المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب المكاتب الكتابةُ: إعتاقُ المملوك يداً حالاً ورقبةً مآلاً، فإن كاتَبَ - شرح الوقاية - ت أبو الحاج - جـ ٥

[المحبوبي صدر الشريعة الأصغر]

فهرس الكتاب

‌كتاب المكاتب

الكتابةُ: إعتاقُ المملوك يداً حالاً ورقبةً مآلاً، فإن كاتَبَ قِنَّه ولو صغيراً يعقلُ بمالٍ حالٍّ، أو مؤجَّلٍ، أو مُنَجَّم، أو قال: جعلتُ عليك ألفاً تؤدِّيه نجوما أوَّلُها كذا وآخرُها كذا، فإن أدَّيتَه، فأنتَ حرّ، وإن عجزتَ فقِنٌّ، وقبل العبدُ صحَّ

كتاب المكاتب

(الكتابةُ: إعتاقُ المملوك يداً حالاً ورقبةً مآلاً، فإن كاتَبَ قِنَّه

(1)

ولو صغيراً يعقلُ بمالٍ حالٍّ، أو مؤجَّلٍ، أو مُنَجَّمٍ

(2)

): أي مؤقَّتٍ بأزمنةٍ معيِّنة، أُخِذَ من التَّوقيتِ بطلوعِ النَّجم، ثُمَّ شاعَ بعد ذلك نحو: أن يقولَ كاتبتُك بمئةٍ على أن تؤدِّي كلَّ شهرٍ بكذا، أو كلَّ عشرةِ أيَّام كذا، وعند الشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه لا يجوزُ حالاً، ولا بُدَّ من نجمين: أي شهرين؛ لأنَّهُ عاجزٌ عن التَّسليمِ في زمانٍ قليل. قلنا: يمكنُ أن يستقرض، وفي السَّلَمِ الأجلُ قائمٌ مُقامَ المعقودِ عليه

(4)

(أو قال: جعلتُ عليك ألفاً تؤدِّيه نجوما أوَّلُها كذا وآخرُها كذا، فإن أدَّيتَه، فأنتَ حرّ، وإن عجزتَ فقِنٌّ، وقبل العبدُ صحَّ): أي صحَّ هذا العقدُ بلفظِ الكتابة، أو

(1)

في أ و م: قناً.

(2)

أي مقسط مؤقتٍ، واشتقاقه من النجم، وهو الطالع، ثم سمي به الوقت، ومنه سمي المنجم، ثم سمي ما يؤدى فيه من الوظيفة، ثم منه قالوا: نجمت المال، إذا أديت نجوماً. ينظر:«البناية» (8: 11 - 12).

(3)

ينظر: «النكت» (ص 735)، وغيرها.

(4)

جوابُ سؤالٍ مقدَّرٍ يردُ علينا من أنّ إمكان الاستقراض ثابتٌ في السَّلَم، فَلِمَ لا يجوِّزون فيه البدل في الحال، وتقريرُ الجواب: إنَّ الكتابةَ عقدُ معاوضة، وهو يعتمدُ المعقودَ عليه وبه، ووجود الأوّل لا بُدّ منه؛ لأنّه نهى عن بيع ما ليس عند إنسان، ووجودُ الثاني ليس ككلّ بالإجماع على أن مَن ليس عنده فرس أحمر جاز له أن يشتري ما شاءَ بما شاء، وبدلُ الكتابةِ معقودٌ به لا محالة، فأشبه الثمنَ في البيع، والقدرةُ عليه ليس بشرط، فكذا على بدل الكتابة، وأمّا المُسَلَّم فيه فهو معقودٌ عليه، ولا يجوزُ العقدُ على المعدوم، فأشبه المبيع، ووجوده شرطٌ، فلا بدَّ من القدرةِ عليه. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 523 - 524).

ص: 3

وخَرَجَ من يدِه دون ملكِه، وعتقَ مجاناً إن أُعْتِق. وغَرِمَ السيدُ إن وَطِئَ مكاتبتَه، أو جَنَى عليها أو على وَلِدِها، أو مالها.

[فصل في الكتابة الفاسدة]

فإن كاتَبَ على قيمتِه، أو عيْنٍ لغيره يتعيَّنُ بالتَّعيين، مئة ليردَّ سيدُهُ عبداً غيرَ عين، أو المُسْلِمُ على خمرٍ أو خِنْزيرٍ فَسَد

بلفظٍ يؤدِّي معناها، وهو قولُهُ: أو قال: جعلتُ عليك

الخ

(1)

، (وخَرَجَ من يدِه دون ملكِه)، فإنَّ المكاتَبَ عبدٌ ما بقي عليه درهم.

(وعتقَ مجاناً إن أُعْتِق

(2)

.

وغَرِمَ السيدُ إن وَطِئَ مكاتبتَه، أو جَنَى عليها أو على وَلِدِها، أو مالها): أي العقر، أو أَرْش الجناية، أو مثل المال، أو قيمته.

[فصل في الكتابة الفاسدة]

(فإن كاتَبَ على قيمتِه

(3)

، أو عيْنٍ لغيره يتعيَّنُ بالتَّعيين

(4)

)، هذا في ظاهرِ الرِّواية، وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أنَّها تصحُّ حتَّى إذا مَلَكَها، وسلَّمَها عتق، وإن عَجَزَ يُرَدُّ إلى الرِّق، وفيه احترازٌ عن دراهمِ الغير، أو دنانيره، فإنَّ الكتابةَ عليها جائزة؛ لعدم تعيُّنِها، (أو مئة ليردَّ سيدُهُ عبداً غيرَ عين)

(5)

، حتى لو شُرِطَ أن يردَّ عبداً معيَّناً صحَّ، (أو المُسْلِمُ على خمرٍ أو خِنْزيرٍ فَسَد)، قولُهُ: المسلمُ عطفٌ على الضَّميرِ المستتر

(1)

قوله: فإن أدّيت فأنت حرّ؛ لا بُدّ منه؛ لأنّ قولَه: جعلتُ عليك يحتملُ الكتابة، ويحتملُ الضربية؛ لأنَّ المولى يستبدُ بضربةِ عبده فلا يتعيَّن جهةُ الكتابة إلاَّ بقوله: إن أدّيته فأنت حرّ، بخلافِ قوله: كاتبتُك؛ لعدمِ الاحتمال، وقوله: وإن عجزت فأنت رقيق لا يحتاجُ إليه هاهنا، وفي الكتابةِ أيضاً، وإنّما ذكرهَ حثّاً للعبدِ على الأداءِ عند النجوم. ينظر:«الكفاية» (8: 98).

(2)

أي عتق المكاتب مجاناً بلا عوض إن أعتقه مولاه؛ لأنه ما التزم البدل إلا ليحصل له العتق وقد حصل. ينظر: «فتح باب العناية» (2: 241).

(3)

أي بأن قال: كاتبتك على قيمتك فسدت الكتابة؛ لأن القيمة مجهولة قدراً وجنساً ووصفاً فتفاحشت الجهالة، وصار كما إذا كاتب على ثوب أو دابة. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 407).

(4)

بأن كاتبه على عين لغيره يتعين بالتعيين؛ لعجزه عن تسليمه ففسدت. ينظر: «الدر المنتقى» (2: 407).

(5)

أي لو كاتبه على مئة دينار على أن يرد المولى إلى المكاتَب عبداً، ولم يعيِّنه، بأن ينقص قيمة العبد من المئة دينار، ويكون الباقي على المكاتب، فإن الكتابة فاسدة. ينظر:«الهداية» (3: 256).

ص: 4

وعتقَ فيهما، وسعى في قيمتِه إن أدَّى ما سمَّى، ولا يُنْقَصُ ممَّا سمِّي وزيد عليه، وصحَّتْ على حيوانٍ ذَكَرَ جنسَه فقط، ويؤدِّي الوسطَ، أو قيمتَه، وفي كافر كاتَب عبداً مثلَهُ بخمرٍ مقدَّرةٍ صحَّ: وأيٌّ أسلمَ لسيِّدِه قيمتَها، وعتقَ بقبضِ الخمرِ

في قوله: فإن كاتب، والعطفُ جائزٌ لوجودِ الفصل.

(وعتقَ فيهما

(1)

، وسعى في قيمتِه إن أدَّى ما سمَّى)، وفي ظاهر الرِّواية: إنِّما يثبتُ العتقُ والسِّعايةُ في القيمةِ إن أدَّى ما سمَّى، وهو الخمرُ والخِنْزير، وعن أبي حنيفةَ رضي الله عنه: أنَّه إنِّما يعتقُ بأداء عينِهما إن قال: إن أدَّيتَهُما فأنت حرّ، ولا فرقَ

(2)

في ظاهرِ الرِّواية، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه إن أدَّى العينَ عتق، وإن أدَّى القيمةَ عتقَ أيضاً، وعند زُفر رضي الله عنه لا يعتقُ إلاَّ بأداءِ القيمة؛ لأنَّ المسلمَ نُهِيَ عن اقتراب الخمر، فاقيمت القيمةُ مقامها.

(ولا يُنْقَصُ ممَّا سمِّي وزيد عليه)، هذه مسألةٌ مبتدأةٌ لا تعلُّقَ لها بمسألةِ الخمرِ والخِنْزير، ومعناها: أن القيمةَ في الكتابةِ الفاسدةِ إذا كانت من جنسِ المسمَّى، فإن كانت ناقصةً عن المسمَّى لا تنقص عن المسمَّى، وإن كانت زائدةً زيدت عليه، ووضع المسألة في «المبسوطِ» فيما إذا كاتبَ عبدَهُ بألف على أن يخدَمَه أبداً، فالكتابةُ فاسدة، فتجب القيمة، فإن كانت ناقصةً عن الألفِ لا تنقصُ عنه

(3)

، وإن كانت زائدةً زيدت عليه.

(وصحَّتْ على حيوانٍ ذَكَرَ جنسَه فقط): أي لم يذكرْ نوعَهُ وصفتَه، (ويؤدِّي الوسطَ، أو قيمتَه)، إنِّما يخيَّر؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ أصلٌ من وجه، أمَّا الوسطُ فظاهرٌ، وأمَّا قيمةُ الوسط؛ فلأن الوسطَ يعرفُ بالقيمةِ فصارت أصلاً، فَدَفْعُ القيمةِ قضاءً في معنى الأداء.

(وفي كافر كاتَب عبداً مثلَهُ بخمرٍ مقدَّرةٍ صحَّ: وأيٌّ أسلمَ لسيِّدِه قيمتَها، وعتقَ بقبضِ الخمرِ)؛ لأنَّ عتقَهُ متعلِّقٌ بقبضِها، لكن مع ذلك يجبُ القيمةُ كما مرَّ.

(1)

أي الخمر والخنْزير يعني في أدائهما؛ لأنهما مال في الجملة فأمكن اعتبار معنى العقد فيه، وموجبه العتق عند أداء العوض المشروط، ثم بعدما عتق بأداء المسمّى سعى في قيمة نفسه. ينظر:«درر الحكام» (2: 24).

(2)

أي لا فرقَ بين أن يقول: إن أدَّيتَ الخمرَ أو الخنْزير فأنت حرّ أو لم يقل. ينظر: «العناية» (8: 100).

(3)

زيادة من ف.

ص: 5

‌باب تصرف المكاتب

صحَّ بيعُهُ وشراؤهُ وسفرُه، وإن شرطَ ضدَّه، وإنكاحُ أمَتِه، وكتابةُ عبدِه، وله ولاؤه إن أدَّى بعد عتقِه، ولسيِّدِه إن أدَّى قبله، لا تزوُّجه إلاَّ بإذنه ولا هبتُهُ ولو بعوض، ولا تصدُّقُه إلاَّ بيسير، وتكفُّلُهُ وإقراضُهُ وإعتاقُ عبدِه ولو بمال، وبيعُ نفسِ عبدِه منه، وإنكاحه، والأبُ والوصيُّ في رقيقِ الصَّغيرِ كالمكاتب

باب تصرف المكاتب

(صحَّ بيعُهُ وشراؤهُ وسفرُه، وإن شرطَ ضدَّه)، فإنَّهُ إن شرطَ أن لا يسافرَ فله السَّفرُ استحساناً؛ لأنَّهُ شرطٌ مخالفٌ لمقتضى العقد، وهو مالكيَّةُ اليد، ولا تفسدُ الكتابةُ بهذا الشَّرط، فإنَّ الكتابةَ تُشْبِهُ البيعَ

(1)

، ومع ذلك هي إعتاقٌ بالنَّظرِ إلى العبد، فقلنا: كلُّ شرط مفسدٍ يكون في أحدِ البدلين، كما إذا شرطَ خدمةً مجهولةً تفسدُها، وكلُّ شرطٍ لا يكون كذلك لا يفسدها عملاً بالشَّبهين.

(وإنكاحُ أمَتِه، وكتابةُ عبدِه)؛ لأنَّهما يفيدان المال، وعند زفرَ رضي الله عنه والشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه لا يجوزُ الكتابةُ وهو القياس؛ لأنَّها تؤدِّي إلى العتق، وهو ليس من أهله، وجهُ الاستحسان: أنّها إفادةُ المال، وعتقُهُ يضافُ إلى المولى، (وله ولاؤه إن أدَّى بعد عتقِه، ولسيِّدِه إن أدَّى قبله): أي للمكاتَبِ الأوَّلِ ولاءُ الثَّاني إن أدَّى الثَّاني بعد عتقِ الأوَّل، ولسيِّدِه إن أدَّى قبله، (لا تزوُّجه إلاَّ بإذنه ولا هبتُهُ ولو بعوض

(3)

، ولا تصدُّقُه إلاَّ بيسير، وتكفُّلُهُ وإقراضُهُ وإعتاقُ عبدِه ولو بمال)؛ لأنَّه فوقَ الكتابة، (وبيعُ نفسِ عبدِه منه، وإنكاحه)، فإنَّ ذلك إعتاقٌ، وهذا إتلافُ مال.

(والأبُ والوصيُّ في رقيقِ الصَّغيرِ كالمكاتب): أي كلُّ تصرُّفٍ يملكُهُ المكاتَبُ في

(1)

أي إن الكتابة تشبه البيع وتشبه النكاح فألحقناها بالبيع في شرط تمكّن في صلب العقد، كما إذا شرط خدمة مجهولة؛ لأنه في البدل، وبالنكاح في شرط لم يتمكّن في صلبه، هذا هو الأصل، أو نقول إن الكتابة في جانب العبد إعتاق؛ لأنه إسقاط الملك، وهذا الشرط يخصّ العبد فاعتبر إعتاقاً في حق هذا الشرط، والإعتاق لا يبطل بالشروط الفاسدة. ينظر:«الهداية» (3: 257).

(2)

ينظر: «النكت» (ص 748)، وغيرها.

(3)

لأن الهبة عوض ابتداءً، وهو ليس أهله. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 252/ب).

ص: 6

وشيءٌ من ذا لا يصحُّ من مأذونٍ ومضاربٍ وشريك، ويكاتَبُ عليه بالشَّراءِ ولدُهُ وأبواه، لا من لا ولاد بينهما، وصحَّ بيعُ أمِّ ولده شراها بدونِه، فإن شرى معه فلا

عبدِه يملكانِهِ في رقيقِ الصَّغير، وما لا فلا، فإنَّهما يملكان تصرُّفاً يحصُلُ به المالُ للصَّغيرِ كالمكاتبِ يملكُ كسبَ المال، فحكمُهما حكمُه، فيملكانِ كتابةَ عبدِه لا إعتاقَهُ على مال، وبيعَ عبدِه من نفسِه.

(وشيءٌ من ذا لا يصحُّ من مأذونٍ ومضاربٍ وشريك): أي من قوله: لا تزوّجُهُ إلى هنا، وأمَّا إنكاحُ أمتِه، وكتابةُ عبدِه فهما وإن لم يكونا جائزين للمأذون لم يُدخلهما في قولِه: وشيءٌ من ذا، بل ذكرهما في «كتاب المأذون» بقوله: ولا يزوِّجُ رقيقَه ولا مكاتَبه؛ لأنَّ قوله هاهنا: وإنكاحُ أمتِهِ عطفٌ على البيعِ والشَّراء، وهما جائزانِ للمأذون، فتخصيصُ الإشارةِ في قوله: وشيءٌ من ذا إلى بعضِ المعطوفاتِ دونَ البعضِ لم يكن حسناً، فجعلَ الإشارةَ إلى قولِه: لا تزوُّجه إلى آخره.

(ويكاتَبُ عليه بالشَّراءِ ولدُهُ وأبواه

(1)

، لا من لا ولاد بينهما)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما: إن اشترى ذا رحمٍ مُحَرَّمٍ كالأخِ والعمِّ يدخلُ في كتابتِه، كما يعتقُ عليه، له: إنَّ للمكاتَبِ كسباً لا ملكاً، فجُعِلَ الكسبُ كافياً للصَّلةِ في قرابةِ الولادة إذ القادرُ على الكسبِ مخاطبٌ بالنَّفقةِ في الولادةِ لا في غيره، إذ لا بد فيه من اليسار.

(وصحَّ بيعُ أمِّ ولده شراها بدونِه، فإن شرى معه فلا

(2)

)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما لا يصحُّ بيعُها، وإن شراها بدونِ الولدِ؛ لأنَّها أمّ ولدِه فلا يجوزُ بيعُها، وله: أنّ القياسَ يجوزُ بيعُها، وإن كان معها ولد؛ لأنَّ كسبَ المكاتَبِ موقوفٌ فلا يتعلَّقُ به ما لا يحتملُ الفسخ، أمَّا إذا كان معها ولدٌ يثبتُ امتناعُ البيعِ بتبعيَّةِ الولد،

(1)

وأقواهم دخولاً الولد المولود في كتابته ثمّ الولد المشترى ثم الأبوان؛ ولهذا يتفاوتون في الأحكام، فإن المولود في كتابته يكون حكمه كحكم أبيه، حتى إذا مات أبوه ولم يترك وفاءً سعى على نجوم أبيه، والولد المشترى يؤدّي بدل الكتابة حالاً وإلا ردّ إلى الرق، والوالدان يردّان إلى الرق ولا يؤدِّيان حالاً ولا مؤجَّلاً. وتمامه في «درر الحكام» (2: 27).

(2)

فلا تدخل في كتابته حتى لا تعتق بعتقه ولم ينفسخ النكاح؛ لأنه لم يملكها فجاز له أن يطأها بملك النكاح، وإن لم يكن الولد مع أم الولد جاز بيعها؛ لعدم دخولها في كتابته؛ لأن ما كسبه المكاتب متردد بين أن يؤدي وبين أن يعجز، فإن أدى الكل يتقرّر له، وإن عجز يتقرّر للمولى فلا يتعلّق به ما لا يحتمل الفسخ، وهو أمومية الولد. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 411).

ص: 7

كولدٍ ولدَ له من أمته، وكسبُهُ له، فإن كاتَبَ قِنَّيْنِ له زوجين، فولدَتْ دخلَ الولدُ في كتابتها، وكسبُهُ لها، فإن ولدت حرَّةٌ بزعمِها من مكاتَبٍ أو عبدٍ نكحَها بإذنٍ فاستحقَّتْ، فولدُها عبد، فإن وَطِئَ أمةً بملكه فاسْتُحِقَّت، أو بشراءٍ فاسد فردَّت أُخِذَ عُقْرُها في الحال، كالمأذون بالتَّجارة

قال صلى الله عليه وسلم: «أعتقها ولدُها»

(1)

، ولا يثبتُ أصالةً، والقياسُ ينفيهِ، (كولدٍ ولدَ له من أمته)، يتعلَّقُ بقوله: ويكاتبُ عليه بالشِّراء: أي إن ولدَ ولدٌ من أمته فادَّعاهُ دخلَ في كتابتِه، (وكسبُهُ له): أي كَسْبُ ولدِ المكاتَبِ يكونُ للمكاتَب؛ لأنَّ الولدَ كسبُه، وكسب الولد كسبُ كسبه.

(فإن كاتَبَ قِنَّيْنِ له زوجين، فولدَتْ دخلَ الولدُ في كتابتها، وكسبُهُ لها): أي زوَّجَ أمتَهُ من عبدِه فكاتبَهما، فولدتْ ولداً دَخَلَ الولدُ في كتابةِ الأمّ، وكسبُهُ للأمِّ؛ لأنَّ الولدَ يتبعُ الأمَّ في الرِّقِ والعتق وفروعَه

(2)

.

(فإن ولدت حرَّةٌ بزعمِها من مكاتَبٍ أو عبدٍ نكحَها بإذنٍ فاستحقَّتْ، فولدُها عبدٌ): أي تزوَّجَ المكاتَبُ بأذنِ مولاه امرأةً، فقالت: أنا حرَّةٌ فولدَتْ منه فاستحقَّت فولدُها عبدٌ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسف رضي الله عنه، وعند محمَّد رضي الله عنه حرٌّ بالقيمة؛ لأنَّه ولدُ المغرور، لهما: أنّ القياسَ أن يكونَ عبداً لكونِه مولوداً بين رقيقين، وفي الحرِّ خالفنا القياسَ بإجماعِ الصَّحابة، وهذا ليس في معناه؛ لأنَّ حقَّ المولى مجبورٌ بالقيمةِ يؤدِّيها الحرُّ في الحال، وهاهنا لا قدرةَ للعبدِ على أدائها في الحال، بل تؤخَّرُ إلى العتق

(3)

.

(فإن وَطِئَ أمةً بملكه فاسْتُحِقَّت، أو بشراءٍ فاسد فردَّت أُخِذَ عُقْرُها في الحال

(4)

، كالمأذون بالتَّجارة): أي وطئ المكاتب، أو المأذون أمةً بغيرِ إذن المولى بناءً على أنَّها

(1)

من حديث ابن عباس رضي الله عنه في «سنن ابن ماجه» (841)، و «المستدرك» (2: 23)، و «سنن البيهقي الكبير» (10: 346)، و «سنن الدارقطني» (4: 131)، و «مصنف عبد الرزاق» (7: 233)، و «الآحاد والمثاني» (5: 450)، و «مسند ابن الجعد» (1: 265)، وغيرها، قال ابن القطان: له إسناد جيد. ورواه ابن حزم بإسناد صحيح وصححه، وله شواهد كثيرة. ينظر:«الدراية» (2: 87)، و «الخلاصة» (2: 464)، وغيرهما.

(2)

يعني الكتابة والتدبير والاستيلاد، فإنّ هذه الأوصافَ القارّة الشرعيّة في الأمّهات تسري إلى الأولاد، وإذا سرت كتابتها إلى ولدها لم يجزْ بيعُه كما لم يجزْ بيع أمّه. ينظر:«العناية» (9: 182).

(3)

وإذا غرم القيمة يرجع عليها عنده؛ لأنّ الغرورَ حصل منها. ينظر: «العناية» (8: 120).

(4)

أي في حالة الكتابة قبل عتقه لدخوله في كتابته؛ لأنّ الإذنَ بالشراء إذنٌ بالوطء. ينظر: (الدر المختار)) (5: 65).

ص: 8

ولو نكحَ فوطئ أُخِذَ حين عتق، وصحَّ تدبيرُ مكاتَبه، وعَجْزُ نفسِه وكان مُدَبَّراً، أو مضى عليها وسعى في ثُلُثَي قيمتِه، أو ثُلُثي البدل إن ماتَ سيدُهُ فقيراً

ملكَه بأن اشتراها، أو وُهِبت له، ثُمَّ اسْتُحِقَّتْ الأمة، أو اشترى أمةً شراءً فاسداً فوطئها، ثُمَّ رُدَّتْ يجبُ العقرُ في الحال.

(ولو نكحَ فوطئ أُخِذَ حين عتق): أي نكحَ (المكاتب أو المأذون أمةً)

(1)

بغيرِ إذن المولى فوطئ، ثمَّ استحقَّت

(2)

يجبُ العقرُ بعد العتق، والفرقُ أنَّه لولا الشِّراء لما سقطَ الحدّ، وما لم يسقطِ الحدُّ لا يجبُ العقر، فيكونُ من توابعِ التِّجارة، فيكون ثابتاً في حقِّ المولى، وهنا النِّكاح ليس من بابِ الكسب، فلا ينتظمُهُ الكتابة، ولقائلٍ أن يقول: إن العقرَ يثبتُ بالوطء لا بالشِّراء، والإذنُ بالشِّراءِ ليس إذناً بالوطء، والوطءُ ليس من التِّجارة في شيء، فلا يكونُ ثابتاً في حقِّ المولى

(3)

.

(وصحَّ تدبيرُ مكاتَبه، وعَجْزُ نفسِه وكان مُدَبَّراً، أو مضى عليها وسعى في ثُلُثَي قيمتِه، أو ثُلُثي البدل إن ماتَ سيدُهُ فقيراً): أي له الخيارُ: إمَّا أن عجَّزَ نفسَه وكان مُدبَّراً، أو مضى على الكتابة.

فإن مَضَى عليها فمات المولى ولا مالَ له سواه، فهو بالخَيار: إمَّا أن يَسْعَى في ثُلُثي قيمتِه، أو ثُلُثي بدل الكتابة، وعندهما: يسعى في الأقلِّ منهما، فإنّ الإعتاقَ لَمَّا كان متجزّئاً عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه بقي الثُلُثان عبداً، فإن أدَّى للتَّدبير ثُلُثي القيمة في الحالِ عتقَ الكلُّ في الحال، وإن أدَّى للكتابةِ ثُلُثي البدلِ مؤجَّلاً عتقَ مؤجَّلاً، فيفيدُ التَّخيير، وقد تلقى جهتا الحريّةِ ببدلين معجَّلٍ بالتَّدبير، ومؤجَّلٍ بالكتابة، فيتخيَّرُ بينهما، وعندهما: لَمَّا لم يكنْ متجزئاً صارَ بموتِ المولى معتقُ الكلّ، وقد سقطَ عنه ثُلُث المال، وبقي الثُلُثان، وكلُّ ما هو أقلُّ من ثُلُثي البدل، أو ثُلُثي القيمة يسعى فيه، ولا فائدةَ في التَّخيير بين الأقلِّ والأكثر.

(1)

زيادة من م.

(2)

زيادة من أ و م، وفي أ: استحق.

(3)

أجاب عنه في «الدرر» (2: 28)، و «رد المحتار» (5: 65): إنا سلَّمنا أنّ العقرَ ثبت بالوطء لا بالشراءِ ابتداءً، لكن الوطء مستندٌ إلى الشراء؛ إذ لولاه لكان الوطء حراماً بلا شبهة، فلا يثبت به العقر ويجب الحدّ، والوطءُ نفسُه إن لم يكن من التجارة لكن الشراء منها فيكون ثابتاً في حقّ المولى.

ص: 9

واستيلادُ مكاتبتِه، ومَضَتْ عليها، أو عَجِزَتْ وكانت أمَّ ولدٍ له، وكتابةُ أمِّ ولدِه فعتقتْ بموتِهِ مجَّاناً ومدبَّرِه، ويسعى في ثلثي قيمتِه أو كلِّ البدلِ في موتِ سيِّده معسراً، وصلحُهُ مع مكاتبِهِ على نصفٍ حالٍّ من بدلٍ مؤجل، فإن ماتَ مريضٌ كاتبَ عبدَهُ على ضِعْفِ قيمتِهِ بأجل، وردَّ ورثتُهُ أدَّى ثلثي

(واستيلادُ مكاتبتِه، ومَضَتْ عليها، أو عَجِزَتْ وكانت أمَّ ولدٍ له): أي ولدتِ المكاتبةُ فادَّعى المولى الولدَ تصيرُ أمَّ ولدٍ له، فتخيَّرُ بين أن تمضي على الكتابةِ وتؤدِّي البدل، فتعتقُ قبل موتِ المولى وبين أن تُعْجِّزَ نفسَها، فتعتقُ بعد موتِ المولى، فإن مَضَتْ على الكتابةِ فلها أن تأخذ العقرَ من سيِّدها.

(وكتابةُ أمِّ ولدِه فعتقتْ بموتِهِ مجَّاناً ومدبَّرِه): أي صحَّتْ كتابةُ مدبَّرِه، (ويسعى في ثلثي قيمتِه أو كلِّ البدلِ في موتِ سيِّده معسراً)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعند أبي يوسف رضي الله عنه يسعى في الأقلِّ منهما، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه يسعى في الأقلِّ من ثلثي القيمة أو ثلثي البدل، أمَّا الخيارُ وعدمُهُ ففرعُ التَّجزؤ وعدمه كما مرّ، وأمَّا المقدارُ فمحمَّدٌ رضي الله عنه يقول: البدلُ لما كانَ مقابلاً بالكلٍّ فبالموتِ يسلَّمُ له ثلثُ البدل، ومن المحالِ أن يجبَ البدلُ في مقابلة الثّلث وهما يقولان: البدلُ وقعَ في مقابلةِ الثُّلثين، لأنَّ الظَّاهرَ أنَّ الإنسانَ لا يلتزمُ المالَ في مقابلةِ ما يستحقُّ حرِّيته

(1)

.

(وصلحُهُ مع مكاتبِهِ على نصفٍ حالٍّ من بدلٍ مؤجل): أي صحَّ صلحُه، والقياسُ أن لا يصحَّ؛ لأنَّهُ اعتياضٌ عن الأجلِ بالمال، ووجه الاستحسان: أن الأجلَّ في حقِّ المكاتَبِ مالٌ من وجهٍ لا يقدرُ على الأداءِ إلاَّ به، وبدلُ الكتابةِ ليس بمالٍ من وجهٍ حتَّى لا تصحّ الكفالةُ به

(2)

فاعتدلا

(3)

.

(فإن ماتَ مريضٌ كاتبَ عبدَهُ على ضِعْفِ قيمتِهِ بأجل، وردَّ ورثتُهُ أدَّى ثلثي

(1)

وبيانه: أنه المقدار عند محمّد رضي الله عنه فقابل البدل بالكل وقد سلم لها الثلث فمن المحال أن يجب البدل بمقابلته، ولهما: إن جميع البدل مقابل بثلثي رقبتها فلا يسقط منه شيء، وهذا لأن البدل وإن قوبل بالكل صورة وصيغة لكنه مقيّد بما ذكرنا معنىً وإرادةً؛ لأنها استحقّت حرّية الثلث ظاهراً، والظاهر أن الإنسان لا يلتزم المال بمقابلة ما يستحق حريته. ينظر:«الهداية» (3: 261).

(2)

أي ببدلِ الكتابة، فلو كان مالاً من كلِّ وجهٍ لصحّت الكفالةُ به. ينظر:«البناية» (8: 76).

(3)

فكان اعتياضاً عمّا هو مالٌ من وجهٍ بما هو مالٌ من وجه، واختلف الجنس، فلم يكن ثمّة ربا. ينظر:«العناية» (8: 127).

ص: 10

البدلِ حالاً، وباقيه مؤجَّلاً، أو استُرقّ، وفي نصفِ قيمتِهِ هنا، أدَّى ثلثيها حالاً أو استرقَّ، فإن قال حرٌّ لسيِّد عبد: كاتبْ عبدك على كذا، وشرطَ العتقَ بأدائه أوَّلاً، ففعل وأدَّى الحرُّ عتق، ولم يرجع، وإن قبلَ العبدُ فهو مكاتب، فإن كوتبَ حاضرٌ وغائبٌ، وقَبِلَ الحاضر فأيٌّ أدَّى قَبِلَ جبراً أو عتقاً

البدلِ حالاً، وباقيه مؤجَّلاً، أو استُرقّ): أي خيِّرَ العبدُ بين أن يؤدِّي ثلثي البدلِ حالاً والباقي مؤجّلاً، وبين أن يمتنعَ فيسترقّ، وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأبي يوسف رضي الله عنه، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه خيِّرَ العبدُ بين أن يؤدِّي ثلثي القيمة حالاً، والباقي إلى تمامِ البدلِ مؤجَّلاً، وبين أن يمتنعَ فيسترقّ؛ لأنَّ المريضَ ليسَ له التَّأجيلُ في ثلثي القيمة، أمَّا فيما وراءه يصحُّ له التَّركُ فيصحٌّ له

(1)

التَّأخير، لهما: أنّ جميعَ المسمَّى بدلُ الرَّقبةِ وحقُّ الورثةِ متعلِّقٌ بالمبدل، فكذا بالبدل، فلا يصحُّ له

(2)

التَّأخيرُ إلاَّ في ثلثِه.

(وفي نصفِ قيمتِهِ هنا): أي فيما إذا كانَ البدلُ نصفَ القيمة هنا: أي في المسألةِ المذكورةِ وهي موتُ المريضِ الذي كاتبَ عبدَهُ على بدلٍ مؤجَّل، (أدَّى ثلثيها حالاً أو استرقَّ): أي خُيِّرَ العبدُ بين أن يؤدِّي ثلثي القيمة حالاً، وبين أن يمتنعَ فيسترقّ؛ لأنَّ المحاباةَ وقعت في المقدارِ وفي التَّأخير، فتنفذُ بالثُّلثِ دونَ الثُّلثين اتِّفاقاً

(3)

.

(فإن قال حرٌّ لسيِّد عبد

(4)

: كاتبْ عبدك على كذا، وشرطَ العتقَ بأدائه أوَّلاً): أي سواءٌ قال: عليّ

(5)

إن أدَّيتَ فهو حرُّ أو لم يقل، (ففعل وأدَّى الحرُّ عتق، ولم يرجع): أي لا يرجعُ المؤدِّي على العبد؛ لأنَّهُ متبرِّعٌ في الأداء، وإنَّما يعتقُ بأداءِ الحرّ، أمَّا إن شرطَ العتقَ بأدائه فظاهر، وأمَّا إن لم يشترط فالقياس أن لا يعتق، وفي الاستحسان يعتق؛ لأنَّهُ يتوقَّفُ على قبولِ العبدِ الغائبِ فيما يضرُّه، وهو وجوبُ البدلِ عليه، لا فيما ينفعُهُ وهو صحةُ أداءِ القابلِ البدلَ، (وإن قبلَ العبدُ فهو مكاتب): أي إن كاتبَ الحرُّ العبد، وبلغَ العبدُ وقبلَ فهو مكاتَب؛ لأنَّ الكتابةَ موقوفٌ على إجازتِه.

(فإن كوتبَ حاضرٌ وغائبٌ، وقَبِلَ الحاضر فأيٌّ أدَّى قَبِلَ جبراً أو عتقاً)، صورةُ

(1)

زيادة من أ و م.

(2)

زيادة من ف.

(3)

زيادة من أ وم.

(4)

زيادة من أ و ب و م.

(5)

زيادة من ب و ف و م، وفي م: علي ألف.

ص: 11

فصارَ كمعيرِ الرَّهن، ولم يرجعْ على الآخر، وقبولُ الغائبِ له لغو، فإن كوتبتْ أمةٌ وطفلانِ لها فقبلتْ فأيّ أدَّى لم يرجعْ وعتقوا

المسألة: أن يقول: كاتِبْني بألفٍ على نفسي وعلى فلان الغائب

(1)

ففعل وقبلَ الحاضر، فالقياسُ أن يصحَّ في حصَّة الحاضرِ وفي حصَّة الغائبِ يتوقَّفُ على قبوله، وجه الاستحسان: أنّ الحاضرَ أضافَ العقدَ إلى نفسِهِ فجعلَ نفسَهُ أصلاً، والغائبَ تبعاً فيصحُّ كما يصحُّ على الأولادِ بالتَّبعية فأيُّهما أدَّى قَبِلَ جبراً

(2)

، أمَّا الحاضر؛ فلأنَّ كلَّ البدلِ عليه، وأمَّا الغائبُ؛ فلأنَّهُ ينالُ شرفَ الحريِّة، وإن لم يكنْ البدلُ عليه.

(فصارَ كمعيرِ الرَّهن)، صورتُه: استعارَ رجلٌ عيناً من غيرِهِ ليرهنَهُ بدينٍ عليه للآخر، فرهنَه، ثمَّ احتاجَ المعيرُ إلى استخلاصِ عينِه، فإنْ أدَّى الدَّينَ إلى المُرْتَهِن يجبرُ المُرْتَهِنُ على القبول، وإن لم يكنْ على معيرِ الرَّهن دين

(3)

، وإنِّما هو على المستعير، وإن أدَّى الدَّين يرجع على المستعير به، وإن أدَّى بغير أمرِه، لأنَّه مضطرٌ إلى تخليصِ عينِه ولا يتمكّنُ إلا بأداء الدَّين.

(ولم يرجعْ على الآخر)؛ لأنَّهُ متبرِّعٌ في حقِّ الآخر، وإنِّما يرجعُ معيرُ الرَّهن؛ لأنَّه مضطرٌ في الأداءِ؛ لأنَّه يخافُ تَلَفَ مالِه في يدِ المُرْتَهِن، (وقبولُ الغائبِ له لغو)؛ لأن العقدَ نفذَ على الحاضر.

(فإن كوتبتْ أمةٌ وطفلانِ لها فقبلتْ فأيّ أدَّى

(4)

لم يرجعْ وعتقوا)، كما في مسألة الأولى، (والله أعلم)

(5)

.

(1)

زيادة من ب.

(2)

أي يجبرُ المولى على القبول، أمّا الحاضرُ؛ فلأنّ البدلَ عليه فيجبرُ المولى على قبوله عند أدائه، ويعتقُ الغائب أيضاً لدخوله في كتابةِ الحاضر تبعاً، كما في ولد المكاتبة، وأمّا إذا أدّى الغائب؛ فلأنّه ينالُ لهذا الأداءِ شرفَ الحريّة، فلا يكون بمنْزلةِ الأجنبيّ بل يكون بمنْزلة ولد المكاتبة. ينظر:«الكفاية» (8: 130 - 131).

(3)

زيادة من م.

(4)

أي أيّهم أدّى لم يرجع على صاحبه، ويجبرُ المولى على القبول؛ وذلك لأنَّ الأمّ إذا أدّت فقد أدّت ديناً على نفسها، وكلٌّ من الولدين إن أدّى فهو متبرّعٌ غير مضطر، وفي ذلك كلّه لا رجوع. كذا في «ذخيرة العقبى» (ص 530).

(5)

زيادة من م.

ص: 12

‌باب كتابة العبد المشترك

أحدُ شريكي عبدٍ أذنَ للآخرِ بكتابةِ حصّتِهِ بألفٍ وقبضِهِ ففعل وقبضَ بعضَه، فذا له إن عَجِز، مكاتبةٌ لرجلينِ جاءتْ بولدٍ فادَّعاهُ أحدُهما، ثُمَّ جاءت بآخرٍ فادَّعاهُ الآخر، فعجزت، فهي أمُّ ولدٍ للأوَّل، وضمنَ نصفَ قيمتِها، ونصفَ عقرِها، وشريكه عقرها، وقيمةُ الولدِ وهو ابنُه

باب كتابة العبد المشترك

(أحدُ شريكي عبدٍ أذنَ للآخرِ بكتابةِ حصّتِهِ بألفٍ وقبضِهِ ففعل وقبضَ بعضَه، فذا له إن عَجِز)، الضميرُ في حصّتِهِ يرجعُ إلى الآخر، هذا عند أبي حنيفة، وأصلُهُ: أن الكتابةَ متجزئةٌ فيكونُ مقتصراً على نصيبه، وفائدةُ الإذنِ: أنّه إن لم يأذنْ فله حقُّ الفسخ، فبالإذنِ لا يبقى ذلك، وإذنُهُ لشريكِه بالقبضِ إذنٌ للعبدِ بالأداء إليه، فيكونُ متبرّعاً في نصيبه على القابض، فيكون له

(1)

، وعندهما: الكتابةُ غير متجزئة، فالإذنُ بكتابةِ نصيبِه إذنٌ بكتابةِ الكلّ، فالقابضُ أصيلٌ في البعض، ووكيلٌ في البعض، والمقبوضُ مشتركٌ بينهما، فبقي كذلك بعد العجز.

(مكاتبةٌ لرجلينِ جاءتْ بولدٍ فادَّعاهُ أحدُهما، ثُمَّ جاءت بآخرٍ فادَّعاهُ الآخر، فعجزت، فهي أمُّ ولدٍ للأوَّل، وضمنَ نصفَ قيمتِها، ونصفَ عقرِها، وشريكه عقرها، وقيمةُ الولدِ وهو ابنُه)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وبيانُهُ: أن استيلادَ المكاتبةِ المشتركةِ متجزئٌ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، فيقتصرُ على نصيبه؛ لأنَّ المكاتبَ لا ينتقلُ من ملكٍ إلى ملكٍ كما مرّ

(2)

في المُدَبَّر، واستيلادُ الِقنّةِ لا يتجزئ، فإذا استولدَ أحدُ الشريكينِ القِنّةَ المشتركة، صارت كلَّها أمَّ ولدٍ له، ويضمنُ نصفَ قيمتِها للشَّريك.

(1)

لأنّه لَمَّا أذن أحدُهما صاحبه بكتابة نصيبه صارَ نصيبُ المكاتب مكاتباً، وبقيَ نصيبُ الآذن عبداً كما كان، فحين اكتسب كان هذا كسبُ مملوك بعضه مكاتبٌ وبعضه عبد، فما كان من كسبِ المكاتب فهو للمكاتب، وما كان من كسب العبد فهو لمولاه، فمتى أذن الذي لم يكاتب شريكه لقبض الكتابةِ فقد أذنَ لعبده لقضاءِ دينِهِ من الكسب الذي يكون له، فيصيرُ بالإذنِ متبرِّعاً بنصيب نفسه من الكسب على العبد، ثمّ على الشريك، فإذا تمّ تبرُّعُه بقبض الشريك لم يرجع. ينظر:«الكفاية» (8: 133).

(2)

2: 147).

ص: 13

وأيٌّ دَفَعَ العقر إليها صحّ، فإن لم يطأ الثَّاني ودبَّرَها فعجزت، بطل تدبيره، وهي أمُّ ولدٍ للأوَّل، والولدُ له، وضَمِنَ لشريكِهِ نصفَ عقرها، ونصفَ قيمتِها

إذا عرفتَ هذا؛ فاستيلادُ الثَّاني قبل العجزِ وقعَ في ملكِه ظاهراً فيثبتُ نسبُ ولده، لكن إذا عجزتْ صارتْ كأنّ الكتابةَ لم تكن، فظهرَ أنَّه في الحقيقةِ وَطِئَ أمَّ ولدِ الغير، فاستيلادُ الأوَّلِ وقعَ غير متجزّئ، فكلُّها أمُّ ولدٍ له، ويضمنُ نصف قيمتِها لشريكِه، ولا تكون أمَّ ولدٍ للشَّريك، لكن ولدُ الشَّريك ولدٌ مغرور، حيث وَطِئَ معتمداً على الملك، فيكونُ حرَّاً بالقيمة، ويضمنُ تمامَ عقرها.

وأمَّا عندهما: فاستيلادُ المكاتبةِ لا يتجزئُ، فقبل العجزِ صارت أمَّ ولدٍ للأوَّل، وانتقلَ نصيبُ الثَّاني إليه بفسخ الكتابة، فإنَّ الكتابةَ تنفسخ بالاستيلادِ فيما لا يتضرَّرُ به المكاتب، فيكون وطء الثَّاني في غيرِ ملكِه، فيجبُ عليه تمامُ العقر لا الحدُّ للشُّبهة، ولا يكون ولدُهُ حرَّاً بالقيمة، ويضمنُ الأوَّلُ للشَّريك نصفَ قيمتِها مكاتبةً عند أبي يوسف رضي الله عنه، والأقلُّ من نصفِ قيمتِها ومن نصفِ ما بقي عليها من بدلِ الكتابةِ عند محمَّد رضي الله عنه، وإذا انفسختِ الكتابةُ في حصّةِ الشَّريك عندهما قبلَ العجز، فكلُّها مكاتبةٌ للأوَّلِ بنصفِ البدلِ

(1)

عند الشيخ أبي منصور رضي الله عنه، وبكلِّ البدلِ

(2)

عند عامّة المشايخ رضي الله عنهم.

(وأيٌّ دَفَعَ العقر إليها صحّ): أي قبلَ العجزِ لاختصاصِها بمنافعِها وأعواضها، (فإن لم يطأ الثَّاني ودبَّرَها فعجزت، بطل تدبيره، وهي أمُّ ولدٍ للأوَّل، والولدُ له، وضَمِنَ لشريكِهِ نصفَ عقرها، ونصفَ قيمتِها)؛ لأنَّه تبيَّنَ بالعجزِ أنَّه يملكُ

(3)

نصيبَ الشَّريك وقت الاستيلاد، فالتدبيرُ وقعَ في غيرِ ملكِه بخلافِ النَّسب؛ لأنّه يعتمدُ الغرور.

(1)

لأنَّ الكتابةَ انفسخت فيما لا يتضرّر به المكاتبة، ولا يتضرّر بسقوطِ نصف البدل. ينظر:«الهداية» (3: 265).

(2)

أي عند عامّة المشايخ رضي الله عنهم: كلّها مكاتبةٌ للأوّل بكلِّ البدل؛ لأنَّ الكتابةَ لم تنفسخ إلاَّ في حقِّ التملُّك ضرورة، فلا يظهر في حقِّ سقوط نصف البدل، وفي إبقائه في حقّه نظرٌ للمولى، وإن كانت لا تتضرَّر المكاتبةُ بسقوطِه، والمكاتبةُ هي التي تعطي العقر؛ لاختصاصها بأبدالِ منافعها، ولو عجزت وردّت في الرقّ يردّ إلى المولى؛ لظهورِ اختصاصِه على ما بيّناه سابقاً. ينظر:«الهداية» (3: 265).

(3)

في أ و ب و ص و م: تملك.

ص: 14

فإن حرَّرها أحدُهما غنيّاً فعجزتْ ضَمِنَ نصفَ قيمتِها لشريكه، ورجعَ به عليها، عبدٌ لرجلين دبَّرَهُ أحدُهما، ثُمَّ حرَّرَه الآخر مليئاً أو عكساً، أعتق المُدَبَّر، واستسعى فيهما، أو ضمَّنَ شريكُهُ في الأولى فقط

(فإن حرَّرها): أي المكاتبةَ المشتركةَ، (أحدُهما غنيّاً فعجزتْ ضَمِنَ نصفَ قيمتِها لشريكه، ورجعَ به عليها)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما: لا يرجِع، وهذا مبنيٌّ على أن السَّاكتَ إذا ضَمَّنَ المعتقَ يرجع به عليها عند أبي حنيفة رضي الله عنه لا عندهما.

(عبدٌ لرجلين دبَّرَهُ أحدُهما، ثُمَّ حرَّرَه الآخر مليئاً أو عكساً): أي حرَّره أحدُهما، ثُمَّ دبَّرَهُ الآخر، (أعتق المُدَبَّر، واستسعى فيهما): أي في المسألتين، (أو ضمَّنَ شريكُهُ في الأولى فقط)، اعلم أنَّ في المسألةِ الأُولى إذا دبَّرَهُ الأوَّل، فللثَّاني الإعتاق، أو التَّضمين، أو الاستسعاء عند أبي حنيفة رضي الله عنه، فإذا أعتقَ الثَّاني لم يبقَ له ولايةُ التَّضمين والاستسعاء، ثُمَّ بالاعتاقِ أفسدَ نصيبَ المدبَّر، فله أن يُعْتِق، أو يستسعي، أو يضمِّنَ قيمتَه مُدبَّراً، وقد مرَّ في «باب عتق البعضِ» من «كتاب الإعتاق»

(1)

: أنّ قيمةَ المدبَّرِ ثُلُثا قيمةِ القِنّ، وإن ضمنَه لا يتملّكَه؛ لأنَّه لا ينتقلُ من ملكٍ إلى ملك.

وأمَّا في المسألةِ الثَّانية: إذا أعتقَ الأوَّل فللآخرِ الخيارات الثَّلاث عنده، فإذا دَبَّرَهُ لم يبقَ له

(2)

ولايةُ التَّضمين، بل بقي له ولايةُ الإعتاق أو الاستسعاء، فولايةُ الإعتاقِ أو الاستسعاء ثابتةٌ في المسألتين، والتَّضمينُ يختصُّ بالأولى.

وعندهما: إذا دبَّرَهُ أحدُهما، فاعتاقُ الآخرِ باطل؛ لأنَّ التَّدبيرَ لا يتجزّئ عندهما، فيملكُ نصيبَ صاحبِه بالتَّدبير، ويضمنُ نصفَ قيمتِه قِنّاً موسراً كان أو معسراً؛ لأنَّه ضمانُ تملُّك، فلا يختلفُ باليسار والعسار، وإن أعتقَهُ أحدُهما فتدبيرُ الآخر باطل؛ لأنَّ الاعتاق لا يتجزئ عندهما، فيضمنُ نصفَ قيمتِهِ إن كان موسراً، ويسعى العبدُ إن كان معسراً؛ لأنَّ هذا ضمانُ إعتاقٍ فيختلفُ باليسارِ والعسار.

(1)

2: 148).

(2)

لأنّه بمباشرةِ التدبيرِ يصيرُ مبرئاً للمعتق عن الضمان معنى، وهو أنّ نصيبه كان قنّاً عند إعتاق المعتق، فكان تضمينُهُ إيّاه متعلّقاً بشرطِ تمليكِ العين بالضمان، وقد فوّت ذلك بالتدبير بخلاف الأوّل، فهناك نصيبُهُ كان مدبّراً عند ذلك، فلا يكون التضمين مشروطاً بتمليكِ العين منه. ينظر:«العناية» (8: 140).

ص: 15

‌باب الموت والعجز

مكاتبٌ عجزَ عن نجمٍ إن كان له وجهٌ سيصلُ إليه لا يعجزُهُ الحاكمُ إلى ثلاثة أيّام، وإلاَّ عجَّزَه، وفسخَها بطلبِ سيِّدِه، أو سيِّدِهِ برضاه، وعادَ رقُّهُ وما في يده لسيِّده، فإن ماتَ عن وفاء، لم يفسخ، وقضي البدلُ من ماله، وحكمَ بموتِهِ حرَّاً، والإرثُ منه، وعتقَ بنيهِ إن ولدوا فى كتابتِه، أو شَرَاهم، أو كوتبَ هو وابنُهُ صغيراً أو كبيراً بمرَّة، وإن لم يتركْ وفاء فمَن ولد في كتابتِهِ سعى على نجومِه، وإذا أدَّى حُكِمَ بعتقِ أبيهِ قبل موتِه وبعتقِهِ، ومَن شراهُ أدَّى البدلَ حالاً، أو ردَّ رقيقاً

باب الموت والعجز

(مكاتبٌ عجزَ عن نجمٍ إن كان له وجهٌ سيصلُ إليه لا يعجزُهُ الحاكمُ إلى ثلاثة أيّام): أي إن مضتْ ثلاثةَ أيَّام، ولم يؤدِّ حصّةَ ذلك النَّجم حُكِمَ بعجزِه، (وإلاَّ عجَّزَه): أي إن لم يكنْ له وجهٌ سيصلُ إليه عجَّزَه، وهذا عندَ أبي حنيفة رضي الله عنه ومحمَّدٍ رضي الله عنه، وعندَ أبي يوسف رضي الله عنه لا يعجِّزُهُ حتى يتوالى عليه نجمان.

(وفسخَها

(1)

بطلبِ سيِّدِه، أو سيِّدِهِ برضاه): أي فسخَها سيِّدُهُ برضى المكاتب، (وعادَ رقُّهُ وما في يده لسيِّده، فإن ماتَ عن وفاء): أي عن مالٍ يفي ببدلِ الكتابة، (لم يفسخ)، هذا عندنا، وعندَ الشَّافعي

(2)

رضي الله عنه تبطلُ الكتابةُ لفواتِ المحلِّ، ونحن نقول: هو حيٌّ في بعضِ الأحكام، فكذا في هذا؛ لاحتياجِهِ إلى زوالِ أثرِ الكفر، وهو الرِّقّ، أو يستندُ الحرية إلى ما قبلَ الموت

(3)

، (وقضي البدلُ من ماله، وحكمَ بموتِهِ حرَّاً، والإرثُ منه، وعتقَ بنيهِ إن ولدوا فى كتابتِه)، حتى لو وُلدوا قبلَ الكتابةِ لا يتبعونه، (أو شَرَاهم، أو كوتبَ هو وابنُهُ صغيراً أو كبيراً بمرَّة): أي بكتابةٍ واحدة؛ فإنَّ الولدَ إن كان صغيراً يتبعُه، وإن كان كبيراً جُعلا كشخصٍ واحد.

(وإن لم يتركْ وفاء فمَن ولد في كتابتِهِ سعى على نجومِه، وإذا أدَّى حُكِمَ بعتقِ أبيهِ قبل موتِه وبعتقِهِ، ومَن شراهُ أدَّى البدلَ حالاً، أو ردَّ رقيقاً)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعندهما الولدُ المشترى يسعى على نجومِ الأبِ أيضاً، لأنَّهُ كوتبَ بتبعيَّة الأب.

(1)

أي فسخ الحاكم الكتابة بعد عجز المكاتب بطلب مولاه. ينظر: «درر الحكام» (2: 31).

(2)

ينظر: «النكت» (ص 741)، وغيرها.

(3)

أي إن المكاتب يعتق في آخر جزء من أجزاء حياته؛ لأن بدلَ الكتابة هو سبب الأداء موجود قبل الموت، فيستند الأداء إلى ما قبله فيجعل أداء نائبه كأدائه، وتمامه في «مجمع الأنهر» (2: 421).

ص: 16

فإن تركَ لداً من حرَّةٍ معتقةٍ وديناً يفي ببدلها، فجنى الولدُ وقضي به على عاقلةِ أمِّهِ لم يكن ذلك تعجيزاً لأبيه، وإن اختصمَ قومُ إمِّهِ وأبيهِ في ولائه، فقضي به لقومِ أمِّهِ فهو تعجيز، وطابَ لسيِّدِه ما أدَّى إليه من صدقةٍ فعجز، فإن جنى عبدٌ فكاتبَهُ سيِّدُهُ جاهلاً بها، فعجزَ أو مكاتبٌ فلم يقضِ به فعجزَ دفعَ أو فَدَى

(فإن تركَ ولداً من حرَّةٍ معتقةٍ وديناً يفي ببدلها، فجنى الولدُ وقضي به): أي بموجبِ الجناية، (على عاقلةِ أمِّهِ لم يكن ذلك تعجيزاً لأبيه)؛ لأنَّ هذا القضاءَ لا ينافي الكتابة؛ لأنَّ مقتضى الكتابةِ إلحاقُ الولدِ بموالي الأمّ، وإيجاب

(1)

العقل عليهم، لكن على وجهٍ يحتملُ أن يعتقَ الأب

(2)

فينجرُّ الولاءُ إلى موالي الأب، وإنَّما قال: وديناً يفي؛ لأنَّهُ لو كان عيناً لا يتأتَّى القضاءُ بالإلحاقِ بالأمِّ؛ لأنَّه يمكنُ الوفاءُ في الحالّ.

(وإن اختصمَ قومُ إمِّهِ وأبيهِ في ولائه، فقضي به لقومِ أمِّهِ فهو تعجيز)؛ لأنَّ القضاءَ بكونِ ولاءِ الولدِ لموالي الأمّ، معناه: أنّ الأبَ ماتَ رقيقاً، وانفسخَ عقدُ الكتابةِ فيكون القضاءُ في فصلٍ مجتهدٍ فيه، فينفذُ فيه وتنفسخُ الكتابة.

(وطابَ لسيِّدِه ما أدَّى إليه من صدقةٍ فعجز): أي إذا لم يكن المولى مصرفاً للزَّكاة، فأخذَ المكاتبُ الزَّكاة؛ لكونهِ من المصارف، ثمَّ أدَّاهُ إلى المولى عن بدلِ الكتابة، ثمَّ عَجِزَ فظهرَ أنَّ المولى أخذَ الزَّكاة، وهو غنيّ، ومع ذلك يطيبُ له، لأنَّهُ أخذَهُ عوضاً عن العتقِ زمانَ الأخذ، والعبدُ قد أخذَهُ صدقة، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لها صَدَقَة، وَلَنَا هَدِيَّة»

(3)

.

(فإن جنى عبدٌ فكاتبَهُ سيِّدُهُ جاهلاً بها): أي بالجناية، (فعجزَ أو مكاتبٌ فلم يقضِ به فعجزَ دفعَ أو فَدَى)

(4)

: أي جنى مكاتبٌ فلم يقضِ بموجبِ الجنايةِ فعجزَ خيِّرَ

(1)

زيادة من أ و ب و م.

(2)

زيادة من ف.

(3)

من حديث أنس عائشة رضي الله عنهم في «صحيح البخاري» (2: 543)، و «صحيح مسلم» (2: 755)، ولفظه: «أهدت بريرة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لحماً تصدق به عليها، فقال: هو لها صدقة ولنا هدية

(4)

أي لو جنى المكاتب فعجز من الكتابة قبل القضاء بموجب الجناية؛ لأنه لما عجز صار قناً، وحكم جناية القنّ يخير فيه المولى بين الدفع والفداء، أما لو عجز بعدما قضى على المكاتب بموجب الجناية في حال كتابته فعجز فهو موجب الجناية دين على عليه ويباع العبد فيه لانتقال الحقّ من رقبته إلى قيمته بالقضاء. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 422).

ص: 17

وإن قُضي به عليه مكاتباً فعجز بيعَ فيه، ولا تنفسخُ بموتِ السَّيد، وأدَّى البدلَ إلى ورثتِهِ على نجومِه؛ فإن أعتقَهُ بعضُهم لا يصحّ، وإن أعتقوهُ عُتِقَ مجَّاناً

بينَ دفعِه، وأداءِ إرشِ الجناية؛ لأنَّ هذا هو موجبُ جنايةِ العبدِ لكنَّ الكتابةَ صارتْ مانعةً عن الدَّفع، ثمَّ زالَ المانعُ بالعجز، فعادَ الحكمُ الأصلي.

(وإن قُضي به عليه مكاتباً فعجز بيعَ فيه): أي وإن قضى بموجبِ الجنايةِ على المكاتبِ حالَ كونِهِ مكاتباً، ثمَّ عجزَ بيعَ في ذلك؛ لأنَّهُ دينٌ متعلِّقٌ برقبتِهِ بالقضاء، فانتقل إلى قيمته.

(ولا تنفسخُ بموتِ السَّيد، وأدَّى البدلَ إلى ورثتِهِ على نجومِه؛ فإن أعتقَهُ بعضُهم لا يصحّ، وإن أعتقوهُ عُتِقَ مجَّاناً)؛ لأنَّهُ لا ينتقلُ من ملكٍ إلى ملك، فلا يصحُّ اعتاقُ بعضِ الورثة، وأمَّا إعتاقُ الكلِّ فنجعلُهُ إبراءً تصحيحاً للعتق، ولا كذلكَ إعتاقُ بعضِ الورثة؛ لأنَّهُ لا يمكنُ جعلُهُ إبراءً للبعضِ تصحيحاً للعتق، فإنَّ إبراءَ البعضِ لا يصحِّحُ العتق، لأنَّهُ لا يعتقُ شيءٌ بإبراءِ البعض. (والله أعلم)

(1)

.

* * *

(1)

زيادة من ب و ص و ف و م.

ص: 18

‌كتاب الولاء

هو ميراثٌ يستحقِّهُ المرءُ بسببِ عتقِ شخصٍ في ملكِه، أو بسببِ عقدِ الموالاة. فالولاء، مَن أعتقَ بإعتاقٍ أو بفرعٍ له، أو بمِلْكِ قريبه، فولاؤه لسيِّدِه وإن شرطَ عدمُه، ومَن أعتقَ أمةً زوجُها قِنٌّ، فولدت لأقلَّ من نصفِ حول، فله ولاءُ الولدِ بلا نقلٍ عنه، وكذا لو ولدتْ ولدَيْن أحدُهما لأقلَّ من ذلك

كتاب الولاء

(هو ميراثٌ يستحقِّهُ المرءُ بسببِ عتقِ شخصٍ في ملكِه، أو بسببِ عقدِ الموالاة.

فالولاء) نوعان: ولاءُ العَتاقة، وولاء الموالاة.

فابتدأ بولاءِ العتاقةِ فقال: (مَن أعتقَ بإعتاقٍ أو بفرعٍ له): كالكتابة، والتَّدبير، والاستيلاد، (أو بمِلْكِ قريبه): أي بمالكيِّة قريبهِ إيَّاه، (فولاؤه لسيِّدِه وإن شرطَ عدمُه)، فإنَّ ذلك شرطٌ مخالفٌ لمقتضى العقد فينفذُ العتقُ ويبطلُ الشَّرط.

فإن قيل: كيف يكونُ الولاءُ في التَّدبيرِ والاستيلاد للسَيِّد، والمدبَّرُ وأمُّ الولدِ إنَّما يعتقان بعدَ موتِ السَّيد؟ قلنا: صورتُهُ: أن يرتدَّ السَيِّدُ ـ (نعوذ باللهِ منها)

(1)

ـ ويلحقَ بدارِ الحربِ حتَّى يحكمَ بعتقِ مدبَّرِه وأمِّ ولدِه، ثمَّ جاءَ مسلماً فماتَ مدبَّرُه أو أمُّ ولدِه فالولاءُ له.

(ومَن أعتقَ أمةً زوجُها قِنٌّ، فولدت لأقلَّ من نصفِ حول): أي من وقتِ الإعتاق، (فله ولاءُ الولدِ بلا نقلٍ عنه): أي إن أعتقَ أبوهُ لا ينتقلُ ولاءُ الولدِ من موالي الأمِّ إلى موالي الأب؛ لأنَّ الحملَ كان موجوداً وقتَ الإعتاق، فإعتاقُهُ وقعَ قصداً فلا ينتقلُ ولاؤه من معتقه.

(وكذا لو ولدتْ ولدَيْن أحدُهما لأقلَّ من ذلك): أي ولدتْ الأمةُ المعتقةُ ولدَيْن توأمَيْن بين الإعتاقِ وبين

(2)

ولادةِ أحدهما أقلُّ من نصفِ حول، لا ينتقل ولاءُ الولدَيْن أيضاً؛ لأنَّ أحدَ التَّوأمَيْن كان موجوداً وقتَ الإعتاق، فكذا الآخر، والتَّوأمان ولدان (من بطنٍ واحد)

(3)

بين ولادتِهما أقلُّ من نصفِ حول.

(1)

زيادة من أ و م.

(2)

بين: زيادة من ف.

(3)

زيادة من أ و م.

ص: 19

فإن ولدتْ لأكثرَ منه، فولاءُ الولدِ لسيِّدها، فإن أعتقَ الأبُ جرَّ ولاءَ ابنهِ إلى قومِه، عجميٌّ له مولى الموالات، نكحَ معتقةً فولدت، فولاءُ ولدِها لمولاها، والمعتقُ عصبةٌ قُدِّمَ النَّسبيُّ عليه، وهو على ذي الرحم

(فإن ولدتْ لأكثرَ منه، فولاءُ الولدِ لسيِّدها، فإن أعتقَ الأبُ جرَّ ولاءَ ابنهِ إلى قومِه): أي إن ولدتِ الأمَة المعتقة ولداً بين الإعتاقِ وولادتِهِ أكثرُ من نصفِ حولٍ فولاءُ الولدِ لسيِّدِ أمِّهِ بمعنى أنَّ الولدَ إن ماتَ فولاؤه لسيِّدِ الأمّ، فإن أُعتقَ الأبُ قبل موتِ الولدِ صارَ الولدُ بحيث إن ماتَ بعد موتِ الأب، فولاءُ الولدِ يكونُ لمعتقِ الأب، وإنَّما قلنا: قبل موتِ الولد؛ لأنَّ الأبَ إن أُعتقَ بعد موتِ الابن لا ينتقلُ ولاءُ الابنِ إلى موالي الأب، لأنَّ مولى الأمّ استحقَّ ولاءَ الولدِ زمانَ موتِه، وبعد تقرُّرِ ذلك لا ينتقلُ عنه، وإنَّما قلنا: بعد موت الأب؛ لأنَّ الأبَ إذا أعتق، والولد ماتَ قبل موت الأب، فميراثُهُ للأبِ فلا يكونُ ولاؤهُ لمولى الأب.

(عجميٌّ له مولى الموالات، نكحَ معتقةً فولدت، فولاءُ ولدِها لمولاها)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّد رضي الله عنه، وأمَّا عند أبي يوسف رضي الله عنه فولاؤه لمولى الأب موالاةً؛ ترجيحاً لجانب الأب، وهما رجَّحا ولاءَ العتاقة وإن كان من جانبِ الأمّ، وإنِّما وضعَ المسألةَ في العجمي؛ لأنَّ ولاءَ الموالاةِ لا يكونُ في العرب؛ لأنَّ لهم شعوباً وقبائل، فلا إرث لمولى الموالاة لتأخّره عن الوارثِ النَّسبي وإن كان من ذوي الأرحام، وأمَّا العجم، فقد ضيَّعوا أنسابهم، فيتصوَّرُ فيهم مولى الموالاة.

(والمعتقُ عصبةٌ قُدِّمَ النَّسبيُّ عليه

(1)

، وهو على ذي الرحم): أي المُعْتِقُ شخصٌ يأخذُ ما بقيَ من صاحبِ الفرض، وكلُّ المالِ له

(2)

عند عدمِه، والنسبيُّ:

إمَّا عصبةٌ بنفسِه: أي ذَكَرٌ لا فرضَ له ولا يدخل في نسبتِه إلى الميْتِ أُنثى.

وإمَّا بغيرِه، وهي أنثى يعصِّبُها ذَكَرٌ.

وإمَّا مع غيرِه كالأختِ لأب وأمّ، أو لأب تصيرُ عصبةً مع البنت.

وكلُّهم يُقَدَّمُ على المُعتق، والمُعتقُ يقدَّمُ على ذوي الرَّحم: أي مَن لا فرضَ له، ويدخل في نسبته إلى الميْت أنثى.

(1)

أي المتعق عصبة يؤخر عن العصبة النسبية على ما تقرّر في علم الفرائض. ينظر: «درر الحكام» (2: 36).

(2)

زيادة من أ.

ص: 20

فإن ماتَ السيّد، ثمَّ المُعتَق، فإرثُهُ لأقرب عصبةِ سيِّدِه، ولا ولاءَ للنِّساء إلاَّ ما أعتقن كما في الحديث

(فإن ماتَ السيّد، ثمَّ المُعتَق، فإرثُهُ لأقرب عصبةِ سيِّدِه): أي إن مات السَيِّد، ثمَّ المعتقُ ولا وارثَ له من النَّسب، فإرثُهُ لأقربِ عَصَبةٍ سيِّدِه على التَّرتيب الذي يُعْرَفُ في علم الفرائض.

(ولا ولاءَ للنِّساء إلاَّ ما أعتقن كما في الحديث): عبارةُ الحديثِ هذه: «ليس للنِّساء من الولاءِ إلاَّ ما أعتقن، أو أعتق مَن أعتقن، أو كاتبنَ أو كاتبَ مَن كاتبن، أو دبَّرن، أو دَبَّرَ من دبَّرْن، أو جَرَّ ولاءَ معتقهنّ، أو معتق معتقهنّ»

(1)

: أي ليس للنِّساء من الولاءِ إلاَّ ولاءَ مَن أعتقنَه، أو ولاءَ مَن

(2)

أعتق مَن أعتقنَه، وأمَّا ولاءُ المدبَّر فقد عرفتَه، ففي مدبِّر المدبِّر يفرضُ ذلك مرَّتين

(3)

، ومسألةُ جَرِّ الولاءِ قد مرَّت.

(1)

قال الزيلعي في «نصب الراية» (4: 154) وابن حجر في «الدراية» (2: 195): غريب، وأخرجَه البيهقي في «السنن الكبير» (10: 306): من طريق ابن مسعود وعلي وزيد بن ثابت أنهم كانوا يجعلون الولاء للكبير من العصبة ولا يورثون النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن. ومن طريق إبراهيم كان عمر وعليّ وزيد بن ثابت لا يورثون النساء من الولاء إلا ما أعتقن. وأخرج ابنُ أبي شيبة (6: 289) من طريق الحسن أنه قال: لا ترث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن. وروى عبد الرزاق (9: 36) من طريق يحيى بن الجزار عن علي قال: لا ترث النساء من الولاء إلا ما كاتبن أو أعتقن. ومن طريق ابن مسعود نحوه قال الحكم وكان شريح يقوله.

(2)

في ب: ما.

(3)

صورة ولاء مدبَّرهنّ: إن دبّرت امرأةٌ عبداً ثمّ ارتدّت ولحقت بدارِ الحرب، وحكمَ القاضي بحريّة عبدها المدبَّر، ثمّ أسلمت ورجعت إلى دارِ الإسلام، ثمّ ماتَ المدبَّرُ ولم يخلف عصبةً نسبية، فهذه المرأة عصبتُه، وحكم مدبَّر هذا المدبَّر كذلك؛ أي إذا حكمَ القاضي بعتق مدبَّرها بسبب لحاقها، فاشترى عبداً أو دبَّره ثمّ مات أو رجعت المرأةُ ثانيةً إلى دار الإسلام إمّا قبل موت مدبَّرها أو بعده، ثمّ مات المدبَّر الثاني ولم يخلف عصبةً نسبيةً فولاؤه لهذه المرأة.

وصورةُ جرِّ معتقِ معتقهنّ الولاء: إن امرأةً أعتقت عبداً، فاشترى العبدُ المعتقُ عبداً، فزوَّجَه بمعتقةِ غيره، فولدَ منهما ولدٌ، وهو حرٌّ وولاؤه لمولى أمّه، فإذا أعتقَ ذلك العبد المعتقُ عبدَه جرّ بإعتاقه ولاءَ ولدِ معتقه إلى نفسه، ثمّ إلى مولاته. انتهى كلامه الشريف. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 535).

ص: 21

‌فصل [في ولاء الموالاة]

إن أسلمَ رجلٌ على يدِ رجلٍ وولاه، أو غيره على أن يرثَه، ويعقلُ عنه صح، وعقلُهُ عليه وارثُه له، وأُخِّرَ عن ذي الرَّحم، وله النَّقل عنه بمحضرِه إلى غيرِه إن لم يعقلْ عنه، فإن عقلَ عنه، أو عن ولدِه فلا، ولا يوالي معتقٌ أحداً

فصل [في ولاء الموالاة]

(إن أسلمَ رجلٌ على يدِ رجلٍ وولاه، أو غيره على أن يرثَه، ويعقلُ عنه صحَّ): قوله: إن أسلمَ رجلٌ على يدِ رجلٍ الخ، قيدٌ أُخْرِجَ مخرجَ العادة، وهو ليس بشرطٍ لصحَّة هذا العقد، (وعقلُهُ عليه وارثُه له): أي إن جنى الأسفلُ فديَتُه على المولى الأعلى، وإن ماتَ فأرثُه للأعلى، وهذا عندنا، وعند الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه لا اعتبارَ لعقدِ الموالاة.

(وأُخِّرَ عن ذي الرَّحم، وله النَّقل عنه بمحضرِه إلى غيرِه إن لم يعقلْ عنه، فإن عقلَ عنه، أو عن ولدِه فلا، ولا يوالي معتقٌ أحداً)، فإنَّ ولاءَ العتاقةِ مقدَّمٌ على ولاءِ الموالاة، فشُرِطَ أن لا يكون معتقاً، وأيضاً من شرطِه أن يكونَ مجهولَ النَّسب، وأن لا يكونَ عربيّاً؛ لأنَّ للعربِ قبائل، فيكون لهم الورثة النَّسبية. (والله أعلم بالصواب)

(1)

.

* * *

(1)

زيادة من ف.

ص: 22

‌كتاب الإكراه

هو فعلٌ يوقعُهُ المُكْرِه بغيرِه، فيفوتُ به رضاه، أو يفسدُ اختيارُه مع بقاء أهليته

كتاب الإكراه

(هو فعلٌ يوقعُهُ المُكْرِهُ

(1)

بغيرِه، فيفوتُ به رضاه، أو يفسدُ اختيارُه مع بقاء أهليته

(2)

)، يقال: أوقع فلانٌ بفلانٍ ما يسوؤه، ثُمَّ الاكراهُ نوعان:

أحدُهما: أن يكونَ مفوِّتاً للرَّضا، وهو أن يكون بالحبس، أو الضرب.

والثَّاني: أن يكون مفسداً للاختيار، وهو أن يكونَ التَّهديدَ بالقتل، أو قطعِ العضو.

فَفَوت الرِّضا أعمُّ من فسادِ الاختيار، ففي الحبس، أو الضَّرب يفوتُ الرِّضاء، ولكن الاختيار الصَّحيحَ باق، وفي القتل لا رضاءَ، ولكن له اختيار غيرُ صحيح، بل اختيارٌ فاسد.

وتحقيقُهُ: إن الرِّضا في مقابلةِ الكراهة، والاختيارَ في مقابلةِ الجبر، ففي الإكراه بالحبسِ والضرب لا شكَّ أنَّ الكراهةَ موجودة، فالرِّضا معدومٌ، لكن الاختيار متحقِّقٌ مع وصفِ الصحَّة، فإنَّ الاختيار إنِّما يفسدُ في مقابلةِ تلفِ النَّفس أو العضو، فإنَّ كلَّ أمرٍ فيه هلاكُ أحدِهما فالامتناعُ عنه مجبولٌ في طبيعةِ جميعِ الحيوانات.

ألا تَرَى أنَّ القوةَ الماسكةَ، كيف تمسكُ الإنسانَ، بل جميعَ الحيواناتِ عن الهوى من المكان العالي، ومن الإلقاء في النَّار عند مظنَّةِ التَّلَف، فالامتناعُ عنه وإن كان اختيارياً، فهو اختيارٌ صورةً قريبٌ من الجبر، فكذا في الإكراه عند خوفِ تَلَفِ النفس أو العضو اختيارُ الامتناع عمَّا فيه مظنَّةُ الهلاكِ اختيارٌ فاسد؛ لأنَّ الإنسانَ عليه مجبورٌ من حيث إنَّ الطَّبعَ عليه مجبول، ومع ذلك الأهليةُ باقيةٌ في المُلْجئ، وغير المُلْجئ

(3)

لتحقُّق العقل والبلوغ.

(1)

زيادة من ب و ق و م.

(2)

أي لا يزولُ به أهليّة المكره، ولا يسقطُ عنه الخطاب؛ لأنّ المكرَه مبتلى، والابتلاءُ تحقّقُ الخطاب، ألا ترى أنّه متردِّدٌ بين فرضٍ ورخصة، ويأثمُ مرّة ويؤجرُ أخرى، وهو آية الخطاب. ينظر:«الكفاية» (8: 166).

(3)

أي المضطّر وغير المضطّر، والمرادُ بالأوّل هو النوع الثاني من الإكراه، وعن الثاني هو الأوّل منه. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 536).

ص: 23

وشرطُهُ: قدرةُ المُكْرِهِ على إيقاعِ ما هدَّدَ به سُلطاناً كان، أو لصَّاً، وخوفُ المُكْرَهِ إيقاعُه، وكونُ المُكْرَهِ به مُتلفاً نفساً، أو عضواً، أو مُوجباً غمَّاً يعدمُ الرِّضاء، والمُكْرَهُ ممتنعاً عمَّا أُكْرِهَ عليه قبلَهُ لحَقِّه، أو لحَقِّ آخر، أو لِحَقِّ الشَّرع، فلو أُكْرِهَ بقتلٍ أو ضربٍ شديد، أو حبسٍ حتَّى باع، أو اشترى، أو أقرَّ، أو أجَّرَ فَسَخَ أو أمضى، ويملكُهُ المشتري إن قبضَ فيصحُّ إعتاقُه، ولَزِمَهُ قيمتُه

(وشرطُهُ:

قدرةُ المُكْرِهِ على إيقاعِ ما هدَّدَ به سُلطاناً كان، أو لصَّاً)، روي عن أبي حنيفةَ رضي الله عنه أنَّ الإكراهَ لا يتحقَّقُ إلاَّ من السُّلطان، فكأنَّه قال ذلك بناءً على ما كان واقعاً في عصره.

(وخوفُ المُكْرَهِ إيقاعُه): أي يغلبُ على ظنِّهِ أنَّ المُكْرِهَ يوقِعُه.

(وكونُ المُكْرَهِ به مُتلفاً نفساً، أو عضواً، أو مُوجباً غمَّاً يعدمُ الرِّضاء)، اعلم أنَّ هذا يختلفُ باختلاف النَّاس، فإنَّ الأراذلَ رُبَّما لا يَغْتَمُّونَ بالضَّرب أو الحبس، فالضَّربُ اللَّيِّنُ لا يكون إكراهاً في حقِّهم، بل الضَّربُ المُبرِح، وكذا الحبسُ إلاَّ أن يكونَ حبساً مديداً يتضَّجِرُ منه، والأشراف يغتمُّونَ بكلامٍ فيه خشونة، فمثلُ هذا يكونُ إكراهاً لهم.

(والمُكْرَهُ ممتنعاً عمَّا أُكْرِهَ عليه قبلَهُ لحَقِّه): كبيعِ ماله، أو إتلافِه، أو إعتاقِ عبده، (أو لحَقِّ آخر): كإتلافِ مال الغير، (أو لِحَقِّ الشَّرع): كشرب الخمر، والزِّنا.

(فلو أُكْرِهَ بقتلٍ أو ضربٍ شديد

(1)

، أو حبسٍ حتَّى باع، أو اشترى، أو أقرَّ، أو أجَّرَ فَسَخَ أو أمضى)، فإنّ هذه العقودَ يشترطُ فيها الرِّضا، فالإكراهُ الذي يَعْدِمُ الرِّضاء، وهو غيرُ المُلْجِئ يمنعُ نفاذَها لكنَّها تنعقد، وله الخيارُ في الفسخِ والامضاء.

(ويملكُهُ المشتري إن قبضَ فيصحُّ إعتاقُه، ولَزِمَهُ قيمتُه)؛ لأنَّ بيعَ المُكْرَه عندنا بيعٌ فاسد؛ لأنَّ ركنَ البيعِ

(2)

صدرَ من أهلِه في محلِّه، والفسادُ لفواتِ الوصف، وهو الرِّضا، والمبيعُ بيعاً فاسداً يملكُ بالقبض، فلو قَبَضَ وأعتق، أو تَصَرَّفَ تصرُّفاً لا ينقضُ ينفذُ خلافاً لزفر رضي الله عنه، إذ هو عنده بيعٌ موقوف، والموقوفُ قبل الإجازةِ لا يفيدُ الملك.

(1)

أي متلفٌ لا بسوطٍ أو سوطين إلا على المذاكيرِ والعين؛ لأنّه يخشى منه التلف. ينظر: «الدر المختار» (5: 81).

(2)

أي الإيجابُ والقبولُ صدرا من أهله، هو العاقلُ البالغ في محلّه؛ أي المال المتقوّم. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 536).

ص: 24

فإن قبضَ ثمنَه، أو سَلَّمَ طوعاً نَفَذَ، وإن قبضَه مُكْرَهاً لا وردَّهُ إن بقي، فلو أُكْرِهَ البائعُ لا المشتري، وهَلَكَ المبيعُ في يده ضَمِنَ قيمتَه للبائع، وله أن يضمِّنَ أيَّاً شاء، فإن ضمَّنَ المُكْرِهُ رجع على المشتري بقيمتِه، وإن ضَمَّنَ المشتري نَفَذَ كلُّ شراءٍ بعدَهُ لا ما قبلَه

(فإن قبضَ ثمنَه، أو سَلَّمَ طوعاً نَفَذَ، وإن قبضَه مُكْرَهاً لا وردَّهُ إن بقي)، لم يذكرْ في «الهداية»: حُكْمَ التَّسليم مُكْرَهاً

(1)

، لكن ذُكِرَ في أصول الفقه: أنّ الإكراهَ إذا كان على البيعِ والتَّسليم يكونُ التَّسليمُ مقتصراً على الفاعل، ولم يجعلِ الفاعلُ آلةً للحامل في التَّسليم؛ لأنَّه حملَهُ على تسليمِ المبيع، ولو جُعِلَ آلةً له يصيرُ تسليم المغصوب

(2)

، فإذا كان التَّسليمُ مقتصراً على الفاعل، ينبغي أن ينفذ، ويجبُ القيمة.

فإن قلت: يُشْكِلُ بقبضِ الثَّمن، فإنّ الفاعلَ لا يمكن أن يكونَ آلةً فيه، ومع ذلك لا ينفذُ فيه.

قلت: لا يلزمُ هنا من جعلِهِ آلةً تغيُّر الفعلِ الذي أكرِهَ عليه بخلاف تسليم المبيع.

(فلو أُكْرِهَ البائعُ لا المشتري، وهَلَكَ المبيعُ في يده): أي في يدِ المشتري، (ضَمِنَ قيمتَه للبائع، وله أن يضمِّنَ أيَّاً شاء، فإن ضمَّنَ المُكْرِهُ رجع على المشتري بقيمتِه

(3)

(4)

، وإن ضَمَّنَ المشتري نَفَذَ كلُّ شراءٍ بعدَهُ لا ما قبلَه)، فقولُهُ: ضَمِنَ قيمتَه للبائع: أي ضَمِنَ المشتري، بمعنى أنَّ إقرارَ الضَّمان عليه.

وله: أي للبائع، وهو المُكْرَهُ ـ بالفتح ـ أن يضمِّنَ أيَّاً شاءَ من المكرِهِ بالكسر، ومن المشتري، فإن ضَمَّنَ المُكْرِهَ رجعَ على المشتري، وإن ضَمَّنَ المشتري نَفَذَ كُلُّ شراءٍ

(1)

قال أخي جلبي في «ذخيرة العقبى» (ص 537 - 538): يردُ على ظاهرهِ أنّ صاحب «الهداية» (3: 277) قال قبيل هذا: ثمّ إذا باعَ مكرها وسَلَّم مكرهاً يثبتُ به الملك، وهل هذا إلا ذكرُ حكمِ التسليمِ مكرهاً، فليتأمّل.

(2)

إذ لو نسب إلى الحامل وجعلَ الفاعل آلة لزم التبديلُ في محلِّ التسليم، بأن يصير مغصوباً؛ لأنَّ التسليمَ من جهة الحامل يكون تصرُّفاً في ملك الغير على سبيلِ الاستيلاء، فيصيرُ البيع والتسليم غصباً، وأمّا إذا نسب التسليم إلى الفاعلِ وجعل تتميماً للعقد، حتى أنّ المشتري يملكُ المبيع ملكاً فاسداً لانعقادِ البيع وعدمِ نفاذه، فلا يلزم ذلك. انتهى. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 538).

(3)

العبارة في ق: ضمن قيمته للبائع، وللمكره أن يضمن المكره، فإن ضمنه رجع على المشتري بقيمته.

(4)

لأنه قام مقام البائع بأداء الضمان؛ لأن المضمون يصير ملكاً للضامن من وقت سبب الضمان، وهو الغصب. ينظر:«درر الحكام» (2: 272).

ص: 25

فإن أُكْرِهَ على أكلِ ميتة، أو دَم، أو لحمِ خِنْزير، أو شُربِ خمر بحبس، أو ضرب، أو قيدٍ لم يحلّ، وبقتلٍ أو قطع حلَّ، فإن صَبَرَ فقتلَ أَثِمَ كما في المَخْمَصة. وعلى الكفرِ بقتل، أو قطع، رُخِصَ له أن يظهرَ ما أُمِرَ به، وقلبُه مطمئنٌ بالإيمان، وبالصَّبر أجر، ولم يُرَخَّصْ بغيرهما

بعدَه لا ما قبلَه، فإنَّ المشتري أعمُّ من أن يكونَ مشترياً أوَّلاً، أو أو مشترياً ثانياً، أو ثالثاً لو تناسخت العقود، فإنَّه إن ضَمَّنَ المشتري الثَّاني القيمةَ يصيرُ ملكاً له، فينفذُ كلَّ شراءٍ بعد ذلك الشِّراء، ولا ينفذُ الشِّراء الذي قبلَه، فيرجعُ المشتريُ الضَّامنُ بالثَّمنِ على بائعِه، ثُمَّ هذا البائعُ بالثَّمنِ على بائعِه، وهذا بخلافِ ما إذا أجازَ المالك أحدَ العقودِ حيث ينفدُ الجميع؛ لأنَّهُ أسقط حقَّه، وهو المانع، فعادَ الكلُّ إلى الجواز، وفي الضَّمان يَثْبُتُ الملكُ المستند، ويستندُ إلى حينِ العقدِ لا قَبْلَه

(1)

.

(فإن أُكْرِهَ على أكلِ ميتة، أو دَم، أو لحمِ خِنْزير، أو شُربِ خمر بحبس، أو ضرب، أو قيدٍ لم يحلّ، وبقتلٍ أو قطع حلَّ)؛ لأن هذه الأشياءَ مستثناةٌ عن الحرمةِ في حالِ الضَّرورة، والاستثناءُ عن الحرمةِ حلّ، ولا ضرورةَ في إكراهِ غيرِ مُلْجِئ.

(فإن صَبَرَ فقتلَ أَثِمَ كما في المَخْمَصة

(2)

.

وعلى الكفرِ بقتل، أو قطع، رُخِصَ له أن يظهرَ ما أُمِرَ به، وقلبُه مطمئنٌ بالإيمان وبالصَّبر أجر، ولم يُرَخَّصْ بغيرهما): أي بغيرِ القتل، والقطع، رُوِي أن خبيباً

(3)

رضي الله عنه وعمَّاراً رضي الله عنه ابتليا بذلك فصبرَ خبيبٌ حتَّى صُلِب، فسمَّاه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«سيِّدَ الشُّهداء»

(4)

(1)

الفرق بين الإجازة والتضمن: أنه إذا ضمَّن فأخذ القيمة صار كأنه استردّ العين فتبطل البياعات التي قبله بخلاف أخذ الثمن؛ لأنه ليس كأخذ العين بل إجازة فافترقا. ينظر: «الشرنبلالية» (2: 272).

(2)

المَخْمَصة: المجاعة. ينظر: «مختار الصحاح» (ص 190).

(3)

وهو خبيب بن عدي بن مالك بن عامر بن مجدعة بن جحجبي بن عوف بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن الأوس الأنصاري، شهد أحداً مع النبي صلى الله عليه وسلم، وستأتي قصة استشهاده بعد قليل. ينظر:«الاستيعاب» (2: 440)، «الإصابة» (2: 262)، «صفوة الصفوة» (ص 619).

(4)

قال الزيلعي في «نصب الراية» (4: 159)، وابن حجر في «الدراية» (2: 197): لم نقف على لفظ «سيد الشهداء» في قصة خبيب رضي الله عنه، وقصة خبيب رضي الله عنهم في «صحيح البخاري» (4: 1465)، وهي: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عشرةً عيناً وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مئة رجلٍ رامٍ فاقتصّوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في مَنْزلٍ نزلوه، فقالوا: تمرُ يثرب فاتبعوا آثارهم، فلَمَّا أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا: لهم انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحداً، فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم أما أنا فلا أنزل في ذمّة كافر، ثمّ قال: اللّهمّ أخبر عنّا نبيك صلى الله عليه وسلم، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصماً ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق منهم: خبيب، وزيد بن الدثنة، ورجل آخر، فلَمَّا استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى، فجروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فأنطلق بخبيب وزيد ابن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيباً، وكان خبيباً هو قاتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيراً حتى أجمعوا قتله فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدّ بها فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك، قالت: والله ما رأيت أسيراً قطّ خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يوماً يأكل قطفاً من عنب في يده، وإنّه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول إنه لرزق رزقه الله خبيباً، فلَمَّا خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحلّ قال لهم: خبيب دعوني أصلي ركعتين فتركوه فركع ركعتين، فقال: والله لولا أن تحسبوا أنّ ما بي جزعٌ لزدت ثم قال: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، ثم أنشأ يقول:

على أي جنب كان لله مصرعي

فلست أبالي حين أقتل مسلماً

يبارك على أوصال شلو ممزع

وذلك في ذات الإله وإن يشأ

ثمّ قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتلَه، وكان خبيب هو سنّ لكلِّ مسلمٍ قتل صبراً الصلاةَ، وأخبرَ يعني النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أصيبوا خبرهم.

ص: 26

......................................................................... ........................ ..

وأظهرَ عمَّارٌ

(1)

وكانَ قلبُهُ مطمئناً بالإيمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فإن عادوا فعد»

(2)

.

(1)

وهو عمّار بن ياسر العَنْسي، أبو اليقظان، الصحابي المشهور، قال مسدّد: لم يكن في المهاجرين أحد أبواه مسلمان غير عمّار بن ياسر. شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قتل مع عليّ رضي الله عنه بصفين سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وتسعين سنة. ينظر:«تهذيب الكمال» (21: 215 - 226). «العبر» (1: 38).

(2)

من حديث عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر رضي الله عنهم عن أبيه، قال:«أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ثمّ تركوه فلَمَّا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ما وراءك قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان، قال: إن عادوا فعد» في «المستدرك» (2: 289)، وصححه الحاكم، و «سنن البيهقي الكبير» (8: 208)، وغيرهما.

ص: 27

ورُخِّصَ له إتلافُ مالِ مسلمٍ بهما، وضُمِّنّ المُكْرِهُ لا قتله، ويقادُ المُكْرِهُ فقط، وصحَّ نكاحُهُ وطلاقُه وعتقُه، ورجعَ بقيمةِ العبد، ونصفِ المسمَّى أن لم يطأ

والفرقُ بين هذا وبين شربِ الخمرِ أنّ شربَ الخمرِ يحلُّ عند الضَّرورة، والكفرُ لا يحلُّ أبداً فيرخَّصُ إظهارُهُ مع قيامِ دليلِ الحرمة؛ لأنَّ حقَّه يفوتُ بالكليَّة، وحقُّ اللهِ تعالى لا يفوتُ بالكليَّة؛ لأنَّ التَّصديقَ بالقلبِ باق

(1)

.

(ورُخِّصَ له إتلافُ مالِ مسلمٍ بهما): أي بالقتلِ والقطع، (وضُمِّنّ المُكْرِهُ) ـ بكسر الراء ـ إذ في الأفعالِ يصيرُ الفاعلُ آلةً للحامل، (لا قتله)، فإنَّ قتلَ المسلمِ لا يَحِلُّ بالضَّرورة، (ويقادُ المُكْرِهُ فقط): أي إن كان القتلُ عمداً فعند أبي حنيفة رضي الله عنه ومحمَّد رضي الله عنه القصاصُ على الحامل؛ لأنَّ الفاعلَ يصيرُ آلة له، وعند زُفَرَ رضي الله عنه على الفاعل؛ لأنَّه مباشر، ولا يحلُّ له القتل، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه لا يجبُ على أحدٍ للشُّبْهة، وعند الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه يَجِبُ عليهما على الفاعلِ بالمباشرة، وعلى الحاملِ بالتَّسبيب، والتَّسبيبُ عنده كالمباشرة: كشهودِ القصاص

(2)

.

(وصحَّ نكاحُهُ وطلاقُه وعتقُه): أي إعتاقُه، فإنّ هذه العقودَ تصحُّ عندنا مع وجودِ الإكراه؛ قياساً على صحَّتِها مع الهزل، وعند الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه لا تصح، (ورجعَ بقيمةِ العبد، ونصفِ المسمَّى أن لم يطأ): أي يَرْجِعُ المُكْرَهُ على مَن أكرهَهُ في صورة الإكراهِ بالإعتاقِ بقيمة العبد؛ لأنَّ الإعتاقَ من حيث أنَّه إتلافٌ يضافُ إلى الحامل؛ لأنَّ الإتلافَ فعل، فيمكنُ فيه جعلُ الفاعلِ آلةً للحامل، وإن لم يمكن ذلك في القول

(3)

.

(1)

حاصله: إنّ الإيمانَ لا يفوتُ بهذا الإظهار حقيقة؛ لأنّ الركنَ الأصليّ فيه التصديق، وهو قائم حقيقة، والإقرارُ ركن زائد، وهو قائم تقديراً؛ لأنّ التكرار ليس بشرط، وفي الامتناع فوت نفسه حقيقة، فكان ممّا اجتمعَ فيه فوت حقّ العبد يقيناً، وفوت حقّ الله تعالى توهمّاً، فيسعه الميل إلى إحياء حقّه. ينظر:«العناية» (8: 176).

(2)

أي إنّ الشاهدين لو شهدا على رجلٍ بالقتلِ العمد، فاقتصَّ المشهود عليه، ثمّ جاءَ المشهود به حيّاً يقتلُ الشاهدان عنده. ينظر:«الكفاية» (8: 177).

(3)

أي فإنّ الإعتاقَ من حيث التكلُّم يقتصرُ على المعتِق، فإنّه لو انتقلَ إلى المكرِه من حيث التكلّم أيضاً كخشيةِ الإتلافِ لم يعتق العبد قطعاً. ينظر:«حاشية الجلبي» (ص 541).

ص: 28

ونذرُه، ويمينُه، وظهارُه، ورجعتُه، وإيلاؤُه، وفيؤهُ فيه، وإسلامُهُ بلا قتلٍ لو رَجَع، لا إبراؤه مديونَه أو كفيلَه، وردَّتُه فلا تَبِينُ عرسُه، ولو زنى يحدُّ إلا

ويرجعُ عليه في الإكراه بالطَّلاق بنصفِ المسمَّى إن لم يوجدِ الدُّخول؛ لأنَّ نصفَ المسمَّى في مَعْرِضِ السُّقُوط بأن تجيءَ الفرقةُ من قِبَلِ المرأة، فيتأكَّدُ بالطَّلاقُ

(1)

قبلَ الدُّخولِ فمن هذا الوجهِ يكونُ إتلافاً فيضافُ إلى الحامل، بجعلِ الفاعلِ آلةً له بخلافِ ما بعد الدُّخول؛ لأنَّ المهرَ تقرَّرَ بالدُّخول

(2)

.

ولقائلٍ أن يقولَ: المهرُ يجبُ بالعقد، والطَّلاقُ شرطُه، والحكمُ لا يضافُ إليه، وأيضاً سقوطُهُ بالفرقةِ مجرَّدُ وهم، فلا اعتبارَ له.

(ونذرُه، ويمينُه، وظهارُه، ورجعتُه، وإيلاؤُه، وفيؤهُ فيه، وإسلامُهُ بلا قتلٍ لو رَجَع)، الأصل عندنا أن كلَّ عقدٍ لا يحتملُ الفسخَ فالإكراهُ لا يمنعُ نفاذَه، وكذلك كلُّ ما ينفذُ مع الهزل ينفذ مع الإكراه، والإسلام إنِّما يصحُّ مع الإكراه؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم:«أُمِرْتُ أن أقاتلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا لا إله إلا الله»

(3)

، فالإسلامُ يصحُّ مع خوفِ القتل، لكن إذا أسلمَ المُكْرَهُ، ثُمَّ ارتدَّ لا يقتلُ لتمكّنِ الشُّبْهة في إسلامه.

(لا إبراؤه مديونَه أو كفيلَه

(4)

، وردَّتُه فلا تَبِينُ عرسُه

(5)

، ولو زنى يحدُّ إلا إذا

(1)

لأن ما عليه كان على شرف السقوط بوقوع الفرقة من جهتها بمعصية كالارتداد وتقبيل ابن الزوج، وقد تأكد ذلك بالطلاق فكان تقريراً للمال من هذا الوجه فيضاف تقريره إلى الحامل، والتقرير كالإيجاب، فكان متلفاً له فيرجع عليه بخلاف ما إذا دخل بها؛ لأن المقرر تقرر هنا بالدخول لا بالطلاق. ينظر:«درر الحكام» (2: 272).

(2)

أي لا بالطلاق، فبقيَ مجرَّدُ إتلافِ ملكِ النكاح، وإنّه ليس بمال، فلا يضمنُ بالمال؛ لأنّه لا مماثلة بين ما هو مال وبين ما ليسَ بمال متقوَّم، وتقوّمُه عند التملُّك بالنكاح؛ لإظهارِ خطرِ الممهور، وهذا الخطر للمملوك لا للملك الوارد عليه، ألا ترى أنّ إزالةَ الملكِ بغيرِ شهودٍ وبغير وليٍّ صحيح، فلا حاجةَ إلى إظهارِ الخطرِ عند إتلاف الملك؛ فلهذا لا يضمنُ المتلف شيئاً؛ ولذا لا يجبُ على شاهدي الطلاق بعد الدخولِ ضماناً عند الرجوع. ينظر:«الكفاية» (8: 180).

(3)

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأنس بن مالك رضي الله عنه في «صحيح البخاري» (1: 153)، و «صحيح مسلم» (1: 52)، و «صحيح ابن خزيمة» (1: 399)، و «صحيح ابن حبان» (1: 401)، و «المنتقى» (1: 258).

(4)

أي لا يصحّ مع الإكراه إبراؤه مديونَه أو إبراؤه كفيله بنفسٍ أو مال؛ لأنَّ البراءةَ لا تصحُّ مع الهزل؛ لأنّها إقرارٌ لفراغِ الذمّة، فيؤثِّرُ فيها الإكراه. ينظر:«ردّ المحتار» (5: 87).

(5)

في ف زيادة: فإن ادَّعت البينونة، فقال أظهرتُها وقلبي مطمئن بالإيمان صُدِّق.

ص: 29

أكرهَهُ السَّلطان

أكرهَهُ السَّلطان)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما لا يحدّ. أقول: كونُ الإكراه مسقطاً للحدِّ متفقٌ عليه فيما بينهم، بل هذا الاختلافُ إنِّما هو في تحقُّقِ الإكراهِ من غيرِ السُّلطان، فإنَّ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه الإكراهَ لا يتحقَّقُ من غيرِ السُّلطان، فالزِّنا لا (يمكنُ أن)

(1)

يكونُ مع الإكراه فيحدّ، وإذا أَكْرَهَهُ السُّلطان فزَنَى لا يحدُّ لوجودِ الإكراه هنا، وعندهما الإكراه يتحقَّقُ من السَّلطان وغيرِه، فلا يحدُّ في الصُّورتين.

* * *

(1)

زيادة من أ و م.

ص: 30

‌كتاب الحجر

هو منعُ نفاذِ تصرُّفٍ قولي، وسببُهُ: الصِّغرُ، والجنونُ، والرِّقّ. فلم يصحَّ طلاقُ صبيٍّ ومجنونٍ غلب، وعتقُهُما، وإقرارُهما. وصحَّ طلاقُ العبدِ وإقرارُهُ في حقِّ نفسِهِ لا في حقِّ سيِّدِه فلو أقرَّ بمالٍ أُخِّرَ إلى عتقِه، وبحدٍّ وقَوَد عُجِّل، ومَن عقدَ منهم وهو يعقلُهُ أجازَ وليُّهُ أو ردّ

كتاب الحجر

(هو منعُ نفاذِ تصرُّفٍ قولي)، إنَّما قال هذا؛ لأنَّ الحَجْرَ لا يتحقَّقُ في أفعالِ الجوارح، فالصَّبيُّ إذا أتلفَ مالَ الغيرِ يجبُ الضَّمان، وكذا المجنون.

(وسببُهُ: الصِّغرُ، والجنونُ، والرِّقّ.

فلم يصحَّ طلاقُ صبيٍّ ومجنونٍ غلب): أي

(1)

المجنونُ المغلوب: هو الذي اختلطَ عقلُهُ بحيثُ يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهجِ العقلِ إلا نادراً، وغيرُ المغلوبِ هو الذي يختلطُ كلامُهُ فيشبُهُ كلامُهُ مرَّة كلامَ العقلاء، ومرَّة لا، وهو المعتوه

(2)

، وسيجيءُ حكمُهُ

(3)

، (وعتقُهُما): أي إعتاقُهما، (وإقرارُهما.

وصحَّ طلاقُ العبدِ وإقرارُهُ في حقِّ نفسِهِ لا في حقِّ سيِّدِه فلو أقرَّ): أي العبدُ المحجور، (بمالٍ أُخِّرَ إلى عتقِه، وبحدٍّ وقَوَد عُجِّل)، فإنَّهُ في حقِّ دمِهِ مبقىً على أصلِ الآدميَّة حتى لا يصحَّ إقرارُ مولاهُ بذلك عليه.

(ومَن عقدَ منهم وهو يعقلُهُ أجازَ وليُّهُ أو ردّ)، قوله: منهم يرجعُ إلى الصَّبيِّ والعبدِ والمجنون، فإنَّ المجنونَ قد يعقلُ البيعَ والشِّراءَ ويقصدهما، وإن كان لا يرجِّحُ المصلحةَ على المفسدة، وهو المعتوهُ الذي يصلحُ وكيلاً عن الغير، والمرادُ بالعقدِ في قوله: ومَن عقدَ منهم: العقودُ الدَّائرةُ بينَ المنفعةِ والمضرَّة، بخلافِ الاتِّهاب، فإنَّهُ يصحُّ بلا إجازةِ الوليّ، وبخلافِ الطَّلاقِ والعتاق، فإنَّهما لا يصحَّانِ وإن أجاز الولي.

(1)

زيادة من ف و م.

(2)

اختلفوا في تفسيرِ المعتوه، وأحسن ما قيل فيه: هو مَن كان قليل الفهم، مختلط الكلام، فاسد التدبير، إلاَّ أنّه لا يَضْرِبُ ولا يَشْتِم، كما يفعلُ المجنون. ينظر:«الدرر» (2: 273).

(3)

بعد أسطر.

ص: 31

وإن أتلفوا شيئاً ضمنوا، ولا يُحْجَرُ حرٌّ مكلَّفٌ بِسَفِهٍ وفسقٍ ودَيْن، بل مفتٍ ماجنٍ، وطبيبٍ جاهلٍ، ومكَّارٍ مفلس، فإن بلغَ غيرَ رشيدٍ لم يُسَلَّمْ إليه مالُه، حتّى يبلغَ خمساً وعشرينَ سنة، وصحَّ تصرُّفُهُ قبلَهُ وبعده يسلَّمُ إليه ولو بلا رشدٍ

(وإن أتلفوا شيئاً ضمنوا)؛ لما بيَّنا أنَّهُ لا حجْرَ في أفعالِ الجوارح.

(ولا يُحْجَرُ حرٌّ مكلَّفٌ بِسَفِهٍ

(1)

وفسقٍ ودَيْن، ....

(2)

)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما وعندَ الشَّافعي

(3)

رضي الله عنه يُحْجَرُ على السَّفيه، وأيضاً إذا طلبَ غرماءُ المفلسِ الحجرَ عليه حَجَرَه القاضي ومنعَهُ من البيعِ والإقرار، وعندهما وعند الشَّافعيّ

(4)

رضي الله عنه يُحْجَرُ على الفاسقِ زجراً له، (بل مفتٍ ماجنٍ، وطبيبٍ جاهلٍ، ومكَّارٍ مفلس)، اعلم أنَّ أبا حنيفة رضي الله عنه يرى الحجرَ على هؤلاءِ الثَّلاثةَ دفعاً لضررِهم عن النَّاس، فالمفتي الماجن: هو الذي يعلِّمُ النَّاسَ الحيل، والمكاري المفلسُ: هو الذي يُكاري الدَّابةَ ويأخذُ الكراءَ فإذا جاءَ أوانُ السَّفرِ لا دابَّةَ لهُ فانقطعَ المُكْتَري عن الرِّفقة.

(فإن بلغَ غيرَ رشيدٍ لم يُسَلَّمْ إليه مالُه، حتّى يبلغَ خمساً وعشرينَ سنة، وصحَّ تصرُّفُهُ قبلَهُ وبعده يسلَّمُ إليه ولو بلا رشدٍ

(5)

)، اعلم أنَّ الصَّبيَّ إذا بلغَ غيرَ رشيدٍ لم يسلَّمْ إليه مالُهُ اتِّفاقاً، قال الله تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}

(6)

، إلى قولِه:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا}

(7)

، فأبو حنيفةَ رضي الله عنه قدَّر الإيناسَ بالزَّمانِ وهو خمسٌ وعشرونَ سنة، فإنَّ هذا سنٌّ إذا بلغَهُ المرءُ يمكنُ أن يصيرَ جدَّاً؛ لأنَّ أدنى مدَّة البلوغِ اثنا عشر حولاً، وأدنى مدَّةُ الحملِ ستَّةُ أشهر، ففي هذا المبلغِ يمكنُ أن يولدَ لهُ ابنٌ، ثمَّ في ضعفِ هذا المبلغِ يمكنُ أن يولدَ لابنِهِ ابنٌ، فالظَّاهرُ أنَّ يؤنسَ منهُ رشدٌ ما في سنِّ خمسٍ

(1)

السفه: وهو خفّةٌ تعتري الإنسانَ فيحملُه على العمل بخلافِ موجبِ الشرع والعقل، مع قيامِ العقل، وقد غلبَ في عرفِ الفقهاء على تبذيرِ المال وإتلافه على خلافِ مقتضى الشرع والعقل، مثل دفعِ ماله إلى المغنيين واللّعابين وشراء الحمامة الطيّارة بثمنٍ غالٍ وإلقائه في البحر وإحراقه، هذه أمثلةٌ التبذير الذي هو دأبُ السفهاء. ينظر:«الكفاية» (8: 191).

(2)

زيادة في ق: وصحَّ منه بعدَ حَجْرِهِ ما صحَّ قبله.

(3)

ينظر: «النكت» (ص 460)، وغيرها.

(4)

ينظر: «النكت» (ص 462)، وغيرها.

(5)

زيادة من أ و م.

(6)

من سورة النساء، الآية (5).

(7)

من سورة النساء: الآية (6).

ص: 32

وحبس القاضي المديون ليبيعَ مالَهُ لدينِه، وقضى دراهمَ دينِهِ من دراهمِه، وباعَ دنانيرَهُ لدراهمَ دينِه، وبالعكسِ استحساناً، لا عرضَهُ وعقارَه، ومَن أفلسَ ومعه عرضٌ شراهُ فبائعُهُ أسوةٌ للغرماء.

‌فصل

بلوغُ الغلامِ: بالاحتلام، والإحبال، والإنزال، والجاريةِ: بالاحتلام، والحيض،

وعشرين، فيدفعُ فيه إليه أموالَهُ وقبلَ هذا السِّنِّ إن تصرَّفَ في مالِهِ بيعاً أو شراءً أو نحوهما يصحُّ تصرفُهُ عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقالا: لا يصحّ؛ لأنَّهُ لو صحَّ لم يكنْ منعُ المالِ عنه مفيداً.

قلنا: بل يفيد؛ لأنَّ غالبَ تبذيرِ السُّفهاءِ بالهبة، فمنعُ المالِ يمنعُ الهبة، ثمَّ بعد خمسٍ وعشرينَ سنةٍ يسلَّمُ إليهِ مالُهُ وإن لم يؤنسُ منهُ رشدٌ عندَ أبي حنيفة رضي الله عنه، فإنَّ هذا السِّنَّ مظنَّةُ الرُّشدِ فيدورُ الحكمُ معها.

(وحبس القاضي المديون): أي الحرَّ المديون، (ليبيعَ مالَهُ لدينِه، وقضى دراهمَ دينِهِ من دراهمِه، وباعَ دنانيرَهُ لدراهمَ دينِه، وبالعكسِ استحساناً)، اعلمْ أنَّ القياسَ أن لا يبيعَ الدَّراهم لأجلِ دنانيرِ الدَّين، ولا الدَّنانير لأجلِ دراهمِ الدَّين؛ لأنَّهما مختلفان، لكن في الاستحسان أن

(1)

يباعَ كلٌّ واحدٍ لأجلِ الآخر؛ لأنَّهما متَّحدانِ في الثَّمنية، (لا عرضَهُ وعقارَه)، خلافاً لهما، فإنَّ المفلسَ إذا امتنعَ من بيعِ العرضِ والعقارِ للدَّين، فالقاضي يبيعهما ويقضي دينَهُ بالحصص

(2)

.

(ومَن أفلسَ ومعه عرضٌ شراهُ فبائعُهُ أسوةٌ للغرماء): أي أفلسَ ومعه عرضٌ شراه، ولم يؤدِّ الثَّمن، فبائعُهُ أسوةٌ للغرماء، وقال الشَّافعيّ رضي الله عنه: يحجرُ القاضي على المشتري بطلبِه، ثمَّ للبائعِ خيارُ الفسخ.

فصل

(بلوغُ الغلامِ: بالاحتلام، والإحبال، والإنزال، والجاريةِ: بالاحتلام، والحيض

(1)

زيادة من أ.

(2)

أي يعطي القاضي بثمنهما كلّ واحدٍ من الغرماءِ بقدرِ حقّه. ينظر: «ذخيرة العقبى» (ص 545).

ص: 33

والحبل، فإن لم يوجدْ فحتَّى يتمَّ له ثماني عشرةَ سنة، ولها سبعَ عشرَ سنة، وقالا فيهما: بتمامِ خمس عشرة سنة، وبه يفتى، وأدنى مدَّةٍ له إثنا عشرة سنة ولها تسع سنين، فإن راهقا فقالا: بلغنا صدِّقا، وهما كالبالغِ حكماً

والحبل، فإن لم يوجدْ فحتَّى يتمَّ له ثماني عشرةَ سنة، ولها سبعَ عشرَ سنة، وقالا فيهما: بتمامِ خمس عشرة سنة، وبه يفتى

(1)

، وأدنى مدَّةٍ له إثنا عشرة سنة ولها تسع سنين، فإن راهقا فقالا: بلغنا صدِّقا، وهما كالبالغِ حكماً).

