها هو يلزمُهُ جميع ذلك كذا في «البحر» (4: 197).
(9)
وقيَّده في «التنوير» (2: 654)، و «مجمع الأنهر» (1: 487)، وغيرها: نفقة الخادم فيما إذا كان مملوكاً لها، وهو ظاهر الرواية، ولكن يلزمه أن يشتري ما تحتاجه من السوق، ينظر:«رد المحتار» (2: 655).
لا معسراً في الأصحّ، ولا يفرِّقُ بينهما لعجزِهِ عنها، وتؤمرُ بالاستدانةِ عليه، ومَن فُرِضَتْ لعسارِه فأيسر، تمَّمَ نفقةَ يسارِهِ إن طلبَت.
عند أبي يوسفَ
(1)
رضي الله عنه فعليه نفقةُ خادمين أحدُهما لمصالح الدَّاخل، والآخرُ لمصالح خارجِ البيت، وهما يقولان: أن
(2)
الواحدَ يقومُ بهما، (لا معسراً في الأصحّ)
(3)
، احترازٌ عن قولِ محمَّدٍ رضي الله عنه، فإنَّ عنده تَجِبُ على المعسرِ نفقةُ الخادم.
(ولا يفرِّقُ بينهما لعجزِهِ عنها، وتؤمرُ بالاستدانةِ عليه): أي تؤمرُ بأن تستقرضَ عليه، وتصرفَ إلى نفقتِها حتى إنْ غَنِيَ الزَّوجُ يؤدِّي فرضَها، وهذا عندنا.
وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(4)
رضي الله عنه، فالقاضى يفرِّقُ بينهما؛ لأنَّه لمَّا عَجَزَ عن الإمساكِ بالمعروفِ ينوبُ القاضي منابَهُ في التَّسريحِ بالإحسان.
وأصحابُنا رضي الله عنه لمَّا شاهدوا الضَّرورة في التَّفريق؛ لأنَّ دفعَ الحاجةِ الدَّائمةِ لا يتيسَّرُ بالاستدانة، والظَّاهرُ أنَّها لا تجدُ مَن يقرضُها، وغِنَى الزَّوجِ في المالِ أمرٌ متوَّهمٌ استحسنوا أن ينصبَ القاضي نائباً شافِعِيَّ المذهبِ يفرِّقُ بينَهما
(5)
.
(ومَن فُرِضَتْ
(6)
لعسارِه فأيسر، تمَّمَ نفقةَ يسارِهِ إن طلبَت.
(1)
قال العيني في «البناية» (4: 869): هذا الذي ذكروه عن أبي يوسف غير المشهور عنه؛ لأن المشهور من قوله كقولهما، وبه صرَّحَ الطحاوي في «مختصره» (ص 223).
(2)
زيادة من ب و م.
(3)
وهو رواية الحسن عن الإمام رضي الله عنه، وهو الأصح كما في «مجمع الأنهر» (1: 488)، و «الدر المنتقى» (1: 488)، و «الدر المختار» (2: 655).
(4)
قال صاحب «المنهاج» (3: 442): أعسر بها فإن صبرت صارت ديناً عليه، وإلا فلها الفسخ على الأظهر، والأصح أن لا فسخ بمنع موسر حضر أو غاب، ولو حضر وغاب ماله، فإن كان بمسافة القصر فلها الفسخ وإلا فلا، ويؤمر بالإحضار. وينظر:«حاشيتا قليوبي وعميرة» (4: 82)، و «فتوحات الوهاب» (4: 224)، وغيرها.
(5)
إذا ثبتَ العجزُ بشهادة الشهود، فإن كان القاضي شافعياً وفرَّقَ بينهما نفذَ قضاؤه، وإن كان حنفياً لا ينبغي له أن يقضي بخلاف مذهبه إلا أن يكون مجتهداً ووقع اجتهاده على ذلك، فإن قضى مخالفاً لرأيه من غير اجتهاد فعن أبي حنيفة في جواز قضائه روايتان، ولكن يأمر شافعيّ المذهب ليقضي بينهما في هذه الحادثة إذا لم يرتش الآمر والمأمور. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 174).
(6)
أي إذا قضي لها بنفقة الإعسار فأيسر
…
؛ لأنها تختلف باختلاف الأحوال، وكذلك لو قضي بنفقة اليسار ثم أعسر، فرض لها نفقة المعسر. ينظر:«الاختيار» (3: 237).
وتسقطُ نفقةُ مدَّةٍ مضتْ إلاّ إذا سبقَ فرضُ قاض، أو رضيا بشيء، فتجبُ لما مَضَى ما داما حيين، فإن ماتَ أحدُهما أو طلَّقَها قبل قبضٍ سَقَطَ المفروضُ إلاَّ إذا استدانَتْ بأمر قاض، ولا تُسْتَرَدُّ معجِّلةُ مُدَّةٍ ماتَ أحدُهما قبلَها، ونفقةُ عرسِ القنِّ عليه يباعُ فيها مرَّة بعد أُخرى، وفي دينٍ غيرِها يباعُ مرَّة، ويجبُ سكناها في بيتٍ ليس فيه أحدٌ من أهلِه، ولو ولدِهِ من غيرِها
وتسقطُ نفقةُ مدَّةٍ مضتْ إلاّ إذا سبقَ فرضُ قاض، أو رضيا بشيء، فتجبُ لما مَضَى ما داما حيين، فإن ماتَ أحدُهما أو طلَّقَها قبل قبضٍ سَقَطَ المفروضُ إلاَّ إذا استدانَتْ بأمر قاض)
(1)
: هذا عندنا، وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه، فلا تسقط بالموت، بل تصيرُ ديناً عليه.
(ولا تُسْتَرَدُّ معجِّلةُ مُدَّةٍ ماتَ أحدُهما قبلَها): أي إذا عُجِّلَتْ نفقةُ مُدَّة، كستَّةِ أشهرٍ مثلاً، فماتَ أحدُهما قبلَها، كما إذا ماتَ عند مُضي شهرٍ لا يُسْتَرَدُّ منها شيءٌ عند أبي حنيفةَ وأبي يوسف رضي الله عنهم؛ لأنَّها صلةٌ اتِّصل بها القبض، فبالموتُ سقطَ الرُّجوع كما في الهبة، وعند محمَّدٍ والشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنهم تحتسبُ نفقةُ ما مَضَى، وهو شهرٌ للزَّوجة، ونفقةُ خمسةِ أشهرٍ تستردُّ؛ لأنَّها عوضٌ عمَّا تستحقُّ عليه بالاحتباس.
(ونفقةُ عرسِ القنِّ عليه يباعُ فيها مرَّة بعد أُخرى، وفي دينٍ غيرِها يباعُ مرَّة)، صورتُه: عبدٌ تزوَّجَ امرأةً بإذن المولى، ففرضَ القاضي النَّفقةَ عليه، فاجتمعَ عليه ألفُ درهم، فبيعَ بخمسِمئة، وهي قيمتُه، والمشتري عالمٌ أن عليه دينُ النَّفقة يباعُ مرَّةً أُخرى بخلافِ ما إذا كان هذا الألفُ عليه بسببٍ آخر، فبيعِ بخمسِمئةٍ لا يباعُ مرَّة أُخرى.
(ويجبُ سكناها في بيتٍ
(4)
ليس فيه أحدٌ من أهلِه
(5)
، ولو ولدِهِ من غيرِها
(1)
أي يسقط المفروض بموت أحدهما وبتطليقها؛ لأنه صلة، والصلة تسقط بالموت، وهذا لم يأمرها القاضي بالاستدانة على الزوج، فاستدانت ثم مات أحدهما لا يبطل بذلك. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 120/أ).
(2)
ينظر: «مغني المحتاج» (3: 441)، وغيره.
(3)
ينظر: «مغني المحتاج» (3: 435)، و «تحفة المحتاج» (8: 321)، و «نهاية المحتاج» (7: 201)، وغيرها.
(4)
ترد ألفاظ البيت والمنْزل والدار كثيراً في عبارات الفقهاء، فالمراد بالبيت: اسم لمسقف واحد له دهليز ـ وهو ما بين الباب والدار ـ، والمَنْزل: اسم لما يشتمل على بيوت وصحن مسقف ومطبخ، والدار: اسم لما يشتمل على بيوت ومنازل وصحن غير مسقف. ينظر: «المبسوط» (14: 137)، و «اللسان» (2: 1443).
(5)
إذ أنها لا تقدر على الانبساط التام والمعاشرة والاستمتاع مع الزوج كلما أرادت ولا تأمَنُ على متاعِها وغيره. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 176).
برضاها، وبيتٌ مفردٌ من دارٍ له غلقٌ كفاها. وله منعُ والديها وولدِها من غيرِهِ من الدُّخُولِ عليها، لا من النَّظر إليها، وكلامُها متى شاءوا، وقيل: لا تمنعُ من الخروجِ إلى الوالدين، ولا من دخولِهما عليها كلَّ جُمُعة، وفي مَحْرَمٍ غيرِهما كلَّ سنة، هو الصَّحيح، ويُفْرَضُ نفقةُ عرسِ الغائب، وطفلِه، وأبويه في مالٍ له من جنسِ حقِّهم فقط، عند
برضاها، وبيتٌ مفردٌ من دارٍ له غلقٌ كفاها
(1)
.
وله منعُ والديها وولدِها من غيرِهِ من الدُّخُولِ عليها)؛ بناءً على أن البيتَ ملكَه، فله المنعُ من الدُّخول فيه، (لا من النَّظر إليها، وكلامُها متى شاءوا، وقيل: لا تمنعُ من الخروجِ إلى الوالدين
(2)
، ولا من دخولِهما عليها كلَّ جُمُعة، وفي مَحْرَمٍ غيرِهما كلَّ سنة، هو الصَّحيح)، وعليه الفَتْوى
(3)
.
(ويُفْرَضُ نفقةُ عرسِ الغائب، وطفلِه، وأبويه في مالٍ
(4)
له من جنسِ حقِّهم فقط) كالدَّراهم، والدَّنانير، أو الطَّعام، أو الكسوة التي تلبسُها هي، بخلافِ ما إذا لم يكنْ من جنسِ حقِّهم، كالعروضِ التي يحتاجُ إلى بيعِها؛ لتصرفَ إلى نفقتِها، (عند
(1)
وزاد في «الاختيار» (3: 239)، و «رمز الحقائق» (1: 232)، و «الدر المختار» (2: 663): أن يكون له مرافق: أي لزوم كنيف ومطبخ، وفي «البحر» (4: 211) ينبغي الافتاء به. وفي «رد المحتار» (2: 663) تفصيل في المسألة يحسن الإطلاع عليه.
(2)
وعن أبي يوسف تقييد خروجها بأن لا يقدر على إتيانها، وهو حسن وقد اختار بعض المشايخ منعها من الخروج إليهما، والحقُّ الأخذ بقول أبي يوسف إذا كان الأبوان بالصفة المذكورة، وإن لم يكونا كذلك ينبغي أن يأذن لها في زيارتهما في الحين بعد الحين على قدر متعارف، أما في كل جمعة فهو بعيد فإن في كثرة الخروج فتح باب الفتنة خصوصاً الشابة والزوج من ذوي الهيئات، وحيث أبحنا لها الخروج فإنما يباح بشرط عدم الزينة وتغيير الهيئة إلى ما لا يكون داعية لنظر الرجال والاستمالة. «الفتح» (4: 398).
(3)
ينظر: «شرح ملا مسكين» (ص 133)، و «الدر المتنقى» (1: 493)، وفي «الاختيار» (3: 239): وهو المختار.
(4)
لا يقضى بنفقة في مال الغائب إلا لهؤلاء المذكورين؛ لأن القضاء على الغائب لا يجوز، فنفقة هؤلاء واجبة قبل القضاء، فلهذا كان لهم أن يأخذوا قبل القضاء بدون رضاه، فيكون القضاء في حقِّهم إعانة وفتوى من القاضي بخلاف غيرهم من الأقارب؛ لأن نفقتهم غير واجبة قبل القضاء؛ ولهذا ليس لهم أن يأخذوا من ماله شيئاً قبل القضاء إذا ظفروا به فكان القضاء في حقِّهم ابتداءً إيجاب فلا يجوز ذلك على الغائب. ينظر:«درر الحكام» (1: 417).
مودع، أو مديون، أو مضاربٍ إن أقرَّ به، وبالنِّكاح، أو علم القاضي ذلك وجحد هؤلاء. ويُكْفِلُها، ويحلِّفُها على أنَّه لم يعطِها النَّفقة لا بإقامة بيِّنةٍ على النِّكاح، ولا إن لم يُخَلِّفْ مالاً فأقامَتْ بيِّنةً عليه ليفرضَ القاضي عليه، ويأمرُها بالاستدانةِ عليه، ولا يقضي به وقال زُفر: رضي الله عنه يقضي بالنَّفقةِ لا بالنِّكاح، ولمطلقةِ الرَّجعيِّ والبائنِ والمُفَرَّقةِ بلا معصيةٍ: كخيارِ العتق، والبلوغ، والتَّفريق؛ لعدم الكفاءة النَّفقةُ والسُّكنى
مودع، أو مديون، أو مضاربٍ إن أقرَّ به
(1)
، وبالنِّكاح، أو علم القاضي ذلك
(2)
(وجحد هؤلاء)
(3)
.
ويُكْفِلُها): أي يأخذُ منهما كفيلاً، (ويحلِّفُها على أنَّه لم يعطِها النَّفقة)، الضَّميرُ في أنَّه ضميرُ الغائب، (لا بإقامة بيِّنةٍ على النِّكاح)
(4)
: أي لا يفرضُ القاضي النَّفقةَ بإقامةِ البيِّنةِ على النِّكاح، (ولا إن لم يُخَلِّفْ مالاً فأقامَتْ بيِّنةً عليه): أي على النِّكاح، (ليفرضَ (القاضي)
(5)
عليه، ويأمرُها بالاستدانةِ عليه، ولا يقضي به): أي بالنِّكاح؛ لأنَّه قضاءٌ على الغائب، (وقال زُفر: رضي الله عنه يقضي بالنَّفقةِ لا بالنِّكاح)، وعملُ القضاةِ اليومَ على هذا للحاجة
(6)
.
(ولمطلقةِ الرَّجعيِّ والبائنِ والمُفَرَّقةِ بلا معصيةٍ: كخيارِ العتق، والبلوغ، والتَّفريق لعدم الكفاءة النَّفقةُ والسُّكنى): أي ما دامت في العدَّة، وفي المعتدَّةِ البائنِ خلافُ
(1)
أي كل من المودع أو المضارب أو المديون بمال الوديعة أو المضاربة أو الدين، وبالزوجية في نفقة العرس، وبالنسب بالبواقي. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 494).
(2)
أي الوديعة والمضاربة والدين والنكاح والنسب؛ لأن علمه حجة يجوز القضاء به في محل ولايته، فإن علم ببعض من الثلاثة شرط إقرارهم بما لم يعلم وهو الصحيح. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 494).
(3)
زيادة من ت و ق.
(4)
ولو لم يقرّ الذي في يده المال بذلك ولم يعلم القاضي فأرادت المرأة إثبات المال أو الزوجية أو مجموعها بالبينة ليقضى لها في مال الغائب أو لتؤمر بالاستدانة لا يقضى لها بذلك لأنه قضاء على الغائب. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 233).
(5)
ساقطة من ت و ق.
(6)
وبه يفتى؛ فيه نظر لها ولا ضرر على الغائب، فإنه لو حضر وصدقها فقد أخذت حقّها وإن جحد يحلف فإن نكل فقد صدقها، وإن برهنت فقد ثبت حقها وإن عجزت يضمن الكفيل أو المرأة، كما في «رمز الحقائق» (1: 233)، و «الشرنبلالية» (1: 417)، و «الدر المنتقى» (1: 495)، و «الدر المختار» (1: 667)، وغيرها.
لا لمعتدَّةِ الموت، والمُفَرَّقةِ بالمعصية: كالرِّدة، وتقبيلِ ابنِ الزَّوج، وردَّةِ معتدَّةِ الثَّلاث تسقط، لا تمكينُها ابنُه.
[فصل في نفقة الأقارب]
ونفقةُ الطِّفلِ فقيراً على أبيه، ولا يشركُهُ أحدٌ كنفقةِ أبويه، وعرسِه، وليس على أُمِّهِ إرضاعُهُ إلاَّ إذا تعيَّنت
الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه، له حديثُ فاطمة بنت قيس
(2)
، ولنا: ردُّ عمرَ
(3)
رضي الله عنه.
(لا لمعتدَّةِ الموت، والمُفَرَّقةِ بالمعصية: كالرِّدة، وتقبيلِ ابنِ الزَّوج، وردَّةِ معتدَّةِ الثَّلاث تسقط، لا تمكينُها ابنُه)؛ لأنَّه لا أثرَ للرِّدَّة والتَّمكين في الفرَّقة؛ لأنَّها قد ثبتت قبلَهما، فلا يُسقطانِ النَّفقة إلاَّ أنَّ المرتدَّةَ تحبسُ لتتوب، ولا نفقةَ للمحبوسةِ بخلافِ الممكنةِ ابنَ الزَّوج.
[فصل في نفقة الأقارب]
(ونفقةُ الطِّفلِ فقيراً على أبيه): إنِّما قال: فقيراً حتَّى لو كان غنيَّاً فهي في مالِه، (ولا يشركُهُ أحدٌ كنفقةِ أبويه، وعرسِه): أي لا يشركُهُ أحدٌ في نفقةِ طفلِه، كما لا يشركُهُ أحدٌ في نفقةِ أبويه وعرسِه.
(وليس على أُمِّهِ إرضاعُهُ إلاَّ إذا تعيَّنت)
(4)
: بأن لا توجد مَن ترضعُهُ أو لا يشربُ
(1)
ينظر: «المنهاج» (3: 440)، و «تحفة المحتاج» (8: 334)، و «نهاية المحتاج» (7: 211)، وغيرها.
(2)
وهو عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنهم أنه طلَّقها زوجها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان أنفق عليها نفقة دون، فلمَّا رأت ذلك قالت والله لأعلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان لي نفقة أخذت الذي يصلحنى، وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ منه شيئاً، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:(لا نفقة لك ولا سكنى) في «صحيح مسلم» (2: 1114)، واللفظ له، و «السنن الكبرى للنسائي» (5: 394)، وغيرهما.
(3)
وهو عن أبي إسحاق، قال كنت مع الأسود بن يزيد جالساً في المسجد الأعظم ومعنا الشعبي فحدث الشعبي بحديث فاطمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، فأخذ الأسود كَفَّاً من حصى فحصبه، ثم قال: ويلك تحدِّثُ بمثل هذا، قال عمر: لا نتركُ كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري حفظت أم نسيت لها السكنى والنفقة، قال الله عز وجل:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهنَّ} [الطلاق: 2] في «صحيح مسلم» (2: 1118)، و «مسند أبي عوانة» (3: 183)، و «سنن البيهقي الكبرى» (7: 475)، وغيرها.
(4)
قضاءً؛ لأنه من النفقة وهي على الأب، وقيدنا بالقضاء؛ لأن عليها إرضاعه ديانة: كخدمة البيت من الكنس والطبخ والخبز. ينظر: «فتح باب العناية» (2: 204).
ويستأجرُ الأبُ مَن ترضعَهُ عندها، ولو استأجرها منكوحةً، أو معتدَّةً من رجعيّ؛ لترضعَهُ لم يجز، وفي المبتوتِةِ روايتان، ولإرضاعِه بعد العدَّة أو لابنِهِ من غيرِها صحَّ
لبنَ غيرِها، (ويستأجرُ الأبُ مَن ترضعَهُ عندها): أي إذا لم تتعيَّنْ الأمّ.
(ولو استأجرها منكوحةً
(1)
، أو معتدَّةً من رجعيّ؛ لترضعَهُ لم يجز، وفي المبتوتِةِ روايتان)
(2)
.
اعلم أنَّ قولُه تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ}
(3)
أوجبَ الإرضاعَ على الأمهات، ثُمَّ قولُهُ تعالى:{لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}
(4)
أوجبَ دَفَعَ الضَّرر عن الأمهاتِ والأباء، فإن امتنَعتْ والأبُ لا يتضرَّرُ باستئجارِ المرضعةِ لا تجبرُ الأمّ؛ لأنَّ الظَّاهرَ أن امتناعَها للعجز؛ لأنَّ إشفاقَ الأموميَّة يدلُّ على أنَّها لا تمتنعُ إلاَّ للعجز، فإذا أقدمت عليه، وتطلبُ الأجرة لا تعطى؛ لأنَّه ظهرَ قدرتُها، فالإتيانُ بالواجبِ لا يوجبُ الأجرةِ على أنَّ الشَّرعَ لم يوجبْ للمرضعةِ إلاَّ النَّفقة، قال الله تعالى:{وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ}
(5)
، فكلُّ مَن يأخذُ النَّفقة، وهي المنكوحةُ ومعتدَّةُ الرَّجعيّ لا تعطى شيئاً آخر للإرضاع، وأمَّا المبتوتةُ فكذا في رواية، وأمَّا على الرِّواية الأُخرى فإن الزَّوجَ قد أوحشَها بالإبانة، فلا ترجى منها المسامحةُ والمساهلة، فصارَتْ كما بعد العدِّة، وإنِّما تجوزُ الإجارةُ بعد العدَّة؛ لأنَّ النَّفقةَ غيرُ واجبةٍ لها، فتجبُ الأجرة؛ لقولِهِ تعالى:{وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} الآية.
(ولإرضاعِه بعد العدَّة أو لابنِهِ من غيرِها صحَّ): أي الاستئجارُ لإرضاعِ ولدِهِ الذي منها بعدما طلَّقَها، وانقضَتْ عدَّتُها، والاستئجارُ لارضاعِ ابنِهِ الذي من غيرِها صحّ، سواءٌ كانت المستأجرةُ في نكاحِه، أو في العدَّة، أو بعد العدَّة
(6)
.
(1)
أي لو استأجر الأبُ الأمَّ حال كونها منكوحة له
…
(2)
وهما: الأولى: الجواز: قال بعضهم هي ظاهر الرواية، وصححها صاحب «الجوهرة» (2: 89).
والثانية: عدمه، وبه رواية الحسن عن الإمام، ويؤميء إليها كلام «الهداية» (2: 46)، ويدل عليها ظاهر كلام القدوري (ص 82)، وفي «النهر»: وهي الأولى، وفي «التاتارخانية»: وعليه الفتوى. ينظر: «رد المحتار» (2: 676).
(3)
من سورة البقرة، الآية (233).
(4)
من سورة البقرة، الآية (233).
(5)
من سورة البقرة، الآية (233).
(6)
لأنه لا يجب عليهنّ الارضاع ديانة. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 498).
وهي أحقُّ من الأجنبيَّة إلاَّ إذا طلبَت زيادةَ أجرة. ونفقةُ البنتِ بالغةً والابنُ زَمِناً على الأبِ خاصّة، به يُفتى. وعلى الموسرِ يسار الفطرة لا المعسر نفقةُ أصولِهِ الفقراءِ بالسَّويَّة بين الابنِ والبنت، ويعتبرُ فيها القربُ والجزئيةُ لا الإرث، ففي من له بنتٌ وابنُ ابنٍ كلُّها على البنت، وفي ولدِ بنتٍ وأخٍ على ولدِها، ونفقةُ كلِّ ذي رحمٍ مَحْرَمٍ صغير أو أُنثى بالغةٍ فقيرة، أو ذكرٍ زَمِن، أو أعمى
(وهي): أي الأمّ، (أحقُّ من الأجنبيَّة إلاَّ إذا طلبَت زيادةَ أجرة
(1)
.
ونفقةُ البنتِ بالغةً والابنُ زَمِناً
(2)
على الأبِ خاصّة، به يُفتى)
(3)
، إنِّما قال هذا؛ لأنَّ على روايةِ الخَصَّافِ والحَسَنِ رضي الله عنهم تجبُ أثلاثاً، ثُلُثاها على الأب وثُلُثها على الأم، وهذا إذا لم يكنْ لهما مال حتَّى لو كان لهما مال، فالنَّفقةُ في مالهما.
(وعلى الموسرِ يسار الفطرة (لا المعسر)
(4)
نفقةُ أصولِهِ الفقراءِ بالسَّويَّة بين الابنِ والبنت، ويعتبرُ فيها القربُ والجزئيةُ
(5)
لا الإرث، ففي من له بنتٌ وابنُ ابنٍ كلُّها على البنت، وفي ولدِ بنتٍ وأخٍ على ولدِها)، مع أنَّ الإرثَ نصفان بين البنتِ وابنِ الابن، والإرثُ كلُّه للأخ، ولا شئَ لولدِ البنت؛ لأنَّه من ذوي الأرحام.
(ونفقةُ كلِّ ذي رحمٍ مَحْرَمٍ
(6)
صغير أو أُنثى بالغةٍ فقيرة، أو ذكرٍ زَمِن، أو أعمى
(1)
لما فيه من ضرر الأب؛ فظاهره أن الأم لو طلبت الأجرة أي أجرة المثل والأجنبية متبرعة بالارضاع فالأم أولى؛ لأنهم جعلوا الأمّ أحقّ في جميع الأحوال إلا في حالة طلب الزيادة على أجرة أجنبية. ينظر: «الاختيار» (3: 242)، و «الإبانة عن أخذ الأجرة عن الحضانة» (1: 247).
(2)
زمن الشخص زمناً وزمانة فهو زمن: وهو مرض يدوم زمانا طويلاً. ينظر: «المصباح» (ص 256).
(3)
ينظر: «الملتقى» (ص 74).
(4)
زيادة من ت و ق.
(5)
إذ الأصل في نفقة الوالدين والمولودين القرب بعد الجزئية دون الميراث: أي تعتبر أولاً الجزئية أي جهة الولادة أصولاً أو فروعاً، وتقدم على غيرها من الرحم، ثم يقدم فيها الأقرب فالأقرب ولا ينظر إلى الإرث. وتمامه في:«رد المحتار» (2: 678).
(6)
وهو من لا يحل مناكحته على التأبيد مثل الأخوة والأخوات وأولادهما والأعمام والعمات والأخوال والخالات، ولا بد أن تكون المحرمية بجهة القرابة لا الرضاعة، ومعلوم أن بني الأعمام وبني الأخوال ليسوا من القرابة المحرمة للنكاح فلا خلاف عندنا في عدم ثبوت النفقة لهذه القرابة، ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 500)، و «تحرير النقول في نفقة الفروع والأصول» لابن عابدين (1: 256).
على قدرِ الإرث، ويُجْبَرُ عليه، ويُعْتَبَرُ فيها أهليَّةُ الإرث لا حقيقته، فنفقةُ مَن له أخواتٌ متفرِّقاتٌ عليهنَّ أخماساً كإرثِه ونفقةُ مَن له خال، وابنُ عمٍّ على الخَال. ولا نفقةَ مع الاختلافِ ديناً إلاَّ للزَّوجة والأصول والفروع
على قدرِ الإرث، ويُجْبَرُ عليه، ويُعْتَبَرُ فيها أهليَّةُ الإرث لا حقيقته)
(1)
: وإنِّما قال هذا؛ لأنّ نفقةَ هؤلاء إنِّما تجب؛ لقولِهِ تعالى: {وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}
(2)
، فينبغي أن لا تجبُ إلاَّ على الوارث، فقال: المعتبر أهليَّةُ الإرثِ لا حقيقتُه، وذلك لأنَّ حقيقةَ الإرثِ لا تعلمُ إلاَّ بعد الموت، فمَن له خال وابنُ عمٍّ يمكنُ أن يموتَ ابنُ العمِّ أوَّلاً
(3)
، ويكونُ الإرثُ للخال، فاعتبرَ الأقربيَّةُ مع أهليةِ الإرث.
(فنفقةُ مَن له أخواتٌ متفرِّقاتٌ عليهنَّ أخماساً كإرثِه): (فنفقةُ مَن له أخواتٌ
…
الخ، صورته: مات أحدٌ وتركَ منه ثلاثَ أخواتٍ واحدةٌ منهنَّ لأبٍ وأمّ، والثَّاني من أب، والثَّالث من أمّ، فالتَّركة بينهنّ، يقسَّمُ على خمسةِ سهام، ثلاثةِ أسهمٍ لأختٍ لأبٍ وأمّ، وسهمٍ لأختٍ لأب، وسهمٍ لأختٍ لأمّ، فكذلك النَّفقه)
(4)
.
(ونفقةُ مَن له خال، وابنُ عمٍّ على الخَال.
ولا نفقةَ مع الاختلافِ ديناً إلاَّ للزَّوجة والأصول والفروع): ثُمَّ بعد هذا يحسنُ زيادةُ هذة العبارة: ولا على الفقيرِ إلاَّ لها وللفروع، ولا لغنيٍّ إلاَّ لها.
وعبارة «المختصر» قد غيَّرتُها إلى هذه العبارة
(5)
.
وحاصلُها: أنَّ النَّفقةَ لا تجب على الفقير إلاَّ للزَّوجة والفروع، ولا تجبُ للغنيِّ إلاَّ للزَّوجة، أمَّا غيرُ الزَّوجة، فإن كان غنيِّاً لا تجب له النَّفقةُ على أحد.
(1)
يعلم أن المذكور قسمان:
أحدهما: أنه الوارث حقيقة، وتكون النفقة عليه بقدر أخذ الأرث منه كلاً أو بعضاً، كما سيأتي في مثال من له أخوات متفرقات.
والثاني: أنه أهل للوراثة، بأن لا يكون محروماً، كما سيأتي في مثال ابن العم والخال. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 501).
(2)
من سورة البقرة، الآية (233).
(3)
زيادة من ب و س و م.
(4)
زيادة من أ.
(5)
أي العبارة السابقة مع الزيادة، فقال في «النقاية» (ص 109): ولا نفقة مع الاختلاف ديناً إلا للزوجة والأصول والفروع ولا مع الفقر إلا لها وللفروع ولا للغني إلا لها.
وباعَ الأبُ عرضَ ابنِه لا عقارَه لنفقتِه لا لدينٍ له عليه سواها، ولا للأمِّ بيعُ مالِهِ لنفقتِها، وضَمِنَ مودعُ الابنِ الغائبِ لو أنفقَها على أبويه بلا أمرِ قاضٍ لا الأبوان لو أنفقا مالَهُ عندهما
(وباعَ الأبُ عرضَ ابنِه
(1)
لا عقارَه لنفقتِه لا لدينٍ له عليه سواها): أي لا يبيعُ الأبُ مالَ الابنِ لدينٍ سوى النَّفقةِ له على الابن، قالوا: إنَّ للأبِ ولاية حفظِ مالِ الابن، وبيعُ المنقولاتِ من بابِ الحفظ، لا بيعَ العقار؛ لأنَّه محصنٌ بنفسِه، فإذا باعَ المنقول، فالثَّمنُ من جنسِ حقِّه، وهو النَّفقة، فيصرفُهُ إليها.
قلت: الكلامُ في أنَّه هل يحلُّ بيعُ العروض؛ لأجلِ النَّفقة، لا في البيع؛ لأجلِ المحافظة، ثُمَّ الإنفاقُ من الثَّمن، على أنّ العلَّةَ لو كانت هذا؛ لجازَ البيعُ لدينٍ سوى النَّفقةِ لعين هذا الدَّليل، بل العلَّةُ أن للأبِ ولاية تملُّكِ مالِ الابنِ عند الحاجة، كما في استيلادِ جاريةِ الابن
(2)
، فيكونُ له ولايةُ بيعِ عروضِ الابن؛ لبقاءِ نفسِه، وإنِّما لا يلي بيعَ العقار؛ لأنَّهُ معدٌّ للانتفاعِ به مع بقائِه، وهو الزَّراعة، وولايةُ الأبِ نظريَّة، ولا نظرَ في بيعِ العقار، بل بيعُهُ إجحاف، فمصلحةُ الابنِ إبقاؤُهُ والانتفاعُ به.
(ولا للأمِّ بيعُ مالِهِ لنفقتِها)؛ لأنَّ تملُّكَ مالِ الابنِ مخصوصٌ بالأب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك»
(3)
، ولأنَّه ليس للأمِّ ولايةُ التَّصرُّف في مالِ الابن.
(وضَمِنَ مودعُ الابنِ الغائبِ
(4)
لو أنفقَها على أبويه بلا أمرِ قاضٍ
(5)
لا الأبوان لو أنفقا مالَهُ عندهما.
(1)
أي الكبير الغائب؛ لأنه إذا كان حاضراً لا يبيع الأب عرضه إتفاقاً، وإذا كان صغيراً يبيعه اتفاقاً، والمراد بالعرض هنا ما ينقل. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 209).
(2)
أي إن وطأ الأب جارية ابنه فادعى نسبه ثبت نسبه منه وصارت أم ولد له وعليه قيمتها، ويسقط عنه الحدّ لشبهة المحل لما أروثه حديث:«أنت ومالك لأبيك» من الشبهة فإن الغرضَ منه ليسَ كون كلّ ما يملكُهُ الابنُ ملكاً لأبيهِ حقيقةً لا سيما الفروج؛ لكونِ الأصلِ فيها التَّحريمُ والاحتياط، بل الغرضُ منه التَّرغيبُ إلى خدمةِ الأبناءِ للآباء، وجوازُ التَّصرُّفِ عندَ الضَّرورةِ للآباءِ في أموالِ الأبناء. ينظر:«القول الجازم بسقوط الحدّ بنكاح المحارم» (ص 36).
(3)
سبق تخريجه (ص 46).
(4)
زيادة من أ و ب و س و م.
(5)
لأنه تصرف في مال الغير بغير ولاية؛ لأنه نائب الحفظ لا غير بخلاف ما إذا أمر القاضي؛ لأن أمره ملزمٌ لعموم الولاية. ينظر: «شرح الوقاية» (ق 122/أ).
وإذا قضى بنفقةِ غيرِ العرس، ومضت المدَّة سقطت، إلاَّ أن يأذنَ القاضي بالاستدانةِ وفعلوا، ونفقةُ المملوكِ على سيِّدِه، فإن أبى كَسَبَ وأنفق، وإن عَجَزَ أمر ببيعِه
وإذا قضى بنفقةِ غيرِ العرس، ومضت المدَّة سقطت)؛ لأنَّ نفقة هؤلاء إنِّما تجبُ كفايةً للحاجة، فإذا مضَتِ المدَّةُ حصلَتِ الكفاية، وقد نُقِلَ عن «الجامع الكبير» للبَزْدَوِي
(1)
رضي الله عنه أنَّ هذا إذا طالَتِ المدَّةُ بعد الفرض، أمَّا إذا قصرت فلا تسقط، وقدَّروا القصيرَ بما دون الشَّهر
(2)
، (إلاَّ أن يأذنَ القاضي بالاستدانةِ وفعلوا
(3)
): أي يأذنَ القاضي بالاستدانة، فاستدانوا
(4)
فحينئذٍ يصيرُ ديناً على الغائب.
(1)
وهو عليُّ بن محمد بن الحسين البَزْدَوِيّ، أبو الحسن، فخر الإسلام، نسبة إلى بَزْدَة قلعة حصينة على ستة فراسخ من نَسَفَ، قال الكفوي: الإمام الكبير الجامع بين أشتات العلوم إمام الدنيا في الفروع والأصول له تصانيف كثيرة معتبرة، وقال السمعاني: فقيه ما وراء النهر، وأستاذ الأئمة، وصاحب الطريقة على مذهب أبي حنيفة، من مؤلفاته:«المبسوط» ، و «أصول البَزْدَويّ» ، و «شرح الجامع الكبير» ، و «شرح الجامع الصغير» ، (400 - 482 هـ). ينظر:«الجواهر المضية» (2: 594 - 595). «تاج التراجم» (ص 205). «كتائب أعلام الأخيار» (ق 156/ب-157/ب). «مقدمة الهداية» (3: 14). «الفوائد البهية» (ص 209 - 211).
(2)
مشى على هذا التقدير العلماءُ من بعده، مثل: صاحب «الشرنبلالية» (1: 421)، و «الدر المنتقى» (1: 504)، و «مجمع الأنهر» (1: 504)، و «الدر المختار» (2: 685)، وغيرهم.
(3)
زيادة من ب و س و م، والكلمة فيها: وفعلت.
(4)
ساقطة من أ، وفي النسخ: فاستدانت، والمثبت هو الموافق لكتب الحنفية عند ذكر هذه المسألة، مثل:«درر الحكام» (1: 421)، و «شرح ابن ملك» (ق 122/ب)، و «مجمع الأنهر» (1: 504)، و «فتح باب العناية» (2: 211)، وغيرها.
(ونفقةُ المملوكِ على سيِّدِه، فإن أبى كَسَبَ وأنفق، وإن عَجَزَ
(1)
أمر ببيعِه). (والله أعلم بالصواب)
(2)
.
* * *
كتاب العتاق
هو يصحُّ من حرٍّ مكلَّف: بصريحِ لفظهِ بلا نيِّةٍ: كأنْتَ حُرّ، أو معتق، أو عتيق، أو أعتقتُك، أو محرّر، أو حرَّرتُك، أو هذا مولاي، أو يا مولاي، أو رأسُك حُرٌّ و نحوِهِ ممَّا عُبِّرَ به عن البدن. وبكنايتِه إن نوى: كَلا مُلْكَ لي عليك، ولا سبيلَ، ولا رِقَّ
كتاب العتاق
(هو يصحُّ من حرٍّ مكلَّف: بصريحِ لفظهِ بلا نيِّةٍ: كأنْتَ حُرّ، أو معتق، أو عتيق، أو أعتقتُك، أو محرّر، أو حرَّرتُك، أو هذا مولاي، أو يا مولاي
(3)
): لفظُ المولَى مشترك، أحدُ معانيه: المعتق، وفي العبدِ لا يليقُ إلاَّ هذا المعنى، فيعتقُ بلا نيِّة، (أو رأسُك حُرٌّ و نحوِهِ ممَّا عُبِّرَ به عن البدن
(4)
.
وبكنايتِه إن نوى: كَلا مُلْكَ لي عليك، ولا سبيلَ، ولا رِقَّ)، وإنِّما كان: لا ملكَ لي عليك؛ كناية؛ لأنَّه يحتملُ عدمَ الملكِ بالبيعِ ونحوِه، أو بالإعتاق.
وكذا: لا سبيلَ لي إليك: أي إلى التَّصرُّفِ فيك، أو إلى الانتفاعِ بك.
وكذا لا سبيلَ لي عليك: أي لا ملك لي عليك، فإنَّ الملكَ هو الطَّريقُ المؤدِّي إلى التَّصرُّفِ والانتفاع.
وأمَّا: لا رقَّ لي عليك؛ فاعلم أنّ الرِّقَّ: هو عجزٌ شرعيٌّ يُثْبِتُ في الإنسان أثراً للكفر، وهو حقُّ اللهِ تعالى، وأمَّا الملك: فهو اتِّصال شرعيّ بين الإنسان وبين شيءٍ يكونُ مطلقاً لتصرُّفهِ فيه، وحاجزاً عن تصرُّفِ الغيرِ فيه، فالشَّيءُ يكونُ مملوكاً، ولا يكونُ مرقوقاً إلاَّ وأن يكونَ مملوكاً، فالرِّقُّ في الابتداءِ يكونُ سبباً للملك، فقولُهُ: لا رقَّ لي عليك، أطلقَ الرِّقّ، وأرادَ به الملك.
(1)
أي إن لم يكن للملوك كسب، بأن كان عبداً زَمِناً أو أمة لا يؤجر مثلها أمر المولى وأجبر ببيعه. ينظر:«المحيط» (ص 240)، و «شرح ملا مسكين» (ص 135).
(2)
زيادة من ق.
(3)
ليس من الصريح بل ملحق بالصريح. ينظر: «الشرنبلالية» (2: 3).
(4)
كالرأس والوجه والعتق والفرج إن كان أمة، وإنما قيد بالبدن؛ لأنه لو أضافه إلى العضو الذي لا يعبر به عن البدن كاليد والرجل لا يعتق، وكذا الدبر؛ لأنه لا يعبر به عن البدن. ينظر:«شرح ملا مسكين» (1: 135).
وخرجْتَ من ملكي، وخليَّتُ سبيلَك، ولأمتِه: قد أطلقتُك. وبهذا ابني للأصغرِ والأكبر، لا بيا ابني ويا أخي، ولا سلطانَ لي عليك
(وخرجْتَ من ملكي، وخليَّتُ سبيلَك، ولأمتِه: قد أطلقتُك
(1)
.
وبهذا ابني للأصغرِ والأكبر)؛ وإنِّما جاءَ بلفظِ الباء في قولِهِ: وبهذا ابني؛ ليُعْلَمَ أنَّه عطفٌ على قولِهِ: وبكنايتِه، ولو لم يذكرْ حرفَ الباء، أوهمَ أنَّهُ عطفٌ على أمثلةِ الكناية نحو: لا ملكَ لي عليك
…
إلى آخره، فيلزمُ حينئذٍ أنَّه كنايةٌ، وليس كذلك.
فإنَّ المُقِرَّ له إن كان يولَدُ مثلُهُ لمثلِه، وهو مجهولُ النَّسبِ يثبتُ نسبُهُ منه، ويكونُ حرَّاً، وإن لم ينو، وإن لم يكن كذلك يكونُ هذا اللفظُ مجازاً عن الحريَّة فيعتق، وإن لم ينو؛ لأنَّ المجازَ متعيِّن، ولو كان كنايةً يحتاجُ الى النِّيَّة، وفي الأكبرِ سِنَّاً منه خلافُ أبي يوسف رضي الله عنه ومحمَّد رضي الله عنه.
وقد بالغتُ في تحقيقِ هذه المسألةِ في (فصل المجاز) من كتاب «التنقيح»
(2)
، وحاصلُهُ: أن إمكانَ المعنى الحقيقيّ لا يشترطُ لصحَّةِ المجاز، كإطلاقِ الأسدِ على الإنسان الشُّجاع، فلا يشترطُ إمكانُ البنوةِ لصحَّةِ المجاز، وهو الحريَّة.
(لا بيا ابني ويا أخي)
(3)
؛ لأنَّ المقصودَ بالنِّداءِ استحضارُ المُنادى بصورةِ الاسمِ من غيرِ قصدٍ إلى المعنى، وإذا لم يكن المعنى مقصوداً لا يثبتُ مجازُه، وهو الحريَّةُ بخلافِ يا حرّ، لأنَّه صريح، فلا يحتاجُ إلى قصدِ المعنى.
(ولا سلطانَ لي عليك)
(4)
: أي لا يدَ لي عليك فيمكنُ أن يكون عبداً، ولا يكونُ له
(5)
عليه يدٌ كالمكاتَب
(6)
.
(1)
لأن كل لفظ من هذا يحتمل وجهين فقوله: خرجت من ملكي؛ يحتمل بالبيع وبالعتق، ولا سبيل لي عليك لأنك وفَّيت بالخدمة فلا سبيل لي عليك باللَّوم والعقوبة، ويحتمل لأنك معتق، وكذا إذا قال لأمته: قد أطلقتك ونوى العتق عتقت؛ لأن الإطلاق يقتضي زوال اليد وقد نزل يده عنها بالعتق وغيره وهو مثل خليت سبيلك. ينظر: «الجوهرة النيرة» (2: 96).
(2)
ينظر: «التنقيح» وشرحه «التوضيح» (1: 152)، و «كشف الأسرار شرح أصول البزدوي» (2: 78)، و «التقرير والتحبير» (2: 33)، و «حاشية العطار» (1: 407)، وغيرها.
(3)
أي بدون نية. ينظر: «رد المحتار» (3: 8).
(4)
ولو نوى، ومال بعض المشايخ إلى أنه يعتق بالنية ورجَّحه الكمال في «الفتح» (4: 436)، وأقرَّه صاحب «البحر» (4: 246)، و «الشرنبلالية» (2: 3)، و «الدر المختار» (3: 8)، وغيرهم.
(5)
زيادة من م.
(6)
لأن السلطان عبارة عن الحجة واليد، ونفي كل منهما لا يستدعي نفي الملك كالمكاتب يثبت للمولى فيه الملك دون اليد. ينظر:«رد المحتار» (3: 8).
ولفظُ الطَّلاق وكنايتُهُ مع نيَّة العتق، وأنت مثل الحرِّ بخلافِ ما أنت إلاَّ حرّ. ومَن مَلَكَ ذا رحمٍ محرمٍ منه، أو أعتقَ لوجهِ اللهِ تعالى، أو للشَّيطان، أو للصَّنم، أو مكرهاً، أو سكران، أو أضاف عتقَهُ إلى ملك، أو شرطٍ وَوُجِدَ عُتِق، كعبدٍ لحربيٍّ خرجَ إلينا مسلماً
(ولفظُ الطَّلاق وكنايتُهُ مع نيَّة العتق): فإنَّه إذا قال: لأمتِه أنتِ طالق، ونوى به العتق، لا تعتقُ عندنا، وعند الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه تعتق؛ لأنَّ الاعتاق، هو إزالةُ ملكِ الرَّقبة، والطَّلاق إزالةُ ملكِ المتعة، فيجوزُ إطلاق كلِّ واحدٍ منهما على الآخر مجازاً.
قلنا: المجازُ لفظٌ يُذْكَرُ ويرادُ به لازمُه، وإزالةُ ملكِ المتعة لازمٌ لإزالةِ ملكِ الرَّقبة، فإنَّه إذا أعتقَ أمتَه يزولُ ملك المتعة، ولا لزومَ على العكس، فيجري المجازُ من أحدِ الطَّرفين، وهو أن يذكرَ الحريةَ ويرادَ بهما الطَّلاقُ لا على العكس.
(وأنت مثل الحرِّ
(2)
بخلافِ ما أنت إلاَّ حرّ.
ومَن مَلَكَ ذا رحمٍ محرمٍ
(3)
منه، أو أعتقَ لوجهِ اللهِ تعالى، أو للشَّيطان، أو للصَّنم
(4)
، أو مكرهاً، أو سكران، أو أضاف عتقَهُ إلى ملك، أو شرطٍ وَوُجِدَ عُتِق).
قوله: ذا رحم؛ أي ذا قرابةٍ بسببِ الرَّحم.
وقولُهُ: محرم؛ صفةُ ذا، وجرُّهُ للجوار.
وقولُهُ: إلى ملكٍ؛ نحو: إن ملكتُ عبداً فهو حرّ.
أو شُرِط؛ ووُجِدَ نحو: إن قَدِمَ فلان، فعبدي حرّ، فوُجِدَ الشَّرطُ عُتِق، لكن يشترطُ أن يكون العبدُ في ملكِهِ وقت التَّعليق، كما عرفْتَ في الطَّلاق.
وقولُهُ: عتق: أي عِتُقٌ عليه؛ ليكونَ ضميرُ عليه راجعاً الى المبتدأ، وهو: مَن.
(كعبدٍ
(5)
لحربيٍّ خرجَ إلينا مسلماً.
(1)
ينظر: «المنهاج» (4: 493) وشرحيه «مغني المحتاج» (4: 493)، و «المحلي» (4: 352)، وغيرهما.
(2)
ما لم ينو؛ لأن المثل يستعمل للمشاركة في بعض الأوصاف عرفاً، وقد وقع الشك في الحرية فلا تثبت. ينظر:«درر الحكام» (2: 3).
(3)
ذو رحم محرم: كل شخصين يدليان إلى أصل واحد بلا واسطة كالأخوين، أو أحدهما بواسطة والآخر بغير واسطة كالعمّ وابن الأخ إلى الجد، ولا يعتق بالملك ذو رحم غير محرم كبني الأعمام والأخوال، وبني العمات والخالات، ولا محرم غير ذي رحم كالمحرمات بالصهرية والرضاع. ينظر:«الاختيار» (3: 256).
(4)
لأن العتق صدر من أهله في محلّه، فيعتبر وتلغو تسمية جهته. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 218).
(5)
أي كما يعتق عبد
…
ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 123/ب).
والحملُ يعتقُ بعتقِ أمِّه لا هي بعتقِه، والولدُ يتبعُ أمَّهُ في الملك، والرِّق، والعتق وفروعِه، وولدُ الأمةِ من زوجِها ملكٌ لسيِّدِها، وولدُها من مولاها حرّ.
باب عتق البعض
وإذا أعتقَ بعضَ عبدِه صحّ، وسعى فيما بقي، وهو كالمكاتَب بلا ردٍّ إلى الرِّقّ لو عَجِز، وقالا: عتقَ كلُّه
والحملُ يعتقُ بعتقِ أمِّه لا هي بعتقِه): واعلم أنَّ الحملَ يعتقُ بعتقِ الأمِّ لا بطريقِ التَّبعيَّة، بل بطريقِ الأصالةِ
(1)
حتَّى لا ينجرَّ ولاؤُهُ إلى مولى الأب، وهذا إذا ولدَتْ بعد عتقِها لأقل من ستّةِ أشهر.
(والولدُ يتبعُ أمَّهُ في الملك، والرِّق، والعتق وفروعِه): أي إن كانت الأمُّ في ملكِ زيد، فالولدُ المولودُ في ملكِ زيدٍ يكونُ ملكاً له، وإن كانت الأمُّ مشتركةً كان الولدُ مشتركاً على سهامِ الأمّ، وإن كانت مرقوقة، فالولدُ المولودُ حالَ رقيّتِها يكونُ مرقوقاً، وكذا يتبعُها في العتق وفروعِه: كالكتابة، والتَّدبير، فعتقُ الولدِ بتبعيَّةِ الأمِّ إنِّما يكونُ إذا كان بين العتقِ والولادةِ ستّةُ أشهر أو أكثر
(2)
، فحينئذٍ ينجرُّ الولاءُ إلى موالي الأب، فعُلِمَ أنَّه لا تكرار.
(وولدُ الأمةِ من زوجِها ملكٌ لسيِّدِها، وولدُها من مولاها حرّ).
باب عتق البعض
(وإذا أعتقَ بعضَ عبدِه صحّ، وسعى فيما بقي، وهو كالمكاتَب بلا ردٍّ إلى الرِّقّ لو عَجِز، وقالا: عتقَ كلُّه): هذا بناءً على أن العتقَ لا يتجزّأ، فكذا الاعتاقُ عندهما؛ لأنَّه إثباتُ العتق، كالكسرِ مع الانكسار، فيلزمُ من عدمِ تجزّؤِ اللازم، وهو العتق، عدم تجزّؤِ ملزومِه، وهو الاعتاق، لكنَّ أبا حنيفةَ رضي الله عنه يقول: الاعتاقُ إزالة الملك؛ لأنَّه ليس للمالك إلاَّ إزالة حقّه، وهو الملك، والملكُ متجزّئ، فكذا إزالتُه، فإعتاقُ البعضِ إثباتُ شطرِ العلَّة، فلا يتحقَّقُ المعلول إلاَّ وأن يتحقَّقَ تمامُ العلَّة،
(1)
أي القصد؛ لأنه لتحقق الحمل عند عتق الأم يقيناً حينئذ كأنه تعلق العتق إليه قصداً. ينظر: «حاشية الخادمي» (ص 234).
(2)
لأن ماءه مستهلك بمائها فيرجح جانبها؛ لأنه متيقن به من جهتها؛ ولهذا يثبت نسب ولد الزنا وولد الملاعنة منها حتى ترثه ويرثها. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 514).
ولو أعتقَ شريكٌ حظَّهُ أعتقَهُ الآخر، أو استسعاه، أو ضَمِنَ المُعْتِقَ موسراً قيمة حظِّه لا معسراً، والولاء لهما إن أعتق أو استسعى، وللمُعْتِقِ إن ضَمِنَه، ورجعَ به على العبد، وقالا: له ضمانُه غنيِّاً، والسِّعايةُ فقيراً فقط، والولاء للمُعْتِق، ولو شهدَ كلُّ شريكٍ بعتقِ الآخر سعى لهما في حظِّهما، والولاءُ لهما، وقالا: سعى للمعسرين لا للموسرين، ولو تخالفا يساراً سعى للموسرِ لا لضدِّه
وهو إزالةُ الملكِ كلِّه.
(ولو أعتقَ شريكٌ حظَّهُ أعتقَهُ الآخر، أو استسعاه
(1)
، أو ضَمِنَ المُعْتِقَ موسراً
(2)
): أي حال كونِ المُعْتِقِ موسراً، (قيمة حظِّه)، الضَّميرُ يرجعُ إلى الآخر
(3)
، (لا معسراً
(4)
، والولاء لهما إن أعتق أو استسعى، وللمُعْتِقِ إن ضَمِنَه، ورجعَ به): أي بالضَّمان، (على العبد، وقالا: له ضمانُه غنيِّاً): أي للآخرِ تضمينُ المعتقِ عندهما كونَهُ غنيَّاً، (والسِّعايةُ فقيراً فقط، والولاء للمُعْتِق)؛ لأنَّ إعتاقَ البعضِ إعتاقُ الكلِّ عندهما.
(ولو شهدَ كلُّ شريكٍ بعتقِ الآخر سعى لهما
(5)
في حظِّهما، والولاءُ لهما، وقالا: سعى للمعسرين لا للموسرين)؛ لأنَّ على أصلِهما الضَّمانُ مع اليسار، والسِّعايةِ مع العسار، فإن كانا معسرين تجبُ السِّعاية، وإن كانا موسرين فلا سعايةَ ولا ضمانَ أيضاً؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ يدَّعي إعتاقَ الآخر، والآخرُ ينكرُ ولا بيِّنة، (ولو تخالفا يساراً سعى للموسرِ لا لضدِّه)؛ لأنَّ عتقَهُ يثبتُ بقولِهما، ثُمَّ الموسرُ يزعمُ أنَّ حقَّه في السِّعاية، والمعسرُ يزعمُ أنَّه لا حقَّ له في السِّعاية؛ لأنَّ المُعْتِقَ موسر، ولا يقدرُ على إثباتِ الضَّمان؛ لأنَّ شريكَه منكرٌ فلا شيءَ له أصلاً.
(1)
أي يطلب الآخر سعاية العبد في قيمة نصيبه يوم العتاق. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 516).
(2)
المراد به يسار التيسير لا يسار الغنى، وهو: أن يملك قدر قيمة نصيب الآخر، والمعتبر حاله يوم الاعتاق حتى لو أيسر بعده أو أعسر لا يعتبر، وإن اختلفا فيه بحكم الحال إلا أن يكون بين الخصومة والعتق مدة يختلف فيها الأحوال فيكون القول للمعتق. ينظر:«الشرنبلالية» (2: 8).
(3)
أي إن شاء ضمِنَ المُعْتِقُ قيمةَ نصيبه إن كان موسراً، وليس له خيار الترك على حاله؛ لأنه لا سبيل إلى الانتفاع به مع ثبوت الحرية في جزء منه. ينظر:«البدائع» (4: 87).
(4)
أي لا يكون تضمين إذا كان المعتق معسراً، ولا يبقى إلا خيار الإعتاق أو الاستعساء للساكت.
(5)
أي سواء كانا موسرين أو معسرين أو أحدهما موسراً والآخر معسراً هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه. ينظر: «درر الحكام» (2: 8).
ووُقِفَ الولاءُ في الأحوال، ولو علَّقَ أحدُهما عتقَهُ بفعلٍ غداً، والآخرُ بعدمِه فمضى الغد، وجُهِلَ شرطُ عتقِ نصفِه، وسعى في نصفِه لهما، وعند محمَّد رضي الله عنه سعى في كلِّه، ولا عتقَ في عبدين
فإن قلت: ينبغي أن لا تَجِبَ السِّعايةُ في شيءٍ من الأحوال؛ لأنَّ العتقَ إنِّما يثبتُ بإقرارِ كلٍّ منهما بإعتاقِ شريكِه، والشَّريكُ منكر، فصارَ إقرارُ كلِّ واحدٍ منهما إنشاءً للعتق، فلا تجبُ السِّعاية.
قلت: العبدُ إنْ كذَّبَ كلُّ واحدٍ منهما فيما زعمَ لا يثبتُ عتقُه، وإن صَدَّقَ فتصديقُهُ كلَّ واحدٍ منهما يكونُ إقراراً بوجوبِ السِّعاية له على أصل أبى حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا على أصلِهما فتصديقُهُ للموسرينَ لا يكونُ إقراراً، وتصديقُهُ للمعسرينَ يكون إقراراً، وكذا تصديقُهُ الموسرِ إذا كان شريكُهُ معسراً.
(ووُقِفَ الولاءُ في الأحوال)
(1)
: أي حال يسارِهما وعسارِهما، ويسارُ أحدِهما وعسارُ الآخر؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما منكراً إعتاقه، فيوقَّفُ الولاءُ إلى أن يتَّفقا على إعتاق أحدِهما.
(ولو علَّقَ أحدُهما عتقَهُ بفعلٍ غداً، والآخرُ بعدمِه فمضى الغد
(2)
، وجُهِلَ شرطُ عتقِ نصفِه، وسعى في نصفِه لهما
(3)
، وعند محمَّد رضي الله عنه سعى في كلِّه): لأنَّ المَقْضِيَّ عليه بسقوطِ السِّعاية مجهول، فلا يمكنُ القضاءُ على المجهول.
قلنا: نصفُ السِّعاية ساقطٌ بيقين، وكلُّ واحدٍ من الشَّريكين، يقولُ لصاحبِه: إنَّ النِّصف الباقي هو نصيبِي، والسَّاقط نصيبُك، فينصَّفُ بينهما.
(ولا عتقَ في عبدين): أي إذا قال رجلٌ: إن دخلَ فلانٌ الدَّارَ غداً، فعبدُه حرّ، وقال الآخر: إن لم يدخلْ فلانٌ الدَّارَ غداً، فعبدُهُ حرّ، فمضى، ولم يدرِ أنَّه دَخَلَ أو
(1)
هذا على مذهب الصاحبين؛ لكون إعتاق البعض إعتاق للكل عندهما، والولاء لمن أعتق ولم يتعيَّن ذلك المستحق لكون كل منهما ينكر استحقاق الآخر، ولو مات العبد قبل ان يعتق على شيء فولاؤه لبيت المال. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 199).
(2)
زيادة من م.
(3)
أي لو علق أحد الشريكين عتق العبد المشترك بينهما بفعل شخص بأن قال أحدهما: إن دخل فلان الدار غداً فهو حرّ، وعكس الآخر بأن قال: إن لم يدخل فلان ذلك تلك الدار بعينها غداً، فهو حرّ ومضى الغد ولم يدرَ أدخلَ أم لا، عتقَ نصفه للتيقن بحنث أحدهما. وتمامه في «التبيين» (3: 77).
ومَن ملكَ ابنَه مع آخرٍ بشراء، أو هبة، أو وصيَّة، أو اشترى نصفَ ابنِه من سيِّده، أو علَّقَ بشراءِ نصفِه ثُمَّ اشتراهُ مع آخر عتقَ حصَّتَه، ولم يَضْمَنِ الأب، عَلِمَ الشَّريكُ حالَه أو لا كما لو ورثاه، وأعتقَهُ الآخر، أو سعى له، وقالا: في غيرِ الإرثِ ضَمِنَ نصفَ قيمتِهِ غنيَّاً، وسعى له فقيراً
لا، لا يعتقُ شيءٌ من العبدين؛ لأنَّ المَقْضِيَّ عليه بالعتق والمَقْضِيَّ له مجهولان، ففحشَت الجهالة
(1)
.
(ومَن ملكَ ابنَه مع آخرٍ بشراء، أو هبة، أو وصيَّة، أو اشترى نصفَ ابنِه من سيِّده
(2)
، أو علَّقَ
(3)
بشراءِ نصفِه ثُمَّ اشتراهُ مع آخر عتقَ حصَّتَه، ولم يَضْمَنِ الأب
(4)
، عَلِمَ الشَّريكُ حالَه أو لا): أي عَلِمَ الشَّريكُ أنَّه ابنٌ لشريكه، أو لم يعلم، (كما لو ورثاه): أي لا يضمنُ الأبُ نصيبَ الشَّريك في الصَّورِ المذكورة، كما لا يضمنُ الأبُ إذا ورثَ هو وشريكُهُ ابنَه، وصورتُهُ: ماتت امرأة، ولها عبد، هو ابنُ زوجِها، فتركَتْ الزَّوج، والأخ، فوَرِثَ الأبُ نصفَ ابنِه، فعتقَ عليه، لا يضمنُ حصَّةَ أخيها اتِّفاقاً؛ لأنَّ الأرثَ ضروريٌّ الثبوت، ولا اختيارَ للأب في ثبوتِه.
(وأعتقَهُ الآخر، أو سعى له): أي لمَّا لم يكنْ للشَّريك ولايةُ التَّضمين بقي له أحدُ الأمرين: إمِّا الإعتاق، أو السِّعاية.
(وقالا: في غيرِ الإرثِ ضَمِنَ نصفَ قيمتِهِ غنيَّاً، وسعى له فقيراً)؛ لأنَّ شراءَ القريبِ إعتاق فإن كان موسراً يَجِبُ الضَّمان، وإن كان معسراً سعى العبد.
وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول: إنَّه رضيَ بإفسادِ نصيبهِ فلا يَضْمَنْهُ، كما إذا أذن
(5)
بإعتاقِ
(1)
بخلاف العبد الواحد؛ لأن المقضي له بسقوط نصف السعاية معلوم، وهو العبد، والمقضي به وهو سقوط نصف السعاية معلوم، والمجهول واحد وهو الحانث، فغلب المعلوم المجهول. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 518).
(2)
أي سيِّد الابن الذي يملكه كله، لأنه لو كان مشتركاً بين اثنين فباع أحدهما نصيبه من أبيه وهو موسر، فللشريك حقّ التضمين إجماعاً. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 138).
(3)
أي لو علق عتق عبد سواء كان الابن أو آخر بشراء بعضه، بأن قال: أنت حرّ إن اشتريتُ نصفك، ثم يشتريه من مولاه مع آخر تعتق حصّته؛ لوجود الشرط المعلق عليه. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 519).
(4)
زيادة من أ و ب وج و م.
(5)
أي أذن أحد الشريكين للآخر بإعتاق نصيبه صريحاً، بأن قال له: أعتق نصيبك. فأعتقه فيه لا يجب الضمان لعدم وجود الإفساد. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 201).
وإن اشترى نصفَه، ثُمَّ الأبُ باقيه غنيِّاً ضَمِنَ له، أو سعى، وخالفا فيها، ولو دبَّرَهُ أحدُ الشُّركاء، وأعتقَه الآخر، وهما موسران ضَمَّنَ السَّاكت مدبِّره لا معتقَه، والمُدبِّرُ معتقَهُ ثُلُثَهُ مُدبَّراً لا لما ضَمِنَه
نصيبِه حيث شاركَهُ في علَّةالعتق، وهو الشِّراء، وإن جَهِل، فالجهلُ لا يكونُ عذراً
(1)
.
(وإن اشترى نصفَه، ثُمَّ الأبُ باقيه غنيِّاً ضَمِنَ له، أو سعى، وخالفا فيها)، ففي هذه الصُّورة لم يرضَ الشَّريكُ بإفسادِ نصيبِه، فيخيَّر، وعندهما لا تجب سعايته؛ لأنَّ المعتقَ غَنِيٌّ.
(ولو دبَّرَهُ أحدُ الشُّركاء، وأعتقَه الآخر، وهما موسران ضَمَّنَ السَّاكت مدبِّره لا معتقَه، والمُدبِّرُ معتقَهُ ثُلُثَهُ مُدبَّراً لا لما ضَمِنَه)
(2)
، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ وذلك لأنَّ التَّدبيرَ متجزئٌ عنده كالإعتاق، فيقتصرُ على نصيبِه، لكنَّه أفسدَ نصيبَ شريكيه، فأحدُهما اختارَ اعتاقَ حصَّتِه، فتعيَّنَ حقُّه فيه، فلم يبقَ له اختيارَ أمرٍ آخرَ كالتَّضمين وغيرِه، ثُمَّ للسَّاكتِ توجه سببا ضمان: أي ضمانُ التَّدبيرِ والإعتاق
(3)
.
لكنَّ ضمانَ التَّدبير ضمانُ المعاوضة؛ لأنَّه قابلٌ للانتقال من ملكٍ إلى ملك، وضمانُ المعاوضةِ هو الأصل، فيضمنُ المدبِّر، ثُمَّ للمُدبِّرِ أن يضمِّنَ المُعتِقَ ثُلُثَ قيمةِ
(1)
حق العبارة أن تكون هكذا: إنه رضي بإفساد نصيبه حيث شاركه في علة العتق وهو الشراء وإن جهل، فالجهل لا يكون عذراً فلا يضمن كما إذا أذن بإعتاق نصيبه كما لا يخفى، إذ قوله فلا يضمن نتيجة فحقّها التأخير. ينظر:«حاشية عبد الحليم» (1: 312).
(2)
أي لو كان عبد بين ثلاثة نفر موسرين دبَّره أحدهم، ثم أعتقه آخر، فللساكت أن يضمِّن المدبر، وليس له أن يضمِّن المعتق، وللمدبِّر أن يضمن المُعْتِق ثلثَ قيمته مدبَّراً، وليس له أن يضمِّنَه الثلثَ الذي ضَمِنَه للساكت. ينظر:«التبيين» (3: 80).
(3)
بيان المسألة: إن التدبير متجزئ عند أبي حنيفة خلافاً لهما؛ لأنه شعبةٌ من شعب الاعتاق، فيقتصر التدبير عنده على نصيب المدبِّر ويفسد به نصيب الآخرين حيث امتنع بيعه فيكون لكلّ واحد من الشريكين الآخرين أن يدبّرَ، أو يعتق، أو يكاتب، أو يأخذ ضمان نصيبه من المدبّر، أو يستسعي العبد، أو يتركه على حاله؛ فالذي دبَّرَ نصيبه سد عليهما طرق الانتفاع به، فإذا اختار أحدهما اعتاق حصته تعيَّنَ حقُّهُ فيه وسقط اختياره غيرَه، وأما الساكت فتوجه له سببا ضمان تدبير الشريك الأول سهمه، وإعتاق الثاني سهمه لأن كلَّ واحد منهما أفسد سهمه: الأول: بتدبيره، والثاني: إعتاق، غير أن له أخذ الضمان من المدبّر دون المعتق لكون ضمان التدبير ضمان معاوضة دون ضمان العتق. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 202).
وقالا: ضَمِنَ مدبِّرُهُ لشريكيهِ كان موسراً، أو معسراً، ولو قال: هي أمُّ ولدِ شريكي وأنكرَ تخدمُهُ يوماً، وتوقفُ يوماً، ولا قيمةَ لأمِّ ولد، فلا يضمنُ غنيٌّ أعتقَها مشتركة
العبدِ مدبَّراً، وقيمةُ المدبَّرِ ثُلُثا قيمتِه قنِّاً؛ لأنَّ المنافعَ ثلاثةَ أنواع:
الوطء
والاستخدام
والبيع
فبالتَّدبيرِ فاتَ البيع، ولا يُضَمِّنُ المدبِّرُ المُعتِقَ الثُّلُثَ الذي ضَمَّنَهُ السَّاكتُ مع أن ذلك الثُلُثَ صارَ ملكاً للمدبِّرِ بسببِ الضَّمان؛ لأنَّه ملكَهُ بأداء الضَّمان ملكاً مستنداً
(1)
، وهو ثابتٌ من وجهٍ دون وجه، فلا يظهرُ في حقِّ التَّضمين، وأمَّا الولاءُ للمدبِّر فثلثاهُ للمدبِّر وثُلُثُه للمعتق.