* * *

(1)

لأنها العادة الغالبة على أهل زماننا وغيرها احتياطاً، فلا خلاف في الحقيقة، والعادة إحدى الحجج الشرعية فيما لا نصّ فيه. ينظر:«رد المحتار» (5: 97).

ص: 34

‌كتاب المأذون

الإذنُ فكُّ الحجرِ وإسقاطُ الحقّ، ثمَّ يتصرَّفُ العبدُ لنفسِهِ بأهليتِه، فلم يرجعْ بالعهدةِ على سيِّدِه، ولم يتوقَّت، فعبدٌ أُذِنَ يوماً مأذون حتى يُحْجَرَ عليه، ولم يتخصَّصْ بنوع، فإن أذنَ في نوعٍ عمَّ إذنُهُ في الأنواع

كتاب المأذون

(الإذنُ فكُّ الحجرِ وإسقاطُ الحقّ)، اعلمْ أنَّ الأصلَ في الإنسانِ أن يكون مالكاً للتَّصرُّفات، فإذا عرضَ له الرِّقُّ وتعلَّقَ به حقُّ المولى صارَ مانعاً؛ لكونِهِ مالكاً للتَّصرُّف، فإذا أسقطَ المولى حقَّهُ المانعِ عن التَّصرُّفِ وأزالَ حجْرَه: أي منعَه عن التَّصرُّفِ فهو الإذنُ، هذا عندنا، وعندَ الشَّافِعِيِّ

(1)

رضي الله عنه هو توكيلٌ وإنابة.

(ثمَّ يتصرَّفُ العبدُ لنفسِهِ بأهليتِه)، فإنَّهُ ليس بتوكيل، والوكيلُ هو الذي يتصرَّفُ لغيرِه، فقوله: ثمَّ يتصرَّفُ عطفٌ على محذوف، فإنَّ قولَه: الإذنُ فكُّ الحَجْر معناه: إذا أذنَ المولى ينفكُّ العبدُ عن الحجر، فعطفٌ على قولِه: ينفكُّ قولُهُ: ثمَّ يتصرَّف.

(فلم يرجعْ بالعهدةِ

(2)

على سيِّدِه)، هذا تفريعٌ على أنَّهُ يتصرَّفُ لنفسِه، فإنَّه إذا اشترى شيئاً لا يطلبُ الثَّمنَ من المولى لكونِهِ مشترياً لنفسِه، بخلافِ الوكيلِ فإنَّهُ يطلبُ الثَّمنَ من الموكِّل؛ لأنَّهُ اشترى للموكِّل.

(ولم يتوقَّت): هذا تفريعٌ على أنَّهُ إسقاطُ الحقِّ لا توكيل، فإنَّ الإسقاطَ لا يتوقَّت، والتَّوكيل يتوقَّت.

(فعبدٌ أُذِنَ يوماً مأذون حتى يُحْجَرَ عليه، ولم يتخصَّصْ بنوع، فإن أذنَ في نوعٍ عمَّ إذنُهُ في الأنواع)، هذا تفريعٌ على أنَّهُ فكُّ الحجر، وليسَ بتوكيل؛ لأنَّ فكَّ الحجرِ هو الإطلاقِ عن القيد، فلا يتخصَّصُ بتصرُّف، وفيه خلافُ الشَّافعيّ رضي الله عنه، والمرادُ أنَّهُ إذا أذن في نوعٍ من التِّجارةِ عمَّ إذنُهُ في الأنواع، وكذا إذا قيل: اقعدْ صبَّاغاً،

(1)

ينظر: «النكت» (ص 511)، وغيرها.

(2)

أي بحقّ التصرُّف كطلب الثمن وغيره، والعهدةُ فُعْلَة بمعنى مفعول، من عهده لقيه. ينظر:«ردّ المحتار» (6: 155).

ص: 35

ويثبتُ: دلالةً، فعبدٌ رآهُ سيِّدُهُ يبيعُ ويشترى وسكتَ مأذونٌ، وصريحاً، فلو أذنَ مطلقاً صحَّ كلُّ تجارةٍ منه، فيبيعُ ويشتري، ولو بغُبْنٍ فاحش، ويوكِّل بهما، ويرهن، ويرتهن، ويتقبَّلُ الأرض، ويأخذُها مزارعةً ويشتري بذراً يزرعُه، ويشاركُ عناناً، ويدفعُ

فإنَّهُ إذنٌ بشراءٍ ما لا بدَّ لهذا العملِ فيعمّ، وكذا إذا قيل: أدّ إليَّ الغُلَّةَ كلَّ شهرٍ كذا، بخلافِ ما إذا أُذِنَ بشراءِ شيءٍ معيَّن، فإنَّ هذا استخدامٌ لا إذن.

(ويثبتُ: دلالةً، فعبدٌ رآهُ سيِّدُهُ يبيعُ ويشترى وسكتَ مأذونٌ)

(1)

، هذا عندنا خلافاً لزفرَ رضي الله عنه والشَّافعي

(2)

رضي الله عنه، وإنِّما يكونُ مأذوناً دفعاً للغرور، (وصريحاً

(3)

، فلو أذنَ مطلقاً صحَّ كلُّ تجارةٍ منه) إجماعاً، فإنَّ تخصيصَ الشَّيءَ بالذكرِ في الرِّواياتِ إن دلَّ على نفي الحكمِ عمَّا عداهُ فتعميمُ التِّجارةِ إجماعاً يختصُّ بما إذا أطلق، أمَّا إذا قيَّدَ فعندنا يَعُمُّ التِّجاراتِ خلافاً للشَّافعيّ رضي الله عنه.

(فيبيعُ ويشتري، ولو بغُبْنٍ فاحش)، ولا يصحُّ عندهما بغبنٍ فاحشٍ؛ لأنَّهُ تبرُّعٌ

(4)

دلالة

(5)

، وله: إنَّهُ من بابِ التَّجارة

(6)

، (ويوكِّل بهما، ويرهن، ويرتهن، ويتقبَّلُ الأرض): أي يأخذُها قبالةً بالاستئجارِ والمساقاة، (ويأخذُها مزارعةً ويشتري بذراً يزرعُه، ويشاركُ عناناً)، إنَّما قال: عناناً احترازاً عن المفاوضة، (ويدفعُ

(1)

لكن إذنه لا يكون إجازة لما اشتراه قبل الإذن وإن أجاز بالإذن أشريته وبياعاته؛ وذلك لأن الأذن وأشريته في المستقبل بعد الأذين لا فيما مضى. ينظر: «المحيط» (ص 36).

(2)

ينظر: «النكت» (ص 510)، وغيرها.

(3)

كما إذا قال الرجل لعبده أذنت لك في التجارات يصير مأذوناً في التجارات كلها، وهذا بلا خلاف؛ لأن المولى أدخل اللام في التجارات وأنه يفيد استغراق الجنس إذا لم يكن ثمة معهود، وتمامه في «المحيط» (ص 91).

(4)

أي بمنْزلةِ التبرُّع؛ لأنّ البيعَ بالغبن الفاحشِ خلافُ المقصود، إذ المقصود بالبيعِ الاسترباح دون الإتلاف، فكان بمنْزلةِ التبرُّع؛ ولهذا اعتبرَ من المريض من الثلث، وما هو خلاف المقصود لا ينتظمه الإذن بالمقصود. ينظر:«العناية» (9: 287).

(5)

زيادة من ف.

(6)

لأن العبدُ متصرِّفٌ بأهليّة نفسه، فصار كالحرّ، وعلى هذا الخلافِ الصبيّ المأذون. ينظر:«الهداية» (4: 4).

ص: 36

المالَ ويأخذُهُ مضاربة، ويستأجر، ويؤجِّرُ نفسه، ويقرُّ بوديعةٍ وغصبٍ ودينٍ ويهدي طعاماً يسيراً، ويضيِّفُ مَن يطعمُه، ويحطُّ من الثَّمنِ بعيبٍ قدراً عهدا. ولا يتزوَّجُ ولا يزوِّجُ رقيقَه، ولا يكاتبُه، ولا يعتقُ أصلاً، ولا يقرضُ، ولا يهبُ ولو بعوض. وقالوا: لا بأسَ للمرأةِ أن تتصدَّقَ بشيءٍ يسيرٍ من بيتِ زوجها، وكلُّ دينٍ وجبَ بتجارتِه، أو بما هو في معناها؛ كبيعٍ وشراءٍ وإجارةٍ وإستئجار، وغرم وديعة، وغصب، وأمانةٍ جحدها، وعقرٍ وجبَ بوطء مشريةٍ بعد

المالَ ويأخذُهُ مضاربة، ويستأجر): أي يستأجرُ شيئاً كالأجير والبيتِ وغيرهما، (ويؤجِّرُ نفسه): هذا عندنا خلافاً للشَّافعي

(1)

رضي الله عنه.

(ويقرُّ بوديعةٍ

(2)

وغصبٍ ودينٍ ويهدي طعاماً يسيراً، ويضيِّفُ مَن يطعمُه، ويحطُّ من الثَّمنِ بعيبٍ قدراً عهدا

(3)

.

(ولا يتزوَّجُ)

(4)

ولا يزوِّجُ رقيقَه)، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه يزوِّجُ الأمة؛ لأنَّه تحصيلُ المال، لهما: إنَّهُ ليس من التَّجارة، (ولا يكاتبُه، ولا يعتقُ أصلاً، ولا يقرضُ، ولا يهبُ ولو بعوض.

وقالوا: لا بأسَ للمرأةِ أن تتصدَّقَ بشيءٍ يسيرٍ): (كالرَّغيفِ مثلاً)

(5)

، (من بيتِ زوجها)، هذه المسألةُ ليست من هذا البابِ لكنَّها ذكرتُ للمناسبة، فإنَّ المرأةَ مأذونةٌ عادةً بهذا.

(وكلُّ دينٍ وجبَ بتجارتِه، أو بما هو في معناها؛ كبيعٍ وشراءٍ

(6)

وإجارةٍ وإستئجار، وغرم وديعة، وغصب، وأمانةٍ جحدها، وعقرٍ وجبَ بوطء مشريةٍ بعد

(1)

ينظر: «النكت» (ص 512)، وغيرها.

(2)

لأنَّ الإقرارَ من توابعِ التجارة؛ لأنّه لو لم يصحَّ إقرارُه لم يعامله أحد. ينظر: «التبيين» (5: 207).

(3)

أي مثلاً ما يحطُّ التجّار؛ لأنّه من صنيعهم، إذ قد يكون أخذُ المعيب به من الحطّ، بخلافِ الحطِّ من غير عيب، والحطُّ أكثرُ من العادة؛ لأنّه تبرُّعٌ محضٌ بعد تمامِ القصد، وليس من صنيعِ التجّار فلا ضرورةَ إليه. ينظر:«التبيين» (5: 208).

(4)

زيادة من ب و ص و ق.

(5)

زيادة من أ و م.

(6)

صورةُ وجوبِ الدَّينِ بالبيع: هو أن يبيعَ ويستحقَّ المبيع، وهلكَ الثمنِ في يده، وصورةُ الدَّينِ بالإجارةِ أن يستعجلَ الأجرة، ثمَّ هلك المستأجرُ قبل تمام المدّة، فإنّ المستأجرَ يرجعُ بما أعطاه، فهذا دينٌ لحقه لسبب الإجارة، وذكرَ الأمانةَ بعد الوديعة؛ لأنَّ الأمانةَ أعمّ منها. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 449).

ص: 37

الاستحقاقِ يتعلَّقُ برقبتِهِ يباعُ فيه، ويقسمُ ثمنُهُ بالحصص، وبكسبِهِ حصلَ قبلَ الدَّينِ أو بعده وبما اتَّهبَ، لا بما أخذه سيِّدُهُ منه قبل الدَّين، وطولبَ بما بقيَ بعد عتقِه، وللسَّيدِ أخذُ غلَّةِ مثلِهِ مع وجودِ دين، وما زادَ للغرماء، وينحجرُ إن أبق، أو ماتَ سيِّدُه، أو جُنَّ مطبقاً، أو لحقَ بدارِ الحرب مرتدّاً، أو حُجِرَ عليه بشرطِ أن يعلمَ هو وأكثرُ أهلِ سوقِه، والأمةُ إن استولدَها، لا إن دبَّرها، وضمنَ قيمتَهما للغريم

الاستحقاقِ يتعلَّقُ برقبتِهِ يباعُ فيه، ويقسمُ ثمنُهُ بالحصص، وبكسبِهِ حصلَ قبلَ الدَّينِ أو بعده وبما اتَّهبَ): أي بما وهب له، فقبلَ الهبة، هذا عندنا، وقال زفرُ رضي الله عنه والشَّافعيّ

(1)

رضي الله عنه: لا يباعُ هو في الدَّينِ لكن يباعُ كسبُه؛ لأنَّ غرضَ المولى تحصيلُ مالٍ لم يكن، لا فوتُ ما قد كان، ولنا: أنَّ الدَّينَ ظهرَ في حقِّ المولى، فيتعلَّقُ برقبتِهِ دفعاً للضَّررِ عن النَّاس.

(لا بما أخذه سيِّدُهُ منه قبل الدَّين، وطولبَ بما بقيَ بعد عتقِه): أي إذا قضى دينَهُ من ثمنِ رقبتِهِ إذا بيعت، ومن كسبِه، فإن بقيَ شيءٌ من الدَّينِ طولبَ به إذا عتق.

(وللسَّيدِ أخذُ غلَّةِ مثلِهِ مع وجودِ دين، وما زادَ للغرماء، وينحجرُ إن أبق)، هذا عندنا، وعند الشَّافِعِيّ

(2)

رضي الله عنه: لا ينحجر؛ لأنَّ الإباقَ لا ينافي الإذن، فإنَّهُ يصحُّ إذنُ الآبق، ولنا: إنَّ دلالةَ الحجرِ قائمة؛ لأنَّ المولى لا يرضى بإسقاطِ حقِّهِ حالَ تمرُّدِه، أمَّا إذا أذنَهُ صريحاً فهو يفوِّتُ دلالةَ الحجر

(3)

.

(أو ماتَ سيِّدُه، أو جُنَّ مطبقاً، أو لحقَ بدارِ الحرب مرتدّاً، أو حُجِرَ عليه بشرطِ أن يعلمَ هو وأكثرُ أهلِ سوقِه)، دفعاً للغرور عن النَّاس.

(والأمةُ إن استولدَها): أي تنحجرُ الأمةُ إن استولدها عندنا، وعند زفرَ رضي الله عنه: لا تنحجرُ؛ لأنَّهُ يجوزُ إذنُ المستولدة، قلنا: فيه دلالةُ الحجر، إذ الظَّاهرُ أنَّهُ لا يرضى أن تخرجَ وتعاملَ مع النَّاس، لكن إذا أذنَها صريحاً فالصَّريحُ يفوِّتُ دلالةَ الحجر.

(لا إن دبَّرها

(4)

، وضمنَ قيمتَهما للغريم): أي في صورةِ الاستيلادِ والتَّدبير إن

(1)

ينظر: «النكت» (ص 513)، وغيرها.

(2)

ينظر: «النكت» (ص 513)، وغيرها.

(3)

أي إنّ الإباقَ حجرٌ دلالة؛ لأنَّ المولى إنّما يرضى بكونِه مأذوناً على وجه يتمكَّن من تقضيةِ دينه بكسبه، بخلاف ابتداءِ الإذن؛ لأنَّ الدلالة لا معتبرَ بها عند وجود التصريح بخلافها. ينظر:«الهداية» (4: 7).

(4)

إذ العادة ما جرت بتحصين المدبَّرة فلم يوجد دلالة الحجر فتبقى مأذونة. ينظر: «الدر المنتقى» (2: 451).

ص: 38

ولو حُجِرَ فأقرَّ أنَّ ما معه أمانةٌ أو غصب، أو أقرَّ بدينٍ عليه صحّ، ولو شملَ دينُهُ مالَه ورقبتَهُ لم يملكْ سيِّدُه ما معه، فلم يعتقْ عبدٌ كَسِبَهُ بإعتاقِ سيِّدِه، وعتقَ إن لم يُحِطْ دينُه، ويبيعُ من سيِّدهِ بمثلِ القيمةِ لا بأقّل، وسيِّدُه منه بمثلها أو بأقل، فلو باعَ بالأكثرِ حطَّ الفضل، أو نقضَ البيع

كان على المستولدةِ وعلى المدبَّرةِ دينٌ محيط، غرِّمَ السيِّدُ قيمتهما، ولا يغرَّمُ ما زاد على القيمة؛ لأنَّه لم يحبسْ إلاَّ الرَّقبة فعليه قيمتُها.

(ولو حُجِرَ فأقرَّ أنَّ ما معه أمانةٌ أو غصب، أو أقرَّ بدينٍ عليه صحّ)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: لا يصحّ؛ لأنَّ مصحِّحَ الإقرارِ الإذن، وقد زال، وله: إنَّ المصحِّحَ اليد، وهي باقية

(1)

.

(ولو شملَ دينُهُ مالَه ورقبتَهُ لم يملكْ سيِّدُه ما معه

(2)

)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما: يملك؛ لأنَّ الرَّقبةَ ملكَه، فكذا الإكساب وله: إنَّ ملكَ المولى يثبتُ خلافةً عن العبدِ عند فراغِهِ عن حاجتِه، كملكِ الوارث، وهاهنا مشغولٌ بها.

(فلم يعتقْ عبدٌ كَسِبَهُ بإعتاقِ سيِّدِه

(3)

): أي عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما: يعتق ويضمنُ السَيِّدُ قيمتَهُ للغرماء، (وعتقَ إن لم يُحِطْ دينُه): أي برقبتِهِ وكسبِه.

(ويبيعُ من سيِّدهِ بمثلِ القيمةِ لا بأقّل، وسيِّدُه منه بمثلها أو بأقل): أي يجوزُ بيعُ المأذونِ الذي شملَ دينُهُ مالَهُ ورقبتَهُ من سيِّدِه، وإنَّما يجوز؛ لأنَّ سيِّدَهُ أجنبيٌّ عن مالهِ إذا كان عليه دينٌ محيط، وعندهما: إن باعَ بأقلَّ من قيمتِهِ يجوزُ البيع ويخيَّرُ المولى بين إزالةِ المحاباةِ ونقضِ البيع؛ لأنَّ الضَّررَ عن الغرماءِ يندفعُ بذلك، وإنَّما لم يجوِّزْ أبو حنيفة رضي الله عنه للتَّهمةِ كما في الوارث، ولا تهمةَ فيما إذا حابى الأجنبيّ.

(فلو باعَ بالأكثرِ حطَّ الفضل، أو نقضَ البيع): أي يؤمرُ السيِّدُ بإزالةِ المحاباة، أو نقضِ البيع.

(1)

أي إنّ المصحّح لإقراره هو اليد؛ ولهذا لا يصحّ إقرارُ المأذونِ فيما أخذَه المولى من يده، واليدُ باقيةٌ حقيقة، وشرطُ بطلانها بالحجرِ حكماً فراغُها عن حاجته، وإقرارُه دليلُ تحقّقها بخلاف ما إذا انتزعه المولى من يده قبل الإقرار؛ لأنّ يدَ المولى ثابتةٌ حقيقةً وحكماً، فلا تبطلُ بإقراره. ينظر:«الهداية» (4: 7 - 8).

(2)

في ق زيادة: يقضى بما في يده.

(3)

في ق زيادة: معه.

ص: 39

وبطلَ ثمنُهُ لو سلَّم مبيعَهُ قبلَ قبضِه، ولهُ حبسُ مبيعِهِ لثمنِه، وصحَّ إعتاقُهُ مديوناً، وضمنَ السَّيدُ الأقلَّ من دينِهِ، وقيمتِه، وهو فضلُ دينِهِ معتقاً، فإن بيعَ عبدٌ ذو دينٍ محيطٍ برقبتِه، وغيَّبَهُ المشتري أجازَ الغريمُ بيعَهُ وله ثمنُه، أو ضَمَّنَ المشتريَ أو البائعَ قيمتَه، فإن ضمَّنَه، وردَّ عليه بعيبٍ رجع البائعُ على الغريمِ بقيمتِه، وعادَ حقُّهُ في العبد، فإن باعَهُ سيِّدُهُ مُعْلِماً بدينِه، فللغريمِ ردُّ بيعِهِ إن لم يصلْ ثمنُهُ إليه، وإن وصل ولا محاباة في البيع لا

(وبطلَ ثمنُهُ لو سلَّم مبيعَهُ قبلَ قبضِه، ولهُ حبسُ مبيعِهِ لثمنِه): أي للسَّيِّدِ ولايةُ حبسِ المبيعِ لقبضِ الثَّمن، فإن سلَّمَ المبيعَ قبلَ قبضِ الثَّمنِ، أبطلَ حقَّهُ في العينِ فلم يبقَ له حقٌّ إلا في الدَّين، والمولى لا يستوجبُ على عبدِهِ ديناً، فيبطلُ الثَّمن.

(وصحَّ إعتاقُهُ مديوناً): أي صحَّ إعتاق المولى العبدَ المأذونَ حالَ كونِهِ مديوناً سواءٌ كانَ الدَّينُ محيطاً أو لم يكن، لأنَّ ملكَهُ فيه باق، (وضمنَ السَّيدُ الأقلَّ من دينِهِ، وقيمتِه): أي إذا كان الدَّينُ أقلَّ من القيمة يضمنُ الدَّين، إذ لا حقَّ للغرماءِ إلا في الدَّين، وإن كان القيمةُ أقلَّ من الدَّينِ يضمنُ القيمة؛ لأنَّه تعلَّق حقُّهم بالرَّقبة، وهو أتلفَها، (وهو فضلُ دينِهِ معتقاً): أي ضَمِنَ المأذونُ الذي عتقَ فضلَ دينِهِ على القيمة.

(فإن بيعَ عبدٌ ذو دينٍ

(1)

محيطٍ برقبتِه، وغيَّبَهُ

(2)

المشتري أجازَ الغريمُ بيعَهُ

(3)

وله ثمنُه، أو ضَمَّنَ المشتريَ أو البائعَ قيمتَه، فإن ضمَّنَه): أي البائع، (وردَّ عليه بعيبٍ رجع البائعُ على الغريمِ بقيمتِه، وعادَ حقُّهُ في العبد): أي رجعَ البائعُ على الغريم، وعادَ حقُّ الغريمِ في العبد.

(فإن باعَهُ سيِّدُهُ مُعْلِماً بدينِه، فللغريمِ ردُّ بيعِهِ إن لم يصلْ ثمنُهُ إليه، وإن وصل ولا محاباة في البيع لا)، وإنَّما قال: مُعْلِماً بدينِه؛ لأنَّ البائعَ إذا أعلمَ المشتري أنَّ على العبدِ الدَّينَ، والمشتري رضيَ بذلك، تُوِهِمَ أن ينفذَ البيعُ برضا البائعِ والمشتري، فنقول: إن مع هذا يكون للغرماءِ ولايةُ ردِّ البيعِ إذا لم يصلِ الثَّمنُ إليهم،

(1)

معناه باعَه بثمنٍ لا يفي بديونهم بدون إذن الغرماء والدّينُ حالٌ. ينظر: «العناية» (9: 305).

(2)

قيَّدَ بقوله: وغيَّبَه؛ لأنّ الغرماءَ إذا قدروا على العبد كان لهم أن يبطلوا البيع إن لم يقضِ المولى ديونهم، فإذا لم يقدروا على العبدِ إن شاء أجاز الغريم

الخ. ينظر: «البناية» (8: 322).

(3)

أي إن شاء الغرماء أجازوا البيع وأخذوا ثمن العبد وحينئذٍ لا يضمِّنون أحداً القيمة؛ لأن الحق لهم، والإجازة اللاحقة كالإذن السابق. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 452 - 453).

ص: 40

ولا يخاصمُ المشتري منكراً دينَهُ إن غابَ بائعُه، ولو اشترى عبدٌ، وباعَ ساكتاً عن إذنِهِ وحجرِهِ فهو مأذون، ولا يباعُ لدينِهِ إلاَّ إذا أقرَّ سيِّدُهُ بإذنِه.

[فصل في حكم تصرف الصبي]

وتصرُّفُ الصَّبيِّ إن نفعَ كالإسلام والاتِّهاب، صحَّ بلا إذن، وإن ضرَّ كالطَّلاقِ والعتاق لا وإن أذنَ به، وما نفعَ وضرَّ كالبيعِ والشِّراء عُلِّقَ بإذنِ وليِّه

وإن وصل، فإن لم يكنْ في البيعِ محاباةٌ فلا، وإن كانت فإمَّا أن ترفعَ المحاباة، أو ينقضَ البيع.

(ولا يخاصمُ المشتري منكراً دينَهُ إن غابَ بائعُه

(1)

): أي إذا كان البائعُ غائباً، والمشتري منكراً للدَّين، فالدَّائنُ لا يخاصمُهُ عند أبي حنيفة رضي الله عنه ومحمَّدٍ رضي الله عنه؛ لأنَّه ليس خصماً له، وعند أبي يوسف رضي الله عنه هو خصمه، ويقض للغريمِ بدينِه، لأنَّهُ يدَّعي الملكَ لنفسِهِ فيكونُ خصماً لكلِّ مَن ينازعُه، ولهما: أنّ الدَّعوىُ يتضمَّنُ فسخَ العقد، وفي الفسخِ قضاءٌ على الغائب.

(ولو اشترى عبدٌ، وباعَ ساكتاً عن إذنِهِ وحجرِهِ فهو مأذون)، عبدٌ قدمَ مصراً، وقال: أنا عبدُ فلان مأذونٌ في التِّجارة، ويبيعُ ويشتري فهو مأذون، وكذا إن سكتَ عن الإذنِ والحجرِ فإنَّ تصرُّفَهُ دليلٌ على

(2)

أذنه، (ولا يباعُ لدينِهِ إلاَّ إذا أقرَّ سيِّدُهُ بإذنِه)؛ لأنَّ المولى إذا لم يقرَّ بالإذن، فالدَّينُ لا يظهرُ في حقِّه، والمعاملون إنَّما تضرَّروا لأنَّهم اعتمدوا على ظاهرِ الحال، والمولى لم يغرَّهم.

[فصل في حكم تصرف الصبي]

(وتصرُّفُ الصَّبيِّ إن نفعَ كالإسلام والاتِّهاب، صحَّ بلا إذن، وإن ضرَّ كالطَّلاقِ والعتاق لا وإن أذنَ به، وما نفعَ وضرَّ كالبيعِ والشِّراء عُلِّقَ بإذنِ وليِّه)؛ إكتفاءً بالأهليَّة القاصرةِ في النَّافع، واشتراطاً للكاملةِ في الضَّارّ، ودفعاً للضَّررِ بانضمامِ

(1)

أمّا إذا غابَ المشتري والبائعُ حاضرٌ فلا خصومةَ بينهم وبين البائع في رقبة العبد بلا خلاف، حتى يحضرَ المشتري؛ لأنّ الملكَ واليدَ للمشتري، وإبطال ذلك بدون حضوره لا يمكن فيه، فما لم يبطل ملك المشتري لا يكون الرقبةُ محلاً لحقّ الغرماء، إلا أنّ لهم أن يضمِّنوا البائع قيمته؛ لأنّ البيع والتسليم صار مفوّتاً محلّ حقّهم. ينظر:«الكفاية» (8: 237).

(2)

زيادة من أ و م.

ص: 41

وشرطُهُ: أن يعقلَ البيع سالباً للملكِ والشِّراء جالباً له. ووليُّهُ: أبوه، ثمَّ وصيُّه، ثمَّ جدُّهُ ثمَّ وصيُّه، ثمَّ القاضي أو وصيُّه، ولو أقرَّ بما معه من كسبِهِ أو إرثِهِ صحّ

رأي الوليِّ في المتردِّد بينهما، وعندَ الشَّافعيّ

(1)

رضي الله عنه لا يصحُّ تصرُّفُهُ بإجازةِ الوليّ، وكذا لا يصحُّ إسلامُه.

(وشرطُهُ: أن يعقلَ البيع سالباً للملكِ والشِّراء جالباً له.

ووليُّهُ: أبوه، ثمَّ وصيُّه، ثمَّ جدُّهُ ثمَّ وصيُّه، ثمَّ القاضي أو وصيُّه): إنَّما قال: ثمَّ وصيُّهُ في الأوَّلَيْن، وقال: أو وصيُّهُ في الأخير؛ لأنّ وصيَ الأبِ مَن استخلفَهُ بعد موتِهِ في التَّصرُّفِ في مالٍ ولدِه، وأمَّا الذي أذنَ له في التَّصرُّفِ حالَ حياتِهِ فوكيلٌ لا وصيّ، وكذا في الجدّ، وأما وصيُّ القاضي فهو الذي أمره بالتَّصرُّفِ في مالِ اليتيم، فهو يتصرَّفُ في حالِ حياةِ القاضي، وإنَّما سمِّي وصيَّاً مع أنَّ الإيصاءَ هو الاستخلافُ بعد الموت؛ لأنَّ هنا يصيرُ خليفةً للأب، كأنَّ الأبُ جعلَهُ وصيَّاً، فإنّ فعلَ القاضي يصيرُ كفعلِه، فمعنى الكلام أنّ وليَّهُ أبوه، ثمَّ وصيُّهُ بعد موتِه، ثمَّ الجدُّ إن لم يكن الأب، ولا وصيُّهُ ثمَّ وصيُّهُ بعد موتِه، ثمَّ القاضي أو وصيُّه، أيُّهما تصرَّفَ صحّ.

(ولو أقرَّ بما معه من كسبِهِ أو إرثِهِ صحّ)، فإنَّ المولى إذا أذنَ الصَّبيَّ بالتِّجارةِ صحَّ إقرارُهُ بكسبِه؛ لأنَّهُ من تمامِ التِّجارة، إذ لو لم يصحّ إقرارُهُ لا يعاملُهُ النَّاسُ مع أنَّ إقرارَ الوليِّ لا يصحُّ؛ لأنَّهُ إقرارٌ على الغير، وإقرارُ الصَّبيّ إقرارٌ على نفسِه، والحجرُ ارتفعَ بالإذنِ فصارَ كالبالغِ فصحَّ إقرارُهُ بالإرثِ أيضاً في ظاهرِ الرِّواية، وعن أبي حنيفةَ رضي الله عنه: أنّه لا يصحُّ في الإرث؛ لأنَّهُ إنَّما يصحُّ في الكسب؛ لِمَا ذُكِرَ أنّه من توابعِ التِّجارة، ولا كذلك في الإرث. (والله أعلم)

(2)

.

* * *

(1)

ينظر: «فتوحات الوهاب» (3: 336)، وغيره.

(2)

زيادة من ف.

ص: 42

‌كتاب الغصب

هو أخذُ مالٍ مُتَقَوَّمٍ محترمٍ بلا إذنِ مالكِه، يزيلُ يده، فاستخدامُ العبد، وحملُ الدَّابة غصبٌ، لا جلوسُهُ على البساط

كتاب الغصب

(هو أخذُ مالٍ مُتَقَوَّمٍ محترمٍ بلا إذنِ مالكِه، يزيلُ يده)، فالغصبُ لا يتحقَّقُ في الميتة؛ لأنَّها ليست بمال، وكذا في الحرّ، ولا في خمرِ المسلم؛ لأنَّها ليست بمتقوِّمة، ولا في مالِ الحربيّ؛ لأنَّهُ ليس بمحترم. وقوله: بلا إذنِ مالكِه؛ احترازٌ عن الوديعة، وإنَّما قال: يزيلُ يده؛ لأنَّ عند أصحابِنا هو إزالةَ اليدِ المحقَّةِ بإثباتِ اليدِ المبطلة، وعند الشَّافعيّ

(1)

رضي الله عنه هو إثباتَ اليدِ المبطلة، ولا يشترطُ إزالةُ اليد، قلنا: كلامُنا في الفعلِ الذي هو سببٌ للضَّمان، وهو إزالةُ اليد.

ويتفرَّعُ على هذا مسائلُ كثيرةٍ منها: إنَّ زوائدَ المغصوبِ لا تكونَ مضمونةً عندنا، خلافاً

(2)

له؛ لأنَّ إثباتَ اليد متحقِّقٌ بدونِ إزالةِ اليد.

ومنها: الاختلافُ في غصبِ العقار

(3)

، وسيأتي

(4)

.

ومنها: ما قالَ في المتن: (فاستخدامُ العبد، وحملُ الدَّابة

(5)

غصبٌ، لا جلوسُهُ على البساط)؛ إذ في الأوَّلَيْن نقلهما من مكانٍ إلى مكان، وفي الآخر: البساطُ على حالِه، ولم يفعلْ فيه شيئاً، يكونُ إزالةً لليد. وقد فُرَّعَ على هذا الاختلاف: تبعيدُ المالك عن المواشي حتى هلكت، وإمساكُ الغيرِ حتى قلعَ الآخرُ ضرسَه، وليسَ هذا التَّفريعُ بمستقيم؛ لأنّ إثباتَ اليدِ لم يوجدْ في هاتَيْن المسئلتَيْن، ثمَّ لا بدَّ أن يزادَ على هذا

(1)

ينظر: «تصحيح التنبيه» للنووي (ص 79)، وغيره.

(2)

ينظر: «النكت» (ص 595)، وغيرها.

(3)

ينظر: «النكت» (ص 601)، وغيرها.

(4)

ص 45).

(5)

أي ولو مشتركة، وكذا ركوبها، فيضمنُ نصيبَ صاحبها، ولو ركب فنَزلَ وتركها في مكانها لم يضمن؛ لأنَّ الغصبَ لم يتحقَّق بدون النقل. وينبغي أن يكون الاستخدامُ كذلك، لكن إذا تلفَ بنفس الحمل والركوبِ يضمن، وإن لم يحوِّلْها؛ لوجود الإتلاف بفعله. ينظر:«ردّ المحتار» (6: 178).

ص: 43

وحكمُهُ: الإثمُ لمَن عَلِم، وردُّ العينِ قائمة، والغرمُ هالكةً، ويجبُ المثلُ في المثلي: كالمكيل، والموزون، والعددي المتقارب، فإن انقطعَ المثلُ فقيمتُهُ يوم يختصمان

التعريف، لا على سبيلِ الخفية ليخرجَ السَّرقة.

(وحكمُهُ: الإثمُ لمَن عَلِم، وردُّ العينِ قائمة، والغرمُ هالكةً، ويجبُ المثلُ في المثلي: كالمكيل، والموزون، والعددي المتقارب)، اعلمْ أنَّهُ جعلَ هذه الأقسامَ الثَّلاثة مثليَّاً مع أنَّ كثيراً من الموزونات ليسَ بمثلى، بل من ذواتِ القيمِ كالقمقمةِ والقدرِ ونحوهما، فأقول: ليس المرادُ بالوزنيِّ مثلاً: ما يوزنُ عند البيع، بل ما يكون مقابلتُهُ بالثَّمنِ مبيَّناً على الكيلِ أو الوزنِ أو العدد ولا يختلفُ بالصَّنعة، فإنَّهُ إذا قيلَ هذا الشَّيءُ قفيزٌ بدرهم، أو مَنٌّ بدرهم، أو عشرةٌ بدرهم، إنَّما يقال: إذا لم يكنْ فيه تفاوت، وإذا لم يكن فيه تفاوتٌ كانَ مثليَّاً. وإنَّما قلنا: ولا يختلفُ بالصَّنعة؛ حتى لو اختلفَ كالقمقمةِ والقدرِ لا يكونُ مثليَّاً، ثمَّ ما لا يختلفُ بالصَّنعة:

إمَّا غيرُ مصنوع.

وإمَّا مصنوعٌ لا يختلفُ كالدَّراهمِ والدَّنانيرِ والفلوس، فكلُّ ذلك مثلى.

وإذا عرفتَ هذا عرفتَ حكمَ المذروعات، فكلُّ ما يقال: يباعُ من هذا الثَّوبِ ذراعٌ بكذا، فهذا إنَّما يقالُ فيما لا يكونُ فيه تفاوت، وهو ما يجوزُ فيه السَّلَم، فإنَّهُ يعرفُ ببيانِ طولِهِ وعرضِهِ ورقعتِه

(1)

، وقد فصَّلَ الفقهاءُ المثليَّات وذوات القيم، ولا احتياجَ إلى ذلك، فما يوجدُ له المثلُ في الأسواق بلا تفاوتٍ يعتدُّ به فهو مثليّ، وما ليس كذلك فمن ذوات القيم، وما ذكرَ من الكيليِّ وأخواتِهِ فمبنيٌّ على هذا.

(فإن انقطعَ المثلُ فقيمتُهُ يوم يختصمان)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأنَّ القيمةَ يجبُ يومَ الخصومة، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه يجبُ يومَ الانقطاع

(2)

؛ لأنَّه حينئذٍ ينتقلُ إلى القيمة، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه يوم تحقُّقِ السَّبب، وهو الغصب، فإنَّه إذا انقطعَ المثلُ

(1)

رقعته: أي أصلُه وجوهرُه. ينظر: «الصحاح» (1: 499).

(2)

وحدُّ الانقطاع أن لا يوجد في السوق الذي يباعُ فيه وإن كان يوجد في البيوت. ينظر: «الشرنبلالية» (2: 262).

ص: 44

وفي غير المثلي قيمتُهُ يومَ غصبِهِ كالعدديِّ المتفاوت، فإن ادَّعى الهلاكَ حُبِسَ حتَّى يُعْلَمَ أنَّهُ لو بقي لأظهر، ثمَّ قضى عليه بالبدل. وشرطُهُ: كون المغصوبِ نقليَّاً، فلو غصبَ عقاراً وهلكَ في يدِه لم يضمن

التحقَ إلى ما لا مثل له، أقول: هذا أعدلُ

(1)

إذ لم يبقَ شيءٌ من نوعِهِ في يومِ الخصومة، والقيمةُ تعتبرُ بكثرةِ الرَّغبات وقلَّتِها، وفي المعدومِ هذا متعذِّرٌ أو متعسِّر، ويومَ الانقطاعِ لا ضبطَ له، وأيضاً لم ينتقلْ إلى القيمةِ في هذا اليوم، إذ لم يوجدْ من المالكِ طلب، وأيضاً عند وجودِ المثلِ لم ينتقلْ إلى القيمة، وعند عدمِهِ لا قيمةَ له.

(وفي غير المثلي قيمتُهُ يومَ غصبِهِ كالعدديِّ المتفاوت): أي الشَّيءُ الذي يعدّ، ويكونُ أفرادُهُ متفاوتةً، ولا يرادُ هاهنا ما يقابلُ بالثَّمنِ مبنيَّاً على العدد: كالحيوانِ مثلاً، فإنَّهُ يعدُّ عند البيعِ من غيرِ أن يقال: يباعُ الغنمُ عشرةَ بكذا.

(فإن ادَّعى الهلاكَ حُبِسَ حتَّى يُعْلَمَ أنَّهُ لو بقي لأظهر، ثمَّ قضى عليه بالبدل

(2)

.

وشرطُهُ: كون المغصوبِ نقليَّاً، فلو غصبَ عقاراً وهلكَ في يدِه لم يضمن)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأبي يوسف رضي الله عنه، وعندَ محمَّدٍ رضي الله عنه والشَّافعيِّ

(3)

رضي الله عنه: يجري فيه الغصبُ، أمَّا عندَ الشَّافعيّ رضي الله عنه؛ فلأنَّ حدَّ الغصبِ وهو إثباتُ اليدِ المبطلةِ يصدقُ عليه، وأمَّا عندَ محمَّدٍ رضي الله عنه؛ فلأنَّ الغصبَ وإن كانَ عنده ما ذكرنا، لكنَّ إزالةَ اليدِ في العقارِ يكون بما يمكنُ فيه لا بالنَّقل، وهما يقولان: إنَّ الغصبَ إثباتُ اليدِ بإزالةِ يدِ المالكِ بفعلٍ في العين، وهو لا يتصوَّرُ في العقار؛ لأنَّ يدَ المالكِ لا تزولُ إلا بإخراجِهِ عنها، وهو فعلٌ فيه لا في العقار، فصارَ كما إذ أُبْعِدَ المالكُ عن المواشي.

(1)

اختلف الترجيح، فقد رجح قول الإمام ضمناً بمشي المتون عليه، وصريحاً قال: القهستاني: وهو الأصح. كما في «الخزانة» ، وهو الصحيح. كما في «التحفة» ، وعند أبي يوسف يوم الغصب وهو أعدل الأقول كما قال التمرتاشي، وهو المختار على ما قال صاحب «النهاية» ، وعند محمد يوم الانقطاع وعليه الفتوى. كما في «الذخيرة» ، وبه أفتى كثير من المشايخ. ينظر:«رد المحتار» (5: 116).

(2)

أي ما اتّفقا عليه من القيمة، أو أقام المالك بيِّنةً على ما يدَّعيه من القيمة. ينظر:«العناية» (9: 323).

(3)

ينظر: «النكت» (ص 601)، وغيرها.

ص: 45

وضمنَ ما نقص بفعلِه، كسكناه وزرعِه، أو بإجارةِ عبدٍ غصب، وتصدَّقَ بأجرِه، وأجرِ مستعارِه، وربحٍ حصلَ بالتَّصرُّفِ في مودعِه، أو مغصوبِهِ متعيِّناً بالإشارة، أو بالشِّراءِ بدراهمِ الوديعة، أو الغصب، ونقدها، فإن أشارَ إليها ونقدَ غيرها، أو إلى غيرها وأطلق، ونقدها لا، وبه يُفْتَى

(وضمنَ ما نقص بفعلِه، كسكناه وزرعِه، أو بإجارةِ عبدٍ غصب): أي ضمنَ في

(1)

العقاِر وغيره، أمَّا في العقارِ كالسُّكنى، والزَّرع، وفي غيرِ العقارِ كما إذا غصبَ عبداً فأجَّرهُ فعمل، فعرضَ له مرضٌ أو نحافةٌ ضمنَ النُّقصان.

(وتصدَّقَ بأجرِه، وأجرِ مستعارِه، وربحٍ حصلَ بالتَّصرُّفِ في مودعِه، أو مغصوبِهِ

(2)

متعيِّناً بالإشارة، أو بالشِّراءِ بدراهمِ الوديعة، أو الغصب، ونقدها، فإن أشارَ إليها ونقدَ غيرها، أو إلى غيرها وأطلق، ونقدها لا، وبه يُفْتَى): أي تصدَّقَ عند أبي حنيفة رضي الله عنه ومحمَّدٍ رضي الله عنه خلافاً لأبي يوسفَ رضي الله عنه بأجرِ عبدٍ غصب، فأجَّرَ وأخذَ الأجرة، فكذا بأجرةِ عبدٍ مستعار قد أجَّرَهُ وأخذَ أجره، وكذا تصدَّقَ بربحٍ حصلَ بالتَّصرُّفِ في المودعِ أو المغصوبِ إذا كان ممَّا يتعيَّنُ بالإشارة، وكذا يتصدَّقُ بربحٍ حصلَ بالشِّراءِ بوديعةٍ أو مغصوب لا يتعيَّنُ بالإشارةِ إذا أشارَ إليها ونقدها، فقوله: أو بالشِّراءِ عطفٌ على التَّصرُّف، أمَّا إن أشارَ إليها، ونقدَ غيرها، أو أشارَ إلى غيرها ونقدها، أو أطلقَ ونقدها: أي لم يشرِ إلى شيءٍ بل قال: اشتريتُ بألفِ درهمٍ ونقدَ من دراهمِ الغصبِ والوديعة، ففي جميعِ هذه الصُّورِ يطيبُ له الرِّبحُ ولا يجبُ له التَّصدُّق.

(1)

زيادة من ب و ص و ف.

(2)

أي لو تصرَّفَ في المغصوبِ والوديعةِ بأن باعَه وربحَ فيه إذا كان ذلك متعيِّناً بالإشارةِ أو بالشراءِ بدراهمِ الوديعة أو بدراهمِ الغصب ونقدها، يتصدّق بربحٍ حصل فيهما إذا كان ممّا يتعيَّن بالإشارة، وإن كانا ممّا لا يتعيَّن فعلى أربعة أوجه:

فإن أشارَ إليها ونقدها فكذلك يتصدّق.

وإن أشارَ إليها ونقدَ غيرها.

أو أشار إلى غيرها ونقدها.

أو أطلق ولم يشرِ ونقدها، لا يتصدَّق في هذه الصورِ الثلاثِ الأخيرةِ عند الكرخيّ، قيل: وبه يفتى، والمختارُ أنّه لا يحلُّ مطلقاً. ينظر:«الملتقى» (ص 175).

ص: 46

فإن غَصَبَ وغيَّر فزالَ اسمُه وأعظمُ منافعِه ضَمِنَهُ وملكَه بلا حلٍّ قبل أداءِ بدله: كذبحِ شاةٍ وطبخِها أو شيِّها، أو طحنِ بُرٍّ وزرعِه، وجعلِ حديدٍ سيفاً، وصُفْرٍ إناءً، والبناءُ على ساجة ولَبِن، فإن ضربَ الحجرَيْن درهماً وديناراً أو إناءً لم يملكْهُ، وهو لمالكِهِ بلا شيء، فإن ذبحَ شاةَ غيرِهِ طرحَهَا المالكُ عليه، وأخذَ قيمتَها، أو أخذَها وضمَّنَهُ نقصانها، وكذا لو خرقَ ثوباً وفوَّتَ بعضَ العينِ وبعضَ نفعِهِ لا كلَّه، وفي خرق يسيرٍ نقصَهُ ولم يفوتْ شيئاً منها ضمنَ ما نقص.

(فإن غَصَبَ وغيَّر فزالَ اسمُه وأعظمُ منافعِه ضَمِنَهُ وملكَه

(1)

بلا حلٍّ قبل أداءِ بدله: كذبحِ شاةٍ وطبخِها أو شيِّها، أو طحنِ بُرٍّ وزرعِه، وجعلِ حديدٍ سيفاً، وصُفْرٍ إناءً، والبناءُ على ساجة ولَبِن)، السَّاجة بالجيم: خشبةٌ منحوتةٌ مهيَّأةٌ للأساسِ عليها، وهذا عندنا؛ لأنَّهُ أحدثَ صنعةً متقوَّمةً صيَّرَ حقَّ المالكِ هالكاً من وجه، وعند الشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه: لا ينقطعُ حقُّ المالكِ عنه؛ لأنَّ العينَ باقٍ ولا يعتبرُ فعلُ الغاصبِ؛ لأنَّهُ محظور، فلا يصيرُ سبباً للملك.

(فإن ضربَ الحجرَيْن درهماً وديناراً أو إناءً لم يملكْهُ، وهو لمالكِهِ بلا شيء)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ لأنَّ الاسمَ باقٍ، ومعناه الأصلي: الثَّمنيّة، وكونُهُ موزوناً وهو باقٍ حتى يجريَ فيه الرِّبا، وعندهما: يصيران للغاصبِ قياساً على غيرهما.

(فإن ذبحَ شاةَ غيرِهِ طرحَهَا المالكُ عليه، وأخذَ قيمتَها، أو أخذَها وضمَّنَهُ نقصانها

(3)

، وكذا لو خرقَ ثوباً وفوَّتَ بعضَ العينِ وبعضَ نفعِهِ لا كلَّه)، حتَّى لو فوَّت كلَّ النَّفعِ يضمِّنُهُ كلَّ القيمة، (وفي خرق

(4)

يسيرٍ نقصَهُ ولم يفوتْ شيئاً منها ضمنَ ما نقص.

(1)

أي زالَ ملك المغصوب منه عنه، وملكها الغاصب، حتى لو أبى المالكُ عن أخذِ القيمة وأرادَ اللَّحم مشوياً في الشاةِ إذا ذبحها الغاصبُ وطبخها وشواها، لم يكن للمالك ذلك؛ لأنَّ الملكَ قد زال. ينظر:«العناية» (8: 259).

(2)

ينظر: «النكت» (ص 604)، وغيرها.

(3)

أي إن المالك مخيَّر إن شاء ضمَّنه قيمتها وسلم الشاة إليه، وإن شاء أخذها وضمّن نقصانها؛ لأنه اتلاف من وجه؛ لفوات بعض المنافع كالحمل والدر والنسل وبقاء بعضها وهو اللحم. ينظر:«درر الحكام» (2: 265).

(4)

زيادة من ف.

ص: 47

ومَن بنى في أرضِ غيرِه، أو غَرَسَ أُمرَ بالقلعِ والرَّدّ، وللمالكِ أن يَضْمَنَ له قيمةَ بناءٍ أو شجرٍ أمرَ بقلعِهِ إن نقصتْ به، فتقوَّمُ بلا شجرٍ وبناء، وتقوَّمُ مع أحدِهما مستحقُّ القَلْعِ فيضمنُ الفضل، فإن حمَّرَ الثَّوب، أو صفَّر أو لَتَّ السَّويقَ بسمنٍ ضمَّنَه أبيض ومثل سويقِه، أو أخذَهُما وغرمَ ما زادَ الصَّبغ والسَّمن، فإن سوَّدَ ضمَّنَه أبيض، أو أخذَهُ ولا شيءَ للغاصب؛ لأنَّه نقصٌ

ومَن بنى في أرضِ غيرِه، أو غَرَسَ أُمرَ بالقلعِ والرَّدّ)، هذا في ظاهرِ الرِّواية، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه: إن كان قيمةُ البناءِ أو الغرسِ أكثرَ من قيمةِ الأرضِ فالغاصبُ يملكُ الأرضَ بقيمتِها، (وللمالكِ أن يَضْمَنَ له قيمةَ بناءٍ أو شجرٍ أمرَ بقلعِهِ إن نقصتْ به): أي إن نقصَتِ الأرضُ بالقلع، ثمّ بيَّنَ طريقَ معرفةِ قيمةِ ذلك فقال:(فتقوَّمُ بلا شجرٍ وبناء، وتقوَّمُ مع أحدِهما مستحقُّ القَلْعِ فيضمنُ الفضل)، قيل: قيمةُ الشَّجرِ المستحقّ للقلعِ أقلُّ من قيمتِه مقلوعاً، فقيمةُ المقلوعِ إذا نقصتْ منها أجرةُ القلع، فالباقي قيمةُ الشَّجر المستحقِّ القلع، فإذا كانت قيمةُ الأرضِ مئةً، وقيمةُ الشَّجر المقلوع عشرةً، وأجرةُ القلعِ درهماً، بقي تسعةُ دراهم، فالأرضُ مع هذا الشَّجرِ تقوَّمُ بمئة وتسعة دراهم، فيضمن المالك التَّسعة.

(فإن حمَّرَ الثَّوب، أو صفَّر أو لَتَّ السَّويقَ بسمنٍ ضمَّنَه أبيض ومثل سويقِه، أو أخذَهُما وغرمَ ما زادَ الصَّبغ والسَّمن، فإن سوَّدَ ضمَّنَه أبيض، أو أخذَهُ ولا شيءَ للغاصب؛ لأنَّه نقصٌ)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما: التَّسويدُ كالتَّحمير، قيل: هذا الاختلافُ بحسبِ اختلاف العصر، فلينظرْ إن نقصَهُ السَّوادُ كان نقصاناً، وإن زادَه يعدُّ زيادة، وعند الشَّافِعِيّ

(1)

رضي الله عنه المالكُ يمسكُ الثَّوب، ويأمرُ الغاصبَ بقلعِ الصَّبغِ ما أمكن، ولا فرقَ بين السَّواد وغيره، بخلافِ مسألةِ السَّويق، فإن التَّمييزَ غيرُ ممكنٍ، له القياسُ على قلعِ البناء.

قلنا: في قلعِ البناءِ لا يتلفُ مالُ الغاصب؛ لأنَّ النِّقض

(2)

يكون له، وهنا يتلف، فرعايةُ الجانبين فيما قلنا، والسَّويقُ مثلي فإن طرحَهُ على الغاصبِ يأخذُ المثلَ بخلافِ الثَّوب، فيأخذُ فيه القيمة.

(1)

ينظر: «النكت» (ص 604)، وغيرها.

(2)

النِّقض: وهو بالكسر المنقوض، يعني أنّ الحاصل من البناء المنقوضِ كالخشب والآجر للغاصب، أمّا الصبغُ فيتلاشى، ولم يحصل للغاصبِ منه شيء، فلم يؤمر الغاصبَ بقلعِ صبغه، كيلا يفوتُ حقّه بالكليّة. ينظر:«حاشية الجلبي» (ص 556).

ص: 48

‌فصل [في بيان مسائل تتصل بمسائل الغصب]

ولو غيَّبَ ما غصب وضمَّنَ المالكُ قيمتَه ملكَه، وصُدِّقَ الغاصبُ في قيمتِهِ مع حلفِهِ إن لم يقمْ حجَّةَ الزِّيادة، فإن ظَهَرَ المغصوبُ وقيمتُهُ أكثر، وقد ضَمِنَ الغاصبُ بقوله، أخذَهُ المالكُ وردَّ عوضَه أو أمضى الضَّمان، وإن ضَمِنَ بقولِ مالكِه، أو بحجَّته، أو بنكولِ غاصبه، فهو له ولا خيارَ للمالك، ونفذَ بيعُ غاصبٍ ضُمِّنَ بعد بيعِه لا إعتاق عبده ضُمِّن بعده، وزوائدُ الغصبِ متصلة كالسَّمن، والحسن، ومنفصلةٌ كالولدِ والثَّمر، لا تضمنُ إلا بالتَّعدِّي، أو بالمنعِ بعد الطَّلب

فصل [في بيان مسائل تتصل بمسائل الغصب]

(ولو غيَّبَ ما غصب وضمَّنَ المالكُ قيمتَه ملكَه)، خلافاً للشَّافعيّ

(1)

رضي الله عنه؛ لأن الغصبَ لا يكونُ سبباً للملك، قلنا: إنِّما يملكُهُ ضرورةَ أن المالكَ يملكُ بدلَه؛ لئلا يجتمعَ البدلُ والمبدلُ في ملكِ شخصٍ واحدٍ بخلافِ ما لا يقبلُ الملكَ كالمُدَبَّر.

(وصُدِّقَ الغاصبُ في قيمتِهِ مع حلفِهِ إن لم يقمْ حجَّةَ الزِّيادة، فإن ظَهَرَ المغصوبُ

(2)

وقيمتُهُ أكثر، وقد ضَمِنَ الغاصبُ بقوله، أخذَهُ المالكُ وردَّ عوضَه أو أمضى الضَّمان، وإن ضَمِنَ بقولِ مالكِه، أو بحجَّته، أو بنكولِ غاصبه، فهو له ولا خيارَ للمالك)؛ لأنَّه تَمَّ ملكُه؛ لأنَّ المالكَ رضي بذلك حيث ادَّعى عليه هذا المقدار.

(ونفذَ بيعُ غاصبٍ ضُمِّنَ بعد بيعِه لا إعتاق عبده

(3)

ضُمِّن بعده)؛ لأنَّ الملكَ المستندَ كافٍ لنفاذِ البيعِ لا الإعتاق.

(وزوائدُ الغصبِ متصلة كالسَّمن، والحسن، ومنفصلةٌ كالولدِ والثَّمر، لا تضمنُ إلا بالتَّعدِّي، أو بالمنعِ بعد الطَّلب)، هذا عندنا، وعند الشَّافِعِيِّ

(4)

رضي الله عنه مضمونة، وقد مرَّ

(5)

أن هذا مبنيٌّ على الاختلاف في حدِّ الغصب.

(1)

ينظر: «أسنى المطالب» (2: 348)، وغيره.

(2)

زيادة من أ وب و م.

(3)

زيادة أ و ب و م.

(4)

ينظر: «النكت» (ص 595)، وغيرها.

(5)

4: 49).

ص: 49

وضُمِّنَ نقصانَ ولادةٍ معه، وجبرَ بولدٍ يفي به، فلو زَنَى بأمةٍ غصبَها فردَّتْ حاملاً، فولدتْ، فماتتْ ضَمِنَ قيمتَها بخلافِ الحرَّة، ومنافعِ ما غصبَ سكنَهُ أو عطَّله، وإتلافُ خمر المسلمِ وخِنْزيره، وإن أتلفهما للذميّ ضمن

(وضُمِّنَ نقصانَ ولادةٍ معه، وجبرَ بولدٍ يفي به)

(1)

، خلافاً لزُفرَ رضي الله عنه والشَّافِعِيِّ

(2)

رضي الله عنه فإنَّ الولدَ ملكَه، فلا يصلحُ جابراً لملكه، قلنا: سببهما شيءٌ واحد، وهو الولادة، ومثل هذا لا يعدّ نقصاناً.

(فلو زَنَى بأمةٍ غصبَها فردَّتْ حاملاً، فولدتْ، فماتتْ ضَمِنَ قيمتَها)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما: لا يضمن؛ لأنَّ الرَّدَّ وقعَ صحيحاً، وقد ماتت في يدِ المالكِ بسببِ حادثٍ في ملكِه، وهو الولادة، وله: أنّه لم يصحَّ الرَّدّ؛ لأنَّ سببَ التَّلفِ حصلَ في يدِ الغاصب، (بخلافِ الحرَّة)؛ لأنَّها لا تضمنُ بالغصبِ ليبقى الضَّمان بعد فسادِ الرَّدّ، ثُمَّ عطفَ على الحرَّة قولَه:(ومنافعِ ما غصبَ سكنَهُ أو عطَّله)، فإنَّها غيرُ مضمونةٍ بأجر عندنا سواءٌ استوفى المنافع، كما إذا سَكَنَ في الدَّار المغصوبة، أو عطَّلَها، وعند الشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه مضمونة بأجرِ المثلِ في الصُّورتين، وعند مالكٍ

(4)

رضي الله عنه مضمونةٌ إن استوفى، لا إن عطَّلَها، وهذا بناءً على عدم تقوُّمِها عندنا، وإن تقوُّمَها ضروريٌّ في العقد.

(وإتلافُ خمر المسلمِ وخِنْزيره، وإن أتلفهما للذميّ ضمن)، خلافاً للشَّافِعِيِّ

(5)

رضي الله عنه، فإنَّ الذِّمي تبعُ المسلم، فلا تقومُ في حقِّه، ولنا: أنّه متروكٌ على اعتقاده.

(1)

أي ما نقصتَ الجاريةُ بسبب الولادةِ في يد الغاصب، فهو في ضمان الغاصب، فلو غصبها فولدت عنده، فماتَ الولدُ فعليه ردُّ الجارية وردُّ نقصانِ الولادة الذي يثبتُ فيها بسبب الولادة؛ لأنّ الجاريةَ بالغصبِ دخلت في ضمانه بجميع أجزائها، وقد فات جزءٌ مضمونٌ عليه، كما لو فاتَ كلُّها، فإن رُدَّت الجاريةُ والولدُ وقد نقصت قيمةُ الجاريةِ وقيمةُ الولدِ يصلحُ أن تكونَ جابرة لذلك النقصان، لم يضمنْ الغاصبُ شيئاً. ينظر:«العناية» (9: 351).

(2)

ينظر: «النكت» (ص 597)، وغيرها.

(3)

ينظر: «النكت» (ص 597)، وغيرها.

(4)

في «المنتقى» (5: 273): من غصب دار فلم يسكنها حتى انهدمت أنه ضامن لقيمتها خلافاً لأبي حنيفة.

(5)

ينظر: «النكت» (ص 606)، وغيرها.

ص: 50

ولو غصبَ خمرَ مسلم فخلَّلَها بما لا قيمةَ له أو جلدَ ميتةٍ فدبغَه به أخذَهما المالكُ بلا شيء، ولو أتلفَهُما ضَمِنَ، ولو خلَّلها بذي قيمةٍ ملكَهُ ولا شيءَ عليه، فلو دَبَغَ به الجلد أخذَهُ المالكُ وردَّ ما زادَ الدَّبغُ فيه، ولو أتلفَهُ لا يضمن

(ولو غصبَ خمرَ مسلم فخلَّلَها بما لا قيمةَ له): كالنَّقلِ من الظِّل إلى الشَّمس، (أو جلدَ ميتةٍ فدبغَه به): أي بما لا قيمةَ له كالتُّراب والشَّمس، (أخذَهما المالكُ بلا شيء، ولو أتلفَهُما ضَمِنَ

(1)

، ولو خلَّلها بذي قيمةٍ): كالملحِ والخلّ، (ملكَهُ ولا شيءَ عليه)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما أخذَها المالك، وأعطى ما زادَ الملح، (فلو دَبَغَ به الجلد): أي بشيء له قيمةٌ كالقرظِ

(2)

والعَفْصِ

(3)

، (أخذَهُ المالكُ وردَّ ما زادَ الدَّبغُ فيه

(4)

، ولو أتلفَهُ لا يضمن)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما يضمنُ الجلدَ مدبوغاً، ويعطيه المالكُ ما زادَ الدِّباغ فيه.

فالحاصلُ أنّه إذا خلَّلَ أو دبغَ بما لا قيمةَ له أخذَهما المالك؛ لأنَّ الأصلَ حقُّه، وليس من الغاصبِ سوى العمل، ولا قيمةَ له، أمَّا إذا خلَّلَ أو دبغَ بذي قيمةِ يصيرُ ملكاً للغاصبِ ترجيحاً للمال المتقوِّم على غيرِ المتقوِّم، والفرقُ لأبي حنيفة رضي الله عنه بين الخلِّ والجلد: إنَّ المالكَ يأخذُ الجلد، ولا يأخذُ الخلّ؛ لأنَّ الجلدَ باقٍ لكن أزالَ عنه النَّجاسات، والخمرُ غيرُ باق، بل صارتْ حقيقةً أخرى، وإنِّما لا يضمنُ الجلدَ عند أبي حنيفة رضي الله عنه إذا أتلفَه؛ لأنَّه غَصَبَ جلداً غيرَ مدبوغ، ولا قيمةَ له، والضَّمانُ يتبعُ التقوُّم، لكن العينَ إذا كانت باقياً لا يشترط.

(1)

أي لو أتلف الغاصب الخلَّ الذي صيَّرَه من الخمرِ المغصوبِ والجلد المدبوغ الذي دبغَه بعد الغصب، ضَمِنَ مثل الخلّ؛ لأنّه أتلفَ مالاً متقوَّماً خالصاً للمالك مثليّاً. ينظر:«حاشية الجلبي» (ص 557).

(2)

القرظ: ورقُ السَّلَم يدبغُ به، وقيل: شجر عظام لها شوك غلاظ كشجر الجوز. ينظر: «المغرب» (ص 379).

(3)

العَفْصُ: يدبغ به، ويتخذ منه الحبر، مولَّد وليس من كلام أهل البادية. ينظر:«مختار الصحاح» (ص 442)، و «المصباح» (ص 418).

(4)

ساقطة من ج و ص و ف و ق.

ص: 51

وضَمِنَ بكسرِ مِعْزَفٍ، وإراقةِ سكر، ومنصَّف، وصحَّ بيعُها، وفي أمِّ ولدٍ غُصِبَتْ فهلكَتْ لا يضمنُ بخلافِ المُدَبَّرة. ومَن حلَّ قيدَ عبدِ غيرِه، أو رباطِ دابتِه، أو فتحَ بابَ اصطبلِها، أو قفصَ طائرِه فذهبت، أو سعى إلى سلطان مَن يؤذيه، ولا يدفعُ بلا رفع، أو مَن يفسقُ، ولا يمتنعُ بنهيه، أو قال مع سلطان قد يُغَرِّم وقد لا يُغَرِّم إنَّه وَجدَ مالاً فغرَّمَه شيئاً لا يضمن، ولو غرّمَ ألبتة يضمن، وكذا لو سعى بغيرِ

(وضَمِنَ بكسرِ مِعْزَفٍ، وإراقةِ سكر، ومنصَّف

(1)

، وصحَّ بيعُها

(2)

)، المعزفُ: آلةٌ اللهو كالطُّنْبُور

(3)

والمِزمار

(4)

ونحوهما، وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما لا يضمن، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه إنِّما يضمنُ قيمتَهُ لغيرِ اللهو، ففي الطُّنبور يضمنُ الخشبه المنحوت، وأما طبلُ الغزاة والدَّف الذي يباحُ ضربُه في العرس فمضمونٌ بالاتفاق.

(وفي أمِّ ولدٍ غُصِبَتْ فهلكَتْ لا يضمنُ بخلافِ المُدَبَّرة)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه فإنَّ المُدَبَّرَ متقوَّمٌ عنده لا أمَّ الولد، وعندهما يضمنُهما لتقوُّمِهما.

(ومَن حلَّ قيدَ عبدِ غيرِه، أو رباطِ دابتِه، أو فتحَ بابَ اصطبلِها، أو قفصَ طائرِه فذهبت، أو سعى إلى سلطان مَن يؤذيه، ولا يدفعُ

(5)

بلا رفع، أو مَن يفسقُ)، عطفٌ على مَن يؤذيه، (ولا يمتنعُ بنهيه، أو قال مع سلطان قد يُغَرِّم وقد لا يُغَرِّم

(6)

إنَّه وَجدَ مالاً فغرَّمَه شيئاً لا يضمن، ولو غرّمَ ألبتة يضمن، وكذا لو سعى بغيرِ

(1)

المنصَّفُ: العصير الذي طبخ حتى ذهبَ نصفه وبقي نصفه. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 158)

(2)

لصلاحيتها لما يحل به الانتفاع وإن صلحت بما لا يحل فصار كالأمة المغنية والحمامة الطيّارة. وقالا: لا يجوز بيعها، وعليه الفتوى؛ لكثرة الفساد. ينظر:«الملتقى» (ص 177)، و «درر الحكام» (2: 269)، و «مجمع الأنهر» (ص 469).

(3)

الطُّنْبُورُ: من آلاتِ الملاهي وهو فُنْعُولٌ بِضَمِّ الْفَاءِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَإِنَّمَا ضُمَّ حَمْلاً على باب عُصْفُورٍ. ينظر: «المصباح» (ص 368).

(4)

المِزمار: آلة الزمر. ينظر: «المصباح» (ص 254).

(5)

أي لا يقدر دفع إيذائه إلاَّ بالمرافعةِ إلى السلطان. ينظر: «ذخيرة العقبى» (ص 558).

(6)

زيادة أ وب و ص و م.

ص: 52

حقٍّ عند محمَّد رضي الله عنه زجراً له، وبه يفتى.

حقٍّ عند محمَّد رضي الله عنه زجراً له، وبه يفتى

(1)

)، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه وأبي يوسف رضي الله عنه لا يضمن السَّاعي؛ لأنَّه توسّطُ فعل فاعل مختار، وفي فتحِ باب

(2)

الإصطبل، والقفص، خلافُ محمَّد رضي الله عنه، لهما: توسّطُ فعلِ المُخْتار، وله: أن الطَّائرَ مجبولٌ على النِّفار. (والله أعلم)

(3)

.

* * *

(1)

لكثرة الفساد. ينظر: «الدر المنتقى» (2: 471).

(2)

زيادة من أ ب و و م.

(3)

زيادة من ص.

ص: 53

‌كتاب الشفعة

هي تملُّكُ عقارٍ على مشترِيِه جبراً بمثلِ ثمنِه، وتجبُ بعد البيع، وتستقرُّ بالإشهاد، وتملَّكُ بالأخذِ بالتَّراضى، أو بقضاءِ القاضي بقدرِ رؤوسِ الشُّفعاءِ لا الملك، للخليطِ في نفسِ المبيعِ ثُمَّ له في حقِّ المبيع: كالشِّرْب والطَّريق الخاصين كشِربِ نهرٍ لا تَجْري فيه السُّفُن، وطريقٍ لا ينفذ، ثُمَّ لجارٍ ملاصق، بابُهُ في سكَّةٍ أخرى، كواضعِ جذع على الحائط

كتاب الشفعة

(هي تملُّكُ عقارٍ على مشترِيِه جبراً بمثلِ ثمنِه): أي بمثلِ ثمنِ المشترى، وهو الثَّمن الذي اشترى به، (وتجبُ بعد البيع)، المرادُ بالوجوبِ الثُّبُوت، (وتستقرُّ بالإشهاد)، إذ حقُّ الشُّفْعة قبل الإشهاد متزلزلٌ؛ لأنَّه بحيث لو أخَّرَ في الطَّلب تبطل، فإذا أشهدَ استقرّ: أي لا تبطلُ بعد ذلك بالتَّأخير.

(وتملَّكُ بالأخذِ بالتَّراضى، أو بقضاءِ القاضي بقدرِ رؤوسِ الشُّفعاءِ لا الملك)

(1)

: أي إنِّما يملكُ العقار إذا أخذَهُ الشَّفيعُ برضاه، وبرضا المشتري، وقوله: أو بقضاءِ القاضي؛ عطفٌ على الأخذِ لا على التَّراضي؛ لأنَّ القاضي إذا حَكَمَ يثبتُ الملكُ للشَّفيع قبل أخذِه، (للخليطِ في نفسِ المبيعِ ثُمَّ

(2)

له في حقِّ المبيع): أي ثُمَّ للشَّريك في حقِّ المبيع: (كالشِّرْب

(3)

والطَّريق الخاصين كشِربِ نهرٍ لا تَجْري فيه السُّفُن، وطريقٍ لا ينفذ، ثُمَّ لجارٍ ملاصق، بابُهُ في سكَّةٍ أخرى، كواضعِ جذع على الحائط): إنِّما ذَكَرَ واضعَ الجذعِ ليعلمَ أنَّه جار، وليس بخليط، ولا يشترطُ للجار الملاصق وضعُ الجِذْع حتَّى لو لم يكنْ له شيءٌ على الحائط يكون جاراً ملاصقاً، وعند الشَّافِعِيِّ

(4)

رضي الله عنه لا يثبت الشفعة للجار بل للأوّلين.

(1)

لاستواء الكلّ؛ لوجود علّته فيجب الاستواء في الحكم، وشمل ما لو كان المشتري أحدهم، وطلب معهم، فيحسب واحداً منهم، ويقسم المبيع بينهم. ينظر:«رد المحتار» (5: 139).

(2)

لفظ: ثمّ؛ يفيدُ ثبوتُ حقِّ الشفعةِ لكلِّ واحدٍ من هؤلاء، وأيضاً يفيد الترتيب. ينظر:«الهداية» (4: 24).

(3)

الشِّرب: النصيب من الماء. ينظر: «رد المحتار» (5: 140).

(4)

ينظر: «النكت» (ص 614)، وغيرها.

ص: 54

[باب طلب الشفعة]

ويطلبُها الشَّفيعُ في مجلسٍ علمِهِ بالبيعِ بلفظٍ يُفْهَمُ طلبُها، كطلبتُ الشُّفعةَ ونحوه، وهو طلبُ مواثبة، ثُمَّ يشهدُ عند العقار، أو على مَن معه من بائع أو مشترٍ، فيقول: اشترى فلانٌ هذه الدَّار، وأنا شفيعها، وقد كنتُ طلبتُ الشُّفعة، وأطلبُها الآن، فاشهدوا عليه، وهو طلبُ إشهاد

[باب طلب الشفعة]

(ويطلبُها الشَّفيعُ في مجلسٍ علمِهِ بالبيعِ بلفظٍ يُفْهَمُ طلبُها، كطلبتُ الشُّفعةَ ونحوه)، مثل: أنا طالبٌ للشُّفعة، أو أطلبُها، واعتبارُ مجلسِ العلمِ اختيار الكَرْخِي رضي الله عنه، وعند بعض المشايخ رضي الله عنهم ليس له خيار

(1)

المجلس، حتَّى إن سكتَ أدنى سكوتٍ تبطلُ شفعته

(2)

، (وهو طلبُ مواثبة)، إنِّما سمِّي بهذا ليدلَّ على غايةِ التَّعجيل كأن الشَّفيعَ يَثِبُ، ويطلبُ الشُّفعة.

(ثُمَّ يشهدُ عند العقار، أو على مَن معه

(3)

من بائع أو مشترٍ، فيقول: اشترى فلانٌ هذه الدَّار، وأنا شفيعها، وقد كنتُ طلبتُ الشُّفعة، وأطلبُها الآن، فاشهدوا عليه، وهو طلبُ إشهاد).

اعلم أنَّ هذا الطَّلبَ إنِّما يجبُ عند التَّمكُّن من الإشهادِ عند الدَّار وعند صاحبِ اليد حتَّى لو تمكَّن، ولم يشهدْ بطلتْ شفعتُه، وفي «الذَّخيرة»: إذا كانَ الشَّفيعُ في طريقِ مكَّة فطلب طلبَ المواثبة، وعجزَ عن طلبِ الإشهاد عند الدَّار، أو عند صاحبِ اليد،

(1)

زيادة من أ وب و م.

(2)

اختلفوا في اختيارهما فما اختاره الكرخي وبعض مشايخ بخارا مشوا عليه في المتون، ويكون كمجلس المخيّرة للتأمل، وهو الأصح. كما في «الدرر» (2: 209)، ورواية الأصل أنه يشترط على فور علمه بالبيع حتى لو سكت ساعة تبطل، وإليه ذهب مشايخ بلخ وعامة مشايخ بخارا، وعليه الفتوى كما في «الجواهر» ، قال ابن عابدين في «رد المحتار» (5: 143): وهذا ترجيح صريح مع كونه ظاهر الرواية فيقدّم على ترجيح المتون بمشيهم على خلافه؛ لأنه ضمني.

(3)

أي يشهد على البائع إن كان الدار في يده ولم تسلم إلى المشتري، فإنها إذا سلمت إليه لم يصحّ الإشهاد عليه؛ لخروجه عن أن يكون خصماً؛ إذ لا يد له ولا ملك، أو المشتري وإن لم يكن ذا يد؛ لأنه مالك. ينظر:«درر الحكام» (2: 209).

ص: 55

ثُمَّ يطلبُ عند قاضٍ فيقول: اشترى فلانٌ داراً كذا، وأنا شفيعُها بدار كذا لي، فَمُرْهُ يُسَلِّمْ إليَّ، وهو طلبُ تمليكٍ وخصومة، وبتأخيرِهِ لا تبطلُ الشُّفْعة، وقال محمَّد رضي الله عنه: إذا أخَّرَهُ شهراً بطلتْ، وبه يفتى. وإذا طلبَ: سأل القاضي الخصمَ عنها، فإن أقرَّ بملكِ ما يشفعُ به، أو نكلَ عن الحلفِ على العلمِ بأنَّهُ مالكُ كذا، أو برهنَ الشَّفيعُ سألَهُ عن الشِّراء، فإن أقرَّ به أو نكلَ عن الحلفِ على الحاصلِ أو السَّبب، أو برهنَ الشَّفيعُ قضيَ له بها، وإن لم يحضرِ الثَّمنَ وقتَ الدَّعوى، وإذا قضي لزمَهُ إحضارُه، وللمشتري حبسُ الدَّارِ لقبضِ

يوكِّلُ وكيلاً إن وجد، وإن لم يَجِدْ يرسلْ رسولاً، أو كتاباً، فإن لم يَجِدْ فهو على شفعته، فإذا حضرَ طلب، وإن وَجَدَ ولم يفعلْ بطلتْ شفعتُه.

(ثُمَّ يطلبُ عند قاضٍ فيقول: اشترى فلانٌ داراً كذا، وأنا شفيعُها بدار كذا لي، فَمُرْهُ يُسَلِّمْ إليَّ، وهو طلبُ تمليكٍ وخصومة، وبتأخيرِهِ لا تبطلُ الشُّفْعة

(1)

، وقال محمَّد رضي الله عنه: إذا أخَّرَهُ شهراً بطلتْ، وبه يفتى

(2)

.

وإذا طلبَ: سأل القاضي الخصمَ عنها

(3)

): أي عن مالكيَّةِ الشَّفيعِ الدَّارَ المشفوع بها، (فإن أقرَّ بملكِ ما يشفعُ به، أو نكلَ عن الحلفِ على العلمِ بأنَّهُ مالكُ كذا، أو برهنَ الشَّفيعُ سألَهُ عن الشِّراء، فإن أقرَّ به أو نكلَ عن الحلفِ على الحاصلِ أو السَّبب)، اعلمْ أنَّ ثبوتَ الشُّفعةِ إن كان متَّفقاً عليه يحلفُ على الحاصل: باللهِ ما استحقَّ هذا الشَّفيعُ الشُّفعةَ عليّ، وإن كان مختلفاً فيه كشفعةِ الجوارِ يحلفُ على السَّبب: بالله ما اشتريتُ هذه الدَّار؛ لأنَّهُ ربَّما يحلفُ على الحاصلِ بمذهبِ الشَّافعيّ رضي الله عنه، وقد سبقَ في «كتابِ الدَّعوى»

(4)

، (أو برهنَ الشَّفيعُ قضيَ له بها، وإن لم يحضرِ الثَّمنَ وقتَ الدَّعوى، وإذا قضي لزمَهُ إحضارُه، وللمشتري حبسُ الدَّارِ لقبضِ

(1)

وهو ظاهر الرواية، وفي «الهداية» (4: 28)، و «الملتقى» (ص 178)، و «الدر المختار» (5: 144)، و «الغرر» (2: 210)، و «تنوير الأبصار» (ص 203): وعليه الفتوى.

(2)

قائله شيخ الإسلام وقاضي خان ومشى عليه المصنف والشارح في «النقاية» (ص 251)، و «الذخيرة» و «المحيط» ، و «الخلاصة» ، و «المضمرات» ، و «المغني» ، وفي «الشرنبلالية» (2: 210) عن «البرهان» : إنه أصح ما يفتى به، وإليه مال ابن عابدين في «رد المحتار» (5: 144)، وأيَّده.

(3)

زيادة من أ و ب و م.

(4)

3: 192).

ص: 56

ثمنِه، فلو قيلَ للشَّفيع: أدِّ الثَّمنَ فأخَّرَ لا تبطلُ شفعتُه والخصمُ البائعُ إن لم يسلِّم، ولا يسمعُ البيِّنةُ عليه حتى يحضرَ المشتري فيفسخُ بحضورِه، ويقضى للشَّفيعِ بالشُّفعة، والعهدةُ على البائع، وللشَّفيعِ خيارُ الرُّؤيةِ والعيب، وإن شرطَ المشتري البراءةَ عنه، وإن اختلفَ الشَّفيعُ والمشتري في الثَّمنِ صُدِّقَ المشتري، ولو برهنا، فالشَّفيعُ أحقّ

ثمنِه، فلو قيلَ للشَّفيع: أدِّ الثَّمنَ فأخَّرَ لا تبطلُ شفعتُه والخصمُ البائعُ إن لم يسلِّم): أي خصمُ الشَّفيعِ البائعِ إن لم يسلِّمِ المبيعَ إلى المشتري.

(ولا يسمعُ البيِّنةُ عليه حتى يحضرَ المشتري فيفسخُ بحضورِه)، إنَّما يشترطُ حضورُ (البائعِ و)

(1)

المشتري

(2)

؛ لأنَّ الملكَ له، واليدَ للبائع، فإذا سَلَّمَ إلى المشتري لا يشترطُ حضورُ البائع؛ لأنَّهُ صارَ أجنبياً، (ويقضى للشَّفيعِ

(3)

بالشُّفعة، والعهدةُ على البائع

(4)

)، حتى يجبَ تسليمُ الدَّارِ على البائع، وعند الاستحقاقِ يكون عهدةُ الثَّمنِ على البائع، فيطلبُ منه.

(وللشَّفيعِ خيارُ الرُّؤيةِ والعيب، وإن شرطَ المشتري البراءةَ عنه، وإن اختلفَ الشَّفيعُ والمشتري في الثَّمنِ صُدِّقَ المشتري): أي

(5)

مع الحلف، لأنَّ الشَّفيعَ يدَّعي استحقاقَ الدَّارِ عند نقدِ الأقلِّ والمشتري ينكره.

(ولو برهنا، فالشَّفيعُ أحقّ)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّدٍ رضي الله عنه، وحجَّتُهما ما ذكرنا، وأيضاً: يمكنُ صدقُ البيِّنتين بجريانِ العقدِ مرَّتيْن، فيأخذُ الشَّفيعُ بالأقلّ

(6)

، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه بيِّنةُ المشتري أحقُّ لأنَّها أكثرُ إثباتاً.

(1)

زيادة من أ و م.

(2)

فلا بُدّ من اجتماعهما؛ لأنَّ القضاءَ على الغائب لا يجوز؛ لأنَّ أخذَه من يد البائع يوجب فوات المبيع قبل القبض، وفواتُه قبل القبض يوجب الفسخ؛ لكونه قبل تمامه، كما إذا هلكَ قبل القبض، ولا يجوزُ الفسخ عليهما إلا بحضرتهما، بخلاف ما بعد القبض، حيث لا يشترطُ حضورُ البائع؛ لأنَّ العقد قد انتهى بالتسليم وصار البائع أجنبياً عنهما. ينظر:«البحر الرائق» (8: 149).

(3)

زيادة من أ و ب و م.

(4)

أي يجعل ما يترتب على البيع من الأحكام على البائع قبل تسليم المبيع إلى المشتري، والعهدة على المشتري لو كان ذلك بعد؛ لأن البائع يصير أجنبياً. ينظر:«مجمع الأنهر» (ص 476).

(5)

في ف زيادة: إن اختلف الشفيع والمشتري في الثمن فالقول قول الشفيع.

(6)

أي لا تنافي بين البينتين في حقّ الشفيع لاحتمال أنه اشترى مرّة بالأقل ومرّة بالأكثر، وللشفيع أن يأخذ بأيهما شاء. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 395).

ص: 57

وإن ادَّعى المشتري ثمناً، وبائعُهُ أقلَّ منه بلا قبضِهِ فالقولُ له، ومع قبضِهِ المشتري، وأخذَ في حطِّ الكلِّ بالكلّ، وفي الشِّراءِ بثمنِ مثليٍّ بمثلِه، وفي غيرِهِ بالقيمة، وفي عقارٍ بعقارٍ أُخِذَ كلٌّ بقيمةِ الآخر، وفي ثمنٍ مؤجَّلٍ بحالٍّ أو طَلَبَ في الحال وأخذَ بعد الأجل، ولو سكتَ عنه، بطلت، وفي شراءِ ذمِّيٍّ بخمرٍ أو خِنْزير، والشَّفيعُ ذمِّيٌّ بمثلِ الخمر وقيمةِ الخِنْزير، والشَّفيعُ المسلم بقيمةِ كلٍّ.

(وإن ادَّعى المشتري ثمناً، وبائعُهُ أقلَّ منه بلا قبضِهِ فالقولُ له): أي بلا قبضِ الثَّمن، فالقولُ للبائع، (ومع قبضِهِ المشتري): أي مع قبضِ الثَّمن، فالقولُ للمشتري

(1)

، (وأخذَ في حطِّ الكلِّ بالكلّ

(2)

)، مسألةُ حطِّ البعضِ قد مرَّتْ في «بابِ المرابحة»

(3)

بقوله: والشَّفيعُ يأخذُ بالأقلِّ في الفصليْن.

(وفي الشِّراءِ بثمنِ مثليٍّ بمثلِه، وفي غيرِهِ بالقيمة، وفي عقارٍ بعقارٍ أُخِذَ كلٌّ بقيمةِ الآخر

(4)

، وفي ثمنٍ مؤجَّلٍ بحالٍّ أو طَلَبَ في الحال وأخذَ بعد الأجل)

(5)

، هذا عندنا، و

(6)

أمَّا عند زفرَ رضي الله عنه والشَّافعيّ

(7)

رضي الله عنه في قوله القديم، فله أن يأخذَهُ في الحالِ بالثَّمنِ المؤجَّل، (ولو سكتَ عنه، بطلت): أي إن سكتَ عن الطَّلب، وصبرَ حتى يطلبَ عند الأجلِ بطلتْ شفعتُه.

(وفي شراءِ ذمِّيٍّ بخمرٍ أو خِنْزير، والشَّفيعُ ذمِّيٌّ بمثلِ الخمر وقيمةِ الخِنْزير، والشَّفيعُ المسلم بقيمةِ كلٍّ.

(1)

وأخذ الشفيع العقار بقول البائع قبل قبض البائع الثمن، وبقول المشتري بعد قبل قبض البائع الثمن. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 395).

(2)

أي إذا حطّ البائع عن المشتري كل الثمن يأخذ الشفيع بكلّ الثمن؛ لأنه لا يظهر في حقه فلا يلتحق بأصل العقد وإلا بقي العقد بلا ثمن وهو فاسد لا باطل. ينظر: «رد المحتار» (5: 146).

(3)

3: 53).

(4)

يعني إذا بيع عقار بعقار يأخذ شفيع كل من العقارين كلاً منهما بقيمة الآخر؛ لأنه بدله، وهو من ذوات القيم. ينظر:«درر الحكام» (2: 211).

(5)

أي إذا كان العقار بثمن مؤجّل خيِّر الشفيع بين الأخذ في الحال، وبين طلب الشفعة في الحال، والأخذ بعد الأجل الذي وقع العقد عليه حتى لم يطلب في الحال بطلت شفعته. ينظر:«الدر المنتقى» (2: 478).

(6)

زيادة من أ و ب و م.

(7)

ينظر: «التنبيه» (ص 80)، وغيره.

ص: 58

وفي بناءِ المشتري وغرسِهِ بالثَّمن وقيمة البناء والغرس مقلوعين، كما في الغصب، وإن شاء كُلِّفَ المشتري قلعهما، ورجعَ الشَّفيعُ بالثَّمن فقط إن بنى أو غرس، ثُمَّ استحقّ، وبكلِّ الثَّمنِ إن خربت، أو جَفَّ الشَّجر، وأخذُ العرصة لا النَّقض بحصتِها إن هدمَ المشتري البناء، وفي شراءِ أرضٍ مع ثَمَرِ نخيلٍ فيها، أو لا ثمرَ عليها فأثمرَ معه أخذَها بثمرِها

وفي بناءِ المشتري وغرسِهِ بالثَّمن وقيمة البناء والغرس مقلوعين، كما في الغصب، (وإن شاء)

(1)

كُلِّفَ المشتري قلعهما): أي أخذَ الشَّفيعُ فيما إذا بنى المشتري أو غرسَ بالثَّمن وقيمتُهما مقلوعَيْن، أو كُلِّفَ المشتري قلعَ البناءِ أو الغرس، والمرادُ بقيمتِهما مقلوعينِ قيمتُهما مستحقيّ القلع، كما مرَّ في «الغصب»

(2)

، وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه: أنَّه لا يكلَّفُ بالقلع، بل يخيِّرَ بين أن يأخذَ بالثَّمنِ وقيمةِ البناءِ والغرس، وبين أن يترك، وهو قول الشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه؛ لأنَّ التَّكليفَ بالقلعِ من أحكامِ العدوان، والمشتري هنا محقٌّ في البناء، قلنا: بنى في موضعٍ تعلَّقَ به حقٌّ متأكّدٌ من غيرِ تسليط

(4)

.

(ورجعَ الشَّفيعُ بالثَّمن فقط إن بنى أو غرس، ثُمَّ استحقّ): أي إن أخذَ الشَّفيعُ بالشُّفعة وبنى أو غرس، ثُمَّ استحقَّتِ الأرضُ رجعَ بالثَّمن فقط، ولا يرجعُ بقيمةِ البناء، أو الغرسِ على أحدٍ بخلافِ المشتري، فإنّه يرجعُ بقيمةِ البناء أو الغرسِ على البائع؛ لأنَّه مُسَلَّطٌ من جهتِه بخلافِ الشَّفيع، فإنَّه أخذَ جبراً.

(وبكلِّ الثَّمنِ إن خربت، أو جَفَّ الشَّجر): أي اشترى داراً فخربت، أو بستاناً فجفَّ الشَّجر، فالشَّفيعُ إن أرادَ أن يأخذَ بالشُّفعةِ يَأْخُذُ بجميعِ الثَّمن.

(وأخذُ العرصة لا النَّقض بحصتِها إن هدمَ المشتري البناء)، إنِّما يأخذُ بالحصَّة؛ لأنَّ المشتري قصدَ الإتلاف، وفي الأوَّلِ تَلَفٌ بآفة سماوية، ولا يأخذُ النقض؛ لأنَّه ليس عقاراً، ولم يبقَ تبعاً.

(وفي شراءِ أرضٍ مع ثَمَرِ نخيلٍ فيها، أو لا ثمرَ عليها فأثمرَ معه أخذَها بثمرِها

(1)

زيادة من ق. وفي النسخ: أو.

(2)

4: 48).

(3)

ينظر: «النكت» (ص 622)، وغيرها.

(4)

أي من جهةِ مَن له الحقّ، وهو الشفيعُ هاهنا احتراز عن الموهوب له، والمشترى بالشراءِ الفاسد، فإنّ بناءهما حصلَ بتسليط الواهب والبائع. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 562).

ص: 59

وبحصّتِها من الثَّمن إن جذَّهُ المشتري في الأوَّل، وبالكلِّ في الثاني.

‌باب ما هي فيه أو لا، وما يبطلها

[فصل ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب]

إنَّما تجبُ قصداً في عقارٍ مُلِكَ بعوضٍ هو مال، وإن لم يقسمْ كرحى وحمَّام وبئر

وبحصّتِها من الثَّمن إن جذَّهُ المشتري في الأوَّل، وبالكلِّ في الثاني)، اشترى أرضاً وذكرَ ثمر النَّخيل في البيع، إذ لا يدخلُ بدونِ الذِّكر، أو شرى ولم يكن على الشَّجر ثمر فأثمرَ في يدِ المشتري، فالشَّفيعُ يأخذُ الأرضَ

(1)

مع الثَّمر في الفصلين، وإن جذَّهُ المشتري، فالشَّفيعُ يأخذُ الأرضَ بدون ثمرِ النَّخيل، لكن في الفصلِ الأوَّلِ يأخذُ بحصَّة الأرضِ من الثَّمن، وفي الفصلِ الثَّاني يأخذُ بكلِّ الثَّمن؛ لأنَّ الثَّمرَ لم يكنْ موجوداً وقتَ العقدِ فلا يقابلُهُ شيءٌ من الثَّمن.

باب ما هي فيه أو لا، وما يبطلها

أي بابُ ما يكون فيه الشُّفعةُ أو لا يكون، وما يبطلُ الشُّفعة.

[فصل ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب]

(إنَّما تجبُ قصداً

(2)

في عقارٍ

(3)

مُلِكَ بعوضٍ هو مال، وإن لم يقسمْ كرحى وحمَّام وبئر): أي الشُّفعةُ القصديَّةُ تختصُّ بالعقار، بخلافِ غيرِ القصديَّة فإنَّها تثبتُ في غيرِ العقار، فإنَّ الشَّجرَ والثَّمرَ يؤخذانِ بالشُّفعةِ تبعاً للعقار، ثمَّ لا بدَّ أن يكونَ العقارُ ملكَ بعوضٍ حتى لو ملكَ بهبةٍ لا تثبتُ الشُّفعة، ثمَّ العوضُ لا بدَّ أن يكونَ مالاً،

(1)

زيادة من أ و ب و م.

(2)

الشفعةُ على نوعين:

شفعةٌ قصديّة مختصّ بالعقار بلا واسطة.

شفعةٌ غير قصديّة، وهو ما يكون بواسطةِ العقار، كما في الشجر، والشجر تبعاً للعقار: يعني بيت الرحى مع الرحى، فيكون الشفعةُ قصديّة في البيت، وغير قصدية في الرحى. ينظر:«حسن الدراية» (4: 67).

(3)

العقار: وهو كلُّ ما له أصلٌ من دارٍ أو ضيعة، والربعُ: الدار حيث كانت في المصر أو القرى. ينظر: «الكفاية» (8: 328).

ص: 60

لا في عرضٍ وفُلْكٍ وبناءٍ وتحلُّ بيعاً قصداً، وإرثٍ وصدقةٍ وهبةٍ إلاَّ بعوض، ودارٍ قسمتْ، أو جعلتْ أجرةً أو بدلَ خلعٍ أو عتقٍ أو صلحٍ عن دم عمد، أو مهر وإن قوبلَ ببعضها مال، أو بيعتْ بخيارِ البائع وما سقطَ خيارُه

حتى لو خولعَ على دارٍ لا تثبتُ الشُّفعة، وإنَّما قال: وإن لم يقسم؛ لأنَّ الشُّفعةَ لا تثبتُ عند الشَّافعيِّ

(1)

رضي الله عنه فيما لا يقسم، لأنَّ الشُّفعةَ لدفعِ مؤنةِ القسمةِ عنده، وعندنا: لدفعِ ضررِ الجوار.

(لا في عرضٍ

(2)

وفُلْكٍ وبناءٍ وتحلُّ بيعاً قصداً) حتى إن بيعَ البناءُ والنَّخيلُ بتبعيَّةِ الأرضِ تجبُ فيهما الشُّفعة، (وإرثٍ وصدقةٍ وهبةٍ إلاَّ بعوض

(3)

، ودارٍ قسمتْ)؛ لأنَّ في القسمةِ معنى الإفراز

(4)

، (أو جعلتْ أجرةً أو بدلَ خلعٍ أو عتقٍ أو صلحٍ عن دم عمد، أو مهر وإن قوبلَ ببعضها مال)، فمن قوله: أو جعلت أجرةً خلافُ الشَّافعيّ

(5)

رضي الله عنه؛ فإنَّ هذه الأعواضَ متقوِّمة عنده.

ولنا: أن تقوُّمَ المنافعِ ضروريّ، فلا تظهرُ في حقِّ الشَّفعة، وكذا الدَّمُ والعتق، وإذا قوبلَ ببعضها مالٌ كما إذا تزوَّجَها على دارٍ على أن تردَّ عليه ألفاً، فلا شفعةَ في جميعِ الدَّارِ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: تجبُ في حصَّةِ الألف إذ فيها مبادلةٌ ماليَّةٌ، وهو يقول: معنى البيعِ تابعٌ فيه؛ ولهذا ينعقدُ بلفظِ النِّكاح، ولا يفسدُ بشرطِ النِّكاح،

(6)

، ولا شفعةَ في الأصل، فكذا في البيع.

(أو بيعتْ بخيارِ البائع وما

(7)

سقطَ خيارُه) حتى إذا سقطَ الخيارُ تثبتُ الشُّفعة،

(1)

ينظر: «النكت» (ص 618)، وغيرها.

(2)

عرض: المتاع، وكلّ شئ فهو عرض إلاَّ الدارهم والدنانير، فإنّهما عينان، قال أبو عبيد رضي الله عنه: العروض الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا يكون حيواناً ولا عقاراً. ينظر: «الصحاح» (2: 98)

(3)

أي أن تكون الهبة بلا عوض مشروط في العقد مقبوض غير مشاع، فإن هذه الهبة بيع انتهاءً فيعتبر الطلب عند التقابض. ينظر:«الدر المنتقى» (2: 480).

(4)

الشفعة لم تشرع إلا في المبادلة المطلقة. ينظر: «مجمع الأنهر» (ص 2: 481).

(5)

ينظر: «النكت» (ص 619)، وغيرها.

(6)

في أ زيادة: ولا شفعةَ بشرطِ النَّكاح.

(7)

في «الغرر» (2: 213): ولم.

ص: 61

أو بيعاً فاسداً وما سقطَ حقُّ فسخه، أو ردَّ بخيارِ رؤيةٍ أو شرطٍ أو عيبٍ بقضاءٍ بعدما سُلِّمت، وتجبُ بردٍّ بلا قضاء، وبإقالة، وللعبدِ المأذونِ مديوناً في بيعِ سيِّدِه، ولسيِّدِه في مبيعِه، ولمَن شرى أو اشترى له، لا لمَنْ باع أو بيعَ له، أو ضمنَ الدَّرْك

(أو بيعاً فاسداً وما سقطَ حقُّ

(1)

فسخه)، فإنَّهُ إذا بيعَ بيعاً فاسداً وسقطَ حقُّ الفسخ بأن بنى المشتري فيها يثبتُ الشُّفعة، (أو ردَّ بخيارِ رؤيةٍ أو شرطٍ أو عيبٍ بقضاءٍ بعدما سُلِّمت): أي بيعت وسلُّمت الشُّفعة، ثمَّ ردَّ البيع بخيارِ الرؤيةِ وبقضاءِ القاضي فلا شفعة؛ لأنَّه فسخٌ لا بيع.

(وتجبُ بردٍّ بلا قضاء، وبإقالة): أي يثبتُ الشُّفعةُ في الرَّدِّ بالعيبِ بلا قضاءِ القاضي؛ لأنَّهُ لمَّا لم يجبْ الرَّدُّ فأخذُهُ بالرِّضاء صار

(2)

كأنَّهُ اشتراه، وكذا تجبُ الشُّفعة بالإقالة؛ لأنَّ الإقالةَ بيعٌ في حقِّ الثَّالث، والشَّفيعُ ثالثُهما.

(وللعبدِ المأذونِ مديوناً في بيعِ سيِّدِه، ولسيِّدِه في مبيعِه): أي تجبُ الشُّفعةُ

(3)

للعبدِ المأذونِ حالَ كونِهِ مديوناً ديناً محيطاً برقبتِه وكسبه، فله

(4)

الشُّفعةُ فيما باعَ سيِّدُه، وكذا للسَّيدِ حقُّ الشُّفعةِ فيما باعَ العبدَ المأذونُ المذكورَ بناءً على أنَّ ما في يِدِه ملكٌ له.

(ولمَن شرى أو اشترى له، لا لمَنْ باع أو بيعَ له، أو ضمنَ الدَّرْك

(5)

): أي تجبُ الشُّفعةُ للمشتري سواءٌ اشترى أصالةً أو وكالة، وكذا تجبُ الشُّفعةُ لمَن اشترى له: أي لمَن وكَّلَ آخرَ بالشِّراءِ فاشترى لأجلِ الموكِّل، والموكِّلُ شفيعٌ كان له الشُّفعة، وفائدتُهُ: إنَّهُ لو كان المشتري أو الموكَّلُ بالشِّراءِ شريكاً، وللدَّارِ شريكٌ آخر، فلهما الشُّفعةُ ولو كانَ هو شريكاً، وللدَّارِ جارٌ فلا شفعةَ للجارِ مع وجوده، ولا يكونُ للبائعِ شفعةٌ سواءٌ كان أصيلاً أو وكيلاً، وكذا لا شفعةَ لمَن بيعَ له: أي إن وكِّلَ بالبيع، والموكِّلُ شفيعٌ فلا شفعةَ له، وكذا إذا ضمنَ الدَّركَ فبيع، وهو شفيعٌ له، لا شفعةَ له؛ لأنَّ الاستخلاصَ عليه

(6)

.

(1)

زيادة من أ.

(2)

زيادة من أ و ب و ص و م.

(3)

زيادة من أ و م.

(4)

زيادة من أ و ص و م.

(5)

الدَّرْك: ما يأخذه المشتري من البائع رهناً بالثمن خوفاً من استحقاق المبيع. ينظر: «معجم الفقهاء» (ص 208).

(6)

يعني إذا ضمن الشفيعُ الدَّرْكَ عن البائع فلا شفعة له؛ لأنّ تمامَ المبيع إنّما كان من جهته فليس له أن ينقضَ ما تمَّ من جهته. ينظر: «تكملة البحر» (8: 161).

ص: 62

ولا فيما بيعَ إلا ذراعاً من طولِ حدِّ الشَّفيع، أو شرى سهماً منهما بثمنٍ ثمَّ باقيها إلاَّ في السَّهمِ الأوَّل، أو شرى بثمنٍ ثمَّ دفعَ عنه ثوباً لا يأخذ إلاَّ بالثَّمن، ولا يكرَهُ حيلةُ إسقاطِ الشُّفعةِ والزَّكاةِ عند أبي يوسفَ رضي الله عنه، وبه يفتى في الشفعة وبضده في الزَّكاة

(ولا فيما بيعَ إلا ذراعاً من طولِ حدِّ الشَّفيع)، هذا حيلةٌ لإسقاطِ شفعةِ الجوار، وهي أن تباعَ الدَّارُ إلاَّ مقدارَ عرضِهِ ذراع، أو شبر، أو أصبع، وطولُهُ تمامَ ما يلاصقُ من الدَّارِ المبيعةِ دارَ الشَّفيع؛ فإنَّهُ إذا لم يبعْ مالاً يلاصقُ دارَ الشَّفيع، لا يثبتُ الشُّفعة.

(أو شرى سهماً منهما بثمنٍ ثمَّ باقيها إلاَّ في السَّهمِ الأوَّل)، هذه حيلةٌ أخرى لإسقاط شفعةِ الجوار، وهي أنَّهُ إذا أرادَ أن يشتريَ الدَّارَ بألفٍ يشتري شيئاً قليلاً منها، كسهمٍ واحدٍ من ألفِ سهمٍ مثلاً، بألفٍ إلا درهماً، ثمَّ يشتري الباقي بدرهم، فالشَّفيعُ لا يأخذُ الشُّفعةَ إلا في السَّهمِ الأوَّلَ بثمنِه، لا في الباقي لأنَّ المشتري صار شريكاً وهو أحقُّ من الجار.

(أو شرى بثمنٍ ثمَّ دفعَ عنه ثوباً (لا يأخذ)

(1)

إلاَّ بالثَّمن)، هذه حيلةٌ أخرى تعمٌّ الجوار وغيره، وهي ما إذا أريدَ بيعُ الدَّارِ بمئةٍ فيشتري الدَّارَ بألفٍ ثمَّ يدفعُ ثوباً يساوي مئة في مقابلةِ الألف، فالشَّفيعُ لا يأخذُهُ إلا بألف.

(ولا يكرَهُ حيلةُ إسقاطِ الشُّفعةِ والزَّكاةِ عند أبي يوسفَ رضي الله عنه، وبه يفتى في الشفعة وبضده في الزَّكاة)، اعلم أنَّ حيلةَ إسقاطهما لا يكرَهُ عند أبي يوسف رضي الله عنه، ويكرهُ عند محمَّدٍ رضي الله عنه، ويفتى في الشُّفعةِ بقولِ أبي يوسفَ رضي الله عنه؛ لأنَّهُ منعٌ عن وجوبِ الحقِّ لا إسقاطٌ للحقِّ الثَّابت، وهكذا يقول في الزَّكاة، لكن هذا في غاية الشَّناعة؛ لأنَّهُ إيثارٌ للبخل، وقطعُ رزقِ الفقراءِ الذي قدَّرَهُ الله تعالى في مالِ الأغنياء، والانخراطُ في سلكِ الذين يكنزونَ الذَّهبَ والفضَّةَ ولا ينفقونَهَا في سبيلِ الله، والاستبشارُ

(2)

بما بشَّرَهم الله تعالى.

وأقول: الشُّفعةُ إنَّما شرعتْ لدفعِ ضررِ الجوار، فالمشتري إن كان ممَّن يتضرَّرُ به الجيرانُ لا يحلُّ إسقاطُها، وإن كان رجلاً صالحاً ينتفعُ به الجيران، والشَّفيعُ متعنِّتٌ لا يحبُّ جوارَهُ فحينئذٍ يحتالُ في إسقاطها

(3)

.

(1)

زيادة من ف.

(2)

المراد به قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21].

(3)

وقد نقل ملا خسرو في «الدرر» (2: 215) كلامَ الشارح وتابعه.

ص: 63

[فصل ما يبطل الشفعة]

ويبطلُهَا تركُ طلب المواثبة أو الإشهاد، وتسليمُها بعد البيعِ فقط، ولو من الأبِ أو الوصيِّ أو الوكيل، وصلحُهُ منها على عوضٍ وردِّ عوضِه، وموتُ الشَّفيعِ لا المشتري، وبيعُ ما يشفعُ به قَبْلَ القضاءِ بها، فإن سمعَ شراءك فسلَّمَ فظهرَ شراءُ غيرِك، أو بيعُهُ بألفٍ فسَّلَم وكان بأقلَّ أو

[فصل ما يبطل الشفعة]

(ويبطلُهَا تركُ طلب المواثبة أو الإشهاد، وتسليمُها بعد البيعِ فقط): أي التَّسليمُ قبل البيعِ لا يبطلُها

(1)

، (ولو من الأبِ أو الوصيِّ أو الوكيلِ): أي الوكيلُ بطلبِ الشُّفعة؛ فإنَّ تسليمَ هؤلاءِ يبطلُ الشُّفعةَ عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأبي يوسف رضي الله عنه خلافاً لمحمَّدٍ رضي الله عنه وزفرَ رضي الله عنه، فإنَّ هذا إبطالُ حقٍّ ثابتٍ للصَّغير، وإنَّها شرعتْ لدفعِ الضَّرر، ولهما: أنّه في معنى تركِ الشِّراء.

(وصلحُهُ منها على عوضٍ وردِّ عوضِه): أي الصُّلحُ على العوضِ يبطلُ الشُّفعة؛ لأنَّهُ تسليم، لكنَّ الصُّلحَ غيرُ جائز؛ لأنَّهُ مجرَّدُ حقِّ التَّملُّكِ فيجبُ ردُّ العوض.

(وموتُ الشَّفيعِ لا المشتري)، فإنَّ الشَّفيعَ إذا مات تبطلُ الشُّفعة، ولا تورَّثُ عنه خلافاً للشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه؛ لأنَّها ليستْ بمال، وهذا إذا مات بعد البيعِ قبل القضاء، أمَّا إذا ماتَ بعد قضاء القاضي قبلَ نقدِ الثَّمنِ أو بعده تصيرُ للورثة.

(وبيعُ ما يشفعُ به

(3)

قَبْلَ القضاءِ بها)؛ لزوالِ سببِ الاستحقاقِ قبلَ التَّملُّكِ بخلافِ ما إذا كان البيعُ بشرطِ الخيار.

(فإن سمعَ شراءك فسلَّمَ

(4)

فظهرَ شراءُ غيرِك، أو بيعُهُ بألفٍ فسَّلَم وكان بأقلَّ أو

(1)

لأنه أسقطها قبل وجود سببها إن كان سببها البيع، وقبل وجود شرطه إن كان سببها اتصال الأملاك، والبيع شرطه. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 398).

(2)

ينظر: «التنبيه» (ص 81)، و «الغرر البهية» (3: 280)، و «تحفة المنهاج» (6: 81)، وغيرها.

(3)

أي بلا خيار؛ لأن الشفيع لو باع ما يشفع به على أنه بالخيار لا تبطل شفعته؛ لأن ملكه لم يزل فوجد سبب الشفعة، وهو الاتصال بملكه. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 399).

(4)

يعني قيل له: إن المشتري فلان فسَلَّم، ثمّ ظهرَ أنّه غيره، فله الشفعة؛ لتفاوتِ الناس في الأخلاق. ينظر:«تكملة البحر» (8: 163).

ص: 64

بكيليّ أو وزنيّ أوعدديّ متقاربٍ قيمتُهُ ألف أو أكثرُ فهي له، وبعرضٍ كذلك لا، وشفعَ حصَّةَ أحدِ المشترييْن، لا أحدَ الباعة، والنَّصفُ مفرَّزاً بيعَ مشاعاً من دارٍ فقسما

بكيليّ أو وزنيّ أوعدديّ متقاربٍ قيمتُهُ ألف أو أكثرُ فهي له، وبعرضٍ كذلك لا): أي سمعَ البيعَ بألفٍ فسلَّم وكان بأقلَّ أو كان بكيليّ أو وزنيّ أو عدديّ متقاربٍ قيمتُهُ ألف أو أكثر، فالشُّفعةُ ثابتةٌ له؛ لأنَّ هذه الأشياءَ من ذواتِ الأمثال، فالشَّفيعُ يأخذُ بها وربُّما يكونُ له الأخذُ بهذه الأشياءِ أيسر، وإن كانتْ قيمتُهُا أكثرَ من الألف فيكون له حقُّ الشُّفعة، بخلافِ ما إذا ظهرَ أنَّ البيعَ كان بعرضِ قيمتُهُ ألف أو أكثر، فإنّه

(1)

لا يبقى له الشُّفعة؛ لأنَّ الشَّفيعَ يأخذُ هنا بالقيمة، فإن كانت قيمتُهُ ألفاً فقد سَلَّم البيعَ به، وإن كانت قيمتُهُ أكثر، فتسليمُ البيعِ بألفٍ تسليمٌ المبيع بالأكثر بالطَّريق الأوْلى.

(وشفعَ حصَّةَ أحدِ المشترييْن، لا أحدَ الباعة): أي اشترى جماعةٌ من واحدٍ، فللشَّفيعِ أن يأخذَ نصيبَ أحدهم، وإن باعَ جماعةٌ من واحدٍ لا يأخذُ حصَّةَ أحد البائعين، (ويتركُ حصَّةَ الباقية، بل إن شاءَ أخذ كلَّها)

(2)

؛ لأنَّ هنا يتفرَّقُ الصَّفقةُ على المشتري، وثمَّة لا يتفرَّق، وأيضاً يتحقَّقُ في الأوَّلِ دفعُ ضررِ الجارِ لا في الثَّاني.

(والنّصفُ مفرَّزاً بيعَ مشاعاً من دارٍ فقسما

(3)

): أي اشترى نصفاً مشاعاً من دارٍ، فقسمَ البائعُ والمشتري، فالشَّفيعُ يأخذُ النِّصفَ مفرَّزاً؛ لأنَّ القسمةَ من تمامِ القبض.