(وقالا: ضَمِنَ مدبِّرُهُ لشريكيهِ كان
(2)
موسراً، أو معسراً)؛ لأنَّه ضمانُ تملُّكٍ فلا يختلفُ باليسارِ والعسار، بخلافِ ضمانِ الإعتاق إذ هو ضمانُ جناية.
(ولو قال: هي أمُّ ولدِ شريكي وأنكرَ تخدمُهُ يوماً، وتوقفُ يوماً)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ وذلك لأنَّ المُقِرَّ أقرَّ أن لا حقَّ له عليها، فيؤخذ بإقرارِه، ثُمَّ المنكرُ يزعمُ أنَّها كما كانت، فلا حقَّ له عليها إلاَّ في نصفِها.
وأمَّا عندهما فللمنكرِ أن يستعسيَ الجاريةَ في نصفِ قيمتِها، ثُمَّ تكونُ حرَّة؛ لأنَّه لمَّا لم يصدِّقْهُ صاحبُه انقلبَ إقرارُهُ عليه، فكأنَّه استولدها، فتعتقُ بالسِّعاية.
(ولا قيمةَ لأمِّ ولد، فلا يضمنُ غنيٌّ أعتقَها مشتركة)
(3)
، اعلم أنَّ أمَّ الولدِ غيرُ متقوِّمةٍ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما متقوِّمة، حتَّى لو كانت أمُّ ولدٍ مشتركةٍ بين شريكين أعتقَها أحدُهما، وهو موسرٌ لا يضمنُ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما يضمن.
(1)
أي إلى وقت التدبير، وهو ثابت من وجه: وهو بالنظر إلى حال أداء الضمان، دون وجه: وهو بالنظر إلى الحقيقة حال التدبير، فلا يظهر في حق التضمين، بل الملك الممكن من الضمان هو الثابت حال العتق. ينظر:«الفتح» (4: 482).
(2)
زيادة من ج.
(3)
يعني إذا كانت أمة بين رجلين فولدت ولداً فادَّعياه فصارت أم ولد لهما فأعتقها أحدهما وهو موسر لا يضمن حصَّة شريكه عند الإمام بناء على عدم تقومها. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 521).
[باب العتق المبهم]
ولو قال لعبدينِ عنده من ثلاثةٍ له: أحدكما حرّ، فخرجَ واحدٌ ودخلَ آخر، فأعادَ وماتَ بلا بيانٍ عُتِقَ ممَّن ثبتَ ثلاثةُ أرباعِه، ومن كلٍّ من غيرِه نصفَه، وعند محمَّد رضي الله عنه ربعَ مَن دخل، ومن غيرهِ كما قالا، وإن قالَهُ مريضاً ولم يجزْ وارثٌ جُعِلَ كلُّ عبدٍ سبعة كسهامٍ عتقٍ عندهما، وعتقَ ممِّن ثَبَتَ ثُلُثُه، ومن كلٍّ من غيرِهِ سهمان، وعند محمَّد رضي الله عنه كلُّ ستّةٍ كسهامِ عتقٍ عنده، وعتقَ ممَّن خرجَ سهمان، وممَّن ثبتَ ثُلُثُه، وممَّن دخلَ سهمٌ وسعى كلٌّ في باقيه على القولين، ويصحُّ الثُّلُثُ والثُّلُثان
[باب العتق المبهم]
(ولو قال لعبدينِ عنده من ثلاثةٍ له: أحدكما حرّ، فخرجَ واحدٌ ودخلَ آخر، فأعادَ وماتَ بلا بيانٍ عُتِقَ ممَّن ثبتَ ثلاثةُ أرباعِه، ومن كلٍّ من غيرِه نصفَه، وعند محمَّد رضي الله عنه ربعَ مَن دخل، ومن غيرهِ كما قالا)؛ لأنَّ الإيجابَ الأوَّلِ دائرٌ بينَ الخارجِ والثَّابت، فينصَّفُ
(1)
بينهما، ثُمَّ الإيجابُ الثَّاني دائرٌ بين الثَّابتِ والدَّاخل، فينصَّفُ بينهما، فالنِّصفُ الذي أصابَ الثَّابتَ شاعَ فيه، فما أصابَ النِّصفَ الذي عُتِقَ بالإيجابِ الأوَّلِ لغا، وما أصابَ النِّصفَ الفارغ، وهو الرُّبع بقي، فعتقَ من الثَّابتِ ثلاثةُ أرباعِه، وأمَّا من الدَّاخل فيعتق ربعُهُ عند محمَّد رضي الله عنه؛ لأنَّ هذا الإيجاب لمَّا أوجبَ عتقَ الرُّبعِ من الثَّابت، فكذا من الدَّاخل؛ لأنَّه متنصفٌ بينهما، وهما يقولان: إنَّ المانعَ من عتقِ النِّصفِ يختصُّ بالثَّابت، ولا مانعَ في الدَّاخل، فيعتقُ نصفُه.
(وإن قالَهُ مريضاً ولم يجزْ وارثٌ جُعِلَ كلُّ عبدٍ سبعة كسهامٍ عتقٍ عندهما، وعتقَ ممِّن ثَبَتَ ثُلُثُه، ومن كلٍّ من غيرِهِ سهمان، وعند محمَّد رضي الله عنه كلُّ ستّةٍ كسهامِ عتقٍ عنده، وعتقَ ممَّن خرجَ سهمان، وممَّن ثبتَ ثُلُثُه، وممَّن دخلَ سهمٌ وسعى كلٌّ في باقيه على القولين، ويصحُّ الثُّلُثُ والثُّلُثان): ولو قال ذلك في مرض الموت ولم يجزْ وارث، ولا مالَ له سوى العبيدِ الثَّلاثة، وقيمَتُهم متساوية جُعِلَ كلُّ عبدٍ سبعةً عندهما كسهامِ العتق؛ لأنَّ مخرجَ الكسورِ أربعة؛ لأنَّه يعتقُ من الثَّابت ثلاثةُ أرباع، وهي ثلاثةٌ من أربعة، ومن الخارجِ النِّصف، وهو اثنان من أربعة، ومن الدَّاخل كذلك، فصارَ
(1)
في في ص و ف و م: فينتصف.
....................................................................................................................
المجموعُ سبعةً بطريقِ العولِ
(1)
من أربعةٍ إلى سبعة
(2)
.
وعند محمَّد رضي الله عنه يعتقُ من الدَّاخلِ ربعه، وهو واحدٌ من أربعة، فتعولُ إلى ستَّة
(3)
.
فعندهما يُجْعَلُ سهامُ العتق، وهي سبعة، ثُلُثَ المال، ويجعلُ كلُّ عبدٍ سبعة؛ لأنَّ قيمةَ كلِّ عبدٍ تساوي ثُلُثَ المال، فيعتقُ من الخارجِ اثنان، وهو السُّبعان، ويسعى في خمسةِ أسباعِ قيمتِه، وكذا الدَّاخل، وأمَّا الثَّابتُ فيعتقُ منه ثلاثة، وهي ثلاثةُ أسباعه، ويسعى في أربعة أسباعِ قيمتِه.
وعند محمَّد رضي الله عنه يجعلُ سهامَ العتق، وهي ستّةُ أسهم
(4)
ثُلُثَ المال، فكلُّ عبدٍ يجعلُ ستّة، فيعتقُ من الخارجِ اثنان، وهو ثُلُث السِّتَّة، ويسعى في ثُلُثيِّ قيمتِه، ومن الثَّابتِ ثلاثة، وهي نصفُ السِّتَّة، ويسعى في النِّصف، ومن الدَّاخلِ واحد، وهو السُّدُس، ويسعى في خمسةِ أسداسِ قيمتِه.
فلو كان قيمةُ كلِّ عبدٍ اثنينِ وأربعينَ درهماً، وهي الثُّلُث، فكلُّ المالِ مئةٌ وستَّةٌ وعشرون، فعندهما يعتقُ من الخارجِ السُّبعان: أي اثنا عشر، ويسعى في خمسةِ أسباعِه، وهي ثلاثون، وكذلك الدَّاخل، ويعتقُ من الثَّابت ثلاثةُ أسباعِه، وهي ثمانيةَ عشر، ويسعى في أربعةِ أسباعه، وهي أربعةٌ وعشرون.
وعند محمَّدٍ رضي الله عنه يعتقُ من الخارجِ من اثنينِ وأربعينَ ثلُثُها، وهو أربعةَ عشر، ومن الثَّابتِ نصفُه، وهو واحدٌ وعشرون، ومن الدَّاخل سُدسُه، وهو سبعة، فمجموعُ سهامِ العتقِ على القولينِ اثنانِ وأربعون، وهو ثُلُثُ المال، وسهام السِّعايةِ أربعةٌ وثمانون، وهي ثُلُثا المال.
(1)
العول: هو زيادة في عدد السهام ونقص في مقدارها. ينظر: «التنوير» (6: 786)، و «مسائل من الفقه المقارن» (ص 60).
(2)
بصورة حسابية مبسطة: 3⁄4 + 1⁄2 + 1⁄2 = 7/ 4.
(3)
بصورة حسابية مبسطة: 3⁄4 + 1⁄2 + 1⁄4 = 6/ 4.
(4)
زيادة من ب و م.
ولو طلَّقَ كذلك قبل وطءٍ سَقَطَ ربعُ مهرِ مَن خرَجَت، وثلاثةُ أثمانِ مَن ثبتت، وثُمْنُ مَن دخلَتْ
(ولو طلَّقَ كذلك قبل وطءٍ
(1)
سَقَطَ ربعُ مهرِ مَن خرَجَت، وثلاثةُ أثمانِ مَن ثبتت، وثُمْنُ مَن دخلَتْ): أي إن كانت له ثَلاثُ زوجاتٍ مهرهنَّ على السَّواء، فطلَّقَهُنَّ قبل الوطءِ على الصِّفةِ المذكورة، فبالإيجاب الأوَّل سقطَ نصف مهرِ الواحدة، متنصِّفاً
(2)
بين الخارجةِ والثَّابتةِ فسقطَ ربعُ مهرِ كلِّ واحدة، ثُمَّ بالإيجابِ الثَّاني سَقَطَ الرُّبع متنصِّفاً بين الثَّابتةِ والدَّاخلة، فأصابَ كلَّ واحدةٍ الثَّمن فسقطَ ثلاثةُ أثمانِ مهرِ الثَّابتةِ بالإيجابين، وسقطَ ثمنُ مهرِ الدَّاخلِ.
وإنِّما فُرِضَتْ المسألةُ في الطَّلاقِ قبل الوطء؛ ليكونَ الإيجابُ الأوَّلُ موجباً للبينونة، فما أصابَهُ الإيجابُ الأَوَّلُ لا يبقى محلاً للإيجابِ الثَّاني، فيصيرُ في هذا المعنى كالعتق.
قال بعض المشايخ رضي الله عنهم: هذا قولُ محمَّد رضي الله عنه خاصة.
وقيل: هو قولُهما أيضاً.
فعلى هذه الرِّوايةِ لا بُدَّ لهما من الفرقِ بين العتقِ والطَّلاق، وهو أن الإيجابَ الأوَّلِ في العتقِ والطَّلاق أوجَبَ التَّنصيفَ بين الخارجِ والثَّابت، فلمَّا ماتَ قبل البيان تبيَّنَ أنّ في صورةِ العتقِ كما تكلَّم، صارَ متنصِّفاً بينهما؛ لأنَّ الأصلَ في الإنشاءات أن يثبتَ حكمُها مقارناً للتّكلُّم بهما إلاَّ أن يمنعَ مانع
(3)
، ففي العتقِ إرادةُ الخارجِ تعارضُها إرادةُ الثابت
(4)
، فالإيجابُ الأوَّلُ يوزَّعُ بينهما، حتى صار كلُّ واحدٍ معتقَ البعض، وهذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، أو يصيرُ متردِّداً بين الحريَّةِ والرِّقيَّة كالمكاتب، وهذا عند أبي يوسف.
(1)
أي مات بلا بيان، ففي المسألة أحكام ثلاثة: المهر والميراث والعدّة: أما حكم الميراث فللداخلة نصف والنصف بين الخارجة والثابتة نصف وعلى كل منهن عدّة الوفاة احتياطاً. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 523)
(2)
في ص و ف و م: منصفا.
(3)
كالإبهام والإجمال، فهنا لمَّا كان إيجابه على طريقةِ الإبهام صارَ متوقِّفاً على بيانه ولم يحكم بأمرٍ على فورِ تكلُّمه وبعد موته من غير بيان وعدم تعيين مراده يحكم بأنه كان موجباً للتصنيف من الابتداء. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 210).
(4)
لأنها متساويان فلا مرجِّح لإرادة أحدهما على الآخر.
والوطءُ والموتُ بيانٌ في طلاقٍ مبهمٍ: كبيع، وموت، وتدبير، واستيلاد، وهبة وصدقةٍ مسلَّمتين في عتقٍ مبهمٍ دون وطءٍ فيه
فالإيجابُ الثَّاني لا يمكنُ أن يرادَ به الإخبارُ للكذب
(1)
، فيكونُ إنشاءً، فلا بُدَّ من المحلّ، فالدّاخلُ كلُّهُ محلّ، فيعتقُ منه
(2)
نصفُه، والثَّابتُ لو كان كلُّه محلاً يعتقُ بهذا الإيجاب نصفُه، فإذا كان نصفُهُ محلاً يعتقُ منه ربعُه.
وأمَّا في الطَّلاق فلا يمكنُ أن يكونَ كلُّ واحدٍ منهما مطلَّقةَ البعض؛ لأنَّ مطلَّقةَ البعضِ مطلَّقةٌ كلُّها، فلم يتنصَّف الإيجاب الأوَّل، فالمطلَّقةُ إمَّا الخارجة وإمَّا الثَّابتة
(3)
، فإن كانت الثَّابتة طَلُقَت بالأوَّل، فلا حُكْمَ للإيجابِ الثَّاني؛ لأنَّه يمكنُ أن يرادَ به الإخبار، وإن كانت الخارجة، فالإيجابُ الثَّاني يكون دائراً بين الثَّابتةِ والدَّاخلةِ على السَّويَّة، فيثبتُ ربعُه؛ لأنَّ الإيجاب الثَّاني باطلٌ على أحدِ التَّقديرين، وهو إرادةُ الثَّابتة بالإيجاب الأوَّل، وهو صحيحٌ على التَّقديرِ الآخر، وهو نصفُ التَّقديرين
(4)
، فينتصف، ونصفُ النِّصفِ ربع، فيسقطُ به ثُمُنُ المهر.
(والوطءُ والموتُ بيانٌ في طلاقٍ مبهمٍ: كبيع، وموت، وتدبير، واستيلاد، وهبة وصدقةٍ مسلَّمتين في عتقٍ مبهمٍ دون وطءٍ فيه): أي قال لزوجتيه: أحداكما طالق فوطِئ إحداهما أو ماتتَ إحداهما
(5)
، فكلٌّ منهما بيان أنَّ المراد هي الأخرى.
أمَّا الوطءُ فلأنَّ النِّكاح عقدٌ وُضِعَ لحلِّ الوطء، والطَّلاقُ وُضِعَ لإزالةِ ملكِ النِّكاح: أي لإزالةِ حلِّ الوطء، إمَّا في الحال، أو بعد إنقضاء العدَّة، فالوطءُ دليلُ أن الموطوءةَ لم تكنْ مرادةً بالطَّلاق.
(1)
أي للإخبار عن حرية الثابت للكذب؛ لأن الثابتَ ليس بحرٍ يقيناً، بل هو إما معتق البعض، وإما متردِّد كالمكاتب. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 210).
(2)
زيادة من ص و م.
(3)
ولكنه لمّا كان واقعاً على أحدهما من كل وجه فإن يقسم نصف المهر عليهما فيقع على كل واحدة الربع.
(4)
أي يكون واقعاً من وجه دون وجه، فيقع عليها ربع المهر فقط، ويقسم بينهما فيقع على كل واحدة الثمن.
(5)
أي إذا قال الرجل لامرأتيه: إذا جاء غد فإحداكما طالق، فوطئ إحداهما، أو ماتت ثم جاء الغد، فإن غير الموطوءة وغير الميِّتة تتعين للطلاق. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 224).
وبأوَّلِ ولدٍ تلدينَه ابناً، فأنت حرَّة، إن ولدَتْ ابناً وبنتاً، ولم يُدْرَ الأوَّلُ عُتِقَ نصفُ الأمِّ والبنت، والابنُ عبد، ولو شهدا بعتقِ أحدِ عبديهِ بطلَتْ إلاَّ في الوصيَّة
وأمَّا الموتُ فلِمَا عُرِفَ أن البيانَ إنشاءٌ من وجه، فلا بُدَّ له من محلّ، (والميِّتُ لا يصلحُ محلاً للإنشاء)
(1)
.
وإن قال: أحدُكما حرّ، فباعَ أحدَهما، أو ماتَ أحدُهما، أو دبَّرَ أحدَهما، أو استولدَ إحداهما، أو وهبَ أحدهما أو تصدَّقَ به وسلَّم، فكلُّ ذلك بيانُ أن المرادَ هو الآخر.
أمَّا إن وَطِئ إحداهما لا يكون بياناً؛ لأنَّ الاعتاقَ إزالةُ الملك، فالبيعُ ونحوُهُ يدلُّ على أن الملكَ باقٍ في المبيع، فلا يكونُ مراداً بالاعتاق.
وأمَّا الوطءُ فلأنَّ الإعتاقَ لم يوضعْ لإزالةِ حلِّ الوطء، بل حلُّ الوطءِ إنِّما يزولُ بتبعيَّةِ زوالِ الرِّقّ، أو زوالِ ملكِ الرَّقبة، ولم يَزَلْ شيءٌ منهما، وهذا قول أبي حنيفةَ
(2)
رضي الله عنه، وأمَّا عندهما فالوطءُ في العتقِ المبهمِ بيانٌ أيضاً، لأنَّ الوطءَ لا يحلُّ إلاَّ في الملك، فيدلُّ على أنَّ الموطوءةَ ملكَه، فلم تَكُنْ مرادةً بالإعتاق.
(وبأوَّلِ ولدٍ تلدينَه ابناً، فأنت حرَّة، إن ولدَتْ ابناً وبنتاً، ولم يُدْرَ الأوَّلُ عُتِقَ نصفُ الأمِّ والبنت، والابنُ عبد)؛ لأنَّ الأوَّلَ إن كان هو الابنَ، فالأُمُّ والبنتُ حرَّتان، وإن كانت البنتُ لم يعتقْ أحد، فيعتقُ نصفُ الأمِّ والبنت، وأمَّا الابنُ فهو عبدٌ في كلتا الحالتين.
(ولو شهدا
(3)
بعتقِ أحدِ عبديهِ بطلَتْ إلاَّ في الوصيَّة): أي شهدا أنَّه أعتقَ أحدَ عبديه، فالشَّهادةُ باطلةٌ عند أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لعدمِ المدَّعي
(4)
إلاَّ أن يكونَ هذا في الوصيَّة، بأن شهدا أنَّه أعتقَ أحدَهما في مرضِ موتِه، أو شهدا على تدبيرِهِ في الصِّحَّة أو
(1)
زيادة من م.
(2)
لأن الملك قائم في الموطوءة؛ لأن الإيقاع في المنكرة، وهي معيّنة، فكان وطؤها حلالاً، فلا يجعلُ بياناً؛ ولهذا حلّ وطؤهما على مذهبه إلا أنه لا يفتي به. كما في «الهداية» (2: 62)، ورجَّح صاحب «الفتح» (4: 502) و «البحر» (4: 270) قولهما، وقالوا: لا يفتى بقول الإمام لترك الاحتياط. وفي «الدر المختار» (3: 23): وعليه الفتوى.
(3)
أي رجلان على رجلٍ بعتق أحد عبديه غير المعين
…
(4)
لأن مَن له الحق مجهول، والدعوى من المجهول لا تتحقَّق. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 213).
وقُبِلَتْ في طلاقِ إحدى نسائِه لشرطيَّةِ الدَّعوى في عتقِ العبدِ عند أبي حنيفة رضي الله عنه
المرض، وأداءُ الشَّهادةِ في مرضِ موتِه
(1)
أو بعد الوفاةِ تقبلُ استحساناً؛ لأنَّ التَّدبيرَ والعتقَ المذكورَ وصيَّة، والخصم: أي المدَّعي في إثباتِ الوصيَّة إنِّما هي الموصي؛ لأنَّ نفعَهُ يعودُ إليه، وهو معلوم، وله خَلَفٌ، وهو الوصيّ أو الوارث؛ ولأنَّ العتقَ يشيعُ بالموت، فيكونُ كلُّ واحدٍ من العبدين خصماً متعيِّناً
(2)
.
أقول: الدَّليلُ الأَوَّلُ مشكل؛ لأنَّ المتنازعَ فيه ما إذا أنكرَ المولى تدبيرَ أحدِ عبديه، أو الوارثُ ينكرُ ذلك بعد موتِ المورِّث، والعبدانِ يريدانِ إثباتَه، فكيف يقال: إن المدَّعيَ هو الموصي، أو نائبُه
(3)
.
والدَّليلُ الثَّاني (أيضاً مشكل)
(4)
؛ لأنَّه يوجبُ أنَّ الشَّهادةَ بعتقِ أحدِ عبديهِ بغيرِ وصيَّةٍ إن أُقيمت بعد الموتِ تقبلُ لشيوعِ العتقِ بالموت
(5)
.
(وقُبِلَتْ في طلاقِ إحدى نسائِه لشرطيَّةِ الدَّعوى في عتقِ العبدِ عند أبي حنيفة رضي الله عنه
(1)
حقَّق هذه المسألة الشرنبلالي في رسالة خاصة سمَّاها «إصابة الغرض الأهم في العتق المبهم» اعترض فيها على صاحب «الهداية» وشرّاحها، وأيَّده فيما ذهب إليه ابن عابدين في «رد المحتار» (3: 24)، واللكنوي في «عمدة الرعاية» (2: 214)، وخلص إلى أن الشهادة على أنه أعتق أحدهما في المرض أو دبر أحدهما في الصحة أو في المرض لا تقبل حال حياة المولى بل بعد موته.
(2)
هذه الحجة ذكرها صاحب «الهداية» (2: 63).
(3)
أجاب عن هذا الإشكال ملا خسرو في «درر الحكام» (2: 13): بأن مقتضى القياس أن تلغو هذه الشهادة أيضا؛ لجهالة المدعي لكنها تقبل استحساناً؛ لوجود المدعي تقديراً ومدعى عليه تحقيقا؛ لأن هذا وصية، والخصم في الوصية هو الموصي؛ لأن نفعه يعود إليه فيكون مدعياً تقديراً، وعنه خلف يقوم مقامه في المخاصمات وغيرها وهو الوصي أو الوارث فيكون كل منهما مدعى عليه تحقيقاً، فكأنّ الموصي ادَّعى على أحدهما حقه، وأقام الشاهدين فيكون الموصي مدعيا من وجه ومدعى عليه من آخر. ولكن اللكنوي في «عمدة الرعاية» (1: 215) ردّ هذا وانتصر للشارح.
(4)
زيادة من ب و م.
(5)
قال ابن كمال باشا في «الايضاح» (ق 68/ب): عن «المحيط» : إنه لو شهدا بعد موت المولى أنه قال في صحته وحياته: أحدكما حرّ فلا رواية فيه، واختلفوا على قول الامام، فعلى طريق الوصية لم تقبل يعني لإنعدامها؛ لوقوع كلامه في صحّته، وعلى طريق الشيوع تقبل والصحيح أنه تقبلُ لجواز أن يكون الحكمُ معلولاً بعلتين فيعدى بأحدهما.
لا الطَّلاق، وعتق الأمة إن حرمَ الفرج، فلغَتْ في عتقِ إحدى أمتيه؛ لعدم التَّحريم.
باب الحلف بالعتق
ويعتقُ بإن دخلتُ الدَّارَ فكلُّ عبدٍ لي يومئذٍ حرّ، مَن له حين دخلَ ملكَهُ بعد حلفِه أو قبلِه، وبلا يومئذٍ مَن له وقتَ حلفِه فقط، مثل: كلُّ عبدٍ لي أو أملكه حرّ بعد غدٍ عنده
لا الطَّلاق، وعتق الأمة إن حرمَ الفرج
(1)
، فلغَتْ في عتقِ إحدى أمتيه؛ لعدم التَّحريم): أي قُبِلَتْ الشَّهادةُ في طلاقِ إحدى نسائِه، وهذا الفرق، وهو عدمُ قَبول الشَّهادة في عتقِ أحدِ العبدين، والقَبول في طلاقِ إحدى النِّساء، إنِّما هو عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه خلافاً لهما، فإنَّ الشَّهادةَ مَقْبولةٌ عندهما في الصُّورتين، وإنِّما فرَّقَ أبو حنيفةَ رضي الله عنه لأنَّ الدَّعوى شرطٌ في عتقِ العبد عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه دون الطَّلاق؛ لأنَّ في الطَّلاقِ تحريمَ الفرج، وهو حقُّ اللهِ تعالى، فلا يشترطُ الدَّعوى، وفي العبدِ يشترطُ الدَّعوى، فإذا لم يكن المدَّعي، وهو أحدُ العبدين متعيِّناً لا يصحُّ الدَّعوى.
وأمَّا عتقُ الأمةِ فلا يشترطُ فيه الدَّعوى عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه إذا كان فيه تحريمُ الفرج، أمَّا إذا لم يكن فيشترط، ففي عتقِ إحدى الأمتين لَغَتِ الشَّهادة، إذ ليس فيه تحريمُ الفرجِ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، فلا بُدَّ من الدَّعوى، فإذا لم يكنْ المدَّعي متعيِّناً لم يصحّ الدَّعوى، فلغَت الشَّهادة. (والله أعلم)
(2)
.
باب الحلف بالعتق
(ويعتقُ بإن دخلتُ الدَّارَ
(3)
فكلُّ عبدٍ لي يومئذٍ حرّ، مَن له حين دخلَ ملكَهُ بعد حلفِه أو قبلِه، وبلا يومئذٍ مَن له وقتَ حلفِه فقط، مثل: كلُّ عبدٍ لي أو أملكه حرّ بعد غدٍ عنده)، فقولُهُ مثل: كلُّ عبدٍ لي؛ أي كما يعتقُ مَن له وقت حلفِهِ فقط في
(1)
الحاصل أن في الطلاق تقبل الشهادة حسبةً مطلقاً؛ لأنه من حقوق الله، وأما عتق الأمة فإنه حرم الفرج كما في عتق معيَّن تقبلُ فيه بلا دعوى؛ لأن حرمة الفرج من حقوق الله، وإن لم يحرم لا تقبل كما في عتق أحد أمتيه على رأي أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لما مرّ من أنه يحرم في هذه الصورة الوطء بواحدةٍ منهما خلافاً لهما، وقد مر أن المعتمد قولهما. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 216).
(2)
زيادة من م.
(3)
زياد من أ و ب و س و م.
لا الحملُ بكلِّ مملوكٍ لي ذكرٍ حرّ، وإن ولدتَهُ لأقلَّ من نصفِ سنة، ودبَّرَ بكلِّ عبدٍ لي أو أملكُه حرٌّ بعد موتي مَن له يوم قال، لا مَن ملكَهُ بعده، وإن ماتَ عتقا من الثُّلُث.
[باب العتق على جعل]
ومَن أُعْتِقَ على مال أو به فقبل عُتِق، والمالُ دينٌ عليه، يُكْفَلُ به بخلافِ بدلِ الكتابة
قولِهِ: كلُّ عبدٍ لي أو أملكه حرٌّ بعد غدٍ عنده: أي يعتقُ عند بعدَ الغد، (لا الحمل
(1)
بكلِّ مملوكٍ لي ذكرٍ حرّ، وإن ولدتَهُ لأقلَّ من نصفِ سنة)
(2)
، وإنِّما قيَّد بالذَّكر؛ لأنَّه لو لم يقيِّدْ يعتقُ الحملُ بتبعيَّة الأمّ
(3)
.
(ودبَّرَ بكلِّ عبدٍ لي أو أملكُه حرٌّ بعد موتي مَن له يوم قال، لا مَن ملكَهُ بعده)، فقولُهُ: مَن له يومَ قال: مفعولَ قولِهِ: ودبَّر
(4)
. (وإن ماتَ عتقا من الثُّلُث)
(5)
، اعلم أنّه لمَّا أضافَ العتقَ إلى الموت، فمن حيث إنَّه إيجابُ العتقِ يتناولُ المملوكَ في الحال، فيصيرُ مدبَّراً؛ لتعليقِه بالموت، فلا يجوزُ بيعه، ومن حيث إنَّه إيجابٌ بعد الموت، يصيرُ وصيَّة، فيتناولُ ما يملكُهُ بعد هذا القول؛ لأنَّ المعتبرَ في الوصايا الملكُ حالةَ الموت، فلا يكونُ مدبَّراً؛ لأنَّه لا يوجدُ زمانُ الإيجابِ حتَّى يستحقَّ العتق، فيجوزُ بيعه.
[باب العتق على جعل]
ومَن أُعْتِقَ على مال أو به فقبل عُتِق، والمالُ دينٌ عليه، يُكْفَلُ به بخلافِ بدلِ الكتابة) صورتُهُ أن يقول: أنت حرٌّ على ألف، أو بألف فقبلَ عُتِق، والمالُ دينٌ عليه، فتصحُّ الكفالةُ به؛ لأنَّه دينٌ صحيح؛ لكونِهِ ديناً على حرّ بخلافِ بدلِ الكتابة، فإنَّه دينٌ على عبده.
(1)
لأن العبد لا يتناول الحمل، في قوله: كل عبد لي ذكر حرّ.
(2)
ليس قيداً احترازياً؛ لأنه لا فرق بين ان تلده لأقل من ستة أشهر أو لأكثر بل لكون وجود الحمل وقت الحلف متيقّناً. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 517).
(3)
أي تعتق الأم فيعتق الولد تبعاً لها.
(4)
ودبَّرَ في المتن ماضي معروف من التدبير، والظاهر الأصوب أنه على صيغة اسم المفعول، وقوله: من له مفعول ما لم يسمى فاعل الذي يقال له نائب الفاعل، ويمكن أن يكون هو المراد من قول الشارح: مفعول. ينظر: «العمدة» (2: 218).
(5)
أي عتق الأول بسبب التدبير، وعتق الثاني بسبب إضافة العتق إلى الموت. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 527).
والمعلَّقُ عتقُهُ بالأداء مأذونٌ إن أدَّى عُتِقَ لا مكاتب، ويقيِّدُ أداؤهُ بالمجلس إن عَلَّقَ: بإن، وبإذا لا، ورجعَ المولَى عليه إن أدَّى ممَّا كسبَه قبل التَّعليق لا ممَّا بعده، وعُتِقَ في حاليه، وإن خَلَّى بينَهُ وبينُه، لا إن أدَّى بعضَه، وإن نُزِّلَ قابضاً في فصليه، وفي أنت حرٌّ بعد موتي بألف، إن قبلَ بعد موتِه وأعتقَهُ الوارثُ عُتِقَ وإلاَّ فلا
(والمعلَّقُ عتقُهُ بالأداء مأذونٌ إن أدَّى عُتِقَ لا مكاتب)
(1)
: صورتُهُ أن يقولَ: إن أدَّيتَ إليَّ كذا، فأنتَ حرّ، فإنَّه يصيرُ مأذوناً بالتِّجارة؛ ليتمكَّن من أداءِ المال، (ويقيِّدُ أداؤهُ بالمجلس إن عَلَّقَ: بإن، وبإذا لا)
(2)
: أي لا يقيَّدُ بالمجلس، (ورجعَ المولَى عليه إن أدَّى ممَّا كسبَه قبل التَّعليق
(3)
لا ممَّا بعده، وعُتِقَ في حاليه): أي في حالِ أدائِهِ ممَّا كسبَهُ قبل التَّعليق، وحال أدائه ممَّا كسبَهُ بعده، (وإن خَلَّى بينَهُ وبينُه): أي بين المولَى وبين المال، بأن وضعَ المال في موضعٍ يتمكَّنُ المولَى من أخذِه، وقولُهُ: وإن خَلَّى، يتصلُ بقولِهِ: وعتق، أي يعتقُ وإن كان الأداءُ بطريقِ التَّخلية: أي الأداءُ يحصلُ بالتَّخلية.
(لا إن أدَّى بعضَه): أي لا يعتقُ إن أدَّى بعضَه، (وإن نُزِّلَ قابضاً في فصليه)، يتّصلُ بما ذُكِرَ من العتقِ بأداء الكلِّ وعدمِ العتقِ بأداء البعض، فإنَّه يعتقُ في الفصلِ الأوَّل، ولا يعتقُ في الفصل الثَّاني مع أنَّه يُنْزل قابضاً في كلا الفصلين، وإنِّما قال هذا؛ لأنَّ عند بعضِ المشايخ رضي الله عنهم إن أدَّى البعضِ لا يجبرُ على القَبول، فعلى هذه الرِّواية إن أدَّى البعضَ بطريقِ التَّخلية لا يُنَزَّلُ المولى مَنْزلةَ القابض، لكنَّ المختارَ أنَّه يكونُ قابضاً، لكنَّهُ لا يعتق؛ لأنَّ شرطَ العتقِ أداءُ الكلّ؛ فلا يعتقُ لهذا المعنى، لا لأنَّه لم يصرْ قابضاً، بل صارَ قابضاً للبعض.
(وفي أنت حرٌّ بعد موتي بألف، إن قبلَ بعد موتِه وأعتقَهُ الوارثُ عُتِقَ
(4)
وإلاَّ فلا)
(1)
لأنه صريح في تعليق العتق بالأداء وإنما صار مأذوناً؛ لأن المولى رغبه في الاكتساب بطلبه الأداء منه، ومراده التجارة لا التكدي، فكان إذناً له دلالة، فجاز بيعه، ولا يكون العبد أحق بمكاسبه حتى جاز للمولى أخذا منه بلا رضاء بخلاف المكاتب. وتمامه في «درر الحكام» (2: 15).
(2)
لأنه لا يستعمل للوقت كمتى.
(3)
لأنه مال استحقه المولى، أما ما بعده فلا يرجع لأنه مأذون بالأداء منه. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 127/ب).
(4)
والولاء للوارث، فيرثه عصبته المتعصبون بأنفسهم دون الإناث، ولو كان الولاء للورثة ابتداءً لدخل فيه الإناث. ينظر:«حاشية الطحطاوي» (2: 309).
ولو حرَّرَهُ على خدمتِهِ سنةً فقبلَ عُتِق، وخدَمَهُ مدَّتَه، فإن ماتَ مولاهُ قبلَها تجبُ قيمتُه، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه قيمةُ خدمتِه كبيعِ عبدٍ منه بعينٍ فَهَلَكَتْ تَجِبُ قيمتُه، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه قيمتُها
أي لا يعتقُ بالمالِ المذكور
(1)
، وإنِّما قيِّدَتُ بهذا القيد؛ لأنَّه قال: وإلاَّ فلا؛ أي إن لم يوجدْ المجموع، وهو القبول بعد الموت، وإعتاقُ الوارثِ لا يعتق، فيشملُ ما إذا قبل بعد الموت، لكنَّ الوارثَ لم يعتقْه، فحينئذٍ لا يعتَق، فيصدُقُ أن يقالَ: لا يعتقُ بالمالِ المذكور، ويشملُ ما إذا لم يقبلْ بعد الموت، ولكنَّ الوارثَ أعتقَه فحينئذٍ يصدُقُ أيضاً: أنَّه لا يعتقُ بالمال المذكور، ولا يصدُقُ أن يقال: إنَّه لا يعتقُ ضرورة، أنَّه يعتقُ مجاناً.
(ولو حرَّرَهُ على خدمتِهِ سنةً فقبلَ عُتِق، وخدَمَهُ مدَّتَه): أي وَجَبَ عليه الخدمةُ عليه في المدَّة المذكورة، والضَّميرُ
(2)
في مدَّتِهِ يرجعُ إلى العبد، أضافَ المدَّةَ إليه بأدنى ملابسة: أي مدَّةٍ ضربَتْ له، ومدُّتُها في نسخةٍ بخطِّ المصنِّف رضي الله عنه يعني مدَّة الخدمة، أي مدَّة ضُرِبَتْ للخدمة.
(فإن ماتَ مولاهُ قبلَها): أي قبل المدَّة، (تجبُ قيمتُه): أي قيمةُ العبد، (وعند محمَّدٍ
(3)
رضي الله عنه قيمةُ خدمتِه كبيعِ عبدٍ منه بعينٍ فَهَلَكَتْ تَجِبُ قيمتُه، (وعند محمَّدٍ)
(4)
رضي الله عنه قيمتُها): أي الاختلافُ في مسألةِ مدَّة الخدمةِ بناءٌ على الاختلافِ في هذه المسألة
(5)
، وهي ما إذا قال لعبده: بعتُ نفسَك منك بهذه العين، كثوبٍ معيَّن، فهلكَتِ العين، تجبُ قيمةُ العبد.
(1)
وإن جاز أن يعتقه الوارث مجاناً. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 530).
(2)
لما كان يرد هاهنا أن ضمير مدّته راجعٌ إلى الخدمة؛ لأن المدة لا تضاف حقيقة إلا إلى المظروفات، فيقال: مدة الخدمة، ومدة العتق، ومدة الصلاة إلى غير ذلك ممَّا وجه تذكير الضمير، أشار الشارح رضي الله عنه إلى دفعِهِ بأن الضمير راجعٌ إلى العبدِ والاضافة إليه لأدنى مناسبة، وقد يدفع الايراد بعد تسليم أن الضمير راجع إلى الخدمة بأن تانيث المصدر، وما تاؤه ليست زائدة عليه لا يعتد به، فيذكر الضمر الراجع إليه كثيراً. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 221).
(3)
وبقول محمد نأخذ، كما «الجامع القدسي» ، وأقرَّه صاحب «البحر» (4: 283)، و «النهر» ، و «الدر المختار» (3: 29).
(4)
في ت و ج و س و ص و ف و ق: عنده.
(5)
هذا ما قاله صاحب «الهداية» (2: 66)، وغيره، لكن قال ابن الهمام في «الفتح» (5: 15): ولا يخفى أن بناء هذه على تلك ليس بأولى من عكسه، بل الخلاف فيهما معا ابتدائي، وأيَّده اللكنوي في «عمدة الرعاية» (1: 221) بأنه يدل عليه صنيع المصنف لا الشارح.
وفي: أُعتقها بألفٍ على أن تزوِّجَنِيها، إن فعلَ وأبت عُتِقَتْ ولا شيءَ على آمرِه، ولو ضُمَّ: عنِّي؛ قُسِّمَ الألفُ على قيمتِها ومهرِها، وتجبُ حصَّةُ القيمة، فلو نُكِحَتْ فحصَّةُ مهرِها مهرُها في وجهيه
وعند محمَّد رضي الله عنه قيمةُ العين؛ لتعذُّرِ الوصولِ إلى البدلِ هاهنا، كما في تلكِ الصُّورة، وإنِّما تجبُ قيمةُ العينِ عنده؛ لأنَّ العينَ بدلُ شيءٍ ليس بمالٍ وهو العتق، والعتقُ لا قيمةَ له فتجبُ قيمةُ العين.
ولهما: إن العينَ بدلُ نفسِ العبد، فصارَ كما إذا باعَ عبداً بجارية، فماتَ العبد، ثُمَّ فسخا العقدَ في الجارية، تَجِبُ قيمةُ العبد.
(وفي: أُعتقها بألفٍ على أن تزوِّجَنِيها، إن فعلَ وأبت عُتِقَتْ ولا شيءَ على آمرِه): أي قال رجل لآخر: أعتق أمتَك بألفٍ عليَّ بشرطِ أن تُزوِّجَنيها، فأعتقَها المولى، وأبت الجاريةُ التَّزوُّج، فلا شيءَ على الآمر؛ لأنَّ اشتراطَ البدلَ على الغير لا يجوزُ في العتق.
(ولو ضُمَّ: عنِّي؛ قُسِّمَ الألفُ
(1)
على قيمتِها ومهرِها، وتجبُ حصَّةُ القيمة): أي لو قال: أعتق أمتَك عنِّي بألف، وباقي المسألةِ بحالِها، فإنَّه يقعُ الاعتاقُ عن الآمر بطريقِ الاقتضاء، كما عرفتَ
(2)
فيقسَّمُ الألفُ على قيمتِها ومهرِ مثلِها، ففرضنا أن قيمتَها ألفٌ ومهرُ مثلِها خمسمئة، فيقسَّم الألفُ على ألفٍ وخمسمئة، فثُلُثا الألفِ حصَّةُ القيمة، وثُلُثُه حصَّةُ مهرِ المثل، فوجبَ عليه أداءُ ثُلُثيِّ الألفِ إلى المولَى، وسقطَ عنه ثُلُثُ الألف؛ لأنَّهُ قابلَ الألفَ بالرَّقبةِ شراءً، وبالبِضعِ نكاحا، فسلِمَ له الرَّقبة دون البضع، فوَجَبَ حصَّةُ ما سَلِمَ له، ولم يجبْ حصَّةُ ما لم يسلمْ له.
(فلو نُكِحَتْ فحصَّةُ مهرِها مهرُها في وجهيه)، هذا الذي ذَكَرَنا إنِّما هو على تقديرِ الإباء، أمَّا إذا لم تأب ونُكِحَت، فمهرُها حصَّةُ مهرِ المثل من الألف، وهو ثُلُثُ الألفِ فيما فرضناه، وقولُهُ: في وجهيه: أي فيما لم يقلْ: عنِّي، وفيما قال: عنِّي.
(1)
زيادة من م.
(2)
أي في أبحاث الطلاق السابق ذكرها (ص).
باب التدبير والاستيلاد
مَن أُعتقَ عن دُبُرٍ مطلقاً بإذا متُّ فأنت حرّ، أو أنت حرٌّ عن دُبُرٍ منِّي، أو أنتَ مدبَّرٌ، أو دَبَّرتُك، أو إن متُّ إلى مئةِ سنة وغَلَبَ موتُهُ قبلَها فمدبَّرٌ، لا يباعُ ولا يوهب، ويستخدم، ويستأجر، والأمةُ توطأُ وتنكح
باب التدبير والاستيلاد
(مَن أُعتقَ عن دُبُرٍ مطلقاً بإذا متُّ فأنت حرّ، أو أنت حرٌّ عن دُبُرٍ منِّي، أو أنتَ مدبَّرٌ، أو دَبَّرتُك، أو إن متُّ إلى مئةِ سنة وغَلَبَ موتُهُ قبلَها فمدبَّرٌ)، فقولُهُ: مَن أُعتق: مبتدأ، وخبرُهُ: مدبَّر.
واعلم أنَّه قال في «الهداية» : إنَّ التَّدبيرَ إثباتُ العتقِ عن دُبُر
(1)
.
وإنِّما فسَّرَه بهذا رعايةً لموضعِ اشتقاقِ التَّدبير؛ فلهذا قال «المتن» : مَن أُعْتِقَ عن دُبُر.
وإنِّما قال: مطلقاً؛ احتزازاً عن المقيَّد.
فالمطلق: أن يُعلِّق العتقَ بموتِ مطلق، أو مقيَّدٍ بقيدٍ يكونُ الغالبُ وقوعَه.
والمقيَّد: أن يعلِّقَهُ بموتٍ مقيَّدٍ بقيدٍ لا يكونُ كذلك عادة، نحو: إن متُّ في مرضي هذا فهو حرّ.
فقولُهُ: إن متُّ إلى مئة سنة؛ وهو ابنُ ثمانين سنةً مثلاً، وإن كان في الصُّورة مقيَّداً فهو في المعنى مطلقٌ؛ لأنَّ الغالبَ أن يموتَ قبل هذه المدَّة.
فقولُهُ: إن متُّ الى مئةِ سنة؛ يكون بمَنْزلةِ قولِهِ: إن متّ، فيكون في حكمِ المطلق.
وقولُهُ: إن متُّ إلى مئةٍ سنةٍ تقديرُهُ: إن متُّ في وقتٍ من هذا الزَّمان إلى مئةِ سنة.
ثُمَّ شَرَعَ في حكمِ المُدبَّر، فقال:(لا يباعُ ولا يوهب، ويستخدم، ويستأجر، والأمةُ توطأُ وتنكح): هذا عندنا
(2)
، وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه فيجوزُ انتقالُهُ من ملكٍ إلى ملك.
(1)
انتهى من «الهداية» (2: 67). بتصرف يسير.
(2)
لأن ملك المولى ثابت له، وبه تستفاد هذه التصرفات من غير إبطال حقّ العبد، وولد المدبّرة مدبّر. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 229).
(3)
ينظر: «التنبيه» (ص 97)، و «المنهاج» وشرحه «مغني المحتاج» (3: 512).
فإن ماتَ سيِّدُه عتقَ من ثُلُثِ مالِه، وسعى في ثُلُثَيه إن لم يتركْ غيرُه، وفي كلِّه إن استغرقَ دينُه، وبيعَ إن قال له: إن متُّ في سفري، أو مرضى هذا، أو إلى سنة، أو نحوها ممَّا يمكنُ غالباً، وعُتِقَ إن وُجِدَ شَرْطُهُ كعتقٍ المُدبَّر، وأمةٌ ولدَتْ من سيِّدِها، أو من زوجٍ فملَكَها صارَت أمَّ ولد، وحكمُها كالمُدبِّرة إلاَّ أنَّها تعتقُ عند موتِهِ من كلِّ مالِه، ولم تسعَ لدينِه، ولا يثبتُ نسبُ ولدِها إلاَّ أن يُقِرَّ به، فإن أقرَّ فولدَتْ آخر يثبتُ نسبُه بلا دعوة، وانتفى بنفيه
(فإن ماتَ سيِّدُه عتقَ من ثُلُثِ مالِه، وسعى في ثُلُثَيه إن لم يتركْ غيرُه، وفي كلِّه إن استغرقَ دينُه)؛ لأنَّه لمَّا كان إيجاباً بعد الموتِ كان له حكمُ الوصية.
(وبيعَ إن قال له: إن متُّ في سفري، أو مرضى هذا، أو إلى سنة، أو نحوها ممَّا يمكنُ غالباً، وعُتِقَ إن وُجِدَ شَرْطُهُ كعتقٍ المُدبَّر).
فقولُهُ: وبيع: أي صحَّ بيعُهُ، وكذا جميعُ ما يوجبُ الانتقالَ من ملكِ إلى ملك.
وقولُهُ: ممَّا يمكنُ غالباً: أي ممَّا لا يكونُ وقوعُه واجباً في الغالب، ذَكَرَ الإمكان وأرادَ التَّردُّد.
(1)
(وأمةٌ ولدَتْ من سيِّدِها، أو من زوجٍ فملَكَها صارَت
(2)
أمَّ ولد، وحكمُها كالمُدبِّرة إلاَّ أنَّها تعتقُ عند موتِهِ من كلِّ مالِه، ولم تسعَ لدينِه، ولا
(3)
يثبتُ نسبُ ولدِها إلاَّ أن يُقِرَّ به، فإن أقرَّ فولدَتْ آخر يثبتُ نسبُه بلا دعوة، وانتفى بنفيه).
اعلم أنّ الفراشَ: إمِّا ضعيف، أو متوسط، أو قويّ.
فالضَّعيفُ: هي الأمةُ فلا يثبتُ نسبُ ولدِها إلاَّ بدعوةِ سيِّدِها، فإذا ادَّعى صارَتْ أمَّ ولد، وهي الفراشُ المتوسط، ويثبتُ نسبُ ولدِها بلا دعوة؛ لكنَّه ينتفي بنفيه، والفراشُ القويُّ هي المنكوحة، فيثبتُ نسبُ ولدِها بلا دعوة، ولا ينتفي بالنَّفي، بل يجبُ اللِّعان
(4)
.
(1)
في م زيادة باب الاستيلاد.
(2)
زيادة من أ و ب و س و م.
(3)
في ق: ولم.
(4)
مرّ معنا سابقاً في باب ثبوت النسب من كتاب النكاح أن هناك فراشاً رابعاً أيضاً، وهو: فراش أقوى: كفراش معتدة البائن، فإن الولد لا ينتفي فيه أصلاً؛ لأن نفيه متوقف على اللعان وشرط اللعان الزوجية، ينظر:«رد المحتار» (3: 549). ع.
وأمُّ ولدِ النَّصرانيِّ إذا أسلمَتْ تسعى في قيمتِها، وتعتقُ بعدها إن عرضَ عليه الإسلام فأَبى. وهي بحالها إن عرضَ فأسلم، فإن ادَّعى ولدَ أمةٍ مشتركة يثبتُ نسبُهُ منه، وهي أمُّ ولدِهِ وضَمِنَ نصفَ قيمتِها، ونصفَ عقرِها لا قيمةَ ولدِها، وإن ادَّعياه معاً، فهو منهما، وهي أمُّ ولدٍ لهما، وعلى كلٍّ نصفُ
(وأمُّ ولدِ النَّصرانيِّ إذا أسلمَتْ تسعى في قيمتِها، وتعتقُ بعدها): أي بعد السِّعاية
(1)
، (إن عرضَ عليه الإسلام فأَبى. وهي بحالها إن عرضَ فأسلم): أي تكون أمَّ ولدٍ له كما كانت.
(فإن ادَّعى ولدَ أمةٍ مشتركة): أي بين المدَّعي وبين آخرٍ (يثبتُ نسبُهُ منه، وهي أمُّ ولدِهِ وضَمِنَ نصفَ قيمتِها، ونصفَ عقرِها
(2)
لا قيمةَ ولدِها): لأنَّه لمَّا استولدَ الجاريةَ يثبتُ النَّسبُ في النِّصفِ لمصادفتِهِ ملكَه، فيثبتُ في الباقي ضرورةَ أن النَّسبَ لا يتجزأ؛ لأنَّ الولدَ لا يتعلَّقُ من مائين، فيلزمُ تملُّك الباقي، فيجبُ عليه نصفُ قيمتِها، وأيضاً نصفُ عقرها؛ لحرمةِ الوطءِ بخلافِ وطءِ جاريةِ الابن، فإنَّ قولَهُ صلى الله عليه وسلم:«أنت ومالك لأبيك»
(3)
لا يرادُ به المعنى الحقيقي، وهو أن يكونَ ملكاً للأب ضرورةَ كونِهِ ملكَ الابن يدلُّ عليه قولُهُ صلى الله عليه وسلم:«أنت ومالك لأبيك» فيرادُ به المعنى المجازي، وهو حلُّ الانتفاع، فتصيرُ قبيل الوطءِ ملكاً للأب؛ ليكونَ الوطءُ حلالاً، فلا يجبُ عليه
(4)
العقر.
وفي مسألتِنا وقعَ الوقاعُ في محلٍّ بعضُهُ ملكُ الغير، ولا سبب لحلِّ الوطء فيحرمُ، فيجبُ العقرُ، والتَّملُّك يثبتُ ضرورةَ ثبوتِ النَّسب منه، فيثبتُ قبيلَ العلوق، لكن بعد ابتداءِ الوطء، فلا يجبُ قيمةُ الولد.
(وإن ادَّعياه معاً، فهو منهما)، خلافاً للشَّافِعيِّ رضي الله عنه فإن عنده يُرْجَعَ إلى قولِ القائف، وهو الذي يتبعُ آثار الآباء في الأبناء، (وهي أمُّ ولدٍ لهما، وعلى كلٍّ نصفُ
(1)
لتعذر إبقائها في ملك المولى ويده بعد إسلامها وإصراره على الكفر، فتخرج إلى الحرية بالسعاية، وهذا لأن ملك الذمي محترم فلا يمكن إزالته مجاناً. ينظر:«المبسوط» (7: 168).
(2)
العقر: هو مهر مثلها في الجمال: أي ما يرغب به في مثلها جمالاً فقط. ينظر: «رد المحتار» (3: 40).
(3)
سبق تخريجه (ص 46).
(4)
زيادة من م.
عقرِها، وتقاصَّا، ويرثُ من كلٍّ إرث ابن، وورثا منه إرثَ أب، وإن ادَّعى ولدَ أمةِ مكاتَبة لزِمَهُ عقرُها، ونسبُ الولدِ وقيمتُه لا الأمة إن صدَّقَه مكاتَبُهُ وإلاَّ لا يثبتُ نسبُه إلاَّ إذا ملكَهماً
عقرِها، وتقاصَّا
(1)
، ويرثُ من كلٍّ إرث ابن)؛ لأنَّ المقرَّ يؤاخذُ بإقراره، (وورثا منه إرثَ أب)؛ لأنَّ الأبَ أحدُهما، لكنَّه غير معلومٍ فيوزَّعُ ميراثُ الأبِ عليهما.
(وإن ادَّعى ولدَ أمةِ مكاتَبة
(2)
لزِمَهُ عقرُها، ونسبُ الولدِ وقيمتُه)؛ لأنَّه وَطِئَ معتمداً على الملك، فيكون ولدُهُ ولدَ المغرور
(3)
، وهو ثابتٌ النَّسب، وهو حرٌّ بالقيمة، (لا الأمة): أي لا تصيرُ الأمةُ أمَّ ولدٍ له إذ لا ملكَ له فيها حقيقة، (إن صدَّقَه مكاتَبُهُ): أي إنِّما يثبتُ النَّسبُ إن صدَّقَ المكاتَبُ المولَى، وعند أبي يوسف رضي الله عنه لا يشترطُ تصديقُ المكاتَبِ المولَى، (وإلاَّ لا يثبتُ نسبُه إلاَّ إذا ملكَهماً): أي إن لم يُصدِّقِ المكاتَبُ المولَى لا يثبتُ النَّسب إلاَّ إذا ملكَ المولَى الولدَ يوماً
(4)
. (والله أعلم)
(5)
.
* * *
(1)
لعدم فائدة الاشتغال بالاستيفاء إلا إذا كان نصيب أحدهما أكثر من نصيب الآخر فيأخذ منه الزيادة إذ المهر يجب لكل واحد منهما بقدر ملكه فيها بخلاف البنوة والإرث منه حيث يكون لهما على السواء لأن النسب لا يتجزّأ وهو في الحقيقة لأحدهما فيكون بينهما على السواء؛ لعدم الأولوية. ينظر: «التبيين» (3: 106).
(2)
قيد بأمة المكاتَب؛ لأنه لو وطئ المكاتبة فجاءت بولد فادّعاه ثبت نسبه ولا يشترط تصديقها؛ لأن رقبتها مملوكة له بخلاف كسبها. ينظر: «البحر» (4: 300).
(3)
هو ولد من تزوج أمة ظاناً أنّها حرّة فولده ثابت النَّسب منه، وأمُّه ليس بأمّ ولدٍ له ويكون الولدُ حرّاً بأداء قيمتِهِ إلى مولى الزوجة. ينظر:«العمدة» (2: 229).
(4)
لقيام الموجب وزوال حق المكاتب. ينظر: «البحر» (4: 300).
(5)
زيادة من ف و ق.
كتاب الأيمان
وهي ثلاث، فحلفُهُ على فعلٍ أو تركٍ ماضٍ كاذباً عمداً غَموس
كتاب الأيمان
اليمينُ
(1)
تقوي الخبرَ بذِكْرِ الله، أو التَّعليق
(2)
، (وهي ثلاث): أي الأيمانُ التَّي اعتبرَها الشَّرعُ ورتَّبَ عليها الأحكام ثلاث، وإنِّما قلنا هذا؛ لأنَّ مطلقَ اليمينِ أكثرُ من الثَّلاث، كاليمينِ على الفعلِ الماضي صادقاً، وعَنَيْنَا بترتُّبِ الأحكامِ عليها ترتُّبِ المؤاخذةِ على الغَمُوس، وعدمِها على اللَّغو، والكفارةِ على المنعقدة.
(فحلفُهُ على فعلٍ أو تركٍ ماضٍ كاذباً عمداً غَموس)، يمكن أن يرادَ بالفعلِ مصطلحُ أهلِ النحاة
(3)
، أو مصطلحُ أهلِ الكلام
(4)
، وهو المصدرُ أعمُّ من أن يكون قائماً بالعقلاء أو بالجمادات، نحو: واللهُ لقد هبَّتِ الرَّيح.
فإن قلتَ إذا قيل: والله إن هذا حجر، كيف يصحُّ أن يقالَ: هذا الحلفُ على الفعل.
قلتُ: يقدَّرُ كلمةُ كان، أو يكون إن أريدَ في الزَّمانِ الماضي، أو المستقبل
(5)
.
(1)
اليمين: عبارة عن عقد قوي به عزم الحالف على الفعل أو الترك. ينظر: «التنوير» (3: 45).
(2)
التعليق: وهو تعليق الجزاء بالشرط نحو إن فعلت فكذا، أو إن لم أفعل فكذا، والمقصود منه تقوية عزم الحالف على الفعل أو الترك، وهذا ليس بيمين وضعاً، وإنما سمّي بها عند الفقهاء لحصول معنى اليمين به وهو الحمل أو المنع. ينظر:«درر الحكام» (2: 38).
(3)
ويرد عليه أن مقابلة الفعل بالترك تأبى حمل الفعل على الفعل النحوي، فالأولى أن يحمل على المعنى اللغوي. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 230).
(4)
وفي مصطلح أهل الكلام إما أن يراد به ما هو بالإخبار فيأباه شموله فعل الجماد، وإما أن يراد التأثير فلا يشمل الانفعالات، وكون الشيء حجراً مع أنه صرح بشموله فالأولى أن يراد الفعل الذي قال. ينظر:«حاشية عصام الدين» (ق 141/أ).
(5)
المشهور في عبارة القوم أن الغموس حلف على فعل أو ترك ماض كاذبا عمداً، وقد صرح شراح «الهداية» وغيرهم: إن ذكر الفعل والمضي ليس بشرط بل هو بناء على الغالب، فلا حاجة إلى تكلّف ارتكبه صدر الشريعة حيث قال: فإن قلت إذا قيل: والله إن هذا حجر
…
على أن اعتبار الماضي أو الاستقبال في هذا الحلف باطلٌ لتعيّن إرادة الحال. فتدبر. ينظر: «درر الحكام» (2: 38).
يأثم به، أو ظانَّاً أنَّه حقّ، وهو ضدُّهُ لغو، يرجى عفوه، وعلى آتٍ منعقدة
والمرادُ بالتَّرك: عدمُ الفعل.
وقولُهُ: كاذباً؛ حالٌ من الضَّميرِ في قولِهِ: فحلفُه.
ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الغموسِ بقولِهِ: (يأثم به)
(1)
.
ثُمَّ عطفَ على قولِهِ كاذباً، قوله:(أو ظانَّاً أنَّه حقّ، وهو ضدُّهُ لغو).
ثُمَّ بيَّنَ حكمَهُ بقولِه: (يرجى عفوه).
ثُمَّ عطفَ على فعل أو تركٍ قولَهُ: (وعلى آتٍ منعقدة)، الأحسنُ أن يقال: وآت منعقدة بلا كلمة: على؛ ليكونَ معطوفاً على ماض، فإنَّه إذا ذُكِرَ لفظُ على، يكونُ معطوفاً على فعل أو ترك، ثُمَّ لا بُدَّ أن يقدَّرَ لقولِهِ: آت؛ موصوفٌ، وهو فعلٌ أو ترك، فيكونُ فيه إطنابٌ مع وجوبِ تقديرِ ما ليس بمذكور، ولو أسقط لفظة: على، حتَّى يكون عطفاً على ماض، ففيه إيجاز بلا احتياجٍ إلى
(2)
تقديرِ شيءٍ غيرِ ملفوظ.
فإنْ قلتَ: الحلفُ كما يكونُ على الماضي والآتي، يكونُ على الحالِ أيضاً، فلم لم يذكره، وهو من أيِّ قسمٍ من أقسامِ الحلف.
قلتُ
(3)
: إنِّما لم يذكرْهُ لمعنىً دقيق، وهو أن الكلامَ يحصلُ أوَّلاً في النَّفس، فيعبَّرُ عنه باللَّسان، فالإخبارُ المتعلِّقُ بزمانِ الحالِ اذا حصلَ في النَّفس، فيعبَّرُ عنه باللِّسان، فإذا تمَّ التَّعبيرُ باللِّسانِ انعقدَ اليمين، فزمانُ الحالِ صارَ ماضياً بالنِّسبةِ إلى زمانِ انعقادِ اليمين، فإذا قال: كتبت بالقلم
(4)
لا بُدَّ من الكتابةِ قبل ابتداءِ التَّكلُّم، وإذا قال: سوف أكتبُ لا بُدَّ من الكتابةِ بعد الفراغِ من التَّكلُّم، بقي الزَّمانِ من ابتداءِ التَّكلُّمِ إلى آخره، فهو زمانُ الحالِ
(1)
ولا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار؛ لأنه من الكبائر بالنص الصحيح. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 540).
(2)
زيادة من م.
(3)
قال ملا خسرو بعد ذكر كلام الشارح بطوله في «درر الحكام» (2: 39): بل الصواب في الجواب أن يقال: لا وجه لهذا السؤال بعدما قال أولاً إن مطلق اليمين أكثر من الثلاث، فتدبر. وفي «المختار» (3: 285): الغموس: وهي الحلف على أمرٍ ماض أو حال يتعمد فيها الكذب فلا كفارة فيها.
(4)
زيادة من م.
وكَفَّرَ فيه فقط إن حنث، ولو سهواً أو كرهاً: حلف أو حنث، والقسم بالله أو باسم من أسمائِه: كالرَّحمن، والرَّحيم، والحقّ. أو بصفةٍ يُحْلَفُ بها من صفاتِه: كعزَّةِ الله، وجلالِه، وكبريائه، وعظمته، وقدرته. لا بغيرِ اللهِ: كالنَّبيّ، والقرآن، والكعبة.
بحسبِ العرف، وهو ماضٍ بالنسبةِ إلى آن الفراغ، وهو الآن الذي يكون فيها
(1)
انعقادُ اليمين فيكونُ الحلفُ عليه الحلفَ على الماضي.
(وكَفَّرَ فيه فقط إن حنث): إنِّما قال: فقط؛ احتزازاً عن مذهبِ الشَّافِعيِّ
(2)
رضي الله عنه من الكفّارةِ في الغموس.
(ولو سهواً أو كرهاً: حلف أو حنث)، يعني تجب الكفار وإن كان الحلفُ بطريقِ السَّهو، أو بالإكراه خلافاً للشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه.
وقال في «الهداية» : القاصدُ في اليمين والمُكْرَهُ والنَّاسي سواء
(4)
.
والمرادُ بالنَّاسي: السَّاهي
(5)
، وهو الذي حلفَ من غيرِ قصد، كما يقال: ألا تأتيتنا، فقال: بلى والله، من غيرِ قصدِ اليمين.
وكذا إن كان الحنثُ بطرقِ السَّهو والإكراهُ تجب؛ لأنَّ الفعلَ الحقيقيَّ لا يعدمُهُ السَّهو والإكراه، وكذا الإغماءُ والجنون، فتجبُ الكفارةُ بالحنثِ كيفما كان.
(والقسم بالله أو باسم من أسمائِه: كالرَّحمن، والرَّحيم، والحقّ
(6)
.
أو بصفةٍ يُحْلَفُ بها من صفاتِه: كعزَّةِ الله، وجلالِه، وكبريائه، وعظمته، وقدرته.
لا بغيرِ اللهِ: كالنَّبيّ، والقرآن، والكعبة.
(1)
في أ و ب و س و ص و ف: آن.
(2)
ينظر: «أسنى المطالب» (4: 240)، و «مغني المحتاج» (4: 325)، وغيرهما.
(3)
ينظر: «التنبيه» (ص 122)، و «تحفة المحتاج» (10: 3)، و «تحفة الحبيب» (4: 356)، وغيرها.
(4)
انتهى من «الهداية» (72).
(5)
جزم كثير باتحاد السهو والنسيان؛ لأن اللغة لا تفرق بينهما، وفرق بينهما كثير من العلماء، وفيه كلام لطيف يطول المقام لو ذكر، فيحسن للوقوف عليه الرجوع إلى «التقرير والتحبير» (2: 177)، و «رد المحتار» (3: 49)، و «عمدة الرعاية» (2: 223)، وغيرها.
(6)
جميع أسماء الله تعالى في الحلف على السواء تعارف الناس للحلف بها أو لم يتعارفوا. ينظر: «المحيط» (ص 41).
ولا بصفةٍ لا يُحْلَفُ بها عرفاً: كرحمتِه، وعلمه، ورضائه، وغضبه، وسخطه، وعذابه. وقولُهُ: لعَمْرُ الله، وأيمُ الله، وعهدِ الله، وميثاقِه. وأقسم، وأحلف، وأشهد وإن لم يقلْ بالله. وعليَّ نذر، أو يمين، أو عهد، وإن لم يضفْ إلى الله. وإن فعلَ كذا فهو كافر، وإن لم يَكْفُرْ علَّقَهُ بماض أو آت، وسَوْكَنْدْ ميخُورَمْ بَخُدَايْ قسم
ولا بصفةٍ لا يُحْلَفُ بها عرفاً: كرحمتِه، وعلمه، ورضائه، وغضبه، وسخطه، وعذابه.
وقولُهُ: لعَمْرُ الله، وأيمُ الله، وعهدِ الله، وميثاقِه.
وأقسم
(1)
، وأحلف، وأشهد وإن لم يقلْ بالله.
وعليَّ نذر
(2)
، أو يمين، أو عهد، وإن لم يضفْ إلى الله.
وإن فعلَ كذا فهو كافر، وإن لم يَكْفُرْ علَّقَهُ بماض أو آت، وسَوْكَنْدْ ميخُورَمْ بَخُدَايْ
(3)
قسم).
فقولُهُ: لعَمْرُ الله: مبتدأٌ، وقسمٌ: خبرُه، والمرادُ بقاءُ الله، تقديره: لعمرُ اللهِ قسمي.
وقولُهُ: وأيمُ اللهِ، قد قيل: هو جمعُ يمين، حذفَتْ النُّون منه خفّةً؛ لكثرةِ استعماله، تقديرُهُ: أيمنُ اللهِ يميني، وقيل: هو من أدوات القسمِ كالواو.
وعهدِ اللهِ: بالجرِّ بواسطةِ حرفِ القسم.
وقولُهُ: وإن لم يكفرْ، إنِّما قال هذا؛ لأنَّه علَّقَ الكفرَ بالفعلِ المذكور، فيكون قسماً بسببِ التَّعليق، فعدمُ الكفرِ بذلك الفعلِ دلَّ على عدمِ صحَّةِ التَّعليق، فلا يصحُّ القسم، فعدمُ الكفرِ لمَّا أوهمَ عدمَ صحَّةِ القسم، فلدفعِ هذا الوهم، قال: إنَّه قسم وإن لم يكفر، وإنِّما يكون قسماً؛ لأنَّه لمَّا علَّقَ الكفرَ بذلك الفعل، فقد حرَّمَ الفعل، وتحريمُ الحلالِ يمين.
وقولُهُ: علَّقَهُ بماض أو آت؛ أي لا يَكْفُر بهذا القولِ سواءٌ علَّقَ الكفرَ بفعلٍ ماض أو مستقبل، وعند البعض
(4)
: إن علَّقَه بفعلٍ ماضٍ يَكْفُر؛ لأنَّ التَّعليقَ بفعلٍ يُعْلَمُ أنَّه
(1)
الواو في هذا وما بعده للعطف لا للقسم؛ لأن الحالف يقول: أقسم لأفعلن. ينظر: «فتح باب العناية» (2: 252).
(2)
فإن نوى بلفظ النذر قربة لزمته وإلا لزمته الكفارة. ينظر: «الدر المختار» (1: 54).