* * *

(1)

زيادة من أ.

(2)

زيادة من ف و م.

(3)

وإن وقع في غير جانبه؛ يعين اشترى رجل نصف دار غير مقسوم فقاسم المشتري البائع أخذ الشفيع نصيب المشتري الذي حصل له بالقسمة. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 486).

ص: 65

‌كتاب القسمة

هي تعيينُ الحقِّ الشَّائِع، وغَلَبَ فيها الإفرازُ في المثليّ، والمبادلةُ في غيرِه، فيأخذُ كلُّ شريكٍ حصَّتَهُ بغيبةِ صاحبِه في الأوَّل لا في الثَّاني، وإن أجبرَ عليها في متَّحد الجنسِ فقط عند طلبِ أحدِهم، وينصبُ قاسمٌ يرزقُ من بيتِ المالِ ليقسمَ بلا أجر، وهو أحبُّ، وإنَّ نصبَ بأجرٍ صحّ، وهو على عدد الرُّؤوس، ويجبُ كونُهُ عدلاً عالماً بها، ولا يعيِّن واحد لها، ولا يشتركُ القُسَّام

كتاب القسمة

(هي تعيينُ الحقِّ الشَّائِع، وغَلَبَ فيها الإفرازُ في المثليّ، والمبادلةُ في غيرِه، فيأخذُ كلُّ شريكٍ حصَّتَهُ بغيبةِ صاحبِه في الأوَّل لا في الثَّاني، وإن

(1)

أجبرَ عليها في متَّحد الجنسِ فقط عند طلبِ أحدِهم): أي المبادلةُ غالبةٌ في غيرِ المثليّ، مع أنَّه يُجْبَرُ على القسمةِ في غيرِ المثلي إذا كان متَّحدَ الجنس، مع أنّ المبادلةَ لا يجري فيه الجبر، فإنَّه إنِّما يُجْبَرُ عليها؛ لأنَّ فيها معنى الإفراز مع أنَّ الشَّريكَ يريدُ الانتفاعَ بحصَّته، فأوجبَ الجبرَ على أنَّ المبادلةَ قد يجري فيها الجبرُ إذا تعلَّقَ حقُّ الغير به، كما في قضاء الدَّين

(2)

.

(وينصبُ قاسمٌ يرزقُ من بيتِ المالِ ليقسمَ بلا أجر، وهو أحبُّ، وإنَّ نصبَ بأجرٍ صحّ، وهو على عدد الرُّؤوس)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: الأجرُ يَجِبُ على قَدْرِ الأنصباء؛ لأنَّه مؤنةُ الملك، له: أنَّ الأجرَ مؤنةُ مقابل بالتَّمييز، وهو لا يتفاوتُ بل قد يصعبُ في القليل، وقد ينعكس، فتعذَّر اعتبارُه فاعتبرَ أصلُ التَّمييز.

(ويجبُ كونُهُ عدلاً عالماً بها، ولا يعيِّن واحد لها)؛ لأنَّ الأمرَ قد يضيقُ على النَّاس، والأجرَ يصيرُ غالباً، (ولا يشتركُ القُسَّام): أي إن قسمَ واحدٌ لا يكونُ الأجرُ مشتركاً بينهم، فإنَّه يفضي إلى غلاءِ الأجر

(3)

.

(1)

إن: زيادة من أ و ب و م.

(2)

يعني إنّ المديونَ يجبرُ على القضاء، والديون تقضى بأمثالها فصار ما يؤدّى بدلاً عمّا في ذمّته، وهذا جبرٌ ظاهرٌ في المبادلة قصداً، وقد جاز؛ فلأن يجوز بلا قصد إليه أولى؛ لأنَّ المقصودَ الأصليّ هاهنا انتفاعُ أحدهم بنصيبه على الخصوصِ دون الإجبارِ على غيره. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 564).

(3)

بخلاف ما إذا لم يشتركوا، فإن كل قاسم يسارع حينئذٍ إلى الأجر اليسير حذراً من الفوت فيرخّص الأجر. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 402).

ص: 66

وصحَّت برضا الشُّركاء إلا عند صغرِ أحدِهم، وقُسِّمَ نقليٌّ يدَّعونَ إرثَهُ بينهم، وعقارٌ يدَّعون شراءه أو ملكَهُ مطلقاً، فإن ادَّعوا إرثَه عن زيدٍ لا حتَّى يُبَرْهِنوا على موتِه وعددِ ورثتِه عند أبي حنيفة رضي الله عنه، ولا يقسم إن برهنا أنَّه معهما حتَّى يبرهنا أنَّه لهما، ولو برهَنا على الموت وعددِ الورثة، وهو معهما، ومنهم طفلٌ أو غائب قُسِم

(وصحَّت برضا الشُّركاء إلا عند صغرِ أحدِهم) إذ حينئذٍ لا بُدَّ من أمرِ القاضي.

(وقُسِّمَ نقليٌّ يدَّعونَ إرثَهُ بينهم، وعقارٌ يدَّعون شراءه أو ملكَهُ مطلقاً، فإن ادَّعوا إرثَه عن زيدٍ لا حتَّى يُبَرْهِنوا على موتِه وعددِ ورثتِه عند أبي حنيفة رضي الله عنه)، حضَرَ جماعةٌ عند القاضي وطلبوا قسمةَ ما في أيديهم، فإن كان نقليّاً، فإن ادَّعوا شراءه، أو ملكَه مطلقاً، قُسِّمَ لكن هذا غير مذكور في «المتن» ، فإن ادَّعوا إرثَهُ عن زيدٍ قُسِّمَ أيضاً، وإن كان عقاراً، فإن ادَّعوا شراءه أو ملكَهُ مطلقاً قُسِّم أيضاً، أمَّا إذا ادَّعوا إرثَهُ عن زيدٍ لا يُقسِّمُ عند أبي حنيفة رضي الله عنه حتَّى يُبَرْهِنُوا على الموت وعدد الورثة، وعندهما: يُقسَّمُ كما في الصُّورِ الأُخر.

له: أنَّ ملكَ المورِّثِ باقٍ بعد موتِه، فالقسمةُ قضاءٌ على الميْتِ فلا بُدِّ من البيِّنةِ بخلافِ صورةِ الشِّراء؛ لأنَّ الملكَ بعد الشَّراءِ غيرُ باقٍ للبائع، وبخلافِ غيرِ العقارِ إذا ادَّعوا إرثَه؛ لأنَّ القسمةَ تفيدُ زيادةَ الحفظ، والعقارَ محصَّنٌ بنفسِه، فلا احتياجَ إلى القسمة، فالمسألةُ التي لم تذكرْ في «المتن» فُهِمَ حكمُها من قسمةِ النَّقلي الموروث، وكذا من قسمةِ العقارِ المشترى بالطَّريق الأولى؛ فلهذا لم يذكر.

(ولا يقسم

(1)

إن برهنا أنَّه معهما حتَّى يبرهنا أنَّه لهما)، الضَّميرُ في أنَّه يرجعُ إلى العقار، فقيل: هذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه، والأصحُّ أنَّه قولُ الكلّ؛ لأنَّهما إذا برهنا أنَّه معهما كان القسمةُ قسمةَ الحفظ

(2)

، والعقارُ غيرُ محتاجٍ إلى ذلك، فلا بُدَّ من إقامة البيِّنةِ على الملك.

(ولو برهَنا على الموت وعددِ الورثة، وهو معهما، ومنهم طفلٌ أو غائب قُسِم

(1)

زيادة من ف.

(2)

يعني إنّ القسمة نوعان:

الأول: قسمةٌ بحقّ الملك لتكميل المنفعة، وبحق اليدِ لأجل الحفظ والصيانة.

الثانية: في العقار غير محتاج إليه؛ لأنّه محفوظٌ بنفسه، فتعيّن قسمةُ الملك، وقسمةُ الملك تفتقرُ إلى قيام الملك، ولا ملك بدون البيّنة، فامتنع الجواز. ينظر:«العناية» (9: 432 - 433).

ص: 67

ونصبَ مَن يقبضُ لهما، فإن بَرْهَنَ واحد، أو شروا وغابَ أحدُهم، أو كان مع الوارث: الطِّفل، أو الغائب، أو شيء منه لا، وقُسِمَ بطلبِ أحدِهم إن انتفعَ كُلّ بحصَّتِه، وبطلبِ ذي الكثير فقط إن لم ينتفعِ الآخر؛ لقلَّة حصَّتِه

ونصبَ مَن يقبضُ لهما): أي إن حضرَ وارثان، وبرهَنا على الموت، وعددِ الورثة، والعقارُ معهما، ومن الورثةِ طفل أو غائب قسم ونُصِبَ مَن يقبضُ للطِّفلِ أو الغائبِ، وعبارةُ «الهداية»: والدَّارُ في أيديهم

(1)

. فقيل: هذا سهو

(2)

، والصَّوابُ في أيديهما، حتَّى لو كان في أيديهم لكان البعضُ في يدِ الطِّفل، أو الغائب، وسيأتي أنَّه إن كان كذلك لا يُقسَم.

(فإن بَرْهَنَ واحد، أو شروا وغابَ أحدُهم، أو كان مع الوارث: الطِّفل، أو الغائب، أو شيء منه لا

(3)

): أي إن حضرَ واحدٌ وأقامَ البيِّنة لا يقسمُ إذ لا بُدَّ من اثنين؛ لأنَّ الواحدَ لا يصلحَ مُقاسِماً ومُقاسَمَاً، ومُخاصِمَاً ومُخاصَمَاً، ولو كانَ مقامَ الإرث الشراء

(4)

(وغابَ أحدُهم)

(5)

لا يُقْسَم؛ لأنَّ في الإرثِ ينتصبُ أحدُ الورثةِ خصماً عن الباقين، وإن كان في صورةِ الإرثِ العقار أو شيءٌ منه في يدِ الغائب أو الطِّفل لا يُقْسَّمُ أيضاً؛ لأنَّ القسمةَ تصيرُ قضاءً على الغائب أو الطِّفل من غير خصمٍ حاضر عنهما.

(وقُسِمَ بطلبِ أحدِهم): أي أحدِ الشُّركاء، (إن انتفعَ كُلّ بحصَّتِه، وبطلبِ ذي الكثير فقط إن لم ينتفعِ الآخر؛ لقلَّة حصَّتِه): أي لا يقسمُ بطلبِ ذي القليل

(6)

؛ لأنَّهُ لا فائدةَ له، فهو متعنِّتٌ في طلبِ القسمة

(7)

.

(1)

انتهى من «الهداية» (4: 42).

(2)

والجواب: إنّه أطلقَ الجمع وأرادَ المثنَّى بقرينة قوله: وارثان. ينظر: «حسن الدراية» (4: 75).

(3)

أي كان العقار مع الوارث أو الصغير أو الغائب أو كان معه شيء من العقار لا يجوز القسمة؛ لأنه قضاء عليهما بإخراج شيء مما في يديهما بلا خصم حاضر عنهما. ينظر: «درر الحكام» (2: 422).

(4)

في أ و م: شراء.

(5)

زيادة من أ و ب و م.

(6)

ذكره الخصاف، وقال في «الكافي»: ما ذكره الخصاف أصح، وفي «الذخيرة»: وعليه الفتوى. وقال في «الدر المختار» (5: 165): وعليه مشى أصحاب المتون فعليه المعول، وأيَّده ابن عابدين في «رد المحتار» (5: 165). وينظر: «الدرر» (2: 423).

(7)

والقاضي يجيب المتعنّت بالردّ، وتعذّر الانتفاع بنصيبه لقلّة نصيبه، لا لمعنى من جهة صاحب الكثير. ينظر:«الكفاية» (8: 357).

ص: 68

ولا يقسمُ إلا بطلبِهم إن تضرَّر كلٌّ للقلَّة. وقُسِمَ عروضٌ اتَّحدَ جنسُها لا الجنسان والرَّقيقُ والجواهرُ والحمَّامُ إلا برضاهم، ودورٌ مشتركة، أو دارٌ وضيعة، أو دارٌ وحانوت قُسِمَ كُلٌّ وحدَها، ويصوِّرُ القاسمُ ما يقسّمُ ويعدلُه ويذرعُه ويقوِّمُ بناءه ويفرزُ كلَّ قسمٍ بطريقهِ وشربِه، ويلقّبُ الأقسامَ بالأوَّل والثَّاني والثَّالث، ويكتبُ أسماءهم ويقرع، والأوَّلُ لمن

وقيل

(1)

: على العكس؛ لأنَّ صاحبَ الكثيرِ يطلبُ ضررَ صاحبِه، وصاحبُ القليل يرضى بضررِه.

وقيل

(2)

: يقسمُ بطلبِ كلِّ واحد.

(ولا يقسمُ إلا بطلبِهم إن تضرَّر كلٌّ للقلَّة.

وقُسِمَ عروضٌ اتَّحدَ جنسُها لا الجنسان والرَّقيقُ والجواهرُ والحمَّامُ إلا برضاهم)، قالا: يقسمُ الرَّقيق والجواهر بطلب البعض، كما يقسمُ الإبلَ وسائرَ العروض، له: أن التَّفاوتَ فاحشٌ في الآدميّ فصارَ كالأجناسِ المختلفة، وفي الجواهر قد قيل: إذا اختلفَ الجنسُ لا يقسم.

(ودورٌ مشتركة، أو دارٌ وضيعة، أو دارٌ وحانوت قُسِمَ كُلٌّ وحدَها): أي إذا كانت الدُّورُ قريبةٌ بأن كانت كلُّها في مصرٍ واحد، قُسِّمَ كلُّ وحدَها عند أبي حنيفةَ

(3)

رضي الله عنه، وقالا: يقسّمُ بعضُها في بعضٍ، وإن كانت الدُّور بعيدة: أي في مصرين، فقولُهما كقولِ أبي حنيفةَ رضي الله عنه.

(ويصوِّرُ

(4)

القاسمُ ما يقسّمُ ويعدلُه ويذرعُه ويقوِّمُ بناءه ويفرزُ كلَّ قسمٍ بطريقهِ وشربِه، ويلقّبُ الأقسامَ بالأوَّل والثَّاني والثَّالث، ويكتبُ أسماءهم ويقرع، والأوَّلُ

(1)

ذكره الجصاص. ينظر: «الدرر» (2: 423).

(2)

ذكره الحاكم في «مختصره» ، وقال في «الخانية»: وهو اختيار الإمام المعروف بخواهر زاده، وعليه الفتوى. ينظر:«الدرر» (2: 423)، و «الدر المختار» (5: 165).

(3)

لإنّ الدورَ أجناسٌ مختلفة؛ لاختلافِ المقصودِ باعتبار المحال والجيران والقرب من المسجد، فكان اختلافاً فاحشاً، فلا يمكن التعديلُ في القسمة، فلا يجوزُ جمع نصيبِ كلِّ واحدٍ في دارٍ إلاَّ بالتراضي. ينظر:«تكملة البحر» (8: 173).

(4)

أي يكتب على كاغده: إنّ فلاناً نصيبه كذا، وفلاناً كذا؛ ليمكنه حفظه إذا أرادَ رفع ذلك الكاغد إلى القاضي؛ ليتولَّى الإقراعَ بينهم بنفسه. ينظر:«العناية» (9: 440).

ص: 69

لمن خرجَ اسمه أوَّلاً، والثَّاني لمن خرجَ ثانياً، ولا يُدْخِلُ الدَّراهمَ في القسمةِ إلا برضاهم، فإن وَقَعَ مسيلُ قِسْمٍ أو طريقُهُ في قِسْمٍ آخر بلا شرطٍ فيها صُرِفَ إن أمكنَ وإلا فسخت، سُفلٌ ذو علو، وسُفل وعلو مجرّدان قُوِّمَ كُلٌّ وحدَه، وقُسِمَ بها عند محمَّد رضي الله عنه

لمن خرجَ اسمه أوَّلاً، والثَّاني لمن خرجَ ثانياً): أي يُصَوِّرُ الدَّارَ المقسومةَ على قرطاس؛ ليرفع إلى القاضي، ويعدلُها: أي يسوِّيها على سهامِ القسمة، ويذرعُها ويُصَوِّرُ الذُّرعانَ على ذلك القرطاس بقلم الجدول، فيكونُ كلُّ ذراعٍ في ذراعٍ بشكلِ لَبنة، ويُقَدِّرُ البيوتَ والصُّفَّةَ، وغيرَهما بتلك الذُّرعان، ويقوِّمُ البناءَ ويبتدأُ القسمةَ من أي طرفٍ شاء، فإن جَعَلَ الجانبَ الغربي أوَّلاً يجعلُ ما يليه ثانياً، ثُمَّ ما يليه ثالثاً وهكذا، ويكتبُ أسماءَ أصحابِ السِّهامِ إمَّا على القرعة أو غيرِها، فمَن خرجَ اسمُهُ أوَّلاً يعطى نصيبَه من الجانبِ الغربي جملةً من العرصةِ والبناءِ إلى أن يتمَّ نصييبُهُ، ثُمَّ مَن خَرَجَ اسمه ثانياً يعطى نصيبَهُ متّصلاً بالأوَّل، وهكذا إلى أن يتمَّ سواءٌ كانت الأنصباء متساويةً أو متفاوتةً.

(ولا يُدْخِلُ الدَّراهمَ في القسمةِ إلا برضاهم): أي لا يدخلُ في قسمةِ العقارِ الدَّراهم إلا بالتَّراضي، حتَّى إذا كان أرضٌ وبناءٌ يُقْسَمُ بطريقِ القيمة عند أبي يوسفَ رضي الله عنه، وعن أبي حنيفةَ رضي الله عنه أنَّه يَقْسِمُ الأرضَ بالمساحة، فالذي وقعَ البناءُ في نصيبهِ يردُّ على الآخر دراهمَ حتَّى يساويه، فيُدْخِلُ الدَّراهمَ ضرورة، وعن محمَّد رضي الله عنه أنَّه يَرُدُّ على شريكِه من العرصةِ في مقابلةِ البناء، فإذا بقي فضلٌ ولا يمكنُ التَّسوية فحينئذٍ يردُّ الفضل دراهم؛ لأنَّ الضَّرورةَ في هذا القدر.

(فإن وَقَعَ مسيلُ قِسْمٍ أو طريقُهُ في قِسْمٍ آخر بلا شرطٍ فيها صُرِفَ إن أمكنَ وإلا فسختْ

(1)

.

سُفلٌ ذو علو، وسُفل وعلو مجرّدان

(2)

قُوِّمَ كُلٌّ وحدَه، وقُسِمَ بها عند محمَّد رضي الله عنه

(1)

أي صرف لإمكان تحقّق معنى القسمة، وهو قطع الشركة وتكميل المنفعة من غير المضرة، وإن لم يمكن صرفه فسخت القسمة، واستؤنفت على وجه يمكن لكل واحد أن يجعل لنفسه مسيلاً وطريقاً؛ لأنها وقعت مختلّة لبقاء الاختلاط وعدم حصول المقصود بها. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 406).

(2)

أي عن العلو والسفل. ينظر: «الغرر» (2: 425).

ص: 70

وبه يُفْتَى، فإن أقرَّ أحدُ المتقاسمينِ بالاستيفاء، ثُمَّ ادَّعى أنَّ بعضَ حصَّتِه وَقَعَ في يدِ صاحبِه غلطاً لا يُصَدَّقُ إلا بحجَّة، وشهادةُ القاسمينِ حجَّةٌ فيها

وبه يُفْتَى

(1)

): أي قسم بالقيمةِ عنده، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه يقسمُ بالذُراع كلُّ ذراعٍ من السُّفلِ في مقابلةِ ذراعينِ من العلو، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه يقسمُ بالذّراعِ أيضاً، لكن العلوَ والسُّفلَ متساويان.

(فإن أقرَّ أحدُ المتقاسمينِ بالاستيفاء، ثُمَّ ادَّعى أنَّ بعضَ حصَّتِه وَقَعَ في يدِ صاحبِه غلطاً لا يُصَدَّقُ إلا بحجَّة)، قالوا: لأنَّهُ يدَّعي فسخَ القسمة فلا يُصَدَّقُ إلا بالبيِّنَة، قال في «الهداية»: ينبغي أن لا يقبلَ دعواهُ للتَّناقض

(2)

. وفي «المبسوط»

(3)

، وفي «فتاوى قاضي خان»

(4)

ما يؤيدُ هذا

(5)

، وجهُ روايةِ «المتن» ؛ أنّه اعتمدَ على فعلِ القاسمِ في إقرارِه باستيفاء حقِّه، ثُمَّ لَمَّا تأمَّلَ حقَّ التَّأملِ ظهرَ الغلطُ في فعلِه، فلا يؤخذُ بذلك الإقرارِ عند ظهورِ الحقّ

(6)

.

(وشهادةُ القاسمينِ حجَّةٌ فيها)

(7)

: أي في القسمة، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسفَ رضي الله عنه، وعند محمَّد رضي الله عنه، والشَّافِعِيِّ

(8)

رضي الله عنه ليست بحجَّة، لأنَّها شهادةٌ على فعلِ

(1)

لأن السفل يصلح لما لا يصلح له العلو كالبئر والسرداب والاصطبل وغير ذلك فصارا كالجنسين فلا يمكن التعديل إلا بالقيمة. ينظر: «الدرر» (2: 425)، و «الدر المختار» (5: 167)، و «الشرنبلالية» (2: 425)، وغيرها.

(2)

انتهى من «الهداية» (4: 50).

(3)

المبسوط» (15: 67).

(4)

فتاوى قاضي خان» (3: 153).

(5)

أي قول صاحب «الهداية» .

(6)

وفَّق في «الحامدية» بينهما توفيقاً حسناً بحمل ما في «المتن» على ما إذا باشر القسمة غيره، وما في «الخانية» و «المبسوط» على ما إذا باشر القسمة بنفسه. قال ابن عابدين في «رد المحتار» (5: 168): وظاهر كلام صدر الشريعة أنهما روايتان فلا حاجة إلى التوفيق، بل الأهم الترجيح، فنقول: عامة المتون على ما مشى عليه المصنف، وهي الموضوعة لنقل المذهب، ولما عليه الفتوى. وعبارة «متن المواهب»: تقبل بينته، وقيل: لا. وفي «الاختيار» : وقيل: لا تقبل دعواه للتناقض، فأفادا عدم اعتماد الثانية.

(7)

يعني إذا أنكرَ بعضُ الشركاء بعد القسمة استيفاء نصيبه، فشهد القاسمان أنّه استوفى نصيبَه، فتقبل شهادتهما سواءً كان من جهة القاضي أو غيره. ينظر:«تكملة البحر» (8: 176).

(8)

النكت» (ص 610)، وغيرها.

ص: 71

وإن قال: قبضتُه ثُمَّ أخذَ بعضَه، حُلِّفَ خصمُه، وإن قال: قبلَ إقرارِهِ أصابَني كذا ولم يُسَلِّمْ إليّ، تحالفا وفُسِخَتْ، فإن استحقَّ بعضُ حصَّةِ أحدِهما شاعَ أو لا لم تُفْسَخْ، ورَجَعَ بقسطِه في حصَّةِ شريكِه، وتفسخُ في بعضِ مشاعٍ في الكلّ

أنفسِهما، قلنا: لا بل شهادةٌ على فعلِ غيرِهما، وهو الاستيفاء.

(وإن قال: قبضتُه ثُمَّ أخذَ بعضَه، حُلِّفَ خصمُه): أي قال: قبضتُ حقِّي ولكن أخذَ بعضَه بعدما قبضتُهُ حُلِّفَ خصمُه.

(وإن قال: قبلَ إقرارِهِ

(1)

أصابَني كذا ولم يُسَلِّمْ إليّ، تحالفا وفُسِخَتْ)؛ لأنَّه اختلافٌ في مقدارِ ما حصلَ له بالقسمة، فصارَ كالاختلافِ في مقدارِ المبيع.

(فإن استحقَّ بعضُ حصَّةِ أحدِهما شاعَ أو لا لم تُفْسَخْ، ورَجَعَ بقسطِه في حصَّةِ شريكِه، وتفسخُ في بعضِ مشاعٍ في الكلّ)، اعلم أن الاستحقاقَ إمَّا في بعضِ نصيبِ أحدِهما:

فإن كان بعضاً شائعاً لا تفسخُ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وتفسخ عند أبي يوسفَ رضي الله عنه، والأصحُّ

(2)

أنَّ محمَّداً مع أبي حنيفةَ رضي الله عنه. وصورتُهُ: أنَّهما اقتسما داراً فوقَعَ النِّصفُ الغربي لأحدهما، فاستحقَّ النِّصفَ الشَّائعَ من هذا النِّصفِ الغربي، فإذا لم تفسخ، فالمُسْتَحقُّ منهم بالخيار: إن شاءَ نقضَ القسمةِ دفعاً لضررِ التبعيض، وإن شاءَ رجعَ على الآخرِ بالرُّبع.

وإن كان بعضاً معيَّناً من نصيبِ أحدِهما، فقد قيل: إنَّه على الاختلاف، والصَّحيحُ أنَّها لا تفسخُ بالإجماع، بل يرجعُ بقسطِه في حصَّةِ شريكِه، كما إذا كانت الدَّارُ بينهما نصفينِ فقسمت، فاستحقَّ من يدِ أحدِهما بيت هو خمسةُ أذرعٍ رجعَ بنصفِ ما استحقَّ في نصيبِ صاحبِه. وإن كانت أثلاثاً ثُلُثٌ لأحدِهما، والثُلُثان للآخر، فاستحقَّ من يدِ صاحبِ الثُلُثِ رَجَعَ بثُلُثي ما استحقّ (من صاحبِ الثُلُثين)

(3)

، وإن استحقَّ من يدِ صاحبِ الثُلُثين رَجَعَ بثُلُث ما استحقَّ.

وإن استحقَّ البعضَ من نصيبِ كلِّ واحد، فإن كان شائعاً، فسختِ القسمة، وإن كان معيَّناً لم يذكر هذه المسألة.

(1)

أي بالاستيفاء. ينظر: «الدرر» (2: 425).

(2)

ذكره أبو حفص، وهو الأصح، لما ذكر أبو سليمان قول محمد مع أبي يوسف رضي الله عنه. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 406).

(3)

زيادة من ف.

ص: 72

وصحَّتْ المُهايأة، في سكون دار هذا بعضاً من دار وهذا بعضاً، وهذا علوُّها وهذا سفلُها، أو خدمة عبد هذا يوماً وهذا يوماً: كسكني بيت صغير، وعبدين هذا هذا العبد، والآخرُ الآخر

فأقول: لا تفسخُ القسمة، بل يُجْعَلُ هذا المستحقُّ كأن لم يكن، فإن

(1)

كان الباقي في يدِ كلِّ واحدٍ منهما بقدرِ نصيبِه، فلا رجوعَ لأحدِهما على صاحبه، وإن نقصَ من نصيبِ أحدِهما يرجعُ بالحصَّة، كما إذا كانت الدَّارُ نصفين، والمستحقُّ عشرة أذرعٍ خمسةٌ من نصيبِ هذا، وخمسةٌ من نصيب ذلك، فلا رجوع لأحدهما على صاحبه، وإن كانت أربعةً من هذا وستّةٌ من ذلك يرجعُ الثَّاني على الأوَّل بذراعٍ.

(وصحَّتْ المُهايأة): المُهايأةُ مفاعلةٌ من الهيئة، أو من التهيؤ، فكأنَّ أحدُهما يهيءُ الدَّار؛ لانتفاعِ صاحبِه، أو يتهيأ للانتفاع به، كما إذا فرغَ من انتفاعِ صاحبه.

(في سكون دار

(2)

هذا بعضاً من دار وهذا بعضاً، وهذا علوُّها وهذا سفلُها، أو

(3)

خدمة عبد هذا يوماً وهذا يوماً): أي خدمةُ عبد زيداً يوماً، وعمرواً يوماً، (كسكني بيت صغير): بأن يسكنَ فيه زيدٌ يوماً، وعمروٌ يوماً.

(وعبدين هذا هذا العبد، والآخرُ الآخر): أي يخدمُ زيداً هذا العبد، ويخدمُ عمراً العبدُ الآخر.

* * *

(1)

في ص: وإن.

(2)

زيادة من ج و ق.

(3)

في ج و ص و ف و ق: و.

ص: 73

‌كتاب المزارعة

هي عقدُ الزَّرع ببعضِ الخارج، ولا تصحُّ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وصحَّت عندهما، وبه يفتى، بشرط: صلاحيَّةِ الأرضِ للزَّرع. وأهليَّةِ العاقدين. وذكرِ المدَّة. وربِّ البذر. وجنسه. وقسطِ الآخر. والتَّخليةِ بين الأرضِ والعامل. والشَّركةِ في الخارج، فتبطلُ إن شرط؛ لأحدِهما قُفَزَانٌ مسمَّاة، أو ما يخرجُ من

كتاب المزارعة

(هي عقدُ الزَّرع ببعضِ الخارج، ولا تصحُّ عند أبي حنيفة رضي الله عنه)؛ لما روي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «نَهَى عن المخابرة»

(1)

؛ ولأنَّها استئجارُ الأرضِ ببعضِ ما يخرجُ من عملِه، فكان في معنى قفيز الطَّحان، (وصحَّت عندهما، وبه يفتى)؛ لتعاملِ النَّاس، وللاحتياجِ بها، والقياسِ على المضاربة.

(بشرط:

صلاحيَّةِ الأرضِ للزَّرع.

وأهليَّةِ العاقدين.

وذكرِ المدَّة.

وربِّ البذر.

وجنسه.

وقسطِ الآخر

(2)

.

والتَّخليةِ بين الأرضِ والعامل

(3)

.

والشَّركةِ في الخارج، فتبطلُ إن شرط؛ لأحدِهما قُفَزَانٌ مسمَّاة، أو ما يخرجُ

(1)

من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في «صحيح البخاري» (2: 839)، و «صحيح مسلم» (3: 1174)، وغيرهم.

(2)

أي نصيبُ من لا بذر؛ لأنّه أجرةُ عمله أو أرضه، فلا بدَّ أن يكون معلوماً. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 566).

(3)

حتى إذا اشترط في العقد ما ينعدم به التخلية مثل علم رب الأرض والنخيل مع المزارع أو بيع العامل لا يجوز. ينظر: «المحيط» (ص 64).

ص: 74

من موضعٍ معيَّن، وللآخر ما يخرج من موضع آخر، أو رَفَعَ ربُّ البذرِ بذرَه، أو رَفَعَ الخراج وتنصيف الباقي، أو التِّبْنَ لأحدِهما والحبُّ للآخر، أو تنصيفَ الحبِّ والتِّبنُ لغيرِ ربِّ البذر، أو تنصيفُ التِّبنِ والحبّ لأحدِهما، فإن شرطَ تنصيفَ الحبّ والتِّبنِ لصاحبِ البذر، أو لم يتعرضْ للتِّبنْ صحَّت، وكذا لو كانتِ الأرضُ والبذرُ لزيد والبقرُ والعملُ لآخر، أو الأرض، أو العمل له، والبقيّةُ لآخر. وبطلت لو كانت الأرضُ والبقرُ لزيد، أو البذرُ والبقرُ له، والآخران للآخر، أو البذرُ له والباقي لآخر

من موضعٍ معيَّن، (وللآخر ما يخرج من موضع آخر)

(1)

، أو رَفَعَ ربُّ البذرِ بذرَه، أو رَفَعَ الخراج وتنصيف الباقي)؛ هذا إذا كان الخراجُ خراجاً موظَّفاً، أمَّا إذا كان الخراجُ خراجَ مقاسمةٍ كالربعِ والخمس لا يفسدُ العقد، كما شرطَ رفعَ العشر؛ لأنَّ هذا لا يؤدّي إلى قطعِ الشَّركة.

(أو التِّبْنَ لأحدِهما والحبُّ للآخر)؛ لقطعِ الشَّركة فيما هو المقصود، (أو تنصيفَ الحبِّ والتَّبنُ

(2)

لغيرِ ربِّ البذر)؛ لأنَّه خلافُ مقتضى العقد، (أو تنصيفُ التِّبنِ والحبّ لأحدِهما)؛ لقطعِ الشَّركة في (ما هو)

(3)

المقصود، (فإن شرطَ تنصيفَ الحبّ والتِّبنِ لصاحبِ البذر، أو لم يتعرضْ للتِّبنْ صحَّت)؛ لأنَّ في الأوَّلِ الشَّرطَ مقتضى العقد، فإنّه نماءُ ملكه، وفي الثَّاني الشَّركةُ فيما هو المقصود حاصلُة، وحينئذٍ التِّبنُ لصاحبِ البذر، وعند البعضِ

(4)

مشتركٌ تبعاً للحبّ.

(وكذا لو كانتِ الأرضُ والبذرُ لزيد والبقرُ والعملُ لآخر، أو الأرض، أو العمل له، والبقيّةُ لآخر.

وبطلت لو كانت الأرضُ والبقرُ لزيد، أو البذرُ والبقرُ له، والآخران للآخر، أو البذرُ له والباقي لآخر)، اعلم أنَّها بالتَّقسيم العقليّ على سبعةِ أوجه؛ لأنَّه إمِّا أن

(1)

زيادة من ق.

(2)

رفع التبن عطفاً على تنصيف، وكذا قوله: والحبُّ لأحدهما. ينظر: «رد المحتار» (5: 176).

(3)

زيادة ص و ف و م.

(4)

وهم مشايخ بلخ، وما قاله صدر الشريعة هو ظاهر الرواية. ينظر:«الشرنبلالية» (2: 326)، و «رد المحتار» (5: 176). وفي «الدر المختار» (5: 176): وفي «شرح الوهبانية» : عن «القنية» : المزارع بالربع لا يستحق من التبن شيئاً وبالثلث يستحق النصف.

ص: 75

وإذا صحَّت، فالخارج على الشَّرط، ولا شيءَ للعاملِ إن لم يخرج، ويُجْبَرُ مَن أبى عن المُضِيِّ إلاَّ ربَّ البذر، ومتى فسدتْ فالخارجُ لربِّ البذر، وللآخرِ أجرُ مثل أرضه، أو عملِه، ولا يزادُ ما على شرط، ولو أبى ربُّ البذرِ والأرضِ وقد كرب العامل، فلا شيءَ له حكماً، ويسترضى ديانة. وتبطلُ بموتِ أحدِهما، وتفسخُ بدينِ محوجٍ إلى بيعها، فإن مضَتِ المدَّةُ ولم يدركِ الزُّرعُ فعلى العاملِ أجرُ مثل نصيبه من الأرض حتَّى

يكونَ الواحدُ من أحدِهما، والثَّلاثةُ من آخر، وهذا على أربعةِ أوجه، وهو إمِّا أن يكونَ الأرض، أو العمل، أو البذر، أو البقر من أحدِهما، والباقي من الآخر، والأوَّلان جائزان، والثَّالثُ لا؛ لاحتمال الرِّبا، والرَّابعُ غيرُ مذكورٍ في «الهداية» ، وهو أيضاً

(1)

غيرُ جائز؛ لأنَّه استئجار البقر بأجرٍ مجهول.

وإمِّا أن يكونَ اثنان من أحدِهما، واثنانِ من الآخر، وهو على ثلاثةِ أوجه، وذلك إمِّا

(2)

أن يكونَ الأرضُ مع البذر، أو مع البقر، أو مع العملِ من أحدِهما، والباقيان من الآخر، والأوَّلُ جائزٌ دون الآخرين، إذ لا مناسبةَ بين الأرضِ والعمل

(3)

، وكذا بين الأرضِ والبقر، وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه جوازُ هذا.

(وإذا صحَّت، فالخارج على الشَّرط، ولا شيءَ للعاملِ إن لم يخرج، ويُجْبَرُ مَن أبى عن المُضِيِّ إلاَّ ربَّ البذر)؛ لأن المضي عليه لا يخلو عن ضرر، وهو إهلاك البذور، (ومتى فسدتْ فالخارجُ لربِّ البذر، وللآخرِ أجرُ مثل أرضه، أو عملِه، ولا يزادُ ما على شرط)، وعند محمَّد رضي الله عنه بالغاً ما بلغ.

(ولو أبى ربُّ البذرِ والأرضِ وقد كرب العامل، فلا شيءَ له حكماً، ويسترضى ديانة.

وتبطلُ بموتِ أحدِهما، وتفسخُ بدينِ محوجٍ إلى بيعها)، هذا قبل أن ينبتَ الزَّرعُ لكن يجبُ ديانةً أن يسترضي إذا عَمِلَ العامل، أمَّا إذا نَبَتَ الزَّرعُ ولم يستحصدْ لا يباعُ الأرضُ لتعلُّق حقِّ المزارع.

(فإن مضَتِ المدَّةُ ولم يدركِ الزُّرعُ فعلى العاملِ أجرُ مثل نصيبه من الأرض حتَّى

(1)

زيادة من أ ب و و م.

(2)

زيادة من أ و ف و م.

(3)

وقانون الفقهاء في معرفة التجانسِ والتناسبِ أنّ ما صدرَ فعله من القوى الحيوانيّة فهو جنسٌ واحد، كالعامل والثور، وما صدرَ من غيرها فهو جنسٌ آخر، كالبذرِ والأرض. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 566).

ص: 76

يدرك، ونفقةُ الزَّرعِ عليهما بالحصص، كأجرِ الحصّاد، والرَّفّاع، والدوس، والتَّذرية، فإن شُرِطَ على العاملِ فسدَت، وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه أنَّه يصحّ، ولزمه للتَّعامل، قال الإمامُ السَّرَخْسِيُّ رضي الله عنه: هو الأصحُّ في ديارنِا

يدرك): أي أجرُ مثل ما فيه نصيبُه

(1)

، (ونفقةُ الزَّرعِ عليهما بالحصص)، مثل أجرةِ السَّقي وغيرِهِ من العملِ يكون عليهما بقدر الحصَّة، (كأجرِ الحصّاد، والرَّفّاع

(2)

، والدوس

(3)

، والتَّذرية

(4)

)، فإنَّه يكون

(5)

عليهما بقدْرِ حصَّةِ كُلِّ واحدٍ منهما.

(فإن شُرِطَ على العاملِ فسدَت)؛ لأنَّهُ شرطٌ مخالفٌ لمقتضى العقد، فإنَّ الزَّرعَ إذ أدركَ انتهى العقد، (وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه أنَّه يصحّ): أي يصحُّ الشَّرط، (ولزمه للتَّعامل، قال الإمامُ السَّرَخْسِيُّ

(6)

رضي الله عنه: هو الأصحُّ في ديارنِا)

(7)

؛ لوقوع التَّعامل، فالحاصلُ أنَّ كُلَّ عملٍ قبل الإدراك، فهو على العامل، وما بعده فعليهما بالحِصَص. (والله أعلم)

(8)

.

* * *

(1)

لأن المزارع استوفى منفعة بعض الأرض لتربية حصته فيها إلى وقت الإدراك. ينظر: «درر الحكام» (2: 327).

(2)

الرَّفاع بفتح الراء المهملة وكسرها: أن يحملَ الزرعَ إلى البيدر. ينظر: «الشرنبلالية» (2: 327).

(3)

الدَّوس: وطءُ الزرعِ لإخراج الحبوب من غلافها. ينظر: «ذخيرة العقبى» (ص 567).

(4)

التذرية: تميّز الحبّ من التبن بالريح. ينظر: «حسن الدراية» (4: 84).

(5)

زيادة من أ.

(6)

في «المبسوط» (23: 37).

(7)

في «التنوير» (ص 208): وهو الأصح، وفي «الملتقى» (ص 183): وعليه الفتوى. ينظر: «الدر المختار» (5: 179).

(8)

زيادة من أ و ب و م.

ص: 77

‌كتاب المساقاة

هي دفعُ الشَّجرِ إلى مَن يصلحُهُ لجزءٍ من ثمرِه، وهي كالمزرعةِ حكماً، وخلافاً، وشروطاً، الإَّ المدَّة؛ فإنِّها تصحُّ بلا ذكرِها، وتقعُ على أوَّلِ ثمرٍ يخرج، وإدراكُ بِذْرِ الرَّطبةِ كإدراك الثَّمر

كتاب المساقاة

(هي دفعُ الشَّجرِ إلى مَن يصلحُهُ لجزءٍ من ثمرِه، وهي كالمزرعةِ حكماً، وخلافاً، وشروطاً)، فإنَّ حكمَ المساقاةِ حكمُ المزارعةِ في أنَّ الفتوى على صحَّتِها، وفي أنَّها باطلةٌ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه خلافاً لهما، وفي أنَّ شروطَها كشروطِها في كلِّ شرطٍ يمكنُ وجودُها في المساقاة، كأهليَّةِ العاقدين، وبيانِ نصيبِ العامل، والتَّخليةِ بين الأشجارِ وبين العامل، والشَّركةِ في الخارج، فأمَّا بيانُ البذرِ ونحوِه، فلا يمكنُ في المساقاة، وعند الشَّافِعِيِّ

(1)

رضي الله عنه المساقاة جائزة، والمزارعةُ إنِّما تجوزُ في ضِمْنِ المساقاة؛ لأنَّ الأصلَ هو المضاربة، والمساقاةُ أشبهه بها؛ لأنَّ الشَّركةَ في الرِّبح فقط، وفي المزارعةِ لا تجوزُ الشَّركة في مجرَّدِ الرِّبح، وهو ما زادَ على البذر.

(الإَّ المدَّة؛ فإنِّها تصحُّ بلا ذكرِها)، استحساناً؛ فإنَّ لإدراكِ الثَّمر وقتاً معلوماً، (وتقعُ على أوَّلِ ثمرٍ يخرج، وإدراكُ بِذْرِ الرَّطبةِ

(2)

كإدراك الثَّمر)، الرَّطبةُ بالفارسية: سيست تر، فإنَّه إذا دَفَعَ الرَّطبة مساقاةً لا يشترطُ بيان المدَّة، فيمتدُّ إلى إدراكِ بذر الرَّطبة؛ فإنَّه كإدراكِ الثَّمرِ في الشَّجر.

أقول: الغالبُ أنَّ البذرَ فيها غيرُ مقصود، بل يُحْصَدُ في كلِّ سنةٍ ستَّ مرَّات أو أكثر، فإن أريدَ البذرُ يحصد مرَّة، ويتركُ في المرَّة الثَّانية إلى أن يُدْركَ البذرَ ففيما لا يؤخذُ البذر ينبغي أن يقعَ على السنة الأولى: أي على السنة التي تنتهي الرَّطبة فيها بعد العقد.

(1)

ينظر: «التنبيه» (ص 82)، وغيره.

(2)

الرَّطبة؛ بالفتح: الاسفست، وفي (كتاب العشر): البقول غير الرطاب، فإنّما البقولُ مثل الكرَّاثّ، ونحو ذلك، والرِّطاب هو: القِثَّاء، والبطيخ، والباذنجان وما يجري مجراه، والأوّل هو المذكور فيما عندي من كتب اللغة فحسب. ينظر:«المغرب» (ص 190).

ص: 78

وذكر مدَّةٍ لا يخرجُ به الثَّمرُ فيها يفسدُها، ومدَّةٍ قد يبلغُ فيها وقد لا يصحّ، فلو خرجَ في وقتٍ سُمِّي فعلى الشَّرط، وإلا فللعاملِ أجرُ المثل، وتصحُّ في الكرم، والشَّجر، والرِّطاب، وأصولِ الباذنجان، والنَّخل وإن كان فيه ثمر وإلا مدركاً، كالمزارعة، فإن ماتَ أحدُهما، أو مضتْ مدَّتُها والثَّمر نيٌّ يقومُ العاملُ عليه أو وارثُه، وإن كَرِهَ الدَّافعُ أو ورثتُه

(وذكر مدَّةٍ لا يخرجُ به الثَّمرُ فيها يفسدُها، ومدَّةٍ قد يبلغُ فيها وقد لا يصحّ)

(1)

: أي ذكرُ مدَّةَ كذا يصحّ.

(فلو خرجَ في وقتٍ سُمِّي فعلى الشَّرط، وإلا فللعاملِ أجرُ المثل): أي ليعمل إلى إدراك الثَّمر.

(وتصحُّ في الكرم، والشَّجر، والرِّطاب

(2)

، وأصولِ الباذنجان، والنَّخل وإن كان فيه ثمر وإلا مدركاً، كالمزارعة)، هذا عندنا، وعند الشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه لا تصحُّ إلاَّ في الكرمِ والنخل، وإنِّما تصحُّ فيهما بحديثِ خيبر

(4)

، وفي غيرِهما بقي على القياس، وعندنا تصحُّ في جميعِ ما ذكرَ لحاجةِ النَّاس، ثُمَّ إذا صحَّتْ تصحُّ وإن كان الثَّمرُ على الشَّجر إلا أن يكونَ الثَّمر مدركاً؛ لأنَّه يحتاجُ إلى العملِ قبل الإدراكِ لا بعدَهُ كالمزارعة تصحُّ إذا كان بقلاً، ولا تصحُّ إذا استحصد، لكن إجارة الأرضِ لا تصِحُّ إلا وأن تكونَ خاليةً عن زرعِ المالك.

(فإن ماتَ أحدُهما، أو مضتْ مدَّتُها والثَّمر نيٌّ يقومُ العاملُ عليه أو وارثُه، وإن كَرِهَ الدَّافعُ أو ورثتُه): أي ماتَ العاملُ والثَّمرُ نيٌّ يقومُ ورثةُ العاملِ عليه وإن كرِهَ

(1)

أي ذكر مدة يتقَّين أنه لا يخرُجُ الثَّمَرُ فيها يفسدُ المساقاة؛ للتيقن بفوات المقصود، وهو الشركة في الثمر بخلاف مدّة قد يخرجُ الثمر فيها، وقد لا يخرج؛ لعدم التيقّن بفوات المقصود. ينظر:«فتح باب العناية» (2: 555).

(2)

الرِّطاب؛ البقول كالكُرَّاثِ والاسفاناخ ونحوهما. ينظر: «مجمع النهر» (2: 505).

(3)

في «التنبيه» (ص 82): ويجوز على الكرم والنخل، وفيما سواهما من الأشجار قولان.

(4)

وهو عن ابن عمر رضي الله عنه: «أنه دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها» ، وفي لفظ:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع» في «صحيح مسلم» (3: 1186 - 1187)، و «جامع الترمذي» (3: 666)، وغيرهما.

ص: 79

ولا تفسخُ إلاَّ بعذر، وكونُ العاملِ مريضاً لا يقدرُ على العمل، أو سارقاً يخافُ على سَعَفِه، أو ثمرِهِ عُذرٌ. ودفعُ فضاء مدَّةً معلومة؛ ليغرس، ويكونُ الأرضُ والشَّجر بينهما لا يصحّ، والثَّمر والغرسُ لربِّ الأرض، وللآخرِ قيمةُ غرسِهِ وأجرُ عملِه

الدَّافع، وإن ماتَ الدَّافعُ يقومُ العاملُ كما كان، فإن كَرِهَ ورَثَةُ الدَّافع استحساناً

(1)

دفعاً للضَّرر.

(ولا تفسخُ إلاَّ بعذر، وكونُ العاملِ مريضاً لا يقدرُ على العمل، أو سارقاً يخافُ على سَعَفِه

(2)

، أو ثمرِهِ عُذرٌ

(3)

.

ودفعُ فضاء

(4)

مدَّةً معلومة؛ ليغرس، ويكونُ الأرضُ والشَّجر بينهما لا يصحّ)؛ لاشتراطِ الشَّركةِ فيما هو حاصلٌ قبلَ الشَّركة، (والثَّمر والغرسُ لربِّ الأرض، وللآخرِ قيمةُ غرسِهِ وأجرُ عملِه)؛ لأنَّه في معنى قفيز الطَّحان؛ لأنَّه استئجار ببعض ما يخرجُ من عملِه، وهو نصفُ البُستان، وإنِّما لا يكون الغرسُ لصاحبِه؛ لأنَّه غرسَ برضاه ورضى صاحبِ الأرض، فصارَ تبعاً للأرض، وحيلةُ الجوازِ أن يبيعَ نصفَ الأغراسِ بنصفِ الأرض، ويستأجرَ صاحبُ الأرضِ العاملَ ثلاثَ سنين مثلاً بشيء قليل؛ ليعمل في نصيبه. (والله وأعلم)

(5)

.

* * *

(1)

والقياس أنّه قد انتقضت المساقاة بينهما، وكان البسرُ بين ورثة صاحبِ الأرضِ وبين العاملِ أنصافاً إن شرطا أنصافاً؛ لأنَّ صاحبَ الأرضِ يستأجرُ العاملَ ببعض الخارج، والإجارةُ تنتقضُ بموتِ أحد المتعاقدين. ينظر:«العناية» (9: 481).

(2)

السَّعَف: ورق جريد النخل الذي يسوَّى منه الزُّبُل والمراوح، وعن الليث: أكثر ما يقال له: السَّعَف إذا يبس، وإذا كانت رطبة فهي الشَّطْبة، وقد يقال للجريد نفسه سَعَف الواحدة سعفة. ينظر:«المغرب» (ص 225 - 226).

(3)

خبر المبتدأ الذي هو كون العامل. ينظر: «فتح باب العناية» (2: 555).

(4)

أي أرضاً بيضاء غير مغروسة. ينظر: «فتح باب العناية» (5: 555).

(5)

زيادة من أ و ب و م.

ص: 80

‌كتاب الذبائح

حَرُمَ ذبيحةٌ لم تذكَّ، وذكاةُ الضَّرورةِ جرحٌ أين كان من البدن، والاختيارُ ذبحٌ بين الحلقِّ واللَّبة، وعروقُهُ: الحلقوم، والمريء، والودجان، فلم يَجُزْ فوقَ العقدة

كتاب الذبائح

(حَرُمَ ذبيحةٌ لم تذكَّ)، أرادَ بالذبيحةِ حيواناً من شأنِهِ الذَّبحُ حتَّى يخرجَ السَّمكُ والجراد؛ إذ ليس من شأنِهما الذَّبح، وإنِّما حملْناهُ على ذلك لا على المعنى الحقيقيّ، إذ لو حُمِلَ على المعنى الحقيقي لكان المعنى حرم مذبوحٌ لم يذكَّ: أي لم يذكرْ اسمُ الله تعالى عليه، فلا يتناولُ حرمةَ ما ليس بمذبوح: كالمتردِّية، والنَّطيحة، ونحوهما، ولا ما إذا قَطَعَ من الحيوانِ الحيِّ عضو، وإذا حُمِلَ على المعنى المجازيّ، وهو ما من شأنِهِ أن يذبحَ يتناولُ الصُّورَ المذكورة.

ثُمَّ فَسَّرَ التَّذكيَّة بقوله: (وذكاةُ الضَّرورةِ جرحٌ أين كان من البدن، والاختيارُ ذبحٌ بين الحلقِّ واللَّبة)، اللَّبْةُ: المنحر من الصَّدر، (وعروقُهُ: الحلقوم، والمريء، والودجان

(1)

) الحلقومُ: مجرى النَّفس، والمريء: مجرى الطَّعام والشَّراب، وفي «الهداية»

(2)

عكسُ هذا، وهو سهوٌ من الكاتبِ أو غيرِه، (فلم يَجُزْ فوقَ العقدة) والبعضُ

(3)

أفتوا

(1)

الودجان؛ والودج والوداج: عرقٌ في العنق، وهما ودجان؛ أي عرقان، تحرّك فيهما الدم. ينظر:«الصحاح» (2: 674)

(2)

عبارة «الهداية» (4: 65): أما الحلقوم فيخالف المريء، فإنه مجرى العلف والماءن والمريء مجرى النفس.

(3)

دار اختلاف في هذه المسألة بين علماء المذهب:

فمنهم من أجاز مطلقاً سواء كان كان الذهب في وسطه أو أعلاه أو أسفله، وهو رواية الرستغفني وعليه مشى صاحب «درر الحكام» (2: 276) و «الملتقى» (2: 510)، والحصكفي في «الدر المختار» (5: 186).

ومنهم من جزم أنه لا بد أن يكون الذبح تحت العقدة، وعليه مشى المصنِّف والشارح وابن كمال باشا في «الإيضاح» (ق 151/ب)، والزيلعيّ في «التبيين» (5: 290).

وحرر ابن عابدين في «رد المحتار» (5: 187) المسألة فقال: والتحرير للمقام أن يقال: إن كان بالذبح فوق العقدة حصل قطع ثلاثة من العروق، فالحقّ ما قاله شرّاح «الهداية» تبعاً للرستغني، وإلا فالحق خلافه إذا لم يوجد شرط الحل باتفاق أهل المذهب، ويظهر ذلك بالمشاهدة أو سؤال أهل الخبرة، فاغتنم هذا المقال ودع عنك الجدال.

ص: 81

وحلَّ بقطعِ أيِّ ثلاثٍ منها، وبكلِّ ما أفرى الأوداج، وأنهرَ الدَّم ولو بليطة ومروة، إلا سنّاً وظفراً قائمين، وندبُ إحدادُ شفرتِهِ قبل الإضحاع، وكُرِهَ بعدَه، والجرُّ برجلِها الى المذابح

بالجواز؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «الذَّكاة بين اللَّبة واللحيين»

(1)

.

(وحلَّ بقطعِ أيِّ ثلاثٍ منها)، إقامةً للأكثر مقامَ الكلّ، (وبكلِّ ما أفرى

(2)

الأوداج، وأنهرَ الدَّم ولو بليطة ومروة)، اللِّيطةُ: قشرُ القصب، والمَرْوَةُ: الحجرُ الذي فيه حدَّة.

(إلا سنّاً وظفراً قائمين)، أمَّا إذا كان ملزومينِ تحلُّ الذَّبيحة عندنا لكن يكرَه، وعند الشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه الذَّبيحةُ ميتةٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما خلا الظُّفر والسِّن فإنِّهما مدى الحبشة»

(4)

، ونحنُ نحملُهُ على غيرِ المَنْزوع، فإنَّ الحبشةَ كانوا يفعلونَ ذلك.

(وندبُ إحدادُ شفرتِهِ قبل الإضحاع، وكُرِهَ بعدَه)؛ إرفاقاً بالمذبوح، (والجرُّ برجلِها الى المذابح)، قولُهُ: والجرُّ: بالرَّفع عطفٌ على الضَّميرِ في كُرِه، وهو جائزٌ

(1)

قال الزَّيلعيّ في «نصب الراية» (4: 185): غريب، وإنما في الدارقطنيّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى: ألا إن الذكاة في الحلق واللبة، قال ابن حجر في «الدراية» (2: 207): إسناده واهٍ، وقد أخرج ابن أبي شيبة في «مصنفه» (4: 255)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (4: 495) عن عمر رضي الله عنه وعن ابن عباس رضي الله عنه كذلك موقوفاً.

(2)

أي قطعها وشقَّها فأخرج ما فيها من دم. ينظر: «المغرب» (ص 360).

(3)

ينظر: «النكت» (ص 237)، وغيرها.

(4)

ورد بألفاظ قريبة منها عن رافع بن خديج رضي الله عنه قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لاقوا العدو غداً وليست معنا مدي قال صلى الله عليه وسلم: «أعجل أو أرني ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر، وسأحدثك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة» في «صحيح البخاري» (5: 2096)، و «صحيح مسلم» (3: 1053)، واللفظ له، و «سنن أبي دواد» (3: 102)، وغيرها. وينظر:«نصب الراية» (4: 186).

ص: 82

...................................................................................................................

لوجودِ الفصل، (وذبحُها من قفائِها

(1)

، والنَّخع): أي الذَّبحُ الشَّديدُ حتى يبلغَ النخاع

(2)

، وهو بالفارسية: حرام مغز، (والسَّلْخُ قبل أن تبرُد)

(3)

: أي يسكنَ عن الاضطراب.

(وشُرِطَ كونُ الذَّابح مسلماً، أو كتابيّاً: ذميّاً أو حربيّاً)

(4)

: قال الله تعالى:

(1)

الحلُّ مع الكراهةِ في الذبحِ من القفاء مختصٌّ إذا بقيت حيّةً حتى يقطعَ العروق، وإن ماتَ قبل قطعِ العروقِ لا تؤكل؛ لوجودِ الموت بلا ذكاة؛ لأن الكراهة فيه زيادةُ الألمِ من غير حاجة فصار كما إذا جرحها ثم قطع الأوداج. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 570).

(2)

وهو خيط أبيض في جوف عظم الرقبة، وفيه إشارة إلى أن قطع الرأس مكروه بالأولى. ينظر:«الشرنبلالية» (1: 277).

(3)

وهنا بحث نفيس لشيخ الإسلام محمد تقي العثماني حفظه الله يتعلّق بطرق الذبح الآلي في الدجاج والبقر والغنم يحسن ذكره، أما في الدجاج فإن فيه عدّة مآخذ من الناحية الشرعية:

غمس الدجاج قبل ذبحه في الماء البارد الذي فيه تيار من الكهرباء، فإنه لا يؤمن منه أن يموت الدجاج بالكهرباء.

تعذر التسمية على ما يذبح عن طريق السكّين الدوار.

الشبهة في قطع العروق في بعض الحالات.

ويمكن أن يختار الطريق الآلي للذبح الشرعي بطرق آتية:

أن يستغنى عغن طريق استعمال التيار الكهربائي للتخدير، أو يقع التأكد في خفّة قوته بحيث لا يسبب موته قبل الذبح.

أن يستعاض السكّين الدوار بأشخاص يقومون ويذبحون بالتسمية عند الذبح.

أن يكون الماء الذي تمر منه الدجاج بعد الذبح لا يبلغ إلى حدّ الغليان.

أما في البقر والغنم عليه مؤاخذتان:

الأولى: أن الطرق التي تستخدم للتخدير من إطلاق المسدّس، واستخدام الغاز من ثاني أكسيد الكربون، والصدمة الكهربائية لا يؤمن معها من موت الحيوان قبل الذبح، فيجب تعديل هذه الطرق إلى ما يقع التأكد من أنها ليست مؤلمة للحيوان، ومن أنها لا تسبب موته.

والثانية: أن الذبح قد لا يقع عن طريق قطع العروق.

فإذا وجدت الطمأنينة بإبعاد هذين الاحتمالين جاز استخدام الطريق الآلي للذبح. وتمامه في «بحوث في قضايا فقهية معاصرة» (ص 443 - 444).

(4)

المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى الذي يؤمنون بعقائدهم الأساسية، وإن كانوا يؤمنون بالعقائد الباطلة من التثليث والكفارة وغيرها. أما من لا يؤمن بالله ولا بالرسول والكتب السماوية، فهو من الماديين، وليس له حكم أهل الكتاب، وإن كان اسمه مسجلاً كنصراني أو يهودي.

وعليه: فإن اللحم الذي جهل ذابحه في بلاد المسلمين، يحمل على كونه ذكيّ بالطريقة الشرعية، ويحلّ أكله، إلا إذا ثبت أن ذابحه لم يذبحه بالطريقة الشرعية. والدليل على ذلك حديث

عائشة رضي الله عنها في ذبحائح الأعراب، وما يوجد في أسواق أهل الكتاب يعبتر من ذبائح أهل الكتاب، إلا إذا ثبت كون الذابح من غيرهم.

والنصارى اليوم خلعوا ربقة التكليف في قضيّة الذبح وتركوا أحكام دينهم، فلا يلتزمون بالطرق المشروعة، فلا تحلّ ذبائحهم اليوم إلا إذا ثبت في لحم بعينه أنه ذكّاه نصراني بالطريق المشروع. فلا يحلّ اللحم الذي يباع في أسواقهم ولا يعرف ذابحه.

وما يستورد من اللحوم من البلاد غير المسلمة لا يجوز أكلها، وإن كانت توجد عليها التصريح بأنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية، فإنه قد ثبت أن هذه الشهادات لا يوثق بها، والأصل في أمر اللحوم المنع. ينظر:«بحوث في قضايا فقهية معاصرة» (ص 443 - 444).

ص: 83

فحلَّ ذبيحتُهما ولو مجنوناً أو امرأةً أو صبيّاً يعقلُ ويضبط، أو أقلف، أو أخرس لا ذبيحة وَثَنِيٍّ ومجوسيٍّ ومرتدٍّ وتاركِ التسميةِ عمداً

{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}

(1)

؛ وذلك لأنَّهم يذكرونَ اسم الله تعالى عليها، (فحلَّ ذبيحتُهما ولو مجنوناً أو امرأةً أو صبيّاً يعقلُ ويضبط)، حتَّى ولو كان المجنونُ أو الصَّبيُّ بحيث لا يعقلُ ولا يضبطُ التَّسمية لا يحلُّ ذبيحتُهما، (أو أقلف، أو أخرس لا ذبيحة وَثَنِيٍّ ومجوسيٍّ ومرتدٍّ وتاركِ التسميةِ عمداً)، هذا عندنا؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}

(2)

خلافاً للشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه، وأقوى حجَّة قولُهُ تعالى:{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} إلى قولِهِ تعالى: {أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ}

(4)

، فيحملُ قوله تعالى:{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْق}

(5)

على ما أهلَّ لغيرِ اللهِ به بقرينةِ قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْق} ، وأيضاً إذا لم يوجدْ هذا في المُحْرَّمِ يكونُ حلالاً.

قلنا: لا ضرورةَ في الحملِ فإذا لم يحملْ فيكون {قُلْ لا أَجِدُ} نازلاً قبل قولِهِ

(6)

: {وَلَا تَأْكُلُوا} ؛ لئلا يلزم الكذب.

(1)

من سورة المائدة، الآية (5).

(2)

من سورة الأنعام، الآية (121).

(3)

ينظر: «النكت» (ص 235).

(4)

من سورة الأنعام، الآية (145).

(5)

من سورة الأنعام، الآية (121).

(6)

زيادة من أ و م.

ص: 84

فإن تركَها ناسياً حَلَّ لعذرِ النِّسيان، وكُرِهَ أن يذكرَ مع اسمِ اللهِ تعالى غيرُهُ وصلاً لا عطفاً، كقوله: بسمِ الله اللَّهُمَّ تقبَّلْ من فلان، وحرم الذَّبيحةُ إن عُطِفَ نحو: بسم الله، واسم فلان، أو فلان، فإن فصلَ صورةً ومعنىً كالدُّعاء قبل الإضجاع، وقبل التَّسمية لا بأس به. وحُبِّبَ نَحْرُ الإبل وكُرِهَ ذَبْحُها، وفي البقرِ والغنم عكسُه، ولَزِمَ ذبحُ صيدٍ استأنس، وكفى جرحُ نَعَمٍ تَوَحَّش، أو سَقَطَ في بئر ولم يُمْكِنْ

(فإن تركَها ناسياً حَلَّ لعذرِ النِّسيان)، قال الله تعالى:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}

(1)

، فقولُهُ صلى الله عليه وسلم:«تسمية الله تعالى في قلب كلّ مسلم»

(2)

يحملُ على حالةِ النِّسيان، وعند مالك

(3)

رضي الله عنه: لا يحلُّ في النِّسيان أيضاً.

(وكُرِهَ أن يذكرَ مع اسمِ اللهِ تعالى غيرُهُ وصلاً لا عطفاً، كقوله: بسمِ الله اللَّهُمَّ تقبَّلْ من فلان

(4)

، وحرم الذَّبيحةُ إن عُطِفَ نحو: بسم الله، واسم فلان، أو فلان): أي باسم الله وفلان، (فإن فصلَ صورةً ومعنىً كالدُّعاء قبل الإضجاع، وقبل التَّسمية لا بأس به.

وحُبِّبَ نَحْرُ الإبل وكُرِهَ ذَبْحُها، وفي البقرِ والغنم عكسُه)، هذا عندنا، وعند مالك

(5)

رضي الله عنه إن ذبحَ الإبل أو نحر البقر والغنم لا يحلّ.

(ولَزِمَ ذبحُ صيدٍ استأنس، وكفى جرحُ نَعَمٍ تَوَحَّش، أو سَقَطَ في بئر ولم يُمْكِنْ

(1)

من سورة البقرة، الآية (286).

(2)

في «رسالة لطيفة في أحاديث متفرّقة ضعيفة» لابن قدامة (ص 46)، بلفظ:«اسم الله في قلب كل مسلم» .

(3)

المصرح به في كتب المالكية خلاف ذلك، ففي «مختصر خليل» (ص 78): وتسمية إن ذَكَر. وينظر: «التاج والإكليل» (4: 239)، و «منح الجليل» (2: 430)، وغيرهما.

(4)

لأن الشركة لم توجد، فلم يكن الذبح لغير الله فلا يحرم، ولكن يكره؛ لوجود القران في الصورة فيُنَزَّه لكمال الاحتياط. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 62).

(5)

في كتب المالكية تفصيل، ففي «التاج والإكليل» (4: 330): قال مالك: لا يذبح ما ينحر ولا ينحر ما يذبح خلا البقر، فإن النحر والذبح فيها جائز. واستحبّ مالك فيها الذبح قال مالك: والغنم تذبح ولا تنحر، والإبل تنحر ولا تذبح، فإن نحرت الغنم أو ذبحت الإبل من غير ضرورة لم تؤكل.

ص: 85

ذبحُه، ولا يَحِلُّ جنينٌ ميْتٌ وُجِدَ في بطن أمِّه، ولا ذو ناب أو مخلبٍ من سَبُع أو طير، ولا الحشرات، والحمر الأهليَّة، والبغل، والخيل، والضَّبع، والزُّنبور، والسُّلحفاة، والأبقع الذي يأكلُ الجيف، والغِذاف، والفيل، واليربوع، وابن

ذبحُه

(1)

)

(2)

، هذا عندنا، وعند مالك

(3)

رضي الله عنه لا يحلُّ إلا بالذَّكاة الاختياريَّة.

(ولا يَحِلُّ جنينٌ ميْتٌ وُجِدَ في بطن أمِّه)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما وعند الشَّافِعِيِّ

(4)

رضي الله عنه إذا تَمَّ خَلْقُه أُكِل، وذكاةُ الأمِّ ذكاةٌ له، (ولا ذو ناب أو مخلبٍ من سَبُع أو طير، ولا الحشرات

(5)

، والحمر الأهليَّة، والبغل، والخيل، والضَّبع

(6)

، والزُّنبور

(7)

، والسُّلحفاة، والأبقع الذي يأكلُ الجيف، والغِذاف

(8)

، والفيل، واليربوع

(9)

، وابن

(1)

أي وعلم موته بالجرح أو أشكل؛ لأن الظاهر أن الموت منه وإن علم أنه لم يمت من الجرح لا يؤكل. ينظر: «الشرنبلالية» (1: 280).

(2)

لأن ذكاة الاضطرار إنما يصار إليها عند العجز عن ذكاة الاختيار، والعجز موجد في الثاني لا الأول. ينظر:«الدرر» (1: 280).

(3)

ينظر: «شرح الخرشي» (3: 9)، و «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (2: 103)، و «منح الجليل» (2: 420)، وغيرها.

(4)

ينظر: «النكت» (ص 239)، وغيرها.

(5)

ينظر: «مواهب الجليل» (3: 220)، و «الفواكه الدواني» (1: 385)، وغيرها.

(6)

الضبع: حيوان قليل العدو، قبيح المنظر، ينهش القبور ويخرج الجيف، والعرب تزعم أنها لا تأكل إلا لحوم الشجعان. ينظر:«عجائب المخلوقات» (2: 234). «خريدة العجائب» (ص 204)

(7)

الزُّنبور: وهو صنفان جبلي وسهلي يأوي الجبال وتعشش في الشجر، ولونه إلى السواد، ويتخذ بيوتاً من تراب كبيوت النحل، وغذاؤه من الثمار والأزهار، ويتميَّز ذكورها من إناثها بكبر الجثة، والسهلي لونه أحمر ويتخذ عشه تحت الأرض، ويخرج من التراب كما يفعل النمل، ويختفي في الشتاء، وتمامه في «حياة الحيوان» (2: 9).

(8)

الغِذاف: وهو غراب القيد، وجمعه غِدفان، وربما سمَّوا النسر الكثير الريش غداف، قال ابن فارس: الغداف: هو الغراب الضخم، وقال العبدري: هو غراب صغير أسود لونه كلون الرماد. ينظر: «حياة الحيوان» (2: 172).

(9)

اليربوع: حيوان طويل الرجلين قصير اليدين جداً وله ذنب كذنب الجرد لونه كلون الغزال، يسكن بطن الأرض؛ لتقوم رطوبتها له مقام الماء، وهو يجتر ويبعر. ينظر:«حياة الحيوان» (2: 408 - 409).

ص: 86

عرس، ولا حيوان مائي سوى سمك لم يطفُ، والجريث، والمارماهيّ، وحلَّ الجرادُ وأنواعُ السَّمكِ بلا ذكاة، وغرابُ الزَّرع، والأرنب، والعقعقُ معها

عرس

(1)

، ولا حيوان مائي سوى سمك لم يطفُ، والجريث، والمارماهيّ)، النَّاب: بالفارسية: دندان نيش، وذو ناب: حيوانٌ يَنْتَهِبُ بالنَّاب، وذو المخلبِ: طائرٌ يختطفُ بالمخلب، وفي الحمرِ الأهليَّة خلافُ مالك

(2)

رضي الله عنه، وفي الخيل خلافُهما، وخلافُ الشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه، ولنا: قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا}

(4)

الآية، وفي الضَّبع خلافُ الشَّافِعِيّ رضي الله عنه، وهو بالفارسيَّة: كفتار، والسُّلحفاة: سنك بشت، والأبقع: كلاغ بيشه، والغذاف: كلاغ سياه بزرك، واليربوع: موش دشتى، وهو حلالٌ عند الشَّافِعِيِّ

(5)

رضي الله عنه، وابن عرس: راسو.

قولُهُ: لم يطفُ من الطَّفو، أي لم يعلّ على الماء ميْتاً حتَّى، إن طفى الماء

(6)

ميتاً حَرُم، والجريث: نوعٌ من السَّمك، وهو غير المارماهي. كذا في «المغرب»

(7)

.

(وحلَّ الجرادُ وأنواعُ السَّمكِ بلا ذكاة، وغرابُ الزَّرع، والأرنب، والعقعقُ

(8)

معها): أي مع الذَّكاة.

* * *

(1)

ابن عرس: وهو حيوان دقيق طويل، وهو عدوّ الفأر يدخل جحرها ويخرجها، ويحبُّ الحلي والجواهر ويسرقها، وتمامه في «عجائب المخلوقات» (2: 214).

(2)

قال الباجي: في كراهة أكل لحوم الحمر الأهلية وحرمتها روايتان. ينظر: «التاج والإكليل» (4: 356)، وغيره.

(3)

ينظر: «النكت» (ص 248)، وغيرها.

(4)

من سورة النحل، الآية (8).

(5)

ينظر: «النكت» (ص 248)، وغيرها.

(6)

زيادة من أ و ب و م.

(7)

المغرب» (ص 79).

(8)

العقعق: وهو طائر على قدر الحمامة، وهو على شكل الغراب وجناحاه أكبر من جناحي الحمامة، وهو ذو لونين أبيض وأسود، طويل الذنب. ينظر:«حياة الحيوان» (2: 148). «خريدة العجائب» (ص 208).

ص: 87

‌كتاب الأضحية

هي شاةٌ من فردٍ، وبقرةٌ أو بعيرٌ منه إلى سَبْعة إن لم يكنْ لفردٍ أقلُّ من سُبع، ويُقْسَّمُ اللَّحْمُ وزناً لا جزافاً إلاَّ إذا ضُمَّ معه من أكارعِه أو جلدِه، وصحَّ اشتراكُ ستَّةٍ في بقرةٍ مشريَّةٍ لأضحيةٍ استحساناً، وذا قبل الشَّراء أحبّ، ولا تجب إلاَّ على مَن عليه الفطرة

كتاب الأضحية

(هي شاةٌ من فردٍ، وبقرةٌ أو بعيرٌ منه إلى سَبْعة إن لم يكنْ لفردٍ أقلُّ من سُبع)، حتَّى لو كان لأحد السَّبعة أقلُّ من السُّبع لا يجوزُ عن أحد؛ لأنَّ وَصف القُرْبة لا يتجزّئ، وعند مالكٍ

(1)

رضي الله عنه عن أهل بيت واحد وإن كانوا أكثر من سَبعة، ولا يجوزُ عن أهلِ بيتينِ وإن كانوا أقلَّ من سبعة.

(ويُقْسَّمُ اللَّحْمُ وزناً لا جزافاً إلاَّ إذا ضُمَّ معه من أكارعِه أو جلدِه): أي يكونُ مع اللَّحمِ أكارع أو جلد، ففي كلِّ جانبٍ شيءٌ من اللَّحمِ وشيءٌ من الأكارع، أو يكون في كلِّ جانبٍ شيءٌ من اللَّحْم، وبعضُ من

(2)

الجلد، أو يكونَ في جانبٍ لَحْمٌ وأركاع، وفي آخر لحمٌ وجلد، وإنِّما يجوزُ صَرْفاً للجنس إلى خلافِ الجنس.

(وصحَّ اشتراكُ ستَّةٍ في بقرةٍ مشريَّةٍ لأضحيةٍ استحساناً)، وفي القياس لا يجوز، وهو قولُ زُفَر رضي الله عنه؛ لأنَّه أعدَّها للقُرْبة، فلا يجوزُ بيعُها، وجه الاستحسان: قد يَجِدُ بقرةً سمينة، ولا يجدُ الشُّركاء وقت البيع، فالحاجةُ ماسَّةٌ إلى هذا، (وذا قبل الشَّراء أحبّ)، ذا إشارةٌ إلى الاشتراك، وعن أبي حنيفةَ رضي الله عنه يُكْرَهُ الاشتراك بعد الشِّراء.

(ولا تجب إلاَّ على مَن عليه الفطرة)، وقد مَرَّ في الفطرة، وإنِّما تجبُ لقوله صلى الله عليه وسلم:«مَن وَجد سعة ولم يضح، فلا يَقْربَّنْ مُصلاَّنا»

(3)

.

(1)

ينظر: «المدونة» (1: 469)، «المنتقى» (3: 96)، وغيرهما.

(2)

زيادة من ص و ف.

(3)

من حديث أبي هريرة في «مسند أحمد» (2: 321)، و «سنن ابن ماجه» (2: 1044)، و «سنن البيهقي الكبير» (3: 77)، و «سنن الدارقطني» (4: 285)، و «المستدرك» (4: 258)، قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ينظر: «نصب الراية» (4: 207)، و «الدراية» (2: 213)، و «التحقيق» (2: 160)، وغيرها.

ص: 88

لنفسِه لا لطفلِه في ظاهرِ الرِّواية، بل يضحي عنه أبوه أو وصيُّهُ من مالِه، وأكلَ منه الطِّفل، وما بقي يُبَدَّلُ بما ينتفعُ بعينِه، وأوَّلُ وقتِها بعد الصَّلاة إن ذُبِحَ في مصر، وبعد طلوعِ فَجْرِ يومِ النَّحر إن ذُبِحَ في غيرِه، وآخره قبيلَ غروبِ اليومِ الثَّالث

وعند الشَّافِعِيِّ

(1)

رضي الله عنه هي سُنْةٌ (لنفسِه لا لطفلِه في ظاهرِ الرِّواية)، وفي روايةِ الحَسَن رضي الله عنه عن أبي حنيفة رضي الله عنه تَجِبُ لطفلِه كما في الفطرة، قلنا: سببٌ الفطرةِ رأس يموِّنُه

(2)

ويلي عليه

(3)

، (بل يضحي عنه أبوه أو وصيُّهُ من مالِه)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأبي يوسفَ رضي الله عنه، وقال محمَّدٌ رضي الله عنه والشَّافِعِيُّ

(4)

رضي الله عنه: يضحِّ عنه أبوه من مالِ نفسِه لا من مالِه.

(وأكلَ منه الطِّفل، وما بقي يُبَدَّلُ بما ينتفعُ بعينِه): كالثَّوب، والخفّ لا بما يُنْتَفَعُ به بالاستهلاك كالخبز، ونحوه، وإنِّما يجوزُ أن يُبَدِّلَ بذلك لا بهذا قياساً على الجلد، فإنّ الجلدَ يجوزُ أن يُنْتَفَعُ به بأن يُتّخَذَ جراباً، فإنّه إذا بُدِّلَ بما ينتفعُ بعينِه، فللبدلِ حكمُ المبدل، فهو كالانتفاعِ بعينِه؛ لكن التَّبديلَ بالدَّراهم تموّل، وما ينتفعُ به بالاستهلاكِ في حكمِ الدَّراهم، فإذا كان الحكمُ في الجلدِ هذا قاسُوا عليه اللَّحم إذا كان للصَّبيِّ ضرورة.

(وأوَّلُ وقتِها بعد الصَّلاة إن ذُبِحَ في مصر): أي بعد صلاةِ العيدِ يومَ النَّحر، (وبعد طلوعِ فَجْرِ يومِ النَّحر إن ذُبِحَ في غيرِه، وآخره قبيلَ غروبِ اليومِ الثَّالث)، فالمعتبرُ في هذا المكانِ الفعلُ لا مكانَ مَن عليه، لكنَّ الأضحية لا تَجِبُ على المسافر، كذا في «الهداية»

(5)

، وعند مالك

(6)

رضي الله عنه، والشَّافِعِيِّ

(7)

رضي الله عنه: لا تُجوزُ بعد الصَّلاة قبلَ نَحْرِ الإمام، وتجوز عند الشَّافِعِيّ

(8)

رضي الله عنه في أربعةِ أيَّام.

(1)

ينظر: «النكت» (ص 211)، وغيرها.

(2)

من مانَ يمونُ موناً: إذا حملَ مؤنته، وقام بكفايته. ينظر:«الصحاح» (ص 521)

(3)

من الولاية، وهما موجودان في الصغير بخلاف الأضحية، فإنّها عبادةٌ وقربةٌ محضة، والأصلُ فيها أن لا يجبَ على الغيرِ بسبب الغير؛ ولهذا لا يجبُ عن عبده، وإن كان تجب عنه صدقةُ الفطر. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 573).

(4)

ينظر: «التنبيه» (ص 58)، وغيره.

(5)

الهداية» (4: 70).

(6)

ينظر: «المدونة» (1: 481)، وغيرها.

(7)

ينظر: «النكت» (ص 214)، وغيرها.

(8)

ينظر: «النكت» (ص 216)، وغيرها.

ص: 89

واعتبر الآخر للفقير وضدَّه، والولادة والموت، وكره الذَّبْحُ ليلاً، فإن تركت، ومضتْ أيَّامُها تصدَّقُ النَّاذرُ، وفقيرٌ شراها للأضحية بها حيَّةً، والغنيُّ بقيمتِها شراها أو لا، وصحَّ الجذعُ من الضَّأن، والثَّنيُّ فصاعداً من الثَّلاثة، وهو ابن خمسنٍ من الإبل وحولينِ من البقرِ وحولٍ من الشَّاة

(واعتبر الآخر للفقير وضدَّه، والولادة والموت): أي إذا كان غنيّاً في أوَّلِ الأَيَّام فقيراً في آخرِها لا تَجِبُ عليه، (وعلى العكس تجب)

(1)

، وإن وُلِدَ في اليوم الآخرِ تَجِبُ عليه، وإن ماتَ فيه لا تَجِبُ عليه.

(وكره الذَّبْحُ ليلاً

(2)

، فإن تركت): أي التَّضحيةُ، (ومضتْ أيَّامُها تصدَّقُ النَّاذرُ، وفقيرٌ شراها للأضحية بها حيَّةً، والغنيُّ بقيمتِها شراها أو لا)

(3)

، المرادُ أنَّه نذرَ أن يُضَحِّي بهذه الشَّاة، فإنِّه حينئذٍ يتعلَّقُ بالمحلّ، والفقيرُ إنِّما يجبُ عليه بالشَّراء بنيَّةِ الأضحية، فأمَّا الغنيُّ فالواجبُ يتعلَّق بذمتِه شَرَى الشَّاة أو لا.

(وصحَّ الجذعُ من الضَّأن)، الجذعُ شاةٌ لها ستّةُ أشهر، والضأن ما تكونُ له إلية، (والثَّنيُّ فصاعداً من الثَّلاثة): أي من الشَّاة أعمَّ من أن يكونَ ضأناً أو معزاً، ومن البقرِ ومن الإبل، (وهو ابن خمسنٍ من الإبل وحولينِ من البقرِ وحولٍ من الشَّاة)، قيل: الثَّنايا ابنُ حول، وابن ضعف، وابن خمسٍ من ذوي ظلف وخفّ

(4)

(1)

زيادة من أ و م، وفي ف: وفي عكسه تجب.

(2)

المراد بها الليلتان المتوسطتان لا غير، إلا أنّ الذبحَ في الليالي مكروه؛ لاحتمالِ الغلطِ في المذبح، أو في الشاةِ في أنّها له أو لغيره في ظلمة الليل. ينظر:«الهداية» (4: 73).

(3)

بيان المسألة: أي إن تركت حتى مضت أيام التضحية تصدق بالأضحية نفسها حيّة، من كان في ملكه شاة وقال لله علي أن أضحي بهذه الشاة تصدق بها، أيضاً فقير شرى أضحية للتضحية فإنها تجب على الفقير بالشراء بنية التضحية، وتصدق بقيمة الأضحية من كان غنياً اشترى أو لم يشتر؛ لأنها واجبة على الغني، فإذا فات الوقت وجب عليه التصدّق إخراجاً له عن العهدة كالجمعة تقضى بعد فواتها ظهراً، والصوم بعد العجز فدية. ينظر:«درر الحكام» (1: 268 - 269).

(4)

الثنايا جمع الثنى، والمرادُ بابنِ حولٍ يعني ابن سنةٍ واحدة هو الغنم.

وابنُ ضعفٍ: يعني مضاعفَ سنةً واحدة وهو البقر.

وابنُ خمسٍ: هو الإبل.

والظِلف بكسر الظاء المعجمة وسكون اللامِ مختصٌّ بالبقرِ والغنم.

والخفُّ مختصٌّ بالإبل، وهو بالفارسيّ: موزه اشتر، كأنّه عبارةٌ عمّا يقومُ مقامَ ظفره، وفيه لفّ ونشرٌ مرتَّب كما لا يخفى. ينظر:«حسن الدراية» (4: 93).

ص: 90

كالجماءِ والخصي والثَّولاء دون العمياء، والعوراء، والعجفاء، والعرجاء التي لا تمشي إلى المَنْسَك، ومقطوعٌ يدُها، أو رجلُها، وما ذَهَبَ أكثرُ من ثُلُث أُذنِها، أو ذَنبِها أو عَيْنِها، أو إليتِها، فإن ماتَ أحدُ سبعة، وقال: ورثتُه اذبحوها عنه وعنكم صحّ: كبقرةٍ عن أضحية ومتعة وقران، وإن كان أحدُهم كافراً، أو مريد اللحم لا، ويأكلُ منها ويؤكلُ ويَهَبُ مَن يشاء، ونُدِبَ التَّصدُّق بثلثِها وتركِه لذي

(كالجماءِ والخصي والثَّولاء دون العمياء، والعوراء، والعجفاء، والعرجاء التي لا تمشي إلى المَنْسَك

(1)

)، الجماءُ: التي لا قرنَ لها، والثَّولاء: المجنونة

(2)

، والعوراء: ذات عينٍ واحدة، وقد قيَّدت العجفاء: بأنَّها لا تنقى: أي ما يكون عجفُها إلى حدٍّ لا يكون في عظامها نقى أي مخ.

(ومقطوعٌ يدُها، أو رجلُها، وما ذَهَبَ أكثرُ من ثُلُث أُذنِها، أو ذَنبِها أو عَيْنِها، أو إليتِها)، هذه روايةُ «الجامع الصغير»

(3)

، وقيل: الثُلث، وقيل: الرُّبع، وعندهما إن بقي أكثر من النَّصف أجزأه، ثم طريقِ معرفةِ ذهابِ ثُلثِ العين، أن يَشُدَّ العين الماؤفة، فيقرِّبُ إليها العلف إذا كانت جائعة، فينظرُ أنَّها من أي مكانٍ رأت العلَف، ثُمَّ تشدُّ العين الصَّحيحة، ويقرِّبُ إليها العَلَف، فينظرَ أنَّها من أيِّ مكانٍ رأت العَلَف، فينظرُ إلى تفاوتِ ما بينَ المكانين، فإن كان ثُلثاً، فقد ذَهَبَ الثُلث، وهكذا.

(فإن ماتَ أحدُ سبعة، وقال: ورثتُه اذبحوها عنه وعنكم صحّ)، وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه أنَّه لا يصحّ، وهو القياس؛ لأنَّه تَبَرّعٌ بالإتلاف، فلا يجوزُ عن الغيرِ كالإعتاق عن الميِّت، وجه الاستحسان: أن القُرْبة قد تقعُ عن الميْتِ كالتَّصدقِ بخلافِ الإعتاق، فإنّ فيه إلزامُ الولاءِ على الميِّت، (كبقرةٍ عن أضحية ومتعة وقران

(4)

، وإن كان أحدُهم كافراً، أو مريد اللحم لا)؛ لأنَّ البعضَ ليس بقربة وهي لا تتجزأ.

(ويأكلُ منها ويؤكلُ ويَهَبُ

(5)

مَن يشاء، ونُدِبَ التَّصدُّق بثلثِها وتركِه لذي

(1)

المَنْسَك: المذبح. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 29).

(2)

لأن العقل غير مقصود وإنما المقصود اللحم، وإنما يجوز إذا كانت سمينة ولم يكن بها ما يمنع الرعي، وإن كانت بخلاف ذلك لا يجزيه. ينظر:«حاشية اللكنوي على الجامع الصغير» (ص 473).

(3)

الجامع الصغير» (ص 473).

(4)

لاتحاد المقصود وهو القربة وإن اختلفت جهاتها. ينظر: «فتح باب العناية» (3: 77).

(5)

كأن الأوّل يشعرُ إلى جواز طعام الفقراء، والثاني إلى الأغنياء كما لا يخفى. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 574).

ص: 91

عيال؛ توسعةً عليهم، والذَّبحُ بيدِه إن أحسن، وإلا أمرَ غيرَه، وكُره إن ذبحَها كتابيّ، ويتصدَّقُ بجلدِها، أو يعملُه آلةً كجراب، أو خفّ، أو فرو، أو يبدله بما ينتفعُ به باقياً لا بما ينتفعُ به مستهلكاً كخل ونحوه، فإن بيعَ اللَّحم أو الجلد تصدَّقَ بثمنِه. ولو غلطَ اثنان، وذَبَحَ كلٌّ شاةَ صاحبِه صحَّ بلا غُرْم، وصحَّتِ التَّضحيةُ بشاةِ الغصبِ لا الوديعة، وضمنَها

عيال؛ توسعةً عليهم، والذَّبحُ بيدِه إن أحسن، وإلا أمرَ غيرَه، وكُره إن ذبحَها كتابيّ، ويتصدَّقُ بجلدِها، أو يعملُه آلةً كجراب، أو خفّ، أو فرو، أو يبدله بما ينتفعُ به باقياً لا بما ينتفعُ به مستهلكاً كخل ونحوه

(1)

، فإن بيعَ اللَّحم أو الجلد تصدَّقَ بثمنِه.

ولو غلطَ اثنان، وذَبَحَ كلٌّ شاةَ صاحبِه صحَّ بلا غُرْم)، وفي القياسِ أن لا يصحّ، ويضمنُ لأنَّه ذَبَحَ شاةَ غيرِه بغيرِ أمرِه، وجه الاستحسان: أنّها تعيَّنَت للأضحية، ودلالةُ الإذن حاصلة، فإنَّ العادةَ جرت بالاستعانة بالغير في أمر الذَّبح.

(وصحَّتِ التَّضحيةُ بشاةِ الغصبِ لا الوديعة، وضمنَها)؛ لأنَّ في الغصبِ يثبتُ الملك من وقت الغصب، وفي الوديعةِ يصيرُ غاصباً بالذَّبح في غير الملك.

أقول: بل يصيرُ غاصباً بمقدِّمات الذَّبح كالإضجاع وشدِّ الرِّجل، فيكون غاصباً قبل الذبح

(2)

.

(1)

أي ينتفع به مع بقاء ما ينتفع به استحساناً كغربال؛ لأن للبدل حكم المبدل، ولا يشتري به ما لا ينتفع به إلا بعد الاستهلاك كخل وشبهه، ولا يبيعه بالدراهم لينفق الدراهم على نفسه وعياله. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 521).

(2)

قال صاحب «الدرر» (1: 272) بعد نقل كلام صدر الشريعة هذا: حقيقة الغصب كما تقرر في موضعه إزالة اليد المحقّة بإثبات اليد المبطلة، وغاية ما يوجد في الإضجاع وشد الرجل إثبات اليد المبطلة، ولا يحصل به إزالة اليد المحقّة وإنما يحصل ذلك بالذبح كما ذهب إليه الجمهور. انتهى.

ص: 92

‌كتاب الكراهية

ما كُرِهَ حرامٌ عند محمَّدِ رضي الله عنه ولم يلفظ به لعدم النصّ القاطع، وعندهما إلى الحرام أقرب.

‌فصل [في الأكل والشرب]

الأكلُ فرضٌ إن دَفَعَ به هلاكَه، ومأجورٌ عليه إن مكَّنَهُ من صلاتِه قائماً ومن صومِه، ومباحٌ إلى الشَّبع ليزيدَ قوَّته، وحرامٌ فوقَهُ إلا لقصدِ قوَّةِ صوم الغد، أو لئلا يستحيي ضيفه، وكُرِهَ لبنُ الأتان، وبولُ الإبل

كتاب الكراهية

(ما كُرِهَ حرامٌ عند محمَّدِ رضي الله عنه ولم يلفظ به لعدم النصّ

(2)

القاطع)

(3)

، فنسبةُ المكروه إلى الحرامِ كنسبةِ الواجبِ إلى الفرض، (وعندهما إلى الحرام أقرب)، المكروه عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأبي يوسف رضي الله عنه ليس بحرام، لكنَّه إلى الحرامِ أقرب

(4)

، وهذا هو المكروه كراهةَ تحريم، وأمَّا المكروهُ كراهةَ تنْزيهٍ فإلى الحلِّ أقرب.

فصل [في الأكل والشرب]

(الأكلُ فرضٌ إن دَفَعَ به هلاكَه، ومأجورٌ عليه إن مكَّنَهُ من صلاتِه قائماً ومن صومِه، ومباحٌ إلى الشَّبع ليزيدَ قوَّته، وحرامٌ فوقَهُ إلا لقصدِ قوَّةِ صوم الغد، أو لئلا يستحيي ضيفه، وكُرِهَ لبنُ الأتان، وبولُ الإبل)، أمَّا لبنُ الأتان: فحكمُهُ حُكْمُ لحمِه، وأمَّا بولُ الإبلِ فحرامٌ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعند أبي يوسف رضي الله عنه يَحِلُّ به التَّداوي لحديث العرنيين

(5)

، وعند محمَّد رضي الله عنه يَحِلُّ مطلقاً؛ لأنَّه لو كان حراماً لا يَحِلُّ به التَّداوي، قال صلى الله عليه وسلم:

وأجاب عنه صاحب «مجمع الأنهر» (2: 523): لكن الظاهر تحقق إزالة اليد المحقة بالإضجاع وشد الرجل للذبح فإنهما ليسا من أحكام الوديعة ولا من شان المودع، تأمل.

(2)

زيادة من ب و ج و م، وفي ج: نص.

(3)

فإذا استعمل الكراهة في كتبه أراد به الحرام. ينظر: «درر الحكام» (1: 309).

(4)

لتعارض الأدلة فيه، وتغليب جانب الحرمة فيه فيلزمه تركه وتكلموا في المكروه، والصحيح ما قاله الشيخان كما في «جواهر الفتاوى». ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 523).

(5)

عن أنس رضي الله عنه: (إن ناساً من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا فصحوا، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في إثرهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرّة حتى ماتوا) في «صحيح البخاري» (6: 2495)، و «صحيح مسلم» (3: 1296)، واللفظ له، وغيرهما.

ص: 93

والأكلُ والشَّربُ والإدّهانُ والتَّطيُّبُ من إناء ذهبٍ وفضّة، وحَلَّ من إناءِ رصاص، وزجاج، وبِلَّور، وعَقيق، ومن إناءٍ مفضّض، وجلوسُهُ على مفضّضٍ مُتَّقياً موضعَ الفضة

«ما وضع شفاؤكم فيما حرم عليكم»

(1)

، وأبو يوسف رضي الله عنه يقولُ: لا يبقى حينئذٍ حراماً للضَّرورة، وأبو حنيفةَ رضي الله عنه يقول: الأصلُ في البولِ الحرمة، وهو صلى الله عليه وسلم قد عَلِمَ شفاءَ العرنيين وحياً، وأمَّا في غيرِهم، فالشَّفاء فيه غيرُ معلومٍ فلا يحلّ.

(والأكلُ والشَّربُ والإدّهانُ والتَّطيُّبُ من إناء ذهبٍ وفضّة): أي للرِّجال والنِّساء، قال صلى الله عليه وسلم: «إنِّما يُجَرْجِرُ

(2)

في بطنِهِ نارَ جهنَّم»

(3)

.

(وحَلَّ من إناءِ رصاص، وزجاج، وبِلَّور

(4)

، وعَقيق

(5)

، ومن إناءٍ مفضّض

(6)

)، وعند الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه يُكْرَه، (وجلوسُهُ على مفضّضٍ مُتَّقياً موضعَ الفضة)، فقوله: وجلوسُهُ عَطْفٌ على الضَّميرِ في حَلّ، وهذا يجوزُ لوجودِ الفصل، فعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه الأكلُ والشُّربُ من الإناءِ المفضض، والجلوسُ على الكرسي، أو السَّرير، أو السَّرج، أو نحوه مفضضاً إنِّما يحلُّ إذا كان مُتَّقياً موضعَ الفضّة: أي لا يكون الفضةُ في موضعِ الفَم، وفي موضعِ اليدِ عند الأخذ، وفي موضعِ الجلوسِ على الكرسي، وعند أبي يوسف رضي الله عنه يُكْرَهُ مُطلقاً، ومحمَّد رضي الله عنه قد قيل: إنَّه مع أبي حنيفة رضي الله عنه، وقد قيل: إنَّه مع أبي يوسف رضي الله عنه.

(1)

رواه موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه البخاري في معلقات «صحيحه» (5: 2129)، والحاكم (4: 424)، ورفعه البيهقي عن أم سلمة في «السنن الكبير» (10: 5)، والطبراني في «المعجم الكبير» (23: 326)، وصححه ابن حبان. ينظر:«الخلاصة» (2: 320).

(2)

الجَرْجَرةُ الصوت: أي يرددها في جوفه مع صوت، وقيل: الجرجرة الصب. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 20).

(3)

من حديث أم سلمة في «صحيح البُخاري» (5: 2133)، و «صحيح مسلم» (3: 1634)، وغيرهما.

(4)

بلور: حجرٌ معروف، وأحسنه ما يجلبُ من جزائر الزنج، وفيه لغتان كسر الباء مع فتح اللام مثل: سِنَّور، وفتح الباء مع ضم اللام وهي مشددة فيهما مثل: تَنُّور. ينظر: «المصباح» (ص 60).

(5)

العقيق: حجر يعمل منه الفصوص. ينظر: «المصباح» (ص 422).

(6)

أي مزوق ومرصع بالفضة. ينظر: «الدر المختار» (6: 343).

ص: 94

وقُبِلَ قولُ كافرٍ قال: شريتُ اللَّحمَ من مسلم أو كتابيّ فحلَّ، أو مجوسيٍّ فحرم، وقولُ فردٍ كافر، أو أنثى، أو فاسق، أو عبد، أو ضدِّها في المعاملاتِ كشراءٍ ذُكِر، والتَّوكيلُ وقولُ العبد، والصَّبيِّ في الهدية، والإذنُ، وشُرِطَ العدلُ في الدِّيانات كالخَبَر عن نجاسةِ الماء، فيتيمَّمُ إن أَخَبَرَ بها مسلمٌ عَدْل ولو عبداً، ويتحرَّى في الفاسقِ والمستور، ثُمَّ يعملُ بغالب رأيه، ولو أراق فتيمَّمَ في غلبةِ صدقِه، وتوضَّأ فتيمَّمَ في كذبِه فأحوط. ومقتديٌ دُعِي إلى وليمةٍ فَوَجَدَ ثَمَّة لعباً أو غناءً لا يَقْدِرُ على منعِهِ يخرجُ البتة، وغيرُهُ إن قعدَ وأكلَ جاز، ولا يحضرُ إن عَلِمَ من قبل، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: ابتليتُ بهذا مرَّةً فصبرت، وذا قبل أن يقتدى به، ودلَّ قولُهُ على حرمةِ كلِّ الملاهي؛ لأنَّ الابتلاءَ بالمحرمِ يكون

(وقُبِلَ قولُ كافرٍ قال: شريتُ اللَّحمَ من مسلم أو كتابيّ فحلَّ، أو مجوسيٍّ فحرم)، فإنَّ قولَ الكافرِ مَقْبولٌ في المعاملات؛ للحاجةِ إليه إذ المعاملات كثيرة الوقوع.

(وقولُ فردٍ كافر، أو أنثى، أو فاسق، أو عبد، أو ضدِّها

(1)

في المعاملاتِ كشراءٍ ذُكِر، والتَّوكيلُ)، كما إذا أخبر أنَّي وكيلُ فلانٍ في بيعِ هذا يجوزُ الشِّراءُ منه، (وقولُ العبد، والصَّبيِّ في الهدية، والإذنُ)، كما إذا جاءَ بهديَّة، وقال: أهدى فلانٌ إليك هذه الهديَّة، يحلُّ قَبُولُه منه، أو قال: أنا مأذونٌ في التِّجارة يُقْبَلُ قولُه.

(وشُرِطَ العدلُ في الدِّيانات كالخَبَر عن نجاسةِ الماء، فيتيمَّمُ إن أَخَبَرَ بها مسلمٌ عَدْل ولو عبداً، ويتحرَّى في الفاسقِ والمستور، ثُمَّ يعملُ بغالب رأيه

(2)

، ولو أراق فتيمَّمَ في غلبةِ صدقِه، وتوضَّأ فتيمَّمَ في كذبِه فأحوط.

ومقتديٌ دُعِي إلى وليمةٍ فَوَجَدَ ثَمَّة لعباً أو غناءً لا يَقْدِرُ على منعِهِ يخرجُ البتة، وغيرُهُ إن قعدَ وأكلَ جاز، ولا يحضرُ إن عَلِمَ من قبل

(3)

، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: بتليتُ بهذا مرَّةً فصبرت، وذا قبل أن يقتدى به، ودلَّ قولُهُ على حرمةِ كلِّ الملاهي؛ لأنَّ الابتلاءَ بالمحرمِ يكون).

(1)

أي ضد هذه الجماعة من مسلم أو ذكر أو عدل أو حر. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 286/ب).

(2)

فإن غلب على ظنّه صدقه تيمم ولم يتوضأ به أو كذبه توضأ به، أما في السعة والاحتياط، فالأفضل أن يتيمم بعد الوضوء. ينظر:«رد المحتار» (5: 220).

(3)

سواء كان ممن يقتدى به أو لا؛ لأن حقَّ الدعوة إنما يلزمه بعد الحضور لا قبله. ينظر: «الدر المختار» (5: 222).

ص: 95

‌فصل [في اللبس]

لا يلبسُ رجلٌ حريراً إلا قدرَ أربعةِ أصابع، ويتوسَّدُهُ ويفترشُه

اعلم أنَّه لا يخلو أنَّه إن عَلِمَ قبل الحضور أنَّ هناك لهواً لا يجوزُ الحضور، وإن لم يعلمْ قبل الحضور لكن هُجِمَ بعده، فإن كان قادراً على المنعِ يمنع، وإن لم يكنْ قادراً، فإن كان الرَّجلُ مقتدىً يخرج؛ لئلاَّ يقتدي النَّاسُ به، وإن لم يكنْ مقتدى، فإن قعد وأكل جاز؛ لأنَّ إجابةَ الدَّعوةِ سنَّةٌ فلا تتركُ بسببِ بدعةٍ كصلاةِ الجنازةِ تحضرها النيّاحة، قال أبو حنيفة رضي الله عنه: ابتليتُ بها مرَّةً فصبرت، قالوا: قولُه: ابتليتُ، يدلُّ على الحرمة، ويمكن أن يقال: الصَّبرُ على الحرامِ لإقامةِ السُّنةِ لا يجوز، والصَّبرُ الذي قال أبو حنيفة رضي الله عنه أن يكون جالساً معرضاً عن ذلك اللَّهوِ منكراً له، غيرَ مشتغلٍ ولا متلذِّذاً به.

فصل [في اللبس]

(لا يلبسُ رجلٌ حريراً إلا قدرَ أربعةِ أصابع): أي في العرض، أرادَ مقدارَ العلم، ورويَ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم:«لبسَ جُبَّةً مكفوفةً بالحرير»

(1)

، وعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه: لا فرقَ بينَ حالةَ الحربِ وغيره، وعندهما: يحلُّ في الحربِ ضرورة، قلنا: الضَّرورةُ تندفعُ بما لَحْمتُهُ

(2)

إبريسم، وسَدَاهُ

(3)

غيره، (ويتوسَّدُهُ ويفترشُه)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ لما روي أنَّهُ صلى الله عليه وسلم:«جلسَ على مرفقةٍ من حرير»

(4)

، وقالا: يكره.

(1)

من حديث أسماء في «السنن الصغرى للبيهقي» (1: 230)، و «شرح معاني الآثار» (4: 245)، و «معتصر المختصر» (2: 287)، وفي مسلم (3: 1641): عن أسماء قالت هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجت إلي جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها.

(2)

لَحْمة الثوب: بالفتح ما ينسج عرضاَ والضم لغة، وقال الكسائي: بالفتح لا غير واقتصر عليه ثعلب. ينظر: «المصباح» (ص 551).

(3)

السَّدى وزان الحَصَى من الثوب خلاف اللَّحمة وهو ما يمدُّ طولاً في النسج. ينظر: «المصباح» (ص 271).

(4)

قال الزيلعي في «نصب الراية» (4: 227): غريب جداً، وروي أنه كان على بساط ابن عباس رضي الله عنه مرفقة حرير.

ص: 96

ويلبسُ ما سَداهُ إبريسم ولَحمتُهُ غيرُه، وعكسُهُ في الحربِ فقط، ولا يتحلَّى بذهبٍ أو فضَّةٍ إلا بخاتم، ومِنطقة، وحليةِ سيف منها، ومِسمارِ ذهبِ لثقبِ فصّ، وحلَّ للمرأةِ كلُّها. ولا يتختَّمُ بالحجرِ والحديدِ والصُّفر، وتركُهُ لغيرِ الحاكمِ أحبّ، ولا يشدُّ سنَّهُ بذهبٍ بل بفضة، وكرهَ إلباسُ الصَّبيِّ ذهباً أو حريراً، لا خرقةً لوضوء أو مخاط، ولا الرتم

(ويلبسُ ما سَداهُ إبريسم ولَحمتُهُ غيرُه

(1)

، وعكسُهُ في الحربِ فقط)، إنَّما اعتبروا في المخلوطِ اللَّحمةِ حتى لو كانت من الإبريسم لا يحلّ، وإن كانت من غيرِهِ يحلُّ اعتباراً للعلَّةِ القريبة.

(ولا يتحلَّى بذهبٍ أو فضَّةٍ إلا بخاتم، ومِنطقة

(2)

، وحليةِ سيف منها، ومِسمارِ ذهبِ لثقبِ فصّ

(3)

، وحلَّ للمرأةِ كلُّها.

ولا يتختَّمُ بالحجرِ والحديدِ والصُّفر)، لكن يجوزُ إن كانَ الحلقةُ من الفضَّة، والفصُّ من الحجر، (وتركُهُ لغيرِ الحاكمِ أحبّ): أي تركُ التَّختُّمِ لغيرِ السَّلطانِ والقاضي أحبُّ لكونِهِ زينة، والسُّلطانُ والقاضي يحتاجُ إلى الختم.

(ولا يشدُّ سنَّهُ بذهبٍ بل بفضة)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، (وكرهَ إلباسُ الصَّبيِّ ذهباً أو حريراً)، كما أن شُرْبَ الخمرِ حرام، فكذا إشرابُها حرامٌ.

(لا خرقةً لوضوء أو مخاط)

(4)

، عند البعضِ يكرهُ ذلك؛ لأنَّهُ نوعُ تجبُّرٍ لكنَّ الصَّحيحَ أنَّها إذا كانت للحاجةِ لا يكره، وإن كانت للتَّكبُّرِ يكره، (ولا الرتم): هو الخيطُ الذي يعقدُ على الإصبعِ لتذكُّرِ الشَّيء، فعقدُهُ لا يكره؛ لأنَّهُ ليس بعبث؛ لأنَّ فيه

(1)

أي غير الإبريسم سواء كان مغلوباً أو غالباً أو مساوياً للحرير كالقطن والكتان والصوف يعني في الحرب وغيره؛ لأن الثوبَ يصير بالنسج، والنسج باللَّحمة فهي معتبرة؛ لكونها علة قريبة، فيضاف الحكم من الحل والحرمة إليها دون السَّدى، فيكون العبرة لما يظهرُ دون ما يخفى، وقيل: لا يلبس إلا إذا غلب اللحمة على الحرير والصحيح الأول وهذا بالإجماع. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 535).

(2)

النِّطاق والمَنطق كلُّ ما تشد به وسطك، والمِنطقة اسم خاص، وموضع المِنطقة الزنانير فوق ثيابهم. ينظر:«المغرب» (ص 468).

(3)

لأنه تابع كالعلم، ولا يعد لابساً له. ينظر:«الدر المنتقى» (2: 536).

(4)

لأن المسلمين قد استعملوا في عامة البلدان مناديل الوضوء والخراق للمخاط ومسح العرق، وما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، ولو حملها بلا حاجة يكره. ينظر:«الدرر» (1: 313).

ص: 97

‌فصل [في النظر واللمس والوطء]

وينظرُ الرَّجلُ من الرَّجلِ سوى ما بينَ سرَّتِهِ إلى تحتَ ركبتيه، ومن عرسِهِ وأمتِهِ الحلال إلى فرجهما، ومن محرمِهِ إلى الرَّأسِ والوجهِ والصَّدرِ والسَّاقِ والعضد إنِ أمنَ شهوته وإلاَّ فلا، ولا إلى الظَّهرِ والبطنِ والفخذ كأمةِ غيره، وما حلَّ نظراً منهما، حلَّ مسَّاً، وله مسُّ ذلك إن أرادَ شراءها وإن خافَ شهوتَه، وأمةٌ بلغتْ لا تعرضُ في إزارٍ واحد، ومن الأجنبيّةِ إلى وجهها وكفَّيها فقط، وكذا السيِّدة

غرضاً صحيحاً وهو التَّذكُّر، إنَّما ذكرَ هذا؛ لأنَّ من عادةِ بعضِ النَّاسِ شدَّ الخيوطِ على بعضِ الأعضاء، وكذا السَّلاسلُ وغيرُها، وذلك مكروهٌ؛ لأنَّهُ محضُ عبث، فقال: إنَّ الرَّتمَ ليس من هذا القبيل.

فصل [في النظر واللمس والوطء]

(وينظرُ الرَّجلُ من الرَّجلِ سوى ما بينَ سرَّتِهِ إلى تحتَ ركبتيه)، السُّرَّةُ ليست بعورةٍ عندنا، والرُّكبةُ عورة، وعند الشَّافعي

(1)

رضي الله عنه: على العكس.

(ومن عرسِهِ وأمتِهِ الحلال إلى فرجهما، ومن محرمِهِ إلى الرَّأسِ والوجهِ والصَّدرِ والسَّاقِ والعضد إنِ أمنَ شهوته وإلاَّ فلا، ولا إلى الظَّهرِ والبطنِ والفخذ كأمةِ غيره

(2)

) فإنَّ حكمَ أمةِ الغيرِ حكمُ المَحْرِمِ لضرورةِ رؤيتها في ثيابِ المهنة.

(وما حلَّ نظراً منهما، حلَّ مسَّاً، وله مسُّ ذلك إن أرادَ شراءها وإن خافَ شهوتَه، وأمةٌ بلغتْ لا تعرضُ في إزارٍ واحد، ومن الأجنبيّةِ إلى وجهها وكفَّيها فقط)، هذا في ظاهرِ الرِّواية، وعن أبي حنيفةِ رضي الله عنه: أنَّهُ يحلُّ النَّظرُ إلى قدمها، وقد مرَّ في (كتابِ الصَّلاة)

(3)

: أنّ القدمَ ليستْ بعورة، قلنا: في الصَّلاةِ ضرورة، وليسَ في نظرِ الأجنبيِّ إلى القدمِ ضرورةٌ بخلافِ الوجهِ والكفّ، (وكذا السيِّدة)، فإنَّها في النَّظرِ إلى قدمَيْها كالأجنبيَّة.

(1)

في «الغرر البهية» (1: 347): والسرة والركبة ليستا بعورة يجب ستر بعضهما ليحصل سترهما. وفي «تحفة المحتاج» (8: 198): ويحل نظر رجل إلى رجل إلا ما بين سرة وركبة ونفسهما.

(2)

العبارة في ق: ومن محرمه إلى رأسها و وجهها وصدرها وساقها وعضدها إن أمن شهوته وإلا فلا، لا إلى ظهرها وبطنها و فخذها كأمة غيره.

(3)

1: 114).

ص: 98

فإن خاف لا ينظرُ إلى وجهها إلا لحاجةٍ كقاضٍ يحكم، وشاهدٍ يشهدُ عليها، ومن يريدُ نكاحَ امرأةٍ أو شراءَ أَمَة، ورجلٍ يداويها، فينظرُ إلى موضعِ مرضِها بقدرِ الضَّرورة. وتنظرُ المرأةُ من المرأةِ كالرَّجلِ من الرَّجل، وكذا من الرَّجلِ إن أمنتْ شهوتها، والخصيُّ والمجبوبُ والمخنَّثُ في النَّظرِ إلى الأجنبيَّةِ كالفحل. ويعزلُ عن أمتِهِ بلا إذنها، وعن عرسِهِ به

(فإن خاف): أي الشَّهوةَ، (لا ينظرُ إلى وجهها إلا لحاجةٍ كقاضٍ يحكم، وشاهدٍ يشهدُ عليها، ومن يريدُ نكاحَ امرأةٍ أو شراءَ أَمَة، ورجلٍ يداويها)، فإنَّ لهؤلاءَ يحلُّ لهم النَّظرُ مع خوفِ الشَّهوةِ للحاجة، (فينظرُ إلى موضعِ مرضِها بقدرِ الضَّرورة.

وتنظرُ المرأةُ من المرأةِ كالرَّجلِ من الرَّجل، وكذا من الرَّجلِ إن أمنتْ شهوتها، والخصيُّ والمجبوبُ والمخنَّثُ في النَّظرِ إلى الأجنبيَّةِ كالفحل.

ويعزلُ عن أمتِهِ بلا إذنها، وعن عرسِهِ به)، العزل: أن يطأ فإذا قَرُبَ إلى الإنزالِ أخرجَ ذكرَه

(1)

، ولا يُنْزلُ في الفرج

(2)

(1)

زيادة من أ.

(2)

حكم إسقاط الحمل: قال في «النهر» : يباح إسقاط الحمل ما لم يتخلق منه شيء ولن يكون ذلك إلا بعد مئة وعشرين يوما، وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط؛ لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة. وإطلاقهم يفيد عدم توقف جواز إسقاطها قبل المدة المذكورة على إذن الزوج. وفي (كراهة) «الخانية»: ولا أقول بالحل إذ المحرم لو كسر بيض الصيد ضمنه؛ لأنه أصل الصيد فلما كان يؤاخذ بالجزاء فلا أقل من أن يلحقَها إثم هنا إذا سقط بغير عذرها. قال ابن وهبان: ومن الأعذار أن ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل وليس لأبي الصبي ما يستأجر به الظئر ويخاف هلاكه. ونقل عن «الذخيرة» : لو أرادت الإلقاء قبل مضي زمن ينفخ فيه الروح هل يباح لها ذلك أم لا؟ اختلفوا فيه: وكان الفقيه علي بن موسى يقول: إنه يكره، فإن الماء بعدما وقع في الرحم مآله الحياة فيكون له حكم الحياة كما في بيضة صيد الحرم ونحوه في «الظهيرية» ، قال ابن وهبان: فإباحة الإسقاط محمولة على حالة العذر، أو أنها لا تأثم إثم القتل. وبما في «الذخيرة» تبين أنهم ما أرادوا بالتحقيق إلا نفخ الروح، وأن قاضي خان مسبوق بما مر من التفقه. والله تعالى الموفق انتهى كلام «النهر» .

أخذ في «النهر» من هذا ومما قدمه الشارح عن «الخانية» والكمال أنه يجوز لها سد فم رحمها كما تفعله النساء مخالفاً لما بحثه في «البحر» من أنه ينبغي أن يكون حراماً بغير إذن الزوج قياساً على عزله بغير إذنها. قلت: لكن في البزازية أن له منع امرأته عن العزل. اهـ.

قال ابن عابدين في «رد المحتار» (3: 176): نعم النظر إلى فساد الزمان يفيد الجواز من الجانبين فما في «البحر» مبنيٌّ على ما هو أصل المذهب، وما في «النهر» على ما قاله المشايخ. والله الموفق.

ص: 99

[فصل في الاستبراء وغيره]

ومَن ملكَ أمةً بشراءٍ أو نحوِه ولو بكراً ومشريَّةً من امرأة، أو عبدٍ أو محرمها، أو من مالِ صبيّ، حَرُمَ عليه وطؤها ودواعيهِ حتى يستبرئ بحيضة فيمن تحيضُ، وبشهرٍ في ذواتِ شهر، وبوضعِ الحملِ في الحامل

[فصل في الاستبراء وغيره]

(ومَن ملكَ أمةً بشراءٍ أو نحوِه): كالوصيَّةِ والإرثِ ونحوهما، (ولو بكراً ومشريَّةً من امرأة، أو عبدٍ أو محرمها): أي محرمُ الأَمَة، لكن غيرَ ذي رحمٍ محرَّمِ لها، حتى لا تعتقَ الأمةُ عليه، (أو من مالِ صبيّ): أي إن

(1)

كانت الأمَةُ من مالِ صبيّ، (حَرُمَ عليه وطؤها ودواعيهِ حتى يستبرئ بحيضة فيمن تحيضُ، وبشهرٍ في ذواتِ شهر، وبوضعِ الحملِ في الحامل)، فإنَّ الحكمةَ في الاستبراءِ تعرُّفُ براءةِ الرَّحم صيانةً للماءِ المحترمِ عن الاختلاط، وذلك عندَ (أبي حنيفة رضي الله عنه)

(2)

: حقيقةُ الشُّغل (بماء محرَّم)

(3)

، أو توهُّم الشُّغلِ بماءِ محترم، لكنَّهُ أمرٌ خفيّ، فأديرَ الحكمُ على أمرٍ ظاهر، وهو استحداثُ الملك، وإن كان عدمُ وطء المولى معلوماً كما في الأمورِ التي عدَّها، وهي قوله: ولو بكراً

إلى آخره.

فإنَّ الحكمةَ تراعى في الجنسِ لا في كلِّ فرد، ولكن يَرِدُ عليه أنّ الحكمةَ لا تراعى في كلِّ فرد، لكن تراعى في الأنواعِ المضبوطة، فإن كانت الأمةُ بكراً أو مشريَّةً ممَّن لا يثبتُ نسبُ ولدها منه، وهو أن يكونَ الولد ثابتَ النَّسبِ ينبغي أن لا يجب؛ لأنَّ عدمَ الشُّغلِ بالماءِ المحترمِ متيقّنٌ في هذه الأنواع.

والجوابُ: أنّه إنَّما يثبتُ بالنَّصِ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم في سباياِ أوطاس: «ألا لا توطؤوا الحبالى حتى يضعنَ حملهن، ولا الحيالى حتى يستبرئنَ بحيضة»

(4)

، فإنَّ السَّبايا لا تخلو

(1)

زيادة من ب و ف.

(2)

زيادة من ق.

(3)

زيادة من ف.

(4)

من حديث عن أبي سعيد رضي الله عنه قال أصبنا سبايا يوم أوطاس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يطأ رجل حاملاً حتى تضع حملها، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» في «سنن أبي داود» (4: 112)، واللفظ له، و «سنن الدارمي» (2: 224)، و «المستدرك» (2: 212)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

ص: 100

ولم تكف حيضةٌ ملكها فيها، ولا التي قبلَ القبض، ولا ولادةٌ كذلك، وتجبُ في شراءِ أمةٍ إلا شقصاً هو له، لا عند عودِ الآبقة، وردِّ المغصوبة، والمستأجرة، وفكِّ المرهونة، ورُخِّصَ حيلةُ إسقاطِ الاستبراءِ عند أبي يوسف رضي الله عنه خلافاً لمحمَّدٍ رضي الله عنه، وأخذَ بالأوَّلِ إن علمَ عدم وطء بائعها في ذلك الطُّهر، وبالثَّاني إن قربها: وهي إن لم تكنْ تحتَهُ حرَّةٌ أن ينكحَها، ثمَّ يشتريَها

من أن يكونَ فيها بكراً، ومسبيَّة من امرأةٍ ونحوِ ذلك، ومع هذا حكمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حكماً عامَّاً فلا يختصُّ بالحكمة، كما أنَّه تعالى بيَّنَ الحكمةَ في حرمةِ الخمرِ بقولِه:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ}

(1)

الآية، فلا يمكنُ أن يقولَ أحدٌ إنَّي أشربُها بحيثُ لا يقعُ العداوة، ولا يصدَّني عن الصَّلاة، فإذا كانت المصلحةُ غالبةً في تحريمِه، فالشَّرعُ يحرِّمُ على العموم؛ لِمَا أنَّ في التَّخصيصِ ما لا يخفى من الخبط، وتجاسرُ النَّاسِ بحيثُ ترتفعُ الحكمة، فإذا ثبتَ الحكمُ في السَّبي على العمومِ ثبتَ في سائرِ أسبابِ الملك كذلك قياساً، فإنَّ العلَّة معلومة، ثمَّ تأيَّدَ ذلكَ بالإجماع.

(ولم تكف حيضةٌ ملكها فيها، ولا التي قبلَ القبض): (أي ولا الحيضة التي وجدت بعد سبب من أسباب الملك قبل القبض)

(2)

، (ولا ولادةٌ كذلك، وتجبُ في شراءِ أمةٍ إلا شقصاً هو له)

(3)

؛ لأنَّ الملكَ تمَّ له، والحكمُ يضافُ إلى العلَّةِ القريبة، (لا عند عودِ الآبقة، وردِّ المغصوبة، والمستأجرة، وفكِّ المرهونة)؛ لأنَّه لم يوجدْ استحداثُ الملك.

(ورُخِّصَ حيلةُ إسقاطِ الاستبراءِ عند أبي يوسف رضي الله عنه خلافاً لمحمَّدٍ رضي الله عنه، وأخذَ بالأوَّلِ إن علمَ عدم وطء بائعها في ذلك الطُّهر، وبالثَّاني إن قربها: وهي إن لم تكنْ تحتَهُ حرَّةٌ أن ينكحَها، ثمَّ يشتريَها)، إذ بالنِّكاحِ لا يجبُ الاستبراء، ثمَّ إذا اشترى زوجته لا يجبُ أيضاً.

(1)

من سورة المائدة، الآية (91) وتمامها:{بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} .

(2)

زيادة من ب.

(3)

أي الشقص للمشتري، يعني يجب الاستبراء في الجارية للمشتري فيها شقص فاشترى الباقي؛ لأن حدوث ملك آخر يثبت ملك الرقبة، يعني يكون بعد ملك جميع رقبتها، وملك بعض الرقبة بمنْزلة بعض العلّة وثبوت الحكم يكون عند كمال العلّة. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 288/ب).

ص: 101

وإن كانت أن يُنكحَها البائعُ قبل الشِّراء أو المشتري قبلَ قبضِهِ مَن يوثقُ به ثمَّ يشتري ويقبض، فيطلّق الزَّوج، ومَن فعلَ بشهوةٍ إحدى دواعي الوطء بأمتَيْه، لا تجتمعانِ نكاحاً، حَرُمَ عليه وطؤهما بدواعيهِ حتى يحرِّمَ أحديهما، وكُرِهَ تقبيلُ الرَّجلِ وعناقُهُ في إزارٍ واحد، وجازَ مع قميصٍ ومصافحته.

(وإن كانت أن يُنكحَها البائعُ قبل الشِّراء أو المشتري قبلَ قبضِهِ مَن يوثقُ به ثمَّ يشتري ويقبض، فيطلّق الزَّوج): أي إن كانت تحتَهُ حرَّة، فالحيلةُ أن يُنكحَها البائعُ قبلَ شراءِ المشتري رجلاً عليه اعتمادٌ أن يطلِّقَها، ثمَّ يشتري المشتري، ثمَّ يطلِّقُ الزَّوج، فإنَّهُ لا يجبُ الاستبراء؛ لأنَّهُ اشترى منكوحةَ الغير، ولا يحلُّ وطؤها، فلا استبراء، فإذا طلَّقها الزَّوجُ قبلَ الدُّخولِ حلَّ على المشتري، وحينئذٍ لم يوجدْ حدوثُ الملك فلا استبراء، أو يُنكحُها المشتري قبلَ القبضِ ذلك الرَّجل، ثمّ يقبضُها ثمَّ يطلِّقُها الزَّوج، فإنَّ الاستبراءَ يجبُ بعد القبض، وحينئذٍ لا يحلُّ الوطء، وإذا حلَّ بعد طلاقِ الزَّوجِ لم يوجدْ حدوثُ الملك.

(ومَن فعلَ بشهوةٍ إحدى دواعي الوطء بأمتَيْه، لا تجتمعانِ نكاحاً، حَرُمَ عليه وطؤهما بدواعيهِ حتى يحرِّمَ أحديهما)، دواعي الوطء هي القبلة، والمسُّ بشهوة، والنَّظرُ إلى فرجِها بشهوة، فإنَّ لدَّواعي الوطء حكمُ الوطء

(1)

، وتحريمُ أحدهما يكونُ بإزالةِ الملكِ كلاً أو بعضاً أو بإنكاحها.

(وكُرِهَ تقبيلُ الرَّجلِ

(2)

وعناقُهُ في إزارٍ واحد، وجازَ مع قميصٍ ومصافحته)، عطفٌ على الضَّميرِ في جاز، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّدٍ رضي الله عنه، وقال أبو يوسف رضي الله عنه: لا بأسَ بهما في إزارٍ واحد، وأمَّا مع القميصِ فلا بأسَ بالإجماع، والخلاف فيما يكون للمحبَّة، وأمَّا بالشَّهوةِ فلا شكَّ في الحرمةِ إجماعاً.

(1)

لأن النص مطلق فيتناولها، أو لأن الداعي إلى الوطء بمنْزلته في التحريم. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 20).

(2)

في فمه أو شيء منه. ينظر: «فتح باب العناية» (3: 20).

ص: 102

[فصل في البيع]

وكُرِهَ بيعُ العذرةِ خالصة، وصحَّ في الصَّحيحِ مخلوطةً كبيعِ السِّرقين، والانتفاعِ بمخلوطتها لا بخالصتها، وجازَ أخذُ دينٍ على كافرٍ من ثمنِ خمرٍ باعَهُ بخلافِ المسلم، وتحليةُ المصحف، ودخولُ الذِّمي المسجد، وعيادتُه، وخصاءُ البهائم، وإنزاءُ الحميرِ على الخيل، والحقنة، ورزقُ القاضي

[فصل في البيع]

(وكُرِهَ بيعُ العذرةِ

(1)

خالصة

(2)

، وصحَّ في الصَّحيحِ مخلوطةً كبيعِ السِّرقين، والانتفاعِ بمخلوطتها لا بخالصتها)، فإنَّ بيعَ السِّرقينِ جائزٌ عندنا، وعند الشَّافعيّ

(3)

رضي الله عنه: لا يجوز.

(وجازَ أخذُ دينٍ على كافرٍ من ثمنِ خمرٍ باعَهُ بخلافِ المسلم): أي بخلافِ دينٍ على المسلم، فإنَّهُ لا يؤخذُ من ثمنِ خمرٍ باعَهُ المسلم؛ لأنَّ بيعَهُ باطل، فالثَّمنُ الذي أخذَهُ حرام.

(وتحليةُ المصحف)، بالرَّفعِ عطفٌ على أخذِ دين، (ودخولُ الذِّمي المسجد)، هذا عندنا، وعند مالكٍ

(4)

رضي الله عنه والشَّافعي

(5)

رضي الله عنه: يكره؛ لقولِهِ تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}

(6)

، قلنا: لا يرادُ نهي الكفَّارِ عن هذا؛ لأنَّ قولَه: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} ، لا يوجبُ الحرمةَ بعد عامهم هذا، بل المرادُ بشارةُ المسلمينَ بأنَّ الكفَّارَ لا يتمكَّنونَ من الدُّخولِ بعد عامهم هذا.

(1)

العذرة: الغائظ رجيع الإنسان. ينظر: «الدر المنتقى» (2: 546).

(2)

لأن العادة لم تجر بالانتفاع بها وإنما ينتفع بها برماد أو تراب غالب عليها بالإلقاء في الأرض فحينئذ يجوز بيعها. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 546).

(3)

ينظر: «النكت» (ص 380)، وغيرها.

(4)

ينظر: «أحكام القرآن» لابن العربي (2: 469)، و «بلغة السالك» (1: 178)، وغيرهما.

(5)

عند الشافعي رضي الله عنه عدم دخول الكافر المسجد خاص بالمسجد الحرام فقط. ينظر: «الأم» (1: 71)، و «أحكام القرآن» للشافعي (1: 84)، و «أسنى المطالب» (1: 185)، وغيرها.

(6)

من سورة التوبة، الآية (28).

ص: 103

وعيادتُه، وخصاءُ البهائم، وإنزاءُ الحميرِ على الخيل، والحقنة، ورزقُ القاضي، وسفرُ الأمةِ وأمِّ الولدِ بلا محرم، وشراءُ ما لا بُدَّ للطفلِ منه، وبيعُهُ لأخٍ وعمٍّ وأمّ، وملتقطٌ هو في حجرِهِم، وإجارتُهُ لأمِّهِ فقط، وبيعُ العصيرِ ممَّن يتَّخذُ خمراً، وحملُ خمرِ ذميٍّ بأجر، وإجارةُ بيتٍ بالسَّوادِ ليتَّخذَ بيتَ نارِ أو كنيسةٍ أو بيعة، أو يباعُ فيه الخمر، وفي سوادِنَا لا يمكَّنونَ منها في الأصحّ، وبيعُ بناءِ بيوتِ مكَّة، وتقييدُ العبد، وقبولُ هديَّتِهِ تاجراً، وإجابةُ دعوتِه، واستعارةُ دابَّتِه

(وعيادتُه، وخصاءُ البهائم، وإنزاءُ الحميرِ على الخيل، والحقنة، ورزقُ القاضي): أي من بيتِ المال، فإنَّ القضاءَ وإن كان عبادةً ولا أجرَ على العبادة، فهذا يجوز؛ لأنَّ في المنعَ الامتناعُ عن القضاء، (وسفرُ الأمةِ وأمِّ الولدِ بلا محرم)، فإنَّ مسَّ أعضائهما في الأركابِ كمسِّ أعضاءِ المحارم.

(وشراءُ ما لا بُدَّ للطفلِ منه، وبيعُهُ لأخٍ وعمٍّ وأمّ، وملتقطٌ هو في حجرِهِم، وإجارتُهُ لأمِّهِ فقط)، فإنَّ الأمَّ تملكُ إتلافَ منافعِهِ بالاستخدام، ولا كذلكَ غيرها.

(وبيعُ العصيرِ ممَّن يتَّخذُ خمراً)، فإنَّ المعصيةَ لا تقومُ بعينِ العصير، بخلافِ بيعِ السِّلاحِ ممَّن يعلمُ أنَّهُ من أهلِ الفتنة، فإنّ المعصيةَ تقومُ بعينِه.

(وحملُ خمرِ ذميٍّ بأجر)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما: لا يجوز، ولا يحلُّ له الأجر، (وإجارةُ بيتٍ بالسَّوادِ ليتَّخذَ بيتَ نارِ أو كنيسةٍ أو بيعة، أو يباعُ فيه الخمر)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه لتحلُّلِ فعلِ الفاعلِ المختار، وقالا: لا يجوز، وإنَّما قيَّدَ بالسَّواد؛ لأنَّهُ لا يجوزُ في الأمصارِ اتِّفاقاً، (وفي سوادِنَا لا يمكَّنونَ منها في الأصحّ)، فإنَّ ما قال أبو حنيفةَ رضي الله عنه يختصُّ بسوادِ الكوفة؛ فإنَّ أكثرَ أهلها ذميّ، فأمَّا في سوادنا، فأعلامُ الإسلامِ فيه ظاهرة.

(وبيعُ بناءِ بيوتِ مكَّة، وتقييدُ العبد، وقبولُ هديَّتِهِ تاجراً، وإجابةُ دعوتِه، واستعارةُ دابَّتِه)، وفي القياسِ لا يجوز، وجهُ الاستحسان: أنّه صلى الله عليه وسلم قبلَ هديَةَ

(1)

(1)

حديث هدية بريرة رضي الله عنها سبق تخريجه، وأما حديث هدية سلمان رضي الله عنه، فهو مذكور ضمن قصة إسلامه الطويلة المشهور، ومنها:«فوضعته بين يديه: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ما هذا قلت: هدية، فقال بيده: باسم الله خذوا فأكل وأكلوا معه، وقمت الى خلفه فوضع رداءه، فإذا خاتم النبوة كأنه بيضة قلت أشهد انك رسول الله» في «صحيح ابن حبان» (16: 65)، و «المستدرك» (3: 696)، و «سنن الدارمي» (1: 46)، و «سنن البيهقي الكبير» (7: 39)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (7: 441)، و «مسند البزار» (7: 465)، و «مسند أحمد» (5: 442)، وغيرها.

ص: 104

وكُرِهَ كسوتُهُ ثوباً، وإهداؤه النَّقدَيْن، واستخدامُ الخصيِّ، وإقراضُ بقَّالٍ شيئاً يأخذُ منه ما شاء، واللَّعبُ بالشَّطرنجِ والنَّردِ وكلُّ لهو، وجعلُ الغُل في عنقِ عبدِه، وبيعُ أرضِ مكَّةَ وإجارتها، وقولُهُ في دعائه: بمعقدِ العزِّ من عرشك، وبحقِّ رسلِكَ وأنبيائك

سلمانَ

(1)

وبريرة

(2)

رضي الله عنهم.

(وكُرِهَ كسوتُهُ ثوباً، وإهداؤه النَّقدَيْن): أي كُرِهَ أن يكسوَ العبدُ غيرَهُ ثوباً، وأن يهديهِ النَّقدين، (واستخدامُ الخصيِّ)، فإنَّهُ حثٌّ على خصاءِ الإنسان، وهو غيرُ جائز، (وإقراضُ بقَّالٍ شيئاً يأخذُ منه ما شاء)، فإنَّه قرضٌ جرَّ نفعاً

(3)

.

(واللَّعبُ بالشَّطرنجِ والنَّردِ وكلُّ لهو)، هذا عندنا، وعند الشَّافعيّ

(4)

رضي الله عنه: يباحُ لعبُ الشَّطرنج؛ إذ فيه تشحيذُ الخاطرِ لكن بشرطِ أن لا تفوتَهُ الصَّلاة، ولا يكونُ فيه ميسر، قلنا: هو مظنَّةُ فوت الصَّلاة، وتضييعِ العمر، واستيلاءِ الفكرِ الباطل، حتى لا يحسَّ بالجوعِ والعطشِ فكيف بغيرهما.

(وجعلُ الغُل في عنقِ عبدِه، وبيعُ أرضِ مكَّةَ وإجارتها)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأنَّ مكةَ حرام، وعندهما: يجوزُ لأنَّ أرضها مملوكة.

(وقولُهُ في دعائه: بمعقدِ العزِّ من عرشك، وبحقِّ رسلِكَ وأنبيائك)؛ لأنَّهُ يوهمُ تعلُّقَ عزِّهِ بالعرش، ولا حقَّ لأحدٍ على الله تعالى، وعند أبي يوسف رضي الله عنه: يجوزُ

(1)

وهو سَلمان الفارسي، كان ببلاد فارس مجوسيّاً، ثمّ صحب الرهبان من النَّصارى، فانتقلَ من راهبٍ إلى راهب، حتى وصلَ إلى بلاد الشام، وسمعَ هناك خبرَ بعثةِ النبي صلى الله عليه وسلم فوصل إليه وأسلم، وشهدَ معه غزوةَ الخندق، وما بعدها، توفي سنة (خمسٍ وثلاثين) في آخرِ خلافةِ عثمان، وعمرُه كان (مئتين وخمسين)، وقيل:(ثلاثمئة وخمسين). ينظر: «الإصابة» (3: 141). «التقريب» (ص 186).

(2)

وهي بريرة بنت صفوان مولاة عائشة رضي الله عنه، كانت مولاةً لبعضِ بني هلال، فكاتبوها ثمّ باعوها من عائشة، فاشترتها وأعتقتها، وكان اسمُ زوجها مغيثاً، فخيّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيارِ العتقِ فاختارت فراقه، عاشت إلى خلافة يزيد. ينظر:«تهذيب الأسماء واللغات» (2: 332). «التقريب» (662).

(3)

وينبغي أن يستودعه دراهم يأخذ منه ما شاء جزءاً فجزءاً، فإنه ليس بقرض حتى لو هلك لا شيء على الآخذ. ينظر:«درر الحكام» (1: 321).

(4)

عند الشافعي رضي الله عنه يكره لعب الشطرنج فإذا اقترن به قمار أو فحش أو تأخير الصلاة عن وقتها عمداً أو سهواً، وتكرر فحرام. ينظر:«روض الطالب» (4: 343)، و «تحفة المحتاج» (10: 216).

ص: 105

وتعشيرُ المصحفِ ونقطُهُ إلا للعجم، فإنَّهُ حسنٌ لهم، واحتكارُ قوتِ البشرِ والبهائمِ في بلدٍ يضرُّ بأهلِهِ، لا

الأوَّلُ للدُّعاءِ المأثور

(1)

.

(وتعشيرُ

(2)

المصحفِ ونقطُهُ إلا للعجم، فإنَّهُ حسنٌ لهم

(3)

، واحتكارُ قوتِ البشرِ والبهائمِ في بلدٍ يضرُّ بأهلِهِ)، التَّخصيصُ بالقوتِ قولُ أبي حنيفةَ رضي الله عنه وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه: كلُّ ما أضرَّ بالعامَّةِ حبسُهُ فهو احتكار، وعن محمَّدٍ رضي الله عنه: لا احتكارَ في الثِّياب، ومدَّةِ الحبسِ قيل: مقدَّرةٌ بأربعينَ يوماً، وقيل: بالشَّهر، وهذا في حقِّ المعاقبةِ في الدُّنيا، لكن يأثم وإن قلَّتْ المدَّة، ويجبُ أن يأمرَهُ القاضي ببيعِ ما فضلَ عن قوتِهِ وقوتِ أهلِه، فإن لم يفعلْ عزَّرَه، والصَّحيحُ أنَّ القاضي يبيعُ إن امتنعَ اتِّفاقاً، (لا

(1)

عن قيلة بنت مخرمة رضي الله عنه كانت إذا أخذت حظها من المضجع بعد العتمة، قالت: بسم الله وأتوكل على الله، وضعت جنبي لربي واستغفره لذنبي، حتى تقولها مراراً، ثم تقول: أعوذ بالله وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شرِّ ما يُنْزل من السماء وما يعرج فيها، وشر ما يُنْزل في الأرض وشرّ ما يخرج منها، وشرّ فتن النهار وشرّ طوارق الليل الا طارقا يطرق بخير، آمنت بالله واعتصمت به، الحمد لله الذي استسلم لقدرته كل شيء، والحمد لله الذي ذل لعزّته كل شيء، والحمد لله الذي تواضع لعظمته كل شيء، والحمد لله الذي خشع لملكه كل شيء، اللهم اني أسألك بمعاقد العزّ من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك وجدك الأعلى واسمك الأكبر وكلماتك التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر أن تنظر إلينا نظرة مرحومة، لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا فقراً إلا جبرته ولا عدواً إلا أهلكتَه ولا عرياناً إلا كسوته ولا ديناً إلا قضيته، ولا أمراً لنا فيه صلاح في الدنيا والآخرة إلا أعطيتناه يا أرحم الراحمين آمنت بالله، واعتصمت به ثمّ تقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله أربعاً وثلاثين، ثمّ تقول يا بنتي هذه رأس الخاتمة إن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتته تستخدمه، فقال: ألا أدلك على خير من خادم، قالت: بلى فأمرها بهذه المئة عند المضجع بعد العتمة. في «المعجم الكبير» (25: 12)، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10: 125): إسناده حسن.

(2)

التعشير: أن يجعل على كل عشر آيات من القرآن العظيم علامة. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 554).

(3)

ومشى في «الكنْز» (ص 168)، و «التنوير» (ص 214) على عدم الكراهة مطلقاً؛ أي إظهار إعرابه وبه يحصل الرفق جدا خصوصا للعجم فيستحسن، وعلى هذا لا بأس بكتابة أسامي السور وعدّ الآي وعلامات الوقف ونحوها فهي بدعة حسنة. ينظر:«الدر المختار» (6: 386).

ص: 106

غلَّة أرضِه، ومجلوبِهِ من بلدٍ آخر، ولا يسعِّرُ حاكمٌ إلاَّ إذا تعدَّى الأربابُ عن القيمةِ فاحشاً فيسعِّرُّ بمشورةِ أهلِ الرَّأي

غلَّة أرضِه، ومجلوبِهِ من بلدٍ آخر)

(1)

، هذا عندَ أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعند أبي يوسف رضي الله عنه: كلُّ ذلك يكره، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه: كلُّ ما يجلبُ منه إلى المصرِ غالباً، فهو حكمُ المصر.

(ولا يسعِّرُ حاكمٌ إلاَّ إذا تعدَّى الأربابُ عن القيمةِ فاحشاً فيسعِّرُّ بمشورةِ أهلِ الرَّأي).

* * *

(1)

لأنه خالص حقّه ولم يتعلق به حق العامّة. ينظر: «درر الحكام» (1: 322).

ص: 107

‌كتاب إحياء الموات

هي أرضٌ بلا نفعٍ لانقطاعِ مائها أو غلبتِهِ عليها أو نحوهما، عاديةً أو مملوكةً في الإسلامِ لا يعرفُ مالكها بعيدةً عن العامر، لا يسمعُ صوتُ من أقصاها، ومَن أحيا مَلَكَهُ إن أذنَ له الإمامُ ولو ذميَّاً وإلاّ فلا، ولم يجزْ إحياءُ ما عدلَ عنه الماء وجاز عوده، فإن لم يجزْ جاز، ومَن حَجَرَ أرضاً ولم يعمِّرها ثلاثَ حججٍ دفعَها الإمامُ إلى غيره

كتاب إحياء الموات

(هي أرضٌ بلا نفعٍ لانقطاعِ مائها أو غلبتِهِ عليها أو نحوهما)، كما إذا نزَّت أو صارت سَبِخَة

(1)

، (عاديةً

(2)

أو مملوكةً في الإسلامِ لا يعرفُ مالكها بعيدةً عن العامر

(3)

، لا يسمعُ صوتُ من أقصاها): وعند محمّد رضي الله عنه ما كان مملوكاً لمسلمٍ أو ذميٍّ لا يكون مواتاً، فإذا لم يعرفْ مالكُها كان لعامَّةِ المسلمين، ولو ظهرَ مالكُها تُرَدُّ إليه ويضمنُ نقصانَ الأرض، والبعدِ عن العامر شرطَهُ أبو يوسفَ رضي الله عنه خلافاً لمحمّد رضي الله عنه.

(ومَن أحيا مَلَكَهُ إن أذنَ له الإمامُ ولو ذميَّاً وإلاّ فلا): أي إن لم يأذنِ الإمامُ لا يملكه، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وهما لم يشترطا إذن الإمام، (ولم يجزْ إحياءُ ما عدلَ عنه الماء وجاز عوده

(4)

، فإن لم يجزْ جاز): أي إن لم يجزِ عودُ الماءِ جازَ إحياؤه.

(ومَن حَجَرَ أرضاً ولم يعمِّرها ثلاثَ حججٍ دفعَها الإمامُ إلى غيره)، التحجيرُ في الأصلِ وضعُ الأحجار؛ ليعلمَ الناسُ أنَّه أخذَها، ثمَّ سمَّى به

(5)

الإعلام الذي لا

(1)

سَبِخة: أي مالحة. ينظر: «المصباح» (ص 263).

(2)

عادية؛ ليس المرادُ به ما يقتضيه ظاهرُ لفظِهِ من أن يكون منسوباً إلى عاد؛ لأنَّه لم يملك جميعَ أراضي الموات، بل المرادُ أنّها متقدِّمة الخراب، كأنّها قريبٌ في عهدِ عاد، وفي العادات الظاهرة ما يوصفُ بطولِ مضيِّ الزمان عليه ينسبُ إلى عاد، فمعناه ما تقدَّم خرابه. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 586).

(3)

أي البلد والقرية، فإن العامر بمعنى المعمور؛ لأن الظاهر أن ما يكون قريباً من القرية لا ينقطع احتياج أهلها إليه كرعي مواشيهم وطرح حصائدهم. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 557).

(4)

أي لا يجوز محل عدل عنه ماء الفرات ونحوها واحتمل عوده إليه، فإن لم يحتمل جاز؛ لأنه كالموات إذا لم يكن حريماً لعامر. ينظر:«الدر المنتقى» (2: 588).

(5)

زيادة من م.

ص: 108

ومَن حفرَ بئراً في مواتٍ بالإذن فله حريمُها للعَطَن والناضحِ أربعونَ ذراعاً من كلِّ جانبٍ في الأصحّ، وللعين خمسمئةٌ كذلك، ومُنِعَ غيرُه من الحفرِ فيه لا فيما وراه، وله الحريمُ من ثلاثةِ جوانب، وللقناة حريمٌ بقدرِ ما يصلحُها، ولا حريمَ لنهرٍ في أرضِ غيره إلا بحجَّة، فَمُسَنَّاةٌ بين نهرِ رجلٍ وأرضِ الآخر، وليست مع أحدٍ لصاحبِ الأرض

يكونُ بوضعِ الأحجار، وقيل: اشتقاقُهُ من الحجْر بالسكون، فإن كربَها وسقاها فهو إحياءٌ عند محمَّد رضي الله عنه، وإن فعلَ أحدُهما فهو تحجير.

(ومَن حفرَ بئراً في مواتٍ بالإذن فله حريمُها للعَطَن والناضحِ أربعونَ ذراعاً من كلِّ جانبٍ في الأصحّ)، بئرُ العطنِ البئرُ التي يناخُ الأبلُ حولَها ويسقى، وبئرُ الناضح البئرُ التي يُسْتَخْرَجُ ماؤها بسيرِ البعيرِ ونحوه، وعندهما: حريمُها ستِّونَ ذراعًا، وإنَّما قال في الأصحّ؛ لأنَّه قيل: الحريمُ أربعونَ ذراعاً من كلِّ الجوانب، وذراعُ العامَّةِ ستَّةُ قبضات، وعند الحسَّابِ كذلك، فإنّهم قدَّروه بأربعٍ وعشرينَ إصبعاً، كلُّ أصبعٍ ستُّ شعيراتٍ مضمومةٍ بطونُ بعضها ببطونِ البعض

(1)

.

(وللعين خمسمئةٌ كذلك): أيّ من كلِّ جانب.

(ومُنِعَ غيرُه من الحفرِ فيه لا فيما وراه، وله الحريمُ من ثلاثةِ جوانب): أي للذي حفرَ من منتهى حريمِ الأوَّلِ دون الأوَّل.

(وللقناة حريمٌ بقدرِ ما يصلحُها)

(2)

هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقيل: إذا لم يخرجِ الماءُ فهو كالنهر، فلا حريمَ له، وعند ظهورِ الماءِ كالعين، فله الحريمُ خمسمئةَ ذراع.

(ولا حريمَ لنهرٍ

(3)

في أرضِ غيره إلا بحجَّة)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما: له مُسنَّاةُ النهرِ يمشي عليها ويلقي عليها الطين، وكذا في أرضِ موات، (فَمُسَنَّاةٌ بين نهرِ رجلٍ وأرضِ الآخر، وليست مع أحدٍ لصاحبِ الأرض): أي إن

(1)

وتقديرها كالآتي: الشعيرة: 0.333 سم، والأصبع: 6 شعيرات × 0.333 سم = 2 سم، فالذراع: 24 أصبع × 2 سم: 48 سم. كما مرّ سابقاً، ينظر:«المقادير الشرعية» (ص 208).

(2)

أي القناة مجرى الماء تحت الأرض ولم يقدر حريمه بشيء يمكن ضبطه، وعن محمد: أنه بمنْزلة البئر في استحقاق الحريم، وقيل: هذا عندهما، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: لا حريم له ما لم يظهر على وجه الأرض. ينظر: «درر الحكام» (1: 307).

(3)

النهر: مجرى كبير لا يحتاج إلى الكري في كلّ حين، فصورة المسألة: أن من كان له نهر في أرض غيره فليس له حريم عند الإمام إلا أن يقيم بينة على ثبوت الحريم له. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 560).

ص: 109

‌فصل [في الشرب]

الشربُ: نصيبُ الماء، والشَفَةُ شربُ بني آدمَ والبهائم، ولكلٍّ حقُّها في كلِّ ماءٍ لم يحرزْ بإناء، وسقي أرضِه من البحرِ ونهرٍ عظيمٍ كدجلة ونحوها، وشقُّ نهرٍ لأرضِهِ منها أو لنصب الرحى إن لم يضرَّ بالعامَّة، وإن ضرّ فلا. لا سقي دوابّه إن خيفَ تخريبُ النهرِ لكثرتها وأرضِه، وشجرةٍ من نهرِ غيره وقناتِهِ وبئره إلاَّ بإذنه، وله سقي شجرٍ أو خضرٍ في داره حملاً بجراره في الأصحّ. وكريُ نهرٍ لم يُمْلَكُ من بيتِ المال، فإن لم يكن فيه شيءٌ فعلى العامَّة، وكريُ نهرٍ مُلِكَ على أهلِه من أعلاه لا على أهلِ الشَّفَة، ومَن جاوزَ من أرضه قد برئ

لم يكن لأحدهما عليها غرسٌ أو طينٌ مُلْقَىً فهي لصاحبِ الأرضِ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وإن كان فصاحبُ الشغلِ هو صاحبُ اليد، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه حريمُهُ مقدارُ نصفِ بطنِ النهرِ من كلِّ جانب، وعند محمّد رضي الله عنه مقدارُ بطنِ النهرِ من كلِّ جانب.

فصل [في الشرب]

(الشربُ: نصيبُ الماء، والشَفَةُ شربُ بني آدمَ والبهائم، ولكلٍّ

(1)

حقُّها في كلِّ ماءٍ لم يحرزْ بإناء، وسقي أرضِه من البحرِ ونهرٍ عظيمٍ كدجلة ونحوها، وشقُّ نهرٍ لأرضِهِ منها

(2)

أو لنصب الرحى إن لم يضرَّ بالعامَّة، (وإن ضرّ فلا)

(3)

.

لا سقي دوابّه إن خيفَ تخريبُ النهرِ لكثرتها وأرضِه)، بالجرِّ عطفٌ على دوابّه، (وشجرةٍ من نهرِ غيره وقناتِهِ وبئره إلاَّ بإذنه، وله سقي شجرٍ أو خضرٍ في داره حملاً بجراره في الأصحّ

(4)

.

وكريُ نهرٍ لم يُمْلَكُ من بيتِ المال، فإن لم يكن فيه شيءٌ فعلى العامَّة): أي يجبرُ الإمامُ الناسَ على كريه، (وكريُ نهرٍ مُلِكَ على أهلِه من أعلاه لا على أهلِ الشَّفَة، ومَن جاوزَ من أرضه قد برئ): أي كلُّ شريكٍ جاوزَ الذين يكرونَ النهر عن

(1)

أي ولكل واحد من بني آدم والبهائم. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 292/أ-ب).

(2)

أي من البحر والنهر. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 292/ب).

(3)

زيادة من ت.

(4)

لما قال بعض مشايخ بلخ ليس له ذلك إلا بإذن صاحب الماء كما ليس له سقي شجرة أو خضرة في غير داره، وقال شمس الأئمة السَّرَخْسيّ: إنه لا يمنع من هذا المقدار، واختار المصنِّف ما قال السرخسي؛ لأن الناس يتوسعون فيه ويعدون المنع من الدناءة. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 563).

ص: 110

وصحَّ دعوى الشربِ بلا أرض، فإن اختصمَ قومٌ في شربٍ بينهم قُسِمَ بقدرِ أراضيهم، ومُنِعَ الأعلى منهم من سكرِ النهر وإن لم يشرب بدونه إلا برضاهم، وكلٌّ منهم من شقِّ نهرٍ منه، ونصبِ رحى أو داليةٍ أو جسرٍ عليه بلا أذنِ شريكه، إلاَّ رحى وُضِعَ في ملكه، ولا يضرُّ بالنهرِ ولا بالماء، ومن توسيعِ فمِ النهر، ومن القسمةِ بالأيَّام وقد كانت بالكِوى، ومن سوقِ شربهِ إلى أرضٍ له أخرى ليس لها منه شرب

أرضِهِ لم يكن عليه كريُ باقي النهر، وهذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: عليهم كريه من أوَّله إلى آخرِه

(1)

.

(وصحَّ دعوى الشربِ بلا أرض)، هذا استحسان؛ لأنَّه قد يملكُ بدون الأرضِ إرثاً، وقد يباعُ الأرضُ ويبقى الشربُ للبائع.

(فإن اختصمَ قومٌ في شربٍ بينهم قُسِمَ بقدرِ أراضيهم، ومُنِعَ الأعلى منهم من سكرِ النهر وإن لم يشرب بدونه إلا برضاهم

(2)

، وكلٌّ منهم من شقِّ نهرٍ منه، ونصبِ رحى أو داليةٍ أو جسرٍ عليه بلا أذنِ شريكه، إلاَّ رحى وُضِعَ في ملكه)، بأن يكون بطنُ النهر وحافتاه ملكاً له، وللآخرِ حقُّ التسييل، (ولا يضرُّ بالنهرِ ولا بالماء، ومن توسيعِ فمِ النهر، ومن القسمةِ بالأيَّام وقد كانت بالكِوى)، الكِوى جمعُ الكَوّة، وهي روزنُ

(3)

البيت، ثمّ استعيرت للثقبِ التي تثقبُ في الخشب؛ ليجريَ الماءُ فيه إلى المزارعِ أو الجداول، وإنَّما يمنع؛ لأنَّ القديمَ يتركُ على قدمِه

(4)

، (ومن سوقِ شربهِ إلى أرضٍ له أخرى ليس لها منه شرب)؛ لأنَّه إذا تقادمَ العهدُ يستدلُّ به على أنّه حقُّ تلكَ الأرض.

(1)

صورة المسألة: لو كان الشركاء في النهر عشرة فعلى كلٍّ عشرُ المؤنة، فإذا جاوزوا أرض رجل منهم فهي على التسعة الباقين أتساعاً؛ لعدم نفع الأول فيما بعد أرضه، وهكذا فمَن الآخر أكثرهم غرامة؛ لأنه لا ينتفع إلا إذا وصل الكري إلى أرضه ودونه في الغرامة من قبله إلى الأول، والفتوى على قول الإمام. ينظر:«رد المحتار» (5: 284).

(2)

يعني إن كان الأعلى منهم لا يشرب حتى يسكر النهر لم يكن له ذلك؛ لأن فيه إبطال حقّ الباقين فإن تراضوا على أن يسكر الأعلى حتى يشرب بحصته أو اصطلحوا على أن يسكر كل رجل منهم في نوبته جاز؛ لأن الحقّ لهم. ينظر: «درر الحكام» (1: 308).

(3)

رزون: وهو الكَوَّة، فارسي معرّب. ينظر:«طلبة الطلبة» (ص 136).

(4)

بيانها: ليس لواحد منهم أن يقسم بالأيام ولا مناصفةً مع أن القسمة قد كانت من القديم بالكِوى، وكذا لا يجوز أن يقسم بالكوى وقد كانت بالأيام؛ لأن القديمَ يتركُ على قدمه إلاَّ أن يرضى الكلّ. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 566).

ص: 111

والشربُ يورثُ ويوصى بالانتفاع، ولا يباعُ، ولا يؤجَّر، ولا يوهب، ولا يتصدَّقُ به، ولا يجعل مهراً، وبدل الصلح. ولا يضمنُ مَن ملأ أرضَه فنَزَّت أرضُ جارِه، أو غرقت، ولا مَن سقى من شربِ غيره

(والشربُ يورثُ ويوصى بالانتفاع، ولا يباعُ، ولا يؤجَّر، ولا يوهب، ولا يتصدَّقُ به، ولا يجعل مهراً، وبدل الصلح.

ولا يضمنُ مَن ملأ أرضَه فنَزَّت أرضُ جارِه، أو غرقت، ولا مَن سقى من شربِ غيره)، وهو قولُ الإمامِ المعروفِ بخُواهر زَادَه

(1)

رضي الله عنه، وفي «الجامع الصغير» للبَزْدَوِيّ رضي الله عنه: أنّه يضمن. (والله أعلم)

(2)

.

* * *

(1)

وهو محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين البُخاري القُدَيْدي الحنفي، المعروف ببكر خُوَاهَرْ زَادَه، قال الذهبي: شيخ الطائفة بما وراء النهر، برع في المذهب، وفاق الأقران، وطريقته أبسط طريقة الأصحاب، وكان يحفظها. من مؤلفاته:«المختصر» ، و «التجنيس» ، و «المبسوط» ، (ت 483 هـ). ينظر:«العبر» (3: 302). «الجواهر المضية» (3: 141). «الفوائد» (ص 270).

(2)

زيادة من ب وم.

ص: 112

‌كتاب الأشربة

حَرُمَ الخمرُ: وهي التي من ماءِ العنبِ إذا غُلِيَ واشتدَّ وقذفَ بالزَّبَد وإن قَلَّت

كتاب الأشربة

(حَرُمَ الخمرُ: وهي التي من ماءِ العنبِ إذا

(1)

غُلِيَ واشتدَّ وقذفَ بالزَّبَد وإن قَلَّت)، هذا الاسمُ خصَّ هذا الشراب بإجماعِ أهلِ اللغة

(2)

، ولا نقول: إنّ كلَّ مسكرٍ خمر؛ لاشتقاقِهِ من مخامرةِ العقل، فإنّ اللغةَ لا يجري فيها القياس، فلا يُسمَّى الدنّ قارورة؛ لقرارِ الماء فيه، ورعايةُ الوضعِ الأوَّل ليست لصحَّةِ الإطلاقِ بل لترجيحِ الوضع، وقد حقَّقناه في «التنقيح»

(3)

، وقذفُ الزبدِ قولُ أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما: إذا اشتدَّ صار مسكراً، لا يشترطُ قذفُ الزبد، ثمّ عينُها حرام وإن قلَّت.

ومن الناسِ

(4)

مَن قال: السكرُ منها حرام، وهذا مدفوعٌ بأنَّ الله تعالى سمَّاها رجساً، وعليه انعقدَ إجماعُ الأمَّة، ثمَّ يكفَّرُ مستحلُّها، وسقطَ تقوُّمها لا ماليَّتُها عنها، ويحرمُ الانتفاعُ بها، ويحدُّ شاربُها وإن لم يسكر، ولا يؤثِّرُ فيها الطبخ، ويجوز تخليلها خلافاً للشَّافِعِيّ

(5)

رضي الله عنه.

(1)

زيادة من ب.

(2)

ينظر: «اللسان» (2: 1259).

(3)

إذ قال في «التنقيح» ، وشرح «التوضيح» (1: 134): إن الواضع قد لا يعتبر فيه المناسبة كالجدار والحجر، وقد يعتبر فيه كالقارورة والخمر، واعتبار المعنى الأول في الوضع الثاني لبيان المناسبة والأولوية لا لصحة الإطلاق، وإلا يلزم أن يسمى الدنّ قارورة؛ فلهذا السرّ لا يجري القياس في اللغة فلا يقال: إن سائر الأشربة خمر لمعنى مخامرة العقل، فإن معنى المخامرة ليس مراعى في الخمر لصحة إطلاق الخمر على كلّ ما يوجد فيه المخامرة، بل لأجل المناسبة الأولوية ليضع الواضع لهذا المعنى لفظاً مناسباً له. فاحفظ هذا البحث فإنه بحث شريف بديع لم تزل أقدام من سوغ القياس في اللغة إلا لغفلة عنه.

(4)

قيل يريد به مالكاً رضي الله عنه والشافعي رضي الله عنه. ينظر: «العناية» (10: 90).

(5)

ينظر: «النكت» (3: 524)، وغيرها.

ص: 113

كالطلاءِ وهو ماءُ عنبٍ قد طُبِخَ فذهبَ أقلُّ من ثلثيه، وغلظاً نجاسةً، ونقيعُ التمر، ونقيعُ الزبيب نيّين، إذا غلت واشتدت

هذه عشرةُ أحكام

(1)

.

(كالطلاءِ وهو ماءُ عنبٍ قد طُبِخَ فذهبَ أقلُّ من ثلثيه، وغلظاً نجاسةً

(2)

، ونقيعُ التمر): أي السكر، (ونقيعُ الزبيب نيّين، إذا غلت واشتدت)، الضميرُ يرجعُ إلى الطلاء ونقيعِ التمرِ ونقيعِ الزبيب، وعند الأَوْزَاعِيّ

(3)

الطلاءُ: وهو الباذق

(4)

مباح،

(1)

مراده أن الكلام على الخمر في عشرة مواضع، وهي:

الأول: بيان مائيتها وهي النيء من ماء العنب إذا صار مسكراً.

والثاني: أريد به بيان الحكم؛ إذ هو اللائق بمنصب الرسالة.

والثالث: إن عينها حرام غير معلول بالسكر ولا موقوف عليه.

والرابع: إنها نجسة نجاسة غليظة كالبول لثبوتها بالدلائل القطعية.

والخامس: إنه يكفر مستحلّها لإنكاره القطعي.

والسادس: لسقوط تقومها في حقِّ المسلم حتى لا يضمن متلفُها وغاصبُها، ولا يجوز بيعُها؛ لأن الله تعالى لما نجَّسها فقد أهانها والتقوم يشعر بعزتها.

والسابع: حرمة الانتفاع بها؛ لأن الانتفاع بالنجس حرام، ولأنه واجب الاجتناب، وفي الانتفاع به اقتراب.

والثامن: أن يحد شاربها وإن لم يسكر منها.

والتاسع: أن الطبخ لا يؤثر فيها؛ لأنه للمنع من ثبوت الحرمة لا لرفعها بعد ثبوتها إلا أنه لا يحد فيه ما لم يسكره منه.

والعاشر: جواز تخليلها. ينظر: «الهداية» (4: 109 - 110).

(2)

أي الخمر وما ذهب من ثلثيه.

(3)

وهو عبد الرحمن بن عمرو بن يُحْمِد الأَوْزَاعِيّ، أبو عمر، نسبة إلى الأَوْزَع، وهي بطن من ذي الكَلاع من اليمن، وقيل: الأوزع قرية من دمشق على طريق باب الفراديس، ولم يكن منهم، وإنما نزل فيهم فنسب إليهم، وقيل غير ذلك، وهو إمام أهل الشام، وكان يسكن بيروت، ويقدر ما سئل عنه بسبعين ألف مسألة أجاب عليها، وكانت الفتيا بالأندلس تدور على رأيه إلى زمن الحكم بن هشام. (88 - 157 هـ). ينظر:«وفيات الأعيان» (3: 127 - 128). «مرآة الجنان» (1: 251). «الأعلام» (4: 94).

(4)

الباذَق: ما طبخ من عصير العنب أدنى طبخ فصار شديداً، وهو مسكر. ينظر:«المصباح» (ص 41).

ص: 114

وحرمةُ الخمرِ أقوى، فيكفرُ مستحلُّها فقط. وحلَّ المُثَلَّثُ العنبيّ مشتدّاً، ونبيذُ التمرِ والزبيبِ مطبوخاً أدنى طبخة وإن اشتدّ إذا شربَ ما لم يسكرْ بلا لهو وطرب، والخليطان، ونبيذُ العسلِ والتينِ والبُرِّ والشعيرِ والذرة وإن لم يطبخْ بلا لهوٍ ولا طرب

وكذا نقيعُ الزبيب، وعند شريك بن عبد الله

(1)

: السكرُ مباح؛ لقوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً}

(2)

، واعلم أنَّ هذه الأشربةَ إنَّما تحرمُ عند أبي حنيفة رضي الله عنه إذا غلت واشتدَّت وقذفتْ بالزبد، وعندهما: يكفي الاشتدادُ كما في الخمر.

(وحرمةُ الخمرِ أقوى، فيكفرُ مستحلُّها فقط.

وحلَّ المُثَلَّثُ العنبيّ مشتدّاً): أي بطبخ ماء العنب حتى يذهبَ ثلثاه وبقي ثلثُه، ثمّ يوضعُ حتى يغلي ويشتدُّ ويقذفُ بالزبد، وكذا إن صبَّ فيه الماءُ حتى يرقَّ بعدما ذهبَ ثلثاه، ثمّ يطبخُ أدنى طبخة، ثمّ يتركُ إلى أن يغليَ ويشتدَّ ويقذفَ بالزبد، وإنَّما حلَّ المثلَّث عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسفَ رضي الله عنه خلافاً لمحمَّد ومالك

(3)

والشافعيّ

(4)

رضي الله عنهم، (ونبيذُ التمرِ والزبيبِ مطبوخاً أدنى طبخة وإن اشتدّ إذا شربَ ما لم يسكرْ بلا لهو وطرب): أي إنَّما يحلّ هذه الأشربةُ إذا شربَ ما لم يسكر، أمَّا القدحُ الأخير

(5)

، وهو المسكرُ حرامٌ اتّفاقاً، وشرطُهُ أن يشربَ لا لقصدِ اللهوِ والطرب، بل لقصدِ التقوى.

(والخليطان): وهو أن يجمعَ بين ماءِ التمرِ والزبيبِ ويطبخَ أدنى طبخة، ويترك إلى أن يغليَ ويشتدّ، يحلُّ بلا لهو وطرب.

(ونبيذُ العسلِ والتينِ والبُرِّ والشعيرِ والذرة وإن لم يطبخْ بلا لهوٍ ولا طرب،

(1)

وهو شريك بن عبد الله النَّخَعي الكوفي، أبو عبد الله، القاضي بواسط ثم الكوفة، قال ابن المبارك: هو أعلم في حديث بلده من سفيان الثوري، قال ابن حجر: صدوق يخطئ كثيراً، تغيَّر حفظه منذ وُلِّي القضاءَ بالكوفة، وكان عادلاً فاضلاً شديداً على أهل البدع، (ت 7/ 178 هـ). ينظر:«العبر» (1: 270). «التقريب» (ص 207).

(2)

من سورة النحل، الآية (67).

(3)

ينظر: «منح الجليل» (2: 455)، وغيره.

(4)

ينظر: «أسنى المطالب» (1: 10)، و «حاشيتا قليوبي وعميرة» (4: 203)، وغيرهما.

(5)

أي يحرم القدر المسكر منه، وهو الذي يعلم يقيناً أو بغالب الرأي أنه يسكره، فالحرام: هو القدح الأخير الذي يحصل السكر بشربه. ينظر: «رد المحتار» (6: 453).

ص: 115

وخلُّ الخمر ولو بعلاج والانتباذُ في الدباء والحنتم والمزفَّتِ والنقير، وكرهَ شربُ دُرْدِيّ الخمر، والامتشاطُ به، ولا يحدُّ شاربُهُ بلا سكر

وخلُّ الخمر

(1)

ولو بعلاج): أي بإلقاءِ شيءٍ فيه، وهذا احترازٌ عن قولِ الشافعيّ

(2)

رضي الله عنه، فإنّ التخليلَ إذا كان بإلقاءِ شيءٍ لا يحلُّ الخلُّ قولاً واحداً، وإن كان بغيرِ إلقاءِ شيء ففيه قولان له.

(

(3)

والانتباذُ في الدباء والحنتم والمزفَّتِ والنقير)، الدباءُ: القرع، والحنتمُ: الجرَّة الخضراء، والمزفت: الظرفُ المطلي بالزفت؛ أي القير، والنقير: الظرفُ الذي يكون من الخشبِ المنقور.

اعلم أنَّ هذه الظروفَ كانت مختصَّةً بالخمر، فإذا حرِّمت الخمرُ حرمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم استعمالَ هذه الظروف، إمَّا لأنَّ في استعمالها تشبُّهاً بشربِ الخمر، وإمّا لأنَّ هذه الظروفَ كان فيها أثرُ الخمر، فلمَّا مضت مدَّةٌ أباحَ النبيّ صلى الله عليه وسلم استعمالَ هذه الظروف، فإنّ أثرَ الخمرِ قد زال عنها، وأيضاً في ابتداءِ تحريمِ شيءٍ يبالغُ ويشدَّد ليتركَه الناسَ مرَّة، فإذا تركَ الناسُ واستقرَّ الأمرُ يزولُ ذلك التشديدُ بعد حصولِ المقصود.

(وكرهَ شربُ دُرْدِيّ

(4)

الخمر، والامتشاطُ به)، المرادُ بالكراهةِ الحرمة؛ لأنَّ فيه أجزاءَ الخمر، إلا أنَّه ذكرَ لفظَ الكراهةِ لا الحرمة؛ لعدمِ النصِّ القاطعِ فيه، (ولا يحدُّ شاربُهُ بلا سكر)، فإنّ في الخمر إنّما يحدُّ بشربِ القليل؛ لأنَّ قليلَ الخمرِ يدعو إلى الكثير، ولا كذلك في الدُرْدِيّ فاعتبرَ حقيقةُ السكر.

* * *

(1)

أي حل الخل الذي يتحوَّل الخمر إليه. ينظر: «درر الحكام» (2: 88).

(2)

ينظر: «روضة الطالب» (1: 18)، و «التنبيه» (ص 17)، وغيرهما.

(3)

في ق زيادة: فيكفر مستحلها.

(4)

دُرْدِيّ: أي العَكَر. ينظر: «المصباح» (ص 324).

ص: 116

‌كتاب الصيد

يحلُّ صيدُ كلِّ ذي نابٍ وذي مخلبٍ من كلبٍ أو بازٍ ونحوهما، بشرطِ: علمِهما، وجرحِهما: أيَّ موضعٍ منه، وإرسالِ مسلمٍ أو كتابيّ إيَّاهما مسمّياً على ممتنعٍ متوحِّش يؤكل

كتاب الصيد

(يحلُّ صيدُ كلِّ ذي نابٍ وذي

(1)

مخلبٍ من كلبٍ أو بازٍ ونحوهما)، قد مرَّ في (الذبائح)

(2)

معنى ذي النابِ وذي المخلب، ثمَّ اعلم أنَّ الخنْزيرَ مستثنى؛ لأنّه نجسُ العين، وأبو يوسفَ رضي الله عنه استثنى الأسد؛ لعلوِّ همَّته، والدُّبّ؛ لخساسته، والبعضُ ألحق الحِدأة

(3)

به؛ لخساسته، والظاهرُ أنّه لا يحتاجُ إلى الاستثناء؛ فإنّ الأسدَ والدُّبَّ لا يصيران مُعَلَّمين لعلوِّ الهمةِ والخساسة، فلم يوجدُ شرطُ حلّ الصيد.

(بشرطِ: علمِهما

(4)

، وجرحِهما

(5)

: أيَّ موضعٍ منه)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّد رضي الله عنه، وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه: أنَّه لا يشترطُ الجرح، (وإرسالِ مسلمٍ أو كتابيّ إيَّاهما مسمّياً): أي لا يتركُ التسميةَ عامداً، (على ممتنعٍ متوحِّش يؤكل)، يشترطُ في الصيدِ أن يكون ممتنعاً بالقوائمِ أو الجناحين، فالصيدُ الذي استأنسَ ممتنعٌ غير متوحِّش، والصّيدُ الواقعُ في الشبكةِ والساقطُ في البئرِ والذي أثخنه متوحِّشٌ غيرُ ممتنعٍ لخروجه عن حيزِ الامتناع

(6)

.

(1)

ذي: زيادة من ب و م.

(2)

4: 87).

(3)

حِدأة: بالكسر: وهي طائر من الجوارح، وهو أخسّ الطير، يغلبه أكثر الطيور، وينقضّ على الجُرْذان والدواجن، والغراب يسرق بيض الحدأة ويترك مكانه بيضه فالحدأة تحضنها، فإذا فرخت فالحدأة الذكر تعجب من ذلك، ولا يزال يزعق ويضرب الأنثى حتى يقتلها، ينظر:«حياة الحيوان» (1: 229)، و «عجائب المخلوقات» (2: 259)، و «المعجم الوسيط» (ص 159).

(4)

أي علم ذي ناب وذي مِخْلَب بأخذ الصيد؛ لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمتُمْ} . ينظر: «فتح باب العناية» (3: 81).

(5)

لتحقق الذكاة الاضطرارية. ينظر: «فتح باب العناية» (3: 82).

(6)

فلا يجري عليه الحكم المذكور من الذبح الاضطراري. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 575).

ص: 117

وأن لا يشاركَ الكلبَ المعلَّمَ كلبٌ لا يحلّ صيده، ولا يطولُ وقفته بعد إرساله، ويُعَلَّمُ المُعَلَّمُ بتركِ أكل الكلب ثلاثَ مرَّات، ورجوعُ البازيّ بدعائه، فإن أكلَ منه البازيّ أكلَ، لا إن أكلَ الكلب، ولا ما أكلَ منه بعد تركِهِ ثلاث مرَّات، ولا ما صادَ بعده حتى يَتَعَلَّم، وقبله وبقى في ملكه، ومن شرطِ الحلِّ بالرمي التسمية، والجرح، وأن لا يقعدَ عن طلبه لو غاب متحاملاً سهمه. فإن أدركَه المرسلُ أو الرامي حيَّاً ذكَّاه

(وأن لا يشاركَ الكلبَ المعلَّمَ كلبٌ لا يحلّ صيده)، مثلُ كلبٍ غيرِ مُعَلَّم، أو كلبِ مجوسيٍّ، أو كلبٍ لم يرسلْ للصيد، أو أرسلَ وتركَ التسميةَ عمداً، (ولا يطولُ وقفته بعد إرساله)، فإنّه إن طال وقفتُه بعد الإرسالِ لم يكن الاصطياد مضافاً إلى الإرسال، بخلاف ما إذا كَمَنَ الفهد، فإنّ هذا حيلةٌ في الاصطياد، فيكون مضافاً إلى الإرسال.

(ويُعَلَّمُ المُعَلَّمُ بتركِ أكل الكلب ثلاثَ مرَّات

(1)

، ورجوعُ البازيّ بدعائه، فإن أكلَ منه البازيّ أكلَ، لا إن أكلَ الكلب، ولا ما أكلَ منه بعد تركِهِ ثلاث مرَّات، ولا ما صادَ بعده حتى يَتَعَلَّم، وقبله وبقى في ملكه): أي لا يحلُّ ما صادَ الكلبُ بعدما أكلَ حتى يَتَعَلَّم: أي يتركَ الأكلَ ثلاثَ مرَّات، ولا يحلُّ ما صادَ قبل الأكل إذا بقيَ في ملكه، فإنَّ الكلبَ إذا أكلَ علمَ أنَّه لم يكن كلباً معلَّماً، وكلّ ما صادَ قبل ذلك الأكلِ فهو صيدُ كلبٍ جاهل، فيحرمُ إذا بقي في ملكِ الصيَّاد.

(ومن شرطِ الحلِّ بالرمي التسمية): أي لا يتركها عامداً، (والجرح، وأن لا يقعدَ عن طلبه لو غاب متحاملاً سهمه): أي رمى فغابَ عن بصرِهِ متحاملاً سهمه، فأدركه ميتاً، فإن لم يقعدْ عن طلبِهِ حلَّ أكله؛ لأنَّ هذا ليس في وسعه، وإن قعدَ عن طلبه يحرم؛ لأنَّ في وسعه أن يطلبَه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«لعلّ هوامَّ الأرضِ قتلته»

(2)

.

(فإن أدركَه المرسلُ أو الرامي حيَّاً ذكَّاه)، المرادُ إنّه أدركه حيَّاً، وفيه من الحياةِ فوقَ ما يكون في المذبوحِ يجبُ التذكية، حتى لو تركَ التذكيةَ يحرم، وقد قال في «المتن»:

(1)

وإنما قدر بثلاث مرات؛ لأنه ربّما يترك الأكل لشِبَعه، فقدّر له مدّة ضربت للاختبار كما في مدّة الخيار. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 83).

(2)

من حديث أبي رزين وعائشة في «المعجم الكبير» (19: 214)، وفي لفظ مسلم (3: 1532): عن أبي ثعلبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكله ما لم ينتن» ، وينظر:«نصب الراية» (4: 314)، و «الدراية» (2: 255).

ص: 118

فإن تركها عمداً فمات أو أرسلَ مجوسيّ كلبَه، فزجرَه مسلمٌ فانزجر، أو قتله معراض بعرضه، أو رمى صيداً فوقعَ في ماء، أو على سطحٍ أو جبلٍ فتردَّى منه إلى الأرض حرم، أو أرسلَ مسلمٌ كلبَه فزجرَه مجوسيّ فانزجر، أو لم يرسلْهُ أحد، فزجرَه مسلمٌ فانزجر

فإن تركها عمداً المرادُ به: أنّه تركَ التذكيةَ مع القدرة عليها، أمّا إن لم يتمكّن من التذكيةِ ففي «المتن» إشارةٌ إلى حلِّه كما روي عن أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وكذا عن أبي يوسفَ رضي الله عنه وهو قولُ الشافعيّ

(1)

رضي الله عنه، وفي ظاهرِ الرواية: إنّه يحرمُ وإن كان حياته مثل حياة المذبوح فلا اعتبارَ لها، فلا يجبُ التذكية، أمَّا في المتردِّية وأخواتها، وفي الشاةِ التي مرضت فالفتوى على أنَّ الحياة وإن قلَّت معتبرة، حتى لو ذكَّاها وفيها حياةٌ قليلةٌ يحلّ لقوله تعالى:{إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}

(2)

.

(فإن تركها): أي التذكية، (عمداً فمات أو أرسلَ مجوسيّ كلبَه، فزجرَه مسلمٌ فانزجر): أي أغراهُ بالصياح فاشتدّ

(3)

، (أو قتله معراض بعرضه)، المعراضُ السهمُ الذي لا ريشَ له، سمّيَ معراضاً؛ لأنَّه يصيبُ الشيءَ بعرضه، فلو كان في رأسه حدَّة فأصابَ بحدته يحلّ، أو بندقةٍ

(4)

ثقيلةٍ ذات حدّة، إنَّما قال هذا؛ لأنّه يحتملُ أن يكون قد قتلَه بثقله، حتى لو كان خفيفاً به حدَّة يحلّ لتعيِّن أنَّ الموتَ بالجرح، (أو رمى صيداً فوقعَ في ماء)، فإنّه يحتملُ أنَّ الماءَ قتله فيحرم، (أو على سطحٍ أو جبلٍ فتردَّى منه إلى الأرض حرم)؛ لأنَّ الاحترازَ عن مثلِ هذا ممكن، فإن وقعَ على الأرضِ ابتداءً فإنّ الاحترازَ عن مثل هذا غير ممكن، فيحلّ.

(أو أرسلَ مسلمٌ كلبَه فزجرَه مجوسيّ فانزجر، أو لم يرسلْهُ أحد، فزجرَه مسلمٌ فانزجر)، اعلم أنّه إذا اجتمعَ الإرسالُ والزجرُ: أي السوقُ، فالاعتبارُ للإرسال، فإن كان الإرسالُ من المجوسيِّ والزجرُ من المسلمِ حَرُم، وإن كان على

(1)

ينظر: «النكت» (2: 233)، وغيرها.

(2)

المائدة، (3).

(3)

إذا المراد بالزجر: الإغراء بالصياح عليه، وبالإنزجاء يحصل زيادة الطلب للصيد. ينظر:«تكملة البحر» (8: 255).

(4)

البُنْدُقُ: ما يعمل من الطين ويرمى به، الواحدة منها بُنْدُقة، وجمع الجمع البنادق. ينظر:«المصباح» (ص 39).

ص: 119

أو أخذ غيرَ ما أرسلَ عليه أكل، كصيدٍ رمى فقطعَ عضوٌ أكل منه لا العضو، وإن قطع أثلاثاً وأكثره مع عجزه، أو قطعَ نصفَ رأسه أو أكثره أو قدّ بنصفين أكل كلّه، فإن رمى صيداً فرماه آخرُ فقتلَه فهو للأوّل وحرمَ، وضَمِنَ الثاني له قيمتَه مجروحاً إن كان الأوَّل أثخنَه، وإلا فللثاني وحلّ

العكسِ حلّ، وإن لم يوجدِ الإرسالُ ووجدَ الزجرُ يعتبرُ الزجر، فإن كان من المسلمِ حلّ، وإن كان من المجوسيّ حرم.

(أو أخذ غيرَ ما أرسلَ عليه أكل)، هذا عندنا، فإنّه لا يمكنُ التعليمُ بحيث يأخذُ ما عيَّنَه، وعند مالكٍ

(1)

رضي الله عنه لا يؤكل، وإن أرسله فقتلَ صيداً ثمَّ قتلَ صيداً آخرَ أكلا، كما لو رمى سهماً إلى صيدٍ فأصابه وأصاب آخر، وكذا لو أرسلَ على صيودٍ كثيرة، وسمَّى مرَّة واحدة، بخلافِ ذبحِ الشاتين بتسميةٍ واحدة.

(كصيدٍ رمى فقطعَ عضوٌ أكل

(2)

منه لا العضو)، هذا عندنا، وعند الشافعيّ

(3)

رضي الله عنه أكلاً جميعاً، لنا قوله صلى الله عليه وسلم:«ما أبينُ من الحيّ فهو ميْت»

(4)

، (وإن قطع أثلاثاً وأكثره مع عجزه): أي قطعه قطعتين، بحيث يكون الثلثُ في طرفِ الرأس، والثلثان في طرفِ العجز، (أو قطعَ نصفَ رأسه أو أكثره أو قدّ بنصفين أكل كلّه)؛ لأنّ في هذه الصور لا يمكن حياته فوق حياةِ المذبوح، فلم يتناوله قوله صلى الله عليه وسلم:«ما أبين من الحيّ فهو ميْت» ، بخلافِ ما إذا كان الثلثان في طرفِ الرأسِ والثلثُ في طرف العجز لإمكانِ الحياةِ في الثلثين فوقَ حياةِ المذبوح، وبخلاف ما إذا قطعَ أقلَّ من نصفِ الرأس لإمكانِ الحياة (في الثلثين)

(5)

فوق حياة المذبوح.

(فإن رمى صيداً فرماه آخرُ فقتلَه فهو للأوّل وحرمَ

(6)

، وضَمِنَ الثاني له قيمتَه مجروحاً إن كان الأوَّل أثخنَه، وإلا فللثاني وحلّ): أي رمى صيداً فرماهُ آخرُ فقتله،

(1)

ينظر: «المدونة» (1: 534)، و «مواهب الجليل» (3: 216)، وغيرهما.

(2)

زيادة من أ.

(3)

ينظر: «النكت» (2: 233)، وغيرها.

(4)

من حديث أبي واقد الليثي وابن عمر والخدري وتميم الداري في «جامع الترمذي» (4: 74)، وقال: حديث حسن غريب، و «صحيح ابن خزيمة» (4: 300)، و «سنن الدارمي» (2: 28)، ولفظه:«ما قطع من بهيمة حية فهو ميتة» ، وينظر:«نصب الراية» (4: 317)، و «الدراية» (2: 256).

(5)

زيادة من ف.

(6)

لاحتمال موته بالرمي الثاني، وهو ليس بذكاة له؛ لوجود القدرة على الذكاة الاختيارية. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 88).

ص: 120

ويصاد ما يؤكل لحمه، وما لا يؤكل

فإن كان الأوَّل أخرجَه عن حيزِ الامتناعِ فهو ملكٌ للأوَّل، ويكون حراماً؛ لأن ذكاته ذكاة اختياريّة، فيحرم حيث قتلَه بالرمي، وإذا كان ملكاً للأوَّل وحرّم برمي الثاني فالثاني يضمنُ قيمتَه حال كونِه مجروحاً برمي الأوَّل، وإن لم يكن الأوَّل أخرجَه عن حيِّز الامتناعِ فهو ملكٌ للثاني؛ لأنّه قد صاده، ويكون حلالاً؛ لأنَّ ذكاته اضطراريّة.

(ويصاد ما يؤكل لحمه، وما لا يؤكل)، فما لا يؤكل لحمه فبالاصطياد يطهر لحمه وجلده.

* * *

ص: 121

‌كتاب الرهن

هو حبسُ الشيءِ بحقٍّ يمكن أخذُه منه كالدين، وينعقدُ بإيجابٍ وقبولٍ غيرَ لازم، فللرَّاهنِ تسليمُهُ والرجوعُ عنه، فإذا سلَّمَ فقبضَ محوزاً، مفرغاً، متميِّزاً لَزِمَ، والتخليةُ قبضٌ فيه كما في البيع

كتاب الرهن

(هو حبسُ الشيءِ بحقٍّ يمكن أخذُه منه كالدين)، فإنَّ الدينَ يمكنُ أخذُه من المرهونِ بأن يباعَ المرهونُ بخلاف العين، فإنّ الصورةَ مطلوبةٌ فيها ولا يمكن تحصيل صورتِها من شيءٍ آخر.

(وينعقدُ بإيجابٍ وقبولٍ غيرَ لازم): أي ينعقدُ حالَ كونِهِ غير لازم، (فللرَّاهنِ تسليمُهُ والرجوعُ عنه)

(1)

: أي تسليمُ الرهنِ بمعنى المرهون، والرجوعُ عن الرهنِ بمعنى العقد، (فإذا سلَّمَ فقبضَ

(2)

محوزاً): أي مقسوماً غير شائع، (مفرغاً): أي غيرَ مشغولٍ بحقِّ الراهن، حتى لا يجوزَ رهنُ الأرضِ بدون النخل، والشجرِ بدون الثمر، ودارٍ فيها متاعُ الراهنِ بدون المتاع، (متميِّزاً لَزِمَ): أي إن كان متَّصلاً بحقّ الراهنِ خلقةً كالثمرِ على الشجرِ يجبُ أن يميِّزَ ويفصلَ عنه، فالمفرغُ يتعلَّقُ بالمحلّ، فيجبُ فراغُهُ عمَّا حلّ فيه كالثمر

(3)

، وهو ليس بمرهونٍ سواءً كان اتّصالُهُ به خلقةً أو مجاورة، والمتميّزُ يتعلَّقُ بالحالِ في المحلّ، فيجبُ انفصالُهُ عن محلٍّ غيرِ مرهونٍ إذا كان اتِّصالُهُ به خلقة، حتى لو كان اتِّصالُهُ بالمجاورةِ لا يضرّ كرهن المتاعِ الذي في بيتِ الراهن.

(والتخليةُ قبضٌ فيه كما في البيع)، التخليةُ أن يضعَه الراهنُ في موضعٍ يتمكَّنُ المرتهنُ من أخذه، هذا في ظاهرِ الرواية، وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه لا يثبتُ في المنقولِ إلا بالنقل؛ لأنَّه قبضٌ موجبٌ للضمان بمنْزلةِ الغصب، وعند مالك

(4)

رضي الله عنه يلزمُ بدون القبض.

(1)

أي قبض القبض، لأن القبض شرط لزوم. ينظر:«الهداية» (4: 126).

(2)

أي بإذن الراهن صريحاً أو ما جرى مجراه في المجلس وبعده بنفسه أو بنائبه كأب ووصي وعدل. ينظر: «رد المحتار» (5: 308).

(3)

زيادة في ب و م.

(4)

ينظر: «الشرح الصغير» ، و «حاشية الصاوي» عليه (3: 313)، وغيرهما.

ص: 122

وضمنَ بأقلَّ من قيمتِهِ ومن الدَّين، فلو هلكَ وهما سواء سقطَ دينُه، وإن كانت قيمتُهُ أكثر، فالفضلُ أمانة، وفي أقلّ سقط من دينه بقدرها، ورجعَ المرتهنُ بالفضل، وللمرتهنِ طلبُ دينِهِ من راهنِه، وحبسه به، وحبسُ رهنِهِ بعد فسخِ عقدِه حتى يقبضَ دينَه أو يبرئه

(وضمنَ بأقلَّ من قيمتِهِ ومن الدَّين)، اعلم أنَّ هذا تركيبٌ مشكلٌ غفلَ الناس عن إشكاله، وهو أنَّه يتوهَّم أنَّ كلمة: من؛ هي التي تستعملُ مع أفعلِ التفضيل، وليس كذلك؛ لأنّه إن أريدَ أنّه مضمونٌ بأقلّ من كلِّ واحدٍ فهذا غير مراد، وإن أريدَ أنّه مضمونٌ بأقلَّ من المجموعِ أو بأقلَّ من أحدهما إن كان الواو بمعنى: أو؛ فهذا شيءٌ مجهولٌ غيرُ مفيد، بل المرادُ أنّه مضمونٌ بما هو الأقلّ، فإن كان الدينُ أقلَّ من القيمة فهو مضمون بالدين، وإن كانت القيمةُ أقلَّ من الدين فهو مضمون بالقيمة فيكون: من؛ للبيان، تقديرُه: أنه مضمونٌ بما هو أقلُّ من الآخرِ الذي هو القيمةُ تارةً، والدينُ أخرى، ثمّ إذا عُلِمَ الحكمُ فيما إذا كانت القيمةُ أكثر، وهو أنّه مضمونٌ بالدين، والفضلُ أمانة، فُهِمَ الحكمُ في صورةِ المساواةِ أنَّه يكون مضموناً بالدين.

(فلو هلكَ وهما سواء سقطَ دينُه، وإن كانت قيمتُهُ أكثر، فالفضلُ أمانة، وفي أقلّ سقط من دينه بقدرها، ورجعَ المرتهنُ بالفضل)، فالحاصلُ أنَّ يدَ المرتهنِ على الرهنِ يدُ استيفاء؛ لأنَّه وثيقةٌ لجانبِ الاستيفاء؛ لتكون موصلةً إليه، فيكونُ استيفاءً من وجه، ويتقرَّب بالهلاك، فإذا كان الدينُ أقلَّ من القيمةِ فقد استوفى الدين، والفضلُ أمانة، وإن كانت القيمةُ أقلّ يكون مستوفياً بقدرِ الماليّة، وهي القيمة، فيرجعُ بالفضل، هذا عندنا، وعند مالك

(1)

رضي الله عنه هو مضمونٌ بالقيمة، وعند الشَّافِعِيّ

(2)

رضي الله عنه هو غيرُ مضمون، بل هو أمانة.

(وللمرتهنِ طلبُ دينِهِ من راهنِه)، فإنّه لا يسقطُ بالرهنِ طلبُ الدّين، (وحبسه به): أي حبسُ الرهنِ بالدّين، (وحبسُ رهنِهِ بعد فسخِ عقدِه حتى يقبضَ دينَه أو يبرئه)، فإنّه لا يبطلُ إلا بالردِّ على الراهنِ على وجه الفسخ؛ لأنّه يبقى مضموناً ما بقيَ القبضُ والدين.

(1)

ينظر: «المدونة» (4: 151)، و «مختصر خليل» (ص 183)، وغيرهما.

(2)

ينظر: «النكت» (2: 435)، وغيرها.

ص: 123

لا الانتفاعُ به باستخدامٍ ولا سكنى ولا لُبْسٍ ولا إجارةٍ ولا إعارةٍ، وهو متعدٍّ لو فعل، ولا يبطلُ الرهن به، وإذا طلبَ دينَهُ أُمِرَ بإحضارِ رهنِه، فإن أحضرَه سَلَّمَ كلَّ دينِهِ أوَّلاً، ثمَّ رهنه، وإن طلبَ في غيرِ بلدِ العقدِ إن لم يكن للرَّهنِ مؤنةٌ حُمِل، وإن كان سَلَّمَ دينَه بلا إحضارِ رهنه، ولا يكلَّفُ مرتهنٌ طلبَ دينَه بإحضارِ رهنٍ وضعَ عند عدل، ولا ثمنَ رهنٍ باعَهُ المُرْتهنُ بأمره حتى يقبضَه، ولا مرتهنٌ معه رهنٌ تمكينه من بيعِه حتى يقضيَ دينه، ولا مَن قضى بعضَ دينه تسليمَ بعض رهنه، حتى يقبضَ البقيّة

(لا الانتفاعُ به باستخدامٍ ولا سكنى ولا لُبْسٍ ولا إجارةٍ ولا إعارةٍ، وهو متعدٍّ لو فعل

(1)

، ولا يبطلُ الرهن به): أي بالتعدِّي.

(وإذا طلبَ دينَهُ أُمِرَ بإحضارِ رهنِه، فإن أحضرَه سَلَّمَ كلَّ دينِهِ أوَّلاً، ثمَّ رهنه، وإن طلبَ في غيرِ بلدِ العقدِ إن لم يكن للرَّهنِ مؤنةٌ حُمِل، وإن كان سَلَّمَ دينَه بلا إحضارِ رهنه)، إنَّما يُسَلِّمُ الدينَ أوَّلاً لتعيينِ حقِّ المُرْتَهن كما ذكرنا في البيعِ أنَّ الثمنَ يُسَلَّمُ أوَّلاً لهذا المعنى، وقوله: وإن طلب، متَّصلٌ بما سبق، وهو قوله: أمر بإحضارِ رهنه؛ أي يؤمرُ بإحضارِ الرهن، وإن كان طلبُ الدينِ في غير بلدِ العقد، وهذا الحكمُ وهو الأمرُ بإحضارِ الرهنِ في غير بلدِ العقدِ إنَّما يثبتُ إن لم يكن للرَّهن مؤنةُ الحمل، حتى إن كان للرهنِ مؤنةُ الحملِ سَلَّمَ دينَه بلا إحضارِ الرهن.

(ولا يكلَّفُ مرتهنٌ طلبَ دينَه بإحضارِ رهنٍ وضعَ عند عدل، ولا ثمنَ رهنٍ باعَهُ المُرْتهنُ بأمره حتى يقبضَه): أي لأنّ أمرَ الراهنِ المرتهنَ ببيعِ رهنِهِ فباعَه، فإن لم يقبضِ الثمنَ لا يكلَّفُ بإحضارِ الثمنِ إذا طلبَ دينه، وإن قبضَ الثمنَ يكلّف بإحضاره.

(ولا مرتهنٌ معه رهنٌ تمكينه من بيعِه حتى يقضيَ دينه): أي لا يكلَّفُ مرتهنٌ معه رهنٌ أن يمكِّنَ الراهنَ من بيع الرهن، ثمّ هذا الحكمُ وهو عدمُ التكليفِ المذكورِ مغيّاً إلى قضاء الدين.

(ولا مَن قضى بعضَ دينه تسليمَ بعض رهنه، حتى يقبضَ البقيّة): أي لا يكلَّفُ مرتهنٌ قضى بعضَ دينِهِ تسليمَ بعض رهنه، ثمَّ هذا الحكمُ وهو عدمُ التكليف المذكورِ مغيَّاً إلى قبض بقيّة الدّين.

(1)

فلو هلكَ به ضمنه ضمان الغصب بجميع قيمته؛ لأنَّ الزيادة على مقدارِ الدين أمانةٌ كما مرّ والأمانات تضمنُ بالتعدّي. ينظر: «ذخيرة العقبى» (ص 594).

ص: 124

وله حفظُهُ بنفسِهِ وعياله، وضَمِنَ بحفظِهِ بغيرهم، وإيداعِه وتعدِّيه، وجعلِه خاتمَ الرهنِ في خنصرِهِ لا بجعله في إصبع آخر، وعليه مؤنةُ حفظِهِ وردِّه إلى يدِه، أو ردُّ جزءٍ منه، كأجرةِ بيتِ حفظه وحافظِه، فأمّا جعلُ الآبقِ ومداواةُ الجرحِ فمنقسمٌ على المضمونِ والأمانة، وعلى الراهنِ مُؤَنُ تبقيته وإصلاحِ منافعِهِ كنفقةِ رهنِهِ وكسوته، وأجرِ راعيه، وظئرِ ولدِ الرهن، وسقي البُستان والقيام بأموره.

‌باب ما يصح رهنه والرهن به وما لا يصح

لا يصحُّ رهنُ مشاعٍ وثمرٍ على نخل دونه، وزرعِ أرض ونخل أرض دونها، وكذا عكسُها

(وله حفظُهُ بنفسِهِ وعياله): كالزوجةِ والولدِ والخادم الذين في عياله، (وضَمِنَ بحفظِهِ بغيرهم، وإيداعِه وتعدِّيه، وجعلِه خاتمَ الرهنِ في خنصرِهِ لا بجعله في إصبع آخر)، فإنَّ جعلَه في الخنصر استعمالٌ، وجعلَهُ في إصبع آخر لا لعدمِ العادة، بل هو من باب الحفظ.

(وعليه مؤنةُ حفظِهِ وردِّه إلى يدِه، أو ردُّ جزءٍ منه، كأجرةِ بيتِ حفظه وحافظِه، فأمّا جعلُ الآبقِ ومداواةُ الجرحِ فمنقسمٌ على المضمونِ والأمانة): أي على المُرْتَهِنِ مؤنةُ الحفظِ كأجرةِ بيتِ الحفظ وأجرةِ الحافظ، وكذا مؤنةُ ردِّه إلى يدِ المرتهن إن خرجَ من يده، كجعلِ الآبق، فهو على المرتهنِ إذا كان قيمةُ الرهنِ مثل الدين، وكذا مؤنةُ ردِّ جزءٍ من الرهنِ إلى يدِ المرتهن، كمداواةِ الجرح إذا كان قيمتُهُ مثل الدين.

أمَّا إذا كان قيمتُهُ أكثرَ منه فيقسم على المضمون والأمانة، فما هو مضمونٌ فعلى المرتهن، وما هو أمانةٌ فعلى الراهن، وهذا بخلافِ أجرةِ بيت الحفظ، فإنّ تمامه على المرتهن، وإن كان قيمةُ المرهونِ أكثرَ من الدين؛ لأنَّ وجوبَ ذلك بسببِ الحبس، وحقّ الحبسِ في الكلّ ثابتٌ له.

(وعلى الراهنِ مُؤَنُ تبقيته وإصلاحِ منافعِهِ كنفقةِ رهنِهِ وكسوته، وأجرِ راعيه، وظئرِ ولدِ الرهن، وسقي البُستان والقيام بأموره).

باب ما يصح رهنه والرهن به وما لا يصح

(لا يصحُّ رهنُ مشاعٍ وثمرٍ على نخل دونه، وزرعِ أرض ونخل أرض دونها)؛ لعدم كونه متميِّزاً، (وكذا عكسُها): أي لا يصحُّ رهنُ نخلٍ بدون ثمر،

ص: 125

ورهنُ الحرِّ والمدبَّرِ والمكاتَبِ وأمِّ الولد، ولا بالأمانات، ولا بالدَّرَك، ولا بعينٍ مضمونةٍ بغيرها: كمبيعٍ في يدِ البائع، ولا بالكفالةِ بالنفسِ وبالقصاصِ بالنفس وما دونها، وبالشفعة، وبأجرةِ النائحةِ والمغنِّية، وبالعبد الجاني أو المديون

وأرضٍ بدون زرع أو نخل؛ لعدمِ كونه مفرغاً، فلا يتمُّ القبض، وعن أبي حنيفةَ رضي الله عنه أنّ رهنَ الأرضِ بدونِ الشجر جائزٌ؛ لأنَّ الشجرَ اسمٌ للنابت، فيكون استثناءُ الأشجارِ بمواضعها فيجوز؛ لأنَّ الاتِّصالَ حينئذٍ يكون اتَّصالَ مجاورة، ولو رهنَ النخل بمواضعها جاز أيضاً؛ لأنَّ الاتَّصال حينئذٍ اتَّصالُ مجاورة، (ورهنُ الحرِّ والمدبَّرِ والمكاتَبِ وأمِّ الولد).

ثمَّ لَمَّا ذكرَ ما لا يجوزُ رهنُه أرادَ أن يذكرَ ما لا يجوزُ الرهن به، فقال:(ولا بالأمانات): كالوديعةِ، والمستعار، ومالِ المضاربة، والشركة، (ولا بالدَّرَك)، صورته: باعَ زيدٌ من عمرو داراً فرهنَ بكرٌ عند المشتري شيئاً بما يدركُهُ في هذا البيع، وكذا لو رهنَ شيئاً بما ذابَ له على فلان لا يجوز، ولو كَفِلَ بهذا يجوز.

(ولا بعينٍ مضمونةٍ بغيرها)، المراد أن لا تكون مضمونةً بالمثل أو بالقيمة:(كمبيعٍ في يدِ البائع): أي باعَ شيئاً ولم يسلِّمه فرهنَ به شيئاً لا يجوز؛ لأنّه إذا هلكَ العينُ لم يضمنِ البائعُ شيئاً، لكنَّه يسقطُ الثمن، وهو حقّ البائع.

(ولا بالكفالةِ بالنفسِ وبالقصاصِ بالنفس وما دونها، وبالشفعة): أي كفلَ بنفسِ رجلٍ فرهنَ بها شيئاً ليسلِّمه، وإذا وجبَ عليه القصاصُ فرهنَ شيئاً لئلا يمتنعَ عن القصاصِ لا يجوز، وكذا إذا رهنَ البائعُ أو المشتري شيئاً عند الشفيعِ ليسلِّمَ الدارَ بالشفعةِ لا يجوزِ لعدمِ الدَّين في هذه الصور

(1)

.

(وبأجرةِ النائحةِ والمغنِّية

(2)

، وبالعبد الجاني أو المديون)، فإنَّه غيرُ مضمونٍ على المولى، فإنّه لو هلكَ لا يكون على المولى شيء، فإذا لم يصحّ الرهنُ في هذه الصورِ فللرَّاهنِ أن يأخذَ المرهونَ من المرتهن، ولو هلكَ المرهونُ في يدِ المرتهنِ قبل طلب الراهنِ هلكَ بلا شيء؛ لأنَّه لا حكمَ للباطل، فبقيَ القبضُ بإذنِ المالك.

(1)

فإنه لا يجوز أخذ الرهن من المشتري الذي وجب عليه تسليم المبيع من أجل الشفعة؛ لأن المبيع غير مضمون عليه. ينظر: «رد المحتار» (5: 317).

(2)

لبطلان الإجارة فلم يكن الرهن مضموناً إذ لا يقابله شيء مضمون. ينظر: «رد المحتار» (5: 317).

ص: 126

ولا رهنَ خمرٍ وارتهانها من مسلمٍ أو ذميٍّ للمسلم، ولا يضمنُ له مرتهنُها ذميّاً، وفي عكسِهِ الضمان، وصحَّ بعينٍ مضمونةٍ بالمثلِ أو بالقيمة؛ كالمغصوبِ وبدلِ الخلع، والمهر، وبدل الصلح عن دم عمد، وبالدينِ ولو موعوداً، بأن رهنَ ليقرضَه كذا، فهلكُهُ في يدِ المرتهنِ عليه بما وعدَه، وبرأسِ مالِ السَّلَمِ وثمنِ الصرفِ والمسلَّم فيه، فإن هلكَ في المجلسِ فقد أخذ، وإن افترقا قبل نقدٍ وهَلَكَ بطلا

(ولا رهنَ خمرٍ وارتهانها من مسلمٍ أو ذميٍّ للمسلم): أي لا يجوز للمسلمِ أن يرهنَ خمراً ويرتهنَها من مسلمٍ أو ذميّ، (ولا يضمنُ له مرتهنُها ذميّاً، وفي عكسِهِ الضمان)

(1)

: أي إن رهنَ المسلمُ من ذميٍّ خمراً فهلكت في يدِ الذميّ لا يضمنُ للمسلمِ شيئاً، وإن رهنَ الذميّ من المسلمِ خمراً فهلكت في يدِ المسلمِ للذميّ؛ لأنَّها مالٌ متقوّمٌ في حقِّ الذميّ دون المسلم وصحّ.

(وصحَّ بعينٍ مضمونةٍ بالمثلِ أو بالقيمة؛ كالمغصوبِ وبدلِ الخلع، والمهر، وبدل الصلح عن دم عمد)، فإنّ هذه الأشياء إذا كانت قائمةً يجبُ عينُها، وإن هلكت يجبُ المثلُ أو القيمة، فيصحُّ الرهنُ بها، (وبالدينِ ولو موعوداً، بأن رهنَ ليقرضَه كذا، فهلكُهُ في يدِ المرتهنِ عليه بما وعدَه)

(2)

: أي إن هلكَ في يدِ المرتهنِ فللرَّاهن على المرتهنِ المقدارُ الذي وَعَدَ إقراضَه، فهلكُه: بالرفع مبتدأ، وفي يد المرتهن: صفتُه، وعليه: خبره، واعلم أنَّ الرهنَ إنَّما يكونُ مضموناً بالدينِ الموعودِ إذا كان الدينُ مساوياً للقيمةِ أو أقلّ، أمَّا إذا كان أكثر فلا يكون مضموناً بالدين بل بالقيمة، وإنَّما لم يذكرْ هذا القسم؛ لأنَّ الظاهرَ أن لا يكون الدينُ أكثرَ من قيمة الرهن، وإن كان على سبيلِ الندرة فحكمه يعلم ممّا سبق، فاعتمد على ذلك.

(وبرأسِ مالِ السَّلَمِ وثمنِ الصرفِ والمسلَّم فيه، فإن هلكَ في المجلسِ فقد أخذ، وإن افترقا قبل نقدٍ وهَلَكَ بطلا): أي إذا رهنَ برأسِ مالِ السلم أو ثمنِ الصرف، فإن هلكَ الرهنُ قبل الافتراقِ فالمرتهنُ قد استوفى حقَّه، وإن افترقا قبل نقدِ

(1)

أي إذا كان الراهن ذمياً والمرتهنّ مسلم فهلك في يد المرتهن يضمن المسلم الخمر للذمي؛ لأنها مال متقوم في حقّه فتصير الخمر مضمونة على المسلم للذمي بأقل من قيمتها ومن الدين كما يضمنها بالغصب. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 594).

(2)

صورته: رهن ليقرضه ألف درهم وهلك الرهن في يد المرتهن فهلكه على المرتهن بمقابلة الألف الموعود فيجب عليه تسليم الألف إلى الراهن. ينظر: «درر الحكام» (2: 252 - 253).

ص: 127

ورهنُ المُسَلَّم فيه رهنٌ ببدله إذا فسخ، لو هلكَ رهنُهُ بعد الفسخِ هلكَ به، وبدينٍ عليه عبدَ طفله، وبثمنِ عبدٍ أو خلٍّ أو ذكيَّة إن ظهرَ العبدُ حرّاً، والخلّ خمراً، والذكيَّةُ ميتة

المرهونِ به وقبل هلاكِ المرهون بطل السَّلَم والصرف، وهذا التفصيلُ لا يتأتَّى في الرهنِ بالمسلَّم فيه، فيصحُّ مطلقاً، فإن هلكَ الرهنُ يصيرُ مستوفياً للمسلَّم فيه، فلا يبقى السلم.

(ورهنُ المُسَلَّم فيه رهنٌ ببدله إذا فسخ): أي إذا كان الشيءُ مرهوناً بالمسلَّم فيه، ثمَّ فسخا عقدَ السَّلَمِ فهو رهنٌ بالبدل: أي يكونُ لربِّ السَّلَمِ أن يحبسَ الرهنَ حتى يقبضَ رأسَ المال.

(لو

(1)

هلكَ رهنُهُ بعد الفسخِ

(2)

هلكَ به): أي إذا رهنَ المُسَلَّمُ إليه عند ربِّ السَّلَمِ شيئاً بالمُسَلَّمِ فيه، ثمَّ فسخا عقدَ السَّلَمِ فهَلَكَ الرهنُ في يدِ ربِّ السَّلَمِ فهلكُهُ يكونُ بالمُسَلَّمِ فيه: أي يكون على ربِّ السَّلَمِ أن يؤدِّيَ إلى المُسَلَّمِ إليه مقدارَ الطعامِ المُسَلَّمِ فيه؛ لأنّه إذا هلكَ الرهنُ صار كأنَّ ربَّ السَّلَمِ استوفى حقَّ

(3)

المُسَلَّم فيه؛ لأنَّ يدَ المرتهنِ على الرهنِ يدُ استيفاء، فيتقرَّرُ بالهلاك، فصار كأنَّ ربَّ السَّلَمِ استوفى المُسَلَّمُ فيه، ثمَّ فسخا العقد، فعلى ربِّ السَّلَمِ أداءُ المسلَّمِ فيه إلى المُسَلَّمِ إليه.

(وبدينٍ عليه عبدَ طفله): (عطف على رأس المال)

(4)

: أي صحَّ الرهنُ بدينٍ على الأبِ عبدَ طفله، هذا عندنا، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه وزفرَ رضي الله عنه لا يصحّ، وهو القياسُ اعتباراً بحقيقةِ الإيفاء

(5)

، وجه الاستحسان: أنَّ في حقيقةِ الإيفاءِ إزالةُ ملكِ الصغيرِ بلا عوضٍ في الحال، وفي هذا نصبٌ حافظ لماله مع بقاءِ ملكِه

(6)

.

(وبثمنِ عبدٍ أو خلٍّ أو ذكيَّة إن ظهرَ العبدُ حرّاً، والخلّ خمراً، والذكيَّةُ ميتة): أي اشترى عبداً أو خلاً أو شاةً مذبوحة، ورهنَ بثمنِ المشترى، وهو عشرةُ دراهمٍ مثلاً

(1)

زيادة من أ.

(2)

في م زيادة: المسلم فيه.

(3)

زيادة من أ.

(4)

زيادة من ب و م.

(5)

يعني ليس للأب أن يؤدّي دينه من الصغير، فكذا ليس له أن يدفعَ مال الصغير بجهةِ الإيفاء؛ لأنَّ الرهنَ محبوسٌ بجهة الإيفاء. ينظر:«حسن الدراية» (4: 127).

(6)

أي إن قيام المرتهن بحفظه أبلغ خوفاً من الغرامة ولو هلك يهلك مضموناً والوديعة تهلك أمانة والوصي كالأب. ينظر: «درر الحكام» (2: 253).

ص: 128

وببدلِ صلحٍ عن إنكارٍ إن أقرَّ أن لا دين، ورهنُ الحجرينِ والمكيلِ والموزون، فإن رهنَ بجنسِهِ فهلكُهُ بمثلِهِ قدراً من دينه، ولا عبرةَ للجودة

شيئاً، ثمَّ ظهرَ العبدُ حرَّاً، والخلُّ خمراً، والشاةُ ميتةً فالرهنُ مضمون؛ أي إن هلكَ وقيمتُه عشرةُ دراهمٍ أو أكثر فعلى المرتهنِ عشرةُ دراهم يؤدِّيها إلى الراهن، وإن كانت قيمته أقلَّ فعليه القيمة؛ لأنَّ رهنَه بدينٍ واجبٍ ظاهراً.

(وببدلِ صلحٍ عن إنكارٍ إن أقرَّ أن لا دين)، صالحَ مع إنكارٍ ورهنَ ببدلِ الصلحِ شيئاً، ثمَّ تصادقا على أن لا دين، فالرهنُ مضمونٌ كما ذكر.

(ورهنُ الحجرينِ والمكيلِ والموزون، فإن رهنَ بجنسِهِ فهلكُهُ بمثلِهِ قدراً من دينه، ولا عبرةَ للجودة)، قوله: قدراً؛ تميَّزٌ من مثله؛ أي يعتبرُ المماثلةُ في القدر، وهو الوزنُ والكيلُ بلا اعتبارِ الجودة، وعندهما: يعتبرُ القيمة فيقوَّمُ بخلافِ الجنس، ويكون رهناً مكانه، فإن رهنَ إبريقَ فضَّةٍ وزنُهُ عشرةَ دراهمَ بعشرةِ دراهم، فهلكَ فعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه هلكَ بالدين، وعندهما إن كان قيمتُهُ مثلَ وزنه أو أكثرَ فكذا، وإن كان قيمتُهُ أقلَّ وهي ثمانيةٌ مثلاً يشتري بثمانيةَ دراهمٍ ذهب؛ ليكونَ رهناً مكانه.

فإن قيل: في هذا التركيب، وهو قوله: فهلكُهُ بمثلِهِ قدراً من دينِه؛ نظرٌ؛ لأنَّ الدَّينَ إذا كان خمسةَ عشرَ ووزنُهُ عشرةَ وقد هلكَ، فقد هلكَ بعشرة دراهم من الدين، فعلى المديونِ خمسة، فيكون: من؛ للتبعيض، فلا يتناولُ ما إذا كان وزنُهُ عشرةً والدَّينُ عشرة؛ لأنَّ التبعيضَ غيرُ ممكن، ولا يكون للبيان هنا؛ لأنَّه لمَّا أريدَ به التبعيض في صورةٍ لا يكونُ للبيانِ في صورةٍ أخرى؛ لأنَّ المشتركَ لا عمومَ له، ولا يتناولُ أيضاً: ما

(1)

إذا كان وزنُهُ خمسةَ عشرَ والدَّينُ عشرة؛ لأنَّه يصيرُ معناهُ أنَّ هلاكَهُ بمقدارِ خمسةَ عشرَ من الدين، وهو عشرة، فهذا غيرُ مستقيم.

قلنا: ليس غرضُهُ بيانُ أنَّه بأيِّ شيءٍ مضمونٌ في كلِّ صورة، بل الغرضُ أنَّه هالكٌ باعتبارِ الوزنِ لا باعتبارِ القيمة، فتقديرُهُ: أنَّه هالكٌ بمثله وزناً من الدينِ إذا كان الدينُ زائداً، فإذا عُلِمَ الحكمُ في هذهِ الصورةِ يُعْلَمُ في صورةِ المساواة، وفي صورة أن يكون الوزنُ زائداً على الدَّين، لما عرفَ أنَّ الفضلَ أمانة.

(1)

زيادة من ب و ص و ف.

ص: 129

ومَن شرى شيئاً على أن يرهن شيئاً، أو يعطيَ كفيلاً بعينهما من ثمنِهِ وأبى صحَّ استحساناً، ولا يجبرُ على الوفاء، وللبائعِ فسخُه إلاَّ إذا سَلَّمَ ثمنَه حالاً، أو قيمةُ الرهن رهناً، فإن قال لبائعه: أمسك هذا حتى أعطيَ ثمنك فهو رهن، وإن رهنَ عيناً من رجلين بدينٍ لكلٍّ منهما صحّ، وكلُّه رهنٌ من كلٍّ منهما، وإذا تهايئا فكلٌّ في نوبتِهِ كالعدلِ في حقِّ الآخر، ولو هلكَ ضَمِنَ كلٌّ

(ومَن شرى شيئاً

(1)

على أن يرهن شيئاً، أو يعطيَ كفيلاً بعينهما من ثمنِهِ وأبى

(2)

صحَّ استحساناً)، والقياسُ أن لا يجوز؛ لأنَّه صفقةٌ في صفقة، وجه الاستحسان: أنّه شرطٌ ملائم؛ لأنّ الكفالةَ والرهنَ للاستيثاق

(3)

، والإستيثاقُ ملائمٌ للوجوب، وإنَّما قال بعينهما؛ لأنَّه لو لم يكن الرهنُ أو الكفيلُ معيَّناً يفسدُ البيع، (ولا يجبرُ على الوفاء)، هذا عندنا؛ لأنَّه لا جبرَ على التبرُّعات، وعند زفرَ رضي الله عنه: يجبر؛ لأنَّ الرهنَ إذا شرطَ في البيعِ صارَ حقَّاً من حقوقِهِ كالوكالةِ المشروطةِ في الرهن، (وللبائعِ فسخُه إلاَّ إذا سَلَّمَ ثمنَه حالاً، أو قيمةُ الرهن رهناً)، إذ عندنا لمَّا صحَّ الشرطُ فإنّه وصفٌ مرغوبٌ فيه

(4)

فبفواتِهِ يكون للبائعِ حقُّ الفسخ.

(فإن قال لبائعه: أمسك هذا حتى أعطيَ ثمنك فهو رهن): أي أعطى المشتري البائعَ شيئاً غيرَ مبيعِه، وقال: أمسكْ هذا حتَّى أعطيَ ثمنك يكون رهناً؛ لأنَّه تلفَّظَ بما ينبئُ عن الرهن، والعبرةُ للمعاني، وعند زفرَ رضي الله عنه لا يكونُ رهناً.

(وإن رهنَ عيناً من رجلين بدينٍ لكلٍّ منهما صحّ، وكلُّه رهنٌ من كلٍّ منهما): أي يصيرُ كلُّهُ محبوساً بدينِ كلِّ واحد، لا أنّ نصفَه يكون رهناً عند هذا، ونصفَه عند ذلك، وهذا بخلافِ الهبةِ من رجلين، حيث لا يصحُّ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، فإنّ الأوَّل لا يقبلُ الوصفَ بالتجزئ بخلافِ الهبة.

(وإذا تهايئا فكلٌّ في نوبتِهِ كالعدلِ في حقِّ الآخر

(5)

، ولو هلكَ ضَمِنَ كلٌّ

(1)

زيادة من أ و ب.

(2)

أي للمشتري أن يرهن ما سماه أي يعطي كفيلاً سمَّاه. ينظر: «الدرر» (2: 253)

(3)

زيادة من ص.

(4)

زيادة من ف.

(5)

يعني إذا تهايئا رهناً فأمسك هذا يوماً والآخر يوماً، فإن كلَّ واحدٍ منهما في اليوم الذي أمسكَه كالعدل في حقّ الآخر. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 299/ب).

ص: 130

حصَّتَه، فإن قُضِيَ دينُ أحدهما، فكلُّه رهنٌ للآخر، وإن رهنا رجلاً رهناً بدينٍ عليهما صحَّ بكلِّ الدَّين، ويمسكُه إلى قبضِ الكلّ، وبطلَ حجَّةُ كلٍّ منهما أنَّه رهنَ هذا منه وقبضَه، ولو ماتَ راهنُهُ والرهنُ معهما، فبرهنِ كلٍّ كذلك كان مع كلٍّ نصفَهُ رهناً بحقِّه.

‌باب الرهن عند عدل

يتمُّ الرّهنُ بقبضِ عدلٍ شُرِطَ وضعُه عنده

حصَّتَه)، فإنّ عند الهلاكِ يصيرُ كلٌّ مستوفياً حصَّته، والإستيفاءُ ممَّا يتجزَّئ، (فإن قُضِيَ دينُ أحدهما، فكلُّه رهنٌ للآخر)؛ لما مرَّ أنّ كلَّه رهنٌ عند كلِّ واحد.

(وإن رهنا رجلاً رهناً بدينٍ عليهما صحَّ بكلِّ الدَّين، ويمسكُه إلى قبضِ الكلّ)، وإنَّما صحَّ هذا؛ لأنَّ قبضَ الرهنِ وقعَ في الكلِّ بلا شيوع.

(وبطلَ حجَّةُ كلٍّ منهما أنَّه رهنَ هذا منه وقبضَه)، هذه مسألة مبتدأة لا تعلُّق لها بما سبق، وصورتها: أنّ كلَّ واحدٍ من الرَّجلينِ ادَّعى أنَّ زيداً رهنَ هذا العبدَ من هذا المدِّعي وسلَّمه إليه، وأقامَ على ذلك بيِّنة تبطلُ حجَّةُ كلِّ واحد؛ لأنَّه لا يمكنُ القضاءُ لكلِّ واحدٍ منهما، ولا لأحدهما؛ لعدمِ أولويَّته، ولا إلى القضاء لكلٍّ بالنصفِ للشيوع

(1)

.

(ولو ماتَ راهنُهُ والرهنُ معهما، فبرهنِ كلٍّ كذلك كان مع كلٍّ نصفَهُ رهناً بحقِّه)، هذا قولُ أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّد رضي الله عنه وهو إستحسان، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه هذا باطل، وهو القياسُ كما في الحياة، وجه الاستحسانِ: أنّ حكمَهُ في الحياةِ هو

(2)

الحبسُ، والشيوعُ يضرُّه، وبعد المماتِ الاستيفاءُ بالبيعِ في الدَّين والشيوعُ لا يضرُّه

(3)

.

باب الرهن عند عدل

(يتمُّ الرّهنُ بقبضِ عدلٍ شُرِطَ وضعُه عنده)، هذا عندنا، وقال مالك

(4)

رضي الله عنه: لا

(1)

لأنّه يؤدي إلى الشيوعِ فتعذَّرَ العملُ بهما، وتعيَّنَ التهاتر. ينظر:«الدرر» (2: 254).

(2)

زيادة من ب، وفي م: وهو.

(3)

إذ بعد الممات ليس له الحكم إلا الاستيفاء بأن يبيعه في الدين شاع أو لم يشع. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 599).

(4)

ينظر: «الشرح الصغير» (3: 313)، و «شرح كفاية الطالب» (2: 272)، و «الفواكه الدواني» (2: 165)، وغيرهم.