(3)
سَوْكَنْدْ ميخُورَمْ بَخْدَايْ: أي أحلف الآن بالله، بلسان فارس. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 545).
(4)
مثل محمد بن مقاتل، ولكن الأصح أنه إن كان الرجل عالماً يعرف أنه يمين لا يكفر في الماضي والمستقبل وإن كان جاهلاً، وعنده: أنه يكفر بالحلف يكفر في الماضي والمستقبل. ينظر: «شرح ملا مسكين» (ص 143).
وحقاً، وحقِّ الله، وحرمتِه، وسَوْكَنْدُ خُورَمْ بَخُدَاى يا بطلاق زَنْ، وإن فعلَهُ فعليه غضبُه، أو سخطُه، أو لعنتُه. أو أنا زان، أو سارق، أو شاربُ خمر، أو آكل رباً لا. وحروفُ القسم: الواو، والباء، والتاء، وتضمر: كاللهِ لأفعله. وكفارتُهُ: عتقُ رقبة، أو إطعامُ عشرة مساكين، كما مرَّ في الظِّهار، أو كسوتُهم لكلٍّ ثوبٌ يسترُ عامّةَ بدنِه، فلم يجزْ السَّراويل، فإن عجزَ عنها وقتَ الأداء
تنجيزٌ
(1)
، لكنَّ الصَّحيح أنَّه لا يَكْفُر إن كان يَعْلَمُ أنَّه يمين، فإن كان عنده أنَّه يَكْفُرُ بالحلفِ يَكْفُر فيهما.
(وحقاً
(2)
، وحقِّ الله
(3)
، وحرمتِه
(4)
، وسَوْكَنْدُ خُورَمْ بَخُدَاى
(5)
يا
(6)
بطلاق زَنْ
(7)
، وإن فعلَهُ فعليه غضبُه، أو سخطُه، أو لعنتُه.
أو أنا زان، أو سارق، أو شاربُ خمر، أو آكل رباً
(8)
لا.
وحروفُ القسم: الواو، والباء، والتاء، وتضمر
(9)
: كاللهِ لأفعله.
وكفارتُهُ: عتقُ رقبة، أو إطعامُ عشرة مساكين، كما مرَّ في الظِّهار، أو كسوتُهم لكلٍّ ثوبٌ يسترُ عامّةَ بدنِه، فلم يجزْ السَّراويل، فإن عجزَ عنها وقتَ الأداء): أي
(1)
أي التعليق بما يعلم وقوعه تنجيز، فإذا قال: إن كنت فعلتُ كذا فأنا كافرٌ فإن كان صدقاً فلا كفر ولا مؤاخذة، وأن كان كاذباً كفر؛ لأنه يصيرُ كأنه أنجز الكفرَ وأثبته لنفسه. ينظر:«العمدة» (2: 235).
(2)
إلا إذا أراد به اسم الله تعالى. ينظر: «الدر المختار» (3: 57).
(3)
واختار صاحب «الاختيار» (3: 293) أن حق الله يمين؛ لأن الحلف به معتاد اعتباراً للعرف.
(4)
اسم بمعنى الاحترام وحرمة الله ما لا يحل انتهاكه فهو في الحقيقة بغيره تعالى. ينظر: «رد المحتار» (1: 57).
(5)
لأنه وعد وليس بيمين. ينظر: «الايضاح» (ق 70/ب).
(6)
خطأ ملا خسرو في «الدرر» (2: 41) صاحب «الوقاية» في لفظ: يا؛ وأنه يجب عليه لفظ: أو؛ بدلاً منها. وفي «شرح أبي المكارم» (ق 296): أنه الأحسن. ولكن عبد الحليم في «حاشيته» (1: 335): بيَّن أن هذا وهم من ملا خسرو؛ لأن لفظة: يا؛ بالفارسية بمعنى: أو؛ في العربية.
(7)
زَنْ: معناها المرأة أو الزوجة، وإنما لا يكون يميناً؛ لأنه حلفٌ بغير الله، ولا تعارف؛ ولهذا يمينه لا يكون. ينظر:«العمدة» (2: 236).
(8)
أي لا يكون يميناً؛ لأنه لا أثر للتعليق في وجود هذه الأشياء. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 130/ب).
(9)
أي قد تضمر حروف القسم فيكون حلفاً؛ لأن حذف الحرف من عادة العرب إيجازاً. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 542).
صامَ ثلاثةَ أيَّام ولاء، ولم يجزْ بلا حنث، ومَن حلفَ على معصيةٍ كعدمِ الكلامِ مع أبويهِ حنثَ وكفَّر. ولا كفّارةَ في حلفِ كافر، وإن حنثَ مسلماً.
عن الأشياءِ الثَّلاثة وقت إرادة الأداء (صامَ ثلاثةَ أيَّام ولاء، ولم يجزْ بلا حنث)، التَّكفير قبل الحنثِ لا يجوزُ عندنا حتّى لو كَفَّرَ قبل الحنث، ثُمَّ حنثَ تَجِبَ الكفارةُ خلافاً للشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه، فعنده اليمينُ سببُ الكفارة، والحنثُ شرطُ وجوبِ الأداء، فيجوزُ التَّقديمُ عليه.
وعندنا: الحنثُ سببٌ؛ لأنَّ اليمينَ انعقدَتْ للبرّ، والكفارةُ على تقديرِ الحنثِ فلا يكونُ اليمينُ سبباً لها، فالحنثُ سبب، واليمينُ شرط، فلا يتقدَّم على الحنث، وخلافُ الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه في الكفارةِ الماليَّة، فإنَّهُ يمكنُ أن يثبتَ نفسُ الوجوبِ لا وجوب الأداء كما في الثَّمن، فنفسُ وجوبِهِ يتعلَّقُ بالمال ووجوبُ الأداءِ بالفعل
(3)
.
قلنا: المالُ غيرُ مقصودٍ في حقوقِ اللهِ تعالى، فالكفارةُ الماليَّة وغيرُ الماليَّة على السَّواء، على أنّ نفسَ الوجوبِ ينفكُّ عن وجوبِ الأداء في العباداتِ البدنيَّة، فنفسُ الوجوبُ يتعلَّقُ بالهيئةِ الحاصلةِ للعبادات، ووجوب الأداءِ يتعلَّقُ بإيقاعِ تلك الهيئة على ما حقَّقناهُ في «شرح التَّنقيح»
(4)
.
(ومَن حلفَ على معصيةٍ كعدمِ الكلامِ مع أبويهِ حنثَ وكفَّر.
ولا كفّارةَ في حلفِ كافر، وإن حنثَ مسلماً.
(1)
ينظر: «الأم» (7: 66)، و «تحفة المحتاج» (10: 15)، و «نهاية المحتاج» (8: 181)، وغيرها.
(2)
أي خلاف الشافعي رضي الله عنه السابق في الكفّارة بالمال؛ لأن مَن يكفّر بالصوم لم يجز حتى يحنث، أما إن كفر بالمال فالأولى أن لا يكفّر حتى يحنث فإن كفّر قبل أن يحنث جاز. ينظر:«التنبيه» (1: 125)، و «فتوحات الوهاب» (5: 296) وغيرهما.
(3)
الفرق بين نفس الوجوب ووجوب الأداء: أن الأول هو اشتغال ذمة المكلف بالشيء، والثاني هو لزوم تفريغ الذمة عما تعلق بها فلا بدّ له من سبق حق في ذمته، فإذا اشترى شيئا يثبت الثمن في الذمة، فثبوت الثمن في الذمة نفس الوجوب. أما لزوم الأداء فعند المطالبة بناءً على أصل الوجوب، وأيضاً واجب على المغمى عليه والنائم والمريض والمسافر ولا أداء عليهم لعدم الخطاب، أما في الأولين فلأن خطاب من لا يفهم لغو، وأما في الأخيرين فلأنهما مخاطبان بالصوم في أيام أخر. ينظر:«التوضيح» (1: 392).
(4)
شرح التنقيح» (1: 284) وما بعدها.
ومَن حرَّمَ ملكَه لا يحرم وإن استباحه كَفَّر. وكلُّ حلٍّ عليَّ حرام فهو على الطَّعام والشَّراب، وقالوا: تطلق عرسُه، وبه يفتى، كحلالٍ بروي حرام، وهَرْجِهْ بَدَسْت رَاسْت كِيْرم بروي حرام للعرف
ومَن حرَّمَ ملكَه لا يحرم وإن استباحه كَفَّر
(1)
.
(10 (وكلُّ حلٍّ عليَّ حرام فهو على الطَّعام والشَّراب، وقالوا: تطلق عرسُه، وبه يفتى)
(2)
(3)
، كحلالٍ بروي حرام
(4)
، وهَرْجِهْ
(5)
بَدَسْت
(6)
رَاسْت
(7)
كِيْرم
(8)
بروي حرام للعرف
(9)
(10)
)
(11)
: أي وإن عاملَ به معاملةَ المباحِ كفَّر؛ لأنَّ تحريمَ الحلال يمين؛ لقولِهِ تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}
(12)
، على أنّ اليمينَ إن
(1)
أي من حرم على نفسه شيئاً مما يملكه لم يصرّ حراماً عليه، وإن استباحه بمعاملته معاملة المباح كفر. ينظر:«درر الحكام» (2: 42).
(2)
قال ابن عابدين في «رد المحتار» (3: 65): وبه أفتى المتأخّرون لا المتقدّمون، وقد توقف البزدوي في «مبسوطه» في كون عرف الناس إرادة الطلاق به، فالاحتياط أن لا يخالف المتقدّمين. ومثله في «الفتح» (5: 91)، و «البحر» (4: 319)، و «الشرنبلالية» (2: 42) و «منحة الخالق» (4: 319)، و «حاشية الشلبي» (3: 115)، وغيرها.
(3)
زيادة من ص.
(4)
حلال بروى حرام: معناه الحلال عليه حرام، أو حلال الله، أو حلال المسلمين. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 547).
(5)
هَرْجِهْ: معناه كل شيء. ينظر: «البناية» (5: 195).
(6)
بَدَسْت: معناه بيدي. ينظر: المصدر السابق (5: 195).
(7)
رَاسْت: معناه اليمين، يعني اليمين بيدي. ينظر: المصدر السابق (5: 195).
(8)
كِيْرم: معناه عليّ. ينظر: المصدر السابق (5: 195).
(9)
في «الهداية» (2: 76): الأظهر أنه يجعل طلاقاً من غير نية للعرف.
(10)
زيادة من ت و ج و ف و ق. وذكرت في ف بعد قوله: فهو تحريم الحلال.
(11)
قال صاحب «الفتح» (5: 91): الحاصل أن المعتبر في انصراف هذه الألفاظ عربية أو فارسية إلى معنى بلا نية التعارف فيه فإن لم يتعارف سئل عن نيته. وفيما ينصرف بلا نية لو قال: أردت غيره لا يصدقه القاضي وفيما بينه وبين الله تعالى هو مصدق. اهـ.
(12)
من سورة التحريم، الآية (2).
ومَن نذرَ مطلقاً، أو معلَّقاً بشرطٍ يريدُهُ كإن قَدِمَ غائبي، فوُجِدَ وَفَّى، وبما لم يردْهُ كإن زنيت وَفَّى أو كَفَّرَ، هو الصَّحيح، ومَن وصلَ إن شاءَ الله تعالى بحلفِهِ بطل
فهو إيجابُ المباح، وإن كان على عدميّ، فهو تحريمُ الحلال
(1)
.
(ومَن نذرَ مطلقاً): أي غيرُ معلَّقٍ بشرطٍ، نحو: للهِ عليَّ صومُ هذا اليوم، (أو معلَّقاً بشرطٍ يريدُهُ كإن قَدِمَ غائبي، فوُجِدَ وَفَّى، وبما لم يردْهُ كإن زنيت
(2)
وَفَّى أو كَفَّرَ، هو الصَّحيح)
(3)
إنِّما قال هذا؛ احتزازاً عن القولِ الآخر، وهو وجوبُ الوفاءِ سواءٌ علَّقَهُ بشرطٍ يريدُه أو لا يريدُه، وإنِّما كان هذا صحيحاً؛ لأنَّه إذا علَّقه بشرطٍ لا يريدُه، ففيه معنى اليمين، وهو المنع، لكنَّه بظاهره نذر، فيتخيَّر
(4)
.
أقول: إن كان الشَّرطُ أمراً حراماً كإن زنيت مثلاً، ينبغي أن لا يتخيَّر؛ لأنَّ التَّخييرَ تخفيف، والحرامُ لا يوجبُ التَّخفيف
(5)
.
(ومَن وصلَ إن شاءَ الله تعالى بحلفِهِ بطل)
(6)
. (والله تعالى أعلم بالصواب)
(7)
.
(1)
أي إن اليمين إن كان على فعلٍ مباح كأن يقول: والله لأتصدقنَّ في هذا اليوم، فهو متضمن لإيجاب المباح؛ لأنه كان في سعة من تركه قبل اليمين، فأوجبه باليمين، وإن كان على عدميٍّ، نحو: والله لا أذهب إلى الموضع الفلاني، فهو متضمن لتحريم الحلال؛ لأن قبل اليمين كان هو في سعة من فعله، فمنعه بمينه، ومن المعلوم أن إيجاب المباح يتضمن أيضاً تحريم الحلال، وبالجملة فكل يمين لا يخلو عن تحريم الحلال. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 240).
(2)
أي كإن زنيت فعليّ كذا.
(3)
التخيير هو رواية النوادر، ولكنّه صح رجوع الإمام قبل وفاته بسبعة أيام عما نقل عنه في ظاهر الرواية من وجوب الوفاء، سواءٌ علقه بشرط يريده أو بشرط لا يريده، وبه كان يفتي إسماعيل الزاهد، وهو اختيار السرخسي في «المبسوط» (8: 136) لكثرة البلوى في زماننا، وقال صاحب «الدرر» (2: 43): وبه يفتى، وفي «التنوير» (3: 69): وهو المذهب. وقال صاحب «مجمع الأنهر» (1: 548): وفي أكثر المعتبرات هذا هو المذهب الصحيح المفتى به.
(4)
أي فيتخيَّر بين الوفاء والكفّارة. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 548).
(5)
ما اختاره الشارح ردّه صاحب «الدرر» (1: 43) بقوله: ليس الموجب للتخفيف هو الحرام بل وجود دليل التخفيف؛ لأن اللفظ لما كان نذراً من وجه ويميناً من وجه لزم أن يعمل بمقتضى الوجهين ولم يجز اهدار أحدهما فلزم التخيير الموجب للتخفيف بالضرورة. وأقرَّه ابن عابدين في «رد المحتار» (3: 69)، وأيضاً رد كلام الشارح ابن كمال باشا في «الايضاح» (ق 71/أ)، واللكنوي في «عمدة الرعاية» (2: 241).
(6)
بأن قال: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، فلا ينعقد: أي لا يحنث أصلاً فلا يكون يميناً. ينظر: «شرح ملا مسكين» (ص 144).
(7)
زيادة من ف.
باب الحلف بالفعل
[فصل اليمين في الدخول والسكنى]
مَن حلفَ لا يدخلُ بيتاً يحنثُ بدخولِ صُفّةٍ لا الكعبة، أو مسجد، أو بيعة، أو كنيسة، أو دِهليز، أو ظلّةِ باب دار، كما في لا يدخلُ داراً، فدخل داراً خربة، وفي هذه الدَّارِ يحنثُ إن دخلَها منهدمةً صحراء، أو بعدما بُنِيت أخرى، أو
باب الحلف بالفعل
[فصل اليمين في الدخول والسكنى]
(مَن حلفَ لا يدخلُ بيتاً يحنثُ بدخولِ صُفّةٍ
(1)
لا الكعبة، أو مسجد، أو بيعة
(2)
، أو كنيسة، أو دِهليز
(3)
، أو ظلّةِ باب دار
(4)
)؛ لأنَّ البيتَ موضعٌ أُعِدَّ للبيتوتة، فالصُّفَّةُ بيتٌ لا هذه المواضع. (كما في لا يدخلُ داراً، فدخل داراً خربة)، حيث لا يحنث.
(وفي هذه الدَّارِ يحنثُ إن دخلَها منهدمةً صحراء، أو بعدما بُنِيت أخرى
(5)
، أو
(1)
صُفّة: البيت، وجمعها صِفاف كقِفَافٍ في جمع قُفَّةٍ قِيَاس، وَالسَّمَاعُ الصُّفَّاتُ. ينظر:«المغرب» (ص 268). قال صاحب «الهداية» (2: 76): لأنها تبنى للبيتوتة فيها في بعض الأوقات، فصار كالشتوي والصيفي. وقيل: هذا إذا كانت الصفة ذات حوائط أربعة، وهكذا كانت صفافهم. وقيل: الجواب مجرى على إطلاقه وهو الصحيح.
(2)
البيعة: موضع صلاة النصارى وجمعها البيع وفي ديوان الأدب جعل كل واحد منهما للنصارى. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 93).
(3)
دِهليز: وهو ما بين الباب والدار. ينظر: «فتح باب العناية» (2: 261).
(4)
ظلّة باب الدار: وهي التي تكون على باب الدار ولا يكون فوقها بناء وإذا كان على باب الدار تكون على السكة فلا تكون بيتاً فلا يحنث. ينظر: «درر الحكام» (2: 45).
(5)
الفرق بينهما أن الدار اسم للعرصة حقيقة وعرفاً، والبناء فيها من التوابع والأوصاف إلا أن الوصف في الغائب معتبر، وفي الحاضر لغو فكأنه قال: لا أدخل هذه العرصة المبنية فيعلو الوصف مع الإشارة إذ الوصف للتعريف والإشارة أبلغ فيه. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 257).
وَقَفَ على سطحِها، وقيل: في عرفنا لا يحنث به كما لو جعلَتْ مسجداً، أو حماماً، أو بستاناً، أو بيتاً، أو دخلها بعد هدمِ الحمام، وكهذا البيت، ودخله منهدماً صحراءً، أو بعدما بُنِي بيتاً آخر
وَقَفَ على سطحِها، وقيل: في عرفنا لا يحنث به): أي بالوقوف على السَّطح
(1)
، (كما لو جعلَتْ مسجداً، أو حماماً، أو بستاناً، أو بيتاً
(2)
، أو دخلها بعد هدمِ الحمام)، حيث لا يحنث؛ لأنَّها لم تبقَ داراً أصلاً.
(وكهذا البيت، ودخله منهدماً صحراءً، أو بعدما بُنِي بيتاً آخر)؛ فإنَّه لا يحنثُ لزوالِ اسمِ البيت.
واعلم أنَّهم قالوا في لا يدخل هذه الدَّار فدخلَها منهدمة: إنَّه يحنث؛ لأنَّ اسمَ الدار يطلقُ على الخَرِبة، فهذه العلَّةُ توجبُ الحنث في لا يدخلُ داراً، فدخلَ داراً خَرِبةً، ثُمَّ فرقُهم بأن الوصفَ في الحاضر لغو فرقٌ واهٍ؛ لأنَّ معناهُ أنَّه إذا وُصِفَ المشارُ إليه بصفةٍ نحو: لا يكلِّمُ هذا الشَّاب، فكلَّمَهُ شيخاً يحنث؛ لأنَّ الوصفَ بالشَّباب صارَ لغواً.
وفي قولِنا: لا يدخلُ هذه الدَّار، أو لا يدخلُ داراً، أين الوصفُ حتَّى يكون لغواً في أحدهما غيرَ لغوٍ في الآخر.
ثُمَّ هذا المعنى يوجبُ الحنثَ في لا يدخلُ هذا البيت، وعدمَهُ في لا يدخلُ بيتاً إن دخلَهُ منهدماً صحراء؛ لأنَّ البيتوتةَ وصفٌ فيلغو في المشارِ إليه، فزوالُ اسم البيت ينبغي أن لا يعتبرَ في المشارِ إليه.
ثُمَّ قالوا في: لا يدخلُ هذه الدَّار، فدخلَها بعدما بُنِيتْ حماماً أنَّه لا يحنثُ لأنَّه لم يبقَ داراً.
أقول: لفظُ الدَّار في الدَّارِ المعمورةِ غالبُ الاستعمال، وقد يطلقُ أيضاً على المنهدمة، فإذا قيل: لا أدخلُ داراً، فالأولَى أن يرادَ الدارُ المعمورة، وأيضاً وجوبُ صرفِ المطلقِ إلى الكامل، أوجَبَ إرادة المعمورة.
(1)
في «شرح ملا مسكين» (ص 145): والمختار أن لا يحنث إن كان الحالف من بلاد العجم وعليه الفتوى، وإن كان من بلاد العرب يحنث، وهو جواب الأصل. اهـ. والحنث هو قول المتقدمين، مقابله قول المتأخرين. ينظر:«فتح المعين» (2: 307).
(2)
لزوال الاسم بخلاف ما لو جعلت داراً؛ لأن الاسم كان باقياً، وهي صحراء حتى يحنث بالدخول فيها. ينظر:«رمز الحقائق» (2: 257).
أو هذه الدَّار، فوقفَ في طاقِ بابٍ لو أُغْلِقَ كان خارجاً. أو لا يسكنُها، وهو ساكِنُها، أو لا يلبسُه، وهو لابسُه، أو لا يركبُه، وهو راكبُه، فأخذَ في النُّقْلَة، ونَزع ونزل بلا مكث
وإذا قيل: لا يدخلُ هذه الدَّار، فانهدمَ بناؤُها، فصحَّةُ إطلاقِها على المنهدمةِ ترجَّحت بالإشارة، فيحنثُ إن دخلَها منهدمة. وإن بنيتَ داراً أُخرى يحنثُ بدخولِها. أمَّا لو جُعِلَتْ حماماً، أو بستاناً، فلا يحنث؛ لأنَّه زالَ عنها اسمُ الدَّار بالكليَّة.
وأمَّا البيتُ فلا يطلقُ إلاَّ على موضعٍ أُعِدَّ للبيتوتة، فإذا خَرِبَت، لم يصحَّ إطلاقُ البيتِ عليه أصلاً، ولا يقال: إنَّ البيتوتةَ وصف، والوصفُ في المشارِ إليه لغو؛ لأنَّ البيتَ اسمُ جنسٍ مع أنَّه مشتقٌ من البيتوتة، وليس اسمَ صفةٍ كالشَّابِّ ونحوه، فاسمُ الإشارة إذا دَخَلَ في الصَّفات يكونُ الوصفُ لغواً، نحو: لا يكلِّم هذا الشَّابّ، فكلَّمَهُ شيخاً يحنث.
أمَّا إن دخلَ في أسماء الأجناس، وإن كانت مشتقَّة، نحو: واللهِ لا يشربُ هذا الخمر، فلا بُدَّ من بقاءِ حقيقتِها، حتَّى لو تخللَّ فشربَ لا يحنث، ولو حلفَ لا يشربُ هذا الخمرَ الحلو، فشربَ بعدما صارَ مُرَّاً يحنث، فاحفظ هذا البحث، فإنَّه مزلَّة الأقدام
(1)
.
(أو هذه الدَّار، فوقفَ في طاقِ بابٍ لو أُغْلِقَ كان خارجاً
(2)
.
أو لا يسكنُها، وهو ساكِنُها، أو لا يلبسُه، وهو لابسُه، أو لا يركبُه، وهو راكبُه، فأخذَ في النُّقْلَة، ونَزع ونزل بلا مكث): أي إذا حلفَ لا يسكنُ هذه الدَّار، وهو ساكنُها، فلا بُدَّ من أن يأخذَ في النَّقلِ بلا مكث
(3)
، حتَّى لو مكثَ ساعة يحنث، وهذا عندنا، وأمَّا عند زُفَرَ رضي الله عنه يحنث؛ لوجودِ السُّكْنى، وإن قلّ.
قلنا: اليمينُ شُرِعَتْ للبرّ، فزمانُ تحصيلِ البرّ يكونُ مستثنىً، وكذا في لا يلبسُه، وهو لابسُه، ولا يركبُهُ وهو راكبُه.
(1)
ما أورد الشارح من الحجّة هنا واعترض به على الفقهاء ردَّه ملا خسرو في «درر الحكام» (2: 43)، وابن كمال باشا في «الايضاح» (ق 71/أ)، واللكنوي في «عمدة الرعاية» (2: 243)، وأيّدوا الفقهاء بكلام طويل يطول المقام في إيراده.
(2)
أي لا يحنث ولو أدخل رأسه أو إحدى رجليه لم يحنث، أما لو أغلق الباب يكون داخلاً يحنث. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 145).
(3)
لأنه إن أقام فيها يوماً أو أكثر يحنث في يمينه؛ لأن الدوام على السكنى له حكم الابتداء. ينظر: «المحيط» (ص 114).
أو لا يدخلُ فقعدَ فيها إلاَّ أن يخرجَ ثُمَّ يدخل وفي لا يسكنُ هذه الدَّار، لا بُدَّ من خروجِهِ بأهلِه ومتاعِه أجمع حتَّى يحنث بوتدٍ بقي
(أو لا يدخلُ فقعدَ فيها)؛ فإنَّه لا يحنثُ به، فإنَّ الدُّخولَ هو الانتقالُ من الخارجِ إلى الدَّاخل، فلا يحنثُ بالمكث، بخلافِ السُّكْنَى واللُّبْس والرُّكُوب، فإنَّه في حالِ المكثُ ساكن ولابسٌ وراكب، فمن قولنا
(1)
: وقيل: في عرفنا لا يحنثُ
…
إلى هاهنا الحكمُ عدمُ الحنث.
(إلاَّ أن يخرجَ ثُمَّ يدخل) هذا استثناءٌ مفرَّغٌ
(2)
من قبيل الظَّرف، فإنَّ قولَهُ: إلاَّ أن يخرج، معناهُ إلاَّ الخروج، ثُمَّ المصدرُ يقعُ حيناً، نحو: آتيتك خُفوقَ النَّجم
(3)
: أي وقتَ خُفوقِه، فتقديرُ الكلامِ في قولِهِ: لا يدخلُ فقعد؛ لا يحنثُ في وقتٍ إلاَّ وقتَ خروجِه، ثُمَّ دخولِه.
(وفي لا يسكنُ هذه الدَّار، لا بُدَّ من خروجِهِ بأهلِه ومتاعِه أجمع حتَّى يحنث بوتدٍ بقي): هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه.
وأمَّا عند أبي يوسف رضي الله عنه، فيعتبرُ نقلُ الأكثر.
وأمَّا عند محمَّد رضي الله عنه فيعتبرُ ما يقومُ به، كَدْخُدَائِيَّتِه
(4)
، قالوا: هذا أحسن، وأرفقُ بالنَّاس
(5)
(1)
أي من قول المصنف رضي الله عنه، وقيل: في عرفنا لا يحنث أي في مسألة الوقوف على السطح إلى هاهنا حكم المسائل عدم الحنث.
(2)
الاستثناء المفرّغ: سمِّي مفرّغاً؛ لأن ما قبل إلا قد تفرّغ لطلب ما بعدها، ولم يشتغل عنه بالعمل فيما يقتضيه. ينظر:«شرح ابن عقيل» (1: 603)، و «شرح قطر الندى» (ص 247)، و «البهجة المرضية» (ص 215)، وغيرها.
(3)
خُفوق: المغيب والغرب، وخُفوق النجم: أي وقت خُفوق الثريا تجعله ظرفاً وهو مصدر. ينظر: «اللسان» (10: 81).
(4)
أي يعتبر نقل ما لا بد في البيت من آلات الاستعمال. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 552).
(5)
اختلفت كلمة الفقهاء في الافتاء بالأقوال الثلاثة المذكورة:
فذهب أصحاب المتون إلى الإفتاء بقول الإمام، قال صاحب «البحر» (4: 333): وعليه الفتوى؛ لأنه أحوط.
وذهب صاحب «المحيط» و «الفوائد الظهيرية» ، و «الكافي» إلى أن الفتوى على قول أبي يوسف.
وذهب صاحب «الهداية» (2: 78)، والشارح، و «الفتح» (5: 107)، و «الدر المختار» (3: 77)، و «رد المحتار» (3: 77)، و «رمز الحقائق» (1: 258) إلى الإفتاء بقول محمد.
بخلافِ المصرِ والقرية.
[فصل اليمين في الخروج والاتيان والركوب وغير ذلك]
وحنثَ في لا يخرجُ لو حُمِل وأُخرج بأمره، لا إن أُخْرِجَ بلا أمرِه مكرهاً أو راضياً، ومثله لا يدخلُ أقساماً وحكماً، ولا في: لا يخرجُ إلاَّ إلى جنازةٍ إن خرجَ إليها، ثُمَّ إلى أمرٍ آخر، وحنثَ في لا يخرجُ إلى مكَّة، فخرجَ يريدُها ورجع، لا في لا يأتيها حتَّى يدخلَها، وذهابُهُ كخروجِهِ في الأصحّ
(بخلافِ المصرِ والقرية)
(1)
: فإنَّه لا يشترطُ نقلُ الأهل والمتاع.
[فصل اليمين في الخروج والاتيان والركوب وغير ذلك]
(وحنثَ في لا يخرجُ لو حُمِل وأُخرج بأمره، لا إن أُخْرِجَ بلا أمرِه مكرهاً أو راضياً
(2)
، ومثله لا يدخلُ أقساماً وحكماً)، فالأقسامُ:
أن يخرجَ بأمرِه.
وأن يخرجَ بلا أمرِه إمَّا مكرهاً أو راضياً.
والحكمُ الحنثُ في الأوَّل، وعدمُهُ في الأخرين.
(ولا في: لا يخرجُ إلاَّ إلى جنازةٍ إن خرجَ إليها، ثُمَّ إلى أمرٍ آخر): فإنَّه لا يحنث؛ لأنَّ خروجَهُ لم يكن إلاَّ إلى الجنازة
(3)
.
(وحنثَ في لا يخرجُ إلى مكَّة، فخرجَ يريدُها ورجع)؛ لأنَّ الخروجَ إلى مكَّةَ قد تحقَّق
(4)
، (لا في لا يأتيها حتَّى يدخلَها): أي لو حَلَفَ أن لا يأتي مكَّةَ لا يحنثُ حتَّى يدخلَها، (وذهابُهُ كخروجِهِ في الأصحّ): أي لو حلفَ لا يذهبُ إلى مكَّة، فالأصحُّ
(1)
بأن حلف أن لا يسكن هذا المصر أو هذه القرية
…
(2)
أي لا يحنث؛ لأن الفعل لم ينتقل إليه لعدم الأمر، ولو كان راضياً بالخروج؛ لأن الانتقال يكون بالأمر لا بمجرد الخروج. ينظر:«درر الحكام» (2: 47).
(3)
لأن الخروج هو الانفصال من الباطن إلى الظاهر، وهو موجود بالنسبة إلى الجنازة دون الأمر الآخر، فإن الموجود في حقّ الاتيان، وهو الوصول، وهو ليس بخروج،، والدوام على الخروج ليس بخروج أيضاً لعدم امتداده. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 265).
(4)
لوجود الخروج عن قصد مكّة وهو الشرط إذ الخروج هو الانفصال من الداخل إلى الخارج. ينظر: «الهداية» (2: 78).
وفي: ليأتيَّن مكَّة ولم يأتِها لا يحنثُ إلاَّ في آخرِ حياتِه، وحنثَ في ليأتينَّهُ غداً إن استطاعَ إن لم يأتِه بلا مانعٍ كمرض أو سلطان، ودُيِّنَ بنيَّةِ الحقيقية، وشُرِطَ للبرّ في لا يخرجُ إلاَّ بإذنِه لكلِّ خروجٍ إذن، لا في إلاَّ إن أَذِن
مثلُ لا يخرجُ إلى مكَّة، وعند البعض: هو مثلُ لا يأتي
(1)
، والأوَّلُ أصحّ
(2)
؛ لقولِهِ تعالى: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي}
(3)
، أي متوَّجِّهٌ إليه، وأمَّا الوصولُ فليس في وسعِه.
(وفي: ليأتيَّن مكَّة ولم يأتِها لا يحنثُ إلاَّ في آخرِ حياتِه)؛ لأنَّه حينئذٍ يتحقَّقُ عدمُ الإتيان
(4)
.
(وحنثَ في ليأتينَّهُ غداً إن استطاعَ إن لم يأتِه بلا مانعٍ كمرض أو سلطان، ودُيِّنَ بنيَّةِ الحقيقية): أي إن قال: عنيت الاستطاعةَ الحقيقيَّة
(5)
: وهي القدرةُ التَّامة التَّي يجبُ عندها صدورُ الفعل، فهي لا تكون إلاَّ مقارنةً للفعلِ يصدَّقُ ديانةً لا قضاء؛ لأنَّها تطلقُ في العرفِ على سلامةِ الأسبابِ والآلات، فالمعنى الآخرُ خلافُ الظَّاهر، فلا يصدَّقُ قضاء.
(وشُرِطَ للبرّ في لا يخرجُ إلاَّ بإذنِه لكلِّ خروجٍ إذن)؛ لأنَّ تقديرَه: لا يخرج إلاَّ خروجاً ملصقاً بإذنِه، فالمستثنى هو الخروجُ الملصق بالإذن
(6)
، فما سواهُ بقي في صدرِ الكلام.
(لا في إلاَّ إن أَذِن): أي إن قال: لا يخرجُ إلاَّ أن يأَذن، لا يشترطُ لكلِّ خروجٍ
(1)
فيشترط فيه الوصول، وصححه قاضي خان في «فتاواه» ، وصاحب «الخلاصة». ينظر:«رد المحتار» (3: 80).
(2)
وهو ما قاله صاحب «الهداية» (2: 78)، ومشى عليه أصحاب المتون، كالمصنف، وصاحب «الكنْز» (ص 71)، و «التنوير» (3: 80).
(3)
من سورة الصافات، الآية (99).
(4)
لأن البر قبل الموت مرجو، لأن الحالف ما دام حياً مرجوّ وجود البرّ، وهو الاتيان فلا يحنث، فإن فقد تعذر شرط البر، وتحقق شرط الحنث، وهو ترك الاتيان، فيحنث في آخر جزء من أجزاء حياته. ينظر:«البناية» (5: 218).
(5)
وهي القدرة الحقيقية التي يحدثها الله تعالى للعبد حال قصد اكتسابه الفعل، بعد سلامة الأسباب والآلات ولا تكون إلا مقارنة للفعل. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 266).
(6)
لأن الباء للإلصاق فكل خروج لا يكون كذلك كان داخلاً في اليمين وصار شرطاً للحنث، والحيلة في ذلك ان يقول لها: كلما أردت الخروج فقد أذنت لك، فإن قال ذلك ثم نهاها لم يعمل نهيه عند أبي يوسف خلافاً لمحمد. ينظر:«رمز الحقائق» (1: 549).
وللحنث في إن خرجت، وإن ضربت فأنت طالق لمريدةِ خروج، أو ضربِ عبدٍ فعلهما فوراً. وفي: إن تغديتُ بعد أن يقال: تعال تغدَّ معي، تغديه معه، وكفى مطلقُ التَّغدي إن ضُمَّ اليوم، ومركبُ المأذونِ ليس لمولاهُ في حقِّ الحلف إلاَّ إذا لم يكنْ عليه دينٌ مستغرقٌ ونواه
إذن؛ لأنَّ إلاَّ أن للغاية، مثل: إلى أن، فإذا أذن مرَّةً انتهى الحرمة، ويمكنُ أن يرادَ إلاَّ وقت إذني بأن يجعلَ المصدرَ حيناً، فيجبُ لكلِّ خروجٍ إِذْن.
والجوابُ: إنَّه أَذِنَ مرَّة، فخرَج، ثُمَّ خرجَ مرَّةً أُخرى بلا إذن، فعلى التَّأويل الأوَّل لا يحنث، وعلى الثَّاني يحنث، فلا يحنثُ بالشَّكّ.
(وللحنث في إن خرجت، وإن ضربت (فأنت طالق)
(1)
لمريدةِ خروج، أو ضربِ عبدٍ فعلهما فوراً)
(2)
: أي شُرِطَ للحنثِ في إن خرجت، وإن ضربتِ فعلهما فوراً.
(وفي: إن تغديتُ بعد أن يقال: تعال تغدَّ معي، تغديه معه): أي شُرِطَ للحنثِ في إن تغديتُ تغديهِ معه
(3)
.
(وكفى مطلقُ التَّغدي إن ضُمَّ اليوم): أي كفى للحنثِ مطلقُ التَّغدِّي إن قال: إن تغديتُ اليوم، فإنَّه لو كان جواباً يكفي قولُهُ: إن تغديت، فلمَّا زادَ اليوم، عُلِمَ أنَّه كلامٌ مبتدأ، فيحنثُ بمطلقِ التَّغدي في هذا اليوم، ولا يُشْتَرُطُ للحنثِ التَّغدِّي معه.
(ومركبُ المأذونِ ليس لمولاهُ في حقِّ الحلف إلاَّ إذا لم يكنْ عليه دينٌ مستغرقٌ ونواه)
(4)
: أي إن حلفَ لا يركبُ دابةَ زيد، فركِبَ دابةَ عبدِه المأذون، فإن كان عليه
(1)
زيادة من ب و س و م.
(2)
صورتها: لو أرادت المرأة الخروج فقال الزوج: إن خرجت، أو أرادت ضرب العبد فقال الزوج: إن ضربت فأنت طالق، تقيد الحنث بالفعل فوراً، فلو لبثت ثم فعلت لا يحنث، وهذه تسمى يمين فور. وتفردّ أبو حنيفة بإظهاره. ووجهه: أن مراد المتكلم الردُّ عن تلك الضَرْبة والخَرْجة عرفاً، ومبنى الأيمان عليه. ينظر:«الهداية» (2: 79)، و «الدر المنتقى» (1: 555).
(3)
صورتها: لو قال رجل لآخر: تعال تغدَّ معي، فقال المدعو: إن تغديت فإمرأتي طالق يشترطُ في الحنث تغديه معه
(4)
أي يشترط لحنثه شرطان:
الأول: أن ينويها.
والثاني: أن لا يكون عليه دين مسغرق، أما إن كان عليه دين مستغرق لا يحنث وإن نوى؛ لأنه لا ملك للمولى فيه. ينظر:«رد المحتار» (3: 86).
[فصل اليمين في الأكل والشرب]
ويتقيَّدُ الأكلُ من هذه النَّخلةِ بثمرِها، وهذا البُرُّ بأكلِهِ قضماً، وهذا الدَّقيقُ بأكلِ خبزِه، فلا يحنثُ لو استفَّهُ كما هو، وأكلُ الشِّواء باللَّحم لا الباذنجان، والجزر، والطَّبيخِ بما طُبِخَ من اللَّحم، والرَّأسِ برأسٍ يُكْبَسُ في التَّنانير ويباعُ في مصره،
دينٌ مستغرقٌ لرقبتِهِ وكسبِهِ لا يحنث؛ لأنَّ هذه الدَّابةَ ليست لزيد، وإن لم يكنْ عليه دينٌ مستغرق، فإن نوى بدابّةِ زيدٍ دابّتَهُ الخاصّة لا يحنث، وإن نَوَى دابّة هي ملكُ زيدٍ أعمُّ من أن تكونَ خاصّةً له، أو تكونَ دابّةُ عبدِه المأذون فحينئذٍ يحنث.
وقال: أبو يوسف رضي الله عنه يحنثُ في الوجوهِ كلِّها إذا نواه.
وقال محمَّد رضي الله عنه: يحنثُ وإن لم ينو.
[فصل اليمين في الأكل والشرب]
(ويتقيَّدُ
(1)
الأكلُ من هذه النَّخلةِ بثمرِها)
(2)
؛ لأنَّ المعنىَ الحقيقيّ مهجور حسَّاً، (وهذا البُرُّ بأكلِهِ قضماً)، هذا عند أبي حنيفة
(3)
رضي الله عنه خلافاً لهما، بناءً على أن اللَّفْظَ إن كان له معنىً حقيقيٌّ مستعمل، ومعنىً مجازيٌّ متعارف، فأبو حنيفةَ رضي الله عنه يرجِّحُ المعنى الحقيقي، وهما يرجِّحان المعنى المجازي، فالمرادُ عندهما أكلُ باطنِه مجازاً، فيحنثُ بأكلِهِ سواءٌ كان بالقضم، أو غيرِه، فيعملانِ بعمومِ المجاز.
(وهذا الدَّقيقُ بأكلِ خبزِه، فلا يحنثُ لو استفَّهُ كما هو): أي يحنثُ بأكلِ ما يُتَّخذُ منه كالخبزِ ونحوِه؛ لأنَّ المعنى الحقيقيّ مهجور، فيرادُ المجازي.
(وأكلُ الشِّواء باللَّحم لا الباذنجان، والجزر، والطَّبيخِ بما طُبِخَ من اللَّحم، والرَّأسِ برأسٍ يُكْبَسُ في التَّنانير ويباعُ في مصره)
(4)
، عملاً بالعرف، فإنَّ الأيمانَ مبنيَّةٌ
(1)
في ج و ف و ق: ويقيد، وت و ص: تقيد.
(2)
وكذا دبسها غير المطبوخ؛ لأنه أضاف اليمين إلى ما لا يؤكل فينصرف إلى ما يخرج منها بلا صنع أحد تجوّزاً باسم السبب، وهو النخلة في المسبب، وهو الخارج؛ لأنها سبب فيه لكن شرط أن لا يتغيَّرَ بصفة حادثة. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 556 - 557).
(3)
حتى لو أكل من خبزه لا يحنث عنده.
(4)
فلا يدخل رأس الجراد والعصفور ونحوهما تحته، وكان أبو حنيفة يقول أولاً يدخل فيه رأس الإبل والبقر والغنم، ثم رجع فيه إلى رأس البقر والغنم خاصة، وعندهما في رأس الغنم خاصة. فعلم أنه اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 147).
والشَّحمِ بشحمِ البطن، والخبزِ بخبز البُرّ والشَّعيرِ لا خبزُ الأرزِ ببلدةٍ لا يعتادُ فيه، والفاكهةِ بالتُّفاح والمشمش، والبطيخ، لا العنب، والرُّمان، والرُّطب، والقِثاء، والخيار، والشُّربُ من نهرٍ بالكَرْعِ منه، فلا يحنثُ لو شَرِبَ منه بإناء بخلافِ الحلفِ من مائه. وتحليفُ الوالي رجلاً؛ لِيُعْلِمَهُ بكلِّ داعرٍ أتى البلدة بحالِ ولايته، والضَّربُ، والكسوةُ، والكلامُ، والدُّخولُ عليه بالحياة، لا الغسل
عليه، (والشَّحمِ بشحمِ البطن
(1)
)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا عندهما يتناولُ شحمَ الظَّهر، (والخبزِ بخبز البُرّ والشَّعيرِ لا خبزُ الأرزِ ببلدةٍ لا يعتادُ فيه، والفاكهةِ بالتُّفاح والمشمش، والبطيخ، لا العنب، والرُّمان، والرُّطب، والقِثاء، والخيار): هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما العنب، والرُّمان، والرُّطب فاكهة.
(والشُّربُ من نهرٍ بالكَرْعِ
(2)
منه، فلا يحنثُ لو شَرِبَ منه بإناء): هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، فإن: من؛ عنده لابتداءِ الغاية، وعندهما للتَّبعض: أي لا يشربُ من مائه
(3)
، (بخلافِ الحلفِ من مائه
(4)
.
وتحليفُ الوالي رجلاً؛ لِيُعْلِمَهُ بكلِّ داعرٍ أتى البلدة
(5)
بحالِ ولايته): أي يقيِّدُ تحليفَ الوالي رجلاً؛ ليُعْلِمَهُ بكل مفسدٍ أتى البلد بحالِ ولايتِه
(6)
.
(والضَّربُ، والكسوةُ، والكلامُ، والدُّخولُ عليه بالحياة، لا الغسل): أي
(1)
شحم البطن: وهو ما كان مدوراً على الكرش، أما ما بين المصارين ونحوه فيسمَّى شحم الأمعاء. ينظر:«حاشية الطحطاوي» (2: 352).
(2)
الكَرْعُ: تناول الماء بالفم من موضعه، يقال: كرع الرجل في الماء وفي الإناء إذا مدّ عنقه نحوه ليشربه. ينظر: «المغرب» (ص 406).
(3)
وهذه المسألة مبنيّة على أن الأولى اعتبار الحقيقة المستعملة، وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه، أو المجاز المتعارف، وهو قولهما. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 271).
(4)
لأنه شرب ماء مضافاً إلى دجلة فحنثَ ولو حلفَ لا يشربُ ماءً من دجلةَ ولا نيّة له فشربَهُ منها بإناء لم يحنث حتى يضع فاه في دجلة؛ لأنه لما ذكر: من؛ وهي للتبعيض صارت اليمين على النهر، فلم يحنث إلا بالكرع، وإن حلف لا يشرب من هذا الجب، فإن كان مملوءاً فهو على الكرع لا غير عند أبي حنيفة رضي الله عنه. ينظر:«الجوهرة» (2: 202).
(5)
زيادة من س و م.
(6)
لأن المقصودَ منه دفع شرّه، أو شرّ غيره بزجره فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته، والزوال بالموت وكذا بالعزل. ينظر:«الهداية» (2: 94).
والقريبُ بما دونَ الشَّهْر في ليقضينَّ دينَهُ إلى قريب، والشَّهْر بعيد. وما اصْطُبِغَ به فإدام وكذا الملحُ لا الشِّواء، ولا يحنثُ في لا يأكلُ من هذا البُسْر فأكلَ رطبة، أو من هذا الرُّطب أو اللَّبن فأكل تمراً أو شِيْرازاً، أو بُسْراً فأكلَ رطباً
حلفَ ليضربنَّ زيداً يُقيَّدَ بحالِ حياتِه، ولو حلفَ لأغسلنَّ زيداً لا يتقيَّدُ بحالِ حياتِه.
(والقريبُ بما دونَ الشَّهْر): أي يقيِّدُ القريبَ بما دونَ الشَّهر (في ليقضينَّ دينَهُ إلى قريب، والشَّهْر بعيد
(1)
.
وما اصْطُبِغَ به فإدام وكذا الملحُ لا الشِّواء)
(2)
: في «المغرب» : قال ابنُ الأَنْبَارِيِّ
(3)
رضي الله عنه: الإدامُ ما يطيِّبُ الخبز ويصلحُه ويتلذَّذُ به الأكل، وهو يعمُّ المائع وغيرَ المائع، وأمَّا الصِّبغ فمختصُّ بالمائع
(4)
، وهو ما يُغْمَسُ فيه الخبز، ويلون به.
(ولا يحنثُ في لا يأكلُ من هذا البُسْر
(5)
فأكلَ رطبة، أو من هذا الرُّطب أو اللَّبن فأكل تمراً أو شِيْرازاً
(6)
، أو بُسْراً فأكلَ رطباً): أي لا يحنثُ في لا يأكلُ بسراً فأكلَ رطباً، واعلم أنَّه لا فرقَ بين قولِنا: لا يأكلُ من هذا البُسْر فأكلَهُ رطباً، وبين قولنا: لا يأكلُ بُسْراً فأكلَ رطباً، بناءً على أن البُسْرَ والرُّطبَ من أسماءِ الأجناس، فإذا
(1)
فلو قضى تمام الشهر حنث وقبله بر؛ لأن الشهر وما زاد عليه يُعَدُّ في العرفِ بعيداً وما دونه يُعَدُّ قريباً؛ ولذا يقال عند بُعْدِ العهد ما لقيتك منذ شهر. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 581).
(2)
أي لو حلف لا يأتدم فكل شيء اصطبغ به فهو إدام، والشواء ليس بإدام، والملح إدام، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم، وقال محمد: كل ما يؤكل مع الخبز غالباً فهو إدام. ينظر: «بداية المبتدي» (ص 85).
(3)
وهو محمَّد بن القاسم بن محمَّد بن بشَّار بن الحَسَن بن بيان الأنباري، أبو بكر، قال ابن خَلكان: كان علامة وقته في الآداب، وأكثر النَّاس حفظاً لها، وكان صدوقاً ثقة ديناً خيِّراً من أهل السُنَّة، وقيل: إنه كان يحفظ مئة وعشرين تفسيراً للقرآن بأسانيدها، من مؤلفاته:«الكافي» في النحو، و «غريب الحديث» ، و «الإيضاح في الوقف والابتداء» ، (271 - 328 هـ). ينظر:«معجم الأدباء» (18: 307 - 313)، «وفيات الأعيان» (4: 341 - 343)، «معجم المؤلفين» (3: 597).
(4)
انتهى من «المغرب» (ص 22). باختصار.
(5)
البُسر: اسم لثمر النخل في مرتبته الرابعة من مراتبه الست، وهي: طلع، ثم خلال، ثم بلح، ثم بُسر، ثم رُطب ثم تمر. ينظر:«الصحاح» (1: 92).
(6)
الشيراز: وهو اللبن الرائب إذا استخرج منه ماؤه. ينظر: «المغرب» (ص 248).
أو لحماً فأكلَ سمكاً، أو لحماً أو شحماً فأكلَ أليةً، ولا في لا يشتري رُطباً فاشترى كِباسةَ بُسْرٍ فيها رُطب. وحنثَ لو حلفَ لا يأكلُ رطباً أو بُسْراً أو ولا بُسْراً فأكل مُذنِّباً
صارَ ماهيةً أُخرى كما بيَّنا
(1)
في لا يدخل بيتاً
(2)
.
(3)
(أو لحماً فأكلَ سمكاً)
(4)
: أي لا يحنثُ في لا يأكلُ لحماً فأكل سمكاً، (أو لحماً أو شحماً فأكلَ أليةً، ولا في لا يشتري رُطباً فاشترى كِباسةَ
(5)
بُسْرٍ فيها رُطب
(6)
.
وحنثَ لو حلفَ لا يأكلُ رطباً أو بُسْراً أو ولا بُسْراً فأكل مُذنِّباً): أي حلفَ لا يأكلُ رطباً فأكل مُذنِّباً، أو حَلَفَ لا يأكلُ بُسْراً فأكل مُذنِّباً، أو حلفَ لا يأكلُ رطباً ولا بسراً فأكلَ مُذنِّباً حنثَ هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ لأنَّ المُذَنِّبَ بعضُهُ رطب وبعضُه بُسْر، فمَن أكلَهُ أكل الرّطب والبُسْر.
وقال في «الهداية» : إن عندهما إذا حلفَ لا يأكلُ رطباً لا يحنث بالبُسْر المُذنِّب، وإذا حلفَ لا يأكلُ بسراً لا يحنثُ بالرَّطب المُذنِّب
(7)
.
(1)
زيادة من أ و س و ص و ف.
(2)
ص 172 - 173).
(3)
مرّ عند مسألة لا يدخل بيتاً؛ عدم قبول العلماء بما علّل به الشارح، وهنا كذلك، قال ملا خسرو في «الدرر» (2: 50) في تعليل ذلك: لأن هذه صفات داعية إلى اليمين، وقد صرح في «الكافي» وغيره: إن الصفة في المعين لغو إلاّ إذا كانت داعية إلى اليمين كما في مسألة الرطب إذ ربما يضره الرطب لا التمر، والفرق بين المسألتين أن صفة البسرة وصفة الرطبة وجدتا ثمة في المعين وكان مقتضى قولهم الصفة في المعين لغوٌ أن تكون لغواً، لكنها لم تلغ لكون الصفة داعية إلى اليمين وهاهنا وجدت في المنكر والصفة فيه معتبرة. اهـ.
(4)
لأن اللحم ما يتولّد من الدم وليس في السمك دم، ومطلق الاسم يتناول الكامل، وكذلك من حيث العرف لا يستعمل السمك استعمال اللحم في اتخاذ الباحات منه، وبائع السمك لا يسمى لحَّاماً، والعرف في اليمين معتبر، إلاّ أن يكون نوى السمك، فحينئذ تعمل نيته؛ لأنه لحم من وجه. ينظر:«المبسوط» (8: 176).
(5)
كِباسة: عنقود النخل، والجمع كبائس. ينظر:«البحر» (4: 487).
(6)
لأن البيع يصادفه جملةً فيكون القليل تابعاً للكثير ولهذا بائعه لا يسمى بائع الرطب. ينظر: «التبيين» (3: 126).
(7)
انتهى من «الهداية» (2: 80)، بتصرف.
أو لا يأكلُ لحماً فأكلَ كبداً أو كرشاً أو لحمَ خنْزيرٍ أو إنسان، والغداءُ الأكلُ من طلوعِ الفجرِ إلى الظُّهر، والعشاءُ منه إلى نصفِ اللَّيل
وقد قال في «المغرب» : البُسْر المُذنِّب: وقد ذَنَّبَ إذا بدأ له الإرطابُ من قبلِ ذَنَبِه، وهو ما سَفِلَ من جانبِ المِقْمَعِ
(1)
والعِلَاقة
(2)
.
ولا شكَّ أنَّ الإرطابَ ليس إلاَّ من جانبٍ واحد، وهو الذي ليس عليه القِمَع والعِلاقة، فهذا الجانبُ هو الذَّنب، إذا عرفتَ هذا فكيفَ يصحُّ ما قال في «الهداية»: إنَّ الرُّطبَ المُذنِّب ما يكون في ذنبِهِ قليلُ بسر، والبسرُ المُذنِّبُ على العكس
(3)
: أي ما في ذنبِهِ قليلُ رطب.
فأقول: أصنافُ التَّمر التي رأيناها من تمرِ بغدادَ وفارسَ وكَرمانَ
(4)
يبدأُ إرطابُها من الجانبِ الذي ليس عليه القِمَع، ففي غيرِ هذه البلادِ إن كان ابتداءُ الإرطاب من طرفِ القِمَع، فما قال صاحب «الهداية» يكون صحيحاً.
وإن لم يكنْ الإرطاب من جانبِ القمع، فوجْهُ صحَّتِهِ أنَّ الرُّطبَ المُذنِّبَ ما يكون أكثرُهُ رطباً، والبُسْرُ المُذَنِّبُ ما يكون أكثرُهُ بُسْراً، ثُمَّ لمَّا كان البُسْرُ من طرفِ القِمَعِ فرأسُ البُسْرِ ما يلي القِمَع، وذنبُهُ الطَّرفُ الآخر، ولمَّا كان الرُّطَبُ هو الطَّرف الآخر، فرأسُ الرَّطبِ طرفُهُ الجار، وذنبُهُ طرفُ القِمَع، فهذا وجهُ صحَّتِه.
(أو لا يأكلُ لحماً فأكلَ كبداً أو كرشاً أو لحمَ خنْزيرٍ أو إنسان): قيل: لا يحنثُ بأكلِ الكبدِ والكرشِ في عرفِنا
(5)
؛ لأنَّهما في عرفِنا لم يعدَّا لحماً، وأمَّا لحمُ الخنْزير والإنسانِ فهما لحمٌ حقيقةً فيحنثُ بهما.
(والغداءُ الأكلُ من طلوعِ الفجرِ إلى الظُّهر، والعشاءُ منه إلى نصفِ اللَّيل
(6)
،
(1)
وقع في النسخ: القمع، والمثبت من «المغرب». وقِمَعُ البُسْرة: ما يلتزق بها حول عِلاقتها. ينظر: «المغرب» (ص 394).
(2)
انتهى من «المغرب» (ص 178).
(3)
انتهى من «الهداية» (2: 80).
(4)
كَرْمان: بفتح الكاف، وقيل: بالكسر، والفتح هو الصحيح، ولاية كبيرة تحتوي على عدة بلاد وقرى ومدن واسعة، بين فارس ومكران وسجستان وخراسان، وهي بلاد كثيرة النخل والزرع والمواشي والضرع تشبه بالبصرة في كثرة التمور وجودتها وسعة الخيرات. ينظر:«معجم البلدان» (4: 454). «الجواهر» (4: 297). «الفوائد» (ص 157).
(5)
وفي «الشرنبلالية» (1: 51): هو الصحيح كما في «البرهان» .
(6)
وفي عرف مصر والشام ما يؤكل من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى يسمّى فطوراً، والعشاءُ ما بعد صلاة العصر، فيعمل بعرفهم. ينظر:«الدر المختار» (3: 96).
والسَّحور منه إلى الفجر. وفي إن لبست، أو أكلت، أو شربت، ونوى عيناً لم يُصَدَّقْ أصلاً، ولو ضمَّ ثوباً، أو طعاماً، أو شراباً دِين، وتصوَّرُ البِرِّ شرطُ صحَّةِ الحلفِ خلافاً لأبي يوسف رضي الله عنه، فمَن حلفَ لأشربنَّ ماءَ هذا الكوزِ اليوم، ولا ماءَ فيه، أو كان فصبَّ في يومِهِ لا يحنث، وإن أطلقَ فكذا في الأوَّلِ دون الثَّاني
والسَّحور منه إلى الفجر
(1)
.
وفي إن لبست، أو أكلت، أو شربت، ونوى عيناً لم يُصَدَّقْ أصلاً)
(2)
: أي إن نَوَى ثوباً معيَّناً، أو طعاماً معيَّناً، أو شراباً معيَّناً لم يُصدَّقْ قضاءً، ولا ديانة؛ لأنَّ المنفي ماهيةُ اللُّبْس، ولا دلالةَ له على الثَّوب إلاَّ اقتضاءً، والمقتضَى لا عمومَ له، فلا يصحُّ فيه نيَّةُ التَّخصيص.
(ولو ضمَّ ثوباً
(3)
، أو طعاماً، أو شراباً دِين): أي صُدِّقَ دِيانةً لا قضاءً؛ لأنَّ اللَّفظَ عامّ، فنيَّةُ التَّخصيصِ خلافُ الظَّاهر، فلا يُصَدَّقُ في القضاء.
(وتصوَّرُ البِرِّ شرطُ صحَّةِ الحلفِ خلافاً لأبي يوسف رضي الله عنه، فمَن حلفَ لأشربنَّ ماءَ هذا الكوزِ اليوم، ولا ماءَ فيه، أو كان فصبَّ في يومِهِ لا يحنث)
(4)
، اعلم أنّ إمكانَ البِرِّ شرطُ صحَّةِ الحلفِ عند أبي حنيفةَ ومحمَّد رضي الله عنهم سواءٌ كان باللهِ تعالى، أو بالطَّلاق، أو بالعتاق، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه ليس بشرط، فإن حَلَفَ: واللهِ لأشربنَّ الماءَ الذي في هذا الكوزِ اليوم، ولا ماءَ فيه، أو حلفَ إن لم أشربْ الماءَ الذي في هذا الكوزِ اليوم فامرأتُهُ طالق، ولا ماءَ لا يحنثُ عندهما، وعند أبي يوسف رضي الله عنه يحنث، وإن حلفَ وكان فيه ماءٌ فأريقَ في اليوم، فالحكمُ ما ذُكِرَ.
(وإن أطلقَ فكذا في الأوَّلِ دون الثَّاني): أي إن لم يقلْ اليوم لا يحنثُ فيما لم
(1)
والغداء والعشاء ما يقصد به الشبع عرفاً، ويعتبر في حقّ أهل كلّ بلد عادتهم حتى لو حلف لا يتغدى لا يحنث باللبن والتمر إلا إذا كان بدوياً. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 148).
(2)
لأن النية إنما تصح في الملفوظ والثوب وما يضاهيه غير مذكور تنصيصاً، والمُقْتَضَى لا عموم له، فلغت نية التخصيص فيه. ينظر:«الهداية» (2: 82).
(3)
أي لو قال: إن لبست ثوباً ونوى ثوباً معيَّناً
…
(4)
لاستحالة البرِّ، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن البرّ في المؤقت يجب أن يكون في آخر الوقت، وهو مستحيل فيه، ويحنث عند أبي يوسف رضي الله عنه في آخر جزء من أجزاء ذلك اليوم، حتى تجب عليه الكفّارة إذا مضى ذلك اليوم. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 278).
وفي ليصعدَنَّ السَّماء، أو ليقلبنَّ هذا الحجرَّ ذهباً، أو ليقتلنَّ فلاناً عالماً بموتِهِ انعقدَ اليمينُ لتصوَّرِ البِرّ، وحنثَ للعجز، وإن لم يعلمْهُ فلا، ومدُّ شعرِها، وخنقُها، وعضُها، كضربِها
في الكوزِ ماءٌ عندهما خلافاً لأبى يوسف رضي الله عنه، وإن كان فصُبَّ يحنثُ إجماعاً؛ وذلك لأنَّه إذا لم يكن في الكوزِ ماء، فالبِرُّ غيرُ ممكنٍ سواءٌ ذكرَ اليوم أو لا، وإن كان فيه ماءٌ فإن ذكرَ اليوم فالبِرُّ إنِّما يجبُ عليه في الجزءِ الأخير من اليوم، فإذا صُبَّ لم يكن البِرُّ متصوَّراً.
وإن لم يذكرْ اليوم فالبِرُّ إنِّما يجبُ عليه إذا فرغَ من التَّكلُّم، لكن موسعاً بشرطِ أن لا يفوتَهُ في مدَّةِ عُمْرِه، والبِرُّ متصوَّرٌ عند الفراغِ من التَّكلُّم فانعقد اليمين، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه يحنثُ في الكلّ، ففي المؤقّتِ بعد مضيِّ الوقت، وفي غيرِ المؤقّتِ يحنثُ في الحال.
(وفي ليصعدَنَّ السَّماء، أو ليقلبنَّ هذا الحجرَّ ذهباً، أو ليقتلنَّ فلاناً عالماً بموتِهِ انعقدَ اليمينُ
(1)
لتصوَّرِ البِرّ، وحنثَ للعجز، وإن لم يعلمْهُ فلا)
(2)
، وفيه خلافِ زُفر رضي الله عنه، فعنده لا ينعقدُ اليمين؛ لكون البِرِّ مستحيلاًعادة.
قلنا: هذه الأمورُ ممكنةٌ في ذاتِها، فيكفي هذا لإنعقادِ اليمين، ويحنثُ في الحالِ بلا توقُّفٍ إلى زمانِ الموتِ للعجزِ عادة.
وإنِّما قلنا عالماً بموتِه؛ لأنَّه حينئذٍ يرادُ قتلُهُ بعد إحياءِ اللهِ تعالى، وهو ممكنٌ غيرُ واقع، فينعقدُ اليمين، ويحنثُ في الحال.
أمّا إذا لم يكنْ عالماً بموتِه، فالمرادُ القتلُ المتعارف، ولمَّا كان ميْتاً كان القتلُ المتعارفُ ممتنعاً، فصارَ كمسألةِ الكوز.
(ومدُّ شعرِها، وخنقُها، وعضُها، كضربِها
(3)
.
(1)
زيادة من أ و ب و س و م.
(2)
أما إذا وقّت فقال: لأصعدنَّ غداً لم يحنث حتى بمضيِّ ذلك الوقت، حتى لو مات قبله لا كفّارة عليه إذ لا حنث. ينظر:«الفتح» (5: 141).
(3)
أي لو حلف لا يضربها ففعل بها هذه الأشياء يحنث؛ لأن الضرب اسم لفعل مؤلم وقد تحقق. ينظر: «التبيين» (3: 158).
[فصل اليمين في لبس الثياب وغير ذلك]
وقطنٌ ملَكَهُ بعد إن لَبِسْتُ من غزلِك فهدي، فغزلَتْهُ ونُسِجَ ولَبِسَ هديّ، وخاتمُ ذهبٍ حليٌّ لا خاتمُ فضَّة، وعندهما: عقدٌ لؤلؤٍ لم يرصَّعْ حليّ، وبه يُفْتَى. ومَن حلفَ لا ينامُ على هذا الفراش، فنامَ على قِرامٍ فوقَهُ حنث، لا مَن جعلَ فوقَه فراشاً آخر، أو حلفَ لا يجلسُ على الأرض، فجلسَ على بساط، أو حصيرٍ فوقَه، بخلاف جلوسِهِ على سريرٍ آخر فوقَه، فإنَّ الجلوسَ على
[فصل اليمين في لبس الثياب وغير ذلك]
وقطنٌ ملَكَهُ
(1)
بعد إن لَبِسْتُ من غزلِك فهدي، فغزلَتْهُ ونُسِجَ ولَبِسَ هديّ: قطنٌ: مبتدأ، وهديٌ: خبرُه، ومعنى الهديُ ما يُهْدَى إلى مكَّة للتَّصدُّق، وعندهما إن كان القطنُ ملكَهُ يوم الحلف، فغزلَتْهُ ونُسِجَ ولَبِسَ يجبُ أن يُهْدَى إلى مكَّة، وإن لم يكنْ القطنُ ملكه يومَ الحلفِ لا.
(وخاتمُ ذهبٍ حليٌّ لا خاتمُ فضَّة
(2)
، وعندهما: عقدٌ لؤلؤٍ لم يرصَّعْ حليّ، وبه يُفْتَى
(3)
.
ومَن حلفَ لا ينامُ على هذا الفراش، فنامَ على قِرامٍ
(4)
فوقَهُ حنث، لا مَن جعلَ فوقَه فراشاً آخر)؛ لأنَّ القِرامَ تبعٌ للفراشِ لا الفراشُ الآخر.
(أو حلفَ لا يجلسُ على الأرض، فجلسَ على بساط، أو حصيرٍ فوقَه)، حيث لا يحنث؛ لأنَّه لم يجلسْ على الأرض، (ولو حالَ بينَه وبينَها لباسُهُ حنث)؛ لأنَّه جلسَ على الأرضِ ولباسَه تبعٌ له، (كمَن حلفَ لا يجلسُ على هذا السَّرير، فجلسَ على بساطٍ فوقَه)؛ لأنَّ الجلوسَ على هذا السَّريرِ لا يعتادُ بدون أن يُجْعَلَ عليه بساط، فالجلوسُ على البساطِ جلوسٌ على السَّرير. (بخلاف جلوسِهِ على سريرٍ آخر
(1)
في ت و ج و ف و ق: ملك.
(2)
أي في حلفه لا يلبس حلياً يحنث بلبس خاتم ذهب
…
(3)
لأن التحلي به على الانفراد معتاد، والمعتبر في اليمين العرف لا الحقيقة، ولعل هذا اختلاف عصر وزمان لا حجة وبرهان، فكان في زمانه لا يتحلّى به إلا مرصعاً. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 280).
(4)
قرام: ستر رقيق. ينظر: «المصباح المنير» (ص 500).
فوقَه، فإنَّ الجلوسَ على السَّرير الآخرِ لا يكونُ جلوساً على ذلك السَّرير. ولا يفعلَهُ يقعُ على الأبد، ويفعلُهُ على مرَّة.
[فصل اليمين في الحجّ والصلاة والصوم]
وبعَلَيَّ المَشْيُ إلى بيتِ اللهِ تعالى، أو إلى الكعبة، يجبُ حجّ أو عمرةٌ مشياً، ودمٌ إن ركب، ولا شيءَ بعَلَيَّ الخروج، أو الذَّهاب إلى بيت الله تعالى، أو المشيُ إلى الحرم، أو المسجدِ الحرام، أو الصَّفا والمروة. ولا يُعْتَقُ عبدٌ قيل له: إن لم أحجَّ العامَ فأنت حرّ، فشهدا بنحرِه بكوفة
السَّرير الآخرِ لا يكونُ جلوساً على ذلك السَّرير.
ولا يفعلَهُ يقعُ على الأبد، ويفعلُهُ على مرَّة)
(5)
، اعلم أنَّ قولَهُ: لا يفعلَ هذا في العرفِ سلبٌ لقولِهِ: يفعلُهُ، وقولُهُ: يفعلُهُ واقعٌ على مرَّة، فقولُهُ: لا يفعلَهُ يكونُ للأبد.
[فصل اليمين في الحجّ والصلاة والصوم]
(وبعَلَيَّ المَشْيُ إلى بيتِ اللهِ تعالى، أو إلى الكعبة، يجبُ حجّ أو عمرةٌ مشياً، ودمٌ إن ركب، ولا شيءَ بعَلَيَّ الخروج، أو الذَّهاب إلى بيت الله تعالى، أو المشيُ إلى الحرم)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وأمَّا عند أبي يوسفَ رضي الله عنه ومحمَّد رضي الله عنه فيلزمه حجّ، أو عُمْرةٌ مشياً، (أو المسجدِ الحرام، أو الصَّفا والمروة
(6)
.
ولا يُعْتَقُ عبدٌ قيل له: إن لم أحجَّ العامَ فأنت حرّ، فشهدا بنحرِه بكوفة)، هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم، وأمَّا عند محمَّد رضي الله عنه يعتق؛ لأنَّه قامَتْ شهادتُهما على أمرٍ معلوم، وهو التَّضحيةُ بكوفة، ومن ضرورتِه عدمُ الحجّ، وهو شرطُ العتق.
وقالا: هذا شهادةٌ على النَّفيّ، (والشَّهادةُ على النَّفي غيرُ مقبولة)
(7)
.
فنقول: النَّفيُّ الذي يحيطُ به علمُ الشَّاهد، هو مثلُ الإثبات على ما بُيِّنَ في أصولِ
(5)
يعني إذا قال: والله لا أفعل كذا وجب أن لا يفعله أبداً؛ لأنه في المعنى نكرة في سياق النفي، ويفعله يقع على مرّة؛ لأنه نكرة في سياق الإثبات. ينظر:«درر الحكام» (2: 54).
(6)
لأن إلتزام الحجّ والعمرة بهذه الألفاظ غير متعارف عنده خلافاً لهما. ينظر: «الهداية» (2: 91).
(7)
زيادة من ب و س و ف و م.
وحنثَ بصومِ ساعةٍ بنيَّةٍ في لا يصوم، لا لو ضمّ يوماً، أو صوماً حتَّى يتمَّ يوماً، وبركعةٍ في لا يصلِّي لا بما دونَها، ولم ضَمَّ صلاة فبشفعٍ لا بأقلّ. وبولدٍ ميْتٍ في: إن وَلَدْتِ فأنتِ كذا. وعُتِقَ الحيُّ في: إن ولدت فهو حرّ، إن ولدتِ ميِّتاً ثُمَّ حيَّاً، وفي: ليقضينَّ دينَهُ اليوم، وقضاهُ زيوفاً، أو نبهرجة، أو مستَحَقَّة، أو باعَه به
الفقة
(1)
في التَّرجيح
(2)
.
(وحنثَ بصومِ ساعةٍ بنيَّةٍ في لا يصوم، لا لو ضمّ يوماً، أو صوماً حتَّى يتمَّ يوماً)
(3)
؛ فإن قلتَ الصَّومُ الشَّرعيّ، هو صومُ اليوم، واللَّفظُ إذا كان له معنى لغويّ، ومعنى شرعيٌّ يحملُ على المعنى الشَّرعيّ.
قلت: الشَّرعُ قد أطلقَهُ على ما دونَ اليوم في قولِهِ تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامِ إِلَى اللَّيْل}
(4)
، فالصَّومُ التَّام صومُ يوم، فإذا قال: لا أصومُ يوماً، أو لا أصومُ صوماً، يرادُ به الصَّومُ التَّام.
(وبركعةٍ في لا يصلِّي لا بما دونَها، ولم ضَمَّ صلاة فبشفعٍ لا بأقلّ.
وبولدٍ ميْتٍ في: إن وَلَدْتِ فأنتِ كذا.
وعُتِقَ الحيُّ في: إن ولدت فهو حرّ، إن ولدتِ ميِّتاً ثُمَّ حيَّاً)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وأمَّا عندهما فلا يعتق؛ لأنَّ اليمينَ انحلَّت بولادةِ الميِّت.
قلنا: لم تنحلّ؛ لأنَّ قولَهُ: إن ولدت؛ المرادُ به الحيُّ بقرينةِ قولِهِ: فهو حرّ؛ لأنَّ الميِّت لا يمكنُ حريَّتُه.
(وفي: ليقضينَّ دينَهُ اليوم، وقضاهُ زيوفاً، أو نبهرجة، أو مستَحَقَّة
(5)
، أو باعَه به
(1)
قال الشارح في «التنقيح» في (باب المعارضة والترجيح)(2: 218): وأما إذا كان أحدهما مثبتاً والآخر نافياً فإن كان النفي يعرف بالدليل كان مثل الإثبات وإن كان لا يعرف به بل بناءً على العدم الأصلي فالمثبت، أولى لما قلنا في المحرم والمبيح وإن احتمل الوجهين ينظر فيه
…
وعلى هذا الأصل يتفرع الشهادة على النفي. اهـ.
(2)
ظاهر ما ذكره الشارح يقتضي ترجيح قول محمد رضي الله عنه، وقد قال عنه ابن الهمام في «الفتح» (5: 186): أوجه.
(3)
لأنه لو ضمّ يوماً يكون صريحاً في تقدير المدة، وفي ضمّ صوماً أكَّد الصوم فينصرف إلى الكامل وهو الصوم المعتبر شرعاً. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 283).
(4)
من سورة البقرة، الآية (187).
(5)
مسَتَحَقَّة: أي أثبت الغير أنها حقَّه. ينظر: «رد المحتار» (3: 133).
شيئاً وقبضَه بَرّ، ولو كان سَتُّوقة، أو رصاصاً، أو وهبه له لا، وفي: لا يقبضُ دينه درهماً دون درهمٍ حنث بقبضِ كلِّه متفرِّقاً، لا ببعضِه دون باقيه، أو كلِّه بوزنينِ لم يتخلّلهما إلاَّ عمل الوزن. ولا في: إن كان لي إلاَّ مئة فكذا، ولا يملكُ إلاَّ خمسين
شيئاً وقبضَه بَرّ، ولو كان سَتُّوقة، أو رصاصاً، أو وهبه له لا)
(1)
، سيجيءُ في مسائلَ شتّى من (كتاب القضاء)
(2)
: إن الزَّيف ما يردُّهُ بيتُ المال، والنَّبهرجةُ ما يردُّه التُّجار، والسَّتُّوقة ما غلبَ غُشُّه، فالزَّيفُ والنَّبهرجةُ ما يكون الفضّةُ غالبةً على الغشِّ حتى يكون من جنسِ الدَّراهم، لكن يُرَدُّ للغشّ.
وفي «المغرب» قيل: الزَّيفُ دون النَّبهرجة
(3)
في الرَّداءة؛ لأنَّه يردُّهُ بيتُ المال، والنَّبهرجة
(4)
ما يردُّهُ التُّجار
(5)
.
(وفي: لا يقبضُ دينه درهماً دون درهمٍ حنث بقبضِ كلِّه متفرِّقاً، لا ببعضِه دون باقيه
(6)
، أو كلِّه بوزنينِ لم يتخلّلهما إلاَّ عمل الوزن
(7)
.
ولا في: إن كان لي إلاَّ مئة فكذا، ولا يملكُ إلاَّ خمسين)، هذا بناءً على أن الاستثناءَ عندنا تكلَّم بالباقي بعد الثُّنيا
(8)
، وليس الاستثناء من النَّفي إثباتاً، فإن قولَهُ: إن كان لي إلاَّ مئة فكذا معناهُ ليس لي إلاَّ مئة، فهو لنفي ما فوق المئة
(9)
، وأمَّا إثباتُ المئةِ فغيرُ لازمٍ عندنا.
(1)
أي لا يبرأ، أما الستوقة والرصاص فلأنهما ليسا من جنس الدراهم حتى لا يجوزُ التَّجوز بهما في الصرف والسلم، وأما الهبة فلعدم المقاصّة. ينظر:«درر الحكام» (2: 56).
(2)
3: 128).
(3)
وقع في «المغرب» : البهرج، والمثبت من النسخ.
(4)
وقع في «المغرب» : البهرج، والمثبت من النسخ.
(5)
انتهى من «المغرب» (ص 215)، بتصرف يسير.
(6)
فلا يحنث ما دام على المديون منه شيء، ولو قيّد باليوم لم يحنث؛ لأن الشرط أخذ الكل في اليوم متفرّقاً. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 582).
(7)
لأنه لا يعد تفريقاً عرفاً ما دام في عمل الوزن، وهذا إذا لم يتشاغل بين الوزنين بعمل آخر. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 582).
(8)
أي بما بقي من المستثنى منه بعد الاستثناء. ينظر: «العناية» (4: 142).
(9)
فإن صدرَ الكلام أي المستثنى منه، وهو المال تناول المائةَ وما فوقَها، والاستثناء دلّ على نفي ما عدا المستثنى، فكأنه قال: لا أملك ما فوق المئة فإن كنت مالكاً له فكذا. ينظر: «العمدة» (2: 265).
ولا في: لا يشمُّ ريحاناً إن شمَّ ورداً، أو ياسميناً، والبنفسجُ والوردُ على الورق.
باب الحلف بالقول
[فصل اليمين في الكلام والبيع والشراء والتزوج وغير ذلك]
وحنثَ في: حلفَ لا يكلِّمُهُ إن كلَّمَه نائماً بشرطِ إيقاظِه. وفي: إلاَّ بإذنه إن أذنَ ولم يعلمْ به فكلَّمه. وفي: لا يكلِّم صاحبَ هذا الثَّوب فباعَه فكلَّمَه. وفي: لا يكلِّمُ هذا الشَّابَّ فكلَّمَه شيخاً. وفي: هذا حرٌّ إن بعتُه أو اشتريتُه إن عقدَ بالخيار
(ولا في: لا يشمُّ ريحاناً إن شمَّ ورداً، أو ياسميناً)؛ لأنَّ الرَّيحانَ ما لا ساقَ له، والوردُ والياسمين لهما ساق، (والبنفسجُ والوردُ على الورق)
(1)
: أي ورقُ الوردِ دون أعجاز الوردِ التي عليها الورق.
باب الحلف بالقول
[فصل اليمين في الكلام والبيع والشراء والتزوج وغير ذلك]
(وحنثَ في: حلفَ لا يكلِّمُهُ إن كلَّمَه نائماً بشرطِ إيقاظِه.
وفي: إلاَّ بإذنه): أي وحنثَ في: حلفَ لا يكلِّمُهُ إلاَّ بإذنه، (إن أذنَ ولم يعلمْ به فكلَّمه)؛ لأنَّ الإذنَ إعلام، فإن أذنَ ولم يعلمْ، فهذا لا يكون إذناً، وعند أبي يوسف رضي الله عنه لا يحنثُ؛ لأنَّ الإذنَ هو الإطلاق
(2)
.
(وفي: لا يكلِّم صاحبَ هذا الثَّوب فباعَه فكلَّمَه.
وفي: لا يكلِّمُ هذا الشَّابَّ فكلَّمَه شيخاً)؛ لأنَّ الوصفَ المذكورَ لا يصلحُ مانعاً من التَّكلُّم فيرادُ الذَّات.
(وفي: هذا حرٌّ إن بعتُه أو اشتريتُه إن عقدَ بالخيار): أي إذا قال: إن بعتَهُ فهو حرّ، فباعَهُ على أنَّه بالخيار يعتق؛ لأنَّه لم يخرجْ عن ملكِه، وقد وُجِدَ الشَّرط، وهو البيع
(3)
، ولو
قال: إن اشتريتُه، فهو حرٌّ فشراهُ على أنّه بالخيار عُتِق.
(1)
أي يقعان على ورقهما، فلو حلف أن لا يشتري بنفسجاً أو ورداً يقع على الورق. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 153).
(2)
أي إجازة وإباحه وهو يتمُّ بالإذن كالرضا. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 266).
(3)
أما إن باعه بيعاً لازماً أو باطلاً لم يعتق، أما في الباتّ فلأنه كما تمّ البيع زال الملك والجزاء لا ينْزل في غير الملك. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 287).
وفي: إن لم أبعْه فكذا، فأعتق أو دَبَّر، وبفعلِ وكيلِه في حلفِ النِّكاح، والطَّلاق، والخلع، والعتق، والكتابة، والصُّلْحِ عن دمٍ عمد، والهبة، والصَّدقة، والقرض، والاستقراض، والإيداع، والاستيداع، والإعارة، والاستعارة، والذَّبح، وضربِ العبد، وقضاءِ الدَّين، وقبضِه، والبناء، والخياطة، والكسوة، والحمل، لا في حلفِ البيع، والشِّراء، والإجارة، والاستئجار، والصُّلحِ عن مال، والخصومة، والقسمة، وضربِ الولد
أمَّا على أصلِهما؛ فلأنَّه دخلَ في ملكِ المشتري.
وأمَّا على أصلِ أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ فلأنَّه علَّقَ العتقَ بالشِّراء، فكأنَّه قال بعد الشِّراء بالخيار، فهو حرٌّ فيعتق.
(وفي: إن لم أبعْه فكذا، فأعتق أو دَبَّر): أي قال: إن لم أبعْهُ فكذا: أي امرأتُهُ طالق، فأعتقَه أو دَبَّرَه طَلُقَتْ امرأتُه؛ لأنَّ الشَّرطَ وهو عدمُ البيعِ قد تحقَّق.
(وبفعلِ وكيلِه في حلفِ النِّكاح، والطَّلاق، والخلع، والعتق، والكتابة، والصُّلْحِ عن دمٍ عمد، والهبة، والصَّدقة، والقرض، والاستقراض
(1)
، والإيداع، والاستيداع، والإعارة، والاستعارة، والذَّبح، وضربِ العبد، وقضاءِ الدَّين، وقبضِه، والبناء، والخياطة، والكسوة، والحمل)
(2)
؛ فإنَّ الوكيلَ في هذه العقودِ سفيرٌ محضٌ حتى أن الحقوقَ ترجعُ إلى الآمر، فكأنَّ الآمر فعلَ بنفسِه.
(لا في حلفِ البيع، والشِّراء، والإجارة، والاستئجار، والصُّلحِ عن مال، والخصومة، والقسمة، وضربِ الولد)؛ لأنَّ العقدَ صدرَ من الوكيلِ حتَّى أنَّ الحقوقَ ترجعُ إليه، ولم يصدرْ من الموكِّل فلا يحنث، والفرقُ بين ضربِ العبدِ وضربِ الولد: أن الضَّرب فعلٌ حسيٌّ لا ينتقلُ من أحدٍ إلى آخر، إلاَّ إذا صحَّ التَّوكيل، وصحَّةُ التَّوكيلِ يكون في الأموال، فيصحُّ في العبدِ دون الولد.
(1)
أي إن أخرج الوكيل الكلام مخرج الرسالة وإلا فلا حنث. ينظر: «رد المحتار» (3: 118).
(2)
يعني حلف أن لا يفعل هذه الأفعال فوكّل بها غيره ففعل حنث؛ لأن الفعل ينتقل إلى الآمر، وإن قال الحالف في التزوج والطلاق ونحوها نويت أن لا أفعل بنفسي صدق ديانة لا قضاء، وفي ضرب العبد وذبح الشاة لو نوى أن لا يلي ذلك بنفسه صدق ديانة وقضاء. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 136/أ).
ولا في: لا يتكلَّمُ فقرأ القرآن، أو سبَّح، أو هلَّل، أو كبَّر في الصَّلاة، أو خارجها، ويوم أكلِّمُه على الملوين، وصحَّ نيَّةُ النَّهار، وليلةَ أكلِّمُه على اللَّيل. وإلاَّ أن للغاية كحتَّى، ففي: إن كلَّمْتُه إلاَّ أن يقدمَ زيد أو حتَّى، حنثَ إن كلَّمَه قبلَ قدومِه، لا إن كلَّمَه بعدَه. وفي: لا يكلِّمُ عبدَه، أو امرأته، أو صديقَه، أو لا يدخلَ دارَه إن زالَتْ إضافتُه وكلَّمَه لا يحنثُ في العبد، أشارَ إليه بهذا أو لا، وفي غيرِه إن أشارَ بهذا حنثَ وإلاَّ فلا
(ولا في: لا يتكلَّمُ فقرأ القرآن، أو سبَّح، أو هلَّل، أو كبَّر في الصَّلاة، أو خارجها): هذا عندنا فإنَّه لا يسمَّى متكلِّماً عرفاً وشرعاً، وعند الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه يحنث، وهو القياس؛ لأنَّه كلامٌ حقيقة.
(ويوم أكلِّمُه على الملوين): قال لامرأته: أنت طالق يوم أكلِّم فلاناً، فهو على اللَّيل والنَّهار، لما مرَّ في (باب إيقاع الطلاق): إن اليوم إذا قُرِنَ بفعلٍ غيرُ ممتد يرادُ به مطلقُ الوقت، (وصحَّ نيَّةُ النَّهار)؛ لأنَّهُ مستعملٌ فيه أيضاً، وعند أبي يوسف رضي الله عنه يصدقُ ديانةً لا قضاء؛ لأنَّه خلافُ المتعارف. (وليلةَ أكلِّمُه على اللَّيل.
وإلاَّ أن للغاية كحتَّى، ففي: إن كلَّمْتُه إلاَّ أن يقدمَ زيد أو حتَّى، حنثَ إن كلَّمَه قبلَ قدومِه، (لا إن كلَّمَه بعدَه)
(2)
.
وفي: لا يكلِّمُ عبدَه
(3)
، أو امرأته، أو صديقَه، أو لا يدخلَ دارَه إن زالَتْ إضافتُه وكلَّمَه لا يحنثُ في العبد، أشارَ إليه بهذا أو لا، وفي غيرِه إن أشارَ بهذا حنثَ وإلاَّ فلا): حلفَ لا يكلِّمُ عبدَ فلان، أو حلفَ لا يكلِّم عبدَ فلانٍ هذا، فزالت إضافتُه: أي لم يبقَ عبداً له، فكلَّمَهُ لا يحنث.
أمَّا إذا لم يشرْ فظاهر، وإن أشارَ فلأنّ العبدَ لسقوطِ مَنْزلتِه لا يعادى لذاتِه، بل لمعنى في المضافِ إليه، فالإضافةُ تكونُ معتبرة، فإذا زالَتْ لا يحنث.
وإن حلفَ لا يكلِّمُ صديقَ فلان، أو قال صديقَ فلانٍ هذا، أو حلفَ لا يدخلَ دارَ فلان، أو قال: دارَ فلانٍ هذه، فلم يبقَ الصَّداقة وباعَ الدَّار، فكلَّمَه ودخلَ الدَّار.
(1)
المذكور في كتب الشافعية خلاف ذلك وهو أنه لا يحنث، ينظر:«التنبيه» (ص 124)، و «الغرر البهية» (5: 204)، و «حاشتيا قليوبي وعميرة» (4: 285)، و «حاشية البجيرمي» (4: 331)، غيرها.
(2)
زيادة من ب و ت و س و ق و م.
(3)
أي عبد فلان، أو عبد نفسه. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 290).
وحين وزمان بلا نيةٍ نصفُ سنةٍ نُكِّر، أو عُرِّف، ومعها ما نوى. والدَّهر لم يدرِ مُنَكَّرا، وللأبدِ معرفاً. وأيَّام منكَّرةً ثلاثة، وأيَّامٌ كثيرةٌ، والأيَّامُ، والشُّهورُ، والسُّنونُ عشرةٌ.
[فصل في اليمين في العتق والطلاق]
وفي أوَّلِ عبدٍ اشتريتُهُ حرٌّ إن اشترى عبداً عُتِق، وإن اشترى عبدين، ثُمَّ آخر، فلا أصلاً، فإن ضَمَّ: وحدَهُ؛ عُتِقَ الثَّالث
ففي صورةِ عدمِ الإشارة لا يحنث؛ لأنَّ الإضافةَ معتبرة.
وفي صورةِ الإشارة يحنث؛ لأنَّ هذه الأشياءَ يمكن أن تهجرَ لذاتِها، فإذا كانت الذَّات معتبرة، كان الوصف وهو كونُهُ مضافاً إلى فلانٍ في الحاضرِ لغواً.
(وحين وزمان بلا نيةٍ نصفُ سنةٍ نُكِّر، أو عُرِّف)
(1)
: لقولِهِ تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}
(2)
، (ومعها ما نوى.
والدَّهر لم يدرِ مُنَكَّراً)
(3)
قال أبو حنيفةَ رضي الله عنه: لا أدري ما الدّهر، وعندهما: نصف سنة، مثل: لا أكلِّمُه حيناً، (وللأبدِ معرفاً.
وأيَّام منكَّرةً ثلاثة، وأيَّامٌ كثيرةٌ، والأيَّامُ، والشُّهورُ، والسُّنونُ عشرةٌ
(4)
.
[فصل في اليمين في العتق والطلاق]
وفي أوَّلِ عبدٍ اشتريتُهُ حرٌّ إن اشترى عبداً عُتِق): أي لا يحتاجُ لأوَّلِيَّتِه إلى شراءِ عبدٍ آخر.
(وإن اشترى عبدين، ثُمَّ آخر، فلا أصلاً)؛ لأنَّ الأوَّلَ فردٌ لا يكونُ غيرُهُ من جنسِهِ سابقاً عليه، ولا مقارناً له، ولم يوجد.
(فإن ضَمَّ: وحدَهُ؛ عُتِقَ الثَّالث): أي قال: أوَّلُ عبدٍ اشتريتُهُ وحدَهُ حرّ، فاشترى عبدين، ثُمَّ آخر عُتِقَ الثَّالث؛ لأنَّه أوَّلَ عبدٍ شراهُ وحدَه.
(1)
أي لو قال: لا أكلمه حيناً أو زماناً، أو قال: لا أكلمه الحين أو الزمان.
(2)
من سورة إبراهيم، الآية (25).
(3)
يعني إذا لم تكن له نيّة. ينظر: «الشرنبلالية» (2: 59).
(4)
يعني إذا قال لعبده: إن خدمتني أياماً كثيرةً فأنت حرّ، فهي عند أبي حنيفة عشرة أيام؛ لأنه أكثر ما يتناوله اسم الأيام، وقالا: سبعة أيام، وإن حلف لا يكلمه الأيام فعلى عشرة، وإن حلف لا يكلمه الشهور فعلى عشرة أشهر. ينظر:«درر الحكام» (2: 59).
وفي: آخرِ عبدٍ إن اشترى عبداً فمات لم يعتق، فإن اشترى عبداً، ثُمَّ آخر، ثُمَّ ماتَ عُتِقَ الآخرُ يومَ شرى من كلِّ مالِه، وعندهما يوم مات من ثلثِ ماله، ولا يصيرُ الزَّوجُ فاراً لو عَلَّقَ الثَّلاث به خلافاً لهما، وبكلِّ عبدٍ بشَّرني بكذا فهو حرّ، عُتِقَ أوَّلُ ثلاثةٍ بشَّروهُ متفرِّقين، والكلُّ إن بشَّروه معاً. وسقطَ بشراءِ أبيه لكفارته هي
(وفي: آخرِ عبدٍ إن اشترى عبداً فمات لم يعتق): قال: آخر عبدٍ اشتريتُهُ حرٌ فاشترى عبداً فماتَ المشتري، لا يعتق هذا، ولا يتوَّهَم أنَّه إذا ماتَ يكون ذلك العبدُ آخر، لأنَّ الآخرَ لا بُدَّ له من أوَّل، ولم يوجد.
(فإن اشترى عبداً، ثُمَّ آخر، ثُمَّ ماتَ عُتِقَ الآخرُ يومَ شرى من كلِّ مالِه، وعندهما يوم مات من ثلثِ ماله)؛ لأنَّ الآخريَّةَ تحقَّقت بالموت، فيعتقُ عند الموتِ من ثُلُثِ مالِه، وله: إنَّ بالموتِ تبيَّنَ أنَّه كان آخراً عند الشِّراء، فيعتقُ في ذلك الوقت، (ولا يصيرُ الزَّوجُ فاراً لو عَلَّقَ الثَّلاث به خلافاً لهما) والضَّميرُ في: به؛ يرجعُ إلى الآخر.
وصورةُ المسألة: رجلٌ قال: آخرُ امرأةٍ أتزوجُها طالقٌ ثلاثاً، فتزوَّجَ امرأة، ثُمَّ أُخرى، ثُمَّ مات، طُلِّقَت عند أبي حنيفة رضي الله عنه عند التَّزوُّجِ فلا يصيرُ فاراً، فلا ترثُ عنده، وعندهما: تطلَّقُ عند الموت، فيصيرُ فاراً فترث.
(وبكلِّ عبدٍ بشَّرني بكذا فهو حرّ، عُتِقَ أوَّلُ ثلاثةٍ بشَّروهُ متفرِّقين، والكلُّ إن بشَّروه معاً
(1)
.
وسقطَ بشراءِ أبيه
(2)
لكفارته هي): أي الكفارة، هذا عندنا، وأمَّا عند زُفر والشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنهم لا تسقط، فالحاصلُ أنّ النيَّةَ لا بُدَّ أن تكونَ مقارنةً لعلَّةِ العتق، فهما جعلا القرابةَ علَّةَ العتق، والملك شرطاً، ونحن جعلنا على العكس؛ لأنَّ الشَّرعَ جعلَ شراءَ القريب إعتاقاً؛ فإذا اشترى أباهُ بنيَّةِ الكفارة كانت النِيَّةِ مقارنةً لعلَّةِ العتق، وعندهما لا حيث جَعلا القرابةَ علَّة
(4)
.
(1)
لتحققها من الكل بدليل: {فَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيم} [الذاريات: 28]. ينظر: «الدر المختار» (3: 113).
(2)
وكذا كلّ رحم محرم منه.
(3)
ينظر: «المنهاج» (3: 361)، و «تحفة الحبيب» (4: 20)، و «المحلي» (4: 23)، وغيرها.
(4)
فإن الملكَ عندهما شرط والنية ليست مقارنة إلا بالشرط لا بالعلّة فلا تفيد في الإجزاء عن الكفارة. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 273).
لا بشراءِ عبدٍ حلفَ بعتقِه، ومستولدةٍ بنكاحٍ عُلِّقَ عتقُها عن كفّارتِه بشرائِها، (وتعتقُ بإن تسريتُ أمةً فهي حرَّةٌ مَن تسراها وهي ملكُهُ يومَ حلف، لا مَن شراها فتسرَّاها، وبكلِّ مملوكٍ لي حرٌّ أمهاتُ أولادِه، ومدبَّرُوه، وعبيده لا مكاتبوه إلاَّ بنيِّتِهم، وبهذا حرّ أو هذا وهذا لعبيدِه، عُتِقُ ثالِثهم وخُيِّرَ في الأولين كالطَّلاق
(لا بشراءِ عبدٍ حلفَ بعتقِه): أي قال: إن اشتريتُ هذا العبدَ فهو حرّ، فشراهُ بنيَّةِ الكفارة لا تسقطُ الكفارة؛ لأنَّ علَّةَ العتق اليمين، والشِّراءُ شرطٌ له، فلا تكون النِيَّةُ مقارنةً للعلَّة.
يَرِدُ عليه: أنّه قد ذُكِرَ في أصولِ الفقة أنّ التَّعليقَ عندنا يمنعُ العِلِّيَّة، فإذا وُجِدَ الشَّرطُ يصيرُ المعلَّقُ علَّة حينئذٍ، فتكونُ النِيَّةُ مقارنةً لعلَّة العتق
(1)
.
(ومستولدةٍ بنكاحٍ عُلِّقَ عتقُها عن كفّارتِه بشرائِها): قولُهُ: ومستولدةٍ بالجر عطفٌ على عبد: أي ولا بشراءِ مستولدة.
وصورتُها: أن يقولَ لأمةٍ استولدَها بالنِّكاح إن اشتريتُك فأنت حرَّةٌ عن كفارةِ يميني، فاشتراها تعتقُ لوجودِ الشَّرط، ولا يجزئُهُ عن الكفّارة؛ لأنَّ حرِّيَّتَها مستحقَّةٌ بالاستيلاد، (ولا يضافُ إلى اليمينِ من كلِّ وجه)
(2)
.
(وتعتقُ بإن تسريتُ أمةً فهي حرَّةٌ مَن تسراها وهي ملكُهُ يومَ حلف، لا مَن شراها فتسرَّاها)؛ لأنَّ هذه الأمةَ لم تكنْ في ملكِهِ زمانَ الحلف، ولم يضفْ عتقَها إلى الملك أو سببِه، وفيه خلافُ زُفر رضي الله عنه.
(وبكلِّ مملوكٍ لي حرٌّ أمهاتُ أولادِه، ومدبَّرُوه، وعبيده لا مكاتبوه إلاَّ بنيِّتِهم)؛ لأنَّه لا يملكُهم يداً.
(وبهذا حرّ أو هذا وهذا لعبيدِه، عُتِقُ ثالِثهم وخُيِّرَ في الأولين كالطَّلاق)، كأنَّه قال: أحدُهما حرٌّ وهذا.
فإن قلتَ: بل هو كقوله: هذا حرٌّ أو هذان.
(1)
أجاب عن هذا الإيراد ابن كمال باشا في «الإيضاح» (ق 75/أ): بأنه ذكر في الأصول أيضاً أن المعتبر مقارنة النية لذات العلة لا لوصف العلية ولذلك شرطوا الأهلية حال التعليق لا حال وجود الشرط التي هو زمان حدوث العلية، واللازم من منع التعليق العلية قبل وجود الشرط مقارنة النية للعلية لا مقارنتها لذات العلة.
(2)
زيادة من ب و م.
ولامٌ دخلَ على فعل يقعُ من غيرِه: كبيع، وشراء، وإجازة، وخياطة، وصباغة، وبناء، اقتضى أمرَهَ ليَخُصَّه به، فلم يحنثْ في: إن بعتُ لك ثوباً إن باعَه بلا أمرِهِ ملكَهُ أوَّ لا، وإن دخلَ على عينٍ أو فعلٍ لا يقعُ عن غيرِه: كأكل، وشرب، ودخول، وضربِ الولد، اقتضى ملكَه، فحنثَ في: إن بعتُ ثوباً لك إن باعَ ثوبَهُ بلا أمرِه
قلتَ: قد أجبتُ عنه في «شرح التنقيح» بجوابين
(1)
، فإن شئت فطالِعْه.
(ولامٌ دخلَ على فعل يقعُ من غيرِه: كبيع، وشراء، وإجازة، وخياطة، وصباغة، وبناء، اقتضى
(2)
أمرَهَ ليَخُصَّه به
(3)
، فلم يحنثْ في: إن بعتُ لك ثوباً إن باعَه بلا أمرِهِ ملكَهُ أوَّ لا): أرادَ بدخولِهِ على فعل تعلُّقُهُ به، ففي قولِه: إن بعتُ لك ثوباً فعبدُهُ حرّ، فاللامُ متعلِّق بالبيع، فيقتضي اختصاصَ البيعِ بالمخاطب، والفعلُ لا يختصُ بغيرِ الفاعل إلا بالأمر: أي التَّوكيل، ولهذا اقتضى الأمر.
(وإن دخلَ على عينٍ أو فعلٍ لا يقعُ عن غيرِه: كأكل، وشرب، ودخول، وضربِ الولد، اقتضى ملكَه، فحنثَ في: إن بعتُ ثوباً لك إن باعَ ثوبَهُ بلا أمرِه): هذا نظيرُ دخولِ اللام على العين، وهو الثَّوب.
أمَّا نظيرُ دخولِه: على فعلٍ لا يقعُ عن غيرِه، فقولُهُ: إن أكلتُ لك طعاماً، أو شربتُ لك شراباً، اقتضى أن يكونَ الطَّعامُ أو الشَّرابُ ملكَ المخاطب، كما في قولِهِ: إن أكلتُ طعاماً لك، فإنَّه وإن كان متعلِّقاً بالأكلِ صورة، فهو في المعنى متعلقٌ بالطَّعام.
(1)
الوجهان هما كما ذكر الشارح في «التوضيح» (1: 207 - 208):
الأول: أنه حينئذ يكون تقديره أحدهما حرّ وهذا حرّ وعلى ذلك الوجه يكون تقديره هذا حر أو هذان حران ولفظ حرّ مذكور في المعطوف عليه لا لفظ حران فالأولى أن يضمر في المعطوف ما هو مذكور في المعطوف عليه.
والثاني: إن قوله أو هذا مغير لمعنى قوله: هذا حر ثم قوله وهذا غير مغيّر لما قبله؛ لأن الواو للتشريك فيقتضي وجود الأول فيتوقَّفُ أول الكلام على المغيّر لا على ما ليس بمغيّر، فيثبت التخيير بين الأول والثاني بلا توقف على الثالث فصار معناه أحدهما حر ثم قوله وهذا يكون عطفا على أحدهما وهذان الوجهان تفرد بهما خاطري. اهـ.
(2)
في أ و ب و س و م: يقتضى.
(3)
أي بذلك الغير؛ لأن وضع اللام للاختصاص، وهو لا يتحقق هنا إلا بالأمر المفيد للتوكيل. ينظر:«درر الحكام» (2: 60).
وفي: كلِّ عرسٍ لي، فكذا بعد قولِ عرسِهِ: نكحْتَ عليّ، طَلُقَتْ هي، وصحَّ نيَّةُ غيرها ديانة
وأمَّا ضربُ الولدِ نحو: إن ضربتُ لك الولدَ فعبدُهُ حرّ، فاقتضاءُ الملكِ فيه غيرُ ممكن إلاَّ أن يرادَ بالملكِ الاختصاص.
(وفي: كلِّ عرسٍ لي، فكذا بعد قولِ عرسِهِ: نكحْتَ عليّ، طَلُقَتْ هي، وصحَّ نيَّةُ غيرها ديانة)
(1)
فإنَّه قال هذا الكلام إرضاءً لها، فيكونُ المرادُ غيرُها لا هي، لكنَّ هذا خلافُ الظَّاهر؛ لأنَّ كلاً كلمةُ العموم، فلا يصدَّقُ قضاء.
* * *
(1)
صورتها: إن مَن قالت امرأته: تزوجت عليّ، فقال: كل امرأة لي طالق تطلق امراته. ينظر: «فتح باب العناية» (2: 295).
كتاب الحدود
الحدُّ: عقوبةٌ مقدَّرةٌ يجبُ حقَّاً لله تعالى، فلا تعزير، ولا قصاص حد، والزِّنا: وطءٌ في قُبِلٍ خالٍ عن ملكٍ وشبهته، ويثبتُ بشهادةِ أربعةٍ بالزِّنا لا بوطء أو جماع، فيسألُهم الإمامُ عنه، ما هو؟ وكيف هو؟ وأين زنَى؟ ومتى زنَى؟ وبمَن زنَى؟
كتاب الحدود
(الحدُّ: عقوبةٌ مقدَّرةٌ يجبُ حقَّاً لله تعالى، فلا تعزير، ولا قصاص حد).
أمَّا التَّعزير؛ فلعدمِ التَّقدير.
وأمَّا القصاص؛ فلأنَّهُ حقُّ وليِّ القصاص.
(والزِّنا: وطءٌ في قُبِلٍ خالٍ عن ملكٍ وشبهته)؛ كمعتدةٍ البائن أو الثَّلاث.
(ويثبتُ بشهادةِ أربعةٍ بالزِّنا لا بوطء أو جماع، فيسألُهم الإمامُ عنه، ما هو؟ وكيف هو؟ وأين زنَى؟ ومتى زنَى؟ وبمَن زنَى؟).
أمَّا السُّؤالُ عن الماهيَّة
(1)
؛ فلأنَّ بعضَ النَّاسِ يطلقونَه على كلِّ وطءٍ حرام، وأيضاً: قد أطلقَهُ الشَّارعُ على غيرِ هذا الفعل، نحو:«العينان تزينان»
(2)
.
وأمَّا عن الكيفيَّة؛ فلأنَّه قد يقعُ الوطءُ من غيرِ إلتقاءِ الختانين.
وأمَّا عن أين؟؛ فلأنَّ الزِّنا في دارِ الحربِ لا يوجبُ الحدّ.
وأمَّا عن متى؛ فلأنَّ التَّقادُمَ لا يوجبُ الحدّ.
وأمَّا عن المزنيَّة؛ فلأنَّه قد يكون في وطئها شبهة؟
(1)
أي عن حقيقة، كما في تعريفه.
(2)
من حديث أبي هريرة، وبهذا اللفظ في «صحيح ابن حبان» (10: 267)، و «مسند الربيع» (1: 249)، و «مسند البزار» (5: 333)، و «مسند أحمد» (1: 412)، و «مسند إسحاق بن راهويه» (1: 116)، و «مسند أبي يعلى» (9: 246)، و «المعجم الكبير» (9: 134)، وورد بلفظ:(إن الله كتب على ابن آدم حظَّه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه) في «صحيح البخاري» (2: 229)، و «صحيح مسلم» (4: 2047)، وغيرهما.
فإن بيَّنوه: وقالوا: رأيناهُ وَطِئها في فرجِها، كالميلِ في المُكْحُلة، وعُدِّلوا سرَّاً وعلاناً، حُكِمَ به. وبإقراره أربعاً في أربعةِ مجالس ردَّهُ كلَّ مرَّة، ثُمَّ سأله كما مرّ، فإن بيَّنَ حُبِّبَ تلقينُهُ برجوعِهِ: بلعلَّك لمست، أو قبَّلت، أو وَطِئت بشبهة، فإن رَجَعَ قبل حدِّه، أو في وسطِه خُلِّيَ وإلاَّ حدّ.
[فصل في كيفية الحد وإقامته]
وهو للمحصَن: أي لحرٍّ مكلَّفٍ مسلمٍ وطئَ بنكاحٍ صحيح، وهما بصفةِ
(فإن بيَّنوه: وقالوا: رأيناهُ وَطِئها في فرجِها، كالميلِ في المُكْحُلة، وعُدِّلوا سرَّاً
(1)
وعلاناً
(2)
، حُكِمَ به).
ثُمَّ عطفَ على قولِهِ: بشهادةِ أربعة؛ قولَهُ: (وبإقراره أربعاً): أي أربعةَ مرَّات، (في أربعةِ مجالس
(3)
ردَّهُ كلَّ مرَّة، ثُمَّ سأله كما مرّ)
(4)
، اعلم أنَّ في قولِهِ: ردَّهُ كلَّ مرَّةٍ؛ تسامح؛ لأنَّه يدلُّ على أنَّ الإمامَ يردُّهُ أربعَ مرَّات، وليس كذلك، بل الإمامُ يردُّه ثلاثُ مرَّات، فإذا أقرَّ مرَّةً رابعةً لا يردُّه، بل يقبلُه، فيسأله كما مرَّ من
(5)
قَبْل، إلاَّ في السُّؤال عن متى؛ لأنَّه إنِّما يسألُ عنه احترازاً عن التَّقادُم، وهو يمنعُ الشَّهادة لا الإقرار، وقيل: يسأل عن متى أيضاً؛ لإحتمالِه في زمانِ الصِّبى.
فإن بيَّنَ حُبِّبَ تلقينُهُ برجوعِهِ: بلعلَّك لمست، أو قبَّلت، أو وَطِئت بشبهة، فإن رَجَعَ قبل حدِّه، أو في وسطِه خُلِّيَ وإلاَّ حدّ.
[فصل في كيفية الحد وإقامته]
وهو للمحصَن: أي لحرٍّ مكلَّفٍ مسلمٍ وطئَ بنكاحٍ صحيح، وهما بصفةِ
(1)
وهو أن يبعث ورقة فيها أسماؤهم وأسماء محلتهم على وجه يتميَّزُ كلٌّ منهم لمن يعرفه فيكتبُ تحت اسمه هو عدل مقبول الشهادة. ينظر: «الشرنبلالية» (2: 62).
(2)
وهي أن يجمع بين المعدل والشاهد فيقول هذا هو الذي عدلته. ينظر: «الفتح» (5: 217).
(3)
أي من مجالس المقرّ، وقيل: الإمام، والأول هو الصحيح. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 586).
(4)
أي في الصورة التي سبقت قبل أسطر.
(5)
ساقطة من ب و س و ص.
الإحصان رجمُهُ في فِضاءٍ حتى يموت يبدأُ به شهودُه، فإن أبوا، أو غابوا، أو ماتوا سقط، ثُمَّ الإمام، ثُمَّ النَّاس. وفي المقرِّ يبدأُ الإمام، ثُمَّ النَّاس، وغُسِلَ وكُفِّنَ وصُلِّيَ عليه. ولغيرِ المحصنِ جلدُهُ مئةً وسطاً بسوطٍ لا ثمرةَ له، ويُنْزَعُ ثيابُهُ إلاَّ الإزار، ويُفَرَّقُ على بدنِه إلاَّ رأسَه، ووجهه، وفرجَه قائماً في كلِّ حدٍّ بلا مدّ
الإحصان
(1)
): أي وَطِئَ حال كونِهما
(2)
بصفةِ الإحصان: أي الأمورُ التي يثبتُ بها الإحصان ـ ما عدا الوطء ـ كانت حاصلةً قبيل هذا الوطء، فإذا وُجِدَ الوطءُ تَمَّ جميعُ ما يثبتُ بها الإحصان، فقولُهُ: وهو للمحصن: مبتدأ، وخبرُهُ قولُه: (رجمُهُ في فِضاءٍ حتى يموت يبدأُ به شهودُه، فإن أبوا، أو غابوا، أو ماتوا سقط، ثُمَّ الإمام، ثُمَّ النَّاس.
وفي المقرِّ يبدأُ الإمام، ثُمَّ النَّاس، وغُسِلَ وكُفِّنَ وصُلِّيَ عليه.
ولغيرِ المحصنِ جلدُهُ مئةً وسطاً بسوطٍ لا ثمرةَ له).
في «المغرب» : الثَّمرة: العَذَبَةُ وهي ذَنَبُه، وقيل: العُقْدة، قال: والأَوَّلُ أصحّ
(3)
.
وفي «الصِّحاح» : ثمرة السِّياط: عُقَدُ أطرافِها
(4)
.
(ويُنْزَعُ ثيابُهُ إلاَّ الإزار، ويُفَرَّقُ على بدنِه إلاَّ رأسَه، ووجهه، وفرجَه قائماً في كلِّ حدٍّ بلا مدّ): أي من غيرِ أن يلقى على الأرض ويمَدَّ رجلاه.
وقيل: أن يمدَّ الضَّارب يدَهُ فوقَ رأسِه.
وقيل: أن يمدَّ السَّوط على العضوِ بعد الضَّرب
(5)
.
(1)
وحصول الوطء بنكاح صحيح شرطٌ لحصول صفة الإحصان ولا يجب بقاؤه لبقاء الإحصان، حتى لو تزوَّج في عُمُره مرّة بنكاح صحيح ودخل بها، ثم زال النكاح وبقي مجرداً وزنى يجب عليه الرجم. ينظر:«درر الحكام» (2: 63).
(2)
أي الزوجين، بأن توفَّرت في كلٍّ منهما الشروط السابقة.
(3)
انتهى من «المغرب» (ص 62 - 63)، وعبارته: وثمرة السوط: مستعارة من واحدة ثمر الشجر وهي عذبته وذنبه وطرفه، وفي «المجمل» ثمر السياط عقد أطرافها، ومنه: يأمر الإمام بضربه بسوط لا ثمرة له يعني العقدة، والأول أصح لما ذكر الطحاوي أن علياً رضي الله عنه جلد الوليد بسوط له طرفان، وفي رواية: له ذنبان أربعين جلدة فكانت الضربة ضربتين. اهـ.
(4)
انتهى من «الصحاح» (1: 161).
(5)
قال صاحب «الهداية» (2: 97): وذلك كله لا يفعل؛ لأنه زيادة على المستحقّ.
وللعبدِ نصفُها، ولا يحدُّهُ سيِّدُه بلا إذنِ الإمام، ولا يُنْزَعُ ثيابُها إلاَّ الفرو والحشو، وتحدُّ جالسة. وجازَ الحفرُ لها لا له. ولا جمعَ بين جلد ورجم، ولا بين جلدٍ ونفي إلاَّ سياسة، ويرجمُ مريضٌ زنى، ولا يجلدُ حتَّى يبرأ. وحاملٌ زَنَت تُرْجَمُ حين وضعَت، وتجلدُ بعد النِّفاس.
باب الوطء الذي يوجب الحد أو لا
الشُّبهةُ دارئةُ للحدّ
(وللعبدِ نصفُها، ولا يحدُّهُ سيِّدُه بلا إذنِ الإمام): هذا عندنا خلافاً للشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه.
(ولا يُنْزَعُ ثيابُها إلاَّ الفرو والحشو، وتحدُّ جالسة.
وجازَ الحفرُ لها
(2)
لا له.
ولا جمعَ بين جلد ورجم، ولا بين جلدٍ ونفي إلاَّ سياسة): هذا عندنا، وعند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه يجمعُ في البكرِ بين الجلدِ والنَّفي، وهو تغريبُ عام.
(ويرجمُ مريضٌ زنى، ولا يجلدُ حتَّى يبرأ.
وحاملٌ زَنَت تُرْجَمُ حين وضعَت
(4)
، وتجلدُ بعد النِّفاس).
باب [الوطء الذي يوجب]
(5)
الحد أو لا
(الشُّبهةُ دارئةُ للحدّ).
اعلم أن الشُّبهةَ ضربان:
في الفعل.
وفي المحل.
(1)
ينظر: «المنهاج» وشروحه: «مغني المحتاج» (4: 152)، و «تحفة المحتاج» (9: 116)، و «نهاية المحتاج» (7: 433)، وغيرها.
(2)
أي للرجم.
(3)
ينظر: «الأم» (6: 114)، و «حاشيتا قليوبي وعميرة» (4: 182)، و «فتوحات الوهاب» (5: 132)، وغيرها.
(4)
لأن جنينها لا يستحق الرجم لعدم الجناية منه، وتحبس حتى تلد إن ثبت زناها بالشهادة، ولا تحبس إن ثبت بالإقرار. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 212).
(5)
في ت و س و ص و ق و ف: وطء يوجب.
وهي في الفعل: تثبتُ بظنِّ غيرِ الدَّليلِ دليلاً، فلا يحدُّ الجاني إن ظنَّ أنَّها تحلُّ له في وطءِ أمةِ أحدِ أبويه، وعرسِه، وسيِّدِه، والمُرْتَهِن المرهونةَ في الأصحّ، والمعتدَّةِ بثلاث، وبطلاقِ على مال، وبإعتاقِ أمِّ ولدِه، وفي المحلّ: بقيامِ دليل نافٍ للحرمةِ ذاتاً، فلم يحدّ وإن أقرَّ بحرمَتِها عليه في: وطءِ أمةِ ابنِه، ومعتدَّةِ الكنايات، والبائعِ المبيعة، والزَّوجِ الممهورة قبل تسليمِها، والمشتركة
فشرعَ في الضَّربِ الأَوَّل بقولهِ: (وهي في الفعل: تثبتُ بظنِّ غيرِ الدَّليلِ دليلاً
(1)
، فلا يحدُّ الجاني إن ظنَّ أنَّها تحلُّ له في وطءِ أمةِ أحدِ أبويه، وعرسِه، وسيِّدِه، والمُرْتَهِن المرهونةَ في الأصحّ، والمعتدَّةِ بثلاث، وبطلاقِ على مال، وبإعتاقِ أمِّ ولدِه).
اعلم أنَّ اتصالَ الأملاكِ بين الأصولِ والفروع، قد يوهمُ أنَّ للابنِ ولايةَ وطءِ جاريةِ الأب، كما في العكس.
وغنى الزَّوجِ بمالِ الزَّوجةِ المستفادُ من قولِهِ تعالى: {وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَى}
(2)
: أي بمالِ خديجةَ رضي الله عنها، قد يورثُ شبهةَ كونِ مالِ الزَّوجةِ ملكاً للزَّوج.
واحتاجُ العبيدِ إلى أموالِ الموالي إذ ليس لهم مال، ينتفعونُ به مع كمالِ الانبساطِ بين مماليكِ مولى واحدٍ مع أنهم معذورون بالجهلِ مظنَّةً لاعتقادِهم حلَّ وطء إماء الموالي.
ومالكيَّةُ المُرْتَهنِ للمرهونةِ ملكَ يد، قد توهمُ حلَّ وطءِ المرهونة.
وبقاءُ أثرِ النِّكاح، وهو العدَّة، لا يبعدُ أن يصيرَ سبباً؛ لأن يشتبَه عليه حلُّ وطءِ المعتدَّةِ بثلاث، والمعتدَّةِ بطلاقٍ على مال، والمعتدَّةِ بالإعتاق حال كونِها أمّ ولده.
ثُمَّ شرعَ في الضَّربِ الثَّاني من الشُّبهةِ بقولِه: (وفي المحلّ: بقيامِ دليل نافٍ للحرمةِ ذاتاً، فلم يحدّ وإن أقرَّ بحرمَتِها عليه في: وطءِ أمةِ ابنِه، ومعتدَّةِ الكنايات، والبائعِ المبيعة، والزَّوجِ الممهورة قبل تسليمِها
(3)
، والمشتركة).
(1)
وهي تحقق في حقّ من اشتبه عليه لا مَن لم يشتبه عليه، ولا بُدَّ من الظنّ ليتحقق الاشتباه: كقوم سقوا خمراً يحدُّ مَن علم منهم أنه خمر لا مَن لا يعلم. ينظر: «درر الحكام» (2: 64).
(2)
من سورة الضحى، الآية (8).
(3)
يعني وَطء الزوجِ أمتَه التي جعلها مهر نكاح زوجته قبل تسليمها. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 285).
فإن ادَّعى النَّسبَ يثبتُ في هذه لا في الأُولَى، وحدَّ بوطء أمةِ أخيه، وعمِّه، وأجنبيةٍ وجدَها على فراشِه، وإن كان هو أعمى، وذميَّةٍ زَنَى بها حربي، وذميُّ زنى بحربية، لا الحربيُّ والحربيَّة
الدَّليلُ النَّافي للحرمة قولُهُ صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك»
(1)
وقولُ بعضِ الصَّحابةِ
(2)
رضي الله عنهم: إن الكنايات رواجع.
وكونُ المبيعةِ في يدِ البائع بحيث لو هَلَكَت ينتقضُ البيعُ دليلُ الملك.
وكونُ المهرِ صلة
(3)
: أي غيرُ مقابلٍ بمالٍ دليلُ عدمِ زوالِ الملكِ كالهبة.
والملكُ في الجاريةِ المشتركةِ دليلُ حلِّ الوطء.
فمعنى قولُهُ: نافٍ للحرمةٍ ذاتاً؛ أنَّا لو نظرنا عن المانع يكون منافياً للحرمة
(4)
.
(فإن ادَّعى النَّسبَ يثبتُ في هذه لا في الأُولَى): أي في شبهةِ المحلِّ لا في شبهةِ الفعل.
(وحدَّ بوطء أمةِ أخيه، وعمِّه، وأجنبيةٍ وجدَها على فراشِه، وإن كان
(5)
هو أعمى
(6)
، وذميَّةٍ زَنَى بها حربي، وذميُّ زنى بحربية، لا الحربيُّ والحربيَّة): يعني الدَّاخلين دارنا بأمان؛ وذلك لأنه إن كان هذا في دارِ الحربِ لا يجبُ الحدّ.
وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه يحدُّون جميعاً.
وعند محمَّد رضي الله عنه إن زنى الحربيُّ لا يحدّ.
وقولُهُ: وذميَّةٌ عطفٌ على الضَّميرِ المستترِ في حدّ، وهذا جائزٌ لوجودِ الفاصلة.
(1)
سبق تخريجه (ص 46).
(2)
مثل: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم كما في «سنن البيهقي الكبير» (7: 343)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (4: 93)، و «مصنف عبد الرزاق» (6: 356)، وينظر:«نصب الراية» (3: 333 - 335)، و «الدراية» (2: 101)، وغيرها.
(3)
أي إنه ليس بمقابل بشيء كما يكون في التبرُّعات المحضة، بل بمعنى أنه غير مقابل بمال فإنه بعوض منافع البضع وهي ليست بمال. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 285)
(4)
أي إذا نظرنا إلى الدليل مع قطع النظر عن المانع يكون منافياً، ولا يتوقف على ظن الجاني واعتقاده. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 594).
(5)
زيادة من ب و س و م.
(6)
لتمييزه بالسؤال إلا إذا دعاها فأجابته قائلة: أنا زوجتك، أو أنا فلانة باسم زوجته فواقعها؛ لأن الإخبار دليل شرعي حتى لو أجابته بالفعل أو بنعم حد. ينظر:«الدر المختار» (3: 154).
ولا مَن وَطِئ أجنبيةً زُفَتْ إليه، وقُلْنَ: هي عرسُك، وعليه مهرُها، ومَحْرَمة نكحَها، أو بهيمة، أو أَتَى في دُبُر، أو زنَى في دارٍ الحرب أو بغيٍ، ولا بزنا غيرِ مكلَّفٍ بمكلَّفةٍ أصلاً. وفي عكسِهِ حدَّ هو فقط. ولا إن أقرَّ واحدٌ به، والآخرُ بنكاح.
(ولا مَن وَطِئ أجنبيةً زُفَتْ إليه، وقُلْنَ: هي عرسُك، وعليه مهرُها، ومَحْرَمة
(1)
نكحَها)
(2)
عطفٌ على قوله: أجنبية؛ وهذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه فإنَّه جعلَ النِّكاحَ شُبْهةً في درءِ الحدّ، (أو بهيمة، أو أَتَى في دُبُر): هذا عند ابي حنيفةَ رضي الله عنه.
أمَّا عندهما وعند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنهم في أحدِ قوليه يحدُّ حدَّ الزِّنا؛ لأنَّه في معنى الزِّنا؛ لأنَّه قضاءُ الشَّهوةِ في محلٍ مشتهىً على سبيلِ الكمالِ على وجهٍ تمحضَ حراماً.
وله: أنَّه ليس بزنا، فإنَّ الصَّحابةَ رضي الله عنه عنهم اختلفوا في موجبه
(4)
: من الإحراق، وهدم الجدار، والتَّنكيس من مكان مرتفعٍ باتّباعِ الأحجار، فعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه يعزَّرُ بأمثالِ هذه الأمور.
(أو زنَى في دارٍ الحرب أو بغيٍ)
(5)
، هذا عندنا خلافاً للشَّافِعِيّ
(6)
رضي الله عنه.
(ولا بزنا غيرِ مكلَّفٍ بمكلَّفةٍ أصلاً): أي لا على هذا، ولا على هذه، وعند زُفر والشَّافِعِيِّ
(7)
رضي الله عنه تحدّ هي، (وفي عكسِهِ حدَّ هو فقط.
ولا إن أقرَّ واحدٌ به، والآخرُ بنكاح.
(1)
في ت و ج و ص و ف و ق: محرماً.
(2)
أفرد اللكنوي تأليفاً خاصّة سماها «القول الجازم بسقوط الحد بنكاح المحارم» في مسألة نكاح المحرمة، وبسط فيها الأدلة، ودفع الشبهات والاعتراضات التي ترد على الإمام الأعظم رضي الله عنه.
(3)
ينظر: «التنبيه» (ص 148)، «المنهاج» (4: 144)، وغيرهما.
(4)
فذهب أبو بكر وخالد بن الوليد رضي الله عنهم إلى الإحراق، وابن عباس إلى التنكيس، كما في «مصنفه» (5: 497)، و «سنن البيهقي الكبير» (8: 232).
(5)
أي في غير معسكر الخليفة أو أمير المصر بأن خرج من عسكر من له ولاية إقامة الحدود فدخل دار الحرب وزنى ثم عاد، أو كان مع أمير سرية أو أمير عسكر فزنى ثمة أو كان تاجرا أو أسيراً، أما لو زنى وهو مع عسكر من له ولاية إقامة الحد فإنه يحدّ، بخلاف أمير العسكر أو السرية؛ لأنه إنما فوض لهما تدبير الحرب لا إقامة الحدود وولاية الإمام منقطعة ثمة. ينظر:«الفتح» (5: 167).
(6)
ينظر: «مغني المحتاج» (4: 150).
(7)
ينظر: «مغني المحتاج» (4: 147)، و «تحفة المحتاج» (9: 109)، و «تحفة الحبيب» (4: 173)، وغيرها.
وفي قتلِ أمةٍ بزنا يجبُ الحدّ والقيمة. والخلفيةُ لا يحدّ، ويُقْتَصُّ ويؤخذُ بالمال.
باب شهادة الزنا والرجوع عنها
مَن شَهِدَ بحدٍّ متقادِمٍ قريباً من إمامِهِ لم تقبلْ إلاَّ في حدِّ قذف، وضَمِنَ السَّرقة، وإن أقرَّ به حدّ
وفي قتلِ أمةٍ بزنا يجبُ الحدّ والقيمة
(1)
.
والخلفيةُ لا يحدّ)؛ لأنَّه صاحبُ الحقِّ نيابةً عن الله تعالى، (ويُقْتَصُّ ويؤخذُ بالمال)
(2)
؛ لأنَّ مَن له الحقُّ هو الوارثُ والمالك. (والله أعلم)
(3)
.
باب شهادة الزنا والرجوع عنها
(مَن شَهِدَ بحدٍّ متقادِمٍ قريباً من إمامِهِ
(4)
لم تقبلْ إلاَّ في حدِّ قذف)؛ فإنَّ حدَّ القذفِ فيه حقُّ العبدِ وهولا يسقطُ بالتَّقادُم.
(وضَمِنَ السَّرقة): أي إن شهدوا بالسَّرقة المتقادمة يثبتُ الضَّمان
(5)
؛ لأنَّهُ حقُّ العبد، وهو لا يسقطُ بالتَّقادُم، وعند الشَّافِعِيِّ
(6)
رضي الله عنه تقبل.
(وإن أقرَّ به حدّ): أي إن أقرَّ بالحدِّ المتقادمِ حدّ إلاَّ في الشُّرب على ما يأتي؛ لأنَّ المانعَ من قَبولِ الشَّهادة أنَّه قد هيَّجتُهُ على الشَّهادةِ عداوةٌ حادثة، وهذا المعنى لا يوجدُ في الإقرار.
(1)
أي من زنا بجارية فقتلها، يجد الحد والقيمة؛ لأنه جنى جنايتين، فيأخذ على كل واحد منهما حكمه. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 140/أ).
(2)
أي كل شيء يصنعه الإمام فلا حد عليه إلا القصاص فإنه يؤخذ به وبالأموال؛ لأنه يستوفيه ولي الحقّ إما بتمكينه أو بالاستعانة بمنعة المسلمين. ينظر: «الهداية» (2: 105).
(3)
زيادة من ق.
(4)
أي حال كون الشاهد قريباً من إمامِهِ الذي يشهد عنده، يعني لم يمنعه مانع كمرض أو بعد مسافة أو خوف طريق أو نحو ذلك مما يكون موجباً لامتناعة من أداء الشهادة في الفور. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 290)، و «ذخيرة العقبى» (ص 280).
(5)
ويسقط الحد للتقادم.
(6)
ينظر: «الأم» (7: 59).
وتقادمُ الشُّربِ بزوالِ الرِّيح، ولغيرِهِ بمضيِّ شهر، فإن شهدوا بزنا، وهي غائبةٌ حُدَّ، وبسرقةٍ من غائبٍ لا، ولو اختلفَ أربعةٌ في زاويتي بيت، أو أقرَّ بزنا وجَهِلَها حدّ، فإن شهدوا كذلك، أو اختلفوا في طوعِها، أو بلدِ زناه، أو اتَّفق حجَّتاهُ في وقتِه واختلفا في بلدِه، أو شهدوا بزنا وهي بكر، أو هم فسقة، أو هم شهودٌ على شهود لم يحدّ أحد، وإن شَهِدَ الأصولُ أيضا بعدهم
(وتقادمُ الشُّربِ بزوالِ الرِّيح، ولغيرِهِ بمضيِّ شهر
(1)
، فإن شهدوا بزنا، وهي غائبةٌ حُدَّ، وبسرقةٍ من غائبٍ لا)؛ لشرطيَّة الدَّعوى في السَّرقةِ دون الزِّنا على ما يأتي الفرقُ في (كتابِ السَّرقة)
(2)
إن شاء الله تعالى.
(ولو اختلفَ أربعةٌ في زاويتي بيت، أو أقرَّ بزنا وجَهِلَها حدّ)، إذ التَّوفيق ممكنٌ بأن يكونَ ابتداءُ الفعلِ في زاويةٍ وانتهاؤهُ في أُخرى، وجَهْلُ المُقِرُّ لا يضرُّهُ إذ لو كانت امرأتُهُ أو أمُّ ولدِهِ لا يخفى عليه.
(فإن شهدوا كذلك، أو اختلفوا في طوعِها، أو بلدِ زناه، أو اتَّفق حجَّتاهُ في وقتِه واختلفا في بلدِه، أو شهدوا بزنا وهي بكر، أو هم فسقة، أو هم
(3)
شهودٌ على شهود لم يحدّ أحد، وإن شَهِدَ الأصولُ أيضا بعدهم).
واعلم أن في هذه الصُّور لا يحدُّ أحدٌ لا المشهودُ عليهما بالزِّنا، ولا الشُّهودُ بسببِ القذف.
فقولُهُ: وإن شهدوا كذلك؛ أي شهدوا وجَهِلُوا الموطوءةَ لا حدَّ على المشهودِ عليه؛ لاحتمالِ أن تكونَ المرأةُ زوجتَهُ أو أمتَه، ولا على الشُّهود؛ لوجودِ أربعةِ شهداء.
وإن شهدَ أربعة، وقال اثنان منها: كانت طائعةً، واثنان منهما: كانت مكرهة، فلا حدَّ عليهما عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه.
وعندهما: يحدُّ الرَّجلُ لاتفاقِ الأربعةِ على زناه لا المرأة؛ للاختلاف في طوعِها.
وله: إن الفعلَ المشهودَ به إن كان واحداً فبعضُهم كاذب؛ لأنَّ الفعلَ الواحدَ لا
(1)
هذا هو المروي عن أبي يوسف ومحمد رضي الله عنهم، وقيل ستة أشهر، وإليه أشار الطحاوي أيضاً، وعن أبي حنيفة أنه مفوض إلى رأي القاضي، والأول أصح، وحده في الشرب الخمر أو السكر بغيرها انقطاع الرائحة خلافاً لمحمد هو يجعله كغيره من الحدود. ينظر:«رمز الحقائق» (1: 683).
(2)
ص 233).
(3)
زيادة من أ و س.
....................................................................................................................
يكونُ بطوعِها وكرها، وإن لم يكن واحد، فلا نصابَ للشَّهادة على كلِّ منهما، ولا يحدُّ الشُّهُود؛ لوجودِ العدد.
وإن شَهِدَ أربعةٌ بزناه، واختلفوا في بلدِ زناه، فلا حدَّ عليهما لما مرّ، ولا على الشُّهُودِ خلافاً لزُفر رضي الله عنه؛ لوجودِ العدد.
وإن شَهِدَ أربعةٌ بزناهُ في وقتٍ معيَّن
(1)
، وأربعةٌ أُخرى بزناه في ذلك الوقتِ في بلدٍ آخر، فلا حدَّ عليهما؛ لأنَّ شهادةَ أحدِ الفريقينِ مردودةٌ؛ لتيقُّنِ كذبِه، ولا رجحان لأحدهما فيردُّ الجميع، ولا على الشُّهُود؛ لاحتمالِ صدقِ أحدِ الفريقين.
يردُّ عليه: أنّه يحتملُ أن يكونَ كلُّ واحدٍ منهما كاذباً، والظَّاهرُ هذا لما مرَّ من تيقُّنِ كذبِ أحدِهما وعدمِ رجحان أحدِهما، فيكون صدقُ أحدهما محتملاً احتمالاً بعيداً، ثُمَّ على تقديرِ صدقِ أحدِهما يحتملُ أن يكونَ الصَّادقُ هذا الفريقَ المعيَّن أو ذلك الفريق، ففي صدقِ كلِّ واحدٍ احتمال الاحتمال، وهو شبهةُ الشُّبهة، فلا اعتبارَ لها.
فأقول: وإنِّما لا يحدُّ الشُّهود؛ لوجودِ أربعةِ شهداء، فشهادةُ كلِّ فريقٍ إن لم توجبْ حدّاً على المشهودِ عليه، فلا أقلَّ من أن توجبَ تهمةً يندرئُ بها الحدُّ عن الفريقِ الآخر.
وإن نظرَتِ امراةٌ واحدةٌ، فقالت: هي بكرٌ تثبتُ بشهادتِها البكارة، فيندرئ حدُّ الزِّنا، ولا يثبتُ حدُّ القذفِ
(2)
بشرطيَّةِ الرِّجال
(3)
.
وإذا كانوا فسقةً يندرئُ الحدّ، ولا يحدُّ الشُّهود؛ لأنَّ الفسقةَ أهلُ الشَّهادة
(4)
، فوجدتْ شهادةُ الأربعة.
(1)
اختلف عن المسألة التي سبقتها أنه بعد أن اكتمل نصاب الشهادة في كل واحد من الفريقين يشترط أن يذكروا وقتاً واحداً؛ للتيقن بكذب أحد الفريقين. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 254).
(2)
أي على الشهود.
(3)
أي تشترط في ثبوت القذف الموجب للحد شهادة الرجال، وههنا البكارة تثبت بقول النساء. ينظر:«العمدة» (2: 294).
(4)
أي أهل الأداء والتحمل، وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق؛ ولهذا لو قضى القاضي بشهادة فاسق ينفذ عندنا، ويثبت بشهادتهم شبهة الزنا، وباعتبار قصور في الأداء لتهمة الفسق يثبت شبهة عدم الزنا فلهذا امتنع الحدّان. ينظر:«الهداية» (2: 107).
وإن شهدوا عمياناً، أو محدودين بقذفٍ أو ثلاثة، أو أحدُهم محدود، أو عبدٌ، أو وُجِدَ كذلك بعد الحدّ حدوا، وأرشُ جرحِ جلدِهِ هَدْر، وديةُ رجمِهِ في بيتِ المال
وإن كانوا شهوداً على شهودٍ
(1)
لم يحدّ؛ لأنَّ في شهادتهم زيادةَ شبهة؛ لأنَّ الكلامَ إذا تداولَتْهُ الألسنةُ يتطرَّق اليه زيادةٌ ونقصان، ثُمَّ إن جاءَ الأصولُ فشهدوا على ذلك الزِّنا بعينِه بعد شهادةِ الفروع، لم يحدَّ أيضاً؛ لأنَّ شهادتَهم قد رُدَّتْ من وجهٍ بردِّ فروعِهم، والشَّهادةُ إذا ردَّتْ مرَّةً في حادثةٍ لا تقبلُ فيها أبداً، وهذا ضعيفٌ
(2)
؛ لأنَّ ردَّ شهادتِهم لمعنىً يختصُ بها لا يسري إلى الأصول؛ لعدم ذلك المعنى في شهادتِهم.
ويمكن أن يقال: إنِّما تردُّ شهادةُ الأصولِ لأنَّهم سعوا إلى إثباتِ الزِّنا بأمرٍ غير مشروع، فلا تكون شهادتُهم حسبةً لله تعالى، بل سعياً إلى إشاعةِ الفاحشةِ لعداوةٍ أو نحوِها، فتردُّ شهادتُهم؛ لهذه التَّهمة.
(وإن شهدوا عمياناً، أو محدودين بقذفٍ أو ثلاثة، أو أحدُهم محدود، أو عبدٌ، أو وُجِدَ كذلك بعد الحدّ
(3)
حدوا)؛ لعدم أهليَّةِ الشَّهادة، أو عدمِ النِّصاب، فيجبُ الحدُّ لقولِهِ تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}
(4)
الآية.