ص: 131

ولا أخذ لأحدهما منه، وضمنَ بدفعه إلى أحدهما، وهلكُهُ معه هلكُ رهن، فإنْ وكِّلَ العدلُ أو غيرُه ببيعِهِ إذا حلَّ أجلُهُ صحَّ، فإن شرط في الرهنِ لا ينعزلُ بالعزل، ولا بموتِ الراهنِ أو المرتهن، بل بموتِ الوكيل، له بيعُهُ بغيبةِ ورثته، ولا يبيعُ الراهنُ أو المرتهنُ إلا برضا الآخر. فإن حلَّ أجلُهُ وراهنُهُ غائبٌ أجبرَ الوكيلُ على بيعِه، كوكيلٍ بالخصومةِ غابَ موكِّله وأباها

يجوز؛ لأنَّ يدَه يدُ المالك؛ ولهذا يرجعُ عليه عند الاستحقاق، فانعدمَ القبض، قلنا: يدُه على الصورةِ

(1)

يدُ المالك، وفي الماليَّةِ يدُ المرتهن؛ لأنَّ يدَه يدُ ضمان، والمضمونُ الماليَّة، فَنُزِّلَ منْزلةَ شخصين، (ولا أخذ لأحدهما منه، وضمنَ بدفعه إلى أحدهما، وهلكُهُ معه هلكُ رهن، فإنْ وكِّلَ العدلُ أو غيرُه ببيعِهِ إذا حلَّ أجلُهُ صحَّ، فإن شرط): أي التوكيل، (في الرهنِ لا ينعزلُ بالعزل

(2)

، ولا بموتِ الراهنِ أو المرتهن، بل بموتِ الوكيل)، سواء كان الوكيل المرتهنَ أو العدلَ أو غيرَهما، وإذا ماتَ الوكيلُ لا يقومُ وارثُهُ أو وصيُّهُ مقامَه عندنا، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه إنّ وصيَّ الوكيلِ يملكُ بيعَه، (وله بيعُهُ بغيبةِ ورثته): أي للوكيلُ بيعُ المرهونِ بغيبةِ ورثةِ الراهن.

(ولا يبيعُ الراهنُ أو المرتهنُ إلا برضا الآخر): أي لا يكونُ للراهنِ بيعُ الرهنِ إلاَّ برضاءِ المرتهن، وأيضاً لا يكون للمرتهنِ بيعُ الرهن إلاَّ برضاءِ الراهن، بأن وكَّلَه أو باعَه، فأجازَ الراهنُ بيعَه

(3)

.

(فإن حلَّ أجلُهُ وراهنُهُ غائبٌ أجبرَ الوكيلُ على بيعِه، كوكيلٍ بالخصومةِ غابَ موكِّله وأباها)، فإنّ الوكيلَ يجبرُ على الخصومة، فالحاصلُ أنَّ الوكيلَ لا يجبرُ على التصرُّف، إلاَّ أنَّ في هذه الصورةِ إذا غابَ الراهنُ وأبى الوكيلُ عن البيع، فإنَّ المرتهنَ يتضرَّر، فيجبرُ الوكيلُ على البيع، كما يجبرُ على الخصومةِ إذا غابَ الموكِّل، فإنَّ الموكِّلَ

(1)

يعني أنّ قبضَ العدل كقبض المرتهن، فيتمّ به الرهن، وهذا لأنّ اليدَ في (باب الرهن) على الصورةِ أمانة، وعلى المعنى مضمون. ينظر:«الكفاية» (9: 101).

(2)

لأنّها لمّا شرطت في ضمن عقد الرهن صار وصفاً من أوصافه وحقَّاً من حقوقه، ألا ترى أنّه لزيادة الوثيقة، فيلزم بلزوم أصله؛ ولأنّه تعلَّقَ به حقُّ المرتهن، وفي العزل إتواءُ حقّه، وصار كالوكيل بالخصومة بطلب المدعي. ينظر:«الهداية» (4: 142).

(3)

أي يوقف على إجازة الراهن فإن أجازه صح، ويكون الثمن رهناً وإن لم يجز لا يجوز البيع، وله أن يبطله ويعيده رهنا. ينظر:«الفتاوى الكاملية» (ص 244).

ص: 132

وكذا يجبر لو شرطَ بعد الرهنِ في الأصحّ، فإن باعَهُ العدلُ فالثمنُ رهنٌ، فهلكُهُ كهلكِه، فإن أوفى ثمنَهُ المرتهنُ فاستحقّ، ففي الهالك ضمَّنَ المستحقُّ الراهنَ قيمتَه وصحَّ البيعُ والقبض، أو العدلَ ثمَّ هو الراهن وصَحَّا، أو المرتهن ثمنه وهو له ورجعَ المرتهنُ على راهنِهِ بدينه، وفي القائمِ أخذه من مشتريه، ورجعَ هو على العدلِ بثمنِه، ثمَّ هو على الراهنِ به، وصحَّ القبض ثمَّ هو على الراهنِ بدينه

اعتمدَ عليه وغاب، فلو لم يخاصمْ يتضرَّرُ الموكِّلُ ويضيعُ حقّه، فيجبرُ الوكيلُ على الخصومة.

(وكذا يجبر

(1)

لو شرطَ بعد الرهنِ في الأصحّ)، اعلم أنَّ في الجبرِ قولين:

أحدهما: إنَّ الجبرَ إنّما يثبتُ إذا كانت الوكالةُ لازمة، وهي أن تكونَ في ضمنِ عقدِ الرهن، فإذا كان بعدَه لا يجبر.

والآخر: إنّ الجبرَ بناء على أنَّ حقَّ المرتهنِ يضيع، فيجبرُ كالوكيلِ بالخصومة إذا غابَ الموكِّل، وإنَّما كان هذا القولُ أصحّ؛ لأنَّ عدمَ الدليلِ لا يدلُّ على عدمِ المدلول، خصوصاً إذا وجدَ دليل آخر.

(فإن باعَهُ العدلُ فالثمنُ رهنٌ، فهلكُهُ كهلكِه، فإن أوفى ثمنَهُ المرتهنُ فاستحقّ): أي الرهن، (ففي الهالك): أي إذا هلكَ الرهنُ في يدِ المشتري، (ضمَّنَ المستحقُّ الراهنَ قيمتَه وصحَّ البيعُ والقبض، أو العدلَ ثمَّ هو الراهن وصَحَّا، أو المرتهن ثمنه وهو له ورجعَ المرتهنُ على راهنِهِ بدينه): أي المستحقُّ إمّا أن يضمِّنَ الراهنَ قيمةَ الرهن؛ لأنَّه غاصب، وحينئذٍ صحَّ البيعُ وقبض الثمن؛ لأنَّ الراهنَ ملكَهُ بأداءِ الضمان، وإمَّا أن يضمِّنَ العدلَ القيمة؛ لأنَّه متعدٍّ بالبيعِ والتسليم، وحينئذٍ العدلُ بالخيار، إمّا أن يضمِّنَ الراهنَ القيمة، وحينئذٍ صحَّ البيع وقبضَ الثمن، وإمَّا أن يضمِّنَ المرتهنَ الثمنَّ الذي أدَّاه إليه، وهو له؛ أي ذلك الثمن يكون للعدل، فيرجعُ المرتهنُ على راهنِهِ بدينه.

(وفي القائمِ أخذه): أي المستحقُّ المرهون، (من مشتريه، ورجعَ هو على العدلِ بثمنِه، ثمَّ هو على الراهنِ به، وصحَّ القبض): أي على المرتهنِ بثمنه، (ثمَّ هو على الراهنِ بدينه): أي العدلُ بالخيار، إمَّا أن يرجعَ على الراهنِ بالثمن، وحينئذٍ صحَّ قبضُ المرتهنِ الثمنَ، وإمّا أن يرجعَ على المرتهن، ثمَّ المرتهنُ يرجعُ على الراهنِ بدينه.

(1)

زيادة من ب و ف و م.

ص: 133

وإن لم يشترطِ التوكيلَ في الرهنِ رجعَ العدلُ على الراهنِ فقط، قبضَ المرتهنُ ثمنَه أو لا، فإن هلكَ الرهنُ مع المرتهنِ فاستحقَّ وضَمَّنَ الراهنُ قيمتَهُ هلكَ بدينه، وإن ضَمَّنَ المرتهنُ رجعَ على الراهنِ بقيمتِهِ وبدينِه

(وإن لم يشترطِ التوكيلَ في الرهنِ رجعَ العدلُ على الراهنِ فقط، قبضَ المرتهنُ ثمنَه أو لا): أي ما ذكرَ من خيارِ العدلِ بين تضمينِ الراهنِ أو المرتهن إنَّما يكونُ إذا كانت الوكالةُ مشروطةً في عقدِ الرهن، فإنّه حينئذٍ تعلَّقَ حقُّ المرتهنِ بالوكالة، فللعدلِ تضمينُ المرتهن؛ لأنَّه باعَه لحقِّه، أمَّا إذا لم تكن مشروطةً في الرهنِ تكونُ كالوكالةِ المفردة، فإنّه إذا باعَ الوكيلُ وأدّى الثمنَ إلى آخرَ بأمرِ الموكِّل، ثمّ لحقَه عهدةٌ لا يرجعُ على القابض، فهاهنا لا يرجعُ إلا على الراهنِ سواءً قبضَ المرتهنُ الثمنَ أو لم يقبض، وصورةُ ما لم يقبضْ أنَّ العدلَ باعَ الرهنَ بأمرِ الراهن، وضاعَ الثمنُ في يدِ العدلِ بلا تعدِّيه، ثمَّ استحقَّ المرهون، فالضمانُ الذي يلحقُ العدلَ يرجعُ به على الراهن.

(فإن هلكَ الرهنُ مع المرتهنِ فاستحقَّ وضَمَّنَ الراهنُ قيمتَهُ هلكَ بدينه): أي يكون مستوفياً دينه، (وإن ضَمَّنَ المرتهنُ رجعَ على الراهنِ بقيمتِهِ وبدينِه): أي المستحقُّ بالخيارِ بين تضمينِ الراهنِ أو المرتهن، فإن ضَمَّنَ الراهنَ ملكَه بأداءِ الضمان، فصحَّ الرهن، وإن ضَمَّنَ المرتهنَ يرجع على الراهنِ بالقيمة؛ لأنَّه مغرورٌ من جهةِ الراهنِ وبالدين؛ لأنَّه انتقضَ قبضه فيعودُ حقُّه كما كان، قيل عليه

(1)

: لمَّا كان قرارُ الضمانِ على الراهنِ والملكُ في المضمونِ يثبتُ لمَن عليه قرارُ الضمان، فتبيَّن أنَّه رهنَ ملكَ نفسه.

(1)

هذا طعن أبي خازم، وحاصله: أنه لما رجع بضمان القيمة على الراهن استقر الضمان عليه والملك في المضمون يقع لمن يستقرّ عليه الضمان، فإذا استقرّ الملك للراهن تبيَّن أنه رهن ملك نفسه فصار كما لو ضمَّن المستحق الراهن ابتداءً.

والجواب عنه: إن المرتهن يرجع بالضمان على الراهن بسبب الغرور، والغرور إنما يحصل بالتسليم إلى المرتهن فإنما يملك العين من هذا الوقت وعقد الرهن سابق عليه، فلا يكون راهناً ملك نفسه، فأما المستحق إنما يضمن الراهن باعتبار قبضه السابق لا لتسليمه فيملكه من ذلك الوقت وعقد الرهن كان بعده أو بالانتقال من المرتهن إليه كما في الوكيل بالشراء كأنه اشتراه من المستحقّ ثم باع من الراهن، وهذا لأن المرتهن غاصب في حقّ المستحقّ فإذا ضمَّن يملك المضمون ضرورة ولكن لما كان قرار الضمان على الراهن ينتقل إليه من جهة المرتهن، والمرتهن يملكه من وقت القبض؛ لأنه بالقبض صار غاصباً فيملكه الراهن بعده من جهته فيكون ملك الراهن متأخراً عن عقد الرهن. والله أعلم. ينظر:«الكفاية» (9: 110).

ص: 134

‌باب التصرف والجناية في الرهن

وُقِفَ بيعُ الرّاهنِ رهنَه، فإن أجازَ مرتهنُه أو قضى دينَه نفذ، وصارَ ثمنُهُ رهناً وإن لم يجزْ وفسخَ لا ينفسخُ في الأصحّ، وصَبَرَ المشتري إلى فكِّ الرهن، أو رفعَ إلى القاضي ليفسخ، وصحَّ إعتاقُهُ وتدبيرُهُ واستيلادُهُ رهنَه، فإن فعلَها غنيَّاً ففي دينه حالاً أخذَ دينه، وفي مؤجَّلِهِ قيمته للرهن بدله إلى محلِّ أجله، وإن فعلَها مُعْسِراً ففي العتقِ سعى العبدُ في أقلِّ من قيمته ومن دينه، ورجعَ

باب التصرف والجناية في الرهن

(وُقِفَ بيعُ الرّاهنِ رهنَه، فإن أجازَ مرتهنُه أو قضى دينَه نفذ

(1)

، وصارَ ثمنُهُ رهناً وإن لم يجزْ وفسخَ لا ينفسخُ في الأصحّ، وصَبَرَ المشتري إلى فكِّ الرهن، أو رفعَ إلى القاضي ليفسخ).

اعلم أنّ المرتهنَ إذا فسخَ ينفسخُ في رواية

(2)

، والأصحُّ أنَّه لا ينفسخ؛ لأنَّ حقَّه في الحبسِ لا يبطلُ بانعقادِ هذا العقد، فبقيَ موقوفاً، فالمشتري إن شاءَ صبرَ إلى فكِّ الرهن، أو رفعَ الأمرَ إلى القاضي؛ ليفسخَ البيع.

(وصحَّ إعتاقُهُ وتدبيرُهُ واستيلادُهُ رهنَه، فإن فعلَها غنيَّاً ففي دينه حالاً أخذَ دينه

(3)

، وفي مؤجَّلِهِ قيمته للرهن بدله إلى محلِّ أجله): أي أخذَ قيمته لأجلِ أن يكون رهناً عوضاً عن المرهونِ إلى زمانِ حلولِ الأجل، وفائدته تظهرُ إذا كانت القيمةُ من غيرِ جنسِ الدين، كما إذا كانت القيمةُ دراهم، والدين كرُّ برٍّ ولا قدرةَ له على أداءِ الدينِ في الحال، فيكون الدراهمُ رهناً إلى محلّ الأجل.

(وإن فعلَها مُعْسِراً ففي العتقِ سعى العبدُ في أقلِّ من قيمته ومن دينه، ورجعَ

(1)

لأن المانع من النفاذ قد زال بالإجازة. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 301/ب).

(2)

وهي رواية محمد بن سماعة عن محمد بن الحسن أنه يفسخ، والأصحّ أنه لا يفسخ فبقي موقوفاً. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 301/ب).

(3)

يعني إذا كان الدينُ حالاً طالب المرتهنُ الراهنَ بعد العتق بالدين إذا كان موسراً؛ لأنّه إذا طولبَ بالرَّهن كان له أن يأخذه بدينه إذا كان من جنسِ حقّه، فيكون إيفاءً واستيفاءً، فلا فائدةَ فيه. ينظر:«حسن الدراية» (4: 135).

ص: 135

على سيِّدِه غنيَّاً، وفي أختيه سعى في كلِّ الدينِ ولا رجوع، وإتلافُه رهنَه كإعتاقه غنيّاً، وأجنبيّ أتلفَه ضمَّنَه مرتهنُهُ وكان رهناً معه. ورهنٌ أعارَهُ مرتهنُهُ راهنَه أو أحدُهما بأذنِ صاحبِه آخر سقطَ ضمانه، فهلكُهُ مع مستعيرِه هُلْكٌ بلا شيء، ولكلٍّ منهما أن يردَّهُ رهناً، فإن ماتَ الراهنُ قبل ردِّهِ فالمرتهنُ أحقُّ به من الغرماء، ومرتهنٌ أُذِنَ باستعمالِ رهنِهِ أو استعارَهُ من راهنِهِ لعملٍ، إن هلكَ قبلَ عملِه أو بعده ضَمِنَ كالرّهن، ولو هلك حالَ عملِهِ لا

على سيِّدِه غنيَّاً، وفي أختيه سعى في كلِّ الدينِ ولا رجوع)، فإنّ الراهنَ إذا أعتقَ وهو معسرٌ، فإن كان الدينُ أقلَّ من القيمةِ سعى العبدُ في الدين، وإن كانت القيمةُ أقلَّ سعى في القيمة؛ لأنَّه إنَّما يسعى لأنَّه لمَّا تعذَّرَ للمرتهن استيفاءُ حقِّه من الراهن، يأخذُهُ ممَّن ينتفعُ بالعتقِ والعبدُ إنَّما ينتفعُ بمقدارِ ماليِّته، ثمَّ يرجعُ بما سعى على السيَّد إذا أيسرَ سيِّدُه؛ لأنّه قضى دينَه، وهو مضطرٌ فيه بحكمِ الشرع، فيرجعُ عليه بما تحمَّلَ عنه، وفي التدبيرِ والإستيلادِ سعى في كلِّ الدين؛ لأنَّ كسبَ المدبَّرِ والمستولدةِ ملكُ المولى، فيسعيان في كلِّ دينه، ولا رجوع.

(وإتلافُه رهنَه كإعتاقه غنيّاً): أي إن أتلفَ الراهنُ الرهنَ فكما أعتقه غنيَّاً؛ أي إن كان الدينُ حالاً أخذَ منه الدين، وإن كان مؤجَّلاً أخذَ قيمتَه؛ ليكونَ رهناً إلى زمانِ حلولِ الأجل.

(وأجنبيّ أتلفَه ضمَّنَه مرتهنُهُ وكان): أي الضمان (رهناً معه.

ورهنٌ أعارَهُ مرتهنُهُ راهنَه أو أحدُهما بأذنِ صاحبِه آخر سقطَ ضمانه، فهلكُهُ مع مستعيرِه هُلْكٌ بلا شيء، ولكلٍّ منهما أن يردَّهُ رهناً، فإن ماتَ الراهنُ قبل ردِّهِ فالمرتهنُ أحقُّ به من الغرماء)؛ لأنَّ حكمَ الرهنِ باقٍ فيه؛ لأنَّ يدَ العاريةِ ليست بلازمة، وكونُهُ غيرُ مضمونٍ لا يدلُّ على أنَّه غيرُ مرهون، فإنّ ولدَ الرهنِ مرهونٌ غير مضمون.

(ومرتهنٌ أُذِنَ باستعمالِ رهنِهِ أو استعارَهُ من راهنِهِ لعملٍ، إن هلكَ قبلَ عملِه أو بعده ضَمِنَ كالرّهن، ولو هلك حالَ عملِهِ لا

(1)

.

(1)

لأن حكم الرهن باق فيه إذا يد العارية ليست بلازمة وكونه غير مضمون لا يدل على أنه غير مرهون، فإن ولد المرهون مرهون، وليس بمضمون بالهلاك، فظهر منه أن الضمان ليس من لوازم الرهن من كلّ وجه. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 606).

ص: 136

وصحَّ استعارةُ شيءٍ ليرهن، فيرهنُ بما شاء، وإن قيَّدَ تقيَّدَ بما عيَّنَ من قدرٍ وجنسٍ ومرتهنٍ وبلد، فإن خالفَ ضَمَّنَ المعيرُ مستعيرَه، ويتمُّ رهنُهُ بينه وبين مرتهنِه، أو إيَّاه، ورجعَ هو بما ضَمَّنَ وبدينِهِ على راهنِه، فإن وافقَ وهلكَ مع مرتهنِهِ فقد أخذَ كلَّ دينِهِ إن كانت قيمتُهُ مثلَ الدَّينِ أو أكثر، وضَمَّنَ مستعيرَهُ قدرَ دينٍ أوفاهُ منهِ لا القيمة، أو بعضَ دينِهِ إن كانتْ أقلّ وباقي دينِهِ على راهنِه، ولا يمتنعُ المرتهنُ إذا قضى المعيرُ دينَه، وفكَّ رهنه

وصحَّ استعارةُ شيءٍ ليرهن، فيرهنُ بما شاء، وإن قيَّدَ تقيَّدَ بما عيَّنَ من قدرٍ وجنسٍ ومرتهنٍ وبلد، فإن خالفَ ضَمَّنَ المعيرُ مستعيرَه، ويتمُّ رهنُهُ بينه وبين مرتهنِه، أو إيَّاه): الضميرُ راجعٌ إلى المرتهن

(1)

، وهو معطوفٌ على المستعير، (ورجعَ هو بما ضَمَّنَ وبدينِهِ على راهنِه، فإن وافقَ

(2)

وهلكَ مع مرتهنِهِ فقد أخذَ كلَّ دينِهِ إن كانت قيمتُهُ مثلَ الدَّينِ أو أكثر، وضَمَّنَ مستعيرَهُ قدرَ دينٍ أوفاهُ منهِ لا القيمة، أو بعضَ دينِهِ إن كانتْ أقلّ وباقي دينِهِ على راهنِه): أي إن وافقَ وهَلَكَ الرَّهنُ مع المُرْتَهِنِ، فإن كانت قيمتُهُ عشرةً والدَّينُ عشرةً، فقد أخذَ المرتهنُ كلَّ الدَّين، ويضمنُ المستعيرُ الدَّينَ الذي أوفاهُ وهو عشرةٌ للمعير، وإن كانت قيمتُهُ خمسةَ عشرَ والدَّينُ عشرةً، فقد أخذَ المرتهنُ كلَّ الدَّين، فيضمنُ المستعيرُ الدَّينَ الذي أوفاه: أي العشرةَ، ولا يضمنُ القيمة؛ لأنَّهُ قد وافقَ فليسَ بمتعدّ، وإن كانت القيمةُ عشرةً والدَّينُ خمسةَ عشرَ فقد أخذَ المرتهنُ بعضَ الدَّينِ وهو عشرة، وباقي الدَّينِ على الرَّاهن، ويضمنُ المستعيرُ قدرَ ما أوفاهُ من الدَّينِ وهو العشرة.

(ولا يمتنعُ المرتهنُ إذا قضى المعيرُ دينَه، وفكَّ رهنه)

(3)

: أي

(4)

إذ هو يسعى في

(1)

أي ضمَّن المرتهن؛ لأنه أيضاً متعدٍّ فصار الراهن كالغاصب والمرتهن كغاصب الغاصب. ينظر: «درر الحكام» (ص 258).

(2)

بأن رهنه بمقدار ما أمره به. ينظر: «درر الحكام» (ص 258).

(3)

حاصلُه: إن أراد المعيرُ المالك أن يفتكَ المُسْتعارَ بغيرِ رضاء الراهن، فليس للمرتهن أن يمتنعَ إذا قضى المعسر دينه؛ لأنَّه غير متبرّع في انفكاكِه، بل له حقّ وملك في المرهون حيث يخلص ملكَه؛ ولهذا يرجع على الراهن بما أدّى المعير، فأجبر المرتهن على الدفع، بخلاف الأجنبيّ إذا قضى بالدين؛ لأنّه متبرّع، إذ هو لا يسعى في تخليص ملكه، ولا في تفريغ ذمّته، فكان لربّ الدين أن لا يقبله. ينظر:«الهداية» (4: 149).

(4)

زيادة من ف.

ص: 137

ويرجعُ على الرَّاهنِ بما أدَّى، فلو هلكَ مع الرَّاهنِ قبلَ رهنِهِ أو بعدَ فكِّهِ لا يضمن، وإن استخدمَهُ أو ركبَهُ من قبلِ، وجنايةُ الرَّاهنِ على الرَّهنِ مضمونةٌ، وجنايةُ المرتهنُ عليه تسقطُ من دينِهِ بقدرِها، وجنايةُ الرَّهنِ عليهما، وعلى مالهِما هدر، ومَن رهنَ عبداً يعدلُ ألفاً بألفٍ مؤجَّلٍ فصارتْ قيمتُهُ مئةً فقتلَهُ رجل، وغَرِمَ مئة، وحلَّ أجلُهُ قبضَ مرتهنُهُ المئةَ من حقِّهِ وسقطَ باقيه، وإن باعَهُ بأمرِه، وقبضَ ثمنَهُ رجعَ بما بقيَ

تخليصِ ملكِه، (ويرجعُ على الرَّاهنِ بما أدَّى)؛ لأنَّهُ غيرُ متبرِّعٍ كما ذكرنا.

(فلو هلكَ مع الرَّاهنِ قبلَ رهنِهِ أو بعدَ فكِّهِ لا يضمن، وإن استخدمَهُ أو ركبَهُ من قبلِ)؛ لأنَّهُ أمينٌ خالفَ ثمَّ عادَ إلى الوفاقِ فلا يضمن، خلافاً للشَّافعيِّ

(1)

رضي الله عنه.

(وجنايةُ الرَّاهنِ على الرَّهنِ مضمونةٌ

(2)

، وجنايةُ المرتهنُ عليه تسقطُ من دينِهِ بقدرِها، وجنايةُ الرَّهنِ عليهما، وعلى مالهِما هدر)، هذا عندَ أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: جنايةُ الرَّهنِ على المرتهنِ معتبرة؛ لأنَّها حصلتْ على غيرِ مالكِه، وفي الاعتبارِ فائدةٌ: وهي الدَّفعُ بالجنايةِ إلى المرتهن، فإن شاءَ الرَّاهنُ والمرتهنُ أبطلا الرَّهنَ ودفعَ بالجنايةِ إلى المرتهن، فإن قال المرتهنُ: لا أطلبُ الجناية، فهو رهنٌ على حالِه، وله: إنَّ الجنايةَ حصلتْ في ضَمانِ المرتهِن، فعليه تخليصُهُ فلا يفيدُ وجوبُ الضَّمانِ له مع وجوبِ التَّخليصِ عليه.

(ومَن رهنَ عبداً يعدلُ ألفاً بألفٍ مؤجَّلٍ فصارتْ قيمتُهُ مئةً فقتلَهُ رجل، وغَرِمَ مئة، وحلَّ أجلُهُ قبضَ مرتهنُهُ المئةَ من حقِّهِ وسقطَ باقيه)؛ لأنَّ نقصانَ السِّعرِ لا يوجبُ سقوطَ الدَّينِ عندنا، خلافاً لزفرَ رضي الله عنه، فإذا كان الدَّينُ باقياً، ويدُ المرتهنِ يدُ الاستيفاءِ فيصيرُ مستوفياً للكلِّ من الابتداء.

(وإن باعَهُ بأمرِه، وقبضَ ثمنَهُ رجعَ بما بقيَ): أي إن باعَهُ المرتهنُ بأمرِ الرَّاهنِ بالمئة، بعد أن صارَ قيمتُهُ مئة، وقبضَ ثمنَه، رجعَ بما بقي؛ لأنَّ الدَّينَ لم يسقطْ بنقصانِ السِّعر؛ لأنَّ نقصانَ السِّعرِ ليسَ هلاكاً؛ لاحتمالِ العودِ على ما كان، وإذا كان الدَّينُ باقياً، وقد أمرَ الرَّاهنُ أن يبيعَهُ بمئةٍ يكونُ الباقي في ذمَّتِه.

(1)

ينظر: «النكت» (2: 585)، وغيرها.

(2)

لأنّه تفويتُ حقٍّ لازمٍ محترم، وتعلُّقُ مثلِهِ بالمال يجعل المالك كالأجنبيّ في حقِّ الضمان، كتعلُّق حقِّ الورثةِ بمال المريض مرض الموت بمنعِ نفاذ تبرُّعه فيما وراء الثلث. ينظر:«الهداية» (4: 150).

ص: 138

وإن قتلَهُ عبدٌ يعدلُ مئة فدفعَ به فكَّ بكلِّ دينَه، فإن جنى الرَّهن خطأً فداهُ مرتهنُه، ولم يرجع، فإن أبى دفعَهُ الرَّاهن أو فداه، وسقطَ الدَّين، ولو ماتَ الرَّاهنُ باعَ وصيُّهُ رهنَهُ، وقضى دينه، فإن لم يكنْ له وصيٌّ نُصِبَ وصيٌّ يبيعه

(وإن قتلَهُ عبدٌ يعدلُ مئة فدفعَ به فكَّ بكلِّ دينَه)

(1)

، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسفَ رضي الله عنه، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه: هو بالخيارِ إن شاءَ فكَّه، وإن شاءَ سَلَّمَ العبدَ المدفوعَ إلى المرتهنِ بماله، وعند زفرَ رضي الله عنه: يصيرُ رهناً بمئة؛ لأنَّهُ بقيَ الخلفُ بقدرِ العُشر، فيبقى الدَّينُ بقدرِه. قلنا لزفرَ رضي الله عنه: إنَّ العبدَ الثَّاني قائمٌ مقامَ الأوَّلِ فصارَ كما كان الأوَّلُ قائماً وتراجعَ سعرُهُ.

ثمَّ لمحمَّدٍ رضي الله عنه: أنّ المرهونَ تغيَّرَ في ضمانِ المرتهن، فيخيَّرُ الرَّاهنُ كالمبيعِ إذا قُتِلَ قبلَ القبض

(2)

، ولهما: أنّ التَّغيرُ لم يظهرْ في حقِّ العبدِ لقيامِ الثَّاني مقامَه.

(فإن جنى الرَّهن خطأً فداهُ مرتهنُه، ولم يرجع): أي على الرَّاهن؛ لأنَّ الجنايةَ حصلتْ في ضمانِ المرتهن، ولا يملكُ الدَّفع؛ لأنَّ المرتهنَ غيرُ مالك، (فإن أبى دفعَهُ الرَّاهن أو فداه، وسقطَ الدَّين): أي إن أبى المرتهنُ أن يفديَهُ قيل للرَّاهن: ادفعِ العبد، أو افدِ عنه، وأيَّاً فعلَ سقطَ الدَّين. واعلمْ أنَّ الدَّينَ إنَّما يسقطُ بتمامِهِ إذا كانَ الدَّينُ أقلَّ من قيمةِ الرَّهنِ أو مساوياً، أمَّا إذا كان أكثر يسقطُ من الدَّينِ مقدارُ قيمةِ العبد، ولا يسقطُ الباقي، لكن لم يذكرْ في «المتن» هذا؛ لأنَّ الظَّاهرَ أن لا يكونَ الدَّينُ أكثرَ من قيمةِ الرَّهن.

(ولو ماتَ الرَّاهنُ باعَ وصيُّهُ رهنَهُ، وقضى دينه)، هذه مسألةٌ مبتدأة لا تعلُّق لها بمسألةِ الجناية، أي إذا ماتَ الرَّاهنُ فوصيٌّ يبيعُ الرَّهنَ بإذنِ المرتهنِ ويقضي دينَه، كما إذا كان الرَّاهنُ حيَّاً فلهُ البيعُ بإذنِ المرتهنِ كذا هاهنا، (فإن لم يكنْ له وصيٌّ نُصِبَ وصيٌّ يبيعه).

(1)

أي دفع العبد الجاني مقام العبد المقتول بسبب قتله افتكه الراهن بكل دينه؛ لقيام الثاني مقام الأول لحماً ودماً. ينظر: «الدر المنتقى» (2: 609).

(2)

أي قتله عبد ودفع مكانه، وإنّما قيّد فيه بالقتل؛ لأنّ سعره لو نقصَ ممَّا كان عليه وقت البيع لا خيار للمشتري، بل يأخذه من غير خيار، أمّا لو قتله عبد فدفعَ مكانه يتخيَّر المشتري بين أن يأخذ المدفوع بكلِّ الثمن، وبين أن يفسخ البيع؛ لتغيُّر المبيع. ينظر:«الكفاية» (9: 124 - 125).

ص: 139

‌فصل [في المتفرقات]

(1)

عصيرٌ قيمتُهُ عشرة رُهِنَ بها فتخمَّرَ وتخلَّل، وهو يعدلُها بقي رهناً بها، وشاةٌ قيمتُها عشرةٌ رُهِنَتْ بها، فماتتْ فدبغَ جلدُها، فعدلَ درهماً، فهو رهنٌ به. ونماءُ الرَّهنِ كولدِهِ ولبنِهِ وصوفِهِ وثمرِهِ لراهنِه، وهو رهنٌ مع أصلِه، ويهلكُ بلا شيء، فإن هلكَ أصلُهُ وبقي هو فُكَّ بقسطِهِ يقسمُ الدَّينُ على قيمتِهِ يومَ فكِّه، وقيمةُ أصلِهِ يومَ قبضِه، وتسقطُ حصّةُ أصلِه، وفُكَّ بقسطِه. والزيادةُ في الرَّهنِ تصحّ، وفي الدَّينِ لا

فصل [في المتفرقات]

(2)

(عصيرٌ قيمتُهُ عشرة رُهِنَ بها فتخمَّرَ وتخلَّل، وهو يعدلُها): أي الخلُّ يعدلُ عشرة، (بقي رهناً بها)، فالحاصلُ أنَّ ما هو محلٌّ للبيعِ محلٌّ للرَّهن، وما ليس محلاً للبيعِ ليس محلاً للرَّهن، والخمرُ ليس محلاً للبيعِ ابتداءً، لكن محلٌّ له بقاءً

(3)

، فكذا الرَّهن.

(وشاةٌ قيمتُها عشرةٌ رُهِنَتْ بها، فماتتْ فدبغَ جلدُها، فعدلَ درهماً، فهو رهنٌ به.

ونماءُ الرَّهنِ كولدِهِ ولبنِهِ وصوفِهِ وثمرِهِ لراهنِه، وهو رهنٌ مع أصلِه، ويهلكُ بلا شيء)، فإنَّهُ لم يدخلْ تحتَ العقدِ مقصوداً، (فإن هلكَ أصلُهُ وبقي هو فُكَّ بقسطِهِ يقسمُ الدَّينُ على قيمتِهِ يومَ فكِّه، وقيمةُ أصلِهِ يومَ قبضِه، وتسقطُ حصّةُ أصلِه، وفُكَّ بقسطِه) كما إذا كان الدَّينُ عشرةً، وقيمةُ الأصلِ يومَ القبضِ عشرةً، وقيمةُ النَّماءِ يومَ الفكِّ خمسة، فثلثا العشرةِ حصَّةُ الأصل فيسقط، وثلثُ العشرةِ حصَّةُ النَّماء، فيفكُّ به.

(والزيادةُ في الرَّهنِ تصحّ، وفي الدَّينِ لا) هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّدٌ رضي الله عنه، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه: يجوزُ الزُّيادةُ في الدَّينِ أيضاً، فإنَّ الدَّينَ بمَنْزلةِ الثَّمن، والزِّيادةُ في الثَّمنِ تجوز، قلنا: الزِّيادةُ في الدَّينِ توجبُ الشُّيوعَ في الرَّهن، وعند زفرَ رضي الله عنه والشَّافعيِّ رضي الله عنه:

(1)

زيادة من ب و م.

(2)

زيادة من ب و م.

(3)

حتى أنّ مَن اشترى عصيراً فتخمّر قبل القبض يبقى العقد إلا أن يتخيَّر في البيع لتغيُّر وصف المبيع بمنْزلةِ ما إذا تعيَّب، وإنّما قلنا ببقاء العقد؛ لأنَّ الخمرَ مالٌ إلا أنّه ليس بمتقوِّم، فبالنظر إلى جهةِ الماليَّة يقتضي المحليّة، وبالنظر إلى أنّه ليس بمتقوِّم يقتضي انعدام المحليَّة، فعملنا بالشبهين، فقلنا بأنّه ليس بمحلٍّ ابتداء، وأنّه محلّ بقاء، ولم نقل بالعكس؛ لأنّ ما يكون محلاً للابتداءِ فهو محلٌّ للبقاء، فإنّ البقاءَ أسهلُ من الابتداء، فلا يمكن اعتبارُ الشبهين. ينظر:«الكفاية» (9: 128 - 129).

ص: 140

فإن رهنَ عبداً يعدلُ ألفاً بألف، فدفعَ عبداً كذلك رهناً بدلَ الأوَّلِ فهو رهن، حتى يردَّهُ إلى راهنِه، ومرتهنُهُ أمينٌ في الآخرِ حتى يجعلَهُ مكانَ الأوَّل، ولو أبرأ المرتهنُ راهنَهُ عن دينِه، أو وهبَهُ منه فهلكَ الرَّهن هلكَ بلا شيء، ولو قبضَ المرتهنُ دينَهُ أو بعضَهُ من راهنِهِ أو غيرِهِ أو شرى بالدَّينِ عيناً أو صالحَ عنه على شيء أو أحالَ الرَّاهنُ مرتهنَهُ بدينِهِ على آخر، ثمَّ هلكَ رهنُهُ معه هلكَ بالدَّين، وردَّ ما قبض إلى من أدَّى، وبطلتِ الحوالة. وكذا لو تصادقا على أن لا دينَ ثمَّ هلكَ هلك بالدَّين

لا تجوزُ في شيءٍ منهما، كما لا تجوزُ في المبيع والثَّمنُ عندهما، وقد مرَّ في «البيوع»

(1)

.

(فإن رهنَ عبداً يعدلُ ألفاً بألف، فدفعَ عبداً كذلك رهناً بدلَ الأوَّلِ فهو رهن): أي الأوَّلُ رهن، (حتى يردَّهُ إلى راهنِه، ومرتهنُهُ أمينٌ في الآخرِ حتى يجعلَهُ مكانَ الأوَّل

(2)

)، بأن يردَّ الأوَّلَ إلى الرَّاهن، فحينئذٍ يصيرُ الثَّاني مضموناً.

(ولو أبرأ المرتهنُ راهنَهُ عن دينِه، أو وهبَهُ منه فهلكَ الرَّهن): أي في يدِ المرتهن، (هلكَ بلا شيء) وهذا استحسان

(3)

، وفي القياسِ هلكَ بالدَّينِ وهو قولُ زفر رضي الله عنه.

(ولو قبضَ المرتهنُ دينَهُ أو بعضَهُ من راهنِهِ أو غيرِهِ أو شرى بالدَّينِ عيناً أو صالحَ عنه على شيء أو أحالَ الرَّاهنُ مرتهنَهُ بدينِهِ على آخر، ثمَّ هلكَ رهنُهُ معه هلكَ بالدَّين، وردَّ ما قبض إلى من أدَّى، وبطلتِ الحوالة.

وكذا لو تصادقا على أن لا دينَ ثمَّ هلكَ هلك بالدَّين)، حكمُ هذه المسائلِ مبنيٌّ على أنَّ يدَ المرتهنِ يدُ استيفاء، يتقرَّرُ ذلك بالهلاك، فإذا هلكَ تبيَّن أنَّ الاستيفاءَ وقعَ مكرَّراً فيردَّ ما قبضَ إلى مَن أدَّى، فإن أدَّى المديونُ يردُّ إليه، وإن أدَّى غيرَهُ يردٌّ إلى

(1)

3: 52).

(2)

لأن الأوّلَ إنّما دخل في ضمانه بالقبض والدين وهما باقيان، فلا يخرجُ عن الضمان إلا بنقض القبض، ما دام الدين باقياً، وإذا بقيَ الأوّلُ في ضمانه لا يدخلُ الثاني في ضمانه؛ لأنّهما رضيا بدخولِ أحدهما فيه، لا بدخولهما، فإذا ردّ الأوّل دخلَ الثاني في ضمانه. ينظر:«الهداية» (4: 157).

(3)

وهو إن ضمان الرهن باعتبار القبض والدين؛ لأنه ضمان استيفاء، وذا لا يتحقق إلا باعتبار الدين وبالإبراء لم يبق أحدهما وهو الدين، والحكم الثابت بعلّة ذات وصفين يزول بزوال أحدهما؛ ولهذا لو ردّ الرهن سقط الضمان لعدم القبض وإن بقي الدين فكذا إذا برأ عن الدين سقط الضمان لعدم الدين وإن بقي القبض. ينظر:«درر الحكام» (2: 261).

ص: 141

....................................................................................................................

ذلك الغير، وإن أحالَ تبطلُ الحوالة، وفي صورةِ التَّصادقِ وجودُ الدَّينَ محتمل

(1)

.

إذا عرفت هذا؛ فزفر رضي الله عنه قاسَ المسألةَ الخلافيَّة على هذهِ الصُّورة، ووجهُ الاستحسانِ هو الفرقُ بينهما، وهو أنَّ الهلاكَ بالدَّينِ يقتضي وجودَ الدَّين، وبالإبراء والهبةِ لا يبقى الدَّينُ أصلاً، بخلافِ الاستيفاء، فإنَّ بالاستيفاءَ لا ينعدمُ الدَّين، بل يثبتُ لكلٍّ منهما على الآخرِ دين، فيسقطُ الطَّلبُ لعدمِ الفائدة. (والله أعلم بالصواب)

(2)

.

* * *

(1)

لتوهُّم وجوبِ الدين بالتصادق على قيامه، يعني بعد التصادق على عدمه؛ لجواز أن يتذكرا وجوبه بعد التصادق على انتفائه، فتكون الجهةُ باقية، وضمان الرهن يتحقّق بتوهُّمِ الوجوب، بخلاف الإبراء، فإنّه لم يبقَ الدينُ فيه ولا جهته. ينظر:«العناية» (9: 136) و «الكفاية» (9: 136).

(2)

زيادة من ج.

ص: 142

‌كتاب الجنايات

القتلُ العَمَد: ضربُهُ قصداً بما يفرِّقُ الأجزاءَ كسلاحٍ ومحدَّدٍ من خشبٍ أو حجرٍ أو لِيْطة ونار، وبهِ يأثم، ويجبُ القَوَدُ عيناً لا الكفَّارة، وشبه العمدِ: ضربُهُ قصداً بغيرِ ما ذكر

كتاب الجنايات

اعلمْ أنَّ القتلَ على خمسةِ أنواع: عمدٍ، وشبهِ عَمْد، وخطأ، وجارٍ مجرى الخطأ، والقتلِ بسبب، فبيَّن هذه الأنواعَ بأحكامها فقال:

(القتلُ العَمَد: ضربُهُ قصداً بما يفرِّقُ الأجزاءَ كسلاحٍ ومحدَّدٍ من خشبٍ أو حجرٍ أو لِيْطة

(1)

ونار)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما وعند الشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه: ضربُهُ قصداً بما لا يطيقه البِنْية

(3)

، حتى إن ضربَه بحجرٍ عظيمٍ أو خشبٍ عظيم، فهو عمد، (وبهِ يأثم، ويجبُ القَوَدُ عيناً)، هذا عندنا خلافاً للشَّافعيِّ

(4)

رضي الله عنه، فإنَّ القَوَدَ غيرُ متعيِّنٍ عنده، بل الوليُّ مخيَّرٌ بينَ القَوَدِ وأخذِ الدّية. لنا: أنّ المالَ إنَّما يجبُ في الخطأ ضرورةَ صيانةِ الدَّمِ عن الهدر، إذ لا مماثلةَ بينه وبين النَّفس، ففي العمدِ لا يجبُ مع احتمالِ المثلِ صورةً ومعنىً، (لا الكفَّارة)، خلافاً للشَّافعيِّ

(5)

رضي الله عنه، وهو يقول: لَمَّا وجبتْ في الخطأ، فأولى أن تَجِبَ في العمد، ونحن نقول: لا يلزمُ من كونِ الكفَّارةِ ساترةً للخطأ كونُها ساترةً للعمد، وهو كبيرةٌ محضة

(6)

(وشبه العمدِ: ضربُهُ قصداً بغيرِ ما ذكر): كالعصا والسَّوط، أو الحجرِ الصَّغير، وأمَّا الضَّربُ بالحجرِ العظيم، والخشبِ العظيمِ فمن شبهِ العمدِ أيضاً عندَ

(1)

لِيْطة؛: قشرُ القصب، ويجوزُ الذبح بها. ينظر:«المغرب» (ص 434).

(2)

ينظر: «النكت» (3: 342)، وغيرها.

(3)

البِنْية: البَدَن، بنى الطعام بَدَنه: سمنه، ولحمه: أنبته. ينظر: «القاموس» (4: 307). و «رد المحتار» (6: 528).

(4)

ينظر: «النكت» (3: 346)، وغيرها.

(5)

ينظر: «روض الطالب» ، وشرحه «أسنى المطالب» (4: 3)، وغيرهما.

(6)

بيانه: أن الكفارة فيما كان دائراً بين الحظر والإباحة والقتل كبيرة محضة لا تليق أن تكون الكفارة ساترة له لوجود معنى العبادة فيها. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 616). «المحيط» (ص 127 - 218).

ص: 143

وفيه الإثمُ والكفَّارة، ودِيَةٌ مغلَّظةٌ على العاقلة بلا قَوَد. وهو فيما دونَ النَّفس عمد، وفي الخطأ، ولو على عبد قصداً: كرميهِ مسلماً ظنَّهُ صيداً أو حربيَّاً، أو فعلاً: كرميهِ غرضاً فأصابَ آدميَّاً، وما جرى مجراهُ: كنائمٍ سقطَ على آخرَ فقتلَه كفارةٌ ودِيَةٌ على عاقلتِه. وفي القتلِ بسببٍ كتلفِه بوضعِ حجر، وحفرِ بئرٍ في غيرِ ملكِه دِيَةٌ على العاقلةِ بلا كفارةٍ ولا إرث إلا هنا

أبي حنيفةَ رضي الله عنه، خلافاً لغيرِه، (وفيه الإثمُ والكفَّارة، ودِيَةٌ مغلَّظةٌ على العاقلة)، سيأتي تفسيرُ الدِّيَةِ المغلَّظة

(1)

، وتفسيرُ العاقلةِ

(2)

إن شاءَ اللهُ تعالى، (بلا قَوَد.

وهو فيما دونَ النَّفس عمد): أي ضربُهُ قصداً بغيرِ ما ذكرَ فيما دونَ النَّفسِ عمدٌ موجبٌ للقصاص، فليسَ فيما دونَ النَّفسِ شبه عمد.

(وفي الخطأ، ولو على عبد)، إنَّما قال هذا لدفعِ توهُّمِ أنِّ العبدَ مال، وضمانُ الأموالِ لا يكونُ على العاقلة، فمع ذلك إذا كانَ قتلُهُ خطأً تكونُ الدِّيَةُ على العاقلة، (قصداً: كرميهِ مسلماً ظنَّهُ صيداً أو حربيَّاً، أو فعلاً: كرميهِ غرضاً فأصابَ آدميَّاً)، الخطأُ ضربان: خطأُ في القصد، وخطأُ في الفعل.

فالخطأُ في الفعل: أن يقصدَ فعلاً فصدرَ منه فعلٌ آخر، كما إذا رمىَ الغرضَ فأخطأَ فأصابَ غيرَه.

والخطأُ في القصد: أن لا يكونَ الخطأُ في الفعل، وإنَّما يكونُ الخطأُ في قصدِه، بأنَّه قصدَ بهذا الفعلَ حربيَّاً، لكن أخطأَ في ذلك القصدِ حيثُ لم يكنْ ما قصدَهُ حربيَّاً، وليس في الخطأ إثمُ القتل، بل إثمُ تركِ الاحتياط، فإنَّ شَرْعَ الكفَّارةِ دليلُ الإثم.

(وما جرى مجراهُ: كنائمٍ سقطَ على آخرَ فقتلَه): أي كقتلِ نائمٍ سقطَ على آخرَ فتلفَ ذلكَ الشَّخصُ بسببِ سقوطِهِ عليه، (كفارةٌ ودِيَةٌ على عاقلتِه.

وفي القتلِ بسببٍ كتلفِه): أي كإتلافه (بوضعِ حجر، وحفرِ بئرٍ في غيرِ ملكِه دِيَةٌ على العاقلةِ بلا كفارةٍ ولا إرث إلا هنا)، هذا عندنا، وعندَ الشَّافعيِّ

(3)

رضي الله عنه: تجبُ الكفَّارة، ويثبتُ به حرمانُ الميراثِ إلحاقاً بالخطأ، قلنا: القتلُ معدومٌ حقيقة، وألحقَ بالخطأ في حقِّ الضَّمان، ففي غيرِهِ بقيَ على أصله.

(1)

4: 160).

(2)

4: 186).

(3)

ينظر: «أسنى المطالب» (3: 17)، و «تحفة المحتاج» (6: 417)، وغيرهما.

ص: 144

‌باب ما يوجب القود وما لا يوجب

هو يجبُ بقتلِ ما حُقِنَ دمُهُ أبداً عمداً، فيقتلُ الحرُّ بالحرِّ وبالعبد، والمسلمُ بالذِّمي لا هما بمستأمنٍ بل هو بنِدِّه، والعاقلُ بالمجنون، والبالغُ بالصَّبيّ، والصَّحيحُ بالأعمى والزَّمِن وناقصِ الأطراف، والرَّجلُ بالمرأة، والفرعُ بأصلٍ لا بعكسِه. ولا سيِّدٌ بعبدِه، ومدبَّرِه، ومكاتَبِه، وعبدِ ولده، وعبدِ بعضِه له، ولا بعبدِ الرَّهنِ حتى يجتمعَ عاقداه، وبمكاتبٍ قتلَ عمداً عن وفاء، ووارثٍ وسيِّدٍ وإن اجتمعا

باب ما يوجب القود وما لا يوجب

(هو يجبُ بقتلِ ما حُقِنَ دمُهُ أبداً عمداً): أي ما حُفِظَ دمُهُ أبداً، وهو المسلمُ والذِّميُّ، وأبداً: احترازٌ عن المستأمن، فإنّ حَقْنَ دمِهِ مؤقَّتٌ إلى رجوعِه.

(فيقتلُ الحرُّ بالحرِّ وبالعبد)، هذا عندنا، وعندَ الشَّافعيِّ

(1)

رضي الله عنه لا يقتلُ الحرُّ بالعبد؛ لقولهِ تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْد}

(2)

، ولنا: أنّ النَّفسَ بالنَّفس، وقولُهُ: الحرُّ بالحرِّ؛ لا يدلُّ على النَّفي فيما عداهُ على أصلنا، على أنَّهُ إن دلَّ يجبُ أن لا يقتلَ العبدُ بالحرّ؛ لقولهِ تعالى:{وَالْعَبْدُ بِالْعَبْد} ، (والمسلمُ بالذِّمي): هذا عندنا، خلافاً للشَّافعيِّ

(3)

رضي الله عنه، (لا هما بمستأمنٍ بل هو بنِدِّه): أي يقتلُ المستأمنُ بمثلِه، وهو المستأمن، (والعاقلُ بالمجنون، والبالغُ بالصَّبيّ، والصَّحيحُ بالأعمى والزَّمِن وناقصِ الأطراف، والرَّجلُ بالمرأة، والفرعُ بأصلٍ لا بعكسِه.

ولا سيِّدٌ بعبدِه، ومدبَّرِه، ومكاتَبِه، وعبدِ ولده، وعبدِ بعضِه له، ولا بعبدِ الرَّهنِ حتى يجتمعَ عاقداه)؛ لأنَّ المرتهنَ لا ملكَ له فلا يليه، والرَّاهنُ لو تولاَّهُ لبطلَ حقُّ المرتهنُ في الدَّين، فيشترطُ إجماعهما؛ ليسقطَ حقُّ المُرْتَهنِ برضاه.

(وبمكاتبٍ قتلَ عمداً عن وفاء، ووارثٍ وسيِّدٍ وإن اجتمعا)؛ لأنَّهُ ظهرَ الاختلافُ بينَ الصَّحابةِ رضي الله عنهم في موتِهِ حرَّاً أو رقيقاً، فإن ماتَ حُرَّاً فالوليُّ هو الوارث، وإن ماتَ رقيقاً فالوليُّ هو المولى، فاشتبه مَن له الحقُّ فلا يقتصُّ قاتلُه وإن اجتمعَ الوارثُ

(1)

ينظر: «النكت» (3: 329)، وغيرها.

(2)

من سورة البقرة، الآية (178).

(3)

ينظر: «النكت» (3: 336)، وغيرها.

ص: 145

فإن لم يدعْ وارثاً غيرَ سيِّدِهِ أو تركَه ولا وفاءَ أقاد سيِّده، ويسقطُ قَوَدٌ ورثَهُ على أبيه، ولا يقادُ إلا بالسَّيف

والمولى، (فإن لم يدعْ وارثاً غيرَ سيِّدِهِ أو تركَه ولا وفاءَ أقاد سيِّده)

(1)

، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسفَ رضي الله عنه خلافاً لمحمَّدٍ رضي الله عنه، وإن لم يتركْ وفاءً قادَ السيِّدُ أيضاً؛ لأنَّهُ متعيِّن.

(ويسقطُ قَوَدٌ ورثَهُ على أبيه): أي إذا قتلَ الأبُ شخصاً

(2)

، وولي القصاصُ ابن القاتلِ يسقطُ القصاصُ لحرمةِ الأبوَّة.

(ولا يقادُ إلا بالسَّيف)، هذا عندنا، وعند الشَّافعيِّ

(3)

رضي الله عنه: يفعلُ به مثلَ ما فعل، فإن ماتَ فيها، وإلا تجزُّ رقبتُهُ تحقيقاً للتَّسوية، ولنا: قولُهُ صلى الله عليه وسلم: «لا قودَ إلا بالسَّيف»

(4)

، وأيضاً يحتملُ أن لا يموتَ فيحتاجَ إلى جزِّ الرَّقبة، فلا تسوية.

(1)

صُوِّرت هذه المسألة بأربع صور:

الأولى: أنّه قتلَ عمداً وتركَ مالاً يفي ببدلِ الكتابة ووراثاً حرّاً وسيِّداً، فحكمُها عدمُ القصاصِ عند الجميع، وإن اتّفقَ الوارثُ والسيّدُ على القصاصِ بناءً على أنّه ممّا يندرءُ بالشبهات.

والثانية: أنّه تركَ وفاء ولم يترك وارثاً سوى سيّده، فحكمها القصاص عندهما، بناءً على تيقُّن حقِّ الاستيفاءِ للمولى، وقال محمّد رضي الله عنه: لا أرى فيها قصاصاً؛ لاشتباه سببِ استيفائه، فإنه الولاء إن ماتَ حرّاً والملكُ إن ماتَ عبداً، فاندرء به.

والثالثة: أنّه لم يتركْ وفاءً، وله ورثةٌ أحرار، فحكمُها وجوب القصاص للمولى عندهم جميعاً؛ لأنّه عبدٌ لانفساخ الكتابةِ بالموت لا عن وفاء، وقد أورد المصنّف رضي الله عنه هذه الثلاثة على الترتيب، ولم يذكر الرابعة التي هي أنّه ما تركَ وفاءً ولا وارثاً سوى المولى أصلاً، أو ترك ورثةً أرقّاء، فإنّ حكمها يفهمُ بطريقِ الأولويّة من الثالثة، فإنّه لمّا كان مجرَّد عدمِ تركِ الوفاء مع وجودِ وارثٍ آخر سبباً لانفساخِ الكتابةِ ووجوب القصاص للمولى فيها، فعند عدم الوارثِ سواه أولى. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 602 - 603).

(2)

أي إذا قتلَ الأبُ شخصاً كأمِّ ابنه مثلاً، أقول: لعلّ وجه التخصيص بالأب والابن؛ لورودِ النص على لفظه، وإلا فالحالُ في الأمّ والأجداد والجدات من الطرفين، وأولاد الأولاد ذكوراً كانوا أو إناثاً كذلك، فإنّ النصّ الواردَ فيهما نصّ فيهم دلالة. ينظر:«حسن الدراية» (4: 145).

(3)

ينظر: «روض الطالب» وشرحه «أسنى المطالب» (4: 39)، وغيرهما.

(4)

روي مرسلاً عن الحسن رضي الله عنه، ومرفوعاً عن أبي هريرة والنعمان بن بشير في «ابن ماجه» (2: 889)، و «مسند البزار» (9: 115)، و «المعجم الكبير» (10: 89)، و «شرح معاني الآثار» (3: 183)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (5: 832)، و «سنن البيهقي الكبير» (8: 62)، و «سنن الدارقطني» (3: 87)، وأسانيده فيها ضعف إلا أن بعضها يعضد بعض. ينظر:«الدراية» (2: 265)، و «الخلاصة» (2: 265).

ص: 146

ويقيدُ أبو المعتوه قاطعُ يده، وقاتلُ قريبِه، ويصالحُ ولا يعفو، وللوصيِّ الصُّلحُ فقط والصَّبيِّ كالمعتوه، والقاضي كالأب، هو الصحيح، ويستوفي الكبيرُ قبلَ كِبَرِ الصَّغيرِ قَوَداً لهما، ويُقْتَصُّ في جرحٍ ثبتَ عياناً أو بحجّة، وجُعِلَ المجروحُ ذا فراشٍ حتى مات، وفي

(ويقيدُ أبو المعتوه قاطعُ يده، وقاتلُ قريبِه، ويصالحُ ولا يعفو

(1)

، وللوصيِّ الصُّلحُ فقط): أي ليس له العفوَ ولا القتل، إذ ليسَ له الولايةَ على نفسِهِ بل على ماله، والقتلُ قصاصٌ من باب الولايةِ على النَّفس، وليسَ له ولايةُ القصاصِ في الأطراف، (والصَّبيِّ كالمعتوه، والقاضي كالأب، هو الصحيح)

(2)

، حتى يكونَ لأبيهِ ووصيِّهِ ما يكونُ لأبِ المعتوهِ ووصيِّه، والقاضي بمَنْزلةِ الأب.

(ويستوفي الكبيرُ قبلَ كِبَرِ الصَّغيرِ قَوَداً لهما)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا

(3)

: ليسَ للكبيرِ ولايةُ القصاص حتى يدركَ الصَّغيرُ البلوغ؛ لأنَّهُ حقٌّ مشتركٌ كما إذا كان بين الكبيرَيْن وأحدهما غائب، له: أنّه حقٌّ لا يتجزَّأُ؛ لثبوتِهِ بسببٍ لا يتجزَّأ، وهو القرابةُ فيثبتُ لكلٍّ كملاً كما في ولايةِ الإنكاح، واحتمالُ العفوِ عن الصَّغيرِ منقطعٌ بخلافِ الكبيريْن.

(ويُقْتَصُّ في جرحٍ ثبتَ عياناً أو بحجّة، وجُعِلَ المجروحُ ذا فراشٍ حتى مات، وفي

(1)

يعني إذا قطع رجل يدَ المعتوه عمداً أو قتل قريبه كولده فولي أبا المعتوه، يقتص من جانب المعتوه؛ لأنه من الولاية على النفس، شرع لأمر راجع إلى النفس، وهي تشفي الصدر فيليه كالإنكاح، ولأبي المعتوه أن يصالح القاطع على مال قدر الدية أو أكثر؛ لأنه أنظرَ في حقِّ المعتوه، ولو صالح على أقلِّ منه لا يجوز فتجب دية كاملة، وليس له ولايةُ العفو؛ لأنه إبطال لحقِّه بلا عوض. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 620).

(2)

وهو احتراز عمَّا روي عن محمّد أن القاضي لا يستوفي القصاصَ لا في النفس ولا فيما دون النفس ولا أن يصالح. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 621).

(3)

الخلافُ مختصٌّ بما ليس من أولياءِ القتيل كبير له ولاية للصغير، أما إذا كان الكبيرُ وليّاً للصغير، ممَّن له التصرُّفُ في مالهِ كالأب والجدّ، يستوفيه الكبيرُ قبل أن يبلغَ الصغيرُ بإجماعِ أصحابنا، سواءٌ كانت الولايةُ لهما بالملك بأن يكون المقتولُ عبداً مشتركاً بين الأب والابن، أو بالقرابة، وإن كان الكبيرُ وليّاً لا يقدرُ على التصرُّف في ماله كالأخ، فعلى الخلاف المذكور، وإن كان أجنبيّاً عن الصغير لا يملكُ الكبير الاستيفاءَ في الكلّ. ينظر:«التبيين» (6: 109).

ص: 147

قتلٍ بحدٍّ مَرّ، لا في قتلٍ بظهرِهِ أو عوده، أو مثقل، أو خَنْق، أو تغريق، أو سوط والى في ضربهِ فمات، ولا في قتلِ مسلمٍ مسلماً ظنَّهُ مشركاً عند التقاءِ الصَّفين، بل يكَفِّرُ ويَدِي، وفي موتٍ بفعلِ نفسِه وزيد وسَبُع وحيَّةٍ ثلثُ الدِّيةِ على زيد، ويجبُ قتلُ مَن شَهَر سيفاً على المسلمين، ولا شيءَ بقتلِه

قتلٍ بحدٍّ مَرّ

(1)

، لا في قتلٍ بظهرِهِ أو عوده

(2)

، أو مثقل، أو خَنْق، أو تغريق، أو سوط والى في ضربهِ فمات)، المَرُّ بالفارسيِّة كلند، وإن أصابَهُ بظهرِهِ فلا قصاصَ عندَ أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعنه وجوبِ القصاصِ نظراً إلى الآلة، وعنه: أنَّهُ يجب إذا جرح، وعندهما وعندَ الشَّافعيِّ رضي الله عنه: يجبُ وإن أصابَهُ بعودِ المَرّ، فإن كان ممَّا يطيقُهُ الإنسانُ فلا قصاصَ بالاتَّفاق، وإن كان ممَّا لا يطيقُهُ ففيه خلافٌ كما مَرَّ، وفي الخنقِ والتَّغريقِ لا قصاصَ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه خلافاً لغيره، وفي موالاةِ السَّوطِ لا قصاصَ خلافاً للشَّافعيّ

(3)

رضي الله عنه.

(ولا في قتلِ مسلمٍ مسلماً ظنَّهُ مشركاً عند التقاءِ الصَّفين، بل يكَفِّرُ ويَدِي): أي يعطي الدِّيَة.

(وفي موتٍ بفعلِ نفسِه وزيد وسَبُع وحيَّةٍ ثلثُ الدِّيةِ على زيد)؛ لأنَّهُ ماتَ بثلاثةِ أفعال، ففعلُ السَّبُعِ والحيَّةِ جنسٌ واحدٌ لكونِهِ هدراً مطلقاً، وفعلُ نفسِهِ جنسٌ آخر، وهو أنَّهُ هدرٌ في الدُّنيا لا في الآخرة، وفعلُ زيدٍ جنسٌ آخر، فيجبُ ثلثُ الدِّية. أقول: يجبُ أن ينظرَ إلى ما هو مؤثِّرٌ في الموت، وينظرُ إلى اتِّحادِهِ وتعدُّدِه، فالسَّبُعُ والحيَّةُ اثنان، ولا اعتبارَ في ذلكِ لكونهما هدراً.

(ويجبُ قتلُ مَن شَهَر سيفاً على المسلمين، ولا شيءَ بقتلِه)، فإن قلت: لَمَّا قال يجبُ قتلُ مَن شَهَر، فما الاحتياجُ إلى قولِه: لا شيءَ بقتلِه، قلت: يحتملُ أن يجبَ قتلُهُ دفعاً للشرّ، ومع ذلكَ يجبُ بقتلِهِ شيء.

(1)

المَرّ: هو خشبةٌ طويلةٌ في رأسِها حديدةٌ عريضةٌ من فوقِها خشبةٌ عريضة، يضعُ الرجلُ رجلَه عليها ويحفرُ بها الأرض. ينظر:«الرمز» (2: 303)

(2)

يعني من ضرب رجلاً بمرّ فقتل فإن أصابه بحدّه وجرحه فعليه القصاص؛ لأن الحديد إذا لم يجرح لم يكن عاملاً بمعناه الموضوع، وهو تفريق الأجزاء فصار كالحجر العظيم وإن أصاب العود أو ظهر الحديد فعليه الدية

وتمامه في «شرح ابن ملك» (ق 305/ب).

(3)

ينظر: «فتوحات الوهاب» (5: 25)، وغيرها.

ص: 148

ولا في مَن شَهَرَ سلاحاً على رجلٍ ليلاً أو نهاراً في مصرٍ وغيرِه، أو شَهَرَ عليهِ عصاً ليلاً في مصر أو نهاراً في غيرِهِ فقتلَهُ المشهورُ عليه، ولا على مَن تبعَ سارقَهُ المخرجَ سرقتَهُ ليلاً فقتله، وقُتِلَ بقَتْلِ مَن شَهَرَ عصاً نهاراً في مصر، ويقتلُ مَن شهرَ سيفاً فضربَ ولم يقتل فرجعَ فقتلَهُ آخر، ويجبُ الدِّيَةُ بقتلِ مجنونٍ أو صبيٍّ شَهَرَ سيفاً على رجلٍ فقتلَهُ هو، عمداً في مالِه

(ولا في مَن شَهَرَ سلاحاً على رجلٍ ليلاً أو نهاراً في مصرٍ وغيرِه، أو شَهَرَ عليهِ عصاً ليلاً في مصر أو نهاراً في غيرِهِ فقتلَهُ المشهورُ عليه)، السِّلاحُ إذا شَهَرَهُ فلا شيءَ بقتلِهِ مطلقاً؛ لأنَّهُ غيرُ ملبث، والعصا إذا شَهَرَهُ ليلاً في مصرٍ أو نهاراً في غيرِهِ فلا شيءَ بقتلِهِ أيضاً؛ لأنَّهُ وإن كان ملبثاً ففي اللَّيلِ في المصر لا يلحقُهُ الغوث، وكذا في النَّهارِ في غيرِ المصر.

(ولا على مَن تبعَ سارقَهُ المخرجَ سرقتَهُ ليلاً فقتله)، هذا إذا لم يتمكَّن من الاسترداد إلا بالقتل؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم:«قاتلْ دونَ مالك»

(1)

، وكذا إذا قتلَهُ قبلَ الأخذ، إذا قصدَ أخذَ مالَه، ولا يتمكَّنُ من دفعه إلا بالقتل، وكذا إذا دخلَ رجلٌ دارَ رجلٍ بالسِّلاح، فغلبَ على ظنِّ صاحبِ الدَّارِ أنَّهُ جاءَ لقتلِهِ يحلُّ قتلُه.

(وقُتِلَ بقَتْلِ مَن شَهَرَ عصاً نهاراً في مصر)، فإنَّ العصا ملبث، والظَّاهرُ لحوقِ الغوثِ نهاراً في المصر، فلا يفضي إلى القتلِ غالباً خلافاً لهما.

(ويقتلُ مَن شهرَ سيفاً فضربَ ولم يقتل فرجعَ فقتلَهُ آخر)، فإنَّهُ إذا ضربَ ولم يقتل ورجعَ، عادتْ عصمتُه، فإذا قتلَهُ آخرَ فقد قتلَ معصوماً، فعليه القصاص

(2)

.

(ويجبُ الدِّيَةُ بقتلِ مجنونٍ أو صبيٍّ شَهَرَ سيفاً على رجلٍ فقتلَهُ هو): أي المشهورُ عليه، (عمداً في مالِه): أي يجبُ الدِّيَةُ في مالِه؛ لأنَّ العاقلةَ لا تتحمَّلُ العمد،

(1)

من حديث أبي هريرة والمخارق بهذا اللفظ في «سنن النسائي الكبرى» (2: 307)، و «المجتبى» (7: 113)، و «المعجم الكبير» (20: 313)، وبلفظ:«من قتل دون ماله فهو شهيد» في «صحيح مسلم» (1: 124)، و «صحيح البخاري» (2: 877)، وينظر:«نصب الراية» (4: 348) و «الدراية» (2: 268).

(2)

هذا إذا ضربَه الأوّل، وكفَّ عن الضرب على وجهٍ لا يريد ضربَه ثانياً؛ لأنّه لمّا شَهَّرَ حلّ دمُه دفعاً لشرِّه، فلَمَّا لم يقتاد كفَّ عنه، اندفع شرُّه، وعادت عصمته، فإذا قتله فقد قتلَ شخصاً معصوماً من غير دفعِ ضرر، فلزمه القصاص. ينظر:«الكفاية» (9: 167).

ص: 149

والقيمة في قتلِ جمل صالَ عليه.

‌باب القود فيما دون النفس

هو فيما يمكنُ حفظُ المماثلةِ فقط، فيقتصُّ قاطعُ اليدِ عمداً من المفصل، وإن كانتْ يدُهُ أكبرَ ممَّا قطعَ كالرِّجل، ومارنِ الأنف، والأذنُ والعينُ إذا ضربتْ فذهبَ ضوؤها، وهي قائمةٌ فيجعلُ على وجهِهِ قطنٌ رطب، ويقابلُ عينَهُ بمرآةٍ محمَّاة، ولو قلعتْ لا، وكلُّ شجَّة تراعى فيها المماثلة، ولا قَوَدَ في عظمٍ إلاَّ في السِّنِّ فيقلعُ إن قلعت، وتبردُ إن كسرت، ولا بينَ رجلٍ وامرأة، وبينَ حرِّ وعبد، وبين عبدَيْن في الطّرف

(والقيمةُ): أي يجبُ القيمة، (في قتلِ جمل صالَ عليه)، هذا عندنا؛ لأنَّه قتلَ شخصاً معصوماً، وأتلفَ مالاً معصوماً؛ لأنَّ فعلَ الصَّبيِّ والمجنونِ والدَّابةُ لا يسقطُ العصمة، وإنَّما لا يجبُ القصاصُ لوجودِ المبيحِ وهو دفعُ الشَّرّ، وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه: أنَّهُ يجبُ الضَّمانِ في الدَّابّةِ لا في الصَّبيِّ والمجنون؛ لأنَّ عصمتُهما لحقِّهما، فتسقطُ بفعلهما، وعصمةُ الدَّابةِ لحقِّ صاحبها فلا يسقطُ بفعلهما، وعند الشَّافعيِّ رضي الله عنه: لا يجبُ الضَّمانُ في شيءٍ أصلاً؛ لأنَّهُ قتلَ لدفعِ الشَّرِّ كما في العاقلِ البالغ.

باب القود فيما دون النفس

(هو فيما يمكنُ حفظُ المماثلةِ فقط، فيقتصُّ قاطعُ اليدِ عمداً من المفصل)، إنَّما قال: من المفصل، احترازاً عمَّا إذا قطعَ من نصفِ السَّاعد، أو من نصفِ السَّاقِ إذ لا يمكنُ حفظُ المماثلة، (وإن كانتْ يدُهُ أكبرَ ممَّا قطعَ كالرِّجل، ومارنِ الأنف)، فإنَّ الرِّجلَ إذا قطعتْ من المفصلِ يجبُ القصاص، وفي مارنِ الأنف يجبُ القصاصُ لا في قصبةِ الأنف؛ لأنَّهُ لا يمكنُ فيها حفظُ المماثلة.

(والأذنُ والعينُ إذا ضربتْ فذهبَ ضوؤها، وهي قائمةٌ فيجعلُ على وجهِهِ قطنٌ رطب، ويقابلُ عينَهُ بمرآةٍ محمَّاة، ولو قلعتْ لا) إذ في القلعِ لا يمكنُ رعايةُ المماثلة.

(وكلُّ شجَّة تراعى فيها المماثلة): كالموضِّحَة: وهي أن يظهرَ العظم.

(ولا قَوَدَ في عظمٍ إلاَّ في السِّنِّ فيقلعُ إن قلعت، وتبردُ إن كسرت، ولا بينَ رجلٍ وامرأة، وبينَ حرِّ وعبد، وبين عبدَيْن في الطّرف)، هذا عندنا، وعندَ الشَّافعيِّ

(1)

رضي الله عنه:

(1)

ينظر: «نهاية المحتاج» (8: 417)، و «أسنى المطالب» (4: 23)، و «تحفة المحتاج» (8: 414)، وغيرها.

ص: 150

ولا في قطعِ يدٍ من نصفِ السَّاعد، وجائفةٍ برأت، واللِّسانِ والذَكَرِ إلا أن يقطعَ الحشفة، وطَرْفُ المسلمِ والذِّميِّ سواء، وخُيِّر المجنيُّ عليه إن كانت يدُ القاطعِ شلاّء، أو ناقصةَ بأصبع، أو الشَّجةُ لا تستوعبُ ما بينَ قرنَيْ الشَّاج، واستوعبَ ما بينَ قرنَي المشجوج.

[فصل]

ويسقطُ القَوَدُ بموتِ القاتل، وبعفوِ الأولياء، وبصلحِهم على مالٍ قلَّ أو جلّ

يجبُ القصاصَ إلا إذا قطعَ الحرُّ طرفَ العبد؛ فإنَّهُ لا قصاصَ عندهُ أيضاً، وإنَّما لا يجري القصاصُ عندنا؛ لأنَّ الأطرافَ يسلكُ بها مسلكُ الأموالِ فتنعدم المماثلةُ بالتَّفاوتِ في القيمة.

(ولا في قطعِ يدٍ من نصفِ السَّاعد، وجائفةٍ برأت)، فإنَّ الجائفةَ إذا برأت لا يجري فيها القصاص؛ لأنَّ البرءَ فيها نادرٌ، فالظَّاهرُ أنَّ الثَّاني يفضي إلى الهلاك، أمَّا إذا لم تبرأ، فإن كانت ساريةً يجبُ القصاص، فإن لم تسرِ بَعْدُ لا يقتصُّ إلى أن يظهرَ الحالُ من البرءِ والسِّراية، (واللِّسانِ والذَكَرِ إلا أن يقطعَ الحشفة)، هذا عندنا؛ لأنَّ الانقباضَ والانبساطُ يجري فيهما فلا تراعى المماثلة، وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه: إن كانَ القطعُ من الأصلِ يقتصّ.

(وطَرْفُ المسلمِ والذِّميِّ سواء، وخُيِّر المجنيُّ عليه إن كانت يدُ القاطعِ شلاّء، أو ناقصةَ بأصبع، أو الشَّجةُ لا تستوعبُ ما بينَ قرنَيْ الشَّاج، واستوعبَ ما بينَ قرنَي المشجوج): أي شجَّ رجلٌ رجلاً موضحةٌ حتى وجبَ القصاص، والشَّجةُ طولها مقدارُ شبر، والرَّأسُ المشجوجُ صغيرٌ استوعبَ الشَّجَّةِ ما بينَ قرنيه، ورأسُ الشَّاجِّ عظيمٌ لا تستوعبُ الشَّجُّة وهي شبرٌ ما بينَ قرنيهِ فالشِّبرُ الذي لحقَ المشجوجَ أكثرَ ممَّا يلحقُ الشَّاج، فالمشجوجُ بالخيارِ إن شاءَ اقتصّ، وإن شاءَ أخذَ الأرش

(1)

.

[فصل]

(ويسقطُ القَوَدُ بموتِ القاتل، وبعفوِ الأولياء، وبصلحِهم على مالٍ قلَّ أو جلّ،

(1)

في عكسِه يُخَيَّرُ أيضاً؛ لأنّه يَتَعذَّرُ الاستيفاءُ كملاً للتعدّي إلى غير حقّه، وكذا إذا كانت الشجّة في طول الرأس وهي تأخذُ من جبهتِه إلى قفاه، ولا تبلغُ إلى قفا الشاجّ، فهو بالخيار؛ لأنّ المعنى لا يختلف. ينظر:«الهداية» (4: 167).

ص: 151

ويجبُ حالاً، وبصلحِ أحدهم وبعفوِه، ولمَن بقي حصَّتُهُ من الدِّية، فإن صالحَ بألف وكيلَ سيِّدِ عبدٍ وحرّ قتلا فالصُّلحُ عن دمهما بألف بنصف، ويقتلُ جمعٌ بفرد، وبالعكسِ اكتفاءً إن حضرَ وليُّهم، وإن حضرَ واحدٌ قتلَ له، وسقطَ حقُّ البقيَّة، ولا يقطعُ يدانِ بيد، وإن أمرَّا سكيناً على يدٍ فقطعت، وضمنا ديِّتها

ويجبُ حالاً): أي إن لم يذكرْ الحلولَ والتَّأجيلَ يجبُ حالاً، ولا يكونُ كالدِّيَةِ مؤجَّلاً، (وبصلحِ أحدهم وبعفوِه

(1)

، ولمَن بقي حصَّتُهُ من الدِّية): أي لمَن بقي من الورثة، فإنَّ القصاصَ والدِّيَةِ حقُّ جميعِ الورثةِ عندنا، خلافاً لمالكِ رضي الله عنه والشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه في الزَّوجين.

(فإن صالحَ بألف وكيلَ سيِّدِ عبدٍ وحرّ قتلا فالصُّلحُ عن دمهما بألف بنصف): أي إن كان القاتلُ حرَّاً وعبداً، فأمرَ الحرُّ ومولى العبدِ رجلاً بأن يصالحَ من دمهما على ألفٍ ففعل، فالألفُ على الحرِّ والمولى نصفان.

(ويقتلُ جمعٌ بفرد، وبالعكسِ اكتفاءً إن حضرَ وليُّهم): أي يقتلُ فردٍ بجمع، ويكتفى بقتلِه، ولا شيءَ لأوليائِهم غيرَ ذلك خلافاً للشَّافِعِيِّ

(3)

رضي الله عنه فإنَّ عندهُ يقتلُ للأوَّلِ ويجبُ للباقينَ المال، وإن لم يَدْرِ الأوَّلُ قتل لهم جميعاً، وقَسَّمَ الدِّياتِ بينهم، وقيلَ: يقرعُ فيقتلُ لمَن خرجتْ قرعتُه، (وإن حضرَ واحدٌ قتلَ له، وسقطَ حقُّ البقيَّة): أي إن حضرَ وليٌّ واحدٍ قُتِلَ له، وسقطَ حقُّ الباقين عندنا.

(ولا يقطعُ يدانِ بيد، وإن أمرَّا سكيناً على يدٍ فقطعت، وضمنا ديِّتها)، هذا عندنا، وعندَ الشَّافعيِّ

(4)

رضي الله عنه: إذا أخذَ رجلانِ سكيناً وأمرَّا على يدِ آخرِ تقطعُ يدُهُما

(1)

لأن كلّ واحد منهم يتمكّن من التصرّف في نصيبه استيفاء وإسقاطاً بالعفو أو الصلح؛ لأنه تصرّف في خالص حقه ومن ضرورة سقوط حقّ البعض في القصاص سقوط حقّ الباقين فيه؛ لأنه لا يتجزّئ. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 627).

(2)

في «أسنى المطالب» و «حواشيه» للرملي (4: 35): إن الدية تثبت حقّاً لجميع الورثة، فكذا القصاص.

(3)

في «الغرر البهية شرح البهجة المرضية» (5: 46): لو قتل واحد جماعة فإن كان مرتباً قتل بأولهم وللباقين الديات، أو معاً، أو أشكل الحال قدم بالقرعة، وهي واجبة فلو تمالأ عليه أولياء القتلى وقتلوه جميعاً وقع القتل عن جميعهم موزعاً عليهم، فيرجعُ كلٌّ منهم بقسطه من الديّة فإن كانوا ثلاثة رجعَ كلٌّ منهم بثلثي الدية، وقيل: يقرع بينهم ويجعل القتل واقعاً عمن خرجت له القرعة وللباقين الديات، وقيل: يكتفى بالقتل عن جميعهم ولا رجوع بشيء.

(4)

ينظر: «الأم» (7: 191)، وغيرها.

ص: 152

فإن قطعَ رجلٌ يَمِيْنَيْ رجلَيْن فلهما يمينه، وديةُ يدٍ فإن حضرَ أحدهما وقطع، فللآخرِ الدِّية، ويقادُ عبد أقرَّ بقَوَد، ومَن رمى رجلاً عمداً فنفذَ إلى آخر فماتا، يُقْتَصُّ للأوَّل، وعلى عاقلتِهِ الدِّيَةُ للثَّاني.

[فصل في الفعلين]

ومَن قطعَ يدَ رجلٍ ثمَّ قتلَهُ أخذَ بهما في عمدين، ومختلفين برأ بينهما أو لا، وخطأين بينهما برءٌ، وكفتْ دِيَةٌ إن لم يبرأ بين هذين

اعتباراً بالنَّفس، ولنا: أنّ الانقطاعَ وقعَ باعتمادهما، والمحلُّ متجزئ، فيضافُ إلى كلِّ واحدٍ البعضُ بخلافِ النَّفس، فإنَّ زهوقَ الرُّوحِ غيرُ متجزّئ.

(فإن قطعَ رجلٌ يَمِيْنَيْ رجلَيْن فلهما يمينه، وديةُ يدٍ فإن حضرَ أحدهما وقطع، فللآخرِ الدِّية)، هذا عندنا سواءُ قطعهما على التَّعاقبِ أو معاً، وعندَ الشَّافعيِّ رضي الله عنه: في التَّعاقبِ يقطعُ بالأوَّل، وفي القِرانِ يقرع.

(ويقادُ عبد أقرَّ بقَوَد)، هذا عندنا؛ لأنَّهُ غيرُ متَّهمٍ فيه؛ لأنَّهُ مضرٌّ به؛ ولأنَّه مُبَقَّىً على أصلِ الحريَّةِ في حقِّ الدَّم، وعندَ زفرَ رضي الله عنه: لا يصحُّ إقرارُهُ كما في المالِ لملاقاتِهِ حقَّ المولى.

(ومَن رمى رجلاً عمداً فنفذَ إلى آخر فماتا، يُقْتَصُّ للأوَّل، وعلى عاقلتِهِ الدِّيَةُ للثَّاني)؛ لأنَّ الأوَّلَ عمد، والثَّاني خطأ

(1)

.

[فصل في الفعلين]

(ومَن قطعَ يدَ رجلٍ ثمَّ قتلَهُ أخذَ بهما في عمدين، ومختلفين برأ بينهما أو لا، وخطأين بينهما برءٌ، وكفتْ دِيَةٌ إن لم يبرأ بين هذين)، هذه ثمانيةُ مسائل؛ لأنَّ القطعَ إما عمدٌ أو خطأٌ، ثمَّ القتلُ كذلك، صارَ أربعة، ثمِّ إمَّا أن يكونَ بينهما برءٌ أو لا يكون، صارَ ثمانية.

(1)

أي أحدُ نوعي الخطأ، كأنّه رمى إلى صيدٍ فأصابَ آدميّاً والفعل يتعدَّد بتعدّد الأثر؛ لأنّ الرميَ الواحد جاز أن يتعدَّدَ بتعدّد آثاره؛ فإنّ الإنسانَ إذا أرسلَ سهماً يسمّى رمياً، وإذا فرّق جلدَ حيوانٍ ولم يمت يسمى جرحاً، وإذا أصاب ومات يُسَمَّى قتلاً، وإذا أصاب كوزاً وفرَّقَ تركيبه يسمَّى كسراً، وإذا نفذَ السهم إلى غيرِ المرمي إليه صار بمنْزلةِ فعل آخر، ولو فيه مخطئ، فيجب الدية. ينظر:«الهداية» (4: 169). «الكفاية» (9: 182).

ص: 153

كما في ضربِ مئةِ سوطٍ بَرِأَ من تسعين وماتَ من عشرة، وتجب حكومةُ عدلٍ في مئةِ سوطٍ جرحتْهُ وبقي أثرها

فإن كان كلُّ واحدٍ عمداً، فإن كانَ برءٌ بينهما يقتصُّ بالقطعِ ثمَّ بالقتل، وإن لم يبرأ فكذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ لأنَّ القطعَ ثمَّ القتلَ هو المثلُ صورةً ومعنى، وعندهما: يقتلُ ولا يقطع، فدخلَ جزاءُ القطعِ في جزاءِ القتل، وتحقيق هذا في أصولِ الفقهِ

(1)

في الأداءِ والقضاء.

وإن كان كلٌّ منهما خطأً، فإن كان بَرِءَ بينهما أُخِذَ بهما: أي يجبُ دِيَةُ القطعِ والقتل، وإن لم يبرأ بينهما كفتْ دِيَةُ القتل؛ لأنَّ ديةَ القطعِ إنَّما يجبُ عند استحكامِ أثرِ الفعل، وهو أن يُعْلَمَ عدمُ السِّراية، والفرقُ بين هذه الصُّورةِ وبين عمدين لا برء بينهما، أنَّ الدِّيَةَ مِثْلٌ غيرُ معقول، فالأصلُ عدمُ وجوبها بخلافِ القصاص؛ فإنَّهُ مِثْلٌ معقول.

وإن قطعَ عمداً ثمَّ قتلَ خطأ، سواءٌ بَرِءَ بينهما أو لم يبرأ أخذَ بالقتلِ والقطع: أي يقتصُّ للقطعِ وتؤخذُ دِيَةُ النَّفس.

وإن قطعَ خطأ ثمَّ قتلَ عمداً، سواءٌ برء بينهما أو لا، تؤخذُ الدِّيَةُ للقطع، ويقتصُّ للقتل، لاختلافِ الجنايتَيْن؛ لأنَّ أحدَهما عمد، والآخرَ خطأ.

(كما في ضربِ مئةِ سوطٍ بَرِأَ من تسعين

(2)

وماتَ من عشرة)، فإنَّهُ يكتفى بدِيَةٍ واحدة؛ لأنَّهُ لَمَّا بَرِأَ من تسعين لم يبقَ معتبرةً إلا في حقِّ التَّعزير، وكذا كلُّ جراحِهِ

(3)

اندملت، ولم يبقَ لها أثرٌ على أصلِ أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه: في مثلِهِ حكومةُ عدل، وعن محمَّدٍ رضي الله عنه: أجرةُ الطَّبيب، (وتجب حكومةُ عدلٍ في مئةِ سوطٍ جرحتْهُ وبقي أثرها): سيأتي في «كتابِ الدِّيات» تفسيرُ حكومةُ العدل

(4)

.

(1)

قال الشارح في «التوضيح» (1: 325 - 326): والقضاء بمثل معقول، إمّا كامل كالمثلِ صورةً ومعنى، وإمّا قاصرُ كالقيمة إذا انقطعَ المثل، أو لا مثل له؛ لأنّ الحقَّ في الصورة، وقد فات للعجز، فبقي المعنى، فلا يجب القاصر إلا عند العجز عن الكامل، ففي قطعِ اليدِ ثمّ القتلُ خُيِّرَ الوليُّ بين القطع ثمّ القتل، وهو مثل كامل، وبين القتل فقط، وهو قاصر. وعندهما: لا يقطع.

(2)

يعني ضربه تسعين في موضع، وعشرة في موضع آخر فبرأ موضعُ التسعين وسرى العشرة ومات فيه. ينظر:«الكفاية» (9: 185).

(3)

يعني مثل أن كانت شجّةٌ فالتحمت، ونبت الشعر، فإنّها لا تبقى معتبرةً لا في حقِّ الأرش، ولا في حقِّ حكومةِ عدل. ينظر:«العناية» (9: 185).

(4)

4: 163).

ص: 154

ومَن قطعَ يدَ رجل فعفا عن القطع، فماتَ منه ضَمِنَ له قاطعه دِيْتَه، ولو عفا عن الجناية أو عن القطع وما يحدثُ منه، فهو عفوٌ عن النَّفسِ والخطأ من ثلثِ مالِه، والعمدُ من كلِّه، وكذا الشَّجَّة، فإن قطعتْ امرأةٌ يدَ رجلٍ فنكحَها على يدِه، ثمَّ ماتَ يجبُ مهرِ مثلها، ودِيَةُ يدِه في مالها إن تعمَّدت، وعلى عاقلتِها إن أخطأت

(ومَن قطعَ (يدَ رجل)

(1)

فعفا عن القطع، فماتَ منه ضَمِنَ له قاطعه دِيْتَه)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: لا يجبُ شيء؛ لأنَّ العفوَ عن القطعِ عفوٌ عن موجبِه، وهو القطعُ إن لم يَسْر، والقتلُ إن سرى، له: أنّه عفى عن القطع، فإذا سرى عَلِمَ أنَّهُ كان قتلاً لا قطعاً، وإنَّما لا يجبُ القصاصُ بشبهةِ العفو.

(ولو عفا عن الجناية أو عن القطع وما يحدثُ منه، فهو عفوٌ عن النَّفسِ والخطأ من ثلثِ مالِه، والعمدُ من كلِّه): أي إذا كانت الجنايةُ خطأ، وقد عفا عنها فهو عفوٌ عن الدِّيَة، فيعتبرُ من الثُّلُث؛ لأنَّ الدِّيةَ مالٌ فحقُّ الورثةِ يتعلَّقُ بها، فالعفوُ وصيةٌ فيصحُّ من الثُّلث، وأمَّا العمدُ فموجبُهُ القَوَدُ وهو ليسَ بمالٍ فلم يتعلَّقُ به حقُّ الورثةِ فيصحُّ العفوُ عنه على الكمال، فإن قلت: القودُ إنَّما يجبُ بعد الموتَ تشفيَّاً لصدورِ الأولياء، فينبغي أن لا يصحَّ عفو المقتول، قلت: السَّببُ انعقدَ في حقِّهِ فيعتبرُ، وسيأتي كيفيَّةُ وجوبِ القَوَد

(2)

، (وكذا الشَّجَّة): أي لو كانتْ مقامَ القطعِ الشَّجة، فهي على الخلافِ المذكور.

(فإن قطعتْ امرأةٌ يدَ رجلٍ فنكحَها على يدِه، ثمَّ ماتَ

(3)

يجبُ مهرِ مثلها، ودِيَةُ يدِه في مالها إن تعمَّدت، وعلى عاقلتِها إن أخطأت): أي إن قطعتِ امرأةٌ يدَ رجلٍ عمداً فنكحَها على يدِه فهو نكاحٌ:

إمَّا على الموجبِ الأصليِّ للقطعِ العمدِ وهو القصاصُ في الطَّرْف، فهو لا يصلحُ مهراً، فيجبُ مهرُ المثل، وعليها الدِّيَةُ في مالها.

(1)

زيادة من ب.

(2)

4: 143).

(3)

قيّد بالموتِ في وجوب مهرِ المثل؛ لأنّه لو لم يمت فتزوَّجَها على اليدِ صحَّت التسمية، ويصير أرش ذلك، وهو خمسةُ آلاف درهمٍ مهراً لها بالإجماع، سواءً كان القطعُ عمداً أو خطأ تزوَّجها على القطع، أو على القطع وما يحدث عنه أو على الجناية؛ لأنّه لمّا برأ تبيّن أن موجبها الأرش دون القصاص؛ لأنّ القصاصَ لا يجري في الأطراف بين الرجل والمرأة، والأرشُ يصلحُ صداقاً. ينظر:«الكفاية» (9: 189).

ص: 155

فإن نكحَها على اليد وما يحدثُ منها أو على الجنايةِ ثمَّ مات، ففي العمدِ مهرُ المثل، وفي الخطأ رفعٌ عن العاقلةِ مهرُ مثلها، والباقي وصيَّةٌ لهم، فإن خرجَ من الثُّلث سقطَ، وإلا سقطَ ثلثُ المال، فإن ماتَ المقتصُّ له بقطع، قتلَ المقتصُّ منه، وضَمِنَ دِيَةَ النَّفسِ مَن قطعَ قَوَداً فسرى

وإمّا على ما هو واجبٌ بهذا القطعِ وهو الدِّيَة، فإنَّهُ لا قصاصَ بينَ الرَّجلِ والمرأةِ في الطَّرْف، ثمَّ إذا سرى، ظهرَ أنَّ اليدَ غيرُ واجبةٍ فيجبُ مهرُ المثل، وإن قطعتْ خطأً يجبُ مهرُ المثلِ أيضاً لهذا، وديةُ النَّفسِ على العاقلةِ فلا مقاصَّةَ هاهنا بخلافِ العمد.

(فإن نكحَها على اليد وما يحدثُ منها أو على الجنايةِ ثمَّ مات، ففي العمدِ مهرُ المثل، وفي الخطأ رفعٌ عن العاقلةِ مهرُ مثلها، والباقي وصيَّةٌ لهم، فإن خرجَ من الثُّلث سقطَ، وإلا سقطَ ثلثُ المال)، إنَّما يجبُ مهرُ المثلِ في العمد؛ لأنَّ هذا تزوَّجٌ على القصاص، وهو لا يصلحُ مهراً فيجبُ مهر المثل، ولا شيءَ عليها بسببِ القتل؛ لأنَّ الواجبَ القصاص، وقد أسقطَه.

وإن كانَ خطأً يرفعُ عن العاقلةِ مهرَ مثلها؛ لأنَّ هذا تزوُّجٌ على الدِّيَة، وهي تصلحُ مهراً، فإن كان مهرُ المثلِ مساوياً للدِّيَة، ولا مالَ له سوى هذا، فلا شيءَ على العاقلة؛ لأنَّ التَّزوُّجَ من الحوائجِ الأصليَّةِ فيعتبرُ من جميعِ المال، وإن كان مهرُ المثلِ أكثرَ لا يجبُ الزِّيادة؛ لأنَّها رضيتْ بأقلَّ من مهرِ المثل، وإن كان مهرُ المثلِ أقلَّ فالزِّيادةُ وصيَّةٌ للعاقلة، وتصحُّ لأنَّهم ليسوا بقتلة، وتعتبرُ من الثُّلث، فإن خرجتْ من الثُّلث سقطت، وإلا يسقطُ مقدارُ ثلثِ المال، وهذا الفرقُ بينَ التَّزوِّجِ على اليد وبينَ التَّزوُّجِ على الجنايةِ على قولِ أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمَّا عندهما فالحكمُ في التَّزوُّجِ على اليدِ كما ذكرنا في هذه المسألة، وهي التَّزوُّجُ على الجناية.

(فإن ماتَ المقتصُّ له بقطع، قتلَ المقتصُّ منه): أي مَن قطعَ يدَه فاقتصَّ له من اليدِ ثمَّ مات، فإنَّهُ يقتلُ المقتصُّ منه، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه: لا يقتل؛ لأنَّهُ لمَّا أقدمَ على القطعِ قصاصاً أبرأه عمَّا وراءه، قلنا: استيفاءُ القطعِ لا يوجبُ سقوطَ القَوَد، كمَن له القَوَدُ إذا قطعَ يدَ مَن عليه القَوَد

(1)

.

(وضَمِنَ دِيَةَ النَّفسِ مَن قطعَ قَوَداً فسرى): أي مَن له القصاصُ في الطَّرفِ

(1)

أي يد القاتل، وإنّما أقدم على القطعِ ظنّاً منه أنّ حقّه فيه، وبعد السرايةِ تبيّن أنّ حقَّه في القَوَد، فلم يكن مبرءاً عنه بدون العلم به. ينظر:«الهداية» (4: 172).

ص: 156

وأرشُ اليد من قطعِ يدِ مَن له عليه قودُ نفسٍ فعفا عنه.

‌باب الشهادة في القتل واعتبار حالته

القَوَدُ يثبتُ بدأ للورثِةِ لا إرثاً، فلا يصيرُ أحدُهم خصماً عن البقيَّة

فاستوفاهُ فسرى إلى النَّفسِ يضمنُ دِيَةَ النَّفسِ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ لأنَّ حقَّهُ في القطع، وقد قتل، وعندهما

(1)

لا يضمنُ شيئاً؛ لأنَّهُ استوفى حقَّهُ وهو القطع، ولا يمكنُهُ التَّقييدُ بوصفِ السَّلامة، لما فيه من سدِّ بابِ القصاص، والاحترازِ عن السِّرايةِ ليسَ في وسعِه.

(وأرشُ اليد من قطعِ يدِ مَن له عليه قودُ نفسٍ فعفا عنه): أي قطعَ وليُّ القتيلِ يدَ القاتل، ثمَّ عفا عن القتلِ ضَمِنَ ديةَ اليدِ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ لأنَّهُ استوفى غيرَ حقِّهِ لكن لا يجبُ القصاصُ للشُّبهة، وعندهما: لا يضمنُ شيئاً؛ لأنَّهُ استحقَّ إتلافَ النَّفسِ بجميعِ أجزائِهِ فأتلفَ البعض، فإذا عفا، فهو عفوٌ عمَّا وراءَ هذا البعضِ فلا يضمن شيئاً.

باب الشهادة في القتل واعتبار حالته

(القَوَدُ يثبتُ بدأ للورثِةِ لا إرثاً)، اعلمْ أنَّ القصاصَ يثبتُ للورثةِ ابتداءً عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ لأنَّهُ يثبتُ بعد الموت، والميْتُ ليس أهلاً لأن يملكَ شيئاً إلا ما له إليه حاجةٌ كالمالِ مثلاً، فطريقُ ثبوتِهِ الخلافة، وعندهما: طريقُ ثبوتِهِ الوراثة، والفرقُ بينهما أنَّ الوراثةَ تستدعي سبقَ ملكِ المورِّثِ، ثمَّ الانتقالُ منه إلى الوارث، والخلافةُ لا تستدعي ذلك، فالمرادُ بالخلافةِ هنا أن يقومَ شخصٌ مقامَ غيرِهِ في إقامةِ فعلِه، ففي القتلِ إذا اعتدى القاتلُ على المقتولِ فالحقُّ أن يعتدي المقتولُ بمثلِ ما اعتدى عليه، لكنَّهُ عاجزٌ عن إقامتِه، فالورثةُ قاموا مقامَهُ من غيرِ أنَّ المقتولَ ملكَه، ثمَّ انتقلَ منه إلى الورثة.

ثمَّ إذا ثبتَ هذا الأصلُ فرَّعَ عليه قوله: (فلا يصيرُ أحدُهم خصماً عن البقيَّة)، اعلم أنَّ كلَّ ما يملكُهُ الورثةُ بطريقِ الوراثة، فأحدُهم خصمٌ عن الباقين: أي قائمٌ مقامَ الباقينَ في الخصومةِ حتى إن ادَّعى أحدُ الورثةِ شيئاً من التَّركةِ على أحد، وأقامَ بيِّنةَ يثبتُ حقُّ الجميع، فلا يحتاجُ الباقونَ إلى تجديدِ الدَّعوى، وكذا إذا ادَّعى أحدٌ على أحدِ الورثةِ شيئاً من التَّركة، وأقامَ البيَّنةَ عليه يثبتُ على الجميع، حتى لا يحتاجَ المدَّعي إلى أن يدَّعي على كلِّ واحد، وما يملكُهُ الورثةُ لا بطريقِ الوراثةِ لا يصيرُ أحدُهُم خصماً عن الباقين.

(1)

في «البرهان» : وهو الأظهر. ينظر: «الشرنبلالية» (2: 99).

ص: 157

فلو أقامَ حجَّةً بقتلِ أبيه غائباً أخوه فحضرَ يعيدها، وفي الخطأ والدَّينِ لا، فلو بَرْهَنَ القاتلُ على عفوِ الغائب، فالحاضرُ خصمٌ، وسقطَ القَوَد، وكذا لو قُتِلَ عبدٌ بينَ رجلَيْن أحدهما غائب، فإن شَهِدَ وليَّا قَوَدٍ بعفوِ أخيهما بطلت، وهي عفوٌ منهما، فإن صدَّقَهُما القاتلُ وحده، فلكلِّ منهم ثلثُ الدِّية، وإنَّ كذَّبهما فلا شيءَ لهما، وللآخرِ ثلثُ الدِّيَة، وإن صدَّقهما الأخُ فقطُ فلهُ الثُّلث

ففرَّعَ على هذا قوله: (فلو أقامَ حجَّةً بقتلِ أبيه غائباً أخوه فحضرَ يعيدها): أي فلو أقامَ أحدُ الورثةِ بيِّنةً وأخوهُ غائبٌ أنَّ فلاناً قتلَ أباهُ عمداً يريدُ القصاص، ثمَّ حضرَ أخوهُ يحتاجُ إلى إعادةِ إِقامةِ البيِّنةِ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه خلافاً لهما.

(وفي الخطأ والدَّينِ لا): أي إذا كان القتلُ خطأ لا يحتاجُ إلى إعادةِ البيِّنة؛ لأنَّ موجبُهُ المال، وطريقُ ثبوتِهِ الميراث، وفي الدَّينِ إذا أقامَ أحدُ الورثةِ البيِّنةَ أنَّ لأبيهِ على فلانٍ كذا، فحضرَ أخوهُ لا يحتاجُ إلى إقامةِ البيِّنة.

(فلو بَرْهَنَ القاتلُ على عفوِ الغائب، فالحاضرُ خصمٌ، وسقطَ القَوَد): أي إذا كانَ بعضُ الورثةِ غائباً، والبعضُ حاضراً، فأقامَ القاتلُ البيِّنةَ على الحاضرِ أنَّ الغائبَ قد عفى، فالحاضرُ خصمٌ؛ لأنَّهُ يدَّعي على الحاضرِ سقوطَ حقِّهِ في القصاص، وانتقالِهِ إلى مال، فيكونُ خصماً.

(وكذا لو قُتِلَ عبدٌ بينَ رجلَيْن أحدهما غائب): أي عبدٌ مشتركٌ بينَ رجلَيْن، أحدُهما غائب، قتلَ عمداً، فادَّعى القاتلُ على الحاضرِ أنَّ الغائبَ قد عفى، فالحاضرُ خصمٌ وسقطَ عنه القَوَدُ لما ذكرنا

(1)

.

(فإن شَهِدَ وليَّا قَوَدٍ بعفوِ أخيهما بطلت، وهي): أي الشَّهادة، (عفوٌ منهما، فإن صدَّقَهُما القاتلُ وحده، فلكلِّ منهم ثلثُ الدِّية، وإنَّ كذَّبهما فلا شيءَ لهما، وللآخرِ ثلثُ الدِّيَة، وإن صدَّقهما الأخُ فقطُ فلهُ الثُّلث)، هكذا ذكرَ في «الهداية»

(2)

وفيه نوعُ نظر؛ لأنَّهُ إن أريدَ بالشَّهادةِ حقيقتُهما، فهي لا تكونُ بدونِ الدَّعوى، والمدِّعي هو القاتل، فكيفَ يكونُ تكذيبِ القاتلِ من أقسامِ هذهِ المسألة، وإن أريدَ بالشَّهادةِ مجرَّدُ الإخبارِ لا يصحُّ الحكمُ بالبطلانِ مطلقاً، إذ هو مخصوصٌ بما إذا كذَّبهما، ومن الأقسامِ ما إذا صدَّقهما الأخ، وحينئذٍ لا يبطلُ الإخبار.

(1)

أي في المسألة التي سبقتها.

(2)

الهداية» (4: 174).

ص: 158

وإن اختلفَ شاهدا القتلِ في زمانِهِ أو مكانِهِ أو آلته، أو قالَ شاهد: قتلَهُ بعصا، وقال الآخر: جهلتُ آلةَ قتله، لغت، وإن شهدا بقتلِه، وقالا: جهلنا آلتَهُ تجبُ الدِّيَة

وأيضاً الأقسامُ أربعةٌ ولم يذكرْ إلا الثَّلاثة، فالحقُّ أن يقال: فإن أخبرَ وليَّا قَوَدٍ بعفوِ أخيهما، فهو عفوٌ للقصاصِ منهما:

فإن صدَّقهما القاتلُ والأخُ فلا شيءَ له، ولهما ثُلُثا الدِّيَة.

وإن كذَّباهما فلا شيءَ للمخبرَيْن ولأخيهما ثلثُ الدِّية.

وإن صدَّقهما القاتلُ وحدَهُ فلكلٍّ منهم ثلثُ الدِّية.

وإن صدَّقهما الأخُ فقطْ فله ثلثُ الدَّيَة.

أمَّا الأوَّلُ؛ وهو تصديقهما فظاهر.

وأمَّا الثَّاني: وهو تكذيبُهما؛ فلأنَّ إخبارَهما بعفوِ الأخِ إقرارٌ بأنَّ لا حقَّ لهما في القصاص، فلا قصاصَ لهما، ولا مال لتكذيبِ القاتلِ والأخ، ثمَّ للأخِ ثلثُ الدِّيَة؛ لأنَّ حقَّ المخبريْن لَمَّا سقطَ في القصاصِ سقطَ حقُّ الأخِ لعدمِ تجزِّيه، وانتقلَ إلى المال، إذ لم يثبتْ عفوُه؛ لأنَّ إخبارَ المخبرينَ بعفوِهِ لم يصحَّ؛ لأنَّهما يجرَّانِ به نفعاً، وهو انتقالُ حقِّهما إلى المال.

وأمَّا الثَّالث؛ وهو تصديقُ القاتلِ فقط، فإنَّ للأخِ ثلثُ الدِّيَةِ لما ذكرنا

(1)

، وكذا لكلِّ من المخبرين، بتصديقِ القاتل؛ لأنَّ حقَّهما انتقلَ إلى المال.

وأمَّا الرَّابع؛ وهو تصديقُ الأخِ فقط فهو الاستحسان، والقياسُ أن لا يكونَ على القاتلِ شيء؛ لأنَّ ما ادَّعاهُ المخبرانِ على القاتلِ لم يثبتْ لإنكارِه، وما أقرَّ به القاتلُ للأخِ يبطلُ بتكذيبِه، وجهُ الاستحسان: أنّ القاتلَ بتكذيبِهِ المخبرين أقرَّ بأنَّ لأخيهما ثلثُ الدِّيَةِ لزعمِهِ أنَّ القصاصَ سقطَ بدعواهما العفوَ على الأخ، وانقلبَ نصيبُ الأخِ مالاً، والأخُ لَمَّا صدَّقَ المخبريْن في العفوِ فقد زعمَ أنَّ نصيبَهما انقلبَ مالاً، فصارَ مقرِّاً لهما، بما أقرَّ به القاتل، ووجهُهما مذكورٌ في «الهداية»

(2)

.

(وإن اختلفَ شاهدا القتلِ في زمانِهِ أو مكانِهِ أو آلته، أو قالَ شاهد: قتلَهُ بعصا وقال الآخر: جهلتُ آلةَ قتله، لغت، وإن شهدا بقتلِه، وقالا: جهلنا آلتَهُ تجبُ الدِّيَة)،

(1)

إشارة إلى قوله: قبيل هذا؛ لأنّ حقَّ المخبرين لَمَّا سقط في القصاصِ سقطَ حقُّ الأخ؛ لعدم تجزئه إلى آخره. ينظر: «ذخيرة العقبى» (ص 607).

(2)

الهداية» (4: 174).

ص: 159

وإن أقرَّ كلٌّ من رجلَيْن بقتلِ زيد، وقال الوليُّ: قتلتماه، فله قتلُهما، ولو قامتْ بيِّنةٌ بقتلِ زيدٍ عمرو، وأخرى بقتلٍ بكرِ إيَّاه، وادَّعى الوليُّ قتلَهما لغتا، والعبرةُ لحالةِ الرَّمي لا للوصولِ فتجبُ الدِّيَةُ على مَن رمى مسلماً فارتدَّ فوصل، والقيمةُ لسيِّدِ عبدٍ رُمِيَ إليه فأعتقَهُ فوصل، والجزاءُ على محرمٍ رمى صيداً فَحَلَّ فوصلَ لا على حلالٍ رماه فأحرمَ فوصل، ولا يضمنُ مَن رمى مقضيَّاً، عليهِ برجم فرجعَ شاهدُهُ فوصل، وحلَّ صيدٌ رماهُ مسلمٌ فتمجَّس

القياسُ أن لا يجبَ شيء؛ لأنَّ حكمَ القتلِ يختلفُ باختلافِ الآلة، ووجهُ الاستحسان: أنّهم شهدُوا بمطلقِ القتل، والمطلقُ ليسَ بمجمل

(1)

فيثبتُ أقلُّ موجبِه وهو الدِّية، وتجبُ في مالِه؛ لأنَّ الأصلَ في القتلِ العمدِ فلا يتحمَّلُهُ العاقلة.

(وإن أقرَّ كلٌّ من رجلَيْن بقتلِ زيد، وقال الوليُّ: قتلتماه، فله قتلُهما، ولو قامتْ بيِّنةٌ بقتلِ زيدٍ عمرو، وأخرى بقتلٍ بكرِ إيَّاه، وادَّعى الوليُّ قتلَهما لغتا)؛ لأنَّ في الثَّاني تكذيبَ المشهودِ له الشَّاهدَ في بعضِ ما شهدَ له، وهذا يبطلُ شهادَتَه؛ لأنَّ التكذيبَ تفسيق، وفي الأوَّلِ تكذيبَ المُقَرِّ له المُقِرَّ في بعضِ ما أقرَّ بهِ وهو انفرادُهُ في القتل، وهذا لا يبطلُ الإقرار

(2)

.

(والعبرةُ لحالةِ الرَّمي لا للوصولِ فتجبُ الدِّيَةُ على مَن رمى مسلماً فارتدَّ فوصل)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما: لا يجبُ شيءٌ إذ بالارتدادِ سقطَ تقوُّمُهُ فصارَ مبرَّئاً للرَّامي عن موجبِه، كما إذا أبرأهُ بعدَ الجرحِ قبلَ الموت، له: أنَّ المرميَّ إليه حالةَ الرَّمي متقوَّم، (والقيمةُ لسيِّدِ عبدٍ رُمِيَ إليه فأعتقَهُ فوصل)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسفَ رضي الله عنه، وقال محمَّدٌ رضي الله عنه: فضلُ ما بينَ قيمتِهِ مرميَّاً إلى غيرِ مرمي، (والجزاءُ على محرمٍ رمى صيداً فَحَلَّ فوصلَ لا على حلالٍ رماه فأحرمَ فوصل، ولا يضمنُ مَن رمى مقضيَّاً عليه برجم فرجعَ شاهدُهُ فوصل وحلَّ صيدٌ رماهُ مسلمٌ فتمجَّس

(1)

فإنّ المطلقَ ممكنُ العمل، ألا ترى أنّ اللهَ تعالى أوجبَ الكفّارةَ بتحرير رقبةٍ مطلقة، ووجبَ العملُ به، ولو كان مجملاً لَمَا وجبَ العملُ به، كذا ذكره الإمامُ الكسائيّ رضي الله عنه. ينظر:«الكفاية» (9: 198 - 199).