(وأرشُ
(5)
جرحِ جلدِهِ هَدْر
(6)
، وديةُ رجمِهِ في بيتِ المال): أي شهدَ الشُّهودُ بالزِّنا، والزَّاني غيرُ محصن فجلدَ، فجرَحَهُ الجلدُ، ثُمَّ ظهرَ أحدُ الشُّهودِ عبداً، أو محدوداً
(1)
أي الشهود الشاهدون بحضرة الحاكم شهوداً على شهود الزنا بأن يقول كل منهم: أشهد أن فلاناً أشهدني على شهادته هكذا، وقال لي: اشهد على شهادتي بذلك، وهذا عند تعذُّر حضور الأصول بموت أو مرض أو سفر، فإنه لا تقبلُ الشهادة على الشهادة عند قدرة الأصول على أداء الشهادة. ينظر:«العمدة» (1: 294).
(2)
لم يرتض ابن كمال باشا في «الايضاح» (ق 78/أ)، واللكنوي في «عمدة الرعاية» (2: 295) تضعيف الشارح لما ذكره الفقهاء من الحجّة وما احتجّ به، وسكت عن ذلك ملا خسرو في «الدرر» (2: 68)، ويظهر أن لكلامه وجه حجة.
(3)
أي إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فضرب بشهادتهم، ثم وجد أحدُهم عبداً، أو محدوداً في قذف
…
الخ أقيم عليهم الحدّ؛ لكونهم قذفة لعدم تمام نصاب الشهادة.
(4)
من سورة النور، الآية (4).
(5)
أَرْشُ الجراحة: ديتُها، والجمع أروش. ينظر:«المصباح المنير» (ص 12).
(6)
هَدْرٌ دمه: أي باطل. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 148).
وأيٌّ رَجَعَ من الأربعةِ بعد رَجْمٍ حدّ، وغَرِمَ رُبْعَ الدِّية
في قذف، فأرش الجلدِ هَدْرٌ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه.
وقالا: في بيتِ المال؛ لأنَّ فعلَ الجلاَّدِ ينتقلُ إلى القاضي، وهو عاملٌ للمسلمين، فالغرامةُ في مالِ المسلمين.
وله: إنَّ الفعلَ الجارحَ لا ينتقلُ إلى القاضي؛ لأنَّه لم يأمرْ بالجرح، فيقتصرُ على الجلاَّد، ثُمَّ هو لا يضمن؛ لئلا يمتنعَ النَّاسُ عن الإقامةِ مخافةً للغرامة.
وإن شهدوا والزَّاني محصنٌ فَرُجِم، ثُمَّ ظَهَرَ أحدُهم عبداً أو نحوَه فديَةُ الرَّجمِ في بيتِ المال.
(وأيٌّ رَجَعَ من الأربعةِ بعد رَجْمٍ حدّ): أي حدَّ الرَّاجع فقط حدَّ القذف.
وعند زُفر رضي الله عنه لا يحدّ
(1)
؛ لأنَّه إن كان قاذفَ حيٍّ فقد سقطَ بالموت
(2)
، وإن قاذفَ ميْت، فهو مرجومٌ بحكمِ القاضي
(3)
، فلا يجبُ الحدّ.
قلنا: هو قاذفُ ميْت؛ لأنَّ شهادتَهُ بالرُّجوع انقلبت قذفاً، فصارَ قاذفاً بعد الموت، ولم يبقَ مرجوماً بحكمِ القاضي؛ لانفساخِ الحكمِ بانفساخِ الحجَّة.
(وغَرِمَ رُبْعَ الدِّية): هذا عندنا، وعند الشَّافِعيِّ
(4)
رضي الله عنه يقتصُّ بناءً على أصله في شهودِ القصاص، كما قال في الدِّيات.
(1)
حاصل الاستدلال والجواب: أن زفر رضي الله عنه قال: لا يجب الحدّ على الراجع؛ ولأنه لو وجب، إما أن يجب بالقذف قبل الرجم ولا سبيل إليه؛ لأن من قذف حيَّاً، ثم مات المقذوف لا يحدّ القاذف لكونه لا يورث، أو بالقذف بعد الرجم فلا سبيل إليه أيضاً؛ لأن المرجوم لا يحد قاذفه لكونه مرجوماً بحكم الحاكم فيكون شبهة فصار كما لو قذفه غيره، ولنا أن كلامه ليس بقذف للحال؛ ولأنه انعقد شهادة ووقع الحكم به بهذا الوصف لكنه عند الرجوع ينقلب قذفاً؛ لأنه فسخ لشهادته به بعد الوجود فينفسخ ما ينبني عليه وهو القضاء فيكون قذفاً للحال، وهو محض في زعمه فيحد بخلاف ما إذا قذفه غيره؛ ولأنه مرجوم بحكم الحاكم ولم يوجد فسخ الشهادة في حقه؛ لأن زعم الراجع يعتبر في حقه لا في حق غيره. ينظر:«التبيين» 3: 192).
(2)
لأن حدّ القذف لا يورث؛ لأن الغالب فيه حقّ الله تعالى فيورث شبهة. ينظر: «الفتح» (5: 293).
(3)
وذلك إن لم يسقط الإحصان، فلا أقلّ من إيراث الشبهة والحدّ يسقط بها. ينظر:«العناية» (5: 293).
(4)
ينظر: «الأم» (8: 368)، و «مغني المحتاج» (4: 45)، وغيرهما.
وقبلَهُ حدُّوا فقط، ولا شيءَ على خامسٍ رجع، فإن رجعَ آخرُ حدّا، أو غرما رُبعَ ديته، وضَمِنَ الدِّيَةَ مَن قتلَ المأمورَ برجمِه، أو زكَّى شهودَ الزِّنا فرُجِم، فظهروا عبيداً، أو كفّاراً فيهما، وبيتُ المال إن لم يزكَّ فرُجِم، وإن شهدوا بزنا، وأقرَّوا بنظرهم عمداً قُبِلَت، وزانٍ أنكرَ وطءَ عرسِه، وقد وَلَدَتْ منه، أو شَهِدَ بإحصانِه رجلٌ وامرأتان رُجِم
(وقبلَهُ حدُّوا فقط): أيٌّ رجعَ من الأربعةِ حدَّ جميعُ الشُّهودِ حدَّ القذف، ولا يحدُّ المشهودُ عليه.
فإن كان الرُّجُوع بعد الحكم، فعند محمَّدٍ رضي الله عنه حدَّ الرَّاجع فقط، ولا يحدُّ الباقون؛ لتأكُّدِ شهادتِهم بالقضاء.
قلنا: ينفسخ القضاء.
وإن كان الرُّجوع قبل الحكم، فعند زُفر رضي الله عنه حدَّ الرَّاجع فقط.
ولا شيءَ على خامسٍ رجع، فإن رجعَ آخرُ حدّا، أو غرما رُبعَ ديته)؛ فإنَّ المسألةَ فيما إذا كان الرُّجوع بعد الرَّجم، والمعتبرُ بقاءُ مَن بقي، لا رجوعُ مَن رجع، وقد بقي ثلاثةُ أرباع النِّصاب.
(وضَمِنَ الدِّيَةَ مَن قتلَ المأمورَ برجمِه): أي أُمِرَ بالرَّجم فقتلَهُ بطريقٍ آخر، (أو زكَّى شهودَ الزِّنا
(1)
فرُجِم، فظهروا عبيداً، أو كفّاراً فيهما): أي في مسألة القتل والتَّزكيَّة، والضَّمان على المزكِّين في قولِ أبي حنيفة رضي الله عنه.
وعندهما: لا ضمانَ عليهم، بل في بيتِ المال.
(وبيتُ المال إن لم يزكَّ فرُجِم): أي ضَمِنَ بيتُ المالِ إذا شهدَ الشُّهودُ بالرَّجم، فلم يزكَّوا فرُجِم، فظهروا عبيداً، أو نحو ذلك.
(وإن شهدوا بزنا، وأقرَّوا بنظرهم عمداً قُبِلَت): أي شهادتُهم
(2)
؛ لأنَّه يباحُ لهم النَّظرُ لتحمُّلِ الشَّهادة.
(وزانٍ أنكرَ وطءَ عرسِه، وقد وَلَدَتْ منه، أو شَهِدَ بإحصانِه رجلٌ وامرأتان رُجِم)
(3)
: هذا عندنا خلافاً لزُفرَ رضي الله عنه والشَّافِعِيِّ
(4)
رضي الله عنه، وزُفَر رضي الله عنه جعلَ الإحصانَ شرطاً في
(1)
في ت و ج و ص و ف و ق: زنا.
(2)
أما لو قالوا: تعمدنا النظر للتلذذ لا تقبل إجماعاً؛ لفسقهم. ينظر: «البناية» (5: 457).
(3)
وكيفية الشهادة أن يقول الشهود: تزوّج امرأة وجامعها أو باضعها، ولو قالوا: دخل بها يكفي عندهما خلافاً لمحمد رضي الله عنه. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 686).
(4)
ينظر: «الأم» (5: 315)، وغيرها.
باب حد الشرب
هو كحدِّ القذف ثمانونَ سوطاً للحرّ، ونصفُها للعبدِ بشربِ الخمر ولو قطرة. فمَن أُخِذَ بريحِها وإن زالَت؛ لبعدِ الطَّريق، أو سكرانَ زائلَ العقلِ بنبيذِ التَّمر، وأقرَّ به مرَّة، أو شَهِدَ به رجلان، وعُلِمَ شربُهُ طوعاً يحدُّ صاحياً. فإن أقرَّ به، أو شهدا عليه بعد زوالِ الرَّيح، أو تقيّأها، أو وُجِدَ ريحُها منه، أو رجعَ عن إقرار شُرْبِ الخمر، أو السُّكر، أو أقرَّ سكران لا
معنى العلَّة
(1)
فلا تقبلُ فيه شهادةُ النِّساء. (والله أعلم بالصواب)
(2)
.
باب حد الشرب
هو كحدِّ القذف ثمانونَ سوطاً للحرّ، ونصفُها للعبدِ بشربِ الخمر ولو قطرة.
فمَن أُخِذَ بريحِها وإن زالَت؛ لبعدِ الطَّريق، أو سكرانَ زائلَ العقلِ
(3)
بنبيذِ التَّمر، وأقرَّ به مرَّة
(4)
): أي بشربِ الخمر، أو بالسَّكرِ بالنَّبيذ، (أو شَهِدَ به رجلان، وعُلِمَ شربُهُ طوعاً يحدُّ صاحياً.
فإن أقرَّ به، أو شهدا عليه بعد زوالِ الرَّيح، أو تقيّأها، أو وُجِدَ ريحُها منه): أي عُلِمَ الشُّربُ بأن تقيّأها، أو وُجِدَ ريحُ الخمرِ منه بلا إقرار أو شهادة، (أو رجعَ عن إقرار شُرْبِ الخمر، أو السُّكر، أو أقرَّ سكران لا).
(1)
حاصله: أن الإحصان وإن كان شرطاً للرجم لكنَّه في معنى العلّة كالزاني، فكما لا تقبلُ شهادةُ النّساء في إثبات العلّة لا تقبل فيه أيضاً. ويجاب عنه: الإحصان ليس بشرط له فضلاً عن أن يكون فيه معنى العلة؛ لأن الشرط ما يتوقف الحكم على وجوده بعد السبب ولا يتوقّف وجوب الرجم على وجود إحصان يحدث بعد الزنا، فإن الزاني بذلك الإحصان لا يرجم إجماعاً وإن صار محصناً بعد الزنا، بل الإحصان إذا ثبت كان معرفاً لحكم الزنا، وهو وجوب الرجم، وما للمعرف حكم العلة بوجه ما فصار كما لو شهدوا به في غير هذه الحالة. ينظر:«كشف الرموز» (1: 358).
(2)
زيادة من ف.
(3)
أي لا يعرف الرجل من المرأة، ولا الأرض من السماء، وقالا: هو من يهذي ويخلط جدّه بهزله ولا يستقر على شيء في صواب وخطأ، وإليه مال أكثر المشايخ. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 158).
(4)
أي صاحياً؛ لأن إقرار السكران بالشرب لا يعتبر لقوة احتمال الكذب في كلامه، فلا يعتبر فيما يندرئ بالشبهة. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 225).
ولو ارتدَّ هو لا تحرمُ عليه عرسُه
اعلم أنَّ في الإقرارِ بعد زوالِ الرِّيح لا يحدُّ خلافاً لمحمَّد رضي الله عنه، فإنَّ التَّقادُم عنده لا يمنعُ الإقرار كما في سائرِ الحدود.
وإنِّما لا يحدُّ عندهما؛ لأنَّ حدَّ الشُّربِ إنِّما يثبتُ بإجماعِ الصَّحابة رضي الله عنهم، وبدون رأي ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه لا يتمُّ الإجماع، وقد قال: فإن وجدتُم رائحةَ الخمر فاجلدوه
(1)
. فبدونِ الرَّائحةِ لا يحدُّ عنده، فلا إجماع، فلا دليلَ على وجوبِ الحدّ.
واعلم أنَّ السَّكرَ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه في حقِّ وجوبِ الحدِّ أن لا يعرفَ شيئاً حتَّى الأرضَ من السَّماء، وفي حقِّ حرمةِ الأشربةِ أن يهذي.
وعندها: أن يهذي مطلقاً، وإليه مالَ أكثرُ المشايخ
(2)
.
وعنده الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه: أن يظهرَ أثرُهُ في مشيه وحركاتِه وأطرافه.
(ولو ارتدَّ
(4)
هو لا تحرمُ عليه عرسُه): اعلم أنَّ الأحكامَ الشَّرعيَّة كصحَّةِ الإقرار، والطَّلاق، والعتاق، جاريةً عليه زجراً له، لكن ارتدادَه لا يثبت، لأنَّه أمرٌ حقيقيٌّ اعتقاديٌّ لا حكميّ، فعند عدمِ العقل لا يثبتُ اعتقادُ الكفر، ولمَّا لم يصحَّ ارتدادُهُ لا يثبتُ توابعُه كفسخِ النِّكاح.
(1)
بهذا اللفظ لم يجده مخرِّجو أحاديث «الهداية» كصاحب «نصب الراية» (3: 349)، و «الدراية» (2: 105)، و «البناية» (5: 465)، ولكن روي عنه في «مصنف ابن أبي شيبة» (5: 524)، و «مصنف عبد الرزاق» (7: 371): أنه جاءه رجل من المسلمين بابن أخ له، فقال له: يا أبا عبد الرحمن إن ابن أخي وجدته سكرانا، فقال عبد الله ترتروه ومزمزوه واستنكهوه فترتروه واستنكهوه فوجد سكراناً فرفع إلى السجن فلمَّا كان الغد جئت وجيء به. وفي «صحيح مسلم» (1: 551)، واللفظ له، و «صحيح البخاري» (4: 1912) عن ابن مسعود، قال: كنت بحمص، فقال لي بعض القوم: اقرأ علينا فقرأت عليهم سورة يوسف، قال فقال رجل من القوم: والله ما هكذا أُنْزلت قال قلت: ويحك والله لقد قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: أحسنت فبينما أنا أكلِّمه إذ وجدت منه ريح الخمر، قال فقلت: أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب لا تبرح حتى أجلدك، قال فجلدته الحدّ.
(2)
وفي «تنوير الأبصار» (ص 103): ويختار للفتوى.
(3)
قال الشافعي في «الأم» (1: 88) في (كتاب الصلاة): هو الذي لا يعقل ما يقول. وقال النووي في «المجموع» (2: 25) في (كتاب الطهارة): قال أصحابنا: السكر الناقض: هو الذي لا ييقى معه شعور دون أوائل النشوة.
(4)
أي لو ارتدّ السكران لم يصح ولم يحكم به. ينظر: «الدر المختار» (3: 165).
ونُزِعَ ثَوْبُه، وفُرِّقَ جلدُه.
باب حد القذف
مَن قذفَ محصناً: أي حُرَّاً مكلَّفاً مسلماً عفيفاً عن الزِّنا، بصريحِه، أو: بزنأتَ في الجبل،
أو: لست لأبيك، أو: لست بابنِ فلانٍ أبيه في غضب، أو: بيا ابن الزَّانية لمَن أمُّه ميْتٌ محصنةٌ حدَّ إن طَلَبَ هو، لا بلستَ بابن فلانٍ جدّه، أو بنسبة إليه، أو إلى خالِه، أو عمِّه أو رابِّه
(ونُزِعَ ثَوْبُه، وفُرِّقَ جلدُه): كما مرَّ
(1)
في الزِّنا
(2)
.
باب حد القذف
(مَن قذفَ محصناً: أي حُرَّاً مكلَّفاً مسلماً عفيفاً عن الزِّنا، بصريحِه، أو: بزنأتَ في الجبل): معناهُ: زنيتَ في الجبل، فإنَّه كما جاءَ ناقصاً جاءَ مهموزاً أيضاً.
وعند محمَّد رضي الله عنه: لا يحدّ؛ لأنَّ المهموزَ هو الصُّعود، أو مشترك، والشُّبهة دارئةٌ للحدّ.
قلنا: حالةُ الغضبِ تُرِجِّح ذلك.
(أو: لست لأبيك، أو: لست بابنِ فلانٍ أبيه في غضب): أي قال: لستُ بابنِ زيدٍ الذي هو أبو المقذوف.
فقولُهُ: أبيه؛ لفظُ المصنِّف رضي الله عنه لا لفظُ القاذف.
وقولُهُ: في غضب؛ يتعلَّقُ بالألفاظِ الثَّلاثة، ولست لأبيك في غيرِ الغضبِ يحتملُ المعاتبة.
(أو: بيا ابن الزَّانية لمَن أمُّه ميْتٌ محصنةٌ حدَّ إن طَلَبَ هو)، ليس المرادُ أن الطَّلبُ مقصورٌ على المخاطب، فإنَّه إن طلبَ أبوها حدّ أيضاً.
(لا بلستَ بابن فلانٍ جدّه
(3)
، أو بنسبة إليه
(4)
، أو إلى خالِه، أو عمِّه أو رابِّه):
(1)
زيادة من م.
(2)
ص 200).
(3)
أي قال: لست ابن فلان، وذكر اسم جدّه؛ لأنه صادق في نفيه. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 605).
(4)
أي قال: أنت ابن فلان وذكر اسم جدّه، أو خاله أو عمه أو رابّه؛ لأن كلاً منهم يسمّى أباً مجازاً. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 605).
وقوله: يا ابن ماءِ السَّماء، ويا نَبَطي لعربيّ، والطَّلبُ بقذفِ الميْتِ للوالد، والولد، وولدِه، ولو محروماً، ولا يطالبُ أحدٌ سيِّدَه وأباهُ بقذفِ أُمِّه. وليس فيه إرثٌ وعفوٌ واعتياضٌ عنه
أي زوجُ أمِّه، فالجدُّ أبٌ مجازاً، فلو نفى أبوتَه لا يحدّ، وكذا لو نسبَه إليه، وهكذا الخالُ والعمُّ والرَّابّ.
(وقوله: يا ابن ماءِ السَّماء
(1)
، ويا نَبَطي
(2)
لعربيّ): إذ لا يرادُ بهما نفي النَّسب، بل التَّشبيه فيما يوصفان به.
(والطَّلبُ بقذفِ الميْتِ للوالد، والولد، وولدِه، ولو محروماً)، هذا عندنا.
وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه، فحقُّ الطَّلبِ لكلِّ وارث، فإن حدَّ القذفِ يورَّثُ عنده.
وعندنا: لا، بل يثبتُ لمن يلحقُ به العارِ بنفي النَّسب.
وقولُهُ: وولدُهُ يشمل ولدَ البنتِ عندهما خلافاً لمحمَّد- رضي الله عنه.
وقولُهُ: ولو محروماً، كولدِ الولدِ مع وجودِ الولد، والكافر، والعبد، خلافاً لزُفر رضي الله عنه، وكالقاتل.
(ولا يطالبُ أحدٌ سيِّدَه وأباهُ بقذفِ أُمِّه
(4)
.
وليس فيه إرثٌ وعفوٌ
(5)
واعتياضٌ عنه): هذا عندنا.
وعند الشَّافِعِيِّ
(6)
رضي الله عنه يجري فيه الإرث، ونحوه؛ بناءً على أنَّ حقَّ العبدِ فيه غالب؛ بناءً على الأصلِ المشهور، وهو: إنَّ حقَّ العبدِ يغلبُ على حقِّ اللهِ تعالى إذا اجتمعا؛ لاحتياجِ العبد، واستغناءِ اللهِ تعالى.
(1)
فإن في ظاهره نفي كونه ابناً لأبيه وليس المراد ذلك، بل التشبيه في الجود والسماحة والصفا. ينظر:«درر الحكام» (2: 72).
(2)
نَبَطي: جمعه النَّبَط: جيل من الناس كان ينْزلون سواد العراق، ثم استعمل في أخلاط الناس وعوامّهم. ينظر:«المصباح» (2: 911).
(3)
ينظر: «التنبيه» (ص 149).
(4)
لأنهما لا يعاقبان بسببهما حتى سقط القصاص بقتلهما. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 289).
(5)
أي لو عفا المقذوف فلا حدّ لا لصحة العفو بل لترك الطلب حتى لو عاد وطلب حد. ينظر: «الدر المختار» (3: 173).
(6)
ينظر: «التنبيه» (ص 149).
فإن قال: يا زاني، فردَّهُ بلا بل أنت حُدَّا. ولو قال: لعرسِه يا زانية، فردَّتْ به حدَّتْ ولا لعان، وبزنيتُ بك هدراً، ولاعَن إن أقرَّ بولدٍ فنفى، وحدَّ إن عكس، والولدان له، ولا شيءَ بليس بابني، ولا بابنك، ولا حدَّ بقذفِ مَن لها وَلَدٌ لا أبَ له، أو لاعَنت بولد
ونحن نُغلِّبُ فيه حقَّ اللهِ تعالى؛ لأنَّ حقَّ العبدِ هو رفعُ العارِ راجعٌ إلى حقِّ اللهِ تعالى أيضاً؛ لأنَّ النِّسبةَ إلى الزِّنا إنِّما تكونُ سبباً للعار؛ لأنَّ اللهَ تعالى حرَّمَه.
(فإن قال: يا زاني، فردَّهُ بلا بل أنت حُدَّا.
ولو قال: لعرسِه (يا زانية)
(1)
، فردَّتْ به حدَّتْ ولا لعان)؛ لأنَّها قذفَت الزَّوج فتحدّ، وقذفُه إيَّاها لا يوجبُ الحدّ، بل اللِّعان، وهي لم تبقَ أهلاً للعان، ثُمَّ لا بُدَّ من تقديمِ الحدّ؛ (لأنَّه أقوى)
(2)
؛ لأنَّه إن قُدِمَ يسقطُ اللِّعان؛ لأنَّها لم تبقَ أهلاً له، وإن قُدِّمَ اللِّعان لا يسقطُ الحدّ، وإذا وَجَبَ تقديمُهُ يقدَّم، ويسقطُ اللِّعان.
(وبزنيتُ بك هدراً): أي قال: لزوجتِه يا زانية، فردَّت بقولِها: زنيتُ بك هدراً؛ لأنَّ قولَ المرأةِ:
يحتملُ أن يكونَ تصديقاً له: يعني زنيتُ بك قبل النِّكاح.
ويحتملُ أن يكونَ ردَّاً: يعني إن وُجِدَ منِّي زناً، فهو ليس إلاَّ تمكيني إيِّاك؛ لأني ما مكنتُ غيرَك، وتمكيني إيِّاك ليس بزنا، فلا يكونُ لها دعوى اللِّعان؛ لاحتمالِ المعنى الأَوَّل، ولا حدَّ عليها لاحتمال المعنى الثَّاني.
(ولاعَن إن أقرَّ بولدٍ فنفى، وحدَّ إن عكس)؛ لأنَّ النَّسبَ يثبتُ بإقرارِه، ثُمَّ بالنَّفي يصيرُ قاذفاً، فيجبُ اللِّعان، أمَّا إن نفاه، ثُمَّ أقرَّ به، فقد أكذبَ نفسَه، فيجبُ الحدّ، (والولدان له): أي وَلَدٌ أقرَّ به ثُمَّ نفاه، وولدٌ نفاه ثُمَّ أقرَّ به، يثبتُ نسبُهما لا إقرارُه.
(ولا شيءَ بليس بابني، ولا بابنك)
(3)
؛ لأنَّه نفي الولادة، ولا يجبُ به شيء.
(ولا حدَّ بقذفِ مَن لها وَلَدٌ لا أبَ له، أو لاعَنت بولد)، إنِّما قال: بولد؛ لأنَّها لو لاعَنت بدونِ الولد فبقذفِها يجبُ الحدّ، والفرقُ بينَهما أنَّه وُجِدَ في الأَوَّلِ إمارةُ الزِّنا، وهو الولدُ المنفي، ولم توجد بالثَّاني.
(1)
زيادة من أ و ب و س و م.
(2)
زيادة من أ و ب و س.
(3)
لأن النفي ليس بقذف لها بالزنا يقيناً لجواز أن يكون الولدُ من غيره بوطءٍ عن شبهة لا عن زنا بأن زوَّجت نفسها من غيره. ينظر: «التبيين» (3: 16).
ولا بقذفِ مَن وَطِئ حراماً لعينِه، كواطءٍ في غيرِ ملكٍ من كلِّ وجه، ومن وجهٍ كأمةٍ مشتركة، أو وطءِ مملوكةٍ حَرُمَتْ أبداً: كالأمةِ التي هي أختُهُ رضاعاً. ولا بقذفِ مَن زَنَت في كفرِها، ومكاتَبٍ ماتَ عن وفاء، وحدَّ بقذفٍ مَن وَطِئ حراماً لغيرِه كوطء عرسِه حائضاً، أو وطء مملوكةٍ حَرُمَت مؤقَّتةً: كأمةٍ مجوسيَّة، أو مكاتبة، كمجوسيٍّ نكحَ أُمَّه، فأسلم، ومستأمنٌ قذفَ مسلماً هنا، وكفى حدٌّ لجنايات إن اتَّحد جنسُها، فإن اختلفَ لا
(ولا بقذفِ مَن وَطِئ حراماً لعينِه، كواطءٍ في غيرِ ملكٍ من كلِّ وجه، ومن وجهٍ كأمةٍ مشتركة، أو وطءِ مملوكةٍ حَرُمَتْ أبداً: كالأمةِ التي هي أختُهُ رضاعاً
(1)
.
ولا بقذفِ مَن زَنَت في كفرِها، ومكاتَبٍ ماتَ عن وفاء): أي لا حدَّ بقذفِ مكاتَبٍ ماتَ وتركَ مالاً يفي ببدلِ الكتابة؛ لأنَّ الحدَّ إنِّما يجبُ بقذفِ الحرّ، وفي حريَّةِ هذا المكاتَبِ اختلافُ الصَّحابة
(2)
رضي الله عنهم.
(وحدَّ بقذفٍ مَن وَطِئ حراماً لغيرِه كوطء عرسِه حائضاً، أو وطء مملوكةٍ حَرُمَت مؤقَّتةً: كأمةٍ مجوسيَّة، أو مكاتبة)؛ فإن حرمةَ الأُولَى مؤقتةٌ إلى زمانِ الإسلام، والثَّانية إلى زمانِ العجز.
وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه وطء المكاتبةِ يسقطُ الإحصان.
(كمجوسيٍّ نكحَ أُمَّه، فأسلم، ومستأمنٌ قذفَ مسلماً هنا
(3)
): أي حدُّ بقذفِ مجوسيِّ كذا، وهذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه خلافاً لهما، فإنَّ عنده لنكاحِ المحارمِ حكمُ الصِّحَّةِ فيما بينهم خلافاً لهما.
وقوله: ومستأمنٌ؛ بالرَّفعِ عطفٌ على الضَّميرِ المستترِ في: حدّ.
(وكفى حدٌّ لجنايات إن اتَّحد جنسُها، فإن اختلفَ لا): هذا عندنا.
(1)
لفوات العفة وهي شرط الإحصان، ولأن القاذف صادق؛ لأن الزنا هو الوطء المحرم لعينه، وإن كان محرما لغيره يحد؛ لأنه ليس بزنا، فالوطء في غير الملك من كل وجه أو من وجه حرام لعينه، وكذا الوطء في الملك، والحرمة مؤبدة. ينظر:«الهداية» (2: 114).
(2)
قال بعضهم: مات حراً، وهو مذهب علي وابن مسعود رضي الله عنهم، وقال بعضهم: مات عبداً، وهو مذهب زيد بن ثابت. ينظر:«البناية» (5: 510).
(3)
أي في دار الإسلام؛ لأن فيه حق العبد، وقد التزم ايفاء حقوق العباد. ينظر:«درر الحكام» (2: 74).
فصل في التعزيز
أكثرُهُ تسعةٌ وثلاثونَ سوطاً، وأقلُّه ثلاث، وصحَّ حبسُهُ مع ضربِه، وضربُهُ أشدّ، ثُمَّ للزِّنا، ثُمَّ للشُّرب، ثُمَّ للقذف
وعند الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه إن اختلفَ المقذوف، أو المقذوفُ به، وهو الزِّنا، كما إذا قذفَ زيداً وعمراً، أو قذفَ زيداً بزنا ثُمَّ بزنا آخر لا يتداخل، أمَّا إذا قذفَ زيداً بزنا واحد، وكرَّر هذا القذفَ يتداخل، وهذا بناءً على أنَّ حقَّ العبدِ فيه غالبٌ عنده.
وأمَّا عندنا لمَّا كان حقُّ اللهِ تعالى غالباً يتداخلُ إذ المقصودُ الانزجار، أمَّا إذا اختلفت الجنايات، فالمقصودُ من كلِّ واحدٍ غيرُ مقصودٍ من الآخر، فلا يتداخل.
فصل في
(2)
التعزيز
وهو تأديبٌ دون الحدّ، وأصلُهُ من العزر، بمعنى الرَّدِّ والرَّدع، (أكثرُهُ تسعةٌ وثلاثونَ سوطاً، وأقلُّه ثلاث): لأنَّ التَّعزيرَ ينبغي أن لا يبلغَ الحدّ، وأقلُّ الحدِّ أربعون، وهي حدُّ العبدِ في القذف والشُّرب، وأبو يوسف رضي الله عنه اعتبرَ حدَّ الأحرار، وهوثمانون، ونقصَ عنها سوطاً في رواية، وخمسة في رواية.
(وصحَّ حبسُهُ مع ضربِه، وضربُهُ أشدّ
(3)
، ثُمَّ للزِّنا
(4)
، ثُمَّ للشُّرب، ثُمَّ للقذف): قالوا: ليحصلَ الانْزجار بالتَّعزير، وحدُّ الزِّنا ثابتٌ بالنَّص، وحدُّ الشَّرب ثَبَتَ بإجماع الصَّحابة رضي الله عنهم، وسببُهُ متيقَّن، وسببُ حدِّ القذفِ محتمل؛ لاحتمالِ الصَّدق.
أقول: حدُّ القذفِ ثابتٌ بالنّص، وهو قوله تعالى:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}
(5)
(1)
في كتب الشافعية: لا يتكرر الحد بتكرر القذف ولو صرح فيه بزنا آخر، أو قصد به الاستئناف، أو غاير بين الألفاظ لاتحاد المقذوف، وإن قذفه فحد ثم قذفه ثانياً بذلك الزنا عزر. ينظر:«التنبيه» (ص 149)، و «أسنى المطالب» (3: 382)، و «فتوحات الوهاب» (4: 431)، وغيرها.
(2)
زيادة من ف و ق.
(3)
أي ضرب التعزيز أشد من ضرب الحدود؛ لأن ضرب التعزير خفِّف من الكمية فلا يخفَّف من حيث الكيفية؛ لئلا يؤدّي إلى فوت المقصود الذي هو الزجر بالكلية. ينظر: «فتح باب العناية» (3: 223).
(4)
أي ضرب الزنا أشد من الباقي
…
(5)
من سورة النور، الآية (4).
وعزِّر بقذفِ مملوك، أو كافرٍ بزنا، وبقذف مسلم بيا فاسق، يا كافر، يا خبيث، يا سارق، يا فاجر، يا مخنَّث، يا خائن، يا لوطي، يا زنديق، يا لصّ، يا ديُّوث، يا قَرطبان، يا شارب الخمر، يا آكل الرِّبا، يا ابنَ القَحبة، يا ابنَ الفاجرة، أنت تأوي اللُّصوص، أنت تأوي الزَّواني، يا مَن يلعبُ بالصِّبيان، يا حرام زاده، لا بيا حمار، يا خِنْزير، يا كلب، يا تيس، يا قرد، يا حجَّام، يا ابنُهُ وأبوه ليس كذلك، يا مؤاجِر، يا بغَّا، يا ناكَس، يا ضُحْكَة، يا سُخْرة. ومَن حدَّ أو عزِّر فماتَ هُدِرَ دَمُه. ولو عَزَّرَ زوجٌ عرسَه لا
وحدُّ الشُّربِ قيسَ على حدِّ القذف
(1)
.
(وعزِّر بقذفِ مملوك، أو كافرٍ بزنا، وبقذف مسلم بيا فاسق، يا كافر
(2)
، يا خبيث، يا سارق، يا فاجر، يا مخنَّث، يا خائن، يا لوطي، يا زنديق، يا لصّ، يا ديُّوث، يا قَرطبان
(3)
، يا شارب الخمر، يا آكل الرِّبا، يا ابنَ القَحبة، يا ابنَ الفاجرة، أنت تأوي اللُّصوص، أنت تأوي الزَّواني، يا مَن يلعبُ بالصِّبيان، يا حرام زاده، لا بيا حمار، يا خِنْزير، يا كلب، يا تيس، يا قرد، يا حجَّام، يا ابنُهُ وأبوه ليس كذلك، يا مؤاجِر، يا بغَّا، يا ناكَس، يا ضُحْكَة، يا سُخْرة.
ومَن حدَّ أو عزِّر فماتَ هُدِرَ دَمُه.
ولو عَزَّرَ زوجٌ عرسَه لا)
(4)
.
(1)
ردّ ملا خسرو في «درر الحكام» (2: 75)، وابن كمال باشا في «الايضاح» (ق 80/أ)، واللكنوي في «عمدة الرعاية» (2: 309) على اعتراض الشارح، فقال ملا خسرو: جناية الشرب مقطوع بها وجناية القذف لا؛ لاحتمال كون القاذف صادقاً في قذفه وعجزه عن إقامة البينة لا يدل على كذبه لاحتمال غيبة شهوده أو أبائهم عن أدائها؛ ولأن شارب الخمر قلَّما يخلو عن القذف فيصير كل شارب جامعاً بين الشرب والقذف فيتحقق منه جنايتان ومن القاذف جناية واحدة؛ فلهذا كان ضربه أخف من ضرب الشارب وإن كان منصوصاً عليه، فاضمحل ما قال صدر الشريعة؛ لأن حدّ الشرب لم يثبت بالقياس، بل بإجماع الصحابة، غايته: أن سندَ الإجماع هو القياس، وقد تقرر في الأصول أن الحكم يستند إلى الإجماع لا بسنده. اهـ.
(2)
وهل يكفر باطلاق الكفر على المسلم، المختار: إنه إن أراد الشتم لا يكفر، وإن اعتقد دينه كفراً كفر؛ لأن اعتقاد دين الإسلام كفراً كفر. كذا في «الذخيرة». ينظر:«العمدة» (2: 309).
(3)
الدّيُّوث والقرطبان: هو الذي يرى مع امرأته أو مع محرمه رجلاً أجنبياً فيدعه خالياً بها. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 143/أ).
(4)
أي عزّر زوجه لترك الزينة أو لترك الإجابة إذا دعاها إلى فراشه أو ترك الصلاة أو ترك الغسل من الجنابة، أو للخروج من البيت فماتت فإن دمها لا يكون هدر، وتجب عليه الدية. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 160).
....................................................................................................................
قيل: القَحبةُ مَن يكونُ لها همَّة الزِّنا، فلا يحدّ.
أقول: القَحبةُ في العرفِ أفحشُ من الزَّانية، لأن الزَّانية قد تفعلُ سرَّاً وتأنف منه، والقَحبة مَن تجاهرُ به بالأجرة.
والفاجرة تكون بكلِّ معصيَّةٍ فلا حدّ به.
ولفظ؛ حرامٌ زاده؛ معناهُ المتولِّدُ من الوطءِ الحرام، وهو أعمُّ من الزِّنا كالواطءِ حالةَ الحيض، لكن في العرفِ لا يرادُ ذلك، بل يرادُ وَلَدُ الزِّنا، وكثيراً ما يرادُ به بالجُرْبُزَ الخِبّ
(1)
، فلهذا لا يجبُ الحدّ.
والمُؤاجِرُ: يستعملُ فيمَن يؤاجِرُ أهلَه للزِّنا، لكن معناهُ الحقيقي المتعارف، لا يؤذن بالزِّنا، يقال: أجَّرتُ الأجيرَ مؤاجرة، إذا جعلَتْ له على فعلِهِ أجرة.
ولفظ بَغَّا: من شتمِ العوام، يتفهوَّهون به، ولا يعرفونُ ما يقولون.
والضُّحْكَةُ بوزنِ الصُّفْرةِ: مَن يَضْحَكُ عليه النَّاس، وبوزنِ الهَمْزة: مَن يَضْحَكُ على النَّاس، وكذا السُّخْرَةُ ونحوه.
واعلم أنّ الألفاظَ الدَّالةَ على القبائحِ لا تعدُّ ولا تحصى، فالواجب أن يُذْكَرَ لها ضابطٌ يعرفُ به أحكامُ جميعها.
فأقول: قد عرفت أن نسبةَ المحصنِ إلى الزِّنا توجبُ حدَّ القذف، فنسبةُ غيرِ المحصنِ كالعبد والكافر إليه لا توجبُ الحدَّ؛ لانحطاطِ درجتِهما، بل توجِبُ التَّعزير؛ لإشاعةِ الفاحشة.
ونسبةُ المحصنِ إلى غيرِ الزِّنا لا توجبُ حدَّ القذف، فهل توجبُ التَّعزير أم لا؟
فإن نسبَه إلى فعلٍ اختياري يحرمُ في الشَّرع، ويعدُّ عاراً في العرف، يجبُ التَّعزير، وإلاَّ لا إلاَّ أن يكونَ تحقيراً للأشراف.
وإنِّما قلنا: إلى فعلٍ اختياري؛ احترازاً عن الأمورِ الخِلْقيَّة، فلا تعزيرَ في: يا حمار؛ لأنَّ معناهُ الحقيقي غيرُ مراد، بل معناهُ المجازي، كالبليدِ مثلاً، وهو أمرٌ خِلْقي، وكذا: القردُ: يرادُ به قبيحُ الصُّورة، والكلبُ: يرادُ به سيءُ الخلق، إلاَّ أنَّ يقالَ لإنسانٍ شريفٍ النَّفسِ كعالم، أو علويّ، أو رجلٍ صالح، فإنِّهم أهلُ الإكرام، فيعزَّرُ بإهانتهم
(1)
الجُرْبُز الخِبّ: الخداع اللئيم. ينظر: «العمدة» (2: 311).
...............................................................................................................
بخلاف الأرذال إذ يتفوَّهون بأمثالِ هذه الكلماتِ كثيراً، ولا يبالون من أن يقالَ لهم.
وإنِّما قلنا: يحرمُ في الشَّرع؛ احترازاً عن أفعال اختياريَّةٍ لا تحرمُ في الشَّرعِ مع أنَّه يعدُّ عاراً في العرف، كالحجَّام ونحوه، يرادُ به دنيءُ الهِمَّة، وكذلك بالفارسيَّة يا ناكَس: إن قيلَ للأشراف عزِّر، ولغيرهم لا، ألاَّ ترى أن السُّوقيَّة، لا يبالونَ بأفعالٍ فيها الخسَّةُ والدَّناءة.
وإنِّما قلنا: يعدُّ عاراً في العرف؛ احترازاً عن أفعالٍ اختياريَّةٍ تحرمُ شرعاً، ولا يعدّ عاراً في العرف، كلعبِ النَّردّ
(1)
، والغناء
(2)
، وأعمالِ الدِّيوان في زماننا
(3)
.
ثُمَّ كيفيَّةُ التَّعزيرِ وكميَّتُهُ يفوَّضانِ إلى رأي الإمامِ فيُراعى عِظَمَ الجنايةِ وصغرَها، وحالَ القائلِ والمقولِ فيه
(4)
. (والله أعلم)
(5)
.
* * *
(1)
النرد: فص أو فصوص من نحو عظم أو خشب فيها نقط تطرح على لوح فيه بيوت لكل نقطة بيت يعرف بها كيفية اللعب. ينظر: «الفتاوى الفقهية الكبرى» (4: 352).
(2)
قال اللكنوي في «عمدة الرعاية» (2: 313): والحقّ أنه لا وجه لحرمة الغناء مطلقاً، بل هو حرام إذا اقترن به غيره من الحرمات كالآلات اللهو من الطبل وغيرها مما يضرب عند الغناء إلا الدف، فإن المعازف أي المزامير كلها حرام إلا الدف، بذلك وردت الأخبار، ولا عبرة لقول من حرم الدف أيضاً، أو مطلق الغناء، وكذا لا عبرة لقول من أباح جميع المزامير كائناً مَن كان فانه لا قول لأحد بعد ورود الأحاديث الصحيحة الدالة على حرمة جميع المزامير إلا الدف. اهـ. وللعلامة عبد الغني النابلسي رسالة في المسألة مسمَّاة بـ «إيضاح الدلالات في سماع الآلات» ، لطيفة في بابها.
(3)
لأن هذه الاعمال في أزماننا لا تخلو عن ظلم وإتلاف حقوق وإفساد ونحو ذلك من الأمور المحرمة شرعاً بخلاف الأزمنة السابقة فان تلك الاعمال كانت فيها صالحة. ينظر: «العمدة» (2: 313).
(4)
أي إن كان القاذف ذا مروءة وعظ، وإن كان دون ذلك حبس، وإن كان شتاماً ضرب وحبس، وكذا المقذوف إذ كان من العلماء والسادات والأبرار يعزر بقذفهم كل واحد من الأشرار. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 190).
(5)
زيادة من ف.
كتاب السرقة
ركنُها: الأخذُ خُفْية. ومحلها: مالٌ محرزٌ مملوك، وهو شرط، ونصابُها: قدرُ عشرةِ دراهمَ مضروبة، وحكمُها: القطع. فإن سرقَ مكلَّفٌ حرٌّ أو عبدٌ قدرَ النِّصاب محرزاً بلا شُبْهة، بمكانٍ: كبيت، أو صندوق، أو بحافظ كجالسٍ في طريق أو مسجدٍ عندَهُ ماله، وأقرَّ بها مرَّة
كتاب السرقة
(1)
(ركنُها: الأخذُ خُفْية.
ومحلها: مالٌ محرزٌ مملوك، وهو شرط)؛ فإنَّ محلَّ الفعلِ شرطٌ للفعلِ لكونِه خارجاً عنه محتاجاً إليه.
(ونصابُها: قدرُ عشرةِ دراهمَ مضروبة).
اعلم أن المالَ المذكورَ مقدَّرٌ بالنِّصاب، وهو مقدارُ عشرةِ دراهمَ مضروبةٍ من فضة
(2)
.
وعند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه ربعُ دينارِ ذهب.
وعند مالكٍ
(4)
رضي الله عنه ثلاثهة دراهم.
(وحكمُها: القطع.
فإن سرقَ مكلَّفٌ حرٌّ أو عبدٌ قدرَ النِّصاب محرزاً بلا شُبْهة)، احترازٌ عمَّا يكونُ في الحرز شبهة، كما إذا سرقَ من بيتِ ذي رحمٍ محرم، (بمكانٍ: كبيت، أو صندوق، أو بحافظ كجالسٍ في طريق أو مسجدٍ عندَهُ ماله
(5)
، وأقرَّ بها مرَّة)، هذا
(1)
السرقة: هي أخذ مال الغير على سبيل الخفية والاستسرار ابتداءً وانتهاءً. ينظر: «المحيط» (ص 279).
(2)
4.116 غم الدرهم ×10= 21.16 غم.
(3)
ينظر: «الأم» (6: 158)، و «المنهاج» (4: 158)، و «الغرر البهية» (5: 90)، وغيرها.
(4)
ينظر: «المدونة» (4: 534)، و «المنتقى شرح الموطأ» (7: 156)، و «الفواكه الدواني» (2: 214)، وغيرها.
(5)
في ج و ق: مال. أي الجالس عند ماله في الطريق أو في المسجد.
أو شهدَ رجلان، وسألَهما الأمامُ كيف هي؟ وما هي؟ ومتى؟ وأين هي؟ وكم هي؟ وممَّن سرق؟ فإن بيَّناها قطع، فإن شاركَ جمعٌ فيها، وأصاب كلاً، قدرَ نصابٍ قطعوا، وإن أخذَ بعضُهم
عند أبي حنيفة رضي الله عنه ومحمَّد رضي الله عنه، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه لا بدَّ أن يقرَّ مرَّتين قياساً على الزِّنا، فإنَّ كلَّ إقرارٍ بمثابةِ شاهدٍ واحد.
قلنا: إنِّما يشترطُ الأربعةُ في الزِّنا بالنَّصِّ على خلافِ القياس، وفيما سواهُ بقيَ على الأصل، وهو أن المرءَ مؤاخذٌ
(1)
بإقرارِه.
(أو شهدَ رجلان، وسألَهما الأمامُ كيف هي؟ وما هي؟ ومتى؟ وأين هي؟ وكم هي؟ وممَّن سرق؟ فإن
(2)
بيَّناها قطع)
(3)
.
سألَ عمَّا هي؟ لأنَّه ربِّما يتوَّهم أنَّه لا يحتاجُ إلى الخفية، كما في السِّرقة الكبرى: أي قطعِ الطَّريق.
وعن كيف كانت هذه السَّرقة؟ ليعلمَ أنَّه أخرجَ أو ناولَ مَن هو خارج.
وعن متى كانت؟ ليعلم أنَّها متقادمةٌ أم لا.
وعن أين كانت؟ أي في دارِ الإسلام أو دار الحرب.
وكم هي ترجعُ إلى السَّرقة؟ والمرادُ المسروقُ قيسألُ عن الكميَّة؛ ليعلمَ أنّ المسروقَ كان نصاباً أم لا.
وممَّن سرق؟ ليعلم أنَّه من ذي رحمٍ محرمٍ أم لا.
(فإن شاركَ جمعٌ فيها، وأصاب كلاً): أي كلُّ واحد، (قدرَ نصابٍ قطعوا، وإن أخذَ بعضُهم)
(4)
: أي مع أنَّ الأخذَ
(5)
صدرَ
(6)
من بعضِهم فقط.
(1)
في س: وأخد، وفي م: مؤخذ.
(2)
في أ و ب و ت و ج و س و ص و ف و ق: و.
(3)
أي الشاهدان، أما المقرُّ فيسأل عن الكل إلا الزمان؛ لأن التقادم لا يمنع الإقرار. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 615).
(4)
أي سواء خرجوا معه، أو بعده في فوره، أو خرج هو بعدهم في فورهم. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 241).
(5)
العبارة في ف: أي وإن كان الأخذ.
(6)
في العبارة في م: أنه صدر الأخذ.
[باب ما يقطع به وما لا يقطع]
وقطعَ بالسَّاج، والقنا، والآبنوس، والصَّندل، والفُصُوص الخضر، والياقوت، والزَّبَرْجَد، واللؤلؤ، والإناء والباب متخذين من خشب، لا بتافِهٍ يوجدُ مباحاً في دارنا: كخشب، وحشيش، وقصب، وسمك، وصيد، وزِرْنِيخ، ومَغَرَة، ونُورة، ولا بما يفسدُ سريعاً، كلبن، ولحم، وفاكهةٍ رطبة
[باب ما يقطع به وما لا يقطع]
(وقطعَ
(1)
بالسَّاج
(2)
، والقنا
(3)
، والآبنوس
(4)
، والصَّندل
(5)
، والفُصُوص الخضر
(6)
، والياقوت، والزَّبَرْجَد، واللؤلؤ
(7)
، والإناء والباب متخذين
(8)
من خشب
(9)
)؛ إنِّما عدَّت هذه الأشياء؛ لأنَّها من جنسِ الخشب، والحجرِ المباحينِ في الصحاري والجبال، فيتوَّهم أنَّه
(10)
لا قطعَ فيها.
(لا بتافِهٍ يوجدُ مباحاً في دارنا: كخشب، وحشيش، وقصب، وسمك، وصيد، وزِرْنِيخ
(11)
، ومَغَرَة
(12)
، ونُورة، ولا بما يفسدُ سريعاً، كلبن، ولحم،
وفاكهةٍ رطبة
(1)
في م: قطع.
(2)
السَّاج: شجرٌ يعظم جداً، قالوا ولا ينبت إلا ببلاد الهند. ينظر:«المغرب» (ص 237).
(3)
القنا: جمع قناة، وهي خشبة الرمح. ينظر:«البناية» (ص 5: 554).
(4)
الآبنوس: شجر كقطعة حجر على رأسه نبت أخضر وخشبه صلب جداً لا يقف على الماء بل يرسب وهو أشبه خشب بالحجر. ينظر: «عجائب المخلوقات» (2: 4).
(5)
الصندل: شجر طيب الرائحة معروف. ينظر: «المصباح» (ص 336).
(6)
الفُصُوص: جمع فصّ الخاتم، والتقييد بالخضر اتفاقي، فإن الحكم متحدّ في جميع الألوان. ينظر:«العمدة» (2: 317).
(7)
لأنها من أعزّ الأموال وأنفسها ولا توجد مباحة الأصل بصورتها في دار الإسلام غير مرغوب فيها فصارت كالذهب والفضة. ينظر: «الهداية» (2: 121).
(8)
في م: المتخذين.
(9)
في س و م: الخشب.
(10)
في أ و ص و ف: ان.
(11)
الزِّرنيخ: حجر معروف، وله أنواع كثيرة، منه: أبيض، وأحمر، وأصفر. ينظر:«تاج العروس» (7: 263).
(12)
مَغَرَة: طين أحمر. ينظر: «المصباح» (ص 576).
وتمرٍ على شجر، وبطيخ، وزرعٍ لم يحصد، ولا في أشربةِ مطربة، وآلاتِ لهو، وصليبٍ من ذهب، أو فضة، أو شطرنج، ونرد
وفاكهةٍ رطبة وتمرٍ
(1)
على شجر، وبطيخ): هذا عند أبي حنيفة ومحمَّد رضي الله عنهم.
وأمَّا عند أبي يوسف رضي الله عنه يُقْطَعُ في كلِّ شيءٍ إلاَّ في الطِّين، والتُّراب، والسِّرقين.
وعند الشَّافِعيِّ
(2)
رضي الله عنه لا يمنعُ القطعُ كون الشَّيءِ مباحَ الأصلِ كالحطب، ولا كونُه رطباً، كالفواكِه، ولا كونُه متعرِّضاً
(3)
للفسادِ كالمرقة.
ولنا: قول عائشةَ رضي الله عنه: «كانت اليدُ لا تقطعُ في عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشَّيءِ التَّافه»
(4)
أي الحقير.
وقولُهُ صلى الله عليه وسلم: «لا قطعَ في الطَّير»
(5)
.
وقولَهُ صلى الله عليه وسلم: «لا قطعَ في ثمرٍ ولا شجر»
(6)
.
(وزرعٍ لم يحصد)؛ لعدمِ الحرز.
(ولا في أشربةِ مطربة، وآلاتِ لهو، وصليبٍ من ذهب، أو فضة، أو شطرنج، ونرد)؛ لأنَّه يقولُ أخذتُه للإراقةِ والكسر.
(1)
في ت و ج و ق: ثمر.
(2)
ينظر: «الغرر البهية» (5: 90)، و «مغني المحتاج» (4: 162)، وغيرهما.
(3)
في م: معترضا.
(4)
في «مسند أبي عوانة» (4: 114)، و «سنن البيهقي الكبرى» (8: 255)، ورجَّح البيهقي أنه من كلام عروة، و «مصنف ابن أبي شيبة» (5: 476)، و «مسند ابن راهويه» (2: 231)، و «شعب الإيمان» (1: 267)، وينظر:«تلخيص الحبير» (3: 74)، و «نصب الراية» (3: 360)، وغيرها.
(5)
في «مصنف ابن أبي شيبة» (5: 522): عن يزيد بن خصيفة، قال: أتي عمر بن عبد العزيز برجل سرق طيراً فاستفتى في ذلك السائب بن يزيد فقال: ما رأيت أحداً قطع في الطير وما عليه في ذلك قطع فتركه عمر بن عبد العزيز ولم يقطعه. وفي «سنن البيهقي الكبير» (8: 263): عن أبي الدرداء، قال: ليس على سارق الحمام قطع. وهذا إنما أراد في الطير والحمام المرسلة في غير حرز. وينظر: «الدراية» (2: 109).
(6)
عن رافع بن خديج في «موطأ مالك» (2: 831)، و «سنن الترمذي» (4: 52)، و «سنن ابن ماجه» (5: 865)، و «صحيح ابن حبان» (1: 317)، و «المنتقى» (1: 201)، و «سنن الدارمي» (2: 228)، وغيرها، وينظر:«الدراية» (2: 109)، و «خلاصة البدر» (2: 312)، وغيرهما.
وبابُ مسجد ومصحف، وصبيٍّ حرّ، ولو محلَّيَيْن، وعبدٌ ودفترٌ إلاَّ الصَّغير، ودفترُ الحساب، ولا في كلب، وفهد، وخيانة، وخَلْس، ونَهْب، ونَبْش، ومالِ عامَّة، ومالٍ له فيه شركة، ومثل حقِّه حالاً، أو مؤجلاً، ولو بمزيد
(وبابُ مسجد)
(1)
؛ لعدمِ الإحرازِ خلافاً للشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه، (ومصحف)؛ لأنَّه يقولُ أخذتُهُ للقراءة خلافاً لأبي يوسف والشَّافِعِيّ
(3)
رضي الله عنهم، (وصبيٍّ حرّ)؛ لأنَّه ليس بمال، (ولو محلَّيَيْن)، يرجعُ إلى المصحف والصَّبيّ، فإن الحِليةَ تبعٌ.
وعند أبي يوسف رضي الله عنه إن بلغَتْ الحليةُ النِّصابَ يقطع.
(وعبدٌ ودفترٌ
(4)
إلاَّ الصَّغير، ودفترُ الحساب)؛ لأنَّ أخذَ العبدَ الكبيرِ يكونُ غصباً أو
(5)
خداعاً لا سرقة، والمقصودُ من الدَّفتر ما فيه، وهو ليس بمال، وأما دفترُ الحساب فالمقصودُ منه المال، وهو لا يسرقُ لفائدةٍ غيرَ ماليَّة.
(ولا في كلب، وفهد، وخيانة
(6)
، وخَلْس
(7)
، ونَهْب
(8)
، ونَبْش، ومالِ عامَّة)، كمالِ بيتٍ المال.
(ومالٍ له فيه شركة، ومثل حقِّه حالاً، أو مؤجلاً): أي إن كان له على آخرَ دراهمَ سواءٌ كانت حالّة، أو مؤجَّلة فسَرَقَ مثلَها، (ولو بمزيد)؛ لأنَّه بمقدارِ حقَّه يصيرُ شريكاً فيه
(9)
.
(1)
وكذا سارق باب كل دار، وسارق نعال المصلين من المسجد، وأستار الكعبة. ينظر:«البحر» (5: 59)، و «العمدة» (2: 319).
(2)
ينظر: «المنهاج» (4: 163)، وشرحه «تحفة المحتاج» (9: 133)، وغيرهما.
(3)
في «حاشيتا قليوبي وعميرة» (4: 187) يعتبر القطع في المصحف إذا بلغت قيمته ربع دينار ذهب، وفي «تحفة المحتاج» (9: 132)، و «التجريد لنفع العبيد» (4: 220)، و «فتوحات الوهاب» (5: 141): لا قطع بسرقة مصحف وقف للقراءة في المسجد.
(4)
أي سواء كان فيه علم الشريعة أو الشعر أو اللغة؛ لأن المقصود من دفاتر هذه الأشياء ما فيها، وهو ليس بمال. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 244).
(5)
في م: و.
(6)
خيانة: وهي أن يخون المودع فيما في يده من الشيء المأمون. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 319).
(7)
خَلْس: وهو أن يأخذ من اليد بسرعة جهراً. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 618).
(8)
نَهْب: وهو أن يأخذ على وجه العلانية قهراً من ظاهر بلدة أو قرية. ينظر: «درر الحكام» (2: 80).
(9)
زيادة من أ.
وما قُطِعَ فيه، وهو بحاله، وإن تغيَّرَ فسرقَ قُطِعَ ثانياً، كغزلٍ قُطِع فيه، فنُسِجَ فسرق. ولا إن سرقَ من ذي رحمٍ محرمٍ منه، وبخلاف ماله من بيتِ غيرِه، ومالِ مرضعِتِه
(وما قُطِعَ فيه، وهو بحاله): أي لا يقطعُ بسرقةِ شيءٍ قطعَ فيه مرَّة، ثُمَّ وصلَ إلى مالكِه، ثُمَّ سرقَهُ والحالُ أنَّه لم يتغيَّر عن حالِه، وهذا عندنا.
وأمَّا عند أبي يوسفَ والشَّافِعِيِّ رحمه الله تقطع؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوه»
(1)
.
ولنا: إن عصمةَ المسروقِ قد سقطتَ على ما يأتي في مسألة: القطعِ مع الضَّمان
(2)
، ثُمَّ إذا عادَ المسروقُ إلى مالكِه، فالعصمةُ وإن عادَتْ فشبهةُ سقوطِها أَسْقَطَت القطع.
وقولُهُ صلى الله عليه وسلم: «فَإنْ عَادَ» : أي إلى السَّرقة لا إلى المسروق، لئلا يعارضَ دليلَ سقوطِ العصمةِ علا أنَّه مطعون، طعنَهُ الطَّحَاوِي
(3)
رضي الله عنه.
(وإن تغيَّرَ فسرقَ قُطِعَ ثانياً، كغزلٍ قُطِع فيه، فنُسِجَ فسرق
(4)
.
ولا إن سرقَ من ذي رحمٍ محرمٍ منه)، سواءٌ كان المالُ ماله، أو مالُ أجنبيٍّ للشُّبهة في الحرز، (وبخلاف ماله من بيتِ غيرِه)؛ فإنه إذا سرق مال ذي رحم محرم من بيت أجنبيٍّ يقطع؛ لوجود الحرز.
(ومالِ مرضعِتِه
(5)
): سواءٌ سُرِقَ من بيتِها، أو من بيتِ غيرها، فإنَّه يُقْطِعُ خلافاً لأبي يوسف رضي الله عنه؛ لأنَّ الرِّضاعَ قلَّما يشتهر فلا انبساط، ولا يكفي الإذنُ بالدُّخُول شرعاً، فإنَّه متحقِّقٌ في الأختِ رضاعاً مع أنَّه يقطع.
(1)
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سرق السارق فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجلَه، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله) في «سنن الدارقطني» (3: 181)، قال الزيلعي في «نصب الراية» (3: 3: 368،372) فيه سنده الواقدي، وفيه مقال.
(2)
ص 235).
(3)
بقوله: قد تتبعنا هذه الآثار فلم نجد لشيء منها أصلا. ينظر: «المبسوط» (9: 167)، و «البناية» (5: 589).
(4)
لأنه صار بالتغيير كعين أخرى حتى تبدل اسمه ويملكه الغاصب به، وكذا في كل عين فرد على المالك فأحدث فيه صنعة لو أحدثه الغاصب في المغصوب انقطع حق المالك. ينظر:«جامع الرموز» (2: 304).
(5)
في ب و س و م: مرضعة.
ولا من زوجٍ وعرس ولو من حرزٍ خاص له، ولا من سيِّدِه أو عرسِه، أو زوجِ سيِّدتِه، ولا من مكاتَبِه، ومضيِّفِه، ومَغْنَم، وحمام، وبيتٍ أُذنِ في دخولِه، أو سرقَ شيئاً ولم يخرجْهُ من الدَّار، أو دخلَ بيتاً وناولَ مَن هو خارج
(ولا من زوجٍ وعرس ولو من حرزٍ خاص له)؛ إنِّما قال هذا؛ لأنَّ فيه خلافَ الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه.
(ولا من سيِّدِه أو عرسِه، أو زوجِ سيِّدتِه، ولا من مكاتَبِه، ومضيِّفِه
(2)
، ومَغْنَم
(3)
، وحمام، وبيتٍ أُذنِ في دخولِه)؛ فإن كان الإذنُ نهاراً، فسرقَ ليلاً يقطع.
واعلم أنَّ الحرزَ بالحافظِ لا اعتبارَ له عند وجودِ الحرزِ بالمكان، فإذا سُرِقَ في الحمامِ شيءٌ، وله حافظٌ فلا قطع؛ لأنَّ الحمامَ حرز، وقد أختلَ الحرز
(4)
بالأذن بالدُّخول، ولا اعتبارَ بالحافظِ فيه، فلا قطعَ بخلافِ الحافظِ في المسجد، فإنَّ المسجدَ ليس بحرز، فاعتبرَ الحافظ.
(أو سرقَ شيئاً ولم يخرجْهُ من الدَّار، أو دخلَ بيتاً وناولَ مَن هو خارج)
(5)
، هذا عندنا، وأمَّا عند أبي يوسف والشَّافِعِيِّ
(6)
رضي الله عنهم إن أخرجَ يدَه، وناولَ غيرَهُ فعليه القطع، وإن أدخلَ الآخرُ يدَه، وناول فأخذَهُ فعليه القطع. وفي «الذَّخيرة»
(7)
: إن وضعَ
(1)
ينظر: «تحفة المحتاج» (9: 131)، و «مغني المحتاج» (4: 162)، وغيرهما.
(2)
يشمل ما إذا سرق من البيت الذي أضافه فيه، أو من غيره من تلك الدار التي أذن له في دخولها، وهو مقفل أو في صندوق مقفل؛ لأن الدار مع جميع بيوتها حرز واحد، فبالإذن في الدار اختل الحرز فيكون فعله خيانة لا سرقة. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 681).
(3)
للشبهة؛ لأن له فيه نصيباً.
(4)
زيادة من ف.
(5)
إذ لا قطع عليهما؛ لأن الأول لم يخرج لاعتراض يد معتبرة على المال قبل خروجه، والثاني لم يهتك الحرز فلم تتم السرقة من كل واحد. ينظر:«درر الحكام» (2: 81).
(6)
ينظر: «التجريد لنفع العبيد» (4: 224)، و «مغني المحتاج» (4: 172)، و «فتوحات الوهاب» (5: 148)، والتفصيل المذكور في «الذخيرة» موجود في كتب الشافعية.
(7)
الذخيرة البرهانية» (ق 198/ب).
أو نقب بيتاً فأدخلَ يدَهُ فيه، وأخذ شيئاً، أو طَرَّ صُرَّةً خارجةً من كمِّ غيرِه
فيما بين الدَّاخلِ والخارج، فأخذَ الآخر، ففي روايةٍ: لا يقطع، وفي رواية: يقطع يدهما.
(أو نقب بيتاً فأدخلَ يدَهُ فيه، وأخذ شيئاً): هذا عندنا، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه يقطعُ كما في الصُّندوق.
قلنا: ليس بهتك حرزٍ على الكمال بخلافِ الصُّندوق؛ لأنَّ الممكنَ ليس إلاَّ هذا
(1)
.
(أو طَرَّ
(2)
صُرَّةً خارجةً من كمِّ غيرِه)، هذا يشملُ ما إذا كانت الصُّرَّةُ غيرَ الكمّ، أو نفسَ الكمّ بأن جعلَ الدَّراهم في الكمِّ وربطَها من خارج، فبقي موضعُ الدَّراهم ـ وهو شيءٌ من الكمِّ ـ خارجُ ما في الكمّ، فإذا طَرَّ لا يجبُ القطع.
واعلم أنَّه إذا كانت الصُّرَّةُ نفسَ الكمِّ يأتي بأربع صور؛ لأنَّه إمِّا أن جعلَ الدَّراهمَ في داخلِ الكمّ والرِّباط من خارج، أو جعلَها على خارجِ الكمّ والرِّباط من داخل.
وعلى التَّقديرينِ إمِّا أن طرَّ أو حلَّ الرِّباط:
فإن طرَّ والرِّباطُ من خارجٍ فلا قطع، وهو ما مرّ قبل التَّقسيم.
وإن طرَّ والرِّباط من داخل، وذلك بأن يدخلَ يدَهُ في الكمّ، فيقطعُ موضعَ الدَّراهم، فيخرجَ الدَّراهم مع الطَّرف، فأخذَ الدَّراهمَ من الكمّ، فيقطعُ للأخذِ من الحرز.
وإن حلَّ الرِّباط، وهو خارجٌ قطع؛ لأنَّه إذا حلَّ الرِّباط يبقي الدَّراهمُ في الكمّ، فلا بُدَّ أن يدخلَ يدَهُ في الكمّ، فيأخذَ الدَّراهم.
وإن حلَّ الرِّباط وهو داخلٌ لا يقطع؛ لأنَّه أدخلَ يدَهُ في الكمِّ فحلَّ الرِّباط، فيبقى الدَّراهم خارجَ الكمّ، فأخذها من خارج.
وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه يقطعُ في الوجوهِ كلِّها؛ لأنَّ الكمَّ حرز.
(1)
أي هتك الحرز على سبيل الكمال شرط؛ لأن به تتكامل الجناية، ولا يتكامل الهتك فيما يتصوَّر فيه الدخولُ إلا بالدخول ولم يوجد، بخلاف الأخذ من الصندوق؛ لأنّ هتكها بالدخول متعذر، فكان الأخذ بإدخال اليد فيها هتكاً متكاملاً فيقطع. ينظر:«البدائع» (7: 66).
(2)
الطَّرُّ: الشق والقطع من حد دخل: أي يشق أو يقطع ثوباً فيأخذ منه مالا. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 78).
أو سرقَ جملاً من قِطار، أو حِمْلاً، وقُطِعَ إن حفظَهُ ربُّهُ، أو نام عليه، أو شقَّ الحِمْل وأخذَ منه شيئاً، أو أدخلَ يدَهُ في صندوقِ غيرِه، أو كمِّه، أو جيبه، أو أخرجَ من مَقْصُورةٍ دارٍ فيها مقاصير إلى صحنِها، أو سرقَ ربَّ مَقْصَورةٍ من أُخرى فيها
(أو سرقَ جملاً من قِطار
(1)
، أو حِمْلاً، وقُطِعَ إن حفظَهُ ربُّهُ)؛ فإن القائدَ، والسَّائقَ، والرَّاكبَ لا يقصدونَ إلاَّ قطعَ المسافةِ دون الحفظ، حتَّى لو كان هناك حافظ قُطِعَ سارق الجمل والحِمْل، (أو نام عليه)؛ فإن النَّومَ على الحِمْل، أو بقربٍ منه حفظٌ له.
(أو شقَّ الحِمْل
(2)
وأخذَ منه شيئاً
(3)
)؛ فإنّ الجُوالِقَ
(4)
حرز.
(أو أدخلَ يدَهُ في صندوقِ غيرِه، أو كمِّه، أو جيبه
(5)
)، المرادُ إدخالُ اليدِ في الكمّ؛ للأخذ لا لحلِّ الرِّباط، كما مرّ
(6)
.