(2)

بيانه: إنّ الإقرارَ والشهادةَ يتناولُ كلَّ واحدٍ منهما وجود كلَّ القتل ووجوب القصاص، وقد حصل التكذيب في الإقرارِ من المُقَرِّ له، وهو الوليّ، وفي الشهادةِ من المشهودِ له، وهو الوليًّ أيضاً، غير أنّ تكذيبَ المُقَرّ له المُقِرَّ في بعض ما أقرَّ به لا يبطلُ إقراره في الباقي، وتكذيبُ المشهودِ له الشاهدَ في بعضِ ما شهدَ به يبطلُ شهادته أصلاً؛ لأنّ التكذيبَ تفسيق، وفسقُ الشاهد يمنعُ القبول، وأمّا فسقُ المقرّ لا يمنعُ صحَّة الإقرار. ينظر:«الهداية» (4: 175).

ص: 160

ـ نعوذُ بالله ـ فوصلَ، لا ما رماهُ مجوسيُّ فأسلمَ فوصل.

نعوذُ بالله فوصلَ، لا ما رماهُ مجوسيُّ فأسلمَ فوصل)؛ لأنَّ المعتبرَ حالةُ الرَّمي

(1)

(1)

ويدخل في الجنايات حوادث المرور، وقد أفاض في تفصيله قواعدها شيخ الإسلام محمد تقي الدين العثماني حفظه الله في «بحوث في قضايا فقهية معاصرة» (ص 310 - 319)، فأوجز بعض ما قال، فأقول: ضوابط الضمان المتعلقة بحوادث السير مستخلصة من كتب الفقهاء:

إذا كان المباشر هو السبب الوحيد في الإتلاف، فهو ضامن سواء كان متعدياً، أو غير متعدّ، بمعنى أنه لم يفعل فعلاً محظوراً في نفسه.

إذا اجتمع المباشر والمسبب، وليس أحداً منهما متعدّيا بالمعنى المذكور فالضمان على المباشر.

إذا اجتمع المباشر والمسبب، والمباشر متعد والمسبب غير متعد، فالضمان على المباشر.

إذا اجتمع المباشر والمسبب، وكل واحد منهما متعدّ، فالضمان على المباشر.

إذا اجتمع المباشر والمسبب، والمسبب متعدّ، والمباشر غير متعدّ، فالضمان على المسبب.

فالأصل أن سائق السيارة مسؤول عن كل ما يحدث بسيارته خلال تسييره إيّاها، وذلك لأن السيارة آلة في يده، وهو يقدر على ضبطها، فكل ما ينشأ عن السيارة، فإنه مسؤول عنه، وهناك فرقاً بين الدابة والسيارة من حيث إن الدابة متحركة بنفسها بخلاف السيارة.

وعليه فالأصل أن السائق ضامن لكل ضرر ينشأ من عجلاتها أو مقدمتها أو من خلفها أو من أحد جانبيها؛ لأن السيارة آلة محضة في يد السائق، فتنسب مباشرة الاضرار إليه. فإن كان متعدياً بمخالفة قواعد المرور كأن يسوق بسرعة غير معتادة، فلا خفاء في كونه ضامناً؛ لأن الضرر نشأ بتعديه، والمتعدّي ضامن في كل حال.

أما إذا لم يكن متعدّيا في السير، بأن ساق سيارته ملتزماً بجميع قواعد المرور، فإنه يضمن الضرر الذي باشره، ويجب لتضمينه أن تصحّ نسبة المباشرة إليه بدون مزاحم على وجه معقول، على هذا الأساس لا يضمن في الصور الآتية:

إذا كان السائق يسوق سيارته ملتزما بجميع قواعد المرور، ولكن دفع شخص رجلاً آخر أمام سيارته فجأة بحيث لم يمكن له أن يوقف السيارة قبل أن تدهسه.

إذا أوقف السائق سيارته أمام إشارة المرور منتظراً إشارة فتح الطريق فصدمته سيارة من خلفه ودفعته إلى الأمام فصدمت سيارته أحداً، فليس الضمان على سائق السيارة الأمامية، بل الضمان على سائق السيارة التي صدمتها من خلفها؛ لأنه لا تصح نسبة المباشرة إلى السيارة الأمامية، فإنها مدفوعة بمنْزلة الآلة للسيارة الخلفية.

إذا كانت السيارة سليمة قبل السير بها، وكان السائق يتعهدها تعهداً معروفاً، ثم طرأ علهيا خلل مفاجئ في جهاز من أجهزتها، حتى خرجت السيارة من قدرة السائق ومكنته من ضبطها، فصدمت إنساناً.

إذا ساق إنسان سيارة في شارع عام ملتزما السرعة المقررة، ومتبعاً خطّ السير حسب النظام، ومتبصراً في سوقه حسب قواعد السير، فقفز رجل أمامه فجأة؛ إذ كان بقربٍ منها بحيث لا يمكن للسيارة في سيرها المعتاد في مثل ذلك المكان أن تتوقف بالفرملة، وكان قفزه لا يتوقع مسبقاً لدى سائق متبصر محتاط، فصدمته السيارة رغم قيام السائق بما وجب عليه من الفرملة ونحوها.

ص: 161

‌كتاب الديات

الدِّيَةُ من الذَّهب ألفُ دينار، ومن الورقِ عشرةُ آلافِ درهم، ومن الإبلِ مئة، وهذه في شبه العمدِ أرباعِ: من بنتِ مخاض، وبنتِ لبون، وحِقَّة، وجَذَعَة، وهي المغلَّظة، وفي الخطأ أخماسٌ منهما، ومن ابنِ مخاض

كتاب الديات

(الدِّيَةُ من الذَّهب ألفُ دينار، ومن الورقِ عشرةُ آلافِ درهم، ومن الإبلِ مئة، وهذه في شبه العمدِ أرباعِ: من بنتِ مخاض، وبنتِ لبون، وحِقَّة، وجَذَعَة، وهي المغلَّظة، وفي الخطأ أخماسٌ منهما، ومن ابنِ مخاض)، الدِّيةُ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه لا تكونُ إلاَّ من هذه الأموالِ الثَّلاثة، وقالا: منها، ومن البقرِ مئتا بقرة، ومن الغنمِ ألف شاة، ومن الحِلَل مئتا حلَّة، كلُّ حلَّةٍ ثوبان؛ لأنَّ عمرَ رضي الله عنه جعلَ على أهلِ كلِّ مالٍ منها. وله: إنّ هذه الأشياءَ مجهولة، فلا يصحُّ بها التَّقدير، ولم يردْ فيها أثرٌ مشهورٌ بخلافِ الإبل، وعندَ الشَّافعيِّ

(1)

رضي الله عنه: من الورقِ اثنا عشرَ ألف درهم.

ثمَّ الدِّيةُ المغلَّظةُ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسفَ رضي الله عنه: خمسٌ وعشرونَ بنتَ مخاض: وهي التي تمَّت عليها حول، وخمسٌ وعشرون بنتَ لبون: وهي التي تمَّت عليها حولان، وخمسٌ وعشرونَ حِقَّة: وهي التي تمَّت عليها ثلاثُ سنين، وخمسٌ وعشرونَ جَذَعة: وهي التي تمَّتْ عليها أربعُ سنين، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه والشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه: ثلاثونَ حِقَّة، وثلاثونَ جَذَعة، وأربعونَ ثنيَّةً كلُّها خَلِفَاتٍ في بطونِها أولادها، الثَّنية: التي تمَّتْ عليها خمسُ سنين، والخَلِفَة: التي في بطنِها ولدٌ مضتْ عليه ستَّةُ أشهر، والتَّغليظُ مختلفٌ فيه بين الصَّحابةِ رضي الله عنهم، ونحنُ أخذنا بقولِ ابنِ مسعود رضي الله عنه.

ودِيَةُ الخطأ عندنا عشرونَ ابنَ مخاض: وهو ذكرٌ تمَّتْ عليه حول، ومن الأصنافِ الأربعةِ المذكورةِ عشرونُ عشرون، وعند الشَّافعيِّ

(3)

رضي الله عنه: عشرونَ ابنُ لبونٍ مكانَ ابن مخاض.

(1)

ينظر: «النكت» (3: 371 - 374)، وهذا هو قول الشافعي في مذهبه القديم، وأما في الجديد فقال: قيمة الإبل بالغة ما بلغت.

(2)

ينظر: «النكت» (3: 370)، وغيرها.

(3)

ينظر: «النكت» (3: 371)، وغيرها.

ص: 162

وكفارتُهما عتقُ مؤمن، فإن عَجِزَ عنهُ صامَ شهرينٍ ولاءً، ولا إطعامَ فيها، وصحَّ رضيعٌ أحدُ أبويه مسلم، لا الجنين. وللمرأةِ نصفُ ما للرَّجلِ في دِيَةِ النَّفسِ وما دونها، وللذِّميِّ ما للمسلم، وفي النَّفس، والأنف، والذَّكَر، والحشفة، والعقل، والشمّ، والذَّوق، والسَّمع، والبصر، واللَّسان إن منعَ النُّطقَ أو أداءَ أكثرِ الحروف، ولحيةٍ حُلِقَتْ فلم تنبت، وشعرِ الرَّأس الدِّية، كما في اثنينِ ممَّا في البدنِ اثنان، وفي أحدِهما نصفُها، وكما في أشفارِ العينَيْن

(وكفارتُهما عتقُ مؤمن، فإن عَجِزَ عنهُ صامَ شهرينٍ ولاءً، ولا إطعامَ فيها)؛ لأنَّه لم يرد به النَّص، (وصحَّ رضيعٌ أحدُ أبويه مسلم)؛ لأنَّه يكونُ مؤمناً بالتَّبعيَّة، (لا الجنين.

وللمرأةِ نصفُ ما للرَّجلِ في دِيَةِ النَّفسِ وما دونها)، هذا عندنا، وعندَ الشَّافعيّ

(1)

رضي الله عنه: دونَ الثُّلثِ لا ينصف.

(وللذِّميِّ ما للمسلم)، هذا عندنا، وعندَ الشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه: ديةُ اليهوديّ والنَّصرانيّ أربعةُ الآفِ درهم، وديةُ المجوسيِّ ثمانِ مئةٍ درهم، وعند مالكٍ

(3)

رضي الله عنه: دِيَةُ اليهوديِّ والنَّصرانيّ نصفُ دِيَة المسلم، وديةُ المسلمِ عنده اثنا عشرَ ألفٍ درهم.

(وفي النَّفس، والأنف، والذَّكَر، والحشفة، والعقل، والشمّ، والذَّوق، والسَّمع، والبصر، واللَّسان إن منعَ النُّطقَ أو أداءَ أكثرِ الحروف، ولحيةٍ حُلِقَتْ فلم تنبت، وشعرِ الرَّأس الدِّية): أي الدِّيَةُ الكاملة، وعند مالكٍ

(4)

رضي الله عنه والشَّافعيِّ

(5)

رضي الله عنه: يجبُ في اللِّحيةِ وشعرِ الرَّأسِ حكومةُ العدل.

(كما في اثنينِ ممَّا في البدنِ اثنان، وفي أحدِهما نصفُها، وكما في أشفارِ

(6)

العينَيْن،

(1)

في «الأم» (6: 112)، و «أسنى المطالب» (4: 48)، و «المحلي» (4: 133): دية المرأة نفساً وجرحاً نصف دية الرجل.

(2)

ينظر: «روض الطالب» (4: 48)، و «نهاية المحتاج» (7: 320)، وغيرهما.

(3)

ينظر: «المنتقى» (7: 97)، و «التاج والإكليل» (8: 333)، و «منح الجليل» (9: 96)، وغيرها.

(4)

ينظر: «حاشية الصاوي» (4: 352)، «الشرح الصغير» (4: 353)، و «التاج والإكليل» (8: 316)، وغيرها.

(5)

في «النكت» (3: 379): لا تجب الدية في إتلاف الشعور.

(6)

الأشفار: جمع شفر: وهو طرف الجفن الذي ينبتُ عليه الشعر، وهو الهدب. ينظر:«الصحاح» (1: 674)

ص: 163

وفي أحدِها ربعُها، وفي كلِّ أصبعِ يدٍ أو رجلٍ عشرُها، وفي كلِّ مفصلٍ من إصبعٍ فيها مفاصلُ ثلثُ عشرها، وفيما فيه مفصلانِ نصفُ عشرها، كما في كلِّ سنّ، وكلُّ عضوٍ ذَهَبَ نفعُهُ بضربٍ ففيهِ ديَّته كيدٍ شُلَّت، وعينٍ عميت.

[فصل في أحكام الشجاج]

ولا قَوَدَ في الشِّجاجِ إلاَّ في المُوضِحَةِ عمداً، وفيها خطأٌ نصفُ عشرِ الدِّيَة.

وفي أحدِها ربعُها، وفي كلِّ أصبعِ يدٍ أو رجلٍ عشرُها، وفي كلِّ مفصلٍ من إصبعٍ فيها مفاصلُ ثلثُ عشرها، وفيما فيه مفصلانِ نصفُ عشرها، كما في كلِّ سنّ)، فإنَّ فيها نصفَ العشرِ لما كان عدد الأسنانِ اثنينِ وثلاثين، فينبغي أن يجبَ في كلِّ سنِّ ربعُ ثمنِ الدَّية، فما الحكمةُ في وجوبِ نصفِ العشر.

فيخطرُ ببالي: أنَّ عددَ الأسنانِ وإن كان اثنينِ وثلاثين، فالأربعةُ الأخيرةُ وهي أسنانُ الحلمِ قد لا تنبتُ لبعضِ النَّاس، وقد تنبتُ لبعضِ النَّاسِ منها بعضها، وللبعضِ كلُّها، فالعددُ المتوسِّطُ للأسنانِ ثلاثون، ثمَّ للأسنانِ منفعتان الزِّينةُ والمضغ، فإذا سقطَ سنٌّ يبطلُ منفعتُها بالكليَّة، ونصفُ منفعةِ السِّنِّ التي تقابُلها، وهو منفعةُ المضغ، وإن كانَ النِّصفُ الآخرُ وهو الزِّينةُ باقية، وإذا كان العددُ المتوسِّطُ ثلاثين، فمنفعةُ السِّنِّ الواحدةِ ثلثُ العشر، ونصفُ المنفعةِ سدسُ العشر، ومجموعُهما نصفُ العشر، واللهُ أعلمُ بالحقيقة.

(وكلُّ عضوٍ ذَهَبَ نفعُهُ بضربٍ ففيهِ ديَّته كيدٍ شُلَّت، وعينٍ عميت.

[فصل في أحكام الشجاج]

ولا قَوَدَ في الشِّجاجِ إلاَّ في المُوضِحَةِ عمداً)؛ لأنَّهُ لا يمكنُ حفظُ المماثلةِ في غيرِ الموضِحة، وفيها يمكن، وهذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقال محمَّدٌ رضي الله عنه: يجبُ القصاصُ فيما قبلَ المُوضِحَة

(1)

، بأن يسبرَ

(2)

غورَها بمسبار، ثمَّ يتَّخذَ حديدةً بقدرِ ذلك، ويقطعَ بها مقدارَ ما قطع، وهي ما يوضحُ العظمَ: أي يظهرُه، (وفيها خطأٌ نصفُ عشرِ الدِّيَة.

(1)

وهو ظاهر الرواية إذ يجب القصاص فيما دون الموضحة، وهو الأصح كما في «الدرر» (2: 105)، وما ذكر في «المتن» رواية الحسن عن الإمام، وعليه المتون. ينظر:«الدر المنتقى» (2: 642)،

(2)

من سبرت الجرحَ أسبر: إذا نظرت ما غوره، والمسبار: بالكسر ما يقدّر به قدر غورِ الجرح. ينظر: «حسن الدراية» (4: 165).

ص: 164

وفي الهاشمة: عشرُها، والمنقلةُ: عشرُها ونصفُ عشرِها، والآمةُ والجائفةُ ثلثُها، وفي جائفةٍ نفذتْ ثلثاها، والحارصةُ، والدَّامعة، والدَّامية، والباضعة، والمتلاحمة السِمحاقِ حكومةُ عدل، فيقوَّمُ عبداً بلا هذا الأثر، ثمَّ معه، فقدرُ التَّفاوتِ بين القيمتينِ من الدِّيَة هو هي، وبهِ يفتى، وفي أصابعِ يدٍ بلا كفٍّ ومعها نصفُ الدِّيَة، ومع نصفِ السَّاعدِ نصفُ ديَةٍ وحكومةُ عدل

وفي الهاشمة: عشرُها): وهي التي تكسرُ العظم.

(والمنقلةُ: عشرُها ونصفُ عشرِها): وهي التي تحوَّلُ العظمَ بعد الكسر.

(والآمةُ والجائفةُ ثلثُها): الآمة: التي تصلُ إلى أمُّ الدِّماغ، وهي الجلدةِ التي فيها الدِّماغ، والجائفة: الجراحةُ التي وصلتْ إلى الجوف.

(وفي جائفةٍ نفذتْ ثلثاها)؛ لأنَّها بمَنْزلةِ الجائفتين.

(والحارصةُ، والدَّامعة، والدَّامية، والباضعة، والمتلاحمة السِمحاقِ حكومةُ عدل): أي ما يحرصُ الجلد: أي يخدشُهُ، ويظهرُ الدَّمَ ولا يسيلُهُ كالدَّمعِ من العين

(1)

، وما يسيلُ الدَّم، وما يبضعُ الجلد: أي يقطعه، وما يأخذُ في اللَّحم، وما يصلُ إلى السَّمحاق، أي: جلدةٍ رقيقةٍ بين اللَّحمَ وعظمِ الرَّأس.

ثمَّ فسَّرَ حكومةَ العدلِ بقوله: (فيقوَّمُ عبداً بلا هذا الأثر، ثمَّ معه، فقدرُ التَّفاوتِ بين القيمتينِ من الدِّيَة هو هي)، هو؛ يرجعُ إلى قدرِ التَّفاوت. وهي؛ ترجعُ إلى حكومةِ العدل، فيفرضُ أنَّ هذا الحرَّ عبدٌ، وقيمتُهُ بلا هذا الأثرِ ألفُ درهم، ومع هذا الأثرِ تسعمئةٍ درهم، فالتَّفاوتُ بينهما مئةُ درهم، وهو عشرُ الألف، فيؤخذُ هذا التَّفاوتُ من الدِّيَةِ وهي عشرةُ آلافِ درهم، فعشرُها ألفُ درهم، فهو حكومةُ العدل، (وبهِ يفتى)، احترازٌ عمَّا قال الكَرْخِيُّ رضي الله عنه: إنَّهُ ينظرُ مقدارُ هذه الشَّجَّةِ من المُوضِحةِ فيجبُ بقدرِ ذلك من نصفِ عشرِ الدِّيَة.

(وفي أصابعِ يدٍ بلا كفٍّ ومعها نصفُ الدِّيَة): أي في خمسِ أصابعٍ نصفُ الدِّيَةِ سواءٌ قطعَها مع الكفِّ أو بدونِها، فإنَّ الكفَّ تابعٌ لها، (ومع نصفِ السَّاعدِ نصفُ ديَةٍ وحكومةُ عدل)، فإنَّ الذِّراعَ ليستْ تبعاً، وفي روايةٍ عن أبي يوسفَ رضي الله عنه:

(1)

وبعبارة أخرى: الدامعة: هي التي تخرج من الجروح ما يشبه الدمع، يعني تظهر الدمع ولا تسيل بل يجمع في موضع الجراحة كالدمع في العين. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 643).

ص: 165

وفي كفٍّ فيها أصبعٌ عشرها، وإن كانت أُصبعان فخمسُها، ولا شيءَ في الكفّ، وفي أصبعٍ زائدة، وعينِ صبيّ، وذَكَرِه، ولسانِه، لو لم يعلمِ الصِحّةَ بما دلَّ على نظرِه، وتحرُّكِ ذكرِه، وكلامِهِ حكومةُ عدل، ودخلَ أرشُ مُوضِحةٍ أذهبتْ عقلَهُ أو شعرَ رأسِهِ في الدِّيَة، وإن ذهبَ سمعُه، أو بصرُه، أو نطقُه لا

أنّ ما زادَ على أصابعِ اليدِ والرِّجلِ إلى المنكب وإلى الفخذ، فهو تَبَعٌ؛ لأنَّ الشَّرعَ أوجبَ في اليدِ الواحدةِ نصفَ الدِّيَة، واليدُ اسمُ هذه الجارحةِ إلى المنكب.

(وفي كفٍّ فيها أصبعٌ عشرها، وإن كانت أُصبعان فخمسُها، ولا شيءَ في الكفّ)، هذا عندَ أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: ينظرُ إلى إرشِ الكفِّ والأصبعِ فيكون عليه الأكثر، ويدخلُ القليلُ في الكثير، وإن كانتْ ثلاثةُ أصابعَ يجبُ أرشُ الأصابع، ولا شيءَ في الكفِّ بالإجماع؛ لأنَّ للأكثرِ حكمَ الكلّ، فاستتبعتِ الكف.

(وفي أصبعٍ زائدة، وعينِ صبيّ، وذَكَرِه، ولسانِه، لو لم يعلمِ الصِحّةَ بما دلَّ على نظرِه، وتحرُّكِ ذكرِه، وكلامِهِ حكومةُ عدل)، هذا عندنا

(1)

، وعندَ الشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه: يجبُ دِيَةٌ كاملة؛ لأنَّ الغالبَ الصحّة، أمَّا إن عَلِمَ صحَّةَ هذه الأعضاء، فالواجبُ الدِّيَةُ الكاملةُ اتِّفاقاً.

(ودخلَ أرشُ مُوضِحةٍ أذهبتْ عقلَهُ أو شعرَ رأسِهِ في الدِّيَة

(3)

، وإن ذهبَ سمعُه، أو بصرُه، أو نطقُه لا)، هذا عندنا، وعند زفرَ رضي الله عنه: لا يدخلُ في ذهابِ العقلِ والشَّعرِ أيضاً؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ جنايةٌ على حدة، قلنا: الرَّأسُ محلُّ العقلِ والشَّعر، فالجناياتُ كلُّها على الرَّأس، فيدخلُ بعضُ الدِّيَةِ في الكلّ، والرَّأسُ ليس محلاً للسَّمعِ والبصر، فالجنايةُ عليهما لا تستتبعُ المُوضِحة.

(1)

لأن المقصودَ من هذه الأعضاء المنفعة، فإذا لم تعلم صحّتها لم يجب الأرش كاملاً؛ لأنه لا يجب بالشكّ، والظاهر لا يصلح حجّة للإلزام بخلاف المارن والأذن الشاخصة من الصبي؛ لأن المقصود منها الجمال، وقد فوّته على الكمال. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 362).

(2)

ينظر: «النكت» (3: 381)، وغيرها.

(3)

يعني إذا شجّ رجلاً موضِحة فذهب عقلُه أو شعرُ رأسه ولم يُنْبِت دخل أرشُ الموضِحة في الدِّيَة؛ لأن فواتَ العقل يبطلُ منفعةَ جميعِ الأعضاء إذ لا ينتفع بدونه، فصار كما إذا أوضحه فمات، وأرشُ الموضِحة يجبُ بفواتِ جزءٍ من الشعرِ حتى لو نبت الشعرُ سقطَ أرشُها، والديةُ وجبت بفوات الشعر، وقد تعلَّقا جميعاً بسبب واحد، وهو فواتُ الشعر، فيدخلُ الجزءُ في الكلِّ كمن قطعَ أصبعَ رجل فشلَّت به يدُه. ينظر:«درر الحكام» (2: 106).

ص: 166

ولا قَوَدَ إن ذهبتْ عيناه، بَلِ الدِّيَةُ فيهما، ولا بقطعِ أصبعٍ شلَّ جارُه، وفي أصبعٍ قُطِعَ مفصلُهُ الأعلى، وشُلَّ ما بَقِي، بل دِيَةُ المفصل، والحكومةُ فيما بَقِي، ولا بكسرِ نصفِ سنٍّ أسودٍ باقيها، بل كلُّ دِيَةِ السِّنِّ. ويجبُ الأَرشُ على مَن أقادَ سنَّهُ ثمَّ نبتتَ، أو قلعَها فردَّتْ إلى مكانها، ونبت عليه اللَّحم، لا إن قُلِعَت فنبتت أخرى، أو التحمتْ شجَّة أو جُرِحَ بضربٍ ولم يبقَ أثرُه

(ولا قَوَدَ إن ذهبتْ عيناه، بَلِ الدِّيَةُ فيهما): أي في المُوضِحةِ والعينينِ الدِّيَة، وهذا عندَ أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: في الموضِحةِ القصاص، وفي العينَيْن الدِّية، (ولا بقطعِ أصبعٍ شلَّ جارُه)، هذا عند أبي حنيفةَ

(1)

رضي الله عنه، وعندهما وعند زفر رضي الله عنه: يقتصُّ من الأوَّل، وفي الثَّاني أَرشُها، (و

(2)

في أصبعٍ قُطِعَ مفصلُهُ الأعلى، وشُلَّ ما بَقِي، بل دِيَةُ المفصل، والحكومةُ فيما بَقِي، ولا بكسرِ نصفِ سنٍّ أسودٍ باقيها، بل كلُّ دِيَةِ السِّنِّ.

ويجبُ الأَرشُ على مَن أقادَ سنَّهُ ثمَّ نبتتَ): أي نبت سنُّ مَن أقادَ فعُلِمَ أنَّه أقادَ بغيرِ حقّ، وكانَ واجباً أن يستأنيَ حولاً، ثمَّ يقتصّ، ولمَّا كانَ بغيرِ حقٍّ ينبغي أن يجبَ القصاص، لكن سقطَ للشُّبهةِ فيجبُ الأرش، (أو قلعَها فردَّتْ إلى مكانها، ونبت عليه اللَّحم): أي يجبُ الأرشُ على مَن قلعَ سنَّ غيرِهِ فردَّ صاحبُ السِّنِّ سنَّهُ إلى مكانها، فنبتَ عليها اللَّحم، وإنَّما يجبُ الأرش؛ لأنَّ نباتَ اللَّحمَ لا اعتبارَ له؛ لأنَّ العروقَ لا تعود.

(لا إن قُلِعَت فنبتت أخرى)، فإنَّه لا يجبُ الأرشُ على القالعِ عندَ أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ لأنَّ الجنايةَ انعدمتْ معنىً، كما إذا قلعَ سنَّ صبيٍّ فنبتتْ أخرى لا يجبُ الأرشُ بالإجماع، وعندهما: يجبُ الأرش؛ لأنَّ الجنايةَ قد تحقَّقت، والحادثةُ نعمةٌ مبتدأةٌ من الله تعالى.

(أو التحمتْ شجَّة أو جُرِحَ بضربٍ ولم يبقَ أثرُه)، فإنَّهُ يسقطُ الأرشُ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه لزوالِ الشَّينِ الموجب، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه: عليه أرشُ الألم، وهو حكومةُ العدل، قيل: ينظرُ إنَّ الإنسانَ بكم يجرح نفسه مثلَ هذه الجراحة، فإنَّ بعضَ النَّاسِ يخرجُ نفسَه ويأخذُ على ذلك شيئاً، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه: تجبُ أجرةُ الطَّبيبِ وثمنُ الدَّواء.

(1)

لأن القصاص غير واجب لعدم المماثلة؛ لأن قطع الثاني على وجه يوجب شل الأخرى غير ممكن. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 646).

(2)

زيادة من أ و ب و م.

ص: 167

ولا يقادُ جرحٌ إلاَّ بعد برء، وعمدُ الصَّبيِّ والمجنونِ خطأٌ، وعلى عاقلتِهِ الدِّيَة، ولا كفارةَ فيه، ولا حرمان إرث.

[فصل في الجنين]

ومَن ضربَ بطنَ امرأةٍ فألقتْ جنيناً تَجِبُ غرَةٌ خمسمئةٌ درهمٍ على عاقلتِهِ إن ألقتْ ميتاً، ودِيَةٌ إن ألقت حيَّاً فمات، وغُرَّةٌ ودِيَةٌ إن كان ميْتاً فماتتْ الأم، ودِيَةُ الأمِّ فقط إن ماتتْ فألقتْ ميتاً

(ولا يقادُ جرحٌ إلاَّ بعد برء)، هذا عندنا، وعند الشَّافِعِيِّ

(1)

رضي الله عنه: يقتصُّ في الحالِ كما في القصاصِ في النَّفس.

(وعمدُ الصَّبيِّ والمجنونِ خطأٌ، وعلى عاقلتِهِ الدِّيَة، ولا كفارةَ فيه، ولا حرمان إرث.

[فصل في الجنين]

ومَن ضربَ بطنَ امرأةٍ فألقتْ جنيناً تَجِبُ غرَةٌ خمسمئةٌ درهمٍ على عاقلتِهِ إن ألقتْ ميتاً، ودِيَةٌ إن ألقت

(2)

حيَّاً فمات): أي تجبُ الدِّيةُ الكاملةُ إن ألقتْ حيَّاً فمات؛ لأنَّ موتَه بسببِ الضَّرب، واعلمْ أنَّ الغُرَّةَ عندنا تجبُ في سنة، فإنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الغُرَّةَ على العاقلةِ في سنة

(3)

، وأيضاً هي بدلُ العضوِ من وجه، وما كانَ بدلَ العضوِ يجبُ في سنةٍ إن كانَ ثلثَ الدِّيَة، أو أقلّ إلى نصفِ العشر، وعند الشَّافعيِّ

(4)

رضي الله عنه: تجبُ الغُرَّةُ في ثلاثِ سنينَ كالدِّيَة.

(وغُرَّةٌ ودِيَةٌ إن كان ميْتاً فماتتْ الأم

(5)

، ودِيَةُ الأمِّ فقط إن ماتتْ فألقتْ ميتاً)؛ لأنَّهُ لا يمكنُ أن يكونَ موتُهُ بسببِ اختناقِهِ بعد موتها

(6)

، وعند الشَّافِعِيّ

(7)

رضي الله عنه: يجبُ الغُرَّةُ أيضاً.

(1)

ينظر: «الأم» (6: 121)، و «روض الطالب» وشرحه «أسنى المطالب» (4: 87)، وغيرها.

(2)

زيادة من ج.

(3)

قال الزيلعي في «نصب الراية» (4: 383)، وابن حجر في «الدراية» (2: 282): غريب.

(4)

ينظر: «الأم» (6: 121)، وغيرها.

(5)

أي إن ألقت ميتاً سواء كان الجنين ذكراً أو انثى وماتت الأم فغرّة للجنين، ودية للأم؛ لأنه جنى جنايتين فيجب عليه موجبهما. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 649).

(6)

لأن موت الأم أحد سببي موته؛ لأنه يختنق بموتها إذ تنفسه بتنفسها فلا يجب الضمان بالشكّ. ينظر: «الهداية» (4: 190).

(7)

ينظر: «الغرر البهية» (5: 23)، وغيره.

ص: 168

وديَّتان إن ماتتْ فألقتْ حيَّاً فمات، وما يجبُ في الجنينِ لورثتِهِ سوى ضاربِه، وفي جنينِ الأمَةِ نصفُ عشرِ قيمتِهِ في الذَّكَر، وعشرِ قيمتِهِ في الأنثى، فإن ضُرِبَتْ فأعتقَ سيِّدُها حملَها فألقتْهُ فماتَ يجبُ قيمتُهُ حيَّاً لا ديته، ولا كفّارةَ في الجنين

(وديَّتان

(1)

إن ماتتْ فألقتْ حيَّاً فمات، وما يجبُ في الجنينِ لورثتِهِ سوى ضاربِه): أي إن كان الضَّاربُ وارثاً للجنينِ لا يكونُ له شيءٌ ممَّا وجب، إذ لا ميراثَ للقاتل.

(وفي جنينِ الأمَةِ نصفُ عشرِ قيمتِهِ في الذَّكَر، وعشرِ قيمتِهِ في الأنثى)، اعلمْ أنَّ الجنينَ إذا كانَ حُرَّاً يجبُ فيه خمسمئةِ درهمٍ سواءٌ كان ذكراً أو أُنثى، إذ لا تفاوتَ في الجنينِ بينَ الذَّكرِ والأُنثى، وهي نصفُ عشرٍ من ديَةِ الذَّكر، وعشرٌ من ديَةِ الأُنثى، فإذا كان رقيقاً يجبُ أن تكونَ نصفَ عشرِ قيمتِهِ على تقديرِ ذكورتِه، وعشرَ قيمتِهِ على تقديرِ أنوثتِه؛ لأنَّ دِيَةَ الرَّقيقِ قيمتُهُ فيما يقدَّرُ من دِيَةِ الحرِّ يقدَّرُ من قيمةِ الرَّقيق.

فإن قلت: يلزمُ أن يكونَ الواجبُ في الأُنثى أكثرَ من الواجبِ في الذَّكر.

قلت: لا يلزم؛ لأنَّ في العادةِ قيمةَ الغلامِ زائدةٌ على قيمتِهِ الجاريةِ بكثير، حتى إن قوِّمَت جاريةً بألفِ درهمٍ يقوَّمُ الغلامُ الذي مثلُها في الحسنِ بألفي درهم، فنصفُ قيمةِ الجنينِ إن كانَ ذكراً لا يكونَ أقلَّ من قيمتِهِ إن كان أُنثى، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه: يجبُ النُّقصانُ لو انتقصتِ الأمُّ بإلقائها، كما في البهائم، فإنَّ الضَّمانَ في قتلِ الرَّقيقِ ضمانُ مالٍ عنده، وعندَ الشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه: يجبُ عشرُ قيميةِ الأمّ.

(فإن ضُرِبَتْ فأعتقَ سيِّدُها حملَها فألقتْهُ فماتَ يجبُ قيمتُهُ حيَّاً لا ديته)؛ لأنَّ قتلَهُ بالضَّربِ السَّابق، وقد كانَ في حالةِ الرِّق

(3)

.

(ولا كفّارةَ في الجنين)، هذا عندنا، وعندَ الشَّافعيِّ

(4)

رضي الله عنه: تجب.

(1)

أي دية الأم ودية الجنين؛ لأن قتلهما فصار كما إذا ألقته حياً وماتا. ينظر: «درر الحكام» (2: 108).

(2)

ينظر: «أسنى المطالب» (2: 173)، و «فتوحات الوهاب» (5: 101)، غيرهما.

(3)

فلهذا تجب القيمة دون الدية وتجب قيمته حيّاً؛ لأنه بالضرب صار قاتلاً إيّاه وهو حي. ينظر: «الهداية» (4: 190).

(4)

ينظر: «التنبيه» (ص 141)، وغيره.

ص: 169

وما استبانَ بعضُ خلَقِهِ كالتَّام فيما ذُكِر. وضَمِنَ الغُرَّةَ عاقلةُ امرأةٍ أسقطتْ ميْتاً عمداً بدواءٍ أو فعلٍ بلا إذن زوجِها فإن أذنَ لا.

‌باب ما يحدث في الطريق

مَن أحدثَ في طريقِ العامَّة كنيفاً أو ميزاباً أو جُرْصُناً أو دُكَّاناً وَسِعَه ذلك إن لم يضرَّ بالنَّاس، ولكلٍّ نقضُه، وفي غيرِ نافذٍ لا يسعُهُ بلا إذنِ الشُّركاء، وإن لم يضرّ. وضَمِنَ عاقلتُهُ دِيَةَ مَن ماتَ بسقوطِها، كما لو وضعَ حجراً، أو حفرَ بئراً في

(وما استبانَ بعضُ خلَقِهِ كالتَّام فيما ذُكِر

(1)

.

وضَمِنَ الغُرَّةَ عاقلةُ امرأةٍ أسقطتْ ميْتاً عمداً بدواءٍ أو فعلٍ بلا إذن زوجِها فإن أذنَ لا)، اعلمْ أنَّها تجبُ على عاقلةِ المرأةِ في سنةٍ واحدة، وإن لم تكنْ لها عاقلةٌ تجبُ في مالِهَا في سنةٍ أيضاً.

باب ما يحدث في الطريق

(مَن أحدثَ في طريقِ العامَّة كنيفاً أو ميزاباً أو جُرْصُناً

(2)

أو دُكَّاناً وَسِعَه ذلك إن لم يضرَّ بالنَّاس)، الكنيف: المستراح، والميزاب: مجرى الماء، والجُرْصُن: البرج، وقيل: مجرى ماءٍ يركبُ في الحائط، وعن البَزْدَويِّ رضي الله عنه: جذعٌ يخرجُ من الحائطِ ليبنى عليه، (ولكلٍّ نقضُه): أي في صورةِ لم يضرّ، فالحاصلُ أنَّهُ إن أضرَّ بالنَّاسِ لا يجوزُ له أن يفعل، وإن لم يُضِرَّ بهم يجوز، لكن مع ذلك يكونُ لكلِّ واحدٍ نقضُه؛ لأنَّهُ تصرُّفٌ في الحقِّ المشترك، فلكلٍّ نقضُهُ كما في الملكِ المشتركِ مع أنَّهُ لم يضرّ، (وفي غيرِ نافذٍ لا يسعُهُ بلا إذنِ الشُّركاء، وإن لم يضرّ.

وضَمِنَ عاقلتُهُ دِيَةَ مَن ماتَ بسقوطِها، كما لو وضعَ حجراً، أو حفرَ بئراً في

(1)

أي الجنين الذي استبان بعض خلقه كالجنين التام في جميع ما ذكر من الأحكام. ينظر «مجمع الأنهر» (2: 650).

(2)

جُرْصُناً: ليس بعربيّ أصليّ، واختلف فيه، فذكروا ما ذكر الشارح رضي الله عنه، وقيل: هو الممرّ على العلو، وهو مثل الرفّ، وقيل: هو الخشبةُ الموضوعةُ على جداري السطحين، ليتمكَّن من المرور، وقيل: هو الذي يعملُ قدّام الطاقة لتوضع عليه كيزان ونحوها. ينظر: «المغرب» (ص 80). «رد المحتار» (6: 592).

ص: 170

الطَّريق، فتَلِفَ به نفس، فإن تَلِفَ به بهيمةٌ ضَمِنَ هو إن لم يأذنْ به الإمام، فإن أَذِنَ أو ماتَ واقعٌ في بئرِ طريقٍ جوعاً، أو غمَّاً فلا، ومَن نحَّى حجراً وضعَهُ آخر، فعطبَ به رجلُ ضَمِن، كمَن حملَ شيئاً في الطَّريقِ فسقطَ منه على آخر، أو دخلَ بحصير، أو قنديل، أو حصاةٍ في مسجدِ غيرِه، أو جلسَ فيه غيرُ مصلّ، فعطبَ بهِ أحد، لا مَن سقطَ منه رداءٌ لَبِسَه، أو أدخلَ هذهِ الأشياءَ في مسجدِ حيِّهِ أو جلسَ فيه مصليَّاً

الطَّريق، فتَلِفَ به نفس، فإن تَلِفَ به بهيمةٌ ضَمِنَ هو إن لم يأذنْ به الإمام)، فإنَّ الضَّمانَ في جميعِ ما ذُكِرَ بإحداثِ شيءٍ في طريقِ العامَّة إنَّما يكون إذا لم يأذنْ به الإمام، (فإن أَذِنَ أو ماتَ واقعٌ في بئرِ طريقٍ جوعاً، أو غمَّاً فلا)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعند أبي يوسف رضي الله عنه: إن ماتَ غَمَّاً يجبُ الضَّمان؛ لأنَّ الغمَّ بسبب الوقوع، المرادُ بالغمِّ هاهنا: الاختناقُ من هواءِ البئر.

(ومَن نحَّى

(1)

حجراً وضعَهُ آخر، فعطبَ به رجلُ ضَمِن)؛ لأنَّ فعلَ الأوَّلِ انفسخَ بفعلِ الثَّاني، فالضَّمانُ على الثَّاني، (كمَن حملَ شيئاً في الطَّريقِ فسقطَ منه على آخر، أو دخلَ بحصير، أو قنديل، أو حصاةٍ في مسجدِ غيرِه، أو جلسَ فيه

(2)

غيرُ مصلّ، فعطبَ بهِ أحد)، نحوَ إن سقطَ الحصيرُ أو القنديلُ على أحد، أو سقطَ الظَّرفُ الذي فيه الحصاة على أحد، أو كان جالساً غيرَ مصلٍّ فسقطَ عليه أعمى ضَمِن.

(لا مَن سقطَ منه رداءٌ لَبِسَه، أو أدخلَ هذهِ الأشياءَ

(3)

في مسجدِ حيِّهِ أو جلسَ فيه مصليَّاً)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما: لا يضمنُ بإدخالِ هذه الأشياءَ في المسجدِ سواءٌ كان مسجدَ حيِّهِ أو (غيرَ مسجد حيِّه)

(4)

؛ لأنَّ القربةَ لا تتقيَّدُ بشرطِ السَّلامة. له: أنّ تدبيرَ المسجدِ لأهلِهِ دونَ غيرهم، ففعلُ الغيرِ مباحٌ فيكونُ مقيَّداً بشرطِ السَّلامة، وعندهما: الجالسُ في المسجدِ لا يضمن، سواءٌ جلسَ للصَّلاةِ أو غيرِ الصَّلاة.

(1)

أي أبعد عن الطريق الحجر الذي وضعه غيره. ينظر: «ذخيرة العقبى» (ص 610).

(2)

الحاصل أنّ الجالسَ في المسجد عثر به رجل فعطبَ فإن كان الجالسُ في الصلاة لم يضمن، وإلا فيضمن، سواء كان جالساً في مسجد حيّه أو غيره، وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وأمّا عندهما لا يضمن مطلقاً، سواءً كان في الصلاة أو لا. ينظر:«حسن الدراية» (4: 173).

(3)

زيادة من أ و م.

(4)

في أ و ب و م: غيره.

ص: 171

[فصل في الحائط المائل]

وربُّ حائطٍ مالَ إلى طريقِ العامَّة، وطلبَ نقضَه مسلمٌ أو ذميُّ ممَّن يملكُ نقضَهُ كالرَّاهنِ بفكِّ رهنِه، وأب الطِّفل، والوصي، والمكاتَب، والعبدِ التَّاجر، فلم ينقضْ في مدِّةٍ يمكنُ نقضُهُ ضَمِنَ مالاً تلفَ به، وعاقلتُهُ النَّفس،

فالحاصلُ أنَّ الجالسَ للصَّلاةِ في المسجدِ لا يضمن عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه سواءٌ في مسجدِ حيِّهِ أو غيرِه، والجالسُ لغيرِ الصَّلاةِ يضمن سواءٌ في مسجدِ حيِّهِ أو غيرِه، وفي سقوطُ الرِّداءِ إنَّما لا يضمنُ عند محمَّدٍ رضي الله عنه إذا لَبِسَ ما يلبسُ عادة، أمَّا إن لَبِسَ ما لا يَلْبَسُ عادةً كجوالقِ القلندرين، فسقطَ على إنسانٍ فهلكَ يضمن، فهذا اللُّبْسُ بمَنْزلةِ الحمل، وفي الحملِ يضمن.

[فصل في الحائط المائل]

(وربُّ حائطٍ مالَ إلى طريقِ العامَّة، وطلبَ نقضَه مسلمٌ أو ذميُّ ممَّن يملكُ نقضَهُ كالرَّاهنِ بفكِّ رهنِه)، فإنَّهُ يملكُ نقضَهُ بفكِّ رهنِه، (وأب الطِّفل، والوصي، والمكاتَب، والعبدِ التَّاجر، فلم ينقضْ في مدِّةٍ يمكنُ نقضُهُ ضَمِنَ مالاً تلفَ به، وعاقلتُهُ النَّفس

(1)

)، وصورةُ الطَّلبِ أن يقول: إن حائطَكَ هذا مائلٌ فاهدمْه، وصورةُ الإشهادِ أن يقول: إشهدوا أنِّي تقدمتُ إلى هذا الرَّجلِ لهدمِ حائطِه، واعلمَ أنَّهُ ذكرَ في الكتبِ

(2)

الطَّلبُ والإشهاد، لكنّ الإشهاد ليس بشرط، وإنَّما ذكرَ ليتمكَّنَ من إثباتِهِ عند الإنكار، فكان من بابِ الاحتياط.

(1)

لأن امتناعَه من تفريغ الطريق المشتغل هواؤه بملكه مع تمكّنه من التفريغ بعد طلبه، كمن وقع في يده ثوب إنسان فإنه لا يكون متعدياً في الإمساك، ولكن لو طولب بالردّ فلم يردّ صار متعدياً، فكذا هنا بخلاف ما قبل الإشهاد؛ لأنه يمنْزلة هلاك الثوب قبل الطلب؛ ولأن الضمان لو لم يجب عليه لامتنع عن التفريغ فينقطع المارّة خوفاً على أنفسهم فيتضرّرون. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 371).

(2)

كـ «الهداية» (4: 195).

ص: 172

لا مَن أشهدَ عليه فباعَ وقبضَهُ المشتري فسقطَ أو طلبَ ممَّن لا يملكُ نقضَهُ كالمُرْتَهِن، والمستأجر، والمودع، وساكنِ الدَّار. فإن مالَ إلى دارِ رجلٍ فله الطَّلب، فيصحُّ تأجيلُهُ وإبراؤهُ منها، لا إن مالَ إلى الطَّريقِ فأجَّلَهُ القاضي أو مَن طلب، فإن بنى مائلاً ابتداءً ضَمِنَ بلا طلبٍ كما في إشراعِ الجناحِ ونحوه، حائطُ بين خمسةٍ طُلِبَ نقضُهُ من أحدهم، وسقطَ على رجلٍ ضَمِنَ العاقلةُ خمسَ الدِّيَة، كما ضمنُوا ثلثيها إن حفرَ أحدُ ثلاثةٍ في دارهم بئراً، أو بنى حائطاً

(لا مَن أشهدَ عليه فباعَ وقبضَهُ المشتري فسقطَ أو طلبَ ممَّن لا يملكُ نقضَهُ كالمُرْتَهِن، والمستأجر، والمودع، وساكنِ الدَّار.

فإن مالَ إلى دارِ رجلٍ فله الطَّلب، فيصحُّ تأجيلُهُ وإبراؤهُ منها

(1)

، لا إن مالَ إلى الطَّريقِ فأجَّلَهُ القاضي أو مَن طلب)؛ لأنَّه حقُّ العامَّةِ فلا يكونُ لهما إبطالُه.

(فإن بنى مائلاً ابتداءً ضَمِنَ بلا طلبٍ كما في إشراعِ الجناحِ ونحوه)، إشراعُ الجناح: إخراجُ الجذوعُ من الجدارِ إلى الطَّريقِ والبناءِ عليها، وأمَّا نحوه: فالكنيفُ والميزاب.

(حائطُ بين خمسةٍ طُلِبَ نقضُهُ من أحدهم، وسقطَ على رجلٍ ضَمِنَ العاقلةُ خمسَ الدِّيَة، كما ضمنُوا ثلثيها إن حفرَ أحدُ ثلاثةٍ

(2)

في دارهم بئراً، أو بنى حائطاً): أي ضمنَ عاقلةُ مَن طلبَ منه النَّقضَ خمسَ الدِّيَة؛ لأنَّ الطَّلبَ صحَّ في الخمس، وضَمِنَ عاقلةُ حافرِ البئر، وباني الحائطِ ثُلُثَي الدِّيَة؛ لأنَّ الحافرَ والباني في الثُّلثين متعدّ، وهذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: ضمنُوا النِّصفِ في الحائط، والحفرِ والبناء، أمَّا في الحائط؛ فلأنَّ التَّلفَ بنصيبِ مَن طُلِبَ منه معتبر، وفي نصيبِ غيرِهِ لا، فكان قسمَيْن كما في عقرِ الأسد، ونهشِ الحيَّة، وجرحِ الإنسان، وفي مسألةِ الحفرِ والبناءِ التَّلَفُ بنصيبِ المالكِ لا يوجبُ الضَّمان، و بنصيبِ الغاصب يوجب، فيقسمُ قسمَيْن. (والله أعلم)

(3)

.

(1)

أي يصح تأجيل كل من مالك الدار وابراؤه، حتى لو سقط بعد مدّة الأجل وبعد الإبراء وتلف به شيء لا يضمن؛ لأن الحقَّ له فيصحّ وإسقاطه. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 659).

(2)

وكان الحفر بغير رضا الشريكين الآخرين. ينظر: «الهداية» (4: 197).

(3)

زيادة من أ و ب و م.

ص: 173

‌باب جناية البهيمة وعليها

ضَمِنَ الرَّاكبُ ما وطئتْ دابَّتُهُ وما أصابتْ بيدِها، أو رجلِها، أو رأسِها، أو كدمَت، أو خبطَت، أو صدمَت، لا ما نفحَتْ برجلها، أو ذنبها، أو عطبَ إنسانٌ بما راثتْ أو بالتْ في الطَّريقِ سائرة، أو أوقفها لذلك، فإن أوقفَها لغيرِهِ ضمن، فإن أصابتْ بيدِها، أو رجلِها حصاةً أو نواةً، أو أثارتْ غباراً أو حجراً صغيراً، فَفَقأ عيناً أو أفسدَ ثوباً لا يضمن، وضمنَ بالكبير، وضمنَ السَّائقُ والقائدُ ما ضمنَهُ الرَّاكب، وعليه الكفَّارةُ لا عليهما

باب جناية البهيمة وعليها

(ضَمِنَ الرَّاكبُ ما وطئتْ دابَّتُهُ وما أصابتْ بيدِها، أو رجلِها، أو رأسِها، أو كدمَت، أو خبطَت، أو صدمَت، لا ما نفحَتْ

(1)

برجلها، أو ذنبها)، فإنَّ الاحترازَ عن الوطء وما يشابهُهُ ممكنٌ بخلافِ النَّفحةِ بالرِّجلِ والذَّنب، هذا عندنا، وعند الشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه: يضمنُ بالنفحةِ أيضاً؛ لأنَّ فعلَها يضافُ إلى الرَّاكب، (أو عطبَ إنسانٌ بما راثتْ أو بالتْ في الطَّريقِ سائرة، أو أوقفها لذلك، فإن أوقفَها لغيرِهِ ضمن)، فإنَّها إن راثتْ أو بالتْ في الطَّريقِ حالةَ السَّيرِ لا يضمن، أمَّا إذا أوقفها لتروثَ أو تبولَ لا يضمنُ أيضاً؛ لأنَّ بعضَ الدَّوابِّ لا يفعلُ ذلكَ إلا بعدَ الوقوف، وإن أوقفَها لغيرِ ذلكَ يضمنُ لأنَّهُ متعدٍّ بالإيقاف.

(فإن أصابتْ بيدِها، أو رجلِها حصاةً أو نواةً، أو أثارتْ غباراً أو حجراً صغيراً، فَفَقأ عيناً أو أفسدَ ثوباً لا يضمن، وضمنَ بالكبير)؛ لأنَّ الاحترازَ عن الأوَّلِ متعذِّرٌ بخلافِ الثَّاني.

(وضمنَ السَّائقُ والقائدُ ما ضمنَهُ الرَّاكب، وعليه الكفَّارةُ لا عليهما): أي إن كانَ مكانَ الرَّاكبِ سائقٌ أو قائدٌ يضمنُ كلُّ منهما ما ضمَنَهُ الرَّاكب، ويجبُ على الرَّاكبِ الكفّارة، لا على السَّائقِ والقائد، والرَّاكبُ يحرمُ عن الميراث، لا القائدُ والسَّائق.

(1)

نفحت برجلها أو يدها: هو ضربُها. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص 168).

(2)

ينظر: «الأم» (7: 158)، وغيره.

ص: 174

وضمنَ عاقلةُ كلِّ فارسٍ ديةَ الآخرِ إن اصطدما وماتا، وسائقُ دابَّةٍ وقعَ أداتُها على رجلٍ فمات، وقائدٌ قطارٍ وَطِئ بعيرٌ منه رجلاً، ضمِنَ الدِّيَةَ وإن كان معه سائقٌ ضمنا، فإن قتلَ بعيرٌ ربطَ على قطارٍ بلا علمِ قائدِه رجلاً ضَمِنَ عاقلةُ القائدِ الدِّية، ورجعُوا بها على عاقلةِ الرَّابط، ومَن أرسلَ كلباً أو طيراً أو ساقَهُ فأصابَ في فورِهِ ضَمِنَ في الكلبِ لا في الطَّير، ولا في كلبٍ لم يسقْه

(وضمنَ عاقلةُ كلِّ فارسٍ ديةَ الآخرِ إن اصطدما وماتا): هذا عندنا، وعندَ الشَّافعيِّ رحمه الله: يضمنُ كلٌّ نصفَ ديةِ الآخر؛ لأنَّ هلاكَهُ بفعلَيْن، فعلِ نفسِه، وفعلُ صاحبه، فيُهْدَرُ نصفُهُ ويعتبرُ نصف صاحبِه، قلنا: فعلُ كلِّ منهما مباح، والمباحُ في حقِّ نفسِهِ لا يضافُ إليهِ الهلاك، وفي حقِّ غيرِهِ يضافُ.

(وسائقُ دابَّةٍ وقعَ أداتُها على رجلٍ فمات، وقائدٌ قطارٍ وَطِئ بعيرٌ منه رجلاً، ضمِنَ الدِّيَةَ وإن كان معه سائقٌ ضمنا، فإن قتلَ بعيرٌ ربطَ على قطارٍ بلا علمِ قائدِه رجلاً ضَمِنَ عاقلةُ القائدِ الدِّية، ورجعُوا بها على عاقلةِ الرَّابط)؛ لأنَّ الرَّابطَ أوقعَهم في هذهِ العهدة.

أقول: ينبغي أن تكونَ في مالِ الرَّابط؛ لأنَّ الرَّابطَ أوقعَهُم في خسرانِ المال، وهذا ممَّا لا يتحمَّلُهُ العاقلة

(1)

.

قالوا: هذا إذا ربط، والقطارُ في السَّير؛ لأنَّه أمرَ بالقَوَدِ دلالة، أمَّا إذا ربطَ في غيرِ حالةِ السَّير فالضَّمانُ على عاقلةِ القائد؛ لأنَّهُ قادَ بعيرَ غيرِهِ بغيرِ أمرِه لا صريحاً ولا دلالةً فلا يرجعُ بما لحقَهُ من الضَّمان.

(ومَن أرسلَ كلباً أو طيراً أو ساقَهُ

(2)

فأصابَ في فورِهِ ضَمِنَ في الكلبِ لا في الطَّير، ولا في كلبٍ لم يسقْه)، الحاصلُ أنَّهُ لا يضمنُ في الطَّيرِ ساقَ أو لم يَسُقْ، ويضمنُ في الكلبِ إن ساقَ وإن لم يَسُقْ لا، ففي الكلبِ ينتقلُ الفعلُ إليه بسببِ

(1)

أجاب عمَّا قاله الشارح رضي الله عنه الحصكفي في «الدر المنتقى» (2: 662)، فقال: لانه دية لا خسران، كما توهمه صدر الشريعة، فلو ربط والقطار واقف ثم قاد ضمن القائد، فلا رجوع لقوده بغيره أمره، وأجاب شيخ زاده في «مجمع الأنهر» (2: 662): إن الرابط لما كان متعدياً فيما صنع صار في التقدير هو الجاني وإذا كان كذلك وجبت الدية على عاقلته.

(2)

أي مشى خلفه معه وإن لم يمش خلفه فما دام في فوره سائق له في الحكم فيلحق بالسوق وإن تراخى انقطع السوق. ينظر: «الدرر» (2: 113).

ص: 175

ولا في دابَّةٍ منفلتةٍ أصابتْ نفساً، أو مالاً ليلاً أو نهاراً. ومَن ضَرَبَ دابَّةً عليها راكب، أو نَخَسَها فنفحت، أو ضربتْ بيدِها آخر، أو نفَرَتْ فصدمتْهُ وقتلتْهُ ضمنَ هو لا الرَّاكب، وفي فَقْءِ عينِ شاةِ القصَّابِ ما نقصَها، وفي عينِ بقرةِ الجزَّار، وجَزُورِه، والحمار، والبغل، والفرسِ ربعُ القيمة.

‌باب جناية الرقيق وعليه

فإن جنى عبدٌ خطأً دفعَهُ سيِّدُهُ بهاويملكُهُ وليُّها أو فداهُ بأرشها

السَّوق، وإن لم يسقْ لا ينتقلُ إليه؛ لأنَّه فاعلٌ مختار، ولا يضمنُ في الطَّيرِ إذا لم يسق، وكذا إن ساق؛ لأنَّ بدنَهُ لا يطيقُ السَّوق، فوجودُهُ كعدمِه.

أقول: نعم؛ لا يطيقُ الضَّرب، أمَّا سوقُهُ فبالزجرِ والصَّياحِ بخلافِ الصَّيد، فإنِّه يُحِلُّ الصَّيدَ بمجردِ الإرسالِ للضَّرورة، وعن أبي يوسفَ رضي الله عنه: إنَّهُ أوجبَ الضَّمانَ في هذا كلِّهِ احتياطاً، والمشايخُ رضي الله عنهم أخذوا بقوله.

(ولا في دابَّةٍ منفلتةٍ أصابتْ نفساً، أو مالاً ليلاً أو نهاراً.

ومَن ضَرَبَ دابَّةً عليها راكب، أو نَخَسَها فنفحت، أو ضربتْ بيدِها آخر، أو نفَرَتْ فصدمتْهُ وقتلتْهُ ضمنَ هو لا الرَّاكب)، هذا عندنا، وعندَ أبي يوسفَ رضي الله عنه: إنَّ الضَّمانَ على الرَّاكب والنَّاخسِ نصفَيْن، وهذا إذا نَخَسَها بلا إذنِ الرَّاكب، أمَّا إذا نَخَسَها بإذنِهِ فلا يضمن؛ لأنَّهُ أمرَهُ بما يملكه، إذا النَّخسُ في معنى السَّوق، فانتقلَ إلى الرَّاكبِ فلا يضمنُ بالنَّفحةِ كما إذا نَخَسَ الرَّاكبُ الدَّابةَ فنفحت.

(وفي فَقْءِ عينِ شاةِ القصَّابِ ما نقصَها

(1)

، وفي عينِ بقرةِ الجزَّار، وجَزُورِه، والحمار، والبغل، والفرسِ ربعُ القيمة)؛ لأنَّهُ يمكنُ إقامةُ العملِ بها بأربعِ أعين: عينيها وعيني المستعمل، وعندَ الشَّافعيِّ رضي الله عنه يجبُ النُّقصانِ كما في شاةِ القصَّاب، قلنا: في شاةِ القصَّابِ المقصودُ اللَّحمُ فقط.

باب جناية الرقيق وعليه

(فإن جنى عبدٌ خطأً دفعَهُ سيِّدُهُ بها): أي بالجناية، (ويملكُهُ وليُّها أو فداهُ بأرشها

(1)

لأن المقصودَ من الشاة اللحم فلا يعتبر فيها إلا النقصان. ينظر: «التبيين» (6: 152).

ص: 176

حالاً، فداهُ فجنى، فهي كالأولى، فإن جنى جنايتَيْن دفعَهُ بهما إلى وليِّهما يقسمانِهِ على قدرِ حقيهِما أو فداهُ بأرشِهما. فإن وهبَه، أو باعَه، أو اعتقَه، أو دبَّرَه، أو استولدَها، ولم يعلمْ بها، ضَمِنَ الأقلَّ من قيمتِهِ ومنَ الأرش، فإن عَلِمَ بها غَرِمَ الأرش، كما لو علَّقَ عتقَهُ بقتلِ زيدٍ أو رميهِ أو شجِّهِ ففعل، فإن قطعَ عبدٌ يدَ حرٍّ عمداً ودفعَ إليه فأعتقَهُ فسرى، فالعبدُ صُلْحٌ بها، وإن لم يعتقْهُ يردُّ على سيِّدِه، فيقتلُ أو يعفي

حالاً)، هذا عندنا، وعند الشَّافِعِيِّ

(1)

رضي الله عنه: الجنايةُ في رقبتِه، يباعُ فيها إلا أن يقضيَ المولى الأرش، وثمرةُ الخلافِ تظهرُ في اتِّباعِ الجاني بعد العتق، فإنَّ المجنيَّ عليه يتَّبعُ الجاني إذا عتقَ عند الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه.

(فإن فداهُ فجنى، فهي كالأولى)، فإنَّهُ إذا فدى طَهُرَ عن الأولى، فصارتْ الأولى كأن لم تكن، فيجبُ بالثَّانيةِ الدَّفعُ أو الفداء، (فإن جنى جنايتَيْن دفعَهُ بهما إلى وليِّهما يقسمانِهِ على قدرِ حقيهِما أو فداهُ بأرشِهما.

فإن وهبَه، أو باعَه، أو اعتقَه، أو دبَّرَه، أو استولدَها): أي الأمةُ الجانية، (ولم يعلمْ بها، ضَمِنَ الأقلَّ من قيمتِهِ ومنَ الأرش، فإن عَلِمَ بها غَرِمَ الأرش)، فإنَّ المولى قبل هذه التَّصرُّفاتِ كان مختاراً بين الدَّفعِ والفداء، ولمَّا لم يبقَ محلاً للدَّفعِ بلا علمِ المولى بالجنايةِ لم يصرْ مختاراً للأرشِ فصارتِ القيمةُ مقامَ العبد، ولا فائدةَ في التَّخييرِ بين الأقلِّ والأكثر، فيجبُ الأقلّ بخلافِ ما إذا عَلِم، فإنَّهُ يصيرُ مختاراً للأرش.

(كما لو علَّقَ عتقَهُ بقتلِ زيدٍ أو رميهِ أو شجِّهِ ففعل): أي قال: إن قتلتَ زيداً فأنتَ حرٌّ، فقتل، أو قال: إن رميتَ زيداً فأنتَ حرّ، فرمى، أو قال: إن شججتَ رأسَه، فأنتَ حرّ، فشجَّه، غَرِمَ الأرش؛ لأنَّهُ يصيرُ مختاراً للفداء، حيث أعتقَهُ على تقديرِ وجودِ الجناية، كما لو قال: إذا مرضتُ فأنت طالقٌ ثلاثاً، فإذا مرضَ يصيرٌ فارًّاً، وعند زفرَ رضي الله عنه: لا يصيرُ مختاراً للفداءِ إذ لا جنايةَ وقتَ تكلُّمِه، ولا عِلْمَ بوجودها.

(فإن قطعَ عبدٌ يدَ حرٍّ عمداً ودفعَ إليه فأعتقَهُ فسرى، فالعبدُ صُلْحٌ بها، وإن لم يعتقْهُ يردُّ على سيِّدِه، فيقتلُ أو يعفي)، فإنَّهُ إذا أعتقَ دلَّ على أنّ

(2)

قصدَهُ تصحيحُ الصُّلح، إذ لا صحَّةَ له إلا أن يكون صلحاً عن الجناية، وما يحدثُ منها، أمَّا إذا لم

(1)

ينظر: «الأم» (6: 91)، وغيره.

(2)

زيادة من أ و م.

ص: 177

فإن جنى مأذونٌ مديونٌ خطأً فأعتقَهُ سيِّدُهُ بلا علمٍ بها، غَرِمَ لربِّ الدَّينِ الأقلَّ من قيمتِهِ ومن دينِه، ولوليِّها الأقلَّ منها ومن الأرش، فإن ولدتْ مأذونةٌ مديونةٌ ولداً يباعُ معها لدينِها، ولا يدفعُ معها لجنايتِها، فإن قتلَ عبدٌ خطأً وليَّ حرٍّ زَعَمَ أنَّ سيِّدَهُ أعتقَهُ فلا شيءَ للحرِّ عليه، فإن قال: قتلتُ أخا زيدٍ قبل عتقي خطأً، وقال زيد: بل بعدَه، صُدِّقَ الأوَّل

يعتقْ، وقد سرى تبيَّنَ أنَّ المالَ غيرُ واجب، وأنَّ الواجبَ هو القَوَد، فكانَ الصُّلحُ باطلاً

(1)

، فيردّ، ويقال للأولياء: اقتلُوه أو اعفوه.

(فإن جنى مأذونٌ مديونٌ خطأً فأعتقَهُ سيِّدُهُ بلا علمٍ بها، غَرِمَ لربِّ الدَّينِ الأقلَّ من قيمتِهِ ومن دينِه، ولوليِّها الأقلَّ منها ومن الأرش)، فإنَّ السيِّدَ إذا أعتقَ المأذونَ المديونَ فعليه لربِّ الدَّينِ الأقلَّ من قيمتِه ومن الدين، وإذا أعتقَ العبدَ الجاني جنايةً خطأً، فعليه الأقلُّ من قيمتِهِ ومن الأرش، فكذا عند الاجتماعِ إذ لا يزاحمُ أحدُهما الآخر؛ لأنَّهُ لولا الإعتاقُ يدفعُ إلى وليِّ الجناية، ثمَّ يباعُ للدَّين.

(فإن ولدتْ مأذونةٌ

(2)

مديونةٌ ولداً يباعُ معها لدينِها، ولا يدفعُ معها لجنايتِها)، فإنَّ الدَّينَ في ذمَّةِ الأمَةِ متعلِّقٌ برقبتِها فيسري إلى الولد، وفي الجنايةِ الدفعُ في ذمَّةِ المولى لا في ذمَّتِها، وإنَّما يلاقيها أثرُ الفعلِ الحقيقيِّ وهو الدَّفع، والسِّرايةُ في الأمورِ الشَّرعيَّةِ لا الحقيقيَّة.

(فإن قتلَ عبدٌ خطأً وليَّ حرٍّ زَعَمَ أنَّ سيِّدَهُ أعتقَهُ فلا شيءَ للحرِّ عليه): أي قال رجل: هذا العبدُ قد أعتقَهُ مولاه، فقتلَ ذلكَ العبدُ شخصاً خطأ، وذلكَ الرَّجلُ وليُّ جنايتِهِ فلا شيء له؛ لأنَّهُ لمَّا قال: إنَّ مولاهُ أعتقَهُ فادَّعى الدِّيةَ على العاقلة، وأبرأ العبدَ والمولى عن موجبِ الجناية

(3)

.

(فإن قال: قتلتُ أخا زيدٍ قبل عتقي خطأً، وقال زيد: بل بعدَه، صُدِّقَ الأوَّل)، فإنَّهُ أسندَ قتلَهُ إلى حالةٍ منافيةٍ للضَّمان، فكان منكراً، فالقولُ قولُه، كما إذا

(1)

لأن الصلحَ كان عن المال؛ لأن أطراف العبد لا يجري القصاص بينها وبين أطراف الحرّ. ينظر: «الهداية» (4: 206).

(2)

زيادة من أ.

(3)

لأنه لا يصدق على العاقلة بغير حجّة. ينظر: «الهداية» (4: 207).

ص: 178

إن قال: قطعتُ يدَها قبل إعتاقِها، وقالت: بل بعدَه، صُدِّقَت، وكذا في أخذِ المالِ منها، لا في الجماعِ والغلَّة، فإن أمرَ عبدٌ محجور، أو صبيٌّ صبياً بقتلِ رجلٍ فقتلَه، فالدِّيةُ على عاقلةِ القاتل، ورجعوا على العبدِ بعد عتقِهِ لا على الصَّبي الآمر

قال العاقل البالغ

(1)

: طلَّقتُ امرأتي، وبعتُ داري، وأنا صبيّ، أو أنا مجنون، وكان جنونُهُ معروفاً، فالقولُ قولُه.

فإن قلت: ينبغي أن لا يكونَ لقولِ العبدِ اعتبار؛ لأنَّ معنى قولِ الأخ: إنّ دِيَةَ القتلِ على عاقلتِك، ومعنى قولِ القاتل: إن الواجبَ على مولاي الأقلَّ من قيمتي، ومن الدِّيَةِ إن لم يعلمْ بالجناية، والدِّيةُ إن كان عالماً بها، فلا اعتبارَ لقولِ العبدِ في حقِّ المولى.

قلت: الأخُ يدَّعي على القاتلِ القتلَ

(2)

الخطأَ بعد العتق، ولا بيِّنةَ له، فالقاتلُ إن أقرَّ بذلكِ تلزمُهُ الدِّيَة؛ لأنَّ ما يثبتُ بالإقرارِ لا يتحمَّلُهُ العاقلة، فهو منكرٌ ذلك، بل يقول: قتلُهُ قبلَ العتقِ فيعتبرُ قولُهُ في نفي قتلِهِ بعد العتق، لا في أنَّهُ يثبتُ على المولى شيء؛ لأنَّ قولَهُ لا يكونُ حجَّةً على المولى.

(إن قال: قطعتُ يدَها قبل إعتاقِها، وقالت: بل بعدَه، صُدِّقَت، وكذا في أخذِ المالِ منها، لا في الجماعِ والغلَّة): أي أعتقَ أمَةً ثمَّ قال لها: قَطَعْتُ يدَك، أو أخذتُ منكِ هذا المالَ قبلَما أعتقتُك، وقالت: بل بعدَه، فالقولُ قولُها عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسفَ رضي الله عنه، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه: القولُ قولُه، وهو القياس؛ لأنَّهُ ينكرُ الضَّمانَ بإسنادِ الفعلِ إلى حالةٍ معهودةٍ منافيةٍ للضَّمان، قلنا: لم يسندْهُ إلى حالةٍ منافيةٍ له؛ لأنَّه يضمنُ لو فعل وهي مديونةٌ، على أنَّ الأصلَ في هذهِ الأمورِ الضَّمان، فقد أقرَّ بسببِ الضَّمان، ثمَّ ادَّعى البراءةَ عنه بخلافِ ما إذا قال: جامعتُها قبلَ الاعتاق، أو أخذتُ الغلَّةَ

(3)

قبلَ الإعتاق، فإنَّ تلكَ الحالةِ منافيةٌ للضَّمانِ بسببِ الجماعِ وأخذِ الغلَّة، وأيضاً الظُّاهرُ كونهما في حالةِ الرِّق.

(فإن أمرَ عبدٌ محجور، أو صبيٌّ صبياً بقتلِ رجلٍ فقتلَه، فالدِّيةُ على عاقلةِ القاتل، ورجعوا على العبدِ بعد عتقِهِ لا على الصَّبي الآمر)؛ لأنَّ المباشرَ هو الصبيُّ المأمور، فتضمنُ عاقلتُهُ ثمَّ يرجعونَ على العبدِ إذا أعتق؛ لأنَّهُ أوقعَ الصَّبيَّ في هذهِ

(1)

زيادة من ب و م.

(2)

زيادة من أ و م.

(3)

إلا فيما كان قائماً بعينه في يد المقرّ؛ لأنه متى أقر أنه أخذه منها فقد أقر بيدها، ثم ادَّعى التمليك عليها، وهي تنكر، فكان القول للمنكر؛ فلذا أمر بالرد. ينظر:«الشرنبلالية» (2: 116).

ص: 179

فإن كان مأمورُ العبدِ مثلَهُ دفعَ السيِّدُ القاتل، أو فداهُ في الخطأ بلا رجوعٍ في الحال، ويجبُ أن يرجعَ بعد عتقِهِ بأقلَّ من قيمتِه ومن الفداء، وكذا في العمدِ إن كان العبدُ القاتلُ صغيراً، وإن كان كبيراً اقتصّ، فإن قتلَ قنُّ عمداً حرَّيْن لكلِّ واحد وليَّان، فعفا أحدُ وليِّي كلٍّ منهما، دفعَ نصفَه إلى الآخرين، أو فداه بدِيَة

الورطة، لكنَّ قولَهُ غيرُ معتبرٍ لحقِّ المولى، فيضمنُ بعدَ العتق، ولا يرجعونَ على الصَّبيِّ الآمرِ لقصورِ أهليَّتِه.

(فإن كان مأمورُ العبدِ مثلَهُ دفعَ السيِّدُ القاتل، أو فداهُ في الخطأ بلا رجوعٍ في الحال، ويجبُ أن يرجعَ بعد عتقِهِ بأقلَّ من قيمتِه ومن الفداء): أي إن أمرَ عبدٌ محجورٌ عبداً محجوراً بقتلِ رجلٍ ففي الخطأ دفعَ السيِّدُ القاتل أو فداه، ولا رجوعَ على العبدِ الآمرِ في الحال، وإنَّما قال: ويجبُ أن يرجعَ بعدَ العتقِ إذ لا روايةَ لذلك، فينبغي أن يرجعَ بأقلَّ من قيمتِه ومن الفداء؛ لأنَّ القيمةَ إذا كانت أقلَّ من الفداءِ فالمولى غيرُ مضطرٍ إلى إعطاءِ الزِّيادةِ على القيمة، بل يدفعُ العبد، أقول: ينبغي أن لا يرجعَ بشيءٍ لأنَّ الأمرَ لم يصحّ، والآمرُ لم يوقعْهُ في هذهِ الورطةِ لكمالِ عقلِ المأمور، بخلافِ ما إذا كان المأمورُ صبيَّاً

(1)

.

(وكذا في العمدِ إن كان العبدُ القاتلُ صغيراً، وإن كان كبيراً اقتصّ): أي في العمدِ دفعَ السيُّدُ القاتلَ أو فداهُ ثمَّ رجعَ على العبدِ الآمرِ بأقلَّ من قيمتِه ومن الفداءِ إن كان العبدُ القاتلُ صغيراً، فإنَّ عمدَ الصَّغيرِ كالخطأ، وإن كان كبيراً يجبُ القصاص.

(فإن قتلَ قنُّ عمداً حرَّيْن لكلِّ واحد

(2)

وليَّان، فعفا أحدُ وليِّي كلٍّ منهما، دفعَ نصفَه إلى الآخرين، أو فداه بدِيَة)، وسقطَ حقُّ مَن عفا في الدِّيَة، وانقلبَ حصّةُ مَن لم يعفُ مالاً، فإمَّا أن يدفعَ نصفَه أو الدِّيَةِ الواحدة.

(1)

نقل صاحب «مجمع الأنهر» (2: 270) كلام صدر الشريعة دون اعتراض عليه، ولكن صاحب «الإيضاح» (ق 169/ب)، قال: عبارة «الجامع الصغير» : وليس على الآمر ولا على عاقلته شيء، وقال الفقيه أبو الليث في «شرحه»: يعني لا شيء عليه في الحال، ولكن يجب عليه بعد العتق ثم قال: وهكذا ذكر في «الزيادات» ، فمن وهم أنه إنما قال: ويجب أن يرجع بعد العتق إذ لا رواية لذلك فقد وهم، وإنما يجب الرجوع عليه بعد العتق؛ لأنه لما أمر بالقتل حتى صار غاصباً ومرجع هذا الغصب إلى القول فصار كالإقرار منه بالغصب فلا يؤخذ به إلا بعد العتق، هكذا نقل الفقيه أبو الليث عن «الزيادات» .

(2)

زيادة من أ و م.

ص: 180

فإن قتلَ أحدَهما عمداً والآخرَ خطأً، وعفا أحدُ وليَّيْ العمد، فدى بدِيَةِ لوليِّ الخطأ، وبنصفِها لأحدِ وليَّيْ العمد، أو دفعَ إليهم، وقُسِمَ أثلاثاً عولاً عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وأرباعاً منازعةً عندهما، فإن قتلَ عبدُهما قريبَهما، وعفا أحدُهُما، بطلَ كلُّه.

[فصل الجناية على العبد]

ديةُ العبدِ قيمتُهُ فإن بلغتْ هي دِيَةَ الحرّ، وقيمةُ الأمةِ دِيَةَ الحرَّة، نقصَ من كلٍّ عشرة

(فإن قتلَ أحدَهما عمداً والآخرَ خطأً، وعفا أحدُ وليَّيْ العمد، فدى بدِيَةِ لوليِّ الخطأ، وبنصفِها لأحدِ وليَّيْ العمد، أو دفعَ إليهم، وقُسِمَ أثلاثاً عولاً عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وأرباعاً منازعةً عندهما)، أمَّا طريقُ العول فإنَّ وليَّي الخطأِ يدَّعيانِ الكلّ، وأحدُ وليَّي العمدِ يدَّعي النِّصفَ فيضرب هذانِ بالكلّ، وذلك بالنِّصف، أصلُهُ التَّركةُ المستغرقة بالدَّين

(1)

، وهذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: يدفعُهُ أرباعاً، ثلاثةُ أرباعِهِ لوليِّ الخطأ، وربعُهُ لوليِّ العمدِ بطريقِ المنازعة، فيسلِّمُ النِّصفَ لوليِّ الخطأ بلا منازعة، وبقى منازعةُ الفريقَيْن في النَّصفِ الآخر، فينصَّف؛ فلهذا يقسمُ أرباعاً

(2)

.

(فإن قتلَ عبدُهما قريبَهما، وعفا أحدُهُما، بطلَ كلُّه): أي عبداً لرجليْن قتلَ ذلك العبدُ قريباً لهما، فعفا أحدُهما بطلَ الكلُّ عند أبي حنيفةَ

(3)

رضي الله عنه، وقالا: يدفعُ الذي عفا نصفَ نصيبهِ إلى الآخر، أو يفديهِ بربعِ الدِّيَة.

[فصل الجناية على العبد]

(ديةُ العبدِ قيمتُهُ فإن بلغتْ هي دِيَةَ الحرّ، وقيمةُ الأمةِ دِيَةَ الحرَّة، نقصَ من كلٍّ عشرة)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّدٍ رضي الله عنه إظهاراً لانحطاطِ رتبةِ العبدِ عن الحرِّ،

(1)

زيادة من ب و م.

(2)

العبارة في ص: فيضربان هما بالكل ويضرب هو بالنصف فيعول وأما طريق المنازعة فيسلم النصف لولي الخطأ بلا منازعة واستوت منازعة الفريقين في النصف الآخر، فيقسم أرباعا أصله أصل الشركة المستغرقة بالديون.

(3)

لأن القصاص واجب لكل منهما في النصف من غير تعيين فإذا انقلب مالاً احتمل الوجوب من كل وجه بأن يعتبر متعلقاً بنصيب صاحبه واحتمل السقوط من كل وجه بأن يعتبر متعلقاً بصيب نفسه، واحتمل التنصيف بأن يعتبر متعلقاً بهما شائعاً فلا يجب المال بالشكّ. ينظر:«رد المحتار» (5: 396).

ص: 181

وفي الغصبِ قيمتُهُ ما كانت، وما قُدِّرَ من دِيَةِ الحرِّ قُدِّرَ من قيمتِه، ففي يدِه نصفُ قيمتِه، عبدٌ قُطِعَ يَدُهُ عمداً، فأعتقَ فسرى، أُقيد إن ورثَه سيِّدُهُ فقط، وإلا لا، فإن أعتقَ أحدَ عبديهِ فشُجَّا، فعيَّن أحدهما، فأرشُهُما للسيِّد، فإن قتلَهُما رجلٌ تجبُ ديةُ حرّ، وقيمةُ عبد، وإن قتلَ كلاًّ رجلٌ فقيمةُ العبدَيْن

وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه والشَّافعيِّ

(1)

رضي الله عنه: يجبُ قيمتُهُ بالغةً ما بلغت.

(وفي الغصبِ قيمتُهُ ما كانت)

(2)

، هذا بالإجماع، فإنَّ المعتبرَ في الغصبِ الماليَّةُ لا الآدميَّة.

(وما قُدِّرَ من دِيَةِ الحرِّ قُدِّرَ من قيمتِه): أي قيمةِ العبد، (ففي يدِه نصفُ قيمتِه): أي إن كانت قيمتُهُ عشرةَ آلافٍ أو أكثر، يجبُ في يدِه خمسةُ آلاف إلا خمسةُ دراهم.

(عبدٌ قُطِعَ يَدُهُ عمداً، فأعتقَ فسرى، أُقيد إن ورثَه سيِّدُهُ فقط، وإلا لا): أي إن كان وارثُ المعتقِ السيِّدُ فقط، استوفى القَوَدَ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسفَ رضي الله عنه، وعندَ محمَّدٍ رضي الله عنه لا؛ لأنَّ القصاصَ يجبُ بالموتِ مستنداً إلى وقتِ الجرح، فإن اعتبرَ حالةَ الجرح، فسببُ الولايةِ الملك، وإن اعتبرَ حالةَ الموتِ فالسَّببُ الوراثةُ بالولاء، فجهالةُ سببُ الاستحقاقِ تمنعُ كجهالةِ المستحقّ، قلنا: لا اعتبارَ لجهالةِ السَّببِ عند تيقُّنِ مَن له الحقّ، وإن لم يكنْ الوارثُ السيِّدُ فقط: أي بقي له وارثٌ غيرُ السَيِّدِ لا يقادُ بالاتِّفاق؛ لأنَّهُ إن اعتبرَ حالةَ الجرحِ فالمستحقُّ السيِّدُ فقط، وإن اعتبرَ حالةَ الموتِ فذلكَ الوارث، أو هو مع السَيِّد، فجهالةُ المقضي لهُ تمنعُ الحكم.

(فإن أعتقَ أحدَ عبديهِ فشُجَّا، فعيَّن أحدهما، فأرشُهُما للسيِّد، فإن قتلَهُما رجلٌ تجبُ ديةُ حرّ، وقيمةُ عبد، وإن قتلَ كلاًّ رجلٌ فقيمةُ العبدَيْن): أي قال لعبديه: أحدكُما حرُّ ثمَّ شُجَّا فبيَّن السيِّدُ أنَّ المرادَ بأحدهما هذا المعيَّن، فأرشهما للسيِّدِ لما عرفَ أنَّ البيانَ إظهارٌ من وجه، وإنشاءٌ من وجه، وبعدَ الشَّجةِ يبقى محلاً للإنشاء، فاعتبرَ إنشاء

(3)

، فكأنَّهُ أعتقَ وقتَ البيان.

(1)

ينظر: «النكت» (3: 376)، وغيرها.

(2)

صورته: رجلٌ غصبَ عبداً قيمته عشرونُ ألفاً، فهلك في يده تجب قيمته بالغة ما بلغت، هذا بلا خلاف، فإنّ المعتبرَ في الغصبِ الماليّة لا الآدميّة؛ لأنَّ الغصب لا يردّ إلا على المال كما لا يخفى. ينظر:«حسن الدراية» (4: 182).

(3)

أي في حقهما، وبعد الموت لم يبق محلاً للبيان، فاعتبرناه إظهاراً محضاً وأحدهما حرّ بيقين فتجب قيمة عبد ودية حرّ، بخلاف ما إذا قتل كل واحد منهما رجل حيث تجب قيمة المملوكين؛ لأنا لم نتيقن بقتل كل واحد منهما حراً وكل منهما ينكر ذلك. وتمامه في «الهداية» (4: 211).

ص: 182

وفي فقء عينَيْ عبدٍ دَفَعَه سيِّدُهُ وأخذَ قيمتَه، أو أمسكَهُ بلا أخذِ النُّقصان.

[فصل جناية المدبّر وأم الولد]

فإن جنى مُدَبَّرٌ أو أمُّ ولد، ضمنَ السيِّدُ الأقلَّ من القيمة ومن الأرش، فإن جنى أخرى، شاركَ وليُّ الثَّانيةِ وليُّ الأولى في قيمةٍ دفعتْ إليهِ بقضاءٍ إذ ليس في جناياته إلا قيمةٌ واحدةٌ، واتَّبعَ السيِّدَ أو وليَّ الأولى إن دفعتْ بلا قضاء

(وفي فقء عينَيْ عبدٍ دَفَعَه سيِّدُهُ وأخذَ قيمتَه، أو أمسكَهُ بلا أخذِ النُّقصان): أي إن شاءَ السيِّدُ دفعَ العبدَ إلى الجاني، وأخذَ القيمة، وإن شاءَ أمسكَهُ بلا أخذِ النُّقصان، وهذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: يخيَّرُ بينَ الدَّفعِ والإمساكِ مع أخذِ النُّقصان، وقال الشَّافعيُّ

(1)

رضي الله عنه: ضمَّنَهُ القيمةَ وأمسكَ الجثَّةَ العمياء، فإنَّهُ يجعلُ الضَّمانَ في مقابلةِ الفائتِ فبقي الباقي على ملكِهِ، كما إذا فقأَ إحدى عينيه، وقالا: الماليَّةُ معتبرةٌ في حقِّ الأطراف، وإنَّما سقطتْ في حقِّ الذَّاتِ فقط، وحكمُ الأموالِ ما ذكرنا، كما في الخرقِ الفاحش

(2)

، وقال أبو حنيفةَ رضي الله عنه: الماليَّةُ إن كانتْ معتبرةً فالآدميَّةُ غيرُ مهدرة، فالعملُ بالشَّبهينِ أوجبَ ما ذكرنا.

[فصل جناية المدبر وأمّ الولد]

(فإن جنى مُدَبَّرٌ أو أمُّ ولد، ضمنَ السيِّدُ الأقلَّ من القيمة ومن الأرش)، إذ لا حقَّ لوليِّ الجنايةِ في أكثرَ من الأرش، ولا منعَ من المولى في أكثرَ من القيمة.

(فإن جنى أخرى، شاركَ وليُّ الثَّانيةِ وليُّ الأولى في قيمةٍ دفعتْ إليهِ بقضاءٍ إذ ليس في جناياته إلا قيمةٌ واحدةٌ، واتَّبعَ السيِّدَ أو وليَّ الأولى إن دفعتْ بلا قضاء)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما: لا يتَّبعُ السيِّد؛ لأنَّ الجنايةَ الثَّانيةَ لم تكنْ موجودةً عند دفعِ القيمةِ إلى وليِّ الأولى، فقد دفعَ كلَّ الواجبِ إلى مستحقِّه، له: أنَّ الثَّانيةَ مقارنةٌ للأولى من وجه؛ ولهذا يشاركُ وليُّ الأولى، فإن دفعَ إلى وليِّ الأولى

(1)

في «الأم» (6: 52) مسألة قريبة منها، وهي: لو كانت الجناية فقء عيني العبد أو إحداهما، وكانت قيمةُ العبد مئتين من الإبل أو ألفي دينار تساوي مئتين من الإبل لم يكن فيه إلا دية حر؛ لأن الجنايةَ تتمُّ بموته منها إذا مات حرّاً لا مملوكاً.

(2)

أي من خرقَ ثوبَ غيره خرقاً فاحشاً: إن شاء المالكُ دفع ثوبه إليه وضمنه قيمته، وإن شاءَ أمسكَ الثوب وضمنه النقصان. ينظر:«حسن الدراية» (4: 184).

ص: 183

[باب غصب العبد والصبي والمدبر والجناية في ذلك]

ومَن غصبَ عبداً قطعَ سيِّدُهُ يدُه فسرى، ضمنَ قيمتَهُ أقطع، فإن قطعَهُ سيِّدُه في يدِ غاصبِهِ فسرى في يدِه، لم يضمن، وضمنَ عبدٌ محجورٌ غصبَ مثلَهُ فماتَ معه، فإن جنى مُدبَّرٌ عند غاصبِه، ثمَّ عند سيِّدِه أو عكس، ضَمِنَ قيمتَهُ لهما، ورجعَ بنصفِها على الغاصب، ودفعَ إلى الأوَّل، ثمَّ في الأولى رجعَ به على الغاصب، وفي الثَّانيةِ لا

طوعاً

(1)

كان ضامناً بخلافِ ما إذا دفعَ غيرَ طائعٍ بحكمِ القاضي.

[باب غصب العبد والصبي والمدبر والجناية في ذلك]

(ومَن غصبَ عبداً قطعَ سيِّدُهُ يدُه فسرى، ضمنَ قيمتَهُ أقطع، فإن قطعَهُ سيِّدُه في يدِ غاصبِهِ فسرى في يدِه): أي في يدِ الغاصب، (لم يضمن)، فإنَّ الغاصبَ إذا غصبَ مقطوعَ اليدِ يجبُ ردُّهُ كذلك، فإذا امتنعَ فعليهِ قيمتُهُ أقطع، وإن قطعَ المولى في يدِ الغاصبِ استولى عليه، فصارَ مستردِّاً، فيبرأ الغاصبُ عن الضَّمان مع أنَّهُ ماتَ في يدِه.

(وضمنَ عبدٌ محجورٌ غصبَ مثلَهُ فماتَ معه)، فإنَّ المحجورَ مؤاخذٌ بأفعالِه، فإن كان الغصبُ ظاهراً يباعُ فيه، وإن لم يكنْ ظاهراً بل أقرَّ به لا يباعُ فيه، بل يؤاخذُ به إذا أعتق.

(فإن جنى مُدبَّرٌ عند غاصبِه، ثمَّ عند سيِّدِه أو عكس، ضَمِنَ قيمتَهُ لهما، ورجعَ بنصفِها على الغاصب، ودفعَ إلى الأوَّل، ثمَّ في الأولى رجعَ به على الغاصب، وفي الثَّانيةِ لا): أي غصبَ رجلٌ مدبِّراً فجنى عندَه خطأ، ثمَّ ردَّهُ على المولى، فجنى عنده خطأ، أو كان الأمرُ بالعكس: أي جنى عندَ المولى خطأ، ثمَّ غصبَه رجلٌ فجنى عنده خطأ، ففى الصُّورتَيْن يضمنُ المولى قيمتَهُ لأجلِ الجنايتيْن، ثمَّ يرجعُ بنصفِها على الغاصب، ثمَّ يدفعُ هذا النِّصفَ إلى وليِّ الجنايةِ الأولى، دونَ الثَّانية، لأنَّ حقَّهُ لم يجبْ إلا والمزاحمُ قائم، فلم يجب، فإذا دفعَ هل يرجعُ به على الغاصبِ أم لا؟

ففي الصُّورةِ الأولى: يرجع.

(1)

زيادة من ص.

ص: 184

والقنُّ في الفصليْن كالمدبَّر، لكنَّ السيِّدَ يدفعُ القنَّ وقيمةَ المدبَّر، مدبَّرٌ غُصِبَ مرَّتيْن، فجنى في كلِّ مرَّة، ضَمِنَ سيِّدُه قيمةً لهما، ورجعَ بقيمتِهِ على الغاصب، ودفعَ نصفَها إلى الأوَّل، ورجعَ به على الغاصب، ومَن غصبَ صبيَّا حرَّاً فماتَ معه فجأة أو بحمَّى، لم يضمن، وإن ماتَ بصاعقةٍ أو نهشِ حيَّةٍ ضمنَ عاقلتُهُ الدِّية

وفي صورةِ العكس: لا، وهذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسفَ رضي الله عنه، وقال محمَّد رضي الله عنه: نصفُ القيمةِ التي رجعَ به على الغاصبِ يُسَلَّمُ للمولى ولا يدفعُ إلى وليِّ الجنايةِ الأولى؛ لأنَّهُ عوَّضَ ما أخذَ وليُّ الجنايةِ الأولى، فلا يدفعُ إليه كيلا يجتمعَ البدلُ والمبدلُ في ملكِ شخصٍ واحد.

لهما: أنّ حقَّ الأوَّلِ في جميعِ القيمة؛ لأنَّهُ حين جنى في حقِّهِ لا يزاحمُهُ أحد، وإنَّما ينتقصُ باعتبارِ مزاحمةِ الثَّاني فإذا وجدَ شيئاً من بدلِ العبدِ في يدِ المالكِ فارغاً يأخذُهُ منهُ ليتمَّ حقَّه، فإذا أخذَ منه يرجعُ به المولى على الغاصب؛ لأنَّهُ أخذَهُ منه بسببٍ كان عند الغاصب، ولا يرجعُ به في صورةِ العكس؛ لأنَّ الجنايةَ الأولى كانت في يدِ المالك.

(والقنُّ في الفصليْن كالمدبَّر، لكنَّ السيِّدَ يدفعُ القنَّ وقيمةَ المدبَّر): أي إذا كانَ مقامَ المدبَّرِ قنٌّ في الفصليْن يدفعُ القنَّ، ثمَّ يرجعُ بنصفِ قيمتِهِ على الغاصب، ويسلِّمُ للمالكِ عندَ محمَّدٍ رضي الله عنه، وعندهما: لا يسلَّمُ له، بل يدفعُهُ إلى الأوَّل، فإذا دفعَهُ إلى الأوَّلِ يرجعُ في الفصلِ الأوَّلِ على الغاصب، وفي الثَّاني لا.

(مدبَّرٌ غُصِبَ مرَّتيْن، فجنى في كلِّ مرَّة، ضَمِنَ سيِّدُه قيمةً لهما، ورجعَ بقيمتِهِ على الغاصب، ودفعَ نصفَها إلى الأوَّل، ورجعَ به على الغاصب): أي مُدبَّرٌ غصبَه زيدٌ مرَّةً فجنى عنده، ثمَّ ردَّهُ على المالك، ثمَّ غصبَهُ فجنى عنده، فعلى المالكِ قيمتُهُ بينهما نصفَيْن؛ لأنَّه منعَ رقبةً واحدةً بالتَّدبيرِ فيجبُ عليه قيمتُه، ثمَّ يرجعُ بتلكَ القيمةِ على الغاصب؛ لأنَّ الجنايتيْنِ كانتا عندَه، فيدفعُ نصفَها إلى الأوَّل، ويرجعُ بهِ على الغاصبِ قبلَ دفعِ النِّصفِ إلى الأوَّل، وهذا متَّفقٌ عليه، وقيل: فيه خلافُ محمَّدٍ رضي الله عنه كما في تلكَ المسألة.

(ومَن غصبَ صبيَّا حرَّاً فماتَ معه فجأة أو بحمَّى، لم يضمن، وإن ماتَ بصاعقةٍ أو نهشِ حيَّةٍ ضمنَ عاقلتُهُ الدِّية)، والقياسُ أن لا يضمنَ بالغصب، وهو قولُ زفرَ رضي الله عنه والشَّافعيِّ

(1)

رضي الله عنه؛ لأنَّ الغصبَ في الحرِّ لا يتحقُّق، وجهُ الاستحسانِ: أنّه لا يضمنُ

(1)

ينظر: «النكت» (3: 385)، وغيرها.

ص: 185

كما في صبيِّ أُودعَ عبداً فقتلَه، فإن أتلفَ مالاً بلا إيداعٍ ضَمِن، وإن أتلفَ بعده لا.

‌باب القسامة

ميْتٌ به جرحٌ أو أثرُ ضربٍ أو خنقٍ أو خروجُ دمٍ من إذنِهِ أو عينِهِ وجدَ في محلَّةٍ أو بدنُهُ بلا رأس، أو أكثرُه، أو نصفُهُ مع رأسِهِ لا يعلمُ قاتلُه، وادَّعى وليُّهُ القتلَ على أهلِها أو بعضِهم حُلِّفَ خمسونَ رجلاً منهم، يختارُهم الوليّ: باللهِ ما قتلناه، ولا علمنا له قاتلاً، لا الولي، ثمَّ قُضِيَ على أهلِها بالدِّيَة

بالغصب، بل بالإتلافِ تسبيباً بنقلِهِ إلى مكانٍ فيه الصَّواعقُ أو الحيّات.

(كما في صبيِّ أُودعَ عبداً فقتلَه، فإن أتلفَ مالاً بلا إيداعٍ ضَمِن، وإن أتلفَ بعده لا)، الإيداعُ يتعدَّى إلى المفعوليْن، يقال: أودعتُ زيداً درهماً، فالفعلُ المجهولُ وهو أودع، أسندَ إلى المفعولِ الأوَّلِ وهو الصَّبيّ، فالوديعةُ عنده إن كان عبداً ضمنَهُ بالقتل، وإن كان مالاً غيَّرَهُ لا يضمنُهُ عندَ أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّدٍ رضي الله عنه، ويضمنُ عند أبي يوسفَ رضي الله عنه والشَّافعيِّ رضي الله عنه؛ لأنَّه أتلفَ مالاً معصوماً، قلنا: غيرُ العبدِ معصومٌ لحقِّ السيِّد، وقد فوَّتَهُ حيثُ وضعَهُ في يدِ الصَّبيّ، وأمَّا العبدُ فعصمتُهُ لحقِّهِ إذ هو مبقىً على أصلِ الحريَّةِ في حقِّ الدَّم.

باب القسامة

(ميْتٌ به جرحٌ أو أثرُ ضربٍ أو خنقٍ أو خروجُ دمٍ من إذنِهِ أو عينِهِ وجدَ في محلَّةٍ أو بدنُهُ بلا رأس، أو أكثرُه، أو نصفُهُ مع رأسِهِ لا يعلمُ قاتلُه، وادَّعى وليُّهُ القتلَ على أهلِها أو بعضِهم حُلِّفَ خمسونَ رجلاً منهم، يختارُهم الوليّ: باللهِ ما قتلناه، ولا علمنا له قاتلاً، لا الولي

(1)

، ثمَّ قُضِيَ على أهلِها بالدِّيَة): أي بديتِهِ فالألفُ واللاّمِ يقومُ مقامَ ضميرٍ يعودُ إلى المبتدأ، وهو ميْتٌ، هذا عندنا.

وقال الشَّافعيُّ

(2)

رضي الله عنه: إن كانَ هناكَ لوث: أي علامةُ القتلِ على واحدٍ بعينِه، أو ظاهرٌ يشهدُ للمدَّعي من عداوةٍ ظاهرة، أو شهادةِ واحدٍ عدل، أو جماعةٍ غيرِ عدول،

(1)

أي لا يحلف الوليّ، ولو مع وجود الورثة عندنا. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 388).

(2)

ينظر: «الأم» (6: 97)، و «النكت» (3: 408)، «أسنى المطالب» (7: 98)، وغيرها.

ص: 186

....................................................................................................................

بأنَّ أهلَ المحلَّةِ قتلوه استحلفَ الأولياءُ خمسينَ يميناً أنَّ أهلَ المحلَّةِ قتلُوه، ثمَّ يقضي بالدِّيَةِ على المدَّعى عليه سواءٌ كانَ الدَّعوى بالعمدِ أو بالخطأ.

وقال مالكٌ

(1)

رضي الله عنه: يقضي بالقَوَدِ إن كان الدَّعوى بالعمد، وهو أحدُ قولَيْ الشَّافِعِيِّ

(2)

رضي الله عنه، وإن لم يكنْ به لوثٌ فمذهبُهُ مثلُ مذهبنا، إلا أنَّه لا يكرَّرُ اليمين، بل يردُّها على الوليّ، وإن حلفوا لا دِيَة عليهم.

لنا: أنّ البيِّنةَ على المدَّعي، واليمينَ على مَن أنكر، فاليمينُ عندنا ليظهرَ القتل، بتحرُّزِهِم عن اليمينِ الكاذبة فيقرُّوا، فيجبُ القصاص، فإذا حلفُوا حصلتِ البراءةُ عن القصاص، وإنَّما تجبُ الدِّيَةُ لوجودِ القتيلِ بين أظهرِهم، وإنَّهُ صلى الله عليه وسلم جمعَ بين الدِّيَةِ والقَسَامة في حديثٍ رواهُ

(3)

سهل

(4)

، وحديثٍ رواهُ زياد

(5)

بن مريم

(6)

، وكذا جمعَ عمرُ رضي الله عنه.

(1)

ينظر: «المدونة» (4: 649)، و «حاشية العدوي» (2: 290)، وغيرهما.

(2)

ينظر: «النكت» (3: 411)، و «حاشيتا قليوبي وعميرة» (4: 168)، وغيرهما.

(3)

من حديث سهل بن أبي سلمة أخبره «أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قيل وطرح في عين فأتى يهود، فقال: أنتم والله قتلتموه، فقالوا: والله ما قتلناه، ثم أقبل من قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، ثم أقبل هو وحويصة، وهو أخوه أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل فذهب محيصة ليتكلَّم، وهو الذي كان بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيِّر كبِّر وتكلَّم حويصة، ثم تكلَّم محيصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إما أن تدوا صاحبكم أو تؤذنوا بحرب، وكتب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فكتبوا أما والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن تحلفون وتستحقون دم صاحبكم، قالوا: لا قال فتحلف لكم يهود قالوا: ليسوا مسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم بمئة ناقة حتى دخلت عليهم الدار، قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء» في «موطأ مالك» (2: 877)، و «سنن النسائي» (3: 483) واللفظ له، وأصله في «صحيح البخاري» (3: 1158).

(4)

وهو سهل بن أبي حَثَمة عبد الله بن ساعدة بن عامر بن عَدي بن مجدة الأوسيّ الأنصاريّ، توفِّي في خلافة معاوية، وكانت ولادتُه سنة ثلاث من الهجرة، شهدَ المشاهد: أحداً فما بعدها. ينظر: «التقريب» (ص 197 - 198). «إسعاف المبطئ برجال الموطأ» (ص 18).

(5)

قال اللكنوي في «مقدمة عمدة الرعاية» (1: 47): لم أعرف إلى الآن المرادُ من زياد ومن ابن زياد. أقول: المترجم له في كتب الرجال هو زياد بن أبي مريم الجَزَري، قال العجلي: ثقة تابعي، وذكره ابن حبان في «الثقات» ، قال الذهبي: فيه جهالة وقد وثق، قال ابن حجر: من السادسة. ينظر: «تهذيب الكمال» (9: 510 - 514). «الميزان» (3: 136). «التقريب» (ص 161).

(6)

ذكر صاحب «الكفاية» (9: 308): أن حديث زياد بن مريم: ما روى خصيف عن زياد بن أبي

مريم أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني وجدت أخي قتيلاً في بني فلان، فقال اختر من شيوخهم خمسين رجلاً فيحلفون بالله ما علمنا له قاتلاً ولا قتلناه، فقال: وليس لي من أخي إلا هذا، قال نعم ومئة من الإبل» ، ولكن لم أقف عليه في كتب الحديث. والله أعلم.

ص: 187

فإن ادَّعى على واحدٍ من غيرِهم سقطَ القسامةُ عنهم. فإن لم يكنْ فيها، كرَّرَ الحلفَ عليهم إلى أن يتمّ، ومَن نكلَ منهم حُبِسَ حتى يحلف، ولا قِسامة على صبيٍّ ومجنون وامرأة، وعبد. ولا قسامةَ ولا دِيَةَ في ميْتٍ لا أثرَ به، أو خرجَ دمٌ من فمِهِ أو دبرِهِ أو ذكرِه، وما تمَّ خلقُهُ كالكبير، وفي قتيلٍ وجدَ على دابَّةٍ يسوقُهُا رجل، ضمنَ عاقلتُهُ ديَتُهُ لا أهلَ المحلَّة، وكذا لو قادَها أو ركبَها، فإن اجتمعوا ضَمِنوا، وفي دابَّةٍ بين قريتَيْن عليها قتيلٌ على أقربهما. فإن وجدَ في دارِ رجلٍ فعليهِ القَسَامة، وَتَدي عاقلتُهُ إن ثبتَ أنَّها لهُ بالحجَّة، وعاقلةُ ورثتِهِ إن وجدَ في دارِ نفسِه

(فإن ادَّعى على واحدٍ من غيرِهم

(1)

سقطَ القسامةُ عنهم.

فإن لم يكنْ فيها): أي الخمسونَ في المحلَّة، (كرَّرَ الحلفَ عليهم إلى أن يتمّ، ومَن نكلَ منهم حُبِسَ حتى يحلف، ولا قِسامة على صبيٍّ ومجنون وامرأة، وعبد

(2)

.

ولا قسامةَ ولا دِيَةَ في ميْتٍ لا أثرَ به، أو خرجَ دمٌ من فمِهِ أو دبرِهِ أو ذكرِه)، فإنَّ الدَّمَ يخرجُ من هذه الأعضاءَ بلا فعلٍ من أحدٍ بخلافِ الأذنِ والعين.

(وما تمَّ خلقُهُ كالكبير): أي وجدَ سقطٌ تامُّ الخلقِ به أثرُ الضَّربِ فهو كالكبير.

(وفي قتيلٍ وجدَ على دابَّةٍ يسوقُهُا رجل، ضمنَ عاقلتُهُ ديَتُهُ لا أهلَ المحلَّة، وكذا لو قادَها أو ركبَها، فإن اجتمعوا ضَمِنوا): أي السَّائقُ والقائدُ والرَّاكب.

(وفي دابَّةٍ بين قريتَيْن عليها قتيلٌ على أقربهما.

فإن وجدَ في دارِ رجلٍ فعليهِ القَسَامة، وَتَدي عاقلتُهُ إن ثبتَ أنَّها لهُ بالحجَّة

(3)

، وعاقلةُ

(4)

ورثتِهِ إن وجدَ في دارِ نفسِه)، هذا عندَ أبي حنيفةَ رضي الله عنه، فإنَّ

(1)

أي إن ادعى الولي القتل على واحد من غير أهل المحلة. ينظر: «فتح باب العناية» (3: 390).

(2)

أما الصبي والمجنون فلأنهما ليسا من أهل القول الصحيح، واليمين قول صحيح، وأما المرأة والعبد فلأنهما ليسا من أهل النصرة واليمين على أهلها. ينظر:«الهداية» (4: 218).

(3)

يعنى إن وجد القتيل في دار كان في يد رجل فأنكرت العاقلة أن يكون الدار له، وقالوا: هي وديعة في يده لم يعقله العاقلة حتى يشهدوا أنها له، فلا بُدّ من الملك لصاحب اليد حتى يعقل العواقل عنه، واليد وإن كان دليلاً على الملك، ولكنها محتملة فلا يكفي لإيجاب الدية على العاقلة. ينظر:«شرح ابن ملك» (ق 521/ب).

(4)

أي وتدي عاقلة القتيل لورثته إن وجد في دار نفسه. ينظر: «شرح ابن ملك» (ق 521/ب).

ص: 188

والقسامةُ على أهلِ الخطَّةِ دونَ السَّكانِ والمشترين، فإن باعَ كلُّهم فعلى المشترين، فإن وجدَ في دارَيْن قومٍ لبعضٍ أكثر، فهي على الرُّؤوس، فإن بيعتْ ولم تقبضْ فعلى عاقلةِ البائعِ، وفي البيعِ بخيارٍ على عاقلةِ ذي اليد، وفي الفلكِ على مَن فيه، وفي مسجدِ محلِّةٍ على أهلها، وبينَ القريتَيْن على أقربِهِما، وفي سوقٍ مملوكٍ على المالك، وفي غيرِ مملوكٍ والشَّارعِ والسِّجنِ والجامعِ لا قسامة، والدِّيَةُ على بيتِ المال

الدَّارَ حالَ ظهورِ القتلِ للورثة، فالدِّيَةُ على عاقلتِهم، وعندهما وعندَ زفرَ رضي الله عنهم: لا شيءَ فيه، والحقُّ هذا

(1)

؛ لأنَّ الدَّارَ في يدِهِ حالَ ظهورِ القتل، فيجعلُ كأنَّهُ قتلَ نفسَهُ فكانَ هدراً، وإن كانتْ الدَّارُ للورثةِ، فالعاقلةُ إنَّما يتحمَّلونَ ما يجبُ عليهم تخفيفاً لهم، ولا يمكنُ الإيجابُ على الورثةِ للورثة.

(والقسامةُ على أهلِ الخطَّةِ): (أي ملاك الأرض)

(2)

، (دونَ السَّكانِ والمشترين، فإن باعَ كلُّهم فعلى المشترين)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّدٍ رضي الله عنه، فإنَّ نصرةَ البقعةِ على أهلِ الخطّة، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه: هي عليهم جميعاً؛ لأنَّ ولايةَ التَّدبيرِ كما يكونُ بالملكِ يكونُ بالسُّكنى، والمشتري وأهلُ الخطَّةِ سواءٌ في التَّدبير، وقيل: أبو حنيفةَ رضي الله عنه بنى هذا على ما شاهدَ بالكوفة.

(فإن وجدَ في دارَيْن قومٍ لبعضٍ أكثر، فهي على الرُّؤوس)؛ لأنَّ صاحبَ القليلِ والكثيرِ سواءٌ في الحفظِ والتَّقصير.

(فإن بيعتْ ولم تقبضْ فعلى عاقلةِ البائعِ، وفي البيعِ بخيارٍ على عاقلةِ ذي اليد)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: إن لم يكنْ فيه خيارٌ فعلى عاقلةِ المشتري، وإن كان فعلى عاقلةِ مَن تصيرُ له سواءٌ كانَ الخيارُ للبائعِ أو للمشتري.

(وفي الفلكِ على مَن فيه، وفي مسجدِ محلِّةٍ على أهلها، وبينَ القريتَيْن على أقربِهِما، وفي سوقٍ مملوكٍ على المالك)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّدٍ رضي الله عنه، وعندَ أبي يوسفَ رضي الله عنه: على السُّكان، (وفي غيرِ مملوكٍ والشَّارعِ والسِّجنِ والجامعِ لا قسامة، والدِّيَةُ على بيتِ المال)، أمَّا عندَ أبي يوسفَ رضي الله عنه فالقسامةُ على أهلِ السِّجن؛ لأنَّهم سكان.

(1)

وفي «درر الحكام» (2: 122): وبه يفتى.