(أو أخرجَ من مَقْصُورة
(7)
دارٍ فيها مقاصير إلى صحنِها
(8)
، أو سرقَ ربَّ مَقْصَورةٍ من أُخرى فيها)، أرادَ موضعاً كمدرسة، أو نحوها فيها حجراتٍ يسكنُ في
(1)
قِطار: وهو الإبل على نسق واحد، من قَطَرَ الإبل تقطيراً: أي جعلها قطاراً بعضُها على أثر بعض. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 198).
(2)
لأن صاحب المال اعتمد الجوالق فكان هاتكاً للحرز بخلاف ما إذا أخذ الجولق بما فيه. ينظر: «البحر» (5: 66).
(3)
قيد بالأخذ من الحمل؛ لأنه إذا لم يأخذ منه بالذات بل أخذ من الأرض ما سقط منه بسب شقه لا يقطع؛ لأنه لم يأخذ من الحرز. ينظر: «رد المحتار» (3: 205).
(4)
الجُوالِق: وعاءٌ من صوف أو شعر أو غيرهما، وهو عند العامة: شُوال. ينظر: «المعجم الوسيط» (ص 148).
(5)
الجيب في العرف يطلق على ما يشق من الثوب بجانب لتحفظ فيه الدراهم ونحوها. ينظر: «العمدة» (2: 326).
(6)
أي قبل أسطر.
(7)
مقصورة الدار: حجرة من حجرها، ومقصورة المسجد: مقام الإمام. ينظر: «المغرب» (ص 385).
(8)
أي حجر ومنازل وفي كل مقصورة مكان يستغني به أهله عن الانتفاع بصحن الدار وإنما ينتفعون به انتفاع السكة فيكون إخراجه إليه كإخراجه إلى السكة لأن كل مقصورة حرز على حدة إذ لكل مقصورة باب وغلق على حدة، ومال كل واحد محرز بمقصورته، فكانت المنازل بمَنْزلة دور في محلّة، وإن كانت صغيرة بحيث لا يستغني أهل المنازل عن الانتفاع بصحن الدار بل ينتفعون به انتفاع المنازل فهي بمَنْزلة مكان واحد فلا يقطع. ينظر:«التبيين» (3: 222 - 223).
أو ألقى شيئاً من حرزٍ في الطَّريق، ثُمَّ أخذَه، أو حملَه على حمار فساقَه وأخرجَه من الحرز
كلِّ منها إنسانٌ لا تعلَّقَ له بالحجرةِ
(1)
التي يسكنُ
(2)
فيها غيرُه، لا كالدَّار التي صاحبها واحد، وبيوتُها مشغولةٌ بمتاعِهِ وخدامِه، وبينهم انبساط.
(أو ألقى شيئاً من حرزٍ في الطَّريق، ثُمَّ أخذَه، أو حملَه على حمار فساقَه وأخرجَه من الحرز)، هذا عندنا.
وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه يقطعُ
(4)
سواءٌ أخذَه أو تركَه في الطَّريق.
وعند زُفر رضي الله عنه لا قطعَ في الإلقاء
(5)
ولا في الحمل، فإنَّ الإلقاءَ ليس بإخراجٍ كمناولةِ مَن هو خارج، وكما إذا ألقي ولم يأخذ.
قلنا: إذا لم يَطْرَأْ
(6)
عليه يدٌ حقيقةً
(7)
كان في حكمِ يدِه، فتَمَّ بالأخذِ بعد الخروج، بخلاف مسألتي المناولة وعدم الأخذ
(8)
.
وفي مسألة الحملِ
(9)
سير
(10)
الدَّابة يضافُ إليه
(11)
.
(1)
في م: بالحجر.
(2)
في ف: سكن.
(3)
ينظر: «المحلي» (4: 196)، و «تحفة المحتاج» (9: 146)، و «نهاية المحتاج» (9: 459)، وغيرها.
(4)
في م: لا يقطع.
(5)
العبارة في ف: لا في الإلقاء.
(6)
في ف: يطر.
(7)
العبارة في م: يد غيره حقيقة. وفي س: للحقيقة.
(8)
حاصله أن الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة المناولة: أن طروء اليد الأخرى هنا أبطل نسبة الأخذ إليه، فأسقط القطع بخلاف ما نحن فيه فإنه وإن ألقاه في الطريق لكنّه لم تطرأ يدٌ أخرى عليه، فإذا أخذه تَمَّ منه فعل السرقة بخلاف ما إذا تركه ولم يأخذه فإنه تضييع. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 327).
(9)
في ب: الجمل.
(10)
في أ و ص: وسير.
(11)
لسوقه إيّاه؛ لأن الحمار لو خرج بنفسه لا يقطع السارق؛ لأن للبهيمة اختياراً. ينظر: «فتح باب العناية» (3: 250).
فصل كيفة القطع، وإثباته
يقطعُ يمينُ السَّارق من زندِه وتحسم، ثُمَّ رجلُه اليُسرى إن عاد، فإن عادَ ثالثاً لا ويسجن حتى يتوب، فإن كان يدُه اليسرى، أو إبهامها، أو إصبعاها، أو رجلُه اليمنى مقطوعة، أو شلاء، أو ردَّه إلى مالكِه قبل الخصومة، أو ملكَه بهبة، أو بيع، أو نقصَتْ قيمتُهُ من النِّصاب قبل القطع، أو سرق فادَّعى ملكَه، أو أحد السَّارقين وإن لم يُبَرْهن، أو لم يطالبْ مالكَها وإن أقرَّ هو بها، فلا قطع
فصل [كيفة القطع، وإثباته]
(1)
(يقطعُ يمينُ السَّارق من زندِه
(2)
وتحسم
(3)
، ثُمَّ رجلُه اليُسرى إن عاد، فإن عادَ ثالثاً لا ويسجن حتى يتوب)، إمَّا السِّجن فقط، وإمِّا مع التَّعزير عند بعضِ مشايخنا، وعند الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه يقطعُ يدُهُ اليسرى، ثُمَّ رجلُهُ اليمنى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«مَن سرقَ فاقطعوه، فإن عادَ فاقطعوه، فإن عاد فاقطعوه»
(4)
.
ومذهبُنا مأثور عن عليّ
(5)
رضي الله عنه، ولو كان الحديثَ صحيحاً لما خالفَه، ولما أخذَ الصَّحابةُ بقولِه، والطَّحَاوِي قد طعنَ في الحديث، أو هو محمولٌ على السِّياسة.
(فإن كان يدُه اليسرى، أو إبهامها، أو إصبعاها، أو رجلُه اليمنى مقطوعة، أو شلاء، أو ردَّه إلى مالكِه قبل الخصومة، أو ملكَه بهبة، أو بيع، أو نقصَتْ قيمتُهُ من النِّصاب قبل القطع، أو سرق فادَّعى ملكَه، أو أحد السَّارقين وإن لم يُبَرْهن، أو لم يطالبْ مالكَها وإن أقرَّ هو بها، فلا قطع)؛ لأنَّه لو قُطِعَت اليُمنى، وقوةُ البطشِ
(1)
زيادة من ق.
(2)
الزند: عظمات الساعد. ينظر: «المغرب» (ص 211).
(3)
أي كواه لكي لا يسيل دمه. ينظر: «القاموس» (4: 98).
(4)
سبق تخريجه (ص 226).
(5)
قال الشعبي وغيره: كان علي رضي الله عنه يقول: إذا سرق السارق مراراً قطعت يده ورجله، ثم إن عاد استودعته السجن. وقال الزهري: انتهى أبو بكر في قطع السارق إلى اليد والرجل. وقال مكحول: إن عمر رضي الله عنه قال: إذا سرق فاقطعوا يده، ثم إن عاد فاقطعوا رجله، ولا تقطعوا يده الأخرى وذروه يأكل بها الطعام ويستنجي بها من الغائط، ولكن احبسوه عن المسلمين. في «مصنف ابن أبي شيبة» (6: 483)، و «مصنف عبد الرزاق» (10: 186). وينظر: «نصب الراية» (3: 374)، و «الدراية» (2: 112).
........................ .................................................................................
فائتةُ في اليُسرى، يلزم تفويتُ جنسِ المنفعة، وهو في الحقيقةِ إهلاك.
وكذا إن كانت الرِّجل اليُمنى مقطوعة، أو شلاء؛ لأنَّه إذا لم يكن للإنسان يدٌ ورجلٌ في طرفٍ واحد، فهو لا يقدرُ على المشي أصلاً، وأمَّا من الطَّرفينِ فيضعُ العصا تحت إبطه؛ فيكونُ قائماً مقامَ الرِّجل، الفائتة.
وإذا ردَّ المسروقَ إلى مالكِه قبل الخصومةِ لا يمكنُ الدَّعوى، فلا يظهرُ السَّرقة.
وعند أبي يوسف رضي الله عنه يقطع.
و إنِّما قال: ملكه بهبة؛ ليُعْلَمَ أن المرادَ الهبة مع القبض.
وعند زُفر والشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنهم يقطع.
وكذا في نقصانِ القيمةِ يقطعُ عندهما
(2)
.
وإنِّما لا يقطعُ عندنا؛ لأنَّ النِّصاب لمَّا كان شرطاً عند ظهورِ السَّرقة، وهو حالُ القضاء.
وقد ذُكِرَ في كتبِنا أنَّه لا يندفعُ القطعُ عند الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه بمجرَّدِ دعوى السَّارق أنَّ المسروقَ ملكَه؛ لأنَّه لا يعجزُ سارقٌ عن ذلك، فيؤدِّي إلى سدِّ بابِ الحدّ، لكن في «الوجيز»
(3)
ذكرَ خلافَ هذا
(4)
، وعلَّلَ بأنَّه صارَ خصماً في المال، فكيفَ يقطعُ بحلفِ غيرِه.
وقولُهُ: أو لم يطالبْ مالكها وإن أقرَّ هو بها فلا قطع؛ أي إن لم يطالبْ مالكَ
(1)
ينظر: «تحفة المحتاج» (9: 129)، و «مواهب الصمد» (ص 140)، وغيرهما.
(2)
ينظر: «التنبيه» (ص 149)، و «حاشية على تحفة المحتاج» (9: 125)، وغيرهما.
(3)
لمحمد بن محمد بن محمد الطُّوسي الغَزالي، أبو حامد، زين الدين، قال الأسنوي: إمامٌ باسمه تنشرح الصدور، وتحيى النفوس، وبرسمه تفتخر المحابر وتهتز الطروس، ولسماعه تخشع الأصوات وتخضع الرؤوس. من مؤلفاته:«الإحياء» ، و «كيمياء السعادة» ، و «بداية الهداية» ، (450 - 505 هـ). ينظر:«طبقات الأسنوي» (2: 111 - 113). «طبقات ابن هداية الله» (ص 192 - 195)، «التعليقات السنية» (ص 243).
(4)
ومنصوص على ذلك أيضاً في «المنهاج» (4: 161)، وشرحه «مغني المحتاج» (4: 161)، و «حاشيتا قليوبي وعميرة» (4: 188)، وغيرها. ولكن في «مغني المحتاج» (4: 161): وفي وجهٍ أو قول مخرج يقطع؛ لئلا يتخذ الناس ذلك ذريعة؛ لدفع الحد. اهـ. فمنه يعلم أن ما في كتب الأحناف قول أو وجه مذكور في كتب الشافعية وإن كان المعتمد غيره.
فإن سرقا وغاب أحدُهما، فشهدا على سرقتِهما قطعَ الآخر. وقطع بخصومةِ ذي يدٍ حافظةٍ كمودوع، وغاصب، وصاحب ربا، ومستعير، ومستأجر، ومضارب، وقابضٍ على سومِ الشِّراء، ومُرْتَهِنٍ، وبخصومةِ المالك مَن سرق منهم، لا مَن سرقَ من سارقٍ قُطِع، وقُطِعَ عبدٌ أقرَّ بسرقةٍ ورُدَّت إلى مالكِها
السَّرقة: أي المسروق، فلا قطع، وإن أقرَّ السَّارقُ بالسَّرقة؛ لأنَّه لمَّا كان الدَّعوى شرطاً لا بُدَّ من مطالبةِ المدَّعي.
(فإن سرقا وغاب أحدُهما، فشهدا على سرقتِهما قطعَ الآخر.
وقطع بخصومةِ ذي يدٍ حافظةٍ كمودوع، وغاصب، وصاحب ربا): أي باعَ ديناراً بدينارين وقبضهما فسرقا من يده، (ومستعير، ومستأجر، ومضارب، وقابضٍ على سومِ الشِّراء
(1)
، ومُرْتَهِنٍ، وبخصومةِ المالك مَن سرق منهم).
اعلم أنّ الدَّعوى شرطٌ لظهورِ السَّرقة، وقطعِ اليد، وإن كان من حقوقِ اللهِ تعالى؛ لأنَّه لا شكَّ أنَّ المسروقَ منه أعرف بحقيقةِ الحالِ من الشُّهود، وكذا من السَّارق المقرِّ به، إذ يمكنُ أن يكونَ ملكاً للسَّارق بطريقِ الإرث، أو ملكاً لذي رحمٍ محرَّم، وهو غيرُ عالمٍ به، ففي تركِ المسروق منه الدَّعوى، وكذا في غيبته مظنَّةَ عدمِ وجوبِ القطع.
أمَّا غيبةُ المزنيَّة، وإن كان فيها توَّهمُ أنَّها لو كانت حاضرةً ادَّعت أمراً يسقطُ الحدّ، فلا اعتبارَ به؛ لأنَّ المزنيَّةَ راضيةٌ بالزِّنى، فتكون متَّهمةً في دعوى ما يسقطُ الحدّ، فهذا هو الفرقِ الذي وعدتُهُ في «باب شهادة الزِّنا»
(2)
.
ثُمَّ عطفَ على الضَّمير المستكنِّ
(3)
في قولِه: وقطع؛ قولَهُ: (لا مَن سرقَ من سارقٍ قُطِع): أي لا يقطعُ بطلبِ المالك والسَّارق لو سرقَ من سارقٍ بعد القطعِ لما سيأتي من سقوطِ عصمتِه
(4)
.
(وقُطِعَ عبدٌ أقرَّ بسرقةٍ ورُدَّت إلى مالكِها): هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه من غيرِ تفصيل.
(1)
أي مَن قبض المال على إرادة الشراء ولم يشتره، أو بعقد فاسد. ينظر:«العمدة» (2: 330)، و «مجمع الأنهر» (1: 624).
(2)
ص 206).
(3)
أي الضمير المستتر.
(4)
ص 234).
........ ........................ .................................................................
وعند زُفر رحمه الله لا يقطعُ من غيرِ تفصيل؛ لأنَّ إقرارَ العبدِ بالحدودِ والقصاصِ لا يصحُّ عنده وإن كان مأذوناً، فإن الإذنَ لم يتناولْهما، أمَّا في ردِّ المال، فإن كان مأذوناً يصحّ، فيردُّ المال، وإن كان محجوراً لا.
وأمَّا عندهما فإن كان مأذوناً يقطع ويردُّ المال.
وإن كان محجوراً، فالمسروقُ إن كان هالكاً يصحُّ إقراره؛ لأنَّ الواجبَ ليس إلاَّ القطع، وإقرارُهُ به صحيح.
وإن كان قائماً، فعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه يقطع ويردُّ المسروق.
وعند أبي يوسف رضي الله عنه يقطع ولا يردُّ المسروق.
وعند محمَّدٍ رضي الله عنه لا يقطع ولا يردّ.
فنقول لزفر رضي الله عنه إن إقرارَهُ بما يوجبُ تلفَ نفسِه أو أعضائِه وإن كان يتضرَّرُ به المولى، فهو غيرُ متَّهمٍ فيه؛ لأنَّ ضرَرَهُ فوقَ ضررِ المولى، وإن تخالجَ في صدركِ أن خبثَ نفوسِ بعض المماليكِ يصلُ إلى غايةِ يؤثرونَ إهلاك نفوسِهم ليتضرَّر به مواليهم، فذلك شيء نادرٌ لا يصلحُ لأن يبنى عليه الأحكام.
ثُمَّ بعد ذلك الأصل عند محمَّد رضي الله عنه ردُّ العين والقطعُ تبعٌ له لشرطية الدَّعوى، وثبوتِ
(1)
المال بلا قطعٍ من غيرِ عكس، وإقرارِ العبدِ المحجور بالمالِ لا يصحُّ فلا يثبتُ تبعَه، وهو القطع.
قلنا: القطعُ ليس تبعاً لردِّ العين؛ لأنَّ ردَّ المالِ ضمانٌ المحلّ، والقطعُ جزاءُ الفعل.
فأبو يوسف رضي الله عنه لم يجعلْ أحدَهما تبعاً للأخر، فيعتبرُ إقراره في حقِّ نفسِه، وهو القطع لا في حقِّ المولى، وهو ردُّ المال.
وأبو حنيفةَ رضي الله عنه جعلَ الفعلَ أصلاً
(2)
؛ لأنَّ المحالَ كالشروط.
(1)
عطف على شرطية يعني قد يثبت المال بدون القطع كما اذا شهد رجل وامرأتان بالسرقة أو أقر بها، ثم رجع فإنه يضمن المال ولا يقطع كذا في «العناية» (5: 411).
(2)
بدليل أنه تسقط عصمة المال باعتبار القطع لما أن الضمان والقطع لا يجتمعان عندنا، فسقوط العصمة والتقوّم في حقّ السارق يدل على أن المال تبع، فإنه لو كان أصلاً لما تغيَّرَ حالُه من حالِ الابتداء الذي هو التقوّم على غير التقوم، وبدليل أنه يستوفى بالقطع بعد استهلاك المال. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 332).
وما قطعَ به إن بقيَ ردّ، وإلاَّ لا يضمن وإن أتلف، ولا يضمنُ مَن سرقَ مرَّات، فقطعَ بكلِّها، أو بعضِها شيئاً منها، ولا قاطعَ يسار مَن أُمِرَ بقطعِ يمينِه بسرقة ولو عمداً. وقطعُ مَن شقَّ ما سرقَ في الدَّار، ثُمَّ أخرجَه، لا مَن سرقَ شاة، فذبَحها، فأخرج
(وما قطعَ به إن بقيَ ردّ، وإلاَّ لا يضمن وإن أتلف)؛ إنِّما قال: وإن أتلفَ احترازاً عن روايةِ الحَسَن عن أبي حنيفةَ رضي الله عنه أنَّه يجبُ الضَّمان في الاستهلاك.
وعند الشَّافِعِي
(1)
رضي الله عنه يضمنُ في الهلاكِ والاستهلاك، فعنده القطعُ والضَّمان يجتمعان؛ لأنَّ الضَّمانَ بناءً على عصمةِ المال.
ونحن نقول: بانتقالِ العصمةِ إلى الله تعالى، معناه: إن المالَ كان معصوماً حقَّاً للعبد، فإذا وردَ عليه السِّرقة، أوجبَ الشَّارع الحدّ، وهو حقُّ الشَّرع، فالجنايةُ وردتْ على حقِّ الشَّرع، ففي حالةِ السَّرقةِ صارَ المالُ معصوماً حقَّاً للشَّرع، فلم يبقَ معصوماً لحقِّ العبد، فلا يجبُ الضَّمان.
(ولا يضمنُ مَن سرقَ مرَّات، فقطعَ بكلِّها، أو بعضِها شيئاً منها)، المسروقُ منهم إن حضروا حتى كان القطعُ للكلِّ لا يضمنُ لأحدٍ أصلاً، وإن حضرَ البعضُ حتى قطعَ لأجلِهم، فكذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما يسقطُ ضمانُ مَن قُطِعَ لأجله.
(ولا قاطعَ يسار مَن أُمِرَ بقطعِ يمينِه بسرقة ولو عمداً
(2)
.
وقطعُ مَن شقَّ ما سرقَ في الدَّار، ثُمَّ أخرجَه)؛ وإنِّما يقطعُ إذا بلغَ المشقوقَ نصابَ السَّرقة.
وعند أبي يوسف رضي الله عنه لا يقطع؛ لأنَّ الثَّوبَ صارَ ملكاً للسَّارق بسببِ الخرقِ الفاحش.
لهما: إن الأخذَ ليس سبباً للملك، وإنِّما نقولُ بالملكِ ضرورةَ أداءِ الضَّمان؛ لئلا يجتمعَ البدلانِ في ملكِ شخصٍ واحد، ومثلُهُ لا يورثُ الشُّبهة.
(لا مَن سرقَ شاة، فذبَحها
(3)
، فأخرج)؛ لأنَّ السرقةَ تمَّت على اللَّحم ولا قطعَ فيه.
(1)
ينظر: «المنهاج» (4: 177)، و «المحلي» (4: 199)، و «تحفة الحبيب» (4: 211).
(2)
أي لا يضمن قاطع يسار من أمر القاضي بقطع يمينه بسرقة سواء كان عمداً أو خطأً؛ لان يمين السارق كانت مستحقة للإتلاف فقطع اليسرى فسلمت به اليمين، وتمامه في «شرح ابن ملك» (ق 145/ب).
(3)
في ج و ص و ف: فذبحه، وفي ق: فذبح.
ومَن جعلَ ما سرقَ دراهم، أو دنانير قطعَ وردَّت، فإن حمَّره فقطع فلا ردّ ولا ضمان، وإن سودَّه ردّ.
باب قطع الطريق
مَن قصدَ معصوماً على معصوم، فأُخِذَ قبل أخذِ شيءٍ وقتلٍ حُبِسَ حتَّى يتوب
(ومَن جعلَ ما سرقَ دراهم، أو دنانير قطعَ وردَّت)
(1)
: هذا عند ابي حنيفةَ رضي الله عنه.
وأمَّا عندهما لا يجبُ ردُّهما؛ لأنَّ الصَّنعةَ متقوَّمةً عندهما فصارَتْ شيئاً آخر.
(فإن حمَّره
(2)
فقطع فلا ردّ ولا ضمان، وإن سودَّه
(3)
ردّ): أي إن سرق ثوباً وصبغَهُ أحمر فقطِعَ لا يجبُ ردُّ الثَّوب وإن هلكَ فلا ضمان.
وعند محمَّد رضي الله عنه يؤخذُ الثَّوب، ويعطى ما زادَ الصِّبغ
(4)
.
وإن سوَّدَه ردَّ عند أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لكون السَّوادِ نقصاناً فلا ينقطعُ حقُّ المالك، وكذا محمَّدٌ رضي الله عنه كما في الحمرة، فإنَّ الصَّبغَ لا يقطعُ حقَّ المالك.
وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه لا يردُّ فإن السَّواد زيادةً كالحمرة، (فيقطع حق المالك)
(5)
.
باب قطع
(6)
الطريق
(مَن قصدَ
(7)
معصوماً على معصوم): أي حالَ كونِ القاصدِ معصوماً: أي مسلماً أو ذميِّاً، (فأُخِذَ قبل أخذِ شيءٍ وقتلٍ حُبِسَ حتَّى يتوب): أي يظهرَ فيه سيماءُ الصَّالحين.
(1)
أي لو سرق ذهباً أو فضةً قدر ما يجب فيه القطع فصنعه دراهم أو دنانير قطع ورد الدراهم والدنانير إلى المسروق منه. ينظر: «التبيين» (3: 234).
(2)
في ت و ق: حمر.
(3)
في ت و ج و ق: سود. وفي ف: اسود.
(4)
لأن عين ماله قائم من كل وجه وهو أصل والصبغ تبع فكان اعتبار الأصل أولى، ولهما أن الصبغَ قائم صورة ومعنى وحق صاحب الثوب قائم صورةً لا معنى لزوال التقوم بالقطع. ينظر:«درر الحكام» (2: 84).
(5)
زيادة من ف.
(6)
في م: قطاع.
(7)
في أ و ب و ج و ص و س: قصده.
وإن أخذَ مالاً نصيبُ لكلِّ واحد منه نصابُ السَّرقةِ قُطِعَ يدُهُ ورجلُه من خلاف. وإن قتَلَ بلا أخذٍ قُتِلَ حداً لا قصاصاً، فلا يعفوه وليٌّ. وإن قتَلَ وأخذَ مالاً قُطِع ثُمَّ قتل أو صلبَ، أو قتل، أو صلبَ حيَّاً، ويبعجُ برمحٍ حتى يموت، ويتركُ ثلاثة أيَّام. وما أخذَه فتلفَ لا يضمن، وبقتلِ أحدِهم حدُّوا
(وإن أخذَ مالاً نصيبُ
(1)
لكلِّ (واحد)
(2)
منه نصابُ السَّرقةِ قُطِعَ يدُهُ ورجلُه من خلاف.
وإن قتَلَ بلا أخذٍ قُتِلَ حداً (لا قصاصاً)
(3)
): أي هذا القتلُ بطريقِ الحدِّ لا بطريقِ القصاص، فذكرَ ثمرةَ هذا بقولِه: (فلا يعفوه وليٌّ.
وإن قتَلَ وأخذَ مالاً قُطِع ثُمَّ قتل أو صلبَ، أو قتل، أو صلبَ حيَّاً)، فقولُهُ: أو قتل، عطفٌ على قُطِع: أي إن شاءَ قُطِع ثُمَّ قتل أو صلب، وإن شاءَ قُتِلَ أو صُلِبَ حيَّاً من غيرِ قطع
(4)
.
(ويبعجُ برمحٍ حتى يموت): البعجُ شقُّ البطن، (ويتركُ ثلاثة أيَّام
(5)
.
وما أخذَه فتلفَ لا يضمن): أي إذا قتلَ قاطعُ الطَّريق فلا يجبُ ضمانُ ما تلفَ كما في السَّرقةِ الصُّغرى.
(وبقتلِ أحدِهم حدُّوا): أي إن باشرَ القتلَ أحدُهم يجبُ الحدُّ على الجميع.
(1)
في أ و ب و س و م: يصيب.
(2)
زيادة من أ و ب و س.
(3)
زيادة من ب و ج و س و م.
(4)
أي خير الإمام بين ست أحوال إن شاء:
الأولى: القطع من خلاف ثم القتل.
الثانية: القطع ثم الصلب حياً.
الثالثة: القطع ثم القتل ثم الصلب.
الرابع: القتل ثم الصلب.
الخامسة: القتل فقط.
السادسة: الصلب فقط حياً. ينظر: «الدر المختار» (3: 213).
(5)
أي من وقت موته يخلى بينه وبين أهله ليدفنوه، وعن أبي يوسف رضي الله عنه يترك حتى يسقط عبرة. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 630).
وحجرٌ وعصا لهم كسيف. فإن جرحَ وأخذَ قُطِع وهُدِرَ جرحُه. وإن جرحَ فقط، أو قتلَ عمداً فتاب، أو كان منهم غيرُ مكلَّف، أو ذو رحمٍ مَحْرَمٍ من المارّة، أو قطعَ بعضُ المارةِ على البعض، أو قطعَ الطَّريقَ ليلاً أو نهاراً في مصر أو بين مصرين، فلا حدّ، وللوليِّ قودُه، أو أرشُه، أو عفوه
(وحجرٌ وعصا لهم كسيف
(1)
.
فإن جرحَ وأخذَ قُطِع وهُدِرَ جرحُه
(2)
.
وإن جرحَ فقط، أو قتلَ عمداً فتاب): أي تابَ قبل أن يؤخذ، (أو كان منهم غيرُ مكلَّف
(3)
، أو ذو رحمٍ مَحْرَمٍ من المارة
(4)
، أو قطعَ بعضُ المارةِ على البعض
(5)
، أو قطعَ الطَّريقَ ليلاً أو نهاراً في مصر
(6)
أو بين مصرين، فلا حدّ، وللوليِّ قودُه، أو أرشُه، أو عفوه)
(7)
: أي في الصُّور المذكورةِ لا يجبُ الحدّ، بل إن كان القتلُ عمداً، فللوليِّ القود، وإن كان غيرُ عمد فالدِّية، ويكونُ للوليِّ العفو.
وعند أبي يوسف رضي الله عنه إذا كان بعضُهم غيرَ مكلَّف: أي صبيَّاً، أو مجنوناً، فباشرَ العقلاء يحدُّ الباقون.
(1)
لأن قطع الطريق يحصل بالقتل بأي آلة كانت بل بمجرد أخذ المال أو الإخافة. ينظر: «درر الحكام» (2: 85).
(2)
لأنه لما وجب الحدّ حقاً لله تعالى واستوفي بقطع اليد والرجل سقطت عصمة النفس حقاً للعبد كما تسقط عصمة المال. ينظر: «رمز الحقائق» (1: 304).
(3)
لا يحدون؛ لأنها جناية واحدة قامت بالكل، فإذا لم يقع فعل بعضهم كان فعل الباقين بعض العلة، وبه لا يثبت الحكم. ينظر:«الهداية» (2: 134).
(4)
فلا يحدون؛ لأن القافلة كالحرز فقد حصل الخلل في الحرز في حقهم فسقط الحد، وسواء كان المال المأخوذ مشتركاً بين من قطع عليهم الطريق أو غير مشترك، وهو الصحيح. ينظر:«رمز الحقائق» (1: 304).
(5)
لأن الحرز واحد فصارة القافلة كدار واحدة. ينظر: «الهداية» (2: 134).
(6)
في ب و ت و ج و س و م: بمصر.
(7)
أي إذا لم يجب الحد لم يصيروا قطاعاً فيضمنون ما فعلوا من قتل عمد أو شبه عمد أو خطأ أو جراحة ورد المال لو قائماً وقيمته لو هالكا أو مستهلكا، فتقييده بالقود يعلم منه حكم المال بالأولى، أو يراد بالأرش ما يشمل ضمان المال، والمراد بالولي من له ولاية المطالبة فيشمل صاحب المال، ويشمل المجروح أيضاً في أولى المسائل المذكورة. ينظر:«رد المحتار» (3: 214).
وفي الخنقِ ديَّة، ومَن اعتادَهُ قتلَ به سياسة
أمَّا في المصرِ أو بين المصرين إذا كان قريتينِ كالكوفة والحيرة
(1)
، بحيث يلحقُهُ الغوثُ غالباً، ففيه خلافُ الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه.
وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه إذا قاتلوا نهاراً بالسَّلاح حدُّوا، وكذا في اللَّيل سواءٌ كان بالسَّلاح أو غيرِه.
(وفي الخنقِ ديَّة، ومَن اعتادَهُ قتلَ به سياسة): الخنقُ من صورِ القتلِ بالمثقل، وفيه القصاصُ عند غير أبي حنيفة رضي الله عنه. (والله أعلم)
(3)
.
* * *
(1)
الحيرة: وهي التي كان يسكنها النعمان بن المنذر، وهي أول منازل الكوفة، وقال تاج الشريعة: الحِيرة بكسر الحاء مدينة على رأس ميل من الكوفة. ينظر: «البناية» (5: 640).
(2)
أي حيث يلحق غوث يمنع شوكتهم لو استغاثوا ليسوا بقطاع، بل منتهبون، وفقد الغوث يكون للبعد عن العمران أو السلطان أو لضعف بأهل العمران أو بالسلطان أو بغيرهما كأن دخل جمع داراً وشهروا السلاح ومنعوا أهلها من الاستغاثة فهم قطاع في حقهم وإن كانوا بحضرة السلطان وقوته. ينظر:«تحفة المحتاج» (9: 158)، و «التنبيه» (ص 150)، و «مغني المحتاج» (4: 181)، وغيرها.
(3)
زيادة من ص.
كتاب الجهاد
هو فرضُ كفايةٍ بِدْءاً، إن قامَ به البعضُ سقطَ عن الباقين، فإن تركوا أثموا إلاَّ على صبيّ، وعبد، وامرأة، وأعمى، ومقعد، وأقطع. وفرضُ عينٍ إن هجموا، فتخرجُ المرأة، والعبدُ بلا إذن، وكُرِهَ الجَعْلُ مع فَيءٍ وبدونِهِ لا
كتاب الجهاد
(هو فرضُ كفايةٍ بِدْءاً)
(1)
: أي ابتداءً، وهو أن يبتدأَ المسلمون بمحاربةِ الكفار، (إن قامَ به البعضُ سقطَ عن الباقين، فإن تركوا أثموا إلاَّ على صبيّ، وعبد، وامرأة، وأعمى، ومقعد، وأقطع.
وفرضُ عينٍ إن هجموا، فتخرجُ المرأة، والعبدُ بلا إذن)؛ فإنَّه إذا هجمَ الكفّارُ على ثغرٍ من الثُّغورِ يصيرُ فرضَ عينٍ على مَن كان يقربُ منه، وهم يقدرونَ على الجهاد.
وأمَّا على مَن ورائِهم، فإذا بلغَ الخبرُ إليهم يصيرُ فرضَ عينٍ عليهم إذا احتيجَ إليهم، بأن خيفَ على مَن كان يقربُ منهم، بأنَّهم عاجزونَ عن المقاومة، أو بأن لم يعجزوا، ولكن تكاسلوا، ثُمَّ وثُمَّ إلى أن يصيرَ فرضَ عينٍ على جميعِ أهلِ الإسلام شرقاً وغرباً.
وهذا نظيرُ صلاةِ الجنازةِ تصيرُ فرضاً على جيرانِه دون مَن هو بعيدٌ عن الميِّت، فإن قامَ بها الأقربون، أو بعضُهم سقطَ عن الكلّ، وإن بلغَ إلى الأبعدِ أن الأقربين ضيَّعوا حقَّه، فعلى الأبعدِ أن يقومَ بها، فإن تركَ الكلّ، فكلُّ مَن بلغَ إليه خبرُ موتِهِ يصيرُ آثماً.
(وكُرِهَ الجَعْلُ مع فَيءٍ وبدونِهِ لا): الجعلُ ما يجعلُ للعاملِ على عملِه، والمرادُ أنَّه إذا كان في بيتِ المالِ شيءٌ لا يجعلُ الإمامُ على أربابِ الأموالِ شيئاً من غيرِ طيبِ أنفسِهم؛ ليتقوَّى به الغزاة، أمَّا إذا لم يكنْ فيه شيء، فيفعل ذلك.
(1)
وليس بتطوع أصلاً هو الصحيح، فيجب على الإمام أن يبعث سريةً إلى دار الحرب كلّ سنة مرّة أو مرتين، وعلى الرعية إعانته إلاَّ إذا أخذ الخراج فإن لم يبعث كان كل الإثم عليه، وهذا إذا غلب على ظنه أنه يكافئهم، وإلاَّ فلا يباح قتالهم بخلاف الأمر بالمعروف. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 632).
[باب في كيفية القتال]
فإن حوصِروا دعوا إلى الإسلام، فإن أبو، فإلى الجزية، فإن قبلوا، فلهم ما لنا، وعليهم ما علينا
[باب في كيفية القتال]
(فإن حوصِروا): أي الكفارُ بأن حاصرَهم المسلمون، (دعوا إلى الإسلام، فإن أبو، فإلى الجزية، فإن قبلوا، فلهم ما لنا، وعليهم ما علينا)، اعلم أنَّه لا يرادُ هذا الحكمُ على العموم، حتى يدلَّ على أنَّه يجبُ عليهم من العباداتِ أو غيرِها ما يجبُ علينا؛ لأنَّ الكفارَ لا يخاطبونَ بالعبادات
(1)
عندنا
(2)
، وأمَّا عند مَن يقولُ بأنَّهم مخاطبون
(3)
، فالذِّميُّ وغيرُه في ذلك سواء.
وعند قَبول الجزية لا نأمرُهم بالعبادات، كما نأمر المسلمين، بل يرادُ أنّه يجب لهم علينا ويجب لنا عليهم إذا تعرّضنا لدمائِهم وأموالِهم، أو تعرّضوا لدمائنا وأموالنا ما يجبُ لبعضنا على بعضِ عند التَّعرض؛ وذلك لأنَّ قبل قَبولِ الجزية كنَّا نتعرضُ لدمائِهم وأموالِهم، وكانوا يتعرَّضون لدمائِنا وأموالِنا، فقَبُول الجزيةِ ليس إلاَّ لزوالِ هذا التَّعرض، يؤيِّدُ ذلك أنَّهم جعلوا الدَّليلَ على هذا الحكم قولُ عليّ
(4)
رضي الله عنه إنِّما بذلوا
(1)
معنى أن الكفار مخاطبون بالعبادات أنه يضاعف لهم العذاب بها يوم القيامة، وهذا معنى: أنهم مأمورون بها، وليس أنهم مأمورون بأدائها في الدنيا. ينظر:«فواتح الرحموت» (1: 128 - 132)، و «المعتمد» (1: 294 - 300)، و «نهاية السول مع حاشيته» (1: 369 - 383)، و «الوجيز» (ص 61).
(2)
أي عند البخاريين وبعض مشايخ سمرقند من الحنفية، فهو مذهب جمهور الحنفية، والاسفراييني وعبد الجبار وقال ابن كج: إنه ظاهر مذهب الشافعي، وقال الابياري: إنه ظاهر مذهب مالك، واختاره ابن خويز من المالكية. ينظر:«الميزان» (1: 308)، و «حاشية نهاية السول» (1: 370)، و «فواتح الرحموت» (1: 128 - 129)، وغيرهم.
(3)
وهو قول عامة أهل الحديث والمعتزلة وقول مشايخ العراق من الحنفية والغزالي، وقال في «البرهان»: إنه ظاهر مذهب الشافعي. ينظر: «الميزان» (1: 307)، و «المستصفى» (2: 78)، وغيرها.
(4)
قال صاحب «نصب الراية» (3: 381): غريب، ولكنَّه أخرج عن علي رضي الله عنه بلفظ: مَن كان له ذمتُنا فدمُهُ كدمِنا وديته كديتنا، في «سنن الدارقطني» (3: 147)، و «سنن البيهقي الكبير» (8: 34)، و «مسند الشافعي» (ص 344).
الجزية؛ ليكون
ولا يقاتَلُ مَن لم تبلغْه الدَّعوة ونُدِبَت لمَن بلغتْهُ فإن أبوا، حوربوا بمنجنيق، وتحريق، وتغريق، ورمي، ولو معهم مسلم وتترَّسوا به بنيَّتهم لا بنيَّته، وقطعِ شجر، وإفسادِ زرع بلا عذر، وغلول، ومُثْلة
دماؤهم كدمائِنا وأموالهم كأموالنا.
(ولا يقاتَلُ مَن لم تبلغْه الدَّعوة ونُدِبَت): أي الدَّعوة: أي نُدِبَ تجديدُ الدَّعوة (لمَن بلغتْهُ فإن أبوا): أي عن الجزية، (حوربوا بمنجنيق، وتحريق، وتغريق، ورمي، ولو معهم مسلم وتترَّسوا به بنيَّتهم لا بنيَّته، وقطعِ شجر، وإفسادِ زرع بلا عذر، وغلول، ومُثْلة).
قال في «الهداية» : الغدر: الخيانة ونقضُ العهد
(1)
.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الحرب خدعة»
(2)
، فيشتبه على النَّاس التَّفرقةُ بين الغدرِ وبين خدعةِ الحرب.
فأقول: ما دامَ الحربُ قائمةً لا يحرمُ الخداع، بأن نريَهم أنَّا لا نحارِبُهم في هذا اليوم حتَّى أمنوا فنحاربُهم فيه، أو نذهبَ إلى صوبٍ آخر حتَّى غفلوا فنأتيهم بياتاً ونحو ذلك، بخلاف ما إذا جرى بيننا وبينهم قرارٌ على أن لا نتحاربَ في هذا اليوم حتَّى أمنوا، فإنَّه لا تجوزُ المحاربة؛ لأنَّ هذا استئمان وعهد، فالمحاربةُ نقضُ العهد، وهذا ليس من خداعِ الحرب، بل خداعٌ في حالِ السِّلم، فيكون غدراً.
والغلولُ: السَّرقة من المغنم.
والمُثْلَةُ اسمٌ من مَثَلَ به يُمْثَلُ مَثْلاً، كقَتَلَ يُقْتُلُ قَتْلاً: أي نَكَّلَ به: معناه جعلَهُ نكالاً وعبرةً لغيرِه، مثل: قطعُ الأعضاء، وتسويدُ الوجه، يقال: مَثَّلَ بالقتيل: أي قطعَ أنفه، ومُثْلَة العُرْنِيِّين
(3)
نسخَتْ بقولهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَغْلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا»
(4)
.
(1)
انتهى من «الهداية» (2: 137).
(2)
في «صحيح البخاري» (3: 1321)، و «صحيح مسلم» (2: 746)، وغيرهما.
(3)
حديث العرنيين هو: عن أنس رضي الله عنه: (إن ناساً من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا فصحوا، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في إثرهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرّة حتى ماتوا) في «صحيح البخاري» (6: 2495)، و «صحيح مسلم» (3: 1296)، واللفظه له، وغيرهما.
(4)
في «صحيح مسلم» (3: 1357)، و «جامع الترمذي» (4: 22)، و «صحيح ابن حبان» (11: 42)، وغيرها.
وقتلِ غيرِ مُكلَّف، وشيخٍ فان، وأعمى، ومقعد، وامرأةٍ إلاَّ مَلِكَة، أو مقاتلاً منهم، أو ذا مالٍ يحثُّ به، أو ذا رأيٍّ في الحرب. وأبٍ كافرٍ بِدْءاً فيقتلَهُ غيرُ ابنِه، وإخراجُ مصحفٍ وامرأةٍ إلاَّ في جيشٍ يؤمنُ عليهم.
[باب الموادعة ومن يجوز أمانه]
وصولِحوا إن كان خيراً، ويؤخذُ منهم مالٌ إن لنا به حاجة، ونُبِذَ إن هو أنفع فقوتلوا، وقبل نَبْذٍ لو خانوا بِدْءاً
وفي المُثْلَةِ تغيرُ خلقِ اللهِ تعالى فتحرم.
(وقتلِ غيرِ مُكلَّف، وشيخٍ فان، وأعمى، ومقعد، وامرأةٍ إلاَّ مَلِكَة، أو مقاتلاً منهم، أو ذا مالٍ يحثُّ به، أو ذا رأيٍّ في الحرب
(1)
.
وأبٍ كافرٍ بِدْءاً فيقتلَهُ غيرُ ابنِه): أي لا يقتلُ الابنُ الأبَ الكافرَ ابتداءً، وهو احترازٌ عمَّا إذا قصدَ الأبُ قتلَه، بحيث لا يمكنُهُ دفعُهُ إلاَّ بقتلِه، فإنَّه لا بأس بقتلِه.
وقولُهُ: فيقتلَهُ؛ بالنَّصب: أي لأن يقتلَهُ غيرُه، فالفعلُ المضارعُ ينتصبُ بأن مقدَّرةً بعد الفاء إذا كان ما قبلَها سبباً لما بعدَها: أي بعد عدَّةِ أشياءٍ منها النَّفي
(2)
، فينبغي أن يصيرَ عدمُ قتلِ الابنِ أباهُ سبباً؛ لقتلِ غيرِ الابنِ أباهُ بأن يشغلَه ويلبثَه؛ ليجيءَ آخرُ فيقتلَه.
(وإخراجُ مصحفٍ وامرأةٍ إلاَّ في جيشٍ يؤمنُ عليهم.
[باب الموادعة ومن يجوز أمانه]
وصولِحوا إن كان
(3)
خيراً، ويؤخذُ منهم مالٌ إن لنا به حاجة، ونُبِذَ إن هو أنفع فقوتلوا): لفظُ: كان مضمرٌ في قولِهِ: إن خيراً، وإن لنا به حاجة، ونُبِذَ إن هو أنفعُ، النَّبذ نقضُ المصالحةِ مع إخبارِهم بذلك.
(وقبل نَبْذٍ لو خانوا بِدْءاً): أي قوتلوا قبلَ نَبْذٍ إن بدأوا بالخيانة.
(1)
هذه الصفات راجعة على غير المكلف والشيخ والأعمى والمقعد، وتفصيله في «المحيط» (ص 63).
(2)
أي النفي المحض، وأيضاً الطلب بالفعل، وهو يشمل: الأمر، والنهي، والتحضيض، والتمني، والترجّي، والاستفهام، والعرض. ينظر:«شرح قطر الندى» (ص 71 - 76)، وغيره.
(3)
زيادة من ق.
وصولِحَ المرتدُّ بلا مال، ولا ردَّ إن أخذنا، ولا يباعُ سلاح، وخيل، وحديد منهم، ولو بعد صلح. وصحَّ أمانُ حرٍّ وحرَّة، فإن كان شرّاً نُبِذَ وأُدِّبَ. ولَغَا أمانُ الذَّميّ، وأسير، وتاجرٍ معهم، ومَن أسلم ثمَّة ولم يهاجرْ إلينا، وصبيٍّ وعبدٍ إلاَّ مأذونيْنِ ومجنون.
باب المغنم وقسمته
قسَّمَ الإمامُ بين الجيشِ ما فُتِحَ عُنْوةً، أو أقرَّ أهلُهُ عليهِ بجزيةٍ وخراج
(وصولِحَ المرتدُّ
(1)
بلا مال، ولا ردَّ إن أخذنا): يعني يجوزُ لنا أن نصالحَ المرتدّ، ولا نعجِّلَ في قتلِه؛ لأنَّ إسلامَه مرجو، لكن لا نأخذُ منه شيئاً؛ لأنَّه يكون جزية، ولا يجوزُ أخذُ الجزيةِ من المرتدّ، لكن لو أخذنا لا نَردُّ إليه؛ لأنَّه مالٌ غيرُ معصوم.
(ولا يباعُ سلاح، وخيل، وحديد منهم، ولو بعد صلح
(2)
.
وصحَّ أمانُ حرٍّ وحرَّة
(3)
، فإن كان شرّاً نُبِذَ وأُدِّبَ
(4)
.
ولَغَا أمانُ الذَّميّ، وأسير، وتاجرٍ معهم، ومَن أسلم ثمَّة ولم يهاجرْ إلينا
(5)
، وصبيٍّ وعبدٍ إلاَّ مأذونيْنِ ومجنون): المرادُ بالأسير: مسلمٌ أسيرٌ في يدِ الكفّار، وبالتَّاجر: تاجرٌ مسلمٌ معهم. (والله تعالى أعلم)
(6)
.
باب المغنم وقسمته
(قسَّمَ الإمامُ بين الجيشِ ما فُتِحَ عُنْوةً
(7)
، أو أقرَّ أهلُهُ عليهِ بجزيةٍ وخراج).
(1)
أي المرتدون فلا بأس بموادعتهم، ومعلوم أن ذلك إذا غلبوا على بلدة وصارت دارهم دار الحرب وإلاَّ فلا؛ لأن فيه تقرير المرتد على الردة، وذلك لا يجوز. ينظر:«الفتح» (5: 459).
(2)
لأن الصلح على شرف النقض أو الانقضاء، ولا يمنع أحدٌ من إدخال الطعام والثياب بلادهم. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 270).
(3)
أي من المسلمين كافراً أو كفاراً أو أهل حصن أو مدينة حتى لم يجز لأحد من المسلمين قتلهم. ينظر: «درر الحكام» (1: 285).
(4)
أي الإمام معطي الأمان.
(5)
لأنهما مقهوران تحت أيديهم فلا يخافونهم والأمان يختص بمحل الخوف. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 639).
(6)
زيادة من ت و ف.
(7)
عَنْوَةً: أي قهراً وقسراً على وجه عَنَاء أهلها. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 186).
وقتلَ الأسرى، أو استرَّقهم، أو تركَهم أحراراً ذمَّةً لنا، ونُفِي مَنَّهم وفداؤُهم. وردُّهم إلى دارِهم، وعَقْرُ دابة يشقُّ نقلُها وذُبِحَتْ وحُرِقَتْ، وقُسْمَةُ مغنمٍ ثمّة إلاَّ إيداعاً فيردُّ هاهنا فيقسم، والرِّدء ومددٌ لحقَهم ثمّةً كمقاتلٍ فيه
قولُهُ: أو أقرَّ عطفٌ على قولِهِ: قسَّمَ الإمام.
ثمَّ عطفَ على أحدِ الأمرين، وهو قسَّم، أو أقرَّ قولَهُ:(وقتلَ الأسرى، أو استرَّقهم، أو تركَهم أحراراً ذمَّةً لنا): أي ليكونوا أهل ذمَّةٍ لنا.
(ونُفِي مَنَّهم وفداؤُهم).
المَنُّ: أن يتركَ الأسيرُ الكافرُ من غيرِ أن يؤخذَ منه شيئاً.
والفداءُ: أن يتركَ ويأخذ منه مالاً، أو أسيراً مسلماً منهم في مقابلته.
ففي المَنّ خلافُ الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه.
وأمَّا الفداءُ فقبلَ أن تضعَ الحربُ أوزارَها يجوزُ بالمالِ لا بالأسيرِ المسلم، وبعده لا يجوزُ بالمال بإجماع علمائنا، وبالنَّفس لا يجوزُ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، ويجوزُ عند محمَّد رضي الله عنه، وعن أبي يوسف رضي الله عنه روايتان، وعند الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه يجوز مطلقاً.
(وردُّهم إلى دارِهم
(3)
، وعَقْرُ دابة يشقُّ نقلُها وذُبِحَتْ وحُرِقَتْ
(4)
، وقُسْمَةُ مغنمٍ ثمّة إلاَّ إيداعاً فيردُّ هاهنا فيقسم،
(5)
والرِّدء
(6)
ومددٌ لحقَهم ثمّةً كمقاتلٍ فيه): أي في المغنم.
(1)
ينظر: «المنهاج» (4: 228)، و «تحفة المحتاج» (9: 247)، و «فتوحات الوهاب» (5: 197)، وغيرها.
(2)
ينظر: «التجريد لنفع العبيد» (4: 257)، و «مغني المحتاج» (4: 228)، و «نهاية المحتاج» (8: 68)، وغيرها.
(3)
أي لا يجوز أن يرد الأسرى إلى دارهم؛ لأن فيه تقويتهم. ينظر: «شرح ملا مسكين» (ص 167).
(4)
أي إذا أراد الإمام العود إلى دار الإسلام ومعه مواش ولم يقدر على نقلها إلى دار الإسلام لا يعقرها، ولكن تذبح وتحرق؛ لأن الذبح جاز لمصلحة وإلحاق الغيظ بهم من أقوى المصالح، والحرق لئلا ينتفع بها الكفار فصار كتخريب البنيان وقطع الأشجار، ولا تحرق قبل الذبح إذ لا يعذب بالنار إلاّ ربها، ويحرق الأسلحة أيضاً وما لا يحرق كالحديد يدفن. ينظر:«درر الحكام» (1: 286).
(5)
وصورتها: أن لا يكون لإمام من بيت المال ما يحمل عليه الغنيمة، فيقسمها بين الغانمين ليحملوها إلى دار الإسلام، ثم يرتجعها. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 277).
(6)
الرِّدْء: العون. ينظر: «المغرب» (ص 187 - 188).
لا سُوقيٍّ لم يقاتل. ولا مَن ماتَ ثمّة، ويورثُ قسطُ مَن ماتَ هنا. وحلَّ لنا ثمةً طعام، وعلف، وحطب، ودهن، وسلاح به حاجةٌ بلا قسمة، لا بعد الخروجِ منها، ولا بيعُها وتموُّلُها، وردُّ الفضلِ إلى المغنم. ومَن أسلمَ ثمّة عصمَ نفسَه وطفلَه، ومالاً معه أو أودعَه معصوماً، لا ولدَهُ كبيراً، وعرسَهُ وحملَها، وعقارَه، وعبدَهُ مقاتلاً، ومالَهُ
(لا سُوقيٍّ
(1)
لم يقاتل.
ولا مَن ماتَ ثمّة)؛ لأنَّه بالإحرازِ يصيرُ ملكاً لنا، وعند الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه يصيرُ ملكاً باستقرارِ هزيمةِ الكفار، فمَن ماتَ بعد ذلك يورَّثُ نصيبُه، (ويورثُ قسطُ مَن ماتَ هنا
(3)
.
وحلَّ لنا ثمةً طعام، وعلف، وحطب، ودهن
(4)
، وسلاح به حاجةٌ بلا قسمة، لا بعد الخروجِ منها
(5)
، ولا بيعُها وتموُّلُها، وردُّ الفضلِ إلى المغنم.
ومَن أسلمَ ثمّة
(6)
عصمَ نفسَه وطفلَه)؛ لأنَّه صارَ مسلماً تبعاً، (ومالاً معه أو أودعَه معصوماً): أي مالاً وضعَهُ أمانةً عند مسلم، أو ذمي.
(لا ولدَهُ كبيراً، وعرسَهُ وحملَها
(7)
، وعقارَه)؛ لأنَّ العقارَ من جملةِ دارِ الحرب، وهو في يدِ أهلِ الدَّار، ففيه خلافُ الشَّافِعِيِّ
(8)
رضي الله عنه، (وعبدَهُ مقاتلاً
(9)
، ومالَهُ
(1)
السُوقي هو الخارج مع العسكر للتجارة؛ لأنهم لم يجاوزوا على قصد القتال، فانعدم السبب فيعتبر السبب الحقيقي وهو قصد القتال فيفيد الاستحقاق على حسب حاله فارساً أو راجلاً. ينظر:«اللباب» (4: 125).
(2)
ينظر: «المحليّ» (3: 195)، و «فتوحات الوهاب» (4: 93)، و «تحفة الحبيب» (4: 266)، وغيرها.
(3)
أي لا نصيب لمن مات من الغانمين في دار العرب، ويورث من مات في دار الإسلام؛ لأن الإرث باعتبار الملك، والملك إنما يثبت بعد الإحراز بدارنا. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 148/أ).
(4)
أي ينتفع بها سواء وجد الاحتياج أم لا. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 643).
(5)
أي من دار الحرب؛ لزوال المبيح ولتأكد حقِّ الغانمين فيه فلا يحلّ الانتفاع إلا برضاهم. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 350).
(6)
احترازٌ به عمن أسلم في دارنا وكان أهله وولده الصغير والكبير وجميع أمواله، فإن الكل يكون فيءً. ينظر:«جامع الرموز» (2: 317).
(7)
لأنه جزؤها فيسترق برقها. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 654).
(8)
ينظر: «المهذب» (5: 272)، و «فتح المعين» (ص 140)، و «الإقناع» (2: 213)، وغيرها.
(9)
لأنه لمّا تمرد على مولاه خرج من يده وصار تبعاً لأهل دارهم وما كان غصباً في يد حربي أو وديعة فيء؛ لأن يده ليست بمحترمة، وكذلك إذا كان في يد مسلم أو ذمي غصباً عند أبي حنيفة. ينظر:«التبيين» (3: 253).
مع حربيٍّ بغصب، أو وديعة. وللفارسِ سهمان، وللرَّاجل سهم ويعتبرُ وقتُ المجاوزة، فمَن دخلَ دارَهم فارساً فنفَقَ فرسُه، فلُهُ سهمان: سهمُ فارس، ومَن دخلَها راجلاً فشرى فرساً، فله سهمُ راجل، ولا يسهمُ إلاَّ لفرس. ولا لعبد، وصبيّ، وامرأة، وذميّ، ورضخ لهم، والخمسُ للمسكين، واليتيم، وابنِ السَّبيل، وقُدِّمَ فقراءُ ذوى القربى عليهم ولا شيءَ لغنيِّهم، وذِكْرُ الله تعالى للتَّبرُّك، وسهمُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم سقطَ بموتِه
بغصب، أو وديعة.
(وللفارسِ سهمان، وللرَّاجل سهم)
(1)
ويعتبرُ وقتُ المجاوزة): أي يعتبرُ لاستحقاقِ سهمِ الفارسِ والرَّاجل وقتُ مجاوزةِ الدَّرب
(2)
، وهو البابُ الواسعُ على السِّكَّة، والمضيقُ من مضائقِ الرُّوم، والمرادُ هاهنا مدخلُ دارِ الحرب، وعند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه يعتبرُ وقتُ شهودِ الوقعة.
(فمَن دخلَ دارَهم فارساً فنفَقَ فرسُه): أي ماتَ فشهدَ الواقعةَ راجلاً، (فلُهُ سهمان: سهمُ فارس، ومَن دخلَها راجلاً فشرى فرساً، فله سهمُ راجل)، هذا عندنا، أمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(4)
رضي الله عنه فعلى العكس، وسهمُ الفارسِ عنده أربعةُ أسهم.
(ولا يسهمُ إلاَّ لفرس): أى فرسٍ واحد، فَعُلِمَ من هذا أنَّه لا يسهمُ للبغلِ والرَّاحلة
(5)
.
(ولا لعبد، وصبيّ، وامرأة، وذميّ، ورضخ لهم)، الرَّضخُ: إعطاءُ القليل، والمرادُ هاهنا أقلُّ من سهمِ الغنيمة.
(والخمسُ للمسكين، واليتيم، وابنِ السَّبيل، وقُدِّمَ فقراءُ ذوى القربى عليهم ولا شيءَ لغنيِّهم، (وذِكْرُ الله)
(6)
تعالى للتَّبرُّك
(7)
، وسهمُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم سقطَ بموتِه
(1)
زيادة من م.
(2)
الدرب: الحدُّ الفاصل بين دار الاسلام ودار الحرب، وقيل: هو البرج الحاجز بين الدارين بحيث لو جاوزه اهل الحرب دخلوا دار الاسلام وبالعكس. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 350).
(3)
ينظر: «الأم» (7: 354)، و «البهجة المرضية» (5: 126)، و «نهاية المحتاج» (6: 148)، وغيرها.
(4)
ينظر: «الأم» (7: 356)، و «غاية الاختصار» (2: 129)، و «المحلي» (3: 195)، وغيرها، وفيها: أن للفارس ثلاثة أسهم لا أربعاً كما وقع في بعض النسخ من «شرح الوقاية» نبَّه عليه اللكنوي في «العمدة» (2: 351).
(5)
الراحلة: الإبل التي يرحل عليها وتركب ذكراً كان أو أنثى. ينظر: «عمدة الرعاية» (2: 352).
(6)
في ت و ج و ف و ق: وذكره.
(7)
أي في قوله عز وجل: {فَإِنَّ للهِ خُمسَه} .
كالصّفي
كالصّفي
(1)
)، هذا عندنا.
أمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه فيقسمُ على خمسةِ أسهم: سهمُ الرّسولِ عليه السلام للخليفة.
وعندنا سقطَ بموتِه كما سقطَ الصّفي، فإنَّه كان للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يصطفيَ لنفسِهِ شيئاً من الغنيمة
(3)
.
وسهمُ ذوي القربى لهم: أي لبني هاشمَ وبني المطلب.
اعلم أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم هو محمَّدُ بنُ عبدِ الله بنِ عبدِ المُطَّلب بنِ هاشمِ بنِ عبدِ مناف، وكان لعبدِ منافٍ أربعةُ بنين: هاشم، والمطّلب، وعبدُ شمس، ونوفل، ولمَّا قسمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غنائمَ خيبر، قسمَ خمسَ ذوي القربى بين بني هاشم، وبني المطلب، وكان عثمان رضي الله عنه من أولادِ عبد شمس، وجبير بنِ مطعم من أولادِ نوفل، فكلَّما رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالا: لا ننكر فضلَ بني هاشم لمكانِك الذي وضعَك اللهُ فيهم، ولكن نحن وأصحابُنا من بني المطلب إليك في النَّسبِ سواء فما بالكَ أعطيتَهم وحرمتَنا، فقال صلى الله عليه وسلم:«إنَّهُم لَمْ يُفَارِقُونَي فِي الجَاهِلِيَّةِ وَلَا فِي الإِسْلَام، وَشَبَّك بَيْنَ أَصَابِعِه»
(4)
، فالشَّافِعِيُّ
(5)
رضي الله عنه يقسِّمُهُ كما قسمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.
ونحن نقولُ له: علَّلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بصحبتِهم ونصرتِهم إيَّاه، فلم يبقَ بوفاتِه صلى الله عليه وسلم،
(1)
وهو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصطفيه لنفسه من الغنيمة ويستعين به على أمور المسلمين. ينظر: «درر الحكام» (1: 289).
(2)
عند الشافعي رضي الله عنه: لا يسقط سهم الرسول بوفاته، بل يصرف لمصالح المسلمين كسد الثغور. ينظر:«كفاية الأخيار» (2: 131)، و «الاقناع» (2: 219).
(3)
ينظر: «شرح معاني الآثار» (3: 302)، وفي «السنة للخلال» (1: 201): إسناده صحيح.
(4)
في «سنن النسائي» (3: 45)، و «المجتبى» (7: 130)، و «مسند أحمد» (4: 81)، و «مسند البزار» (8: 330)، و «المعجم الكبير» (2: 140)، و «السنة للمرزوي» (1: 50)، وأصله في البخاري، وينظر:«الدراية» (2: 126).
(5)
ينظر: «كفاية الأخيار» (2: 131)، و «الإقناع» (2: 219)، وغيرهما.
ومَن دخلَ دارَهم، فأغارَ خَمَّسَ إلاَّ مَن لا منعةَ له، ولا إذن، وللإمامِ أن ينفلَ وقتَ القتال حثَّاً، فيقول: مَن قتلَ قتيلاً فله سلبُه، أو لسريَّةٍ جعلَتْ لكم الرُّبع بعد الخمس، لا بعد الإحراز هاهنا، إلاَّ من الخمس. وسلبه ما معه حتَّى مركبَه وما عليه، وهو للكلّ إن لم ينفلْ
فيستحقُّون بعد وفاتِه صلى الله عليه وسلم بالفقر، حيث قال صلى الله عليه وسلم:«وَعَوَّضَكُم مِنْهَا بِخُمْسِ الخُمْس»
(1)
، ولمَّا كان عوضاً عن الزَّكاة يستحقُّه مَن يستحقُّ الزَّكاة، وقد نُقِلَ أنّ الخلفاءَ الرَّاشدين كانوا يقسِّمون على نحوِ ما قلنا، وكان عمرُ رضي الله عنه يعطي فقراءهم.
(ومَن دخلَ دارَهم، فأغارَ خَمَّسَ
(2)
إلاَّ مَن لا منعةَ له، ولا إذن)؛ لأنَّ الخمسَ إنِّما يؤخذُ من الغنيمة، والغنيمةُ ما أُخِذُ
(3)
من الكفار قهراً، وهذا بالمنعة، فإن لم يكن له منعة، لكن وُجِدَ إذن الإمام فهو في حكمِ المنعة؛ لأنَّ الإمامَ بالإذن التزمَ نصرتَه.
(وللإمامِ أن ينفلَ وقتَ القتال حثَّاً، فيقول: مَن قتلَ قتيلاً فله سلبُه): التَّنفيلُ إعطاءُ شيءٍ زائدٍ على سهمِ الغنيمة، والتركيبُ
(4)
يدلُّ على الزِّيادة، قوله: مَن قتلَ قتيلاً فله سَلَبُه؛ سمَّاه قتيلاً لقربِه إلى القتل.
(أو لسريَّةٍ جعلَتْ لكم الرُّبع بعد الخمس): أي بعدما رُفِعَ الخمسُ جعلْتُ لكم ربعَ الباقي، أو ثُلُثَه، أو نحو ذلك، (لا بعد الإحراز هاهنا): أي بدارِ الإسلام؛ لأنَّه حينئذٍ صارَ ملكاً للغانمين (إلاَّ من الخمس
(5)
.
وسلبه ما معه حتَّى مركبَه وما عليه، وهو للكلّ إن لم ينفلْ) خلافاً للشَّافعيّ
(6)
رضي الله عنه
(1)
روي بلفظ: فقال النبي الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحلّ لكما أهل البيت من الصدقات شيء ولا غسالة أيدي الناس إن لكم في خمس الخمس لما يغنيكم أو يكفيكم» ، «المعجم الكبير» (11: 217)، قال الهيثمي: في «مجمع الزوائد» (3: 91)، وفيه حسين بن قيس الملقب بحنش وفيه كلام كثير وقد وثق. ينظر:«نصب الراية» (3: 424)، وقال الزيلعي بعد أن روى طريقاً له: وهذا إسناد حسن.
(2)
أي ما أخذه؛ لأن المأخوذ حينئذٍ على وجه القهر والغلبة، لا الاختلاس والسرقة فكان غنيمة. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 286).
(3)
في ب و م: يؤخذ، وفي ص: نأخذ، وفي: تؤخذ.
(4)
أي تركيب حروف كلمة التنفيل يدلّ على الزيادة؛ لأنه من النفل، وهو في الأصل التبرع والزيادة. ينظر:«عمدة الرعاية» (2: 356).
(5)
أي لا ينفل الإمام بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام؛ لأن حق الغير تأكد فيه بالاحراز، ويجوز التنفيل بعد الاحراز من الخمس إلا للغني لأن الخمس للمحتاج. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 650).
(6)
ينظر: «الغاية والتقريب» (ص 321)، و «روضة الطالبين» (6: 374)، وغيرهما.
باب استيلاء الكفار
إذا سبى بعضُهم بعضاً وأخذوا مالهم، أو بعيراً ندَّ إليهم، أو غلبوا على مالِنا وأحرزوه بدارِهم ملكوه، لا حرَّنا، ومدبِّرنا، ومكاتَبنا، وعبدَنا آبقاً وإن أخذوه
فإنَّ السَّلبَ عنده للقاتلِ إن كان من أهلِ أن يسهمَ له، وقد قتلَه مقبلاً؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَن قتلَ قتيلاً فله سلبه»
(1)
.
ونحن نحملُ هذا على التَّنفيل لا على وضعِ الشَّريعة.
باب استيلاء الكفار
(إذا سبى بعضُهم
(2)
بعضاً وأخذوا مالهم، أو بعيراً ندَّ إليهم، أو غلبوا على مالِنا وأحرزوه بدارِهم ملكوه): هذا عندنا.
وأمَّا عند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه: لا يملكُ الكفارُ مالنا بالاستيلاء، لما ذُكِرَ في أصول الفقه
(4)
: إن النَّهي عن الأفعالِ الحسيَّةِ يوجبُ القبحَ لعينِه، والقبحُ لعينهِ لا يفيدُ حكماً شرعياً، وهو الملك.
قلنا: إنَّما يملكون؛ لاستيلائهم على مالٍ غيرِ معصوم في زعمِهم، وليس لنا ولايةُ الالتزام، فسقطَ النَّهي في حقِّ الدُّنيا، إذ العصمةُ إنِّما كانت ثابتةً ما دامَ محرزاً بدارِنا؛ لتيقُّنِ التَّمكُّن من الانتفاع، فإذا زالَ الإحرازُ سقطَ العصمة.
(لا حرَّنا، ومدبِّرنا، ومكاتَبنا، وعبدَنا آبقاً وإن أخذوه)، إنِّما قال: وإن أخذوه؛ لأنَّ الخلافَ فيما أخذوه وقهروه وقيَّدوه ففي هذه الصُّورةِ لا يملكونَه عند أبي حنيفة رضي الله عنه خلافاً لهما، لكن إن لم يأخذوه قهراً لا يملكونَه اتِّفاقاً.
(1)
في «صحيح البخاري» (3: 1144)، و «صحيح مسلم» (3: 1371)، وغيرهما.
(2)
أي إذا سبى بعض أهل الحرب بعضاً.
(3)
ينظر: «المحلي» (4: 239)، و «تحفة المحتاج» (9: 306)، وغيرهما.
(4)
ينظر: «أصول الشاشي» (ص 165)، و «قواطع الأدلة» (ص 143)، و «البحر المحيط» (3: 383)، و «أصول السرخسي» (1: 86)، و «الحسامي» مع «حاشيته لمحمد إبراهيم» (ص 29)، و «المغني» (ص 78) و «تسهيل الوصول» (ص 60)، و «الوسيط» (ص 218)، «مسلم الثبوت» (1: 235)، و «النظامي» (ص 47)، وغيرها.