(2)

زيادة من ب

ص: 189

وفي قومٍ التقَوا بالسُّيوفِ وأجْلَوْا عن قتيل على أهلِ المحلَّةِ إلا أن يدَّعي الوليُّ على القومِ أو على معيَّنٍ منهم. فإن وُجِدَ في بريَّةِ لا عمارةَ بقربها، أو ماءٍ يمرُّ به فهدر. ومستحلفٌ قال: قتلَهُ زيد، حُلِّف: بالله ما قتلتُ ولا عرفتُ لهُ قاتلاً غيرَ زيد. وبطلَ شهادةُ بعضِ أهلِ المحلَّةِ بقتلِ غيرهم، أو واحدٍ منهم. ومَن جُرحَ في حيِّ فنُقلَ فبقي ذا فراشٍ حتى ماتَ فالقَسَامةُ والدِّيَةُ على الحيّ. وفي رجلَيْن في بيتٍ بلا ثالث، وجدَ أحدُهما قتيلاً ضَمِنَ الآخرُ ديَّتَهُ عندَ أبي يوسفَ رضي الله عنه، خلافاً لمحمَّدٍ رضي الله عنه، وفي قتيلِ قريةٍ امرأةٍ كُرِّرَ الحلفُ عليها، وَتَدي عاقلتُها

(وفي قومٍ التقَوا بالسُّيوفِ وأجْلَوْا عن قتيل): أي انكشفُوا عنه، (على أهلِ المحلَّةِ

(1)

إلا أن يدَّعي الوليُّ على القومِ أو على معيَّنٍ منهم.

فإن وُجِدَ في بريَّةِ لا عمارةَ بقربها، أو ماءٍ يمرُّ به فهدر.

ومستحلفٌ قال: قتلَهُ زيد، حُلِّف: بالله ما قتلتُ ولا عرفتُ لهُ قاتلاً غيرَ زيد.

وبطلَ شهادةُ بعضِ أهلِ المحلَّةِ بقتلِ غيرهم، أو واحدٍ منهم

(2)

.

ومَن جُرحَ في حيِّ فنُقلَ فبقي ذا فراشٍ حتى ماتَ فالقَسَامةُ والدِّيَةُ على الحيّ.

وفي رجلَيْن في بيتٍ بلا ثالث، وجدَ أحدُهما قتيلاً ضَمِنَ الآخرُ ديَّتَهُ عندَ أبي يوسفَ رضي الله عنه، خلافاً لمحمَّدٍ رضي الله عنه)، فإنَّهُ لا يضمن عندَهُ لاحتمالِ أنَّه قتلَ نفسَه، ولأبي يوسفَ رضي الله عنه: أنَّ الظَّاهرَ أنَّ الإنسانَ لا يقتلُ نفسَه.

(وفي قتيلِ قريةٍ امرأةٍ كُرِّرَ الحلفُ عليها، وَتَدي عاقلتُها)، هذا عندَ أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّدٍ رضي الله عنه، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه: القسامةُ على العاقلةِ أيضاً؛ لأنَّ القسامةَ على أهلِ النُّصرةِ والمرأةُ ليستْ من أهلها. (والله أعلم بالصواب)

(3)

.

* * *

(1)

لأن القتيل بينهم والحفظ عليهم، وقد تعذّر الوقوف على قاتله حقيقة، فيتعلّق بالسبب الظاهر، وهو وجود قتيل في محلّهم. ينظر:«العناية» (10: 388).

(2)

صورته المسألة: وجد قتيل في محلّة وادّعى الوليُّ قتله على غيرهم، فشهد اثنان من أهل المحلّة، لم تقبل شهادتهما عند أبي حنيفة وتقبل عندهما. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 393).

(3)

زيادة من أ و ب و ج و ف و ق و م.

ص: 190

‌كتاب المعاقل

العاقلةُ: أهلُ الدِّيوانِ لمَن هو منهم، و تؤخذُ من عطاياهُم في ثلاثِ سنين، فإن خرجتْ لأكثرَ منها أو أقلَّ أخذَ منه، وحيُّهُ لمَن ليسَ منهم، تؤخذُ من كلٍّ في ثلاثِ سنين

كتاب المعاقل

(العاقلةُ: أهلُ الدِّيوانِ

(1)

لمَن هو منهم): أي الجيشُ الذي كُتِبَ أساميهم في الدِّيوان، وهذا عندنا، وعندَ الشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه: هم

(3)

أهلُ العشيرة؛ لأنَّه كان كذلك على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا نسخَ بعدَه، ولنا: أنّ عمرَ رضي الله عنه لمَّا دوَّنَ الدَّواوينَ جعلَ العقلَ على أهلِ الدِّيوان، بمحضرٍ من الصَّحابةِ رضي الله عنهم، فهذا لا يكونُ نسخاً

(4)

، بل يكونُ تقريرَ المعنى أنَّ العقلَ على أهلِ النُّصرة، وقد كانتْ بالأنواعِ بالقرابةِ ونحوها، فصارتْ في عهدِ عمرَ رضي الله عنه بالدِّيوان، وكذا لو كانت بالحِرَف، فالعاقلةُ على أهلِ الحِرْفة.

(و تؤخذُ من عطاياهُم في ثلاثِ سنين)، وكذا ما يجبُ في مالِ القاتلِ بأن قتلَ الأبُ ابنَهُ تؤخذُ في ثلاثِ سنينَ عندنا، وعند الشَّافعيِّ

(5)

رضي الله عنه: تجبُ حالاً، (فإن خرجتْ لأكثرَ منها أو أقلَّ أخذَ منه): أي إن أعطيتَ عطاياهم ثلاثَ سنينَ بعد القضاءِ بالدِّيةِ في سنةٍ واحدةٍ مثلاً، أو في أربعَ سنينَ يؤخذُ في سنةٍ واحدة، أو أربعِ سنين.

(وحيُّهُ

(6)

لمَن ليسَ منهم): أي من أهلِ الدِّيوان، (تؤخذُ من كلٍّ في ثلاثِ سنين

(1)

الدِّيوان: مجتمع الصحف، والكتاب يكتب فيه أهل العطيّة والجيش. ينظر:«القاموس» (4: 226).

(2)

ينظر: «النكت» (3: 395)، وغيرها.

(3)

زيادة من أ و م.

(4)

جوابٌ عن قولِ الشافعيّ رضي الله عنه، حاصله: إنّ قضيّة عمرَ رضي الله عنه ليس بنسخ، بل هو تقريرُ معنى؛ لأنَّ العقل كان على أهل النصرة، وقد كانت النصرةُ بأنواعٍ بالقرابةِ والحلفِ والولاء والعد، وفي عهدِ عمرَ رضي الله عنه، قد صارت بالديوان، فجعلها على أهلِهِ اتّباعاً للمعنى؛ ولهذا قالوا: لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف، فعاقلتهم أهل الحرفة، وإن كان بالحلفِ فأهله. ينظر:«الهداية» (4: 225).

(5)

في «النكت» (3: 397): قال الشافعي: تحمل الدية في ثلاث سنين من يوم القتل. وقال أبو حنيفة: ثلاث سنين من يوم الحكم.

(6)

عطف على أهل الديوان: أي العاقلة القبيلة؛ لأن نصرته بهم، وهي المعتبرة في هذا الباب. ينظر:«درر الحكام» (2: 125). «مجمع الأنهر» (688).

ص: 191

ثلاثةُ دراهمٍ أو أربعةٌ فقط، في كلِّ سنةٍ درهمٌ أو مع ثُلُثٍ هو الأصحّ، وإن لم يتَّسعِ الحيُّ ضمَّ إليهِ أقربُ الأحياءِ نسباً، الأقربُ فالأقربُ كما في العصبات، والقاتلُ كأحدِهم، وللمعتَقِ حيُّ سيِّدِه، ولمولى الموالاةِ مولاهُ وحيُّه، وتتحمَّلُ العاقلةُ ما يجبُ بنفسِ القتل، وقَدْرَ أرشِ الموضَّحةِ فصاعداً. لا ما يجبُ بصلحٍ، أو إقرارٍ لم تصدِّقْهُ العاقلة، أو عمدٍ سقطَ قَوَدُهُ بشبهة، أو قتلِهِ ابنهِ عمداً، ولا بجنايةِ عبدٍ أو عمد، وما دونَ أرشٍ موضَّحة، بل الجاني

ثلاثةُ دراهمٍ أو أربعةٌ فقط، في كلِّ سنةٍ درهمٌ أو مع ثُلُثٍ هو الأصحّ)، إنَّما قال: هو الأصحّ؛ لأنَّ روايةَ القُدُورِيِّ أنَّهُ لا يزادُ الواحدُ على أربعةِ دراهمَ في كلِّ سنة

(1)

، لكنَّ الأصحَّ أنَّهُ لا يُزادُ على أربعةِ دراهمَ في ثلاثِ سنين، هكذا نصَّ محمَّدٌ رضي الله عنه، وعندَ الشَّافعيِّ

(2)

رضي الله عنه: يجبُ على كلِّ واحدٍ نصف دينار.

(وإن لم يتَّسعِ الحيُّ ضمَّ إليهِ أقربُ الأحياءِ نسباً، الأقربُ فالأقربُ كما في العصبات، والقاتلُ كأحدِهم)، هذا عندنا، وعندَ الشَّافعيِّ

(3)

رضي الله عنه: لا يجبُ على القاتلِ شيء.

(وللمعتَقِ حيُّ سيِّدِه، ولمولى الموالاةِ مولاهُ وحيُّه، وتتحمَّلُ العاقلةُ ما يجبُ بنفسِ القتل

(4)

، وقَدْرَ أرشِ الموضَّحةِ

(5)

فصاعداً.

لا ما يجبُ بصلحٍ، أو إقرارٍ لم تصدِّقْهُ

(6)

العاقلة، أو عمدٍ سقطَ قَوَدُهُ بشبهة، أو قتلِهِ ابنهِ عمداً، ولا بجنايةِ عبدٍ أو عمد، وما دونَ أرشٍ موضَّحة، بل الجاني).

* * *

(1)

انتهى كلام القدوري في «مختصره» (ص 93).

(2)

ينظر: «الأم» (6: 125)، و «أسنى المطالب» (4: 84)، و «المحلي» (4: 155)، وغيرها.

(3)

ينظر: «النكت» (3: 394)، وغيرها.

(4)

وهو ما يجب بالخطأ أو شبه العمد أو التسبب. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 689).

(5)

وأرش الموضِحة نصف عشر بدل النفس، ولأن الإيجاب على العاقلة لدفع الاجحاف على الجاني، وذلك في القليل دون الكثير؛ فلهذا أوجبنا الكثير على العاقلة، والفاصل بينهما أرش الموضحة، وما دون ذلك يكون في مال الجاني. ينظر:«مجمع الأنهر» (2: 690).

(6)

ولو صدق العاقلة الجاني لزمتهم الدية؛ لأنها تثبت بتصادقهم والامتناع كان لحقّهم، ولهم ولاية على أنفسهم فتجب عليهم. ينظر:«درر الحكام» (2: 126).

ص: 192

‌كتاب الوصايا

هي إيجابٌ بعد الموت، وندبتْ بأقلَّ من الثُّلثِ عند غنى ورثتِه، أو استغنائهم بحصَّتهم كتركها بلا أحدهما، وصحَّتْ للحملِ وبه إن ولدتْ لأقلَّ من مدَّتِهِ من وقتها، وهي والاستثناء، في وصيَّةِ بأمةِ إلاَّ حملُها، ومن المسلمِ للذَّميِّ وعكسه، وبالثُّلثِ للأجنبيِّ لا في أكثرَ منه، ولا لوارثِهِ وقاتلِهِ مباشرةً إلا بإجازةِ ورثتِه

كتاب الوصايا

(هي إيجابٌ بعد الموت، وندبتْ بأقلَّ من الثُّلثِ عند غنى ورثتِه، أو استغنائهم بحصَّتهم

(1)

كتركها بلا أحدهما): أي إن لم تكنِ الورثةُ أغنياءَ ولا يصيرونَ أغنياءَ بحصَّتهم من التَّركة، فتركُ الوصيَّةِ أفضل.

(وصحَّتْ للحملِ وبه

(2)

إن ولدتْ لأقلَّ من مدَّتِهِ من وقتها): أي إنَّما تصحُّ الوصيَّةُ إن ولدتْ لأقلَّ من ستَّةِ أشهرٍ من الوصيَّة، والفرقُ بين أقلِّ مدَّةِ الحمل وبين أقلَّ من مدَّةِ من الحملِ دقيقٌ، والأوَّلُ ستَّةُ أشهرٍ من وقتِ الوصيَّة، والثَّاني أقلَّ من ستَّةِ أشهر.

(وهي والاستثناء): أي إنَّما تصحُّ الوصيَّةُ والاستثناء، (في وصيَّةِ بأمةِ إلاَّ حملُها)، فإنَّ كلَّ ما يصحُّ إفرادُهُ بالعقدِ يصحُّ استثناؤهُ من العقد، فإذا صحَّ الوصيَّةُ بالحمل، صحَّ استثناءُ الحملِ من الوصيَّة.

(ومن المسلمِ للذَّميِّ وعكسه)، قيَّدَ بالذِّميّ؛ لأنَّ الوصيَّةَ للحربيِّ لا تجوز.

(وبالثُّلثِ للأجنبيِّ لا في أكثرَ منه، ولا لوارثِهِ وقاتلِهِ مباشرةً إلا بإجازةِ ورثتِه)، قولُه: مباشرة؛ احترازٌ عن القتلِ تسبيباً: كحفرِ البئر، وعندَ الشَّافعيِّ

(3)

رضي الله عنه تجوزُ الوصيَّةُ للقاتل، وعلى هذا الخلافِ إذا أوصى لرجلٍ ثمَّ إنّه قتلَ الموصي.

(1)

أي بصيرورتهم أغنياء بأن يرثَ كلّ منهم أربعةَ الآف درهم على ما روي عن الإمامِ، أو يرثَ عشرة الآف درهم على ما روي عن الفَضْليّ. ينظر:«رد المحتار» (6: 652).

(2)

أي بالحمل؛ لأنّه يجري فيه الإرث، فيجري فيه الوصيّة أيضاً؛ لأنّها أخته. ينظر:«التبيين» (6: 186).

(3)

ينظر: «النكت» (2: 684)، وغيرها.

ص: 193

ولا من صبيٍّ، ومكاتبٍ وإن تركَ وفاءً وقدَّمَ الدَّين عليها. وتقبلُ بعد موتِه، وبطلَ قبولُها وردُّها في حياتِه، وبه تملكُ إلاَّ إذا ماتَ موصيهِ ثمَّ هو بلا قبولٍ فهو لورثتِه، وله أن يرجعَ عنها بقولٍ صريح، أو فعلٍ يقطعُ حقَّ المالكِ عمَّا غَصَبَ كما مرَّ، أو يزيدُ في الموصى به ما يمنعُ تسليمَهُ إلا به: كلتِّ السَّويقِ بسمن، والبناء في دارٍ أوصى بها، وتصرُّفِ يزيلُ ملكَه: كالبيعِ والهبة، لا بغسلِ ثوبٍ أوصى به، ولا بجحودها

(ولا من صبيٍّ)، هذا عندنا، وعند الشَّافعيِّ

(1)

رضي الله عنه تجوز، (ومكاتبٍ

(2)

وإن تركَ وفاءً وقدَّمَ الدَّين عليها.

وتقبلُ

(3)

بعد موتِه، وبطلَ قبولُها وردُّها في حياتِه، وبه): أي بالقبولِ (بعد الموت)

(4)

، (تملكُ إلاَّ إذا ماتَ موصيهِ ثمَّ هو): أي الموصى له، (بلا قبولٍ فهو لورثتِه): أي لورثةِ الموصى له.

(وله أن يرجعَ عنها بقولٍ صريح، أو فعلٍ يقطعُ حقَّ المالكِ عمَّا غَصَبَ كما مرَّ)، قد مرَّ في «كتابِ الغصب»

(5)

قولُه: فإن غصبَ وغيَّر، فَزَالَ اسمُهُ وأعظمُ منافعِهِ ضمنَهُ وملكَهُ فهذا التَّغييرُ رجوعٌ عن الوصيَّة، (أو يزيدُ في الموصى به ما يمنعُ تسليمَهُ إلا به: كلتِّ السَّويقِ بسمن، (والبناء في دارٍ أوصى بها)

(6)

، وتصرُّفِ يزيلُ ملكَه: كالبيعِ والهبة، لا بغسلِ ثوبٍ أوصى به، ولا بجحودها)، خلافاً لأبي يوسفَ رضي الله عنه، فإنَّ الجحودَ رجوعٌ عنده

(7)

.

(1)

ينظر: «النكت» (2: 683)، وغيرها.

(2)

أي لا تصحّ وصيّة المكاتب، وإن تركَ وفاء؛ لأنّ مالَه لا يقبل التبرّع، والوصيّة تبرُّع. ينظر:«الهداية» (4: 234).

(3)

أي قبول الوصية لا يعتبر إلا بعد موت الموضي؛ لأن أوان ثبوت حكمها بعد الموت. ينظر: «درر الحكام» (2: 430).

(4)

زيادة من ب.

(5)

3: 47).

(6)

زيادة من أ و ب و م.

(7)

لأنَّ الرجوعَ نفي في الحال، والجحود نفي في الماضي والحال، فأولى أن يكونَ رجوعاً، ولمحمّد رضي الله عنه أنّ الرجوعَ إثباتُ في الماضي ونفي في الحال، والجحودُ نفيٌ في الماضي والحال، فلا يكون رجوعاً؛ ولهذا لا يكون جحود النكاح فرقة. ينظر:«الهداية» (4: 236).

ص: 194

وتبطلُ هبةُ المريضِ ووصيَّتُهُ لمَن نكحَها بعدها، كإقرارِهِ ووصيَّتِهِ وهبتِهِ لابنهِ كافراً أو عبداً إن أسلمَ أو أعتقَ بعد ذلك، وصحَّ هبةُ مُقْعد، ومَفْلوج، وأشلّ، ومسلولٍ من كلِّ ماله إن طالَ مدَّتُه ولم يخفْ موتُه، وإلا فمن ثُلُثِه. وإن اجتمعَ الوصايا قدِّمَ الفرضَ وإن أخّر، وإن تساوتْ قوَّة قدِّمَ ما قدَّم

(وتبطلُ هبةُ المريضِ ووصيَّتُهُ لمَن نكحَها بعدها): أي وهبَ المريضُ لامرأةٍ شيئاً، أو أوصى لها بشيء، ثمَّ تزوَّجها ثمَّ مات، تبطلُ الهبةُ والوصيَّة؛ لأنَّ الوصيَّةَ إيجابٌ بعد الموت، وعند الموتِ هي وارثةٌ له، وأمَّا الهبةُ فهي وإن كانت منجزةً فهي كالمضافةِ إلى الموت؛ لأنَّ حكمَها يتقرَّرُ عند الموت، ألا ترى أنَّها تبطلُ بالدَّينِ المستغرق، وعند عدمِ الدَّينِ يعتبرُ من الثُّلثِ بخلافِ الإقرار، فإنَّه إن أقرَّ لها ثمَّ تزوَّجَها، حيث يصحُّ؛ لأنَّها عند الإقرارِ أجنبيَّة.

(كإقرارِهِ ووصيَّتِهِ وهبتِهِ لابنهِ كافراً أو عبداً إن أسلمَ أو أعتقَ بعد ذلك): أي إن أقرَّ المريضُ، أو أوصى، أو وهبَ لابنهِ الكافرِ ثمَّ أسلمَ الابنُ قبلَ موتِ الأبِ بطلَ ذلك كلُّه

(1)

، أمَّا الإقرارُ؛ فلأنَّ البنوَّةَ قائمةٌ وقتَ الأقرار، فاعتبرَ في الإيراثِ تهمةُ الإيثار، وأمَّا الهبةُ والوصيَّةُ فلما مرّ، فكذا إن كان الابنُ عبداً أو مكاتباً فعتقَ لمَا بيَّنا.

(وصحَّ

(2)

هبةُ مُقْعد، ومَفْلوج، وأشلّ، ومسلولٍ

(3)

من كلِّ ماله إن طالَ مدَّتُه ولم يخفْ موتُه، وإلا فمن ثُلُثِه.

وإن اجتمعَ الوصايا قدِّمَ الفرضَ وإن أخّر، وإن تساوتْ قوَّة قدِّمَ ما قدَّم): أي إن اجتمعَ الوصايا، وضاقَ عنها ثُلُثُ المال، فإن كان بعضُها فرضاً وبعضُها نفلاً، قدِّمَ الفرض، وإن كان كلُّها فرائض، أو كلُّها نوافلَ

(4)

قُدِّمَ ما قَدَّم الموصي.

(1)

زيادة من ب.

(2)

صح: زيادة من أ و ب و م.

(3)

مَسْلُول: وهو الذي به مرض السِل، وهو قرحة تحدث في الرئة: إما تعقب ذات الرئة ـ أي التهاب يصيب فصاً أو فصوصاً في الرئة ـ أو ذات الجَنْب: أي التهاب في الغشاء المحيط بالرئة ـ أو زكام ونزازل، أو سعال طويل ويلزمها حمّى هاوية. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 428 - 429)، و «المعجم الوسيط» (307 - 308).

(4)

كالحجّ التطوع، والصدقة على الفقراء، أو كلّها واجب كالكفارات والنذور وصدقةِ الفطر. ينظر:«ذخيرة العقبى» (ص 617).

ص: 195

فإن أوصى بحجٍّ حُجَّ عنه راكباً من بلدِه إن بلغَ نفقتُهُ ذلك، وإلاَّ فمن حيث تبلغ، فإن ماتَ حاجٌّ في طريقِه، وأوصى بالحجِّ عنه يحجُّ عنه من بلدِه.

‌باب الوصية بالثلث

في وصيتِه بثُلُث مالِه لزيدٍ ومثلِهِ لآخر، ولم يجيزوا، بنصفِ ثُلُثٍ بينهما، وبثُلُث له وسدسٍ لآخر، بثُلُثٍ، وبثُلُثِهِ لبَكْرٍ وكُلِّه لآخر ينصَّف، وقالا: يربَّع، ولا يُضْرَبُ الموصى له بأكثرَ من الثُلُث عند أبي حنيفة رضي الله عنه

(فإن أوصى بحجٍّ حُجَّ عنه راكباً من بلدِه إن بلغَ نفقتُهُ ذلك، وإلاَّ فمن حيث تبلغ، فإن ماتَ حاجٌّ في طريقِه، وأوصى بالحجِّ عنه يحجُّ عنه

(1)

من بلدِه): (أي يحجُّ من بلدِهِ)

(2)

عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه إن بلغَ نفقتُهُ ذلك، وإلا فمن حيثُ تبلغُ، وعندهما يحجُّ من حيثُ مات، وإن لم تبلغِ النَّفقةُ ذلك، فمن حيثُ تبلغ.

باب الوصية بالثلث

(في وصيتِه بثُلُث مالِه لزيدٍ ومثلِهِ لآخر، ولم يجيزوا، بنصفِ ثُلُثٍ بينهما، وبثُلُث له وسدسٍ لآخر، بثُلُثٍ، وبثُلُثِهِ لبَكْرٍ وكُلِّه لآخر ينصَّف، وقالا: يربَّع)، قال أبو حنيفة رضي الله عنه: الوصيةُ بأكثرَ من الثُلُث إذا لم يجز الورثة قد وَقَعَ باطلاً، فكأنَّه أوصى بالثُلُث لكلِّ واحد، فينصَّفُ الثُلُثُ بينهما، وقالا: إنِّما يبطلُ الزائد على الثُلُث، بمعنى أنَّ الموصى له لا يستحقُّهُ حقَّاً للورثة، لكن يعتبرُ في أنَّ الموصى له يأخذُ من الثُلُث بحصَّةِ ذلك الزَّائد، إذ لا موجبَ لإبطال هذا المعنى، فخرج الثُلُث ثلاثة، فالثُلُثُ واحد، والكلُّ ثلاثةٌ صارت أربعة، فيقسمُ الثُلُثُ بهذا السِّهام، فهذا مبني على أصلٍ مختلفٍ بَيْنَهُم، وهو قوله:

(ولا يُضْرَبُ الموصى له بأكثرَ من الثُلُث عند أبي حنيفة رضي الله عنه)، المرادُ بالضَّرْبِ الضَّربُ المصطلحُ بين الحُسَّاب، فإنَّه إذا أَوْصَى بالثُلُث والكلِّ، فعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه سهامُ الوصيةِ اثنان، لكلِّ واحدٍ نصف، يَضْرِبُ النَّصفَ في ثُلُثِ المال، فالنَّصفُ في الثُلُث يكونُ نصفَ الثُلُث، وهو السُّدس، فلكلٍّ سدسُ المال، وعندهما: سهامُ الوصيةِ أربعة: لصاحبِ الثُّلُث واحد، والواحدُ من الأربعة ربع، فيضربُ الرُّبعَ في ثُلُثِ المال،

(1)

زيادة من ق.

(2)

زيادة من أ و ب و م.

ص: 196

إلاَّ في المحاباةِ والسِّعاية والدَّراهم المرسلة

فالرُّبْعُ في الثُّلُثِ يكونَ ربعَ الثُّلُث، ثم لصاحبِ الكلِّ ثلاثةٌ من الأربعة، وهي ثلاثةُ أرباع، فيضربُ ثلاثة الأرباعِ في الثُّلُث: يعني ثلاثةَ أرباع الثُّلُث، ولصاحبِ الثُّلُثِ واحدٌ من الأربعة، فيضربُ الواحدَ في الثُّلُث، وهو الرُّبُع، يعني رُبْعَ الثُّلُث، هذا معنى الضَّرْب، وقد تحيَّرَ فيه كثيرٌ من العلماء.

(إلاَّ في المحاباةِ والسِّعاية والدَّراهم المرسلة)، صورةُ المحاباةِ: أن يكونَ للرَّجلٍ عبدانِ قيمةُ أحدِهما ثلاثون، والآخرُ سِتُّون، فأوصى بأن يباعَ الأوَّل من زيدٍ بعشرة، والآخر من عمروٍ بعشرين، ولا مالَ له سواهما، فالوصيةُ في حقِّ زيدٍ بعشرين، وفي حقٍّ عمروٍ بأربعين، يقسمُ الثُلُث بينهما أثلاثاً فيباعُ الأوَّلُ من زيدٍ بعشرين، والعشرةُ وصيةٌ له، ويباعُ الثَّاني من عمرو بأربعين، والعشرونَ وصيةٌ له، فأخذَ عمروٌ من الثُّلُثِ بقدرِ وصيته، وإن كانت زائدةً على الثُّلُث.

وصورةُ السِّعاية: أعتقَ عبدينِ قيمتُهما ما ذُكِر، ولا مالَ له سواهما، فالوصيةُ للأوَّلِ بثُلُثِ المال، وللثَّاني بثُلُثي المال، فسهامُ الوصيةِ بينهما أثلاثٌ، واحدٌ للأوَّل، واثنانِ للثَّاني، فيقسمُ الثُّلُث بينهما كذلك، فيعتقُ من الأَوَّلُ ثلاثة، وهو عشرة، ويسعى في عشرين، ويعتقُ من الثَّاني ثُلُثَه، وهو عشرون، ويسعى في أربعين، فيضربُ كلٌّ بقدرِ وصيَّته وإن كانَ زائداً على الثُّلُث.

وصورةُ الدراهمِ المرسلة: أوصى لزيدٍ بثلاثين درهماً، وللآخر بستِّين درهماً ومالُهُ تسعون درهماً، فيضرب كلٌّ بقدرِ وصيتِه، فيضربُ الأَوَّلُ الثُّلُثَ في ثُلُثِ المال، والثَّاني الثُّلُثين في ثُلُث المال.

والمرادُ بالمرسلةِ المطلقة: أي غيرِ مقيَّدة بأنَّها ثُلُث، أو نصف، أو نحوهما. وإنِّما فَرَّقَ أبو حنيفةَ رضي الله عنه بين هذه الصُّور الثَّلاث وبين غيرها؛ لأنَّ الوصيةَ إذا كانت مقدرةً بما زادَ على الثُّلُث صريحاً: كالنِّصف، والثُّلُثين، وغيرهما، والشَّرْعُ أبطلَ الوصيةَ في الزَّائد، يكون ذِكْرُهُ لغواً، فلا يعتبرُ في حقِّ الضَّربِ بخلافِ ما إذا لم يكنْ مقدرةً بأنَّه أي شيءٍ من المال كما في الصُّور الثَّلاث، فإنَّه ليس في العبارةِ ما يكونُ مبطلاً للوصية، كما إذا أوصى بخمسين درهماً، واتَّفقَ أن

(1)

مالَه مئةُ درهم، فإنَّ الوصيةَ غيرُ باطلةٍ بالكليّة؛

(1)

زيادة من ب و ص.

ص: 197

وبمثلِ نصيبِ ابنِهِ صحَّتْ وبنصيبِ ابنِهِ لا، وله ثُلُثٌ إن أوصى مع ابنين. وبجزءٍ من مالِهِ يُبيِّنُهُ الورثة، وبسهمِ السُّدُس في عُرْفِهم، وهو كالجزءِ في عُرْفِنا، فإن قال: سدسُ مالي له، ثُمَّ قال: ثُلُثُهُ له، وأجازوا، له ثُلُث

لإمكانِ أن يَظْهَرَ له مالٌ فوقَ المئة، وإذا لم تكنْ باطلةً بالكليّة، يكونُ معتبرةً في حقِّ الضَّرْب، وهذا فرقٌ دقيقٌ شريف.

(وبمثلِ نصيبِ ابنِهِ صحَّتْ

(1)

وبنصيبِ ابنِهِ لا)؛ لأنَّ الوصيةَ بما هو حقُّ الابنِ لا تصحُّ لغيرِه، وفيه خلافُ زُفَرَ رضي الله عنه، (وله ثُلُثٌ

(2)

إن أوصى مع ابنين.

وبجزءٍ

(3)

من مالِهِ يُبيِّنُهُ الورثة): أي يقالُ للورثةِ أعطوهُ ما شئتم؛ لأنَّه مجهول، والجهالةُ لا تمنعُ صحَّة الوصية، فالبيانُ إلى الورثة.

(وبسهمِ السُّدُس في عُرْفِهم، وهو كالجزءِ في عُرْفِنا)، فالسُّدُس قولُ أبي حنيفة رضي الله عنه بناءً على عُرْفِ بعضِ النَّاس، وقالا: له مثلُ نصيبِ أحدِ الورثة، ولا يزادُ على الثُّلُث إلاَّ أن يجيزَ الورثة.

(فإن قال: سدسُ مالي له، ثُمَّ قال: ثُلُثُهُ له، وأجازوا، له ثُلُث): أي يكون السُّدُسُ داخلاً في الثُّلُث، فإن قلتَ: قولُهُ: ثُلُثُ مالي له؛ إن كان إخباراً فكاذب، وان كان إنشاءً يجبُ أن يكونَ له النِّصْفُ عند إجازة الورثة، وإن كان في السُّدسِ إخبارٌ، وفي السُّدُسِ إنشاء، فهذا ممتنعٌ أيضاً.

قلتُ: (لا جواب لهذا السُّؤال)

(4)

.

(1)

إذ لا مانع منه؛ لأن مثل الشيء غيره سواء كان له ابن موجود أو لا. ينظر: «مجمع الأنهر» (2: 698).

(2)

أي إن أوصى مع ابنين بمثل نصيب ابنه، فللموصى له الثلث، والقياسُ أن يكونَ النصفُ عند إجازةِ الورثة؛ لأنّه أوصى له بمثل نصيب ابنه، ونصيبُ كلِّ واحدٍ منهما النصف، ووجه الثلث أنّ قصده أن يجعلَه مثل ابنه، ونصيبه مثل نصيبِ ابنه، لا أن يجعلَ نصيبه زائداً على نصيب ابنه، وذلك بأن يجعلَ الموصى له كأحدهم. ينظر:«التبيين» (6: 188 - 189).

(3)

أي ولو أوصى بجزءٍ من ماله، يقال للورثة: أعطوه ما شئتم؛ لأنّ الجزءَ مجهول، يتناولُ القليلَ والكثير، غير أنَّ الجهالةَ لا تمنعُ صحَّة الوصيّة؛ لأنَّ باب الوصيّة أوسع، والورثةُ قائمون مقامَ الموصي، فإليهم البيان. ينظر:«حسن الدراية» (4: 198).

(4)

أجاب عنه ملا خسرو في «الدرر» (2: 434): أقول: وبالله التوفيق نختار أنه إنشاء، وإنما يجب له النصف عند الإجازة لو كان النصف مدلول اللفظ، وليس كذلك فإن السدس والثلث في كلامه شائع، وضم الشائع إلى الشائع لا يفيد ازدياداً في المقدار، بل يتعيَّن الأكثرُ مقدماً كان أو مؤخراً؛ ولهذا قال الجمهور في تعليله: لأن الثلث متضمنٌ للسدس، فإن التضمُّنَ لا يتصوَّرُ إلاَّ في الشائع وضمُّ السدس الشائع إلى الثلث الشائع لا يفيد زيادة في العدد، فلا يتناول أكثر من الثلث وفائدة الإجازة إنَّما تظهر فيما يكون متناول اللفظ وإلا لكان براً مستأنفاً لا إجازة، ويقرب من هذا قول أهل المعقول: إن ضم الكلي إلى الكلي لا يفيد الجزئية.

ص: 198

‌فصل

وفي سدسِ مالي مكرراً، له سُدس، وبثُلُثِ دراهمِه، أو غنمِه، أو ثيابِه متفاوتة، أو عبيده إن هلَكَ ثُلُثاهُ فله ما بقي في الأوَّلين، وثُلُث الباقي في الآخرين، وبألفٍ وله عينٌ ودين، هو عينٌ إن خَرَجَ من ثُلُثِ العين، وإلاَّ ثُلُث العين، وثُلُثِ ما يؤخذُ من الدَّين.

‌فصل

(1)

(وفي سدسِ مالي مكرراً، له سُدس)؛ لأنَّ المعرفةَ إذا أعيدت معرفةً كان الثَّاني عينَ الأَوَّل.

(وبثُلُثِ دراهمِه، أو غنمِه، أو ثيابِه متفاوتة، أو عبيده إن هلَكَ ثُلُثاهُ فله ما بقي في الأوَّلين، وثُلُث الباقي في الآخرين)، هذا عندنا وعند زُفرَ رضي الله عنه ثُلُثُ الباقي في كلِّ الصُّور؛ لأنَّ حقَّ الموصى له شائعٌ في الجميع، فإذا هَلَكَ ثُلُثُ المالِ هَلَكَ ثُلُثا حقِّ الموصى له. لنا: أنّ حقَّ الموصى له مقدَّمٌ على حقِّ الورثة، فكلُّ ما يجري فيه الجبرُ على القسمة، ويمكنُ جَمْعُ حقِّ أحدِ المستحقِّين

(2)

في الواحد: كالدَّراهم والغنم، يجمعُ حقُّ الموصى له فيه مقدَّماً

(3)

، فيجمعُ في الباقي بخلافِ ما ليس كذلك: كالثِّياب المتفاوتة والعبيد.

(وبألفٍ وله عينٌ ودين، هو عينٌ إن خَرَجَ من ثُلُثِ العين، وإلاَّ ثُلُث العين، وثُلُثِ ما يؤخذُ من الدَّين.

(1)

زيادة من ج.

(2)

أي يمكن جمعُ حقٍّ شائعٍ لكلٍّ واحدٍ في فرد. ينظر: «حسن الدراية» (4: 199).

(3)

أي إذا أمكن جمع حق الموصى له فيما بقي تقديماً للوصية على لإرث؛ لأن الموصي جعل حاجته في هذا المعيّن مقدّمة على حقّ ورثته قدر الموصى به، فكان حقّ الورثة كالتبع، وحقّ الموصى له كالأصل، والأصل في مال اشتمل على أصل وتبع إذا هلك شيء منه أن يجعل الهالك من التبع، كما في مال الزكاة حيث يصرف الهالك إلى العفو أولاً ثم إلى نصاب يليه ثم وثم. ينظر:«درر الحكام» (2: 435).

ص: 199

وبثُلُثٍ لزيدٍ وعمرو، وعمروٌ ميْتٌ كلُّه لزيد، فإن قال: بينهما، فنصفُهُ له، وبثلثٍ، وهو فقيرٌ، له ثُلُثُ مالهِ عند موتِه، وبثُلُثِ غَنَمِه، ولا غَنَمَ له، أو هَلَكَ قبل موتِه، بطلت، وبشاةٍ من مالي، أو غنمي، ولا شاةَ له قيمتُها في مالي، وبطلت في غنمي

وبثُلُثٍ لزيدٍ وعمرو، وعمروٌ ميْتٌ كلُّه لزيد)؛ لأنَّ الميْتَ لا يزاحمُ الحيَّ كما لو قال: لزيد وجدار، وعن أبي يوسف رضي الله عنه أنَّه إن لم يعلمْ بموتِه، فله نصفُ الثُّلُث؛ لأنَّ الوصيةَ عنده صحيحةٌ لعمرو، فلم يرضَ للحيِّ إلاَّ بنصفِ الثُلُث بخلاف ما إذا عَلِمَ بموتِه؛ لأنَّ الوصيةَ للميِّتِ لغوٌ، فيكونُ راضياً بتمامِ الثُّلُث لزيد، (فإن قال: بينهما، فنصفُهُ له): أي إن قال: ثُلُثُ مالي بين زيدٍ وعمرو، وهو ميتٌ، فلزيدٍ نصفُ الثُّلُث؛ لأنَّه صريحٌ في أن لزيدٍ نصفَ الثُّلُث.

(وبثلثٍ، وهو فقيرٌ، له ثُلُثُ مالهِ عند موتِه): أي قال: ثُلُثُ مالي، ولا مال للموصى، فاكتسب مالاً، فللموصى له ثُلُثُ مالِ الموصي عند موتِه.

(وبثُلُثِ غَنَمِه، ولا غَنَمَ له، أو هَلَكَ قبل موتِه، بطلت): قوله: ولا غَنَمَ له، معناه: أنَّه لا غنم له عند الوصية، ولم يستفدْ غنماً، حتَّى إن استفادَ غَنَمَاً، فالصَّحيحُ أن الوصيةَ تصح

(1)

.

(وبشاةٍ من مالي، أو غنمي، ولا شاةَ له قيمتُها في مالي، وبطلت في غنمي)، فإنَّهُ إذا قال: له شاةٌ من مالي، ولا شاة له، عُلِمَ أنَّ المرادَ ماليةُ الشَّاة، وإذا قال: له شاة من غنمي، ولا غنمَ له، يرادُ به

(2)

عينُ الشاة، وليست موجودة، فيبطل الوصية.

واعلم أنَّه قال في «الهداية» : ولا غَنَمَ له

(3)

. وقال في «المتن» : ولا شاةَ له. وبينهما فرق؛ لأنَّ الشاةَ فردٌ من الغَنَم، فإذا لم يكنْ له شاةٌ لا يكونُ له غنم، لكن إذا لم يكن له غنمٌ لا يلزمُ أن لا يكون له شاة؛ لاحتمال أن يكونَ له واحدٌ لا كثير، فعبارةُ «الهداية» تناولت صورتينِ ما إذا لم يكنْ له شاةٌ أصلاً، وما يكونُ له شاة، لكن لا غنمَ له، ففي الصُّورتين تبطلُ الوصية، وعبارةُ «المتن» لم تتناول إلاَّ الصَّورة الأولى، ولم يعلم منها الحكمُ في الصُّورة الثَّانية، فعبارةُ «الهداية» أشمل، لكنّ هذه أحوط.

(1)

لأنّها لو كانت بلفظِ المال تصحّ كما مرّ آنفاً، فكذا تصحُّ إذا كانت باسم نوعه، وهذا لأنَّ وجودَ ما أوصى به قبل الموتَ فضل، والمعتبرُ قيامه عند الموت. ينظر:«الهداية» (4: 239).

(2)

زيادة من ص.

(3)

انتهى من «الهداية» (4: 239).

ص: 200

وبثلثِ مالِه لأمَّهاتِ أولادِه، وهنَّ ثلاثٌ، وللفقراء والمساكين لهنَّ ثلاثةُ أخماس، وبثُلُثٍ له، وللفقراء نصفٌ، له ونصف لهم، وبمئةٍ لزيد، ومئة لعمرو، أو بها لزيدٍ وخمسين لعمرو إن أشركَ آخر معهما، فلُهُ ثُلُثُ ما لكلٍّ في الأَوَّل، ونصفُهُ في الثَّاني، وفى له عليَّ دينٌ فصدَّقُوه صُدِّقَ إلى الثُّلُث، فإن أوصى مع ذلك عُزِلَ ثُلُثٌ لها، وثُلُثاه للورثة، وقيل لكلٍّ: صدَّقوه فيما

(وبثلثِ مالِه لأمَّهاتِ أولادِه، وهنَّ ثلاثٌ، وللفقراء والمساكين لهنَّ ثلاثةُ أخماس)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأبي يوسفَ رضي الله عنه، وعند محمّدٍ رضي الله عنه يقسمُ الثُلُثُ على سبعةِ أسهم، فلأمَّهات الأولادِ ثلاثةٌ منها؛ لأنَّ المذكورَ في الفقراءِ والمساكين لفظُ الجَمْع، وأقلُّهُ في الميراث اثنان، والوصيةُ أختُ الميراث، لهما: أنّ الجمعَ المُحَلَّى باللام يرادُ به الجنس، وتبطلُ الجمعيّة: كقوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء}

(1)

، فيرادُ به الواحد، فيقسمُ على خمسة، ولهنَّ ثلاثةٌ منها.

(وبثُلُثٍ له، وللفقراء نصفٌ، له ونصف لهم)

(2)

، هذا عندهما، وعند محمَّد رضي الله عنه يقسَّمُ الثُّلُثُ أثلاثاً.

(وبمئةٍ لزيد، ومئة لعمرو، أو بها لزيدٍ وخمسين لعمرو إن أشركَ آخر معهما، فلُهُ ثُلُثُ ما لكلٍّ في الأَوَّل، ونصفُهُ في الثَّاني)؛ لأنَّ في الصُّورة الأولى نصيبَ زيدٍ وعمرو متساويان، وقد أُشِرَكَ آخر معهما، فهو شريكٌ للاثنين، فله ثُلُثُ ما لكلِّ واحدٍ منهما، ولا يمكن مثل هذا في الصُّورةِ الثَّانية؛ لتفاوتِ نصيبِ زيدٍ وعمرو، فهو شريكٌ لكلِّ واحد، فله نصفُ لكلٍ واحدٍ منهما.

(وفى له عليَّ دينٌ فصدَّقُوه صُدِّقَ إلى الثُّلُث): أي أمر أن يُصدِّقوا الدَّائن في مقدارِ الدَّين، يجبُ عليهم أن يصدِّقوه إلى الثُّلُث، فأصل الحقِّ دين، ومقدارُهُ يَثْبُتُ بطريقِ الوصية، وهذا استحسان، وفي القياس لا يُصَدَّق؛ لأنَّ المدَّعي لا يُصَدِّقُ إلا بحجَّة.

(فإن أوصى مع ذلك عُزِلَ ثُلُثٌ لها، وثُلُثاه للورثة، وقيل لكلٍّ: صدَّقوه فيما

(1)

من سورة الأحزاب، الآية (52).

(2)

يعني بين زيد مثلاً والمساكين، ويجوز صرف ما للمساكين لواحد منهم، وعند محمد يقسم الثلث أثلاثاً يعني لزيد ثلثه وثلثاه للمساكين، ولا يجوز صرف ما للمساكين لأقل من اثنين عنده. ينظر:«الشرنبلالية» (4: 436).

ص: 201

شئتم، ويؤخذُ ذو الثُّلُثِ بثُلُثِ ما أقرَّوا به، وما بقيَ فلهم، والورثةُ بثُلُثي ما أقرُّوا به، ويَحْلِفُ كلٌّ على العلمِ بدعوى الزِّيادة، وبعينٍ لوارث وأجنبيٍّ، له نصف، وخابَ الوارث، وبثلاثةِ أثوابٍ متفاوتةٍ لكلٍّ لرجلٍ إن ضاعَ ثوب ولم يدر أي هو، والورثةُ تقول: لكلٍّ تَوَى حقَّك بطلت، لكن إن سلَّموا ما بقي أخذ ذو الجيد ثُلُثي الأعز، وذو الرَّدئ ثُلُثي الأخس، وذو المتوسِّط ثُلُثَ كلٍّ

شئتم، ويؤخذُ ذو الثُّلُثِ بثُلُثِ ما أقرَّوا به، وما بقيَ فلهم، والورثةُ بثُلُثي ما أقرُّوا به، ويَحْلِفُ كلٌّ على العلمِ بدعوى الزِّيادة): أي أوصى مع ذلك الدَّين الذي أمر بتصديقِ مقدارِه بثُلُثِ مالِهِ لقومٍ، يُعْزَلُ ثُلُثُ المالِ للوصية والثُلُثان للورثة، وقيل للموصَى لهم: صدِّقوه فيما شئتم، فإذا أقرُّوا بمقدارٍ فثُلُثُ ذلك المقدارِ يكون في حقِّهم، وهو ثُلُثُ المال، وما بقي من الثُّلُثِ فللموصَى لهم، ويقال للورثة: صدِّقوه فيما شئتم، فإذا أقرُّوا بشيء، فثُلُثا ذلك الشَّيء يكون في حقِّهم، وهو ثُلُثا المال، والباقي للورثة، وحَلَف كلُّ واحدٍ من الموصَى له والورثة على العلم

(1)

بدعوى الزِّيادة.

(وبعينٍ لوارث وأجنبيٍّ، له نصف، وخابَ الوارث)

(2)

، وإنِّما يكونُ للأجنبي النِّصف؛ لأنَّ الوارثَ أهلُ الوصيّةِ بخلافِ ما إذا أوصى به للحيِّ والميِّت، فإنَّ الميِّت ليس بأهل.

(وبثلاثةِ أثوابٍ متفاوتةٍ لكلٍّ لرجلٍ إن ضاعَ ثوب ولم يدر أي هو، والورثةُ تقول: لكلٍّ تَوَى حقَّك بطلت، لكن إن سلَّموا ما بقي أخذ ذو الجيد ثُلُثي الأعز، وذو الرَّدئ ثُلُثي الأخس، وذو المتوسِّط ثُلُثَ كلٍّ): أي أوصى بثلاثةِ أثوابٍ متفاوتة: جيد، ومتوسِّط، وردئ، وقال: الجيدُ لزيد، والمتوسِّطُ لعمرو، والرَّدئُ لبكر، فَهَلَكَ واحدٌ ولا يدرى أيٌّ هو، والورثة تقولُ: لكلِّ واحدٍ هَلَكَ حقُّك، فالوصيةُ باطلة، لكنَّ الورثةَ إن تسامحوا وسلَّموا الثَّوبينِ الباقين إلى زيدٍ وعمروٍ وبكر، أخذَ زيدٌ ثُلُثي الأجود من الثَّوبين، وأخذَ بكرٌ ثُلُثي الرَّدئ، وعمرو ثُلُثَ كُلِّ واحد.

(1)

أي بأنّهم لا يعلمونَ أنّه أكثرُ من ذلك؛ لأنّه تحليفٌ على فعل الغير: أي على ما جرى بين المدَّعي والميِّت، لا على فعل نفسه، فلا يحلف على البتات. ينظر:«رد المحتار» (6: 676).

(2)

أي إن أوصى بشيءٍ معيَّن لوارث وأجنبي، فللأجنبيِّ نصفُ ذلك الشيء، وخاب الوارث: أي قطعَ الرجاءَ من الوصيّة؛ لبطلانِها في حقِّه، وإنّما يكون النصفُ للأجنبي؛ لأنَّ الوارثَ أهلُ الوصيّة: أي يصلحُ أن يكون مالكاً. ينظر: «حسن الدراية» (4: 202)

ص: 202

وببيتِ معيَّنٍ من دارٍ مشتركة، قُسِمَتْ فإن أصابَ الموصي، فهو للموصى له، وإلاَّ فله قَدْرُه، وبألفٍ عُيِّنَ من مالِ غير له الإجازة بعد موت الموصي، والمنع بعدها، فإن أقرَّ أحدُ الابنين بعد القسمةِ بوصيّةِ أبيه بالثُّلُث دَفَعَ ثُلُثَ نصيبِه، فإن وَلَدَتِ الموصى بها بعد موتِه فهما له، إن خرجا من الثُّلُثِ وإلاَّ أخذَ الثُّلُثَ منها، ثُمَّ منه

(وببيتِ معيَّنٍ من دارٍ مشتركة، قُسِمَتْ فإن أصابَ الموصي، فهو للموصى له، وإلاَّ فله قَدْرُه)، أوصى زيدٌ لعمروٍ ببيتٍ معيَّنٍ من دارٍ مشتركةٍ بين زيدٍ وبكر، يجبُ أن تقسم الدَّار، فإن وقعَ البيتُ في نصيبِ زيد، فهو للموصى له، وإن وقعَ في نصيبِ الشَّريك فللموصى له مثلُ ذراعِ ذلك البيتِ من نصيبِ الموصي، وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأبي يوسفَ رضي الله عنه، وعند محمَّد رضي الله عنه له

(1)

مثلُ ذراعِ نصفِ ذلك البيت، (كما في الإقرار): أي إن كان مكان الوصية إقرارٌ، فالحكمُ كذلك، قيل: بالإجماع، وقيل: فيه خلاف محمَّد رضي الله عنه.

(وبألفٍ عُيِّنَ من مالِ غير له الإجازة بعد موت الموصي، والمنع بعدها): أي بعد الإجازة، فإنَّه إن أجاز، فإجازتُهُ تبرُّع، فله أن يمتنعَ من التَّسليم.

(فإن أقرَّ أحدُ الابنين بعد القسمةِ بوصيّةِ أبيه بالثُّلُث دَفَعَ ثُلُثَ نصيبِه)، هذا عندنا، والقياسُ أن يعطيه نصفَ ما في يدِه، وهو قولُ زُفَرَ رضي الله عنه؛ لأن إقرارَهُ بالثُّلُثِ يوجبُ مساواتَهُ إيَّاه، وجه الاستحسان: أنّه أقرَّ بثُلُثٍ شائع، فيكونُ مقرِّاً بثُلُثِ ما في يدِه.

(فإن وَلَدَتِ الموصى بها بعد موتِه فهما له): أي الأمةُ الموصى بها وولدها، (إن خرجا من الثُّلُثِ وإلاَّ أخذَ الثُّلُثَ منها، ثُمَّ منه)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه؛ لأنَّ التَّبَعَ لا يزاحمُ الأصل، وعندهما: يأخذُ من كلِّ واحدٍ بالحصَّة، فإذا كان له ستمئةٍ درهم، وأمةٌ تساوي ثلثمئة، فولدت ولداً يساوي ثلثمئةٍ درهم بعد موتِ الموصى حتَّى صارَ مالُهُ ألفاً ومئتين، فثُلُثُ المال أربعُمئة، فعند أبي حنيفةَ رضي الله عنه للموصى له الأمّ، وثُلُثُ الولد، وعندهما ثُلُثا كلٍّ منهما.

(1)

زيادة من ب.

ص: 203

‌باب العتق في المرض

العبرةُ لحالِ العقدِ في التَّصرُّفِ المنجز، فإن كان في الصِّحَّةِ فمن كلٍّ ماله، وإلاَّ فمِن ثُلُثِه، والمضافُ إلى موتِه من الثُلُث وإن كان في الصِّحَّة، ومرضٌ صحَّ منه كالصِّحَّة. وإعتاقُهُ ومحاباتُه وهبتُه وضمانُه وصيَّة، فإن حابى فأعتق، فهي أحقّ، وهما في عكسِه سواء

باب العتق في المرض

(العبرةُ لحالِ العقدِ في التَّصرُّفِ المنجز، فإن كان في الصِّحَّةِ فمن كلٍّ ماله، وإلاَّ فمِن ثُلُثِه، والمضافُ إلى موتِه من الثُلُث وإن كان في الصِّحَّة)، التَّصرُّفُ المنجزُ: هو الذي أوجب حكمَهُ في الحال، والمضافُ إلى الموت: ما أوجبَ حكمَهُ بعد موتِه: كأنت حرٌ بعد موتي، أو هذا لزيدٍ بعد موتي، ففي المنجزِ يعتبرُ حالةُ التَّصرُّف، فإن كان صحيحاً في تلك الحالِ ينفذُ من الثُّلُث، فالمرادُ التَّصرُّفُ الذي هو إنشاءٌ ويكونُ فيه معنى التَّبرُّع، حتَّى أن الإقرارَ بالدَّين في المرضِ ينفذُ من كلِّ المال، والنِّكاحُ في المرضِ بمهرِ المثلِ ينفذُ من كلِّ المال، وأمَّا المضافُ إلى الموت، فيعتبرُ من الثُّلُثِ سواءٌ في زمنِ الصِّحَّةِ أو زمنِ من المرض.

(ومرضٌ صحَّ منه كالصِّحَّة.

وإعتاقُهُ ومحاباتُه وهبتُه

(1)

وضمانُه

(2)

وصيَّة، فإن حابى فأعتق، فهي أحقّ، وهما في عكسِه سواء)، صورةُ المحاباة، ثُمَّ الإعتاق: باعَ عبداً قيمتُهُ مئتانِ بمئة، ثُمَّ أعتقَ عبداً قيمتُهُ مئة، ولا مال له سواهما، يُصْرَفُ الثُّلُثُ إلى المحاباة، ويسعى المعتقُ في

(1)

أي إذا اتّصل بها القبض قبل موته، أمّا إذا مات ولم يقبض فتبطلُ الوصيّة؛ لأنَّ هبةَ المريض هبةٌ حقيقة، وإن كانت وصيّة حكماً. ينظر:«رد المحتار» (6: 680).

(2)

وهو أعمّ من الكفالة؛ فإنّ منه ما لا يكون كفالة، بأن قال أجنبي: خالع امرأتك على ألف على أنّي ضامن، أو قال: بع عبدك هذا على أني ضامن، لكن بخمسمئة من الثمنِ سوى الألف، فإنّ بدلَ الخلع يكون على الأجنبيّ لا على المرأة، والخمسمئة على الضامن لا على المشتري. ينظر:«ردّ المحتار» (6: 680).

ص: 204

وقالا: عتقُهُ أولى فيهما، ففي عتقِهِ بين المحاباتينِ نصفٌ للأولى ونصفٌ للآخرين، وفي محاباةِ بين عتقين، لها نصفُ الثُّلُث، ولهما نصف، والعتقُ أولى عندهما فيهما. ووصيتُهُ بأن يعتقَ عنه بهذه المئةِ عبدٌ لا ينفذ بما بقيَ إن هَلَكَ درهمٌ بخلاف الحجّ، وتبطلُ الوصيَّةُ بعتقِ عبدِه إن جَنَى بعد موتِه، فدفع وإن فدى لا

كلِّ قيمتِه، وصورةِ العكس، أعتقَ العبدَ الذي قيمتُهُ مئة، ثُمَّ باعَ العبدَ

(1)

الذي قيمتُهُ مئتانِ بمئةٍ، يَقْسِمُ الثُّلُث، وهو المئةُ بينهما نصفين، فالعبدُ المعتق يُعْتَقُ نصفُهُ مجاناً، ويسعى في نصفِ قيمتِه، وصاحبُ المحاباة يأخذُ العبدَ الآخر بمئةٍ وخمسين، (وقالا: عتقُهُ أولى فيهما)؛ لأنَّه لا يلحقُهُ الفسخُ. له: أن المحاباة أقوى؛ لأنَّه في ضمنِ عقدِ المعاوضة، لكن إن وُجِدَ العتقُ أوَّلاً، وهو لا يحتملُ الدَّفْع، فيزاحم المحاباة.

(ففي عتقِهِ بين المحاباتينِ نصفٌ للأولى ونصفٌ للآخرين

(2)

، وفي محاباةِ بين عتقين، لها نصفُ الثُّلُث

(3)

، ولهما نصف، والعتقُ أولى عندهما فيهما.

ووصيتُهُ بأن يعتقَ عنه بهذه المئةِ عبدٌ لا ينفذ بما بقيَ إن هَلَكَ درهمٌ بخلاف الحجّ)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما: ينفذُ العتقُ بما بقيَ كما في الحجّ، له: أنّ القربةَ

(4)

تتفاوتُ بتفاوتِ قيمةِ العبدِ بخلافِ الحجّ.

(وتبطلُ الوصيَّةُ بعتقِ عبدِه إن جَنَى بعد موتِه، فدفع، وإن فدى لا)، أوصى بأن يعتقَ الورثةُ عبدَه بعد موتِه، فجنَى العبدُ فدفع، بطلت الوصيَّة؛ لأنَّ الدفعَ قد صحّ، فخرجَ عن ملكِه، فبطلتِ الوصيَّة، أمَّا إن فَدَى الورثةُ كان الفداءُ في مالِهم؛ لأنَّهم التزموه، فجازتِ الوصية؛ لأنُّه طَهُرَ عن الجناية.

(1)

زيادة من أ و م.

(2)

هذا تفريعٌ للمسألة الأولى، صورتُه: إذا حابى ثمّ أعتقَ ثمّ حابى قُسِمَ الثلث بين المحاباتين نصفين لتساويهما في وقوعهما في ضمنِ عقد المعاوضة، ثمّ ما أصابَ المحاباة الأخيرةَ قُسِمَ بينها وبين العتق؛ لأنَّ العتقَ مقدَّمٌ عليها، فيستويان، ولو أعتقَ ثمّ حابى ثمّ أعتقَ قُسِمَ الثلث بين العتق الأوّل والمحاباة، وما أصابَ العتقَ قُسِمَ بينه وبين العتق الثاني، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه والعتقُ أولى عندهما فيهما؛ أي في الصورتين. ينظر:«الهداية» (4: 245 - 246).

(3)

زيادة من أ و م.

(4)

يعني أنّ هذه وصيّةٌ بعتقِ عبدٍ يشترى بمئة؛ لأنّ الموصى صرَّحَ بذلك، فصار الموصى له عبداً قيمتُه مئة لا من قيمته أقلّ منها. ينظر:«ذخيرة العقبى» (620).

ص: 205

فإن أوصى لزيدٍ بثُلُثِ ماله وتَرَكَ عبداً فادَّعى زيدٌ عتقَهُ في صحَّتِه، والوارثُ في مرضِه، صُدِّقَ الوارث، وحُرِمَ زيدٌ إلاَّ أن يفضلَ عن ثُلُثِهِ شيء، أو يُبَرْهِنَ على دعواه، فإن ادَّعى رجلٌ ديناً على ميِّت، وعبدُه إعتاقَه في صحَّتِه، وصدَّقَهما وارثِه، سعى العبدُ في قيمتِه.

‌باب الوصية للأقارب وغيرهم

جارُه: مَن لصقَ به، وصهرُهُ: كلُّ ذي رحمِ محرَّمٍ من عرسِه. وختنُهُ: كُلُّ زوجٍ ذات رحم محرَّم منه.

(فإن أوصى لزيدٍ بثُلُثِ ماله وتَرَكَ عبداً فادَّعى زيدٌ عتقَهُ في صحَّتِه، والوارثُ في مرضِه، صُدِّقَ الوارث، وحُرِمَ زيدٌ إلاَّ أن يفضلَ عن ثُلُثِهِ شيء، أو يُبَرْهِنَ على دعواه)، أوصى لزيد بثُلُثِ مالِه، وأعتق عبداً، فادَّعى زيدٌ أنَّ الميْت قد أعتقَ العبدَ في الصِّحَّة؛ لئلا يكونَ وصيَّة، فتنفذُ وصيتُهُ من ثُلُثِ المال، وقال الوارث: أعتقَهُ في مرضِه، والعتقُ في المرضِ مقدَّمٌ على الوصيَّةِ بثُلُثِ المال، فالقولُ للوارث؛ لأنَّه يُنْكِرُ استحقاقَ زيدٍ فيحرمُ زيدٌ، إلاَّ أن يكون ثُلُث المالِ زائداً على قيمةِ العبد، فتنفذُ الوصيةُ لزيدٍ فيما زادَ الثُّلُثِ على القيمة، أو يُبَرْهِنَ زيدٌ على أنَّ العتقَ كان في الصِّحَّة، فتقبلُ بيِّنتُه؛ لأنَّه خصمٌ في إثباتِ ذلك؛ ليثبتَ له الوصيةُ بالثُّلُث.

(فإن ادَّعى رجلٌ ديناً على ميِّت، وعبدُه إعتاقَه في صحَّتِه، وصدَّقَهما وارثِه، سعى العبدُ في قيمتِه)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وقالا: يعتق، ولا يسعى في شيء؛ لأنَّ الدَّينَ والعتقَ في الصِّحَّةِ ظهرا معاً بتصديقِ الوارثِ في كلامٍ واحد، فصارَ كأنَّهما وقعا معاً، والعتقُ في الصِّحَّةِ لا يوجبُ السِّعاية، له: أنّ الإقرارَ بالدَّين أقوى؛ لأنَّه في المرضِ يعتبرُ من كلِّ المال، والإقرار بالعتقِ في المرضِ يعتبرُ من الثُّلُث، فيجبُ أن يبطلَ العتق، لكنَّهُ لا يحتملُ البطلان، فيبطل معنىً بإيجاب السِّعاية.

باب الوصية للأقارب وغيرهم

(جارُه: مَن لصقَ به)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعندهما: الملاصق وغيره سواء.

(وصهرُهُ: كلُّ ذي رحمِ محرَّمٍ من عرسِه.

وختنُهُ: كُلُّ زوجٍ ذات رحم محرَّم منه.

ص: 206

وأهله: عرسُه، وآله: أهل بيتِه، وأبوه وجدُّه منهم. وأقاربُه وأقرباؤه وذو قرابتِه وأنسابِهِ: مَحْرَماهُ فصاعداً من ذوي رحمِهِ الأقربُ فالأقربُ غيرَ الوالدينِ والولد، فإن كان له عمَّان وخالان، فذا لعميه، وفي عمٍّ وخالين نصفٌ بينه وبينهما، وفي عمٍّ له نصف، والعمُّ والعمَّةُ سواء فيها، وفي ولدِ زيدٍ الذَّكرُ والأنثى سواء

وأهله: عرسُه)، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما: كُلُّ مَن يعولُهُم ويصيبُهم نفقتُه؛ لقوله تعالى: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}

(1)

، له: أنّه حقيقةٌ في الزَّوجة، قال الله تعالى:{وَسَارَ بِأَهْلِه}

(2)

، ويقال: تأهَّل فلان.

(وآله: أهل بيتِه، وأبوه وجدُّه منهم.

وأقاربُه وأقرباؤه وذو قرابتِه وأنسابِهِ: مَحْرَماهُ فصاعداً من ذوي رحمِهِ الأقربُ فالأقربُ غيرَ الوالدينِ والولد)، وإنِّما قال محرماه؛ لأنَّ أقلَّ الجمعِ هنا اثنان، فاعتبر الأقربيَّة، كما في الميراث، وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وقالا: الوصيةُ لكلِّ مَن يُنْسَبُ إلى أقصى أب له أدرك الإسلام، وعند بعض المشايخ رضي الله عنه إلى أقصى أبٍ له أسلَم، ويدخلُ الأبعدُ مع وجود الأقرب، ثم لا يدخلُ قرابة الولادة، وقد قيل: مَن قال للوالد قريباً فهو عاق.

(فإن كان له عمَّان وخالان، فذا لعميه)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: يقسمُ بينهم أرباعاً لعدمِ اعتبار الأقربية.

(وفي عمٍّ وخالين نصفٌ بينه وبينهما)؛ لأنَّ أقلَّ الجمعِ إذا كان اثنين، فللواحدِ النِّصفُ بقي النِّصفُ الآخر، فيكون للخاليين، وعندهما: يقسمُ أثلاثاً بينهم.

(وفي عمٍّ له نصف): أي أوصى للأقارب، وله عمٌّ واحد له النِّصفُ لما ذكرنا آنفاً.

(والعمُّ والعمَّةُ سواء فيها،

(3)

.

وفي ولدِ زيدٍ الذَّكرُ والأنثى سواء

(4)

.

(1)

من سورة يوسف، الآية (93).

(2)

من سورة القصص، الآية (29).

(3)

في ق زيادة: وإن هي لا ترث.

(4)

أي إن أوصى لولدِ زيد، فالوصيةُ بينهم، والذكرُ والأنثى فيه سواء في القسمة والاستحقاق؛ لأنَّ اسمَ الولدِ ينتظمُ الكلَّ انتظاماً واحداً، حتى لو كانوا ذكوراً وإناثاً يقسم بينهم بالسويّة، ولو كان الكلّ إناثاً دخلنَ تحت الوصية؛ لأنَّ الوصيّة حصلت باسمِ الولد، واسمُ الولد يطلق على الإناثِ حالة الانفراد، وكما يطلقُ على الذكور. ينظر:«الكفاية» (9: 406).

ص: 207

وفي ورثتِه ذَكَرٌ كأنثيين، وفي أيتام بنيه، وعميانهم، وزِمْناهم، وأراملهم، دخلَ فقيرُهم وغنيهم، وذَكَرُهم وإناثُهم إن احصوا، وإلاَّ فللفقراء منهم، وفي بني فلان الأُنْثَى منهم. وبطلتِ الوصيةُ لمواليه فيمن معتِقون ومعتَقون.

‌باب الوصية بالسكنى والخدمة

تصحُّ الوصيةُ بخدمةِ عبدِه، وسكنى دارِه مُدَّةً معيَّنةً وأبداً

وفي ورثتِه ذَكَرٌ كأنثيين)؛ لأنَّه اعتبرَ الوراثة، وحكم الإرث هذا.

(وفي أيتام بنيه، وعميانهم، وزِمْناهم، وأراملهم، دخلَ فقيرُهم وغنيهم، وذَكَرُهم وإناثُهم إن احصوا، وإلاَّ فللفقراء منهم)، أوصى لأيتام بني زيد، أو عميانهم

إلى آخره، فإن كانوا قوماً يحصونَ

(1)

دَخَلَ الفقيرُ والغنيّ، فإنَّه يكون تمليكاً لهم، وإن كانوا قوماً لا يحصون، لا يكونُ تمليكاً لهم، بل يرادُ به القربة، وهي في دفعِ الحاجة، فيصرفُ إلى الفقراء منهم: أي فقراء أيتام بني زيد، أو فقراء عميانهم، وكذا في الباقي.

(وفي بني فلان الأُنْثَى منهم

(2)

.

وبطلتِ الوصيةُ لمواليه فيمن معتِقون ومعتَقون)؛ لأنَّ اللفظَ

(3)

مشتركٌ، ولا عمومَ له، ولا قرينةَ تدلُّ على أحدِهما، وفي بعض كتب الشَّافِعِيِّ

(4)

رضي الله عنه أن الوصيَّةَ للكلّ.

(باب الوصية بالسكنى والخدمة)

(5)

(تصحُّ الوصيةُ بخدمةِ عبدِه، وسكنى دارِه مُدَّةً معيَّنةً وأبداً

(1)

عند أبي يوسفَ رضي الله عنه أن يحصون بغير كتابٍ وحساب، وقال محمّد رضي الله عنه: إذا كانوا أكثرَ من مئة فهم لا يحصون، وقال بعضُهم: مفوَّض إلى رأي القاضي، وعليه الفتوى، وإليه يشيرُ ما قاله محمد رضي الله عنه. كذا في «الكفاية» (4: 404 - 405).

(2)

دخولُ الإناثِ في هذه الوصيّة أوّل قول أبي حنيفة رضي الله عنه، وهو قولهما؛ لأنَّ جمع الذكور يتناول الإناث، ثمَّ رجع وقال: يتناول الذكور خاصّة؛ لأنَّ حقيقة الاسم المذكور وانتظامه للإناث يجوز، والكلام حقيقة، بخلافِ ما إذا كان بنو فلان اسم قبيلة أو فخذ، حيث يتناول الذكور والإناث؛ لأنه ليس يراد بها أعيانهم؛ إذ هو مجرّد الانتساب. ينظر:«الهداية» (4: 251).

(3)

أي لفظ المولى مشترك بينهما فلا ينتظمها في موضع الإثبات، وتمامه في «فتح باب العناية» (3: 436).

(4)

ينظر: «النكت» (2: 687)، وغيرها.

(5)

في ج و ص و ق: باب من الوصية.

ص: 208

وبغلَّتِهما، فإن خرجَت الرَّقبة من الثُّلُث سُلِّمت إليه لها، وإلاَّ قُسِمَ الدَّارُ أثلاثاً ويُهايأ العبد، وبموتِهِ في حياةِ موصيهِ تبطل، وبعد موتِهِ يعودُ إلى الورثة، وبثمرةِ بستانِهِ إن ماتَ وفيه ثمرةٌ له هذه فقط، وإن ضمَّ أبداً، فله هذه وما يحدُثُ كما في غلَّةِ بستانِه، وبصوفِ غنمِه، وولدِها، ولبنِها له ما في وقتِ موتِهِ ضمَّ أبداً أو لا، وتورث بِيعةٌ وكنيسةٌ جُعِلَتا في الصِّحَّة

وبغلَّتِهما

(1)

، فإن خرجَت الرَّقبة من الثُّلُث سُلِّمت إليه لها): أي إلى الموصى له لأجلِ الوصية، (وإلاَّ قُسِمَ الدَّارُ أثلاثاً ويُهايأ العبد): أي يقسمُ الدَّارُ ويُسلَّمُ إلى الموصى له مقدارَ ثُلُثِ المالِ ليسكُنَ فيه، والعبدُ يَخْدِمُ الموصى له بمقدارِ ما صحَّتْ فيه الوصية، ويخدمُ الورثةُ بمقدارِ ما لم تصحّ.

(وبموتِهِ في حياةِ موصيهِ تبطل، وبعد موتِهِ يعودُ إلى الورثة): أي بموتِ الموصى له بعد موتِ موصيه تعودُ إلى ورثةِ الموصي؛ لأنَّه أوصى بأن ينتفعَ الموصى له على ملكِ الموصي، فإذا مات الموصى له يعودُ إلى ورثةِ الموصي بحكمِ الملك.

(وبثمرةِ بستانِهِ إن ماتَ وفيه ثمرةٌ له هذه فقط): أي للموصى له الثَّمرةُ الكائنةُ حال موتِ الموصي لا ما يحدُثُ بعده، (وإن ضمَّ أبداً، فله هذه وما يحدُثُ كما في غلَّةِ بستانِه): أي أوصى بغلَّةِ بستانِهِ سواءٌ ضَمَّ لفظ الأبد أو لا، فله هذه وما يحدث.

(وبصوفِ غنمِه، وولدِها، ولبنِها له ما في وقتِ موتِهِ ضمَّ أبداً أو لا)، والفرقُ بين الثَّمرة والغلَّة والصُّوف: أنَّ الغلَّةَ تطلقُ على الموجود، وعلى ما يوجدُ مرَّةً بعد أخرى، والثَّمرةُ والصُّوف لا يطلقان إلا على الموجود، إلاَّ أنَّه إذا ضُمَّ أبداً صارَ قرينةً دالةً على تناولِ المعدوم، فتصحّ في الثَّمرة دون الصُّوف؛ لأنَّ العقدَ على الثَّمرة المعدومةِ يصحُّ شرعاً كالمساقاةِ لا على الصُّوف والولدِ ونحوِهما.

(وتورث بِيعةٌ وكنيسةٌ جُعِلَتا في الصِّحَّة)؛ لأنَّ هذا بمَنْزلةِ الوقفِ عند أبي حنيفة رضي الله عنه، والوقفُ يورثُ عنده

(2)

، وأمَّا عندهما: لا؛ لأنَّ هذه معصية فلا تصحّ.

(1)

الغلّة: كلّ ما يحصلُ من ريعِ أرض أو كرائهما، أو أجرةِ غلام أو نحو ذلك. ينظر:«المغرب» (ص 344).

(2)

فإن قيل: هذا في حقِّهم كالمسجد في حقِّنا، ولا يورث المسجدُ ولا يباع، فينبغي أن يكون هذا كذلك، قلنا: إنّ ملك الباقي ينقطع عن المسجد لا ملكهم عن كنائسهم؛ لأنّهم يسكنون ويدفنون موتاهم فيها، ولو كان المسجد كذلك يورث قطعاً. ينظر:«الهداية» (4: 256)

ص: 209

والوصيةُ بجعلِ أحدِهما سمِّي قوماً، أو لا تصحّ، كوصيَّةِ مستأمنٍ لا وارثَ له هنا بكلِّ مالِهِ لمسلمٍ أو ذميّ.

‌باب الوصي

ومَن أوصى إلى زيد، وقَبِلَ عنده، فإن ردَّ عنده ردّ وإلاَّ لا، فإن سكتَ فماتَ موصيه، فله ردُّهُ وضدُّه، ولَزِمَ بيعُ شيءٍ من التَّركة، وإن جَهِلَ به

(والوصيةُ بجعلِ أحدِهما سمِّي قوماً، أو لا تصحّ)، فإن أوصى يهوديّ أو نصرانيٌّ أن يجعلَ القومَ مسمِّين بِيعة أو كنيسة تصحّ، ولقوم غير مسمِّين تصحّ

(1)

عند أبي حنيفة رضي الله عنه لا عندهما، فإن الوصيةَ بالمعصيةِ لا تصحّ، له: أنّه قربةٌ في معتقدِهم، وهم متروكون على ما يدينون.

(كوصيَّةِ مستأمنٍ لا وارثَ له هنا بكلِّ مالِهِ لمسلمٍ أو ذميّ)، فإنَّ الوصيةَ بكلِّ المال إنِّما لا تصحُّ لحقِّ الورثة، وأمَّا المستأمنُ فورثتُهُ في دارِ الحرب، وهم في حكمِ الأموات، فلا مانع من الصِّحَّة. (والله أعلم)

(2)

.

باب الوصي

يقال: أوصى إلى فلانٍ: أي فوَّضَ إليه التَّصرُّفَ في ماله بعد موتِه، والاسمُ منه الوصايةُ بالكسر والفتح، والمفوضُ إليه الوصي.

(ومَن أوصى إلى زيد، وقَبِلَ عنده، فإن ردَّ عنده ردّ وإلاَّ لا)، وإنِّما لا يصحُّ الرَّدُّ بغيبتِه؛ لأنَّه اعتمدَ عليه حيث قبلَه بحضورِه

(3)

، فإن صحَّ الرَّدُّ بغيبتِه يلزمُ الغرور، (فإن سكتَ فماتَ موصيه، فله ردُّهُ وضدُّه): أي القَبول.

(ولَزِمَ بيعُ شيءٍ من التَّركة، وإن جَهِلَ به): أي بالايصاء، فإن الوصيَّ إذا باعَ شيئاً من التَّركةِ من غير عِلْمٍ بالإيصاء، ينفذُ البيعُ بخلاف الوكيل إذا باع شيئاً بلا علم بالوكالة.

(1)

لأنّ الوصيةَ لقومٍ بأعيانهم تمليك، والذي يملكُ ذلك معلوم، كما لو أوصى بغيرِ البيعة والكنيسة، وإذا صار ملكاً لهم يصنعون به ما شاؤوا. ينظر:«ذخير العقبى» (ص 622).

(2)

زيادة من أ و ب و م.

(3)

زيادة من أ و م.

ص: 210

فإن ردَّ بعد موتِه ثُمَّ قَبِلَ صحَّ إلاَّ إذا نَفَّذَ قاض ردَّه، وإلى عبد أو كافر أو فاسقٍ بدَّله القاضي بغيرِه، وإلى عبدِه صحَّ إن كان ورثتُه صغاراً وإلا لا، وإلى عاجزٍ عن القيامِ بها ضمَّ إليه غيرَه ويبقى أمينٌ يقدر، وإلى اثنين لا ينفردُ أحدُهما إلاَّ بشراء كفنِه، وتجهيزِه، والخصومةِ في حقوقِه، وقضاءِ دينِه وطلبِه، وشراءِ حاجةِ الطِّفل، والاتِّهابِ له، واعتاقِ عبدٍ عُيِّن

(فإن ردَّ بعد موتِه ثُمَّ قَبِلَ صحَّ إلاَّ إذا نَفَّذَ قاض ردَّه)، إذ بمجردِ الرَّدِّ لا تبطلُ الوصاية؛ لأنَّ في بطلانِه ضرراً بالميْت

(1)

إلاَّ إذا تأكَّد ذلك بحكمِ القاضي.

(وإلى عبد أو كافر أو فاسقٍ بدَّله القاضي بغيرِه)

(2)

، قيل: الوصايةُ صحيحة، وإنِّما تبطلُ بإخراجِ القاضي، وقيل: في العبدِ باطلةٌ وفي غيرِهِ صحيحة، وقيل: في الكافرِ باطلة؛ لعدمِ ولايتِهِ على المسلم، وفي غيرِه صحيحة.

(وإلى عبدِه صحَّ إن كان ورثتُه صغاراً وإلا لا)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: لا تصحّ وإن كانت الورثةُ صغاراً، وهو القياسُ

(3)

؛ لأنَّه قَلَبَ المشروعَ، له: أنّ لعبدِهِ من الشَّفقة ما لا يكونُ لغيره، والصِّغارُ وإن كانوا ملاّكاً ليس لهم ولايةُ المنع، فلا منافاةَ بخلاف ما إذا كان البعض كباراً، إذ لهم المنعُ وبيعُ نصيبِهم من هذا العبد.

(وإلى عاجزٍ عن القيامِ بها ضمَّ إليه غيرَه): أي يضمُّ القاضي إليه غيرَه، (ويبقى أمينٌ يقدر): أي إذا كان الوصي أميناً قادراً على التَّصرُّفِ لا يجوزُ للقاضي إخراجُه، بل يجب تبقيتُه.

(وإلى اثنين لا ينفردُ أحدُهما إلاَّ بشراء كفنِه، وتجهيزِه، والخصومةِ في حقوقِه، وقضاءِ دينِه وطلبِه، وشراءِ حاجةِ الطِّفل، والاتِّهابِ له

(4)

، واعتاقِ عبدٍ عُيِّن): أي

(1)

في ص: ضرراً بالميت ضرراً بالميت.

(2)

هذه الوصية باطلة على ما ذكره محمّد رضي الله عنه، وعبارة القُدُوريّ رضي الله عنه: أخرجهم القاضي عن الوصية، وهذا يدل على أن الوصية صحيحة؛ لأن الإخراج إنما يكون بعد الدخول. ينظر:«فتح باب العناية» (3: 440).

(3)

وجه القياس: إنّ الولايةَ منعدمةٌ في عبدِ نفسه، لما أنّ الرقَّ ينافيها؛ ولأنَّ فيه إثباتُ الولايةِ للمملوك على المالك، وهو قلبُ المشروع؛ ولأنَّ الولايةَ الصادرةَ من الأب، وفي اعتبار هذه تجزئتها؛ لأنّه لا يملكُ بيعَ رقبته، وهذا نقض الموضوع. ينظر:«الهداية» (4: 259).

(4)

أي قبولُ الهبةِ للموصي؛ لأنَّ في التأخيرِ خيفة الفوات؛ ولأنّه يملكُه الأم والذي في حجره، فلم يكن من باب الولاية. ينظر:«الهداية» (4: 260).

ص: 211

وردِّ وديعة، وتنفيذِ وصيةٍ معيَّنَتَيْن، وجمعِ أموالٍ ضائعة، وبيعِ ما يخافُ تلفُه، ووصيُّ الوصيِّ أوصى إليه في ماله أو مالِ موصيه وصيٌّ فيهما. وقسمة الوصيِّ عن الورثةِ مع الموصى له تصحّ، فلا ترجعُ عليه إن ضاعَ قسطُهم معه، وقسمتُهُ عن الموصى له معهم لا، فيرجعُ بثُلُثِ ما بقي

إذا كان أوصى بإعتاق عبدٍ معيَّنٍ فأحد الوصيين يملكُ إعتاقَه؛ لعدمِ الاحتياج إلى الرَّأي بخلاف إعتاق العبدِ غير المعيَّن.

(وردِّ وديعة، وتنفيذِ وصيةٍ معيَّنَتَيْن، وجمعِ أموالٍ ضائعة، وبيعِ ما يخافُ تلفُه)، فإن بعضَ هذه الأمور ممَّا لا يحتاجُ إلى الرَّأي، وبعضُها ممَّا يضرُّ فيه التَّوقُّفُ فلا يشترطُ الاجتماع، والاجتماع في الخصومةِ شغب، وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه ومحمَّد رضي الله عنه، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه يتفرَّدُ كلٌّ بالتَّصرُّف في جميع الأشياء.

(ووصيُّ الوصيِّ أوصى إليه في ماله أو مالِ موصيه وصيٌّ فيهما

(1)

.

وقسمة الوصيِّ عن الورثةِ مع الموصى له تصحّ، فلا ترجعُ عليه إن ضاعَ قسطُهم معه): أي قسمةُ الوصيِّ التَّركةَ مع الموصى له عن الورثةِ الصِّغار أو الكبار الغائبين تصحّ، حتَّى لو قبضَ الوصيُّ نصيبَ الورثة، وضاعَ في يده، لا يكون للورثةِ

(2)

الرُّجوعُ على الموصى له بشيء.

(وقسمتُهُ عن الموصى له معهم لا، فيرجعُ بثُلُثِ ما بقي): أي قسمةُ الوصيِّ عن الموصى له الغائبِ مع الورثةِ الكبارِ الحاضرين لا تصحّ، لو قبضَ نصيبَ الموصى له الغائب، وهَلَكَ في يدِه، رجعَ الموصى له بثُلُثِ ما بقي، أمّا عن الموصى له الحاضر، فقبضُ الوصيِّ نصيبَهُ إن كان بإذنِه، فهو وكيلٌ عن الموصى له بالقبض، فلا يكون له حقُّ الرُّجوع، وإن لم يكن بإذنِه، فله الرُّجوع.

(1)

فللوصي أن يوصي بما أوصى له به أطلق له الموصى أو لم يطلق، والثاني وصيهما جميعاً. ينظر:«آداب الأوصياء» (2: 257).

(2)

لأنَّ الموصى له ليس بخليفةٍ عن الميِّت من كلِّ وجه؛ لأنّه ملكَه بسببٍ جديد؛ ولهذا لا يردُّ بالعيب، ولا يردُّ عليه به، ولا يصيرُ مغروراً بشراءِ الموصي، فلا يكون الوصيّ خليفةً عنه عند غيبته، حتى لو هلكَ ما أفرزَ له عند الوصيّ كان له ثلثُ ما بقي؛ لأنَّ القسمةَ لم تنفذ عليه، والوصيّ لا يضمنُ أيضاً؛ لأنّه أمينٌ فيه، وله ولاية الحفظ في التركة، وتمامه في «الهداية» (4: 262).

ص: 212

وصحَّت للقاضي، وأخذَه قسطُه، وصحَّت للقاضي، وأخذَه قسطُه، فإن قاسمَهم في الوصيةِ بحجٍّ حجَّ بثُلُثِ ما بقي إن هَلَكَ في يدِه، أو في يدِ مَن يحجّ، وصحَّ بيعُ الوصيِّ عبداً من التَّركةِ بغيبةِ الغرماء، وضَمِنَ وصيٌّ باعَ ما أوصى ببيعِه، وتصدقَ ثمنَه فاستحقَّ بعد هُلْكِ ثمنِهِ معه، ورجعَ في التَّركة

(وصحَّت للقاضي، وأخذَه قسطُه): أي صحَّت للقاضي قسمةُ التَّركةِ عن الموصى له مع الورثة، وأخذَ القاضي نصيبَ الموصى له، فقولُهُ: وأخذَهُ عطفٌ على الضميرِ في صحَّتْ ويجوزُ لوجودِ الفصلِ بينهما.

(فإن قاسمَهم في الوصيةِ بحجٍّ حجَّ بثُلُثِ ما بقي إن هَلَكَ في يدِه، أو في يدِ مَن يحجّ)

(1)

: أي قَسَمَ الوصيُّ مع الورثةِ في الوصيَّة بحجّ، فهَلَكَ المالُ في يدِ الوصيّ، أو في يدِ مَن يحجّ، حجَّ بثُلُثِ ما بقي عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه إن كان ما أفرزَ للحجِّ ثُلُثَ المالِ لا يؤخذُ من الباقي، شيءٌ للحجّ، وإن كان أقلَّ يؤخذُ إلى تمامِ الثُّلُث، وعند محمَّد رضي الله عنه لا يؤخذُ شيءٌ في الحالين؛ لأنَّ إفرازَ الوصي كإفرازِ الميْت، ولو أفرزَ الميِّتُ شيئاً من مالِهِ للحجِّ فضاعَ بعد موتِه لا يحجُّ من الباقي، ولأبي يوسفَ رضي الله عنه أنّ محلَّ الوصيةِ الثُّلُث، فينفذُ إن بقي من الثُّلُثِ شيء، ولأبي حنيفةَ رضي الله عنه أنّ تمامَ القسمةِ بالتَّسليمِ إلى الجهةِ المسمَّاة، فإذا لم يَصْرِفْ إلى تلك الجهة، صارَ كهلاكِه قبلَ القسمة.

(وصحَّ بيعُ الوصيِّ عبداً من التَّركةِ بغيبةِ الغرماء): أي يجوزُ للوصيِّ أن يبيعَ لقضاءِ الدَّين عبداً من التَّركةِ بغيبةِ الغرماء.

(وضَمِنَ وصيٌّ باعَ ما أوصى ببيعِه، وتصدقَ ثمنَه فاستحقَّ بعد هُلْكِ ثمنِهِ معه، ورجعَ في التَّركة)، أوصى الميْتُ بأن يباعَ هذا العبد، ويتصدَّقُ بثمنِه، فباعَ الوصيُّ العبدَ، وقبضَ الثَّمن، فهَلِكَ في يدِه، فاسْتُحِقَّ العبدُ في يد المشتري ضَمِنَ الوصيُّ الثَّمن: أي يرجعُ المشتري بالثَّمنِ على الوصيّ، ثُمَّ الوصيُّ يرجعُ في التَّركة؛ لأنَّه عاملٌ للميْت، وكان أبو حنيفةَ رضي الله عنه يقول أوَّلاً

(2)

: لا يرجعُ في التَّركة؛ لأنَّه ضَمِنَ بقبضِه، ثُمَّ رَجَعَ إلى ما ذُكِر، وعند محمَّدٍ رضي الله عنه يَرْجِعُ في الثُّلُث؛ لأنَّ محلَّ الوصيةِ الثُّلُث.

(1)

صورته: رجلٌ ماتَ وتركَ أربعةَ آلاف درهم، وأوصى أن يحجّ عنه، وكان مقدارُ الحجِّ ألفُ درهمٍ مثلاً، ودفعَها الورثةُ إلى الوصيِّ أو إلى الذي يحجُّ عنه، فسرقت، قال أبو حنيفةَ رضي الله عنه: يؤخذُ ثلثُ ما بقيَ من التركة، وهو ألفُ درهم، فإن سرقت ثانياً يؤخذُ ما بقيَ مرّةً أخرى وهكذا، وتمامه في «العناية» (10: 507).

(2)

زيادة من أ و م.

ص: 213

كما يرجعُ في مالِ الطِّفلِ وصيٌّ باعَ ما أصابَه من التَّركة، وهَلَكَ معه ثمنُه فاستحقَّ، والطِّفلُ على الورثةِ بحصَّتِه، ولا يبيعُ وصيٌّ ولا يشتري إلاَّ بما يُتَغَابَنُ به

(كما يرجعُ في مالِ الطِّفلِ وصيٌّ باعَ ما أصابَه من التَّركة، وهَلَكَ معه ثمنُه فاستحقَّ، والطِّفلُ على الورثةِ بحصَّتِه): أي قُسِمَ الميراثُ فأصابَ الطِّفْلُ عبدٌ، فباعَه الوصيّ، وقبضَ ثمنَه، فهَلَكَ العبدُ في يدِه، فاستحقَّ العبد، وأخذَ المشتري الثَّمَن من الوصيِّ رجعَ الوصيُّ في مالِ الطِّفلِ؛ لأنَّه عاملٌ له، ويرجعُ الطِّفلُ على الورثةِ بنصيبِه ممِّا بقي في أيديهم؛ لأنَّ القسمةَ قد انتقضت، وصارَ كأنَّ العبدَ لم يكن.

(ولا يبيعُ وصيٌّ ولا يشتري إلاَّ بما يُتَغَابَنُ به)، اعلم أنَّه يجوزُ للوصيِّ أن يبيعَ مالَ الصَّبيّ، وهو من المنقولاتِ من الأجنبيِّ بمثل القيمةِ وبما يتغابنُ النَّاسُ فيه، وهو ما يَدْخُلُ تحت تقويمِ المقوِّمين، ويجوزُ أن يشتري له من الأجنبيِّ كذلك، لا بالغبنِ الفاحش، وأمَّا الاشتراء من نفسه، فإن كان الوصيُّ وصيَّ الأبِ يجوز؛ لا إن كان وصيَّ القاضي، لكن بشرط أن يكونَ للصَّغيرِ فيه منفعةٌ ظاهرة.

وفُسِّرَ بأن يبيعَ مالَه من الصَّغير، وهو يساوي خمسةَ عشرَ بعشرة، أو يشتري مال الصَّغيرِ لأجل نفسِه، وهو يساوي عشرةً بخمسةِ عشر، وهذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وأبي يوسف رضي الله عنه، وأمَّا عند محمَّد رضي الله عنه فلا يجوزُ بكلِّ حال.

وأمَّا بيعُ الأبِ مالَ الصِّغيرِ من نفسِهِ فيجوزُ بمثلِ القيمة، وبما يُتَغابَنُ فيه.

وأمَّا عقارُ الصَّغيرِ فإن باعَه الوصيُّ من أجنبيٍّ بمثل القيمةِ يجوز، هذا جوابُ المتقدِّمين، واختيارُ المتأخِّرين

(1)

أنَّه إنِّما يجوزُ إن رَغِبَ المشتري بضعفِ القيمة، أو

(1)

قال قاضي خان رضي الله عنه: أمّا على قول المتأخّرين لا يجوزُ للوصيّ بيعُ العقارِ إلا بشرائط:

أن يرغبَ إنسانُ في شرائها لضعفِ قيمتها.

أن يحتاجُ الصغيرُ إلى ثمنها للنفقة.

أن يكون على الميّت دينٍ لا وفاء إلا بثمنها.

أن يكون في التركةِ وصيّة مرسلة يحتاجُ في تنفيذِها إلى ثمنِ العقار.

أن يكونُ بيعُ العقار خيراً لليتيم، بأن كان خراجها ومؤنتها يربو على غلاّتها.

أن يكونَ العقار حانوتاً أو داراً يريدُ أن ينقضَ ويتداعى إلى الخراب. ينظر: «حسن الدراية» (4: 215).

ص: 214

ويدفعُ مالَهُ مضاربة، وشركة، وبضاعة، ويحتالُ على الأملأ لا على الأعسر، ولا يقرضُ ويبيعُ على الكبيرِ الغائبِ إلاَّ العقار، ولا يتَّجرُ في ماله، ووصيُّ أبِ الطفلِ أحقُّ بما له من الجدّ، فإن لم يكنْ له وصيٌّ فالجدّ.

للصَّغير حاجةٌ إلى ثمنِه، أو على الميْت دينٌ لا يقضي إلاَّ بثمنِه

(1)

، قالوا: وبه يُفْتَى.

وأمَّا الأبُ إن باعَ عقارَ صغيرِه بمثلِ القيمةِ، إن كان محموداً عند النَّاس أو مستورَ الحال يجوز، فالقول بأن بيعَ العقارِ من الأجنبيّ، إنِّما يجوزُ عند تحقّقِ الشَّرائط المذكورة: كرغبة المشتري بضعف القيمة، ونحو ذلك، يؤذنُ بأن بيعَهُ من نفسِهِ لا يجوز؛ لأنَّ العقارَ من أنفسِ الأموال، فإذا باعَ من نفسِه، فالتُّهمةُ ظاهرة

(2)

.

(ويدفعُ مالَهُ مضاربة، وشركة، وبضاعة، ويحتالُ على الأملأ لا على الأعسر، ولا يقرضُ ويبيعُ على الكبيرِ

(3)

الغائبِ إلاَّ العقار)

(4)

؛ لأنَّ بيعَ مالِه إنِّما يجوزُ للحفظِ، والعقارُ محصنٌ بنفسِه، (ولا يتَّجرُ في ماله)؛ لأنَّ المفوضَ إليه الحفظ لا التِّجارة.

(ووصيُّ أبِ الطفلِ أحقُّ بما له من الجدّ، فإن لم يكنْ له وصيٌّ فالجدّ.

(1)

وزادوا على هذه الثلاث أربعة، وهي:

إذا كان في التركة وصية مرسلة لا نفاذ لها إلا منه.

إذا كانت غلاته لا تزيد على مؤنته

إذا كان حانوتاً أو داراً يخشى عليه النقصان.

إذا كان العقار في يد متغلب وخاف الوصي عليه فله بيعه. ينظر: «إتحاف البصائر في تبويب الأشباه» (ص 510).

(2)

لكن صرح في «البحر» لو باع العقار والمنقول على الصغير جاز لكمال الولاية. ينظر: «اللالئ الدرية» (2: 19).

(3)

قيّد الكبيرَ بالغيبة؛ لأنّهم إذا كانوا حضوراً ليس للوصيّ التصرُّفُ في التركةِ أصلاً، لكن يتقاضى ديونَ الميِّت، ويقبضُ حقوقَه، ويدفعُ إلى الورثة، إلا إذا كان على الميّت دينٌ أو أوصى بوصيّةٍ ولم يقضِ الورثة الديون، ولم ينفِّذوا الوصيةَ من مالهم، فإنّه يبيعُ التركة. ينظر:«العناية» (10: 510).

(4)

أمّا في حقّ الصغيرِ فيملك الوصيّ بيعَ العقار أيضاً، وهذا جوابُ السلف، وأمّا جوابُ المتأخّرين أنّه إنّما يجوزُ بأحدِ الشروطٍ السابقة. قال الصدر الشهيد رضي الله عنه: وبه يفتي. ينظر: «الكفاية» (9: 432 - 433).

ص: 215

[فصل الشهادة]

ولغت شهادةُ الوصيين لصغيرٍ بمالٍ أو كبيرٍ بمال الميِّت، وصحَّت لغيرِه، كشهادةِ رجلينِ للآخرينِ بدينِ ألف على ميْت، والآخرينِ للأوّلينِ بمثلِه بخلافِ الشَّهادة بوصيَّةِ ألف، أو الأوّلينِ بعبد، والآخرينِ بثُلُث مالِه

[فصل الشهادة]

ولغت شهادةُ الوصيين لصغيرٍ بمالٍ أو كبيرٍ بمال الميِّت، وصحَّت لغيرِه)؛ لأنَّ التَّصرُّف في مالِ الصَّغير للوصيِّ سواءٌ كان من التَّركة أو لم يكن، وأمَّا مالُ الكبير، فإن لم يكنْ من التَّركة فلا تصرُّفَ للوصيِّ فيه، فيجوزُ الشَّهادة، وإن كان من التَّركةِ لا يجوزُ الشَّهادة عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، ويجوزُ عندهما؛ لأنَّه لا تصرُّفَ للوصيِّ في مال الكبير، قلنا: له ولايةُ الحفظ، وولايةُ البيع إذا كان الكبيرُ غائباً.

(كشهادةِ رجلينِ للآخرينِ بدينِ ألف على ميْت، والآخرينِ للأوّلينِ بمثلِه)، فإنَّه يجوزُ الشَّهادةُ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه ومحمَّد رضي الله عنه، وعند أبي يوسفَ رضي الله عنه لا يجوز. (بخلافِ الشَّهادة بوصيَّةِ ألف

(1)

، أو الأوّلينِ بعبد، والآخرينِ بثُلُث مالِه)

(2)

.

* * *

(1)

لأن الحق فيها لا يثبت في الذمة بل في العين فصار المال مشتركاً بينهم فأورث شبهة. ينظر: «درر الحكام» (2: 451).

(2)

أي لم يصح أيضاً؛ لأن الشهادة توجب شركة في المشهود به. ينظر: «الدرر» (2: 451).

ص: 216

‌كتاب الخنثى

وهو ذو فرجٍ وذَكَر، فإن بالَ من ذَكَرِهِ فذَكَرٌ، وإن بالَ من فرجِه فأُنثى، وإن بالَ منهما حُكِمَ بالأسبق، وإن استويا فمُشْكِل، ولا يعتبرُ الكثرة، فإن بَلَغَ وخرجَ لحيةٌ، أو وَطِئَ امرأةً فرجلٌ، وإن ظهرَ له ثَدْي، أو نَزل لبن، أو حاض، أو حَبَلَ، أو وُطِئ فأنثى، وإلاَّ فمُشْكِل، ويقفُ بين صفِ الرِّجال، والنِّساء، فإن قامَ في صفهنَّ أعاد وفي صفِّهم يعيدُ مَن بجنبيه، ومن خلفَه بحذائه، وصلَّى بقناع، ولا يلبسُ حريراً وحلياً، ولا يكشفُ عند رجلٍ وامرأة، ولا يخلو به غيرُ مَحْرَمٍ رجل أو امرأة، ولا يسافرُ بلا محرم

كتاب الخنثى

(وهو ذو فرجٍ وذَكَر، فإن بالَ من ذَكَرِهِ فذَكَرٌ، وإن بالَ من فرجِه فأُنثى، وإن بالَ منهما حُكِمَ بالأسبق، وإن استويا فمُشْكِل، ولا يعتبرُ الكثرة)، هذا عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه، وقالا: يعتبرُ الكثرة

(1)

.

(فإن بَلَغَ وخرجَ لحيةٌ، أو وَطِئَ امرأةً فرجلٌ، وإن ظهرَ له ثَدْي، أو نَزل لبن، أو حاض، أو حَبَلَ، أو وُطِئ فأنثى): أي إن ظهرَ تلك العلامات فقط فذكر، وإن ظهرت هذه العلامات فقط فأنثى، (وإلاَّ فمُشْكِل): أي إن لم يكن كذلك بأن لم يظهرْ شيءٌ من العلاماتِ المذكورة، أو اجتمعت علاماتُ الذُّكور مع علامات الإناث، كما إذا خرجت لحية، وظهر له ثدي فمشكل.

«ويقفُ بين صفِ الرِّجال، والنِّساء)

(2)

، فإن قامَ في صفهنَّ أعاد وفي صفِّهم يعيدُ مَن بجنبيه، ومن خلفَه بحذائه، وصلَّى بقناع، ولا يلبسُ حريراً وحلياً، ولا يكشفُ عند رجلٍ وامرأة، ولا يخلو به غيرُ مَحْرَمٍ رجل أو امرأة، ولا يسافرُ بلا محرم،

(1)

لأنّ كثرةَ البولِ علامةُ قوَّة ذلك العضو، وكونه عضواً أصلياً؛ ولأنّ للأكثرِ حكمُ الكلِّ في أصولِ الشرع، فيترجَّحُ بالكثرة، وله: أنّ كثرةَ الخروجِ ليس تدلّ على القوة؛ لأنّه قد يكون لاتِّساع في أحدهما وضيقٍ في الآخر، وإن كان يخرجُ منهما على السواءِ فهو مشكلٌ بالاتّفاق؛ لأنّه لا مرجّح هاهنا. ينظر:«الهداية» (4: 266).

(2)

زيادة من أ و ب و م.

ص: 217

للرَّجُلِ والمرأةِ ختنُه، وتُبْتاعُ أمة تختِنُهُ إن ملكَ مالاً، وإلاَّ فمن بيتِ المال، ثم تُباعُ، فإن ماتَ قبل ظهورِ حاله لم يغسلْ ويتيمَّم، ولا يحضرُ مراهقاً غسلَ ميِّت، وندب تسجيةُ قبرِه، ويوضعُ الرَّجلُ بقربِ الإمام، ثُمَّ هو ثُمَّ المرأةُ إذا صُلِّي عليهم، فإن تركَهُ أبوه وابناً، فله سهمٌ وللابن سهمان، وعند الشَّعْبِيّ رضي الله عنه له نصفُ النِّصيبين، وذا ثلاثةٌ من سبعةٍ عند أبي يوسفَ رضي الله عنه، وخمسةٌ من اثني عشرَ عند محمَّدٍ رضي الله عنه

وكره للرَّجُلِ والمرأةِ ختنُه، وتُبْتاعُ

(1)

أمة تختِنُهُ إن ملكَ مالاً، وإلاَّ فمن بيتِ المال، ثم تُباعُ، فإن ماتَ قبل ظهورِ حاله لم يغسلْ ويتيمَّم)، (من التَّيمُّم)

(2)

، وهو جعلُ الغيرِ ذا تيمُّم، وإنِّما لا يشتري له جاريةً تغسلُه؛ لأنَّ الجاريةَ لا تكون مملوكةً له بعد الموت، إذ لو كانت لجازَ غسلُ الجارية لسيِّدها إذا لم يكن خنثى، وكان هذا أولى من غسلِ الرَّجلِ الرَّجل.

(ولا يحضرُ

(3)

مراهقاً غسلَ ميِّت، وندب تسجيةُ قبرِه)، قد مرَّ معنى التَّسجية في «باب الجنائز»

(4)

، (ويوضعُ الرَّجلُ بقربِ الإمام، ثُمَّ هو ثُمَّ المرأةُ إذا صُلِّي عليهم)؛ ليكون جنازةُ المرأة أبعدَ من عيونِ النَّاس، ثُمَّ الخنثى.

(فإن تركَهُ أبوه وابناً، فله سهمٌ وللابن سهمان، وعند الشَّعْبِيّ

(5)

رضي الله عنه له نصفُ النِّصيبين، وذا ثلاثةٌ من سبعةٍ عند أبي يوسفَ رضي الله عنه، وخمسةٌ من اثني عشرَ عند محمَّدٍ رضي الله عنه)، اعلم أنَّ عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه له أقلَّ النَّصيبين: أي ينظرُ إلى نصيبِه إن كان ذكراً وإلى نصيبِه إن كان أنثى، فأيٌّ منهما يكون أقلَّ فله ذلك، ففي هذه الصُّورة ميراثُه على تقديرِ الأنوثةِ أقلّ، فله ذلك.

(1)

أي تشتري له أمةٌ تختنه إن له مال؛ لأنّه يباحُ لمملوكته النظر إليه رجلاً كان أو امرأة. ينظر: «الهداية» (4: 267).

(2)

زيادة من أ و م.

(3)

أي لا يحضرُ إن كان مراهقاً غسل رجل ولا امرأة؛ لاحتمال أنّه ذكر أو أنثى. ينظر: «حسن الدراية» (ص 218).

(4)

1: 192).

(5)

وهو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الشَّعْبي الحِمْيَري، أبو عمرو، نسبة إلى شَعب وهو بطن من هَمْدان، قال ابن المديني: ابن عباس في زمانه، والشَّعْبي في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه، (ت 103 هـ). ينظر:«العبر» (1: 127). «مرآة الجنان» (1: 244). «وفيات» (3: 12 - 16). «التقريب» (ص 230).

ص: 218

................................................................................................................

فإن تركتْ زوجاً وجدَّة، وأخاً لأب، وأمّ، هو خنثى، فعلى تقدير الأنوثة له ثلاثةٌ من سبعة، وعلى تقديرِ الذُّكورة اثنان من ستّة، فله هذا لأنَّه أقلُّ من ذلك؛ لأنَّ الثُّلُثَ أقلُّ من ثلاثةِ الأسباع؛ لأنَّ ثُلُثَ السَّبعة اثنان وثُلُثُ واحد، وثلاثةُ أسباعِ السَّبعة ثلاثة.

وعند الشَّعْبِيِّ رضي الله عنه له نصف النَّصيبين: أي يجمعُ بين نصيبهِ إن كان ذَكَراً وبين نصيبِهِ إن كان أُنثى، فله نصفُ ذلك المجموع، ففسَّرَهُ أبو يوسفَ رضي الله عنه ثلاثةً من سبعة؛ لأنَّه له الكلُّ على تقديرِ الذُّكورة، والنِّصفُ على تقديرِ الأُنوثة، فصار واحداً ونصفاً، فنصفُهُ ثلاثةُ الأرباع، فيكون للابن الكلِّ إن كان منفرداً، وللخنثى ثلاثةُ الأرباع، فالمخرجُ أربعة، فالكلُّ أربعة، وثلاثةُ الأرباع ثلاثة، صار سبعةٌ بطريق العول للابن أربعة، وللخنثى ثلاثة.

وإن شئت تقول له النِّصفُ إن كان أُنثى، والكلُّ إن كان ذكراً، فالنِّصفُ متيقَّن، ووقعَ الشَّكُّ في النِّصف الآخر، فنصفٌ صارَ ربعاً، فالنِّصفُ والرُّبعُ ثلاثةُ أرباع.

وفسَّرُهُ محمَّد رضي الله عنه بأنَّه خمسةٌ من اثني عشر؛ لأنَّه يستحقُّ النِّصف مع الابن إن كان ذكراً، والثُّلُثَ إن كان أُنثى، والنِّصفُ والثُّلُثُ خمسةٌ من ستة، فله نصفُ ذلك، وهو اثنان ونصفُ من ستّةٍ وَقَعَ الكسرُ بالنِّصف، فضربَ في اثنين صارَ خمسةً من اثنى عشر، وهو نصيبُ الخُنثى، والباقي وهو السَّبعة نصيبُ الابن.

وإن شئت تقول له: الثُّلُث إن كان أُنثى، والنِّصف إن كان ذكراً، ومخرجُهما ستة، فالثُّلُثُ اثنان والنِّصفُ ثلاثة، فاثنان متيقَّنٌ وَقَعَ الشَّكُّ في الواحدِ الآخر، فنصفٌ صارَ اثنين ونصفاً، وقعَ الكسرُ بالنِّصف، فصارَ خمسةً من اثني عشر.

وإن أردت أن تعرفَ أن ثلاثةً من سبعةٍ أكثر أم خمسةً من اثني عشر، فلا بُدَّ من التَّجنيس، وهو جَعْلُ الكسرين من مقامٍ واحد، فاضرب السَّبعة في اثنى عشر، صارَ أربعةً وثمانين، ثُمَّ اضربِ الثَّلاثةَ في اثني عشر، صارَ ستةً وثلاثين، فذلك هو الثَّلاثةُ من السَّبعة، واضربِ الخمسةَ في سبعة، صارَ خمسةً وثلاثين، فهذا هو الخمسةُ من اثني عشر، والأَوَّلُ وهو ستةٌ وثلاثون زائدٌ على هذا: أي على خمسةٍ وثلاثين بواحدٍ من أربعةٍ وثمانين، فهذا هو التَّفاوتُ بين ما ذَهَبَ إليه أبو يوسفَ رضي الله عنه وما ذَهَبَ إليه محمَّد رضي الله عنه.

ص: 219

‌مسائل شتى

كتابةُ الأخرس وايماؤه بما يعرفُ به نكاحُه وطلاقُه وبيعُه وشراؤُه وقَوَدُه كالبيان، ولا يحدُّ، وقالوا في معتقلِ اللِّسان: إن امتدَّ ذلك، وعُلِمَ إشاراتُه فكذا، وإلاَّ فلا وفي غنمٍ مذبوحةٍ فيها ميْتة، وهي أقلُّ، تحرَّى وأكلَ في الاختيار

مسائل شتى

(كتابةُ الأخرس وايماؤه بما يعرفُ به نكاحُه وطلاقُه وبيعُه وشراؤُه وقَوَدُه كالبيان)، أمَّا الكتابةُ فهي:

إمَّا غيرُ مستبينٍ: كالكتابةِ على الهواء، أو على الماء، فلا اعتبار لها.

وإمَّا مستبين غيرَ مرسوم، نحو: أن يكونَ على ورقِ شجر، أو على جدار، أو على كاغذٍ، لكن لا على رسم الكتب، بأن لا يكون مُعَنْوناً، فهو كالكناية، لا بُدَّ من النِّيَّة، أو القرينة: كالإشهاد مثلاً.

وإمِّا مستبينٌ مرسومٌ: بأن يكون على كاغذ، ويكونَ معنوناً نحو من فلان إلى فلان، فهذا مثل البيان سواءٌ من الغائب، أو من الحاضر.

(ولا يحدُّ): أي إذا أقرَّ بما يوجبُ الحدَّ بطريقِ الإشارة، أو قذفَ بطريقِ الإشارة، (وقالوا في معتقلِ اللِّسان: إن امتدَّ ذلك، وعُلِمَ إشاراتُه فكذا، وإلاَّ فلا)، المعتقلُ اللَّسان: هو الذي عرضَ له احتباس اللِّسان حتَّى لا يقدرَ على الكلام، فعند الشَّافِعِيِّ

(1)

رضي الله عنه حُكْمُهُ حكمُ الأخرس، وعند أصحابِنا رضي الله عنهم إن إمتدَّ ذلك وعُلِمَ إشاراتُه كان حكمُهُ حكمَ الأخرس، وإلا فلا، وقُدِّرَ الإمتدادُ بسنة، وقيل: بأن يبقى إلى زمان الموت، قيل: وعليه الفتوى.

(وفي غنمٍ مذبوحةٍ فيها ميْتة، وهي أقلُّ، تحرَّى وأكلَ في الاختيار)، إنِّما قال: في الاختيار؛ لأنَّه يَحِلُّ أكلُ الميتةِ في حالِ الاضطرار، وقال الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: لا يباحُ التَّناول؛ لأنَّ التَّحرِّي دليلٌ ضروريٌّ، ولا ضرورةَ هنا. قلنا: التَّحرِّي يصارُ إليه لدفعِ الحرج، وأسواقُ المسلمينِ لا تخلو عن المسروقِ، والمغصوبِ، والمُحَرَّمِ، ومع ذلك يباحُ التَّناول اعتماداً على الغالب، (والله أعلم بالصواب)

(2)

.

تمَّ وبفضل الله عمَّ

(1)

ينظر: «الأم» (5: 262)، و «الغرر البهية» (4: 48)، و «تحفة المحتاج» (7: 91)، وغيرها.

(2)

زيادة من أو ص و ق و م.

ص: 220

‌المراجع

«القرآن الكريم» .

«الإباق والمفقود والغصب والوديعة والعارية والشركة والصيد والذبائح والأضحية من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدين (616 هـ). ت: عبد خلف الكريم. إشراف: أ. د. عبد الملك السعدي. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«أبحد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم» لصديق حسن خان القنوجي (ت 1307 هـ). ت: عبد الجبار زكار. 1978 هـ. دار الكتب العلمية. بيروت.

«أبو حنيفة النعمان بن ثابت: طبقته، توثيقه، ثناء العلماء عليه» للإمام اللكنوي (ت 1304 هـ)، جمع وترتيب وتعليق صلاح محمد أبو الحاج. تحت الطبع.

«إتحاف الأبصار والبصائر بتبويب كتاب الأشباه والنظائر» لمحمد أبو الفتح الحنفي. المطبعة الوطنية. الاسكندرية. 1289 هـ.

«الآثار» لمحمد بن الحسين الشيباني (ت 189 هـ). ت: أبو الوفاء الأفغاني. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 2، 1413 هـ.

«الأثمار الجنية في طبقات الحنفية» لعلي بن سلطان محمد القاري (ت 1014 هـ). من مخطوطات مكتبة الأوقاف العراقية.

«الإجارة (2) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدين (616 هـ). ت: إبراهيم خليل العبيدي. إشراف: د. عبد المنعم الهيتي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«الإجارة (3) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدين (616 هـ). ت: عمر نجم الجباري. إشراف: أ. د. عبد العظيم البكاء. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«الأجوبة الخفية في مذهب الإمام أبي حنيفة» لسيد عبد الله حسين. المكتبة المحمودية التجارية. مصر.

«الأجوبة الصغرى» لعبد القادر بن علي الفاسي. الطبعة الأخيرة. 1373 هـ. بهامش «عمدة البيان» .

«الآحاد والمثاني» لأحمد بن عمرو الضحاك الشيباني (ت 287 هـ). ت: د. باسم فيصل الجوايرة. ط 1. 1411 هـ. دار الراية. الرياض.

«الأحاديث المختارة» لمحمد بن عبد الواحد المقدس ي (567 - 643 هـ). ت: عبد الملك عبد الله. مكتبة النهضة الحديثة. مكة المكرمة. ط 1. 1410 هـ.

«أحسن الحواشي على أصول الشاشي» لمحمد بركت الله. المطبع المجتبائي. دهلي. 1347 هـ.

ص: 238

«إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق» لمحمد زاهد الكوثري (ت 1371 هـ). المكتبة الأزهرية للتراث. 1418 هـ.

«أحكام القرآن» لأحمد بن علي الرازي الجصاص (ت 370 هـ). دار الفكر.

«أحكام القرآن» لمحمد بن إدريس الشافع ي (ت 204 هـ). ت: عبد الغني عبد الخالق. دار الكتب العلمية. بيروت. 1400 هـ.

«أحكام القرآن» لمحمد بن عبد الله ابن العربي (ت 543 هـ). دار الكتب العلمية.

«إحكام القنطرة في أحكام البسملة» للكنو ي (ت 1304 هـ) ت: صلاح محمد سالم أبو الحاج. مؤسسة الرسالة. 2002 مـ.

«أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية» للدكتور محمد عبيد الكبيسي. مطبعة الإرشاد بغداد. وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العراقية. 1397 هـ.

«الإحكام شرح درر الحكام» لإسماعيل بن عبد الغني النابلسي. من مخطوطات دار صدام. برقم (29978).

«إحياء علوم الدين» لمحمد بن محمد الغزالي (ت 505 هـ). دار إحياء الكتب العربية. القاهرة.

«أخبار أبي حنيفة وأصحابه» للحسين بن علي الصيمري (ت 426 هـ). ت: أبو الوفاء الأفغاني. 1394 هـ. لجنة إحياء المعارف النعمانية. حيدرآباد الهند.

«آداب الأوصياء» لعلي بن أحمد الجمال ي (ت 931 هـ). المطبعة الأزهرية. مصر. ط 1. 1300 هـ.

«أدب المفتي» لمحمد عميم البركتي. مطبوعات لجنة النقابة. باكستان. 1381 هـ.

«إرشاد السالك إلى أشرف المناسك في فقه الإمام مالك» . لعبد الرحمن بن عسكر المالكي. ط 3. 1364 هـ.

«الأساس في البلاغة» لمحمود بن عمر الزمخشري (ت 538 هـ). دار مطابع الشعب القاهرة. 1960 مـ.

«الأسامي والكنى» لأحمد بن حنبل (ت 241 هـ). ت: عبد الله الجديع. مكتبة دار الأقصى. الكويت. ط 1. 1406 هـ.

«إسعاف المبطئ برجال الموطأ» لعبد الرحمن السيوطي (ت 911 هـ). دار الكتب العلمية. بيروت.

«الإسعاف في أحكام الأوقاف» لإبراهيم بن موسى الطرابلسي (ت 922 هـ). المطبعة الكبرى المصرية. 1320 هـ.

«أسنى المطالب شرح روض الطالب» لإسماعيل بن المقري اليمني. دار الكتاب الإسلامي.

«الأشباه والنظائر» لزين الدين بن إبراهيم ابن نجيم المصر ي (ت 970 هـ). ت: محمد مطيع الحافظ. دار الفكر. دمشق. ط 2. 1403 هـ.

«الإشفاق في أحكام الطلاق» لمحمد زاهد الكوثري (ت 1371 هـ). المكتبة الأزهرية للتراث. القاهرة. 1415 هـ.

ص: 239

«الإصابة في تمييز الصحابة» لأحمد بن علي ابن حَجَر العَسْقَلاني (ت 852 هـ). ت: علي الباجوري. ط 1. 1412 هـ. دار الجيل. بيروت.

«أصول الافتاء» لمحمد تقي الدين العثماني. مصورة عن نسخة بخط اليد من الهند.

«أصول السرخسي» لمحمد بن أحمد السرخس ي (ت نحو 590 هـ). ت: أبو الوفاء الأفغاني. دار المعرفة. بيروت. 1342 هـ.

«أصول الشاشي» المنسوب لأحمد بن محمد الشاشي (ت 344 هـ). دار الكتاب العربي. بيروت. 1402 هـ.

«إعلاء السنن» لظفر أحمد العثماني التهانوي (ت 1394 هـ). ت: حازم القاضي. دار الكتب العلمية. ط 1. 1997 م.

«الأعلام» لخير الدين الزَّركلي. بدون دار طبع. وتاريخ طبع.

«أعيان دمشق في القرن الثالث عشر ونصف القرن الرابع عشر» لمحمد جميل الشطي. دار البشائر. ط 1. 1414 هـ.

«إفادة الخير في الاستياك بسواك الغير» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). مطبع جشمة فيض. لكنو. 1304 هـ.

«إفاضة الأنوار على متن أصول المنار» لمحمد علاء الدين الحصني (ت 1088 هـ). ط 2. مطبعة مصطفى البابي الحلبي. مصر. 1399 هـ.

«الإفصاح عن شهادة المرأة في الإرضاع» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). المطبع المصطفائي. لكنو. 1299 هـ.

«إقامة الحجَّة في أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. 1966 م.

«الإقرار من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: فرج توفيق الوليد. إشراف: أ. د. محمد رمضان عبد الله. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«أقرب المسالك في الفقه على مذهب الإمام مالك» لأحمد بن محمد الدردير. مطبعة الفجالة الجديدة. صفر 1343 هـ.

«الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع» لمحمد بن أحمد الخطيب الشربين ي (ت 977 هـ). مصطفى البابي الحلبي. الطبعة الأخيرة. 1359 هـ. وأيضاً: دار الفكر. بيروت. 1415 هـ.

«أقوم المسالك في بحث رواية مالك عن أبي حنيفة ورواية أبي حنيفة عن مالك» لمحمد زاهد الكوثري (ت 1371 هـ). المكتبة الأزهرية للتراث. 1418 هـ.

«آكام المرجان في أحكام الجان» لمحمد بن عبد الله الشبل ي (ت 769 هـ). ت: مجدي محمد الشهاوي. مكتبة الإيمان. المنصورة.

ص: 240

«آكام النفائس في أداء الأذكار بلسان فارس» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). المطبع المصطفائي. لكنو. 1300 هـ.

«الأم» لمحمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هـ). دار المعرفة. بيروت ط 2. 1393 هـ.

«إمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة خلف الإمام» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). المطبع العلوي. لكنو. 1304 هـ.

«الإمام عبد الحي اللكنوي علامة الهند وإمام المحدِّثين والفقهاء» للدكتور: ولي الله الندوي. دار القلم. دمشق. ط 1. 1995 مـ.

«الإمام علي القاري وأثره في علم الحديث» لخليل إبراهيم قوتلاي. دار البشائر الإسلامية. ط 1. 1408 هـ.

«إنارة الدجى على تنوير الحجا» لمحمد علي بن حسين المالكي. ط 2. 1367 هـ.

«الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف» لولي الدين أحمد عبد الرحيم الدِّهْلَوِيّ (ت 1176 هـ). ت: عبد الفتاح أَبُو غدة. دار النفائس. ط 8. 1993 مـ.

«الإنصاف في حكم الإعتكاف» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: مجد بن أحمد مكي. دار البشائر الإسلامية. بيروت. ط 3. 1420 هـ.

«أنفع الوسائل» لإبراهيم بن علي الطرسوس ي (ت 758). ت: مصطفى خفاجي ومحمود إبراهيم. مطبعة الشرق. مصر.1344 هـ.

«أنوار الحجاج في أسرار الحجاج» لعلي بن سلطان محمد القار ي (ت 1014 هـ). دار البشائر الإسلامية. ط 1. 1998 م.

«أنوار الحلك على شرح المنار لابن ملك» لمحمد بن إبراهيم ابن الحلب ي (ت 971 هـ). مطبعة عثمانية. در سعادت. 1315 هـ.

«الأنوار القدسية في الأحوال الشخصية» لعبد الكريم المدرس. مطبعة الجاحظ. بغداد. 1410 هـ.

«إيضاح الإصلاح» لأحمد بن سليمان بن كمال باشا الرُّوميّ (ت 940 هـ). من مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة ببغداد برقم (10642).

«إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون» لإسماعيل بن محمد أمين بن مير سلي م (ت 1339 هـ). دار الفكر.1410 هـ.

«الأيمان والنذور (1) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: حاتم هلال الجبوري. إشراف: أ. د. عبد الستار حامد الدباغ. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1420 هـ.

«الأيمان والنذور (2) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: فزاي أحمد الحشماوي. إشراف: أ. د. عبد الستار حامد الدباغ. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1420 هـ.

«الاتقان في علوم القرآن» لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ). دار الكتب العلمية. بيروت.

ص: 241

«الاختيار لتعليل المختار» لعبد الله بن محمود الموصلي (ت 683 هـ). ت: زهير عثمان. دار الأرقم. بدون تاريخ طبع.

«استحسان الاستئجار على تعليم القرآن» لأحمد بن سليمان بن كمال باشا الرُّوميّ (ت 940 هـ). مطبعة إقدام بدارالخلافة العلية. 1316 هـ).

«الاستحسان والكراهية والتحري واللقيط واللقطة من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: محمد دفيش الجميلي. إشراف: أ. د. عبد الملك السعدي. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 1420 هـ.

«الاستيعاب في معرفة الأصحاب» ليوسف ابن عبد البَرِّ المالك ي (ت 463 هـ). ت: علي محمد البجاوي. ط 1. 1412 هـ. دار الجيل. بيروت.

«اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» لفخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت 606 هـ). ت: علي سامي النشار. مكتبة النهضة المصرية. 1356 هـ.

«ايضاح الدلالات في سماع الآلات» لعبد الغني النابلسي (ت 1143 هـ). المطبعة الحنفية. 1302 هـ.

«الايضاح والبيان الظهوري» للدكتور محمد محروس على «التسهيل الضروري لمسائل القدوري» لمحمد عاشق إلهي البرني. بغداد. 1420 هـ.

«البحر الرائق شرح كَنْز الدقائق» لإبراهيم بن محمد ابن نجي م (ت 970 هـ). دار المعرفة. بيروت. بدون تاريخ طبع.

«البحر المحيط في أصول الفقه» لمحمد بن بهادر الزركشي (ت 794 هـ). دار الكتبي.

«بحوث في قضايا فقهية معاصرة» لمحمد تقي العثماني. دار القلم. دمشق. ط 1. 1419 هـ.

«البدء والتاريخ» لمطهر بن طاهر المقدسي (ت 507 هـ). مكتبة الثقافة الدينية. القاهرة.

«بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» لأبي بكر بن مسعود الكاسان ي (ت 587 هـ). دار الكتاب العربي. بيروت. ط.2. 1402 هـ. وأيضاً طبعة دار الكتب العلمية.

«بداية المبتدي» لعلي بن أبي بكر المرغينان ي (ت 593 هـ). مطبعة وادي الملوك. مصر. ط 3. 1372 هـ.

«البداية والنهاية» لإسماعيل بن عمر بن كثير (ت 774 هـ). مكتبة المعارف. بيروت.

«البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع» لمحمد بن محمد الشوكاني (ت 1250 هـ). مطبعة السعادة. مصر. ط 1. 1348 هـ.

«البرهان في علوم القرآن» لمحمد بن بهادر الزركش ي (745 - 794 هـ). ت: محمد أبو الفضل. دار المعرفة. بيروت. 1391 هـ.

«بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية» لأبي سعيد الخادمي. دار إحياء الكتب العربية.

«بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة» لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849 - 911 هـ). ت: محمد أبو الفضل. المكتبة العصرية. بيروت.

ص: 242

«بلغة السالك لأقرب المسالك» «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» لأحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي (ت 1241 هـ). دار المعارف. مصر.

«بلوغ الأماني في سيرة الإمام محمد بن الحسن الشيباني» لمحمد زاهد بن الحسن الكوثري (ت 1371 هـ). المكتبة الأزهرية للتراث. 1998 مـ.

«البناية في شرح الهداية» لبدر الدين محمود بن أحمد العَيْنِ ي (ت 855 هـ). دار الفكر. ط 1. 1980 مـ.

«البهجة المرضية شرح الألفية» لجلال الدين السيوط ي (ت 911 هـ). ت: مصطفى الحسيني. دار التفاسير. ط 1. 1378 هـ.

«بهجة المشتاق لأحكام الطلاق» لمحمد عبد الرحمن المحلاوي. المطبعة العامرة الشرقية. مصر. ط 1. 1314 هـ.

«بيان فعل الخير إذا دخل مكة من حج عن الغير» لعلي بن سلطان محمد القار ي (ت 1014 هـ). دار الطباعة العامرة. 1287 هـ.

«البيوع (2) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: محمد عويد الدليمي. إشراف: أ. د. عبد الملك السعدي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«البيوع من فصل بيع الأب والوصي والقاضي مال الصبي إلى نهاية كتاب البيوع من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: خالد خزعل المجمعي. إشراف: د. عبد الحميد العبيدي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«تأسيس النظر» لعبيد الله بن عمر الدبوسي (ت 430 هـ). طبع في المطبعة الأدبية. مصر. ط.1.

«تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب» لمحمد زاهد بن الحسن الكوثري (ت 1371 هـ). المكتبة الأزهرية للتراث. القاهرة. ط.1. 1419 هـ.

«تاج التراجم» لقاسم بن قُطْلُوبُغَا (ت 879 هـ). ت: محمد خير رمضان. دار القلم. دمشق. ط 1. 1992 مـ.

«تاج العروس من جواهر القاموس» للسيد محمد مرتضى الزُّبَيْدِيّ (ت 1205 هـ). طبعة الكويت.

«التاج والإكليل لمختصر خليل» لمحمد بن يوسف العبدري المَوَّاق (897 هـ). دار الكتب العلمية. وأيضاً: دار الفكر. بيروت. ط.2. 1398 هـ.

«تاريخ الأدب العربي» لكارل بروكلمان. دار المعارف. مصر. ط 1.

«تاريخ الخلفاء» لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ). ت: محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة السعادة. مصر. 1371 هـ.

«التاريخ الصغير» لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ). ت: محمود إبراهيم. دار الوعي. مكتبة دار التراث. حلب. القاهرة. ط 1. 1397 هـ.

«التاريخ الكبير» لمحمد بن إسماعيل الجعفي البُخَارِيّ (ت 256 هـ). ت: هاشم الندوي. دار الفكر.

ص: 243

«تاريخ النور السافر عن أخبار القرن العاشر» لمحيي الدين عبد القادر العَيدروسي (ت 1628 م). دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1405 هـ.

«تاريخ اليعقوبي» لأحمد بن أبي يعقوب العباسي. دار صادر. بيروت.

«تاريخ بخارا» لمحمد بن جعفر النرشخ ي (ت 348 هـ). عربه من الفارسية د. أمين بدوي ونصر العرازي. دار المعارف بمصر.

«تاريخ بغداد» لأحمد بن علي الخطيب (ت 463 هـ). دار الكتب العلمية. بيروت.

«تاريخ جرجان» لحمزة بن يوسف الجرجاني (ت 345 هـ). ت: د. محمد عبد معيد خان. ط 3. 1401 هـ. عالم الكتب. بيروت.

«التبيان في أقسام القرآن» لمحمد بن أبي بكر الزرعي (ت 751 هـ). دار الفكر.

«التبيان في تفسير غريب القرآن» لأحمد بن محمد الهائم (ت 815 هـ). د. فتحي الدابولي. دار الصحابة للتراث بطنطا. القاهرة. ط 1. 1992 مـ.

«تبييض الصحيفة في مناقب الإمام أبي حنيفة» لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوط ي (ت 911 هـ). دار إحياء العلوم. ضمن الرسائل التسعة له.

«تبيين الحقائق شرح كَنْز الدقائق» لعثمان بن علي الزيلعي. فخر الدين. المطبعة الأميرية بمصر. ط.1. 1313 هـ.

«التبيين شرح المنتخب الحسامي» لأمير كاتب بن أمير عمر الإتقاني (ت 758 هـ). ت: عبد الكريم يحيى بن أحمد. إشراف: أ. د: عبد القادر العاني. رسالة ماجستير. جامعة بغداد.

«التبيين لأسماء المدلسين» لإبراهيم بن محمد الحلبي (753 - 841 هـ). ت: محمد الموصلي. دار الريان. بيروت. ط 1. 1414 هـ.

«التجريد لنفع العبيد» وهو «حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب» لسليمان بن محمد بن عمر البجيرميّ. دار الفكر العربي.

«تحذير المسلمين من الإحاديث الموضوعة على سيد المرسلين» لمحمد بن بشير المدني (1329 هـ). ت: محي الدين مستو. دار ابن كثير. دمشق. ط.1. 1405 هـ.

«تحرير العبارة فيمن هو أحق بالإجارة» لمحمد أمين ابن عابدين (ت 1252 هـ). دار إحياء التراث العربي. بيروت. ضمن مجموع رسائله.

«تحرير النقول في نفقة الفروع والأصول» لمحمد أمين ابن عابدين (ت 1252 هـ). دار أحياء التراث العربي بيروت. ضمن رسائله.

«تحرير تنقيح اللباب» . 1340 هـ. بهامش «تحفة الطلاب» .

«التحرير في أصول الفقه» لمحمد بن عبد الواحد ابن الهمام (ت 861 هـ). مطبعة الحلبي. 1351 هـ.

ص: 244

«تحفة الأخيار بإحياء سنة سيد الأبرار» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: عبد الفتاح أبو غدَّة. مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. ط 1. 1992 م.

«تحفة الحبيب على شرح الخطيب» المشهور بـ «حاشية البجيرمي على الخطيب» لسليمان بن محمد البجيرمي (ت 1221 هـ). دار الفكر.

«تحفة الطالب» لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت 774 هـ). ت: عبد الغني الكبيسي. دار حراء. مكة. ط 1. 1406.

«تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب» ليحيى بن زكريا الأنصار ي (ت 926 هـ). 1340 هـ.

«تحفة الطلبة في مسح الرقبة» لعبد الحي اللكنوي (1264 - 1304 هـ). المطبع المصطفائي. لكنو. 1301 هـ.

«تحفة الفقهاء» لعلاء الدين محمد بن أحمد السَّمَرْقَنْدِي (ت 539 هـ). دار الكتب العلمية. بيروت. بدون تاريخ طبع.

«تحفة الكملة بتحشية مسح الرقبة» لعبد الحي اللكنوي (1264 - 1304 هـ). المطبع المصطفائي. لكنو. 1301 هـ.

«تحفة المحتاج بشرح المنهاج» لأحمد بن محمد ابن حجر الهيتم ي (ت 974 هـ). دار إحياء التراث العربي.

«تحفة الملوك» لمحمد بن أبي بكر الرازي (ت 666 هـ). ت: د. عبد الله نذير أحمد. دار البشائر الإسلامية. ط 1. 1997 م.

«تحفة النبلاء في جماعة النساء» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). المطبع المصطفائي. لكنو. 1299 هـ.

«تُحْفَة النساك في فضل السواك» للعلامة عبد الغني الغنيمي الميداني الدمشقي (ت 1298 هـ). اعتنى به: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. ط 1. 1993 م.

«تحقيق الخلاف في أن الحج هل يكفر الكبائر أم لا» لعلي بن سلطان محمد القار ي (ت 1014 هـ). دار الطباعة العامرة. 1287 هـ.

«التحقيق في أحاديث الخلاف» لعبد الرحمن بن علي الجوزي (ت 597 هـ). ت: مسعد السعدني. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1415 هـ.

«تخريج أحاديث إحياء علوم الدين» للعراقي وابن السبكي والزبيدي. استخراج: محمود الحداد. دار العاصمة. بيروت. ط 1. 1418 هـ.

«تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي» لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ). ت: صلاح عويضة. دار الكتب العلمية.

«التدهين للتزيين على وجه التبيين» لعلي بن سلطان محمد القاري (ت 1014 هـ). من مخطوطات المكتبة القادرية. ضمن مجموع (1456).

ص: 245

«تدوير الفلك في حصول الجماعة بالجن والملك» لعبد الحي اللكنو ي (ت 1304 هـ). مطبع جشمة فيض. لكنو. 1304 هـ

«التدوين في أخبار قزوين» لعبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني. ت: عزيز الله العطاردي. دار الكتب العلمية. بيروت. 1987 مـ.

«تذكرة الراشد برد تبصرة الناقد» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). مطبع أنوار محمد. لكنو. 1301 هـ.

«تذكرة العلماء في عدم سقوط الجمعة بصلاة العيد» لقاسم بن نعيم الطائي. بغداد. 1422 هـ.

«ترتيب العلوم» لمحمد بن أبي بكر المرعشي ساجقلي زاد هـ (ت 1145 هـ). ت: محمد بن اسماعيل السيد أحمد. دار البشائر الإسلامية. ط 1. 1408 هـ.

«تزيين العبارة بتحسين الإشارة» لعلي بن سلطان محمد القاري (ت 1014 هـ). من مخطوطات المكتبة القادرية. ضمن مجموع (1456).

«تسهيل الوصول إلى علم الأصول» لمحمد عبد الرحمن المحلاوي. مطبعة مصطفى البابي الحلبي. مصر. 1341 هـ.

«التسهيل لمنح الجليل» لعبد الله محمد بن أحمد. الشيخ عليش (ت 1299 هـ). دار الفكر.

«تصحيح التنبيه» للنووي. مطبعة مصطفى الحلبي. الطبعة الأخيرة. 1370 هـ.

«التعريفات الفقهية» لمحمد عميم البركتي. مطبوعات لجنة النقابة. باكستان. 1381 هـ.

«التعريفات» لعلي بن محمد الحسيني الجُرْجانيّ الحَنَفِي (ت 816 هـ). مطبعة مصطفى البابي. 1938 م.

«التعليق الممجد على موطأ محمد» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: الدكتور تقي الدين الندوي. دار السنة والسيرة بومباي ودار القلم دمشق. ط 1. 1991 مـ.

«التعليق الميسر على ملتقى الأبحر» لوهبي سليمان غاوجي الألباني. مؤسسة الرسالة. ط 1.1409.

«التعليقات السنية على الفوائد البهية» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: أحمد الزعبي. دار الأرقم. بيروت. ط.1. 1998 م.

«التعليقات المرضية على الهدية» . لمحمد سعيد البرهاني. دمشق. ط 5. 1416 هـ.

«تغليق التعليق» لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ). ت: سعيد القزقي. المكتب الإسلامي. دار عمار. بيروت. عمان. ط 1. 1405 هـ. «تغيير التنقيح» لأحمد بن سليمان بن كمال باشا الرُّوميّ (ت 940 هـ). مطبعة سي ـ فلجانجيلر. استانبول. 1308 هـ.

«تفسير الطبري» لمحمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ). دار الفكر. بيروت. 1405 هـ.

ص: 246

«تفسير النسفي» لعبد الله بن أحمد بن محمود النسفي (ت 701 هـ).

«تفسير القرطبي» لمحمد بن أحمد القرطبي (ت 671 هـ). ت: أحمد البردوني. دار الشعب. القاهرة. ط 2. 1372 هـ.

«تقريب التهذيب» لأحمد بن علي ابن حَجَر العَسْقَلاني (ت 852 هـ). ت: عادل مرشد. مؤسسة الرسالة. ط 1. 1996 مـ.

«تقريب المعاني شرح رسالة الإمام ابن أبي زيد القيرواني» لعبد المجيد الشرنوبي الأزهري. ط 4. مصر.1323 هـ.

«التقرير والتحبير شرح التحرير» لمحمد بن محمد. المعروف بابن أمير الحاج (825 - 879 هـ). دار الفكر. بيروت. ط 1. 1996 مـ.

«تقريرات الرافعي» المسمّاة «التحرير المختار لرد المحتار» لعبد القادر الرافعي الفاروقي الحنفي. المطبعة الكبرى الأميرية. ببولاق مصر. 1323 هـ.

«تكملة البحر الرائق شرح كنْز الدقائق» لمحمد بن حسين الطوري. دار المعرفة. بيروت. ط 2.

«تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرَّافِعِي الكبير» لأحمد بن علي ابن حجر العَسْقَلاني (773 - 852 هـ). ت: السيد عبد الله هاشم. 1384 هـ. المدينة المنورة.

«التلويح في حل غوامض التنقيح» لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (ت 792 هـ). المطبعة الخيرية. مصر. ط 1. 1324 هـ. وأيضاً: مطبعة صبيح بمصر.

«تنبيه الغافل والوسنان على أحكام هلال رمضان» لمحمد أمين ابن عابدين (ت 1252 هـ). دار أحياء التراث العربي بيروت. ضمن رسائله.

«التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع» لمحمد بن أحمد الملطي الشافعي (ت 377 هـ). ت: محمد زاهد الكوثري. المكتبة الأزهرية للتراث. القاهرة. 1418 هـ.

«التنبيه» لإبراهيم بن علي الشيرازي (ت 476 هـ). مطبعة مصطفى الحلبي. الطبعة الأخيرة. 1370 هـ.

«التنقيح» لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود المحبوب ي (ت 747 هـ). دار الكتب العربية الكبرى. 1327 هـ. مطبوع مع شرحه التوضيح»

«تنوير الأبصار وجامع البحار» لمحمد بن عبد الله التمرتاش ي (ت 1004 هـ). مطبعة الترقي. مصر. 1332 هـ.

«تنوير الأبصار وجامع البحار» لمحمد بن عبد الله الخطيب التُّمُرْتاشي الغَزَّي (ت 1004 هـ). مطبعة الترقي بحارة الكفارة. 1332 هـ.

«تنوير الحجا نظم سفينة النجا» لأحمد بن صديق اللاسمي الفاسرواني. ط 2. 1379.

«تهذيب الأسماء واللغات» لمحيي الدين يحيى بن شرف النَّوَوِيّ الشَّافِعِيّ (ت 676 هـ). المطبعة المنيرية.

ص: 247

«تهذيب الكمال في أسماء الرجال» لأبي الحجاج يوسف المزي (654 - 742 هـ). تحقيق: بشار عواد. مؤسسة الرسالة. ط 1. 1992 م.

«التوضيح شرح التنقيح» لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود المحبوبي (ت 747 هـ). دار الكتب العربية الكبرى. 1327 هـ. وأيضاً: المطبعة الخيرية. مصر. ط 1. 1324 هـ.

«التوضيح في صلاتي التراويح والتسابيح» للدكتور فضل حسن عباس. دار الفرقان. عمان. ط 1. 1408 هـ.

«جامع الرموز في شرح النقاية» لشمس الدين محمد القهستان ي (ت نحو: 950 هـ). المطبعة المعصومية. استانبول. 1291 هـ.

«جامع الصغار» لمحمد بن محمود الاستروشن ي (ت 632 هـ). المطبعة الأزهرية. مصر. ط 1. 1300 هـ.

«الجامع الصغير» لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ). مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده. ط 3. 1377 هـ. ضمن شرحه «السراج المنير» .

«الجامع الصغير» لمحمد بن الحسن الشيباني (ت 189 هـ). عالم الكتب. ط.1. 1406 هـ. مطبوع مع «النافع الكبير» .

«جامع الفصولين في الفروع» لمحمود بن إسماعيل ابن قاضي سماون هـ (ت 823 هـ). الطبعة الأزهرية. ط 1. 1300 هـ.

«الجامع الكبير» لمحمد بن الحسن الشيبان ي (ت 189 هـ). ت: أبو الوفا الأفغاني. دار إحياء التراث العربي. بيروت. ط 2. 1399 هـ.

«جامع المسانيد» لمحمد بن محمود الخوارزم ي (ت 665 هـ). دار الكتب العلمية. بيروت.

«جلاء الأذهان ليس لمكي قران» للحموي. من خطوطات مكتبة الأوقاف العامة ببغداد. مجموع (3796).

«الجنايا ت (1) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: كامل حسن العاني. إشراف: أ. د. عبد العظيم البكاء. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«الجنايا ت (2) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: أحمد حميد النعيمي. إشراف: أ. د. عبد العظيم البكاء. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1422 هـ.

«الجنايا ت (3) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: سلام محمد الشيخلي. إشراف: أ. د. عبد العظيم البكاء. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«الجواهر المضية بشرح العزية» لصالح عبد السميع الآبي الأزهري. 1362 هـ. بهامش المقدمة العزية.

«الجواهر المضية في طبقات الحنفية» لعبد القادر بن محمد بن أبي الوفاء القرش ي (ت 775 هـ). ت: عبد الفتاح الحلو. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط 2. 1413.

ص: 248

«الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري» لأبي بكر بن علي بن محمد الحَدَّادِيّ (ت 800 هـ). المطبعة الخيرية. ط 1. 1322 هـ.

«حاشية البيجرمي» لسليمان بن عمر البيجرمي. المكتبة الإسلامية. ديار بكر. تركيا.

«حاشية التلويح» لحسن جلبي بن محمد شاه الفنري (ت 866 هـ). المطبعة الخيرية. مصر. ط 1. 1324 هـ.

«حاشية الجامع الصغير» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). عالم الكتب. ط 1. 1986 مـ.

«حاشية الدرر المباحة في الحظر والإباحة» لمحمد سعيد البرهاني. المطبعة العلمية. دمشق. ط 3. 1407 هـ.

«حاشية الدرر على الغرر» لمحمد بن مصطفى الخادمي. مطبعة عثمانية. در سعادت. 1310 هـ.

«حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» لمحمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي (1230 هـ). دار إحياء الكتب العربية.

«حاشية الدسوقي» لمحمد عرفة الدسوقي. ت: محمد عليش. دار الفكر. بيروت.

«حاشية الرهاوي على شرح المنار» ليحيى الرهاوي. مطبعة عثمانية. در سعادت. 1315 هـ.

«حاشية الشربيني على الغرر البهية» لمحمد الخطيب الشربين ي (ت 977 هـ). المطبعة اليمنية.

«حاشية الشرنبلالي على درر الحكام» لحسن الشرنبلال ي (ت 1069 هـ). الشركة الصحفية العثمانية. 1310 هـ.

«حاشية الشلبي على تبيين الحقائق» لأحمد الشلبي الحنفي. المطبعة الأميرية بمصر. ط.1. 1313 هـ. مطبوع بهامش «تبيين الحقائق» .

«حاشية الطَّحْطَاوي على الدر المختار» لأحمد بن محمد الطَّحْطَاوِيّ الحنفي (ت 1231 هـ). دار المعرفة. بيروت. 1975 مـ.

«حاشية الطَّحْطَاوي على مراقي الفلاح» لأحمد بن محمد الطَّحْطَاوِيّ الحنفي (ت 1231 هـ). ت: محمد عبد العزيز الخالدي. دار الكتب العلمية. ط 1. 1418 هـ.

«حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني» لعلي الصعيدى العدوي. دار الفكر.

«حاشية العطار على شرح المحلي على جمع الجوامع» لحسن بن محمد بن محمود العطار. دار الكتب العلمية.

«حاشية الغرر البهية في شرح البهجة الوردية» لابن قاسم العبادي. المطبعة اليمنية.

«حاشية القاري على اللباب» لعلي القاري (ت 1014 هـ). دار الطباعة الكبرى العامرة. 1287 هـ.

«حاشية الهداية» لعبد الحي اللكنوي (1264 - 1304 هـ). ديوبند سهارنيور. 1401 هـ.

«حاشية تحفة المحتاج» لأحمد بن قاسم العبادي (ت 992 هـ). دار إحياء التراث العربي.

«حاشية تحفة المحتاج» لعبد الحميد الشرواني. دار إحياء التراث العربي.

ص: 249

«حاشية عبد الكريم المطري الدمياطي على شرح الشهاب الرملي على الستين مسألة» لأحمد بن سليمان. الطبعة الأخيرة. 1366 هـ.

«حاشية عزمي زاده على شرح المنار» لمصطفى بن بير علي. عزمي زاد هـ (ت 1040 هـ). مطبعة عثمانية. در سعادت. 1315 هـ.

«حاشية عصام الدين على شرح الوقاية» لإبراهيم بن محمد بن سيف الدين الحنفي. عصام الدين. (ت 951 هـ). من مخطوطات وزوارة الأوقاف العراقية برقم (3851).

«حاشية على شرح الرملي للستين مسألة» لأحمد الميهي الشبيني النعماني. الطبعة الأخيرة. 1357 هـ.

«حاشية كشف الحقائق» لعبد الحكيم الأفغاني. المطبعة الأدبية بمصر. ط 1. 1318 هـ.

«حاشية مرآة الأصول» للإزميري. المطبعة العامرة. شركة الصحافية العثمانية. 1393 هـ.

«حاشية مرآة الأصول» لمحمد بن أحمد الطرسوسي. مطبعة الحاج محرم أفندي البوسنوي. 1304 هـ.

«حاشية ملا خسرو على التلويح» لمحمد بن فرامُوز، ملا خسر و (ت 885 هـ). المطبعة الخيرية. القاهرة.

«حاشية نهاية المحتاج» لأحمد بن عبد الرزاق. المغربي الرشيدي (ت 1096 هـ). دار الفكر.

«حاشية نهاية المحتاج» لنور الدين بن علي الشبراملسي الأقهري (ت 1087 هـ). دار الفكر.

«حاشية يعقوب باشا على شرح الوقاية» ليعقوب باشا بن حضر بك بن جلال الدين. (ت 891 هـ). من مخطوطات وزارة الأوقاف العراقية برقم (4160).

«حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلي على المنهاج» لشهاب الدين القليوبي وعميرة. دار إحياء الكتب العربية.

«الحامدي على مرآة الأصول» لحامد أفندي. دار الطباعة العامرة. مصر. 1280 هـ.

«الحاوي في سيرة الإمام أبي جعفر الطحاوي» لمحمد زاهد بن الحسن الكوثري. المكتبة الأزهرية للتراث. القاهرة. 1419 هـ.

«الحج الأوفر في الحج الأكبر» لعلي بن سلطان محمد القار ي (ت 1014 هـ). دار الطباعة العامرة. مصر. 1287 هـ.

«حجة القراءات» لعبد الرحمن بن محمد بن زنجلة. ت: سعيد الأفغاني. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط 2. 1402 هـ.

«الحجة على أهل المدينة» لمحمد بن الحسن الشييبان ي (ت 189). ت: مهدي الكيلاني القادري. عالم الكتب. بيروت. مصورة عن طبعة لجنة إحياء المعارف النعمانية.

«الحدود والأحكام الفقهية» لمصنّفك علي بن مجد الدين (ت 875 هـ). ت: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1411 هـ.

ص: 250

«الحدود والسرقة من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: محمود عبد الجبار الهيتي. إشراف: أ. د. عبد الملك السعدي. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 1419 هـ.

«الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية» لعبد الغني بن إسماعيل النابلسي الحنفي (ت 1143 هـ). طبعة بولاق. مصر.

«حزامة الحواشي لإزاحة الغواشي على التوضيح» لشهاب الدين بن بهاء الدين المرجاني (ت 1306 هـ). المطبعة الخيرية. القاهرة.

«الحسامي مع حواشيه» لمحمد إبراهيم. المطبع المجتبائي. دهلي. 1347 هـ.

«حسرة العالم بوفاة مرجع العالم» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). مطبع جشمة فيض.1305 هـ.

«حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي» لمحمد بن زاهد الكوثر ي (ت 1371 هـ). دار الأنوار للطباعة والنشر. مصر. 1368 هـ.

«حسن الدراية لأواخر شرح الوقاية» للمولوي محمد عبد العزيز. المطبع اليوسفي. 1323 هـ.

«حلبي صغير» لإبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحَلَبي (ت 956 هـ). مطبوع في اسطتنبول. 1303 هـ.

«حلية العلماء في معرفة مذاهب العلماء الفقهاء» لمحمد بن أحمد الشاشي القفال (ت 507 هـ). ت: د. ياسين درادكه. ط.1. 1400 هـ. مؤسسة الرسالة ودار الأرقم. الأردن.

«حواشي الشرواني» لعبد الحميد الشرواني. دار الفكر. بيروت.

«حواشي ملتقطة على النقاية» . مطبع محمدي. دهلي. 1287 هـ.

«حياة الحيوان الكبرى» لمحمد بن عيسى الدَّميريّ المصري الشَّافعيّ (ت 808 هـ). المكتبة الإسلامية.

«الحيل (1) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: يوسف أحمد البالكي. إشراف: د. جمال الباجوري. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«الحيل (2) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: محمد شاكر الكيلاني. إشراف: أ. د. عبد العظيم البكاء. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«خريدة العجائب وفريدة الغرائب» لسراج الدين عمر بن الورد ي (ت 749 هـ). المكتبة الشعبية. بيروت.

«خزانة الفقه» لأبي الليث نصر بن محمد السمرقندي (ت 375 هـ). ت: د. صلاح الناهي. المطبعة الأهلية. بغداد. 1385 هـ.

«خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر» لمحمد أمين المحبي (ت 1699 م). دار صادر.

«خلاصة البدر المنير في تخريج كتاب الشرح الكبير للرَّافِعِي» : لعمر بن علي بن المُلَقِّن (ت 804 هـ). ت: حمدي السلفي. ط 1. 1410. مكتبة الرشد. الرياض.

«خلاصة الكيداني» من مخطوطات المكتبة القادرية في العراق.

ص: 251

«الخيرات الحسان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان» لأحمد بن محمد ابن حجر الهيتمي (974 هـ). بغداد.1989 م.

«الدر المختار شرح تنوير الأبصار» لمحمد بن علي بن محمد الحصكفي الحنفي (ت 1088 هـ). مطبوع في حاشية رَدّ المُحْتَار». دار إحياء التراث العربي. بيروت. وأيضاً: طبعة دار الكتب العلمية.

«در المنتقى في شرح الملتقى» لعلاء الدين محمد بن علي الحَصْكَفي (1088 هـ). دار الطباعة العامرة. 1316. بهامش مجمع الأنهر».

«الدراية في تخريج أحاديث الهداية» لأحمد بن علي ابن حَجَر العَسْقَلاني (773 - 852 هـ). دار المعرفة. بيروت. بدون تاريخ طبع.

«الدرة السمينة في الصلاة في السفينة» لأحمد بن محمد الحموي (ت 1098 هـ). من خطوطات مكتبة الأوقاف العامة ببغداد. مجموع (3796).

«الدرر البهية فيما يلزم المكلف من العلوم الشرعية» لأبي بكر بن محمد شطا الشافعي.1339 هـ

«الدرر الحسان في أحكام الحج والعمرة» للدكتور أحمد الحجي الكردي. دار البشائر الإسلامية. ط 1. 1418 هـ.

«درر الحكام شرح غرر الأحكام» لمحمد بن فرامُوز، ملا خسر و (ت 885 هـ). در سعادت. 1308 هـ.

«الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة» لأحمد بن علي بن حجر العسقلان ي (ت 852 هـ). دار الجيل.

«الدرر المباحة في الحظر والإباحة» لخليل بن عبد القادر النجلاوي. المطبعة العلمية. دمشق. ط 3. 1407 هـ.

«دعوى النسب من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: عباس عبد السيد. إشراف: أ. د. خالد رشيد الجميلي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«دفع الغواية» الملقبة بـ «مقدمة السعاية» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). باكستان. 1976 م.

«الذخائر الأشرفية في ألغاز الحنفية» لعبد البر بن محمد بن الشحنة (ت 921 هـ). ت: محمد حسن الشافعي. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1418 هـ.

«الذخيرة البرهانية» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). من مخطوطات جستر بيتي مصورة في الجامعة الأردنية برقم (3867).

«ذخيرة العقبى على شرح الوقاية» ليوسف جلبي. مطبع فتح الكريم الواقع في بندار لمبيء.1303.

«ذيل رفع التردد في عقد الأصابع عند التشهد» لمحمد أمين ابن عابدين (ت 1252 هـ). دار أحياء التراث العربي بيروت. ضمن رسائله.

ص: 252

«رحلة ابن بطوطة» المسماة «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» لمحمد بن عبد الله ابن بطوط ة (ت 779 هـ). المطبعة الأزهرية بمصر. ط.1. 1346 هـ.

«ردّ المحتار على الدر المختار» لمحمد أمين بن عمر ابن عابدين (ت 1252 هـ). دار إحياء التراث العربي. بيروت.

«الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة» لعبد الرحمن بن رجب الحنبلي (736 - 795 هـ). ت: د. وليد بن عبد الرحمن. دار عالم الفوائد. مكة المكرمة. ط 1. 1418 هـ.

«رسائل الأركان» لعبد العلي محمد اللكنوي، بحر العلوم (ت 1225 هـ). المطبع العلوي. لكنو. 1309 هـ.

«رسالة ابن أبي زيد القيراني» لعبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن النفزي القيرواني (ت 389). ط.3. مصر. 1323 هـ.

«الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة» لمحمد بن جعفر الكتاني. مكتبة الكليات الأزهرية. القاهرة.

«رسالة في جواز وقف النقود» لمحمد بن مصفطفى العمادي الأفندي. ت: صغير أحمد الباكستاني. دار ابن حزم. بيروت. ط 1. 1417 هـ.

«رسالة في مسنونية السواك» لأبي سعيد الخادمي. دار الطباعة العامرة. 1257 هـ. ضمن «المجموعة الشريفة القدسية» .

«رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة» لمحمد بن أحمد بن عبد الهادي بن قدامة المقدسي (ت 744 هـ). ت: محمد عيد عباسي. دار الثقافة للجميع. دمشق. ط 1. 1400 هـ.

«رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة» لمحمد بن أحمد بن عبد الهادي بن قدامة المقدسي (ت 744 هـ). ت: محمد عيد عباسي. دار الثقافة للجميع. دمشق. ط 1. 1400 هـ.

«رشحات الأقلام شرح كفاية الغلام» لعبد الغني النابلس ي (ت 1143 هـ). مطبعة التقدم. مصر. 1322 هـ.

«رفع الاشتباه عن مسألتي كشف الرؤوس ولبس النعال في الصلاة» لمحمد زاهد بن الحسن الكوثري (1371 هـ). المكتبة الأزهرية للتراث. مصر. 1415 هـ.

«رفع التردد في عقد الأصابع عند التشهد» لمحمد أمين ابن عابدين (ت 1252 هـ). دار أحياء التراث العربي بيروت. ضمن رسائله.

«رفع الستر عن كيفية إدخال الميت وتوجيهه إلى القبلة في القبر» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). مطبع دبدبة أحمدي. لكنو. 1303 هـ.

«رفع الغشاوة عن جواز أخذ الأجرة على التلاوة» لمحمود أفندي الحمزاوي. مطبعة مجلس المعارف. سورية. 1303 هـ.

«رمز الحقائق شرح كنْز الدقائق» لبدر الدين محمود بن أحمد العَيْنِ ي (762 - 855 هـ). مطبعة وادي النيل. مصر. 1299 هـ.

ص: 253

«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» لمحمود الألوسي (ت 1270 هـ). دار إحياء التراث. بيروت.

«روض الطالب» ليحيى بن زكريا الأنصار ي (ت 926 هـ). دار الكتاب الإسلامي.

«روض المناظر في علم الأوائل والأَواخر» لمحمد بن محمد ابن الشحنة (815 هـ). ت: سيد محمد مهنى. دار الكتب العلمية. ط 1. 1417 هـ.

«روضة الطالبين وعمدة المفتين» لمحيي الدين يحيى بن شرف النَّوَوِيّ الشَّافِعِيّ (ت 676 هـ). ط 2. 1405 هـ. المكتب الإسلامي. بيروت.

«الرياض البديعة في أصول الدين» . 1343 هـ.

«زاد الفقير» لمحمد بن عبد الواحد. ابن الهما م (ت 861 هـ). مطبعة جيد برقي بريس. دهلي. 1352 هـ.

«زاد المسير في علم التفسير» لعبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت 597 هـ). المكتب الإسلامي. بيروت. ط 3. 1404 هـ.

«زبدة النهاية حاشية شرح الوقاية» لمحمد عبد الحميد. المطبع المجتبائي. دهلي. 1340 هـ.

«زجاجة المصابيح» لعبد الله بن مظفر الحيدرآبادي. مطبع تاج بريس. حيدرآباد الدكن. الهند.

«الزكاة من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: أحمد عباس العيساوي. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 14 هـ.

«سبائك الذهب في معرفة قبائل وأنساب وتاريخ العرب» لشهاب الدين أبي العباس أحمد. مكتبة بسام. الموصل.

«سباحة الفكر في الجهر بالذكر» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. ط 5. 1415 هـ.

«السبعة في القراءات» لأحمد بن موسى التميمي (ت 324 هـ). ت: د. شوقي ضيف. دار المعارف. القاهرة. ط 2. 1400 هـ.

• «سبيل السعادة في معرفة أحكام العبادة لمحمد بن محمد المالكي. ط 3. 1378 هـ.

«سبيل الفلاح في شرح نور الإيضاح» لمحي الدين عبد الحميد. مكتبة دار البيروني. دمشق.

«السعاية في كشف ما في شرح الوقاية» طبع في المطبع المصطفائي سنة (1307 مـ). ثم صورت هذه الطبعة الحجرية في باكستان. والناشر هو: سهيل اكيرمي. لاهور. 1976 م.

«سفينة الصلاة» لعبد الله الحضرمي. مطبعة الفجالة الجديدة. صفر 1343 هـ.

«سفينة النجا في أصول الدين والفقه» لسالم بن سمير الحضرمي الشامي. شوال 1343 هـ.

«سلم النجاة على سفينة النجاة» لمحمد نووي. مطبعة الفجالة الجديدة. صفر 1343 هـ.

«السنة» لأحمد بن محمد الخلال (ت 311 هـ). ت: د. عطية الزهراني. دار الراية. الرياض. ط 1. 1410 هـ.

ص: 254

«السنة» لمحمد بن أحمد المروزي (ت 294 هـ). ت: سالم أحمد. مؤسسة الكتب الثقافية. بيروت. ط 1. 1408 هـ.

«سنن أبي داود» لسليمان بن أشعث السجستاني (ت 275 هـ). ت: محمد محيي الدين عبد الحميد. دار الفكر. بيروت.

«سنن ابن ماجه» لمحمد بن يزيد بن ماجه القزويني (ت 273 هـ). ت: محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر. بيروت.

«سنن البَيْهَقِي الكبير» لأحمد بن الحسين بن علي البَيْهَقِ ي (ت 458 هـ). ت: محمد عبد القادر عطا. 1414 هـ. مكتبة دار الباز. مكة المكرمة.

«سنن الترمذي» : لمحمد بن عيسى الترمذي (ت 279 هـ). ت: أحمد شاكر وآخرون. دار إحياء التراث العربي. بيروت.

«سنن الدَّارَقُطْنِي» لعلي بن عمر الدَّارَقُطْنِي (ت 385 هـ). ت: السيد عبد الله هاشم. دار المعرفة. بيروت. 1386 هـ.

«سنن الدارمي» لعبد الله بن عبد الرحمن أبي محمد الدارمي (ت 255 هـ). ت: فواز أحمد وخالد العلمي. ط 1. 1407 هـ. دار التراث العربي. بيروت.

«السنن الصغرى» لأحمد بن حسين البيهق ي (ت 458 هـ). ت: د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي. مكتبة الدار. المدينة المنورة. ط.1. 1410 هـ.

«سنن النَّسَائيّ الكبرى» لأحمد بن شعيب النَّسَائِي (ت 303 هـ). ت: د. عبد الغفار البنداوي وسيد كسروي حسن. ط 1. 1411 هـ. دار الكتب العلمية. بيروت.

«السنن الواردة في الفتن» لعثمان بن سعيد المقرئ الداني (ت 444 هـ). ت: د. ضياء الله المباركفوري. دار العاصمة. الرياض. ط.1. 1416 هـ.

«سنن سعيد بن منصور» لسعيد بن منصور (ت 227). ت: د. سعد أل حميد. دار العصيمي. الرياض. ط 1. 1414 هـ.

«السهم المصيب في كبد الخطيب» للملك المعظم أبي المظفر عيسى بن أبي بكر (ت 624 هـ). دار الكتب العلمية. بيروت.

«السير (1) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: إيمان خليل السامرائي. إشراف: أ. د. محمد عبيد الكبيسي. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«السير (2) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: فوزي عبد الرحمن السامرائي. إشراف: أ. د. خالد رشيد الجميلي. رسالةماجستير. جامعة بغداد.1999 م.

«السيف الصقيل في الرد على ابن الزفيل» لعلي بن عبد الكافي السبكي (ت 756 هـ)، ت: محمد زاهد الكوثري. مكتبة زهران. القاهرة.

ص: 255

«شذرات الذهب في أخبار من ذهب» لعبد الحي بن أحمد العكري (ت 1089 هـ). دار الكتب العلمية. بيروت.

«شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» لجعفر بن الحسن الحلي. مؤسسة مطبوعاتي إسماعليان.

«شرح أدب القاضي» لعمر بن عبد العزيز بن مازه البخاري (ت 536 هـ). ت: د. محيي هلال السرحان. ط 1. مطبعة الإرشاد. بغداد. 1397 هـ.

«شرح ابن العيني على المنار» لعبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد (ت 893 هـ). المطبعة العثمانية في دار الخلافة. 1316 هـ. بهامش «شرح المنار» .

«شرح ابن عاشر المسمى الحبل المتين على نظم المرشد المعين على الضروري من علوم الدين في مذهب الإمام مالك» لمحمد بن محمد بن المبارك المالكي. المكتبة الشعبية.

«شرح ابن عقيل» لعبد الله بن عقيل العقيلي المصري (ت 769 هـ). ت: محمد محيي الدين عبد الحميد. ط 2. بدون دار نشر وتاريخ طبع.

«شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية» لمحمد زيد الأبياني. منشورات مكتبة النهضة. بيروت - بغداد.

«شرح الجامع الصغير» لحسام الدين عمر بن عبد العزيز (ت 536 هـ) من مخطوطات مكتبة الأوقاف في الموصل برقم (1315).

«شرح الدائرة الهندية في معرفة سمت القبلة» لحسين الحسني الخلخالي (ت 1014 هـ). ت: دريد نوري. طبعة الأوقاف العراقية. ط 1. 1401 هـ.

«شرح الزيادات» لقاضي خان حسن بن منصور الأوزجندي (ت 592 هـ). من مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة ببغداد. برقم (4050).

«شرح الستين مسألة» لأحمد الرملي. الطبعة الأخيرة. 1357 هـ. بهامش «الحاشية على شرح الرملي للستين مسألة» .

«شرح السير الكبير» لمحمد بن أحمد السرخسي (ت 590 هـ). ت: د. صلاح المنجد. مطبعة شركة الإعلانات الشرقية. 1971 هـ.

«شرح الشريفي على الفرائض السراجية» لعلي بن محمد الحسيني الجُرْجانيّ الحَنَفِي (ت 816 هـ). المطبعة الأزهرية المصرية. 1326 هـ.

«شرح الفقه الأكبر» لعلي القاري الهروي (ت 1104 هـ). مطبعة مصطفى البابي. ط.2. 1375 هـ.

«الشرح الكبير» لأحمد الدردير. ت: محمد عليش. دار الفكر. بيروت.

«شرح المنار» لعبد اللطيف بن عبد العزيز الكرماني ابن ملك. (ت 801 هـ). المطبعة العثمانية في دار الخلافة. 1316 هـ.

«شرح النسفية في العقيدة الإسلامية» للدكتور عبد الملك السعدي. دار الأنبار. ط 2. 1420 هـ.

ص: 256

«شرح النقاية» لعبد الله بن محمَّد. أبو المكارم (ت: بعد:907 هـ). من مخطوطات مكتبة وزارة الأوقاف العراقية برقم (3548).

«شرح الوقاية» لمحمد بن عبد اللطيف ابن ملك الكِرْمَانِيّ (ت بعد: 806 هـ). من مخطوطات وزارة الأوقاف العراقية برقم (962).

«شرح تحفة الملوك والسلاطين» لعبد اللطيف بن عبد العزيز بن مل ك (ت 801 هـ). من مخطوطات دار صدام برقم (9866).

«شرح حدود ابن عرفة» لمحمد بن قاسم الرصاع المالكي (ت 894 هـ). المكتبة العلمية.

«شرح خلاصة الكيداني» لتاج الدين الريحاني. مطبع در أحمد أحمد حسن خان. الهند. 1299 هـ.

«شرح صحيح مسلم» : ليحيى بن شرف النووي (ت 676). ط 2. دار إحياء التراث العربي. بيروت.

«شرح قطر الندى» لعبد الله بن هشام الأنصار ي (ت 761 هـ). دار إحياء التراث العربي. بيروت. ط 11. 1383 هـ. مصورة عن مطبعة السعادة بمصر.

«شرح كاشفة السجا على سفينة النجا» لأحمد نووي الجاوي. شوال 1343 هـ.

«شرح مختصر خليل للخرشي» لمحمد بن عبد الله الخرشي (1101 هـ). دار الفكر.

«شرح مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان» لمحمد زيد الأبياني ومحمد سلامة السنجلقي. مطبعة المعارف. بغداد. ط 2. 1375 هـ.

«شرح مسند أبي حنيفة» لملا علي القار ي (ت 1014 هـ). ت: خليل الميس. دار الكتب العلمية. بيروت.

«شرح معاني الآثار» لأحمد بن محمد بن سلامة الطَّحَاوي (229 - 321 هـ). ت: محمد زهري النجار. دار الكتب العلمية. بيروت. ط.1. 1399 هـ.

«شرح ملا مسكين على كنْز الدقائق» لمعين الدين الهروي المعروف بملا مسكي ن (ت 954 هـ). المطبعة الخيرية. مصر. 1324 هـ.

«شرح منظومة رسم المفتي» لمحمد أمين بن عابدين (1252 هـ). دار إحياء التراث العربي. بيروت. مطبوعة ضمن رسائل ابن عابدين».

«شرح نظم المرشد المعين على الضروري من علوم الدين لابن عاشر الأندلسي» لعبد الواحد بن أحمد. الطبعة الأخيرة. 1371 هـ.

«شعب الإيمان» لأحمد بن الحسن البيهق ي (ت 458 هـ). ت: محمد بسيوني زغلول. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1410 هـ.

«شفاء العليل في الرد على من أنكر وقوع الطلقات الثلاث المجموعة بمرة أو بمرات بدون رجعة بينهما» لملا محمد بن عبد الله أبي عبيدي. مكتبة ملا صالح العبيدي. السليمانية.

ص: 257

«الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية» لأحمد بن مصطفى. طاشكبرى زاده (ت 968 هـ). دار الكتاب العربي. بيروت. 1975 م.

«الشهادات من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: فوزي شفيق العاني. إشراف: أ. د. عبد الملك السعدي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«الصحاح» لإسماعيل بن حماد الجَوْهَريّ (ت 393 هـ). ت: أحمد عبد الغفور. دار العلم للملايين. ط 1. 1979.

«صحيح ابن حبَّان بترتيب ابن بلبان» لمحمد بن حِبَّان التميم ي (354 هـ). ت: شعيب الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط.2. 1414 هـ.

«صحيح ابن خزيمة» لمحمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي (ت 311 هـ). ت: د. محمد مصطفى الأعظمي. 1390 هـ. المكتب الإسلامي. بيروت.

«صحيح البخاري» لمحمد بن إسماعيل الجعفي البُخَارِيّ (ت 256 هـ). ت: د. مصطفى البغا. ط 3. 1407 هـ. دار ابن كثير واليمامة. بيروت.

«صحيح مسلم» لمسلم بن الحجاج القُشَيْريّ النَّيْسَابوريّ (ت 261 هـ). ت: محمد فؤاد عبد الباقي. دار إحياء التراث العربي. بيروت.

«الصرف من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: سعد خلف الجنابي. إشراف: د. كامل شطيب الراوي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1420 هـ.

«صفوة الصفوة» لعبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت 597 هـ). ت: محمود فاخوري. ود. محمد رواس. دار المعرفة. بيروت. ط 2. 1399 هـ.

«الصلاة (1) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد بن مازه البخاري (ت 616 هـ). ت: كامل شطيب. إشراف: أ. د: عبد الله الجبوري. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد.1417 هـ

«الصلاة (2) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: حيزومه شاكر الشيخلي. إشراف: أ. د. محمد رمضان عبد الله. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 1422 هـ.

«الصلح من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: محمد بن الشيخ علي مرعي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 14 هـ.

«الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السَّخَاويّ (ت 902 هـ). دار الكتب العلمية. بدون تاريخ طبع.

«طبقات الحنفية» لعلي بن أمر الله قنالي زاده. ابن الحنائي (ت 979 هـ). من مخطوطات دار صدام للمخطوطات.

«الطبقات السنية في تراجم الحنفية» لتقي الدين بن عبد القادر التميمي. ت: د. عبد الفتاح الحلو. دار الرفاعي. الرياض. 1403 هـ.

«طبقات الشافعية الكبرى» لعبد الوهاب بن علي السبكي (727 - 771 هـ). دار المعرفة. ط.2.

ص: 258

«طبقات الشافعية» لأبي بكر بن هداية الله الحسيني (ت 1014 هـ). ت: عادل نويهض. دار الآفاق الجديدة. بيروت. ط 3. 1402 هـ.

«طبقات الشافعية» لعبد الرحيم بن الحسين الأسنوي (704 - 772 هـ). ت: كمال الحوت. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1407 هـ.

«طبقات الفقهاء» لأبي إسحاق الشيرازي (ت 476 هـ). ت: خليل الميس. دار القلم. بيروت. بدون تاريخ طبع.

«طبقات المفسرين» لمحمد بن علي الداود ي (ت 945 هـ). ت: علي محمد. مكتبة وهبة. مصر. ط 1. 1392 هـ.

«طرب الأماثل بتراجم الأفاضل» لعبد الحي اللكنوي (1264 - 1304 هـ). ت: أحمد الزعبي. دار الأرقم. بيروت. ط 1. 1998 م. وأيضاً: طبعة مطبع دبدبة أحمدي. لكنو. 1303 هـ.

«طرح التثريب في شرح التقريب» لزين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806 هـ). دار الفكر العربي.

«الطلاق من الأيمان بالطلاق إلى العتق من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: سليم ياسين الهيتي. إشراف: أ. د. محمد عبيد الكبيسي. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 1420 هـ.

«طلبة الطلبة» لعمر بن محمد النسف ي (ت 537 هـ). ت: محمد حسن الشافعي. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1418 هـ.

«الطهارات من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد بن مازه البخاري (ت 616 هـ). ت: لصالح الرواشده. إشراف: أ. د: عبد الله الجبوري. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 1406 هـ.

«ظفر الأماني بشرح مختصر الشريف الجرجاني» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. ط.3. 1416 هـ.

«العبر في خبر من غبر» لمحمد بن أحمد الذَّهَبِ ي (748 هـ). ت: د. صلاح الدين المنجد. مطبعة حكومة الكويت. 1963 مـ.

«عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات» لزكريا بن محمد بن محمود القزويني. المكتبة الإسلامية.

«عدة أرباب الفتوى» لعبد الله أسعد. بترتيب أبي السعود الشرواني. المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر. ط 1. 1304 هـ.

«العقد المنظوم في ذكر أفاضل الروم» لعلي بن بال ي (ت 992 هـ). دار الكتاب العربي. بيروت. 1395 هـ.

«عقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة» لمحمد مرتضى الحسيني. طبع في القسطنطينية. ط 2. 1309 هـ.

ص: 259

«العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية» لمحمد أمين بن عمر. ابن عابدين الحنفي (1198 - 1252 هـ). الطبعة الميرية ببولاق. مصر. 1300 هـ.

«العلل المتناهية» لعبد الرحمن بن علي الجوزي (ت 597 هـ). ت: خليل الميس. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1403 هـ.

«علماء النظاميات ومدارس المشرق الإسلامي» لناجي معروف. مطبعة الإرشاد بغداد. ط 1. 1973.

«عمدة البيان في معرفة فروض الأعيان» لعبد اللطيف المرداسي المالكي. ط الأخيرة.1373 هـ.

«عمدة الرعاية حاشية شرح الوقاية» لعبد الحي اللكنو ي (ت 1304 هـ). المطبع المجتبائي. دهلي. 1340 هـ.

«عمدة السالك وعدة الناسك» لأحمد بن لؤلؤ المشهور بابن النقيب المصري. ط الأخيرة. 1357 هـ.

«العناية على الهداية» لأكمل الدين محمد بن محمد الرومي البَابَرْت ي (ت 786 هـ). بهامش «فتح القدير للعاجز الفقير» . دار إحياء التراث العربي. بيروت.

«عيون المسائل» لنصر بن محمد. أبو الليث السمرقندي. ت: د. صلاح الدين الناهي. مطبعة أسعد. بغداد. 1386 هـ.

«غاية الاختصار» لأبي شجاع. ط 2. 1356 هـ.

«الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة» لعمر الغزنوي (ت 773 هـ). ت: محمد زاهد الكوثري. المكتبة الأزهرية للتراث. مصر. 1419 هـ.

«غرر الأحكام» لمحمد بن فرامُوز، ملا خسر و (ت 885 هـ). در سعادت. 1308 هـ. مع شرحه «درر الحكام» .

«الغرر البهية في شرح البهجة الوردية» ليحيى بن زكريا الأنصار ي (ت 926 هـ). المطبعة اليمنية.

«غمز عيون البصائر على الأشباه والنظائر» لأحمد بن محمد الحموي (ت 1098 هـ). دار الطباعة العامرة. مصر. 1290 هـ.

«غنية المستملي شرح منية المصلِّي» لإبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحَلَبي (ت 956 هـ). مطبعة سنده. 1295 هـ.

«غنية ذوي الأحكام في بغية درر الحكام» المشهورة بـ «الشرنبلالية» لحسن بن عمار بن علي الشرنبلالي (ت 1069 هـ). در سعادت. 1308 هـ.

«غيث الغمام على حواشي إمام الكلام» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). المطبع العلوي. لكنو. 1304 هـ.

«الفائق في غريب الحديث» لمحمود بن عمر الزمخشري (ت 538 هـ). ت: علي محمد. دار المعرفة. لبنان. ط 2.

ص: 260

«فتاوى أنقروي» . المطبعة العامرة السلطانية. الأستانة. 1281 هـ.

«فتاوى ابن نجيم» لزين الدين ابن نجي م (ت 970 هـ). المطبعة الأميرية ببولاق مصر. ط 1. 1322 هـ. في هامش «الفتاوى العتابية» .

«الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية» . وزارة الأوقاف المصرية. القاهرة. 1400 هـ.

«الفتاوي البَزَّازية» لمحمد بن محمد بن شهاب. ابن البَزَّاز الكَرْدَري الخَوَارِزميّ الحَنَف ي (ت 827). الطبعة الأميرية ببولاق مصر. 1310 هـ. بهامش الفتاوي الهندية».

«الفتاوى التاتارخانية» لعالم بن علاء الحَنَفيّ الأندريت ي (ت 786 هـ). من مخطوطات وزارة الأوقاف العراقية برقم (4181).

«الفتاوي الخيرية لنفع البرية» لخير الدين بن أحمد الرَّمْلِي الحَنَف ي (993 - 1081 هـ). دار المعرفة. ط 2. 1974 مـ. أعيدة بالأوفست عن الطبعة الأميرية. 1300 هـ.

«الفتاوى السراجية» لسراج الدين عليّ بن عثمان الأوشي. المطبع العالي في لكنو. 1302 هـ. بهامش «فتاوى قاضي خان»

«الفتاوى الغياثية» لداود بن يوسف الخطيب. المطبعة الأميرية ببولاق مصر. ط 1. 1322 هـ.

«الفتاوى الفقهية الكبرى» لأحمد بن محمد ابن حجر الهيتمي (974 هـ). المكتبة الإسلامية.

«الفتاوى الكاملية في الحوادث الطرابلسية» لمحمد كامل بن مصطفى الطرابلسي. مطبعة محمد أفندي. مصر. 1313 هـ.

«الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية» لمحمد العباسي. المطبعة الأزهرية المصرية. ط 1. 1301 هـ.

«الفتاوي الهندية» للشيخ نظام الدين البرهانفوري والقاضي محمد حسين الجونفوري والشيخ علي أكبر الحسيني والشيخ حامد بن أبي الحامد الجونفوري وغيرهم. المطبعة الأميرية ببولاق. 1310 هـ.

«الفتاوى الولوالجية» لعبد الرشيد الوَلْوَالِجي (ت بعد 540 هـ). من مخطوطات مكتبة الأوقاف العراقية برقم (4175).

«فتاوى قاضي خان» لحسَن بن منصور بن محمود الأُوزْجَنْدِيّ (ت 592 هـ). الطبعة الأميرية ببولاق. مصر. 1310 هـ. بهامش «الفتاوي الهندية» .

«فتح الباري شرح صحيح البُخَاري» لأحمد بن علي ابن حَجَر العَسْقَلانِي (ت 852 هـ). ت: محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب. 1379 هـ. دار المعرفة. بيروت.

«فتح العناية بشرح النقاية» لعلي بن سلطان محمد القاري (930 - 1014 هـ). ت: محمد نزار وهيثم نزار. دار الأرقم. ط 1. 1418 هـ.

«فتح الغفار بشرح المنار» لزين الدين بن إبراهيم. ابن نجيم. مطبعة مصطفى البابي الحلبي. مصر. ط 1. 1355 هـ.

ص: 261

«فتح القدير للعاجز الفقير على الهداية» لمحمد بن عبد الواحد ابن الهمام (ت 861 هـ). دار إحياء التراث العربي. بيروت. وأيضاً: طبعة دار الفكر.

«فتح الله المعين على شرح ملا مسكين» لأبي السعود. مطبعة إبراهيم المويلحي. مصر. 1287 هـ.

«فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين» لزين الدين المليباري الشافعي. 1343 هـ.

«فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب» وهو «حاشية الجمل على شرح المنهج» لسليمان الجمل. دار الفكر.

«فتوى الخواص في حل ما صيد بالرصاص» لمحمود أفندي الحمزاوي. مطبعة مجلس المعارف. سورية. 1303 هـ.

«الفرائد البهيّة في القواعد الفقهية» لمحمود أفندي حمزه. مطبعة حبيب أفندي. دمشق. 1298 هـ.

«الفرائض السراجية» لمحمد بن محمد السجاوندي. المطبعة الأزهرية المصرية. 1326 هـ.

«الفرائض والخنثى من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: حميد عوض اليماني. إشراف: أ. د. محمد عبيد الكبيسي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«الفصل في الملل والأهواء والنحل» لعلي بن حزم الظاهري (ت 456 هـ). أوفست مطبعة المثنى. بغداد.

«فصول البدائع في أصول الشرائع» لمحمد بن حمزة الفناري. مطبعة يحيى أفندي. 1289 هـ.

«فصول الحواشي لأصول الشاشي» . المطبع المجتبائي. دهلي. 1345 هـ.

«الفصول في الأصول» لأحمد بن علي الرازي الجصاص (ت 370 هـ). الطبعة الثانية لوزارة الأوقاف الكويتية.

«الفقه الإسلامي وأدلته» للدكتور: وهبه الزحيلي. دار الفكر. ط 4.

«فقه سعيد بن المسيب» للدكتور هاشم جميل. وزارة الأوقاف العراقية. 1974 هـ.

«الفلك الدوار فيما يتعلق برؤية الهلال بالنهار» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). المطبع المصطفائي. لكنو. 1299 هـ.

«فهرس الآثار الخطّية في المكتبة القادرية» لعماد عبد السلام رؤوف. مطبعة المعارف. بغداد. 1980 هـ.

«فهرس المخطوطات العربية في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد» للدكتور عبد الله الجبوري. وزارة الأوقاف العراقية. مطبعة الإرشاد. ط 1. 1973 م.

«فهرس مخطوطات الموصل» لسالم عبد الرزاق أحمد. 1395 هـ.

«فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية» لمحمد مطيع الحافظ. من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق. 1401 هـ.

«الفوائد البهية في المواريث الشرعية على مذهب أبي حنيفة» لقاسم بن نعيم الطائي الحنفي. بغداد. ط 1. 1423 هـ.

ص: 262

«الفوائد البهية في تراجم الحنفية» لعبد الحي اللكنوي (ت 2304 هـ). ت: أحمد الزعبي. دار الأرقم. بيروت. ط 1. 1998 م.

«فوات الوفيات» لمحمد بن شاكر الكتبي (ت 764 هـ). ت: د. إحسان عباس. دار صادر.

«فواتح الرحموت بشرح مُسَلَّم الثُّبُوت» لعبد العلي محمد بن نظام الدِّين الأَنْصَارِيّ. دار العلوم الحديثة. بيروت.

«الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني» لأحمد بن غنيم النفراوي المالكي (1125 هـ). دار الفكر.

«القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من كلام العرب شماطيط» لطاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 817 هـ). مؤسسة الرسالة. ط 2. 1407 هـ.

«القضا ء (2) من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: عبد الغفور أسامة الكليدار. إشراف: أ. د. عبد الملك السعدي. رسالةماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«قمر الأقمار على كشف الأسرار على المنار» لمحمَّد عبدالحليم اللَّكْنَوِيّ (ت 1285 هـ). المطبعة الأميرية ببولاق. 1316.

«قمع أهل الزيغ والالحاد عن الطعن في تقليد أئمّة الاجتهاد» لمحمد الخضر بن سيدي عبد الله الشنقيطي. مطبع دار إحياء الكتب العربية. مصورة عن طبعة عيسى الحلبي. مصر. 1345 هـ.

«قنية المنية» لمختار بن محمود الزَّاهِدي (ت 658 هـ). من مخطوطات مكتبة وزارة الأقاف العراقية برقم (7434).

«قواطع الأدلة في الأصول» لمنصور بن محمد السمعاني (ت 489 هـ). ت: محمد حسن. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1997 هـ.

«قواعد في علوم الحَدِيث» لظفر أحمد العثماني التهانوي (ت 1394 هـ). ت: عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. ط 5. الرياض.

«القوانين الفقهية» لمحمد بن أحمد بن جز ي (ت 741 هـ).

«قوت المغتذين بفتح المقتدين» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: الدكتور صلاح أبو الحاج. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط 1. 2002 هـ.

«القول الأشرف في الفتح من المصحف» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: الدكتور صلاح أبو الحاج. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط 1. 2002 هـ

«القول الجازم في سقوط الحد بنكاح المحارم» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). الهند. 1298 هـ.

«القول المنشور في هلال خير الشهور» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). المطبع المصطفائي. لكنو. 1299 هـ.

«الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة» لمحمد بن أحمد الذهبي (ت 748 هـ). ت: محمد عوامة. ط 2. 1413 هـ. دار القبلة للثقافة الإسلامية. مؤسسة علو. جدة.

ص: 263

«الكامل في التاريخ» لعلي بن محمد ابن الأثير الجزري (ت 630 هـ). دار الكتاب العربي.

«الكامل في ضعفاء الرجال» عبد الله بن عدي أبو أحمد الجُرْجاني (277 - 365 هـ). ت: يحيى مختار غزاوي. ط 3. 1409 هـ. دار الفكر. بيروت.

«كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار» لمحمود بن سليمان الكفوي (ت نحو 990 هـ). من مخطوطات المكتبة القادرية. بغداد. برقم (1242).

«كتاب الخراج» لأبي يوسف يعقوب بن إبراهي م (ت 182 هـ). المطبعة الميرية ببولاق. ط 1. 1302 هـ.

«كشف الأسرار شرح أصول البزدوي» لعبد العزيز بن أحمد البخاري (ت 730 هـ). دار الكتاب الإسلامي.

«كشف الأسرار شرح المنار» لعبد الله بن أحمد النسفي (ت 701 هـ). المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق. مصر. ط 1. 1316 هـ.

«كشف الالتباس عما أورده الإمام البخاري على بعض الناس» لعبد الغني الغنيمي الميداني الدمشقي (ت 1298 هـ). ت: عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. ط 1. 1414 هـ.

«كشف الحقائق» لعبد الحكيم الأفغاني. المطبعة الأدبية بمصر. ط 1. 1318 هـ.

«كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث» لإسماعيل بن محمد العجلوني (ت 1162 هـ). ت: أحمد القلاش. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط.4. 1405 هـ.

«كشف الستر في فرضية الوتر» لعبد الغني النابلس ي (ت 1143 هـ). ت: محمد زاهد الكوثري. المكتبة الأزهرية للتراث. مصر. 1416 هـ.

«كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون» لمصطفى بن عبد الله القسطنطيني الحنفي (1017 - 1067). دار الفكر.

«كشف الغمة عن جميع الأمة» لعبد الوهاب بن أحمد الشعراني (ت 973 هـ). مطبعة الكاستلية. 1281 هـ.

«كشف رموز غرر الأحكام وتنوير درر الحكام» للعالم الفاضل عَبْد الحليم. در سعادت. 1311 م.

«كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار» لأبي بكر الحصني الشافعي (ت 829 هـ). ط 2. 1356 هـ.

«الكفاية على الهداية» لجلال الدين الخوارزمي الكرلاني. دار إحياء التراث العربي. بيروت.

«الكلام الجليل فيما يتعلق بالمنديل» لعبد الحي اللكنوي (1264 - 2304 هـ). المطبع المصطفائي. لكنو. 1299 هـ.

«الكليات» لأبي البقاء أيوب بن موسى الكفوي (ت 1094 هـ). ت: د. عدنان درويش ومحمَّد المِصريّ. مؤسسة دار المعارف. ط 2. 1993 م.

ص: 264

«كمال الدراية بشرح النقاية» لأحمد بن محمد الشُّمُنِّيِّ الحنفي. (ت 872 هـ). من مخطوطات وزارة الأوقاف العراقية برقم (10603).

«كنْز البيان مختصر توفيق الرحمن على كنْز الدقائق» لمصطفى بن أبي عبد الله الطائي. طبع على ذمة حضرات مصطفى أفندي بالأزهر وشريكيه. 1319 هـ.

«كنْز الدقائق» لعبد الله بن أحمد النَّسَفِ ي (ت 701 هـ). طبع بالمطبعة الحميدية المصرية بالمناصرة بمصر. 1328 هـ.

«الكنى والألقاب» لمسلم بن الحجاج (ت 261 هـ). ت: عبد الرحيم القشقري. الجامعة الإسلامية. المدينة المنورة. ط 1. 1404 هـ.

«الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة» لنجم الدين الغزي. ت: د. جبريل جبور. الناشر: محمد أمين وشركاه. 1945 م.

«الكوكب المنير» لمحمد بن أحمد الفتوحي (ت 972 هـ). مطبعة السنة المحمدية.

«اللآلئ الدرية في الفوائد الخيرية» لخير الدين الرملي. المطبعة الأزهرية. مصر. ط 1. 1300 هـ.

«لباب المناسك وعباب السالك» لرحمة الله السندي. دار الطباعة العامرة.1287 هـ.

«اللباب في شرح الكتاب» لعبد الغني الغنيمي الدمشقي الميداني الحنف ي (1222 - 1298 هـ). ت: محمد محيي الدين عبد الحميد. دار إحياء التراث العربي. بيروت.

«لزوم طلاق الثلاث دفعه بما لا يستطيع العالم دفعه» لمحمد الخضر بن سيدي عبد الله الشنقيطي. المطبعة الوطنية. مصر.

«لسان العرب» لمحمد الأفريقي المصري ابن منظو ر (ت 711 هـ). ت: عبد الله الكبير ومحمد حسب الله وهاشم الشاذلي. دار المعارف.

«لمحات النظر في سيرة الإمام زفر» لمحمد زاهد الكوثري (ت 1371 هـ). المكتبة الأزهرية للتراث. مصر.

«المأذون من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: صالح شمران حسين. إشراف: د. إبراهيم الصايل. رسالة ماجستير. جامعة بغداد.

«المبدع» لإبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبل ي (816 - 884 هـ)، المكتب الإسلامي، بيروت، 1410 هـ.

«المبسوط» لمحمد بن أبي سهل السرخسي. المتوفَّى بحدود (500 هـ). 1406 هـ. دار المعرفة. بيروت.

«المبسوط» لمحمد بن الحسن الشيباني (ت 189 هـ). ت: أبو الوفاء الأفغاني. عالم الكتب. ط 1. 1410 هـ.

«متن الزبد» لأحمد بن رسلان. مطبعة مصطفى البابي الحلبي. مصر. ط 3. 1357 هـ.

ص: 265

«متن القدوري» لأحمد بن محمد القدوري (ت 428 هـ). مطبعة مصطفى الحلبي. مصر. ط.3. 1377 هـ

«المجتبى من السنن» لأحمد بن شعيب أبو عبد الله النسائ ي (215 - 303). ت: عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية. حلب. ط 2. 1406.

«المجرد شرح تغيير التنقيح» لأحمد بن سليمان بن كمال باشا الرُّوميّ (ت 940 هـ). مطبعة سي ـ فلجانجيلر. استانبول. 1308 هـ.

«مجلة المورد» العددان 3 - 4. المجلد 10. 1981 م.

«مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر» لشيخِ زاده الرُّومي عبدِ الرَّحمنِ بنِ محمد (ت 1078 هـ). دار الطباعة العامرة. 1316.

«مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 هـ). 1407 هـ. دار الريان للتراث ودار الكتاب العربي. بيروت.

«المجموع شرح المهذب» ليحيى بن شرف النوو ي (ت 676 هـ). ت: محمود مطرحي. بيروت. دار الفكر. ط 1. 1417 هـ.

«المحاضر والسجلات من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: عبد علي الشعباني. إشراف: د. عبد المنعم الهيتي. رسالةماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«المحلي على المنهاج» لجلال الدين المحلي. دار إحياء الكتب العربية.

«مختار الصحاح» لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي. (ت 666). ت: حمزة فتح الله. مؤسسة الرسالة. 1417 هـ.

«المختار» لعبد الله بن محمود الموصلي الحنف ي (ت 683 هـ). ت: زهير عثمان. دار الأرقم. مطبوع مع «الاختيار» .

«مختارات النوازل» لأبي الليث نصر السمرقند ي (ت 375 هـ). من مخطوطات دار صدام للمخطوطات. برق م (9572).

«مختصر الأخضري» لعبد الرحمن الأخضري المالكي. 1352 هـ. بهامش هداية المتعبد.

«مختصر الدر الثمين والمورد المعين شرح نظم المرشد المعين» لمحمد بن أحمد المالكي. الطبعة الأخيرة. 1371 هـ.

«مختصر الطحاوي» لأحمد بن محمد الطحاو ي (ت 321 هـ). ت: أبو الوفاء الأفغاني. دار الكتاب العربي.

«مختصر الفتاوى المهدية» لعبد الرحمن السويسي. مطبعة المؤيد. مصر. 1318 هـ.

«مختصر المزني» لإسماعيل بن يحيى المزن ي (ت 264 هـ). دار المعرفة. بيروت.

«مختصر خليل في فقه الإمام مالك» لخليل بن إسحاق بن موسى المالكي. مطبعة مصطفى البابي. مصر. 1341 هـ.

ص: 266

«مختلف الرواية» لمحمد بن عبد الحميد السمرقند ي (ت 552 هـ). ت: عيسى زكي عيسى. 1407 هـ.

«المدخل الفقهي العام» لمصطفى أحمد الزرقاء. دار الفكر. ط 10. 1387 هـ.

«المدونة الكبرى» لعبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي. الملقب بسَحْنون. (160 - 240 هـ). دار صادر. بيروت.

«المدونة» للإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ). دار الكتب العلمية.

«المذهب الحنفي» لأحمد بن محمد نصير النقيب. مكتبة الرشد. الرياض. ط 1. 1422 هـ.

«مرآة الأصول في شرح مرقاة الوصول» لمحمد بن فرامُوز بن علي. ملا خسرو (ت 885 هـ). مطبعة الحاج محرم أفندي البوسنوي. 1291 هـ.

«مرآة الجنان وعبر اليقظان في ما يعتبر من حوادث الزمان» لعبد الله بن أسعد اليافعي (ت 768 هـ). مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. ط.1. 1970 م.

«مرآة المجلة» ليوسف آصاف. المطبعة العمومية. مصر.1894 م.

«مراسيل أبي داود» لسليمان بن أشعث السجستاني (ت 275 هـ). ت: شعيب الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط.1. 1408 هـ.

«مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ونجاة الأرواح» لحسن بن عمَّار الشرنبلالي (1069 هـ). ت: عبد الجليل عطا. دار النعمان للعلوم. بيروت. ط.1. 1411 هـ.

«مرشد السالك في القرب من ملك الممالك» لعبد الوهاب السيد رضوان. 1369 هـ.

«المزارعة من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: لمحمد محمود العيساوي. إشراف: د. أحمد العيساوي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 14 هـ.

«المزهر في علوم اللغة وأنواعها» لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ). ت: فؤاد علي منصور. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1998 مـ.

«مسائل من الفقه المقارن» محاضرات ألقاها الدكتور هاشم جميل على طلبة الدكتوراة بكلية العلوم الإسلامية بجامعة بغداد.

«المستدرك علىالصحيحين» لمحمد بن عبد الله الحاكم (ت 405 هـ). ت: مصطفى عبد القادر. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1411 هـ.

«مستزاد الحقير حاشية زاد الفقير» لمحمد بدر عالم. مطبعة جيد برقي بريس. دهلي. 1352 هـ.

«المستصفى شرح النافع» لعبد الله بن أحمد النسفي (ت 701 هـ) من مخطوطات دار صدام برقم (9029).

«المستصفى» لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505 هـ). دار العلوم الحديثة. بيروت.

«مسلم الثبوت» لمحب الله بن عبد الشكور البهاري (ت 1119 هـ). المطبعة الحسينية المصرية. 1326 هـ.

ص: 267

«مسند أبي حنيفة» لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430 هـ). ت: نظر محمد الفاريابي. مكتبة الكوثر. الرياض. ط 1. 1415 هـ.

«مسند أبي داود الطيالسي» لسليمان بن داود (ت 204 هـ). دار المعرفة. بيروت.

«مسند أبي عوانة» ليعقوب بن إسحاق الاسفرائيني. أبي عوان ة (ت 216 هـ). ت: أيمن بن عارف. دار المعرفة. بيروت. ط.1.

«مسند أبي يعلى» لأحمد بن علي أبي يعلى الموصلي (ت 307 هـ). ت: حسين سليم أسد. دار المأمون للتراث. دمشق. ط.1. 1404 هـ.

«مسند أحمد بن حنبل» لأحمد بن حنبل (ت 241 هـ). مؤسسة قرطبة. مصر.

«مسند إسحاق بن راهويه» لإسحاق بن إبراهيم الحنظلي (ت 238 هـ). ت: عبد الغفور عبد الحق. مكتبة الإيمان. المدينة المنورة. ط 1. 1995 م.

«مسند ابن الجعد» لأبي الحسن علي بن الجعد الجوهري (ت 230 هـ). ت: عامر أحمد حيدر. مؤسسة نادر. بيروت.

«مسند البَزَّار» (البحر الزخار): لأبي بكر أحمد بن عمرو البَزَّا ر (ت 292 هـ). ت: د. محفوظ الرحمن. ط 1. 1409 هـ. مؤسسة علوم القرآن. مكتبة العلوم والحكم. بيروت. المدينة.

«مسند الحميدي» لعبد الله بن الزبير الحميدي (ت 219 هـ). ت: حبيب الرحمن الأعظمي. دار الكتب العلمية ودار المتنبي. بيروت والقاهرة.

«مسند الربيع» للربيع بن حبيب بن عمر الأزدي. ت: محمد بن إدريس. وعاشور بن يوسف. دار الحكمة. مكتبة الإستقامة. بيروت. عُمان. ط 1. 1415 هـ.

«مسند الروياني» لمحمد بن هارون الروياني (ت 307). ت: أيمن علي أبو يماني. مؤسسة قرطبة. القاهرة. ط 1. 1416 هـ.

«مسند الشاشي» للهيثم بن كليب الشاشي (ت 335 هـ). ت: د. محمود الرحمن. مكتبة العلوم والحكم. المدينة المنورة. ط 1. 1410 هـ.

«مسند الشافعي» لمحمد بن إدريس الشافعي (150 - 204 هـ). دار الكتب العلمية. بيروت.

«مسند الشاميين» لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطَّبَرَاني (ت 360 هـ). ت: حمدي السلفي. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط 1. 1405 هـ.

«مسند الشهاب» لأبي عبد الله محمد بن سلامة القُضَاع ي (ت 454 هـ). ت: حمدي السلفي. ط 2. 1407 هـ. مؤسسة الرسالة. بيروت.

«مشاهير علماء الأمصار» لمحمد بن حبان (ت 354 هـ). ت: فلايشهمر. دار الكتب العلمية. بيروت. 1959 مـ.

«مصباح الزجاجة» لأحمد بن أبي بكر الكنان ي (ت 840 هـ). ت: محمد الكشناوي. دار العربية. بيروت. ط 2. 1403 هـ.

ص: 268

«مصباح السالك شرح نظم أسهل المسالك» لعيد الوصيف محمد. ط 2. 1367 هـ.

«المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» : لأحمد بن علي الفيومي (ت 770 هـ). المطبعة الأميرية. ط.2. 1909 م.

«المصفى شرح منظومة الخلاف» لعبد الله بن أحمد النَّسَفِ ي (ت 701 هـ). ت: خالد نهاد ط.1. بغداد. 1419 هـ.

«المصنف في الأحاديث والآثار» لعبد الله بن محمد بن أبي شَيْبَةَ (159 - 235 هـ) ت: كمال الحوت. ط.1. مكتبة الرشد. الرياض. 1409 هـ.

«المصنف» لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (126 - 211 هـ). ت: حبيب الرحمن الأعظمي. ط.2. المكتب الإسلامي. بيروت. 1403 هـ.

«المضاربة من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: عبد الله علي القليصي. إشراف: أ. د. محمد عبيد الكبيسي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«معارف العوارف في أنواع العلوم والمعارف» لعبد الحي بن فخر الدين الحسني (ت 1341 هـ). راجعه: أبو الحسن الندوي. من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق. 1983. وهو مطبوع باسم الثقافة الإسلامية في الهند.

«معالم التنْزيل في علم التفسير» لحسين بن مسعود الفراء البغو ي (ت 516 هـ). ت: خالد العك ومروان سوار. دار المعرفة. بيروت. 1407 هـ.

«معتصر المختصر» ليوسف بن موسى الحنفي. عالم الكتب. مكتبة المتنبي. بيروت. القاهرة.

«المعتمد في أصول الفقه» لأبي الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري (ت 436 هـ). ت: خليل الميس. ط 1. 1403 هـ. دار الكتب العلمية. بيروت.

«معجم الأدباء» لأبي عبد الله شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي البغدادي (ت 626 هـ). مكتبة عيسى البابي الحلبي. الطبعة الأخيرة.

«معجم الإسماعيلي» لأحمد بن إبراهيم الإسماعيلي (ت 371 هـ). ت: زياد محمود. مكتبة العلوم والحكم. المدينة المنورة. ط 1. 1410 هـ.

«المعجم الأوسط» لسليمان بن أحمد الطبران ي (ت 360 هـ). ت: طارق بن عوض الله. دار الحرمين. القاهرة. 1415 هـ.

«معجم البلدان» لياقوت بن عبد الله الحموي (ت 626 هـ). دار الفكر. بيروت.

«معجم الصحابة» لعبد الباقي بن قانع (ت 351 هـ). ت: صلاح سالم. مكتبة الغرباء. المدينة المنورة. ط 1. 1418 هـ.

«المعجم الصغير» لسليمان بن أحمد الطَّبَرَانِي (ت 360 هـ). ت: عمر شكور محمود. ط 1. 1405 هـ المكتب الإسلامي. دار عمار. بيروت. عمان.

ص: 269

«المعجم الكبير» لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطَّبَرَاني (ت 360 هـ). ت: حمدي السلفي. ط 2. 1404 هـ مكتبة العلوم والحكم. الموصل.

«معجم المؤلفين» لعمر كحالة. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط 1. 1414 هـ.

«المعجم المختص بالمحدثين» لمحمد بن أحمد الذهب ي (ت 748 هـ). ت: د. روحية السويفي. دار الكتب العلمية. ط 1. 1416 هـ.

«معجم المطبوعات العربية والمعربة» لإلياس سركيس. مطبعة سركيس. مصر. 1928 م.

«المعجم المفهرس لألفاظ القُرآن» لمحمَّد فؤاد عبد الباقي. دار الكتب العلمية. 1996 م.

«المعجم الوسيط» للدكتور إبرهيم أنيس والدكتور عبد الحليم متنصر وعطية الصوالحي ومحمد خلف. دار إحياء التراث العربي. بيروت.

«معجم لغة الفقهاء» للدكتور محمد رواس قلعه جي. والدكتور حامد صادق. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط 2. 1408 هـ.

«معجم لغة الفقهاء» للدكتور: محمد رواس قلعه جي. والدكتور: حامد صادق. دار النفائس. ط 1. 1985 مـ.

«معجم مفردات ألفاظ القُرْآن» للعلامة أبي القاسم بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب الأصفهاني (502 هـ). تحقيق: نديم مرعشلي. دار الفكر.

«معجم مقاييس اللُّغَة» لأحمد بن فارس بن زكريا (ت 395 هـ). ت: عبد السلام هارون. دار الكتب العلمية.

«معنى قول الإمام المطلبي» لعلي بن عبد الكافي السبك ي (ت 756 هـ). ت: علي نايف بقاعي. دار البشائر الإسلامية. بيروت. ط 1. 1413 هـ.

«معونة الرحمن في مذهب أبي حنيفة النعمان» لإسماعيل أحمد الإسلامبولي. مصر.

«المغرب في ترتيب المعرب» لناصر بن عبد السيد المُطَرِّزِىّ (616 هـ). دار الكتاب العربي.

«مغني الإخوان على مذهب أبي حنيفة النعمان في كتاب العبادات» لخليل جدوع عطية. دار الأنبار. بغداد. 1998 هـ.

«مغني اللبيب عن كتب الأعاريب» لابن هشام. مطبعة المدني. القاهرة.

«مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج» لمحمد الخطيب الشربين ي (ت 977 هـ). دار الفكر.

«المغني في أصول الفقه» لعمر بن محمد الخباز ي (ت 691 هـ). ت: د. محمد مظهر بقا. جامعة أم القرى. مكرة المكرمة. ط 1. 1403 هـ.

«مفتاح السعادة ومصباح السيادة» لأحمد بن مصطفى طاشكبرى زاده (ت 968 هـ). دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1405.

«مفيدة الحسنى في دفع ظن الخلو بالسكنى» لحسن بن عمار الشرنبلال ي (ت 1069 هـ). ت: مشهور حسن. منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية.

ص: 270

«المقادير الشرعية وأهميتها في تطبيق الشريعة الإسلامية» لمنير حمود الكبيسي. رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة بغداد. 1414 هـ.

«مقالات الكوثري» لمحمد زاهد الكوثر ي (ت 1378 هـ). المكتبة الأزهرية للتراث. مصر. 1414 هـ.

«المقتنى في سرد الكنى» لمحمد بن أحمد الذهبي (ت 748 هـ). ت: محمد صالح. مطابع الجامعة الإسلامية. المدينة المنورة. 1408 هـ.

«مقدمات الإِمام الكوثري» محمد زاهد بن الحسن الكوثري (ت 1371 هـ) دار الثريا. دمشق. ط 1. 1997 م.

«مقدمة التعليق الممجد على موطأ محمد» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: الدكتور تقي الدين الندوي. دار السنة والسيرة بومباي ودار القلم دمشق. ط 1. 1991 مـ.

«المقدمة الحضرمية في فقه السادة الشافعية» لعبد الله بن عبد الرحمن الحضرمي. 1355 هـ.

«مقدِّمة السِّعَاية في كشف ما في شرح الوقاية» للكنوي (ت 1304 هـ). باكستان. 1976 م.

• «المقدمة العزية للجماعة الأزهرية لأبي الحسن المالكي الشاذل ي (ت 939 هـ). 1362 هـ.

«مقدمة الهداية» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ديوبند سهارنيور. 1401 هـ.

«مقدِّمة عمدة الرعاية حاشية شرح الوقاية» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). المطبع المجتبائي. دهلي. 1340 هـ.

«مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث» لمحمد عبد الرشيد النعماني. ت: عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. ط 4. 1416 هـ.

«الملتقط في الفتاوى الحنفية» لمحمد بن يوسف السمرقندي (ت 556 هـ). ت: محمود نصار ويوسف أحمد. دار الكتب العلمية. بيروت. ط 1. 1420 هـ.

«ملتقى الأبحر» لإبراهيم بن محمد الحلبي (ت 956 هـ). مطبعة علي بك. 1291 هـ.

«الملل والنحل» لمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548 هـ). ت: محمد سيد كيلاني. مطبعة مصطفى الحلبي. مصر. 1381 هـ.

«المنار في أصول الفقه» لحافظ الدين عبد الله بن أحمد النسفي (ت 701 هـ). در سعادت. 1326 هـ.

«المناسك من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: أحمد السيد البياتي. إشراف: د. أحمد محمد الباليساني. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1418 هـ.

«مناقب أبي حنيفة وصاحبيه» لمحمد بن أحمد الذهبي. (ت 748 هـ). ت: محمد زاهد الكوثري. المكتبة الأزهرية للتراث. مصر. 1416 هـ.

«المنتخب الحسامي» لحسام الدين الاخسيكثي (ت 644 هـ). المطبع المجتبائي. دهلي.1347 هـ.

«المنتقى شرح الموطأ» لسليمان بن خلف الباجي الأندلسي (474 هـ). دار الكتاب الإسلامي.

ص: 271

«المنتقى من السنن المسندة» لعبد الله بن علي بن الجارو د (ت 307 هـ). مؤسسة الكتاب الثقافية. بيروت. ط 1. 1408 هـ.

«منح الجليل شرح مختصر خليل» لعبد الله. الشيخ عليش (ت 1299 هـ). دار الفكر.

«منح الغفَّار في شرح تنوير الأبصار» لمحمد بن عبد الله الخطيب التُّمُرْتاشي الغَزَّي الحَنَفي (ت 1004 هـ). من مخطوطات وزارة الأوقاف العراقية برقم (4099).

«منحة الخالق على البحر الرائق» لمحمد بن أمين بن عابدي ن (ت 1252 هـ). ط 2. دار المعرفة.

«منحة السلوك في شرح تحفة الملوك» لبدر الدين محمود العين ي (ت 855 هـ). ت: محمد فاروق البدري. بإشراف د. محيي هلال السرحان. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. ج 2. 1421 هـ.

«منحة السلوك في شرح تحفة الملوك» لمحمود بن أحمد بدر الدين العين ي (ت 855 هـ). ت: ياسين علي البدري. بإشراف: د. محمود رجب. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. ج 1. 1421 هـ.

«منظومة القرطبي» ليحيى القرطبي الداري. ج 3. 1353 هـ.

«منظومة مبطلات الصلاة» لمحمد الرقيق. . ط 2. 1369 هـ.

«منهاج الطالبين وعمدة المفتين» ليحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ). مصطفى البابي الحلبي. الطبعة الأخيرة. 1359 هـ.

«المنهاج القويم على المقدمة الحضرمية» لأحمد بن محمد ابن حجر الهيتمي (974 هـ). ط 4. 1358 هـ.

«منهج الطلاب» ليحيى بن زكريا الأنصار ي (ت 926 هـ). مصطفى البابي الحلبي. الطبعة الأخيرة. 1359 هـ.

«المنهج الفقهي للإمام اللكنوي» لصلاح محمد سالم أبو الحاج. دار النفائس. عمان. 1422 هـ.

«المنهج القويم شرح المقدمة الحضرمية» لأحمد بن محمد ابن حجر الهيتمي (974 هـ). بدون دار طبع. وتاريخ طبع.

«منية المصلي وغنية المبتدي» لسديد الدين محمد بن محمد الكاشغري (ت 705 هـ). مطبعة محمدي. بمبئ. 1313 هـ.

«المهذب» لإبراهيم بن علي الشيراز ي (393 - 476 هـ). دار الفكر. بيروت.

«مواهب الجليل شرح مختصر خليل» لمحمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب (ت 954 هـ). دار الفكر. بيروت. ط 2. 1398 هـ.

«مواهب الرحمن في مذهب أبي حنيفة النعمان» لإبراهيم بن موسى الطرابلسي (ت 922 هـ). من مخطوطات وزراة الأوقاف العراقية برقم (3638).

«مواهب الصمد في حل ألفاظ الزبد» لأحمد بن حجازي الفشني. مطبعة مصطفى البابي الحلبي. مصر. ط 3. 1357 هـ.

«الموسوعة الفقهية الكويتية» لجماعة من العلماء. تصدرها وزارة الأوقاف الكويتية.

ص: 272

«موطأ مالك» لمالك بن أنس الصبحي (93 - 179 هـ). ت: محمد فؤاد عبد الباقي ز دار إحياء التراث العربي. مصر.

«مولد العلماء ووفياتهم» لمحمد بن عبد الله الربعي (ت 397 هـ). ت: د. عبد الله أحمد. دار العاصمة. الرياض. ط 1. 1410 هـ.

«ميزان الأصول في نتائج العقول في أصول الفقه» لمحمد بن أحمد السمرقندي (ت 539 هـ). ت: د. عبد الملك السعدي. طباعة وزارة الأوقاف العراقية. ط 1. 1407 هـ.

«ميزان الاعتدال في نقد الرجال» لمحمد بن أحمد الذهب ي (ت 748 هـ). ت: د. عبد الفتاح أبو سنة. دار الكتب العلمية. بيروت. ط.1. 1416 هـ.

«النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير» لعبد الحي اللكنو ي (ت 1304 هـ). عالم الكتب. ط.1. 1406 هـ.

«نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار تكملة فتح القدير على الهداية» لشمس الدين أحمد. قاضي زاده (ت 988 هـ). دار إحياء التراث العربي. بيروت.

«النتف في الفتاوى» لعلي بن الحسين السغد ي (ت 461 هـ). ت: د. صلاح الدين الناهي. مطبعة الإرشاد. بغداد. 1975 م.

«النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» ليوسف بن تغرة بردة الأتابكي (813 - 874). وزارة الثقافة والإرشاد القومي. المؤسسة المصرية العامة.

«نخبة الأنظار على تحفة الأخيار» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: عبد الفتاح أبو غدَّة. مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. ط 1. 1992 م.

«نزهة الأرواح فيما يتعلق بالنكاح» لمحمد عبد الرحمن المحلاوي. المطبعة العامرة الشرقية. مصر. ط 1. 1314 هـ.

«نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر» لعبد الحي بن فخر الدين الحسني (ت 1341 هـ). دائرة المعارف العثمانية. الهند. راجعه أبو الحسن الندوي. ط 1. 1972 م.

«نزهة الفكر في سبحة الذكر» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: صلاح محمد سالم. دار الفتح. عمان. 2000. ط 1.

«نسمات الأسحار على شرح إفاضة الأنوار على المنار» لمحمَّد علاء الدِّين الحصني الحَنَفِي: للعالم محمد أمين بن عمر ابن عابدين (ت 1250 هـ). مطبعة مصطفى البابي. ط 2. 1979 م.

«نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية» لعبد الله بن يوسف الزَّيْلَعِي (ت 762 هـ). ت: محمد يوسف البنوري. دار الحديث. مصر. 1357 هـ.

«النظامي شرح المنتخب الحسامي» لمحمد نظام الدين الكيرانوي. المطبع المجتبائي. دهلي.1324 هـ

«نظرية العقد قواعده العامة ومصطلحاته» لعيسوي أحمد عيسوي. مصر.

«نظم أسهل المسالك في مذهب الإمام مالك» لمحمد البشار. ط 2. 1367 هـ.

ص: 273

«نظم مقدمة ابن رشد» لعبد الرحمن الرقعي. ط 2. 1369 هـ.

«النفحة القدسية في أحكام قراءة القرآن وكتابته بالفارسية» لحسن بن عمار الشرنبلال ي (ت 1069 هـ). المطبعة الرحمانية. مصر. ط 1. 1355 هـ.

«النفحة بتحشية النزهة» للإمام اللكنوي (1264 - 1304 هـ). ت: صلاح محمد سالم. دار الفتح. عمان. 2000. ط 1.

«نفع المفتي والسائل بجمع متفرقات المسائل» لعبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ). ت: صلاح محمد أبو الحاج. دار ابن حزم. بيروت. 2001 هـ.

«النفقات» للخصاف. ت: أبوالوفاء الأفغاني. الدار السلفية. الهند.

«النفقة من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: طه عبد الرزاق العاني. إشراف: أ. د. محمد عبيد الكبيسي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد. 1998 م.

«النقاية» لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود (ت 747 هـ). مطبع دهلي. 1286 هـ.

«النكاح إلى النفقة من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: مفلح عبد الواحد الهيتي. إشراف: أ. د. عبد الملك السعدي. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 1419 هـ.

«النكت في المسائل المختلف فيها» «كتاب النكاح حتى كتاب الإقرار)) (3) لإبراهيم بن علي الشيراز ي (ت 467 هـ). ت: أنس ياسين المولي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد.1420 هـ.

«النكت في المسائل المختلف فيها» «من أول الكتاب إلى آخر كتاب الزكاة)) (1) لإبراهيم بن علي الشيراز ي (ت 467 هـ). ت: عقيل عبد المجيد فرج. رسالة ماجستير. جامعة بغداد.420 اهـ.

«النكت في المسائل المختلف فيها» «من مسائل الصيام إلى نهاية مسائل الفرائض)) (2). لإبراهيم الشيراز ي (ت 467 هـ). ت: عيسى أحمد الفلاحي. رسالة ماجستير. جامعة بغداد.1420 هـ.

«نهاية السول مع حاشيته» لجمال الدين الآسنوي الشافعي. عالم الكتب.

«نهاية المحتاج إلى شرح ألفاظ المنهاج» لمحمد بن أحمد الرملي المصري الشهير بالشافعي الصغير (ت 1004 هـ). دار الفكر.

«نهاية المراد في شرح هدية ابن العماد» لعبد الغني النابلس ي (ت 1143 هـ). ت: عبد الرزاق الحلبي. مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث. دبي. ط 1. 1414 هـ.

«نور الأنور شرح المنار» لأحمد بن أبي سعيد الميهوي الصديقي (ت 1130 هـ). المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق. مصر. ط 1. 1316 هـ.

«نور الإيضاح ونجاة الأرواح» لحسن بن عمار الشرنبلال ي (1069 هـ). دار النعمان للعلوم. دمشق. بيروت. ط 2. 1417 هـ.

«النور اللامع في أصول الجامع» لمحمود أفندي الحمزاوي. مطبعة مجلس المعارف. سورية. 1303 هـ.

ص: 274

«نيل الفرقدين في رفع اليدين» لمحمد أنور شاه الكشميري. من مطبوعات المجلس العلمي. دهلي. 1350 هـ.

«هبة الفتاح بتكملة مراقي الفلاح» لمحيي الدين عبد الحميد. مكتبة دار البيروني. دمشق.

«الهبة والصدقة وخمسة فصول من البيوع من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدي ن (616 هـ). ت: عبد الله الحمدي. إشراف: د. حسين الجبوري. رسالة ماجستير. جامعة بغداد.1421 هـ

«هداية المتعبد السالك» لصالح عبد السميع الآبي الأزهيري المالكي. 1352 هـ.

«الهداية شرح بداية المبتدي» لعلي بن أبي بكر المرغينان ي (ت 593 هـ). مطبعة مصطفى البابي. الطبعة الأخيرة.

«هدية الصعلوك شرح تحفة الملوك» لمحرم بن محمد الزيلي. ايدنمشدر. 1295 هـ.

«هدية العارفين» : لإسماعيل باشا البغدادي (ت 1339 هـ). دار الفكر. 1402 هـ.

«الهدية العلائية» لعلاء الدين. ابن عابدين. ت: محمد سعيد البرهاني. ط 5. 1416 هـ.

«هرات تاريخها آثارها رجالها» . لخليل الله الخليلي. مطبعة المعارف بغداد.1974.

«واقعات المفتين» لعبد القادر بن يوسف. قدري أفندي. المطبعة الأميرية ببولاق مصر. ط 1. 1300 هـ.

«الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» لعلي بن أحمد الواحدي (ت 468 هـ). ت: صفوان عدنان. دار القلم. الدار الشامية. دمشق. بيروت. ط 1. 1415 هـ.

«الوجيز في علامات الكتابة الترقيم» للدكتور توفيق حمارشه. عمان. ط.1. 1415 هـ.

«الوسائل إلى معرفة الأوائل» لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849 - 911 هـ)، ت: د. إبراهيم العدوي، ود. علي محمد عمر. مكتبة الخانجي. القاهر. ط 2. 1413 هـ.

«الوسيط في أصول فقه الحنفية» لأحمد فهمي أبو سنة. مطبعة دار التأليف. مصر.

«الوسيط في المذهب» لمحمد بن محمد الغزالي (ت 505 هـ). ت: أحمد محمود إبراهيم ومحمد محمد تامر. ط 1. 1417 هـ. دار السلام. القاهرة.

«الوشاح على نور الإيضاح ونجاة الأرواح» لعبد الجليل عطا. دار النعمان للعلوم. بيروت. 1417 هـ.

«الوصايا من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدين (616 هـ). ت: أحمد عبد العسافي. إشراف: أ. د. عبد الملك السعدي. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 1422 هـ.

«وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان» لأحمد بن محمد ابن خَلكان (ت 681 هـ). ت: د. إحسان عباس. دار الثقافة. بيروت.

«الوفيات» لمحمد بن رافع السلامي (704 - 774 هـ). ت: صالح مهدي عباس. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط 1. 1402 هـ.

ص: 275

«الوقف من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدين (616 هـ). ت: خالد أحمد صالح. إشراف: أ. د. محمد عبيد الكبيسي. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 1419 هـ.

«الوكالة من المحيط البرهاني» لمحمود بن أحمد. برهان الدين (616 هـ). ت: معاذ عبد العليم السعدي. إشراف: أ. د. عبد الستار حامد الدباغ. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد. 1421 هـ.

«الينابيع في معرفة الأصول والفروع شرح القدوري» لمحمد بن رمضان. من مخطوطات مكتبة الأوقاف بغداد. برقم (3723).

* * *

ص: 276