ونملكُ بالغلبةِ حرَّهم، وما هو ملكُهم. ومَن وَجَدَ منَّا ماله، أخذَهُ بلا شيءٍ إن لم يقسم، وبالقيمةِ إن قُسِم، وبالثَّمن إن شراهُ منهم تاجرٌ وإن أخذَ أرشَ عينِه مفقوءة، فإن أُسِرَ عبدٌ فبيع، ثُمَّ كذا، فللمشتري الأَوَّلُ أخذُهُ من الثَّاني بثمنِه، ثُمَّ لسيِّدِه أخذُهُ منه بالثَّمنين، وقبل أخذِ الأَوَّلِ لا، فلو أَبِقَ بمتاع، فشراهما منهم رجلٌ أُخِذَ العبدُ مجّاناً، وغيرُهُ بالثَّمن، وعُتِقَ عبدٌ مسلمٌ شراهُ مستأمن هاهنا وأدخلَهُ دارهم
لهما: إن عصمَتَهُ كانت لحقِّ المولَى، وقد زالَت، فقد صارَ مباحاً وقعَ في أيديهم.
وله: إنّ العصمةَ التي كانت لحقِّ المولَى، ولمَّا زالَتْ ظَهَرَتْ عصمتُهُ التَّي قد كانت باعتبارِ الآدمية، فصارَ بمنْزلةِ الاحرار فلا يملكونَه.
(ونملكُ بالغلبةِ حرَّهم، وما هو ملكُهم.
ومَن وَجَدَ منَّا ماله): أي في يدِ الغانمينِ بعدما غلبنا عليهم، ولم يذكرْ هذا؛ لأنَّه يفهمُ من قولِه:(أخذَهُ بلا شيءٍ إن لم يقسم): أي بين الغانمين، (وبالقيمةِ إن قُسِم، وبالثَّمن إن شراهُ منهم تاجرٌ وإن أخذَ أرشَ عينِه مفقوءة): أي إن فُقِئتْ عينُه في يدِ التَّاجر، فأخذَ أرشَه، فالمالكُ القديمُ يأخذُ منه بكلِّ الثَّمنِ إن شاء، ولا يُحَطُّ من الثَّمنِ شيء بإزاء ما أُخِذَ من الأَرْش.
(فإن أُسِرَ عبدٌ فبيع، ثُمَّ كذا، فللمشتري الأَوَّلُ أخذُهُ من الثَّاني بثمنِه، ثُمَّ لسيِّدِه أخذُهُ منه بالثَّمنين، وقبل أخذِ الأَوَّلِ لا)، عبدٌ أُسِرَ من يدِ زيد، فاشتراهُ عمرو بمئة، ثُمَّ أُسِرَ من عمرو، فاشتراهُ بكرٌ بمئة، فعمروٌ يأخذُه من بكرٍ بمئة، ثُمَّ يأخذُهُ زيدٌ من عمروٍ بمئتين؛ لأنَّه قامَ على عمروٍ بمئتين، ولو لم يأخذْهُ عمرو، فليس لزيد أن يأخذَهُ من بكر؛ لأنَّ بكراً اشترى عبداً أُسِرَ من عمرو، بعدما اشتراهُ عمرو، فلو أخذَهُ زيدٌ من بكرٍ لضَاعَ الثَّمنُ الذي أعطاهُ عمرو، فلا يأخذُهُ زيدٌ قبل أخذِ عمرو.
(فلو أَبِقَ بمتاع)، فأخذَهما الكفّار، (فشراهما منهم رجلٌ أُخِذَ العبدُ مجّاناً، وغيرُهُ بالثَّمن)؛ لما مرَّ
(1)
أنَّهم لا يملكونَ العبدَ الآبق.
(وعُتِقَ عبدٌ مسلمٌ شراهُ مستأمن هاهنا
(2)
وأدخلَهُ دارهم)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما لا يعتق؛ لأنَّ الواجبَ أن يُجْبَرَ في دارِنا على بيعِه، وقد زالَ إذ لا يدَ لنا عليهم، فبقي عبداً في أيديهم.
(1)
ص 250).
(2)
في ت و ج و ف و ق و م: هنا.
كعبدٍ لهم أسلمَ ثَمَّة فجاءنا، أو ظهرْنا عليهم. والله أعلم.
باب المستأمن
لا يتعرّضَ تاجرُنا ثَمَّة لدمِهم ومالِهم إلاَّ إذا أخذَ مَلِكُهم مالَه، أو حبسَه، أو غيرُه بعلمِه، وما أخرجَه ملكَه ملكاً حراماً، فيتصدَّقُ به، فإن أدانَه حربيٌّ، أو أدانَ حربِّياً، أوغصبَ أحدُهما من الآخر، وجاءا هاهنا، لم يقضِ لأحدِهما بشيء، وكذا لو فعلَ ذلك حربيان وجاءا مستأمنين، فإن
قلنا: إذا زالَتْ ولايةُ الجبر، أقيمَ الاعتاقُ مقامَه تخليصاً للمسلم عن أيدي الكفَّار.
(كعبدٍ لهم أسلمَ ثَمَّة فجاءنا، أو ظهرْنا عليهم
(1)
. (والله أعلم)
(2)
).
باب المستأمن
هو يشملُ مسلماً دخلَ دارَهم بأمان، وكافراً دخلَ دارَنا بأمان.
(لا يتعرّضَ تاجرُنا ثَمَّة لدمِهم ومالِهم إلاَّ إذا أخذَ مَلِكُهم مالَه، أو حبسَه، أو غيرُه بعلمِه، وما أخرجَه)
(3)
: أي بطريقِ التَّعرُّض، (ملكَه ملكاً حراماً، فيتصدَّقُ به)؛ إنِّما يملكُه؛ لأنَّه ظفرَ بمالٍ مباح
(4)
، وإنِّما كان حراماً للغدر.
(فإن أدانَه حربيٌّ): أي باشرَ تصرُّفاً أوجبَ الدَّين في ذمَّة التَّاجر، (أو أدانَ حربِّياً، أوغصبَ أحدُهما من الآخر، وجاءا هاهنا، لم يقضِ لأحدِهما
(5)
بشيء)؛ لأنَّه لا ولايةَ لنا على المستأمن.
(وكذا لو فعلَ ذلك حربيان وجاءا مستأمنين)؛ لأنَّه لا ولايةَ لنا عليهما، (فإن
(1)
أي عُتِقَ عبدٌ أسلم فجاءنا في دار الإسلام أو لحقَ عسكرنا بدار الحرب، أو غلبنا على دارهم، وذلك لأنّه أحرز نفسه بالخروج إلينا مراغماً لمولاه في الصّورة الأولى والثانية، أو بالالتحاق بمنعة المسلمين في الثّالثة. ينظر:«العمدة» (2: 361).
(2)
زيادة من ج.
(3)
أفاد أنه إذا لم يخرجه وجب ردُّه على صاحبه لوجوب التوبة عليه، وهي لا تحصل إلا بالرّدّ عليه. ينظر:«الشرنبلالية» (1: 292).
(4)
لأن مال أهل الحرب مباحٌ شرعاً يجوزُ التصرُّفُ فيه وأخذه ما لم يكن سبيل التصرُّف ممنوعاً شرعاً كالغدر، ونحوه. ينظر:«العمدة» (3: 362).
(5)
في في ت و ج و ص و ق: لأحد.
جاءا مسلمينِ قضي بينَهما بالدَّين لا الغصب، فإن قتلَ مسلمٌ مستأمنٌ مثلَهُ ثَمَّةَ عمداً، أو خطأ، وُدِي من مالِه، وكفَّرَ للخطأ، وفي الأسيرينِ كفَّرَ فقط في الخطأ، ولا يُمَكَّنُ حربيُّ هنا سنة، وقيل له: إن أقمت هنا سنةً أو شهراً، نضعُ عليك الجزية، فإن رجعَ قبل ذلك، وإلاَّ فهو ذميٌّ لا يُتْرَكُ أن يرجع
جاءا مسلمينِ قضي بينَهما بالدَّين لا الغصب)؛ لأنَّ الإدانةَ وقعَتْ صحيحةً لتراضِيهما بخلافِ الغصب؛ لأنَّه لا تراضي ولا عصمة.
(فإن قتلَ مسلمٌ مستأمنٌ مثلَهُ
(1)
ثَمَّةَ عمداً، أو خطأ، وُدِي من مالِه
(2)
، وكفَّرَ للخطأ)؛ لأنَّه لم يجبِ القصاصِ وقتَ القتل؛ لتعذُّرِ الاستيفاء؛ لأنَّه بالمنعة
(3)
، فتجبُ الدِّيةُ؛ لوجود العصمةِ
(4)
في ماله لا على العاقلة، إذ الوجوبُ عليهم باعتبارِ النُّصرة والتقصيرِ في الصِّيانة الواجبةِ عليهم، وقد سقطَ ذلك بتباينِ الدَّارين.
(وفي الأسيرينِ
(5)
كفَّرَ فقط في الخطأ): أي لا يجبُ شيءٌ إلاَّ الكفارةَ في الخطأ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما: تجبُ الدِّيةُ في العمدِ والخطأ؛ لأنَّ العصمةَ لا تبطلُ بالأسر، كما لا تبطلُ بالاستئمان.
وله: أن الأسيرَ صارَ تبعاً لهم بقهرِهم إيِّاه، فيبطلُ الإحراز، فسقطَ العصمةُ المقوَّمة، وهي ما يوجبُ المال عند التَّعرّض، فلم تجبِ الدِّيةُ لا في العمد، ولا في الخطأ، لكنَّ العصمةَ المؤثَّمة، وهي ما يوجبُ الإثمَ عند التَّعرُّضِ باقية، فتجبُ الكفّارةُ في الخطأ.
(ولا يُمَكَّنُ حربيُّ هنا
(6)
سنة، وقيل له: إن أقمت هنا سنةً أو شهراً
(7)
، نضعُ عليك الجزية، فإن رجعَ قبل ذلك): جزاءُ الشَّرطِ محذوف: أي فبها، أو نحوه، (وإلاَّ فهو ذميٌّ لا يُتْرَكُ أن يرجع): أي إن لم يرجعْ قبل المدَّةِ المضروبة، فهو ذميّ.
(1)
أي مسلماً مستأمناً في دار الحرب.
(2)
أي يعطي الدية من ماله في العمد والخطأ. ينظر: «الدرر» (1: 293).
(3)
ولا منعة بدون جماعة المسلمين والإمام، ولم يوجد ذلك في دار الحرب. ينظر:«الهداية» (1: 153)
(4)
أي العصمة الثابتة بالاحراز بدارنا لم تبطل بعارض الاستئمان. ينظر: «الدرر» (1: 293).
(5)
أي إذا قتل أحد أسيرين مسلمين صاحبه في دار الحراب مطلقاً سواء كان عمداً او خطأً، فإنه لا يجب شيءٌ إلا الكفارة في الخطأ. ينظر:«شرح ملا مسكين» (ص 171).
(6)
أي في دار الإسلام.
(7)
ذكره الشهر لينبِّه على أن ذكر السنة في «البداية» (ص 102) وغيرها اتفاقي؛ لأن للإمام أن يقدر بالشهر والشهرين ولا يجوز أن يزيد عن السنة. ينظر: «الرمز» (1: 316).
كما لو اشترى أرضاً فوضعَ عليه خراجَها، وعليه جزيةُ سنةٍ من وقتِ وضعِ الخراج. أو نَكَحَتْ حربيَّةٌ ذميَّاً هاهنا، وفي عكسِهِ لا، فإن رجعَ المستأمنُ إلى دارِه حلَّ دمُه، فإن أُسِرَ، أو ظُهِرَ عليهم، فقُتِلَ سقطَ دينٌ كان له على معصوم، وأفيء وديعةٌ له عنده، وإن مات، أو قتلَ بلا غلبةٍ عليهم فهما لورثتِه، حربيٌّ هنا، وله ثَمَّة عرسٌ وأولادٌ ووديعةٌ مع معصومٍ وغيرِه، فأسلمَ هنا، ثُمَّ ظُهِرَ عليهم فكلُّهُ فيء، وإن أسلم ثَمَّة فجاءَ فظُهِرَ عليهم، فطفلُهُ حرٌّ مسلم، ووديعةٌ مع معصومٍ له، وغيرُه فيءٌ، ومَن أسلمَ ثَمَّةَ وله ورثةٌ هنالك، فقتلَهُ مسلم، فلا شيءَ عليه إلاَّ كفارةَ الخطأ
واعلم أنَّ مَن لا مساسَ له بالعربيةِ يتوَّهمُ أن: إلاَّ؛ للاستثناء، ولم يعلمْ أنَّه كلمةَ: أن مع لا، أُدِغَمَ أحداهما في الأُخرى.
(كما لو اشترى أرضاً فوضعَ عليه خراجَها): أي إن اشترى المستأمنُ أرضَ خراجٍ فوضعَ عليه خراجَها يصيرُ ذميِّاً؛ لأنَّه إذا التزمَهُ التزمَ المقامَ في دارِنا، ولا يصيرُ ذميِّاً بمجرَّدِ الشِّراء؛ لأنَّه ربَّما يشتري للتِّجارة، (وعليه جزيةُ سنةٍ من وقتِ وضعِ الخراج.
أو نَكَحَتْ حربيَّةٌ ذميَّاً هاهنا، وفي عكسِهِ لا): أي إن نكحَ الحربيُّ ذميَّةً لا يصيرُ الزَّوجُ ذميِّاً إذ يمكنُ أن يطلِّق، فيرجع بخلافِ الأوَّل حيث صارَتْ تبعاً للزَّوج.
(فإن رجعَ المستأمنُ إلى دارِه حلَّ دمُه، فإن أُسِرَ، أو ظُهِرَ عليهم، فقُتِلَ سقطَ دينٌ كان له على معصوم): أي مسلم، أو ذميّ، (وأفيء وديعةٌ له عنده): أي صارَ فيءٌ كلَّ وديعةٍ له عند معصومٍ في دارنا.
(وإن مات، أو قتلَ بلا غلبةٍ عليهم فهما لورثتِه): أي دينٌ كان له على معصوم، أو وديعةٌ له عنده؛ وذلك لأنَّ الأمانَ باقٍ في مالِهِ، فيردُّ عليه إن كان حيَّاً، وعلى ورثتِهِ إن مات، أو قُتِلَ بلا غلبة، لكن لو قُتِلَ بعدما ظهرْنا عليهم صارَ مالُهُ غنيمةً بتبعيَّتِه.
(حربيٌّ هنا، وله ثَمَّة عرسٌ وأولادٌ ووديعةٌ مع معصومٍ وغيرِه، فأسلمَ هنا، ثُمَّ ظُهِرَ عليهم فكلُّهُ فيء)؛ أمَّا العرسُ والأولادُ الكبار؛ فلعدمِ التَّبعيَّة، وأمَّا غيرُ ذلك؛ فلأنَّه ليست في يدِه، فإسلامُه لا يوجبُ عصمته.
(وإن أسلم ثَمَّة فجاءَ فظُهِرَ عليهم، فطفلُهُ حرٌّ مسلم، ووديعةٌ مع معصومٍ له، وغيرُه فيءٌ): فقولُهُ: ووديعةٌ مبتدأ، ومع معصوم: صفتُه، وله خبرُه، أي لحربيٍّ أسلم.
(ومَن أسلمَ ثَمَّةَ وله ورثةٌ هنالك، فقتلَهُ مسلم، فلا شيءَ عليه إلاَّ كفارةَ الخطأ): أي له ورثةٌ مسلمونَ في دارِ الحرب، فإن كان القتلُ عمداً، فلا يجب شيء، وإن كان
وأخذَ الإمامُ ديةَ مسلمٍ لا وليَّ له، ومستأمنٍ أسلمَ هاهنا من عاقلةِ قاتله خطأً، وقَتَلَ أو أخذَ الدَّيةَ في عمدٍ ولا يعفوه
باب الوظائف
أرضُ العرب، وما أسلم أهلُه، أو فتحَ عنوةً وقُسِّمَ بين جيشنا، والبَصرةُ عشريَّةٌ. والسَّوادُ وما فُتِحَ عنوةً وأُقِرَّ أهلُهُ عليه أو صالَحهم خراجيَّةٌ
خطأً لا يجبُ إلاَّ الكفارة، وعند الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه يجبُ القصاص في العمد، والدِّيةُ في الخطأ.
(وأخذَ الإمامُ ديةَ مسلمٍ لا وليَّ له): أي مسلمٌ قُتِلَ خطأً ولا وَلِيَّ له، (ومستأمنٍ أسلمَ هاهنا من عاقلةِ قاتله خطأً): أي جاءَ حربيٌّ بأمان، فأسلمَ ولا وليَّ له، فقُتِلَ خطأً، فالإمامُ يأخذُ الدِّيةَ من عاقلةِ قاتله.
(وقَتَلَ أو أخذَ الدَّيةَ في عمدٍ ولا يعفوه): أي إن كانَ القتلُ عمداً، فالإمامُ بالخيار، إمِّا أن يستوفِّي القَوَد، أو يأخذَ الدية، ليس له ولاية العفو. (والله أعلم)
(2)
.
باب الوظائف
(أرضُ العرب، وما أسلم أهلُه، أو فتحَ عنوةً وقُسِّمَ بين جيشنا، والبَصرةُ عشريَّةٌ
(3)
.
والسَّوادُ
(4)
وما فُتِحَ عنوةً وأُقِرَّ أهلُهُ عليه أو صالَحهم خراجيَّةٌ).
(1)
ينظر: «روض الطالب» ، وشرحه «أسنى المطالب» (4: 12)، وغيرهما.
(2)
زيادة من ف.
(3)
أي حدّ أرض العشر من أرض الخراج: أن كل من أسلم أهلها عليها وهي من أرض العرب أو أرض العجم فهي لهم، وهي أرض عشرية، وكذلك كل من لا تقبل منه الجزية ولا يقبل منه إلا الإسلام أو القتل من عبد الأوثان من العرب وإن ظهر عليها الإمام، وأما الخراجية: فما ظهر عليها الإمام وتركها في أيدي أهلها، وإن قسمها بين الغانمين فهي عشرية. ينظر:«الخراج» (ص 39).
(4)
أي سواد العراق: سمي به لخضرة أشجاره وزروعه، وحده طولاً من حديثة الموصل إلى عبادان، وعرضاً من العذيب إلى حلوان، وهو الذي فتح على عهد عمر رضي الله عنه، وهو أطول من العراق بخمسة وثلاثين فرسخاً. ينظر:«المغرب» (ص 238).
ومواتُ أحييَّ يعتبرُ بقربِه، وخراجٌ وضعَهُ عمرُ رضي الله عنه على السَّواد لكلِّ جريب يبلغُهُ الماءُ صاعٌ من بُرّ، أو شعيرٍ ودرهم، ولجريبِ الرَّطَبة خمسةُ دراهم، ولجريبِ الكرم أو النَّخلة متَّصلة ضعفُها، ولما سواهُ كزعفرانٍ وبُستانٍ ما يطيق
أرضُ العربِ: ما بين العُذَيبِ
(1)
إلى أقصى حجرٍ باليمينِ بمَهْرةَ
(2)
، إلى حدِّ الشَّام
(3)
.
وسوادُ عراقِ العربِ: ما بين العُذَيبِ إلى عقبة حُلوان
(4)
، ومن الثَّعْلبيَّة
(5)
، ويقال: من العَلْثِ
(6)
إلى عَبَّادان
(7)
.
(ومواتُ أحييَّ يعتبرُ بقربِه
(8)
، وخراجٌ وضعَهُ عمرُ رضي الله عنه على السَّواد لكلِّ جريب يبلغُهُ الماءُ صاعٌ من بُرّ، أو شعيرٍ ودرهم، ولجريبِ الرَّطَبة
(9)
خمسةُ دراهم، ولجريبِ الكرم أو النَّخلة متَّصلة
(10)
ضعفُها، ولما سواهُ كزعفرانٍ وبُستانٍ ما يطيق):
(1)
العُذَيب: مَنْزلُ الحاج العراقي قريبٌ من الكوفة، قال الحازمي: هو حدُّ السواد، والعذيب أيضاً: موضع بالبَصرة، والعذيب: ماءٌ في ديار كلب. ينظر: «تهذيب الأسماء واللغات» (2: 55)
(2)
مَهْرة: اسم مكان، وكان اسم لأبي قبيلة وسمي به، ونسبت الإبل المهرية إلى ذلك الموضع. ينظر:«الكفاية» (5: 287).
(3)
ذلك حدها طولاً، وأما حدها عرضاً فما بين يبرين والدهناء ورمل عالج، وهي أسماء مواضع إلى حد الشام. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 660).
(4)
حُلوان: اسمٌ قرية سمّيت باسم بانيها حلوان بن عمران بن قضاعة، وهي بين بغداد وهمدان. ينظر:«الدر المختار» (ص 254).
(5)
الثَّعلبية: منْزل من منازل البادية بعد العُذَيب بكثير. ينظر: «البناية» (5: 794).
(6)
العَلْث: قرية موقوفة على العلوية على شرقي دجلة، وهي أول العراق. ينظر:«الشرنبلالية» (1: 295).
(7)
عَبَّادان: حصن صغير على شط البحر، وفي المثل: ليس وراء عبّادان قرية. ينظر: «الدر المنتقى» (1: 662).
(8)
أي إن كان بقرب أرض عشرية فهو عشري، وإن كان بقرب خارجية فخراجي؛ لأن ما يقرب إلى الشيء يعطى حكمه. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 151/أ).
(9)
الرَّطَبة: القثّاء والخيار والبطيخ والباذنجان وما جرى مجراه، والبقول غير الرّطاب مثل الكراث. ينظر:«الشرنبلالية» (1: 297).
(10)
متصلة؛ حال من الكرم والنخلة، فلو كانت أشجار العنب والتمر متفرّقة، بحيث يكون وسطها مزروعاً، فلا شيء فيها. ينظر:«البحر» (5: 116).
ونصفُ الخارجِ غايةُ الطَّاقة، ونقصَ إن لم تطق وظيفتها، ولا يزادُ إن أطاقت عند أبي يوسف رضي الله عنه، وجازَ عند محمَّد رضي الله عنه. ولا خراجَ لو انقطع الماءُ عن أرضِه، أو غلبَ عليها، أو أصاب الزَّرع آفة، ويجبُ إن عطَّلَها مالكُها، ويبقى إن أسلمَ المالك، أو شراها مسلم، ولا عشرَ في خارج أرضِه،
ستّونَ ذراعاً في ستّينِ ذراعاً
(1)
، وفي كتب الفقه ذراعُ الكِرْبَاسِ سبعُ قبضات
(2)
، وذراعُ المساحةِ سبعُ قبضاتٍ وأصبعٍ قائم
(3)
، وعند الحسَّاب الذِّراع أربعةٌ وعشرونَ إصبعاً، والأصبعُ ستةُ شعيراتٍ مضمومةً بطونُ بعضِها إلى بعض
(4)
.
(ونصفُ الخارجِ غايةُ الطَّاقة
(5)
، ونقصَ إن لم تطق وظيفتها، ولا يزادُ
(6)
إن أطاقت عند أبي يوسف رضي الله عنه، وجازَ عند محمَّد رضي الله عنه.
ولا خراجَ
(7)
لو انقطع الماءُ عن أرضِه، أو غلبَ عليها، أو أصاب الزَّرع آفة، ويجبُ إن عطَّلَها مالكُها، ويبقى إن أسلمَ المالك، أو شراها مسلم، ولا عشرَ في خارج أرضِه): أي أرضِ الخراج، وهذا عندنا، وعند الشَّافِعِيِّ
(8)
رضي الله عنه يجب.
(1)
الذراع: 48 سم، فالجريب:(60 ذراع×48 سم) × (60 ذراع×48 سم) = 28.8 م× 28.8 م
(2)
ذراع الكرباس: (7 قبضات) × (4 أصابع×2 سم الأصبع) = 56 سم.
(3)
ذراع المساحة: 66.5 سم. ينظر: «المقادير الشرعية» (ص 159).
(4)
الشعرة: 0.333 سم، والأصبع: 6 شعيرات × 0.333 سم = 2 سم، فالذراع: 24 أصبع × 2 سم: 48 سم. ينظر: «المقادير الشرعية» (ص 208).
(5)
أي نهاية طاقة الأرض أن يكون الواجب نصف ما تخرجه الأرض، فيجوز توظيف ما هو أقلّ منه، كما لا تجوز الزّيادة على مقدار ما ثبت عن عمر رضي الله عنه وأصحابه في جريب الكرم، وغيره. ينظر:«البحر» (5: 116 - 117).
(6)
أي إذا أراد الإمام توظيف الخراج على الأرض ابتداءً وزاد على وظيفة عمر، فعند محمد يجوز؛ لأن الوظيفة مقدر بالطاقة وعند الإمام وهو رواية عن أبي يوسف لا يجوز وهو الصحيح، كما في «الكافي». ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 667).
(7)
أي لا خراج لو أصابت الزرع آفة سماوية كالغرق والحرق وشدة البرد وألحق البزازي والجراد بذلك حيث لم يمكن دفعه ولا شك أن الدودة والفارة والقردة والنمل، كذلك إذ العلة عدم القدرة على المنع، ولا فرق بين خراج الوظيفة والمقاسمة والعشر. ينظر:«منح الغفار» (ق 419/ب)، و «الفتاوى الخيرية» (1: 100).
(8)
ينظر: «أسنى المطالب» (1: 369)، و «نهاية المحتاج» (3: 76)، و «تحفة المحتاج» (3: 242)، وغيرها.
ويتكرَّرُ العشرُ بتكرُّرِ الخارج.
فصل الجزية
ما وُضِعَتْ بصلحٍ لا تغيَّر، وحين غُلِبُوا وأُقِرُّوا على أملاكِهم توضعُ على كتابيٍّ ومجوسيٍّ ووثنيٍّ عجميٍّ ظَهَرَ غناه، لكلِّ سنةٍ ثمانيةٌ وأربعونَ درهماً، وعلى المتوسطِ نصفُها، وعلى فقيرٍ يكسبُ ربعَها
(ويتكرَّرُ العشرُ بتكرُّرِ الخارج)، بخلاف الخراج، فإنَّه لا يتكرَّر، واعلم أن الخراجَ نوعان: خراجٌ موظَّف، وهو الوظيفةُ المعيَّنةِ التي توضعُ على الأرضِ كما وضعَ عمرُ رضي الله عنه على سوادِ العراق، وخراجُ مقاسمة، كربع الخارج، وخمسه، ونحوهما، فالذي لا يتكرَّر هو الموظَّف، أمَّا خراجُ المقاسمةِ فهو يتكرَّر كالعشر.
فصل الجزية
اعلم أنّ الجزيةَ نوعان:
جزيةٌ وضعَتْ بالتَّراضي، فتقدَّرُ بحسبِ ما يقعُ عليه الاتِّفاق.
وجزيةٌ يبتدأُ الإمامُ وضعَها إذا غَلَبَ عليهم.
(ما وُضِعَتْ بصلحٍ لا تغيَّر، وحين غُلِبُوا وأُقِرُّوا على أملاكِهم توضعُ على كتابيٍّ ومجوسيٍّ ووثنيٍّ عجميٍّ ظَهَرَ غناه)
(1)
، فيه خلافُ الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه، فإنَّه لا توضعُ عليه عنده، (لكلِّ سنةٍ ثمانيةٌ وأربعونَ درهماً): يأخذُ في كلِّ شهرٍ أربعةَ دراهم، (وعلى المتوسطِ نصفُها، وعلى فقيرٍ يكسبُ ربعَها): وعند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه يوضعُ على كلِّ حالمٍ وحالمةٍ دينار، الفقيرُ والغنيُّ سواء.
(1)
جملة: ظهر غناه؛ صفة لكلّ من الثّلاثة. والظّاهر الغنى: هو صاحب المال الكثير الذي لا يحتاج إلى العمل. أما المتوسط: الذي له مالٌ لا يستغني به عن العمل. وأما المعتمل: مَن يكسبُ أكثر من حاجته ولا مال له. ينظر: «الكفاية» (5: 289).
(2)
ينظر: «التنبيه» (ص 145)، و «الغرر البهية» (5: 138)، وغيرهما.
(3)
عبارة «المنهاج» (4: 248 تدل على خلاف هذا، وهي: أقل الجزية دينار لكل سنة، ويستحب للإمام مماكسة حتى يأخذ من متوسط دينارين وغني أربعة
…
. اهـ. وينظر: شرحه «مغني المحتاج» (4: 248)، و «التنبيه» (145)، و «تحفة الحبيب» (4: 278).
لا على وثنيٍّ عربيٍّ، فإن ظُهِرَ عليه، فعرسُه، وطفلُهُ فيء، ولا مرتدّ، ولا يقبلُ منهما، إلاَّ الإسلامَ أو السَّيف، ولا على راهبٍ لا يخالط، وصبيّ، وامراة، ومملوك، وأعمى، وزَمِنٍ، وفقير لا يكسب، وتسقطُ بالموتِ والإسلام، ويتداخلُ بالتِّكرار، ولا تُحْدَثُ بيعةٌ وكنيسةٌ هنا، ولهم إعادةُ المنهدمة، ومُيِّزَ الذِّميُّ منِّا في زيِّه
(لا على وثنيٍّ عربيٍّ، فإن ظُهِرَ عليه، فعرسُه، وطفلُهُ فيء، ولا مرتدّ، ولا يقبلُ منهما): أي من الوثنيِّ العربيِّ والمرتدّ، (إلاَّ الإسلامَ أو السَّيف)، وعند الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه يسترقُّ مشركو العرب.
(ولا على راهبٍ لا يخالط)، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه، وهو روايةُ محمَّدٍ رضي الله عنه عن أبي حنيفةَ رضي الله عنه توضعُ إن كان قادراً على العمل، (وصبيّ، وامراة، ومملوك، وأعمى، وزَمِنٍ)، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه تجبُ إذا كان له مال، (وفقير لا يكسب)، وعند الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه تجب.
(وتسقطُ بالموتِ والإسلام)، خلافاً للشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه فيهما.
(ويتداخلُ بالتِّكرار)
(4)
، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه خلافاً لهما.
(ولا تُحْدَثُ بيعةٌ وكنيسةٌ
(5)
هنا، ولهم إعادةُ المنهدمة، ومُيِّزَ الذِّميُّ منِّا في زيِّه
(6)
(1)
ينظر: «الأم» (8: 622)، و «التنبيه» (ص 145)، وغيرهما.
(2)
قال الشيرازي في «التنبيه» (ص 147): وفي الفقير الذي لا كسب له قولان: أحدهما: لا تجب عليه، والثاني: تجب. وقال النووي في «المنهاج» (4: 250): ولا على فقير في الأصح.
(3)
ينظر: «المنهاج» (4: 249)، وشرحه «مغني المحتاج» وغيره.
(4)
يعني مَن لم تؤخذ منه الجزية في سنة حتى جاءت سنة أخرى لم تؤخذ منه إلا جزية واحدة عنده، خلافاً لهما. ينظر:«العمدة» (2: 372).
(5)
وهما متعبّد اليهود والنصارى، ثمّ غلب الكنيسة لمتعبّد اليهود، والبيعة لمتعبّد النّصارى خاصّة، وفي مصر ديار مصر لا يستعمل لفظ البيعة بل الكنيسة لمتعبد الفريقين، ولفظ: الدير للنصارى خاصة. ينظر: «الفتح» (5: 299).
(6)
أي فلا يلبس ما يخص بأهل العلم والشرف كالرداء والعمامة والصوف والجوخ، بل قميصاً خشناً من كرباس جيبه على صدره كالنساء. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 674).
ومركبِه، وسرجه، وسلاحه، فلا يركبُ خيلاً، ولا يعملُ بسلاح، ويُظْهِرُ الكستيج، ويَرْكَبُ على سرج كإكاف، ومُيِّزَتْ نساؤهم في الطَّريق، والحمام، ويُعلَّمُ على دورِهم؛ لئلا يستغفرَ لهم. ونُقِضَ عهدُهُ: إن غَلَبَ على موضعٍ لحربنا، أو لَحِقَ بدارهم، فصارَ كمرتدٍّ في الحكمِ بموتِه بلحاقِه، لكن لو أُسِرَ يسترَّق، والمرتدُّ يقتلُ لا إن امتنعَ عن الجزية، أو زَنَى بمسلمة، أو قبَّلَها، أو سبَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، ويؤخذُ من مالِ بالغي تغلبيٍّ وتغلبيَّةٍ ضِعْفُ زكاتنا، ومن مولاه الجزيةُ والخراج: كمولى القُرشيِّ
ومركبِه، وسرجه، وسلاحه، فلا يركبُ خيلاً
(1)
، ولا يعملُ بسلاح، ويُظْهِرُ الكستيج)، وهو خيطٌ غليظٌ بقدرِ الأُصْبعِ من الصُّوفِ يشدُّهُ الذِّميُّ على وسطه، وهو غيرُ الزُّنَّار
(2)
من الإبريسم.
(ويَرْكَبُ على سرج كإكاف
(3)
، ومُيِّزَتْ نساؤهم في الطَّريق
(4)
، والحمام، ويُعلَّمُ على دورِهم؛ لئلا يستغفرَ لهم.
ونُقِضَ عهدُهُ: إن غَلَبَ على موضعٍ لحربنا، أو لَحِقَ بدارهم، فصارَ كمرتدٍّ في الحكمِ بموتِه بلحاقِه، لكن لو أُسِرَ يسترَّق، والمرتدُّ يقتلُ لا إن امتنعَ عن الجزية، أو زَنَى بمسلمة، أو قبَّلَها، أو سبَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم)، وعند الشَّافِعِيِّ
(5)
رضي الله عنه سبُّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم هو نقضُ العهد.
(ويؤخذُ من مالِ بالغي تغلبيٍّ وتغلبيَّةٍ ضِعْفُ زكاتنا، ومن مولاه الجزيةُ والخراج)، خلافاً لزفر رضي الله عنه، فإنَّه يؤخذُ منه ضِعْفُ زكاتنا، وهو الخمسُ في الأراضي، ونصفُ العشرِ في غيرِها ممِّا يجبُ فيه الزَّكاة. (كمولى القُرشيِّ)؛ فإنَّه يؤخذُ منه الجزيةُ
(1)
قال ابن نجيم رضي الله عنه في «الأشباه» (ص 387): المعتمد أن لا يركبوا مطلقاً، ولا يلبسوا العمائم، وإن ركب الحمار لضرورة نزل في المجامع. اهـ. وفي «الفتح» (5: 302): اختار المتأخّرون أن لا يركب أصلاً إلا لضرورة.
(2)
الزُّنَّار: وهو ما يلبسه الذمي ويشدّه على وسطه. ينظر: «اللسان» (3: 1871).
(3)
أي في الهيئة: يعني إن احتاج إلى ركوب، قال الكرخي رضي الله عنه في تفسيره أن يكون على قَرَبوس السرج مثل الرمانة. ينظر:«الرمز» (1: 321)، و «تاج العروس» (23: 27).
(4)
بأن تمشي في ناحية الطريق لا في وسطه. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 151/ب).
(5)
في «المنهاج» (4: 358): ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فالأصح أنه إن شرط انتقاض العهد بها انتقض، وإلا فلا. وينظر:«التنبيه» (ص 146)، و «مغني المحتاج» (4: 358)، وغيرها.
ومصرفُ الجزيةِ والخراج، ومالُ التَّغلبيِّ، وهديتُهم للإمام، وما أُخِذَ منهم بلا حربٍ مصالُحنا: كسدِّ ثَغْر، وبناءِ قنطرة، وجسر، وكفايةِ العلماء، والقضاة، والعُمَّال، ورزقِ المقاتِلة، وذراريهم. ومَن ماتَ في نصفِ السَّنةِ حُرِمَ من العطاء
والخراج، فقولُهُ صلى الله عليه وسلم:«مولى القومِ منهم»
(1)
، إنِّما يعملُ به في حرمةِ الصَّدقة، فيُجْعَلُ مولى الهاشميِّ كالهاشميِّ في هذا الحكم؛ لأنَّ الحرماتِ تثبت بالشُّبهات.
(ومصرفُ الجزيةِ والخراج، ومالُ التَّغلبيِّ، وهديتُهم للإمام، وما أُخِذَ منهم بلا حربٍ مصالُحنا: كسدِّ ثَغْر، وبناءِ قنطرة، وجسر
(2)
): القنطرةُ: ما يكون مركباً، والجسرُ خلافه مثل أن يسدَّ السُّفن، (وكفايةِ العلماء، والقضاة، والعُمَّال
(3)
، ورزقِ المقاتِلة، وذراريهم
(4)
.
ومَن ماتَ في نصفِ السَّنةِ
(5)
حُرِمَ من العطاء
(6)
)؛ فإنَّه صلة، فلا يملكُ قبل القبض، ويسقطُ بالموت، وأهلُ العطاءِ في زماننا القاضي، والمفتي، والمدرس. (والله أعلم)
(7)
.
(1)
من حديث رفاعة بن رافع في «مسند أحمد» (4: 340)، و «سنن النسائي الكبرى» (2: 58)، و «المجتبى» (5: 107)، و «سنن أبي داود» (2: 123)، و «سنن الترمذي» (3: 46)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، و «سنن الدارمي» (2: 317)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (7: 368)، و «مسند الروياني» (1: 474)، و «مسند أبي يعلى» (5: 133)، وغيرها. وينظر:«الدراية» (2: 163)، و «تلخيص الحبير» (4: 214).
(2)
قنطرة؛ ما يبنى على البحر والنّهر للعبور، والجسر: ما يعبر به النّهر مبنيَّاً كان أو غيره. ينظر: «المغرب» (ص 388).
(3)
العُمّال: جمع عامل، ككتبة القاضي والقسّامين الذين يقسّمون التّركة وغيرها، والذين يحفظون السّواحل، ويدخل فيهم: المذكّر والواعظ بحقّ والمحتسب والمفتي والمعلّم بلا أجر.
(4)
أي أولاد العلماء والقضاة والمقاتلة وغيرهم؛ لاحتياجهم لا سيما إذا كانوا سالكين على مسالك آبائهم.
(5)
وقيد بنصف السنة؛ لأنه لو مات في آخر السنة يستحب صرف ذلك إلى قريبه. ينظر: «مجمع الأنهر» (1: 680).
(6)
في ق: العطايا. ينظر: «العمدة» (2: 374).
(7)
زيادة من ف.
باب المرتد
مَن ارتدَّ ـ والعياذُ باللهِ ـ عُرِضَ عليه الإسلام، وكُشِفَت شبهتُه، فإن استمهل حُبِسَ ثلاثةَ أيَّام، فإن تاب فبها، وإلاَّ قتل، وهي بالتَّبري عن كلِّ دينٍ سوى دينِ الإسلام، أو عمَّا انتقلَ إليه، وقتلُهُ قبل العرضِ تركُ ندبٍ بلا ضمان، ويزولُ ملكُهُ عن مالِهِ موقوفاً، فإن أسلمَ عادَ، وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب، وحُكِمَ به، عتقَ مدبَّرَه وأمَّ ولدِه وحلَّ دينٌ عليه
باب المرتد
(مَن ارتدَّ ـ والعياذُ باللهِ ـ عُرِضَ عليه الإسلام، وكُشِفَت شبهتُه، فإن استمهل
(1)
حُبِسَ ثلاثةَ أيَّام، فإن تاب فبها
(2)
، وإلاَّ قتل): أي إن تابَ فبها، وإن لم يتبْ قتل، ومعنى فبها: أي فبالخصلةِ الحسنة أخذ، وكلمة: إلاَّ؛ معناها: وإن لا، وليست للاستثناء، (وهي): أي التوبة، (بالتَّبري عن كلِّ دينٍ سوى دينِ الإسلام، أو عمَّا انتقلَ إليه، وقتلُهُ قبل العرضِ تركُ ندبٍ بلا ضمان)؛ لأنَّه استحقَّ القتلَ بالارتداد، وعند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه يجبُ أن يمهلَه الإمامُ ثلاثةَ أيَّام، ولا يحلُّ قتلُهُ قبل ذلك.
(ويزولُ ملكُهُ عن مالِهِ موقوفاً، فإن أسلمَ عادَ، وإن مات أو قتل أو لحق (بدار الحرب)
(4)
، وحُكِمَ به، عتقَ مدبَّرَه وأمَّ ولدِه وحلَّ دينٌ عليه)؛ فإنَّه في حكمِ الميِّت، فالدينُ المؤجَّل يصيرُ حالاً بموتِ المديون، وعند الشَّافِعِيِّ
(5)
رضي الله عنه بقي مالُهُ موقوفاً كما كان.
(1)
في م: استمهلي. أي طلب المرتدُّ المهلةَ بعدما عرض عليه الإسلام للتفكّر، وقيَّد به لأنّه إن لم يستمهل قتل في الفور. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 152/أ).
(2)
زيادة من أ و ف.
(3)
قال الشيرازي في «التنبيه» (ص 141): من ارتد عن الإسلام يستحبّ أن يستتاب في أحد القولين، ويجب في الآخر، وفي مدّة الاستتابة قولان: أحدهما: ثلاثة أيام، والثاني: في الحال، وهو الأصح. اهـ. وفي «المنهاج» (4: 139): وتجب استتابة المرتد والمرتدة، وفي قول تستحب كالكافر، وهي في الحال، وفي قول ثلاثة أيام. اهـ.
(4)
في أ و ت و س و ص وف و ف: بدارهم.
(5)
في «التنبيه» (ص 142): وإن ارتد وله مال فقد قيل: فيه قولان: أحدهما: أنه باق على ملكه، والثاني: أنه موقوف، فإن رجع إلى الإسلام حكم بأنه له، وإن لم يرجع حكم بأنه قد زال بالردة، وقيل فيه قول ثالث: أنه يزول بنفس الردة. اهـ.
وكسبُ إسلامِه لوارثه المسلم، وكسبُ ردَّتِه فيءٌ، وقضي دينُ كلِّ حالٍ من كسبِ تلك، وبطلَ نكاحُهُ وذبحُه، وصحَّ طلاقُهُ واستيلادُه، وتوقفُ مفاوضتُه، وبيعُه، وشراؤه، وهبتُه، وإعارتُه، وإجارتُه، وتدبيرُه، وكتابتُه، ووصيَّتُه، إن أسلمَ نفذ، وإن مات أو قتل أو لحقَ بدارهم وحُكِمَ به بطل، فإن جاءَ مسلماً قبل الحكم، فكأنَّه لم يرتدَّ، وإن جاءَ بعدَه ومالُهُ مع ورثتِه أخذه. ولا تقتلُ مرتدَّة وتحبسُ حتَّى تُسْلِم، وصحَّ تصرُّفُها وكسباها لورثتِها.
(وكسبُ إسلامِه لوارثه المسلم، وكسبُ ردَّتِه فيءٌ): هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما: كلاهما لوارثِه المسلم، وعند الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه كلاهما فيء، (وقضي دينُ كلِّ حالٍ من كسبِ تلك): أي دينُ حالِ الإسلامِ يقضى من كسبِ حالِ الإسلام، ودينُ حالٍ الرِّدَّة من كسبِ حالٍ الرِّدَّة، (وبطلَ نكاحُهُ وذبحُه، وصحَّ طلاقُهُ واستيلادُه)؛ فإنَّه قد انفسخَ النِّكاحُ بالرِّدّة فتكونُ المرأةُ معتدَّة، فإن طلَّقَها يقع، وكذا إذا ارتدَّا معاً، فطلَّقَها فأسلما معاً، فإنَّه لم ينفسخِ النِّكاح، فيقعُ الطَّلاق.
(وتوقفُ مفاوضتُه
(2)
، وبيعُه، وشراؤه، وهبتُه، وإعارتُه، وإجارتُه، وتدبيرُه، وكتابتُه، ووصيَّتُه، إن أسلمَ نفذ، وإن مات أو قتل أو لحقَ بدارهم وحُكِمَ به بطل): اعلمْ أنَّ النِّكاحَ والذَّبحَ باطلان اتِّفاقاً، والطَّلاقُ والاستيلادُ صحيحان اتِّفاقاً، والمفاوضة موقوفة اتِّفاقاً، والباقي موقوفٌ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، ونافذٌ عندهما.
(فإن جاءَ مسلماً قبل الحكم، فكأنَّه لم يرتدَّ، وإن جاءَ بعدَه ومالُهُ مع ورثتِه أخذه
(3)
.
ولا تقتلُ مرتدَّة) خلافاً للشَّافِعِيِّ
(4)
رضي الله عنه، (وتحبسُ حتَّى تُسْلِم، وصحَّ تصرُّفُها وكسباها لورثتِها.
(1)
يقضى ديونه من ماله إذا مات أو قتل والباقي فيء. ينظر: «التنبيه» (ص 142)، و «المنهاج» (4: 142).
(2)
أي تجعلُ هذه المعاملات موقوفة، أمّا توقّف المفاوضة: أي الشركة المسمّاة بالمفاوضة: وهي شركة متساويين مالاً وتصرّفاً وديناً، فهو اتّفاقي؛ لأنّها تعتمد المساواة، ولا مساواة بين المسلم والمرتدّ؛ وتوقف باقي المعاملات عنده لا عندهما. ينظر:«العمدة» (2: 377).
(3)
أما إن لم يجده قائماً في يده فليس له أخذ بدله منه؛ لأن الوارث إنما يخلفه فيه لاستغنائه، وإذا عاد مسلماً يحتاج إليه فيقدم عليه. ينظر:«البحر» (5: 145).
(4)
ينظر: «المنهاج» وشرحه «مغني المحتاج» (4: 140)، وغيرهما.
فإن وَلَدَتْ أمتُهُ فادَّعاه، فهو ابنُهُ حرَّاً يرثُهُ في المسلمةِ مطلقاً إن مات أو لحقَ بدارهم، وكذا في النَّصرانيَّة إلاَّ إذا جاءتْ به لأكثرَ من نصفِ حولٍ منذ ارتدَّ. وإن لَحِقَ بمالِه، فظُهِرَ عليه فهو فيءٌ، فإن رجعَ فلَحِقَ ثانياً بمالِه، فظُهِرَ عليه فهو لوارثه قبل قسمتِه، فإن قُضِيَ بعبدٍ مرتدٍّ لحقٍّ لابنِه فكاتَبه، فجاءَ مسلماً فبدلُها والولاءُ للأب
فإن وَلَدَتْ أمتُهُ فادَّعاه، فهو ابنُهُ حرَّاً يرثُهُ في المسلمةِ مطلقاً إن مات أو لحقَ بدارهم، وكذا في النَّصرانيَّة إلاَّ إذا جاءتْ به لأكثرَ من نصفِ حولٍ منذ ارتدَّ).
قولُهُ: مطلقاً؛ أي سواءٌ كان بين الارتداد والولادة أقلَّ من ستَّةِ أشهر أو أكثر؛ لأنَّ الولدَ يتبعُ خيرَ الأبوينِ ديناً، فيتَّبعُ الأمَّ فيكون مسلماً، والمسلمُ يرثُ من
(1)
المرتدّ.
وأمَّا إذا كانت الأمُّ نصرانيَّة، فإن كان بين الارتدادِ والولادةِ أقلُّ من ستَّةِ أشهرٍ يرث
(2)
، وإن كان أكثرُ من ستَّة أشهرٍ لا يرث؛ لأنَّ الولدَ يتَّبعُ الأبَ هناك؛ لأنَّ الأبَ يُجْبَرُ على الإسلام، فيكون أقربُ
(3)
إلى الإسلام من النَّصرانيَة.
(وإن لَحِقَ بمالِه): أي لَحِقَ بدارِ الحربِ مع مالِه، (فظُهِرَ عليه فهو فيءٌ، فإن رجعَ فلَحِقَ ثانياً
(4)
بمالِه): أي لحق بدارِ الحربِ بلا مال، وحَكَمَ القاضي بلحاقِه، ثُمَّ رجع، ثُمَّ لَحِقَ بدارِ الحربِ مع مالِه، (فظُهِرَ عليه فهو لوارثه قبل قسمتِه): أي قبل قسمتِهِ بين الغانمين؛ لأنَّ القاضي إذا حكمَ بلحاقه، فكان الوارثُ كالمالكِ القديم، فكان أولى.
(فإن قُضِيَ بعبدٍ مرتدٍّ لحقٍّ لابنِه فكاتَبه، فجاءَ مسلماً فبدلُها والولاءُ للأب)
(5)
.
العبدُ مضافٌ إلى المرتدّ.
(1)
زيادة من ب و م.
(2)
لتيقُّن العلوق وقت إسلام الأب، فيكون الابن مسلماً، والمسلم يرث المرتدّ كما مرّ.
(3)
أي لأنه عسى أن يسلم بالجبر عليه، فيكون الولد مسلماً بإسلامه، والنّصرانيّة لا تُجْبَرُ على الإسلام؛ فلو تبع الطّفل أمّه لبقي كافراً أبدا فتبعيَّتُه للأب هاهنا خير من تبعيَّته للأم، والأب خير من الأم لكونه مرجوّ الإسلام دونها، ولمّا جعل تبعاً للأب لم يرثْ له؛ لأنّ المرتدّ لا يرث من المرتدّ. ينظر:«العمدة» (3: 278).
(4)
زيادة من ب و م.
(5)
صورته: لحق المرتدُّ بدار الحرب، وله عبد فقضى به لابنه وكاتبه الابن ثم جاء المرتد مسلماً فالمكاتبة جائزة، والكتابة والولاء للمرتد الذي أسلم؛ لأنه لا وجه إلى بطلان الكتابة لنفوذها بدليل منفذ فجلعناه الوارث الذي هو يكون خلفه كالوكيل من جهته، وحقوق العقد فيه ترجع إلى الموكل. ينظر:«الهداية» (2: 168).
ومَن قتلَه مرتداً خطأً، فلحِق، أو قُتِل، فدِيَتُه في كسبِ الإسلام، ومَن قُطِعَ يدُهُ عمداً فارتدَّ ـ والعياذُ بالله ـ وماتَ منه، أو لَحِقَ بدارِ الحرب، فجاءَ مسلماً فماتَ منه ضَمِنَ القاطعُ نصفَ الدِّيَةِ في مالِه لوارثِه، وإن أسلمَ هاهنا فماتَ ضَمِنَ كلَّها
ولحق: صفةٌ للمرتدّ: أي لحقَ بدار الحرب.
ولابنِهِ: متعلِّقٌ بقضى.
فكاتَبه: أي كاتَبه الابن.
فجاءَ: أي فجاءَ الأبُ المرتدّ.
وإنِّما كان البدلُ للأبِ والولاءُ له؛ لأنَّ الكتابةَ وقعتْ جائزة، والابنُ خليفةُ الأب، فإذا جاءَ الأبُ مسلماً صارَ الابنُ كالوكيلِ من الأب، فالبدلُ له، والعتقُ واقعٌ عنه.
(ومَن قتلَه مرتداً خطأً، فلحِق، أو قُتِل، فدِيَتُه في كسبِ الإسلام)؛ لأنَّ الدِّيَةَ لا تكونُ على العاقلة؛ لعدم النُّصرة، فتكون في مالِه، فعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه تكون في كسبِ الإسلام؛ لأنَّ كسبَ الرِّدَّةِ فيءٌ، وعندهما في الكسبين.
(ومَن قُطِعَ يدُهُ عمداً
(1)
فارتدَّ
(2)
ـ والعياذُ بالله ـ وماتَ منه، أو لَحِقَ بدارِ الحرب، فجاءَ مسلماً فماتَ منه ضَمِنَ القاطعُ نصفَ الدِّيَةِ في مالِه لوارثِه)
(3)
؛ لأنَّ القطعَ حلَّ محلاً معصوماً، والسِّرايةُ حلَّت محلاً غيرَ معصوم، فاعتبرَ القطعُ لا السِّراية، فيجبُ نصفُ الدِّيَة، وإنِّما تجب في مالِه؛ لأنَّ العمدَ لا يتحمَّلُه العاقلة، وإنِّما لا يجبُ القصاص؛ لوجودِ الشُّبهة، وهو الارتداد.
وقولُهُ: أو لحق، أي لحقَ بدارِ الحربِ فقضى به.
(وإن أسلمَ هاهنا فماتَ ضَمِنَ كلَّها): أي فماتَ من ذلك القطع، وإنِّما يجبُ كلُّ
(1)
قيَّدَ بعمداً؛ لأنه لو كان القطعُ خطأً، فالدِيَةُ على العاقلة كما قال الحاكم، ذكره صاحب «البناية» (5: 878)، وقول الطَّحْطَاوي في «حواشي الدر المختار» (2: 490): إن العواقلَ لا تعقلُ الأطراف سهوٌ منه.
(2)
أي بعد القطع، فإن ارتدَّ ثم قطعت يده لا ضمانَ على قاطعه كما لا ضمان على قاتله؛ لكونه مستحقّ الإهلاك. ينظر:«حواشي الطحطاوي» (2: 490)
(3)
حاصلُهُ: أنه تجبُ في الصورتين على القاطع ديةُ اليد فقط، وهي نصفُ دية النفس، ولا تجب عليه دية النفس بناءً على أن الموتَ حصلَ من قطعِهِ بخلاف إذا قطعَ مسلمٌ يد مسلمٍ فمات من ذلك القطع من غير تخلل ارتداد، فإنه تجب هناك ديةُ الكلّ للسراية. ينظر:«العمدة» (2: 380).
مكاتَب ارتدَّ فلَحِق، فأُخِذَ بمالِه فقُتِل، فبدلُها لسيِّدِه، وما بقيَ لوارثِه. زوجان ارتَّدا فلحقا، فولدتْ هي ثُمَّ الولدُ فظُهِرَ عليهم، فالولدانِ فيءٌ، والأوَّلُ يُجْبَرُ على الإسلامِ لا ولدُه، وصحَّ ارتدادُ صبيٍّ يعقلُ وإسلامُه، ويُجْبَرُ عليه، ولا يقتلُ إن أبى
الدِّيَة؛ لكونِهِ معصوماً وقتَ القطع، وكذا وقت السَّراية، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسف رضي الله عنه، وعند محمَّد رضي الله عنه يجبُ النِّصف هاهنا لأنَّ الارتدادَ هدر السِّراية، فلا ينقلبُ بالإسلامِ إلى الضَّمان.
(مكاتَب ارتدَّ فلَحِق، فأُخِذَ بمالِه فقُتِل، فبدلُها لسيِّدِه، وما بقيَ لوارثِه
(1)
.
زوجان ارتَّدا فلحقا، فولدتْ هي ثُمَّ الولدُ فظُهِرَ عليهم، فالولدانِ فيءٌ، والأوَّلُ يُجْبَرُ على الإسلامِ لا ولدُه)
(2)
: وفي روايةِ الحَسَن رضي الله عنه يُجْبَرُ ولدُ الولدِ أيضاً، وهذا بناءً على أن ولدَ الولدِ لا يتبعُ الجدَّ في الإسلامِ في ظاهرِ الرِّواية، ويتبعُهُ في روايةِ الحَسَن رضي الله عنه.
(وصحَّ ارتدادُ صبيٍّ يعقلُ
(3)
وإسلامُه، ويُجْبَرُ عليه، ولا يقتلُ
(4)
إن أبى): هذا عندنا، وعند الشَّافِعيِّ
(5)
رضي الله عنه وزُفر رضي الله عنه لا يصحُّ ارتدادُه، ولا إسلامُه.
ولنا: إن عليَّاً رضي الله عنه أسلمَ في صباه، وصحَّحَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إسلامَه، وافتخارُه بذلك مشهورٌ حيث قال:
سبقتُكم على الإسلامِ طُرَّاً
(6)
…
غلاماً ما بلغتُ أوان حلمي
(7)
(وسقبتكم إلى الإسلام قهراً
…
بصارم همَّتي وسنان غرمي
(8)
(1)
صورته: مكاتب ارتد فلحق بدار الحرب واكتسب مالاً، فأخذ بماله، وأبى أن يسلم، فقتل، فإن سيده يعطى بدل الكتابة، والباقي للورثة. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 153/أ).
(2)
أي يكون ولدهما وولد ولدهما فيء: أي رقيقين؛ لأن المرتدة تسترق والولد يتبع الأم، وكذا ولد الولد، والولد الأول يجبر على الإسلام لا ولده؛ لأن الأولاد يتبعون الآباء في الدين. ينظر:«شرح السير الكبير» (5: 1986)، «الدرر» (1: 304 - 305).
(3)
الصبيَّ الذي يعقلَ هو الذي يعقلُ أن الإسلام سبب النجاة، ويميِّزُ الخبيثَ من الطيِّب، والحلو من المرّ. ينظر:«أنفع الوسائل» (ص 58).
(4)
في ت و ج و ص و ق: قتل.
(5)
ينظر: «المنهاج» وشرحه «مغني المحتاج» (4: 137)، و «التنبيه» (ص 141)، وغيرها.
(6)
في «سنن البيهقي الكبير» (6: 206)، و «الدراية» (3: 138)، و «التلخيص» (3: 77)، و «التحقيق» (2: 235)، قال ابن حجر: رواه البيهقي بسند ضعيف.
(7)
طُرَّاً: أي جميعاً. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 389).
(8)
زيادة من ف.
باب البغاة
قومٌ مسلمونَ خرجوا عن طاعةِ الإمام إلى العود، وكشفَ شبهتَهم، فإن تحيَّزوا مجتمعين، حلَّ لنا قتالُهم بِدْءاً، ونُجْهِزُ على جريحِهم، ونَتَّبعُ مُولِّيهم إن لهم فئة، ومَن لا فلا
باب البغاة
(1)
(قومٌ مسلمونَ خرجوا عن طاعةِ الإمام إلى العود، وكشفَ شبهتَهم، فإن تحيَّزوا مجتمعين، حلَّ لنا قتالُهم بِدْءاً): أي إن
(2)
انحازسوا يعني مالوا إلى فئةٍ من المسلمين؛ ليستعينوا بهم، واجتمعوا، أو اتَّخذوا حيزاً: أي مكاناً واجتمعوا فيه، حلَّ لنا قتالُهم بدءاً خلافاً للشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه فإنَّ قتلَ المسلمِ لا يجوزُ ابتداءً.
ونحن نقول: الحكمُ يدارُ على دليلِه، وهو تعسكرُهم واجتماعُهم، فإن صبرَ الإمامُ إلى أن يبدأوا، فربَّما لا يمكنُ دفعُ شرِّهم.
(ونُجْهِزُ على جريحِهم): أجهزَ على الجريح: أي أتمَّ قتلَه، وفيه خلافُ الشَّافِعِيِّ
(4)
رضي الله عنه أيضاً.
(ونَتَّبعُ مُولِّيهم إن لهم فئة): أي إن كان لهم فئة، وفيه خلافُ الشَّافِعِيِّ
(5)
رضي الله عنه أيضاً، (ومَن لا فلا): أي مَن لا فئةَ له لا نُجْهَزُ عليه حالَ كونِه جريحاً، ولا نتبعُهُ حالَ كونِه مولِّياً، لأنَّه لا يخافُ أن يَلْحَقَ بالفئةِ فلا ضرورةَ في قتلِه، فلا يقتلُ لكونِه مسلماً.
(1)
البُغاة: وهوم الخارجون على الإمام الحق بغير حق، والإمام يصير إماماً بالمبايعة معه من الأشراف والأعيان وبأن ينفذ حكمه في رعيته خوفاً من قهره وجبروته، فإن بايع الناس ولم ينفذ حكمه فيهم لعجزه عن قهرهم لا يصير إماماً، فإذا صار إماماً فاجراً لا ينعزل إن كان له قهر وغلبة وإلا ينعزل. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 699).
(2)
زيادة من م.
(3)
في «المنهاج» (4: 126): ولا يقاتل البغاة حتى يبعث إليهم أميناً فطناً ناصحاً يسألهم ما ينقمون، فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها، فإن أصرّوا نصحهم ثم آذنهم بالقتال، فإن استمهلوا اجتهد وفعل ما رآه صواباً. وينظر:«التنبيه» (ص 141).
(4)
ينظر: «المنهاج» (4: 127)، و «التنبيه» (ص 141)، وغيرها.
(5)
ينظر: «مغني المحتاج» (4: 127)، و «التنبيه» (ص 141)، وغيرهما.
ولا نسبي ذريَّتَهم، ونحبسُ ما لهم إلى أن يتوبوا، ونستعملُ سلاحَهم وخيلَهم عند الحاجة، ولا يجبُ شيءٌ بقتلِ باغٍ مثلَهُ إن ظُهِرَ عليهم، وإن غلبوا على مصر فقتلَ رجلٌ من أهلِهِ آخرَ منه، فظُهِرَ عليهم قُتِلَ به، وباغٍ قتلَ عادلاً مدَّعيّاً حقِّيَّتَهُ يرثُه كعكسه، فإن أقرَّ أنَّه على الباطلِ لا، وبيعُ السِّلاح من رجلٍ إن عَلِمَ أنَّه من أهل الفتنة كُرِه، وإلاَّ فلا
(ولا نسبي ذريَّتَهم، ونحبسُ ما لهم إلى أن يتوبوا، ونستعملُ سلاحَهم وخيلَهم عند الحاجة)، خلافاً للشَّافِعِي
(1)
رضي الله عنه.
(ولا يجبُ شيءٌ بقتلِ باغٍ مثلَهُ إن ظُهِرَ عليهم)
(2)
؛ لأنَّ ولايةَ الإمامِ منقطعةٌ عنهم.
(وإن غلبوا على مصر فقتلَ رجلٌ من أهلِهِ آخرَ منه
(3)
، فظُهِرَ عليهم قُتِلَ به): هذا إذا لم تجرِ البغاةُ في ذلك المصرِ أحكامَهم، فحينئذٍ لم تنقطعُ ولايةُ الإمامِ عن ذلك المصر، فيجري أحكامه.
(وباغٍ قتلَ عادلاً مدَّعيّاً حقِّيَّتَهُ يرثُه): هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّد رضي الله عنه، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه والشَّافِعِيِّ رضي الله عنه لا يرثُ الباغي العادل، سواءٌ ادَّعى حقِّيَّتَه، أو أقرَّ أنَّه على الباطل، (كعكسه): أي كما يرثُ العادلُ الباغي (إذا قتلَه)
(4)
، (فإن أقرَّ أنَّه على الباطلِ لا): أي إن أقرَّ أنَّه على الباطلِ لا يرثُه.
(وبيعُ السِّلاح من رجلٍ إن عَلِمَ أنَّه من أهل الفتنة كُرِه
(5)
، وإلاَّ فلا).
* * *
(1)
قال النووي في «المنهاج» (4: 127): ويردُّ سلاحهم وخيلهم إليهم إذا انقضت الحرب وأمنت غائلتهم، ولا يستعمل في قتال إلا للضرورة. وينظر:«مغني المحتاج» (4: 127)، وغيره.
(2)
أي إذا قتلَ باغٍ باغياً لا يقتصّ من القاتل، ولا يجبُ عليه شيءٌ إذا غلبَ أهلُ العدلِ عليهم؛ لأنّه لا ولايةَ لإمامِ أهلِ العدل عليهم حين القتل، فلم يقع موجباً لشيءٍ فصارَ كالقتلِ في دار الحرب. ينظر:«العمدة» (2: 384).
(3)
أي قتلَ رجلٌ من أهلِ ذلك المصرِ عمداً رجلاً آخرَ من أهلِ ذلك المصر في زمانِ حكومة البغاة. ينظر: «الدر المختار» (3: 312).
(4)
زيادة من م.
(5)
ظاهرُ كلامِهم أنّ الكراهةَ تحريميّة؛ لتعليلهم بالإعانةِ على المعصية. ينظر: «البحر» (5: 155)
كتاب اللقيط
رفعُهُ أحبّ، وإن خيفَ هلاكُهُ يجبُ كاللُّقطة، وهو حرٌّ إلاَّ بحجَّةِ رِقِّه، ونفقتُه وجنايتُه في بيتِ المال، وإرثُهُ له، ولا يؤخذُ من آخذِه. ونسبُه ممَّن ادَّعاه، ولو رجلين، أو ممَّن يصفُ منهما علامةً به، أو عبداً، وكان حرَّاً، أو ذميَّاً، وكان مسلماً إن لم يكن في مقرِّهم وذميَّاً إن كان فيه
كتاب اللقيط
(1)
(رفعُهُ أحبّ، وإن خيفَ هلاكُهُ يجبُ كاللُّقطة
(2)
، وهو حرٌّ إلاَّ بحجَّةِ رِقِّه، ونفقتُه
(3)
وجنايتُه في بيتِ المال، وإرثُهُ له، ولا يؤخذُ من آخذِه
(4)
.
ونسبُه ممَّن ادَّعاه، ولو رجلين، أو ممَّن يصفُ منهما علامةً به): أي لو ادَّعى رجلانِ نسبَه، فإن وَصَفَ أحدُهما علامةً في جسدِه، وكان في ذلك صادقاً، فالنَّسبُ منه، وإلاَّ فهما سواء. ثُمَّ عطفَ على قولِه: ولو رجلين؛ قولَهُ: (أو عبداً، وكان حرَّاً): أي إن كان المدَّعي عبداً ثَبَتَ نسبُه منه، لكنَّ اللَّقيط يكونُ حرَّاً؛ لأنَّ الأصلَ في دارِ المسلمينِ الحرِّية، (أو ذميَّاً، وكان مسلماً إن لم يكن في مقرِّهم): أي في مقرِّ الذَّميين، (وذميَّاً إن كان فيه): أي كان ذميَّاً إن ادَّعى نسبَهُ ذميّ، وقد وُجِدَ في مقرِّ أهل الذِّمة.
(1)
اللقيط: ما يلتقط، وهو اسم لحي موجود يطرحه أهله خوفاً عن العيلة أو فراراً عن تهمة الزنية مضيِّعه آثم ومحرزه غانم لما في احرازه إحياء النفس، وتمامه في «المستصفى» (ق 183/ب-184/أ).
(2)
أي إنّ رفعَ اللُّقطةِ وهي مالُ الغيرِ الذي وجد ضائعاً مندوب، وفرضٌ عند خوفِ ضياعها، وهذا إذا أمن على نفسه، وإلا فالتّركُ أولى. ينظر:«منح الغفّار» (ق 434/أ).
(3)
المرادُ بنفقته: كلُّ ما يحتاجُ إليه من الطّعام والكسوة والسُّكنى والدّواء وغير ذلك حتى المهر إذا زوّجَه السّلطان. كذا في «البحر» (5: 155 - 156). وإنّما كان في بيتِ المال؛ لأنّ اللَّقيطَ مسلمٌ عاجزٌ عن التّكسُّب، ولا مالَ له ولا قرابة، فأشبه المقعدَ الذي لا مالَ له، وقد ثبتَ في «مصنّف عبد الرزاق» (7: 450، 9: 14): عن عليّ رضي الله عنه أنّه أنفقَ على اللّقيطِ من بيتِ المال، وكذا روي في «الموطّأ» (2: 738)، و «مسند الشّافعيّ» (1: 225) وغيرها عن عمرَ رضي الله عنهم. وذكرَ في «تنويرِ الأبصار» (ص 117) وغيره: إنّ هذا إذا لم يكنْ له مالٌ وقرابة، فإن كان له مالٌ أو قرابةٌ فنفقتُهُ في ماله أو قرابته. ينظر:«العمدة» (2: 385).
(4)
أي قهراً سواء كان رجلاً أو امرأة؛ لأنه ثبت له حقّ الحفظ لسبق يده فله أن يدفع إلى غيره باختياره، فلو دفع إليه لم يأخذه منه؛ لأنه أبطل حقّه بالاختيار. وتمامه في «مجمع الأنهر» (1: 702).
وما شُدَّ عليه فهو له، وصرفَ إليه بأمرِ قاض، وقيل: بدونه، وللمُلْتَقِطِ قبضُ هبتِه، وتسليمُهُ في حرفةِ لا إنكاحُه، وتصرُّفٌ في ماله، ولا إجارتُه في الأصح
(وما شُدَّ عليه فهو
(1)
له
(2)
، وصرفَ إليه بأمرِ قاض، وقيل: بدونه، وللمُلْتَقِطِ قبضُ هبتِه، وتسليمُهُ في حرفةِ لا إنكاحُه، وتصرُّفٌ في ماله، ولا إجارتُه في الأصح).
* * *
(1)
زيادة من أ و ب و م.
(2)
أي ما وجد مشدوداً على اللقيط أو على دابة هو عليها فهو له اعتباراً بالظاهر. ينظر: «الدرر» (2: 130).
كتاب اللقطة
هي أمانةٌ إن أشهدَ على أخذه ليردَّ على ربِّها وإلاَّ ضَمِنَ إن جحدَ المالكُ أخذَهُ للرَّدِّ، وعُرِّفَتْ في مكان وُجِدَت، وفي المجامعِ مدَّةً لا تطلبُ بعدها في الصَّحيح
كتاب اللقطة
(1)
(هي أمانةٌ إن أشهدَ على أخذه ليردَّ على ربِّها وإلاَّ ضَمِنَ إن جحدَ المالكُ أخذَهُ للرَّدِّ): اعلم أن الواجدَ إن أقرَّ أنَّه أخذها لنفسِه ضَمِنَ بالإجماع، وإن لم يقرَّ بهذا، فإن أشهدَ أنَّه أخذَهُ للرَّدِّ لا يضمن، وإن لم يشهدْ ضَمِنَ
(2)
عند أبي حنيفة رضي الله عنه ومحمَّد رضي الله عنه، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه لا يضمن، بل القولُ قولُهُ في أنَّه أخذَه للرَدّ.
والإشهادُ أن يقول: مَن سمعتوه ينشدُ لقطةً فدلِّوه عليّ.
فقولُهُ: وإلاَّ ضَمِن؛ أي إن لم يشهدْ أنَّه أخذَه للرَدّ ضَمِن.
(وعُرِّفَتْ في مكان وُجِدَت، وفي المجامعِ مدَّةً لا تطلبُ بعدها في الصَّحيح).
قولُه: وعُرِّفت: أي وجبَ تعريفُها، والمرادُ بالتَّعريفِ أن يُنادي إنِّي وَجدتُ لقطةً لا أدري مالكَها، فليأتِ مالِكُها وليصفْها لأردَّها عليه، واختلفوا في مدَّةِ التَّعريف، والصَّحيحُ
(3)
أنَّها غيرُ مقدَّرةٍ بمدَّةٍ معلومة، بل هي مفوَّضةٌ إلى رأي المُلْتَقطِ فيعرِّفُها إلى أن يغلبَ على ظنِّهِ أنَّها لا تطلبُ بعد ذلك وقدَّرَها محمَّد ومالك
(4)
والشَّافِعِيّ
(5)
رضي الله عنهم بحولٍ من غيرِ فصل.
(1)
اللقطة: وهو عبارةٌ عن مالٍ يوجد ضائعاً لا يعرفُ مالكه، وليس له بمباح. ينظر:«البحر» (5: 161).
(2)
فإن لم يجدْ عند رفع اللُّقطة مَن يشهده، أو خافَ عند الإشهادِ أخذ الظّالم فتركَ الإشهادَ لا يضمنُ. ينظر:«فتاوى قاضي خان» (3: 290).
(3)
هذا هو اختيار السَّرَخْسِيّ، وصححه في «الهداية» (2: 175)، وفي «جامع المضمرات» و «الجوهرة» (1: 356): عليه الفتوى، وهو خلافُ ظاهرِ الرِّوايةِ من التَّقديرِ بالحول في القليلِ والكثير، كما ذكره الإِسْبِيجَابيّ. كذا في «البحر» (5: 164). قال ابن عابدين في «رد المحتار» (3: 320): والمتون على قول السَّرَخسي والظاهر أنه رواية أو تخصيص لظاهر الرواية بالكثير.
(4)
ينظر: «حاشية الدسوقي» (4: 124)، و «التاج والإكليل» (6: 74)، و «الفواكه الدواني» (2: 174)، وغيرها.
(5)
ينظر: «الأم» (4: 66)، و «إعانة الطالبين» (3: 249)، و «الإقناع» (2: 371)، وغيرها.
سواءٌ أُخِذَتْ من الحِلّ، أو الحرم، وما لا يبقى إلى أن يخافَ فسادُه، ثُمَّ تصدَّق، فإن جاءَ ربُّها أجازه وله أجرُه، أو ضَمِنَ الآخذُ كما في بهيمةٍ وُجِدَت، وما أنفقَ عليها بلا إذنِ حاكم تبرُّع، وبإذنِه دين على ربِّها، وأجَّرَ القاضي ما له منفعة، وأنفقَ عليها منه كالآبق، وما لا منفعةَ له أذنَ بالإنفاق عليها، وشرطَ الرُّجوع على ربِّها في الأصحِّ إن كان هو الأصلح، وإلاَّ باعَها، وأُمرَ بحفظِ ثمنِها
(سواءٌ أُخِذَتْ من الحِلّ، أو الحرم)، هذا احترازٌ من قولِ الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه فإنَّهُ يقولُ: لقطةُ الحرمِ يجبُ تعريفُها إلى أن يجيءَ صاحبُها.
(وما لا يبقى إلى أن يخافَ فسادُه): أي عُرِّفَ ما لا يبقى كالأطعمة المعدَّة للأكلِ وبعضِ الثِّمار، (ثُمَّ تصدَّق، فإن جاءَ ربُّها أجازه
(2)
وله أجرُه): أي ثوابُ التَّصدُّق، (أو ضَمِنَ الآخذُ كما في بهيمةٍ وُجِدَت): أي لا فرقَ عندنا في اللُّقطة بين أن يكون بهيمة، أو غيرها، وعند مالك
(3)
رضي الله عنه والشَّافِعِيِّ
(4)
رضي الله عنه إذا وجدَ بعيراً أو بقرةً في الصَّحراء، فالتَّركُ أفضل.
(وما أنفقَ عليها بلا إذنِ حاكم تبرُّع، وبإذنِه دين على ربِّها، وأجَّرَ القاضي
(5)
ما له منفعة، وأنفقَ عليها منه كالآبق، وما لا منفعةَ له أذنَ بالإنفاق عليها، وشرطَ الرُّجوع على ربِّها في الأصحِّ إن كان هو الأصلح
(6)
، وإلاَّ باعَها، وأُمرَ بحفظِ ثمنِها).
(1)
وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعي رضي الله عنه على ما نصَّ عليه النووي في «المنهاج» (2: 417)، وينظر:«التنبيه» (ص 89)، و «المهذب» (1: 429)، وغيرها.
(2)
في أ و ب و ت و س و ف: وأجازه.
(3)
في «الشرح الكبير» (4: 122): الإبل تترك ولو بمحل خوف إلا خوف خائن، وإن أخذت الإبل تعدياً عرفت سنة، ثم بعد السنة تركت بمحملها الذي أخذت منه، والبقر مثل في محل خوف وإلا كالغنم. ينظر:«مختصر خليل» (ص 241)، «التاج والإكليل» (6: 78)، وغيرها.
(4)
في «المنهاج» (2: 409): والحيوان الممتنع من صغار السباع بقوة كبعير وفرس أو بعدوٍ كأرنب وظبي، أو طيران كحمام إن وجد بمفازة فللقاضي التقاطه، وكذا لغيره في الأصح، ويحرم التقاطه لتملك. وينظر:«حاشية البجيرمي» (3: 225)، و «مغني المحتاج» (2: 409)، وغيرها.
(5)
أي أو الملتقطِ بإذنه، يعني إذا كان اللُّقطةُ شيئاً له منفعةٌ يمكن إجارتها كالحيوانِ الذي يركبُ أجّره وأنفقَ عليهما من أجرتِه، فإنّ فيه بقاءَ العينِ على ملكِ المالكِ من غير إلزامِ الدَّين عليه. ينظر:«العمدة» (2: 388).
(6)
وإنما يأمر بالإنفاق يومين أو ثلاثة أيام على قدر ما يرى رجاء أن يظهر مالكها، فإذا لم يظهر يأمر ببيعها. ينظر:«الهداية» (2: 176).
وللمنفقِ حبسُها لأخذِ نفقتِه، فإن هلكتْ بعد حبسه سقطت، وقبلَهُ لا، فإن بيَّنَ مُدَّعيها علامتَها حلَّ الدَّفع، ولا يجبُ بلا حجَّة، وينتفعُ بها فقيراً وإلاَّ تصدَّق، ولو على أصلِه، وفرعِه، وعرسِه
إنِّما قال في الأصحَّ؛ لأنَّ هنا رواية أُخرى، وهي أن الآمر بالإنفاق يكفي لولايةِ الرُّجوعِ على صاحبِها، لكنَّ الأصحَّ أنَّه لا يكفي، بل لا بُدَّ أن يشترطَ الرُّجوع، والضُّميرُ في قولِهِ: إن كان هوالأصلح يرجعُ إلى الآمرِ بالإنفاق، وشرط الرُّجوع.
(وللمنفقِ حبسُها لأخذِ نفقتِه): أي نفقةِ المنفق، (فإن هلكتْ بعد حبسه سقطت
(1)
): أي النَّفقة؛ لأنَّه إذا حبسَها للنَّفقة صارتْ كالرَّهن، وهو مضمونٌ بالدَّين، (وقبلَهُ لا): أي إن هلكت قبل الحبسِ لا تسقطُ النَّفقة.
(فإن بيَّنَ مُدَّعيها علامتَها حلَّ الدَّفع، ولا يجبُ بلا حجَّة): هذا عندنا، وعند الشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه يجبُ الدَّفعُ إن بيَّنَ العلامة، (وينتفعُ بها فقيراً وإلاَّ): أي وإن يكنْ المُلْتَقِطُ
(3)
فقيراً، (تصدَّق، ولو على أصلِه، وفرعِه، وعرسِه).
* * *
(1)
هكذا ذكرَ في «الهداية» (2: 177)، قال في «الفتح» (5: 356): لم يحك فيه خلاف، وكذا حافظُ الدِّين في «الكافي» أيضاً، فيفهم أنّه المذهب، وجعلَ القُدُورِيُّ هذا قولَ زفر رضي الله عنهم، وحكى في «الينابيع» عن علمائنا الثّلاثة عدمَ السُّقوط، ووجَّهه أنّ الدّينَ ثابتٌ وليست العينُ الملتقطة رهناً ليسقطَ بهلاكها. انتهى. ونقل الشُّرُنْبُلاليُّ [في «حاشيته على الدرر» (2: 131)] عن العلاّمة قاسم بن قُطْلُوبُغَا: إنّ ما في «الهداية» (2: 177) ليس مذهباً لأحدٍ من علمائنا الثّلاثة، وإنّما هو قولُ زفر رضي الله عنهم ولا يساعده الوجه. وقال المقدسي: ويمكن أن يكون عن علمائنا فيه رواية أو اختار صاحب «الهداية» قول زفر رضي الله عنه. ينظر: «رد المحتار» (3: 322).
(2)
قال صاحب «المنهاج» (2: 416): إذا ادّعاها رجل ولم يصفها ولا بينة لم تدفع إليه، وإن وصفها وظنّ صدقه جاز الدفع إليه، ولا يجب على المذهب. وينظر:«مغني المحتاج» (2: 416)، و «التنبيه» (ص 90)، وغيرها.
(3)
زيادة من ب و س و ص.
كتاب الآبق
نُدِبَ أخذُه لِمَن قَوِي عليه، وتركُ الضَّال قيل: أحبّ. ولرادِّه قنَّاً، أو مدبَّراً، أو أمَّ ولد من سفر أربعون درهماً، وإن لم يَعْدِلها إن أشهدَ أنَّه أخذَهُ للرَّدّ، ومن أقلَّ منها بقسطِه، فإن أَبِقَ منه لم يضمن.
كتاب الآبق
(نُدِبَ أخذُه لِمَن قَوِي عليه
(1)
، وتركُ الضَّال قيل: أحبّ)
(2)
.
الآبق: هو المملوكُ الذي فرَّ من مالكِهِ قصداً.
والضَّال: المملوك الذي ضلَّ الطَّريقِ إلى مَنْزلِه من غيرِ قصد، وإنِّما كان تركُهُ أحبّ؛ لأنَّه لا يبرحُ من مكانِه، فيأتي مالكُهُ فيأخذُه، وإن عَرَفَ الواجد
(3)
بيتَ مالكِه، فالأفضلُ أن يوصلَه.
(ولرادِّه)
(4)
: أي الآبق، (قنَّاً، أو مدبَّراً، أو أمَّ ولد من سفر أربعون درهماً، وإن لم يَعْدِلها
(5)
إن أشهدَ أنَّه أخذَهُ للرَّدّ، ومن أقلَّ منها بقسطِه)
(6)
، هذا عندنا، وعند الشَّافِعِيِّ
(7)
رضي الله عنه لا يجبُ شيءٌ بلا شرط. (فإن أَبِقَ منه لم يضمن.
(1)
أي قدر على حفظه وضبطه بالإجماع لما فيه من إحياء حق المالك، هذا إذا لم يخف ضياعه أما إن خاف ضياعه فيفرض أخذه ويحرم أخذه لنفسه ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 709).
(2)
واختلف في الضال إذا لم يعلم الواجد مولاه ولا مكانه: فقيل: أخذه أفضل إحياء له لاحتمال الضياع، وقيل: تركه أفضل؛ لأنه لا يبرح مكانه فيلقاه مولاه. ينظر: «الدرر» (2: 126)، و «رد المحتار» (3: 326).
(3)
في م: الآخذ.
(4)
ويستثنى في أخذ عدم أجر الرد: السّلطانُ ونوّابُه، وحافظُ المدينة، والحارس، ومَن هو في عياله، ومَن استعانَ به، وأحدُ الزَّوجين، والشَّريك. ينظر:«التبيين» (3: 309).
(5)
أي وإن كانت قيمته أقلّ. ينظر: «الدرر» (2: 126).
(6)
أي لو رد الآبق لأقل من ثلاثة أيام تقسم الأربعون على الثلاثة لكل يوم ثلاثة عشر وثلث؛ إذ هي أقل مدة السفر، وقد استفيد منه أن ما زاد على الثلاث كالثلاث بخلاف ما نقص عنها. ينظر:«البحر» (5: 174).
(7)
ينظر: «روضة الطالبين» (5: 275)، وغيرها.
فإن لم يشهدْ فلا شيءَ له، وضَمِنَ إن أبق منه، وعلى المُرْتَهنِ جُعْلَ الرَّهن.
فإن لم يشهدْ فلا شيءَ له، وضَمِنَ إن أبق منه، وعلى المُرْتَهنِ جُعْلَ الرَّهن
(1)
): أي لو أبق العبدُ المرهون، فَرُدَّ من مدَّةِ السَّفر، فالجُعلُ على المُرتهن، هذا إذا كانت قيمتُهُ مثل الدَّين، أو أقلَّ منه، وإن كانت أكثر من الدَّين، فبقدرِ
(2)
الدَّين عليه، والباقي على الرَّاهن، وأمرُ نفقتِهِ كاللُّقطة.، (والله اعلم)
(3)
.
* * *
(1)
في ت و ج و ق و ف: رهنه.
(2)
في ب: فيقدر، وفي م: فقدر.
(3)
زيادة من أ و ب و م.
كتاب المفقود
هو غائبٌ لم يدرَ أثرُه، حيٌّ في حقِّ نفسُه: ـ فلا تُنْكَحُ عرسُه، ولا يُقْسَمُ مالُه، ولا تُفْسُخ إجارتُه، ويُقِيمُ القاضي مَن يقبضُ حقَّه، ويَحْفَظُ مالَه، ويَبِيعُ ما يَخَافُ فسادَه، ويُنْفِقُ على ولدِهِ وأبويه، وعرسِه ـ، وميْتٌ في حقِّ غيرِه: فلا يرثُ من غيرِه إلى تسعينَ سنة
كتاب المفقود
(1)
(هو غائبٌ لم يدرَ أثرُه، حيٌّ في حقِّ نفسُه: ـ فلا تُنْكَحُ عرسُه، ولا يُقْسَمُ مالُه، ولا تُفْسُخ
(2)
إجارتُه، ويُقِيمُ القاضي مَن يقبضُ حقَّه، ويَحْفَظُ مالَه، ويَبِيعُ ما يَخَافُ فسادَه، ويُنْفِقُ على ولدِهِ وأبويه، وعرسِه ـ، وميْتٌ
(3)
في حقِّ غيرِه: فلا يرثُ من غيرِه): أي يوقف
(4)
قسطُهُ من مالِ مورِّثِه (إلى تسعينَ سنة)
(5)
: اختلفَ في المدَّة، فقيل: الأرفقُ أن تقدَّرَ بتسعينَ سنة، وظاهرُ الرِّواية
(6)
أن تقدَّرَ بموتِ الأقران، فإن في
(1)
المفقود: وهو الغائب الذي انقطع خبره ولا ندري حياته ولا موته. ينظر: «شرح السراجية» (ص 151). و «الفوائد البهية في المواريث الشرعية» (ص 64).
(2)
في أ و ب و ت و س و ف و م: يفسخ. في ص: ينفسخ.
(3)
في ت وج وق وف و م: ميت.
(4)
في م: توقف.
(5)
إلى تسعين سنة؛ متعلِّقٌ بقوله: حيٌّ في حقِّ نفسِه، مع ما عطف عليه، يعني يُجْعَلُ المفقودُ حيَّاً في حقِّ نفسه، وميْتاً في حقِّ غيره، فتترتّب عليهِ الأحكامُ المذكورةُ إلى أن يتمَّ له عمر تسعين سنة. ينظر:«العمدة» (2: 392).
(6)
ظاهرُهُ أنَّ ما في ظاهرِ الرّوايةِ قولٌ مغايرٌ لأقوالِ التَّقدير، وكذا اعترضَ صاحبُ «البحر» (5: 178) على مَن أفتى باعتبارِ تسعين؛ كصاحب «الكَنْز» (ص 93)، و «الوقاية» ، و «الكافي» ، و «الذخيرة» ، وغيرهم، ومَن اختارَ اعتبارَ سبعين كابنِ الهُمام، ومَن اختارَ اعتبارَ ستّين، وغيرهم ممّن اعتبروا مدّة خاصَّةً بقوله: العجبُ كيف يختارون خلافَ ظاهرِ المذهبِ مع أنّه واجبُ الاتّباعِ على مقلِّدي أبي حنيفة رضي الله عنه. انتهى.
وأجابَ عنه صاحب «النّهر» : بأنَّ التّفحّص عن موتِ الأقرانِ غيرُ ممكنٍ أو فيهِ حرجٌ عظيم، فعن هذا اختاروا تقديرَه بالسنّ. انتهى.
وحقَّقَ صاحبُ «رد المحتار» (3: 331) بأنّه لا مخالفةَ بين قولِ التَّقديرِ وبين ظاهرِ الرِّواية، بل هو تفسيرٌ لظاهرِ الرِّواية، وهو موت الأقران، لكن اختلفوا فمنهم مَن اعتبرَ أطول ما يعيشُ إليه الأقرانُ غالباً، ثمَّ اختلفوا فيه هل هو تسعون أو مئة أو مئة وعشرون، ومنهم وهم المتأخّرون اعتبروا الغالبَ من الأعمار: أي أكثرَ ما يعيشُ إليهِ الأقرانُ غالباً لا أطوله فقدَّروه بستّين؛ لأنَّ مَن يعيشُ فوقَها نادر، والحكم للغالب. ينظر:«العمدة» (2: 393).
فإن ظهرَ حيَّاً قبلَها فله ذلك، وبعدها يُحكمُ بموتِه في حقِّ مالِهِ يوم تمَّت المدَّة، فتعتدُّ عرسُهُ للموت، ويُقسَمُ مالُهُ بين مَن يرثُهُ الآن، وفي مالِ غيرِه من حين فُقِد، فيُرَدُّ ما وُقِفَ له إلى مَن يرثُ الغيرَ عند موتِه
هذا العصرِ قلَّما يعيشُ المرأُ إلى
(1)
تسعينَ سنة.
(فإن ظهرَ حيَّاً قبلَها فله ذلك، وبعدها): أي بعد المدَّة، (يُحكمُ بموتِه في حقِّ
(2)
مالِهِ يوم تمَّت المدَّة، فتعتدُّ عرسُهُ للموت، ويُقسَمُ مالُهُ بين مَن يرثُهُ الآن، وفي مالِ غيرِه من حين فُقِد، فيُرَدُّ ما وُقِفَ له إلى مَن يرثُ الغيرَ عند موتِه): الأصلُ عندنا أن ظاهرَ الحال، وهو الاستصحاب
(3)
حجَّة للدَّفع لا للإثبات، فإذا تمَّتِ المدَّةُ فهو في مالِ نفسِهِ حيٌّ قبل المدَّة، فلا يرثُهُ الوارثُ الذي كان حيَّاً وقت فَقْدِه، ثُمَّ مات بعد ذلك؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّه كان حيَّاً، فيصلحُ حجَّةً لدفع أن يرثَه الغير، وفي مال غيرِه ميْتٌ؛ لأنَّ الظَّاهرَ لا يصلحُ حجَّة لإيجابِ إرثِه من الغير، فيردُّ ما وُقِفَ للمفقود إلى مَن يَرِثُ من مورثِه يوم موتِه. (والله أعلم)
(4)
.
* * *
(1)
زيادة ب و س و م.
(2)
زيادة من م.
(3)
الاستصحاب: وهو عبارة عن إبقاء ما كان على ما كان؛ لعدمِ الدَّليلِ المزيل له، وهو يصلحُ عندنا حجَّةً للدَّفع لا للاستحقاق، فلهذا اعتبرَ المفقودُ حيَّاً في ماله، وميْتاً في مالِ غيرهِ حتى لا يرثَ منه أحد، ولا يرثُ المفقودَ عن أحد، بل يوقفَ نصيبُه، فإن مضت المدَّة أو علمَ موتُهُ يردّ الموقوفُ لأجله إلى وارث مورثِه الذي ورثَ من ماله. ينظر:«البناية» (6: 69)
(4)
زيادة من ف و ق.
كتاب الشركة
هي ضربان: شركةُ ملك: وهي أن يملكَ اثنانِ عَيْناً، وكلٌّ كأجنبيّ في مالِ صاحبِه. وشركةُ عقد: وركنُها الإيجابُ والقَبول، وشرطُها عدمُ ما يقطعُها، كشرطِ دراهمَ مسمَّاة من الرِّبح لأحدهما، وهي أربعةُ أوجه: مفاوضة: وهي شركةُ متساويينِ مالاً وتصرُّفاً وديناً، فلا تصحُّ إلاَّ بينَ متحدينِ حرَّيةً وحلماً وملَّة، وتتضمَّنُ الوكالةُ والكفالة
كتاب الشركة
(1)
(هي ضربان:
شركةُ ملك: وهي أن يملكَ اثنانِ عَيْناً، وكلٌّ كأجنبيّ في مالِ صاحبِه.
وشركةُ عقد: وركنُها الإيجابُ والقَبول، وشرطُها عدمُ ما يقطعُها، كشرطِ دراهمَ مسمَّاة من الرِّبح لأحدهما)؛ فإنَّ هذا يقطعُ الشَّركة لاحتمال أن لا يبقى بعد هذه الدَّراهم المسمَّاة ربحٌ يشتركان فيه.
(وهي أربعةُ أوجه:
مفاوضة: وهي شركةُ متساويينِ مالاً وتصرُّفاً وديناً)، المرادُ المساواةُ في المالِ الذي يصحُّ فيه الشَّركة، ولا بأسَ بزيادةِ مالٍ لا يجري فيه الشَّركة، (فلا تصحُّ
(2)
إلاَّ بينَ متحدينِ حرَّيةً وحلماً وملَّة) لا بُدَّ أن يكونا حرَّين بالغين، ملَّتُهما واحدة، فلا تصحُّ بين مسلمٍ وكافر، وتجوزُ بين مسلمين بالغين، وبين كافرين، سواءٌ كان أحدُهما كتابيّاً والآخرُ مجوسيَّاً، فإنَّ الكفرَ كلُّه ملَّةٌ واحدة، وهذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعند أبي يوسف رضي الله عنه تجوزُ بين المسلمِ والكافر، وعند مالك
(3)
رضي الله عنه والشَّافِعِيِّ
(4)
رضي الله عنه لا تجوزُ المفاوضة أصلاً.
(وتتضمَّنُ
(5)
الوكالةُ والكفالة): أي كلُّ واحدٍ وكيلُ الآخر في المعاملة، وكذا كلُّ
(1)
الشركة: عبارةٌ عن خليطِ النَّصيبين بحيثُ لا يتميّزُ أحدهما عن الآخر. ينظر: «التبيين» (3: 312).
(2)
في ت و ج و ف و ق: يصح.
(3)
ينظر: «المدونة» (3: 98)، و «التاج والإكليل» (7: 80)، وغيرهما، وفيهما تفصيل عنها يحسن مطالعته.
(4)
ينظر: «الأم» (3: 206)، و «أسنى المطالب» (2: 257)، و «الغرر البهية» (3: 170)، وغيرها.
(5)
في ت و ج و ص و ق: ويتضمن.
ومشترى كلٍّ لهما، إلاَّ طعام أهلِهِ، وكسوتِهم، وكلُّ دينٍ لَزِمَ أحدَهما بما تصحُّ فيه الشَّركة، كالشِّراء، والبيع، والاستئجار، أو بكفالةٍ بأمرٍ ضمنه الآخر، وبغيرِ أمرٍ لا، هو الصَّحيح، وإن ورثَ أحدُهما، أو وُهِب له ما يصحُّ فيه الشَّركة، وقَبَضَ صارت عناناً، وفي العَرْضِ والعقارِ بقيت مفاوضة، وعِنان: وهو شركةٌ في كلِّ تجارة، أو في نوع، ولا يتضمَّنُ الكفالة، وتصحُّ ببعضِ ماله، ومع فضلِ مالِ أحدِهما، وتساوي ماليها لا الرِّبح
واحدٍ كفيلٌ عن الآخر، فإذا اشترى أحدُهما شيئاً، فللبائع مطالبةُ الثَّمن من الشَّريك الآخر.
(ومشترى كلٍّ لهما، إلاَّ طعام أهلِهِ، وكسوتِهم، وكلُّ دينٍ لَزِمَ أحدَهما بما تصحُّ فيه الشَّركة، كالشِّراء، والبيع، والاستئجار)، فيه احترازٌ عن لزومِ دينٍ بسببٍ لا تصحُّ فيه الشَّركة: كالجناية، والنِّكاح، والخلع
(1)
، والصُّلح عن دمٍ عمد، وكالنَّفقة، (أو بكفالةٍ بأمرٍ ضمنه الآخر، وبغيرِ أمرٍ لا
(2)
، هو الصَّحيح)
(3)
: أي إذا لَزِمَ أحدهما دينٌ بسببِ الكفالةِ من غيرِ أمر المكفول عنه، فالصَّحيح أن هذا الدَّينَ لا يضمنُهُ الشَّريك الآخر، فإن كان بأمرِ المكفول عنه يضمنُه الشَّريك الآخر.
(وإن ورثَ أحدُهما، أو وُهِب له ما يصحُّ فيه الشَّركة، وقَبَضَ صارت عناناً): القبضُ يشترطُ في الهبة، (وفي العَرْضِ والعقارِ بقيت مفاوضة): أي في وارثِ العرضِ والعقارِ بقيت مفاوضةً؛ لأنَّ مالَ الشَّركة لم يزدْ. ثُمَّ شرعَ في الوجه الثَّاني من الشَّركة فقال:
(وعِنان: وهو شركةٌ في كلِّ تجارة، أو في نوع، ولا يتضمَّنُ
(4)
الكفالة، وتصحُّ ببعضِ ماله، ومع فضلِ مالِ أحدِهما، وتساوي ماليها لا الرِّبح): أي يصحُّ
(1)
وصورةُ الخلع: ما إذا كانت المرأةُ فاوضت ثمَّ خالعت مع زوجها، فما لزم عليها من بدلِ الخلعِ لا يلزم شريكها، وكذلك لو أقرَّت ببدل الخلع. ينظر:«العناية» (5: 384)
(2)
يعنى لو كفل أحد المفاوضين أجنبياً بمال بإذن المكفول عنه لزم صاحبه عند الإمام؛ لأنه تبرع ابتداءً ولكنها تنقلب مفاوضة بقاءً؛ لأنه يرجع بما يؤدي على المكفول عنه إذا كفل بأمره، وكلامنا في البقاء بخلاف الكفالة بالنفس؛ لأنها تبرع ابتداءً وبقاءً. ينظر:«مجمع الأنهر» (1: 719).
(3)
قال في «الفتح» (5: 386): يشيرُ إلى خلاف المشايخ، وما ذكرَهُ المصنّفُ مختارُ الفقيهِ أبي اللَّيث، وحملُ مطلقُ جوازِ «الجامع الصغير» (ص 376) عليه.
(4)
في أ: تتضمن، وفي ب و س و م: تضمن.
وكونُ مالِ أحدِهما دراهم، والآخر دنانير، وبلا خلط، وكلٌّ مطالَبٌ بثمنِ مشريه لا غير، ثُم يرجعُ على شريكِهِ بحصَّتِهِ منه إن أدَّاه من مالِه. ولا تصحَّان إلاَّ بالنَّقدين، والفلوس النَّافقة، والتِّبْر، والنَّقْرة إن تعاملَ النَّاس بهما، وبالعرضِ بعد أن باعَ كلٌّ نصفَ عرضِهِ بنصفِ عرضِ الآخر
بأن يشترطَ أن يكون المالُ مساوياً، ولا يكونُ الرِّبح مساوياً وبالعكس
(1)
خلافاً لزُفر رضي الله عنه والشَّافِعِيِّ
(2)
رضي الله عنه، (وكونُ مالِ
(3)
أحدِهما دراهم، والآخر دنانير، وبلا خلط)
(4)
، خلافاً لزُفر رضي الله عنه والشَّافِعِيِّ
(5)
رضي الله عنه.
(وكلٌّ مطالَبٌ بثمنِ مشريه لا غير): أي لا غيرَ المشترى بناءً على أنَّه لا يتضمّنُ الكفالة، (ثُم يرجعُ على شريكِهِ بحصَّتِهِ منه إن أدَّاه من مالِه.
ولا تصحَّان إلاَّ بالنَّقدين، والفلوس النَّافقة، والتِّبْر، والنَّقْرة إن تعاملَ النَّاس بهما).
التِّبْرُ: ذهبٌ غيرُ مضروب.
والنَّقْرَة: فضةٌ غيرُ مضروبة.
(وبالعرضِ بعد أن باعَ كلٌّ نصفَ عرضِهِ بنصفِ عرضِ الآخر)، اعلم أنَّه لا يخلو:
إمَّا أن تكون قيمةُ متاعِهما متساويةً فحينئذٍ يبيعُ كلُّ واحدٍ منهما نصفَ متاعِه بنصفِ متاعِ الآخر، ثُمَّ يعقدان عقدَ الشَّركة.
وإمِّا أن تكونَ قيمةُ متاعِهما متفاوتة، (غير مساوية)
(6)
، كما إذا كان قيمةُ متاعِ أحدِهما ألفاً وقيمةُ متاعِ الآخر ألفين، يبيعُ صاحبُ الأقلِّ ثُلُثي متاعِه بثُلُثِ متاعِ الآخر؛ ليكون كلُّ واحدٍ بينهما أثلاثاً: ثُلُثَاهُ لصاحبِ الأكثر، وثُلُثَهُ لصاحبِ الأقلّ، ثُمَّ يعقدانِ
(1)
زيادة من ب و م.
(2)
ينظر: «التنبيه» (ص 75)، و «تحفة المحتاج» (5: 292)، و «تحفة الحبيب» (3: 130)، وغيرها.
(3)
سقطت من أ و ص و ص.
(4)
اي ولا يشترط في خلط المالين.
(5)
ينظر: «الأم» (7: 208)، و «التنبيه» (ص 75)، وغيرهما.
(6)
زيادة من م.
وهلاكُ مالِها أو مالِ أحدِهما قبل الشِّراءِ يبطِلها، وهو على صاحبِه قبل الخلطِ هلكَ في يده، أو يدِ آخر، وبعد الخلطِ عليها، فإن هلكَ مالُ أحدِهما بعد شراءِ الآخر بماله، فمشريْه لهما، ورجعَ على الآخرِ بحصَّتِه من ثمنِه
عقدَ الشَّركة، فيكونُ الرِّبحُ هاهنا
(1)
بقدرِ الملك، وإنِّما يحتاجُ إلى عقدِ الشَّركة؛ ليكون كلُّ واحدٍ وكيلاً من الآخر، وإنِّما يكونُ الرِّبحُ هاهنا
(2)
بقدرِ الملك
(3)
؛ لأنَّ الرِّبحَ هاهنا
(4)
نماءُ المالِ بخلافِ ما إذا كان رأسُ المالِ أحدُ النَّقدين، فإن الرِّبحَ حينئذٍ يُسْتَحَقُّ بالشَّرط، وأيضاً الدَّراهمُ والدَّنانير لا يتعيَّنان في العقد، فالرِّبحُ لا يكون نماءً لرأس المال.
(وهلاكُ مالِها أو مالِ أحدِهما): أي هلاكُ مالِ الشَّركة، أو مالِ أحدِ الشريكين، (قبل الشِّراءِ يبطِلها، وهو على صاحبِه): أي الهلاك على صاحب المال، (قبل الخلطِ هلكَ في يده، أو يدِ آخر، وبعد الخلطِ عليها، فإن هلكَ مالُ أحدِهما بعد شراءِ الآخر بماله، فمشريْه لهما، ورجعَ على الآخرِ بحصَّتِه من ثمنِه): أي رجعَ المشتري على أحدِهما الذي هلكَ مالُهُ بحصَّتِه من الثَّمن؛ لأن الشِّراء، قد وَقَعَ لهما، فلا يتغيَّرُ بهلاكِ المال، وعبارة «الهداية» هكذا: ولو اشترى أحدُهما بمالِه، وهلكَ مالُ الآخرِ قبل الشِّراء، (فالمشرى بينهما على ما شُرِط)
(5)
(6)
.
فهاهنا محلُّ أن يُغْلَطَ في الفهم، ويفهمُ أنَّه هَلَكَ مالُ الآخرِ قبل شراءِ أحدهما، لكن يجبُ أن يفهمَ هذا، فإنَّ وضعَ المسألةِ فيما إذا كان هلاكُ مالِ الآخر بعد شراءِ أحدِهما بمالِه بدليلِ قولِه
(7)
: ولا يتغيَّرُ الحكمُ بهلاكِ مالِ الآخر بعد ذلك، وبدليلِ
(1)
زيادة من أ.
(2)
في ب و س و ص و ف و م: هنا.
(3)
ذكر هذا دفعاً لما يقال: إنَّ ما ذكره هاهنا من كونِ الرِّبحِ بقدرِ الملكِ مخالفٌ لما مرَّ سابقاً أنّه لا يشترطُ تساوي الرِّبح مع تساوي المالين عندنا، ومحصِّلُ الدَّفعِ أنَّ ذلك فيما إذا كان رأسُ المالِ الدَّراهمَ والدّنانير، وهذا فيما إذا كان رأسُ المال العرض. ينظر:«العمدة» (2: 399).
(4)
في ب و س و ص و ف و م: هنا.
(5)
انتهى من «الهداية» (3: 8).
(6)
زيادة من أ.
(7)
أي قول صاحب «الهداية» (3: 8).
وإن هلكَ قبل شراء الآخر إن وكَّلَهُ حين الشَّركة صريحاً، فمشريه لهما، شركةُ ملك، ورجعَ بحصَّةِ ثمنِه وإلاَّ فله، ولكلٍّ من شريكي مفاوضة وعنان: أن يبضعَ، ويودعَ، ويضارب، ويوكِّل، والمال في يدِهِ أمانة، وشركةُ الصَّنائع والتَّقبُّل: وهي أن يشتركَ صانعان كخياطين، أو خياطٍ وصبَّاغ، ويتقبَّلا العمل لأجرٍ بينهما صحَّت، وإن شرطا العملَ نصفينِ والمالَ أثلاثاً
قولِهِ
(1)
: هذا إذا اشترى أحدُهما بأحد المالين أوَّلاً، ثُمَّ هلكَ مالُ الآخر
(2)
. فيجبُ أن يفهمَ، وهلكَ مالُ الآخر قبل أن يشتري هذا الآخر بماله شيئاً، وإنما ذكرت هذا لأنه موضع الغلط.
(وإن هلكَ قبل شراء الآخر إن وكَّلَهُ حين الشَّركة صريحاً، فمشريه لهما، شركةُ ملك، ورجعَ بحصَّةِ ثمنِه وإلاَّ فله): أي إن هلكَ مالُ أحدِهما، ثُمَّ اشترى الآخرُ شيئاً بمالِه، فإن الشَّركةَ قد بطلَتْ بهلاكِ المال، فبطلتِ الوكالةُ الثَّابتةُ في ضمنِ عقدِ الشَّركة، فإن وكَّل أحدُهما الآخرَ بالشِّراء توكيلاً صريحاً، فيقول: كلُّ ما اشتريتَهُ بالمالِ الذي معك، فاشترِ نصفَه لي، فيكونُ المشترى بينهما شركةَ ملك، فللمشتري أن يرجعَ على الآخرِ بحصَّتِه من الثَّمن، وإن لم يوكِّلْه، فالمشترى يكون للمشتري.
(ولكلٍّ من شريكي مفاوضة وعنان: أن يبضعَ
(3)
، ويودعَ، ويضارب): أي يدفعَ المالَ مضاربة، (ويوكِّل): أي يوكِّلُ أجنبياً بالبيعِ والشِّراء، ونحوهما، (والمال في يدِهِ أمانة): أي في يدِ كلِّ واحدٍ من الشَّريكينِ أمانةً حتَّى لا يضمنُهُ بلا تعدّ.
(وشركةُ الصَّنائع والتَّقبُّل)
(4)
: هذه هي الوجهُ الثَّالث من الشَّركة: (وهي أن يشتركَ صانعان كخياطين، أو خياطٍ وصبَّاغ، ويتقبَّلا
(5)
العمل لأجرٍ بينهما صحَّت، وإن شرطا العملَ نصفينِ والمالَ أثلاثاً): أي الأجرةُ أثلاثاً بينهما، هذا عندنا.
(1)
أي قول صاحب «الهداية» (3: 9).
(2)
انتهى من «الهداية» (3: 9).
(3)
يبضع: أي يدفع المال لآخر ليعمل فيه على أن يكون الربح لربّ المال ولا شيء للعامل. ينظر: «رد المحتار» (3: 344).
(4)
هذه الشَّركةُ تسمّى شركةُ الصَّنائعِ وهو جمعُ صناعةٍ كرسالةِ ورسائل، وهي كالصَّنعة، عبارةٌ عن حرفةِ الصَّانعِ وعمله، وتسمّى أيضاً شركةُ التَّقبّلِ على وزنِ التّفعّل؛ لاشتمالها على قبولِ العمل، وتسمّى أيضاً شركةُ الأعمالِ والأبدان. ينظر:«العمدة» (2: 401).
(5)
ولا يشترط كون التقبُّل منهما معاً، فلو اشتركا على أن يتقبَّل أحدُهما المتاعَ ويعملَ الآخرُ، أو يتقبَّله أحدهما ويقطعُه ثمّ يدفعه إلى الآخر للخياط بالنصف جاز. ينظر:«البحر» (5: 195).
ولَزِمَ كلاً عملٌ قَبِلَهُ أحدُهما، فيطالَبُ كلٌّ بالعمل، ويطالِبُ الأجر، ويَبْرَأُ الدَّافعُ بالدَّفع إليه، والكسبُ بينهما، وإن عملَ أحدُهما فقط. وشركةُ الوجوه: وهي أن يشتركا بلا مالٍ ليشتريا بوجههما ويبيعا، فتصحُّ مفاوضة، ومطلقُها عنان، وكلٌّ وكيلُ الآخر في الشِّراء، فإن شرطا مناصفةَ المشتَرى، أو مُثالثتَه، فالرِّبح كذلك، وشرطُ الفضلِ باطل
وعند الشَّافِعِيِّ
(1)
رضي الله عنه: لا يجوزُ هذه الشَّركة.
وعند مالك
(2)
رضي الله عنه وزفر رضي الله عنه: لا يجوزُ إلاَّ عند اتِّحادِ العمل.
(ولَزِمَ كلاً عملٌ قَبِلَهُ أحدُهما، فيطالَبُ كلٌّ بالعمل، ويطالِبُ الأجر): أي يطالب كلُّ واحدٍ أجرَ عملٍ عملَهُ أحدُهما، (ويَبْرَأُ الدَّافعُ بالدَّفع إليه): أي بدفعِ الأجرِ إلى كلِّ واحدٍ منهما، (والكسبُ بينهما، وإن عملَ أحدُهما فقط.
وشركةُ الوجوه): هذه هي الوجهُ الرَّابع من الشَّركة: (وهي أن يشتركا بلا مالٍ ليشتريا بوجههما ويبيعا) أي ليشتريا بلا نقدِ الثَّمن؛ بسبب وجاهتِهما، فيبيعا، فما حصلَ من الثَّمن يدفعان منه الثَّمن إلى بائِعهما، فإن فضلَ منه شيءٌ يكون مشتركاً بينهما، وهذه الشَّركةُ لا تجوزُ عند الشَّافِعِيِّ
(3)
رضي الله عنه.
(فتصحُّ مفاوضة): بأن يشترطَ المساواةَ في الأمورِ التي يجبُ مساواتُها في المفاوضة، (ومطلقُها عنان، وكلٌّ وكيلُ الآخر في الشِّراء): أي إذا كان عقدُ الشَّركةِ مطلقاً، أمَّا إن شُرِطَتْ فيه المفاوضة، فكلٌّ وكيلُ الآخرِ وكفيلُه.
(فإن شرطا مناصفةَ المشتَرى، أو مُثالثتَه، فالرِّبح كذلك، وشرطُ الفضلِ باطل): أي إن شرطا أن المشتَرى يكون بينهما نصفين، أو أثلاثاً، وربحُ أحدِهما زائدٌ على قدرِ ملكِه، فذلك الشَّرطُ باطل؛ لأنَّ الرِّبحَ يكونُ بقدرِ الملك؛ لئلا يؤدِّي إلى ربحِ ما لم يضمن، بخلافِ العنان إذا كان رأس المالِ غيرُ العروض، فإنَّ رأسَ المالِ حينئذٍ لا يتعيّنُ بالتَّعيين، فلا يكون الرِّبح نماءَ رأسِ المالِ على ما مرّ.
(1)
ينظر: «أسنى المطالب» (2: 254)، و «الغرر البهية» (3: 166)، و «التجريد لنفع العبيد» (3: 40).
(2)
ينظر: «التاج والإكليل» (7: 94)، و «شرح الخرشي على مختصر خليل» (6: 51)، و «الفواكه الداوني» (2: 120)، و غيرها.
(3)
ينظر: «المحلي» (2: 417)، و «نهاية المحتاج» (5: 4 - 5)، و «فتوحات الوهاب» (3: 393).
[فصل في الشركة الفاسدة]
ولا يجوز الشَّركةُ في الاحتطاب، والاحتشاش، والاصطياد، وما حصلَ لكلٍّ فله، و ما أخذاهُ معاً فلهما نصفين، وما حصل له بإعانة الآخر فله، وللآخرِ أجرُ مثلِهِ بالغاً ما بلغَ عند محمَّد رضي الله عنه، ولا يزادُ على نصفِ ثمنِهِ عند أبي يوسف رضي الله عنه. ولا في الاستسقاء بأن كان لأحدِهما بغل، وللآخر راوية، واستقى أحدُهما، فالكسبُ للعامل، وعليه أجرُ مثل ما للآخر. والرِّبحُ في الشَّركةِ الفاسدةِ على قدرِ المال. وتبطلُ الشَّركةُ بموتِ أحدِ الشَّريكين، وبلحاقِه بدارِ الحربِ مرتدَّاً إذا قُضِي به. ولم يُزَكّ أحدُهما مالَ الآخرِ بلا إذنِه
[فصل في الشركة الفاسدة]
(ولا يجوز الشَّركةُ في الاحتطاب، والاحتشاش، والاصطياد
(1)
، وما حصلَ لكلٍّ فله، و ما أخذاهُ معاً فلهما نصفين، وما حصل له بإعانة الآخر فله) مثل أن يقلعَ أحدُهما ويجمع الآخر يكونُ للقالع، (وللآخرِ أجرُ مثلِهِ بالغاً ما بلغَ عند محمَّد
(2)
رضي الله عنه، ولا يزادُ على نصفِ ثمنِهِ عند أبي يوسف رضي الله عنه.
ولا في الاستسقاء بأن كان لأحدِهما بغل، وللآخر راوية
(3)
، واستقى أحدُهما، فالكسبُ للعامل، وعليه أجرُ مثل ما للآخر.
والرِّبحُ في الشَّركةِ الفاسدةِ على قدرِ المال): كما إذا شرطَ في الشَّركة دراهمَ مسمَّاةٍ من الرِّبح لأحدِهما فتفسدُ الشَّركة، فيكونُ الرِّبح بقدرِ الملك، حتى لو كان المالُ نصفينِ وشرطُ الرِّبحُ أثلاثاً، فالشَّرطُ باطل، ويكونُ الرِّبحُ نصفين.
(وتبطلُ الشَّركةُ بموتِ أحدِ الشَّريكين، وبلحاقِه بدارِ الحربِ مرتدَّاً إذا قُضِي به.
ولم يُزَكّ أحدُهما مالَ الآخرِ بلا إذنِه): أي لا يجوزُ لأحدِهما أن يؤدِّي زكاةَ مالِ
(1)
وأيضاً: اجتناءُ ثمارٍ من جبال، وطلبُ معدن، وكَنْز جاهليّ، وطبخُ آجُرّ من طين مباح، ونقلُ الطينِ وبيعُهُ من أرضٍ مباحة، أو الحصى، أو الملح، أو الثلج، ونحو ذلك. ينظر:«الفتح» (5: 409)، و «البزازيّة» (3: 202).
(2)
تقديمهم لقول محمد يؤذن باختياره، وفي «المفتاح»: إن قول محمد هو المختار للفتوى. ينظر: «المبسوط» (11: 216)، و «العناية» (5: 411)، و «الدر المختار» (3: 350)، و «رد المحتار» (5: 350).
(3)
الرَّاوية: وهي المزادة من ثلاثة جلود لنقل الماء. ينظر: «المغرب» (ص 202).
فان أذنَ كلٌّ صاحبَه فأدَّيا ولاءً ضَمِنَ الثَّاني وإن جَهِلَ بأداءِ الأَوَّل، وإن أَدَّيا معاً ضَمِنَ كُلٌّ قِسْطَ غيره، فإن شرى مفاوضٌ أمةً بإذن شريكِه ليطأ، فهي له بلا شيء، وأُخِذَ كلٌّ بثمنِها
الآخر بلا إذنِه، (فان أذنَ كلٌّ صاحبَه فأدَّيا ولاءً ضَمِنَ الثَّاني وإن جَهِلَ بأداءِ الأَوَّل): هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا عندهما إذا جهلَ بأداء الأَوَّلِ لا يضمن.
(وإن أَدَّيا معاً ضَمِنَ كُلٌّ قِسْطَ غيره): مثل إن أدَّى كلُّ واحدٍ بغيبةِ صاحبِه، واتَّفقَ أداؤهما في زمانٍ واحد، أو لا يعلمُ تقدُّمُ أحدِهما على الآخر ضَمِنَ كلُّ واحد
(1)
نصيبَ الآخر.
(فإن شرى مفاوضٌ أمةً بإذن شريكِه ليطأ، فهي له بلا شيء): هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وأمَّا عندهما يرجعُ الشَّريكُ على المشتري (بنصف الثَّمن)
(2)
؛ لأنَّ المشتري أدَّى نصفَ دينِه من مالِ الشَّركة.
ولأبي حنيفةَ رضي الله عنه أنَّ الجاريةَ دخلتْ في الشّركةِ حال الشِّراء، ثُمَّ الإذنُ بالشراءِ للوطءِ اقتضى الهبة؛ لأنَّه لا طريقَ لحلِّ الوطء إلاَّ الهبة؛ لأنَّه لو باعَ نصيبَهُ من شريكِه يصيرُ هذا النَّصيبُ مشتركاً بينهما، فلا يحلُّ الوطء، وإذا اقتضى الهبةَ لا يكونُ على المشتري شيء.
(وأُخِذَ كلٌّ بثمنِها): أي للبائعِ أن يطالِبَ الثَّمن من أيُّهما شاء؛ لأنَّ المفاوضةَ تتضمنُ الكفالة.
* * *
(1)
زيادة من أ.
(2)
في م: بالثمن.
كتاب الوقف
هو حبسُ العينِ على ملكِ الواقف، والتَّصدُّقُ بالمنفعةِ كالعارية. وعندهما: هو حبسُ العينِ على ملكِ اللهِ تعالى. فلو وُقِفَ على الفقراء، أو بَنَى سِقايةً، او خاناً لبني السَّبيل، أو رِباطاً، أو جعلَ أرضَهُ مقبرةً لا يزولُ ملكُ الواقف عنه، وإن علَّقَ بموتِهِ نحو: إن متُّ فقد وقفت في الصَّحيح
كتاب الوقف
(هو حبسُ العينِ على ملكِ الواقف، والتَّصدُّقُ بالمنفعةِ كالعارية
(1)
.
وعندهما: هو حبسُ العينِ على ملكِ اللهِ تعالى.
فلو وُقِفَ على الفقراء، أو بَنَى سِقايةً
(2)
، او خاناً
(3)
لبني السَّبيل، أو رِباطاً
(4)
، أو جعلَ أرضَهُ مقبرةً لا يزولُ ملكُ الواقف عنه، وإن علَّقَ بموتِهِ نحو: إن متُّ فقد وقفت في الصَّحيح)
(5)
، قد ذُكِرَ أنّ الخلافَ بين أبي حنيفةَ رضي الله عنه وصاحبيه في جوازِ الوقف، فإنّ الوقفَ لا يجوزُ عنده بناءً على أنَّه تصدَّقٌ بالمنفعة، وهي معدومة، لكن على
(6)
الأصحَّ أن الخلافَ إنِّما هو اللُّزوم، فإنَّ الوقفَ غيرُ لازمٍ عنده
(7)
، وإن
(1)
الشيءُ المستعارُ باقٍ في ملكِ مالكه، وقد أجازَ المالكُ الانتفاعَ به، فعلى هذا يجوزُ للواقفِ التصرُّف في الموقوفِ على رأي أبي حنيفة رضي الله عنه، بناءً على أنّه ملكه كما في العارية. ينظر:«العمدة» (3: 406).
(2)
السِّقاية: الموضع الذي يتخذ لسقي الناس. ينظر: «المصباح» (ص 281).
(3)
الخان: وهو ما ينْزل به المسافرون. ينظر: «المصباح» (ص 184).
(4)
الرِّبَاط: الذي يُبْنَى للفقراء. ينظر: «المصباح» (ص 215 - 216).
(5)
إذا علّقه بموتِهِ فالصَّحيحُ أنّه وصيّةٌ لازمةٌ، لكن لم يخرجْ عن ملكِهِ فلا يتصوّر التصرُّفُ فيه ببيع ونحوه بعد موته، لما يلزمُ من إبطالِ الوصيّة، وله أن يرجعَ قبل موتِهِ كسائرِ الوصايا، وإنّما يلزمُ بعد موته. ينظر:«البحر» (5: 208).
(6)
زيادة من أ و س.
(7)
قال الطَّرَابُلْسِيُّ رضي الله عنه في «الإسعاف في أحكامِ الأوقاف» (ص 3): الوقف جائزٌ عند علمائنا الثَّلاثة وأصحابهم، وذكر في «الأصل» كان أبو حنيفةَ رضي الله عنه لا يجيزُ الوقفَ فأخذَ بعضُ النَّاسِ بظاهرِ هذا اللَّفظ وقال: لا يجوزُ الوقفُ عنده، والصَّحيحُ أنّه جائزٌ عند الكلّ، وإنّما الخلافُ بينهم في اللُّزومِ وعدمه، فعنده يجوزُ جوازَ الإعارة، فتصرفُ منفعتُهُ إلى جهةِ الوقفِ مع بقاءِ العين على حكمِ ملكِ الواقف، ولو رجعَ عنه حال حياتِهِ جازَ مع الكراهة، ويورثُ عنه، ولا يلزمُ إلا بأحد أمرين إمَّا أن يحكمَ به القاضي أو يخرجَه مخرجَ الوصيّة، وعندهما: يلزمُ بدون ذلك، وهو الصَّحيح، وهو قولُ عامَّة العلماء. اهـ.
إلاَّ أن يحكمَ به حاكم. وإلاَّ في مسجدٍ بُنِي وأُفْرِزَ بطريقه، وأَذِنَ للنَّاس بالصَّلاة فيه، فَصَلَّى واحدٌ وإن جُعِلَ تحته سردابَ لمصالحِه، فإن جعلَ لغيرِها، أو وسطَ دارِهِ مسجداً، وأُذِنَ بالصَّلاةِ فيه فلا
عَلَّقَ بالموت، ففي التَّعليقِ بالموتِ روايتان عنه:
في روايةٍ: يصيرُ لازماً.
وفي روايةٍ: لا، واختارَ في «المتن» هذا.
وأمَّا عندهما فالوقفُ لازم، وعليه الفتوى، والأصلُ فيه وقفُ الخليلِ عليه السلام الكعبة
(1)
.
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه إنِّما يلزمُ بأحدِ الشيئين، وهو ما قال:
(إلاَّ أن يحكمَ به حاكم.
وإلاَّ في مسجدٍ بُنِي وأُفْرِزَ بطريقه
(2)
، وأَذِنَ للنَّاس بالصَّلاة فيه، فَصَلَّى واحدٌ وإن جُعِلَ تحته سردابَ
(3)
لمصالحِه).
اختلفَ في شرائطِ صيرورةِ المكان مسجداً:
فعند أبي يوسف رضي الله عنه يكفي مجرَّدُ قولِه: جعلتُهُ مسجداً؛ لأنَّ التَّسليم ليس بشرطٍ للزومِ الوقفِ عنده.
وعند محمَّدٍ رضي الله عنه لا بُدَّ من أن يصلِّى فيه بجماعة.
وعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه يكفي صلاةُ واحد، ثُمَّ جَعْلُ السِّرداب تحته لمصالحِ المسجدِ لا يمنعُ أن يكونَ مسجداً.
(فإن جعلَ لغيرِها، أو وسطَ دارِهِ مسجداً، وأُذِنَ بالصَّلاةِ فيه فلا): أي إن جُعِلَ تحت المسجدِ سِرداب لغيرِ مصالحِ المسجد، لا يصيرُ المسجدُ مسجداً، وكذا إذا جعلَ
(1)
قد يقال: إن الكعبةَ كانت موقوفةً من قبل، فقد ثبتَ من الأخبارِ أنّها بنيت قبل آدم عليه السلام، بنتها الملائكةُ بإذن ربّهم، وطافوا بها، وطافَ بها آدم عليه السلام، ومن بعده إلى أن اندرست في طوفانِ نوح عليه السلام فجدَّدَ عمارتَها إبراهيمُ عليه السلام مع ابنهِ إسماعيل عليه السلام بإذن ربّهما إلاَّ أن يقال: إنَّ أرضَ الكعبةِ وإن كانت موقوفةً قبله ولم تكنْ في ملكه، لكنَّ الجدرانَ والعمارةَ حصلت بملكه ووقفه. ينظر:«العمدة» (2: 407).
(2)
أي جعلَ له طريق، وميّز بجميعِ الوجوهِ عن ملكِه، فلو كان العلوّ مسجداً والسّفلُ حوانيتٌ غير متعلِّقةٍ بالمسجدِ أو بالعكس لا يزولُ ملكُه؛ لتعلُّق حقِّ العبدِ به. ينظر:«العمدة» (2: 408).
(3)
السِّرداب: بيت يتخذ تحت الأرض لتبريد الماء وغيره. ينظر: «درر الحكام» (2: 135).
وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه يزولُ بنفسِ القول، وعند محمَّد رضي الله عنه تسليمُهُ إلى المتولِّي، وقبضُهُ شرط، فصحَّ وقفُ المشاع، وجَعْلُ غلَّةِ الوقف، أو الولايةِ لنفسِه، وشرط أن يستبدلَ به أرضاً أخرى إذا شاءَ عند أبي يوسفَ رضي الله عنه خاصّة
وسطَ دارِهِ مسجداً، وأُذِنَ بالصَّلاة فيه لا يصيرُ مسجداً؛ لعدمِ إفرازِ الطَّريق.
(وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه يزولُ بنفسِ القول): أي يزولُ ملكُ الواقفِ عن الوقفِ بنفسِ القول.
(وعند محمَّد رضي الله عنه تسليمُهُ إلى المتولِّي، وقبضُهُ شرط): ثُمَّ ذَكَرَ فروعَ هذا الاختلاف، فقال:
(فصحَّ وقفُ المشاع): المشاع إن لم يحتمل القسمة: ففي المسجد والمقبرة لا يجوزُ الوقفُ عند أبي يوسف رضي الله عنه أيضاً، وفي غيرِهما يجوزُ الوقفُ عند محمَّد رضي الله عنه أيضاً.
وإن احتملَ القسمة، فهو محلُّ الاختلاف: فيصحُّ عند أبي يوسف رضي الله عنه لا عند محمَّد رضي الله عنه، ويفتى بقولِ أبي يوسف رضي الله عنه.
(وجَعْلُ غلَّةِ الوقف، أو الولايةِ لنفسِه، وشرط أن يستبدلَ به أرضاً أخرى إذا شاءَ عند أبي يوسفَ رضي الله عنه خاصّة): فإنَّ شرطَ الاستبدالِ لا يمنعُ صحَّة الوقفِ عند أبي يوسف رضي الله عنه إذ لا منافاةَ بين صحَّةِ الوقفِ وبين الاستبدالِ عنده، فإنَّه يجوِّزُ الاستبدالُ في الوقفِ من غيرِ شرطٍ
(1)
إذا ضعفت الأرضُ عن الرَّيع، ونحن لا نفتي به، وقد شاهدنا في
(1)
ذكرَ في «الأشباه» (ص 225): لا يجوزُ استبدالُ الوقف العامرِ إلاَّ في أربع:
الأولى: لو شرطَ الواقف.
الثّانية: إذا غصبه غاصب، وأجرى عليه الماءَ حتى صارَ بحراً فيضمنُ القيمةَ ويشتري المتولّي بها أرضاً بدلاً.
الثالثة: أن يجحدَه الغاصب، ولا بيّنة، وأرادَ دفعَ القيمة، فللمتولّي أخذُها ليشتريَ بها بدلاً.
الرَّابعة: أن يرغبَ إنسانٌ فيه ببدلٍ هو أكثرُ غلّة وأحسن وصفاً، فيجوزُ على قولِ أبي يوسف رضي الله عنه وعليه الفتوى، كما في «فتاوى قارئ الهداية» . اهـ.
وقال صاحبُ «النِّهر» في كتابه: «إجابة السَّائل» قولُ «قارئ الهداية» : العملُ على قولِ أبي يوسفِ رضي الله عنه معارضٌ بما قاله صدرُ الشَّريعة، ونحن لا نفتي به على تقديره، فقد قال في «الإسعاف» (ص 32): المرادُ بالقاضي هو قاضي الجنّة للتَّفسير بذي العلم والعمل. اهـ ولعمري هذا أعزُّ من الكبريتِ الأحمر، وما أراه إلاَّ لفظاً يذكر، فالأحرى فيه السدُّ خوفاً من مجاوزة الحدّ. انتهى.
وفي «الفتح» (5: 440): الاستبدالُ إمّا عن شرطِهِ أو لا عن شرطِه، فإن كان لخروجِ الوقفِ عن انتفاعِ الموقفِ عليهم، فينبغي أن لا يختلفَ فيه، وإن كان لا كذلك، بل اتّفق أنّه أمكنَ أن يؤخذ بثمنه ما هو خيرٌ منه مع كونِهِ منتفعاً به، فينبغي أن لا يجوز؛ لأنَّ الواجبَ إبقاءُ الوقفِ على ما كان عليه دون زيادة؛ ولأنّه لا موجبَ لتجويزِه؛ لأنَّ الموجبَ في الأوَّل الشَّرط، وفي الثاني الضَّرورة، ولا ضرورةَ في هذا، إذ لا تجبُ الزِّيادة، بل يبقيه كما كان. ينظر:«العمدة» (2: 410). وللوقوف على تفصيل الكلام في مسألة الاستبدال ينظر: «أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية» (2: 9 - 30).
وشُرِطَ لتمامِه ذِكْرُ مصرفٍ مؤبَّد. وقال أبو يوسف رضي الله عنه: صحَّ بدونِه، وإذا انقطعَ صُرِفَ إلى الفقراء. وصحَّ وقفُ العقارِ لا المنقول، وعن محمَّد رضي الله عنه صحَّ وقفُ منقولٍ فيه تعاملُ النَّاس كالفأس، والمَرِّ، والقدوم، والمنشار، والجنازة، وثيابِها، والقدر، والمِرْجَل، والمصحف، وعليه أكثرُ فقهاءِ الأمصار. فإذا صحَّ الوقف، لا يُمْلَكُ ولا يُمَلَّك
الاستبدالِ من الفسادِ ما لا يعدُّ ولا يحصى، فإنَّ ظلمةَ القضاةِ جعلوه حيلةً إلى إبطالِ أكثرِ أوقافِ المسلمين، وفعلوا ما فعلوا.
(وشُرِطَ لتمامِه ذِكْرُ مصرفٍ مؤبَّد.
وقال أبو يوسف رضي الله عنه: صحَّ بدونِه، وإذا انقطعَ صُرِفَ إلى الفقراء
(1)
.
وصحَّ وقفُ العقارِ لا المنقول، وعن محمَّد رضي الله عنه صحَّ وقفُ منقولٍ فيه تعاملُ النَّاس
(2)
كالفأس، والمَرِّ
(3)
، والقدوم، والمنشار، والجنازة، وثيابِها، والقدر، والمِرْجَل
(4)
، والمصحف، وعليه أكثرُ فقهاءِ الأمصار.
فإذا صحَّ الوقف، لا يُمْلَكُ ولا يُمَلَّك).
اعلم أنّ بعضَ المتأخِّرين جوَّزوا بيعَ بعضِ الوقفِ إذا خرب؛ لعمارة الباقي، والأصحَّ أنَّه لا يجوز
(5)
، فإن الوقفَ بعد الصِحَّة لا يقبلُ الملك، كالحرِّ لا يقبل الرَّقبة، وقد شاهدنا فيه مثل ما شاهدنا في الاستبدال.
(1)
هذا من تتمّةِ قول أبي يوسف رضي الله عنه، يعني عنده إذا انقطعت الجهةُ التي وقفَ عليها صرفَ ذلك إلى الفقراء، وإن لم يسمّهم الواقف. ينظر:«العمدة» (2: 410).
(2)
زيادة من ب و س.
(3)
المَرُّ: الذي يعمل به في الطين. ينظر: «المغرب» (ص 439).
(4)
المِرْجَل: قدر من نحاس، وقيل: كل قدر يطبخ فيها. ينظر: «الطلبة» (ص 185). قال العَيْنِيّ في «البناية» (6: 160): والفرقُ بينهما أن المِرْجَلَ لا يكون إلا من نحاس، والقدرُ قد يعملُ من الطّين.
(5)
ينظر: «فتح القدير» (6: 221).
ولكن يجوزُ قسمةُ المشاعِ عند أبي يوسف رضي الله عنه، ويبدأُ من ارتفاع الوقفِ بعِمارتِه، وإن لم يشترطها الواقفُ إن وقفَ على الفقراء، وإن وقفَ على معيَّنٍ وآخره للفقراء فهي في مالِه، فإن امتنعَ أو كان فقيراً أجَّرَهُ الحاكم، وعمَّرَهُ بأجرتِه، ثُمَّ ردَّهُ إلى مصرفه، ونقضُهُ يصرفُ إلى عمارتِه، أو يُدَّخَرُ لوقتِ الحاجةِ إليها، وإن تعذَّرَ صرفُه إليها بيع، ويصرفُ ثمنُهُ إليها، ولا يقسَمُ بين مصارفِه. والله أعلم.
(ولكن يجوزُ قسمةُ المشاعِ عند أبي يوسف رضي الله عنه): فإنّ القسمةَ في غيرِ المثلياتِ يغلبُ فيها جهةُ التَّمليك، لا جهةُ الإقرار، ومع هذا يجوزُ قسمةُ المشاع عند أبي يوسف رضي الله عنه مع أنَّه لا يجوزُ التَّمليك في الوقف عنده
(1)
، فيجعلُ جهةَ الإقرارِ غالبةً في الأوقاف، فإن وقفَ نصيبَه من عقارٍ مشتركٍ يجوزُ للواقفِ أن يقسمَه مع الشَّريك، فإن وقفَ نصفَ عقارٍ كلُّهُ له، فالقاضي يقسمُ مع الواقف، لكن لا يجوزُ قسمةُ الوقفِ بين المصارف.
(ويبدأُ من ارتفاع
(2)
الوقفِ بعِمارتِه
(3)
، وإن لم يشترطها الواقفُ إن وقفَ على الفقراء، وإن وقفَ على معيَّنٍ وآخره للفقراء
(4)
فهي في مالِه، فإن امتنعَ أو كان فقيراً أجَّرَهُ الحاكم، وعمَّرَهُ بأجرتِه، ثُمَّ ردَّهُ إلى مصرفه، ونقضُهُ يصرفُ إلى عمارتِه، أو يُدَّخَرُ لوقتِ الحاجةِ إليها، وإن تعذَّرَ صرفُه إليها بيع، ويصرفُ
(5)
ثمنُهُ إليها، ولا يقسَمُ بين مصارفِه. (والله أعلم)
(6)
).
* * *
(1)
زيادة من ف.
(2)
في أ و س و م: ارتفاعات. أي غلاته التي تحصل منه، وهو من اطلاقات العموم، وحيث يسمون ما يحصل من الزرع ارتفاعاً يريدون بذلك الحاصل بالرفاع، وهو رفع الزرع إلى البيدر بعد الحصاد. ينظر:«الدر المنتقى» (1: 741).
(3)
أي أنّه يصرفُ الارتفاعُ إلى تعميرِ الموقوفِ إذا احتيجَ إليه؛ ليبقى ما كان على ما كان، ولا تجوزُ الزِّيادة عليه، وعليه فيمنعُ من الصَّرفِ إلى البياضِ والحمرةِ على الحيطانِ ونحو ذلك، إن لم يكن فعله الواقف، وإن فعله هو فلا منح. ينظر:«البحر» (5: 225).
(4)
أي قال: وقفت هذه الدّارَ لأولادي أو لأولادِ فلان ثمَّ للفقراء.
(5)
في ب و ت وج و ص و ق: وصرف.
(6)
زيادة من ج.